آخر 10 مشاركات
عشق من قلـب الصوارم * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : عاشقةديرتها - )           »          القرصان الذي أحببته (31) للكاتبة الأخاذة::وفاء محمد ليفة(أميرة أحمد) (كاملة) (الكاتـب : monny - )           »          الوصــــــيِّــــــة * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : البارونة - )           »          وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          فضيحة فتاة المجتمع الراقي (83) لـ:مورين شايلد (الجزء1 من سلسلة فضائح بارك أفينو)كاملة (الكاتـب : * فوفو * - )           »          في أروقة القلب، إلى أين تسيرين؟ (الكاتـب : أغاني الشتاء.. - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة

Like Tree35314Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-06-19, 09:38 PM   #12131

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي





*
*
*



نظرت جانباً تبعد خصلة من شعرها عن عينيها وهامت بنظرها

حيث البعيد هناك أسفل المنحدر الصخري حيث يجلسان ...

كان ثمة وادٍ منخفض تكاد ترى بوضوح تفاصيل صخوره

الكبيرة يليه مساحة واسعة من الأشجار الطويلة المتراصة

والحشائش المتداخلة بينها ثم مساحة لا نهاية لها من اليابسة

تكاد ترى الجبال خلفها كسراب باهت من شدة ابتعادها فبعد

ساعات طويلة من السير بالسيارة قرر بأنه عليهما الوقوف

ليصليا الظهر والعصر ويتناولا الطعام فانعطف بالسيارة عن

الطريق المعبد لمكان ترى بأنه أبعد ما كان يمكنه الوصول له

لينزلا فيه ! أنزل بساطاً كان يحتفظ به في سيارته الحوض

وفرشه على الأرض ليجلسا عليه وخمنت بأنهما لم يغادرا

مدن الحالك بعد ولها أن تتخيل كم بقي أمامهما وكم

سيحتاجان من وقت .

رفعت قطعة لحم أخرى ما أن ابتلعت التي كانت تأكلها
ووضعتها في فمها فقد اقتصرت وجبة الغداء تلك على قطع من

لحم الدجاج المشوي الموضوع في قالب بلاستيكي مقسم

لأجزاء وبعض السلطة المقطعة وأصابع من البطاطس المقلية

ورغيفا خبز سيكون قوتهما لساعات قد تتجاوز مغيب الشمس

بكثير ، رفعت نظرها له فكان ينظر لها ويمضغ الطعام فهربت

بنظرها منه حين لم يفعلها هو ولم تستطع مقاومة إغراء أن

تنظر له مجدداً فكانت النتيجة كسابقتها مما جعلها تغص

باللقمة في فمها وسعلت تضرب بقبضتها على صدرها ففتح

قارورة الماء بسرعة وأعطاها إياها فأخذتها سريعاً وشربت

منها وما أن أبعدتها مسحت شفتيها بظهر كفها ثم عينيها

الدامعة وهمست ببحة

" يا إلهي ظننت بأنني سأموت "

وما أن رفعت نظرها له كان ينظر ليده التي يقطع بها قطعة من

اللحم وعلى شفتيه ابتسامة خفيفة لم تفهم بسبب ما قالت أم

بسبب ما جعلها تغص بالطعام قبل قليل ؟! وشعرت بوجهها

يحترق خجلاً فشغلت نفسها بإغلاق القارورة ووضعتها جانباً

ثم رفعت قطعة بطاطا وأكلتها وقد قررت التوقف عن أكل اللحم

وعادت نظراتها تراقبه وقد اختار هو هذه المرة النظر جانباً

وقد شرد به للبعيد حتى أنه أكمل اللقمة التي كانت في فمه ولم

يأكل غيرها فقالت ونظراتها تنتقل بين ملامحه

" أثمة من يكون عابساً متجهماً هكذا وهو يذهب لزيارة

شقيقته التي لم يراها منذ وقت ؟ "

وحاولت قدر الإمكان أن تجعل جملتها تلك خفيفة ممازحة

ترافقها نبرة باسمة فنقل نظره من هناك ليده التي لازال يمسك

قطعة الخبز فيها وقال بوجوم شارد

" شقيقك فقط من قد يفهم ما أشعر به الآن إن فكر يوماً في

زيارتك "

فاختفت ابتسامتها كما ذبلت ملامحها بشحوب حزين وشعرت

بألم لا يمكنها وصفه ولا فهمه أيضاً يفتك بقلبها وقالت بحزن

" لا يمكنني تصور ذلك وبأن تكون قد خذلت شقيقتك وتركتها

وأنت لم تتخلى عني أنا التي لا أقرب لك ...! لن أصدق وإن

رأيت ذاك بعيني "

رفع حينها نظره لها وقال بجدية

" هل تغفرين له إن التقيته يوماً يا مايرين ؟ "

تنقلت نظراتها بين عينيه ولم تفهم ما علاقة شقيقها ولما يسأل

مثل هذا السؤال ؟ وملأت الدموع عينيها ما أن تخيلت ذلك فقط

وأن تراه أمامها بالفعل وقالت ببحة بكاء

" إن كنت سأغفر له كل ما مررت به منذ تركني ورحل فمن

أجل أمر واحد فقط وهو .... أن جعلني ذلك أكون زوجة لك "

وانزلقت دمعتان على وجنتيها المتوردتان من شدة البياض

وعلقت عبرتها في حلقها فهي لم تستطع منع نفسها من قول

ذلك فلا يمكنه الاستمرار في النظر لنفسه بتلك الطريقة ..

وليعلم بأنها حمقاء تكشف عن مشاعرها كطفلة لا يهم فهي

تعبت بالفعل من حبسها داخلها حتى تقتلها ، أغمضت عينيها

برفق ما أن رفع يده لوجهها ومسح إبهامه الدمعة عن وجنتها

نزولا لشفتيها ووصلها صوته هادئاً عميقاً

" وأنت عزائي الوحيد في الغربة التي أعيشها يا مايرين "


ففتحت عينيها الدامعة ونظرت له وابتسمت من بين حزنها

ودموعها وسبابته لازالت تلامس شفتها السفلى فهذه المرة

الأولى التي يتحدث فيها عن مكانتها في حياته وعالمه ! وها

قد فعلها أخيراً وليته يعلم فقط ما فعله بها بذلك .


أنزلت رأسها فابتعدت يده عنها بذلك فقد شعرت بأنها بدأت

تفقد السيطرة على مشاعرها وكانت ودون تردد ستمسك بيده

وتقبل باطنها وقد منعت نفسها عن فعل ذلك بصعوبة تمسك

أصابعها تشدها بتوتر وعاد الصمت يسيطر على تلك الأجواء

المضطربة والذي لا يشوبه سوى صوت الهواء الذي يضرب

الصخور فرفعت نظرها له حين قال ونظره قد عاد ليهيم في

البعيد حيث كان

" أتعلمي بأن ما خلف تلك الأرض الواسعة يكون مدن ثنان

وأن تلك حدودهم "

نظرت حيث ينظر وهمست بدهشة

" الثنانيون !! "

وكم حمدت الله أن تغير مجرى حديثهما خصوصاً ما قالت هي

فقد نكتسب الشجاعة فجأة لكننا نفقدها وبشكل مريع بعدها

على الفور ولولا ذلك ما كان ثمة ما يسمى الندم .. لكنها لم

تندم ... أجل هي ليست نادمة بما أنها حصدت نتيجة ما ،

شعرت بقلبها ينفعل وبشدة ما أن نظرت له بالرغم من أنه كان

لازال ينظر هناك وقد قال

" أجل فمن هنا وحتى حدود صنوان مع الحالك تكون أراضيهم

واجتياز ذاك الفاصل الترابي ممنوع على الطرفين حسب

اتفاقية توحيد البلاد التي وقعها معهم مطر شاهين قبل

رحيله "

نقلت نظراتها في ملامحه وهو ينظر لأصابعه قبل أن تقول

باستغراب

" كم هو غريب هذا ...!! أن تنقسم البلاد بين شعبين بدون

حدود ولا هوية أمر غريب بالفعل ! "


قال وقد عاد بنظره هناك

" ما كان ثمة حل آخر لهذا لكُنا سنحاربهم لآخر الزمان ..

ووضعهم هنا أفضل بكثير مما هو عليه في الدول المجاورة

فهم يعيشون مأساة حقيقية "


وتابع ونظره ينتقل لعينيها المحدقة به

" وها هو مطر شاهين يحاول دمجهم مع أطياف البلاد

وإعطائهم هوية حقيقية وهذا أمر لم يسبقه له أحد "


فاتسعت حدقتاها الخضراء الباهتة وهمست بما يشبه الصدمة

" يصبحوا مثلنا تماماً تعني ويعيشون معنا ؟! "


أومأ برأسه وقال

" أجل وإن كان لدينا تلفاز لكنتِ علمت عن ذلك من نشرات

الأخبار التي عجت بالحديث عنه وهو يسعى الآن لفعل ذلك

وبكل الطرق ورغم جميع المعوقات "


فنقلت نظرها هي هذه المرة حيث الأرض التي تختفي مدنهم

البعيدة خلفها وقالت باستغراب

" أترى ذلك سينجح ؟ حياتهم ليست مثلنا كما عاداتهم

وتقاليدهم وحتى منازلهم أيضاً !! "


فقال ونظره لا يفارق ملامحها وجانب وجهها المقابل له

تتراقص أمامه خصلات من شعرها الأشقر

" هذا ما سيكون غريباً وصعباً الآن لكن بعد عشرة أعوام

ويزيد سيكون الوضع مختلف تماماً حتى أنك ستجدي بأن

أغلبهم إن لم يكن جميعهم قد اعتنقوا الإسلام فهم لا ديانة لهم

يتعصبون لها ... لو أنه تم دمجهم مع المجتمعات من أعوام

لما كنتِ الآن تستطيعين التفرقة بينهم وبين العرب في البلاد

ولكان لهم نفس الديانة والعادات والتقاليد لكنهم همشوهم

ومارسوا عليهم جميع أنواع الاضطهاد وطُوردوا في كل مكان

وهم من عاش في البلاد من قبل العرب "

فهمست ولازال نظرها هناك

" كم يبدو لي تفكيره غريب ! هو يقرر وينفذ ما يراه في

مصلحة الجميع وإن رفضوا ذلك "


نظر ليديه ينفض بقايا الخبز واللحم منها قائلاً

" ذاك الرجل رائع وفي كل شيء ولن تعرفي الحقيقة الفعلية

لذلك إلا حين تريه أمامك وتتحدثين معه "


ورفع نظره لها بسرعة حين استفاق لنفسه وما قال وكما توقع

كانت تنظر له بصدمة وقد قالت من فورها

" أرأيته أنت وتحدثت معه ؟ "

وقرأ في عينيها فوراً بأنها فهمت سبب مغادرته تلك الليلة

والرجال الذين غادر معهم وربطت الأمور في دماغها بالتأكيد

فقال ما لم يعد يجدي الهرب منه

" أجل فقد كان الفتى الذي أخذ سيارتي ليلة صدمتك بها يعنيه

بطريقة ما لا أعلمها وقد تعرض لحادث بها فسألني عن بعض

الأمور ولا تسأليني عن أي شيء فأنا حقاً لا أعلم "


لكن الأسئلة التي يتوقعها لم تكن جميعها ما يدور في خلدها

حينها وذاك ما كان واضحاً من عينيها التي كانت تكاد تتحدث

نيابة عنها وتعلم وموقنة من أنه كان يفهمها جيداً وقد امتلأت

بالدموع سريعاً وهمست ببحة

" ألا زال على قيد الحياة ؟ "


نظر لعينيها بصمت وكان يعلم بأن ذاك ما ستسأل عنه


وستتوقع أن يكون سأله بخصوصه فوحده من يملك الجواب

لأنه اختفى باختفائه ورجاله وتناقضت الشائعات بعدها بين

موته ورحيله معهم ، تنفس بقوة متنهداً وقال

" بلى لازال على قيد الحياة وهو خارج البلاد "


فوقفت حينها وابتعدت عنه واقتربت من حافة المنحدر أناملها

تغطي شفتيها وشهقتها الباكية تصله بوضوح ودموعها تنزل

دون توقف ولم تكن تتخيل أبداً بأن خبراً كذاك قد يؤلمها

وبشدة هكذا بدلاً من أن تسعد به ! فمأساتها التي مرت أمامها

حينها باليوم واللحظة لم تخلف سوى دماراً وسواداً مخيفاً في

روحها ولم تستطع ولا تذكر لحظاتهما الجميلة في طفولتها

بالرغم من فارق السن بينهما وكل تلك الأقاويل التي تتقاسم

نسبها وحكايتها .


أغمضت عينيها الدامعة بقوة حين شعرت بيديه على ذراعيها

قبل أن تحيط ذراعيه بجسدها وحضنها بقوة فالتفت أصابعها

حول ساعده لازالت دموعها تتساقط من عينيها كما عبراتها

الموجعة وأغمضت عينيها مجدداً حين قبّل رأسها ثم طرف

وجهها يحضنها بقوة أكبر فابتعدت عنه وتركها هو من فوره

واستدارت نحوه وارتمت في حضنه وطوقتها ذراعيه سريعاً

يحتوي بكائها وعبراتها المتقطعة ينظر للبعيد بحزن ويفهم

جيداً مشاعرها وما تشعر به ، مسحت يده على شعرها وقال

ونظره لازال هناك

" هذا ما يفعله خذلان الشقيق وتخليه عن شقيقته يا مايرين

... تعلمين الآن بالتأكيد ما أشعر به ؟ "


ابتعدت عنه ونظرت لعينيه وقالت بعبرة

" لا أصدق ذلك ... لا يمكنني أن أتخيلك تفعلها "


أبعد نظره كما وجهه عنها جانباً وقال ببؤس

" بلى وكانت ستموت لو لا الله ثم لو لم يدركها زوجها

ويخرجها من المنزل ولم يكن وجوده هناك سوى مصادفة ...

كانت ستموت محترقة بسببي وأنا من وعدتها أن أرجع

لأخرجها من هناك تلك الليلة "

وشد قبضتيه بجانب جسده بقوة وتابع بقسوة

" لن يشفع لي شيء ذلك ولا أي أسباب ولا فقدي

لسيارتي ليلتها "


نظرت له بصدمة وعلمت حينها باقي خبايا الحكاية ... يا إلهي

ما هذا الذي تفعله هي بالبشر ؟

يالها من لعنة حقيقية ! حركت رأسها بقوة وقالت ببكاء

" بل أنا السبب وليس أنت .. أنا من يفترض بأن يقع عليه

اللوم فلولا ظهوري أمام سيارتك فجأة لكنتَ ذهبت لها

وأخرجتها قبل أن يحترق المنزل .... أنت لم تذنب في شيء بل

كنت تنقد فتاة من قدرها المحتوم وهو الشارع ومنازل

الرجال ... "

وحركت رأسها نفياً وتابعت وبكائها يزداد حدة

" لست أنت المذنب بل أنا التي حللت بلعنتي عليك و.... "


أسكتها ملامساً شفتيها بأنامله وقال ينقلهم لوجنتيها

المتوردتان بشدة يمسح الدموع عنها ينظر لعينيها الدامعة

" أنت قدري يا مايرين ولا أحد يهرب من قدره .. ولعله كما

قال يمان أرسلني الله لك ولذاك الفتى لأنقذكما بينما أرسله

هو لشقيقتي "


راقبته بعينين دامعه وأصابعه لازالت تتحرك على وجنتيها

تمسح الدموع عنها وهمست ببحة

" ولازلت ترى نفسك مذنباً في حقهاً ! ليت الأشقاء

جميعهم مثلك "

انتقلت أصابعه لطرف وجهها ونظر لعينيها وقد عانقت شفتيه

ابتسامة صادقة ولأول مرة منذ غادرا بل ومن وقت دخوله

المنزل ليلة البارحة وقال

" تتمنين أن كنت شقيقك فعلاً ؟ "

فشعرت بضربات قلبها تتعالى بجنون حتى كادت تصم أذنيها

وخشيت أن يسمعها وارتجفت شفتاها بابتسامة خافتة رقيقة

وهمست بعينين دامعة

" ومن أين كنت سأجد رجلاً مثلك أتزوجه إن كنت شقيقي ؟ "

وشعرت بالدماء تتصاعد في جسدها وصولاً لوجهها وجاهدت

نفسها بصعوبة كي لا تبعد عينيها عن عينيه حيث علقتا في

نظرة طويلة عبّرت عن الكثير وإن لم يقولاه وأغمضت

عينيها تتنفس بعمق حين تحركت أصابعه على طرف وجهها

وكاد قلبها يتوقف فهي انتظرت وبلهفة أن يُعلق على ما

قالت .. أن تسمع شيئاً مما رأته في عينيه تلك اللحظة لكنها

لم تتوقع قطعاً ما حدث حينها وهي تشعر بأنفاسه الدافئة

تختلط بأنفاسها وسرت الحرارة في جسدها كالسعير حين

شعرت بملمس شفتيه على شفتيها .. وكانت قبلة صغيرة

رقيقة سرعان ما لحقتها أخرى أعمق منها ثم أخرى وثالثة

ورابعة لا نهاية لها ...

وأصابعه تغوص في شعرها أكثر تشدها ناحيته ويدها ودون

شعور منها كانت تقبض قميصه ناحية صدره حيث كانت

ترتاح قبل قليل ... أكانت حقاً تعلم حقيقة مشاعرها ناحيته ؟

أكانت بالفعل تحب علاقتهما وكما هي ؟ كاذبة ... هي كاذبة

بالتأكيد بعدما عرفت هذا واختبرته ! فهي لم تحبه قط لم

تعرفه أبداً ولم تقترب منه ولا من حضنه وترهات جميعها

كانت تلك .


سحبت الهواء لصدرها بقوة حين أبعد شفتيه موقفاً كل ذاك

الشغف المحموم وأنزلت رأسها فوراً تلمس شفتيها بظهر

أناملها قبل أن تنزل بها لصدرها الذي كان يرتفع وينزل بقوة

فلم تكن تتوقع أيضاً بأن تشعر بكل تلك الغربة والوحشة حين

يبتعد عنها ...!! يا إلهي ما هذا الذي يحدث معها !! أهي

مجنونة به لهذا الحد ؟ ومن التي تعرفه وتقترب منه ولا

تكون كذلك ؟ من هذا الذي يمكنه لومها ولا حتى نفسها ! .

" علينا المغادرة الآن فالطريق لازال طويلاً أمامنا "

كان ذاك كل ما قاله بنبرة ظهر التوتر فيها واضحاً وهو

يتوجه نحو البساط ليرفعه فلبست حجابها بسرعة وسبقته

للسيارة تجمع شتات نفسها وتلملم ارتجاف أطرافها لوحدها

وبعيداً عنه .


*
*
*


انتهت من ترتيب ثيابها التي جلبتها معها وباقي حاجياتها في

الخزانة بعد وقت ليس لكثرتها بل لأنها ترفض تشويه جمال

ذاك المكان ولا بفوضى صغيرة ، ثم انتقلت لمذكراتها

ووضعتها على الطاولة الرخامية بقرب النافذة ووضعت حقيبة

يدها في الخزانة أيضاً وما أن أغلقتها التفتت للباب الذي

طرقه أحدهم قبل أن يُفتح ودخلت منه التي غادرت قبل وقت

قائلة بابتسامة

" عمي هنا ماريه إن كنت تودين رؤيته "


فابتسمت لها من فورها ممتنة لأنها جاءت بنفسها بدلاً من أن

تطلب من إحدى الخادمات إبلاغها وأخذها حيث سيكون ..

أي أنها سترافقها وهذا سيساعدها في التخفيف من إحراج

مقابلته ، رفعت سترتها وارتدتها سريعاً وخرجت خلفها

تُخرج شعرها من تحتها وأغلقت الزر الوحيد فيها وقد كانتا

وصلتا بهو المنزل حينها وتوقعت أن تصعد بها إحدى السلالم

التي احتلت جانبيه الشرقي والغربي لكنها سلكت اتجاه آخر

مستقيم حيث كان ثمة باب مرتفع مزخرف بفخامة وكأنه باب

قاعة احتفالات في إحدى الفنادق ! وطرقت عليه طرقتين

متباعدتين قبل أن تدير مقبضه النحاسي الكبير غريب الشكل

ويُفتح بدفعة منها وكأنه قطعة من الجدار لعلوه واتساعه !

والأغرب من كل ذلك أنه لم يصدر عنه أي صوت وهي من

كانت تتخيل بأن يكون له صرير مرتفع وكأنها بوابة كهف

حجري !!

أنزلت نظرها وابتسمت بإحراج للتي نظرت لها خلفها

وابتسمت مومئة برأسها لتتبعها ودخلت فبلعت ريقها بتوتر
ومسحت يديها المتعرقتان في قماش تنورتها الطويلة

المصنوعة من الشيفون ودخلت خلفها ليقع نظرها فوراً على

الواقف عند أحد أرفف المكتبة التي احتلت أغلب جدران ذاك

المكان الواسع ويبدو بأنه كان يبحث عن شيء ما هناك ..

وراقبته بفضول حيث كان يرتدي بذلة سوداء فاخرة وقد

غطى الشيب أغلب شعره الذي يبدو لم يفقد منه شيء فقلما

ترى رجلاً في عمره يحتفظ بجمال شعره هكذا وإن فقد

لونه ...!

لم تكن ملامحه تظهر لها بشكل جيد لكن جسده الطويل

المستقيم لم يكن مماثلاً لما تخيلت لرجل أحفاده جميعهم

اجتازوا سن الرشد ! هذا يبدو أكثر صحة وحيوية من

مخيلتها والصورة الغبية التي رسمتها له ! كما يبدو بأنه زار

المنزل الآن وسيغادر قريباً .


قالت الواقفة بجانبها مبتسمة

" عمي هذه ماريه هنا تريد أن تسلم عليك "

فبلعت ريقها بصعوبة وضمت يديها لبعضهما حين التفت

برأسه أولاً جهتهما مبعداً نظره عن الأوراق التي كان يقلبها

في يديه فعلقت نظراتها على ملامحه وكأنها تنتظر الفرصة

فقط لتراها ففي كلا الحفلين السابقين لم تجد وقتاً ولا لذلك ...

وما اعتقدته كان صحيحاً فالواقف أمامها بالفعل يستحق أن

يرتبط باسم ضرار السلطان .. ملامحه الارستقراطية والتي

تراه أورثها لأحفاده وخصوصا وقاص .. نظرته التي لا تدل

سوى على الذكاء والفطنة كما الجد والحزم الشديدين زادتها

الخطوط حول عينيه وشفتيه القاسية فلا يمكنك أن تصنفه

ممن اجتاز عمرهم السبعون عاماً بل وليس بإمكانها تخمين

سنه الحقيقي أبداً !! .


استدار بكامل جسده ناحيتهما فتحركت من مكانها حينها حتى

كانت أمامه ومدت يدها له قائلة باحترام

" سعدت بلقائك سيدي وأتمنى أن لا تكون زيارتي مصدر

إزعاج لأحد "

صافحها ممسكا يدها بقوة بالنسبة لكفها التي لا تقارن بكفه

الكبير وقال ناظراً لعينيها

"وأنا سعيد برؤيتك ماريه وهنا منزلك لن تزعجي

فيه أحداً "

ابتسمت له شاكرة وتركت يده يدها وقد قال بذات نبرته

المتزنة العميقة والجادة

" ولا تناديني بسيدي فأنا لا أحب هذه الشكليات بين

أقاربي "

ابتسمت محرجة ولم تتوقع قطعاً أن يصفها بأنها فرد من

عائلته فليست سوى زوجة ابن شقيق زوجة ابنه !

بينما تابع هو بابتسامة تشبه شخصيته وجديته

" أم أنك كزوجك ستعاندين على ذلك "


ابتسمت وقالت ببعض التردد

" لا قطعاً ... جدي وشكراً لك "

فابتسم لها بوقار ونظر جانباً ومال بجسده قليلاً وأمسك بعصا

أنيقة برأس مذهب كان يريحها على خشب أرفف المكتبة لم

تنتبه لوجودها وتحار فعلاً فيما يحتاجها !!

وكم شعرت بالارتياح حين غادر من هناك حاملاً تلك الأوراق

معه وآخر ما قاله بقي صداه في المكان الواسع تشعر به وإن

كان ليس موجوداً

" تصرفي وكأنك في منزلك "

*
*
*


فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 09:39 PM   #12132

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*






وقف أمام باب شقته ونظر لساعته قبل أن ينظر جهة الباب

المجاور لها والذي كان مغلقاً يعلن عن الهدوء التام القابع خلفه

ولازال قلبه ينبئه بل ويحذره من أن صمتها وسلامها هذا ورائه

كوارث الله وحده من يعلمها ... تجاهل كل ذلك مستغفراً الله

بهمس وغرس مفتاحه في الباب أمامه فما يحتاجه الآن وبعد يوم

مرهق في الشركة أن يتناول الطعام وينام فور أن يصلي العشاء

كالعادة ليستعد ليوم آخر يشبه سابقه تماماً .... تماماً !! أهو

واثق من ذلك ؟! لا بالطبع ليس وثمة من بات يشاركه المكان

هنا .. وها هو وكما توقع ما أن فتح الباب وجد نفسه في مكان

بالكاد بات يعرفه وأوله أنوار المكان المضاءة جميعها حتى تلك

المعلقة في زوايا الجدران والمخفية في ديكور سقفه فما الحاجة

لكل هذا النور وكأنها مدرسة أطفال !

تنفس بعمق وأغلق الباب ودخل فليس ذاك وحده ما كان في

استقباله بل ورائحة الأزهار البرية المنتشرة من الفواحات

الكهربائية ... وليس رئتيه وأنفاسه فقط ما تم استقباله بذلك بل

وعينيه أيضاً فباقات الأزهار البيضاء الجميلة كانت في جميع قطع

المزهريات الخزفية الموجودة هناك ، تمتم بضيق وهو ينظر

حوله وكأنه يبحث عن أحدهم

" هذا وقد نبهتها "
فخرجت حينها المعنية بالأمر من باب المطبخ وكأنها سمعته

وقالت مبتسمة وقد رفعت كتفيها

" لا تنظر لي هكذا فأنا لم أخرج ولم أخالف التعليمات "

كانت هذه المرة أيضا ترفع شعرها للأعلى وتضع ذات المشبك

الأبيض فيه لكن فستانها تغير بآخر أطول منه وكماه بالكاد تجاوزا

مرفقيها ، نظر للمكان حوله مجدداً وما أن كان سيتحدث سبقته

قائلة بذات ابتسامتها

" ثمة اختراع قديم يسمونه الطلب عبر الهاتف فيأتيك كل ما

تريده لباب منزلك "

عاد بنظره لعينيها وقال عاقداً حاجبيه

" ومن أين دفعتِ ثمن كل هذا ؟ "

رفعت كتفيها قائلة بضحكة صغيرة

" لم أدفع بالطبع فقد أرسلت بالفواتير لشركتك هناك "

حدق فيها باستغراب في نظرة فهمت منها على الفور بأنه لا يعلم

عن هذا شيئاً فأين ذهبوا إن لم يكن له !

