03-08-14, 12:11 AM | #61 | |||||||||
نجم روايتي ومشرفة سابقة وعضوة فريق الكتابة للروايات الرومانسية
| الفصل التاسع "أريد أن أتحدث معك قليلا." توترت أعصاب سارة لسماعها هذه الكلمات المقتضبة، و وضعت فنجان القهوة من يدها و الذي كانت قد سبق و رفعته إلى شفتيها. كانت الساعة الثامنة، و كانت قد فرغت لتوها، من وضع روبي في فراشه. و كانت على وشك القول لغراي أن الوقت قد حان لذهابها. حتى الآن، كان روبي قد تجاوز محنته بسرعة مدهشة. لقد استيقظ من نومه أثناء العصر، و مع أنه لم يذكر شيئا عما حدث، و بقي متعلقا بها جسديا و عاطفيا، إلا أنها استطاعت أن تحقق معه برقة عن السبب الذي ألجأه إلى الهرب. و أخبرها هو بما سبق و أخبر به الشرطة من أنه سمع جدالها مع غراي، و صمم على أنه، إذا لم تعد إلى البيت، فانه لن يبقى فيه مع أبيه بدونها. و عند ذلك أخبرته، بهدوء، عن مبلغ حب أبيه له و قلقه لأجله، و أخبرته، أيضا، أن الكبار يتشاجرون أحيانا مع بعضهم البعض. و بدا عليه و كأنه تقبل ما قالته له، مع أنها لم تستطع أن تفعل شيئا إزاء تجنبه أي نوع من الاتصال بابيه. و الآن، ما هو ذا غراي يخبرها باقتضاب: "إن روبي بحاجة إليك هنا أكثر مما هو بحاجة إليّ أنا.إنني أعلم أنك سبق و رفضت السكن في هذا المنزل، و لكنني أتساءل عما إذا كان في إمكانك أن تراجعي التفكير في قرارك هذا، و تنتقلي للسكن معنا هنا." ماذا في استطاعتها أن تقول؟ و أرادت أن ترفض، و لكنها أدركت أنه لم يكن في حالة تسمح له بالاستماع إليها. و بالنسبة إلى تذكيرها له بأنهما سبق و اتفقا على أن يبحث عن امرأة أخرى للعناية بروبي... عل في إمكانها أن تفعل ذلك الآن؟ و كالعادة، أفسد عليها قلبها الرقيق كل شيء... و إلى جانب هذا، إذا شاءت أن تكون صريحة مع نفسها، أليست ميولها، على الأكثر، بجانب البقاء هنا؟ حتى ولو كان هذا يعني زيادة تخبطها في الشرك الذي وقعت فيه؟ أهذا ما تريده حقا؟ لقد سبق و منحت عاطفتها و حنانها إلى روبي، كما منحت غاري الشعور نفسه... كيف سيكون في إمكانها العيش معه تحت سقف واحد، الآن، بعد الذي حدث بينهما؟ و لكن بالنسبة إلى مصلحة روبي، هل يمكنها أن ترفض؟ و تنفست بعمق و هي تبعد مشاعرها الخاصة جانبا، لتقول لنفسها أن مصلحة روبي هي قبل كل شيء. و سمعت غراي يقول بجفاء: "إنني لا أريد أن أقوم بأي ضغط عاطفي عليك. و لكن، لأجل روبي..." قالت سارة: "سأمكث هنا لأجل مصلحة روبي. و لكن، هنالك شرط، هو : يجب أن تخصص وقتا روبي... وقتا يسمح لك بمعرفته كما يسمح له بمعرفتك." و أراد أن يرد عليها و لكنها لم تسمح له بذلك. كانت تريد أن تدلي برأيها الآن قبل أن تفقد شجاعتها و قدرتها على أن تجعله يرى أهمية ردم الهوة بينه و بين روبي، و بسرعة. ثم تابعت: "إنني أعرف أنك ستتذرّع بأشغالك الكثيرة و لك هذا، بالضبط ما عليك القيام به. يجب أن يكون اهتمامك موجها لروبي قبل ي شيء آخر. و هذا ينطبق علينا، نحن