آخر 10 مشاركات
At First Sight - Nicholas Sparks (الكاتـب : Dalyia - )           »          مهلاُ يا قدر / للكاتبة أقدار ، مكتملة (الكاتـب : لامارا - )           »          وكانت زلة حياتي(111)-قلوب شرقية[حصريا]للكاتبةفاطمةالزهراء عزوز*الفصل14ج1**مميزة* (الكاتـب : Fatima Zahrae Azouz - )           »          عروس دراكون الهاربة(157)للكاتبة:Tara Pammi(ج3من سلسلة آل دراكون الملكيين)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          إِفْكُ نَبْض (2) *مميزة & مكتمله* .. سلسلة عِجَافُ الهوى (الكاتـب : أمة الله - )           »          Wed for the Spaniard's Redemption by Chantelle Shaw (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          صدمة الحمل(32)للكاتبة:Lynne Graham(الجزء الأول من سلسلة طفل دراكوس) *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          سحر الانتقام (13) للكاتبة المُبدعة: بيـــــان *كاملة & مميزة* (الكاتـب : ورد احمر - )           »          أزهار قلبكِ وردية (5)*مميزة و مكتملة* .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          354 - نشوة الانتقام - مادلين كير - روايات احلامى (الكاتـب : samahss - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > منتدى روايات (عبير- احلام ) , روايات رومنسيه متنوعة > منتدى روايات عبير العام > روايات عبير المكتوبة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-07-14, 06:21 PM   #41

بدور الزمان

? العضوٌ??? » 107631
?  التسِجيلٌ » Jan 2010
? مشَارَ?اتْي » 829
?  نُقآطِيْ » بدور الزمان is on a distinguished road
افتراضي


شششششششششششششششششششششششكر ا

بدور الزمان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-07-14, 08:32 PM   #42

amabed
 
الصورة الرمزية amabed

? العضوٌ??? » 110763
?  التسِجيلٌ » Feb 2010
? مشَارَ?اتْي » 661
?  نُقآطِيْ » amabed is on a distinguished road
افتراضي

ش?را ش?را ش?را ش?را

amabed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-07-14, 05:34 PM   #43

داليا19
 
الصورة الرمزية داليا19

? العضوٌ??? » 191334
?  التسِجيلٌ » Jul 2011
? مشَارَ?اتْي » 812
?  نُقآطِيْ » داليا19 has a reputation beyond reputeداليا19 has a reputation beyond reputeداليا19 has a reputation beyond reputeداليا19 has a reputation beyond reputeداليا19 has a reputation beyond reputeداليا19 has a reputation beyond reputeداليا19 has a reputation beyond reputeداليا19 has a reputation beyond reputeداليا19 has a reputation beyond reputeداليا19 has a reputation beyond reputeداليا19 has a reputation beyond repute
افتراضي

شكراااااااااااااااااااااا ااااااااااا

داليا19 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-07-14, 10:57 PM   #44

lamiaa2010

? العضوٌ??? » 131485
?  التسِجيلٌ » Jul 2010
? مشَارَ?اتْي » 667
?  نُقآطِيْ » lamiaa2010 is on a distinguished road
افتراضي

....... . ............. ..

lamiaa2010 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-07-14, 01:44 AM   #45

dalia_a

? العضوٌ??? » 115843
?  التسِجيلٌ » Apr 2010
? مشَارَ?اتْي » 356
?  نُقآطِيْ » dalia_a is on a distinguished road
افتراضي

شكرا لك وعيد سعيد

dalia_a غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-07-14, 10:14 AM   #46

جمال سلامة

? العضوٌ??? » 319905
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 262
?  نُقآطِيْ » جمال سلامة is on a distinguished road
افتراضي

فطر سعيد وكل عام وانتم بخير

جمال سلامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-07-14, 05:02 PM   #47

miya orasini

نجم روايتي ومشرفة سابقة وعضوة فريق الكتابة للروايات الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية miya orasini

? العضوٌ??? » 244480
?  التسِجيلٌ » May 2012
? مشَارَ?اتْي » 7,329
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » miya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك carton
افتراضي

الفصل الخامس

بعد الظهر، اطلعت سارة على غراي فيليبس على قرارها هذا بالقبول بصوت ضعيف يملؤه المرارة، لم يستطع أن يخفي تماما شعورها الحقيقي.

و من الغريب أنه لم يبد عليه العجب من قلة حماسها ذاك، بل قال فقط: "هذا حسن، إنني مسرور لاستقرار هذا الأمر، و بقي علينا الآن أن نبحث في الأمور المادية و أوقات العطل. يوجد غرفة خالية قرب غرفة روبرت لها حمامها الخاص ستكون لك."

أسكتته سارة حالا بقولها: 'لا يمكنني أن أسكن في المنزل. و هذا خارج عن الموضوع."
عبس هو لسماعه ذلك، فأسرعت تقول: "إنني أتعهد بالبقاء مع روبرت في حال تأخرك في العمل. و لكن، ليس في إمكاني السكن عندك."

كانت تعلم أنه ينظر إليها متأملا، رغم أنها لم تستطع أن تنظر إليه مواجهة. هل تراه سيسألها عن السبب؟ و حبست أنفاسها و هي تتمنى أن لا يوجه إليها هذا السؤال، إذ لم تكن تعرف جوابا مقنعا تقدمه كذريعة. إنها فقط تعلم أن ليس في استطاعتها حماية نفسها من العيس، و هذا الرجل، تحت سقف واحد.

ضحكت على نفسها بمرارة، و هي ترى نفسها تتصرف كإحدى شخصيات رواية العهد الفيكتوري، ما هو الضرر الذي سينتج عن رقادها تحت سقف منزل غراي فيليبس بالنسبة إليها؟ حسنا، إن الضرر لن يأتي من جانبه هو، و لكن من تفكيرها فيه... و لأجل هذا... كان من الضروري أن لا يسمح لنفسها بأن تسقط في شرك أحلام اليقظة.
قال: "ولكن، في هذه الحالة، ستكونين في حاجة إلى سيارة."

أجابت سارة و هي ما زالت مشيحة بنظراتها عنه: "هذا صحيح، و لكنني كنت أنوي شراء سيارة على كل حال." ساد صمت طويل تمنت أثناءه، أن يقول انه قد غير رأيه و أنه سيسحب عرضه للوظيفة، و لكن ما أذهلها أنه قال بدلا من ذلك: 'حسنا. كنت أفضل لو سكنت عندي، و ذلك لأسباب واضحة، و لكن، مما دمت تصرين على ذلك، فليس في إمكاني سوى القبول."

كادت أن لا تصدق ما سمعت، فاستدارت إليه تواجهه، دون أن تعلم أنها أعطته الفرصة، بذلك، للنظر مباشرة في عينيها.

كان التعبير القاسي في عينيه ينبئ بأنه لاحظ تماما نفورها من هذا العمل. و تمنت أن لا يكون من الفطنة بحيث يتمكن من معرفة سبب هذا النفور. و لكن لا يمكنه أن يكون كذلك، فقد أظهر بوضوح تام أنه لا يبحث عن أية علاقات عاطفيه أو التزامات مع أي من الجنس الآخر. و طبعا، سيكون هو الأحرص على حفظ مسافة مناسبة تماما بينهما.

كلا، إنها ستكون هناك في منتهى الصون و الأمان و لكن، في أي وقت تدرك هي فيه أنه تكهن بما تشعر به نحوه... عند ذلك ستترك العمل، سواء كان هناك عقد بعمل سنة كاملة، أم لم يكن.

أخذ يتحدث عن النقود، و الأجر الذي عرض أن يدفعه لها كان أكثر من شخي.

قالت لها بعد خروجه: "إن من الحماقة أن لا تقبل بذلك."

و تمنت في أعماقها، لو أنها كانت هي أيضا مقتنعة بهذا العمل.

أراد منها غراي أن تباشر بالعمل على الفور، و لكن، كما قالت لابنة عمها، لا يمكنها ذلك، في الواقع، قبل أن تشتري سيارة.
سارعت سالي تقول بشهامة: "لم لا تستعملين سيارتي، في هذه الفترة؟'"
لكن سارة هزت رأسها نفيا و هي تقول:" كلا، لا يمكنني ذلك. إن هذا غير لائق."

و لكن، إذا كانت تظن أنها يمكن أن تماطل في الذهاب إلى العمل بحجة التفتيش عن سيارة مناسبة، فإنها سرعان ما اكتشفت أنها تخدع نفسها.ذلك أنه، في ذلك اليوم، و بعد انتهائهم من تناول طعام العشاء، رن جرس الهاتف. و ذهب روس ليجيب، ليعود بعد عشر دقائق قائلا: "كان هذا غراي فيليبس. لقد وجد لك سيارة مناسبة، يبدو أنها صفقة جيدة، لأن صاحبتها امرأة مسنة و نادرا ما تستعملها، و لهذا فان مسجل المسافات منخفض جدا."

فتحت سارة فمها لتحتج قائلة لزوج ابنة عمها إن غراي فيليبس ليس له الحق في استلام الأمور بيده، و إنها قادرة تماما على شراء سيارتها بنفسها، و لكن قبل أن تقول كل هذا، تابع روس كلامه يمدح ميزات طراز هذه السيارة المستعملة التي وجدها غراي فيليبس لها. و بدا عليه و على زوجته الحماس الفائق و المديح لما قام به غراي، مما جعل سارة غير قادرة على التعبير عن شعورها الحقيقي.

و عندما خرج الثلاثة إلى القرية القريبة حيث تمكث صاحبة السيارة، بعد ذلك بنصف ساعة، كانت سارة ما تزال تغلي بنيران الغضب و الاستياء المكبوت.

حدثت نفسها، و هي تجلس في المقعد الخلفي من السيارة، أن ليس ثمة من يمكن أن يستدرجها الى شراء سيارة لن تختارها بنفسها. فهي تعارض أن يعاملها أحد كطفلة غير قادرة على أن تقرر ما تريد، و غير قادرة على تسيير حياتها.

بقيت على موقفها العدائي هذا حتى اللحظة التي رأت فيها السيارة، رغم الحماس الذي أظهره روس و سالي، و حتى بعد أن تعرفت على صاحبة السيارة، و هي أرملة فاتنة في أواخر العقد الخامس من عمرها، و التي أجابت ببراءة، على سؤال سارة، بأنها تعمل في مكتب غراي فيليبس. و أنها كانت تتحدث بالصدفة، عن رغبتها في بيع سيارتها، عندما أعلن هو أنه يعرف شخصا ربما تعجبه هذه السيارة فيشتريها.

نعم، لقد كانت لورا غريغ صادقة دون شك، و كان من الممكن، في ظروف مختلفة، لسارة بأن تشعر بالتأثر للطريقة التي كانت المرأة تتحدث فيها عن سيارتها بلهجة مليئة بالمشاعر و الأحاسيس و ليس بالملل و الضجر.

على كل حال، بسبب الطريقة التي شعرت فيها بأن غراي فيليبس يحاول أن يسيطر بها عليها، ليسلبها الحق في تقرير شؤون حياتها بنفسها، بسبب هذا، صممت بعناد، على رفض السيارة. كان هذا قرارها، إلى أن رأت السيارة أخيرا.

لم يكن لديها فكرة عن ما توقعته في الواقع... و بعد أ، قابلت السيدة غريغ، تكونت لديها فكرة مبهمة بأن سيارتها لا بد أن تكون صغيرة و قوية و أنها، بدون شك، معتنى بها جيدا و مستعملة بحذر، و أيضا داكنة كعتمة بعض الشيء، وربما لونها رصاصي أو بيج.

و مع أنها لم تساورها، يوما ما، رغبة في اقتناء سيارة مهما كان لونها أو سرعتها، فان مجرد التفكير في أن غراي فيليبس يختار لأجلها سيارة لامرأة عجوز و يجدها مناسبة لها هي، هذا التفكير حرك في أعماقها شعور التمرد لم تتذكر أنها شعرت بمثله منذ سنوات.

و لكن أن تصطدم نظراتها بمرأى سيارة حمراء لامعة متحركة السقف ذات مقاعد جلدية بنية اللون، بينما غطاؤها مرفوع إلى الخلف في دفء شمس عصر ذلك النهار... و كان مرأى السيارة تلك، صدمة جعلت سارة تطرف بعينيها عدة مرات قبل أن تصدق ما ترى.
و عندما أخذت تنفل ناظريها بين لورا غريغ و السيارة، رأت احمرار خفيفا يعلو ووجنتي المرأة. و قالت توضح الأمر و قد تسارعت أنفاسها قليلا: "لقد ساعدني حفيدي في اختيارها. و ترددت في البداية، و لكن، كما تعرفين..."
و مررت بيدها على جانب السيارة بحب و هي تتكلم، ثم أضافت بحسرة: "إن ابنتي حامل للمرة الثالثة، بتوأمين كما أخبرها الطبيب، و طبعا، ليس ثمة طريقة لوضع أربع أطفال في المقعد الخلفي للسيارة هنرييتا هذه، وهكذا..." و أطلقت آهة خفيفة.

