آخر 10 مشاركات
88 - البحار الساخر - روبن دونالد - ع.ق (الكاتـب : pink moon - )           »          زوجة مدفوعة الثمن (44) للكاتبة:Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          عروس دراكون الهاربة(157)للكاتبة:Tara Pammi(ج3من سلسلة آل دراكون الملكيين)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          عندما ينتهي الكذب - هيلين بيانشين - روايات ديانا** (الكاتـب : angel08 - )           »          1 - عودة الحبيب الضال - فلورا كيد - روايات عبير الجديدة (الكاتـب : samahss - )           »          مواسم العشق والشوق (الكاتـب : samar hemdan - )           »          28 - سيدها - ساره كرافن (الكاتـب : سنو وايت - )           »          أطياف الغرام *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : rainy dream - )           »          19- أهديتك عمري - آن ميثر (الكاتـب : عنووود - )           »          76 - أيام في العذاب - كارولين جينتز (الكاتـب : فرح - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > روايات اللغة العربية الفصحى المنقولة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-08-15, 05:59 PM   #21

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..

صباح الخير يا أحلى غراميين .. كيفكم ان شاءالله تمام ؟!

اليوم أنا سعيدة جدًا جدًا , مشاهدات الرواية بلغت 10 الاف مشاهدة .. صحيح أنه رقم صغير مقارنة بمشاهدات الروايات الثانية , و لكن كل شي يجي بشويش .. و جدًا مبسوطة على هذا العدد , و ان شاءالله تكون الرواية عند حسن الظن ..

مارح أطول عليكم , نبدأ بالبارت يلّا ؟! .. عاد بارت اليوم سبيشل من قلب .. بارت أقدر أقول أنه يحبس الأنفاس << مادح نفسه كذاب ههههههههههههههه ..

يلّا نبدأ ؟! ..

.
.

الفصل السابع عشر 17 :



يمشي في طريقه باتجاه شقة فيصل بعدما وضع عادل في المنزل المطلوب و قد قيّد يداه و رجلاه تمامًا ..

ذهب إلى فيصل كي يستلم المال الذي اتفقا عليه مقابل الخدمات التي سيسديها إليه , و المغلفات التي سيقوم بوضعها في أماكن متفرقة , و كل تلك الساعات الطويلة من الإرهاق الناتج عن القيادة المستمرة .. لذلك اتفق مع فيصل على ألا تكون هذه الخدمات مجانية ! ..

و ما أن وصل إلى العمارة التي يسكنها فيصل , حتى عادت به الذكرى و بشدة إلى المرة الأولى التي خطت قدماه على هذا المكان .. و كيف أنه كان يلحق بعبدالرحمن للأعلى بهدوء , و الآن كان المشهد يتكرر معه بالضبط .. حيث داخلية المكان تبدو نفسها , و حتى الإضاءة لازالت خافتة و متقطعة كما رآها أول مرة , و كل تلك الأبواب للشقق التي لا يعلم أدنى شيء عن ساكنيها و لم يرى أحد الأبواب قد فُتِح يومًا ! ..

استمر بالصعود و استمرت الذكرى بالرجوع و قد وصل إلى باب شقة فيصل , حيث كان يستند عليه في المرة الأولى و يستمع لحديث فيصل مع عبدالرحمن حول انتقامٍ ما .. !

تذكر كيف أن الباب قد فُتِح و قد ارعبه ذلك بشدة , و صوت صرير الباب لايزال في اذنه حتى اليوم .. و لكن أكثر ما أرعبه بحق في المرة الأولى , هو ( فيصل ) بحد ذاته ..

فلقد كان آخر شخص يتوقع وجوده على الأرض يومًا ! .. لقد كان فيصل عبارة عن نسخة طبق الأًصل من ( عادل ) ! ..

و كأن عادل كان جالسًا مع عبدالرحمن ! .. و أول ما تبادر لذهن سلطان هو أنه : كيف لعادل أن يأتي لهذا المكان و يتحدث مع عبدالرحمن حول الانتقام من ( عادل نفسه ) !!؟

لقد كان سلطان على وشك الجنون من هذا الشبه الضخم بينهما ! ..

و لكن فيصل كان ببساطة : النسخة الشيطانية من عادل , فلقد كانت عيناه أكثر حدة و حاجباه أكثر سوادًا , أما جسده فقد كان طويلًا و بمنكبين عريضين , لم يكن يشبه عادل في ببشاشته المعهودة و لطفه , فقد امتلك فيصل نظرات غاضبة طوال الوقت و حاجبان مقطبان دون سبب وجيه ! .. أما شفتاه فلم ير سلطان الابتسامة عليهما يومًا .. !

لقد كان فيصل ( التوأم السيء ) لعادل ! .. و الآن وقد دخل سلطان إلى الشقة , وجد فيصل يجلس في نفس المكان الذي رآه فيه في المرة الأولى , و لكن بملامح أكثر استرخاء و عينان أقل غضبًا ..

تقدم نحوه و جلس أمامه قائلًا :" هل انتهى دوري الآن في كل هذا ؟ "..

عاد فيصل بظهره إلى الوراء و هو يضع يديه خلف رأسه باسترخاء قائلًا :" نعم , لقد انتهى دورك , و بالنسبة لمكافأتك , إنها في الغرفة التي كان عادل فيها , ستجد المال داخل حقيبة صغيرة "

نهض سلطان متوجهًا نحو الغرفة و هو يبحث بعيناه عن الحقيبة .. و لكن ما أن وقف في منتصف الغرفة حتى خرج الهواء من صدره تمامًا ! .. و قد شعر بنيران تشعل ظهره بالكامل ..

لقد رأى خيال ابنته و زوجته الجميلة يتمايل أمام عيناه , و حياته تعبر أمامه بالتسلسل و كأنه لم يلبث سوى " عشيةً و ضحاها " .. !

كان فيصل يقف خلفه و هو يلتصق به أكثر , و قد أمسك به بذراع واحدة , و أما الأخرى فقد كانت تطعن سلطان في ظهره .. طعنه مجازيّة و فعلية ! ..

كانت الدماء تنساب على يد فيصل بغزارة و قد وضع فمه عند أذن سلطان قائلًا :" نعم , أنا هو الصديق السيء الذي يطعن في الظهر "..

كان سلطان يغمض عيناه و يفتحها ببطء و قد أصبح بينه و بين الموت قاب قوسين أو أدنى .. وقد انقطع نفسه و ارتخت أطرافه بالكامل , و لكن فيصل زاد من ادخال السكين في سلطان وهو يكمل :

" و لكنك شخص جيد في الواقع , لقد كنت تخدم أخوين توأمين في نفس الوقت , لقد كنت تمطر عليهم بفضلك , و لكن يبدو بأن عادل لم يعرف كيف يكافئك , لذلك فعلت ذلك بنفسي .. هذا هو الجزاء الذي تستحقه "..

قال فيصل كلماته و قد أخرج تلك السكين الحادة من ظهر سلطان ثم دفعه بقوة على الأرضية , حيث بدأت دماءه تنساب بغزارة , و تلك البقعة الحمراء في ظهر ثوبه تكبر شيئًا فشيء .. !

نظر فيصل إلى السكين الصغيرة في يده و التي أخرجها من خزانته مساء هذا اليوم , و توجه نحو نافذة الغرفة و قام بفتحها و هو ينظر إلى الأسفل , كانت هناك حاوية قمامة كبيرة صفراء اللون أسفل النافذة تمامًا , فقام فيصل برمي السكين فيها و أغلق النافذة و خرج من الغرفة ..

لم يكن قلق حول الإمساك به في جريمة قتل , فقد كانت يداه محروقتان و عديمتا البصمات بالكامل ! .. لذلك فقد استمتع بقتل سلطان بيديه العاريتان دون قفاز أو أي شيء يخفيهما ..

نظر إلى المكان من حوله , هذا المكان الصغير المظلم الذي احتوى ظلمات قلبه لسنين , و الذي بقي فيه نكرة و معدوم من الوجود , حيث لم يكن يعرفه أحد سوى اثنان , و الآن قد قتل واحد منهما ..

تذكر كل تلك الأيام التي قضاها هنا من دون أن يفرّق بين الليل و النهار , و دون أدنى معرفة بالعالم الخارجي و الذي يدور من حوله , كان مكتفيًا بالذكريات المريرة لمراهقته , و التي كانت صاحبته الوحيدة في هذا المكان ..

في هذه الشقة كبر انتقامه , و في هذه الشقة خطط للانتقام , و فيها أيضًا انتهى كل ما خطط له ..

خرج منها نازلًا السلالم و تاركًا خلفه شقة صغيرة لن يعلم أحد يومًا مَن كان يسكنها ! .. لم يترك بصمة أو أثرًا يقود إلى معرفته , بل خرج من العمارة بأكملها للمرة الأخيرة في حياته ..

أوقف سيارة أجرة و توجه مباشرة إلى الوحيد الذي يربط بينهما الكثير , توجه إلى شقيقه عادل الذي يربط بينهما الدماء و الذكرى ... !



**********


قبل 30 سنة ..


يتسلل فيصل المراهق المتمرد إلى غرفة أخيه التوأم بعد منتصف الليل , متوجهًا إلى سريره و هو يوقظه بهدوء :

" عادل , عادل أيها الطفل استيقظ , لا أصدق أنك تنام في مثل هذا الوقت ! "..

فتح عادل الوسيم عيناه قائلًا :" ما الذي يفعله الناس في هذا الوقت سوى النوم ؟! .. أنت حقًا لامبالي بشكل فظيع , اخرج من هنا "..

" عادل , إن أسامة و بقية الشباب مجتمعون في استراحته من بعد مباراة اليوم , ألن تذهب معي ؟ "

نهض عادل بسرعة قائلًا :" أفقدت عقلك ؟! .. إن الساعة الآن الثانية صباحًا , المكان الوحيد المسموح لنا الذهاب إليه هو : المطبخ , أو قسم الطوارئ في حال موت أحدنا , سيشرب والدي من دمك إن علم عن مخططاتك البلهاء , لن تذهب يا فيصل "..

" أتعلم ؟! .. أنا أحمق , ليتني لم أخبرك , سأذهب الآن و أنت عد إلى النوم أيها الديك "..

" و ماذا عن والدي إذا استيقظ و لم يجدك ؟! "..

" لا تقلق , لن يستيقظ قبل ساعتين من الآن .. "

عاد عادل إلى النوم و هو يغطي نفسه جيدًا قائلًا :" و كيف لك أن تعلم ؟! .. يمكنه الاستيقاظ في أي وقت "..

" لا لن يفعل , لقد وضعت له منوّمًا في عصيره قبل أن يتعشى معنا "..

قفز عادل من سريره و هو يتوجه إلى الباب قائلًا بصراخ :

" أيها المجنون , هل قمت بتخدير والدنا ؟! .. لقد تماديت كثيرًا يا فيصل , كثيرًا "..

توجه عادل إلى غرفة أبيه بينما نزل فيصل من سلالم منزلهم الكبير وهو يعبث بمفتاح سيارة والده قائلًا :

" قم بإضاعة الليل كله في محاولة إيقاظه , فأما أنا فسأقضيه بمتعة كاملة "..

خرج فيصل من المنزل بينما دخل عادل على أبيه وهو يضرب خدّه بخفه محاولًا إيقاظه :

" أبي , أبي هل تسمعني ؟! .. أبي ! " .. استمر في هز جسد والده و لكن يبدو بأن المنوّم كان قويًا بالفعل .. !

قام عادل بتغطية والده جيدًا ثم خرج بهدوء وهو يفكر بأخيه المتهور ..

" إنه معتوه بالكامل , يقوم بتنويم والده من أجل جلسة تافهة مع أصدقاء لا نرجو خيرًا من ورائهم , منذ اللحظة التي رأيتهم فيها قبل عدة أسابيع و أنا شديد القلق على أخي , إنه عنيد بشدة و لن يستمع إلى ما أقوله عنهم , سيتسببون في إيقاعه في المشاكل العويصة فعلًا ! .. و إن أخبرت والدي فسيستاء فيصل مني ولن يخبرني عن أتفه أسراره و ما يجري معه , و لكن على أحدهم إيقافه , لن أستحمل الوقوف و مشاهدة أخي يغرق في فخ المراهقة دون فعل أي شيء تجاه ذلك , يا إلهي أعنّي "..

عاد عادل إلى غرفته و ظل ينتظر أخاه طوال الليل , و لم يكن يستطيع فعل أي شيء , فقد كان خجول و متردد للغاية , و ليست لديه القدرة على الحديث مع أحد و فتح قلبه سوى لفيصل , و هو الآن بحاجة لشخص آخر ليتحدث معه بشأن فيصل ! ..

و عندما عاد أخوه بعد ساعة و نصف , دخل إلى المنزل و هو يترنح و قد ارتخت أطرافه و هو بالكاد يستطيع أن يخطو خطوة واحدة .. نزل عادل عندما سمع صوت الباب و قد رأى أخاه في وضع مزري للغاية , نزل السلالم بسرعة على أطراف قدميه ..

توجه نحو فيصل و هو يسحبه معه للأعلى ,و قام بإدخاله إلى غرفته و أغلق الباب بهدوء , قال فيصل ببطء و هو يمسح أنفه بشدة :

" أرأيت ؟ .. أخبرتك بأنني لن أتأخر "..

" فيصل ما بك ؟ .. لم أنت متعب هكذا ؟! "

" متعب ؟! أنا لست متعبًا , بل في أعلى مراحل النشوة , هناك خيط رفيع للغاية بينهما "..

" عليك أن تنام الآن , بسرعة , لقد اقترب آذان الفجر و سيأتي والدي لإيقاظك , تظاهر على الأقل بأنك نائم ! "..

هز فيصل رأسه بشرود قائلًا :" حسنًا , اخرج "..

قام فيصل بنزع ملابسه و قد خجل عادل من ذلك و خرج على الفور هامسًا :" أحمق "..


**********

يجلسان على أحد الكراسي في الساحة الخلفية لمدرستهما , كان عادل يتناول إفطاره بشرود , أما فيصل فقد كان مستلقي و واضعٌ رأسه على فخذ أخيه , قال عادل بهدوء :

" ما فعلته في الليلة الماضية كان خطأ فادحًا يا فيصل , و عليك أن تتوقف عما تفعله في منتصف الليل كل يوم , عليك التوقف مبكرًا قبل أن يتفاقم الوضع , ويعلم والدنا عن ذلك و تفقد ثقته بالكامل "..

" و من قال أننا مَلكنَا ثقته حتى نفقدها ؟! " .. نهض فيصل و جلس بجانب عادل و أكمل قائلًا :

" أتظن أن أبي يثق بنا ؟! .. ألا ترى ما يفعله ؟! .. إنه بالكاد يسمح لنا بالخروج , أو السفر سويةً .. بربك يا عادل ! إننا في الثامنة عشر , و قريبًا سنصبح رجالًا مستقلين , و لا يزال أبي يعاملنا كالأطفال , إن كل الأمور التي أفعلها ليست سوى ردة فعل عكسية بسببه , هو الذي جعلني أمتلك كل هذا الفضول والتمرد للخروج من المنزل و رؤية الأمور التي لا يريد منا أن نراها .. إلى متى سيظل يمنعنا من الاختلاط بالناس و الخوض في التجارب , سواءً أكانت ناجحة أم فاشلة ؟! "..

" فيصل أرجوك , إننا الشيء الوحيد الذي بقي له في هذه الحياة , إن يفعل ذلك خوفًا علينا .. "

" لا , بل يفعله لأنه لا يثق بتربيته .."

" فيصل ! , عارٌ عليك ! .. كيف لك أن تتحدث عنه بهذه الطريقة ؟! "..

" و لم أنت واقف بصفه ؟! .. أتعجبك كل هذه الأغلال التي يضعها حولك ؟! .. عادل , إن أبي يقوم بتفتيش هاتفك كل يومان , أترى أن هذا تصرف صحيح و مليء بالثقة ؟! .. استيقظ من خضوعيتك قليلًا .. إن تصرفات أبي مزعجة للغاية , أنا أحبه ولكن ما يفعله بنا غير لائق أبدًا , بدأت أخجل منه أمام أصحابي ! "..

" يا للفخر .. تخجل من والدك !؟ .. فيصل إن والدي خائف علينا , يريد مصلحتنا فحسب , أظن بأنه يرى الحياة بمنظور مختلف قليلًا عنّا "..

" لا يا عادل , إنك تخاف حتى من القول بأنه يمنع حريتك .. أتعلم شيئًا ؟! .. أنت جبان "..

" لا لست جبانًا , ولكن لن أجعل والدي يغضب مني بسبب أمور تافهة "..

" بلى , أنت جبان , و أشعر بأنك تظن أن والدي يتنصت إلينا حتى عندما نكون هنا ! "..

" لا , لا أظن ذلك , و لكن والدي لديه الأحقية بمنع الأمور المؤذية عن الولوج إلينا "..

" أتعلم ؟! .. الحديث معك عقيم .. دعني أنام "..

أعاد فيصل رأسه إلى حضن عادل و أكمل نومه , فقال عادل :

" لو أنك لم تخرج في الأمس كاللص الهارب في منتصف الليل; لتمكنت من النوم جيدًا .. و لكن لا حياة لمن تنادي !! "..

رفع عادل رأسه لذلك الصوت الفريد , لقد كان عبدالرحمن يتقدم نحوهم قائلًا :

" صباح الخير "..

" صباح الخير , أتمنى لو أستطيع أن أقول تفضل و اجلس , و لكن كما ترى , البعض قد أخذ مساحة الكرسي بالكامل !! "..

توجه عبدالرحمن نحو فيصل وهو يعبث بأنفه حتى يوقظه .. و لكن لا جدوى !..

قال عادل :" عبدالرحمن , هل كنت معهم ليلة البارحة ؟! "..

" أتقصد فيصل و الشباب ؟ .. نعم كنت موجودًا و لكن رحلت مبكرًا , بعد وصول فيصل بدقائق "..

نظر عادل إلى أخيه ثم إلى عبدالرحمن قائلًا :" حسنًا , سنتحدث لاحقًا "..


**********


دخل والد التوأمان إلى المنزل بعد الظهر , و توجه إلى طاولة الطعام ليشاركهما الغداء ..

" السلام عليكم "..

رد الاثنان بهدوء :" وعليكم السلام "..

بدأوا في الأكل و كانت الأجواء هادئة كالعادة , و لم يكن هناك سوى أصوات الملاعق , و لكن الأب كان يرفع عيناه كل بضع دقائق إلى فيصل ثم يعود للأكل .. لاحظ عادل نظرات والده تجاه أخيه ولكنه التزم الصمت , و بعد بضعة أحاديث سطحية حول دراستهما .. أنتهى الجميع من الأكل و خرج والدهما إلى غرفته لينام , أما عادل فقد اقترب من فيصل هامسًا :

" أرأيت كيف كان ينظر إليك ؟! "..

" مَن ؟! "..

" يا إلهي , فيصل إن الوقت ليس مناسب لمزاحك , أقصد والدي "..

" و كيف كانت نظراته ؟! "..

" لا أعلم , و لكنه يبدو بانه عرف بشأن ليلة البارحة "..

" إن أبي ينظر إلي دائمًا بهذه الطريقة , أنا معتاد عليها , و بالنسبة لليلة البارحة , فأنا لم أترك أثرًا أو دليلًا عندما خرجت .. لقد كان نائمًا .. توقف عن هواجسك "..


**********

( في غرفة والدهما ) ..


رفع الأب ( حمد ) هاتفه متصلًا على أحد موظفيه المقربين .. و طلب منه أن يقوم بمراقبة المنزل ليلًا , و اللحاق بفيصل إذا رآه خارجًا و إخباره عن كل شيء يراه على ابنه , استغرب الموظف ( إياد ) طلب مديره , و لكنه وافق على ذلك ..

أما حمد فقد اتجه إلى أريكة غرفته و أخذ الشماغ الموضوع عليها و هو يشتم رائحته للمرة الألف ! ..
لقد كان رائحة عطر فيصل مختلطة برائحة التبغ القوية ..

و قد وجد حمد في سيارته هذا الشماغ الخاص بابنه و الذي يبدو بأنه نسيه في سيارة والده عندما عاد فجر الأمس..

تفاقمت شكوك حمد بابنه .. ولكنه ظل يهدئ نفسه و يلتزم الصمت حتى يأتيه إياد بالخبر اليقين ..


**********


مضت 3 أيام , و في كل مرة كان إياد يلاحظ خروج فيصل ليلًا , و يتبعه و يراقب كل ما يفعله , أما عادل فقد أدار حديثًا طويلًا مع عبدالرحمن , يسأله فيه عما يجري في استراحة أصدقاء فيصل و إن كان هنالك شيء سيتسبب لفيصل بالأذى :

" عبدالرحمن , أأنت متأكد من كلامك ؟! "

" عادل , لقد أخبرتك مئة مرة ! .. لا شيء مضر يحصل هناك , كل ما في الأمر أننا نجتمع سوية و نلعب الورق أو نشاهد فيلمًا , أو نقوم بعمل المقالب لبعضنا , لا أعلم لم كل هذا القلق ؟ , لقد بدأت تصبح نسخة مصغرة عن والدك ! "..

" عبدالرحمن , لا أسمح لك بالحديث بهذا الأسلوب عن والدي , أهذا مفهوم ؟! .. أما بخصوص فيصل , ففي كل مرة يعود إلى البيت تكون قواه معدومة بالكامل , و قد بدأ وجهه يتغير كثيرًا , لقد أصبح أكثر شحوبًا و أقل اهتمامًا بما يجري حوله , إنه أخي يا عبدالرحمن , و لن أسمح لشيء أن يمسه بضرر "..

" لا أعلم يا عادل , إن كنت تقصد أن فيصل يتعاطى شيئًا ما , فأنا لا أعلم , إنه يجلس بشكل طبيعي للغاية معنا , و يغادرنا بنفس الوضع كل يوم , إن أخطر شيء نفعله هناك هو التدخين من فترة إلى أخرى , أما تعاطي بعض المخدرات أو أيّ كان منها ; فنحن لا نفعل ذلك أبدًا "..

" إن كان فيصل يغادر الجلسة بوضعه الطبيعي , فلماذا يعود إلى المنزل بشكل مزري ؟! "..

صمت الاثنان لدقائق , ثم سأل عادل بسرعة :

" عبدالرحمن , في أي ساعة يغادركم فيصل عادةً ؟! .. بسرعة "..

" أهـ , ممم لا أعلم بالضبط , و لكن قرابة الساعة الثالثة إلا ربع تقريبًا , لا يجلس كثيرًا معنا , يغادر بعد 45 دقيقة من قدومه على الأرجح "..

" هذا غريب , إنه يعود إلى المنزل في الثالثة و النصف , أي أنه يعود بعد الخروج من الاستراحة بـ 45 دقيقة , و إن المنزل قريب من استراحتكم , و لا يستغرق الطريق سوى 5 دقائق ! "..

" أتقصد بأنه يذهب لمكان آخر بعد أن يغادرنا ؟! "..

" نعم , بالتأكيد "..

سكت عبدالرحمن لثواني , ثم قال:" أستطيع مراقبته إن أردت ذلك .."

" حقًا ؟! .. و لكن الوقت سيكون متأخر للغاية , و قد تقع في المشاكل أنت أيضًا "..

" لا عليك , سأراقبه ليومان فقط .. " سكت عبدالرحمن ثم أردف :" أكره أن أراقب أعز أصدقائي بهذا الشكل و لكن , لقد أثرت قلقي عليه , لقد لاحظت وجهه مؤخرًا , و لقد كان كما قلت , شاحبًا و متعبًا في الغالب , إنه ينام كثيرًا في الصف , علاماته الدراسية انخفضت بشكل مريب , لقد أصبح يشرد كثيرًا .. سأراقبه من أجله نفسه , و ليس ما أجلك يا عادل "..

" نعم , لا تراقبه من أجلي , أنا أعلم أن صديقك الأقرب و أنك لن تستطيع أن تشي به بسهولة , و لكن مصلحته تقتضي ذلك "..


**********


بعد عدة أيام ..

يجلس والدهما حمد على مكتبه و قد وضع رأسه بين يديه عندما هاجمه ذلك الألم القاتل , الناتج عن الأمور التي أخبره بشأنها إياد !! ..

" هذا ضرب من الجنون , كيف لأبني أن يفعل ذلك ؟! .. كيف لتربيتي أن تثمر بهذه الطريقة المشينة ؟! .. لقد ظللت أمنعه من الاختلاط المبالغ به مع الناس , لأن الناس ليسوا ملائكة ! .. و لكنه ظل يعاندني و يفعل المصائب من ورائي .. يا إلهي .. كيف سأتصرف الآن , و ماذا عن اسم عائلتنا و اسم شركتنا التي تلطخت بالعار بسببه ؟! .. ماذا عن كل تلك الأموال التي صرفها من أجل أن يفقد عقله و ينتشي لدقائق ؟! .. "

كان حمد قد فقد أمله في الإصلاح تمامًا , و بحسب طبيعة شخصيته العصبية و المتسرعة دومًا , لم يكن أمامه سوى حل واحد لهذه المصيبة ..