الاثنين." و ساد صمت متوتر، و كانت هي تحبس أنفاسها، تخشى أن ينكر حقيقة ما كانت تقول، و يرفض التماسها هذاـ و لكنها شعرت بالارتياح و هو يقول بصوت خشن: "هل أفهم من هذا أنني إذا لم أقبل بهذا الشرط، فانك سترفضين المكوث هنا؟" و فكرت أن تجيب بالإيجاب، و لكن ضميرها لم يطعها... وهكذا هزت رأسها نفيا و هي تقول: "كلا. ليس بإمكاني فعل ذلك، و لكنك يجب أن تقدر الآن أهمية قيامك بتوثيق علاقتك مع روبي، و الطريقة الوحيدة لذلك، هي أن تمضي مزيدا من الوقت معه. ألا ترى أنه لا يكفي أن تخبرني بأنك تحبه؟ يجب أن يلمس روبي منك هذا للحي، يجب أن تتمكن من اكتساب ثقته." و سادت فترة طويلة من الصمت، سمعته بعدها، يقول مكرها: "حسنا جدا، إذن. عليّ أن أذهب إلى المكتب غدا لأجل مشكلة أمر أو أمرين... و لكن هذا بالنسبة إلى الغد فقط، و أي عمل عاجل يظهر فجأة دون توقع، فأظن أنه بإمكاني دوما التعامل بشأنه من هنا." و كان غراي عند كلمته، و مضى أسبوع تقريبا على الهلع الذي سببه لهما روبي، بهربه, لتجد سارة نفسها تحبس أنفاسها ابتهاجا ذات صباح، عندما وجه روبي سؤالا ما إلى أبيه بدلا من توجيهه إليها كالعادة. صحيح أنه كان سؤال بسيطا عن الكيفية التي سيمضيان بها هذا النهار، و لكنه كان اختراقا لمقاطعته لأبيه، اعترافا واضحا من روبي بأن أباه موجود و له دور في حياته، و أدركت من نظرة سريعة إلى وجه غراي أنه انتبه هو أيضا إلى ذلك. و في صباح اليوم التالي، و عندما نزلت إلى الطابق الأسفل و رأت روبي يسأل أباه عما إذا كان في إمكانهم أن يتناولوا طعام الغذاء في مطعم ماكدونالد، اكتسحها شعور بالوحشة جعل الدمع يتدفق من عينيها، و هي تعترف لنفسها بأنها، إذا لم تستطع أن تحصل على ولد من غراي، فربما لن يكون لها ولد على الإطلاق، ذلك أنها لن تحب رجلا أبدا كما تحب غراي، و التفكير في أن تسمح بأن يحدث بينها و بين رجل آخر، نفس ما حدث بينها و بين غراي، هذا التفكير إنما هو انتهاك لحرمة الحب، و ذلك رغم تأكدها بأن هذا لا يعني، بالنسبة إلى غراي نفسه، شيئا. كانت قد صممت على أن تدع شخصا سواها يعرف ما كلفها نبذ مشاعرها جانبا، لكي تمكث مع غراي تحت سقف واحد و هي تلاحظ بدقة الطريقة التي يحاول بها، دوما، تجنب الاقتراب منها، الطريقة التي كان يتجنب بها حتى النظر إليها... كما لو كان... كما لو كان قد امتلأ اشمئزازا حرجا مما حدث بينهما. حتى أنه أصبح يرى وجودها عبئا عليه احتماله في سبيل مصلحة روبي. في بعض الأيام، كان توتر الأعصاب يبلغ بها منتهاه، و كان إحساسها بوجوده يتملك مشاعرها، فتشعر بالشوق إليه يرهق نقسها إلى حد لم تكن تعرف كيف سيمكنها احتماله. و لكنها، مع هذا، كانت تتمكن من ذلك بطريقة ما... و ذلك بتذكير نفسها بسبب وجودها هنا، و أهمية ظهورهما معا، أمام روبي، بانسجام تام، و تأثير ذلك على استقراره النفسي. و في نفس الوقت، كانت تدرك مبلغ الصعوبة التي يجدها غراي في هذه الأشياء. كان النظر في عينيه و هو يراقب ابنه روبي دون انتباه منه إلى مراقبتها له هو نفسه، كان هذا يبعث الدموع في عينيها تأثرا له و عطفا عليه. كيف أمكنها أن تشك في حبه لابنه يوما؟ فكانت، عند ذلك، تتمنى لو أن عندها قوة خارقة تهدم بها تلك الحواجز التي تقوم بينهما. لقد كان روبي صبيا عاطفيا بالطبيعة، و لكن قابليته في أن يضع ثقته في أبيه، قد أفسدتها أمه، مما جعله إذا ما اقترب خطوة إلى الأمام في علاقته بأبيه، يعود فيرجع خطوتين إلى الخلف. كما حدث يوم أخذهما غراي في رحلة بالسيارة، ثم إلى الموقف الريفي لكي ينزلا و يسيرا على الأقدام، عند ذلك رفض روبي أن يسير في محاذاة أبيه، طالبا أن يسير و سارة معا على أن يسير غراي وحده خلفهما. و لكن سارة طمأنت نفسها إلى أنهما يسيران في طريق النجاح. ففي الليلة الماضية، قرأ غراي لروبي حكاية النوم، و الآن روبي قد ابتدأ، في الواقعـ يتحدث إلى أبيه مباشرة. فلا عجب إذن، أن يبدو غراي على هذا الدرجة من التوتر. فان حبه لوربي إلى هذه الدرجة، لابد قد جعله بعاني من ضغط لا يحتمل. و مع هذا، فقد كانت مقتنعة تماما،أنه مع الوقت سيتحول روبي نحو أبيه، و سيتغلب على عدم الثقة به، و المغروس في أعماقه، ليدرك مقدار حب أبيه له، و عندما يحدث هذا، سيكون دورها هي قد انتهى، و لن يعود ثمة ضرورة لوجودها، فماذا سيكون شعورها عند ذلك؟ و أي إحساس سيتملكها عندما يحين وقت رحيلها؟ كان شعورها يزداد بالحزن و الأسى يوما بعد يوم، و لم تجد وسيلة لتخفيف آلامها سوى في استسلامها إلى دموع الوحدة و الوحشة التي كانت تذرفها كل ليلة، أثناء رقادها. لقد كانت تعذبها آلام الحب و الشوق التي لم تكن تتوقف، و اللهفة إلى النظر في عيني غراي لترى أعماقهما انعكاس كل ما يحتويه قلبها. مثل هذه الأحلام الغبية المستحيلة، ما الذي جعلها تلتصق بها بكل هذه الحماقة، في الوقت الذي كانت تعرف فيه أنها تزيد في آلامها و يأسها؟ و في تلك الليلة، بعد أن استحم روبي ووضعته سارة في الفراش، ثم قبلته متمنية له ليلة سعيدة، تعلق بها بشدة و قال لها: "أتمنى لو كنت أمي، يا سارة." و ملأت الدموع عينيها، فأشاحت بوجهها لكي لا يرى دموعها هذه. و لكن، لتتجمد في مكانها، ذلك أن غراي كان واقفا عند باب الغرفة بالضبط، و علمت هي مما بدا على ملامحه، أنه قد سمع ما قاله ابنه. و مضت لحظة وقف فيها ينظر إليها، ثم بصمت، و دون أية كلمة، استدار على عاقبيه، ثم مشى مبتعدا. و سألها روبي متأثرا: "هل سيأتي بابا ليقرأ لي الحكاية، هذه الليلة؟" و لكن، للمرة الأولى لم تفلح هذه البادرة التي جاءت أخيرا، لتبشر في قبوله بدور أبيه في حياته، في رفع روحها المعنوية. وردت عليه بلهجة آلية: "أظن ذلك." ثم نهضت من مجلسها بجانب السرير متوجهة نحو الباب. عندما نزلت إلى الطابق الأسفل، لم تجد في المطبخ أثرا لغراي. و لكن، عندما عادت إلى الردهة، رأت نورا يتسرب من أسفل غرفة المكتب. قرعت الباب، و عندما فتحه