رفعت حاجبيها وقالت بابتسامة مائلة

" ما كانوا ليتركوني وشأني كل هذا الوقت إن لم يأخذوا المال فهل

دفعت لهم ؟ "

نظر لها بصمت لبرهة قبل أن يخرج هاتفه من جيبه واتصل بالتي

أجابت من فورها قائلة

" مرحبا سيد كروس .... هل نسيت شيئاً مهما ! "

قال بحاجبين معقودين وملامح لم يفارقها التجهم بعد

" هل وصلت فاتورة ما للمكتب اليوم ؟ "

وبعد مكالمة قصيرة مع سكرتيرته الخاصة فصل الخط ونظر لها

وقال ببرود

" لا يبدوا أنها فاتورة واحدة ؟ "

ابتسمت ابتسامة من وقع في ورطة كان يعلمها وقالت

" حسناً هو كذلك بالفعل فالمطبخ لم يكن يحوي شيئاً

يمكن طهوه "

تمتم ينظر لعينيها الواسعة

" وماذا أيضاً ؟ "

ابتسمت وحركت يدها قائلة ببساطة

" ملاءات جديدة وبعض الأغطية فقط "

ضيق عينيه في صمت فتنهدت باستلام قائلة
" وبعض الشراشف أيضاً ولا أظنك ممن يكرهون التجديد "

دس يده الحرة في جيب بنطلونه قائلا ببرود

" ليس التجديد وحده ما أراه هنا ؟ "

دارت بمقلتيها في المكان متمتمة بإحباط

" حسناً يفترض أنني عروس هنا وينبغي أن تحيط بي السعادة ..

وهنا يأتي دورك "

وأتبعت كلماتها الأخيرة تلك بابتسامة واسعة تقصد المال الذي

دفعه فقال بابتسامة ساخرة

" السعادة !! عليك أن تعلمي بأن نظرة الرجال لهذه الأمور

تختلف عنكن "
قالت باندفاع تحرك رأسها بطريقة السؤال الاتهامي

"وهل تكون الزوجة الجديدة فقط هي ما تجلب السعادة للرجل؟ "

وانفتحت عيناها فوراً بصدمة مما قالت فهي لم تكن تريد صياغة

السؤال بتلك الطريقة ولا أن يخرج هكذا ! كان عليها أن تقول

كلمة ( المرأة ) بدلا من الزوجة .. فضلاً عن كلمة ( الجديدة )

أيضاً ... لا بل كان عليها الحديث عموماً منذ البداية وليس عن

الزواج تحديداً لكن لسانها وكالعادة يورطها فيما لم تكن تقصده

وكل ما يستحقه الآن هو القطع ... بل وكل ما عليها فعله وكالعادة

أيضاً أن تتجاهل ما قالت ثم تنساه سريعاً وانتهى ....

لكن الواقف هناك يبدو كان له رأي آخر ولم يختر تجاهل الأمر

ولا الصمت كما توقعت فقد قال بحزم مغادراً مكانه

" انا لي زوجة واحدة فقط .. وقد رحلت "

فبلعت شهقتها الصامتة ونظرها يتبعه بذهول متوجهاً نحو غرفته

وتحركت من مكانها نحوه وأمسكت بالحقيبة من يده لحظة وقوفه

بسبب ما فعلت فأخذتها منه قائلة بابتسامة وقد استشعر طلباً

جلياً للسماح في نظراتها له

" لن نختلف في هذا فكلانا يعرف الهدف الحقيقي من هذا

الزواج "

وتابعت تضعها على الطاولة الخشبية المرتفعة بمحاذاة الجدار

الفاصل بين غرفته وزاوية جدار المطبخ قائلة بذات ابتسامتها

" كما أن هذا أقل ما تستحقه امرأة مثلها "

ونظرت له ما أن أنهت عبارتها تلك وكما توقعت كان يحدق فيها

باستغراب بل ويبحث عن الكثير مما تعرف في عينيها وهي لم

تجاهد أبداً في إخفائه وأوله الصدق .. ولن يفهم أبداً بل ولن يعلم

كيف وماذا تعلم عن تلك المرأة ... كما ولن يرى صدق حديثها في

عينيها المبتسمتان فقط بل وصدق معرفتها بها مما جعله يلاحظ

نظرتها المحملة بمعانٍ جعلت التساؤلات تتزاحم في خلده واراد

أن يسأل لكنها ودون أن تعطيه الفرصة للاستيضاح قالت وهي

تشير بيدها جهة باب المطبخ وبذات الابتسامة التي لم تفارق

شفتيها

" العشاء ينتظرك فيفضل ألا تدخل غرفتك حتى تتناوله كي

لا يبرد "

نقل نظره بصمت بينها وبين باب المطبخ المفتوح قبل أن ينزل به

على جسدها حين خرج صوت التنبيه الواضح من أحد جيبي

فستانها المخفيان بتفصيله المسقيم المنساب على جسدها فدست

يدها فيه وأخرجت هاتفها ونظرت لشاشته المضيئة بابتسامة

تحولت لضحكة مكتومة وتوجت بعدها جهة باب غرفتها في

الطرف الآخر ونظره يتبعها فها هي المكالمات والمراسلات

المبهمة مجدداً !

تحرك نحو المطبخ ما أم أغلقت باب غرفتها خلفها بهدوء ووقف

ينظر للطعام الموضوع في طرف الطاولة والأمر الذي لم يعتده

سابقاً .. فهو وبحكم ساعات عمله الممتدة حتى المساء كان

يتناول طعام الغداء في مكتبه والمتمثل في الوجبات البسيطة التي

يوفرها مطعم الشركة للعاملين فيها وتجلبه سكرتيرته له ، وعند

مغادرته الشركة إما أن يتناول العشاء خارجاً وبسبب عمله أيضاً

أو يطلب عشاءً جاهزاً يصله هنا ولم يتناول طعاماً منزلياً هكذا بل

ووجبة تخص بلاده تلك منذ لم يعد يذكر متى تحديداً تلك المرة

التي تناوله فيها في منزل شقيقه قبل أن يصبحا شقيقين صورياً

فقط ومنذ زمن بعيد .. بل وذاك انتهى أيضاً منذ بات يحمل

الجنسية البريطانية وإسم كروس دالريمبل عكس شقيقه ذاك

الذي لازال يعيش بهويته الحقيقية .

سحب الكرسي وجلس وبدأ بتناول الطعام الذي لم يستطع نكران

إبداع من أعده والذي جعله يأكل دون توقف .. بينما كانت تلك

اليدين التي أبدعت في تحضيره تمسك بهاتفها وتجلس فوق

سريرها تحدق عيناها في شاشته والمحادثة المسترسلة

الأسطر فيها

( ماذا حدث معك ؟ هل وجدتها ؟ )
( لا هي لم تأتي للحفل )
( متأكدة !! )
( أجل فقد حفظت وجوه الموجودين هناك جميعهم من كثرة
ما بحثت عنها )
( أخبرتك منذ البداية لكنك عنيدة كالبغل)
كتبت مؤنبة ( واااو .. ياله من تعبير لطيف جداً لتشرح غضبك مني )
( لما لا تعترفي بأنها الحقيقة )
( كان يفترض بأن تكون هناك .. بل كنت متأكدة من ذلك )
( وها هو ذاك لم يحدث يا ذكية )
( كان سيحدث ... كان عليه أن يحدث فلم آخذ موافقة مطر بسهولة )
فعقب من فوره وقد استشعرت غضبه
( لكنني لستُ موافقاً وانت تعلمين ذلك جيداً )
فكتبت فوراً راجية أن يعذرها
( أنا آسفة لكنني لن أرجع حتى أحقق ما جئت من أجله )

كانت تعض طرف أصبعها تنتظر تعليقه لكنه لم يأتي ... ذاك

الأحمق لن يفهمها مطلقاً وخوفه عليها بات يشبه الخوف على

طفلة وكأنه قرر معاملتها بالمثل ! كتبت حين يئست من الانتظار

( لم تسألني عن عالمي الجديد هنا ؟ )

وضحكت ما أن أنهى المحادثة وغادر فلم تتوقع منه غير هذا ولم

يخيب ظنها ، حقاً يبدو أنه لن يتغير ابداً ..!

تركت الهاتف بجوارها وتمددت على ظهرها وقد هامت نظراتها

للسقف بلمحة حزن فهي فعلاً لا تعرف كيف سينتهي كل هذا وما

الذي سيؤول إليه ؟ و قبل ان تلتهمها تلك الدوامة اللا متناهية من

الأفكار رفعت ذراعها الايمن لتغطي عينيها به فلن تسمح ولا

بينها وبين نفسها بظهور هذه النظرة في عينيها .. هي حقاً لم

تتوقع أن ينتهي بها الحال زوجة لزوج تلك المرأة بالتحديد !

لكن هذا ما حدث وانتهى ولا فائدة من الندم عليه .. وما يخفف

الأمر عنها هو ولاءه الشديد لها وهذا ما يسهل عليها الأمر .

وعند هذه النقطة ابتسمت بشجن ترفع ذراعها عن وجهها وقفزت

جالسة وغادرت السرير وقد قررت ان تحسن مزاجها الذي لا

تسمح لشيء بتعكيره مطلقاً ... فغادرت الغرفة ووجهتها باب

المطبخ الذي وقفت أمامه تنظر لقفا الجالس هناك يأكل بصمت

وهدوء واتكأت بطرف وجهها على يدها التي كانت تسندها بإطاره

وابتسمت تراقب حركاته البطيئة المرتبة تلك وتذكرت سريعاً ذاك

الغاضب الصامت الذي رأته في الحفل بالأمس والذي خرج من

صلب الجالس أمامها الآن ... متأكدة من أنه استطاع التعرف

عليها وبسهولة كما حدث معها هي .. وكما يبدو جلياً بأنه لازال

غاضباً منها لكنها تعرف جيداً كيف تتصرف حيال ذلك فذاك الطفل

الصامت البارد لازال في نظرها كما هو لم يتغير وتعلم جيداً سبل

التعامل معه .

استوت في وقوفها ودخلت ما أن وقف الجالس أمامها دافعاً

الكرسي خلفه وقد التفت يتبعها بنظره حين اجتازته نحو الطرف

الجانبي للطاولة قائلة بابتسامة

" يبدو أن الطعام أعجلك ولن أصاب بالإحباط الليلة "

قال بهدوء وهو ينحني نحو الطاولة قليلاً

" أجل شكراً لك "

وتابع يرفع الأطباق منها

" سأقوم بهذا لا تتعبي نفسك "

وتحرك نحو المغسلة من فوره فيبدو بأنه فهم جانباً ما من

شخصية هذه المرأة وهي العفوية الدائمة في حديثها كما

ابتسامتها التي لا تفارق شفتيها .. وهذا نوع آخر من النساء لم

يتعامل معه سابقاً ويبدو له لا يحتاج الحيطة والحذر الغريزيان في

الرجل واللذان يطفوان للسطح سريعاً ما أن تدخل امرأة ما عالمه

وإن بشكل عرضي ... والدليل على أفكاره تلك لم يتأخر عنه كثيراً

فقد قالت ضاحكة وهي تتوجه نحو الثلاجة وتفتح إحدى بابيها

" لابأس لا مانع لدي فأنا لست من مناهضي فكرة العدل بين

الجنسين في بعض الأمور المشتركة فقط بالطبع "

وتابعت بضحكة تمد يدها داخل الثلاجة أكثر

" لكن عليك ان تكون حذراً فمع طباع كهذه لن تحتفظ بلقب

وحيد الزوجة طويلاً .. "

فرفع حاجبيه ينظر لها وقد توقفت يده في الهواء يحمل فيها طبق

السلطة فهو يعلم جيداً بأنها لم تكن تقصد حديثها آنفاً بل حديثه

هو السابق وقت دخوله .. بينما استدارت هي ناحيته ما أن أغلقت

باب الثلاجة وهي تتابع مبتسمة

" وبالمناسبة انت في نعيم فلم يكن للجميع ما كان لك "

وتحركت من هناك مغادرة المطبخ تحمل في يدها زجاجة عصير

صغيرة بنكهة البرتقال ونظراته المستغربة تتبعها فهل يعني هذا

بأنها كانت متزوجة أيضاً ؟! لكن مستحيل فهو تزوجها صغيرة

ومنذ أعوام طويلة !! رفع كأسه كما الملعقة والشوكة أيضاً

بأطراف أصابع يده ووضعهم في المغسلة مع الأطباق متمتماً

بسخط

" أي لغز هذا الذي وضعته في طريقي يا مطر ! "

*
*
*

فتح زر سترته وجلس على الكرسي المقابل له وقال بضيق

" رماح لو أفهم ما هذه الطريقة التي تفكر بها ! "

فحدق به الذي أبعد نظره عن التلفاز الذي وضع هناك أيضاً من

أجله وقال ببرود

" وما بها طريقة تفكيري لا تعجب الجميع ؟

لم تستطع شقيقتك إقناعي بالغضب والصراخ فأرسلتك أنت ؟ "

تنهد رعد بعمق قبل أن يقول بصبر يكاد ينفذ بسبب هذا

العابس العنيد

" غسق لم ترسلني وأنت تعلم جيداً بأن ما تريده هو مصلحتك

وسعادتك يا رماح كما أني أراك أنت من يفقد أعصابه معها

ويرفع صوته لأتفه الأسباب "
وحرك رأسه بيأس منه حين لم يعلق بل وكان ينظر للتلفاز الذي

عاد لتقليب قنواته وكأنها لا يسمعه ! وبالرغم من كل ذلك

أضاف بهدوء

" رماح غسق شقيقتك وإن لم ينجباها والديك وعلينا جميعاً

معرفة ذلك واحترامه كما الانتباه لحالتها "

" حالتها !! "

ونجح في سرقة نظره وانتباهه وإن كان بكلمة واحدة

مستفهمة فقال

" أجل فهي حامل وهرموناتها تتحكم فيها فتجدها غاضبة

متوترة بل ومتقلبة أحياناً وعلينا مراعاتها وتفهما "

فحدق فيه باستخفاف قبل أن يقول مبتسماً بسخرية

" هرموناتها !! "

وتابع وقد تبدلت لهجته كما ملامحه للضيق فجأة

" لا ليست هرموناتها السبب فهي كذلك منذ عاد زوجها ذاك

من مهجره ... لا بل منذ تركها هنا وهاجر "

فحرك رأسه بيأس منه وكان هو من أبعد نظره عنه للتلفاز

هذه المرة متمتماً ببرود

" الحديث معك عبثاً "

فابتسم بسخرية ونظر أيضاً للشاشة الكبيرة المعلقة على الجدار

وقال ببرود أشد

" جيد أنك فهمت هذا أخيراً "

فنظر له وقال بحدة وكأنه ليس ذاك الهادئ البارد قبل لحظات بل

والذي قرر أن ينهي النقاش معه

" لما لا تخبرني ما الخطأ فيما قالت وفي أن تكون معنا

ونحن نعقد قرانك وكأنك لست العريس ؟! "

فنظر له نظرة أقوى من نظرته تلك لا تنبئ سوى بانفجار مدوي

وما أن كان سيتحدث توقف بسبب باب الشرفة المطلة على

الحديقة الجانبية للمنزل والتي تصل بينها وبين غرفة المعيشة

الواسعة تلك ودخل منه الكاسر برفقة تيما كما آستريا ضاحكين

بينما قال الكاسر وهو يعبر بينهما نحو الداخل

" أخبرتك منذ البداية بأنك لن تتغلبي عليها يا آستي "

والتفت لهما وقال ينظر لآستريا مبتسماً بمكر بينما حديثه عن

شخص آخر

" فهذه تبدو كانت تقضي أوقات فراغها الطويل في لندن تلعب

الشطرنج مع صديقها الخيالي "


ضحكت آستريا بينما تجاهلته تيما مشيحة بوجهها عنهما وقال

رعد مبتسماً ينظر لهم

" إن تغلبت عليها لكنت طلقتها فوراً فلست على استعداد للعيش

مع امرأة عقلها يعادل عقل من تحمل جينات مطر شاهين "

كانت الضحكة من نصيب الكاسر فقط هذه المرة بينما رمقته

الأحداق الأنثوية الملونة للمعنيتان بالأمر بضيق أما عينا رماح

فكانتا لازالتا ترمقانه من طرفهما ببرود ، اقترب الكاسر من

الأريكة ورمى جسده عليها وتنهد قائلا

" شارفت الشمس على المغيب ووالدتي لم ترجع بعد ؟! "

وتابع ملوحاً بيده بضيق

" كيف تأمرنا بالعودة من حفل نادي الفروسية باكراً

وتتأخر هي ؟ أين مطر شاهين عن زو.... "

وبتر عبارته تلك ينظر مبتسماً كمن وقع في فخ للتي أصبحت

فجأة واقفة عند باب الغرفة الزجاج المدعم بالخشب تكتف

ذراعيها لصدرها وكم حمد الله أن نظراتها الباردة تلك والتي تنبئ

بانفجار وشيك يناقضها تماماً وكما يعرفها منذ صغره لم تكن

موجهة له بل لشخص آخر فنظر له أيضاً ولم يكن سوى رعد

والذي لم تترك له فرصة أساساً ليعلق أو يسأل وقد قالت بضيق

" هل أفهم لما تطلب مني أربع بطاقات دعوى ويحظر ثلاث نواب

الحفل فقط ؟ من كانت الرابعة من نصيبه ولم يكن هناك ؟ "

فوقف على طوله وقال ببرود

" أفهم من تعابير وجهك بأنك تعلمين الجواب لذلك لن نناقش هذا

هنا والآن يا غاسق "

وختم جملته تلك يشير بعينيه لما تفهمه جيداً وهو وجود ابنتها

لكنها تجاهلته قائلة بضيق

" إن كنت أريد دعوة تلك المرأة لدعوتها بنفسي "

وابتسمت بمكر لنظرة الصدمة التي ارتسمت في عينيه وهو ينقل

نظره منها لزوجته التي كانت تنظر له بصدمة أشد .. بل بما يشبه

عينا جثة مات صاحبها مذعوراً واستقر نظره على الواقفة عند

الباب ينظر لها بضيق بينما كانت هي ترمقه مبتسمة بسخرية

فهل تعاقبه بتلك الكذبة في وجود آستريا أم تتحداه بأن يذكر من

يكون الشخص الحقيقي وهو قاسم ولا تهتم ! لكنه قال ما ينجيه

من كل ذلك ينظر لعينيها بغضب

" غسق ليس هذا وقت المزاح السخيف .. ثم من غير اللائق أن

لا توجه له دعوة "
ففكت ذراعيها بقوة تشد على شفتيها قبل أن تقول مغادرة

" وما أروعك وهو يرمي دعوتك تلك جانباً ولم يحظر "

وغادرت والنظرات التي سيطر على أغلبها الاستغراب تحدق
بمكانها الخالي منها وحتى آستريا التي فهمت من باقي حديثهما

بأنها لم تكن امرأة ! عدا نظرات رعد الحانقة بالطبع بينما رماح

وحده من كان في وضع مختلف تماماً بل ومزاج تبدل للتسلية

فوراً وهو يخص بنظراته تلك شقيقه تحديداً وقال مبتسماً

بسخرية ما أن لمحه تنفس نفساٌ طويلاً غاضباً

" عليك أن تعذرها فهرموناتها السبب في هذا "

فنظر له بحدة بينما انتقلت نظرات الاستغراب في عيني الكاسر

وشقيقته له يحدقان فيه ببلاهة ..! وكان مصير نظرات آستريا

الأرض خجلاً قبل أن تغادر من هناك مسرعة ولحق هو بها

متمتماً بضيق

" عائلة فُقد فيها الأمل فعلاّ "


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 09:41 PM   #12133

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*


نظرت لنفسها للمرة الأخيرة في المرآة قبل أن تتوجه جهة باب

الغرفة ولا تفهم أبداً لما عليها أن تتعرف بأفراد عائلتهم خلال

العشاء ؟ هل التصقت بهذه العائلة عادات الإنجليز حتى أصبحوا

يتمسكون بها ! هي تستبعد ذلك تماماً لكنها لا تفهم حقاً ما هو

السبب الأساسي ؟
خرجت مغلفة الباب خلفها وقد اختارت أن ترتدي ملابس أقل كلفة

فاختارت تنورة من الشيفون هذه المرة أيضاً تضيق عند وركيها

وتتسع تباعاً نحو الأسفل ملامسة الأرض وبلورة مغلقة من

الحرير مع عقد من الورود البلورية الأنيقة وتركت شعرها

مفتوحاً .. ولن تختار بالطبع فستاناً كالإنجليز ولا بنطلوناً احتراماً

لذاك الرجل قبل ابنه الذي يتجاوز عمره عمر والدها إن كان حياً

فهي تشعر بالفعل بالرهبة اتجاهه وله هيبة مميزة تفرض عليك

احترامه .

وقفت مكانها ولم تتحرك خطوة من عند الباب تنظر باستغراب

للباب الأقرب لغرفتها في ذات الممر الطويل وإن كان يعد بعيداً
عنه أيضاً وللخارجين منه أحدهما سار في الاتجاه الآخر من فوره

قائلاً ببرود ويداه في جيبي بنطلون بدلته

" تحركي يا زيزفون فالرفض ممنوع "

بينما قالت التي خرجت خلفه تنظر ناحيته وبضيق

" لا أحد يملي عليا ما أريد وأفعل لا أنت ولا جدك ذاك "

لكن المعني بالأمر سار دون اكتراث لما تقول وكأنه واثق تماماً

من أنها ستنفذ أوامره !

مررت أصابعها في غرتها وابتسمت بإحراج ما أن نظرت تلك

العينان المشحونة بالحنق والاستياء ناحيتها وسرعان ما تبدلت

تلك النظرة للإستغراب ففهمت فوراً أنها لا تعلم بأنها هنا أو بأن

غرفتها تكون في هذا المكان فاقتربت منها بخطوات بطيئة قائلة

" آسفة لم يكن قصدي التطفل فقد خرجت قبلكما ... كيف أنت

اليوم يا زيزفون ؟ "

قالت جملتها الأخيرة تهديها إحدى ابتساماتها الرقيقة الرائعة

وهي تصل عندها وتقف أمامها بينما قالت المقابلة لها بملامح

اكتساها الهدوء فجأة وإن كان أخفى خلفه الكثير من البرود

" مرحبا ماريه ... أنت إذاً ضيفة العائلة ؟ "

ابتسمت أكثر وقالت تجمع يديها

" أجل وأتمنى أن يجعلك هذا تغيري رأيك في فكرة حظور

العشاء "

وتابعت دون أن تنتظر تعليقها الذي لم تتوقعه أساساً

" سأكون سعيدة بوجودك فأنا لا أعرف الأغلبية هنا تقريباً

والبعض التقيتهم مرة أو اثنتين فقط "

تحركت حينها من مكانها قائلة ببرود

" لا أرى ذاك شرفاً عظيماً وستندمين فيما بعد "

فضحكت بخفة وسارت بجانبها قائلة

" لا تخفين كرهك لهم مطلقاً ! ثمة الكثيرين في هذا العالم

يتمنون عائلة "

ابتسمت بسخرية وقالت تنظر لوجهتهما في بهو المنزل

الذي وصلاه

" والدان وأشقاء أجل ...ليس ثمة من يحلم بأطراف زائدة كتلك "

فاختارت الصمت ولم تناقشها في ذلك أكثر فلهجتها كانت تحمل

كرهاً عميقاً ظهر واضحاً في كلماتها بصورة أخافتها .. والسبب

الآخر أنهما كانتا بقرب باب غرفة الطعام حينها ولاحظت بأنها

تفضل أن لا تدخل أولاً لوقوفها المفاجئ ولم تفهم لما ولم تتساءل

بل دخلت هي وتركتها تدخل خلفها .. وكما توقعت كانت ثمة

عائلة كاملة تجلس حول تلك الطاولة الكبيرة المليئة بالأطعمة التي

ترتبها الخادمات فوقها وشعرت بتوترها يزداد ما أن اتجهت

الأنظار جميعها نحوهما .. بل تقريباً جميعها فثمة من لم ينظر

لتلك الجهة بتاتاً وكان وقاص الذي كان منشغلاً بوضع الطعام في

طبقه وقبل أن يبدأ الجميع وأولهم جده !

وفهمت حينها لما هذا العشاء فلا يبدو لها أن الجميع هناك سعيد

بوجوده في المكان وأن الأجواء متوترة لحد كبير ...! أي أن هذه

الأمسية هي الأقل إخراجاً لجعل ضيفتهم تلتقي بهم جميعهم

معاً ... ومما يعني أن هذه العائلة الصغيرة نسبياً لا تجمعهم أي

علاقات كما أي مكان في هذا القصر الواسع !.

نظرت للواقفة بجانبها لبرهة والتي احتفظت ملامحها بالجمود

والبرود التام قبل أن تنظر ناحيتهم وألقت التحية بأدب مبتسمة

فلا أحد منهم يبدو مستعداً لمصافحتها أو استقبالها !

أو هكذا هيء لها فقد وقفت والدة رواح رغم التقائهما سابقاً

وتبعتها على الفور والدة ضرار الجالسة بقربها تبعهما وقاص من

فوره .. وما شجعها على الإقتراب أكثر هو وقوف سلطان والذي

قال مبتسماً وهو يستدير حول كرسيه

" أنت إذا زوجة تيم ؟ هل يمتزج الماء والزيت بالفعل !! "

وضحك وتصافحا تنظر له محرجة الملامح كما الابتسامة الخفيفة

التي تزين شفتيها .. وما زاد الأمر رواح الذي وقف أيضاً رغم

رؤيته لها نهاراً وقال ضاحكاً

" صدِّق أن ذاك حدث فعلا ! "

فشدت أصابعها على كفه الكبير وقالت مبتسمة بإحراج

" سررت بلقائك سيدي "

فترك يدها وقال يلوح بيده جانباً وبابتسامة مداعبة

" لا تقولي هذه الكلمة .. لا تشعريني بأني عجوز فأنا لم يولد

لي أحفاد بعد "

فضحكت برقة ولم تعلق فهذا الرجل يبدو لا يختلف عن ابنه رواح

أو أن ذاك ورث هذا من والده دون إخوته ! وعليها أن لا

تستغرب هذا فإن لم يكن بهذه الطباع ما كان ليستطيع العيش مع

ثلاث نساء هو الرجل المشترك بينهم ..!

تبادلت السلام كما التحايا مع جميع من لم تلتقيهم هناك وإن كان

ثمة تحفظ واضح لاحظته جيداً من نجيب ووالدته .. ونظرات لم

تفهمها بل واستغربتها من المرأة الجالسة بجانب وقاص والتي

تبدو زوجته !!

وتذكرت على الفور حديث ساندرين عنها سابقاً والتي لم تخفي

كرهها لها بسبب ظنونها في الماضي بأنها تحاول استمالة

زوجها ... لكن ألم ترى خاتم الزواج الآن في يدها !

أم لم تسمع عبارة والد زوجها حين ناداها بزوجة تيم !!

أم لأنها تعلم بعلاقتها بساندرين وقرابتهما !!

هي لا تفهم فعلاً نظرة الكره والازدراء التي رأتها في عينيها !

جلست في الكرسي الذي سحبه لها وقاص بينما شكرته هامسة

بابتسامة وعاد للجلوس بجانب زوجته التي تابعت كل ما يجري

بنظراتها القوية فأصبح يفصلها عنها كرسي واحد شاغر مما زاد

توترها وتحفظها وكم تمنت أنّ وقاص لم يفعل ذلك والذي لا تراه

سوى من باب اللباقة والذوق بل وتراه ينظر لها كما لساندرين

كشقيقة صغرى له ولا تفهم طريقة تفكير هذه المرأة !

وكيف لها أن تتخيل بأن تفكر في النظر لغير ذاك الرجل

الذي تتنفس عشقاً له !

بينما كان يجلس عند رأس الطاولة الرجل الأكبر في العائلة وهو

ضرار على يساره وقاص ثم زوجته تليها هي وبجانبها أصبحت

تجلس والدة ضرار التي استبدلت مكانها السابق ويبدو من

أجلها ... بينما جلس على يمينه ابنه سلطان يليه رواح فوالدته

وزوجة والده وابنها نجيب وبجانبه زيزفون .