أخبره إياد أن ابنه كان يغادر المنزل بعد الساعة الواحدة تقريبًا , و عندما بدأ بتتبعه , كان يذهب لأصحابه في استراحة صغيرة قريبة من منزلهم , و لكنه يجلس فيها قرابة النصف ساعة أو أكثر بقليل , و لكن بعد ذلك يخرج من عند أصحابه و يتوجه إلى استراحة أخرى بعيدة .. و يجلس فيها طويلًا ثم يعود إلى المنزل و هو يترنح في مشيته نحو السيارة و عند نزوله منها ..

كان إياد يتملكه الفضول لمعرفة ماذا يجري في الاستراحة الأخرى , لذلك قرر أن يقترب و يرى الأمور عن كثب و لكن لم تكن لديه فكرة عن كيفية الدخول إليها ..

ففي أحد الأيام , و بينما كان يقف بسيارته بعيدًا , رأى سيارة أحد المطاعم السريعة متجهة إلى تلك الاستراحة , فقام بتغطية وجهه بشماغه و اللحاق بالسيارة , و ما أن توقفت أمام الباب , حتى قام إياد بإنزال السائق و وضعه في المقاعد الخلفية لسيارته و ضربه بشدة , و لكن ذاك السائق الآسيوي قام بالتوسل و بدأ بالبكاء طالبًا من إياد عدم ضربه و قائلًا له بأنه يستطيع أخذ ما يريد .. !

توقف إياد عن ضرب الرجل و طلب منه خلع ملابسه الخاصة بالمطعم و كذلك قبعته , ارتداها إياد و حمل أكياس الطعام و توجه نحو الباب ليطرقه , و لكن كان الباب مفتوحًا ! ..

فدخل بهدوء و هو ينظر في جميع الاتجاهات بتوتر و خوف , شاتمًا نفسه على موافقته لفعل هذا الأمر من أجله مديره ! ..

كانت أصوات الأغاني تصدح في جميع أرجاء المكان , و بعد دقائق , كان يرى عدة فتيات بملابس لا تخفي شيئًا , و هن يمشين باتجاه المبنى الداخلي للاستراحة ..

تراجع إياد عندما رآهن و اختبئ خلف أحد السيارات المركونة بالداخل , و بعدما دخلن , وضع الطعام على الأرض و أخرج هاتفه و قام بتصوير كل شيء ! .. صوت و صورة ! ..

و بينما كان يتراجع و هو ينوي الرحيل , شد انتباهه غرفة صغيرة تقع في الطرف الآخر من المكان , حيث يفصل بينهم مساحة كبيرة من العشب و الزرع .. قرر إياد التهور بعض الشيء , و اتجه نحوها ..
كانت الاستراحة مظلمة و يبدو بأن الجميع موجودون داخل المبنى الذي دخلن إليه الفتيات ..

وصل إياد إلى الغرفة و هو يدعو الله أن لا يراه أحد , و ما أن دخل حتى تجمدت أطرافه من المنظر أمامه ..!

لقد كان فيصل مستلقٍ على الأرض و هو يهذي بكلام غير مفهوم أبدًا .. و قد تناثرت حوله أكياس صغيرة فارغة إلا من بعض المساحيق البيضاء التي ملأ بعضها أنف فيصل .. و قد وجد بجانبه إبرتان صغيرتان .. توجه إياد نحوه بسرعة و هو يهمس بخوف :

" فيصل , فيصل استيقظ .. ماذا حصل لك ؟! .. أرجوك استيقظ , هل تسمعني ؟! "..

و لكن فيصل كان بالكاد يفتح عيناه و قد بدأ بمسح أنفه بشدة و بدأ بالعطاس , أما إياد فقد نظر إلى أكمام ثوبه التي ارتفعت و أظهرت ذراعه المملوءة بالبقع الزرقاء و السوداء الناتجة عن الإبر التي كان يتعاطاها ..

قام إياد بحمله بين ذراعيه و الذي بدا خفيفًا للغاية على عكس اعتقاده .. و مشى به نحو الخارج باتجاه سيارته دون أن يلحظه أحد .. وضعه في المقاعد الخلفية و مشى بسرعة نحو منزل حمد , و نزل طارقًا الباب بشدة ..

كان عادل مستيقظ في هذا الوقت مثل كل يوم بانتظار أخيه , فقفز خائفًا من هذا الطرق السريع على الباب , خرج من غرفته بسرعة و نزل السلالم على أطراف أصابعه , فتح الباب ليتفاجأ بإياد حاملًا فيصل بين ذراعيه و يبدو على كل منهما الإرهاق الشديد .. أدخل عادل إياد إلى المنزل و أخذه إلى الطابق العلوي حيث تقع غرفة فيصل ..

قاموا بوضعه على سريره و تغطيته جيدًا .. أما عادل فقد بدأ يسأل إياد عمّا حصل .. و لكن إياد قال بأنه لن يخبره قبل أن يخبر والده بالأمر ..

كان عادل شديد القلق على فيصل من والده , و قد توسل إلى إياد ليخبره عما حصل و يخفي الأمر عن والده ولكن إياد رفض بشدة , و أخبره بأن والدهم يعلم عن خروج فيصل المتأخر , و أن الوقت قد تأخر كثيرًا لإخفاء الأمر عنه .. و أن والدهم أوصاه بمراقبة فيصل منذ عدة أيام ..

خرج إياد من المنزل محمّلًا بقصة هذه الليلة المريعة , أما عادل فقد جلس بجانب أخيه و هو يندب حظه السيء , و تصرفات فيصل المجنونة ..

أخبر إياد مديره عن كل ما حصل في تلك الليلة , و أطلعه على الصور و مقاطع الفيديو التي أخذها .. و أخبره عن الوضع الذي رأى فيصل فيه , و كل تلك المخدرات و الإبر التي كانت بجواره ..

أما حمد فقد اتخذ قراره و اتجه نحو منزله مباشرة عند الساعة الثانية ظهرًا ..!


يتبع ...




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-08-15, 06:01 PM   #22

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي




كان التوأمان ينامان في غرفة فيصل , حيث استلقى فيصل على سريره و عادل على الأريكة الكبيرة ..
و لكن ايقظهما صوت صراخ والدهما الجهوري و العالي , و هو ينادي ( فيصل ) ..

قفز الاثنان هرعين إلى الأسفل و قد ذهب فيصل إلى والده , أما عادل فقد وقف في أسفل السلالم و هو يرتجف خوفًا على فيصل الذي يبدو بأن والده قد علم كل شيء عنه ..!

وقف فيصل أمام والده وهو يحاول ألا تلتقي أعينهما .. بلع ريقه بصعوبة و هو ينظر إلى هدوء والده و ذاك الصمت الذي لا يحمل معه سوى العواقب الكاسحة ! ..

اقترب والده منه و هو يسحب ذراعه اليسرى بخفة قائلًا :" ارفع أكمامك "..

نفذ فيصل طلب أبيه و بدأ برفع أكمام قميصه ببطء تحت أعين والده و عادل .. أمسك والده ذراعه مرة أخرى و أخذ يتأمل تلك الرضوض الزرقاء و آثار الإبر التي ملأت ذراعه .. أمسك بذراعه الأخرى و كانت لا تقل ضررًا عن الأولى ..

قال حمد بهدوء شديد يسبق العاصفة :

" هل تتعاطى يا فيصل ؟! "..

تراجع فيصل إلى الخلف ببطء و قد بدأت شفتاه بالارتجاف و أخذت عيناه ترمشان بسرعة , فرد قائلًا بصوت لا يكاد يُسمع :

" لا ! "..

" إذًا ما هذه العلامات على ذراعيك ؟! "..

" إنــ إنها مجرد .. ممـ مجرد رضوض , لقد تشاجرت مع أحدهم قبل عدة أيام "..

كان حمد واقفًا يستمع إلى أكاذيب ابنه بإنصات تام , و غضب عارم ينمو في داخله خلال ثواني .. قال بحزم :

" لا تكذب علي يا فيصل , أستطيع أن أغفر لك أخطاءك إن اعترفت بها , و لكن لن أغفر لك أكاذيبك أبدًا ! "..

بدأ تنفس فيصل يتسارع و هو يعلم أن هدوء والده و لباقته في الكلام ليست سوى أقنعة يخفي بها عقوباته العنيفة .. و توبيخه الذي يبقى أثره لسنين في الذاكرة ..

صرخ حمد بابنه قائلًا :" هل تتعاطى يا فيصل ؟! .. هذه آخر مرة سأسألك فيها .. و من الأفضل لك أن تجيب بـ نعم , إنني أعطيك فرصة عظيمة للاعتراف و النجاة من عقوبتي , إياك و أن تكذب عليّ , إن لدي ألف طريقة أستطيع أن أعرف بها الحقيقة .. "

قال فيصل بتردد و خفوت , و قد بدأ وجهه يتعرق و قد ملأت الدموع عيناه :

" نـ نعم , و لكــ لكن .. فعلت ذلك بســ بسببك , أنــ أنت دفعتني لفعل هــ هذا "..

" أنا دفعتك لفعل هذا بحياتك يا فيصل ؟! .. بعد هذه السنين التي قضيتها في إنشائكم .. تقول بأنني أنا السبب ؟! "..

قال فيصل بنبرة عالية و قد تظاهر بالثقة :" نعم , أنت دفعتني لذلك , لقد منعتني من كل شيء في هذه الحياة , لقد كنت تتعامل معنا كالنساء تمامًا , لقد كنت خائفًا علينا من نسمة الهواء , و إياك أن تظن بأننا سعداء بهذا التعامل , بل نحن نكرهه , كيف لي أن أعرف أن المخدرات مضرة إلى هذا الحد إن لم أجربها يومًا ؟! , كيف لي أن أعرف ما تحمله الحياة في طياتها إن لم أعبر خلال حدودك و أغلالك التي وضعتها لنا ؟! "..

لم يكن هنالك رد من قِبل حمد سوى صفعة قوية وجهها إلى ابنه الذي سقط أرضًا و بدأ أنفه بالنزيف الخفيف , نزل حمد إلى مستوى ابنه قائلًا :

" هل هكذا سوف تكافئني يا فيصل ؟! .. هل هذه طريقتك في رد الجميل لوالدك ؟! "..

قال فيصل بوقاحة :" أي جميل تتحدث عنه ؟! "..

قاطعه والده بصراخ :" اصمت , اصمت أيها الحقير "..

نهض حمد و قد سحب فيصل معه للوقوف ..

و لكن عادل تقدم ببطء قائلًا بخفوت :" أبي , أرجــ أرجوك , توقف "..

" إياك و أن تتدخل يا عادل , ابق بعيدًا عن المسألة , إلا إذا كنت ترى بأن أخوك على صواب , فهذه مسألة أخرى ! "..

صمت عادل و قد اخفض عيناه و هو يتراجع للخلف ..

أعاد حمد نظره إلى فيصل وهو يسأل :" إذا تظن بأنك على صواب ؟! "..

" لم أقل أنني على صواب , بل قلت أنني لم أكن لأعرف بأنني مخطئ إن لم أجرب هذه الأمور "..

" وهل علينا أن نجرب الموت لنعلم بأنه موتًا ؟! .. هل يجب علينا أن نتعاطى المخدرات بتهور حتى نعي بأنها قاتلة ؟! .. إن عذرك أقبح من ذنبك يا فيصل , أقبح منه بكثير .. إن حسرتي ليست عليك , بل على السنين التي قضيتها متأملًا خيرًا بك .. "

" لقد أصبحنا رجالًا يا أبي , رجال , إن المتضرر الوحيد من حبسنا هو أنت , غدًا لن تجد لك سندًا في حياتك , هل تعلم لماذا ؟! .. لأننا لا نعرف شيئًا عن الحياة حتى نصبح لك سند ! "..

دفع حمد ابنه إلى الخلف قائلًا :

" لم تعد ابني يا فيصل , إنك تقول بانك أصبحت رجلًا ! .. هيّا أخرج من منزلي , و أرني ما هي الحياة التي تريدها كـ رجل .. "..

صمت حمد قليلًا ثم أردف :" أنا برئ منك إلى يوم الدين , اخرج من هنا , هيّا "..

تعلقت عينا التوأمان بابيهما , و استدار فيصل نحو عادل قائلًا :

" عادل ! .. قل شيئًا ! .."

و لكن عادل كان مزروعًا في مكانه و لم يقوَ على الحركة ! .. كان يريد أن يطلب من والده التراجع عن كلامه و لكن خاف أن يلقى نفس مصير أخيه ! ..

أعاد فيصل كلامه :" عادل ! .. أرجوك , قل له بأنني لست بذاك السوء ! "..

لم يستطع عادل الرد , و هو يعرف نفسه تمامًا في هذه المواقف الحرجة , يعرف كيف أنه لن يستطيع النطق بحرف واحد حتّى , و قد اجتاحت جسده موجة من الشلل الكامل ! ..

تراجع فيصل إلى الخلف نحو الباب قائلًا :" حسنًا , سأذهب , و لكن انظر ".. قال فيصل و هو يشير إلى عادل :

" انظر إلى ابنك الآخر يا أبي , إنه يقف كالفتاة , عاجزًا عن قول أي شيء , هل هذا الابن الذي كنت تتمنى الحصول عليه عندما تزوجت ؟! .. هل هذا هو السند الذي تتوقعه عندما تكبر و تشيخ ؟ سندًا لن يستطيع تزكيتك و لا حتى الوقوف معك في المصائب , سيخذلك دائمًا و أبدًا مثلما فعل معي .. هل هذا هو الابن الذي لطالما أردته ؟! .. ابن ليست لديه الجرأة الكافية للتعاطي مع الحياة و العبور فوق مخاوفه ؟! .. "

صرخ حمد بابنه و هو يدفع خارجًا و يقول :" كفى , لقد قلت لك اخرج ! .. و إياك أن تقلل من شأن أخيك , إن تقول هذا لأنه قاوم رغباته الطائشة في الانحراف , إنه عكسك , إنه الابن الذي اريده , شخص بعيد عن التهور و الاندفاع المجنونان , إنك تعيبه لأنه لم يهدر حياته و صحته مثلما فعلت أنت ! .. هيّا اذهب ولا تعد مرة أخرى , لا أريد رؤيتك ولا سماع اسمك أبدًا "..

أغلق حمد الباب و استدار و هو ينادي عادل الذي لم يكن موجودًا ! ..

" عادل , عادل !! "..

و لكن عادل كان يجلس في وسط غرفته و قد انحنى على نفسه كالطفل و هو يميل بجسده إلى الأمام و الخلف .. واضعًا يداه على أذنيه بشدة و قد ملأت الدموع وجهه وهو يشهق بخفوت ! .. همس لنفسه بضعف :

" فيصل , أنا آسف , أنا حقًا آسف ".. استمر بالاهتزاز إلى الأمام و الخلف و صوت فيصل و صراخ أبيه لا يزال صداهما في أذنيه ! ..

بدأ بالارتجاف وهو يبكي بحسرة أكبر , و قد بدأ بشد شعره بعنف و هو يهمس :

" لماذا ؟ .. لماذا لم أستطع الدفاع عنه ؟! لماذا ؟! " .. وقف وهو يدور في أرجاء الغرفة بجنون , توجه نحو الحائط و واستند إليه و بدأ بضرب رأسه إلى الخلف بقوة قائلًا :

" عادل الفتاة , نعم أنا فتاة , لقد تسبب بطرد أخي ! .. كيف لم أستطع الحديث ؟! .. لقد انتابني شيء ما !! , و كأنما هنالك من يشد بقدماي إلى الأرض و يمسك لساني بشدة , لقد أصابني شلل ! .. نعم , لقد كنت مشلولًا بالفعل ! "..

ظل عادل مستندًا إلى الحائط و هو يلوم نفسه بشدة , حتى بدأ يشعر بالدوار و قد انزلق إلى الأسفل و نام في مكانه و هو يهمس باسم أخيه بحسرة , و موقنًا بأنه لن يراه مرة أخرى أبدًا ! ..




.. نهاية الفصل 17 ..


يلّا يا حلوين , اش رايكم بهالاحداث الدامية , مقتل سلطان و حقيقة العلاقة بين أبطالنا : فيصل و عادل ؟؟ ..


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-09-15, 02:45 PM   #23

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي








السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..

كيفكم يا حلوين ؟ إن شاءالله تمام ؟ .. أحب أقول لكم كل عام و انتم بخير , و عيدكم مبارك ..

أعتذر عن التأخير اللي صار .. كانت عندي شوية ظروف و التزامات منعتني من الكتابة , لكن عندي لكم بشارة حلوة : بارت اليوم طويل طويل مرة , يعني دبل البارت اللي قبل .. تقريبًا 24 صفحة بالوورد: يعني باختصار ( من طول الغيبات جاب الغنايم ) ..

البارت بيكون متعلق بأحداث الماضي لأبطالنا , و الحلوة الأمورة هي اللي رح تقدر تربط أحداث الحاضر بالماضي ..

قراءة ممتعة حبايبي ..




الفصل الثامن عشر 18 :





تابع ( قبل 30 سنة ) ..

خرج من المنزل محملًا بأحلامه و مأساته على عاتقيه , تاركًا خلفه جزئه الآخر و صندوق أسراره , الذي خذله عند أول مصيبة وقعت ..

مشى حافي القدمين وهو يفكر أين سيمضي هذه الليلة ؟! أو بالأصح , أين سيقضي المتبقي من عمره ؟! .. تذكّر أنه لا يحمل المال و لا حتى مبلغًا صغيرًا يشتري به غداءً لنفسه , أدخل يديه في جيوبه و ابتسم سعادةً عندما وجد هاتفه , أمسك به وهو يفكر بمن سيتصل ! .. هل يستعين بالشرطة لإيجاد ملجأ ؟ و لكنه خاف أن يعرفوا بشأن المخدرات التي كان يتعاطاها , و ينتهي به المطاف بالسجن و يكون هذا هو ملجأه ! ..
فكّر كثيرًا وهو يمسك بهاتفه أسفل شمس الظهيرة الحارقة , مشى قليلًا ليستظل أسفل إحدى النخلات في الطريق .. وهو يلمح نظرات السائقين إليه , بعضهم كان ينظر بشفقة , و البعض باشمئزاز و كبرياء !..

أعاد نظره إلى هاتفه و قرر الاتصال بعبدالرحمن , و ما لبث ذاك كثيرًا حتى رفع السماعة قائلًا :

" أهلًا فيصل "..

" عبدالرحمن , أهلًا , لابد من أنني أيقظتك من قيلولتك ! "..

" لا , لا عليك , كنت مستلقيًا فحسب , ما الأمر ؟! "..

تردد فيصل بالحديث قليلًا , حيث قال عبدالرحمن و هو ينهض من سريره :

" فيصل أأنت بخير ؟! "..

قال فيصل بسرعة وكأنما سؤال عبدالرحمن حفزه على الكلام :" لا , لست بخير , أنا في ورطة يا عبدالرحمن , بل مصيبة ! "..

" يا إلهي .. ماذا حصل ؟! "..

" إنه موضوع ضخم للغاية , لا أستطيع الحديث عنه الآن , هل يمكنني أن آتي إليك في منزلك ؟!"

" بالتأكيد , أنا في انتظارك "..

توجه فيصل نحو منزل عبدالرحمن , الذي كان يسكنه لوحده , حيث كانت عائلته قد انتقلت للعيش في الخرج , أما هو فقد بقي في الرياض ليكمل دراسته الثانوية و الجامعية فيها ..

وصل فيصل بعد نصف ساعة وهو يتعرق بشدة و بالكاد كان يستطيع التنفس , فقد قطع الطريق مشيًا على الأقدام و قد كان على وشك تلقي ضربة شمس حادة !..

طرق الباب بسرعة و فتح له عبدالرحمن , و قد تفاجأ بوجه صديقه الأحمر و قد أحاطت بعيناه هالات سوداء , و امتلأ وجهه عرقًا . دخل إلى المنزل و لكن سرعان ما أصابه دوار و سقط على ركبتيه و هو يتنفس بصعوبة , هلع عبدالرحمن من منظر صديقه و انحنى إليه قائلًا :

" فيصل ! .. أكنت تمشي بالشمس طوال الطريق ؟! "..

هز فيصل رأسه بـ نعم , و هو يسعل و يعود للتنفس بعمق , ساعده عبدالرحمن على النهوض قائلًا :

" أنت حقًا متهور ! , لقد كان من الممكن أن تتعرض لضربة شمس أو أي شيء من هذا القبيل , لماذا لم تأخذ سيارة والدك للمجيء ؟! أو تستقل سيارة أجرة على الأقل ؟! "..

نظر فيصل إلى عبدالرحمن بحدة عندما ذكر والده , وهو يعود برأسه إلى الوراء مسترخيًا على الأريكة و قد وضع يديه على رأسه ..

طال صمت فيصل وهو جالس بهدوء , و قد دارت الشكوك في عقل عبدالرحمن , فنهض ليجلب بعض الماء البارد لصديقه و وضعه على الطاولة و عاود الجلوس و هو يضع يده على كتف فيصل بلطف قائلًا :

" فيصل , ألن تخبرني ما بك ؟! لقد قلت أنك في ورطة , ما الأمر , أنا كلّي آذان صاغية "..

تنهد فيصل بتعب و هو يأخذ كأس الماء و يشربه كاملًا , ثم نظر إلى صديقه قائلًا :

" هل أستطيع أن أمكث هنا معك ؟! أعني أن أمكث طوال عمري ؟! "..

تغيرت ملامح عبدالرحمن وهو يقول :" ماذا حدث يا فيصل ؟! .. لم قد تسكن في مكان غير منزلك ؟ .. عذرًا أنا لا أقصد أنك لا تستطيع البقاء هنا و لكن .. لماذا ؟! و ماذا عن والدك و أخوك ؟! ماذا حصل ؟! "..

تنهد فيصل و هو يثبت نظره على الأرض باستغراق ثم قال :" لقد عَلِم والدي ".. صمت قليلًا ثم أكمل :" لقد عرف أنني أخرج لوقت متأخر كل يوم , لقد عرف عن الأمر برمته ! "..

تساءل عبدالرحمن :" و قد خرجت من المنزل هربًا من عقوبته ؟! "..

نظر فيصل إلى عبدالرحمن ثم قال بهدوء :" لا , لم أهرب .. بل تبرأ هو مني و طردني "..

فتح عبدالرحمن عيناه بصدمة و هو يجهل السبب تمامًا , فقال :" تبرأ منك ؟! .. أنت لم تفعل شيئًا شنيعًا ليطردك هكذا !! "..

" إنه لم يعرف فقط عن أمر خروجي , بل عرف أيضًا بأمر المخدرات يا عبدالرحمن "..

" لقد كنت تتعاطى طيلة الفترة الماضية أليس كذلك ؟! "..

هز فيصل رأسه بالإيجاب و هو يمسح عينيه بيديه و بإرهاق تام ..

قال عبدالرحمن :" لقد كنا أنا و عادل نظن ذلك , و لكننا أحسنّا الظن بك ! "..

نظر فيصل إلى صديقه بحدة قائلًا :" إياك و أن تحدثي عن ذاك الجبان ! .. أهذا مفهوم ؟! .. ذاك الطفل لم يعد أخي .. لقد كسرني صمته أكثر من عتاب والدي و براءته مني !! .. "

" عادل ؟! "..

" نعم , عادل .. لم يحاول التحدث أو توضيح الأمر لوالدي أبدًا , لقد وقف ضدّي .. سأجعله يدفع ثمن ضعفه و صمته ذاك الجبان "..

لم يتمالك عبدالرحمن نفسه و قال :" ستجعله يدفع الثمن ؟! لماذا ؟! .. لم يفعل عادل شيئًا ! "..

وقف فيصل و هو يرمي بكلامه عبدالرحمن :" أنت في صفه أيضًا ؟! .. ستقف ضدي أليس كذلك ؟! .. لابد من أنك تراني الان بصورة الفتى الضائع .. أتعلم شيئًا ! لقد أخطأت عندما استنجدت بك ".. انهى فيصل حديثه و هو يتوجه نحو الباب و ما كاد أن يخرج حتى سحبه عبدالرحمن إلى الداخل مجددًا و هو يقول :

" لن تذهب , أنت لم تفهم قصدي بعد "..

" لا أحتاج لفهمه , إنه واضح ".. حاول فيصل إزاحة عبدالرحمن عن الباب و لكن صديقه أمسك به من كتفيه و هو يصرخ بوجهه :

" فيصل !.. ماذا أصابك ؟! .. هل تريدني أن أكون ذاك النوع من الأصدقاء الذين يقولون أنك على حق دائمًا ؟! ..هل تريدني أن أقول بأنك أحسنت صنعًا عندما أضعت مالك و شبابك في المخدرات ؟! .. أو أن أخرج الآن لأشتري لك المزيد منها ؟! هيّا أجبني ! "..

أشاح فيصل بنظره و قد أنهكه التفكير في نفسه و في وضعه الراهن .. و لم يستطع الإجابة على عبدالرحمن الذي قال :

" نعم يا فيصل , لقد كان عادل على حق , حتى و إن لم يقل شيء , ماذا كنت تتوقع منه أن يقول ؟.. هل أردته أن يدافع عنك و يصرخ في وجه والدك قائلًا بأن المخدرات ليس حرامًا أو عيبًا ؟! .. "

رد فيصل باندفاع قائلًا :" لا , لم أكن أريده أن يقول ذلك , و لكن كان عليه على الأقل أن يجعل والدي يتراجع عن قرار البراءة مني و طردي ! "..