غراي، قالت له بسرعة، بدون أن تستطيع النظر في وجهه مباشرة: "إن روبي ينتظرك لكي تقرأ له الحكاية." و مشت مبتعدة دون انتظار جوابه، شاعرة بالحرج، و هي تتصور ماهية شعوره و هو يسمع تمني روبي بأن تكون هي أمه. و كانت هي تعرف مسبقا، مبلغ عدم اهتمامه هو بوجودها في حياته، و أنه يحتمل وجودها في منزله لأجل مصلحة ابنه فقط. و كانت تلاحظ دوما الطريقة التي يتصرف بها نحوها في أغلب الأحيان، مما ينفي أن تكون تصوراتها تلك غير حقيقية. ذلك أنه، كلما اقتربت منه، بالصدفة، إلى درجة غير عادية، كان يتراجع إلى الخلف بسرعة مبتعدا عنها، محتفظا، على الدوام، بمسافة بينهما جسديا، كما ابتعد عنها، عاطفيا، بعد ما حدث بينهما. سمعته يصعد السلم إلى غرفة روبي، و لكنها بقيت في المطبخ، فقد كانت تتوقع أنه، عندما ينزل، سيتوجه إلى غرفة المكتب مرة أخرى. ذلك أنهما قد يكونان يعيشان في منزل واحد، و لكن ما أن يصبح روبي في فراشه، حتى ينعزل كل منهما عن الآخر، تماما، فهي إما في المطبخ، و إما في غرفة نومها. أما غراي، فهو يعمل، عادة، في غرفة مكتبه. و كانت تتشاغل بقراءة مقال في صحيفة، عندما سمعته يهبط السلم. و توتر جسدها متوقعة أن تسمع كالعادة، صوت باب غرفة المكتب يفتح، لكي يغلق مرة أخرى، مما يرمز إلى نفيه لها من حياته، ليضع الحواجز بينهما. و في الواقع، كانت من الثقة في أنه سيذهب إلى غرفة المكتب، إلى حد أنها أجفلت مذعورة و هي تراه يدخل المطبخ و من شدة دهشتها وقفت تحدق فيه دون أن تتمكن من النطق. و قال لها فجأة: "إنني... إنني مسافر لأيام قليلة. و ذلك في... في عمل... شيء ضروري." ماذا في إمكانها أن تقول؟ و ماذا تصنع؟ هل تذكره بوعده عندما وافقت على العيش في منزله... تذكره بأهمية إعطائه ابنه وقته و اهتمامه؟ و فتحت فمها لتقول له ذلك، و لكنها لم تفعل، فقد كانت تعرف مسبقا أنها إنما تضيع وقتها هباء. و تساءلت بحزن و شيء من الغضب، كيف يستطيع أن يفعل هذا؟ كيف يمكنه أن يدير ظهره إلى روبي في الوقت الذي ابتدأ فيه الصغير يفقد خوفه منه؟ و قالت: "هل هذا ضروري حقا؟" كان هذا هو كل ما استطعت قوله، و قد كشف توتر صوتها عن كل ما لم تستطع قوله. و احمرت وجنتاه قليلا، و هو يجيبها: "نعم. انه كذلك." و لكنه تجنب النظر في وجهها مما دعاها إلى الظن بأنه يخفي عنها شيئا... و أنه ليس صادقا معها تماما. و عاد يقوا: "سأرحل مبكرا صباح الغد." و ضغطت شفتيها، و لكن قبل أن تقول شيئا، أذهلها بقوله: "لقد سبق و شرحت الأمر لروبي. و أظنه يفهم، و سأغيب لمدة شهرا تقريبا." شهر؟ و كبحت الصدمة و الأسى اللتين شعرت بهما، كما منعها الذهول من الاحتجاج و هو يتركها و روبي وحدها طيلة ذلك الوقت. بعد أن جهزت نفسها للنوم، في تلك الليلة، وجدت سارة نفسها تتمنى أن تفهم، هي أيضا، سبب غيابه كما كان قد ادعى أن روبي قبل كل شيء، و أنه سيركز اهتمامه على أن يبني ثقة الصبي به... و كانت هي تشعر، على الدوام، أنه من الرجال الذين لا يرجعون في كلمتهم، خصوصا لأجل ربح مادي، كانت تعرف مبلغ شعوره بالمسؤولية نحو القوى العاملة عنده، و لكن في حالة كهذه، لابد أن يأتي روبي أولا، في قائمة اهتماماته. إنما، يعلن، بهدوء، أنه سيغيب شهرا كاملا... و لكن كلا، فهو لم يكن هادئا... لقد لاحظت أنه كان يبدو في أشد حالات التوتر. و لكن لماذا؟ لماذا يترك روبي في هذا الوقت الذي ابتدأ فيه الصبي يمد يده إليه؟ و تمنت لو كانت تملك من الشجاعة و الثقة بالنفس ما أمكنها من أجل أن توجه إليه هذه الأسئلة... و لكنها لم تفعل... حتى لأجل روبي بالرغم من شدة حبها للصبي الصغير. و غصت بريقها و هي تستعيد تلك اللحظة المؤلمة عندما قال لها روبي انه يتمنى لو كانت أمه، و اللحظة الأكثر إيلاما عندما أشاحت بوجهها لترى غراي و تعلم أنه قد سمع ما قاله ابنه. هل كان رحيله بسبب ذلك... لأنه خاف منها أن...؟ إنها ماذا؟ أن تحاول استغلال تعلق روبي بها لكي...؟ و امتلأت عيناها بالدموع. كلا، من المستحيل أن يكون رأيه فيها سيئا إلى هذا الحد. و لكن حقيقة أنها لم تأت قط على ذكر ما حدث بينهما يوم اختفاء روبي، لابد أن تجعله يفهم أنها مدركة تماما تفاهة اعتباره هو لما حدث... أو قلة رغبته في أن تذكره به. و عندما استغرقت أخيرا، في نوم مرهق، كان علي وجهها آثار الدموع، بينما كان قلبها يتألم من حبها لغراي، و لعلمها أنه لن يبادلها هذا الحب أبدا. و عندما نزلت في الصباح، إلى الطابق الأسفل، كان هو قد رحل. و كان ثمة رسالة مختصرة تركها لها، يعتذر فيها لرحيله المفاجئ، و يشكرها لكل ما فعلته و تفعله لأجل روبي. و كان ثمة رسالة صغيرة لروبي كذلك. كلمات قليلة مؤثرة لا يمكن أن يكون قد كتبها غراي الذي عرفته سابقا. و على مائدة الفطور، حرصت، رغم ما تعانيه من ألم، على الإيتان على سيرة غراي أثناء الحديث، مصممة على السير قدما في تقوية العلاقة التي كانت تنمو، شيئا فشيئا، بين الأب و ابنه. و نالت مكافأتها آخر النهار عندما هتف روبي: "أتمنى لو كان بابا هنا، هل أنت أيضا تتمنين ذلك يا سارة؟" و اغتصبت ابتسامة دون أن تقول شيئا. و هل هناك شيء يقال يمكن أن يفهمه روبي الصغير؟ كان الذعر يتملكها كلما فكرت في أن غراي ربما تكهن بشعورها نحوه. و لكنت متأكدة من أن سالي و روس يعلمان بذلك رغم أنه لم يأت أي منهما على ذكر هذا. و مر أسبوع دون أية كلمة من غراي. و لم بكن هذا يعني أنها كانت قد توقعت منه الاتصال بها، و لمن، كان في إمكانه أن يرسل بطاقة الى روبي من أي مكان يصل إليه لقضاء أعماله الهامة تلك. لم تستطع النوم بشكل جيد في الليالي التي مرت بها، و في النهار كانت تجر نفسها جرا و قد استولى عليها الخمول و التعاسة، مرغمة نفسها على أداء الأعمال المعتادة لأجل روبي، و قد عرفت أثر وجود غراي في المنزل في بعث شعور الراحة و السلوان في نفسها. رغم أنها، في نفس الوقت كانت تعاني من عذاب محاولاته الدائمة تجنب الاقتراب