بدأت الملاعق والشوك كما الصحون بالتحرك ما أن رفع ضرار

ملعقته وقال رواح مبتسماً يضع قطعة لحم في طبقه

" ماريه ما أكثر شيء أعجبك في منزلنا المتواضع هذا

عدا وقاص بالطبع "

وختم جملته تلك بضحكة بينما عيناها كادت تخرج من مكانها

محدقة فيه بصدمة وحواسها جميعها تحركت ناحية الجالسة قربها

والتي كانت وكما توقعت تنظر ناحيتها ولها أن تتوقع نوع تلك

النظرات .. ولا تفهم ذاك المتهور تعمد قول ذلك ليغيض زوجة

شقيقه تلك أم كان الأمر مجرد مزاح عفوي بسبب سحب وقاص

الكرسي لها ؟ تحمحمت وبدأت بالأكل الذي لا تشعر بأنها تتذوق

منه شيئاً وكم حمدت الله أنه لم يعلق أحد على ما قال ... بينما

الأجواء كانت حينها أسوأ مما تظن فبينما كانت والدة رواح

ترمقه بضيق كان هو يأكل مستمتعاً وكأنه لم يتفوه بشيء !

وبينما كانت الابتسامة الساخرة لا تفارق شفتا نجيب الذي كان

ينظر لشقيقه بأنف مرفوع كانت الجالسة بجانبه تحرك الأرز

والسلطة في طبقها وكأنها تخلطهما ببعض ..! وبينما كانت جمانة

تضرب بطرف حذائها الأرض تحتها بعصبية كان وقاص يأكل

وكأن شيئاً لا يحدث حوله حاله حال جده .. بينما كان سلطان

يرمق بتهديد زوجته التي كانت تمسك ضحكتها بصعوبة في

الطرف الآخر تحاول شغل نفسه بطعامها أيضاً .... أجواء كانت

ستنقلب على رأس شخص واحد وفي أي لحظة وذاك ما فهمته

المعنية بالأمر سريعاً وهي ( جمانة ) فقررت أن تقلب هي الفكرة

تلك عليهم وعشائهم معه حين رفعت يدها ولامست بها يد الجالس

بجانبها ببطء والتي كان يريحها بجانب طبقه بينما يأكل بالأخرى

حتى التفت أصابعها حولها تنظر له مبتسمة ما أن نظر ناحيتها

بسرعة وقالت برقة استجلبتها بكل قوتها وبصوت تعمدت أن

يصل للأبعد بينهم هناك

" فلتفكر أي امرأة في الاقتراب منه فقط لأقتلها بأظافري "

وكان رد الفعل الأول من ماريه التي غصت باللقمة في فمها

وبدأت تحاول كتم سعالها الخفيف وأخذت كوب الماء سريعاً من

والدة ضرار الجالسة بجانبها تسمي بالله عليها بينما كتم رواح

ابتسامته بأصابعه نظره على شقيقه وقاص والذي كان ينظر للتي

لازالت تنظر له مبتسمة وأجبر شفتاه على رسم ابتسامة بطيئة

متشنجة وهو يهمس لها بما يضمن أن لا يسمعه أحد

" أبعدي يدك جمانة كي لا أحرجك وأمام الجميع "

فماتت ابتسامتها وأبعدت يدها ترسم ابتسامة جديدة تكمل بها

المشهد الذي خططت له بينما ماتت ابتسامته التمثيلية تلك أيضاً

ونظره ينحرف عنها نحو الجالسة هناك وهي زيزفون ومن لم

يكن يتوقع أن تكون بذاك الوضع تنظر له تحديداً ولم تتجاهله

وكل شيء حولها كالعادة ...!! كانت نظرة جامدة بجمود ملامحها

تحرك الشوكة أمام فمها فتحركت حدقتاه سريعاً نحو الجالس

بجانبها وهو نجيب وقد مال برأسه نحوها وهمس في أذنها بما

لم يسمعه أحد غيرها

( لا تعلني الهزيمة أمامهما يا فاتنة )

قبل أن تنتقل شفتاه لوجنتها وقبّلها مبتسماً وغرضه كما تعلمه

ويعلمه جيداً هو الذي وقف ورمى الملعقة من يده في الطرف

البعيد من الطاولة وغادر تتبعه نظرات زوجته التي وقفت أيضاً

ضاربة يديها على الطاولة بغضب وغادرت المكان خلفه تتبعها

ابتسامة نجيب الساخرة كما نظراته قبل أن يقف أيضاً وقال مغادراً

" أمسية طيبة للجميع "

وأتبع جملته تلك بضحكة عالية وهو يغادر غرفة الطعام فغرضه

قد تحقق كما يرى لتتبعه والدته التي وقفت متمتمة بما لم يفهمه

أحد وكان واضحاً بأنها ليست عبارات ودودة مطلقاً لتحدو

زيزفون حدوهما سريعاً بعدما رمت المنديل من يدها بإهمال وهي

تستدير مغادرة بينما تنقلت نظرات ماريه المستغربة بين البقية

وتمنت أن غادرت أيضاً لكنها لا تستطيع فعل ذلك وأكبر رجلين

في العائلة لازالا جالسين وهما ضرار وابنه .

وكادت أن تغص بريقها هذه المرة حين وقع نظرها على رواح

الذي غمز لها مبتسماً فأمسكت ابتسامتها بأصابعها وأنزلت رأسها

وشغلت نفسها بالطعام مجدداً بينما وقف هو ودار حول الطاولة

يحمل صحنه في يديه وجلس في الكرسي الذي كانت تجلس

جمانة عليه وهمس لها مبتسماً وهو ينحني نحوها قليلا

ً " ها قد خلصتك من أكبر مزعجين ( جمانة ونجيب)

وسنستمتع الآن بطعامنا "

ورفع أحد الأطباق قائلاً بابتسامة وهو يسكب لها منه

" تذوقي هذا فوالدتي تعده بنفسها ولن تذوقي مثيلاً له أبداً "

فابتسمت ورفعت طبقها له .. هذا المتهور المجنون لقد تسبب

وبعبارة واحدة منه في مغادرة نصف الموجودين !

والأغرب من كل ذلك أنه لم يعلق أحد من البقية المتبقية على ما

فعل بل ولم يتلقى أي عبارة توبيخ ولا من جده !!

*
*
*



فتحت عينيها ما أن وصلها صوت مناداته لها في نومها العميق

الغير مريح وابتعدت عن النافذة تتثاءب ونظرت حولها خارج

السيارة حيث تبدل كل ذاك الظلام لأضواء تتلألأ من بعيد بأعداد

كبيرة وكأنها نجوم ملونة تناثرت على الأرض !!

ونظرت له بجانبها فوراً وما أن قال ونظره على الطريق المتعرج

الذي ينزلانه بدورات قصيرة خطرة

" وصلنا الحميراء ... إنها المدينة المضيئة هناك "


فنظرت مجدداً حيث تلك الأضواء وهمست بذهول

" ظننتها أصغر من هكذا بكثير ! "

فقال ويداه تديران المقود بقوة مع حركة السيارة على

الطريق المتعرج

" كيف تكون أقل من هذا وهي إحدى المدن الكبرى في البلاد ؟

حتى أننا في أغادير كنا نأتي بالحافلات الصغيرة لمدارسها

ومعاهدها .. كما توجد فيها جامعة كبيرة للعلوم السياسية

والإقتصاديه وأخرى للطب هي الثانية في البلاد "

كانت تنظر له مستمعة لحديثه بصمت فلازالت تستشعر كآبة ما

في صوته وتجهماً واضحاً في ملامحه فهما لم يتبادلا أطراف

الحديث منذ غادرا ذاك المكان الذي تناولا فيه الطعام .. بل وادعت

النوم بعدها حتى أن كذبتها تلك تحققت بالفعل ونامت دون أن

تشعر بنفسها ولم تستفق إلا الآن على صوته ينادي بإسمها .

وما هي إلا لحظات وأصبحت سيارتهم تسير وسط شوارع المدينة

وعلمت حينها بالفعل عمّا كان يتحدث وهي ترى المحلات

التجارية والمطاعم والمقاهي على جانبي الطريق المزدحم

والمباني المتفاوتة بين البساطة والرقي العمراني نظراتها تتبع

بدهشة كل ما تراه أمامها فهذا العالم يختلف تماماً عن تلك القرى

الزراعية التي يعيشون فيها .


وبعد مسافة لابأس بها وسط ذاك الزحام الذي تنظمه الإشارات

الضوئية دخلت سيارتهم شارعاً طويلاً متفرعاً لمنازل كانت

جميعها عبارة عن فيلات وقصور صغيرة لم تكن تخفي الأضواء

داخلها ولا حولها شيئاً من تفاصيلها الرائعة ابتداء بأبوابها

الخارجية الكبيرة التي مزجت النحاس بالزجاج وأسوارها العالية

المغطاة بالنباتات وصولا لأبنيتها المرتفعة بطوابقها وشرفاتها

حتى وقفت سيارتهم عند إحداها بل وتراها أجملها وأكثرها

اتساعاً بثلاث طوابق مضاءة صعوداً وقال وهو يفتح بابه وينزل

" هيا انزلي لقد وصلنا "

فنظرت حولها قبل أن تفتح الباب وتنزل أيضاً يدها تمسح على

عباءتها السوداء بينما نظرها يتبعه وهو يدور حول السيارة

متجها للباب الضخم المغلق وتمسكت يداها بحزام حقيبتها وهي

تتبعه ونظرها يرتفع عالياً للمنزل القابع أمامها تعجز عن منع

نظراتها من التمعن في تفاصيلة الرائعة فإن كان هذا شكله من

الخارج فكيف سيكون داخله !

ولم يتأخر عنها الجواب كثيراً فما أن فتح لهما الحارس الباب

والذي تعرف على يمان سريعاً بل وتبادل معه أطراف الحديث

وهو يفتح لهما الباب حتى كانت أمام حديقة رغم صغر مساحتها

بالنسبة لذاك المنزل إلا أنها كانت من الجمال والترتيب أن جعلتها

تبحث عن ورقة صغيرة أو غصن ما على الممشى الحجري

المتسع وسطها ولم تجد شيئاً ولا حتى ذرات غبار !

فسارت تراقب ذاك الممشى بذهول حتى كانا عند المسبح الذي

تلألأت مياهه الصافية تحت الأنوار الموزعة في كل مكان

وارتفعت نظراتها له تشعر بأنها في أرض خارج بلادها

ولا تعرفها !

وما الذي تعرفه هي عن بلادها غير تلك القرية الزراعية أقصى

جنوبها والتي ولدت وعاشت فيها ولم تغادرها يوماً .


وقفت فجأة لوقوفه وانتقل نظرها من المسبح الذي أصبح خلفهما

تقريباً لباب المنزل القابع فوق عتبات رخامية نصف دائرية

أمامهما .. بل وواجهة زجاجية معتمة ممتدة بطول الجدار !

ليسرق نظرها مجدداً الذي فتح الباب ونزل العتبات من فوره

قائلاً بابتسامة

" كنت اشتريت هاتفاً يا رجل لعلمت بوقت وصولك "

وراقبته نظراتها الفضولية بدهشة فقد كان شاباً يبدو في عمر

يمان بملابس أنيقة للغاية .. بنطلون جينز أسود لم يكن يشبه أي

واحد رأته سابقاً ! وقميص أبيض بأزاز سوداء كما ياقته

وأطراف كميه أيضاً وحذاء رياضي شبابي أبيض بخطوط

سوداء ... كانت عيناه سوداء واسعة كلون شعره المصفف بعناية

ولحيته الخفيفة والمحددة بطريقة شبابية مميزة وبشرة بيضاء

فعلمت فوراً بأنه سيكون صديقه وزوج شقيقته الذي تحدث

عنه ... والذي ما أن اقترب منهما حتى تراجعت للخلف ونظرت

للأرض بينما تبادل هو ويمان حضناً رجولياً طويلاً أكد العلاقة

العميقة بينهما وضربت قبضته على ظهره وقال مبتسماً

" يا لك من خماصي متعجرف ... ألا تتواضع لنا مطلقاً يا ابن

الجنوب الجديد ؟ "

فابتعد عنه وقال يضرب على عضلة صدره بقبضته

" لما لا تحدد لي نسباً واحداً أكسر رأسك به ؟ "

فضحك وقال

" أتركنا على خماصة إذاً فلا مقدرة لي على الجنوبيين "

وقال وهو يحثه للدخول

" تفضلا هيا قبل أن تخرج لنا والدتي بنفسها "

وضحك عند آخر كلماته وهما يصعدان عتبات الباب فتبعتهما

بخطوات بطيئة لتترك مسافة بينهم .. وها قد علمت جزءاً من

شخصية زوج شقيقته تلك فهو يبدو كما قال عنهم مختلفون عن

أي فكرة قد يرسمها الناس لهم ! بل ويبدو شاباً مرحاً وليس


وسيماً وأنيقاً فقط !! .

وما أن أصبحوا في الداخل حتى فغرت فاها بدهشة لم تستطع

تمالكها وهي ترى ذاك الداخل العمراني للمنزل الذي أدهشها من

الخارج .. فلم يعد يمكنها تحديد ما صنع منه كل شيئ في ذاك

المكان وكأن الأرضية والجدران والأسقف جميعها من الرخام

تعكس لمعان أضواء الثريا الموزعة في سقفه المرتفع قد تدلت

قطعها الكريستالية كجواهر شفافة تجعلك تري صورتها في كل

جدار وأرضية وزاوية ...!!

مشهد ألهاها ليس فقط عن رؤية الأثاث والتحف الفاخرة

واللوحات التي زينت المكان بل والمرأة التي اقتربت منهما

مرحبة ولم يختاروا أن يفصلوهما ليدخل هو لمجلس الرجال بينما

تكون وحدها في الداخل !!

وهذا ما جعلها تستفيق من ذهولها وهي تنظر باستغراب للمرأة

التي كانت تلبس حجاباً وعباءة طويلة بأكمام طويلة أيضاً

ومطرزة بخيوط من الحرير من شدة جمالها وأناقتها كرهت ليس

عباءتها المطرزة البسيطة فقط بل والعباءة السوداء قديمة الطراز

التي كانت تلبسها فوقها .


هذه إذاً جوزاء شاهين الحالك المرأة التي لطالما سمعت عنها ولم

تراها ؟ المرأة التي تزوجت رجلاً من كبار عائلات صنوان في

معاهدة هدنة قديمة في أمل ميت لتوحيد قُطري البلاد وانتهى بهم

الأمر للطلاق عند أول خلاف بين صنوان والحالك وحُرمت من

زوجها وابنيها لترجع زوجة له ما أن توحدت البلاد أخيراً ...

المرأة التي رفضت من رجال الحالك أشهرهم وأعلاهم رفعة

ومكانة في قبائلهم بعد طلاقها لتبقى قصة عجيبة تتناقلها

الناس !! هي تستحق اسمها ونسبها بالفعل وفي أعلى خيالها لم

تكن تتوقعها هكذا !


ابتسمت محرجة ما أن حضنتها قائلة بابتسامة

" أنت زوجة يمان إذاً ! أنت أجمل من مخيلتي بكثير "


وضحكت وهي تبتعد عنها وتنظر لها قائلة بابتسامة

" متأكدة من أنك من الحالك ؟! "

فضحك أبان وقال

" ومن الجنوب أيضاً أمي "

فقال يمان حينها بهدوء

" مايرين والدتها إيرلندية وهي صحفية دخلت البلاد وقت الحرب

الأهلية وتعرفت بوالدها وتزوجته "


فنقلت نظرها منه لها وقالت بضحكة صغيرة

" هنا يكمن السر إذاً ؟ "

فابتسمت لها وأنزلت نظرها للأسفل لتحديقهم جميعهم بها

وشعرت بالحياء والخجل فهذه السيدة تبدو تعامل يمان كابنها

تماماً ! وإن كانا صديقي طفولة فلن تستغرب ذلك ، وما زاد


الأمر سوءاً أن ابنها أيضاً بقي واقفاً معهم وإن كان يقف بالجانب

الآخر ليمان ، ما تعلمه عن مدن الشمال أن حياتهم وعاداتهم

مختلفة عن الجنوب وحتى في حدود اختلاطهم برجال العائلة

فزوجة شقيق الزوجة كوضعها الآن لابأس في أن يلقي عليها

التحية أو يحادث زوجها بوجودها دون أن يكون بينهم جلسات

سمر بالطبع ... وأنه في وضع هذه المراة كوالدة لزوج شقيقته

ولأن ابنها في عمره يعد تبادل التحايا والحديث معها من واجب

الإحترام والتقدير عكسهم في الجنوب المرأة لا تتحدث إلا من

خلف الباب ولا يراها الرجال إلا وهي تعبر الشارع .. إذا ما

استثني العاملات كالممرضات والمدرسات وكذلك الأطباء

والمدرسين بل والبائعين أيضاً .


قالت جوزاء مبتسمة ويدها تلامس ذراعها بل وكأنها تقرأ

أفكارها تلك

" يمان في مرتبة أبان وغيهم بالنسبة لي بل وأعز

كما يمامة أيضاً "

وتابعت تنظر له مبتسمة

" وإن كان له شقيقة أخرى لما اخترت غيرها لابني الآخر .. بل

وإن كانت لي ابنة في سن مناسب للزواج ما تركته لامرأة

أخرى أبداً "

فلم تستطع منع نفسها من النظر لها بصدمة حينها وذاك ما

أشعرها بالغرق في ثيابها من الحياء حين ضحكت جوزاء وابتسم

يمان بينما قال أبان ضاحكاً

" أمي كدت تقتلين الفتاة من الصدمة "

وما أنقد الموقف أو ما زاده سوءاً فلم يعد يمكنها تحديد ذلك ؟

هو خروج يمان من صمته وقد نظر لها قائلاً بابتسامة

" ما كان لامرأة في الوجود أن تستحمل ظروفي وتقنع بي

وبها كمايرين "

فلم تستطع فعل شيء سوى الهرب من نظراته كما نظراتهم

جميعاً تنظر ليديها الممسكتان بحزام حقيبتها بقوة تشعر بأنفاسها

ستتوقف وبأنها قد تموت اللحظة .. وما أنقذها من كل ذلك هو

انتقال تلك الأنظار جميعها للفتاة التي ظهرت عند أعلى السلالم

النصف دائري والذي يربط طابقي المنزل يرتفع منه سياج ذهبي

أنيق وبعتبات رخامية تلمع تحته كالزجاج ... الفتاة ذات الفستان

الأنيق بلون الحناء طبعت عليه أزهار بيضاء كبيرة وجميلة

والذي لم يتجاوز طوله نصف ساقيها وبأكمام قصيرة لم تتجاوز

المرفقين زاده لون بشرتها البيضاء وشعرها الفاتح ..

الفتاة التي وقفت أعلاه تنظر ناحيتهم بصدمة سرعان ما تحولت

لدموع وقد همست شفتاها الرقيقتان

" يمان !! "

قبل أن تقفز عتباته صارخة ببكاء

" يمااااااان "

وقد واصلت ركضها في بهوه الواسع حتى ارتمت في حصنه

وما أن وصلته تبكي بنحيب موجع بينما طوقتها ذراعاه من فوره

ودفن وجهه ودموعه الصامتة أعلى رأسها منحنٍ له ..

شقيقته الوحيدة التي لم يراها منذ فترة كم يشعر بأنها طويلة

وموجعة ... شقيقته التي لم يفترق عنها يوماً واستَحمل كل ما

عاناه من أجل ذلك ... تلك الصغيرة الحزينة المكسورة التي كم

يراها تغيرت الآن فلم تعد ذاك الشبح الميت لفتاة دمر براءتها

كل شيء فلا ثيابها الأنيقة هذه تشبه تلك الثياب البالية الفقيرة

ولا وجهها الدائري الممتلئ وخداها المتوردان ينتميان لتلك الفتاة

النحيلة التعيسة سجينة جدران منزل والدها ... حتى جسدها

النحيل تغير عن السابق وامتلأ قليلا وتغير ... هذه هي الحياة

التي أرادها لها دائماً .. هذا ما كان يريدها أن تكون وأن تصبح

عليه لكن بوجوده .. بسببه .. ومعه لا أن ينقذها الغير من الجحيم

الذي لم يستطع هو يوماً أن يخرجها منه ويحقق ما عجز عنه

لأعوام وهي وصية والدته الوحيدة له قبل أن تموت ، لكن

من أين له أن يوفر لها كل هذا حتى إن أخرجها من هناك ؟ .

اشتدت أصابعها على قماش قميصه تحضن خصره بقوة

وقالت ببكاء

" لماذا تركتني ولم ترجع يا يمان ؟ كم اشتقت لك وأحتاجك "

فالتفت ذراعاه حول جسدها أكثر وهمس بصوت أجش لم يستطع

أن يخفي فيه بكائه الصامت

" سامحيني يا يمامة ... سامحيني يا شقيقتي فقد خذلتك بي لكنه

كان رغماً عني أقسم لك "

فتعلقت ذراعاها بخصره أكثر وحركت رأسها برفض دون أن

تتحدث فلم تترك لها عبراتها الموجعة والمتلاحقة المجال لذلك في

مشهد أبكى جوزاء التي كانت تمسح دموعها باستمرار كما بثينة

والواقفة تراقب من الأعلى دون أن يراها أحد .. وراقبتهم نظرات

أبان الحزينة رغم الابتسامة التي كانت تزين شفتيه بينما كان

وضع مايرين مختلف تماماً وعنهم جميعاً ..

فهي لم تجتز صدمتها بعد ولم تكن ملامحها تعبر عن أي شيء

غير ذلك فنظرات الدهشة من تلك الأحداق الخضراء لم تفارق

الجسد الصغير النحيل الذي تعلقت صاحبته بزوجها باكية ! أهذه

تكون شقيقته ؟! هذه الفتاة متزوجة وزوجها يكون هذا الشاب

المكتمل الرجولة !! من يشرح لها ما يحدث هنا ؟! هذه تبدو لم

تتجاوز الخامسة عشرة بل ولم تبلغها حتى ! هذه لا يمكن أن

تكون زوجة ولا امرأة ولا حتى خطيبة لذاك ولا لأي رجل

فكيف تكون زوجته !! .

كانت تحدق فيهما بذهول بينما أبعدها يمان عنه يمسح بطرف كم

قميصه عينيه ونظر لها وقال مبتسماً

" يكفي بكاء فأنا حي ولم أمت "
تعلقت عيناها به فوقها وهمست وسط شهقاتها المتلاحقة

" ظننتك مت فعلاً "

فخرجت منه ضحكة صغيرة ونظر للتي لامست يده ظهرها قائلاً

" هذه زوجتي يا يمامة ألن تسلمي عليها ؟ "

ابتسمت لها مايرين في رد فعل لا إرادي بينما راقبتها تلك

الأحداق الرمادية الواسعة باستغراب لبرهة قبل أن تنظر لشقيقها

مجدداً وقالت باستغراب تخلل ملامحها الحزينة الباكية

" تزوجت !! "
كان رد فعلها مفاجئاً للجميع بينما كان جوابه أن ابتسم وأومئ

برأسه إيجاباً فتغضن جبينها واقترب حاجباها البنيان الرقيقان

وتبدلت ملامحها للحزن وترقرقت عيناها بالدموع وقالت ما لم

يتوقعه أو ينتظره أحد

" لكنك وعدني سابقاً أن أحضر حفل زفافك ؟ "

فامتدت يداه لها وحضنها مجدداً وقبّل رأسها يشعر بالعالم بأكمله

يضيق في عينيه فهو سبق ووعدها بذلك بالفعل حين كانت

تترجاه باكية أن يتحدث مع والدها يتركها تحضر حفلات الزفاف

مع زوجته ولم يكن له أي حيلة في ذلك فهو يعلم سلفاً جوابه

وهو الرفض التام فوعدها بأن تحظر حفل زفافه وترتب له

بنفسها بل وتختار من ستكون زوجة له لكن تلك الوعود جميعها

تبخرت كسابقاتها فلم يكن لزواجه حفلاً من أساسه ولم يختر ولا

هو زوجته ولا يعرف ما يقول لها وبما يجيب ؟.


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 09:43 PM   #12134

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*


رفعت قدميها مع جسدها فوق الأريكة واتكأت بذقنها على راحة

يدها تسند مرفقها بطرفها المرتفع جانباً وتنهدت بعمق تراقب

عيناها شاشة التلفاز أمامها فبالرغم من أنها شاهدت هذا بالأمس

إلا أنها لم تستطع منع نفسها من مشاهدته مجدداً هذا الصباح

فهي ومنذ أعوام تدمن مشاهدة قنوات وأخبار بلادها هناك والذي

لا تراه سوى في تلك الشاشة التي لا تروي من حبها وشوقها له

شيئاً ... والآن تحديداً ها هو احتفال افتتاح أعلى برج فيها وأكبر

مشروع خيري فيه بعد مملكة الغسق وتتوقع أن يكون الأول في

العالم العربي كاملاً والمسمى ( برج القمة ) فقد انصب اهتمام

القنوات الإخبارية ليس على عرضه كمشروع خيري فقط بل

وكحفل احتضن شخصيات مهمة في البلاد إن كان من بعض

الوزراء كوزير الصحة والتعليم والثقافة أو نواب في البرلمان ..

لكن ما احتل رأس القائمة وقد سرق الأضواء سريعاً هو وجود

مطر شاهين ... لا بل ليس هو بشكل خاص فذاك اقتصر حضوره

على آلات تصوير الصحفيين عند بداية الاحتفال واختفى باختفاء

زوجته منه أما القنوات التلفزيونية التي سُمح لها بالتواجد لاحقاً

فقط وبأوامر صارمة فثمة ما اجتذبهم كالنحل للعسل وهو زوج

شقيقته الوحيدة ورجل الأعمال المعروف والذي يكون أحد رؤساء

مجلس إدارة ذاك البرج وبرفقته ابنه الأكبر والذي تراه وللمرة

الأولى بالزي الرسمي .. بالبذلة السوداء والقميص الناصع

البياض وربطة العنق التي عكست لون شعره البني وعيناه

الواسعة في أناقة وطريقة وقوف وهو يدس يده في جيب بنطلونه

مثلت بالفعل انتمائه لذاك المجتمع الراقي المرفه .. وبالرغم من


كل تلك القنوات وآلات التصوير الموجهة نحوهما إلا أنه لم يكن

ينظر ناحيتها مطلقاً وكأنه اعتاد على هذا وألفه ! ليظهر بمظهر

وثقة وطريقة وقوف ينافس بها نجوم السينما والتلفاز ! .

أدارت عينيها بعدها وتنفست بعمق متمتمة

" أعانك الله على قلبك يا كنانة "

" كنانة !! "

التفتت برأسها فقط للواقفة خلفها والتي قالت بضيق

"ما الذي قلته للرجل جعلة يلغي حفل الزفاف الذي سيقام هنا؟ "

حدقت فيها بصدمة وصمت عجزت معه حتى عن التحدث ... رائع

هذا خبر جديد ومفاجأة أخرى هي آخر من يعلم بها ! بأي حق

يلغي حفل الزفاف الذي تريده هي وطلبته ؟! بل والشيء الوحيد

الذي طالبت به بما أنه لا حفل زفاف هناك إلا بعد وقت لم تفهمه !

ولما قراراتها هي وحدها ما يتم إلغائها ودون علمها أما ما تقوله

وتقرره والدته لا يقبل النقاش ولا التغيير ؟ كما يبدو أن والدتها

كانت في مكالمة هاتفية مطولة مع والدته ليزفوا لها هذا الخبر

الرائع .