" أنا لست ضدك , عليك أن تضع هذه العبارة في رأسك دائمًا , عندما أتيت إلي قبل ربع ساعة و استنجدت بي , كنت قد وعدت نفسي سرًا أن أقف معك و أساندك حتى النهاية .. و أول أمر سأفعله بصفتي صاحبك هو أن أخبرك أنك على خطأ , لن أكون صديق سوء , و بما أنك في منزلي الآن , فعلينا سوية أن نناقش هذا الخطأ جيدًا .. "

بدأ أعصاب فيصل ترتخي مع نبرة عبدالرحمن المساندة له , و الذي أكمل قائلًا بابتسامة :

" إن كنت تريد المكوث هنا طوال عمرك , فليس لدي مانع .. و لكن بشروطي "..

" شروط , مثل ماذا ؟! أن أعمل كخادمة و سائق لديك ؟! "..

ضحك عبدالرحمن على صاحبه قائلًا :" متى ستصبح أكثر جدية ! .. على العموم , لدي شرط واحد .. لا مزيد من المخدرات , اتفقنا ؟! .. و يمكنك فعلت ما شئت في هذا المنزل "..

" و لكن .. "

" لا تقل و لكن ! .. أنا أعلم بأنك قد دخلت مرحلة الإدمان الآن , و هذا واضح على وجهك .. أعلم بأنك ستختبر أيام عصيبة , و قد تفعل أي شيء مقابل جرعة صغيرة , و لكن لا تفعل .. فُز بمعركتك ضد نفسك أرجوك .. سأفعل كل ما تريده مني و لكن توقف عن هذه السموم "..

تنهد فيصل و قال بتهرّب :" سأحاول .. "..

" إذًا .. مرحبًا بك في منزلك ".. عانق عبدالرحمن رفيقه الذي بدا هزيلًا مقارنة بالأشهر التي مضت .. قائلًا له :

" هيّا تعال معي , هناك غرفة فارغة في الأعلى , ستمكث فيها "..

صعد الاثنان و بدآ بترتيب الغرفة و تنظيف الغبار .. بينما ذهب عبدالرحمن لجلب ملاءات و وسادات جديدة من غرفته و إعطائها لصاحبه ..

انتهى الاثنان من تجهيز الغرفة و اصطحب عبدالرحمن فيصل معه لتناول الغداء قبل صلاة العصر .. ثم توجها لأحد المراكز التجارية لشراء ملابس و أساسيات قد يحتاجها فيصل .. و عندما خرجا قال فيصل بخجل من صاحبه :

" عندما أحصل على بعض المال , سأعيد لك ما دفعته .. "

رمق عبدالرحمن صاحبه بغضب .. فقال فيصل :

" لا تنظر إلي هكذا , أنت لست ملزم بمصاريفي ! .. سأذهب لأبحث لي عن وظيفة ليلية .. "

" و لم هذه الرسميات أيها التافه ؟! .. نحن كالأخوة .. لا داعي لهذا الحديث , نستطيع أخذ المال من بعضنا دون هذه الأحاديث السقيمة ! "..

" أعلم , ولكني لا أزال مصرًّا على إيجاد وظيفة , نحن نتشارك المنزل و لابد أن نتشارك المصاريف أيضًا "..

" فيصل , إن والدي يبعث لي بمبلغ كبير كل شهر , 5000 ريال , إنها كافية لنا .. لم تريد إرهاق نفسك بوظيفة ؟! "..

" لا بأس يا عبدالرحمن , أنا أعرف بأنك لن تمانع من مساعدتي ماديًا , و لكني أريد قضاء وقتي في شيء نافع , لعله ينسيني رغبتي بالتعاطي ! "..

" صحيح , لم أنتبه لهذه النقطة , و لكن ماذا بشأن دراستك ؟! .. لقد بقي شهران فقط على التخرج ! .. عليك أن تكمل يا فيصل , لا تجعل سنوات الدراسة الماضية تذهب سدًى ! "..

" لا , لن أفعل .."

فتح عبدالرحمن عينيه بصدمة قائلًا :" فيصل , أأنت جاد في كلامك ؟! .. لقد بقي شهران فقط ! .. إن استطعت انهاؤها فستمتلك شهادة ثانوية و هذا سيكون رائع , و إن لم تفعل .. فذلك سيصعب عليك فرصة إيجاد وظيفة ! "..

" لا أهتم .. ليس هنالك أمر أطمح إليه "..

" فيصل , لا يمكنك العيش هكذا بدون أمل , ذلك سيودي بك إلى الهلاك , أنا لست دائمًا لك و لا أحد على هذه الحياة سيدوم لك , عليك أن تكمل تعليمك , تعليمك الثانوي على الأقل ! "..

صرخ فيصل منفعلًا :" لقد قلت لك لا ! .. لا أريد أن أتواجه مع عادل في المدرسة ؟! .. أفهمت الآن ؟! .. و لا أستطيع أن أنتقل إلى مدرسة أخرى , نحن في نهاية السنة الدراسية و ذلك سيكون مستحيلًا , و لن أؤجل دراستي إلى السنة القادمة , و أعاود دراسة كل شيء من جديد ! .. سأتوقف فحسب , لن أكمل دراستي , سأبحث لنفسي عن أي عمل لأقوم به "..

" ستتنازل عن الشهادة حتى لا تصطدم بأخيك في المدرسة ؟! .. أترى أن هذا عذر منطقي ؟! "..

" إن كنت في نفس وضعي يا عبدالرحمن , فستتفهم موقفي , ستعرف كيف أنه من المميت أن تصطدم صدفة أو تلتقي عيناك بعينا ذاك الشخص الذي حطّمك ! "..

" و ها أنت تقول أنه حطمك ! .. فهل ستترك دراستك من أجل شخص فعل ذلك بك ؟! "..

" أنا لن أترك الدراسة بسببه , و لكن ... لقد اكتفيت يا عبدالرحمن , لن أستطيع الإكمال , لا أستطيع التركيز بشيء , لقد تغيرت حياتي رأسًا على عقب , إن أكملت دراستي فسأرسب ! .. إن عقلي لم يعد مِلكي ! .. لا أستطيع .. "

هز عبدالرحمن رأسه بهدوء و هو يقود السيارة متجهًا إلى المنزل .. لقد كان هذا أول يوم لهم سوية , و قد اكتفى عبدالرحمن من الحديث عن عادل , و قد لاحظ أن فيصل مشتت طوال اليوم , و قد ملأت الكسور قلبه و روحه ..

لم يستحمل عبدالرحمن منظر فيصل الذي اختفت منه معالم القوة التي كان يتحلى بها سابقًا , و التي حل محلها الضعف و الخجل , و ذاك التمرد الذي يُخفي وراءه حطام روحه ..

بدأت بذرة صغيرة من الكره تنمو في عبدالرحمن تجاه عادل ! .. و ذاك الكره لم ينمو بسبب شخصه , بل بسبب الأثر الذي تركه عادل في توأمه .. !


**********


مضت الأيام و كان فيصل يتردد إلى جميع المحلات التجارية التي يعرفها و مراكز الخدمات بحثًا عن وظيفة , حيث كان يمضي فترة ما بعد العصر في البحث , و لا يعود إلى المنزل إلا عندما يتوّسط القمر السماء ..

و بعد عدة أشهر.. و بعد عدة محاولات في البحث , حصل أخيرًا على وظيفة بائع في إحدى محلّات الخضار و الفواكه ..

كان يشعر ببعض الذل و هو يقف بين الخضار و يملأ الأكياس للزبائن , و قد أحاط به عددًا من العمالة العربية و الآسيوية الذين يعملون معه , و قد كان هو السعودي الوحيد المتواجد .. كانت تجتاحه كثيرًا مشاعر العزة بالنفس و الشعور بتدنّس الكرامة , و قد نسي تمامًا أن العمل و كسب الرزق باليد هو خير و أشرف من طلب المال من الآخرين و التوسل , و لم يكن هو الوحيد الذي يشعر بذلك , بل أغلب العمالة السعودية الذين يعملون في وظائف صغيرة مثل فيصل و برواتب متدنية .. و قد تغلغلت لديهم قناعة سلبية قديمة بأنهم خُلِقوا ليَشغلوا وظائف و مناصب أعلى ! ..

و لكن فيصل كان يفكر كثيرًا في حياته السابقة .. و كيف أنه كان يسكن قصرًا كبيرًا يملأه الخدم و كل ما لذ و طاب , و قد انتهى به المطاف شريكًا في السكن مع صاحبه , و موظفًا في محل صغير ..
و لكن الحرية التي وجدها في وضعه الحالي كانت تساوي عنده ملايين القصور , و قد وجد الراحة و الشعور بالنضج في كل مرة يخرج فيها من المنزل وقتما يريد , و عندما يصحو صباحًا دون أن يقوم أحدًا بالتحقيق معه فيما فعل و ما لم يفعل ..

مضت السنوات , و قد ارتقى فيصل في عمله حيث أصبح يدير المكان بأكمله , و قد زاد راتبه بمعدل خفيف , أما عبدالرحمن فقد كان يخوض تجربته الجامعية بجدارة ..

تخرّج عبدالرحمن , بعمر الـ 23 عامًا , و بدأ والده بالبحث عن وسطاء و معارف ليجدوا لابنه وظيفةً حكومية .. و بعد عدة أشهر , بشّر والد عبدالرحمن ابنه بأنه وجد له وظيفة رسمية في أحد القطاعات الحكومية في الخرج ..!

فرح عبدالرحمن و فيصل لهذا الخبر , و قد خرج فيصل من المنزل ليشتري عشاءً فاخرًا لهذه المناسبة المفرحة .. و ما أن انتهوا من تناول الطعام , حتى تحدّث فيصل قائلًا :

" و للمرة الألف أقول لك , مبروك الوظيفة , أنت تستحق كل خير فعلًا "..

ابتسم عبدالرحمن بهدوء و قال :

" بارك الله فيك , و لكن .. إن الوظيفة في الخرج ! "..

" و ما المشكلة في ذلك ؟! , أعني بأنه أمر رائع , ستكون قريبًا من والديك و إخوتك ! "..

" نعم أعلم , و لكن ماذا عنك أنت ؟! .. إن كنت سأذهب أنا للاستقرار هناك ؟! "..

" عبدالرحمن , أنا لست طفلًا , أستطيع تدبر أمري , قم ببيع هذا المنزل , و أشتري بقيمته منزلًا آخر هناك , أما أنا فسأبحث لنفسي عن منزلًا للإيجار أو شقة , لا تحمل همي "..

" لن أبيع المنزل , لقد حدّثني والدي عن هذا الأمر قبلك , قال بأنه سيزودني ببعض المال لترميمه و إعادة تأثيثه .. أما أنت , فستسكنه في غيابي "..

" لا يا عبدالرحمن , هذا كثير .. أقصد ماذا إذا أراد أهلك أن يأتوا إلى هنا في الإجازات مثلًا ؟! .. أو لزيارة أحدٍ ما ؟! .. سيكون هذا محرجًا "..

" فيصل , أظن بأننا قد تخطينا الرسميات بيننا منذ سنوات ! .. توقف عن الحديث بهذا الشكل , لماذا لا تزال تخجل مني ؟! .. أنا لا أريد منك شيئًا عندما أكرمك , أريدك فقط أن تعيش هنيئًا , أما بخصوص أهلي , فليس لهم حاجة في الرياض ليزوروها , إن كل معارفهم في الخرج .. سيكون من النادر أن يأتوا إلى هنا "..

" حسنًا ... ".. كان فيصل يفكر بطريقة ليشكر بها صاحبه , و لكن ضاعت الكلمات منه فجأة , فقرر أن يشكره دون مقدمات :

" شكرًا , أنا حقًا لا أعرف كيف أرد لك الجميل .. لا تقل أنني أتحدث برسمية الآن , أنا حقًا عاجز عن رد المعروف لك "..

" في الواقع أنا من يجب أن يشكرك , لقد كنت تؤنس وحدتي و غربتي طوال السنين الماضية , لقد اعتدت وجودك معي .. و إن المعروف الوحيد الذي أريد منك إسدائه إلي , كنت بالفعل قد أسديته فيما مضى ! "..

" ماذا تقصد ؟! "..

" إدمانك يا فيصل , لقد تخلصت من إدمانك , إن رؤية وجهك و قد دبت فيه الحياة مرة أخرى , و زوال ذاك الشحوب الذي اكتسى ملامحك و جسدك كفيلٌ بجعلي أحمد الله على ما أكرمك به "..

تمتم فيصل قائلًا :

" صدقت , الحمدلله "..

كان لا يزال مكسورًا من الداخل على ما حدث منذ 5 سنوات .. أن يعبر من خلال نقطة تحوّل قاسية , بعدما تخلى عنه أقرب الناس إليه , توأمه : عادل .. كان شديد التعجب لأمر أخيه , كيف أنه لم يحاول البحث عنه أو إصلاح من اقترفه .. أو حتى زيارة سريّة يصلح بها بعضًا من الماضي ..

" كيف له أن ينساني هكذا ؟! .. كيف انتهت هذه السنوات الخمس دون أن أصادفه ؟! .. لماذا لم يبحث عني ؟! .. أو حتى يحاول الاتصال بي ؟! .. كنت سأسامحه إذا التقيته و رأيت نظرات الندم تشوب عيناه ! .. و لكنه لم يأتِ .. يا ترى ماذا يفعل في هذه اللحظة ؟! .. أين هو و ماذا يدور في عقله ؟! .. هل انهى دراسته الجامعية , أم أنه دفن نفسه بذكراي مثلما فعلت أنا بنفسي ؟! و والدي , ماذا بشأنه ؟! .. ما الذي طرأ في حياته خلال هذه السنوات ؟! .. هل ما يزال غاضبًا مني ؟! .. أم أنه سيعانقني بذراعيه و دموعه إن حصل يومًا و جمعتنا طرقات هذه المدينة ؟! "...


**********


انتقل عبدالرحمن إلى الخرج فور صدور قرار تعيينه , تاركًا فيصل يعيش حياته في الرياض , و قد أعطاه المسؤولية و الحرية الكاملتان للتصرف في منزله ..

مضت الأشهر و فيصل يواجه أيامًا روتينية للغاية , و لكن كان الإحباط و اليأس يزدادان في داخله بشكل مأساوي .. و لكنه ظل يقول لنفسه أنه سيعتاد على هذه الحياة لوحده , خصوصًا بعد رحيل عبدالرحمن , و انعدام الحياة من هذا المنزل ..

كان يقضي ليالٍ طوال و هو يجهل ماذا سيفعل غدًا أو حتّى ماذا يريد من حياته ! .. كانت عيناه لا تعرفان النوم الهنيء , مجرد غفوات صغيرة يتخللها الكثير من الفزع و التعرق ..

بعد سنة من رحيل عبدالرحمن , لم يعتد فيصل شعور الوِحدة الذي بدأ يكتسي كل شيء من حوله , بل زاده ذلك انتكاسًا و رغبة في العودة إلى سمومه القديمة ! ..

فقد أصبح ينفق ثلاثة أرباع راتبه في شراء المخدرات بشكل دائم , و قد رأى بأن حياته لم تتحسن خلال الست سنوات التي مضت و التي ظن أن حياته ستزدهر فيها مع كل هذه الحرية و الاستقلالية اللتان دخلتا حياته و ملأتها ..

في إحدى الأيام خرج من المنزل و قد أمضى 4 ساعات و هو يتجوّل في الشوارع من غير وِجهة محددة , و قد قطع مسافة كبيرة بعيدًا عن المنزل .. و ما أن وقف أمام محل للعصائر لشراء بعض المشروبات .. حتى لفت نظره شاب يقف بعيدًا و يحدق إليه .. تجاهل فيصل أمر الشاب و عاد إلى المشي نحو المنزل مرة أخرى , و لكنه توقف عندما اقترب ذاك بشكل كبير و هو يقول :

" هذا مستحيل ! .. رُبّ صدفة خيرٌ من ألف ميعاد !! "..

التفت فيصل إلى الرجل متسائلًا :" عفوًا ! .. هل أعرفك ؟! "..

" أنت فيصل أليس كذلك ؟! فيصل سليمان ؟! "..

" نعم , هذا أنا , ما الأمر ؟! "..

ابتسم الرجل و عيناه تحملان بعضًا من الصدمة و قال :

" أنا محمد ! .. لقد كنّا زملاء في الثانوي , ألا تتذكرني ؟! "

كره فيصل الوضع كونه قد تصادف مع صديق قديم قد يعيد له ذكريات لا يريدها , ولكنه اضطر للوقوف و الابتسام للصديق القديم :

" أها نعم , نعم , تذكرتك ! "..

وقف الشابان يتبادلان التحية و السلام حين قال محمد :

" أين كنت يا فيصل طوال هذه السنين ؟! .. لقد قلب عادل الدنيا عليك ! "..

سرت رعشة في جسد فيصل من حديث محمد , و رد قائلًا :

" و لماذا كان يبحث عني ؟ "..

" لا أعلم , و لكنه لم يترك مكانًا لم يبحث فيه , و قد سأل الجميع عنك و حقق بشأنك "..

" متى كان ذلك ؟! "..

" لا أعلم ! .. قبل سنوات عديدة , ربما في أيام الثانوية ! .."

صمت فيصل غير مصدقًا ما قاله محمد للتو ! .. و قد بدأت يتساءل في نفسه :
" عادل كان يبحث عني ؟! .. هل كان حقًا يكترث لشأني ؟! .. "

قال فيصل بسرعة :

" نعم , تذكرت الآن ! .. لقد حصل خلاف بسيط بيننا في أحد الأيام و غادرت المنزل , و لكنني عدت من جديد , شكرًا على سؤالك يا محمد "..

صمت فيصل قليلًا ثم أخذ يفكر : إن كان عادل قد بحث و سأل الجميع عني , فلابد أنه سأل عبدالرحمن عني أيضًا ! ..

قال محمد :" لم يكن عادل يبحث لوحده , بل كنّا جميعًا معه ! "

" جميعكم ؟! من تقصد ؟! "

" أقصد أصدقائك القدامى , أنا , أسامة , عبدالرحمن و الآخرون ! "..

هز فيصل رأسه بشرود ثم قال : " لم يكن عليكم أن تحملوا همّي "..

" لا عليك , لقد قلقنا كثيرًا بشأنك , و لكن تسعدني رؤيتك الآن "..

" هذا لطف منك , أعذرني الآن , علي الذهاب لإنهاء بعض المشاغل , ربما ألتقيك لاحقًا "..

قرر فيصل قطع الحديث بسرعة , قبل أن يقوم محمد بسؤاله أكثر عن تفاصيل حياته .. و عاد متوجهًا إلى المنزل و رأسه مليء بالأسئلة :

" عبدالرحمن شارك عادل في البحث ؟! .. و لماذا لم يخبرني عن ذلك ؟! .. لم أخفى هذا الأمر عني ؟ لماذا لم يكن يريد جمع شملي مع أخي ؟ هل لأني كنت دائم الشتم لعادل بعدما تركت المنزل ؟ و قد كنت أرمي كل اللوم عليه طوال الوقت ؟ لم لَمْ يحاول عبدالرحمن أن يجعلنا نجتمع سوية لحل خلافنا ؟ ربما خشي أن أرفض ملاقاة أخي و التعرض للإهانة مرة أخرى ! .. هل اتصل عليه و أسأله ؟ أم التمس له الأعذار ؟ "..

ظل فيصل يلتمس لعبدالرحمن الأعذار على عدم إخباره بشأن بحث عادل عنه ! .. و قد حاول الاتصال كثيرًا بعبدالرحمن و لكنه خاف أن يحرجه , فظل فيصل ملتزمًا الصمت و مفضلًا العيش في عزلته لأيام عمره القادمة ..





يتبع ..






لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-09-15, 02:46 PM   #24

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


تابع ..


بعد مرور سنة على لقاء فيصل بمحمد , قرر عبدالرحمن المجيء إلى الرياض في أحد إجازاته و زيارة فيصل , و قد أجرى اتصالًا هاتفيًا معه في طريقه إلى الرياض :

" فيصل ؟ "

" مرحبًا عبدالرحمن , ما الأخبار ؟ "..

" الحمدلله بأفضل حال , اسمع , أنا قادم إلى الرياض الآن , و ربما أقضي 3 أيام عندك "..

" حقًا ؟ هذا سيكون رائع , سأقوم بتجهيز غرفتك حالًا "..

" لا , لا تفعل , سأجهزها أنا عندما أصل , قد يستغرق وصولي بضع ساعات , و ربما أصل مع آذان الفجر .. اذهب أنت للنوم , كنت أود إعلامك بالأمر فقط "..

" و لماذا لم تؤجل مجيئك إلى الصباح ؟ سيكون الطريق خطِرًا في هذا الوقت المتأخر ! "..

" لا بأس , يفصل بيني و بينك ساعتان فقط .. و في الواقع , لقد سئمت من أجواء الخرج , فلم أستطع انتظار الصباح ! "..

ضحك فيصل قائلًا :" إن الرياض لا تقل مللًا عن الخرج ! .. على العموم , انتبه لنفسك و قِد بحذر "..

" حسنًا سأفعل , عمت مساءً "..

أغلق عبدالرحمن الهاتف و أكمل قيادته , و قد وصل إلى الرياض في الساعة الخامسة فجرًا , و دخل إلى المنزل الذي كان مظلمًا خاليًا من الأضواء و الأصوات , كان يريد أن يدخل على فيصل في غرفته ; ولكنه توقع بأنه نائم , فقام بتأجيل لقائهما إلى أن يستيقظ , توجّه عبدالرحمن إلى غرفته و قد كانت مرتّبة و مجهزة من قِبَل فيصل , ابتسم عبدالرحمن لما فعله صديقه , و دخل ليستحم و يصلي الفجر ..

و بعدما انتهى , توجه نحو المطبخ ليعد لنفسه وجبة خفيفة , و لكنه توقف عندما سمع صوت ارتطام آتي من الدور العلوي , صعد إلى الأعلى و هو يمشي ببطء محاولًا تخمين مصدر الصوت , و ما أن وصل إلى غرفة فيصل , حتى نسي أمر الصوت , و قرر إيقاظ صديقه للصلاة .. و لكن ما أن دخل حتّى انصدم بمنظر فيصل المستلقي أرضًا وهو يرتعش بشدة !! ..

ركض عبدالرحمن نحوه بفزع وهو يهز كتفي فيصل صارخًا باسمه , بينما كان الآخر يواجه نوبة قلبية حادة ليس لها مثيل , فبعد أن تعاطى جرعة كبيرة من المخدرات , تضرر قلبه بشكل مأساوي , و من المعلوم أن عند التعاطي , فإن احتمالية الإصابة بنوبة قلبية قد تصل إلى 2400% !!

حمل عبدالرحمن صديقه بين يديه و نزل راكضًا نحو السيارة و هو يتنفس بعلو و خوف و قد اختفى لونه و شحب وجهه ..

ذهب به إلى المستشفى .. حيث التقى الطبيب المتدرب ( خالد ) !! .. الأخ الأكبر لسلطان !

كان عبدالرحمن ينظر إلى فيصل بعينين غارقتين بالدموع و الندم لتركه لوحده الفترة الماضية , كان يريد أن يستنجد بأحد في هذه اللحظات , و أن يكون هناك من يربت على كتفه و يطمئنه على صاحبه .. كان ينظر إلى فيصل بحسرة كبيرة على شبابه و صحته اللتان قاربتا على الفناء و الزوال , كان يعلم أن اللحظة قد حانت ليستدعي عادل إلى المستشفى , و يكون بجانب أخوه الذي قد يكون اليوم هو يومه الأخير !!

خرج عبدالرحمن من المستشفى بينما بقي فيصل في الداخل بين تلك الأجهزة و الأسلاك التي تحاول إعادة النبض إلى قلبه و جسده .. جلس عبدالرحمن على إحدى كراسي الحديقة و هو يبكي بخوف و بألم شديدين , و قد سحق الصداع كل الأفكار في رأسه , و لكن هناك فكرة واحدة ظلت على قيد الحياة , الاتصال بعادل !

اتصل عبدالرحمن على ذاك التوأم المنسي و بصوت واهن تحدث إليه قائلًا :

" عادل ؟ "

" من معي ؟ "

" إنه أنا , عبدالرحمن "

" آه عبدالرحمن ! , أهلًا .. كيف حالك يا رجل ؟ , لقد مضى وقت طويل لم أسمع فيه صوتك "..

" أنا آسف لاتصالي في هذا الوقت , و لكن ... ! ".. تحدث عبدالرحمن و قد تحشرج صوته من أثر البكاء ..

" عبدالرحمن , ما بال صوتك ؟! أأنت بخير ؟ "..

نزلت دموع عبدالرحمن قائلًا :" عادل , إن أخوك .. فيصل ! "..

وقف عادل و قد كان مستلقي على سريره و هو يصرخ بصدمة من ذكر أخيه , الذي انقطعت كامل أخباره منذ 7 سنوات :

" فيصل ؟! .. ماذا عنه ؟! أتعرف أين مكانه ؟! تكلم يا عبدالرحمن , ماذا أصاب فيصل ؟! "..

" لــقـ لقد أصيب بــ .. أصيب بنوبة قلبية حادة ! .. لا أعرف إن كان سيموت على أثرها أم لا ! .. و لكن عليك المجيء أرجوك ! .. قد يكون اليوم هو يومه الأخير ! "..

" عبدالرحمن أين هو الآن ؟! "..

" إنه في المستشفى المجاور لمنزلي .. أرجوك لا تتأخر , كن بجانبنا ! "..