منها حتى أنه كان أحيانا، لا يحتمل أن يكون موجودا معها في غرفة واحدة. كانت قد وضعت روبي في فراشه، و كان المنزل نظيفا. و لم يكن ثمة شيء تفعله... لم يكن ثمة شيء يشغلها سوى كتاب كانت قد سبق و اشترته عندما خرجت تتسوق، و فتحت التلفزيون في غرفة الجلوس حيث جلست تراقبه، محدثة نفسها بأنها ستذهب إلى فراشها حالما تنتهي نشرة الأخبار. و لكن قوة الشعور بالوحشة و اليأس كان قد ترك تأثيره عل جسدها، مما جعلها تغط في نوم مضطرب حيث كانت تجلس، و ذلك قبل أن يحين برنامج الأخبار بمدة طويلة. و بعد ذلك بنصف ساعة، كان غراي يدخل لمنزل، ليجدها نائمة على المقعد في غرفة الجلوس، و قد بدت بوجهها الخالي من الزينة و شعرها الذي رفعته بشكل ذيل الحصان، فتاة صغيرة أكثر منها امرأة. و اكتسحته موجة عارمة من الشوق و هو يقف ينظر إليها. لقد ترك المنزل لأنه لم يعد في وسعه احتمال عذاب العيش بالقرب منها، و قد عاد الآن لأنه لم يعد في وسعه احتمال عذاب العيش بعيدا عنها. ألم و معاناة في بقائه، و ألم و معاناة في بعاده، كما أخذ يحدث نفسه. لم يكن ثمة علاج لحبه هذا لها، كما أفصحت هي عن هذا بجلاء في ذلك اليوم الذي فقد فيه أعصابه و سيطرته على نفسه ليندفع مع حبه و رغبته بشكل غبي، بعد أن دفعه إلى الاستسلام إلى مشاعره، خوفه ذاك على روبي. انه لن يغفر لنفسه هذا الخطأ أبدا... أبدا. و كان على وشك أن يبتعد، عندما تحركت هي في مقعدها، و سرعان ما فتحت عينيها. و لم تستطع أن تصدق عينيها و هي تهتف، "غراي." و أخذ قلبها يخفق بعنف و سرعة فائقين و قد تهدج صوتها بالمشاعر و هي تحدق فيه بشوق و دهشة. تحاول أن تستوعب حقيقة أنه موجود أمامها حقا و أن ذلك ليس من تصوراتها الخيالية. كم من المرات جلست هنا، في الليالي تتخيله داخلا عليها فجأة، ليأخذها بين ذراعيه. و ... و عادت بأفكارها إلى الواقع بسرعة لتقول: "و لكنك كنت قد قلت انك ستغيب شهرا؟" فأجاب بصوت متوتر و كأنه يبذل جهدا في ضبط أعصابه: "هذا صحيح." و أخذت هي تتأمله و قد أذهلها نحوله البادي على وجهه، و نظراته الزائغة و التي هي، عادة، قوية ثاقبة. و عاد يقول بمرارة و كأنه يعترف بفشله: "لم أستطع البقاء مدة أطول من ذلك." و منعها التوتر البادي عليه من أن تجيب بشيء، و ما لبثت أن انتبهت إلى ما كان يقوله، فقالت بصوت ينضح سرورا و عطفا: "هل افتقدت روبي؟" "روبي؟" و حملق فيها، ثم قال متأوها: 'نعم، نعم، لقد افتقدت روبي، و لكن ليس بمقدار العشر مما افتقدتك أنت. تبا، يا سارة، ما كان لي أن أذكر لك هذا، ما كان لي أن أحملك متاعبي بعد كل تلك المتاعب التي سبق و حملتك إياها. و لكن حضوري في هذا الوقت، ورؤيتي لك مضطجعة هكذا... مما ذكرني بشعوري و أنا أحملك بين ذراعي... لقد سبق و أقسمت، بعد تجربي مع أنجلا، بأن لا أقترب من امرأة بعد ذلك... و أن لا أعرض نفسي لوضع تسيطر فيه عليّ المشاعر، و أن من الأفضل أن أعيش وحيدا، من أن أجازف ثانية