سمعت سارة نفسها تقول: "ما أروعها." و في الحال، عرفت أنها خسرت المعركة.

و بعد نصف ساعة، عندما انتهت الإجراءات الشكلية، كانت سارة تستمع، و هي تشعر بمثل الدوار، إلى لورا غريغ و هي تضيف قائلة: "إنني أدرك سخافة ما أقوله، لكنني مسرورة جدا لأن هنرييتا ستذهب إلى منزل محترم." و احمر وجهها مرة أخرى ثم تابعت قائلة: "إن صهري يظن أنني مجنونة...و لكنها السيارة الأولى التي امتلكها.

عندما كان زوجي حيا..." و تنهدت و هي تتابع: "عندما وصفك غراي لي كفتاة مثاليه مناسبة لشراء هنرييتا مني، كنت مازلت مترددة، و في الحقيقة، كنت مصممة على أن أعتذر قائلة أنني غيرت رأيي في بيعها، و ذلك إلى أن قابلتك."

كانت سارة تستمع إليها محاولة أن تمنع نفسها من التساؤل عما إذا كان غراي فيليبس يخفي تحت مظهره الفظ، رقة و إنسانية أكثر كثيرا مما كانت تتوقع.

و في ما بعد، و هم عائدون إلى المنزل، قالت سالي: "لابد أن غراي فيليبس يفكر فيك كثيرا، يا سارة، أعني بتكبده كل ذلك العناء لأجلك."

أجابت سارة بجفاء: "لا أظنه يأخذ عني فكرة عالية... ولكنه في حيرة من أمره لا يدري ماذا يفعل بابنه."

همهمت سالي دون أن يبدو عليها الإقناع، و لكن سارة لم تسمح لنفيها بأن تخدع بكلام سالي، و بعد، فان لديها الكثير من الأدلة عن رأي غراي فيليبس السيئ فيها. و هي تعلم جيدا أنه لولا تعلق روبرت بها، لما فكر غراي لحظة في استخدامها للعمل عنده.

و إلى أن تصبح سارة المالكة الحقيقية للسيرة، بعد دفع الضرائب و إجراء معاملة التأمين، و هذا يأخذ حوالي أربع و عشرين ساعة على الأقل، أصرت عليها سالي في أن تستعير سيارتها هي كي لا تتأخر عن مباشرة عملها. و قبلت سارة عرضها الكريم هذا دون حماس، و هي تعلم أن ذلك لأجل روبرت وحده و ليس لأجل أبيه.

كان سلوكها المهذب الذي استقر في أعماقها منذ الحادثة، قد دفعها إلى أن تتصل هاتفيا بغراي فيليبس حال وصولهم إلى الكوخ.

و عندما سمعت صوته، و كانت على وشك إعادة السماعة إلى مكانها، شعرت بمزيج من الذعر و السرور دفعها إلى أن تقول بصوت ملتو غي طبيعي: "أرجو أن لا أكون سببت لك إزعاجا، و لكنني فقد أردت أن أشكرك لما قمت به من أجلي بشأن السيارة."

و على العكس من صوتها، كان صوته ثابتا ليس به أدنى أثر للتردد و هو يقول: "لقد ذهبت إذن لرؤيتها. هذا حسن. هل أعجبتك؟"

و أدهشها سؤاله هذا، خصوصا بعد طريقته المتسلطة تلك و هو يأمرها بأن تذهب لرؤية السيارة قبل كل شيء.
و نسيت حذرها و هي تقول بصدق وبراءة: "نعم... نعم... لقد ذهبت مع أنها لم تكن كما توقعتها تماما."

و سكتت فجأة و هي تشعر بالغضب من نفسها لاندفاعها بكل ذلك الحماس في كلامها. و لكن، لم يظهر على غراي فيليبس أنه لاحظ شيئا، لأنه تابع قوله بلهجة عفوية: "حسنا، إنني مسرور لانتهاء هذا الأمر، إذن ستكونين هنا صباح الغد؟"

تنفست سارة بعمق و هي تجيب: "نعم، في أي وقت تريدني أن أحضر؟"

أجاب: "حسنا، إنني، عموما، أخرج حوالي الساعة الثامنة.فإذا كان في إمكانك أن تكوني هناك... إنني أعلم أن هذا الوقت هو مبكر، و لكنني أحب أن أكون في المصنع في الثامنة و النصف، لقد اعتدت السيدة جاكوبس أن تحضر الفطور لروبرت بنفسها و..."

قاطعته: "طبعا. و سأتأكد من تناوله لفطور جيد." كانت تريد أن تطمئنه.

و لكنه أسكتها قائلا ببرودة أدهشتها: "نعم، إنني متأكد من هذا. على كل حال، ما أريد أن أقوله هو أنه بالنظر إلى أنك ستبدأين العمل مبكرا، يكون من الأفضل لو تناولت طعام الفطور مع روبرت، هذا إلا إذا كان عندك أي اعتراض متأصل على الأكل في منزلي كما اعترضت على المبيت فيه."

و لم تعرف سارة ماذا تقول. فقد شعرت بسخرية واضحة في صوته، و انتابها شعور بالمذلة. لقد جعلها تبدو كبطلة رواية عانس من العهد الفيكتوري التي رفضت إن تجلس على كرسي كان سبق و جلس عليها رجل.

و عندما استطاعت أن تتمالك نفسها، و تجد صوتها الطبيعي، قالت: "شكرا. إنني أوافقك على أن تناولي الفطور مع روبرت يجعل الأمور أكثر سهولة من جميع الجهات، و في هذه الحالة أظن أنه يجب أن يكون هناك شيء من التعديل في الراتب كذلك.

انفجر فيها ساخرا و هو يقول: "اسمعي إنني لن أتناقش معك بالنسبة إلى وجبة طعام. و على كل حال، فان مظهرك يدل على أنك تأكلين أقل من روبرت. متى تتعلم النساء أن الرجال لا يقرنون النحافة بالرغبة أبدا. إن المرأة الواثقة من نفسها و السعيدة بجسدها كما هو، و التي تستمع بطعامها و تظهر ذلك، هي أكثر جاذبية بكثير من بعض النساء العصبيات القلقات دوما على وزنهن و لا يأكلن إلا قليل."

تنفست سارة بعنف، ثم أعادت الكرة بعد أن عدت في ذهنها للعشرة قبل أن تقول باختصار: "إن شهيتي لا تشوبها شائبة. و إذا كنت أميل قليلا إلى النحافة فهذا عائد إلى القلق و الإجهاد و ذلك نتيجة التهديد بفقداني عملي، و ليس رغبة مني في تجويع نفسي لكي أرضي رجلا ما."

قال غراي بلطف: "إنني مسرور لسماع هذا. فإنني لا أريد أن يضيف روبرت إلى مشكلاته العاطفية، عادات سيئة غير صحية في طعامه."

ردت عليه بحدة: "إذا كنت قد فكرت حقا بأنني قد افعل مثل هذا، فيدهشني سبب استخدامك لي للعمل."

ساد صمت طويل من ناحيته إلى درجة بدأت تظن معها بأنه تك سماعة الهاتف، و لما أوشكت أن تضع السماعة بدورها، من باب المعاملة بالمثل، قال لها بهدوء: "ليس رأيي فيك هو المهم. و لكن رأي روبرت. و إلى جانب هذا..." و سكت عن الكلام عندما سمعت سارة بوضوح صوت جرس الباب يقرع، ثم قال: "أخشى أن علي أن أذهب. إنني أتوقع رؤيتك صباح الغد. إذن، الساعة الثامنة، إلى اللقاء يا سارة."

عندما وضعت السماعة، اكتشفت أنها كانت ترتجف في أعماقها، و عندما أغمضت عينيها و قد ساورها الاشمئزاز من نفسها، تفجرت الدموع في عينيها.

ماذا جرى لها؟ لقد سبق و عرفت تماما نوع شعوره نحوها و ما يكنه لها من عداء، و مع هذا لأنها تحدثت معه قليلا، أخذت تتصرف كالطفل الذي أعطي للتو، ما تشتهيه نفسه.

حسنا، إنها لن تسكن معه في بيته. و تصورت نفسها تنزل من غرفتها، في الصباح، لتتناول الفطور مع روبرت فتجده هو قد سبقها حيث جلس يتناول القهوة يطالع صحيفة الصباح. وربما يكون مرتديا معطف الحمام و شعره ما يزال مبللا. لم يسبق أن عرفت نفسها بهذا الشكل من قبل، و أن من الممكن أن تساورها مثل هذه التصورات الصريحة، حتى إلى درجة... و أخذت تتنفس بعمق مرة بعد أخرى محاولة أن تخفف من أفكارها الملتهبة.

ذهبت إلى فراشها مبكرة لكي تتمكن من مباشرة عملها باكرا. و لكن نومها كان متقطعا، و عندما تصاعد رنين المنبه، إن كانت قد سبق و استيقظت قبله بمدة طويلة، و بدلا من أن تستسلم لحماقة التمدد في فراشها في انتظار رنينه، نزلت إلى المطبخ حيث صنعت لنفسها كوبا من الشاي، ثم اغتسلت وارتدت ملابسها.

اختارت حذاء خفيفا. و دست في حقيبة يدها الواسعة، مجموعة كبيرة من الأوراق و الأقلام و الدفاتر، حتى إذا ما استطاعت أن تعرف من روبي في أية مرحلة تعليمية سيكون، يمكنها أن تضع له، عند ذلك، برنامجا يمكنها على ضوئه أن تعلمه، بينما يكون هو، في نفس الوقت، مستمتعا بوقته.

و مع أن غراي اشترط عليها توقيع عقد بأنها ستبقى في العمل سنة على الأقل، فهو لم يقل لها ما هو المتوقع منها عندما يذهب روبي إلى المدرسة في مطلع السنة المدرسية، ثم تذهب لإحضاره عند الظهر لتبقى معه إلى حين عودته من العمل. و لكن، ماذا بالنسبة للوقت بين هذين الموعدين؟ هل عليها أن تكون مسؤولة عن روبي حياتيا كما لو كانت بديل أم له... فتشتري ثيابه، و تغسلها و تكويها، و تبقى في المنزل لاحتمال حدوث مشكلة ما في المدرسة؟

إنهم الآن في عطلة مدرسية، و ما زال هناك كفاية من الوقت لتتأكد بالضبط، مما يعتمل في ذهن غراي من هذه الناحية. إن ثمة شيئا واحدا مؤكدا و هو أنه ليس بالرجل الذي يتأخر عن أن يخبرها بالضبط عما يريده و يتوقعه منها.

كانت الساعة الثامنة إلا عشر دقائق عندها وصلت و بعد أن أوقفت سيارتها بشكل لا يشكل عائقا أم سيارة بشكل لا يشكل عائق أمام سيارة غراي، اتخذت طريقها نحو المنزل. و بينما كانت متردد في أن تقرع جرس الباب الأمامي، أو تستدير حول المنزل إلى الباب الخلفي، إذ بالباب الأمامي يفتح، ليقف غراي فيليبس على عتبته مفسحا لها الطريق لتدخل.

كان يرتدي، بدلا من معطف الحمام الذي سبق و تخيلته فيه، بذلة و قميصا ناصع البياض، بالإضافة إلى ربطة عنق مخططة. و اعترفت لنفسها و هي تدخل المنزل، بأن تأثيره على حواسها كان بنفس القوة كما لو كان بملابسه العادية.

و ماذا يعني بالنسبة إلى رجل فارع القامة عريض المنكبين يرتدي بذلة ثمينة داكنة اللون بنفس البساطة و العفوية التي يرتدي بها بنطال الجينز؟ ربما الجواب يكمن في ثقة غراي بنفسه، التي تجعله يرتدي مثل هذه الملابس المكلفة بهذه السهولة العفوية.

و بينما وقفت مترددة لا تدري إن كان عليها أن تقصد المطبخ مباشرة أم لا، أغلق هو الباب الأمامي.

و عندما استدارت بحركة آلية، رأته ينظر إليها، متفرسا في ملابسها العادية البسيطة و قد رفع اجبه.

قالت على الفور: "انك لم تذكر رغبتك في أن ارتدي زيا رسميا، فأنا لست مربية متخرجة و قد فكرت في أن روبرت سيشعر براحة أكثر معي إذا..."

فأكمل لها الجملة ساخرا: "إذا بدوت كفتاة مراهقة أكثر منك راشدة؟"

مراهقة؟ هذه سخافة منه. و إذا كان يعني أن ملابسها هذه أصغر من أن تناسب سنها... و لكنها ما لبثت أن تملكها الذهول اذ قال لها بلطف، بينما كانت تحدق فيه بغضب: "انتبهي، فهو ما زال صغيرا."

و ابتدأ يتأملها بنظرات تهكمية و هي تقف صامتة حتى تضرج وجهها و بان السخط في عينيها.