" حسنًا حسنًا , لن يستغرق مجيئي ثواني ! "..

خرج عادل راكضًا من المنزل و راكبًا سيارته التي انطلقت بأقصى سرعتها نحو أخيه .. و هو يفكر بفيصل و المرة الأخير التي رآه فيها ! .. و كل تلك الجهود التي بذلها للبحث و التقصي عن أخيه دون علم والده ! .. و لكنه لم يستطع أن يعرف طرف خيط على مكانه ! .. و الآن و بعد 7 سنوات , يأتيه هذا الخبر الصاعق بسقوط أخيه بنوبة قلبية ! ..

وصل إلى المستشفى و جلس لبضعة دقائق داخل سيارته و هو غارق في تفكيره , و قد بدأت الشمس ترمي بخيوط الصباح الأولى :

" ماذا إن لم يكن فيصل يود مقابلتي ؟ .. ماذا لو نجا من هذه المصيبة و رفض أن أكون بجانبه لأسنده في محنته ؟ هل سيسامحني على ما اقترفته بحقه ؟ و لكني تسببت بضياعه قبل عدة سنين مضت ! .. لقد سكت عندما كان يجدر بي الكلام و الوقوف معه ضد جبروت أبي و ظلمه ! .. هل سيسامحني فيصل ؟ .. ماذا إن كان سيموت الليلة ؟ ماذا إذا رحل عن الحياة و لم أره و أطلب السماح منه و أقبل جبينه ؟! .. ماذا إن ارتحل الحياة و قلبه مكسور إلى الآن ؟ هل سيسامحني ؟ .. لا عليّ منه ! .. سأظل بجانبه حتّى و إن اضطر لضربي و إخراجي بالقوة من المستشفى و من حياته بأكملها ! .. سأظل بجانبه ليرتاح ضميري .. لن أتركه وحده حتى و إن رفض أن يغفر لي صمتي ! "..

نزل عادل إلى المستشفى و قد لمح وجهًا يعرفه جالسًا على الكراسي الخارجية , فركض نحوه صارخًا :
" عبدالرحمن ! .. أهذا أنت ؟! "

نهض عبدالرحمن بسرعة متوجهًا إلى عادل و قال :

" نعم , لا وقت للسلام الآن , لنذهب إلى أخيك حالًا ! "..

دخل الاثنان إلى قسم الطوارئ , و مع كل خطوة يخطوها عادل , كان قلبه ينبض بشدة و خوف .. و ما أن وصل إلى غرفة أخيه , حتى انعقد حاجباه و احمرّ أنفه معلنًا بدأ نزول دموعه , استند بيده على الباب وهو ينظر إلى الأطباء الذي ينعشون ذاك القلب الكسير الشاب ! .. و مع كل مرة يصعقونه فيها , كان عادل يغمض عينه بانتظار صوت دقّات قلب فيصل لتظهر على الجهاز , و بعد عدة محاولات لإنعاشه , و مع استمرار عادل بإغماض عينيه , سمع الجميع أخيرًا ذاك الصوت الدال على الحياة و الخارج من الجهاز الموصول بقلب فيصل ! ..

صرخ عادل و عبدالرحمن بـ : الحمد لله يارب ! .. و خر عادل ساجدًا و هو يجهش بالبكاء و التحميد .. بينما نزل عبدالرحمن بجانبه وهو ساجد يحمد الله على الحياة التي أعيدت إلى صديقه ..

هنأ الأطباء الشابين اللذان وقفا عند الباب و قد مزقت الابتسامة شفتيهما .. و توجها نحو فيصل يحدقان فيه بسعادة , أمسك عادل يد أخيه و هو يقبلها و يبكي بهدوء و بابتسامة صادقة :

" الحمد لله على سلامتك , فيصل , استيقظ أرجوك , استيقظ و قل لي أنك ستفسح لي مجالًا في حياتك التي أعيدت لك للتو .. قل لي بأنك لا تحمل أي ضغينة نحوي ! .. استيقظ فيصل , لقد أمضيت 7 سنوات بدونك ! .. هذا ليس وقت للنوم , استيقظ و تحدّث إلي ّ ! "..

سحب عبدالرحمن عادل الذي بدا متأثرًا بشدة لما جرى لأخيه , و أخذه نحو الكرسي ليرتاح و قال له :

" اهدأ يا عادل ! .. سيستيقظ خلال بضع ساعات , ابقى هنا و انتظره , لا تضغط كثيرًا على نفسك "..

هز عادل رأسه قليلًا ثم قال :" شكرًا , لقد فعلت الكثير يا عبدالرحمن , لقد كنت أظن بأننا سنموت قبل أن نلتقي مرة أخرى , لقد جمعتنا , لن أستطيع أن أوفيك حقك ! "..

" لا عليك , لا داع لهذه الرسميات , نحن أصحاب منذ الصغر , كيف لي أن أتجاهل أمركم ؟ "

ابتسم عادل لصديقه و قد صمت قليلًا ثم قال :" أين كان ؟! "..

ارتبك عبدالرحمن لهذا السؤال ! .. و قال و هو يهدئ نفسه :" سـ سأخبرك بكل شيء , و لكن دعني أحضر بعض الماء لكلينا , لقد جف حلقي في الدقائق التي مضت " ..

خرج عبدالرحمن من الغرفة ليجلب بعض الماء و هو يفكر بأكاذيب ليقنع بها عادل أن فيصل لم يكن في منزله , فقد قام عبدالرحمن قبل 7 سنوات بمساعدة عادل في البحث عن أخيه و هو يتظاهر بذلك ! ..

حتّى لا يعلم أحد بمكانه و تتصاعد الشكوك نحو عبدالرحمن نفسه .. لم يكن يظن أن فيصل سينجو من هذه المصيبة , و لكنه قد شفي الآن و قد يخبر أخاه بكل شيء أو لا شيء ! ..

عاد عبدالرحمن إلى الغرفة وهو يسحب كرسي بالقرب من عادل وهو يقول :

" لقد كان الأمر مفاجئ لي ! .. فلقد كنت في طريق عودتي من الخرج إلى الرياض , و قبل الوصول للمنزل , تلقيت اتصالًا مجهولًا ! .. فقد كان من رجل يسكن شقة مجاورة لشقة فيصل في إحدى العمائر القريبة من هنا .. و قد قال بأنه وجد فيصل مصابًا بنوبة قلبية حادة , فقام بإحضاره إلى هنا و قد أحضر هاتف فيصل معه و وجد رقمي فيه , فاتصل بي للحضور , و أنا استدعيتك بعد ذلك "..

تنهد عادل قائلًا :" سبحان الله ! .. لقد أمضينا أيام و شهور للبحث عنه .. و الآن نلتقي به عن طريق رجل غريب لا نعرف اسمه حتى "..

" نعم , لم يكتب الله لنا أن نجده في ذاك الوقت "..

" الحمد لله على كل حال "..


**********


أمضى عادل ساعتين بجانب أخيه , و قد طلع الصباح و أشارت الساعة إلى السابعة و النصف , فنهض للوقوف بجانب رأسه فيصل و قد انحنى ليقبل جبينه بهدوء و هو يقرأ عليه أذكار الصباح , و ما لبث طويلًا حتى رأى فيصل قد بدأ يقطب جبينه بضيق و يأن بألم , و لكنه ارتخى مرة أخرى و عاد للنوم , اقترب عادل مرة أخرى منه وهو يهمس ممازحًا توأمه :

" فيصل , لم تكن تحب النوم هكذا عندما كنّا صغارًا , لم انقلب حالك أيها الكسول ؟! "..

و لكن عادل انصدم عندما رأى ابتسامة صغيرة ترتسم على شفتي أخيه , ضحك عادل لما رآه و هو يقول :

" فيصل ؟ هل تسمعني ؟! "..

فتح فيصل عينيه بهدوء وهو يحدّق في عيني أخيه , و عاد لإغماضها بهدوء قائلًا :

" لماذا جئت إلى هنا ؟! "..

" أتيت من أجلك .. لم أكن لأتركك مهما حصل ! "..

تنهد فيصل بألم و هو ينظر إلى أخيه قائلًا بهمس :" هل حقًا كنت تبحث عني ؟ بعدما خرجت من المنزل في ذاك اليوم ؟ "..

ابتسم عادل وهو يقترب من أخيه و يقول :

" نعم , لقد بحثت عنك حتّى تورّمت قدماي , لم أترك مكانًا و لا زاوية لم أبحث فيها , و كأني أبحث عن إبرة و ليس بشرًا ! .. لم أترك قسمًا في الشرطة لم أقدم بلاغًا فيه ! .. كنت أريد أن أعتذر لك .. و أقف بجانبك , حتى و إن لم تغفر لي , أريد أن أظل واقفًا بجانبك حتى النهاية ! "..

سكت عادل وهو ينتظر ردًا , و لكن لم يكن هناك سوى نظرات فارغة من عيني فيصل المرهقة و الذي سرعان ما عاد إلى النوم و كأنه لم يسمع شيئًا ! ..

عاد عادل للجلوس وهو يقول لنفسه بأنه سيظل ينتظر غفران أخيه حتى آخر يوم في عمره , فإن خسره في يوم من الأيام , فلن يستطيع أحدًا في العالم أن يعوضه خسارته ! ..

غفا عادل على الكرسي و قد أشارت الساعة إلى الثامنة صباحًا , فلم يلبث عادل طويلًا حتى باغته صوت هاتفه باتصال , رفع هاتفه و رد بسرعة :

" نعم ؟ "

" عادل أين أنت ؟ من المفترض أن تكون في الشركة قبل ربع ساعة من الآن ! "..

" أبي ؟ .. " ارتبك عادل من صوت والده , و لكنه كان مصرًّا على البقاء بجانب أخيه :" أنا , أنا لن أستطيع المجيء "..

" ماذا تقصد ؟ .. لقد أوكلت إليك اليوم اجتماعين مهمين ! .. كيف لك أن تتغيب هكذا ؟! .. لم يجدر بي أن أعطي ثقتي لشخص في عمرك ! "..

" أبي أن لا تفهم وضعي , لقد حصل أمر طارئ للغاية ! ".. كان عادل يود لو يستطيع أن يخبر والده مباشرة بكل شيء ..

" ماذا حصل ؟ و أين أنت الآن ؟! "..

" أنا .. أنا مع ... " سكت عادل قليلًا ثم قال :" أنا مع فيصل "..

" فيصل ! .. من هذا أيضًا ؟ "..

" أبي , إنه فيصل , أخي ! "..

كان عادل يستطيع الإحساس بصدمة أبيه من صوت أنفاسه التي توقفت فجأة .. ثم قال بغضب :

" أنت مع فيصل ؟ ماذا تفعل معه ؟ هل لا يزال ذاك العاق حيًا إلى الآن ؟ "..

صرخ عادل مدافعًا عن أخيه :" أبي , لقد تعرض فيصل لنوبة قلبية و كاد أن يموت على أثرها , أعلم بأنك لن تنسى ما فعله أبدًا , و لكن أنا سأنسى , و سأظل واقفًا معه في مصيبته مهما حصل ! "..

سكت والد عادل – حمد – لثواني , ثم قال بحزم :

" لن أطيل الحديث معك , و لكن سأعطيك 5 دقائق فقط لتأتي إلي , و إن لم تفعل , فسأعتبرك مثل أخيك تمامًا .. لا أكترث إن مرض فيصل أو مات ! .. لأنه لم تعد هنالك علاقة تربطنا به ! .. تذكر يا عادل , 5 دقائق فقط "..

" أبي , ما الذي تتحدث عنه ؟ ألم يحن الوقت لتنسى ما حصل , لقد مضت 7 سنوات ! .. و أجزم بأن فيصل قد أصبح شخصًا أفضل , تذكر أنك لم تعطه فرصة واحدة حتى ليتعدل سلوكه ! أنا لم أعد إليه برغبتي , بل لأنه كان على وشك الموت دون أن يكون هنالك أحد و لا ظلال بجانبه , أظن بأن الوقت حان لننسى يا أبي , علينا أن ننسى لنعيش ! "..

" عادل , أخوك تخطى كل الحدود التي وضعتها لكم , و جلب لي العار و لك أيضًا ! .. لقد فعل أشنع ما يمكننا تصوره .. لا أظن أنه يستحق فرصة أخرى "..

" أنت لم تعطه فرصة أولى حتى تعطيه أخرى ! "..

" عادل ! ".. صرخ حمد .. :" لقد مضت دقيقة حتى الآن , من الأفضل لك أن تأتي , و إلا ... "

تنهد عادل بحيرة من أمره , فلم يكن يريد خسارة والده أو أخوه , فقال بهدوء :" حسنًا , هدأ من روعك , سآتيك حالًا "..

أغلق عادل هاتفه وهو يتوجه إلى فيصل و ينحني ليقبل جبينه قائلًا :

" سأعود , سأشحذ الدقائق و الثواني لأزورك و أطمئن عليك , كن بخير أرجوك ! "..

و ما أن رفع رأسه حتى رأى عبدالرحمن يدخل الغرفة و بيده بعض الطعام للإفطار , قال عادل :

" عبدالرحمن , علي الذهاب الآن , سأعود متى ما استطعت "..

" لماذا ؟ هل حصل شيء ؟ "..

تنهد عادل وهو يقول :" لقد علم والدي بالأمر , و لا يريدني أن أزور فيصل أو حتى أراه ! "..

" لا يزال غاضبًا منه أليس كذلك ؟ "..

" نعم , و لكنني ظننت أن قلبه سيلين عندما يعلم بما حصل لابنه , و لكن ذلك لم يزده سوى قسوة ! .. أنا ذاهب الآن , سأتصل عليك عندما يتسنى لي الوقت , و ربما أزوركم من وقت لآخر دون علم والدي ".. سكت عادل لبرهة ثم قال :

" سيظل يعاملني كالطفل ! .. حتى و إن أصبحت في الأربعين من عمري ! "..

خرج عادل متوجهًا إلى أبيه .. محاولًا بشتى قدراته أن يرضي الطرفين ..

كان عادل قد أخبر عبدالرحمن بالقصة كاملة قبل 7 سنوات عندما قرر أن يستنجد به للبحث عن فيصل , أما باقي أصحابهم , فقد أعطاهم عادل رواية أخرى عن أخيه حتى لا تتشوه صورته في أعينهم و أثناء بحثهم عنه ! .. فقد اختصر القصة بالقول أن هنالك نقاش حاد دار بينه و بين توأمه , جاعلًا فيصل يخرج غاضبًا من المنزل , و نحو وجهة مجهولة ..!

يتبع ...





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-09-15, 02:47 PM   #25

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


تابع :

بدأ فيصل بفتح عينيه مرة أخرى مع آذان العصر , و هو يتذكر أنه سمع الكثير من الحوارات أثناء نومه , و لكنه لا يستطيع تذكر التفاصيل ! .. مجرد همسات يظن بأنه سمعها ..

التفت ليجد عبدالرحمن جالسًا يقرأ كتابًا في يده , ثم قال بصوت متعب :

" عبدالرحمن ؟ "..

نهض ذاك مغلقًا الكتاب بين يديه و متوجهًا لرفيقه قائلًا :" الحمد لله على سلامتك .. لقد كدت أموت من الخوف عليك ! "..

ابتسم فيصل بهدوء ثم قال :

" لقد كان عادل هنا هذا الصباح أليس كذلك ؟ "

" نعم , لقد أتى .. استدعيته عندما أصبت بالنوبة , لقد ظننت بأن الوقت قد حان لتلتقيا , لم أستطع الوقوف لوحدي , فاستدعيته ليسندني و يسندك أنت قبلي "..

" أين هو الآن ؟ "..

" لقد رحل الصباح , قال بأنه سيزورك عندما تتسنى له الفرصة "..

" نعم , لقد سمعت ذلك "..

فتح عبدالرحمن عينيه قائلًا :" حقًا ؟ "..

أغمض فيصل عينيه دلالة على الإيجاب , ثم قال :" لقد أمره والدي بتركي أليس كذلك ؟ "..

تردد عبدالرحمن بالإجابة خوفًا على مشاعر صديقه , فقال :" آه , أظن ذلك , لا أعلم "..

" لا بأس يا عبدالرحمن , لقد اعتدت على قسوة قلبه , لقد أنكر وجودي لـ 7 سنوات , فلا أتوقع منه أن يلين و يسامحني الآن , إنه والدي و أنا أعرفه "..

" لا عليك , أنت لست بحاجة إلى أحد , أنا سأكون هنا من أجلك "..

هز فيصل رأسه , ثم قال :" هناك خدمة أريدك أن تسديها إلي , و تستطيع اعتبارها آخر خدمة تقدمها لي "..

" ما هي ؟ "..

مد فيصل يده إلى عبدالرحمن ليساعده على الاعتدال في الجلوس , ثم قال بهدوء :

" أريد أن أكون ميتًا ".. قال فيصل ثم علق ناظريه على الحائط أمامه ..

فتح عبدالرحمن عينيه بصدمة و انعقد حاجبيه , ثم عاد فيصل للحديث قائلًا :

" أريد أن أكون ميتًا بأعين الجميع ! .. و لكن حي أرزق أمامك "..

" تعني بأنك تريدني أن أقنع الجميع بأنك ميت ؟ "..

" نعم , هل تستطيع فعلها ؟ "..

" لماذا قد تريد هذا يا فيصل ؟ من في هذه الحياة يود أن يعيش كـ نكرة ؟ "..

" لا تسأل عن الدوافع يا عبدالرحمن , سأكون مرتاحًا للغاية إن حققت لي ذلك , أريد أن أختفي من ذاكرة الجميع , أن أعيش في الخفاء , أن أدبّر خطط متقنة للانتقام لنفسي , أريد أن أعمل خلف الستار "..

" تستطيع الانتقام لنفسك دون فعل ذلك ! "..

تنهد فيصل ثم رفع عينيه إلى عبدالرحمن بصبر قائلًا :" إن كنت لا تستطيع فعل ما طلبته منك فأخبرني في الحال ! "..

تنهد عبدالرحمن قائلًا :" طالما ذلك سيشعرك بالارتياح , فسأفعل "..

صمت عبدالرحمن قليلًا ثم قال :" و لكن ماذا لو أراد أن يرى عادل و أقاربك الجثة ؟ ماذا سأقول لهم ؟ "..

ابتسم فيصل قائلًا بنبرة غامضة :" أنت بارع في الكذب يا عبدالرحمن , أنا واثق بأنك ستجد مخرجًا لذلك "..

هز عبدالرحمن رأسه و هو يدور في مكانه باحتيار وتفكير ..


**********


( بعد يومان ) ..


رن هاتف عبدالرحمن فرفعه قائلًا :" نعم ؟ "..

" عبدالرحمن , السلام عليكم .. أنا عادل "..

ارتبك عبدالرحمن ثم قال :" وعليكم السلام , عذرًا لم أنظر إلى الرقم عندما رددت على الهاتف "..

" لا بأس , أردت أن اسألك عن فيصل , كيف حاله الآن , هل لا يزال في المستشفى ؟ "..

سكت عبدالرحمن ثم قال بهدوء :" فيصل ؟ "..

خاف عادل من نبرة صديقه ثم قال :" نعم , فيصل .. هل هو بخير ؟ "..

تنهد عبدالرحمن ثم قال :" هناك أمر أريد إخبارك به بشأن فيصل , و لكن أظن أن علينا أن نلتقي , لن نستطيع الحديث عبر الهاتف ! "..

" عبدالرحمن , ماذا حصل ؟! .. لن أنتظر حتى نلتقي ! .. "

" عادل , اهدأ أرجوك , لقد قلت لك علينا أن نلتقي , لا يمكننا التحدث هكذا "..

تلفت أعصاب عادل وهو يقول بصراخ :" عبدالرحمن , إياك و أن تختبر صبري , أخبرني ماذا حصل حالًا ! "..

قال عبدالرحمن بصوت متردد و منخفض :" لقد تعرض فيصل إلى .. إلى نوبة قلبية أخرى "..

فتح عادل عيناه بصدمة قائلًا :" متى حصل ذلك ؟ "..

" قبل يومان "..

قال عادل بسرعة و قلق :" و هل هو بخير ؟ أم ماذا ؟ عبدالرحمن لا تعطيني الأخبار بالتقسيط ! "..

سكت عبدالرحمن ثم همس ببطء :" لـ ـقد مات يا عادل ! "..

كان عادل يقف في منتصف غرفته فجلس على السرير و هو بالكاد يستطيع حمل نفسه , استغرق الأمر ثواني لعادل حتى يستوعب الوضع , فقال ببطء و قد داهم رأسه ألم حاد :

" مات ؟ .. تقولها هكذا بكل بساطة ؟ , لماذا لم تخبرني عن الأمر يوم مماته ؟ .. لماذا انتظرتني لاتصل حتى تخبرني ؟! ".. بدأ عادل بالصراخ و قد تلفت أعصابه كليًا ! ..

" لقد أوصاني فيصل قبيل مماته أن لا اتصل بك أو أخبرك بشيء , لقد كانت تلك وصيته الوحيدة ! .. و لكن أظن أنه من الواجب علي إبلاغك "..

" لم تكن لتخبرني إن لم أتصل عليك الآن ! كنت ستتركني على جهل إلى أجل غير مسمى , إنه أخي , أتفهم ماذا يعني ذلك ؟ لقد مات أخي , و لم ترغب أنت بإخباري بسبب وصية حمقاء ! ".. صرخ عادل غاضبًا من عبدالرحمن و أعذاره الواهية ..

" عادل , إنها وصيته , لم يطلب مني شيء سوى تنفيذها "..

سكت عادل و قد عض على شفتيه بحسرة و ندم , و أغمض عينيه بشدة و هو يقول :" أين هو الآن ؟ في ثلاجة الموتى ؟ "..

تردد عبدالرحمن قائلًا :" لا , لقد دفناه "..

فتح عادل عينيه غير مستوعب للأمر قائلًا :" دفنته ؟ .. و كيف لك أن تتصرف من نفسك بهذا الشكل ؟ كيف استطعت إخراجه من المستشفى دون إذني ؟ كيف سمحوا لك بأخذه للمقبرة ؟! ".. صرخ عادل بشكل استدعى والده إلى الدخول لغرفته و التحقق من أمر ابنه ..

قال عبدالرحمن :" أنا آسف يا عادل , و لكني فعلت ذلك .. لقد طلبت من المستشفى أن يتصلوا على والدك ليستلم الجثة , و لكنه .. و لكنه رفض , فسمحوا لي بإخراجه بصفتي أحد معارفه .."

كان عادل يستمع إلى عبدالرحمن بصدمة , غير مصدقًا أن والده قد يصل به الظلم و القسوة أن يرفض استلام جثة ابنه ! .. نظر عادل إلى والده بنظرات ليس لها مثيل , كانت تحمل الكثير من الحقد و الخزي , الكراهية و النفور ..

تكلم عادل مع عبدالرحمن و لا تزال عيناه معلقة بابيه :" عبدالرحمن , تعال إلى منزلي , و خذني إلى المقبرة حالًا "..

" حسنًا , سأصل خلال دقائق "..

خرج عادل من الغرفة بعدما ضرب كتفه بوالده الذي كان على علم بالأمر , و الذي رفض فعلًا استلام الجثة عندما تلقى اتصالًا من المستشفى .. و لكنه لم يستطع أن يمنع عادل من الخروج و الذهاب إلى المقبرة و الصلاة على أخيه , لم يستطع أن يقسو على عادل أكثر مما فعل مسبقًا ! ..

خرج عادل مسرعًا بعدما تلقى اتصالًا من عبدالرحمن يخبره بأمر وصوله , ذهب الاثنان إلى المقبرة و قد كان الهدوء يسود الأجواء .. كان عبدالرحمن يشعر بالخجل الشديد من عادل , كان يريد أن يتحدث معه و يواسيه , و لكنه خاف أن يتلقى عبارات من التوبيخ و العتاب ! .. و لكن ما أن اقترب الاثنان من المقبرة حتى تحدث عادل قائلًا :

" من قام بالدفن ؟ "..

" أنا و مجموعة من فاعلي الخير , بعدما أخذت جثمان فيصل إلى المسجد , كان هنالك مجموعة من الرجال يصلون على جثمان آخر , فقرروا الصلاة على فيصل أيضًا , و حملنا الجثتان و قمنا بدفنهما سوية "..

" يا للخزي ! .. لقد دفن أخي وحيدًا دون أن يشيعه أحد منا ! .. و كأنه مقطوع من شجرة , و كأنه فعل ذنوب لا تغتفر في حياته "..

" لم أكن أريد لذلك أن يحصل , و لكنها كانت وصيته ! .."

" إنها وصية متهورة و غير عقلانية , و قد زدت أنت الطين بلةً بتنفيذها ! "..

سكت عبدالرحمن غير قادر على نقاش هذا الشاب الغاضب و المتحسر على توأمه ..

نزلا الاثنان إلى المقبرة و مشى عادل خلف عبدالرحمن الذي بدأ يبحث بعينيه عن قبر حديث الإغلاق , و الذي تعلوه تربة رطبة , و ما أن رأى واحدًا حتى أخذ عادل إليه .. !!

بدأ عادل بصلاة الميت , و بدأ بالدعاء الذي تخلله الكثير من الصمت و الإجهاش بالبكاء .. و تلك الرعشات التي جعلت يداه المضمومتان بالقرب من وجهه ترجفان و تتحولان إلى آنية يجمع بها دموعه و حسراته , و يلفظ بداخلها دعاءه و وعوده بعدم نسيانه و دفنه في الذاكرة كما دفن في الأرض ..