بإدخال امرأة أخرى في حياتي قد يحدث أن تغير رأيها بي و تتركني. و قد كنت أظن أنني نجحت في ذلك. لقد حدثت نفسي بأنني أصبحت أكثر سعادة في حياتي مما لو كنت بقيت متزوجا من تلك المرأة التي لم أكن أحبها و لا أحترمها، رغم أنني اعتقدت ذات يوم، بأنني أحببتها. ثم قابلتك... و من اللحظة الأولى التي رايتك فيها جالسة هناك تحت شجرة الصفصاف، تحتضنين روبي... ابن... و أنتما الاثنين، تحدقان بي بخوف و كراهية، من تلك اللحظة، عرفت أن كل ما سبق و حدثت به نفسي، و كل قانون وضعته لحياتي، كل هذا كان هراء لا يعني شيئا. حتى عندما دفعتني رغبة ملحة في أن أمسك بك فقط... لم يسبق أن شعرت من قبل، بمثل شعوري ذاك... مطلقا. لقد حدثت نفسي، عند ذلك، أن هذا مجرد شعور شاذ هو نتيجة المشكلات التي كنت أعانيها بالنسبة إلى روبي. و لكنني كنت أعلم، في أعماقي، أنني إنما كنت أحاول جاهدا، أن أتعامى عن الحقيقة، لقد علمت ذلك، أن ما شعرت به نحوك كان بعيدا كل البعد عن ذلك الشعور الفج الذي كنت أشعر به نحو والدة روبي. و قبل أن يهرب روبي مرة أخرى، بمدة طويلة أخذت أحاول خداع نفسي. كنت أعلم أنني أحبك، و أنني سأبقى على حبك هذا بقية حياتي. و قد كرهت نفسي لهذا الضعف، و أحيانا كنت أشعر نحوك بالكراهية لتسببك في ذلك. لا يمكنني أن أسألك الصفح لما فعلته... فهي ذكرياتي الثمينة تلك... كان كل ما أردته، هو أن أمسك بك، أن ألمسك... إنني أقسم بأنه لم يكن في نيتي قط أن أذهب ابعد من ذلك. و لكن، عندما أصبحن بين ذراعي..." و تملكته رجفة، و كذلك سارة التي كانت تستمع إليه، طيلة الوقت، بصمت، لا تكاد تصدق ما يقوا، محدثة نفسها بأنها لعلها تتخيل كل هذا الذي يقوله. و تابع قائلا: "لقد رحلت بعيدا لأجل مصلحة روبي، بعد أن اخترعت قصة ذلك العمل الوهمي الذي لا يحتمل الإرجاء لأنني كنت أعلم أنني إذا بقيت هنا، فأنا سأجن حتما،و لكن الأمور لم تتحسن بابتعادي ذاك. فقد كانت أفكاري مشغولة بك ليلا و نهارا..." و سكت فجأة، ثم عاد يقول بلهجة متأثرة: "ما كان ينبغي أن أحدثك بأي من هذا الكلام. لو يسبق أن فكرت قط بذلك، ذلك لأنني قد قررت أن أعود و أطلب منك ترك العمل، بسبب ما لاحظته من تعلق روبي الشديد بك." و ضحك بمرارة و هو يستطرد: "حتى أنني لم أشأ أن أطلعك على الحقيقة، و هكذا كنت سأتخذ من روبي ذريعة لذلك، مع علمي بمبلغ حبه لك و حاجته إليك. لقد سمعته و هو يخبرك بأنه يتمنى لو كنت أمه. حسنا إن رغبته تلك ليست بأكثر من رغبتي أنا. إنني أتمنى لو كنت أنت أمه، زوجتي، حبيبتي، امرأتي، أتمنى أن أنسى الطريقة التي فتحت لي فيها ذراعيك عندما كنت غارقا في التعاسة، يا سارة..." و اغرورقت عيناها بالدموع و هي تسمع صوته المعذب. و كانت تسير نحوه عندما نطق باسمها مرة ثانية، إنما بلهجة مغايرة، هذه المرة، تحمل الحدة و رفض، مما جعلها تتوقف و هي تحدق في وجهه المتوتر الملامح، و كان يقول متوسلا: "كلا... لا تقتربي مني