نجحت وببراعة في إخفائها ضيقها واستيائها بل وغضبها

المكبوت وعادت لجلستها السابقة متمتمة ببرود

" لم أقل له شيئاً ولا علم لي بهذا "

قالت الواقفة خلفها تمسك خصرها الممتلئ بيديها

" ومن قال وعلم إذاً ؟ كيف تغادرين من هنا دون حفل زفاف

يجتمع فيه الأصدقاء والعائلة ولتلبسي على الأقل فستان الزفاف

كغيرك من الفتيات ..؟ أنت لست أرملة ولا مطلقة

تتزوجين هكذا "

فتنهدت بصمت ولم تعلق بينما قالت التي تبدو لم تهتم لذلك

" كيف يلغي الحفل هكذا وبدون سبب ؟ "

فلوحت بكفها بجانب وجهها وقالت دون أن تنظر لها خلفها

" هذا السؤال توجهينه له أمي وليس لي فأنا لا أعلم شيئاً

عن هذا "

حدقت فيها باستغراب وقالت

" لا تعلمين كيف يا كنانة ! ألا تتحدثان مثلا ؟ "

رفعت عينيها للأعلى وتنفست نفساً طويلاً متضايقاً قبل أن

تتمتم باختصار

" لا "

بينما حدقت الواقفة خلفها في قفاها باستغراب قبل أن تقول

" ولما لا وهذا ما يفعله جميع المخطوبين ؟

فكيف بالمتزوجين ! "

فأمالت رأسها قليلاً ناحيتها وقالت تحرك يدها بضيق

" أمي هو كان هنا من فترة قريبة نتحدث عن ماذا مثلاً ؟ "

قالت تلك ومن فورها وبضيق مماثل

" عن كل ما يقوله من في مثل وضعكما تنتظركما حياة تخططان

لها بالطبع "

عادت بوجهها للأمام وابتسمت بمرارة .. تخطط !! تخطط معه

لماذا وفي ماذا وهي المهمشة المهملة ومنذ البداية ؟ بل وما من

داع ليكلف نفسه بذلك فثمة من يخطط ويقرر عنهما معاً ، رفعت

جهاز التحكم ووجهته جهة التلفاز وأغلقته قائلة بجمود

" لم نتحدث ولا يعنيني شيء من كل هذا "

قالتها كاذبة تخفي بها ألماً جديداً يسببه لقلبها فهي وبالرغم من

كل شيء تشعر بالمهانة لتجاهله لها هكذا ولا تفهم أي نوع من

العقاب هذا ! ثم عليها أن تتلقى وحدها نيران غضب والدتها

واحتجاجها بينما هي أكيدة من أنها لم تقل من هذا شيئاً لوالدته

وكل ما قالته لها ( حسناً ... لا بأس .... ولا مشكلة في هذا )

بينما تسمع هي كل عبارات الرفض الغاضب ورأيها الحقيقي

في الأمر .

قالت الواقفة خلفها ودون تردد

" تحدثي معه إذاً واسأليه فهو لم يخبر والدته عن السبب "

فرمت الجهاز من يدها ووقفت تنظرت لها بصدمة قائلة

" أتحدث معه !! "

قالت من فورها وبحزم

" أجل فأنت زوجته وأكثر من يحق لها مناقشة هذا معه "

رمت يدها جانباً قائلة برفض غاضب

" لا أمي عذراً لن أفعلها وأستمع لأسباب أعلم جيداً بأنه لن

يغيرها أو يتراجع عنها "

فحدقت فيها بذهول قبل أن تقول مندفعة

" كنانة هل أفهم ما بكما ! هل تشاجرتما قبل مغادرته

من هنا ؟! "

فبادلتها النظرة بواحدة مشابهة لها ... يا إلهي هذا ما كان

ينقصها الآن ! وتعرف والدتها جيداً إن لبست ثوب المحقق فلن

تنزعه حتى تثبت شكوكها إن كانت موجودة أم لا ... قالت

برفض قاطع

" لم نتشاجر أمي "

فقالت التي تبدو لم تقتنع بذلك

" إذاً لما لا تتحدثا وترفضين التحدث معه ؟ "

فأبعدت نظرها وشتتته عنها قبل أن تنظر لها مجدداً قائلة

" أنت تعرفين طبيعة عمله وحياتهم وتجاراتهم فلن يجلس هكذا

لا شيء لديه سوى التحدث معي ... وأنا أتفهم هذا "

وكذبت مجدداً تظهر عكس ما يشتعل به قلبها فلن تستطيع نكران

ذلك في نفسها وبأن طرق تجاهله القاسية لها هكذا تسبب لها من

الألم الكثير .. ولن تتوقع غير ذلك بعد الحديث الأخير بينهما قبل

مغادرته ، وكم ودت لو قالت لها ( لا تهتمي كثيراً بالأمور التي

يراها أمثالهم صغيرة أمي فهم لا يعيرونها اهتماماً ) لكنها لا

تستطيع قول ذلك ولا كل ما تشعر به في داخلها لأنه ثمة أمور

على عائلتها أن لا تعلم بها لتبقى سجينة قلبها حتى تقتلها ،

وليس ذاك السبب الوحيد في ذلك بل ولأن الواقفة أمامها تفصلها

الأريكة الواسعة عنها كانت قد غادرت دون أن تعلق على ما قالت

وكم حمدت الله على ذلك لأنها باستجوابها ذاك كانت ستوصلها

لنقطة الإنهيار بالتأكيد وتنفجر بكل ما تكبته ولا تستطيع قوله .

تأففت نفساً طويلاً شعرت به خرج من أعماق روحها وغادرت

المكان أيضاً ووجهتها غرفتها التي أغلقت بابها خلفها بقوة

وتوجهت جهة هاتفها رفعته وجلست على حافة السرير تقلب في

قائمة الأسماء فيه ... لن تتصل به ولن تفعلها وإن قام بإلغاء

حياتها بأكملها وليس حفلاً لن يُنقص في أموالهم الطائلة شيئاً ،

وقفت عند اسم ساندرين واتصلت بها ... هي بحاجة للتحدث مع

أحدهم بالفعل وعن أي شيء ولا تعلم لما اختارت تحديداً تلك

السليطة اللسان ! ويبدو بأنها تبحث فقط عمن يعيش تعاسة

كتعاستها ويفهم ما تشعر به وإن لم تتحدث عنه .

"ماذا تريدين ؟ "

كان سؤالها سريعاً وما أن فتحت الخط بل وبنبرة باردة كالجليد

فتنهدت بأسى قائلة

" اسمي هو كنانة قيس كنعان وأقسم بأنه ليس كنانة ضرار

السلطان فلا تنفثي نيران غضبك بي ساندي أرجوك يكفيني

ما بي "

قالت من في الطرف الآخر من فورها وبنبرة حادة

" ولأني أعلم بأنه ثمة ما بك سبقتك كي لا تنفثي أنت نيران

غضبك بي "

وتابعت بعدها وقد تغيرت نبرتها للحنق فجأة

" لا أفهم ما بنا تعيستان هكذا ؟ "

فتنهدت مجدداً هامسة بأسى

" أتظنين أنه ثمة لعنة ما أصابتنا ! "

وحدقت بصدمة ما أن هاجمها ذاك الصوت الحاد الذي خرج من

هاتفها لأذنها مباشرة

" لا توجد لعنة في الحياة كالهازانيين إن دخلوا حياتك أحالوها

لجحيم "

فتجاهلت أنها منهم في مواجهة هجومها الذي لا تكترث فيه لها

كالعادة وقالت بسخط

" لكن لعنتي ليس للهازان علاقة بها "

وكان جوابها سريعاً بل وأقسى من سابقه وهي تقول مندفعة

" أنت منهم إذاً فأنت ملعونة لا تحتاجين لمن يسقط بلعنته عليك "

فتنهدت بضيق وقالت

" ساندي بالله عليك لا تُحملي ثلث شعب كامل نتائج أفعال

شخص واحد منهم بك "

فقالت من فورها وبضيق

" بلى جميعهم هكذا والقصص تتحدث والتاريخ يؤكد ذلك ويبدو

من وضعك المزري أن رجال صنوان مثلهم ... "

وتبدلت نبرتها للإستياء الساخط وهي تتابع

" الحالك وحدهم المختلفون على ما يبدو والدليل أمامي في

والدي .. لو أننا تزوجنا منهم لعشنا السعادة ما حيينا مع رجل

يغدقك بالدلال وينفذ جميع طلباتك ويبقى وفياً لك للأبد "

أدارت عينيها جانباً وتمتمت ببرود

" ووالدي كما تصفين تماماً "

وكما توقعت قالت ومن فورها

" مستحيل لن أصدق وإن رأيت بعيناي بما أنه من الهازان "

ففردت كفها جانباً وكأنها تراها وقالت

" عليك أن تصدقي ساندي فذاك ما أراه بعيناي "

فقالت ومن فورها

" ثمة دماء ما مختلطة في نسل والدك إذاً فلن يستحمل حروب

والدتك مع الجراثيم سوى رجل بقلب من فولاذ "

فرفعت رأسها وتأففت بصوت واضح قبل أن تقول بضيق

" لما لا تستوعبي بأن صراحتك تكون جارحة ومؤذية

أحياناً ساندي "

وصلها صوتها الحاد سريعاً

" تفضلين المجاملات والنفاق مثلاً ؟!

عذراً صديقتي لا يمكنني أن أكون كذلك "

وكما توقعت فالاعتذار من شفتي تلك الفتاة عما تتفوه به دون

رقيب ولا رادع أمر من الخيال فقالت تغير مجرى الحديث بأكمله

" ترى ما وضع ماريه ؟ تبدو الأفضل حالاً بيننا "

فقابلت حديثها ذاك بضحكة ساخرة قصيرة قبل أن يصلها صوتها

الساخر أيضاً

" أفضل حالاً منا !! كنت لأستبدل ابن عمتك الفاشل ذاك بأي رجل

في الوجود عدا ابن خاله البارد المتعجرف الذي لست أفهم ما

يعجب تلك الغبية به غير وسامته التي لا تنفع المرأة في شيء "

قالت ببرود تتعمد تذكيرها بوضعها

" يكفي أنها تحبه ويمكنها الوثوق به أليس كذلك ؟ "

وكما توقعت هاجمتها فوراً

" ستري بعينيك ما سيفعله بها كتلة الغرور ذاك وقولي ساندرين

قالت ... وأنت مثلها يا أم ثقة "

فتأففت وقالت

" اتركينا من الحديث عن كل ذلك ولنخرج معاً .. أحتاج ليوم من

ايامنا الرائعة تلك التي كنا لا نحمل فيها هماً سوى متعتنا "

فابتسمت وكما توقعت وتعلم عن شخصيتها قد قالت من فورها

" لا مانع لدي مطلقاً "
لكن تلك الابتسامة سرعان ما ماتت واختفت ما أن تابعت تلك

بتهديد


" لكن تذكري فقط بأنه إن التقينا بابن عمتك مصادفة كما تقولان

دائماً فلن أخرج معك ما حييت "


فتأففت بضيق وقالت

" سنلغي الفكرة إذاً فأنا لست على استعداد لاستحمال نيران

غضبك إن حدث والتقيناه بالفعل لأني صدقاً لا أعلم كيف يعلم

عن مكاننا ويظهر لنا هكذا فجأة ! "

وصلها صوتها قائلة بلا مبالاة

" حسناً كما تشائين فأنا أساساً لدي رحلة تنظمها منظمة الإغاثة

التي أعمل فيها سأتجهز لها وأذهب وأترك كل شيء ورائي

وأستمتع بالفعل هذه المرة "


وأنهت الاتصال معها مودعة لها وكأنها هي من اتصلت بها

وليس العكس !

نظرت للهاتف في يدها بحنق قبل أن ترميه على السرير ووقفت

وتوجهت نحو الخزانة تخرج ثيابها منها فستخرج لوحدها ليست

بحاجة لتلك المزعجة .

*
*
*


نزلت عتبات الباب الرخامية تنظر للساعة في يدها ...

محاضرتها تبدأ عند التاسعة وهي خرجت باكراً لأنها لا تريد أن

ينتظرها السائق كثيراً ويبدو أنها هي من ستنتظره ولا تعلم أي

وسيلة اتصال به وأين تجده مثلا ؟

تحركت خطواتها نحو صوت خرير المياه الواضح والذي كان

يقترب أكثر كلما تغلغلت بين أحواض الحديقة المنسقة حتى

وصلت النافورة الحجرية الضخمة وسبب كل تلك الأصوات

الرائعة المتداخلة مع غناء العصافير الصغيرة حول الأشجار

الموزعة في المكان بتناسق .. لكن ما جعل خطواتها تتوقف

حينها ليس كل ذاك المشهد الرائع بل الجالسة فوق أحد المقاعد

الحجرية الموزعة بشكل دائري قرب نافورة المياه تمسك دفتراً

وقلماً في يدها ومنشغلة تماماً فيما تخطه فوق تلك الورقة

البيضاء الكبيرة فابتسمت لا شعورياً ولا تفهم فعلاً المشاعر التي

تنتابها كلما رأت هذه الفتاة ...؟ هي تصغرها بعام واحد لكنها

تشعرها دائماً بأنها أكبر منها بكثير ....!

شخصيتها نظرتها ذكائها طريقة تفكيرها وحديثها بل وجميع

تصرفاتها وإيماءاتها تجعلك ترى فيها امرأة قوية ذكية مدهشة

وفي كل شيء فكيف إن أضفت له سحر جاذبيتها الرائع وحسن

ملامحها الخماصية الشقراء ...!! إنها الصورة الحية للمرأة التي

كانت تراها تناسب تيم شاهر كنعان قبل أن تُشوش تلك الصور

بسبب حديثهما الأخير وهو يعترف بأن انسجامه مع امرأة مثلها

ضرب من الخيال ..!!

ابتسمت محرجة ما أن رفعت الجالسة هناك رأسها ونظرت جهتها

فاقتربت منها قائلة

" آسفة إن كنت أزعجت خلوتك ... لقد اجتذبني صوت المياه "

وجلست بجوارها ما أن وصلت ولم تنتظر منها تعليقاً فقد باتت

تفهم نوع شخصيتها جيداً .. إنها تشبه التمثال الفرعوني الموجود

لديها كما يسميه رواح ، قالت تنظر للنافورة أمامها

" غريب أن تكون مثل هذه النافورة الرائعة الجمال هنا وليست

قرب مدخل المنزل ! "

فقالت التي لازالت منشغلة بما تفعل

" الناس هنا تفكيرهم مختلف عنا ... هم صمموا هذا خصيصاً

لتكون مقابلة للشرفة الواسعة لغرفة الشاي ليقابلهم هذا المنظر

وهم يحتسونه صباحاً لا أن يستعرضوها للداخلين للمكان "

فضحكت برقة ورفعت كتفيها قائلة

" معك حق تفكيرهم يختلف عنا لكنها تحفة فنية تستحق بالفعل

أن يراها من يزورهم "

وتابعت من فورها وبدهشة ما أن وقع نظرها على الخطوط غير

المكتملة في دفترها

" ترسمين يا زيزفون ؟ لم أكن أتوقع أنه لديك موهبة رائعة

كهذه ! "

فطال صمتها قبل أن يخرج صوتها في تمتمة باردة

" أنا لا اراها موهبة "

فحدقت فيها بدهشة وقالت تشير بسبابتها لورقة دفترها تلك والتي

لازالت تستقر في حجرها

" هي كذلك بالفعل ...انظري كم تبدعين في تصوير النافورة... "

وانقطعت كلماتها وهي تشير بإصبعها لمنتصف الرسمة الناقصة

" لكن لما هذا الخط هنا !! "

فأغلقت الدفتر حينها ووضعت يديها عليه وحدقت في النافورة

قائلة

" لأني ألغيت الرسمة ... لم أعد أريد متابعتها "

فهمست بذهول

" ولكن لما ....!! "

وسرعان ما تبدلت ملامحها للفضول قائلة تنظر لنصف وجهها

المقابل لها

" هل ترسمين صوراً لأشخاص ؟ هل يمكنني رؤية ذلك ؟ "

فنظرت للجانب البعيد فاختفت جميع ملامحها عنها بذلك ووصلها

صوتها الجامد جمود أحجار تلك النافورة

" لم تعد هناك ... لقد اتلفت "

فحدقت فيها باستغراب قبل أن تهمس

" ما.... "

وبلعت كلماتها مع سحبها لأنفاسها بعمق وفضلت الصمت وأن لا

تتحدث في الامر الذي بدا واضحاً أنه يزعجها الحديث فيه وتنقلت

نظراتها في تفاصيل الحديقة الجميلة والأزهار الملونة وقالت بعد

صمت شعرت بأنه كان طويلاً بالنسبة لشخصيتها العفوية وإن

كانت واثقة من أن الجالسة بجوارها على العكس تماماً

" زيزفون هل أسألك عن أمر ؟ "

وما أن أدارت وجهها ناحيتها ونظرت لعينيها قالت دون أن تنتظر

إذناً لفظياً منها

" أتري أننا كبشر ننسجم مع من لا يشبهوننا ...؟ في شخصياتنا

أعني ؟ "

فارتسمت على شفتيها ابتسامة جانبية قبل أن تقول

" أنت وزوجك تقصدين ؟ "


ابتسمت محرجة فلم تتخيل أن تربط الامور هكذا ! أم أن حديث

عمها البارحة السبب ؟ نظرت لحركة قدميها على الأرض

" حسناً يمكننا اعتبار ذلك كمثال "

فقالت مباشرة وببرود تبعد نظرها عنها لدفترها المغلق

" أنا أرى بأنه ليس لامرأة في الوجود أن تنسجم معه "

فحدقت فيها من فورها وبصدمة قبل أن تقول بضحكة

" لما جميع الآراء سلبية ناحيته ؟ "

نظرت لعينيها وقالت بابتسامة جانبية

" لو استطاع الجميع رؤيته بعينيك لاختلف الأمر بالتأكيد "

فحدقت فيها بصمت بينما تابعت هي تبعد نظرها عنها للنافورة

أمامها متمتمة بجمود

" وهو يعي ذلك جيداً ولا أراه يهتم للأخرين ولرأيهم "

تنهدت بعمق ونظرت حيث باتت تنظر هي وقالت بهدوء حزين "

هو يحتاج فقط لمن يفهمه ... أنا لا أفهم فقط معنى اختلافاتنا ...

الأمر معقد كما يبدوا لي ! "

حركت كتفيها وقالت ولازالت تنظر للقطرات المتطايرة من

رذاذ الماء

" هي ليست بالمعادلة المعقدة ... أنت ببساطة فتاة رقيقة لا تحمل

تعقيدات الحياة ولا تتحملها بينما زوجك رجل استقلالي وقوي
قادر على حمايتك مما تعجزين أنت عن مواجهته وهنا

يكمن السر "

نظرت لها باستغراب لبرهة قبل أن تقول

" تقصدين أنه لا يحتاج لامرأة استقلالية يمكنها حماية نفسها

بعيداً عن الاعتماد عليه ؟! "

وتابعت من فورها وما أن نظرت لها تلك الأحداق الزرقاء

المستديرة

" إذاً بهذا تكونين أنت آخر امرأة قد تستطيع إرضاء غروره؟! "

فنظرت لها بصمت قبل أن تحرك شفتيها متمتمة ببرود

" نحن نتحدث عنكما وليس عني "


فابتسمت قائلة

" حسناً أنت اتخذتني كمثال وأنا أفعل ذلك معك أيضاً "

ولم تستغرب أن أبعدت نظرها للبعيد دون أن تعلق على ما قالت

فابتسمت وقالت تنظر لملامحها الشاردة في الفراغ

" وبهذا فأنت تحتاجين لرجل يغدقك برقته وحنانه وليس لرجل

يبحث عن امرأة تحتاج لحمايته والاعتماد عليه ؟ "

وفاجأتها بالقسوة التي بدت واضحة على ملامحها وقالت بجدية

ولم تنظر لها

" بل أنا لا أحتاج الرجال بجميع أنواعهم ولا أريدهم "


فحدقت في ملامحها باستغراب قبل أن تنظر لمياه النافورة بحزن

وقالت

" لهذا أرى أن زوجك ذاك لا يناسبك تماماً "

" أسمع أحدهم هنا يسيء الحديث عني "

انتفضت واقفة تنظر بصدمة للذي خرج من خلفها ينظر لها

مبتسماً بسخرية ولم تستطع قول شيء ولا مجال لذلك فقد تابع

يشملها بنظراته المستنقصة

" ولن أستغرب هذا من واحدة زوجة لذاك المغرور المتشدق "

" نجيب ...!! "

كان التعليق من زيزفون التي وقفت تنظر له بضيق فتحركت

حينها ماريه مبتعدة بعد أن قالت بصوت منخفض

" بعد إذنكما ... "

وما أن ابتعدت خطواتها حتى اختفت عنهما نظر لها وقال بضيق

" توقفي عن النظر لي بتلك الطريقة وكأني ابنك فهي من أساء

لي أولاً وكان عليك إسكاتها لا إسكاتي "

قالت من فورها وبضيق مماثل

" لو أنك سمعت حديثها من أوله لعلمت بأن الأمر لم يكن كما

فهمته فحديثها كان عني وعنها لا عنك ... ثم هي ضيفتكم في

جميع الأحوال "
تأفف وقال يدس يديه في جيبي بنطلونه الجينز

" اتركينا من تلك الطفلة الآن وأخبريني أين هو خالك ؟ "

ففردت ذراعيها ويديها وقالت بحنق

" وما يدريني عنه أين يكون وأنا سجينة هنا ؟ "

فحرك مرفقيه ويديه لا زالتا سجينتا جيبيه وقال بضيق

" لقد غير مكان سكنه ولا يجيب على هاتفه كما أنه لم يغادر

إنجلترا ! فما خطبه وما الذي تحدثتما عنه في الحفلة جعله

يختفي هكذا فجأة ؟! "


تنفست بقوة دون أن تبعد نظرها عنه متمتمة ببرود تخفي به

التوجس الذي غرسه فيها

" لا أعلم ولست أهتم وما تحدثنا عنه هو ما سبق وأخبرتك به "

فتمتم أيضاً ينظر لها بشك

" لست مقتنعاً "

فأدارت وجهها جانباً هامسة

" ليست مشكلتي "
فضيق عينيه ينظر لها بتفكير قبل أن يستدير هامساً بجمود

" سأعلم بطريقتي إذاً ما تخفيانه أنتما الإثنين "

وغادر من فوره بخطوات ثقيلة واسعة فتأففت وحملت دفترها عن

الكرسي بعنف ولم تهتم للقلم الذي سقط منه على الأرض

وتحركت مغادرة من هناك أيضاً وبخطوات غاضبة سرعان ما

توقفت وبشكل مفاجئ بسبب التي ظهرت أمامها فجأة معترضة

طريقها بشكل متعمد وتبادلتا نظرة متشابهة في القوة كما

الشراسة والاستعداد للهجوم بينما كانت جمانة من تحدثت أولا

قائلة بحدة

" هل أفهم ما الذي تفعلينه هنا كل صباح ؟ "


*
*
*



مسحت بالمنشفة سطح الطاولة اللامعة بانسجام تدندن لحناً خافتاً

وبحركات خفيفة راقصة بينما تحمل في يدها الأخرى المزهرية

الخزفية الجميلة التي كانت تستقر بنعومة عليها ، وما أن رفعت

نظرها للمرآة المعلقة فوقها تأخذ شكلاً دائريا بحواف مائلة قابلها

فيها وجهها وعيناها ذات الرموش البارزة بوضوح فهي كانت

تلف شعرها بمنديل خاص يغطيه من الأمام بينما ينزل ذاك الشعر

الأسود على ظهرها منساباً من الخلف وخصلات منه ترتاح

بنعومة على كتفيها فابتسمت لنفسها تراقب البروز الخفيف في

شفتها العلوية وهو يزداد جمالاً غريباً بابتسامتها وأهدت نفسها

قبلة هامسة بابتسامة

" صباح الخير حلوتي دانيا "

وضحكت من فورها ونظرت للمزهرية التي أعادتها مكانها

ومسحت حواف الطاولة التي كانت تحتل المساحة الصغيرة قرب

باب الشقة .. وما أن وصلت الدرج أعلاها لفت انتباهها انه من

النوع الذي يحتاج مفتاحاً لفتحه .. غرزت أسنانها في شفتها

السفلى في محاولة لإخماد ثورة فضولها فما قد يكون موجوداً فيه

ويحتاج أن يوصد لأجله ؟ لا تستطع نكران أن كل ما فيها

يدعوها وبقوة لفتحه .. حسناً وما في الأمر فهي لم تفتح درجاً

ولا باباً منذ أصبحت هنا ... وابتسمت بحمق فمنذ متى هي هنا

وكلها يوم وليلتان !! لكنه لم يمنعها أو يحذرها من هذا أليس

كذلك ؟ ثم هنا ليست غرفته ولا مكتبه هذه مجرد طاولة قرب باب

الشقة مهملة لا أهمية لها سوى لتعليق المفاتيح التي لا تراه

يستعين بها من أجل فعل ذلك ... وبما أنه غادر قبل قليل قاصداً

شركته فلن يشهد أحد محاولاتها الفاشلة هذه .

وتحت ضغط تلك الافكار كانت تمرر عليه المنشفة مراراً وتكراراً

وبمبالغة وكأنها ستزيل قشرته الخشبية اللامعة تلك ..! وخرجت

ضحكتها وهي تسحبه من مقبضه نحو الخارج قائلة

" حسناً لا فائدة من المقاومة .. ثم هو سيكون موصداً على

كل حال .. "

لكن ويا للمفاجأة .. بل الصدمة التي زحفت سريعاً لملامحها فقد

انسحب معها بسلاسة وكأنه يرحب بها لتكشف عن أسراره ! بل

وكأنه لم يصدق أن يجد من يجبره على البوح بها من شدة ما

أثقله الكتمان طويلاً ..!!

وما إن نظرت لداخل الدرج المفتوح والذي كان عرضه بعرض

الطاولة النصف دائرية حتى غضنت جبينها باستغراب فكل ما كان

يحويه صورة فوتوغرافية مقلوبة وورقة بيضاء ملفوفة فقط لا

غير ...!!

فرفعت يدها وفركت أصابعها ببعضها في الهواء وكأنها

تستشيرها تفعلها أم لا ؟ تفعلها أم لا ؟ حسناً .. فات أوان التعقل

الآن فقد أغمضت عينيها ومدت يدها نحو الصورة سريعاً

وأخرجتها وقلبتها ونظرت لها بعينين اتسعت تدريجياً أو للرجل

الموجود فيها ... غضنت جبينها تنظر لملامحه بتمعن .. هذا هو

بالتأكيد ويبدو قبل أعوام عديدة ومؤكد في الفترة التي وصل فيها

هذه البلاد وحين كان ابنه لازال طفلاً صغيراً ... ملامحه لازالت

كما هي بل ونظرة الحزن العميقة التي تختبئ خلف جمود تلك

الأحداق السوداء ... النظرة التي يبدو لم تغيرها السنين ..!

لم تمحوها كما لم تضمد جراحه وعلق كل شيء في ذاك الزمن

والوقت والتاريخ الذي ترك فيه منزله وعائلته الصغيرة

وبلاده ... بل وأحلامه جميعها كما يبدو .

والأغرب من كل ذلك كان الشعور الغريب الذي اعتراها والذي لا

تعرف حتى كيف تصنفه او تفسره !! وكأن هناك ما يجب ان

تنتبه له في ملامحه ولا تفهم ما هو ولما ..؟!

ومع عِظم حيرتها هذه قلبت الصورة وأعادتها مكانها وامتدت

أصابعها لا شعورياً للورقة الملفوفة بشكل اسطواني فما سر

وضعه لصورته القديمة تلك هنا وما الرابط بينها وبين هذه

الورقة ؟!