انهى صلاته و جلس بضعف على ركبتيه و قد سحب غترته إلى الأرض و بدأ بتجفيف وجهه .. و ما لبث طويلًا حتى أحس بيدي عبدالرحمن على كتفيه و هو يحثه على الصبر و عدم الجزع .. ظل الاثنان صامتان , و مع اقتراب مغيب الشمس , التفت عادل إلى عبدالرحمن قائلًا :

" يمكنك الذهاب يا عبدالرحمن , سأعود بنفسي إلى المنزل "..

" أأنت متأكد ؟ "..

هز عادل رأسه بالإيجاب و أعاد نظره إلى القبر .. و نهض عبدالرحمن متوجهًا إلى البوابة و هو يلتفت إلى عادل كثيرًا , لم يكن يريد أن يرى صاحبه مكسورًا هكذا و يصلي على قبر لمجهول ! .. و أن يملأ وجهه و كفيه بالدموع , و أن يدعو لشخص حي ! .. كان يود لو يستطيع إخبار عادل بكل شيء , و أن يجعله يتوقف عن الحسرة التي هشمت قلبه و كسرته , و لكنه ظل يقول لنفسه أنه لن يخذل فيصل في ما أمره به .. فما تعرض له فيصل كان أشد مما يتعرض إليه عادل الآن , و هذه كانت قناعة عبدالرحمن التي منعته من العودة و فضح أمر هذه الكذبة المتقنة بأكملها ! ..



**********


" أعلم بأن الوقت قد تأخر كثيرًا على الاعتذار , أعلم بأنني لن أستطيع معرفة جوابك , و لكن : هل لا تزال غاضبًا مني ؟ هل سامحتني ؟ هل خرجت منك روحك و أنت مطمئن أم كان الأمر قاسيًا صعبًا ؟ .. هل غسلت روحك بالتوبة قبيل مماتك , أم أنك لفظت بالتوبة عندما بلغت الحلقوم ؟ ..

سأظل أسألك الغفران و السماح حتى آخر يوم في حياتي , سأظل استغفر لك ربك ما دمت لم تشرك به , سيظل لساني يصدح بالدعاء لك و الذكر , سأبذل كل ما عندي من أجلك , سأقيم لك الصدقات الجارية ما دمت حيًا أرزق .. سأظل أحكي للجميع عنك و عن نقاء روحك الذي كنت تخفيه خلف قسوتك و تمردك الدائم , سأخبر الجميع عن ابتسامك التي تظل دائمًا تخفيها خلف حاجباك المعقودان و صوتك الغاضب اصطناعًا ..

سأجعل الجميع يدعون لك سرًا حتى و إن لم يعرفوك , سأجعلهم يتمنون لقاءك في الآخرة , سأرسم لهم أجمل صورة عنك , سأخبرهم بأنك التوأم الوسيم مني , و أنك النسخة الملائكية عني .. سأقنع الجميع و أولهم نفسي بأنك لم تكن عارًا بيوم من الأيام , بل كنت فخرًا و سندًا تمنيت أن يدوم لي طوال عمري .. فلتنعم في الفردوس يا أخي , و ليغفر لك الله ذنوبك , ما علمت منها و ما لم تعلم ..

سأعود .. سآتي لزيارتك كل يوم , سأجعل غرفتك قائمة و كأنك ستعود في يوم من الأيام لتملأها بوجودك , سأطلب من الخدم أن يغسلوا ملابسك كل يوم و يعطروا فراشك , لأنك لم تمت بالنسبة إلي .. ستظل حيًا ما دمت أنا حي .. ستظل موجودًا في حياتي لأني أراك في كل مرة أقف أمام المرآة .. و في كل مرة أمشي بمحاذاة غرفتك .. لعل أجمل ما حصل في حياتي انني توأمك , ففي كل مرة سأشتاق لك فيها , سأنظر إلى المرآة لأراك بدلًا عني , و لكن لا أعلم إن كانت هذه نعمة أم نقمة , لا أعلم إن كانت رؤية نفسي ستطفئ اشتياقي لك , أم أنها ستزيد من حنيني إليك ؟؟ .. نم بسلام أيها المتمرد , ولا تحمل هم العار الذي جلبته , لأنني سأتخلص أنا منه .. "

نهض عادل عن القبر بعدما بلل ترابه زيادة على بلله , و خرج من المقبرة و هو بالكاد يستطيع حمل قدامه اللتان فقدتا قوتهما , و كأنما سار به الدهر 20 عامًا إلى الأمام ..

لم يشعر يومًا بهذا الضعف و الانكسار , و تمنى لو عاد به الزمن يومان فقط ليجلس بجانب أخيه في ساعات حياته الأخيرة ! ..



(( نهاية الفصل 18 )) ..

يلّا يا حلوات , رأيكم و توقعاتكم .. و مين فيكم تقدر تربط لنا الأحداث مع بعض , و تقدر تتوقع الأحداث الجاية ؟؟

بانتظاركم يا حلوات , و دمتوا بحفظ الله و رعياته يارب ..





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-12-15, 10:55 PM   #26

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



السلام عليكم ورحمة الله ..

كيفكم ان شاءالله تمام ؟! .. فصل اليوم يعتبر قصير شوي مقارنة مع اللي قبله ..

يلا نبدأ ؟!

قراءة ممتعة ..








الفصل التاسع عشر ( 19 )
- ما قبل الأخير -






مرت سنتان , و تزوج خلالها عادل من ابنة أحد أصدقاء أبيه .. كانت نية الزواج الأولى هي توطيد العلاقة بين آباء العروسين لتثمر من خلالها أعمالهما المشتركة .. و لكن بعد فترة , كان عادل متيم بزوجته التي تصغره بخمسة سنوات , بعدما كان يراها في البداية مجرد صفقة نجاح لأعمال والده ..
و لكن مع مرور الأيام تحولت ( فرح ) إلى معشوقته الأولى و الأخيرة , كانت هي الوحيدة التي تخفف عليه آلامه على فقدان أخيه مع كامل جهلها بوجوده أصلًا ! ..

أحبت عادل من أعماق قلبها , حتى أتى اليوم التي أصبحت تحمل في أعماقها قطعة منه .. كان حملها بابنها الأول بدر هو الفرحة التي أعادت الحياة للمنزل بعدما كانت تتلبسه الكآبة و الضجر .. كان الجميع يرى السعادة و الحياة متشكلة على هيئة انتفاخ في بطنها ..

مضت فترة حملها ببعض الصعوبة , و عندما حان وقت ولادتها , كان الحياة أنانية للغاية , فلم تكن لتعطي فرح هذا الاسم و الفرحة الحقيقة معًا , فأصبح الفرح هو مجرد اسم لها , و تركت الفرحة خلفها بعدما أخذها الموت عندما كانت تنجب حياة و روح جديدة ! ..

توفيت أثناء ولادتها بابنها , و هي تبلغ من العمر 21 عامًا فقط .. و لم يكن عادل مكسور الجناحين كما كان في يوم وفاتها .. لقد سلمته المستشفى جسدين : حي و ميت , ابنه الجميل , و تلك الجثة الهامدة لزوجته الحسناء ..

جلس على كراسي المستشفى وهو يضم ذاك الصغير إلى صدره , و ما كان يرى في بكاء بدر سوى مواساة له و حزنًا على والدته ..

كان عادل يرى زوجته عبر أغراضها الأنثوية التي تركتها خلفها , و كل تلك التجهيزات التي قامت بها في غرفتها لاستقبال مولودها , و كل تلك الأكياس المملوءة بفساتين ما بعد الولادة و عطوراتها و مساحيق التزيين , لم تكن تلك الأغراض و الألوان الزاهية تزيد عادل سوى حزنًا و سوداوية ! ..

أمضى عادل عدة أيام و هو يضع كل أغراض زوجته في صناديق كبيرة , و يقوم بتغليفها بعناية فائقة , ثم قام بوضعها في غرفة خاصة بالمنزل و أقفلها و منع الجميع من محاولة دخولها أو حتى المرور بمحاذاتها , لقد كانت تلك الغرفة بجوار غرفة فيصل التي قام بإغلاقها أيضًا .. فقد أصبح يرى أن للأموات أحقية الحصول على غرف تخصهم في هذا البيت أكثر من الأحياء ! ..

و لكنه لم يترك من أغراضها سوى عطر صغير كان الأحب إلى قلبها , تركه على طاولة الزينة الخاصة بهما , و قد كان يقوم برش بضع قطرات منه على وسادته قبيل نومه , لم يكن يتحمل انعدام حضورها حتى في الهواء ..

أعاد نظره بعد ذلك إلى طفله الرضيع و الفرحة الوحيدة في حياته : بدر ..

كان يمضي ساعات و هو يلاعب أصابع ذاك الصغير و يجعلها تتلمس وجهه و ملامحه , كان يجهل تمامًا كيفية الاهتمام بطفل .. فتركه في الأشهر الأولى مع أم زوجته و أخواتها , فأحسنّ رعايته و الاهتمام بشؤونه , و ما أن بلغ بدر السنتان , حتى أصبح عادل يتركه عندهم في أوقات عمله فقط , و يعود لأخذه منهم عندما يحل الليل و يعود لمنزله ..

و لكن الحياة لم تنتظر جِراح عادل لتلتئم , بل زاد عليها جرح آخر مزق روحه بالكامل .. كانت وفاة والده هي الشعرة التي قسمت ظهره , فقد حولته فجأة إلى رجل بقلب عجوز يائس .. فقد الأخ, الزوجة ثم الأب خلال 4 سنوات فقط .. !

لم يكن عادل ليحتمل كل هذا لوحده .. كان يريد سندًا قويًا غير ذاك الذي يزوّده به أصحابه و أقاربه , كان بحاجة إلى من يمسك يده حين يصبح و يحين يمسي و يخبره بأن هذه هي الحياة و إن جارت عليه و أهلكته !

حاول التفكير في الزواج مرة أخرى , ولكنه شتم نفسه لمجرد التفكير , لم يعد يثق بأحد أو بأي شيء , و لن يترك امرأة غريبة تعتني بحياته و حياة ابنه ..

لم يكن أمامه سوى أن يحمل كل الأعباء على ظهره , و أن يهرب مما يحصل حوله من خلال الغرق التام و الصامت في العمل ! ..

فقد قرر استلام أعمال و شركة والده بالكامل , و بذل عمره فيها لعلها تعطيه راحة البال ..
و أما من الناحية الأخرى , فقد كان لا يسمح لأي أحد أن يتولى رعاية و تعليم ابنه سواه .. فمنذ كان بدر ذو الثلاثة أعوام , كان والده في أوج شبابه .. فقد كان يأخذه معه أينما ذهب , حتى و إن تسبب له بالإزعاج ..

و كلما كبر هذا الطفل في العمر , كلما رأى فيه عادل الحياة بالكامل .. حتى صار رجلًا في 21 من عمره , يحمل وسامة عمه , لطف أبيه , عينا والدته و القليل من إصرار و عناد جده ! ..


********


في الطرف الآخر من العاصمة , الطرف المظلم شبه المجهول , حيث تقع أغلب الجرائم و يسكن أغلب الوافدين و العمالة الأجنبية , كان هناك من يشابه عادل و يناقضه بنفس الوقت ! ..

بعدما اعتبره الجميع ميتًا , قرر الانتقال من منزل عبدالرحمن بعد مسرحيته المتقنة تمامًا إلى شقة مجهولة العنوان و مظلمة الممرات في أعلى أحد العمائر في جنوب الرياض ..

كان عبدالرحمن لايزال شديد الولاء لفيصل , فبعد سنوات من العمل في وظيفته و الارتقاء الملحوظ في عمله , كان يجني الثمار و يقدمها لفيصل على طبق من ذهب .. !

كان يحس بالشفقة تجاه رفيقه , فقد كان يعطيه من المال ما يشتهي و يتمنى , و على الرغم من الحالة النفسية لفيصل التي تجعله يشتم الجميع و يتعارك مع الكل و أولهم عبدالرحمن , إلا أن ذلك لم يجعل صديقه يتوانى لحظة في مساعدته في كل ما يريد .. فقد كان عبدالرحمن يدفع أجر الشقة , و يحضر له المؤونة بشكل أسبوعي, و يغرقه بكل ما يشتهي من المال و غيره ..

إلا أن فيصل كان يأخذ هذه الأموال من جهة , و يسكبها بالكامل على المخدرات و النساء من جهة أخرى , حتى غرِق فعليًا ! ..

و في نفس الوقت , كان عبدالرحمن على صحبة ممتازة مع عادل , فقد كان عادل يعتبره الوحيد الذي يحمل له ما يجهله الجميع , أخوه فيصل ..

كان يحس بوجود فيصل في كل مرة يتحدث أو يجالس عبدالرحمن , كان يشعر و كأن توأمه يتوسط المكان و يتحادث معهم تمامًا مثلما كانوا يفعلون قبل 12 سنة في دراستهم الثانوية , حين كانوا ثلاثتهم على أقوى صلة من الصداقة ..

ولكن أتى ذاك اليوم الذي سأل فيه فيصل عبدالرحمن سؤالًا غيرت إجابته حياة الجميع ! ..


" عبدالرحمن , ما حال عادل ؟! ".. سأل فيصل و هو مستلقي على الأريكة بجانب صاحبه ..

" في أفضل حال , إنه يعيش مجده بالكامل , ذاك المجد الذي كان من المفترض أن يكون لك نصيب منه ! "..

اعتدل فيصل في جلسته و هو يقول :" ماذا تعني بـ يعيش مجده ؟! "..

" بعد وفاة والدك , أخذ الورث بالكامل , و الشركات و كل الأملاك .. "

هز فيصل رأسه بشرود وهو يقول :" و أنت , ما رأيك في الوضع ؟ "..

" رأيي واضح ! .. أنا لست راضٍ أبدًا بحالك يا فيصل , انظر حولك , أهذه حياة يعيشها المرء في عز شبابه !؟ "

قال عبدالرحمن و هو يمسك بملابس نسائية كانت مرمية بجانبه , و قد تركتها إحداهن بعد خروجها من عند فيصل ..

أكمل كلامه قائلًا :" كيف ترضى لنفسك هذه الحياة و توأمك يمتلك حقك و حقه من هذه الدنيا و أكثر ؟! "..

قال فيصل وهو يعود للاستلقاء :" لم يكن ليأكل حقي إن علِم بأنني حي إلى الآن ! "..

" لا تبرر له الأعذار , لقد خذلك كثيرًا ! .. "

" و أنا تعبت كثيرًا , لم أعد أكترث لشيء "..

" لا تفقد شهيتك تجاه الحياة , على الأقل لا تفقد شهيتك تجاه حقك من الحياة ! "..

" لقد تنازلت عن حقي عندما اخترت الموت ! "..

" ولكن .. " قال عبدالرحمن وهو يسترجع شيء في عقله .. " ولكنك عندما اخترت أن تكون ميتًا , أخبرتني بأنك تريد ذلك حتى تتمكن من العيش خلف الستار و التخطيط للانتقام على مهل ! "..

أغمض فيصل عيناه وهو يقول :" بالضبط , هذا ما أفعله الآن , و هذا ما سيحصل , ولكن صبرًا جميلًا , صبرًا جميلًا يا عبدالرحمن "..

صمت عبدالرحمن و ساد السكون للحظات , ثم قال بخفوت :" بالحديث عن ذلك ... " ثم أكمل بشيء من التردد :" هل حضرت جنازة والدك "..

" لم يحضر هو إلى جنازتي , و بالإضافة : أنا ميت , كيف لي أن أفعل ذلك ؟ "..

هز عبدالرحمن رأسه مبتسمًا على قناعات صاحبه المريبة !


********


مرت السنوات , و قد أصبح التوأمان في منتصف الأربعين , وقد شارفا على الوصول إلى نقطة تحول شديدة في حياة كلاهما ! ..

ازدهرت تجارة عادل في شركات المعادن التي استلمها من بعد والده , و أتى ذاك اليوم الذي وظّف فيه سكرتير جديد يمتلك الكثير من الكفاءات , و القليل جدًا من الولاء .. !

استلم سلطان منصبه هذا بالكثير من الشغف و الأطماع , لقد رفع رأسه عاليًا , فكُسرت رقبته و طُعِن ظهره ! ..

بعد عمله لفترة قصيرة لصالح عادل , كان قد استيقن بأن عبدالرحمن يمتلك مكانة خاصة لدى رئيسه , فقد كان دائم القدوم للزيارة , بشكل أسبوعي أو شهري أحيانًا .. و عرف عنه الكثير بعدما كان يستمع سرًا إلى أغلب أحاديثه مع عادل من خلال باب المكتب الفاصل بينهم ..

و لكن بعد أشهر طوال , أتى ذاك اليوم الذي وضع سلطان في كل ما حصل له , و الذي جعله يدفع ثمن فضوله دماءً غزيرة ! ..

كان سلطان يرتب مكتبة عادل و يبحث عن بعض الأوراق بين الكتب , حين لمح طرف صورة قديمة و ممزقة الأطراف قد دسّت بين صفحات أحد الكتب ! ..

نظر سلطان إلى المكان حوله بهدوء ثم أعاد نظره للكتاب و هو يسحبه و يُخرج الورقة بهدوء و صدمة عظيمة ! ..

لقد كانت صورة قديمة باللون الأصفر و البني الباهت تجمع أخّين توأمين يلبسان نفس الثياب , و قد كانا في السابعة أو الثامنة من عمرهما .. ! عقد سلطان حاجبيه و هو يدقق النظر " إنه عادل ! ".. قال بهمس لا يُسمع :

" وهذا الذي بجانبه , أهو توأم ؟؟! "..

استغرب سلطان الوضع وهو يقلب الصورة بين يديه , فلمح كلامًا مكتوبًا بخط قد خفف من لونه الزمن , وقرأ :

" عادل و فيصل , الصف الأول الابتدائي .. "

ولكن سلطان اهتز في مكانه بعدما سمع صوت خطوات قادمة , أعاد الصورة بسرعة البرق و قام بترتيب كل شيء و كأن شيئًا لم يكن ! .. و لكنه تفاجأ بدخول عبدالرحمن إلى المكتب بدلًا من عادل ..

" سلطان , السلام عليكم ".. قال عبدالرحمن بنبرة سريعة

" و عليكم السلام , أهلًا أبا سعود "..

" أين عادل , هل حضر اليوم ؟ "..

" نعم , إنه في اجتماع في الدور الثالث , من المفترض أنه انتهى منذ خمس دقائق ".. قال سلطان وهو يتوجه إلى أحد الكراسي و يزيح الوسادات عنها قائلًا :" تعال و ارتاح هنا , سيأتي عادل في أي لحظة "..

جلس عبدالرحمن , و سأله سلطان :" هل تود أن تشرب شيئًا ؟ "..

" لا شكرًا .. سأنتظر عادل , عد أنت لعملك و لا تكترث لوجودي "..

هز سلطان رأسه بابتسامة و هو يعود إلى رف الكتب , و لكنه كان يلتفت كثيرًا إلى عبدالرحمن بين الفينة و الأخرى , و ما أن تلتقي أعينهما , حتى يبتسم سلطان بسرعة و إحراج , و يعود إلى ما كان يفعله ..

قال عبدالرحمن بصوت واثق :" أتريد سؤالي عن شيء يا سلطان ؟ "..

رفع ذاك رأسه ببلاهة و هو يقول :" عذرًا ؟! ".. و قد احمرّ وجهه

" هيّا تكلم , ماذا تريد ؟ "..

هز سلطان رأسه دون أن يضع عيناه على عبدالرحمن وهو يقول :" لا, لا شيء ! "..

" لا تجعلني أشك في فراستي ! .. أستطيع رؤية بعض الكلام على شفتيك , هيّا تحدث لا أحد هنا ! "..

أغلق سلطان ملفًا كان في يده وهو لا يزال يخفض عيناه بشرود , ثم رفع رأسه قائلًا :

" إن كنت لاتزال مصرًّا ! .. أريد سؤالك عن أمر ما ولكن ... دون أن يعلم عادل "..

" نعم بالتأكيد , لا عليك "..

" إنه أمر خاص به بعض الشيء و لكنه لم يفصح يومًا عنه ! "..

رفع عبدالرحمن حاجباه باستغراب , فقال سلطان :" هل لعادل أخ ؟ "..

سكن عبدالرحمن في مكانه و قد سرت رجفة في جسده , وقد حدث نفسه قائلا : " ماذا يعلم هذا الفتى عن فيصل ؟ و لماذا يسأل عنه ؟ و كيف عرف بوجوده أصلًا !! "..

قال عبدالرحمن بشيء من التردد :" لــ لماذا تسأل ؟ "..

قال سلطان بنبرة أشبه بالهمس :" لقد .. لقد وجدت للتو صورة !.. صورة قديمة تجمع عادل مع فتى آخر شبيه به للغاية ! "..

هز عبدالرحمن رأسه و هو يقول :" نعم , لقد كان له أخ , توأم "..

" كان ؟؟ "..

" نعم , كان ذلك من وقت بعيد مضى .. لقد توفي قبل 22 عامًا "..

قال سلطان بصدمة :" أوه , هذا .. هذا مؤسف حقًا ! .. رحمه الله و غفر له "..

ردد عبدالرحمن :" رحمه الله "..

قال سلطان :" عذرًا , لم أعني التطفل , ولكن خرجت تلك الصورة أثناء بحثي بين الكتب و .. " سكت سلطان فجأة ثم قال :" و لكن غريب , لم يذكر عادل قط أن كان له أخ ! "..

قال عبدالرحمن و هو ينهض بانزعاج :" و لم قد يذكر ذلك ؟ لقد توفي أخاه و انتهى الأمر ! "..

توجه عبدالرحمن نحو الباب , فتبعه سلطان مسرعًا و هو يقول :" أسترحل ؟ .. لم أقصد ازعاجك بهذا الموضوع , أنا أعتذر .. "

التفت عبدالرحمن و هو يبتسم بمجاملة واضحة ويقول :" لا , لم أنهض بسبب ذلك .. ولكن تذكرت بعض الأمور التي يجب علي فعلها .. "

لم يصدق سلطان ذلك , و لكنه تركه ليرحل على أي حال .. و ما أن غادر ذاك المكتب , حتى عاد سلطان إلى عمله و ذهنه مملوء بالأسئلة ..


********


كان فيصل يجلس بانتظار عبدالرحمن ليأتي , بعدما هاتفه قائلًا بأن هناك أمر مهم يدور في باله , و قد حان وقت تنفيذه .. و ما أن وصل ذاك حتى بدأ فيصل بالحديث :

" لقد حان الوقت "..

" وقت ماذا ؟! "..

" أن نتعادل أنا و أخي في نصيبنا من الحياة "..

ملأت علامات الاستفهام وجه عبدالرحمن , فأكمل فيصل قائلًا :" أريد الأخذ بثأري "..

تراجع عبدالرحمن في كرسيه وهو يقول :" لماذا الآن ؟ .. لقد مضى وقت طويل أليس كذلك ؟ "..

" لا , هذا هو الوقت المناسب , أريد أن أجعل عادل يصل إلى القاع .. أن يتحطم كليًا , هو و من معه !! "..

" ولكنك لم تجبني , لماذا قررت فعل هذا الآن ؟ "

" بسبب بدر .. ! "..

استغرب عبدالرحمن قائلًا :" و ما شأن بدر ؟ أنت تريد أن تطيح بعادل ! "..

" لا .. أريد أن يصل الضرر إلى ذاك الشاب أيضًا , أريده أن يستشعر هو و والده معنى العار الذي شعرت به منذ سنين .. لن أكتفي بعادل , أريد أن أقحم الجميع في ذلك , الجميع ! "..

سكتا الاثنان لبرهة , ثم تكلم عبدالرحمن قائلًا :" حسنًا , أنت تعلم بأني كنت أنتظر قرارك هذا منذ زمن بعيد , لعله يخفف قليلًا مما تعانيه .. قل لي ماذا ستفعل بالضبط .. ؟"

استراح فيصل في جلسته و هو يخرج من جيب ملابسه 4 صور ! ..

رماها في حضن عبدالرحمن وهو ينتظر علامات الصدمة على وجهه ... أمسك عبدالرحمن بالصور و هو يحدق فيها بمفاجأة و بحاجبين معقودين , ثم رفع رأسه باتجاه صاحبه الذي كان يبتسم بمكر ..

سأل عبدالرحمن بهمس :" أهذا أنت الذي في الصور ؟ "..

" و من سيكون إذًا ؟! عادل ؟! .. ذاك الجبان يخاف حتى من ظله , أتعتقد بأنه سيغامر و يضع نفسه في هذه الأماكن و بين هؤلاء الحسناوات ؟! "..

" لا تقل بأنك ... " سكت عبدالرحمن و هو ينتظر إجابة من فيصل ..

" نعم , هذا ما سيحصل .. أنت الوحيد الذي يعلم هوية صاحب الصورة , أما الآخرون ... فـ لا "

سكت فيصل لثواني و هو يرفع كتفيه بعفوية ثم قال :" الآخرون لا يعرفون سوى شخص واحد يمتلك هذا الوجه "..

" يبدو ذلك ... عادِلًا للغاية ".. سكت عبدالرحمن ثم أكمل :" و لكن كيف ستنشرها ؟ "..