أما ماذا كانت على وشك أن تنطق به، لو لم يفتح باب المطبخ فجأة، و لو لم يندفع منه روبي راكضا نحوها يلقي بنفسه بين ذراعيها المفتوحتين، فهذا ما ليس عندها فكرة عنه... و لكن، في الوقت الذي انحنت فيه لتمسك بالصبي الصغير ترفعه إلى ما بين ذراعيها و تهتف باسمه، في هذا الوقت، كان غضبها قد تلاشى تماما إذ تملكها التأثر لسرور روبي هذا الأخير برؤيتها.

قال غراي لابنه، و كان هذا الأخير قد أحاط رقبة سارة بيده رافضا تركها: "هل صدقتني الآن؟"
ألقت سارة على غراي نظرة سريعة لترى عينيه و قد اكمد لونهما، و أشاح بوجهه عنها بسرعة و كأنه لا يريدها أن تنظر إليه مواجهة.

لقد سبق و قال روس أن غراي قد سعى، باستماتة، لأخذ حق الوصاية على ابنه. فإذا كان حقا يهتم بابنه فلا شك أنه يشعر بمنتهى الألم و هو يرى أن ابنه يعتبره شخصا غريبا يخاف منه و لا يكن له أية مودة.

كان روبي يقول لها: "يقول أبي انك ستأتين كل يوم للعانية بي." و شعرت سارة بالألم و هو يقول (أبي) في الوقت الذي كان سنه يدعوه إلى أن يقول (بابا).

أجابته:" نعم، هذا صحيح يا روبي."

بينما كان غراي يقول لها مقطبا جبينه: "أعطني إياه. انه ثقيل الوزن بالنسبة إليك."

ثقيل الوزن بالنسبة إليها؟ و أوشكت سارة أن تنكر أنها من الوهن بحيث تعجز عن حمل طفل في السادسة من عمره، و خصوصا إذا كان بالغ النحول مثله. و لكنها سرعان ما تذكرت أن غراي هو والد روبي، و أن من جملة مهامها التي هي في مصلحة روبي، أن تبني علاقة متينة بين الأب و ابنه لكي يشعر روبي بالحب و الثقة بأبيه، و هذا ما يتعين كل ولد أن يشعر به لكي يتمكن من النمو بمشاعر ناضجة و كاملة.

على كل حال، عندما حاولت أن تناول الأب ابنه، شدد هذا الخير من قبضة ذراعيه حول عنقها، و قد تصلب جسده رافضا ما كانت تقوم به.

قالت له ببشاشة متجاهلة نظرة الضراعة التي بدت في عينيه عندما أخذه أبوه منها:"لقد أحضرت بعض الأوراق معي، يا روبي، و غدا، إذا شئت، يمكننا أن نذهب إلى السوق و نشتري بعض أقلام التلوين."

قال روبي: "بل اليوم. أريد أن أذهب اليوم."

و لكن سارة هزت رأسها و هي تجيبه بحزم: "كلا، يا روبي. لا يمكننا الخروج قبل أن أحصل على سيارتي الجديدة، لأن السيارة التي معي الآن ليس فيها أحزمة أمان للمقاعد."

كان هذا أحد الأشياء التي أصرت عليها عندما صممت على شراء سيارتها المكشوفة المتألقة. ذلك أن حزام الأمان للمقعد الخلفي هو أكثر من ضروري إذا هي شاءت أن تخرج بها مع روبي.

قالت له باسمة: "و لكننا سنجد أشياء كثيرة نعملها اليوم. هل تناولت فطورك؟"

عندما هز رأسه نفيا، قالت: "لماذا، إذن، لا تدع أبو... بابا يذهب إلى العمل؟ عندئذ تتناول الطعام ثم نقرر، أنا و أنت، ما الذي سنصنعه هذا النهار."

و بينما كانت تتكلم، كان غراي قد اتجه نحو المطبخ. وتبعته سارة لتصافح نظراتها مائدة المطبخ الخشبية الواسعة و نصف دزينة الكراسي التي حولها. كانت المائدة. كما هو حال المطبخ. مصممة لتسد حاجة أسرة كبيرة. و لكن، كل ما فوقها هو فنجان قهوة و بقية قطعة خبز محمص في صحن.

و لسبب ما، أشعرها منظر ذلك الطبق و فنجان القهوة بالألم في أعماقها. كيف يمكنها أن تلوم غراي فيليبس على موقفه هذا من بنات جنسها؟ فمن المفروض أنه كان قد أحب والدة روبرت عندما تزوجها، و توقع أ يتشاركا في أسرة سعيدة متآلفة، بدلا من أن تخونه هي باستمرار، ثم تتركه بعد ذلك آخذة معها ابنه.

كان غراي قد وضع روبي الآن على الأرض، ليندفع الصبي خالا نحو سارة ثم يقف بجانبها. قال غراي لها: "لقد صنعت لك نسخة من المفاتيح." و أدخل يده في جيبه ثم أخرجها يناولها إياها. و بينما هو يفعل ذلك، احتكت يده بغير عمد بمعصمها ما جعلها تسحب يدها بسرعة و قد شعرت بالتوتر لهذا، و سرت الحرارة في ذراعها.

قال لها بذهن غائب و قد قطب حاجبيه: "سأعود هذا المساء عند الساعة السادسة."

و للحظة تساءلت سارة عما يكون عليه إليه الأمر لو كانت هي متزوجة من هذا الرجل و كان روبي ابنهما. هل تراه كان سيتركها عند ذلك، بعد أن يربت بلطف على وجنتيها، قائلا انه لن يتأخر؟"

و ذهلت سارة و هي تشعر بجسدها يتجاوب مع هذه التصورات العاطفية الخطرة، بينما كان غراي إلى جانبها يمد يده يرفع فنجان القهوة إلى شفتيه ثم يعيده مشمئزا إذ يجد القهوة قد بردت.

ترك أخيرا القهوة و قطعة الخبز المحمص دون أن ينهيهما، ثم انحنى يلتقط حقيبته اليدوية التي كانت على الأرض مسندة إلى الكرسي.

و قبل أن يتجه نحو الباب، تردد و هو ينظر إلى روبي، و بينما كانت سارة تتمنى، بصمت، لو يقوم بحركة عاطفية نحو ابنه. و لم يقم هو بأية حركة للتقارب معه، و إنما قال باقتضاب: "كن مؤدبا يا روبرت." ثم ذهب. و سمعت وقع خطواته على أرض الردهة الخشبية، قبل أن تسمع الباب الأمامي يصفق خلفه.

قال روبي: "سارة... سارة، إنني جائع." كان روبي يشدها من كمها و هو يرفع ناظريه إليها. كان فمه يشبه فم أبيه بالضبط كما لاحظت سارة و خفق قلبها لهذه الملاحظة، ثم ابتسمت له و هي نسأله عما يحب أن يأكل.



miya orasini غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-07-14, 05:09 PM   #48

miya orasini

نجم روايتي ومشرفة سابقة وعضوة فريق الكتابة للروايات الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية miya orasini

? العضوٌ??? » 244480
?  التسِجيلٌ » May 2012
? مشَارَ?اتْي » 7,329
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » miya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك carton
افتراضي

الفصل السادس

مضى أسبوع، و مع أنها، و روبي، قد أقاما علاقة ممتازة، كانت سارة تشعر بأنها لم تقم بأي عمل لتحسين العلاقة بين روبي و غراي. و لكن، كيف يمكنها ذلك في الوقت الذي لم يكن روبي يرى أباه فيه، إلا في أوقات قليلة؟ و في عدة مناسبات عاد غراي إلى البيت ف وقت متأخر، بعد أن كان قد اتصل بها هاتفيا من المصنع ليخبرها بأنه سيتأخر، سائلا إن كان في إمكانها أن تنتظر إلى حين عودته. و في مثل هذا الوقت، تكون هي التي تضع روبي في فراشه و تقرا له حكاية قبل النوم.

لاحظت أن غراي كان متضايقا من رفضها هذا. لتراه في الصباح واقفا بجانب مائدة المطبخ يرتشف بسرعة نصف فنجان القهوة البارد الذي يبدو أنه فطوره الوحيد، و كان هذا كافيا ليجعلها تشعر بالألم من أجله، و لكنها كانت في نفس الوقت، تعلم أنها اضعف من أن تحتمل العيش معه تحت سقف واحد.

و بعد، ما الذي يجعل هذا الشعور يتملكها لأجله في الوقت الذي لا ترى منه أي تشجيع على ذلك؟ كما أنها لم تعرف عن نفسها قط من قبل استسلاما لمشاعر عاطفية كهذه، و الذي يعني... ما الذي يعنيه هذا؟ أهو أنها وقعت في حبه؟ و في سنها هذا؟ إن عليها، بالتأكيد، أن تكون أسمى من أن تشعر بهذه الحماقة. ذلك أن الوقوع في مثل هذا النوع من الحب السريع، هو من تصرفات الأحداث و صغار السن. و لكن، مع النضج و الخبرة، ينشأ الحب الحقيقي ببطء، و مع المعاناة أحيانا، كنبات رقيق في حاجة دائمة إلى الريّ و العناية... و إلى جانب هذا، فان مشاعرها ينبغي أن تكون أكثر عمقا من مجرد الانجذاب العاطفي و الولع برجل سلوكه هو أبعد ما يكون عما اعتادت أن تحلم به مثلها العليا. و في الصباح، و هي تراقب عبوس غراي أمام فنجان قهوته البارد... و عندما يتحول روبي عنه قادما إليها، عند ذلك تشعر بالألم من أجله... و في المساء، عندما يعود من عمله منهكا توترا، تود لو تؤمن له الراحة، لو تشاركه هذا العبء، أن تفتح ذراعيها له و تضمه هو أيضا كما تفعل مع روبي، أن تغرقه بفيض من عواطفها و حنانها... و لكن، ربما يتحرك هو هذه الأثناء أو يقول شيئا أو يقوم بعمل ما، مما يتوجه انتباهها إلى جاذبيته كرجل و من ثم تتغير مشاعرها هذه بصورة مؤلمة لتصبح عنيفة مما يجعلها تشعر بالإحراج و الكدر.

لك يكن هذا يسمى بالوقوع في الحب، بل كان الحب بنفسه، ذلك الخليط المعقد من المشاعر و الرغبات و الذي تشعر بديهيا و منطقيا أن ليس لها الحق في الشعور به، و لكنه يستمر في النمو داخلها.

و لكن، هل يمكنها أن تحبه بينما هو ما زال من جوانب كثيرة، غريبا علبها؟ ذلك أن الألفة التي يخلقها وجودها في منزل شخص ما، لساعات كثيرة من النهار، تكشف نواح كثيرة من حياتهما، و لكن هذه تفاصيل منزلية مألوفة كأن يكوي قمصانه بنفسه و يغسل ثيابه... و كأن لا يكون عنده فكرة عن قياس ملابس ولده، و كذلك شراؤه ثيابا جديدة لروبي حامل جاء ليعيش معه، بدلا من ثيابه التي صغرت على قياسه، و لكن ليس منها ما كان قياسه صحيحا كما يبدو و لا مناسبا لصبي يعيش في الريف في منزل محاط بحديقة واسعة.

لقد كان روبي في حاجة إلى ثياب خشنة للعب في الحديقة و ليس تلك الثياب الداكنة القديمة الطراز التي وجدتها في خزانته. و اعترفت بأن روبي بحاجة إلى أم، و لكنها تنبهت إلى أنها يجب أن لا ترتكب خطأ تركها روبي ينظر إليها على هذا الأساس. و ذلك لمصلحته هو أكثر منه لمصلحتها، فهي من النضج بحيث تعلم جيدا مقدار الألم الذي سيشعر به عندما يحين وقت رحيلها عنه بعد مرور سنة.

لقد كانت تقوم بكل ما في وسعها، فتأتي، عرضا على سيرة والده أثناء الحديث، جاعلة إياه و كأن غراي جزء مهم من حياة روبي حتى ولو رفض روبي بعناد أن يعترف بذلك.

كان هذا النهار عيد ميلادها، و هذه الليلة، و عدا روس و سالي باصطحابها لتناول العشاء خارجا. فقد وجدت بطاقتي معايدة هذا الصباح على مائدة الفطور حين استيقظت، كما أن سالي و روس استيقظا مبكرين خصيصا لكي يكونا معها أثناء فتحها البطاقتين.

و عندما خرجت من البيت، أخذت تقارن بين دفء العواطف الذي يسري بين أفراد أسرتها، و بين الوحشة في حياة روبي العائلية. لقد أرسل إليها والدها بطاقتي معايدة و رسالة طويلة مليئة بالمحبة. و بطاقتان من أخيها و أسرته في كندا، و من أبناء أعمامها و خالاتها. و من أصدقاء المدرسة و الجامعة القدامى الذين تفرقوا الآن في جميع أنحاء البلاد و أوروبا في مهن مختلفة. و هذه الليلة كانت مدعوة إلى مطعم محلي خاص و فخم.