رفعتها وفتحتها بيديها الاثنتين وانفتحت عيناها بدهشة رافقتها

شهقتها المتفاجئة وقد ارتفعت ضربات قلبها حتى شعرت أنه قد

صم أذنيها فلم تعد تشعر بما حولها وهي تنظر لوجه المرأة

المرسوم فيها بقلم الرصاص ولملامحها التي استطاعت التعرف

عليها بسرعة ودون عناء ... هذه زوجته ؟!

أجل إنها هي وكما تذكرها تماماً وكأنها تراها أمامها الآن !

من هذا الذي رسمها بهذه الدقة ؟ ليس هو بالتأكيد فلم تعلم عنه

بأنه يجيد الرسم ولا يظهر ذلك عليه فهل قام بوصفها لشخص

رسمها له ؟

هل استطاع أن يوصل له ملامحها بكل هذه الدقة !!

هل حقاً هو يعيشها داخله وبهذا الشكل ؟ ام أنها عبقرية الرسام

الذي استطاع التوغل وببراعة ورقة شديدتي الرهافة والحساسية

لدواخل هذا الرجل لتنعكس بمعانيها العميقة في فراغ الورقة

البيضاء ...؟!


وعند هذه النقطة لم تستطع منع نفسها من أن تمرر أصابع يدها

على ملامحها بينما تمسك الورقة بيدها الأخرى و قد ملأ الحزن

عينيها كما الدموع التي ترقرقت فيها سريعاً تنظر لتلك الملامح

الجميلة الفاتنة والعينان المبتسمتان بحنان فاق جمالهما الآسر

وتساءلت بمرارة لما تخرج لها هذه المرأة من كل شيء لتشعرها

بالذنب أكثر ؟

قسماً بأنها الظروف من حكمت هذا وليست هنا لتأخذه ولا لتأخذ

مكانها.


زمت شفتيها تمنع شهقتها الباكية من الخروج وبللت دمعتها

رموشها الكثيفة وهمست ببحة

" لكن ما أعدك به أن أفعل شيئاً من أجلك ... أي شيء وإن

حققت حلمك وجمعتهما معاً كأب وإبنه ... أو... "


وارتسمت على شفتيها ابتسامة اكتسحت ملامحها الحزينة

وعيناها الدامعة وهي تتابع همسها لها

" أو انتقمت لكما منه... "


وأدنت تلك الورقة وملامحها المبتسمة فيها لشفتيها وقبلتها

مغمضة العينين بحزن وانتفضت مفزوعة حتى كادت تسقط تلك

الورقة من بين يديها ما أن سمعت صوت الخطوات المقتربة من

الباب تتبعها ضجة المفاتيح التي ستعلن في اي لحظة عن دخول

آخر شخص يتوجب ان يراها الآن !!

وبسرعة شديدة هي نفسها لم تكن تعلم أنها تملكها أعادت الورقة

الى الدرج وأغلقته في ذات اللحظة التي انفتح فيها الباب فأمسكت

منشفتها تفرغ انفعالها وتأثير ضربات قلبها القوية فيه تنظر

للجسد الذي أصبح يقف مقابلاً لها والذي وكما توقعت لم يستغرب

وجودها هناك فما علمه عنها هذان اليومان بأنها والغبار

أعداء ...! لكن ما لفت انتباهه أكثر وجعل حاجباه يقتربان

باستغراب هو طريقة وقوفها و ... ! هناك شيء ما غريب في

نظراتها التي لاحظ انها تتحاشى الالتقاء بعينيه !

هو حقاً يريد أن يسأل لكنه شعر بأن الأمر سيحرجها ففضل ألا

يفعل .. و عوضاً عن ذلك فعل ما نسيه وعاد من أجله وهو

يجتازها ودخل غرفة مكتبه فتش في أحد الأدراج عن الملف الذي

عاد من أجله وخرج مغلقاً الباب خلفه ونظره على التي لازالت

تنظف الطاولة ذاتها !! سار حتى اصبح بقربها ودس يده في

جيب سترته ونظراته تتابعها وهي تتشاغل بتنظيف ما قامت

بتنظيفه سابقاً و لا زالت تتجنب النظر له وأخرج منه مجموعة

أوراق نقدية ووضعها على الطاولة قائلاً

" هذه من أجل عامل التوصيل "

والتوت شفتاه بابتسامة جانبية حين علم انها فهمت ما يرمي اليه

من الابتسامة الصغيرة التي ارتسمت على شفتيها رغم استمرارها

في عملها دون ان تعلق .. حتماً حدث شيء ما فقد توقع أنها لن

تفوت الفرصة لترميه بإحدى تعليقاتها العفوية المعتادة بل

وابتسامتها المشاكسة التي لا تفارق شفتيها لكنها لم تفعل !

بل وكان متأكداً من أنه لمح حزن ما في ابتسامتها تلك !!

ولم يعد يراهن على أنه يفهم هذه المرأة كما كان يظن ويعتقد !


تركت أصابعه الأوراق النقدية وغادر مغلقاً باب الشقة خلفه

محرراً بذلك تلك الدمعة التي احتجزتها طويلاً .


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 09:45 PM   #12135

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*



شملتها نظراتها ببرود وها هو كل من برزت له أنياب هنا عليه

أن يدربها عليها هي ؟ لا ووصل التدخل امكان جلوسها ووقوفها
وأين تكون ...! ابتسمت باستخفاف قبل أن تقول بسخرية محدقة

في عينيها الغاضبة

" لم أكن أعلم بأنه ثمة قانون جديد يمنعني ! هل انتقلت الأوامر

هنا من الرؤساء للجنود ؟ "

فاتسعت عينيها ولم يزدها ذلك سوى غضباً وصرخت تشير لها

بسباتها التي يزينها خاتم مكون من قطعتين تربطهما سلسلة

قصيرة

" أنت هو الشخص المنبوذ هنا ومن لا حكم له .. وإن تكرر هذا

مجدداً ورأيتك تجلسين هنا فعمي من سيكون الفصل بيننا "

فأهدتها ابتسامة ساخرة جديدة جعلتها ترجع لمهدها بل وكان
لديها المزيد فما أن تحركت شفتاها خرجت منها الأحرف بقوة كل

شيء فيها رغم برودها بينما نظراتها تنتقل على جسدها صعوداً

" لما لا تتعلمي أن تطوري من شخصيتك أيضاً ولا تختبئي خلف

الغير دائماً كالأرنب "

فتعاقبت أنفاسها الغاضبة تشد قبضتاها بقوة انقطع معها ذاك

السلسال الرقيق الذي يصل بين الخاتمين في مفصلي سبابتها قبل

أن تصرخ فيها مجدداً

" لن أستغرب هذا الأسلوب السافل من أمثالك "

وكان ذلك ما أشعل شهبا زرقاء وامضة في تلك الأحداق بلون

السماء فوقها وخرجت من برودها صارخة فيها بالمثل حينها

"ابتعدي عن طريقي إذاً قبل أن تري أسلوباً أكثر سفالة من ذلك "

لكن ذلك لم يزد من تلك المعركة سوى حدة والطرف الأول فيها

يعود للهجوم مجدداً وصراخها يتعالى أكثر هذه المرة حتى بززت

عروق نحرها النابضة

" ابتعدي أنت عن وقاص يا حفيدة الخماصية فأنا لن أستسلم

بسهولة إن كان ذاك ما يخبرك به عقلك "

ليستعيد الطرف الآخر وضعه السابق ما أن تحدد سير تلك

المعركة وتلك الشفاه الجميلة تعود للابتسام بسخرية بينما خرجت

الأحرف مشدودة من بينها

" أبتعد عنه ! يؤسفني أن أخبرك بأني لم أقترب منه لأبتعد ....

ولعلمك فقط هذا أمر يتوجب عليك شكري عليه فهو كرم مني

اتجاهك "

لتتسع تلك العينان السوداء المحفوفة بصف رموش اصطناعية

مكومة بذهول بينما كانت ستأكلها بها وهي تقول

" ماذا تقصدين بهذا ؟ "

لكنها وكالعادة قابلت ذلك بكل برود واستخفاف وهي توفع رأسها

بشموخ قائلة

" ظننت ذكائك أيضاً تحسن عن السابق "

مما جعل ذاك الغضب يستعر مجدداً وإن تكبدت صاحبته وبكل

جهد إخفائه بينما تكاد أظافرها أن تمزق لحم كفيها من الشد

عليهما بقوة وقالت بفكين متصلبين

" لن أجاري جاهلة سوقية مثلك ... وعليك التوقف عن استخدام

هذه الأساليب الطفولية السخيفة لمطاردة رجل متزوج "

فضحكت .... أجل ضحكت في وضع ما كانت لتتخيل أن تضحك

فيه ! لكنها لم تكن ضحكة مرحة طبيعية لم يعرفها أحد في ذاك

المكان فيها بل ضحكة هدفها فقط والذي تحقق سريعاً هو اثبات

غريزي لقوتها أمام خصم هي لا تراه قوياً أساساً لكنها خرجت

بأوامر من دفاعات دماغها على ما يبدو .. بينما استلم لسانها

القاتل زمام الأمور مباشرة وما أن نظرت للعينان المحدقتان فيها

بغضب تشير بالدفتر في يدها جانباً

" إن كنت أريد زوجك ما كنت لأجلس هنا كطفلة سخيفة كما

تقولين بل لكنت ذهبت له في غرفته "

فارتجف غضباً ذاك الجسد المشدود في سترة جلدية قصيرة

وأنيقة وبنطلون ضيق وقصير وخرجت الكلمات من شفتيها

الممتلئة مرتجفة بغضب أيضاً

" لن أستغرب هذا من أمثالك و.... "

لتوقفها التي لازالت تحارب في أرضها وبقوة قائلة بضيق

" توقفي بات هذا الحديث المزعج يشعرني بالصداع "

فاصطكت تلك الأسنان البيضاء بغضب وصاحبتها تهمس من بينها

" أنت.... "

وكان لها ذات المصير حين قاطعتها بغضب هذه المرة

" قلت اصمتي "

وصرخت في وجهها راميه بيدها جانباً والدفتر فيها

" ولعلمك فقط فوقاص لي ... ملكي ومن قبل أن يعرفك "

واجتازتها مغادرة دون أن تضيف شيئاً ولا أن تهتم لتعليقها على

ما قالت تاركة تلك العينان المحدقتان بها تكادا تخرجان من

مكانهما من الصدمة .

*
*
*


ابتسمت بحنان تستمع بانتباه لحكاياتها وكلماتها الأقرب للطفولة

في براءتها ورقتها ... بل من قال بأن هذه طفلة في الثالثة عشر

من عمرها ! هذه تحمل عقل وقلب امرأة فطوال فترة حديثهما معاً

لم تتطرق أبداً لذكر شيء عن ماضيها القاسي البشع ذاك بل ولم

تذكر والدها ولا زوجته بالسوء قط !

وإن لم يكن يمان لمّح لها سابقاً عما مرا به وهذه الفتاة تحديداً

ولولا ما علمته من والدة زوجها ذاك قبل قليل لما كانت لتتخيل

بأن تكون قد مرت بكل ذلك !!

من يعرف هذه الفتاة عن قرب وحده من يستطيع فهم كم هي

مختلفة ! كم هي امرأة وكم هي رائعة !!

ولن تتوقع غير هذا ممن يكون شقيقها يمان فالمرأة ليست

بعمرها ولا نضجها بل بعقلها وقلبها بالفعل فكم من طفلة كانت

بعقل امرأة وكم من امرأة كانت بعقل طفلة ...!!

هي آمنت بتلك الحقيقة الآن بل وتراها نموذجاً حياً أمامها .

كان العشاء في ذاك المنزل يشبه فخامته ورقيه ويشبه كرم تلك

العائلة وتواضعهم الذي فهمته الآن على حقيقته حين اقتربت

أكثر من تلك المرأة العظيمة ابنة العظماء وابنتها ، وبالرغم من

أنها لم تستطع أكل إلا القليل من تلك الأطعمة التي تحتاج لعشرة

أمثالهم ليأكلوا نصفها فقط إلا أنها كانت أمسية مميزة بقلوبهم

وأحاديثهم وضحكاتهم .. وكما توقعت من تلك المرأة جوزاء

شاهين الحالك فكرمها ورقيها يشبهان حزمها وشدتها فسرعان

ما كانت الفتتان وبأوامر منها في غرفة ابنتها حينما كان وقت

مراجعة الدروس الصيفية كما يبدو بينما كانت ثمة مساحة أوسع

لهما ليتحدثا معاً وكم أذهلها كمّ الحقائق التي كانت تجهلها عن

حياة تلك الفتاة وكل ظن تلك المرأة أنها تعلم وبأن يمان

أخبرها .. وكم شعرت بالأسى حيالها فكم عانت من ظلم

واضطهاد نهايته محاولة حرقها حية في وقائع تقشعر لها الأبدان

وتبين لها بأنها ليست وحدها من كانت تعاني فثمة من هو أسوأ

منها ... لا بل هي لم تكن أسوأ منها فقد كان شقيقها بجوارها

يساندها وإن كان عاجزاً عن إيجاد حل لها أما هي فلم تجد ولا

ذاك الشقيق .. كانت تناجي فقط طيفه في ظلام جدران ذاك المطبخ

البارد الذي تنام فيه بينما يعيش هو في مكان ما من هذا العالم قد

يكون قريباً جداً لها ويتجاهل ما تمر به ويعرفه جيداً وهي فتاة

وحيدة لا حيلة لها في مواجهة وحوش غيلوان وكل تلك الألسن

وبشاعة البشر التي التهمت لحمها وعرضها حية .
" يمان أصبح لديه منزل في الجنوب الآن ؟ "

ابتسمت وأومأت لها إيجاباً تنظر لعينيها الجميلتان والشبيهتان

بتلك العينان التي تعشق .. فهذه المرة الرابعة تقريباً التي تسألها

فيها إن كان يملك بالفعل منزلاً يخصه هناك ! بل وليست عيناها

فقط ما تشبهانه هي أخذت من ملامحه الكثير غير أنها بشعر بني

مجعد بفوضوية طفولية مميزة تشبه براءتها ورقتها وجمالها

بينما شعر شقيقها أكثر نعومة وأغمق ، فكم تذكرها به بل وكم

تشتاق له الآن ولم يفترقا سوى لساعات !!

تشتاق لتفاصيل حياتهما البسيطة تلك جميعها وحتى الغرفة

الفقيرة التي ينامان فيها كل في طرف وجدار !

صعدت الدماء الحارة في جسدها وصولاً لخديها اللذان توهجا

بحمرة واضحة وهربت بنظرها للأسفل ما أن تذكرت تلك

اللحظات المجنونة والقبلات التي تبادلاها أعلى الجرف الصخري

وشعرت بالخجل من نفسها واندفاعها الأحمق فكيف سينظر لها

الآن ! لكن سرعان ما بدد تلك المخاوف تذكرها لكلماته لوالدة

زوج شقيقته حين ذكرت رغبتها في تزويجه لابنة لها وتعليقه

على ما قالت وارتجف قلبها أكثر من السابق .

" وهل أصبح يدرس الطيران ؟ هل سيكون طياراً ؟ "

رفعت نظرها لها وحدقت فيها باستغراب بينما تابعت هي برجاء

حزين قائلة

" هو كان يريد ذلك لكن والدي رفض فهو يدرسها الآن بالتأكيد

أليس كذلك ؟ "

حركت رأسها نفياً بملامح حزينة أمام تلك النظرات البريئة

المستجدية فهذه المرة الأولى التي تذكر فيها شيئاً سلبياً عن

والدها ! بل والأولى التي تعرف فيها هي هذا الأمر !!

وكابدت دموعها باستماتة حين قالت الجالسة أمامها بحزن

وعينان دامعة

" هو كان يريد ذلك كثيراً ... لم نكن نملك المال لكن أبي رفض

نقود المدرسة "

ابتسمت بحزن ومرارة وفهمت ما تعني ولا تستطيع استيعابه ...

هي المنحة الدراسية بالتأكيد ... يا إلهي كم قاسى ذاك الشاب

وخسر أيضاً ؟ نظرت من بين الدموع التي ملأت عينيها للتي قالت

بأمل حزين

" غيهم طيار .. هو يقود الطائرة دائماً لكنه لا يحب ذلك .. بثينة

أخبرتني بأنه كان يريد أن يسافر ويعمل مع الجيش هل يستبدل

ليمان مكانه ؟ هو لا يريده "

أمسكت يدها بكلتا يديها وملأت الدموع عينيها أكثر حتى أشبعت

رموشها فهذه أصغر مما تتوقع فعلاً !

بل ومن سنها الصغير أساساً ؟ قالت ببحة وحزن

" لا يمكنه استبدال مكانه فتلك سنوات كثيرة من الدراسة

يا يمامة "

فانسابت الدموع من عينيها وهمست ببكاء

" ألن يكون طياراً أبداً ؟ "
رفعت يديها لوجهها وقالت تمسح الدموع عن وجنتيها

" قد يكون كذلك يوماً ما .. بل وقد يكون أفضل من ذلك بكثير "

فأومأت موافقة وشع وجهها بابتسامة وكأنها أخبرتها بأنها

ستحقق ذلك لها !

عادت لإمساك يديها مجدداً وقالت تنظر لعينيها الفضية الجميلة

" نحن لا نعلم الخير في الأمر يا يمامة فكم من أمور نكرهها

لكنها تحمل الخير لنا ... "

وتابعت تبتسم برقة من بين حزنها

" ثم لو أنه أصبح طياراً ما كان ليسكن الجنوب ولا لألتقيه

وأتزوج به "


فتبدلت نظرات الجالسة أمامها للفضول سريعاً وقالت

" كيف التقيتما ؟ "

ابتسمت بحياء وقالت

" لقد صدمني بسيارته ليلة احترق منزلكم وأخذني للمستشفى

وسُرقت سيارته تلك الليلة لذلك تأخر عنك ولم يكن هناك "

نظرت لها بتفكير عميق وظنت بأنها تحاول تفسير الحادث وسبب

تأخره لكن ما كان يحدث في عقلها الصغير عكس ذلك وقد

فاجأتها بأن قالت بفضول

" وهل يتزوج الرجل المرأة التي يصدمها بسيارته ! "

فلم تستطع إمساك نفسها عن الضحك وقالت في محاولة مستميتة

لإيقافه

" لا بالطبع لكنه كان سبباً لذلك "

واختفي كل ذاك الضحك لتحل محله ابتسامة حزينة حين أمسكت

هي بيدها هذه المرة وبكلتا يديها الصغيرتان معاً قائلة برجاء

حزين

" هو سيكون سعيداً أليس كذلك ؟ أنت ستفعلينها ؟ "

فأومأت برأسها بنعم وقالت تضغط على يدها بيدها الأخرى التي

جمعتها مع يديهما

" سأفعل يا يمامة .... سأسعى جهدي لفعل كل ما يجعله سعيداً "

ابتسمت لها بامتنان وانفتح حينها باب الغرفة وأطل منه رأس

بثينة التي قالت مبتسمة

" ألم تناما بعد ؟ كنت أعلم بهذا يا مخادعتان .... "

وتابعت تنظر ليمامة بمكر وهي تدخل مغلقة الباب خلفها

" لهذا أردتِ أن تنام معك ؟! "

وضحكت وصعدت السرير معهما قائلة بضحكة

" لو تعلم والدتي عنا فسنعاقب عقاباً بشعاً في الغد يا يمامة "

فضحكت يمامة وقالت

" لن نخبرها "

ضحكت أيضاً وقالت ونظراتها تنتقل بينهما

" أنتم من أين تحصلون على هذه الأحداق الملونة ! "

وأمسكت خصرها بيديها وتابعت بضيق

" حتى تيما ابنة خالي مطر عيناها زرقاء بالرغم من أن والداها

وجداها ليسا كذلك ! بل وجميعكن متزوجات عداي ! "

ابتسمت يمامة بينما نظرت لها مايرين باستغراب فابتسمت بمكر

ونظرت لها قائلة

" قالت والدتي بأنها كانت ستزوج يمان من ابنتها فما بي أنا !

لما لم تفعلها ؟ "

فاتسعت تلك الأحداق الخضراء بصدمة فضحكت بثينة وقالت

" كنت أمزح فقط ... لا تنظري لي هكذا "

وتشاركن الضحك معاً وبدلاً من أن تنام مايرين مع يمامة كما

أراردت تلك وأصرت أن تنام معها في غرفتها لم ينم أحد من

ثلاثتهن تلك الليلة حتى الصباح .


*
*
*


رفعت شعرها الرطب وجمعته وأمسكته بمشبك كبير وهي تتوجه

جهة سريرها ورفعت الهاتف الذي كان مرمياً عليه وصوت رنينه

وصلها من قبل أن تخرج من الحمام ، نظرت لإسم المتصل قبل أن

تفتح الخط ووضعته على أذنها وهي تجلس على حافة السرير

وقد انكشف فخذها العاري من روب الاستحمام القصير بسبب

جلوسها إحدى قدميها تحتها والأخرى على الأرض وقالت

مبتسمة

" مرحبا يا جليلة ولا تنسي بأني لازلت غاضبة منك "

فانطلقت من في الطرف الآخر قائلة باندفاع هجومي

" من يحق لها الغضب من الأخرى يا ناكرة الصداقة الطويلة

التي شهدت حروب البلاد وتحريرها وحروبها الجديدة ! "

ابتسمت ترفع خصلات غرتها الرطبة خلف أذنها وقالت

" وما الذي فعلته يغضبك بينما أنت التي لم تكن بجانبي

بالأمس ؟

ولن نتحدث عن رفضك العمل معي كمساعدة لي "

قالت من في الطرف الآخر من فورها وبسخط

" غسق بالله عليك وكأنك لا تعرفين الوضع جيداً ؟

فكيف أعمل معك وأنا نصف عزباء نصف متزوجة وسيكون

عليا أخذ الإذن من ذاك الرجل أولاً لأكون هناك وهذا ما لن

يحصل أبداً .. ولا أظنه سيوافق عليه وأنا أرفض مناقشة هذا

معه أو سماع صوته "

تنهدت بضيق متمتمة

" وحتى متى ستهربين منه ومن حقيقة أنك أصبحت زوجته ؟ "

وتابعت من فورها تغير مجرى الحديث الذي لا طائل من

النقاش فيه

" حسناً ماذا بالنسبة لحضور الحفل ؟

ما هي أسبابك وقائد كان هنا ؟! "

فتمتمت تلك من فورها وببرود

" للسبب ذاته "

تنهدت بعمق وقالت

" جليلة أنت تضيعين الوقت ليس إلا فاقتنعي بواقعك "

فكانت من في الطرف الآخر من غير مجرى الحديث هذه المرة

وقد قالت بحماس

" مؤكد لم تري الإحتفال في ميدان الفروسية ولم تكوني هناك


أعرفك جيداً فهل رأيته في التلفاز ؟

هذا هو الأمر الوحيد الذي جعلني أموت تحسراً لأني لم

أكن هناك "

ضمت ساعدها لصدرها ودست يدها تحت مرفق يدها الأخرى التي

كانت تثبت بها الهاتف على أذنها وقالت ببرود

" تبدين كطفلة وأنت تتهربين من حديثنا السابق "

ووصلها بوضوح صوت تأففها الطويل قبل أن تقول باستياء

" أنا لم أتهرب منه بل تحدثت عما اتصلت من أجله فلا تعكري

لي مزاجي به غسق حلفتك بالله "

وقاطعتها من قبل أن تفكر في التعليق والتحدث قائلة بابتسامة

" لكنهم تغلبوا عليك هذه المرة فلم أصدق عيناي وأنا أرى

صورتك في جريدة العوسج اليوم !! "

تنهدت بضيق وقالت

" تملصت بجميع الطرق لكنهم كانوا أعند مني وبصعوبة وافقوا

على أن يقتصر الأمر على الصحافة فقط ثم تركت لهم المبنى

وما فيه وصعدت لمكتبي "

قالت تلك ضاحكة

" كان هذا كافياً والتقطوا المهم منه فما نريد بالباقي "

حدقت في الفراغ باستغراب هامسة

" ماذا تقصدين ؟ "

وصلها صوتها سريعاً وباستغراب مماثل

" ألم تري جريدتهم اليوم ؟ "

نظرت للطاولة قرب باب الغرفة وقالت

" لا فبالكاد استيقظت واستحممت .. كنت متعبة ولست أعلم

كيف نمت لكل هذا الوقت ؟ "

ضحكت وقالت

" لازالت الساعة التاسعة يا دجاجة ! وبما أنك لم تريها فقد

تركوا لصورتكما عموداً كاملاً لتحتلا الصفحة بأكملها بطولها


وعرضها وأنتما تقطعا معاً الشريط الأحمر "

تنهدت بضيق ولم تستغرب ذلك بل كانت تتوقعه فهي رفضت

مراسلي التلفزيون لكنها لم تستطع منع الصحافة أيضاً وتم رفض

ذلك ومن الجميع ... بينما وصلها صوت ابنة خالتها المتحمس

قائلة بابتسامة كانت واضحة فيه

" ظننته إعلان ما عن مسلسل جديد سيتم عرضه ... ما كل هذا

التناغم والانسجام !

لقد بدوتما رائعين وكنجوم السينما تماماً "

وقفت وقالت بضيق ولازال نظرها هناك حيث الصحف الموضوعة

على الطاولة

" جليلة ..... !!! ما أسخفك وتلك الجريدة معك "

فضحكت وقالت

" وماذا تتوقعين من السخافة ... أعني الصحافة أن تختار لتترك

مثل ذاك المشهد وتستبدله بغيره ؟

إن كنت مكانهم ما وضعت غيرها بل وفي الغلاف أيضاً بدلاً

من صورة البرج وخبر افتتاحه "

كانت تحدق هناك بصمت واستغراب بينما تابعت تلك بضحكة

جديدة

" ثم ما أن تري تلك الصورة سيتغير كلامك هذا ... يا إلهي

ما الذي لا يبدع فيه ذاك الرجل ولا يليق به ؟ "

فزمت شفتيها بضيق وقالت

" لا تنسي بأنك متزوجة يا أم لسانين وبأنك تملكين نسخة

أخرى عنه وبأنه ابن الحالك أيضاً "

فنجحت في قلب مزاجها ذاك سريعاً فقالت بضيق مماثل

" لا أعلم من منكما نقلت العدوى للاخرى أنت أم والدتي !!