" هنا يأتي دورك , أنت على معرفة أقوى بعادل , ستعرف جيدًا كيف تنشرها , أنا متأكد بأنك ستجد الطريقة المثلى للنشر "..

" لا تقلق , سأفعل كل ما في وسعي .. "

" انتظر لحظة ".. قال فيصل وهو ينهض و يتجه إلى الغرفة ويعود حاملًا ظرف صغير مربع الشكل .. أعطاه لعبدالرحمن و عاد للجلوس ..

رفع عبدالرحمن حاجباه بابتسامة و هو يقول :" وما هذا أيضًا ؟! "..

ابتسم فيصل قائلًا :" إنها هدية مع الصور , ستعجب الجميع أنا متأكد "..

" و ما محتواها ؟! "..

" عليك أن تراها بنفسك , سيفسدها شرحي "..

طرق عبدالرحمن الصور و الظرف على فخذه ببعض التوتر و هو يقول :

" طالما أنت مرتاح لهذا الأمر , سنفعله .. و لكن هل فكرت جيدًا فيه ؟ .. أعني العواقب ؟ .. "

أخذ فيصل نفسًا عميق ثم قال و هو يزفر :" بالتأكيد , ستكون هناك عواقب وخيمة , وخيمة للغاية .. و لكن لن يمسني شيء منها .. "

هز عبدالرحمن رأسه بشرود و هو متوتر بعض الشيء من قرار فيصل هذا ! ..


(( و بعد عدة أسابيع ))


أتى عبدالرحمن إلى فيصل و أخبره بشأن الفتية الذين وضعوا مبالغ مادية في أماكن متفرقة من مدينتهم , ثم أعلنوا عن مواقعها في أحد شبكات التواصل الاجتماعي .. !!
اقتنع فيصل بهذه الفكرة سريعًا , قائلًا بأنها ستكون رائعة خصوصًا إن انتشرت أسماء المواقع من حساب عادل نفسه !! ..




يتبع ...





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-12-15, 10:57 PM   #27

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

تابع ..




**********


بعد عدة أيام .. و بينما كان السكرتير سلطان كثير التوجه لأصدقائه في استراحتهم .. لاحظ قدوم عبدالرحمن المتكرر لعمارة قديمة في جنوب الرياض حيث يجتمع أصحاب سلطان ..

و عندما بلغ الفضول أقصاه لديه .. قرر ملاحقة عبدالرحمن إلى آخر الطريق , و رؤية ما الذي يخفيه حقًا .. و هنا حيث ذهب ورائه إلى تلك العمارة و تبعه إلى أعلاها , و وقف أمام ذاك الباب الحديدي المملوء بالصدأ و الذي يعلن انتهاء السلالم .. !

و ما أن وضع سلطان اذنه على الباب ليستمع إلى الحديث الغامض الذي يدور بالداخل ; حتى انفتح الباب بنفسه بعدما استند سلطان إليه بقوة .. لم يعي سلطان ما الذي حدث إلا عندما وجد نفسه قد دخل إلى الشقة سريعًا بفعل الباب الذي انزلق إلى الداخل ساحبًا سلطان معه .. و هناك بالضبط , رأى عبدالرحمن يجلس بجانب رجل لم يتوقعه سلطان أبدًا .. رأى فيصل , التوأم القاسي من مديره عادل .. و قد عبرت رأسه تلك الصورة التي وجدها في المكتب ! ..

قال في نفسه :" ولكن عبدالرحمن قال أن هذا الأخ ميت , منذ 22 عامًا !! "..

ارتبك سلطان و قد ملأه الخوف من رأسه إلى أخمص قدميه .. " ما الذي سأفعله الآن ؟! .. يا للورطة ! .. كنت أريد أن أسمع ماذا يدور هنا في الداخل , وليس الدخول ! .. يا لحماقتي و فضولي اللعينين ! .. ".. أخذ سلطان قراره و عرف أن هذه المواقف ليس لها حل سوى الهرب ..

و ما أن وثب سلطان خارجًا نحو السلالم , حتى أحس بيد حديدية تمسك بياقة ثوبه من الخلف و تسحبه إلى الشقة مجددًا , كان سلطان يستطيع الحلف بأنها أقوى يد عرفها منذ أن ولد ! .. لقد تم سحبه خلال أجزاء من الثانية , و لم يعي ما الذي حصل , و لا كيف استطاع ذاك الضخم سحبه .. استغرب سلطان نفسه و كيف أنه لم يقو على المقاومة .. عرف سلطان أن هذا الرجل الشبيه بمديره هو رجل ذو بأس شديد , و قد قرر سلطان أن ينطق بالشهادتين عندما رأى نفسه مسحوبًا كأضحية العيد على بلاط بارد و من قِبل شخص لا يعرف ما الذي تعنيه " الرحمة" ..

قام فيصل برمي سلطان في وسط غرفة الجلوس بشدة , فأحس ذاك بوخز قاتل يعبر عموده الفقري .. تأوه سلطان بألم , و لكنه عض على شفته حابسًا آهاته عندما رأى ذاك الضخم يقترب منه بقبضة مشدودة , تراجع سلطان إلى الخلف بضعف ولكن فيصل كان أسرع منه , فقام بالدوس على قدم سلطان مانعًا إياه من التحرك , ثم نزل على ركبتيه بهدوء قائلًا :

" أستطيع أن أحكم قبضتي حول رقبتك و أن أدقها خلال ثواني , و لكن أفترض أنك قطعت كل هذه السلالم بحثًا شيء مهم , أليس كذلك ؟ "..

رفع فيصل حاجبه الأيمن بانتظار .. فقال سلطان وهو يتلعثم :" أ أأ أنـ ــ ـا , ممــ "..

قام فيصل بسرعة بسحب الشماغ عن وجه سلطان أمام نظرات عبدالرحمن المصدومة , و الذي كان واقفًا خلف فيصل بصدمة من كل هذا الذي حدث في أقل من 10 ثواني ! ..

قال عبدالرحمن بهمس :" سلطان ! "..

نظر سلطان إليه بارتباك ثم اخفض عيناه .. التفت فيصل إلى عبدالرحمن قائلًا :" أتعرفه ؟! "..

" هذا , أقصد نعم .. إنه , إنه سكرتير عادل ! "..

التفت فيصل إلى سلطان بسرعة و عيناه تحملان الكثير من الغضب , فامسك بياقة ثوبه وهو يقول :
" ما الذي أتى بك إلى هنا , هـــاه ؟ من الذي أرسلك ؟ عادل ؟ .. هل يعلم عادل بأمري ؟ .. أجبني أيها الحقير ! "

قال فيصل و هو يضغط بشدة على أسنانه , ثم وجه لكمة قوية باتجاه فم سلطان , و الذي صرخ بألم شديد , ثم قال بعد ثواني و هو يتنفس بصعوبة و قد أصابه دوار :

" لا , لــ لا يعلم , لــ لم يرسلنــ ـي إلى هــ هنا .. أنا .. أنا جئت بنفسي "..

أفلت فيصل سلطان فسقط ذاك على ظهره بإنهاك شديد و هو يبصق دماءً .. قام فيصل بركل ساقه بخفة و هو يقول :

" انهض , هيّا .. أمامنا الكثير لنتحدث عنه .. انهض أيها الفتاة , لم تكن تلك اللكمة مؤلمة على ما أظن ! "..

اتجه عبدالرحمن نحو سلطان و هو يساعده على النهوض و وضعه على أحد الكراسي في الغرفة و هو يهمس له :

" ما الذي أحضرك إلى هنا .. هل كنت تتتبعني ؟! .. أظن بأنك كذلك ! "..

ظل الثلاثة صامتين يحدقون إلى بعض , فتكلم سلطان ببطء بعدما هدأ الألم في فمه , فقال :

" لقد , لقد سمعت ما كنتما تتحدثان عنه .. ! "

" أنعتبر هذا تهديدًا من نوع ما !؟ ".. قال فيصل و هو يتجه إلى سلطان بهدوء ..

" اعتبراه ما شئتما .. و لكن , أنا معكما "..

نظر فيصل إلى عبدالرحمن ثم أعاد نظره إلى سلطان قائلًا :" ماذا تقصد ؟ "..

بلع سلطان ريقه وقال بابتسامة :" لقد كنتما تتحدثان عن انتقام ما .. انتقام من عادل أهذا صحيح ؟ "..

صمت فيصل بانتظار سلطان أن يكمل كلامه , فقال ذاك :" على أية حال .. يبدو الأمر شيق , و أريد الدخول معكما فيه "..

تحدث عبدالرحمن قائلًا :" حسنًا , أصبت .. هناك تخطيط لانتقام من عادل , و لكن ما الذي يجعلنا نقبل بك كواحد منا ؟! "..

مسح سلطان بعض الدماء التي كانت على طرف شفتيه وقال بثقة :

" لأنني و ببساطة : سلاح ذو حدين ! ".. و نظر إلى فيصل قائلًا :" أنا سكرتير عادل , أتعلمون ما الذي يعنيه ذلك ؟ أستطيع خدمة خطتكما و إعطائكم كل ما تريدونه من معلومات أو ممتلكات لعادل , إنه يثق بي جدًا .. و في الوقت نفسه , أستطيع الخروج من هنا و إخبار عادل أنني وجدت أخاه العزيز في مكان قذر و هو حي يرزق ! "..

قال فيصل بابتسامة :" تستطيع فعل الأمر الأول , ولكن الثاني .. ستكون ميتًا قبل أن تفكر فيه حتّى ! "..

قال سلطان :" إذًا , نحن على اتفاق ؟! "..

كان فيصل يفكر بالأمر , سيكون هذا السكرتير الأحمق مفيدًا لهما , مفيدًا جدًا , و لكنه خطير بنفس الوقت .. ولكن فيصل رأى بأن يجعله معهم , و يتخلص منه في أقرب فرصة ..

" لم تقل لي ماذا تريد بالمقابل ؟! ".. قال فيصل و هو يجلس على أحد الكراسي مقابلًا لسلطان ..

" في الواقع , الراتب الذي استلمه من عادل , لا يكفي احتياجاتي الخاصة .. أريد منكما مبلغًا و قدره مقابل كل خدمة سأسديها "..

هز فيصل رأسه وهو يفكر ثم قال :" حسنًا , إن المال لا يشكل أية مشكلة بالنسبة لي , ولكن السؤال هو : كيف لي أن أثق بك ؟ .. لابد من وجود شيء ما ليؤكد لي رغبتك الخالصة في الخوض معنا " ..

صمت سلطان لدقيقة و هو يفكر , ثم قام بإدخال يده في جيبه و أخرج مفاتيح سيارته و قد علق معها مفتاح آخر , سحبه من الحلقة ببطء ثم رماه باتجاه فيصل الذي التقطه بسرعه ..

" ما هذا ؟ ".. سأل عبدالرحمن

" إنه نسخة وحيده من مفاتيح منزلي "..

رفع فيصل نظره إلى سلطان و قال :" أتريدني أن أعتبر مفاتيح بيتك كعربون ثقة بيننا ؟ "..

" إن زوجتي و ابنتي الصغيرة هناك "..

عقد فيصل حاجباه بغضب , و قال :" أتعرض حياة أسرتك على غريب تعرفت عليه للتو فقط من أجل المال ؟! "

نهض سلطان ببطء و هو يقول :" أنا أثق بأنك لن تؤذيهن أبدًا , و كذلك أنت , عليك أن تثق بأنني لن أخذلكما في في شيء أبدا "..

نظر فيصل إلى عبدالرحمن , فأعطاه ذاك إيماءة برأسه .. ثم قال فيصل :" إذُا , نحن متفقون الآن "..

نهض سلطان للخروج و لكنه التفت إلى عبدالرحمن قائلًا :

" بالمناسبة , نعم كنت أتتبعك , لقد أثار فضولي رؤية سيارتك هنا كل يومان ! "..

ثم استدار و خرج من العمارة و عاد إلى منزله وهو يفكر , هل إعطاءه مفاتيح منزله لهذا الغريب هو أمر صحيح ؟ أم أنه كان متهورًا للغاية ؟! .. نفض هذه الأفكار عن رأسه و هو يقول أن فيصل يحتاجه بشدة , ولن ينقض الوعد بينهما و يؤذي أسرته ..

ولكن عندما وصل , طرأت في ذهنه تلك القصة التي حكاها له أخوه الطبيب خالد , اتصل عليه بسرعة و هو يسأله :

" خالد , السلام عليكم "

" أهلًا سلطان , وعليكم السلام , ما الأمر , إن الوقت متأخر ! "..

" لا لا , لا تقلق .. لقد كنت أفكر في تلك الحادثة القديمة التي حصلت لك , عندما كنت طبيب امتياز ! "..

" أي حادثة ؟ .. أوه نعم نعم , تقصد الشاب الذي أصابته جلطة ؟ "

" بالضبط , لقد ذكرت لي أن أخاه و صاحبه كانا معه أليس كذلك ؟ .. أتتذكر أسمائهم ؟ "..

" في الواقع لا أعلم , لقد كان ذلك منذ زمن بعيد ! .. 20 أو 22 سنة , لا أظن أنني أتذكر "..

" خالد أرجوك , حاول "..

" لم أنت مهتم إلى هذا الحد ؟ "

" سأخبرك لاحقًا , أريدك أن تتذكر الأسماء , هل يمكنك ؟ "..

" انتظر لحظة , لقد كان واحد منهم اسمه عبد ... عبدالله ؟ لا لا ليس عبدالله .. أظن بأن اسمه عبدالرحمن ! , ولكن لا أتذكر أهو الأخ أم الصديق ! "..

ابتسم سلطان لذلك وقال :" حسنًا هذا جيد , و الآخر ؟ "..

" لا أعلم , لقد نسيت حقًا , و قد أيقظني اتصالك للتو , فمن البديهي أن تكون ذاكرتي في الحضيض ! "..

" أكان اسمه عادل ؟ "..

صمت خالد لثواني و هو يتذكر ثم قال وقد تفاجأ من أخيه :" نعم .. نعم , صحيح , أظن أنه كان الأخ , كيف عرفت ؟ "..

" قلت لك سأخبرك لاحقًا عندما نلتقي , آسف على هذا الاتصال المتأخر "..

" أنت تثير ريبتي فعلًا ! ".. قال خالد و هو يتثاءب " على كل حال , تصبح على خير "..

كانت لدى سلطان ذّرة صغيرة من الشك في أن يكون فيصل و عادل أخوة , و لكن هذا الشكل قد اختفى كليًا بعد هذه المكالمة , و الصوة التي رآها ! ..


**********


ظل فيصل , عبدالرحمن و سلطان يجتمعون كثيرًا حتى استطاعوا إحكام خطة جيدة و وضع النقاط على الحروف .. و كان أول أمر فعلوه هو القيام باختطاف عادل بطريقة هادئة و غامضة جدًا ..

كان ذلك عندما قام فيصل بسرقة سيارة قديمة من الحي الذي يسكنه قبيل صلاة العشاء , في يوم عرس سعود , ابن عبدالرحمن الكبير .. و قام فيصل بإزالة لوحات السيارة سريعًا و اتجه إلى طريق الخرج , بعدما اخبره سلطان أن عادل قد غادر منزله للتو و أنه متجه إلى الخرج من أجل العرس .. قاما الاثنان باللحاق بعادل بهدوء دون أن يثيرا أي انتباه ..

و عندما أصبحت الساعة التاسعة و الربع , كان عادل قد أغلق هاتفه بعدما اتصل عليه عبدالرحمن ليسأله عن مكانه , و قد تبقى له 10 كيلومترات للوصول .. بعد ذلك بعدة دقائق , شعر عادل باصطدام شديد على خلفية سيارته , مما أدى إلى ضرب رأسه بالمقود بقوة , ضغط بشدة على المكابح و توقفت السيارة , و كذلك السيارتين اللتان كانتا خلفه ..

نزل سلطان و فيصل و هم مغطين أوجههم بأشمغتهم و أخرجوا عادل من سيارته و أغلقوا فمه ببعض القماش , حاول تحرير نفسه و لكنه تلقى لكمة قوية على وجهه أفقدته وعيه , وضع الاثنان عادل في صندوق سيارة سلطان , و تركا السيارة المسروقة خلف سيارة عادل , و صعدا إلى سيارة سلطان و تولى فيصل القيادة بينما جلس سلطان بجانبه .. عادا بسرعة إلى الرياض في أقل من ساعة و هم يقودون بسرعة جنونية , ثم وصلا إلى شقة فيصل و حملا عادل إلى الأعلى دون أن يراهما أحد , و قد كانت العمارة منزوية في أحد الأحياء المظلمة ..

أحكما القيود حول معصمه و ربطاه على كرسي في غرفة صغيرة في الشقة .. ثم غادر سلطان المكان على الفور متجهًا إلى منزله .. تاركًا عادل بين يدي فيصل وهو ينتظر خبر وفاته ! ..



**********


و الآن , وبعد هذه الأحداث بيوم واحد فقط , أقحموا الابن الشاب "بدر" في متاهة و آلام لن ينساهما أبدًا .. وهو ينام الآن كالميت في شقة ما , يرافقه العقيد السيف الذين وعد نفسه بمساعدة هذا الفتى الذي يذكره بابنه كثيرًا ..


الساعة 12:00 بعد منتصف الليل :


توقفت سيارة الأجرة أمام منزل عاش فيصل الكثير فيه ! .. نزل و اتجه إلى الباب .. باب منزل عبدالرحمن !

هذا المنزل الذي استقبله عندما بدأ كل شيء , و الذي آواه عندما كان في أشد حالاته اكتئابًا و حزنًا .. و ها هو الأن يحوي في داخله توأمه ..

دخل فيصل إلى المنزل الذي نسخ مفتاحه سرًا بعدما أخذه من عبدالرحمن , و اتجه إلى الغرفة التي أمر سلطان أن يضع عادل فيها ..

دخل إليها و رأى أخاه مستلقيًا على الأرض كالميت , كان العرق ينزل من كل مكان في جسده , و هو يرجف بشدة و قد ازرقت شفتاه , علم فيصل أن معدل السكر قد انخفض جدًا , ولكنه اشترى له الأدوية اللازمة قبل أن يجيء , و احضر له بعض الطعام و السكريات التي ستعيده لوضعه الطبيعي ..

كان فيصل قد فكر في كل ما سيقوله لينهي الأمر مع أخيه , لينهي كل شيء حصل من قبل .. ليخبره عن كل ما يجول في رأسه , و السبب الحقيقي وراء كل ما يفعله تحت مسمى " انتقام " .. !!!


....



نهاية البارت ..

أتمنى أنه أعجبكم .. تراني شديت على نفسي قد ما أقدر عشان أخلصه لكم اليوم , أول مرة أخلص فصل و أراجعه و أنشره بنفس اليوم , لكن حسيت أني تأخرت عليكم , لذلك سويت كل اللي أقدر عليه ..

يلا عاد لا تحرموني من توقعاتكم و تحليلاتكم


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-01-16, 04:26 PM   #28

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


\\

السلام عليكم ورحمة الله ..

وصلت إلى نهاية الطريق مع روايتي الأولى , أقدم لكم الفصل الأخير .. اللي رح ينهي كل التساؤلات .. على الرغم من الملل و التفكير الكثير بالرواية , إلا أني ما قدرت أتركها مو مكتملة .. أكره الأمور المعلّقة .. يلّا نبدأ :

قراءة ممتعة ..





الفصل 20
- الأخير -




5:01 صباحًا ..

استيقظ بدر وهو بالكاد يستطيع أن يفتح عيناه .. استغرب المكان الذي هو فيه ..

جلس و هو يلتفت حوله حتى وقعت عيناه على العقيد سيف , الذي كان مستلقيًا بتعب على الأريكة المجاورة .. قام بدر بفرك عينيه بألم و هو يتذكر أحداث البارحة :

" يا لها من ليلة ! .. لم أشهد ليلة أكثر صخبًا من البارحة , سافرت إلى الخرج ثم عدت و قمت بالبحث عن مغلفات لعينة , ثم بعد ذلك وقعت في أيدي رجال الهيئة , خرجت من عندهم إلى المشفى بسبب ارتفاع ضغطي .. ثم سقطت كالميت هنا .. إنها ليلة عن سنة كاملة " .. قال بدر في نفسه ..

قام عن الأريكة و اتجه إلى أكياس الطعام التي على الطاولة , أخرج ما فيها ثم بدأ يأكل بنهم شديد , فهو لم يأكل منذ يوم كامل .. أنهى الطعام كاملًا و لم يترك للعقيد سوى فتات في أسفل الكيس .. توجه بعد ذلك إلى دورة المياه ليتوضأ و يصلي ما فاته .. و بعدما عاد للجلوس تذكر فجأة أن هنالك مغلف خامس لم يُعلن عنه في الموقع !! ..

اتجه إلى هاتفه و نظر إلى حساب والده , ولكن لا توجد أي تغريدات جديدة ! .. احتار بدر لوهلة , أين يمكن أن يكون آخر مغلف ؟! .. لماذا لم يقل ذاك المدعو فيصل شيئًا حتى الآن !؟ ..

قرر الخروج من هذه الشقة و الذهاب إلى المكان الذي ترك فيه سيارته , بعدما ذهب هو و العقيد بسيارة ذاك الآخر إلى الموقع الرابع ..

استقل بدر سيارة أجرة و ذهب إلى مكان المغلف الثالث لأخذ سيارته .. و قادها عائدًا إلى الشقة .. و لكن قطع عليه هدوء الصباح صوت هاتفه .. استغرب بدر هذا الرقم الغريب , و الذي يراه لأول مرة .. أجاب على الاتصال و قد استطاع تمييز ذاك الصوت الخشن بسهولة , إنه فيصل لا محالة ! ..

" بدر .. ؟"

" فيصل ؟ "..

" نعم , أردت أن أقول بأنك أحسنت صنعًا ليلة البارحة ! "..

" لا لم أفعل , لقد بقي مغلف واحد , قلت لي بأنهم خمسة ! "..

" نعم , هذا صحيح , ولكن لم يحن الوقت للإعلان عنه بعد .."

" أين هو ؟ "..

" سأخبرك , ولكن وجهًا لوجه ! "..

استغرب بدر ذلك , هل يريد حقًا أن يلتقي بي ؟ .. و ماذا إن كان يريد أن يوقع بي كما فعل مع أبي , ماذا سأفعل !؟ , صمت بدر لوهلة ثم قال :

" و ما الذي يضمن لي بأنك آمن , بلا سلاح و بلا نوايا سوداء ؟ "

" و لم قد ألحق الضرر بك ؟ .. هل اقترفت خطأً ما يا صغيري ؟ ".. قال فيصل و أردف كلامه بضحكة خافتة ..

أخذ بدر نفسًا عميقًا و هو يشتم في داخله : " يا لها من طريقة أبدأ بها صباحي !! "

ثم قال بصبر : " أين ؟ "..

" الجسر المعلّق , بعد ساعة من الآن "..

" و أبي ؟ "..

" ماذا عنه ؟ "..

" ماذا فعلت به ؟ .. كيف أمضى هذين اليومين بصحبتك !؟ ".. قال بدر وقد أضاء في داخله فجأة القلق على أبيه ..

" إن صحبتي ممتعة للغاية .. اسأله عنها عندما تلتقيان ".. قال فيصل و أغلق هاتفه دون أن يسمع الرد ..

أما بدر , فقد رما بهاتفه على الكرسي المجاور بقوة وهو يسند رأسه بقوة على المقود .. ولكنه كان أكثر نشاطًا و يقظة هذا الصباح .. و كان على استعداد تام بأن يواجه مرة أخرى كل ما أصابه ليلة البارحة فقط ليجد طرف خبر عن مكان والده .. !

توجه بدر بسرعة نحو الجهة الجنوبية الغربية من العاصمة .. كان الطريق شبه فارغ في هذه الساعة المبكرة .. و لكن بدر قرر أن يكون هناك قبل الموعد .. كان يقود سيارته بشعور كبير من الأمل و بأن كل ما يحصل سينتهي قريبًا .. ولكن أخذه التفكير نحو العقيد سيف .. هل يتصل و يخبره عن لقاءه المتوقع مع فيصل , أم يلتزم الصمت ؟ .. ولكنه خاف أن يصر العقيد على المجيء , و ينفذ فيصل تهديده .. فضّل بدر الصمت و قد كان بعض الخوف يتسلل إلى قلبه .. فلا شيء يضمن له بأن فيصل لن يلحق الضرر به ..

" ماذا إن كان مسلّحًا ؟ و ماذا لو كان والدي ميت أصلًا و فيصل يريد أن يطيل هذه اللعبة ؟ .. لم أسمع صوت والدي منذ الليلة التي اختفى فيها .. لقد مر يوم و ليلة ! .. إن لم يمت من فيصل , فسيموت من مرضه بالسكري , نعم ! .. أراهن بأن معدل السكر قد انخفض إلى أدناه ! .. ماذا إن كل هذا صحيحًا ؟! "..

بدأ بدر بالتعرق لمجرد التفكير في كل هذا .. وقد اقترب من الجسر بعد نصف ساعة من المكالمة .. انعطف نحو الجسر وهو يمشي بهدوء و قد كان فارغ تقريبًا إلا من بضع الشاحنات القليلة .. ركن سيارته على جانب الجسر , وهو يفكر في اللقاء .. نظر نحو جيب ثوبه الخارجي و إلى طرف القلم المعلّق هناك .. سحبه بخفة و قد قرر أن يجعله سلاحًا صغيرًا .. وضعه في جيبه الأيمن , ثم انحنى ليبحث داخل أدراج السيارة عن سلاح أكثر فتكًا , و لكن لم يجد سوى قلم آخر .. فأخذه و و وضعه مع القلم الآخر ..