و في عطلة نهاية الأسبوع حيث لا عمل لديها لأن غراي كان سيبقى في المنزل للعناية بابنه بنفسه، أخذتها سالي إلى أقرب مدينة، حيت أصرت على أن تشتري لها ثوبا جديدا رغم احتجاج سارة بأنه غالي الثمن جدا.
قالت سالي و هي تبتسم: "لقد حصلت على منحة سخية لعملي في مجال سمسرة الxxxxات في الفترة الماضية، و هذا يجعلني أقل شعورا بالذنب لإسرافي على نفسي. ماذا تظنين رأي روس في هذا؟" و عرضت أمامها ثويا أسود مخرما مع صندل مصنوع من الأربطة.

أجابت سارة بصراحة: "عندما تلبسين أنت هذا الثوب و نخرج للاحتفال بعيد ميلادي، أظن أنه سيتمنى لو كنت أنا بعيدة من هنا مليون ميل."

كان يقلقها في البداية، أو وجودها ريما يضايق زوج ابنة عمها مسببا بعض الاحتكاك و الاختلاف بينه و بين زوجته. و لكن سالي طمأنتها بقولها أن روس كان زوجا في غاية من السماحة بالنسبة إلى هذه الأشياء. و أضافت مبتسمة: "و إلى جانب هذا فان الجدران بين غرف المنزل بسماكة عدة أقدام. و تعرفين بنفسك صعوبة سماع حتى رنين لهاتف من غرفة لأخرى. و لهذا فان المسألة في وجود أشخاص بالغين تحت سقف بيتك غير مهم، و إنما المهم أن يكون ثمة أولاد في المنزل يندفعون إلى غرفة نومك في أوقات غير مناسبة مما يجعلك تشعرين حقا بالإحباط."

بعد أن أمضت سارة عطلة نهاية الأسبوع بعيدا عن روبي، زاد هذا من تعلقه بها، طالبا الاطمئنان على الدوام بأنها لن تذهب بعيدا و تتركه، ملحا على أن تمنحه الكثير من الاحتضان و العطف الجسدي.

كان صبيا عامرا القلب بالحب، كما أدركت سارة من أحاديثه المتفرقة عن أمه و عن حياته مع جدته، انه لم ير من أمه حبا كبيرا بشكل ملحوظ.

كما لاحظت سارة قلقه الدائم من أن يلمسها بأصابع لزجة. و كيف أنه، أحيانا، ينفر و كأنه ينتظر منها النفور. ذلك أن أمه، كما عملت من ثرثرته البريئة، كانت أظافرها طويلة و دائما مطلية باللون الوردي، و تلبس دوما أحذية بكعوب عالية. و ربما لم تكن سارة عادلة، كما اعترفت لنفسها، و ذلك إذ ابتدأت تشعر بأن زوجة غراي السابقة لم تكن الأم الحنون كما كانت تدعي... و عي الأم التي فضلت أن تتخلى عن ابنها لجدته، و ذلك لكي تصبح حرة في أن تعيش حياة امرأة عازبة.

حاولت سارة جهدها، أن لا تدين والدة روبرت بغير عدل، محاولة أن تذكر نفسها بأن حياة أحد الوالدين قد تكون صعبة جدا، إذ لا يمكن أن ينتظر منهما، أن يكرسا لأولادهما كل ثانية من حياتهما.

و الشيء الثابت هو أن الأم حاولت أن تغرس في نفس روبي خوفا ثابتا و رفضا لأبيه، و كان على سارة فقط أن تذكر اسم غراي لابنه، لكي ترى ملامح هذا تتقلص و تلتوي. و مع ذلك، عندما تأخر غراي في عمله مساء الجمعة، قال روبي: "إنني مسرور لأن بابا تأخر، و بذلك يمكنك أن تبقى إلى جانبي فترة أطول. أليس كذلك؟"
كانت تلك هي المرة الأولى التي يدعو فيها أباه، بابا، مما جعل سارة تأمل في أنه، مع الوقت، سيتخلص من شعور الكراهية هذا نحو أبيه.

و هذا الصباح، أخبر غراي سارة، بأنه سيعود باكرا. و لهذا لم تجد حاجة لأن تخبره بأن عليها أن تترك المنزل عند الساعة السادسة بسبب دعوة العشاء تلك. و لكن الساعة الآن أصبحت السادسة و الربع دون أن يبدو له أثر. و عندما اتصلت بالمصنع، و لكن لم يكن ثمة جواب. و أنا لا يمكنني أن أترك روبي وحده."

قالت سالي: "هذا غير ممكن طبعا. إن المائدة في المطعم محجوزة للساعة الثامنة و النصف... و انأ أشك في أنهم يقبلون تغيير الوقت، فالمطعم عليه إقبال كبير."

قالت سارة: "اسمعي, إن لم أستطع القدوم في الوقت المناسب، ما الذي يمنعكما، أنت و روس، من أن تذهبا و حدكما؟"
فأجابت سالي تذكرها: "و لكن هذه دعوة بمناسبة عيد ميلادك يا سارة. يا لهذا الرجل. ماذا يظنك؟ أليس عنده شيء من الكياسة فيتصل بك و يخبرك..."

قاطعتها سارة: "انه في العادة، حريص جدا في مثل هذه الأمور. اسمعي، سأنتظر إلى السابعة و النصف، فان لم يعد، سأتصل بك لأخبرك."

اقتربت الساعة من السابعة و النصف، و حان وقت نوم روبي، و ليس ثمة أثر لغراي، و تنهدت سارة و هي تتصل بابنة عمها. و كانت سالي متضايقة إلى حد الغضب لهذا الوضع. و لكنها قيلت الواقع حيث لم يكن ثم خيار أمام سارة سوى البقاء إلى جانب روبي.

قالت سالي: "أرجو أن تدعي غراي يعلم عن سوء تصرفه هذا." و طمأنت سارة إلى أنها ستذهب مع روس بدونها فلا يكون هذا السماء قد فسد تماما، و تابعت تقول: "مع أن هذا ليس عدلا حيث أن المناسبة هي عيد ميلادك و المفروض أن نحتفل به جميعا." و بعد أن طيبت خاطر ابنة عمها، التفتت لترى روبي واقفا قريبا منها و قد بان القلق الشديد على وجهه.

و تألمت جدا لشعوره ذلك بالخوف... و الضعف... و هو يرى كيف أن وعود الكبار لا يعتمد عليها و كذلك حبهم. و حملته تحتضنه بصمت لتطمئنه، ثم قالت ببشاشة: "هيا يا روبي... انه وقت الاستحمام."

فقال و قد استحال عبوسه إلى ابتسام: "أيمكنني أن أحظى بقطعة من الكعكة بدلا من العشاء؟"
فهزت سارة رأسها نفيا، ذلك أنها، و روبي قد أمضيا الصباح يصنعان كعكة عيد ميلادها، ليأكلا منها بعد الظهر في أثناء وجبة الشاي.

قالت: "لا كعك عند النوم/ يا روبي. ما رأيك في تفاحة حلوة بدلا من ذلك؟"
فأومأ برأسه برصانة. كان ولدا مطيعا... مطيعا و هادئا إلى حد كبير أحيانا...
بطبيعة الحال، كان لنشأته في منزل جدته دور كبير في هذا. و لك يكن ثمة ضرر من الأخلاق الطيبة القديمة النمط. و لكن في حالة روبي، فانه كان في حاجة إلى بعض النشاط و الحيوية، و قلة التوتر و الخوف كان لابد منه حين يدخل مدرسه الجديدة.

كانت سارة تخشى من أن تكتسحه قوة زملائه الذين في مثل سنه و يقهره نشاطهم و حيويتهم، فينسحب عائدا إلى قوقعته. و قد سبق و أجرت بعض الاستعلامات عما إذا كان ثمة بعض الأمكنة حيث يوجد بعض النشاطات يمكنه أن يشترك فيها و يتمكن من ثم، من مقابلة أولاد في مثل سنه. و قد أخذته هذا الأسبوع للسباحة في وقت وجدت فيه أن بقية الأولاد يمكن أن يكونوا في ذلك المركز الرياضي المحلي.

و عند الساعة الثامنة، كان روبي قد استحم و استقر في فراشه. قرأت له سارة قصته المفضلة قيل أن يستسلم إلى النوم. و لاحظت أنه عندما يكون مستاء أو مكروبا فانه يميل الى الأشياء التي ألفها يلتمس فيها التعزية و السلوى. و حاولت، ببطء، أن توسع من أفقه، أن تساعده في أن يكون أقل خشية و شعورا بعدم الأمان. و لكن ذلك يأخذ فترة طويلة لكي ينجح... انه شيء لا يمكن تحقيقه بسرعة.شيء قد يسبب له الضرر أكثر مما يسبب نفعا عندما يحين، أخيرا، الوقت الذي يكون عليها فيه أن تتركه. هل سيعتبرها، عند ذلك، كغيرها من أولئك الكبار الذين هجروه، قسوة و أنانية؟

و تنهدت و هي تنزل إلى الطابق الأسفل، حاملة ثيابه القذرة لكي تضعها في الغسالة.

و ما دام ليس لها خيار سوى انتظار عودة غراي، فمن الممكن أن تجد شيئا مفيدا تمضى به الوقت. و في المطبخ، كانت الأزهار التي سبق و جمعتها هي و روبي من الحديقة أثناء النهار، تضفي رونقا على المائدة القاتمة تلك رغم أن أوراقها قد ابتدأت تتساقط. و قد أبدى روبي مهارة ملحوظة بالنسبة لصبي في سنه، إذ رسم صورة مقبولة تماما لهذه الأزهار. و قد ألصقتها على لوح الملاحظات الذي كانت قد علقته في المطبخ. و أيضا، و بمساعدة روبي، كانت قد استأذنت غراي قبل أن تفعل ذلك. و قد رفع حاجبيه قليلا، عند ذلك، و لكنه لم يعلق بشيء, بل قال: "لا بأس، إذا كنت تظنين ذلك ضروريا."

ربما لم يكن ذلك ضروريا، و لكنه كان مفيدا. و أثناء وجبات الشاي كانا، هي و روبي، يضع كل منهما قائمة بكل الأشياء التي كانا يرغبان في عملها، و من ثم تلصق القائمتان على ذلك اللوح. و كان روبي يحسن القراءة و لكنه كان ضعيفا في الحساب، و كانت سارة تحاول أن تقويه في ذلك بأن تكلفه بجمع محتويات القائمتين كل يوم، و إن يطرح مجموع إحداهما من الأخرى، جاعلة من هذا التمرين، لعبة يستمتعان بها.

و في الساعة العاشرة، و كان ذلك عند انتهائها من كي أخر قطعة ثياب، سمعت صوت سيارة غراي.
دخل المطبخ من الباب الخلفي بدلا من الباب الأمامي. لقد كان يوما دافئا. و كان الجو خانقا نوعا ما، و في الخارج، كان الهواء ما زال دافئا في هذا الوقت من الصيف.

كان غراي قد خلع سترته وربطة عنقه. و كانت الأزرار العليا من قميصه غير مقفلة، كما أن جلده بدا رطبا، و كانت لحيته نابتة قليلا.

كان، كما رأته سارة، مقطبا جبينه، و كشف نور المطبخ خطوطا من التوتر بجانب عينيه و حول فمه. و لما كان منظره يثير مشاعرها على الدوام، فقد اعتادت في غيابه، أن تبذل جهدها لمقاومة هذه التأثرات. كما كانت رائحة عرقه تنتشر بخفة.

و زاد تقطيبه حين رأى ما كانت تقوم به، و كأنه كان، لسبب ما، لا يحب هذه الأعمال المنزلية. و سألها و هو يضع حقيبته على الأرض، و يجذب كرسيا ثم يتهالك عليه: "هل روبي نائم؟"
فأجابت: "نعم."

فقال: "إذن، فلم أصعد إلى غرفته و أزعجه."

ضغطت سارة شفتيها. ذلك أنه إذا كان من الصعوبة أن تجعل روبي ينظر إلى أبيه كشخص يمكنه أن يمنحه الحب،ثم ينشأ على تقارب منه، فان ثمة صعوبة مماثلة في أن تجعل غراي يعترف بمسؤوليته في أن يمنح روبرت التشجيع و الحنان الذين هو في حاجة إليهما، و ذاك لكي يتخلص هذا من تلك الكراهية التي يشهر بها نحوه هو.

قال غراي معتذرا: "إنني آسف لتأخري. لقد نشبت أزمة مع أحد المصدرين إلينا. و كان علي أن أذهب إلى لندن لحل الإشكال. لقد طلبت من ماري أن تتصل بك لتخبرك بأنني سأكون هما حوالي الثامنة و لكن، مع الأسف، أخذت الأمور وقتا أكثر مما توقعت."

كانت ماري سكرتيرته، و هي امرأة في أواخر الثلاثينات من عمرها، و لم يكن ثمة فائدة من أن تخبره الآن بأنها، ليس فقط لم تستلم رسالته، و لنما كان لها خطة أخرى لقضاء الأمسية، قد فسدت.