أكثر من ذلك، و إلا..." و لكنها تسلحت بكل ما تملك من شجاعة لتعاود التقدم نحوه، متجاهلة كل مخاوفها و اعتباراتها السابقة بعد أن سمعت كل ما قاله. تقدمت نحوه بجزم و هي تسأله بصوت مرتجف: "وإلا ماذا... يا غاري؟" و همس و هو يمسك وجهها بين يديه و ينظر في عينيها: "إنني أريد... أريدك... و لكن ليس قبل أن أتمكن من إقناعك باني أحبك... ليس قبل أن تخبريني بأنك صفحت علني لمعاملتي السيئة لك... ليس قبل أن تقنعيني بان هذا ليس حلما، و أنني لن استيقظ لأرى نفسي بعيدا عنك أميالا، و أرى ذراعيّ خاليتين منك. أخبرني إن كنت تحبينني يا سارة... قولي انك لا تتجاوبين معي لمجرد شعورك بالشفقة و الأسف لأجلي. إنني أدرك مقدار ما يعمر به فؤادك من العطف و الحنان. و كيف تكرهين أن ترى الآخرين يتألمون." و اهتز صوتها و هي تقول: "إنني أحبك." و سرعان ما استحالت كل مخاوفها إلى بهجة و طمأنينة و هو يحتضنها، فتسمع خفقان قلبه متجاوبا مع خفقات قلبها. و كان الواحد منهما بين ذراعي الآخر، عندما ارتفع صوت روبي يسأل بفضول: "بابا، لماذا تحتضن سارة؟" أجابه غراي و هو يبعدها عنه قليلا ليحدق في أعماق عينيها: "لماذا؟ لأنها ستتزوجني و تكون أمك. هذا هو السبب." و أضاف بلهجة جادة و نظراته ما زالت متعلقة بنظراتها: "هذا على الأقل ما أتمناه." كان في عينيه من القلق، من الشكوك، من العذاب و الخوف، ما ذكرها بروبي، و هي تطمئنه بصوت ينضح بالحب: "ان الزواج منك هو أمنيتي، يا غراي. إنما هنالك شرط واحد." و رأت التوتر يسود ملامحه، و أدركت ما قد يكون فكر فيه. لقد سبق و فرضت والدة روبي شروطا عليه، و لكن والدة روبي هي الآن من ماض تريد هي أن تقصيه من حياتهما. و سألها بخشونة: "و ما هو هذا الشرط؟" و همست متجاهلة التوتر الذي بدا عليه: " لا أريد أن يبقى روبي ابنا حيدا. إنني أريدك. أريد حبك، و كذلك أريد أولادك، يا غراي." تنهد بارتياح، و أجاب: "لقد سبق و حصلت على اثنين، أنا و روبي، أما الثالث، فأنا أوافقك على هذا. فأن روبي في حاجة إلى إخوة و أخوات. على كل حال، ما يحتاجه روبي خاليا، قبل أي شيء آخر، هو أن يرقد في فراشه و ينام بسرعة." و رمقها بنظرة جعلتها تضحك و قد احمر وجهها، و لكنها لم تمانع عندما حمل غراي ابنه بين ذراعيه و توجه به نحو الباب. و عند الباب، توقف لحظة يشير إليها بفمه من فوق رأس روبي "أحبك." تــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــمـــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــت | |||||||||
03-08-14, 04:25 PM | #69 | |||||
| اقتباس:
| |||||
03-08-14, 06:54 PM | #70 | ||||||||||
مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب
| حبيبة قلبي وعدتي ووفيتي شكرا لك جزيل الشكر كل عام وانت بخير امووووووووووووووووووووووو وووووووووووه قراءة ممتعة يا رومانسيات | ||||||||||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|