نزل من السيارة وهو يلتفت و ينظر في جميع الاتجاهات .. لقد أتى مبكرًا جدًا , و كان هواء الفجر البارد يداعب شعره بخفة .. عاد إلى سيارته وجلس حتى بلغت الساعة السادسة ! ..

نزل مرة أخرى و هو متأكد بأن ذاك سيظهر في أي لحظة , " و لكن كيف لي أن أعرفه ؟! ".. تساءل بدر بحيرة .. فأخذ هاتفه و اتصل على فيصل , فرفع ذاك السماعة دون أن يقول شيء .. سأل بدر بسرعة :

" أنا عند الجسر , والآن أخبرني .. كيف سأتعرف على وجهك ؟ "..

" ستعرفه .. أنا متأكد , ستأتي دون حتى أن أناديك ! "..

التفت بدر إلى الوراء و قد رأى سيارة أجرة تقترب و تتوقف عند بداية الجسر , أغلق هاتفه و هو ينظر نحو السيارة , وقد انفتح الباب الخلفي بهدوء و نزل منه شخص بملابس سوداء و جسم طويل للغاية .. و ما أن رفع رأسه حتى فتح بدر عيناه بصدمة ! ..

مشى بدر نحوه ببطء و هو يرمش بعدم تصديق .. و كان فيصل يمشي بنفس الهدوء نحوه .. توقف الاثنان في منتصف المسافة و قد فصلت بينهم عدة مترات ..

همس بدر بخفوت :" من أنت ؟ "..

اقترب فيصل أكثر وهو يقول :" أنا ؟ .. أنا من أفنى حياته في مراقبة والدك ليستطيع أن يصفّي جميع الخونة ! .. "

" أأنت شبيه ؟! .. أم توأم ؟ ".. قال بدر بهمس بطيء وهو لا يزال تحت الصدمة .. فهو يرى أمامه نسخة طبق الأصل عن والده ..

" إنه كوالدي بالضبط , و لكنه ليس هو ! .. هذا يبدو أكثر عدوانية .. و هذا الجسد ! .. إنه أضخم من والدي و أطول ! .. و تلك الحسرة في عينيه ! .. تشبه كثيرًا تلك التي رأيتها في عيني والدي عندما بكى و عانقني بعدما عدت من مخيم أصحابي , و رأيته منحنيًا على نفسه بتلك الوضعية المريبة ! .."
بلع بدر ريقه وهو يعيد سؤاله بتردد :" أجبني , شبيه أم توأم ؟ "..

" ما رأيك أنت ؟ "..

اقترب بدر أكثر , و لكن صوت فيصل أوقفه عندما قال :" عندما تلتقي بوالدك , اسأله و سيجيبك .. و الآن ألا تريد معرفة موقع المغلف ؟! "..

لم يستمع بدر إلى شيء مما قاله فيصل , فقد كان ذهنه مشغول بأمر آخر .. صمت قليلًا ثم قال بسرعة :" الصور , كل تلك الصور , لقد كان أنت , أليس كذلك ؟! .. ليس والدي بل أنت ! "..

" أنت ذكي بالفعل ! ".. قال فيصل بابتسامة .. و لكنه سقط أرضًا بسرعة بعدما هاجمه بدر و قد وجه إليه لكمة قوية على وجنته .. سقط فيصل ولكنه نهض بسرعة و اشتبك في قتال شديد مع ابن أخيه ! ..

قال بدر بصراخ وهو يعود ليسدد اللكمات إلى فيصل :" لقد جعلتني أبحث عن المغلفات لأستر على عيوبك و عارك أنت ؟! .. لقد استغليت الشبه بينكما لتقنع الجميع بأن والدي سيء كأمثالك ؟! .. أيها السافل الحقير ! .."

سقط فيصل على ظهره مرة أخرى , وهو متعجب من قوة هذا الشاب التي لم يتوقعها أبدًا .. انحنى بدر عليه و أصبحا متقابلين وجهًا لوجه , ثم ضربه مرة أخرى حتى نزفت شفتيّ فيصل بغزارة , و لكن فيصل قال بابتسامة جانبية :

" نعم , لقد استغليت الشبه بيننا , و لكنك لم تسألني لماذا !! "..

ضربه بدر مرة أخرى , ثم أمسك به من ياقة قميصه هو يقول :" لا أكترث لما تريده , فأنت معتوه مريض .. أين المغلف و والدي بسرعة !! "..

" المغلف ؟ " .. قال فيصل ثم أكمل :" اذهب إلى شركة والدك بعد ساعة من الآن , و ستجده على الفور "..

" أعطني موقعًا محددًا ! "..

تجاهل فيصل طلب بدر و قال :" بالنسبة لوالدك , فسيتصل عليك بنفسه و يخبرك .. لا تستعجل "..
تنفس بدر بغضب ثم وجه لكمة أخيرة إلى فيصل و أتبعها ببصاق على وجهه و قال :" سأجعلك تندم و تدفع الثمن غاليًا !! ".. قال بدر ثم نهض عن فيصل متوجهًا إلى سيارته , و لكنه التفت عندما سمع فيصل يقول :

" لا تقلق , سأدفع ثمن كل هذا بنفسي ! "..

أسرع بدر و ركب سيارته عائدًا نحو وسط العاصمة إلى شركة والده ..

أما فيصل فقد ظل واقفًا في مكانه لأكثر من ربع ساعة و هو يفكر في الذي سيفعله .. شاهد بدر يرحل بعيدًا , ثم همس بابتسامة :

" لقد غلبت عمك أيها الشاب "..

أخرج هاتفه ببطء , و أرسل مقطع فيديو صغير إلى بدر , و أرفق معه رسالة صغيرة من كلمتين فقط :
( محتوى المغلف ) .. !

مشى ببطء نحو سياج الجسر و هو يحدق في المكان تحته , ذاك الوادي القاحل الفارغ سوى من شارع عريض يمتد على طول الوادي في الوسط .. نظر فيصل إليه و عرف بأن هذا المنظر هو آخر ما ستقع عليه عيناه .. بدأت أنفساه تتسارع وهو ينظر إلى الأسفل تارة , و يغمض عيناه تارة أخرى .. وقد كان يحدث نفسه قائلًا :

" لقد انتهى كل شيء الآن , ضعت أنا , و أخي نجا .. أردته أن ينجو نجاة كاملة بما فعلته .. سيشكرني على ذلك .. أنا أعرفه , لن ينكر فضلي و لن يجحد شيئًا من جهدي .. عش بسلام يا أخي , و عش عن نفسك و عنّي "..

ردد فيصل كلماته الأخيرة (( عش عن نفسك و عنّي )) ثم رما بنفسه من أعلى الجسر , و قد كانت الثواني الفاصلة بينه و بين الموت هي أطول وقت عاشه في حياته .. فلقد رأى كل سنواته الـ 47 تعبر خلالها .. و كل أمنياته التي لم يحققها , الأبناء الذي لم ينجبهم , الضحكات التي تمناها , البشر الذي تمنى لقاءهم .. و ارتطم جسده بقوة على الأرض , لتخرج روحه اليتيمة بعد ذلك .. !!


و في نفس اللحظة , كان توأمه قد أحس بانقباضة شديدة في صدره , بينما كان ينام في منزل عبدالرحمن بعد ليلة طويلة من الأحاديث مع فيصل .. انتفض عادل في نومه و هو يمسك بصدره , و فورًا بدأ بالبكاء الشديد دون مقدمات .. لقد شعر به , ذلك الإحساس الذي لا يعرفه سوى التوائم , الإحساس بأن الآخر قد أصابه مكروه لا محالة ! .. ولكن عادل عرف بأن فيصل لم يصبه مكروه فحسب , ولكنه مات ! .. فهو لم ينسى كل تلك الكلمات الموحية بالوداع ليلة البارحة ..

و اشتد بكاء عادل و هو يقول بضعف :" لقد مات , هذه المرة حقيقة ! .. لقد رحلت يا فيصل .. ظلمتك كثيرًا .. ظلمتك , نعم ظلمتك ! ".. و عاد إلى بكاءه الموجع الذي تسبب له بالدوار , فسقط مرة أخرى على وسادته , وهو يتنفس بصعوبة و الدموع تملأ وجهه .. و فقد وعيه تدريجيًا و هو يردد :" لقد مات , لــ ــقد مــ ـات ! "..


**********

بينما كان بدر متوجهًا إلى مقر شركة والده .. كان هنالك من انسل بخفة نحو مكتب عادل و أخرج القرص المدمج من بين الكتب .. ثم أخذه و وضعه في حاسب عادل الشخصي .. و قام على الفور بالدخول إلى البريد الالكتروني لعادل و أرسل محتوى القرص إلى العديد من الحسابات المهمة .. كان عبدالرحمن يستمتع بكل ثانية يستنفذها في هذه المهمة الأخيرة , فقد قام بوصل شاشة الجهاز على جميع أجهزة الشركة , حتى يظهر لهم نفس المحتوى .. و هو عبارة عن عد تصاعدي مئوي للبريد الذي يتم إرساله ! .. لم يفتح عبدالرحمن محتوى القرص ليشاهده .. فهو قد رآه مسبقًا في هاتف فيصل , لذلك قرر إرساله بسرعة حفظًا لوقته , و ليتمكن من الخروج سريعًا من المبنى و هذه اللعبة بأكملها ..

انتهى عبدالرحمن من مهمته الأخيرة , ثم خبأ الحاسب المحمول في مكان ما ..

و خرج من الشركة بسرعة متجهًا نحو الخرج و معلنًا انتهاء جميع أدواره ! .. وسعيدًا بذاك المبلغ الخيالي الذي دخل في حسابه ليلة البارحة .. !


**********

وصل المقطع إلى بدر وهو على وشك الوصول للشركة , لفتت نظره الرسالة المرفقة ( محتوى المغلف ) .. فقام بتنزيل المقطع بسرعه ثم شاهد ما فيه و قد فغر فاه بتعجب !

لقد كان مقطعًا مشابه للغاية للصور التي كانت في المغلفات , ولكن هذا المقطع كان المصدر التي أخذت منه الصور , فقد احتوى على كل شيء , صوتًا و صورة ! ..

الجميع في وضعياتهم المخزية , أصوات النساء و الضحكات اختلطت بالموسيقى الغربية التي تصدح في الأرجاء .. و قد كان شبيه والده يتوسط المكان .. و الكاميرا تصوره بعناية و كأنها معنيّة بمراقبته هو فقط من بين الجميع !

رما بدر هاتفه بقوة على أرضية السيارة وهو يصرخ :" متى سينتهي كل هذا ؟! .. متى ! "..

علم بدر بأن هذا المقطع سيشاهده جميع من في الشركة , ولكنه لا يعرف كيف .. ففيصل لم يضعه هناك بلا فائدة , بل وضعه حتى يشاهده الكل ! ..

ازداد ازدحام الشوارع مع خروج الناس لوظائفهم .. و كان بدر عالقًا في الطرق التي يبدو أنها بلا نهاية ! .. و ما أن وصل إلى الشركة , حتى تفاجأ بأغلب الموظفين وهم يمشون بسرعة في أرجاء المكان , و الحيرة تملأ وجوههم .. فدخل بدر متوجهًا إلى طاولة الاستقبال فعرفه الموظفون على الفور , فبادرهم بالسؤال سريعًا :

" ماذا حدث ؟ .. لم الجميع مرتبك هكذا ؟! "..

فقال له أحدهم و هو يقف :" تعال و انظر بنفسك ! "..

توجه بدر إلى داخل طاولة الاستقبال و رأى شاشات الحاسب التي تعتلي الطاولة .. كانت الشاشات موحدة , و هناك عد تصاعدي قد وصل إلى 48% ..

سأل بدر الموظف :" وهل تعرف ماذا يعني هذا العد ؟ "..

" انظر إلى خلف مربع العدد , إنه بريد الكتروني , و من الواضح أن هذ العد هو لرسالة يتم حاليًا ارسالها , و ستصل عندما يكتمل العد إلى 100% !! "..

همس بدر بخفوت :" رسالة ؟! ".. توقع بدر أن يكون المقطع معروض على الشاشات , وليس مرسلًا لأحد ما ! ..

" نعم "..

" وهل تعرفون هذا البريد لمن ؟! .. و من فعل هذا بالأجهزة ؟؟ "..

" ليس لدي علم ! .. لقد أتينا قبل نصف ساعة تقريبًا إلى العمل و كانت جميع الأجهزة في جميع الأقسام تمتلك شاشات موحدة ! و لا نعلم ما هو الحاسب الذي انبعثت منه الرسالة حتى الآن !! "..

رفع بدر رأسه بإرهاق و هو يقول :" خذني إلى القسم التقني حالًا " ..

صعد بدر مع موظف الاستقبال إلى الدور الرابع حيث تقع أقسام تقنية الحواسيب و صيانتها .. و توجها فورًا نحو المسؤول عن القسم و دخلا إلى مكتبه و قد بدا مشوشًا للغاية , ألقى بدر السلام و قال بسرعة :

" أأنت المسؤول التقني هنا ؟! "..

" نعم , إنه أنا , لابد من أنك بدر ابن عادل أليس كذلك ؟! "..

" بالضبط .. " نظر بدر إلى بطاقة الاسم على صدر المسؤول ثم قال :" أخ متعب , ما الذي يحصل ؟! "..

نفث متعب الهواء من صدره ثم قال :" مثلما ترى ! .. أتينا إلى العمل و كانت جميع الأجهزة هكذا ! "..

" لابد أن أحدهم دخل قبلكم جميعًا و قد يكون واحد منكم !! "..

" ماذا تقصد يا بدر ! "..

" أهنالك أي أحد يمتلك صلاحية الدخول إلى هنا في أي وقت ! "..

" نعم , حرّاس البوابة فقط , و لا أحدهم سواهم .. هم من يفتحون أبواب الشركة كل يوم "..

" أهناك من يمتلك مفاتيح الأبواب غيرهم !؟ "..

" لا , جميع نسخ المفاتيح موجودة فقط في مكتب والدك , وهو مقفل لإحكام .. فوالدك لم يأت منذ يومان تقريبًا و لم يدخل أحدهم مكتبه ! "..

نظر بدر نحو الأرض وهو يفكر " إن كان والدي مع فيصل , فمن المؤكد أنه أجبر والدي على إعطائه مفاتيح مكتبه , أو حتى أخذها منه دون علمه ! "..

أعاد بدر نظره إلى متعب وهو يقول :" أريد الذهاب إلى مكتب والدي .. من يمتلك مفاتيحه ؟! "..

" والدك و سكرتيره فقط "..

" السكرتير سلطان ؟! "..

" نعم , و لكنه هو الآخر لم يأتي اليوم !! .. إن الأمر مثير للريبة فعلًا ! "..

" اسمع , سأذهب أنا إلى المكتب و أحاول فتحه , و أنت حاول أن تعرف مكان الجهاز الأساسي الذي تنبعث منه الرسالة الآن .. أيمكنك ذلك ؟! "..

" الجهاز الأساسي !؟ .. فالواقع لا أحد يعرف طريقة توحيد الشاشات و رموز الأجهزة سوى عمّال التقنية بالإضافة إلى والدك ! .. فهو يستخدم هذه الطريقة لنشر التعاميم الرسمية .. فهو يعلم بأن بعض الموظفين لا يستخدمون بريدهم الالكتروني كثيرًا, لذلك لا يرسل التعاميم في رسالة الكترونية , بل يضعها على جميع شاشات الشركة حتى يضمن بأن الجميع قرأها ! .."

قال بدر وهو يتوجه إلى الخارج بسرعة :" إذن فالأمر واضح ! .. إن الجهاز الأساسي هو حاسوب والدي ! "..

خرج بدر متوجهًا إلى المصعد نحو مكتب والده .. ولكن جميع الأبواب كانت مقفلة , وكان برفقته 5 موظفين صعدوا معه للمكتب .. نظر إليهم بسرعة و هو يقول :" ساعدوني في كسر الأبواب بسرعة ! "..

فقام الجميع بعدة محاولات حتى فُتح الباب المؤدي إلى مكتب السكرتير و غرفة الانتظار .. و قاموا بعد ذلك بكسر باب مكتب عادل و قد كان مصنوع من الخشب المتين , لذلك أمضوا عشر دقائق في محاولة فتحه باستخدام أرجلهم تارة , و باستخدام فأس الحرائق تارة أخرى , و تمكنوا أخيرًا من الدخول إلى المكتب .. فقال أحدهم :

" ماذا نفعل الآن ؟! "..

قال بدر :" نبحث عن حاسب والدي ! لابد من أنه هنا في مكان ما ! "..

فقال أحدهم :" عذرًا بدر ولكنك لم تخبرنا .. لم أنت قلق جدًا حيال هذا الموضوع , أقصد لابد من أنه عطل صغير في الحاسوب أدى إلى كل هذا .. و الرسالة , أتعلم ما محتواها ؟! "..

التفت بدر إليه بحنق وهو يقول :" إياك و أن تأخذ المسألة على وجه هزل أو مصادفة ! .. إن الموضوع كبير للغاية و أنا لست مضطرًا لتفسيره , إما أن تساعدنا في البحث أو اذهب وقدّم استقالتك ! "..

تركه بدر و بدأ بالبحث المكثف في جميع أرجاء مكتب والده الواسع .. ولكن لا جدوى ! .. فقام بالاتصال على متعب قائلًا :

" متعب .. إن الحاسوب ليس في مكتب والدي ! .. لابد من أن الفاعل دخل إلى المكتب صباحًا ثم نقل الجهاز إلى مكان آخر .. هل توجد أي كاميرات مراقبة على الأبواب ؟ .. اريد معرفة من دخل إلى المكتب حالًا "..

" لقد فعلت ذلك مؤخرًا يا بدر , تحققت من الكاميرات ولكنها لم تظهر شيء ! .. لابد من أن الفاعل قد دخل باستخدام المصعد الخاص بوالدك ! "..

" ولا يمتلك هذا المصعد أي كاميرا في داخله !؟ "..

" لا .. إن الكاميرات هي فقط في مرافق الشركة الأساسية ! "..

ضرب بدر بقدمه الأرض وهو يشتم بغضب , ثم قال :" كم أصبح العد التصاعدي الآن !؟ "..

نظر متعب إلى الشاشة ثم قال :" 85% .. إنه يتحرك بسرعة عالية ! .. ولكنك لم تخبرني , هل تعرف محتوى الرسالة ؟! .. يبدو بأنك قلق جدًا حيالها ! "..

" نعم .. أعرف محتواها , ولا أحد يتمنى رؤيته أبدًا .. , و أعرف تمامًا من خطط لهذا كله , و هو لا ينوي خيرًا على الإطلاق ! "..

أغلق بدر هاتفه وهو ينظر إلى الموظفين الذين معه , فسألهم قائلًا :

" من يمتلك مفاتيح مصعد والدي غيره ؟! السكرتير سلطان أليس كذلك ؟! "..

أجاب أحدهم :" نعم "..

" و أين هو الآن ؟! ".. سأل بدر بحنق :" لم تأخر عن عمله ؟ لقد قاربت الساعة الثامنة صباحًا .. فليتصل أحدكم به بسرعة ! "..

أخرج الجميع هواتفهم بسرعة و ارتباك .. على الرغم من أنهم جميعًا يكبرون بدر بالعمر , إلا أنهم ارتبكوا من شخصيته المشابهة لوالده بالصرامة ! ..

تطوع أحدهم و اتصل على سلطان , و لكن ما من مجيب ! ..

" إنه لا يرد على هاتفه ! "..

قال بدر :" حاول مرة أخرى ! "..

حاول الرجل لأكثر من مرة ولكن , لا شيء ! ..

قال بدر وقد ثار دمه :" اللعنة ! .. عندما تسوء الأمور فهي تسوء كلها في نفس الوقت ! "..

تذكر بدر شاشات الشركة و حواسيبها , و تلك الأيقونة الصغيرة على شكل ظرف رسالة :" هذا هو المغلف إذًا .. مغلف الكتروني يحمل في داخله تلك الشعرة التي ستكسرنا جميعًا ! "..

أعاد بدر محاولاته في البحث مع الموظفين , فقاموا بقلب المكتب رأسًا على عقب .. و البحث في جميع الأماكن الممكنة ولكن لا جدوى ..

وبعد 20 دقيقة تقريبًا .. تفاجأ بدر برسالة نصية من متعب تخبره بأن العد التصاعدي قد اكتمل !! .. و الرسالة قد وصلت إلى المرسل إليهم بنجاح .. !!

جلس بدر بإرهاق تام على أحد الكراسي في مكتب والده وقال :" فليخرج الجميع , لقد انتهى الأمر ! "..

" أوصلت الرسالة ؟! "..

" نعم , لقد اكتمل العد .. اخرجوا جميعًا , حالًا !! "..

علم بدر أنه فشل تمامًا , فبالإضافة إلى كل المجهود و الألم الذي تجرعه ليلة البارحة , لم يستطع انقاذ والده , أو إيقاف مخطط فيصل المحبوك بعناية !! ..

قرر الخروج من المكتب و الاتصال بالعقيد سيف و لكن استوقفه صوت طنين آلي ! ... عاد بدر إلى المكتب و هو ينظر في أرجاءه ! .. متمنيًا أن يعود الصوت من جديد حتى يعرف مصدره .. و بعد عدة ثواني , عاد الصوت وقد كان قادم من جهة المكتبة التي تمتد على عرض الحائط ! .. توجه بدر إلى أقصى اليمين .. و أزاح جميع الكتب التي كانت في وسط الرف , فومضت عيناه من الفرحة عندما رأى أمامه خزنة حديدية في داخل الجدار , و قد أخفتها الكتب تمامًا !!


**********



يتبع ...





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-01-16, 04:27 PM   #29

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

\\

تابع ...



كانت الشرطة تحاوط تلك العمارة القديمة .. و قد أخرجوا ساكنيها و بدأوا بالتحقيق معهم في الشارع , أما فرقة الإسعاف فقد أخرجت جثة سلطان محمولةً على سرير و مغطاة بالكامل ! ..

فقد كان هناك من لم يستطع النوم ليلة البارحة أبدًا ! .. كانت زوجة سلطان تدور في غرفتها جيئة و ذهابًا و هي تغرس أصابعها في يدها قلقًا على زوجها .. حاولت الاتصال عليه كثيرًا في الليل و أثناء الفجر , لكنه لم يجبها , فبعدما تحدث معها لآخر مرة , أحست بالخوف عليه من نبرة صوته المودعة ..!

لم تستطع دلال الصبر فقامت بإبلاغ الشرطة أن زوجها مختفي منذ 12 ساعة .. و قاموا بالبحث عن سيارته من أرقام لوحاتها و وجدوها مركونة بالقرب من تلك العمارة القديمة , و وجدوا سلطان غارقًا في دماءه في أعلى غرفة فيها ! ..

و الآن و بينما توجه إخوته نحو المستشفى لرؤيته .. سقطت هي في أحضان أمها و أخواتها نادبةً حظها و حياتها .. و ابنتها الصغيرة ممسكة بعباءتها و تبكي لبكاء أمها المرير , جاهلة ما حدث لوالدها ! ..

بكت دلال كما لم تفعل من قبل .. و كرهت هذه الحياة التي أخذت منها زوجها في نفس اليوم الذي أخبرها و للمرة الأولى أنه يحبها .. !

علمت حينها أنها كانت حمقاء للغاية بتفريطها لحقه .. و مجاراته في تجاهله !! ..


**********


بينما كان عبدالرحمن يقود سيارته باتجاه طريق الخرج , مر بمحاذاة نقطة تفتيش , و ما أن رأوا وجهه , حتى أوقفوه جانبًا بسرعة , ارتبك عبدالرحمن لوهلة , ولكن نشف دمه بالكامل عندما أخرجه رجال الأمن من سيارته بقوة و قيدوا يداه بالأصفاد ! ..


**********


استيقظ العقيد بانزعاج من أصوات السيارات القادم من النافذة , و المعلن ليوم جديد يتجه فيه الجميع لوظائفهم و مدارسهم , نهض عن الأريكة وهو يشعر بألم طفيف في رقبته .. التفت وهو يبحث عن بدر بعينيه و لم يره , لفتت أنظاره أكياس الطعام المأكول على الطاولة , فعلم أن بدر استيقظ قبله ..

وقف و هو يمشي في أرجاء الشقة مناديًا بدر , ولكن ما من مجيب .. توجه لدورة المياه و غسل وجهه ثم أخذ هاتفه و اتصل على بدر بسرعة .. ولكنه لم يجب على هاتفه .. فقد كان ذاك الشاب غارق بالتفكير فيما أمامه الآن ..

كان بدر يقف أمام تلك الخزنة المثبتة داخل الحائط .. نظر إلى لوح الأرقام على بابها :" ماذا قد يكون الرقم السري يا ترا ؟! "..