و لما كانت قد فرغت من كيّ الملابس، و لم يعد ثمة حاجة لبقائها. التقطت حقيبتها و تفقدت مفاتيح السيارة.
و عندما اتجهت نحو الباب، سمعت غراي يفتح باب الثلاجة خلفها.

و سألها و هو يرفع ما بقي من كعكة عيد ميلادا: "ما هذه؟ و كان روبي قد أصر على أن يحفر عليها كلمة(عيد ميلاد سعيد يا سارة).

و أجابت بشيء من التصلب و كأنها تدافع عن نفسها: "إنها كعكة."

فقال: "إذن فهذا اليوم هو عيد ميلادك؟" كان ينظر إليها بإمعان بطريقة غريبة جعلت وجهها يتضرج احمرار دون أن تدرك سبب ذلك. "أظن أن فتاة في سنك يكون عندها، عادة، مخططات أكثر إثارة من مجرد صنع كعكة في المنزل هي وصبي في السادسة."

و أثارت السخرية في صوته، و الطريقة التي نطق بها هذه الكلمات، الألم و الاستياء في نفسها، فأجابته بغضب: "في الحقيقة، كنت مدعوة إلى العشاء، و على كل حال، بما أنني لم أستلم رسالتك من سكرتيرتك، كما أنني لا أستطيع ترك روبي وحده، و بما أنك أكدت لي هذا الصباح بأنك ستعود باكرا..."
فقاطعها: "هل عندك موعد مع صديق؟"

لماذا جعل هذا يبدو و كأنه شيء مستحيل؟ هل هو يدرك ما في هذا من إهانة لها... ما اشد بعده عن الكياسة إذ يوجه إليها سؤالا كهذا، و بهذه الطريقة إنها لن تخبره الآن مطلقا أن موعدها هذا كان مع ابنه عمها و زوجها، بل أجابته بدلا من ذلك: "نعم هذا صحيح."

و انتظرت اعتذارا منه... أن يخبرها أنه آسف إذ أفسد عليها الموعد ذاك، لكنه بدلا من ذلك ، قال ساخرا: "إن تركك له معلقا يجعله، دون شك، أكثر تعلقا بك. أليست هذه الطريقة التي يفكر فيها عقل المرأة؟"
و حدقت سارة فيه، و قد تحول كل حبها له إلى غضب لما تضمنه كلامه.

و قالت له بجمود: "ليس في إمكاني أن أتحدث عن النساء الأخريات، و لكن عقلي أنا لا يفكر بهذا الشكل. و الآن إذا كنت تسمح، ليلة سعيدة."

و عندما وصلت إلى منزل ابنة عمها، كانت ما تزال ثائرة. و كان المنزل غارقا في الظلام لأن روس و سالي خرجا بدونها و لم يعودا بعد. و في غرفة الجلوس كانت بطاقاتها مصفوفة على رف الموقد، تبا لغراي فيليبس... هل لأن زوجته من نوع النساء العابثات اللاتي يستمتعن بإيلام الآخرين، يتهمها هي بمثل هذا... و منعت نفسها من الاستمرار في مثل هذا التفكير، لقد كانت تأخذ الأمور بشكل شخصي جدا... فتثير في نفسها مشاعر ليس نحو روبي فقط، و إنما نحو غراي فيليبس الذي لا يكاد يشعر بوجودها، و صعدت إلى غرفتها لتتأهب للنوم و قد استبد بها التعب.

سألتها سالي: "لقد أخبرته إذن، عن مبلغ استيائك."
أجابت سارة دون ـن توضح لها ما حدث: "شيء من هذا القبيل."
فعادت هذه الأخيرة تقول: "يجب أن لا تدعيه يستغل رقة قلبك، يا سارة، انك موظفة عنده... مربية لابنه، و ليس لتكوني بديل أم."

تنهدت سارة، ثم قالت: "على أن أذهب الآن، و إلا تأخرت."

و لم يكن في منظر سيارة غراي التي كانت واقفة خارج المنزل حين وصات شيء غير عادي، و مع هذا، كان غريبا أن تدخل المطبخ لتراه خاليا و النور ما زال مشعشعا.

ز كان على المائدة نصف فنجان قهوة بارد، و صحن فيه قطعة بيتزا لا يجلب منظرها الشهية.

و فتحت سارة باب المطبخ الذي يقود الر الردهة و قد قطبت جبيها.

كان السكون يعم المكان. و لم تعرف ماذا تفعل. و أخيرا، وجدت أن أفضل ما يمكنها، هو أن تصعد إلى غرفة روبي لترى ما إذا كان لا يزال في فراشه. و لكنها لم تكن قد نسيت بعد نظرة غراي إليها عندما ظنها تنقب في مكتبه. و إلى جانب ذلك، ماذا لو كان قد غلب عليه النوم... ليفتح عينيه فجأة فيراها؟

و منعت نفسها من متابعة هذه التصورات و هي تتجه نحو السلم.

لقد كانت موظفة... تأخذ أجرا على العناية بروبي. و كان في إمكانها أن تسمه خرير الماء في حمام روبي. و لكنه لك يكن هذا ما جعل قلبها يهبط من موضعه، و إنما كان منظر غراي منبطحا على سرير روبي، مستغرقا في النوم، و هو ما زال في كامل ملابسه.

و عندما وقفت تحدق فيه، خرج روبي من الحمام و قد ارتدى بعض ملابسه، و هو يقول هامسا: "لقد رأيت حلما شيئا. فجاء باب إلى غرفتي. لقد قال لي أنه ليس علي أن أخاف لأنه كان هنا."

في أي وقت آخر، كانت سارة ستشعر بالابتهاج إذ تسمع روبي يدهوه أباه (باب) بطريقة يبدو بها قبوله ذلك و هو يقول أن غراي قال له (لا تخف) فلي ثمة شيء تخافه، تماما كمثل شعورها بالابتهاج إذ تعلم أن غراي سمع صوت ابنه يصرخ و أنه استجاب له.
و سمعت صوت روبي يهتف بها و هو يفتح باب غرفته متوجها إلى السلم: "إنني جائع يا سارة. أريد فطوري."
و كانت على وشك أن تناديه ليرجع و يوقظ أباه. حين تحرك الأب من نفسه فاستدار و هو يتململ في نومه، محاولا أن يشعر بالراحة في هذا السرير الصغير.
لابد أمه كان مرهقا إذ استطاع أن ينام في مثل هذه المساحة الضيقة، خاصة و روبي يشاركه فيها. و تواجهت سارة نحو الباب و هي تتوقع بين لحظة و أخرى، أن يفتح عينيه. و لكنه بدلا من ذلك، مد ذراعيه لتصطدم يده بالكأس المغطى الذي يحوي عصير الفواكه و الذي تضعه عادة بجانب سرير روبي.
و اندفعت سارة غريزيا، و لكنها لم تستطع أن تفعل شيئا سوى التقاط الكأس من على السجادة المبللة. و لكنها، عندما كانت راكعة على الأرض بجانب السرير شعرت فجأة، بيد غراي تلامس شعرها.
و ارتجفت لهذا الشيء غير المتوقع، و لم تستطع أن تتحرك... أو تتنفس، أو تقوم بأي شيء... و تحركت أصابعه ببطء في شعرها. و صدر عنه صوت مبتهج بالغ العمق و الرقة و هو لف شعرها على يده، ثم يجذبها إليه بلطف.
كانت عيناه ما زالتا مغمضتين، و لكن هو ما زال مستغرقا في النوم دون أن يعي ما يفعله كليا، و هذا يعني... هذا يعني أن عليها أن تزيح يده من شعرها الآن، و من ثم توقظه. و لا أحد يعلم من تراه قد ظنها، ربما امرأة غير معروفة كانت له علاقة ما معها...
و ازدردت ريقها بصعوبة. كانت من القرب منه الآن بحيث استطاعت أن ترى مسام جلده،و لحيته النابتة القاتمة، و أهدافه الكثيفة. و لكي تمنع نفسها من فقدان توازنها، وضعت كفها، غريزيا، على صدره فشعرت بضربات قلبه.
ز تسارعت خفقات قلبها و هو يلامس أذنها، و توتر جسدها بأجمعه متجاوبا مع لمسته تلك، و بدلا من أن تبتعد، زادت من اقترابها منه، بينما كان عليها الابتعاد قبل أن ينتبه و يدرك ما الذي يفعل، و ما الذي كانت هي تشجعه و تسمح له بعمله.
و عندما شعر غراي بمقاومتها، شد على جسدها بقوة جعلتها تصرخ ألما و تشد نفسها إلى الخلف لتتخلص من قبضته بعدما شعرت بالعار.
فتح عينيه على الفور، و سرعان ما كان يقطب جبينه و هو يحدق فيها.
و انتصبت سارة على قدميها بانفعال، و هي تقول متلعثمة و قد بان عليها الذعر: "انك أوقعت كأس العصير. إنني آسفة إذ أيقظتك."
كان ما يزال مقطبا جبينه، و أدركت أنه كان يفكر... محاولا أن يلتقط بقايا حلم كاذب.
و أدركت أنه كان يحدق في وجهها بارتياب، و أخذ قلبها يخفق عاليا، و شعرت بالغثيان، و الضعف... و تملكتها الخشية من أن يتذكر، فيلومها... و الخوف من أن يعلم أنها هي من كانت بين ذراعيه، و لكنه عندما تكلم، سألها بغيظ: "و ما الذي أفعله أنا هنا؟" و كان واضحا أنه لا يتذكر شيئا مما حدث، و هذا ما جعلها تقول: "قال روبي انع رأى حلم مزعجا، و أنك جئت اليه. و يبدو أن النوم غلبك و أنت معه.
همهم غراي و هو يدلي ساقيه إلى الأرض، و ما لبث أن أخذ يشتم و هو يقول: "يا للتعاسة... ظهري."
كانت سار قد اتجهت نحو الباب. و سألها: "كم الساعة الآن؟" و عندما أخبرته، أخذ يشتم مرة أخرى و هو يقول: "تبا لذلك. ان عندي اجتماعا خلال نصف ساعة. عليّ أن أتصل بماري لتأخيره."

كان ما يزال عابسا و قد بدا جليا أن أفكاره مركزة على عمله. و لم يبد عليه أنه يتذكر ما حدث، و مع ذلك، عندما فتحت باب الغرفة، نظر إليها متفرسا في وجهها المتضرج.

لم تجرؤ على الوقوف أكثر من ذلك، خوفا من أن يتذكر ما حدث، فاستدارت تفتح الباب و تسرع خارجة. و في المطبخ، كان روبي قد وضع فطوره بنفسه. و كان حول فمه شارب من الحليب، و نظر إلى سارة بابتسامة عريضة و هي تدخل المطبخ.

بعد ذلك بنصف ساعة، كان ظهرها إلى الباب، عندما دخل غراي المطبخ. أحست بذلك على الفور. هل تراه تذكر... أم أنه كان من استغراق في النوم بحيث لا يتذكر أنه لمسها و أخذها بين ذراعيه؟
و سمعته يفتح باب الثلاجة، فاستدارت رغما عنها. كان قلبها يخفق عاليا من القلق و الألم. و بدا عليه أنه بعيد عنها بأفكاره... و نظرت إليه في بذلته الداكنة الأنيقة... و لم تستطع أن تصدق أنه كان منذ فترة... و ازدردت ريقها مذكرة نفسها بأنها لم تكن هي التي أخذها بين ذراعيه... و لم تكن هي التي كان يحتضنها بعنف.

و كان قد أخرج من الثلاجة شيئا من عصير البرتقال، و أوشك أن يستدير ناحيتها، فأسرعت تشغل نفسها بروبي و ما يحتاجه.

سألها روبي: "هل سنأكل اليوم أيضا من كعكة عيد ميلادك يا سارة؟"

كانت سارة تحس بأن غراي يراقبها متفرسا، لتشعر بوجهها يتوهج بالاحمرار الذي انحدر إلى عنقها. و رفضت أن تدير رأسها لتنظر إلي لكي تعرف السبب في مراقبته هذه لها.

و عندما انتهى من فطروه بعد عشر دقائق، التقط حقيبته ثم اتجه نحو الباب حيث توقف برهة ليقول لها باختصار: "من فضلك يا سارة أريد أن أكلمك للحظة واحدة."

تبعته إلى الردهة و قد توتر جسدها. لابد أنه تذكر أخيرا، و هو الآن يريد أن يسألها لماذا لم توقفه عن الاستمرار في تصرفه ذاك... لماذا لم توقظه من نومه... لماذا هي... و لكنه قال لها: "أظن من الأفضل أن يمنع روبي من أكل المزيد من كعكة الحلوى، لأنني أظن إنها السبب في ذلك الحلم المزعج الذي رآه و الذي منعنا، أنا و هو من النوم البارحة."