من أخبركم بأني نسيت أمره لتذكروني به طوال الوقت ؟ "

تنهدت بضيق وتوجهت ناحية باب الشرفة الزجاجي قائلة

" لا تأخذي موقفاً سلبياً من الرجل وتجعليه يكرهك فيما بعد

وهو من تقدم لخطبتك من نفسه يا جليلة "

فوصلها صوتها فوراً وببرود

" فليفعلها ويخلي سبيلي لا مانع لدي "

حدقت في السماء البعيدة عنها بصدمة وقالت

" مطلقة مرة أخرى يا جليلة !! لن تستحملي تبعات ذاك الأمر

هذه المرة فلا تستهيني به "

قالت تلك من فورها

" الأمران سيان ... بل وبقائي مع رجل أسوأ من ذلك بالنسبة

لي "



حركت رأسها بيأس منها وأمسكت بحزام المنشفة الملفوفة حول

جسدها قائلة

" لو أني أفهمك فقط وما تعنين وما تخفينه عني ؟ واعلمي من

الآن بأني لن أسامحك حين سأعلم ورماح معك بالطبع لأنه

وبسبب وعدك له ترفضين التحدث "

وصلها صوتها حزيناً محبطاً

" لا فائدة من الحديث عن الماضي يا غسق لأنه لن يجدي

في شيء "

تنهدت وقالت تولي ظهرها لمنظر أهم أحياء العاصمة الراقية

" لا أريد أن تكوني تعيسة يا جليلة وأخشى أن تتضرر مشاعرك

مجدداً وتكونين أنت السبب في ذلك وتكتشفين الحقيقة حينما

يكون الأوان قد فات "


وكما توقعت قالت تلك من فورها

" لن أخسر أكثر مما خسرت ولن يُذبح قلب ويموت وهو ميت

أساساً فقد اعتدت حتى أن أكون علكة في أفواه الناس فما

سأخسر أكثر وفيما سأتضرر ؟ "

فتنهدت بأسى ويأس منها وقالت تتكئ بظهرها على الباب

الزجاجي خلفها

" لعل الإيجابي الوحيد في الأمر أنك ستصبحين هنا ونكون

قريبتان من بعضنا "

فتمتمت من في الطرف الآخر ببرود

" ولست أرى ذاك الإيجابي الوحيد سيطول "

فتنهدت نفساً طويلاً وقالت

" ما أعندك ....! حسناً متى تقرر حفل الزواج أم أنه مفاجأة

بالنسبة لك كعقد قرانكما ؟ "

فوصلها صوتها المتضايق سريعاً

" لا أعلم ولست أهتم وأتوقع ذلك في أي وقت وفي كل صباح

لتدخل والدتي عليا الغرفة وتخبرني بأنه في انتظاري في

الأسفل ... ليتني أموت قبل ذاك اليوم "

قالت بضيق أشد أصابعها تشتد على الهاتف فيها بقوة

" جليلة توقفي عن التفوه بالحماقات يكفي ترفضين أن يكون لك

حفل زفاف كغيرك ...! ما أعندك وأغباك وهو من يريد حفلاً لك

في أفضل مكان في العاصمة !! "

فقالت تلك بمرارة عبّرت عن كل ما بداخلها

" وما الذي أفعله بحفل زفاف ستحتشد له الناس فقط ليروا التي

التهمتها الألسن والشائعات لأعوام وهي تتزوج ؟ "

ووصلها صوت تأففها القوي قائلة من قبل أن تتحدث

" وداعاً الآن يا غسق لقد عكرت لي مزاجي بما يكفي .. واذهبي

وانظري للخبر في الجريدة فوق صورتكما ولا تنسي بأني

غاضبة منك من الآن "

أبعدت الهاتف تنظر له باستغراب قبل أن يتحول كل ذلك لحزن

فهي لم تستطع قول الحقيقة لها والتي تجهلها وبأن زواجها ذاك

أقرب مما تتخيل وليس تتوقع ، تنهدت مستغفرة الله وتحركت من

مكانها ونظرها على مجموعة الصحف الموضوعة على الطاولة

هناك تمسك شعرها الرطب الذي انزلق من بين أسنان مشبك

الشعر وجذبته جهة كتفها ورفعت جريدة العوسج تحديداً فهي

الأشهر في البلاد وإحدى الصحف المهمة عربياً .. وكانت بالفعل

صورة البرج المضاء والألعاب النارية تخرج منه تلمع وسط

الظلام حيث تم التقاطها من مكان الاحتفال بنادي الفروسية

القريب منه فهو ما احتل الصفحة الأولى واسمه يعلوا باقي

الأخبار فقلبت صفحاتها بسرعة حتى وجدت صورتهما والخبر

الذي تحدثت عنه وكانت بالفعل قد احتلت عموداً كاملاً وهما

يقومان معاً بقص الشريط الأحمر لافتتاح صالة البرج الأرضية ..

وبينما كان هو يقف بجانبها كانت ذراعها تحيطان بها تمسك يديه

بيديها يتوجان معاً ذاك الحدث ... وانفتحت عينها بصدمة

ممزوجة بالغضب حين فهمت ما كانت تقصد جليلة بغضبها منها

ما أن قرأت الخبر أعلاها تحت إسميهما المكتوبان بالأحمر

العريض وقد كُتب بخط أسود منسق

( افتتاح برج القمة وإعلان خبر انتظارهما للمولود الجديد )

فرمت الصحيفة من يدها قائلة بضيق

" مطر ... فعلتها إذاً ولا أحد غيرك سيفعلها "


*
*
*




التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 10-06-19 الساعة 10:01 PM
فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 09:46 PM   #12136

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



*
*
*






حضنت الجريدة بل صورتهما فيها وكأنها لم ترى ذاك مباشراً

بالأمس وقالت بسعادة

" ما أروعهما وهما معاً ... يا رب احفظهما لي يا رب "

فضحك الجالس على السرير بقربها وقال مبتسماً بسخرية يتكئ

على ذراعيه

" يا لك من طفلة ! لا أفهم كيف لوالدك أن يزوجك وأنت لازلت

تحضنين صورة والديك ! يا له من تقشف عاطفي هذا الذي

تعيشينه "

لوحت بالجريدة في يدها ونظرت له وقالت بأسى واستياء

" أجل تقشف عاطفي لم تعرفه أنت لتفهمه .. فبينما كنت تنام في

حضن والدتك هنا كنت أنام أحضن طيفها في السرير البارد ..

وبينما كان جدك وأعمامك يغدقونك بكل ذاك الدلال كنت أنا أشتاق

للحظات أرى فيها والدي لأنه يضحي بكل شيء وحتى وقته

لتعيش هنا بسلام "


رفع يديه عالياً وقال ينظر للسقف يمسك ضحكته

" وأنا أحمد الله لذلك لكنت الآن أحضن الجدران مثلك "

رمته بالجريدة التي استقبلها ضاحكاً وقالت بضيق

" ما أسخف مزاحك يا طفل .... فانظر أنت لسنك أمام الرجال

لتعلم بأنك طفل عكسي تماماً "

أمسك الجريدة من طرفيها ورفعها بينهما يحركها وكأنها تطير في

الهواء وقال باستهزاء

" لا أعرف واحدة تصف نفسها بأنها امرأة وستدخل الثانوية

العام المقبل ! "


أمسكت خصرها بيديها وقالت بتملق

" والدتي حين تزوجت كانت تدرس في الثانوية "

قال ولازال يحرك الجريدة بينهما مبتسماً بسخرية

" كانت في التاسعة عشرة يا ذكية "

نظرت له بضيق وما أن كانت ستعلق أوقفها رنين هاتفها الذي

أخرجته من جيب تنورتها وما أن نظرت للاسم على شاشته حتى

عضت طرف شفتها تمسك ضحكتها فهي لم تتصل به كما لم

يفعلها هو وها قد استسلم أخيراً ، وقفت وأدارت ظهرها للذي قال

ضاحكاً

" لو أفهم فقط ما يعجبه بك ؟ "

فسارت حتى وصلت لباب الغرفة والتفتت له وأخرجت لسانها

وخرجت من فورها ضاحكة بل وراكضة كي لا يلحق بها لأنه قفز

باتجاهها متوعداً .

وما أن وصلت غرفتها وأغلقت بابها خلفها كان هاتفها قد عاود

الرنين مجدداً ففتحت الخط ووضعته على أذنها فوصلها صوته

الحانق فوراً

" لو لم أكن أحمقاً ما اتصلت بك أبداً "

فأمسكت ابتسامتها بأسنانها وقالت

" وإن لم أكن أنا حمقاء ما أجبت عليك أبداً ... ثم أنت قلت أن

أجيب على اتصالاتك لا أن أتصل بك "

وتابعت من فورها وقد تحولت نبرة صوتها للضيق

" وإن لم أكن أحبك كحمقاء لكنت غضبت منك للأبد بسبب

ما قلت بالأمس حين اتصلت بك من أجل الحفل "

فوصلها صوته البارد الجاف سريعاً

" لن أتحدث عن ذاك تحديداً كي لا تنامي الليلة باكية "

فأمسكت خصرها النحيل بيدها الحرة قائلة

" قل ما لديك وأعدك بأن لا أفعلها "

" تعالي لمنزل والدك "


قالها مباشرة وبحزم آمر فحدقت في الفراغ بصدمة قبل أن تشتد

أصابعها على خصرها أكثر وقالت بضيق

" بل كان عليك أن تقول متى ستأتي لمنزل والدك ؟ "

وكما توقعت كان تعليقه التالي أشد حزماً وحدة وقد قال

" تيماااا .... قسماً أن تجديني في غرفتك مجدداً ولن أغادر

من دونك هذه المرة "

فنفضت يدها قائلة باستياء

" لا هذا ليس اتفاقنا "

قال بضيق مماثل

" وليس من ضمن اتفاقنا أيضاً أن لا تزوري منزل والدك

مجدداً "

قالت بأسى غزا ملامحها قبل صوتها

" قاسم لا تكن قاسٍ ومجحف هكذا "

" قاسٍ !! "

قالها سريعاً وباستهجان فقالت من فورها وبضيق

" أجل وأنت لا تمنحني الفرصة التي اتفقنا عليها مطلقاً "

قال بحزم

" لا تتهربي من موضوعنا الأساسي "

قالت مباشرة
" أنا لا أتهرب وهو موضوعنا ذاته "

تجاهلها قائلاً بأمر حازم

" سأكون في منزل العائلة وسأنتظرك ... وداعاً "

عبست ملامحها الجميلة وهي تنظر للهاتف في يدها بعدما أغلق

الخط دون حتى أن ينتظر تعليقها ! رفعت كتفيها وهي تبتعد عن

الباب مبتسمة وغادرت الغرفة ووجهتها الغرفة الأقرب لها ..

طرقت الباب وفتحته ما أن سمعت ذاك الصوت الأنثوي المنخفض

يسمح لها بالدخول وأغلقته ونظرها على الجالسة على حافة

السرير تحضن رأسها بيديها قبل أن ترفعه ممررة أصابعها في

شعرها للخلف لينزل متدرجاً على كتفيها تتبعه غرتها الطويلة ..

وبالرغم من أن شعرها كان جافاً كانت ماتزال تلبس روب

الاستحمام ! قالت بقلق تنظر لملامحها الفاتنة الشاحبة

" أمي تبدين متعبة ؟ "

وتبعتها بنظرها وهي تقف متمتمة

"هكذا أكون صباحاً ثم يتغير كل هذا .. لقد اعتدت تقريباً "

تبعتها بنظراتها وهي تتوجه للخزانة وتخرج ثياباً لها منها وقالت

" ستذهبين للبرج ؟! "

قالت وهي تسحب بابها مغلقة إياه

" أجل عليا أن أكون هناك .. أنا بخير لا تقلقي "

وتوجهت جهة باب الحمام وأغلقته قبل أن تسمع تعليقها ! بل وما

جاءت من أجله ولتستأذنها للذهاب لمنزل والدها .


*
*
*


رتبت خصلات شعرها القصير تنظر لنفسها في المرآة قبل ان

تنزلق نظراتها علي فستانها القصير والذي لم يتعدى طوله

ركبتيها من الامام بينما وصل لنصف ساقيها من الخلف ، التفتت

لوالدتها الواقفة خلفها قرب باب الغرفة تنتظرها وقالت تلامس

خصلات شعرها بيدها

" ما رأيك أمي أم أضع مشبكاً لشعري ؟ "

قالت مبتسمة

" أنت رائعة كيفما كنت يا زهور فبسرعة المرأة تنتظرك في

الأسفل وأنت تأخرت كثيراً "

قالت تنحني للجانب قليلاً وترفع قدمها ليدها تعدل حزام حذائها

المرتفع

" هي المرة الأولى التي أقابل فيها والدته بل وفرداً من عائلته "

فاقتربت منها والدتها قائلة

" وإن يكن فالأمر لا يحتاج كل هذا "

قالت وهي تستدير للمرآة الطويلة مجدداً تعدل خصلات شعرها

عليها

" كيف لا يحتاج وهي تراني للمرة الأولى ؟ "

وتابعت تمسح بطرف سبابتها تحت جفنها

" وماذا عن باقي عائلته ؟ ألم تأتي شقيقاته أو زوجات

لأشقائه ؟ "

قالت الواقفة خلفها تنظر لها في المرآة

" لا فلا أحد له .. هو ابنها الوحيد "

نظرت لها أيضاً في المرأة وقالت باستغراب

" الوحيد !! "

قالت من فورها

" أجل فوالده توفي منذ زمن ولا أبناء لها غيره "

استدارت نحوها مجدداً وقالت بحزن

" وأعمامي وعائلاتهم وعماتي ؟ ألم يحظر منهم أحد ؟! "

تنهدت بضيق وقالت

" لا ... فهم لازالوا يُحمّلون والدك الذي رباك مسؤولية عدم

إخبارهم وأخذ رأيهم قبل أن يوافق عليه وكأنهم يهتمون لأمرك

مثلاً وما يصلح لك ولا يصلح ؟! "
أخفضت كتفيها متمتمة بإحباط

" لكنه ترك لهم الرأي وأن يسألوا عنه كيفما يشاؤون ! "

أمسكت يديها في وسطها وقالت ببرود

" وهذا لم يكفيهم فحين لم يجدوا به عيباً. يعيبه تحججوا بعائلته

التي لا تربطه بها سوى صلة الدم والجميع في الجنوب

يعلم ذلك "

حدقت فيها باستغراب وقالت

" وما بها عائلته ؟! "

شدتها من يدها وتحركت بها من هناك قائلة

" لا شيء مهم في هذا وليس وقت الحديث عنه .. تحركي يا

زهور فلن نتركها وحدها أكثر من هذا "

فأوقفتها بوقوفها وقالت

" أمي عليا رؤيته بما أنه أصبح هنا .. لن يُعقد قراننا هكذا

دون أن أعرفه وأتعرف عليه "

أمسكت بيدها مجدداً وقالت تسحبها معها

" هو اتفق مع والدك على كل هذا فأسرعي هيا "

تحركت خلفها تتمتم بحنق

" لا أفهم ما هذا الذي اتفقا عليه وكيف ومتى سأراه مثلاً ؟! "

نزلت السلالم خلفها وكانت ضيفتهم تجلس في بهو المنزل عكس

ما توقعت أن تكون في غرفة الضيوف وهذه ليست عادة

والدتها !! تباطأت خطواتها ما أن أصبحت في الأسفل تنظر

باستغراب للمرأة التي وقفت ما أن قالت والدتها

" وهذه زهور ابنتي "

بل وتوقفت خطواتها تماماً وهي تنظر لتلك العينان السوداء

الواسعة التي كانت تنظر للفراغ وليس لها وكأنها لا تستطيع

تحديد مكانها ! بينما مدت يدها للأمام قائلة بابتسامة دافئة

" تعالي يا زهور ... اقتربي لأراك بطريقتي "

فشعرت بسكين قاسي غرس في صدرها وتلاحقت أنفاسها وهي

تكتشف وللمرة الأولى بأن والدته ضريرة لا يمكنها الرؤية !! ولا

تفهم ما هذا الذي جعل ضربات قلبها ترتجف فجأة وعقلها الباطن

يرفض وبشدة ربط أحداث وحقائق ما تجهلها ! مما جعلها

تتحرك من مكانها تجر خطواتها نحو اليد التي لازالت ممتدة

نحوها حتى أصبحت تقف أمامها تماماً نظراتها الحزينة المغمورة

بالعاطفة تتنقل في ملامحها الجنوبية لتحاكي جذور تلك القبائل

حتى في غرتها السوداء الكثيفة الناعمة والتي تحف حاجبيها

تظهر من تحت الوشاح الذي يغطي رأسها منسدلا على كتفيها

والعينان السوداء الواسعة التي لم يزدها اللون الأسود الذي

اكتحلت به سوى اتساعاً وجمالاً وعلِقت الكلمات في حنجرتها

المتيبسة وتلك اليد البيضاء ترتفع لوجهها ولامست ملامحها

برفق هامسة بعينين ترقرقت فيها الدموع سريعاً

" حمداً لله الذي أراني عروساً لأويس قبل أن أموت ويموت

هو وحيداً "

فاتسعت عيناها وتوقف العالم من حولها عدا الأرض التي دارت

تحتها وبقوة كادت ترميها عليها مما جعلها تستند بوالدتها

والواقفة قربها كي لا تقع وارتفعت يدها لشفتيها تنظر للواقفة

أمامها بصدمة وهمست من تحت أصابعها المرتجفة

" أويس !! "

وراقبت بعينين ذاهلة ملامح التي نزلت يدها لكتفها وقد قالت

بحزن عميق لم تسمع معه همسها المصدوم ذاك

" لم أتخيل يوماً أن يغير رأيه ويقرر الزواج .... كم أنا ممتنة

لك يا زهور يا ابنتي "

ولم ينتهي عذاب صدماتها هناك وتلك اليدين التي تستدل طريقها

في الظلام الذي لا يراه سواها ترتفع لوجهها وأمسكت به بكلتا

يديها قائلة برجاء حزين وعينان مغمورة بالدموع شاردة في

ملامحه وإن كانت لا تراها

" أسعديه أرجوك بنيتي فهو لم يسعد يوماً ولم يعرف معنى

السعادة الحقيقية وإن ابتسمت شفتاه ولم أستطع أنا منحه سوى

المزيد من الألم كلما نظر لعجزي ولمسببه "

فانجرت الدموع من عينيها هي حينها بل ودخلت في نوبة بكاء

قوية لازالت تمسك تلك العبرات المرتفعة بأناملها المطبقة على

شفتيها وشعرت بأنها تدور في حلقة مفرغة بل شعرت بكل شيء

حولها وحتى الجدران البعيدة تطبق على جسدها بل رئتيها تمنع

الهواء من التسلل لهما ولم يعد يمكنها رؤية شيء بسبب الدموع

المتدفقة من عينيها ولا سماع أي شيء حولها سوى نحيبها

المكتوم ولا صوت وكلمات والدتها المستفهم باستغراب ولا كلمات

التي كانت تسمي بالله عليها بقلق وإن كانت تسمعها ولا تراها

فهي لم تكن معهما سوى بجسدها المرتجف فقط بينما رمي عقلها

بعيداً وبعيداً جداً لكل تلك الاحداث التي جمعتها بذاك الرجل

وأقساها كان الطريقة التي انتقمت منه بها لتجرح ليس روحه

فقط وذكرى والده بل وهذه المرأة أيضاً .. تتذكر كل ما فعل من

أجلها بصفته أويس غيلوان وبصفته الخطيب المجهول الذي لم

يكن يسعى سوى لإرضائها وإسعادها وتذكرت فوراً كلماته في

الحفل قبل يومين

( بل وتعجبني أيضاً قوتها ومواجهتها لكل شيء بشجاعة ...

جميلة .. أنيقة وذكية خطفت قلبي فور أن رأيتها وأنا على

استعداد لفعل أي شيء فقط لتكون سعيدة )

وعند ذلك لم يعد يمكنها التحمل أكثر فركضت جهة السلالم باكية
وصعدت عائدة من حيث جاءت .


*
*
*


رمت القلم فوق مذكرتها ومررت أصابعها في غرتها البنية ترفعها

للأعلى قبل أن تتحرر متدرجة على جانبي وجهها وأدارت هاتفها

تنظر للساعة فيه ورفعته وفعلت ما تفعله في كل مرة يغادر فيها

وهو الاتصال به فقط لتسمع المجيب الآلي يخبرها بأن الرقم

مقفل ... أمر تعرفه مسبقاً ورغم كل ذلك لازالت تحاول في كل
مرة !! دفعت الهاتف بعيداً عنها وتنهدت بأسى تتكئ بذقنها على

راحة يدها فكم من مشاعر تحملها لذاك البارد لا يبادلها إياها

أولها أنها تشتاق له ما أن يبتعد عنها ويمضي يوم لا تراه فيه

بينما هي متأكدة من أن ذلك لا يعنيه أبداً .

تأففت ووقفت تبعد كل تلك الأفكار عن رأسها وتوجهت جهة باب

الغرفة فكم تشعر بالملل هنا فلم تخرج من غرفتها سوى لتناول

وجبة العشاء التي لم يكن جميع ساكني المنزل موجوداً فيها كليلة

البارحة فلا وقاص وزوجته ولا زيزفون وزوجها كانوا موجودين

على مائدة العشاء تلك وأمضت باقي الوقت سجينة غرفتها ولم

تستطع مغادرتها تفادياً للقاء من ليست فقط لا ترغب في رؤيتهم

بل وواثقة من أنهم لا يرغبون في ذلك أيضاً .. لكن وفي هذا

الوقت تستبعد أن تلتقي أحداً منهم فكما فهمت غرف الجميع في

الأعلى ولا يبدو أنهم يحبذون تركها إلا لمغادرة المنزل ! فتحت

الباب بهدوء وخرجت تغلقه خلفها بالهدوء ذاته وسارت في الممر

الفارغ الساكن والذي لم يكن البهو الواسع الفخم بأقل هدوءً منه

وكأنه لا أحد يعيش هنا ! أخذتها خطواتها فوراً ناحية المكان

الذي دخلته مرتين سابقاً وخصص للحفلات على ما يبدو ليحتل

القسم الأكبر من الطابق السفلي .. ومن أجل الوصول له سارت

في رواق طويل مغطى بسجاد أحمر فاخر وقد عُلقت على جدرانه

مصابيح تأخذ شكل أزهار من الكريستال اللامع أضاءت فيها

المصابيح الصغيرة كالبلور معلقة في حاملات فضية منحنية

بنتوءات تشبه الأوراق .. ولوحات ضخمة رائعة زينت تلك

الجدران جعلت رأسها يستدير معها وهي تسير ببطء وكم شعرت

بأنه طويل عن المرة الوحيدة التي سلكته فيها سابقاً ويبدو بأن

ثرثرة ساندرين السبب حينها !

وما أن وصلت تلك القاعة الواسعة ودفعت بابها المرتفع ودخلتها

حتى نظرت لتفاصيلها بدهشة فقد بدت لها مختلفة بالفعل عن

السابق حين كانت تعج بالضيوف فبدت الآن واسعة هادئة

بأنوارها الخفيفة التي اقتصرت على الأضواء المخفية المصممة

مع ديكور السقف بينما سبحت الثريا الضخمة في الظلام التام

تلمع قطعها الكريستالية بطريقة مبهرة تحت الضوء الخافت كما

زجاج اللوحات الفنية الكبيرة المعلقة على الجدران مما يشعرك

بالانبهار وشفافية المكان وجماله وكم يختلف عن ذاك الوقت الذي

كان يعج فيه بالضيوف وضحكاتهم وأحاديثهم المتداخلة المرحة .

انتفضت بخوف والتفتت للوراء فوراً ما أن شعرت بالخطوات التي

اجتازت الباب الضخم خلفها وبالكاد استطاعت أن تتنفس بشكل

طبيعي ما أن تبينت هويته .. وكم حمدت الله أن كان هو وليس

شقيقه ذاك فقالت مبتسمة بإحراج

" آسفة لتطفلي .. أردت فقط أن أرى المكان وهو فارغ "

قال وقاص مبتسماً

" لا داعي للإعتذار ماريه يمكنك التنقل هنا حيث وكيف تشائين ،

أنا فقط وجدت الباب مفتوحاً واستغربت ذلك "

استغرب ذلك !! هي من عليها أن تستغرب هذا وأن يسلك ممراً

غير وجهته ليصل إلى هنا ؟! فهل هو معتاد على تفقد المكان

والحركة فيه ليلاً ؟ حتى أنه لازال يرتدي بدلة رسمية ويمسك

حقيبة في يده أي أنه سيكون عاد للتو ! نظرت حولها وقالت

مبتسمة

" المكان وهو فارغ هكذا أروع بكثير من السابق "

ضحك ضحكة عميقة قصيرة وقال

" لن يشاركك الكثيرين في هذا الرأي وسيحكمون عليك بأنك فتاة

انطوائية "

عبست ملامحها الرقيقة بأسى فهل هذه صفة جديدة كانت تجهلها

وعليها تقبلها أيضاً ؟ لكنه سرعان ما بدد تلك الشكوك وهو يقول

مبتسماً

" وأنا أراك عكس ذلك تماماً فأنت فتاة تملك هالة قوية حولها

تجذب المرء للتحدث معها ولاستكشافها أيضاً "

تلون خداها بإحراج وقالت بضحكة صغيرة

" لن أعتبر هذا تغزلاً أبداً ؟ "

ضحك كثيراً وقال

" لا بالطبع أرجوك فتيم من المقربين لي "

وتشاركا في ضحكة مرحة وقال

" كل ما عليك هو أن تفكري كالانجليز بأنه مجرد رأي حول

شخصيتك "

رفعت كتفيها وقالت مبتسمة

" هل تقصد بهذا بأن النساء العربيات يفهمن الرجال بشكل

خاطئ دائماً ؟ "

قال مبتسماً
" لن ننكر أن البعض منهن بلى ... تستجيب للعفوية بسرعة

وسرعان ما تظن بأن الرجل متيم بها "

تنفست بقوة تحرك رأسها بإحتجاج رافض فابتسم قائلاً

" كيف وجدت إقامتك هنا ؟ أتمنى أن تكون فكرتك عن كل شيء

مشابهة لهذه الغرفة "

قالت مبتسمة برقة

" بلى القصر بأكمله رائع وشعرت بالفعل وكأنني وسط عائلتي "

قالتها بصدق متغاضية عن كلمات نجيب التي ترى نفسها جزء

من السبب فيها .. ونظرات زوجته تلك التي قد تعذرها كون هذا

الرجل المميز زوجاً لها .. ونظرات والدة نجيب التي تشعر بأنها

موجهة للجميع وليس لها وحدها أو أنها جزء من شخصيتها !

وتابعت بذات ابتسامتها الرقيقة التي تشبهها في كل شيء

" فقط ما ينقصه كما يبدو لي بعض الاطفال أو الكثير منهم

بالنسبة لحجمه "
رفع حاجبيه بدهشة مبتسماً وقال

" أطفال !! "

دست يديها خلف ظهرها وحركت كتفيها قائلة بابتسامة

" أجل فهو كئيب نوعاً ما وأرى أن الأطفال هم ما يحتاجه كل

منزل لتشعر بالحياة تدب في أركانه "

فأمال شفتيه بابتسامة وقال

" أوافقك الرأي لكني أراه أمراً مستحيلاً في هذه العائلة أن يصبح

ممتلئاً بالأطفال بالنسبة لحجمه وبا.... "

وانقطعت كلماته بسبب التي دخلت من الباب المفتوح لتقف فجأة

تنظر لهما ولم تكن سوى زيزفون ... فابتسمت ماريه من فورها

ابتسامة سرعان ما خفتت حتى اختفت ونظرها ينتقل بينهما

وشعرت على الفور بأن الأجواء بدأت تنتقل للإضطراب وكل واحد

منهما قد أشاح بنظره بل وبوجهه سريعاً عن الآخر !! بينما تابع

وقاص حديثه السابق وقد انتقلت لهجته للبرود فجأة ! بل بما هو

أقرب للسخرية ينظر للبعيد قائلاً

" لكن قد يفعلها نجيب قريباً ويحقق ذلك وتنجح خطته الجينية

الحمقاء تلك "

وغادر ما أن أنهى جملته تلك مجتازاً الواقفة عند الباب والتي

انقبضت أصابعها على الورقة التي كانت تمسكها بها وكأنها

تخفي انفعالاً ما فيها قبل أن ترفعها ناحيتها وقالت ببرود

" لم أجدك في غرفتك فتوقعت أن تكوني في غرفة الشاي

أو هنا ... هذه من أجلك "

فرفعت يدها وأخذتها منها فوراً تنظر لها باستغراب ولم تترك لها

مجالاً لا لتسأل ولا حتى لتشكرها وهي تغادر المكان أيضاً ! نظرت

للورقة الملفوفة التي تجعد طرفها بين أصابعها تقلبها باستغراب

خالطه الكثير من الفضول وفتحتها من فورها لتتسع عيناها

بدهشة هامسة

" يا إلهي ... ما هذا !! "
وهي تنظر لخطوط قلم الرصاص المتداخلة والمظللة في شكل

صقر فارداً جناحيه تفاصيله تظهر بوضوح وبشكل مبهر وكأنه

حقيقي أمامها بينما تخللت خطوط جناحيه فراغ واسع لم يكن

ورقة بيضاء خالية بل عينان بشريتان استطاعت فوراً أن تتعرف

عليهما ولمن تكونا وهو تيم !! بل وبأدق تفاصيلهما وحتى النظرة

القوية المسيطرة الباردة وكأنه ينظر لها فهمست مجدداً بدهشة

" ما أروعها !! "
وحضنتها دون شعور منها وكأنها تحصنه هو فهي صورت

شخصيته بالفعل وكم تشعر بأنها تشتاق له ، هي فعلتها إذاً من

أجلها لأنها سألتها عن رسوماتها سابقاً ؟ نظرت للباب المفتوح

ولم تستطع ولا اللحاق بها لغرفتها وشكرها خشية أن تلتقي

بزوجها هناك فهي لا تعلم بعد حدود علاقتهما المضطربة كما يبدو

لذلك قررت فقط العودة لغرفتها فتجوالها في المكان يبدو لم يكن

أمراً صائباً .