استغرق بدر في التفكير :" ما هو الرقم ؟ .. لم يخبرني والدي يومًا أنه يمتلك خزنة كهذه , أوه لحظة ! .. هناك واحدة مثلها في المنزل , ولكن تلك لها مفاتيح , و ليس أرقام ! .. تبًا .. ماذا قد يكون ؟ أهناك أي رقم مميز لوالدي ؟! .. أو ذكرى معينة ؟ لا أعرف .. حقًا لا أعرف ! .. "

حاول بدر إدخال سنة ميلاد والده , ولم ينجح الأمر , فوضع تاريخ ميلاده هو .. فلم يتغير شيء ! ..

حاول وضع الكثير من الأرقام العشوائية , ولكن لم يجد ذلك نفعًا ! .. ومع تكرار ذاك الصوت الصادر من الحاسوب , ازداد توتر بدر , وكأن ذاك الطنين يستفزه حد النخاع ! .. فعاد إلى غرفة الانتظار و أخذ الفأس الذي استخدمه الموظفون لفتح الباب , فاتجه نحو الخزنة و أخذ يضرب مقبض بابها بكل ما أوتي من قوة , و الشرر يتناثر عند تلامس المعدنين .. و بعد 5 ضربات استنزفت قوى بدر , فُتحت الخزنة ! ..


**********


ركب العقيد سيارته وهو يجهل وجهته ! .. أعاد الاتصال على بدر , و بعد عدة محاولات , أتاه الرد سريعًا :

" عقيد سيف ؟ "..

" بدر , أين أنت ؟! "..

صمت بدر لوهلة وهو يجهل كيف يبدأ الحديث :" لقد .. لقد طرأت الكثير من الأمور ! .."

" ماذا حصل , أين أنت ؟ "..

" إن الأمر معقد بعض الشيء , أنا في شركة والدي , عليك المجيء الآن , سأخبرك عن كل شيء وجهًا لوجه "..

" حسنًا إذًا , سأكون هناك خلال دقائق .. "

وصل العقيد إلى الشركة و أخذه أحد الموظفين إلى مكتب عادل حيث يجلس بدر .. دخل العقيد و رأى بدر جالسًا على كرسي والده و أمامه حاسب آلي صغير .. واضعًا يده على جبينه و الضيق منتشر على ملامحه ! ..

" بدر , ما الأمر ؟! "..

رفع بدر رأسه ثم قال بعد شيء من الصمت :" المغلف الخامس .. لقد كان الكترونيًا ! "..

" ماذا تقصد ؟! "..

" لقد كان عبارة عن مقطع طويل و مشين للغاية ! .. و لقد أرسله أحدهم إلى الكثير من الأشخاص , و حسابات القنوات الشهيرة ! "..

" هل رأيت المقطع ؟ "..

" نعم , لقد أرسله فيصل إلى هاتفي .. و قال لي أن آتي لشركة أبي , و ما أن وصلت , حتى وجدت أن هناك عد تصاعدي للرسالة و هي على وشك الوصول , كانت الشاشات في جميع أرجاء الشركة موّحدة على هذا العد ! "..

مشى العقيد سريعًا و نظر إلى الحاسب أمام بدر ثم وقف بجانبه قائلًا :" ألم تستطيعوا إيقافه ؟ "..

" لا , لقد كان هذا الحاسب هو مصدر الرسالة , و كان مخبأ في خزنة والدي , وجدته بعدما اكتمل التحميل ! "..

سكت بدر لثواني ثم قال :" ماذا أفعل الآن قل لي ! .. لقد ضاع كل تعبي .. ولكن أتعلم ما الذي يقتلني فعلًا ؟! .. هو أن الرجل الذي في الصور و المقطع ليس أبي !! "..

عقد سيف حاجبيه بتساؤل قائلًا :" ماذا تعني ؟ "..

" لم يكن والدي , إنه فيصل ! "..

" فيصل ؟ "

" نعم فيصل , لقد التقيته هذا الصباح عند الجسر المعلق ! .. لقد كان نسخة عن والدي .. كأنه هو ولكن ببعض التغيرات الطفيفة , عندما رأيته كان أول ما طرأ على بالي هو الصور ! .. سألته إن كان هو صاحبها , فأجاب بـ نعم ! "..

لم يعرف العقيد بماذا يجيب , ولكن بدر أكمل كلامه قائلًا :" إنني الآن أحاول أن أستر عاره لأن يشبه أبي , لا أحد يعرف بوجوده , الجميع الآن يظن بأن صاحب هذه الممارسات الشنيعة هو أبي ! .. قل لي ماذا أفعل "..

قال العقيد ببعض الحزم :" أرني المقطع "..

" لن يعجبك ما ستراه ! "..

" لم يعجبني أي شيء رأيته حتى الآن ! .. لا بأس دعني أرى "..

أمسك بدر بالحاسب و دخل إلى الرسائل المرسلة في بريد والده , فتح أخر رسالة و قام بتشغيل المقطع المرفق فيها .. ولكن تجمدت أصابعه مما رآه ! ..

لقد كان المقطع عبارة عن دقيقتين من السواد الحالك .. لقد كان المقطع فارغ .. لا صوت ولا صورة ! ..

قال بدر بهمس :" لا , غير معقول .. لقد رأيت المقطع في هاتفي ! .. قال لي فيصل بأنه محتوى الرسالة ! "..

أعاد بدر تشغيل المقطع , و كان مثل ما هو ! .. لا شيء سوى سواد ..

استغرب العقيد فقال :" لم قد يهددك أحدهم بهذا الشكل , ثم ينكث تهديده ! "..

" لا أعلم , لم المقطع فارغ هكذا ! .. هذا يعني أن المقطع لم يره أحد سواي , أنا و فيصل فقط ! "..

بعد عدة دقائق دخل متعب – المسؤول التقني – إلى مكتب عادل .. توجه إلى بدر قائلًا :

" لقد وصلنا اتصال للتو من أحد القنوات الفضائية ! "..

هز بدر رأسه كإشارة لمتعب بأن يكمل كلامه , فقال ذاك :" إنهم يسألون عن معنى المقطع الذي وصلهم من بريد والدك ! "..

قال بدر بصوت خافت :" و ما الذي وصلهم ؟ .. ماذا رأوا ؟! "..

" إنه فارغ ! .. يسألون : ماذا يقصد عادل بهذا ! "..

ابتسم بدر سريعًا , فعلم أن فيصل لم يرسل شيئًا , ولا يخطط لهدم أي أحد ..

قال بدر سريعًا :" أخبرهم أن بريد والدي معطّل , و يقوم بإرسال أمور عشوائية ! "..

" أتظن أنهم سيصدقون هذا ؟ "..

" عليهم أن يصدقوا ! .. ماذا قد يكون معنى المقطع سوى عطل فني في الجهاز و البريد الالكتروني ! "..

هز متعب رأسه بابتسامة قائلًا :" حسنًا إذًا .. " و خرج متجهًا إلى مكتبه .. بينما نظر بدر إلى العقيد ثم قال :

" ماذا يقصد فيصل بهذا !؟ .. "

" أظن بأنه .. لا أعلم ولكن يبدو أن هناك شيئًا بينه و بينك أنت و والدك ! .. وليس لأحد غيركم علاقة فيه ! .. لو كان يريد ضررًا شاسعًا , لكان أرسل المقطع دون أن يتردد لثواني ! "..

سكت بدر لوهلة ثم قال :" لقد كان هذا المغلف الأخير , أليس من المفترض أن أجد والدي الآن ؟ .. سألت فيصل عنه و قال بأن والدي سيهاتفني من نفسه ! "..

قطع حديث بدر بعض الضجيج في الخارج .. فخرج هو والعقيد ليجدوا بعض الموظفين مجتمعين و تعلوا وجوههم علامات الصدمة .. تقدم بدر ليسأل :

" ماذا الآن ؟ .. ما الذي حصل ؟! "..

تكلم أحدهم بصوت متقطع خائف :" الــ السكرتير سـ سلطان ! .. لقد وُجد مقتولًا هذا الصباح ! "..

" ماذا ؟ ".. سأل العقيد بتفاجؤ ...

" هذا ما وصلني الآن .. وجدته الشرطة مقتولًا في أعلى عمارة قديمة في جنوب الرياض ! .. وقد وجدوا سكين بها بصمات في احدى حاويات القمامة أسفل العمارة ! "..

" هل عرفوا من القاتل ! "..

" نعم .. إنه عبدالرحمن , صاحب والدك ! .. أخبرونا بأن بصماته كانت على السكين , و سيأخذون بعض منّا للتحقيق ! .. بما أننا نعرفه و نعرف بأنه صاحب عادل "..


**********


فتح عيناه ببطء وهو يشعر ببعض الدوار و الغثيان .. استند عادل على يده وهو يحاول النهوض عن السرير .. نظر إلى ذراعه وقد ظهرت عليها بقعة زرقاء صغيرة من أثر ابرة السكري التي أعطاه إياها فيصل ليلة البارحة ! .. وقف على قدميه و هو بالكاد يستطيع المشي .. تذكر كلام فيصل الذي قاله له :

" عندما تستيقظ , سيكون بدر قد أنهى كل شيء , و أنا كذلك ! "..

اتجه عادل نحو هاتفه الموضوع على الطاولة و اتصل بابنه على الفور ! .. فرد بدر بسرعة دون أن يرى الرقم وقد كان يتحدث مع الموظفين بشأن سلطان :

" نعم ؟ "..

" بــ بدر ؟! ".. قال عادل بصوت خفيف ..

" نعم , من معي ؟ "..

" إنه أنا , والدك ! "..

أبعد بدر الهاتف عن اذنه و نظر إلى الشاشة ليتأكد من الاسم " أبي " ! ..

" أبي , أهذا أنت ؟ ".. قال بدر بخفوت فصمت الجميع و اتجهت عيونهم نحو بدر ..

" نعم .. بدر , أرجوك قل لي أن كل شيء على ما يرام ! "..

همس بدر بـ الحمد لله وهو يبتسم بسعادة وقد غرقت عيناه :" أبي , أين أنت ؟ .. و أين كنت طوال الفترة الماضية ! .. سآتي إليك حالًا , فقط قل لي أين ! "..

" أنا في منزل عبدالرحمن .. أنت تعرفه أليس كذلك ؟ .. لقد زرناه عدة مرات " ..

قاطع بدر والده وهو يقول :" نعم نعم .. أعرفه , سآتي خلال ثواني , ابق في مكانك أرجوك , لا تذهب إلى أي مكان ".. أغلق بدر هاتفه وهو ينظر نحو العقيد سيف قائلًا بصوت باكي :

" إنه أبي , في منزل عبدالرحمن , فلنذهب حالًا .. ! "..

خرج الاثنان بأسرع ما يمكنهما متجهين نحو عادل .. أما بدر فقد كان يبكي بصوت عالي و يتنفس بقوة .. بينما كان يقود سيارته و العقيد بجانبه :

" بدر ! .. هدئ من روعك ! .. سنصل إليه , سيكون على ما يرام "..

" إنه عبدالرحمن , لقد قتل سلطان , و الآن هو يحبس أبي في منزله ! .. ماذا لو ألحق به الضرر قبل أن نصل ؟ "..

" سنصل , لا عليك .. " أخرج العقيد هاتفه و اتصل على أحد رجاله ليسأله عن عبدالرحمن , فأخبره بأنهم اعتقلوه على الطريق السريع بين الخرج و الرياض .. فأخبر العقيد بدر على الفور لتهدأ أعصابه , وما أن وصلوا , حتى قام بدر بركل باب المنزل لمرات متتالية دون توقف وهو يوشك على الانهيار ! ..

كسر الباب و دخل وهو يصرخ بأعلى صوته :" أبي , أبي أين أنت ؟! "..

خرج عادل من أحد الغرف في الأسفل وهو يمشي ببطء :" بدر , أنا هنا "..

نظر بدر إلى أبيه و ركض نحو و هو يعانقه بشدة و يبكي , قبّل يداه و هو يشمها و يعاود البكاء كالطفل وهو يردد " أبي ".. مسح عادل على رأس ابنه و بدأ البكاء أيضًا ما أن تذكر فيصل , فجلس أرضًا بتعب وهو يحتضن ابنه قائلًا :" لا عليك .. لقد انتهى كل شيء .. اهدأ يا بني , اهدأ ! "..

" لقد ظننت بأني سأفقدك ! .. لقد تعبت , تعبت كثيرًا .. أخبرني عنك , ماذا حصل لك , أين كنت .. ماذا فعل فيصل اللعين بك ! .."

" لا يا بدر ! .. لا تقل عنه لعين ! .. لقد أفنى عمك عمره ليحميني أنا ! "..

رفع بدر رأسه من حضن والده و نظر نحوه بصدمة :" عمي ؟ "..

" نعم , ظننت بأنه فعل كل هذا ليحلق بنا العار أليس كذلك !؟ "..

" لحظة , انتظر قليلًا .. ماذا تقصد بأنه عمي .. ولم فعل كل هذا ؟ "..

كان عادل سيجيب على ابنه لولا أنه لاحظ رجل غريب يقف بالقرب من الباب بصمت و بابتسامة طفيفة .. استدار رأس بدر نحو العقيد وهو يقول :

" أبي , لقد نسيت أن أعرّفك على العقيد سيف ! .. لقد كان بجانبي طوال الوقت "..

نهض عادل واتجه نحو سيف , فتقدم العقيد سيف نحوه بشكل سريع وهو يعانقه بخفة قائلًا :" الحمد لله على سلامتك يا أبا بدر .. "

" سلّمك الله , أنا متأسف , لقد أخذتنا لحظة العاطفة و تركناك لوحدك "..

" لا , لا عليك "..

جلس الثلاثة سوية , و أخذ بدر بيد والده و بدأ يسأله عمّا حصل معه منذ البداية , ولكن ما لبث طويلًا حتّى اتاه اتصال من قسم الشرطة في أحد أحياء جنوب الرياض .. أخبروه بأن عليه المجيء بشأن رجل ما يدعى فيصل , وجد ميتًا أسفل الجسر المعلق صباح هذا اليوم , و قد كان آخر رقم اتصل به هو رقم بدر ! ..

ذهب هذا الشاب برفقة العقيد و والده نحو المركز , و قد تعرّفوا على العقيد سيف على الفور و أخبرهم بشأن فقدان عادل و أنهم وجدوه الآن , أخبرهم عادل بأن الرجل الميت لم يكن سوى أخوه .. و قد انتحر بعدما تعرض للكثير من الابتزاز من قِبل رجل ما يدعى عبدالرحمن ! ..

بدأوا بالتحقيق مع عادل و ابنه , و لكن عادل هو من استلم زمام الحديث بما أنه كان مخطوفًا , و هو المعني بكل شيء ! ..

بدأ بالكلام فاخبرهم أن عبدالرحمن استخدم السكرتير ( سلطان الفهد ) ليتمكن من الولوج لكل ما يريده من أمور عادل الخاصة .. أرقام سرية و مفاتيح المكتب و المصعد الخاص به .. وقرر عبدالرحمن سلب الكثير من أموال عادل عن طريق ابتزاز فيصل بصوره و ماضيه المشين , فأرغمه على اختطاف عادل .. واستخدمه ليقوم بالاتصال على بدر ليخبره بشأن المغلفات , و يكون عبدالرحمن هو الطرف المساعد و البريء طوال الوقت .. ولكن فيصل قرر الانتحار في النهاية عندما رأى بأن صوره قد أصبحت في جميع أرجاء الرياض , و أن عبدالرحمن قد سلب الأموال و غدر به و نشر كل ما يمتلك من صور و مقاطع تخصّه ! ..

كانت هذه الحبكة متقنة للغاية , فقد قرر عادل و فيصل حبك القصة على هذا النحو , و جعل جميع أصابع اللوم و الاتهام تتوجه نحو عبدالرحمن بشكل لا متقن لا يقبل الشك .. و مع السكين ذات بصمات عبدالرحمن , و منزله الذي كان عادل نائمًا فيه , اقتنع الجميع بأن عبدالرحمن هو العقل المدبّر لكل شيء , مستغلًا صحبته لعادل من أجل سلبه أمواله و تشويه صورته ..

و بعد عدة أسابيع من التحقيق المتواصل في شأن القضية , ثبتت جميع التهم على عبدالرحمن :


( القتل عمدًا , الاختطاف , سرقة الأموال و الابتزاز ! ) ..


**********


( الليلة التي تسبق انتحار فيصل ) ..


الساعة 12:00 بعد منتصف الليل :

توقفت سيارة الأجرة أمام منزل عاش فيصل الكثير فيه ! .. نزل و اتجه إلى الباب .. باب منزل عبدالرحمن !

هذا المنزل الذي استقبله عندما بدأ كل شيء , و الذي آواه عندما كان في أشد حالاته اكتئابًا و حزنًا .. و ها هو الأن يحوي في داخله توأمه ..

دخل فيصل إلى المنزل الذي نسخ مفتاحه سرًا بعدما أخذه من عبدالرحمن , و اتجه إلى الغرفة التي أمر سلطان أن يضع عادل فيها .. دخل إليها و رأى أخاه مستلقيًا على الأرض كالميت , كان العرق ينزل من كل مكان في جسده , و هو يرجف بشدة و قد ازرقت شفتاه , علم فيصل أن معدل السكر قد انخفض جدًا , ولكنه اشترى له الأدوية اللازمة قبل أن يجيء , و احضر له بعض الطعام و السكريات التي ستعيده لوضعه الطبيعي ..

كان فيصل قد فكر في كل ما سيقوله لينهي الأمر مع أخيه , لينهي كل شيء حصل من قبل .. ليخبره عن كل ما يجول في رأسه , و السبب الحقيقي وراء كل ما يفعله تحت مسمى " انتقام " .. !!!

اتجه فيصل نحو عادل و رفعه عن الأرض و بدأ بعلاجه و إطعامه حتى يستعيد وعيه .. حتى يكون مستوعبًا لكل ما سيقوله فيصل .. و ما أن استعاد عادل وعيه حتى قال ذاك بهدوء :

" كيف تشعر الآن ؟! "..

اعتدل عادل بجلسته و اسند ظهره على السرير وهو يقول :

" اسمع , لن أقاومك بعد الآن أو أطيل الحديث معك , فقط أخبرني ماذا تريد ! "..

رفع فيصل نظره إلى عادل وهو يقول :" حسنًا , من أين سأبدأ بالحديث ! .. أمِن المراهقة ؟.. أم ما بعدها ؟! .. لقد كانت تلك الأيام هي أسوأ ما مر علي في حياتي .. كل ذاك التيه , الضياع .. لا أعلم كيف ظللت حيًا إلى الآن ؟! .. إنها معجزة أليس كذلك ! .. لقد كنت في أتعس أيام حياتي على الإطلاق , ولكن أتى ذاك اليوم الذي بدأ شيء من الأمل ينمو بداخلي , لقد التقيت بصديقنا محمد , صديقنا في المدرسة الثانوية , كنت في الرابعة و العشرين على ما أعتقد .. لقد قال لي ذاك اليوم بأنك كنت تبحث عني بعدما خرجت من المنزل .. !

لقد كان يكفيني سماع ذلك ليتبدد كل ما في قلبي عليك ! .. أنا سيء هذا صحيح , ولكن كان يكفيني أن أعرف بأنك كنت نادم على صمتك , و أنك قلبت الدنيا بحثًا عني .. ما أن سمعت هذا حتى اختفت كل الضغينة التي أحملها تجاهك ! .. و قد اختفت بالكامل بعدما زرتني في المشفى عندما تعرضت لنوبتي القلبية , و قد أكدّت كلام محمد و قلت بأنك كنت تبحث عني فعلًا .. "

تحدث عادل قائلًا :" و كذبة موتك ؟ .. كيف استطعت خداعي طوال هذه السنين ؟! .. كيف لك أن تفعل هذا ؟! .. أنت تعرف أني لم أكن لأتركك وحيدًا حتى لو قتلني والدي في ذاك الحين ! "..

" الكذبة ؟! .. كنت بأمس الحاجة إليها .. لقد كنت أريد الخروج بالكامل من حياتك حتى أراك عن قرب ! .. كل تلك المشاريع الخيرية التي فعلتها من أجلي , لقد عرفت بشأنها , و علمت بأنك لم تمس حصتي من ورث أبي .. كما لو أنني كنت حيًا ! , لقد تركت تلك الحصة لي بالكامل , سخرتها كلها من أجل سعادتي في آخرتي , و الآن تعتقد بأني سوف أضرّك بعدما فعلت هذا من أجلي ؟! .. "

" لم كل هذ إذن ؟! .. الاختطاف , و إدخال ابني في متاهات ليس لها نهاية .. لم هذا كله ؟! "..

" هذا كله ؟ .. إنه ليس لك , و ابنك بدر ليس سوى مظهرًا أخفي وراءه المقصود الحقيقي في كل هذا الأمر, إنه عبدالرحمن .. !

طوال هذه السنوات من الصحبة التي تجمعكما , لم يتردد لحظة في التخطيط من أجل الإيقاع بك و بحياتك ! .. لقد كان يريد الانتقام لي , لقد ظل يحرضني على الانتقام منذ سنوات .. وعندما شعرت بذلك , بدأت أرى ملاكًا وسط جحيمي ! ..

لقد بدأت أنسى كل ما تعرضت له من مصائب و اتجه تفكيري نحوك أنت , يكفي ضياعي أنا , لم قد تضيع أنت أيضًا !؟ .. لذلك , ماشيت عبدالرحمن فيما أراد , طلبت منه أن يخبرك بشأن وفاتي , و لم يتردد لحظة في الكذب عليك .. عندها علمت بأنه هو الوحيد الذي اريد الانتقام منه , ذاك الذي يريد أن يطعنك في الظهر , لقد شعرت أنني ملاكًا في الجحيم أتعي ذلك ؟ ".. ضحك فيصل و هو يكمل كلامه :" كل هذا .. كل هذه الصور و ما أفعله بك ليس سوى شكليات .. أنت لست سوى كبش فداء يا عادل ! .. كان علي أن أجعلك تعاني قليلًا .. ! "

صمت فيصل لولهة تحت أنظار عادل الحائرة , و ما لبث طويلًا حتى قال :" غدًا صباحًا , سينتهي كل شيء .. سيلقى عبدالرحمن جزاء خيانته و نفاقه لك .. ولكن لن أحصل على شرف مشاهدة الأمور و هي تتلاشى .. و العقد وهي تتفكك ! .. "

" ماذا تقصد ؟! "..

" لقد انتهى دوري في كل شيء , لقد كشفت لك من كان يخونك .. عبدالرحمن , و سلطان أيضًا لم يكن بالسهل , لقد كان يزودنا بكل ما احتجاه عنك ! .. فرأيت أنه بحاجة للتأديب , المؤبد !! "..

" ولكن .. "

" ماذا يا عادل ؟! "..

" كيف ستجعل كل التهم موجهة نحو عبدالرحمن ؟ .. كيف ستخرج نفسك ؟! .. "

ابتسم فيصل وهو يقول :" في الماضي , لم تستطع تزكيتي و اقناع والدي بأني لست حقيرًا, ولكنني سأعطيك فرصة ثانية , غدًا , أريد منك تزكيتي , ولا تصمت كما فعلت من قبل .. استغل الفرصة .. اجعلني ملاكًا يا عادل .. "

رفع فيصل باطن يديه نحو عادل وهو يقول :" انظر , لا بصمات لي ! .. لا يمكن اثبات أي شيء علي .. يمكنك أن تحبك القصة مثلما تريد , ولكن اجعل عبدالرحمن مذنبًا , لأنه فعلًا كذلك ! .. اكسره قبل أن يكسرك هو ! "..

اخفض عادل رأسه وهو يفكر في كلام أخيه ! :

" كيف سأنسج القصة ! .. كيف ؟! ".. " ولكنه قطع تفكيره ذكرى ما يريد التأكد منها , فسأل فيصل قائلًا :

" أين كنت تعيش بعدما خرجت من المنزل يا فيصل ! قبل 30 عامًا ؟! "..

نظر فيصل حوله وهو يقول بهمس :

" هنا ! "..

نهض وخرج من الغرفة , و لكنه توقف قليلًا بمحاذاة الباب و هو يقول :" إلى اللقاء "..

" إلى أين ؟! .. أين ستذهب هذه المرة يا فيصل ؟! .. ألم يحن الوقت لترتاح ! "..

" لن أرتاح أبدًا , قيل لي مرة بأن الموت راحة , سأجربه , مع أنني أشك في صحة الأمر , ليس هناك راحة أبدًا "

خرج فيصل من المنزل , ولكن صراخ عادل خلفه كان في ازدياد , كان يصرخ باسمه طالبًا منه الرجوع .. ولكن فيصل أكمل طريقه نحو المجهول .. منتظرًا الصباح ليأتي .. و العمر لينجلي !!




****


.. انتهت ولله الحمد ...
.. في الخامس عشر من يناير 2015 ..

كانت هذي أول تجربة لي بالكتابة و ان شاءالله ما رح تكون الأخيرة ..
شكرًا للعضوات الحلوات اللي كانوا متفاعلين معي , و اللي كانوا يقرأون بصمت ..
شكرًا ع الوقت اللي أخذتوه من أيامكم عشان تقرأوني ..

ولي بكم لقاء آخر بإذن الله ..


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-02-16, 12:13 PM   #30

moonybash
 
الصورة الرمزية moonybash

? العضوٌ??? » 302990
?  التسِجيلٌ » Aug 2013
? مشَارَ?اتْي » 61
?  نُقآطِيْ » moonybash is on a distinguished road
افتراضي

شكرا لامارا
قصة مشوقةمختلفة عن اغلب الروايات استمتعت بقراءتها


moonybash غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:05 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.