حملقت سارة فيه و هو يتابع قائلا: "في الحقيقة كنت أظنك أكثر تعقلا من أن تسمحي له بأكل هذا النوع من الحلوى... مع كل ما تحتويه من سكر و سمن..."
قاطعته قائلة: " لقد اتبعت وصفة تحتوي القليل من السكر و السمن."
كيف يجرؤ على القول إنها هي المسؤولة عن الكابوس الذي رآه روبي في نوم؟ و أوشكت أن تصارحه بأنه إذا كان يهتم بالكوابيس التي يراها روبي في منامه حقا، فعليه أن يفتش عن سبب ذلك في البيت و ليس في الطعام الذي تصنعه. و لكن المفاجأة إزاء انتقاده غير العادل ذاك، و هذا في الوقت الذي كانت تتوقع فيه أن يطرق موضوعا مختلقا تماما، أدارت هذه المفاجأة رأسها بحيث لم تستطع أن تطق بكلمة.
و استدار ليخرج، حين وقف فجأة و قد تصلب جسمه و وضع يده على ظهره و قد تقلص وجهه. انه الألم الذي سبق و شعر به حين استيقظ من نومه فجأة.
لقد انتابته الآن صدمة بالغة و هو يرى شعرا بالانجذاب نحوها... نحو المرأة التي كان قد صمم على أن يبقي نقسه بعيدا عنها، ألا و هي سارة إ
في ما بعد، و هو في طريقه إلى المصنع، أخذ يتساءل لماذا يشعر أنها تهدد هذا الحاجز الذي وضعه بينه و بين رغباته التي فرضها على نفسه؟ و شتم نفسه و هو يعترف بأنه ما كان له أن يستخدمها عنده. و لكن، ما الذي كان عليه أن يفعل غير ذلك؟ لقد كانت هناك رغبة روبي... روبي ابنه... و لده الذي أنشأته أمه على الخوف منه. و مع ذلك تعلق به روبي بعد الرعب الذي شعر به من جراء ذلك الكابوس، و هو يناديه متوسلا إليها، يبقى معه. و عندما احتضن ابنه الصغير الضعيف بين ذراعيه، غمره شعور جارف بالحي و الألم... حب لهذا الصبي الذي كان جزءا منه، و الألم للسنوات التي فصالت بينهما، و الأحزان التي تشوب علاقتهما.
لم يستطع أن يفهم ما الذي حدث له. فهو، بعد أن تخلص مت كل مشاعره، موحيا إلى نفسه بأن من الأفضل أن لا يشعر... أن لا يحب، بعد كل ذلك إذا به يشعر فجأة بأن كل إجراءات الوقاية هذه التي اتخذها قد تحطمت و تلاشت لتتركه جريحا ينزف... لتتركه هشا ضعيفا غارقا قي الألأم... لتتركه مشوش الذهن مقهورا بمشاعره... لقد صدم و هو يرى ما حدث له... و تنفس بعمق و هو يتصور سارة بين ذراعيه.

و أطلق شتيمة إذ أخذ السائق الأخر يطلق نفير سيارته ينبه إلى إنارة الضوء الأخضر، بينما هو جالس يحدق في اللاشيء. ينبغي أن يتوقف كل هذا. فليس ثمة مكان في حياته ببعد لهذه المشاعر الخطرة.

لقد اعتقد مرة، في ما مضى، أنه وقع في الحب، و أنه كان محبوبا. و كان مخطئا في الحالتين. ز هو لن يسقط مر أخرى في هذا الشرك أبدا أبدا.


miya orasini غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-07-14, 05:18 PM   #49

miya orasini

نجم روايتي ومشرفة سابقة وعضوة فريق الكتابة للروايات الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية miya orasini

? العضوٌ??? » 244480
?  التسِجيلٌ » May 2012
? مشَارَ?اتْي » 7,329
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » miya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك carton
افتراضي

الفصل السابع

اعترفت سارة لنفسها بأن غراي يحيرها. فقد كان رجل المتناقضات. كان رجلا يبدي منتهى العناية و الحب من أب لابنه، و في المرة التالية تراه ينسحب منه تقريبا و كأنه يخشى هذا الحب.
و لكن، مم تراه يخاف؟ انه لا يخاف من روبي طبعا... و لكن، ربما يخاف من أن يشعر نحوه بالحب.

و عبست و هي تدير هذه الفكرة في ذهنها، لقد مضى الآن قرابة الأسبوعين على ذلك الوقت الذي وصلت فيه لتجده نائما في سرير ابنه، ليأخذها أثناء نومه، بعد ذلك، بين ذراعيه محتضنا إياها.

و لكن، كلا، يجب أن تسمح لنفسها بأن تفكر... بأن تتذكر. لقد سبق و قررت عدة مرات، بأن عليها أن تنسى تلك الحادثة العابرة، و لا تفكر فيها و لا تتذكرها بقية حياتها. و إلا... إذا سمحت لما حدث أن يسيطر على أفكارها و مشاعرها... و أحست برجفة في جسدها.

كانت تشعر بأن ليس ثمة مستقبل يجمع بينها و بين غراي، و لا أمل أبدا في أن يبادلها نفس مشاعرها يوما، كانت تعرف ذلك من الطريقة التي كان يعاملها بها، من سلوكه المهذب البارد تجاهها و الذي لا يخفي العداء الذي يكنه نحوها.

لقد استخدمها مربية لروبي لأنه لم يجد سواها. و لكنها تشعر الآن إلى أي حد يبلغ امتعاضه منها و من وجودها في منزله. فهي ترى النظرة التي يرمقها بها كلما ركض إليها روبي لكي تحتضنه، أو كلما تحول إليها روبي يطلب منها شيئا. فهي تعرف أن غراي يكره ازدياد تعلق ابنه بها عاطفيا.

و هي كذلك، كانت تشعر بنفس عدم الارتياح ذاك، من هذه الناحية، إنما لسبب مختلف تماما.

فقد كان روبي صبيا هشا ضعيفا، و قد حاولت جهدها أن توسع من أفقه و ذلك بتقديمه إلى أولاد آخرين. و قد نجحت في ذلك إلى حد ما. و لكنه ما زال متعلقا بها... و ما زال يعود إليها مسرعا ليجلس بجانبها و كأنه يخشى أن تختفي في غيابه.

كان كل هذا ردة فعل طبيعية لما سبق ومر به من أحداث، بالطبع. و لكن ما كان روبي في حاجة إليه حقا في حياته، هو وجود شخص دائم يمكنه أن يمنحه حبه و يعتمد عليه، و ليس شخصا مثلها جاءت إليه لتمضي معه وقتا قصيرا ثم ترحل.

كان صحيحا أن روبي أصبح الآن أكثر تجاوبا مع أبيه. و ذلك بفضل تشجيعها هي له في أن يرى في غراي صديقا و ليس عدوا. و كان صحيحا أيضا أن غراي، هو أيضا، قد أصبح متجاوبا مع ابنه، مظهرا نجوه رقة و اهتماما أكثر مما اعتاده... و مع ذلك، في الوقت الذي كانت، أحيانا، تهنئ نفسها، فيه على نجاحها في تقويه الرباط بين الاثنين، حين كان غراي يظهر عطفا و حنانا عمليا نحو روبي، إذا به يتراجع، بطريقة ما، و قد بدا عليه الحذر و التوتر، كما لو كان يخاف من أن يسمح لنفسه بأن يحب ابنه.

و لكن، ذلك الرجل الذي سلب ولده منه، فهو يخشى، في أعماق عقله الباطني، من أن ذلك قد يحدث مرة أخرى. أن الحب مقترن دوما بالألم، حتى أنه لم يعد يفرق بين الاثنين.

و تمنت سارة لو كان في استطاعتها أن تتحدث مع غراي عن مشاعره هذه بحرية أكثر و عن خشيتها هي من أن يسبب الضرر لروبي برفضه هذا له، فهو يعلّم روبي أن لا يثق بمشاعره الطبيعية، و أن يتخلى عن رغباته في أن يظهر نحو أبيه الحب و الحنان. و لكن، حتى و لو كان غراي قابلا للمناقشة في أمر كهذا، فإنها كانت تشك في أن يكون في إمكانها أن تتخطى حاجز الحب الذي تشعر به نحوه لدرجة تسمح لها بأن تخوض هذا الموضوع بالصراحة المطلوبة.

و بسبب هذا، كما هو سبب حبها لغراي، ابتدأت تتساءل عما إذا كانت هي الشخص المناسب حقا للقيام بمسؤولية تعهد روبي.

لقد حاولت مرة، و هي في غاية التردد، أن تصارح غراي برأيها هذا، و لكن سرعان ما عبس هذا الأخير و توتر فمه ليتهمها بمحاولة فسخ العقد الذي سبق و وقعاه معا. و هكذا أرغمت على التراجع عالم بـأنه من المستحيل عليها أن تعبر عما يقلقها بشكل مقنع.

لم يكن غراي ليثق بأي شيء مبني على العواطف. لقد أدركت هي هذا جيدا، مفكرة، بمرارة، في أنه لا بد قد أحب والدة روبي إلى حد جعله يتحطم بتحطم العلاقة بينهما.

و لكن، عندما حدثت سالي بذلك، و سمعها روس، هز رأسه بسرعة هائلا لها: "ليس هذا ما سمعته مطلقا، ذلك أن السبب الوحيد الذي جعلهما يتزوجان هو أنها كانت حاملا، و يبدو أنه كان يضغط عليها لتحتفظ بالجنين. و في الحقيقة، لم يدهش أحد حين فشل هذا الزواج لأنه كان مفهوما، منذ البداية بأن العاطفة المحمومة التي كانت بينهما و التي أدت إلى الحمل بروبي، قد استحالت رمادا قبل الزواج بفترة طويلة."

و عندما أبدت سارة الأسى لذلك، هز روس رأسه مرة أخرى، متابعا: "إن مشكلتك هي أنك رقيقة القلب جدا، مثالية إلى درجة كبيرة."

قاطعته سالي: "إن روبي هو الذي يستدر العطف. يا للصبي المسكين. من حسن حظه أن وجدك يا سارة."
هزت سارة رأسها قائلة بحسرة: "أخشى أن أسبب له الضرر أكثر مما أنفعه، إنه في حاجة إلى من يبقى معه بصورة دائمة."

فقال روس مستفسرا: "تعنين أن غراي ينبغي أن يتزوج؟ حسنا، لا أظن أنه سيفعل ذلك أبدا. فالإشاعات تقول انه أقسم، بعد إتمام الطلاق، أنه لن يتزوج بعد ذلك أبدا. و هو بالتأكيد ليس من ذلك النوع من الرجال الذين تتغلب عليهم المشاعر."

قالت سارة: "كلا. انه ليس كذلك."

و مع ذلك، فان غراي ليس بالرجل البارد. فهي تعرف ذلك حتى و لو لم يحتضنها في ذلك الصباح. و هو، منذ ابتدأت تعمل في منزله، أخذ يظهر حدة في الطباع كانت تتزايد على مر الأيام، و كذلك كان انتقاده لها بغير حق أحيانا لدرجة جعلتها تتساءل عما إذا كان يقصد أن يدفعها إلى فسخ عقد العمل ثم ترحل.

و لكن، لو كان حقا يريد أن يتخلص منها، لكان أخبرها بذلك صراحة، و هو ليس بالرجل الذي يشعر بالجبن إزاء اتخاذ خطوة كهذه، فيقوم بمناورات تجعل مسؤولية ذلك العمل تقع عليها هي و ليس عليه.

كذلك كان أحيانا، ينظر إليها وأنه يكن لها الكراهية، كما أنه أخذ يتأخر في عودته إلى منزله مما كان يضطرها إلى التأخر ساعات عن موعد خروجها و هو السعة السادسة مساء. و إذا ما احتجت على ذلك، كان يرد عليها قائلا: "انه سبق و طلب منها السكن في منزله، فالذنب في ذلك هو ذنبها هي."

و هذه الليلة، على سبيل المثال، أخذت تفكر مليا و قد أدركها الإجهاد بعد ما انتهت من كي القمصان المدرسية الجديدة لروبي، فقد كان وعدها، بعد أن اختبرته بأنها مدعوة إلى العشاء، و عدها بالعودة في السادسة. فقد كانت و عدت سالي و روس اللذين كانا قد دعيا إلى العشاء، أحد معارف هذا الأخير من رجال الأعمال، و عدتهما بأن تكون معهما في هذه المناسبة، إذ كان ذلك الرجل قد حضر لمهمة تستغرق يومين فقط.

و طمأنتها سالي، و هي تحدثها لأول مرة، عن دعوة يكونا واسطة زواج، و لم تصدقها سارة تماما ذلك أنها كانت ترفض على الدوام، مشاريعهما هذه.