*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 09:48 PM   #12137

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*


نظر جهة باب الحمام وللخارجة منه تلف حول جسدها منشفة

الاستحمام الخاصة بينما تناثر شعرها المبلل على كتفيها تنظر له

باستغراب ويعلم بأنها لم تكن تتوقع أن يختار النوم عندها الليلة ،

دس يده خلف رأسه يتكئ به على ظهر السرير ونصب ركبته ومد

يده الأخرى ناحيتها قائلاً

" تعالي هيا "

لكنها لم تتحرك من مكانها واستمرت في تحدق فيه بجمود فقال

بابتسامة جانبية

" حسناً جيد لا تتحدثي تعالي فقط فهذا ما أريده "

" لما أنت هنا يا سلطان ؟ "

كان سؤالها قوياً وليس أحمقاً كما سيظن أي رجل في مكانه

الآن .. وبالرغم من ذلك قال وببرود وهو ينزل يده

" هل تسأل امرأة زوجها عن هذا ؟! "

شدت المنشفة على جسدها قائلة بضيق

" أجل حين يكون في وضع كوضعك بل ووضعنا جميعاً فلما لم

تكن جاهزاً حين طلبت سابقاً أن نتحدث ؟ بينما الآن فلديك من

الوقت ما يكفي ! "

فاستوى في جلوسه في رد فعل دفاعي وقال بضيق مماثل

" بالله عليك يا امرأة لا تسمعيني موشح ضرتيك فبسبب ذلك

فررت من كلاهما .. ستجعلونني أكره أولادي بسبب كثرة الثرثرة

على رأسي "

لكن ذلك لم يجعلها تتراجع عمّا كانت تريد قوله ومنذ وقت تنتظر

فقط أن يترك مشروعهم ذاك ويصبح هنا فانفجرت بغضب

" وضرار ابنك بل وابني فمن سيتحدث عمّا يخصه ويعانيه

غيري ؟ "

فرد يده ناحيتها وكأنه يستحثها على الكلام قائلاً

" رائع وما هذا الذي يعانيه ابنك أيضاً ؟ فأنا لا أسمع سوى هذه

الكلمة عنهم منذ أتيت "

قالت من فورها وعيناها تمتلئ بالدموع حسرة على ابنها الوحيد

البعيد عنها

" وما في وضعه لا يكون معاناة وهو منفي في تلك المدرسة

البعيدة ؟ "


فتعالى صوته صارخاً أيضاً حينها

" ذاك المكان الأنسب لإبنك وأنت تعلمين ذلك جيداً "

فارتجف صوتها بعبرة رفضت أن تتجاوز حلقها وقالت بأسى "

إن كنت أعلم ما احتججت ... ابني يمكنه الدراسة هنا وأمام

ناظري فما الداعي لذ.... "

فقاطعها برفض غاضب يشير بسبابته للأسفل

" هنا !! أتري هذا المنزل بات ينفع ولا للتنفس فيه ليناسب

ابنك ! فأي دراسة هذه التي سيركز فيها هنا ؟ "

شدت قبضتها جهة صدرها تنظر له بعينين دامعة تزم شفتيها

بقوة فقال بحزم من قبل أن يحدث ما يتوقعه ويعلمه جيداً

" ضرار يحب دراسته ومتفوق فيها ولا يهتم إلا بتحقيق طموحاته

من خلالها ، وإن بقي هنا فسنكون في نجيب آخر بالتأكيد "

ونظر لها بقوة وكأنه يقول لها وأنت من سيكون سبب ذلك

بتسميم أفكاره ناحية أشقائه .. وكما توقع أيضاً فقد ادعت

ومتعمدة الغباء وبأنها لم تفهم من ذاك شيئاً فتلك طباعها لا تهتم

إلا بما تريده فقد قالت صارخة بانفعال لم يخفي حجم رفضها

لمقارنتها بضرتها تلك

" ولما ابني تحديداً من تخاف عليه وتبعده ؟ ماذا سيحدث

مثلاً إن .... "

فقاطعها بصوت أعلى وهو يغادر السرير صارخاً

" ضرار ابني أيضاً وأعلم مصلحته وما ينفع له أكثر منك

ولا تناقشيني في الأمر مجدداً "

وغادر الغرفة بل والجناح بأكمله ضارباً بابه خلفه بقوة وسار في

أروقة الطابق مجتازاً الصالون المخصص له ونزل السلالم الذي

يربطه بالمكان الغارق في صمت الأموات أكثر من الذي يليه ! أو

هكذا اعتقد فقد توقف في منتصفه فجأة ينظر للذي خرج من

جهة الممر الغربي والموصول بصالة الاحتفالات ولم يكن سوى

وقاص ووجهته باب المنزل الذي يبدو دخل منه منذ قليل فثيابه

لازالت ذاتها لم يغيرها !! بل وبخطوات واسعة قوية يتقنها

الرجال وحدهم في أوقات الغضب المكبوت ..! تلاه صوت صرير

عجلات سيارته مما يؤكد كل ذلك فتنهد بضيق مغمضاً عينيه

اللتان ما أن فتحهما حتى ارتفع حاجباه فوقهما يراقب التي

خرجت أيضاً ومن ذات المكان وبخطوات شبه راكضة لتقف فجأة

وفي منتصف طريق سيرها ونظرت جهة باب المنزل الذي تركه

من غادر قبل قليل مفتوحاً وصوت هدير سيارته المبتعدة لازل

يسمع وإن كان بعيداً .. صاحبة القوام النحيل الممشوق والشعر

الفاتح والحضور الغامض .. فهل خرجت خلفه لتدركه لذلك كانت

مسرعة وتوقفت تنظر هناك ؟! أم أنها أرادت فقط معرفة وجهته !

راقبها بصمت وهي تلتقط أنفاسها قبل أن ترمي شعرها الأشقر

الطويل من كتفها خلف ظهرها وتابعت سيرها لكن في اتجاه

معاكس للجهة التي كانت تنظر لها حتى اختفت خلف ممر غرفتها

في الجانب الآخر فاشتدت قبضة يده التي كان يمسك بها سياج


السلم الخشبي وزم شفتيه بقوة وبدأ بضربها عليه مضمومة

الأصابع قبل أن يصعد العتبات مجدداً وبخطوات واسعة .

*
*
*


تنهدت بضيق تنظر للجالسة على طرف السرير وفي بكاء لم

يتوقف منذ وقت وقالت

" زهور المرأة قد تظن بأنك تبكين شفقة على وضعها وبهذا

ستظهرين بمظهر سيء أمامها "


قالت ببكاء تضرب بكفها على صدرها

" بل أبكي شفقة على حالي أمي وعلى أفعالي "

فتنهدت بضيق وقالت

" هو من طلب أن لا نخبرك ولا يريد إجبارك على أي شيء

ويصر على أن يكون الرأي لك وإن رفضته فما يبكيك في هذا ؟ "

لوحت بيدها قائلة ببكاء أشد

" ليس هذا ما يبكيني أمي ليس هو "

قالت الواقفة فوقها بنفاذ صبر

" ما سبب كل هذا البكاء المخيف إذاً إن لم يكن بسبب هويته ؟! "

وراقبتها بضيق وقد مررت أصابعها في شعرها القصير للخلف

بعنف قائلة ببكاء غاضب

" ليس لدي ما أقوله أمي فارحميني أرجوك "

فضربت بيديها على بعضهما وسط جسدها وقالت

" لا يمكنني تحقيق ذلك لك فالرجل ينتظر رأيك ليعقدوا قرانكما

ويصر على سماع موافقتك أولاً فقولي ما لديك ثم يمكنك البكاء

كيفما تشائين "

غطت شفتيها بظهر أناملها وحركت رأسها إيجابا هامسة ببحة

بكاء

" موافقة أمي ... موافقة "

وليس أمامها سوى الموافقة لا تعلم من أجل والدته أم من أجله

أم بسبب ما فعلت ؟ لكن ما تعلمه جيداً بأنه لا سبيل للرفض بعدما

قالته والدته ورؤيتها لدموعها وسماعها لرجاءاتها الحزينة وبعد

كل ما فعله من أجلها وما قال في آخر مرة تقابلا فيها ولا سبيل

لتكفير ذنوبها غير ذلك ... وتحار فعلاً أهو السبب الحقيقي أم

لأنها تعلقت فعلياً بذاك الخطيب المجهول والذي تبين لها الآن من

يكون ؟ وبالرغم من أن رفضها هو ما سينهي جريمتها تلك

ليمضي كل واحد منهما في طريق وتنساها وللأبد ومهما طال

الوقت لكن لسانها أبى أن ينطق بتلك الكلمة ولا تعلم فعلاً ما الذي

ستوقع نفسها فيه إن هو علم بالحقيقة وفي أي يومٍ كان وما

سيئول له مصير زواجهما حينها وهو ابن غيلوان الذي لا يُظهر

غضبه الحقيقي شيء كقصة والده تلك ! كما لا يُخرج الوحش

الكامن داخله شيء مثلها ... لكنها تستحق كل هذا فهي من رسم

مستقبل نفسها بنفسها .

بينما غادرت والدتها مبتسمة ما أن سمعت منها تلك الكلمات

الهامسة الباكية لترجع بعد لحظات وقد وجدتها على الحال الذي

تركتها عليه فتحركت نحوها وأوقفتها قائلة

" هيا يا زهور ويكفيك بكاء لا سبب له ! "
وما أن وقفت على طولها حضنتها قائلة بسعادة

" مبارك لك بنيتي "

وأمسكت وجهها بيديها وقالت تنظر بعينين دامعة لعينيها

المجهدتان من البكاء

" ما أسعدني في هذا اليوم الذي انتظرته منذ حملتك رضيعة بين

ذراعاي "

وكل ما خرج منها صوت ضعيف هامس ببحة

" أصبحت زوجته ؟ "

قالت تمسح الدموع من وجنتيها

" أجل فما كانوا ينتظرونه هو موافقتك فتوقفي عن البكاء هيا

ولتنزلي لوالدته مجدداً فهي لا تتوقف عن السؤال عنك "

حركت رأسها بانصياع وفي صمت وتوجهت جهة المرآة ونظرت

لشكلها فيها .. عيناها المتورمتان من البكاء والكحل الذي سال

منهما في بقعة سوداء مخيفة وخطان قصيران وكأنها دمية

مصاصي دماء !! مسحت عينيها جيداً بالمناديل المخصصة لإزالة

مواد التجميل وأزالت أثار الكحل جميعها ولم تضع آخر غيره ..

وبما أن أحمر الشفاه ثابت اللون ولم تفقده أو تفسده ابتعدت عن

المرآة وتركت الغرفة أيضاً ونزلت السلالم قاصدة المرأة الجالسة

هناك والتي لن تراها إن كانت متزينة أو حتى مشعثة وقد

استيقظت من النوم للتو وكم تشعر بالأسى لحالها ولم تفهم حتى

الآن ما السبب في ماضيها ذاك المرتبط بفقدانها لبصرها

كما قالت ؟ ما تعرفه وباتت متأكدة منه أنه ثمة مآسي كثيرة

لدى هذه العائلة مرتبطة بماضيهم البشع ذاك !.

ما أن وصلت عندها حتى مدت تلك يدها لها قائلة بابتسامة

" تعالي اجلسي بجانبي يا زهور "

ففعلت ما طلبته منها من فورها وحضنتها تلك بذراعها هامسة

وكأنها تحدث نفسها

" حمداً لله ... حمداً لله "
فاتكأت على كتفها مغمضة عينيها تستنشق رائحتها الغريبة

المميزة ! وفهمت حينها لما قالت ما قالته سابقاً .. هي تبدو كانت

تحاول إقناعه بالزواج وهو كان يرفض لذلك تُظهر كل هذه

السعادة .. وهذا ما يحدث مع كل أم ترى ابنها يدفن نفسه في

حزن الماضي فتتأمل في أن استقراره مع زوجة وعائلة قد ينسيه

كل ما عاناه ويُخرجه من كل تلك الهوة التي يدفن نفسه فيها .

وثبت واقفة كالملسوعة ما أن قالت والدتها من بعيد

" تعالى ادخل يا أويس "

وشعرت بضربات قلبها تعدو في سباق طويل وكأنها لم تراه ولم

تعرفه سابقاً ! وسرعان ما شغلت نفسها بمساعدة والدته على

الوقوف ما أن فكرت تلك بفعلها متجنبة النظر له وخطواته تقترب

منهما وشعرت بمشاعر متضاربة اتجاهه لم تفهمها ولم تعرفها

سابقاً ! بل تشعر بأنها جمعت جميع تلك المشاعر التي عرفتها

ناحيته وبشخصيتيه المعلومة لها والمجهولة .. أو هكذا كانت

تظن حتى وقف قربها وشعرت بيده وذراعه تحيط كتفيها وأصابعه

تلتف حول ذراعها العاري الذي ارتجف لملمس أصابعه حاله حال

باقي جسدها ولازالت تنكس رأسها للأسفل وما أن قالت والدتها

ضاحكة

" لم تتوقف عن البكاء اليوم واحترنا في أمرها جميعنا ! "

حتى انهارت حصونها مجدداً وأخفت عيناها في ظهر كفها وعادت

دموعها للتمرد على عينيها واتكأت على كتفه ما أن شد ذراعه

حول كتفيها أكثر يدنيها منه وقبّل رأسها وهمس بصوت متزن

عميق

" اتركوها فأنا ظلمتها وأخطأت في حقها مراراً "

فلم يزدها ذاك سوى بكاءً وتعلقاً به وذراعاها تلتفان حول خصره

وطغى الندم فوق أي مشاعر أخرى انتابتها حينها بينما لامست يد

والدته كتفه وقالت بصوتها الحنون الدافئ

" مبارك لكما بني وأراني الله أبنائكما قريباً ... فقط لا

تتأخرا بهم "

وقالت آخر كلماتها بابتسامة مداعبة فضحك أويس وقال ناظراً

للتي لازال رأسها يتكئ على كتفه .. بل وقد دست وجهها فيه

محرجة

" عليك بها إذاً فوالدها اشترط أن تحدد هي كم من وقت تحتاجه

وكيف تريد حفل زفافها وأين ... بالنسبة لي كنت لآخذها معنا

الليلة وستحملين حفيدك خلال أشهر "

وتشارك ووالدته والدتها أيضاً الضحك ما أن ركضت مبتعدة

عنهم وصعدت السلالم من فورها فقال مبتسماً ونظره يتبعها

حتى اختفت

" أمي لقد أحرجتها "

فضحكت وقالت
" أنت من فعلها وليس أنا ... رجال هذا الوقت كم تغيروا

عن السابق ! "

فابتسم وفرد يديه ناظراً للواقفة بجانبها وكأنه يقول لها أعجزتني

عن الرد فضحكت وقالت

" ألن تغير رأيك وتبقيا للعشاء معنا ؟ "

نظر لساعته وقال

" في المرة القادمة فالطريق يأخذ وقتاً وسنصل ليلاً بالرغم

من مغادرتنا الآن "


*
*
*


دخلت من باب المنزل ورمت حقيبتها كما حجابها على الأريكة

وسألت الخادمة التي توجهت نحوها مبتسمة

" أين هو قاسم ؟ سيارته في الخارج فمؤكد لازال هنا "

قالت مبتسمة

" في غرفتك سيدتي .. هو هنا بالفعل ومنذ وقت طويل "

فتحركت من فورها في ذاك الإتجاه وما أن وصلت باب الغرفة

المغلق وقفت أمامه تقضم ظفرها مبتسمة فإن حسبت الوقت من

اتصاله بها صباحاً فقد مرت ساعات كثيرة .. لكن الأمر لم يكن

بيدها فهي انتظرت والدتها لتستأذنها ثم رعد حتى عاد ليجلبها

إلى هنا لأنه سيغضب بالتأكيد إن هي جاءت في سيارة الحرس

وهي كذلك لن ترضى بذلك ولا والدتها ووالدها من قبلها .

أدارت مقبض الباب ببطء وفتحته ليقع نظرها فوراً على الواقف

أمام النافذة مولياً ظهره لها والذي التفت ناحيتها من فوره

وأمسك خصره بيديه وقال بضيق عاقداً حاجبيه الطويلان

" آمنت الآن أني بالفعل رجل أحمق "

فخرجت منها ضحكة صغيرة وهي تركض نحوه وحضنته فور

وصولها له ذراعاها تحيطان خصره بقوة تدفن وجهها في صدره

وقالت مبتسمة

" اشتقت لك "

ليتبخر كل ذاك الغضب والاستياء الذي بدأ يتلاشى أساساً منذ وقع

نظره عليها وداعبت أصابعه شعرها قبل أن تسقط حصونه

ويحضنها بقوة مبتسماً وهمس من بين أسنانه

" من الذي يتحدث عن الشوق يا كاذبة أنا أم أنت ؟ "

أبعدت وجهها عن صدره ونظرت لعينيه وقالت مبتسمة

" أقسم أني اشتقت لك "

فتأوه مبتسماً وأمسك وجهها بيديه لتتحول تلك الابتسامة للحنق

وأبعد يديه عنها متأففاً ما أن انفتح باب الغرفة فاستدارت من

فورها ناحية الذي دخل منه وقد قال مبتسماً

" علمت أنه ثمة امرأة جميلة دخلت المنزل الكئيب منذ قليل ؟ "

فابتسمت له بحب وركضت نحوه وارتمت في حضنه قائلة

بابتسامة

" جدي ... كم اشتقت لك "

فضحك وقال وأصابعه تلاعب خصلات شعرها

" كاذبة كوالدتك تماماً "

فقال من تركته خلفها ببرود مكتفاً ذراعيه لصدره

" قالت كذبة مشابهة منذ قليل ... وها قد شهد شاهد من أهلها "

فضحك دجى بينما تمسكت هي بحضنه بقوة وقالت مبتسمة

" اشتقت لك أنت فقط جدي .. تصدقني أليس كذلك ؟ "

وقالت آخر كلماتها تلك تنظر مبتسمة للواقف بعيداً ينظر لها

بضيق يدس يديه في جيبيه بينما ضحك دجى وقال

" أعرفك لا تكذبين أبداً إلا إن تغيرت طباعك مؤخرا بسبب

أحدهم "

وضحك فوراً على نظرات قاسم التي اختلطت بين الصدمة

والاستياء والتي تبدلت للحنق فور أن دخل شخص آخر من باب

الغرفة وكان مطر فقال بضيق يرفع يده جانباً

" ومن بقي أيضاً ؟ أين عمك الآخر لم يأتي ؟ "

ليدخل صقر حينها بالفعل قائلاً بضيق تمثيلي يمسك خصره بيديه

" أسمع أحدهم يذكرني ! "

فتحرك قاسم حينها ووجهته الباب وقال مجتازاً لهم

" بما أنكم مجتمعون أريد زوجتي في منزلي وأوجدوا لمشاكلكم

حلاً "

وخرج من فوره فنظر مطر لصقر وقال

" كنت أبحث عنك لما لا تجيب على هواتفك ؟ "

وغادرا من فورهما يتناقشان فيما لم يهتم من تركاهما خلفهما به

وقال دجى بضحكة ينظر للتي كانت ترفع نظرها له مبتسمة

ولازالت تنام في حضنه

" أيتجاهل الجميع ذاك الرجل بإجحاف هكذا ؟ "

قالت بضحكة صغيرة

" لا أظن أن عائلة الشاهين سيسلموا حفيدتهم لأي رجل

بسهولة "

ضحك وقال يسير بها نحو السرير

" أعانه الله عليك وعلينا ... لن أستغرب هذا ولن تختلفي عن

والدتك وجدتها "

فابتعدت عنه بابتعاده حينها وقالت تراقبه وهو يقترب أكثر من

السرير وحده بينما أمسكت خصرها بيديها

" ولما لم تذكر جدتي أيضاً ؟ "

فابتسم وارتمى على السرير بتنهيدة طويلة وقال ينظر لها

مبتسماً بمكر

" لا أميمة كانت مختلفة وليس ثمة امرأة مطيعة مثلها في

الوجود ... تلك جيناتكم لوحدكم "

فسحبت الكرسي وجلست عليه أمامه وقالت بحماس

" أخبرني إذاً عن والدتك جدة والدتي وفيما نتشابه بالفعل ؟ "

ابتسم وقال

" سأخبرك بما أعلمه عنها فأنا لم أراها سوى لمرة واحدة في
حياتي "

حدقت فيه بدهشة قائلة

" مرة فقط ! "

وكم شعرت بالحزن من أجله فهو عانى ما لم تعانيه هي التي

كانت ترى نفسها الأتعس على الإطلاق حين حُرمت من رؤية

والدتها لكن ما قاساه هذا الرجل أسوأ بكثير فهو حرم من والدته

ثم زوجته ثم ابنته بل ومن حريته أيضاً وهويته ، قالت بفضول

خالطه الكثير من الحماس

" وكيف كانت وما الذي تعلمه عنها ؟ "

ولم تستطع ابتسامته حينها إخفاء حزنه ما أن قال

" أتري والدتك الآن ؟ هي تشبهها في الكثير من ملامحها غير

أن تلك الخماصية بعينين زرقاء وشعر فاتح "

ارتفع حاجباها الرقيقان هامسة

" هي خماصية ؟! "

قال من فوره

" أجل ومن أين سيكون لك لون عيناك هذا إذاً وأنت من عمق

قبائل الحالك ؟ "

شدت يديها في حجرها في قبضة واحدة وقالت بفضول

" لكن لا أنت ولا والدتي كذلك ؟ وما أعلمه أن تلك قبائل تورث

صفاتها بقوة ! "

رفع كتفيه وقال

" لا تنسي أن السلالة اختلطت بالحالك .. وستجدي تلك الصفات

في عائلتك مستقبلاً وإن كان زوجك من الجنوب أيضاً "

نظرت له مبتسمة بحماس وقالت

" أخبرني عنها أكثر فيبدو من حديثك في البداية أنها

امرأة قوية "

ضحك وقال

" قوية فحسب ! لو تعلمي فقط كيف تزوجت بجدك شاهين "

فحركت رأسها مبتسمة بحماس ليتابع فابتسم وقال

" عائلتها هم الشهبان وهي عائلة ارتبط اسمها لأعوام طويلة

بالمتسللين عبر الحدود والمتاجرين بذلك أيام الحرب الأهلية

في البلاد "

اتسعت عيناها بصدمة هامسة

" قُطاع الطرق تعني !! "

قال من فوره

" لا هم ليسوا كذلك .. لم يكونوا ممن يسرقون المتسللين عبر

الحالك والهازان ويقتلون من أجل ذلك .. هم كانوا يحفظون تلك

الحدود شبراً شبراً ويتحركون خلالها وكأنها شوارع مدنهم في

خماصة فيساعدون من يريد التسلل من هناك مقابل المال "


قالت باستغراب

" أتعني أي متسلل ومهما كان غرضه ؟ "

ابتسم وقال

" أجل فتلك ليست من خصوصياتهم كما يرونها حتى إن كان ذاك

المتسلل قاتلاً أو قاطع طريق فهم يأخذون المال على مهمتهم تلك

وينصرفون ، حتى أنهم يتعرضون لهجمات قطاع الطرق دائماً

وحروباً دامية تنشب بينهم حين يتعرض أي منهم للآخر "


قالت بتفكير

" هم خارجون عن القانون إذاً وإن اختلفت نواياهم ؟ "

حرك رأسه إيجاباً وقال

" أجل لكن ذلك تغير فيما بعد فتلك العائلات من أهم من ساعد

والدك حين حرر الهازان من قبضة ابن راكان وجنوده "

حركت هي رأسها حينها لكن بحيرة وقالت

" كم غريبة هي قصتهم تلك وحياتهم المحفوفة بالمخاطر !! "

ابتسم وقال

" بل والأغرب من كل ذلك وما لا تعلمينه بعد بأن نسائهم مثلهم

تماماً بل وفتياتهم أيضاً "

قالت بصدمة

" النساء !! "

ضحك وقال

" أجل ويتدربون على ذلك منذ صغرهم والطفل فيهم يحفظ خط

الحدود منذ نعومة أظافره والفتيات كذلك ، بل وبعضهن أشد

مهارة من الرجال وهذا كان سبب تعرف والدي بوالدتي تلك "

صفقت بيديها بحماس مبتسمة وقالت

" يبدو ثمة حادثة مثيرة جمعتهما "

فضحك على حماسها ذاك وقال

" ليست الحادثة الأمر المثير في الامر بل ما حدث بعدها "

وتابع مبتسماً ينظر لعينيها المحدقتان فيه بفضول وحماس

" كان جدك شاهين كما أعمامك وكما أشقائه وجميع عائلتنا

يحاربون كل تلك الجماعات وبجميع مسمياتها ويقودون

مجموعات من الجنود لذاك الغرض لِما كانت تسببه كل تلك

الجماعات والخروقات من مشاكل وقتل ونهب وخلط في الأنساب

وكان والدي في إحدى العمليات تلك وأغاروا على مجموعة

منهم كانت تعبر حدود الحالك ونجح بعضهم في الفرار ممن كانوا

الأمهر في التسلل والهرب وقتلوا اثنين واعتقلوا المجموعة التي

استخدمتهم ، ولحاقهم بالفارين لم يخرج بنتيجة تُذكر سوى

القبض على فتى جريح كما كانوا يظنون والذي رغم إصابته كاد

أن ينفذ بجلده والتي لولاها ما استطاعوا الإمساك به ليكتشفوا

فيما بعد بانه ليس سوى فتاة لم تتجاوز السادسة عشرة من

عمرها "

اتسعت عيناها بذهول وابتسمت بحماس قائلة

" وكانت تلك والدتك ؟ "

أومأ إيجاباً وقال

" أجل ولأن جميع رجال تلك العائلة أو الخارجين في تلك المَهمة

ملثمين كعادتهم دائماً كان يصعب معرفة من يكونون بل وحتى

جنسهم وكان والدي تحديداً من أمسك بها "
وتابع بضحكة صغيرة " والمثير في الأمر هو ما قالته له وهو في

غمرة صدمته بما يرى أمامه ومن كانت عكس ما كان يظن "

قالت بفضول

" ماذا قالت وهي الأسيرة لديهم حينها ! "

قال مبتسماً

" لقد قالت له وبكل قوة وكأنها ليست الأضعف حينها

( إن قتلتني سيلحق بك الثأر ما حييت وإن انتهكت عرضي

فستلحق بك لعنتي لإبن الإبن )

وحين قال لها

"وماذا إن لم يكن مصيرك لاهذا ولا ذاك قالت وبكل ثقة"

( ستتزوجني وسيتحدث التاريخ عن سلالتك فيحكم رجالها

البلاد وتحكم نسائها الرجال ) "

وضحك من فوره فقالت بضحكة دهشة

" تبدو كانت واثقة من أنه وقع فريسة حسنها وبأنه ليس ممن

يقتلون ولا ينتهكون الأعراض ؟ "

قال بهدوء باسم

" أجل كانت واثقة من نفسها كثقتها بالواقف أمامها .. وأي رجل

هذا الذي كان سيقاوم قوتها وثقتها وحسنها الفريد من نوعه ؟

فحتى حين رأيتها في تلك المرة الوحيدة وأنا شاب يافع كانت

بحسن لم تراه عيناي فكيف وهي أصغر من ذلك بكثير ؟ "

قالت بفضول

" وكيف علمت بأنه ليس من ضمن خياراته أن يرجعها

لعائلتها ؟ "

ضحك وقال

" ذاك شيء تفهمونه أنتم النساء وليس نحن "

فاحمر خداها خجلاً وقالت تغير مجرى الحديث

" ولن يكون تزوجها بتلك الطرق الغير شرعية سابقاً وبدون

علم وليها وتوقيعه بالتأكيد ؟ "

ابتسم وقال

" أجل وتلك حكاية طويلة قد نتحدث عنها في وقت آخر فهي

تزوجت وبطرق مختلفة من ثلاث رجال آخرين من الحالك وأنجبت

طفلا من كل واحد منهم ولم يُنسب أي أحد لوالده عداي "

حدقت فيه بصدمة وقالت

" لكن كيف ولما ؟! "

حرك رأسه بعجز قائلاً

" لا أعلم ولا أملك جواباً ! وما أنا واثق منه أنها لن تتزوج

بطرق غير شرعية أبداً .. ورغم ذلك منحت أبنائها لقب عائلتها

هي عائلة الشهاب "


دارت مقلتاها الزرقاء بعيداً عنه بتفكير قبل أن تنظر له مجدداً

قائلة

" وماذا عن أبنائها أولئك ؟ هم أشقائك جدي أليس كذلك ؟

أتعرف من يكونون وأين ؟ "

تنهد بحزن وقال

" نعم بل عائلات من مات منهم فزهراء تزوجت من رجل نسب

لوالدته أيضاً لأن والده رفض الاعتراف به وبأنه ابنه بالرغم من

زواجه من والدته وأنجبا توأمان رائعان واجها مصاعب كثيرة

دمرت حياتهما لأعوام .. أما سلافة فأنجبت ابناً وابنة لا يقلان

عن ابني خالتهما في شيء وكلا شقيقتاي توفيتا واحدة مريضة

والأخرى محترقة في جريمة لم تُفهم ملابساتها حتى الآن ..