على كل حال، فقد كانت الساعة الآن السابعة و النصف، و كان عليها أن تتصل بسالي لتخبرها بأنها قد لا تتمكن من الذهاب إليهما. و بدا الاستياء في صوت ابنة عمها و هي تقول: "ما هذا؟ لقد وصلت الأمور إلى حد ل يعد يصلح السكوت عنه. يبدو و كأنه يفعل ذلك متعمدا. هل اتصلت بالمصنع؟"

أجابت: "نعم. و لكن يظهر أن ليس هناك من يعرف مكانه، فقد خرج بعد الغذاء في مهمة بعد أن ترك خبرا بأنه سيعود، بعد ذلك، إلى البيت مباشرة." و عضت سارة على شفتها و هي تسأل سالي: "أتظنين أنه ربما وقع له حادث؟"

و تلاشى غضب سالي على الفور و هي تهتف: "آه، أرجو أن لا يكون ذلك. و لكن الأفضل أن تتحرى عن ذلك، و لم كنت مكانك لفعلت..."

قالت سارة بقلق: "سأتصل بالشرطة."

و بعد ذلك بنصف ساعة، بعد أن تأكدت من الشرطة من عدم حصول أي حادث يتضمن اسم غراي فيليبس، كانت تجلس قرب الهاتف و ما وال القلق يتملكها من أن ذلك لا يعني بالضبط عدم حصول شيء له، عندما سمعت صوت سيارة غراي في الخارج.

و على الفور، تحولت مخاوفها إلى ثورة عارمة، ليس فقط لتأخره هذا، و إنما لما سببه لها من قلق و مخاوف.

و عندما دخل، كانت واقفة على قدميها شاحبة الوجه لشدة التوتر، و قد اتسعت عيناها و التمعتا في نور مصباح الردهة الخافت. و بدا قوامها الأنثوي في تلك العتمة الخفيفة، كأنه ليس من هذا العالم مما هز كيان غراي بصورة مفاجئة، ليشعر بألم لا يمكن احتماله و هو يحاول أن يمسك نفسه عن التقدم إليها و أخذها بين ذراعيه. ربما يريد أن يمحو، بحنانها وحبها، كل ما يثقل كاهله من ضيق و ألم و كرب، فينسى نفسه بين ذراعيها.

و لكن، كان عليه أن يعرف أولا، ما إذا كانت تتفهم ذلك... و تتقبله، و ما إذا كانت تكن له من المشاعر و الحب ما يسمح له بإفراغ كل ما يعتمل في أعماقه، و ذلك دون أي انتقاد له أو إدانة.

لكنه ما أن شرع لتحقيق ذلك، متقدما نحوها بالخطوة الأولى، حتى تبخرت كل تصوراته تلك، و هي تسأله بصوت في برودة الثلج: "لقد وعدتني بأن تعود في السادسة، لأن عندي موعدا للعشاء هذه الليلة."

كان لبرودة هذا الصوت الخافت و النظرة التي صحبته فعل ماء الثلج على جلده الحار، مما سبب له ما يشبه الألم، و جعل ردة الفعل عنده بالغة العنف، ليخرج عن طوره و هو يرد عليها بحدة: "و ما الذي منعك من الذهاب إذن، ما دامت دعوة العشاء اللعينة تلك، بمثل هذه الأهمية عندك؟"

حملقت سارة فيه و قد استبد بها الغضب و الذهول، ثم قالت بلهجة مماثلة: "انك تعلم أنني لا يمكن أن أترك روبي بمفرده."

أجابها ثائرا: "و لم لا؟ لقد كانت أمه تفعل ذلك. و لأنها كانت تتركه دائما وحده، تدخلت أمها و أخذته في رعايتها. حسنا، إذا كان ذلك العشاء اللعين مهما عندك إلى هذا الحد... أكثر مما يهمك روبي... فلا تدعيني أعيقك. اذهبي الآن، و لا تكلفي نفسك عناء الرجوع."

كان هجومه هذا شيئا غير متوقع، كان ظلما سافرا لم تستطع سارة إزاءه، إلا أن تحدق في غراي مصعوقة غير مصدقة.

و شعرت بالدموع تتجمع في مآقيها. و أدركت، و قد تملكها الرعب، بأنها إذا بقيت حيث هي، فلن يكون في مقدورها أن تمنع نفسها من الانفجار في البكاء. و أن تسمح لغراي بأن يشهد ضعف مشاعرها و هذا هو آخر شيء تريده. و هكذا قامت بالشيء الوحيد الذي أمكنها، و هو أن تختطف حقيبتها و تندفع نحو الباب المفتوح، مشيحة بوجهها عن غراي.

و استقلت سيارتها، مندفعة نحو الطريق، و لم تتوقف إلا عندما بلغت الطريق الرئيسي، و ذلك لكي تهدئ من مشاعرها و تمسح دموعها و أنفها.

و لكن، فلتدع الدموع تجري كما تشاء الآن، لعلها تخفف مما تعاني.

و حدثت نفسها بأنها الصدمة فقط. إنها الصدمة، و هذا كل شيء. و لكن، وراء هذه الصدمة، تدفق سيل التعاسة و الألم. و لم يخفف عنها أنها كانت تعرف حقيقة غراي، منذ البداية.

و أنها سبق و حذرت نفسها من السماح لمشاعرها نحوه بأن ترسم له صورة مغايرة أكثر لطفا و دفئا. و إن الذنب ذنبها الآن في ما ينتابها من ألم و عذاب.

و لكن، أن يهاجمها بهذا الشكل في حين أنه هو الذي... و هزت رأسها و هي تعود إلى رفع منديلها إلى أنفها و قد توقفت عن ذرف الدموع.

ما زال ليس في مكانها أن تصديق أنه طردها فعلا ن العمل، و أنه فقد أعاصبه ليبدو بكل هذه الوحشية، و أنه فقد سيطرته على مشاعره بهذا الشكل و هو الذي كان دوما... دوما جم التحفظ في ما يقول أو يفعل... و هو الذي لم تسمع منه أبدا كلمة غير قوية أو منصفة.

و عندما وصلت إلى منزل ابنة عمها، كانت مشاعرها قد هدأت، و لكنها مازالت ترتعش شاعرة بالغثيان.
ما كانت سارة قط، فتاة ذات طبيعة انفعالية، فقد كانت دوما تنتقد نفسها طبيعتها الهادئة الزائد عن اللزوم... و كانت تسيطر دائما على مشاعرها و تصرفاتها... و لكن، هذا المساء...

و اقشعر جسدها و هي تدخل المنزل الخالي، ثم تبدأ بتحضير كوب شاي و هي تحلل ما جرى.

أترى سبب غضبها العنيف غير المتوقع ذاك، هو انتقالها الفجائي من الخوف من أن يكون قد حدث لغراي حادث، و قد تصورته ملقى غائبا عن الوعي في أحد المستشفيات النائية، إلى الحقيقة المرة و هي تراه داخلا بيته سالما معافى غير مهتم بما سببه لها من قلق و خوف، هذا عدا عن تأخره في الوقت الذي كان يعلم فيه أنها مدعوة إلى العشاء؟

نعم، إن لها بعض العذر في تصرفها الذي بدر منها ذاك. و لكن، بالنسبة إلى غراي نفسه... فقد بدا عليه و كأنه قد رحب بغضبها ذاك، بل و استفزها لإظهار المزيد... ومع ذلك، لابد أنه علم بخطئه، و لكنه طردها.

و اقشعر جسدها مرة أخرى إنما بشكل أعمق. إن عليها أن تعود طبعا، و لو لتشرح لروبي الوضع. و لكن، لن تفعل أي شيء يمكن أن يضر بالعلاقة الهشة التي تحاول أن يبنيها روبي مع أبيه.

و تملكها الغضب من نوع آخر. ما الذي جعل غراي يتصرف بمثل هذه الأنانية و الإهمال لمشاعر ابنه؟ ألم يدرك كم سيضر هذا بالصبي الصغير؟

و كان الوقت متأخر عندما عادت سالي و زوجها، و طبعا، أطلعتهما على كل ما حدث.

قطب روس حاجبيه و هو يفكر في تصرف غراي الذي استحال إلى الغضب. و قال لها: "أظن أن تصرفه هذا نتج عن وضع خاص لا دخل لك أنت فيه."

فابتدأت تقول: "لكن روبي..."

فهز رأسه قائلا: "إنني أعرف مبلغ اهتمامك به، يا سارة، و لكنك، كما سبق و قلت لك، رقيقة الإحساس جدا. و لكننا، أثناء إقامتك بيننا، مسؤولان عنك إلى حد ما. نعم، إنني أعرف أنك راشدة... و قادرة تماما على تقرير أمرك، و لكنني لست راضيا أبدا عن الطريقة التي ابتدأ غراي يعاملك بها. إنني، في الحقيقة، أفكر في أن أقابله كي أتحدث إليه."

قالت سارة متوسلة: "أوه، كلا... أرجوك. لا تفعل ذلك."

و شحب وجهها إلى درجة جعلت روس، رغم تأثره الشديد، جعلته يذعن قائلا: "لا بأس، إذا لم تريدي ذلك، و لكنني لا أستطيع أ، أتظاهر بعدم الارتياح إذا أنت تركت العمل عنده."

قالت سارة لهما معا: "عليّ أن أعود لرؤية روبي، فليس من الممكن أن أتركه هكذا، فجأة، دون إيضاح، حتى و لو كان أبوه قد تحدث إليه في الأمر."

قال روس: "لماذا لا ترجئي الأمر إلى أن يذهب معك واحد منا، أنا أو سالي؟"

و لكن سارة هزت رأسها، على الفور، قائلة: "كلا، إنني لن أختبئ خلف أي منكما، و كما سبق و قلت أنت، فأنا راشدة و قادرة تماما على أن أسوي أموري بنفسي... الليلة انتهت، و لكن غدا."

استيقظت سارة قبل الفجر إذ أن عينيها لن تعفا الرقاد، و من ثم ارتدت ملابسها بعناية، و لم تكن ملابس العمل العادية، بل كانت عبارة عن بذلة أنيقة تعكس مزاجها الصارم.

و لم تكن تنوي أن تقنع غراي بتغيير رأيه أو أن ترجوه متوسلة أن يعيدها إلى عملها، و لكنها ستذهب إلى روبي و تحاول أن تشرح له ما حدث بكل مت في وسعها من الرقة و اللطف، دون أن تضع اللوم على أبيه بأي شكل كان. ذلك لأنها ليس في إمكانها أن تفعل ذلك، لأجل مصلحة روبي نفسه، قبل كل شيء.

و عندما أوقفت سيارتها أمام المنزل، بعد ذلك بنصف ساعة، كان متألقا بالأنوار.

و قبل أن تنزل من سيارتها، إذ الباب يفتح و يخرج منه غراي هابطا الدرجات نحوها و هو يسألها بلهفة: "روبي... هل هو معك؟"

روبي... معها هي؟ و كان غراي قد أمسك بذراعها، لشدة لهفته، و كان القرب منها بحيث أمكنها أن تشعر بالحرارة التي تبعث من جسده. و كانت لحيته تظلل القسم الأسفل من وجهه. كما كان يرتدي قميصا مقفولا و بنطال جينز. و بدا عليه و كأنه امضي أكثر الليل مستيقظا. و انتقلت عدوى قلقه إليها، فأظلمت عيناها من الخوف و هي تسأله بحدة: كلا... إن روبي ليس معي. لماذا؟"

فأجاب: "إنني لم أجده... لقد أحضرت بعض العمل معي ليلة أمس لكننني لم أستطع النوم، لا أدري لماذا." و لاحظت سارة أنه كان يتجنب النظر إليها. و كان صوته خشنا غير منتظم و كأنه يخفي مشاعر يخيفه أن تبدو.
و عاد يقول: "نهضت من فراشي باكرا، و صعدت لرؤيته روبي، و لكنه لم يكن هناك. لقد فتشت كل أنحاء المنزل دون أن يبدو له أثر."

و لم تكد تصدق ما جرى، و سألته بحدة: "و البارحة، هل صعدت لرؤيته بعد ذهابي؟"

و نظر إليها الآن بعينين حمراوين، نظرة غامضة اختلطت فيها المشاعر، ثم هز رأسه نفيا، و مع أنها لم تفصح عن انتقادها له، إلا أنه قال مدافعا عن نفسه: "لقد أحضرت بعض العمل لانجازه أثناء الليل، و فكرت في أنه لا بد نائم، فلم أشأ إزعاجه."

و فكرت سارة في أنه هو الذي لم يشأ أن يزعج نفسه به، و لكنها لم تصفح عن أفكراها هذه، فقد رأت من التعبير الذي كان يكسو ملامحه، مبلغ العذاب الذي يعانيه... و كذلك مبلغ الشعور بالذنب الذي يحس به. و انتقاده الآن لا يفيد بشيء.

و بقيت صامتة، و مضت برهة قال بعدها بصوت أجش: "أشكرك."

دهشت، و نظرت إليه مذهلة بعينين متسعتين لتسأله بصوت مرتجف: "لماذا تشكرني؟"

فأجاب: "لأنك لم تصارحيني بما يجول في نفسك و هو أنه كان علي أن أصعد و أتفقده ليلة أمس."

و خامرها العطف عليه و هي تحس بما يعانيه من مشاعر القلق و اليأس و الشعور بالذنب.

و تابع يقول: "إنني أعرف أنه كان علي أن أفعل ذلك، و لكنني لم أفعل... و ها هو ذا الآن قد ذهب."
سألته: " هل أنت متأكد من أنه ترك البيت؟"

فأجاب: "نعم. لقد فتشت كل غرفة و كل خزانة و كل مكان، أكثر من مرة، و كان أملي الوحيد هو أنه ربما قد ذهب إليك أثناء نومي."

سألته و قد جف حلقها من الخوف و القلق: "و الشرطة؟ هل..."

فهز رأسه قائلا: "كلا. لقد كنت على وشك الاتصال بك أولا لأرى إن كان عندك ثم لأسألك النصيحة."
و حملقت فيه بذهول... لقد قال انه كان سيسألها النصيحة.
فعاد يقول: ألا تصدقينني؟ هذا لا يدهشني بعد الطريقة التي تصرفت بها معك ليلة أمس... آه، يا للنعاسة... أين تراه يكون؟ و لماذا ذهب؟ لقد ظننت أنه قد ابتدأ يستقر... ابتدأ يدرك..."
قالت سارة برقة: "أظن من الأفضل أن نخبر الشرطة." و دون وعي منها، نزلت من السيارة ثم وضعت يدها على ذراعه تسري عنه،و قد أثر في نفسها مشاعر العذاب التي يعانيها.

نظر إلى يدها التي استقرت على ذراعه، ثم إلى وجهها. و تسارعت دقات قلبها و هي تشعر بحرارة جلده و باختلاج عضلة ذراعه تحت لمسها.

و احتبست أنفاسها حتى لم تعد تستطيع التنفس أو التفكير أو الحركة... و فجأة، تركته مبتعدة عنه و قد شحب وجهها، إذ انتبهت إلى عملا هذا و ساورها الشعور بالذنب. كيف يمتلكها هذا الشعور في الوقت الذي تترك فيه كل مشاعرها و أفكارها على روبي؟ كيف تسمح لنفسها بأن تعود إلى الشعور بالانجذاب نحو غراي في الوقت الذي أظهر فيه بجلاء رأيه فيها و مقدار اهتمامه بها؟ هذا عدا عن عدم تجاوبه معها...

و اتصلت بالشرطة، تطلب الرقم بأصابع مرتجفة و كان تجاوبهم سريعا، و مسريا نوعا ما. و قيل لها إن احدهم سيكون عندهم خلال نصف ساعة، و طلبوا منها عدم الاستسلام للخوف.

عدم الاستسلام للخوف؟ و كيف يكون هذا ممكنا؟ و أخذت تفكر كيف قابلت روبي لأول مرة، و هو يعتقد أن في استطاعته أن يجد طريقه إلى لندن وحده.

و كاد قلبها أن يكف عن الخفقان و استدارت إلى غراي قائلة: "هل تظن أنه ذهب الى لندن، الى مدبرة منزل جدته؟ ذلك أنني عندما قابلته لأول مرة..."

و هز غراي رأسه قائلا: "ليس عندي أية فكرة. انك تعرفينه أكثر مني... و تعرفين طريقة تفكيره و كيفية تصرفاته. لقد كنت متأكدا من أنه لا بد ذهب إليك أنت. و هذا كل ما أمكنني التفكير فيه. حتى أنني فكرت في أنك,,," و سكت و هو يهز رأسه. و لكنها كانت قد خمنت ما كان على وشك أن يقوله.

و سألته بصوت مرتجف رغم تكلفها الهدوء: "هل ظننت ذلك حقا؟ انه من الممكن أن أشجعه على ترك منزله... و هو صبي بهذا العمر؟"

فأجاب: "إنني آسف... يبدو أن تفكيري، هذه الأيام، غير متزن. قد تكونين سمعت عني أن تجاربي مع النساء جعلتني أفقد ثقي بهن."

نظرت إليه سارة متألمة، ثم قالت بهدوء: "إن الثقة، كغيرها من المشاعر، ذات وجهين، فأنا لا يمكن أن أقوم بأي عمل قد يسبب أذى لرويي، و مهما كان شعوري الشخصي نحوك أنت. إنني أعلم أن ردة فعلي كانت أعنف مما ينبغي، ليلة أمس."

كان هذا الوقت هو أنسب الأوقات لكلام كهذا حيث أن الحواجز بينهما قد انهارت بعد ما جمع بينهما القلق على روبي. و عادت تقول: "و لكنني شعرت بالذنب للتخلي عن ابنة عمي و زوجها في آخر لحظة، خصوصا و قد كانا يستضيفان رجل أعمال لمصلحة مشتركة."

و قطب غراي جبينه و هو يسألها: " هل كنت مدعوة إلى العشاء مع ابنة عمك؟"

فأومأت بالإيجاب، لترهف أذنيها بعد إذ سمعت صوت سيارة تدخل إلى باحة المنزل، قالت : "لابد أن هذه هي سيارة الشرطة."

فأجاب غراي باقتضاب و هو يتجه نحو الباب الأمامي: "سأذهب لأدخلهم."

و بعد ذلك بنصف ساعة، بعد ما انتهت الشرطة من تفتيش المكان و الخزائن، أعطتهم سارة قائمة وصفت بها ما يرتديه من ملابس.

و أخبرتها الشرطة أن تصميمه على ترك البيت ربما كان نتيجة حالة طارئة. و كانت بهذا، تحاول التسرية عنها إذ أن الولد، حسب خبرتهم، مهما كان عمره، إذا هو أراد أن يهجر منزله، فانه يأخذ معه أحب شيء من مقتنياته، حتى بعض ثيابه للتغيير، و لكن روبي لم يأخذ سيئا، و كما يبدو من حالة إدراجه، فقد ارتدى شيئا من الثياب على عجل.

ثم سألتها: "هل حدث شيء يوم أمس قد يكون أثار استياءه؟"

و فكرت سارة قائلا، ثم هزت رأسها قائلة: "كلا، حسب ما أعلم."

فحدقت الشرطة فيها بنظرة ثاقبة و هي تعود فتسألها: "ألم يتشاجر مع ولد آخر؟ و لا حتى معك أنت؟"
و مرة أخرى هزت رأسها نفيا، و هي تفكر، ببطء، في ما حدث أمس.

كانت قد أدلت إلى الشرطية بعرض مختصر عن حياة روبي الماضية، و كيف جاءت هي للعناية به، و لكن دون أن تتطرق إلى نوعية علاقته مع أبيه. فإذا أراد غراي، هو نفسه، أن يخبرهم فهذا شأنه، أما هي، فليس لها أن تنوب عنه بذلك.

كان التحقيق معها، هي وغراي، يجري على انفراد لكل منهما، و بعد ذلك جمعا معا. و كانت الأسئلة تتركز على روبي و نمط حياته الماضية... أسئلة جعلت سارة تنفر، مع أن غراي، كما لاحظت، قد أجاب على كل الأسئلة بكل صدق و هدوء، حتى عندما كانت بعض الأسئلة فيها ما لا يعجبه. و توقف الشرطي الذي يحقق معه، مرة أو مرتين، مانحا إياه الفرصة ليجيب.

و عندما اعترف غراي بأنه لم يتفقد ابنه عند المساء، قال الشرطي بعطف: "حاول أن لا تلوم نفسك، يا سيدي. فهذا شيء نحن جميعا نخطئ فيه أحيانا."

و سئلت سارة، بعيدا عن غراي، عما إذا كانت قد لاحظت أو والد روبي يسيء معاملة ابنه سواء جسديا أم معنويا. و لكنها هزت رأسها نفيا و هي مرتاحة على أن ذلك صحيح. ذلك أن غراي قد لا يكون أبا مثاليا، و لكنها برأته من القسوة على ابنه.

و من أنه حاول مرة أن يؤذي روبي بأية طريقة كانت. ورحلت الشرطة بعد أن جمعوا ما استطاعوا جمعه من معلومات، و بعد أن عرضوا أن يتركوا واحدا منهم في البيت معهما، و لكن غراي رفض ذلك.

و بعد رحيلهم، أبدت سارة رغبتها في الذهاب هي أيضا، ظنا منها أنه قد يرغب في البقاء وحده. و لكن، أدهشها أن يهز رأسه و هو يقول بسرعة، متوسلا تقريبا: "كلا... أرجوك... إذا أمكنك البقاء..."

و عندما لم تجب، أضاف مترددا و كأنه لتمس الكلمات المناسبة: "انك ... تعرفين روبي... انه يحبك... يحتاج إليك. و عندما يجدونه...فإذا كنت أنت هنا..."

إذن، فانه يريدها لأجل روبي و ليس لأجله هو,,,و لكن، ما الذي كانت تتوقعه غير هذا؟

و كان أن اتصلت هاتفيا بسالي طبعا، و أخبرتها بكل ما حدث. و حالا، وافقت ابنة عمها على أنها يجب أن تبقى مع غراي.

و أثناء فترة الصباح المملة، عندما صعدت إلى غرفة روبي تلتمس السلوى بين أشيائه، و جدت أن غراي و قد سبقها إليها، جالسا على سرير ابنه و ظهره للباب و قد حنى رأسه بينما كان ممسكا باللعبة التي كان يفضلها روبي.

كانت على وشك أن تتراجع خارجة من الغرفة بصمت، عندما قال بصوت أجش: "كلا، لا تذهبي. تبا، عندما أفكر كم هو صغير... و كم هو ضعيف هش... كان يجب أن أكون في الخارج أبحث عنه، و ليس هنا أنتظر."

هزت سارة رأسها، و لكنها عندما أدركت أنه لا يراها، اقتربت منه و قالت بصوت منخفض: "كلا، لقد طلبت منا الشرطة أن نمكث هنا في حالة كان هناك أي خبر."

فقال محتجا: "و لكنني أشعر هنا بالعجز، أشعر بأن عليّ القيام بشيء ما. انه ابني، انه ولدي." و سكت لحظة ليعود فيقول بصوت أكثر خشونة: "أظنك تفكرين في أن مغادرته للبيت ذنبي أنا. و لكن صدقيني، ليس في امكانك أن تلوميني أكثر مما ألوم نفسي. فقط لو كنت تفقدته عند المساء..."

و كما سبق و فعلت من قبل، مدت سارة يدها تواسيه، كانت لمسة بسيطة صامتة تحمل معنى التسرية و العطف، و قد أخرسها الخوف، من أن تنطق بكلمة.

عندئذ، استدار غراي إليها و قد بان على وجهه مظهر الاحتقار لنفسه، و هو يصرخ فيها: "و لكن، لماذا؟,,, لماذا فعل ذلك؟ هل هو حقا يخاف مني؟... هل هو حقا يكرهني إلى هذا الحد؟"

هزت سارة رأسها على الفور، قائلة بلطف: "كلا... كلا... انه لا يكرهك بالطبع."

و يبدو أنها ازدادت اقترابا منه، دون وعي منها، لأنها عندما نظرت إلى رأسه المنحنى، كان بينهما بضعة سنتمترات فقط، إلا أن الحنان و العطف اللذين هما جزء من شخصيتها، دفعاها إلى أن تمد يدها إلى رأسه كإشارة صامتة تدل على تعاطفها معه.

قال: "آه، يا سارة... إذا حدث له أي شيء..."

و لكن، لم يكن كلامه هذا هو الذي بعث الرجفة في أوصالها، إذ أن تصرفه قد تجاوز كل ما كانت تعرفه عنه، ذلك أنه مد ذراعيه يلفهما حول وسطها ليشدها إليه بعنف لم تستطع معه أن تتنفس، ووضع رأسه على صدرها و كأنه يلتمس الحنان، و قد تصاعدت من بين شفتيه همهمات تفصح عما يعانيه من عذاب.

هتفت به بصوت مرتجف: "غراي..."

و لكن، عندما لم يتحرك، بل على العكس، شدد من احتضانه لها، علمت سارة، عند ذلك، أن عليها هي أن تتخلص من وضعها الشاعري ذاك غير المتوقع.



غدا موعدنا مع الفصل الأخير من لمسة حنان ان شاء الله


miya orasini غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-07-14, 05:28 PM   #50

miya orasini

نجم روايتي ومشرفة سابقة وعضوة فريق الكتابة للروايات الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية miya orasini

? العضوٌ??? » 244480
?  التسِجيلٌ » May 2012
? مشَارَ?اتْي » 7,329
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » miya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك carton
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بدور الزمان مشاهدة المشاركة
شششششششششششششششششششششششكر ا
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة amabed مشاهدة المشاركة
ش?را ش?را ش?را ش?را
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة داليا19 مشاهدة المشاركة
شكراااااااااااااااااااااا ااااااااااا
لا شكر على واجب من دواعي سروري


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة lamiaa2010 مشاهدة المشاركة
....... . ............. ..
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dalia_a مشاهدة المشاركة
شكرا لك وعيد سعيد
لا شكر على واجب و عيد سعيد لك أيضا


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال سلامة مشاهدة المشاركة
فطر سعيد وكل عام وانتم بخير
و أنت بألف خير



miya orasini غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:20 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.