وشقيقي بشير لم يتزوج ولا عائلة له ويبدو لي أنقذ نفسه

وسلالته "

قالت بملامح حزينة بائسة

" يا إلهي .. لما يكون مصيرهم جميعاً هكذا ! "

وتابعت ولهجتها كما ملامحها تنتقل للاستغراب

" بل كيف استطاعت أن تخطف قلوب الرجال هكذا لتتزوجهم

الواحد تلو الآخر ! بل لن أستغرب هذا إن كانت والدتي تشبهها "


ضحك وقال

" بالفعل وإن تركها والدك حرة بعده لكانت تزوجت كلما طلبت

الطلاق من زوجها الأسبق "

قالت بضحكة صغيرة

" وهو يعلم ذلك جيداً لهذا أحكم قبضته عليها "

فقال مبتسماً بمكر

" وها قد تحققت رؤية جدتك تلك بالفعل "

فضحكت وقالت

" لا جدي هي لم تصدق في أننا نحكم الرجال "

هز رأسه ينظر لها نظرة تفهمها وقال

" بل صدقت وأبنائكما سيكونون كذلك وستنجبان رجالا أقوياء

عظماء يحكمون البلاد "

وتنهد بحزن وقال بوجوم ينظر للفراغ

" بل وقد حدثت جميع خياراتها التي طرحتها أمامه فقد لحق

بسلالتهما الثأر أيضاً كما اللعنة التي تبدو شملت جميع

سلالتها تلك "

حدقت فيه باستغراب وقالت

" أي لعنة تعني جدي ؟ "

نظر لها وقال بعبوس

" أعني أن أحفادها جميعهم يعانون وقاسو كثيراً ولا أفهم السبب

خلف كل ذلك !! "

قالت والاستغراب لم يغادر ملامحها بعد

" وأين هم جدي ؟ أليسوا عائلتنا ؟ كم ستسعد والدتي إن

علمت بذلك "

فتنهد بعمق نفساً طويلاً خرج من أعماقه الموحشة وقال

" ألم أخبرك بأنها لعنة تحيط بنا ؟ فليس بإمكاني ولا الاقتراب

منهم ولا أنتما ولوقت الله وحده من يعلمه "

غزا الحزن ملامحها الجميلة وقالت تضم يديها جهة صدرها

" كم أنا متشوقة لمعرفتهم والتعرف عليهم .. ولا أصدق بأنه لي

عائلة أخرى ! "

أمسك بيديها وقال ناظراً لعينيها المحدقة فيه بحزن

" تضرعي لله بالدعاء إذاً ليجمعنا جميعنا سوياً ولأعوض

أبناء شقيقتاي كل ما حرموا منه "


*
*
*




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 09:49 PM   #12138

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*


دخل خلفه لغرفة مكتبه وقد التفت له وقال من فوره

" حريق جديد نشب في مزرعة أخرى ولقبيلة غيلوان مجدداً "

فأشاح بوجهه جانباً وأمسك خصره بيديه ولم يعلق فقال صقر

" الأمر يتكرر يا مطر ولا شكوى حتى الآن من أصحاب المزارع

والمتهم ذاته ! "

نظر له وقال بجدية

" لا يمكنني تصديق ذلك ولا حتى التفكير في فعلها ! كيف

لمجموعة فتية مجهولين أن يقوموا بذلك ! ولما لم يتم

التبليغ عنهم ؟ "

كتف الواقف أمامه ذراعيه لصدره وقال

" ما تحصلنا عليه هو أنه ثمة أوامر من شعيب غيلوان تحديداً

أن لا يقوم أحد بالتبليغ عن أي حادث مشابه ! وثمة حديث أيضاً

عن أنه يقوم بتعويض المتضررين من ماله ..!! أي أن الأمر

يخصه من أي جانبٍ كان .. وبما أنه لن يتم التبليغ عن تلك

الحوادث فلا يمكن للشرطة ولا لأي جهاز من أجهزة الدولة

التدخل ولا التحقيق في الأمر "

نظر له بضيق وقال يشير بيده جانباً

" لكن ما يحدث في تلك القبيلة والعائلة تحديداً يعنيني شخصياً "

فقال صقر وبلهجة قوية آمرة

" راقب الأمر عن كثب إذاً وفي صمت وسيتضح لنا كل شيء

فيما بعد ولاتزج رجالاً قد يفقدون أرواحهم على أيدي أولئك

الهمجيين تحت مسمى الجواسيس .. ولا تستهن بشعيب غيلوان

ولا بأبناء قبيلته يا مطر "

أولاه ظهره وهمس من بين أسنان

" تلك العائلة لن تستمر فزاعة ترهب الناس تعجز حتى الدولة

عن قطع أذنابها "

فقال من خلفه وبحزم

" بنزاهة يا مطر لا تنسى ذلك ... أعلم بأنك قادر على زجهم

جميعهم في السجون بأمر واحد منك كرئيس للبلاد أو حتى كرتبة

أقل من ذلك دون أن يعترض أحد لكنك عادل وتأبى أن يقول أبناء

شعبك

( مطر شاهين سجن رجالاً لا تهم قانونية ولا عسكرية
ضدهم )

رجل سيقف صامتاً أمام كبار مشائخ قبائلهم حين يأتوك وفداً

يسألون عن تهمهم وعن عدلك وإنصافك "

فاستدار نحوه مجدداً وقال بضيق فارداً ذراعيه جانباً

" وهل يكبلني غير هذا ؟ هذا وحده ما يجعلني عاجزاً حتى عن

حماية زوجتي وابنتي دون أن أكون أول من يؤذيهما "

وتابع يشير بسبابته جانباً

" فسأواجه ذات السؤال من كبار مشائخ قبائل الجنوب
( من أجل ماذا تفعل كل هذا أيها الزعيم العادل ) "

وصرخ بحدة يرمي بيده جانباً وبعنف

" سحقاً للعدالة التي تطال الجميع عداي "

وتنفس بحرقة وغضب مكبوت فأمسكت يد عمه بذراعه وشد

عليها قائلاً بهدوء ينظر لعينيه الغاضبة

" سيكون ثمة حل لكل هذا فقط الآن أعطي أوامرك لجهاز

المخابرات فعلى الخلايا المنتشرة هناك أن توقف نشاطها حالياً

حتى تنتهي مسألة حرق المزارع وتتوقف ، ولا تفكر في البحث

عن السبب ورائها وتُعرض رجالاً للخطر تحتاجهم عائلاتهم أكثر

منا "
فسحب نفساً طويلاً لصدره لعله يطفئ الحريق الذي يشعر به هناك

وحرك رأسه موافقاً فقال صقر

" أخبرني ماذا بشأن زيارة مطار الجنوب العسكري ! لقد .... "

وقطع كلماته فجأة ونظر لقاسم الذي دخل من الباب المفتوح بعدما

دفعه ليُفتح على اتساعه قائلاً

" مطرعلينا أن نتحدث فأنا لا أراك تقريباً ولن أراك قريباً أيضاً "

فعاد بنظر لعمه وقال وكأنه لا يسمعه

"سأرى من يتكفل بذلك لأني مغادرللندن خلال اليومين القادمين "

فنقل صقر نظره لقاسم الذي قال بضيق

" مطر أنا أتحدث معك ! "

قبل أن يعود به لابن شقيقه وقال

" هل هي زيارة رسمية ؟ "

فتأفف ذاك مكتفاً ذراعيه لصدره بينما قال مطر من فوره

" لا هي زيارة سرية وليس مطر شاهين من سيدخلها "

حدق فيه باستغراب وقال

" ولما وفي هذا الوقت تحديداً وأنت تعلم خطورة دخولك

بشخصيتك المزورة السابقة يا مطر بعدما ظهرت للعلن

مجدداً ؟! "

قال باختصار ونبرة باردة

" لأمور طارئة ومهمة لا تقبل التأجيل أكثر من ذلك "

قال ينظر لعينيه

" لكن الأمر يحتاج لبعض الترتيبات فشخصيتك تلك تحتاج حتى

للحية أطول وتسريحة شعر مختلفة فكم سيكون هذا الوقت الذي

حددته بيومين ! "

مرر أصابعه في شعر قفا عنقه ينظر حيث النوافذ المطلة على

الخارج وقال بجمود

" تلك الأمور لا يصعب تغييرها وإن بأشياء مزيفة "

فتنهد الواقف أمامه بعجز من عناده وقال

" على زيارتك تلك أن لا تطول إذاً فلا تنسى بأنه ورائك التزامات

لا يغطيها غيرك من اجتماعات داخلية وخارجية وقمة عربية

مرتقبة أيضاً .. هذا غير استقبال بعض وزراء الدول واجتماع

العالمية للنفط و..... "

قاطعه بجدية ناظراً له

" أعلم عمي .. لا تذكرني بما أعلمه جيداً ورحلتي لن تطول هو

يوم واحد فقط وسأكون هنا مجدداً "

فتنهد بعمق وقال يجتازه مغادراً الغرفة

" حسناً وتذكر فقط بأنه ثمة حرس سيرافقونك على ذات الرحلة

ورغماً عن رأسك العنيد هذا "

وخرج يراقبه الواقف هناك في صمت والذي أغلق الباب بضربة

واحدة من يده بعده ونظر للذي كان ينوي الخروج بعده وقال

" لن تغادر من هنا حتى نتحدث يا مطر "

فدس يديه في جيبي بنطلونه وقال ببرود

" إن كان فيما تحدثت عنه في غرفة تيما فلا حديث بيننا

بخصوصه وأنت تعلم ذلك جيداً "

حدق فيه بذهول وقال

" ماذا تعني بهذا ؟! "

قال من فوره وبذات بروده

" أعني بأنه حسبما فهمت فثمة اتفاق بينكما بشأنه .. أي أني
خارج الموضوع وتفاهمك مع زوجتك وليس معي "

قال بضيق

" مطر بالله عليك من عقلك تتفوه بهذا ! "

وكان هو من قال حينها وبضيق أشد

" لم أعلم عن نفسي يوماً بأني مجنون "

فتنفس بعمق وقال بلهجة حادة

" أثمة من يتفاهم مع امرأة بشأن زواجهما ويترك والدها ! "

كتف ذراعيه لصدره وقال بجمود

" أجل حين تكون تلك المرأة ابنة مطر شاهين ... وعليك أن لا

تُخل بالشروط التي اتفقتما عليها يا قاسم وكن رجلاً عند كلمتك "

فقال يشير بيده جانباً وحيث نوافذ المكتب المرتفعة

" وأنا كذلك لكن أن يرتبط الأمر بقرار من امرأة لن توافق عليا

أبداً معناه أن نعيش على حالنا هذا لأعوام "

وتابع وقد أشار له برأسه

" وابنتك تحبك كما تحترمك ولن يستطيع غيرك إقناعها

وإن مجبرة "

فأشاح بوجهه عنه جهة تلك النوافذ التي عكست حمرة الشفق

خلف المباني البعيدة ودس يديه في جيبيه قائلاً بجمود

" وأنا لا أراك طفلاً بل رجل راشد لن يصعب عليه إقناع فتاة

في الخامسة عشرة بما يريد "

فحدق فيه باستغراب سرعان ما تبدل للضيق وقال

" يقول هذا من لا يعرف عناد من انجب من صلبه وليس أنت "

نظرله وقال بجدية

" إذاً لا تخل بالاتفاق بينكما يا قاسم وأنا واثق من أن ابنتي لن

تظلمك .. وتذكر جيداً بأني في صفها متى ما لجأت لي في أمر

يخصكما وإن كانت الظالمة "

نظر له باستهجان وما أن كان سيتحدث معترضاً قاطعه مشيراً

بسبابته لوجهه

" تذكر حديثنا يوم خطبتها مني يا قاسم وبأنك وافقت .. فأنا لن
أسلمها لك وهي بهذا العمر وأدير ظهري متناسياً الفارق بينكما

وبأني قد أظلمها وإن بتزويجها صغيرة ممن هو أصغر منك"

وتابع وقد نزل بسبابته للأرض بينهما وبذات لهجته القوية

الحازمة

" ولا تنسى أيضاً بأننا وكما سبق وقلت لازلنا في أول الطريق

ولم يشاع ولا خبر زواجكما بعد ويمكنك التراجع وتطليقها الآن

إن أردت ولن يتغير شيء في علاقتي بك ... "

وتابع بجمود وقد أعاد يده لجيب بنطلونه

" ولن أحار في أمر ابنتي وإن علم الجميع بطلاقها فلا يمكنك

حصر عدد خاطبيها وأغلبهم لم يروها يوماً ومطلبهم فقط ابنة
يعلمون أنها ابنتي "

فاحمر وجه الواقف أمامه غضباً وأشار لوجهه بسبابته

وقال بحدة

" أنت هو من إن تطرق مجدداً لموضوع الطلاق وطابور الحمقى

الذين لا مطمع لهم سوى نسبك فسينسى بأن له ابن عمة اسمه

قاسم "

وأولاه ظهره وتابع بغضب ووجهته الباب المغلق

" وابنة لك أيضاً اسمها تيما لأني لن أغادر بدونها وإن غادرت

بها مجبرة أو حتى اختطفتها اختطافاً "

وفتح باب المكتب بقوة وحركة عنيفة وغادر من فوره تاركاً خلفه
الذي حرك رأسه مبتسماً وتحرك من هناك أيضاً وقد همس

بابتسامة وهو يجتاز الباب

" ابنة والدتك أنت يا تيما يحدث فقط ما تريد "


*
*
*


وقفت أمام باب الغرفة تمسك مقبضه بيدها مترددة حتى في إدارته

لتعلم إن كان يمكنها فتحه أم لا .. لقد كان يومها في البرج مرهقاً

وطويلاً ولم تكن تستطع مغادرته في غير هذا الوقت فهو يومهم

الأول بعد الافتتاح وقررت زيارة غرفة عمتها قبل حتى أن تدخل

غرفتها ولا أن تغير ثيابها فهي انشغلت بالأمس كما اليوم وما

علمته بأنها لم تخرج من غرفتها سوى لتناول وجبة الغداء الذي

لم تكن هي متواجدة فيه وبأنها لم تتحدث مع أحد لا ذاك الحين

ولا باقي النهار .. ولن تستطيع تجاهلها ولا تجاهل ما حدث

وتتفهم مشاعرها كما موقفها ولن تنسى أبداً بأنها من قام

بتربيتها والاعتناء بها طفلة مع والدها شراع .

فتحت الباب ببطء فور أن طرقته طرقتين متتاليتين ليقع نظرها



مباشرة على الجالسة على حافة السرير تمسك يدها الصورة التي

سرعان ما خبأتها تحتها لكن ما عجزت عن إخفائه هي الدموع

التي مسحتها من عينيها بقوة فنظرت لها بحزن وامتلأت عينيها

بالدموع سريعاً فهي تعلم ما تكون تلك الصورة وتذكرها جيداً فهي

الصورة الوحيدة التي جمعت بين شراع صنوان وأبنائه الأربعة

ومن ضمنهم الكاسر الذي لم يعد له مكان بعدها بل وجبران أيضاً

رغم وجوده على قيد الحياة ... صورة قديمة بالأبيض والأسود

احتفظت هي بها لأعوام ولوحدها رافضة إعطائها لأي منهم

وهي أولهم بسبب بكائها على شقيقها الوحيد ذاك .

مسحت هي أيضاً الدموع من عينيها وتحركت نحوها بينما لم

ترفع الجالسة هناك رأسها ولا نظرها لها حتى جلست أمام ساقيها

ودفنت وجهها كما ذراعيها في حجرها وانطلقت العبرة التي لم

يكن بإمكانها سجنها وقالت باكية

" عمتي لا تغضبي مني ولا تُحمليني نتائج ما حدث أرجوك

فمحبتي لك أكبر من أن أستحمل هذا "

ورفضت أن تبتعد عنها كما أبت عيناها التوقف عن ذرف الدموع

تكرر رجاءاتها بأن لا تغضب منها حتى شعرت بتلك اليد تمسح

على رأسها فرفعته حينها ونظرت لها بل ولعينيها الدامعة وقالت

ببكاء


" عمتي أقسم أني حاولت معه كثيراً وكنت مستعدة لفعل أي شيء

لكن والدي شراع من كان يرفض ولم أكن راضية أبداً عن الخلاف

بينهما ... عمتي جبران لا يحبني وليست مشاعر حب تلك التي

يحملها اتجاهي لما كان فكر في تدمير حياتي مع ذاك الرجل في

الماضي ولا كانت لتتحول لكره وحقد اتجاهه الآن "

مسحت يدها على شعرها وقالت بهدوء حزين وبحة بكاء

" يكفي يا غسق "

فحركت رأسها برفض وقالت

" لا ليس يكفي عمتي وعليك أن تفهمي حقيقة الأمر فمن يحب

شخصاً لا يمكنه كرهه أبداً ولن يتمنى له التعاسة وإن لم يكن

معه ... أنا زوجة لذاك الرجل ومنذ كنت في العاشرة من عمري

عمتي وإن جهلنا ذلك فزواجي بجبران ما كان ليتم وإن وافقت أنا

عليه كما تعلمين جيداً وتعلمين صدقي حينها وإن وافق عليه

والدي شراع "

وشعرت بقلبها ينتفض بقوة آلمتها حين قالت الجالسة فوقها

بدموع انزلقت على وجنتيها ببطء

" لكننا نخسره يا غسق ... قلبي يحترق عليه ومن أجله "

فأمسكت بيدها بلكتا يديها وضمتها ملصقة لها في شفتيها

وقالت ببكاء " وأنا لست أفضل حالاً منك عمتي وقد جربت مراراً

حتى أني كنت سأذهب له ولليرموك وبطلب منه واكتشفت حينها

أنه ما فعل ذلك إلا انتقاماً من مطر شاهين حتى أنه ساوم بأستريا

وطلبني مقابلاً لها بادئ الأمر ! جبران لا يحبني عمتي وهو بات

يعلم ذلك جيداً .. كما أصبح انتقامه لكرامته كرجل وليس

لمشاعره فهدفه أصبح مطر شاهين وليس غسق "

ورفعت رأسها ونظرها لها وراقبتها بعينين دامعة وهي تُنزل

رأسها كما نظراتها الحزينة فقبّلت يدها وقالت ببكاء

" عمتي أرجوك لا أريد أن أخسرك كما خسرناه ... لم يعد

يمكنني استحمال فكرة أن أفقد فرد آخر من عائلتي التي لم أعرف

عائلة لي غيرها لأعوام طويلة "

وازداد بكائها حدة ما أن أصبحت الجالسة فوق السرير تجلس

بجانبها على الأرض وقد شدتها لحضنها تحضنها بقوة تمسح

يدها علي شعرها تشاركها البكاء وإن في صمت فهي تفهم

مشاعرها وتعلم بأن ما تشعر به اتجاه ذاك الرجل لا يمكنها منح

مثله لسواه ولا أن يتقبل قلبها فكرة العيش مع رجل غيره .. ومن

الظلم لومها على ما تغلبها نفسها عليه ، ولا يمكنها أيضاً نكران

أنها حاولت مراراً ورفضت دائماً الفتور القوي الذي نشأ بين

جبران ووالده فور عودتها من الحالك .. لكن قلبها يتألم لحال ابن

شقيقها الذي خسروه حياً ورؤية ذاك الرجل المدعو مطر شاهين

أو سماع اسمه يذكرها بذلك وبأن دخوله لحياة هذه العائلة كان

السبب في كل ما حدث .. لكن الواقع يفرض نفسه كما قالت فهو

زوجها منذ كانت طفلة .. زوّجه بها والدها الذي أنجبها وبرضاً

تام منه وما كان لقوة على وجه الأرض أن تلغي ذاك الرباط غير

مطر شاهين نفسه وإن رفضت غسق ذلك ، وجبران أخطأ في

تفكيره بأن يدمر حياتها وأن يساوم بها وكأنها قطعة سلاح

وليست الفتاة التي تربت معهم وحمّلها والدهم أمانة لهم

وقت موته .
أبعدتها عن حضنها ومسحت الدموع عن وجنتيها وهمست ببحة

حزينة تجاهد نفسها لرسم ابتسامة صغيرة

" مبارك حملك يا غسق .. كم أتمنى من الله أن يعوضك بهذا

الطفل عن كل ما عشته من فقد وحرمان في الماضي "

أمسكت يدها وقبلتها ودستها في حضنها وقالت بحزن تنظر

لعينيها الدامعة

" وهذا جل ما أتمناه عمتي فهو ما بات يمكنني تحمل كل شيء

من أجله وإن بقيت في هذا العلم بمفردي ، الشعور به ينمو

بداخلي يعطيني القوة للمضي بالرغم من كل ما قاسيته .. إنه

المعنى الجديد للحياة بالنسبة لي عمتي "

امتلأت عيناها بالدموع وحضنتها يتكئ رأسها على صدرها

وقالت بحزن يدها تمسح على شعرها بحنان

" أنت عانيتِ كثيراً يا غسق والله لن ينساك بنيتي وسيعوضك

ومهما طال الوقت " .


*
*
*


اتكئ بمرفقيه على السياج الحديدي يضم يديه ونظره للأسفل حيث

تنعكس الأنوار حوله على سطح المياه الغارقة في الظلام وكآبة

ملامحه كما جمود نظراته ينبئان بمزاجه حينها .. وكيف وهو

يسترجع شريط حياته كاملاً منذ أصبح يعلم من يكون وقاص

سلطان ضرار السلطان ومنذ استطاع نطق اسمه كاملاً بفخر كأي

طفل في عمره وصولاً لهذه اللحظة والتي يفترض بأن يكون له

فيها طفلاً ينطق اسميهما المرتبطان ببعضهما فقد أصبح في

التاسعة والعشرين ولم يمتلك شيئاً ولا ذاك الطفل الذي كان

سيرضى به رغم ظروف زواجه السيئة .

نظر جانباً وتنهد بضيق ليس بسبب أفكاره تلك فقط بل وبسبب

رنين هاتفه في جيبه .. هذه والدة رواح بالتأكيد فالوقت تأخر

ومؤكد كعادتها جالسة تنتظره في بهو القصر .. أو أنه جده وذاك

ما لا يريده ولا يتوقعه أيضاً فعلاقتهما عانت مؤخراً من الفتور ما

جعل عاداته تلك جميعها تتغير ، دس يده في جيب سترته وأخرجه

ونظر للإسم على شاشته بضيق فيبدو أن زوجة والده تلك وجدت

هذه المرة طريقة مختلفة لملاحقته ، فتح الخط ووضعه على أذنه

قائلاً بهدوء

" مرحباً أبي "

قال من في الطرف الآخر من فوره

" وقاص أين أنت الآن ؟ "

فتنهد بضيق وكلمة الآن التي ختم بها جملته تلك جعلته يوقن من

أن اتصاله ليس ليسأل ما به تأخر ومتى سيعود .. السؤال الذي

بات يسمعه كثيراً مؤخراً ... قال من فوره وبذات نبرته الهادئة

" هنا في بريستول "

قال ذاك من فوره وكما توقع

" في أي مكان فيها أنت ؟ "

تنهد بعمق قبل أن يقول

" عند جسر كليفتون "

فقال ذاك من فوره

" حسناً وداعاً الآن "

وها هي كلمة الآن تجيب عن نفسها مجدداً ، وكما توقع فلم

تمضي دقائق طويلة قبل أن يسمع صوت سيارة ما تقف قربه ثم

بابها يُفتح ويغلق بهدوء والخطوات البطيئة الثابتة تقترب منه

حتى وقف صاحبها بجانبه وبذات وقفته ونظر له قائلاً بجدية

" ما الذي يضايقك ويجعلك تفر من المنزل دائماً يا وقاص ؟

علمت بأن خلافاتك كثرت مع نجيب مؤخراً فما السبب ؟ "

تمتم ببرود وقد نظر للجانب الآخر

" وكانت أخبرتك بالسبب أيضاً ومن وجهة نظرها بالطبع فالجميع

هناك يعلم عداي على ما يبدو "

فتنهد بعمق وأمسك بكتفه وأداره نحوه لينظر له وقال بحزم

" وقاص أعلم أن علاقتكما كانت سيئة ومنذ الصغر لكنك كنت

دائماً تعامله بعقل الشقيق الأكبر منه سناً ولم تكن تسمح أبداً

خلافاتكما أن تصل لما عليه الآن ولدرجة الشجار بالأيدي ! فما

الذي تغير بك ؟ "
رفع نظره للأفق البعيد ولم يعلق فقال سلطان بجدية ولازال محدقاً

بنصف وجهه

" تغيرت كثيراً يا وقاص مؤخراً والجميع يلحظ ذلك "

نظر له حينها وقال بضيق

" وقاص لم يتغير بل أنتم .... لما تبحثون عن العيب بي وهو

بكم ؟ "

فحدق فيه بصمت وجمود قبل أن يقول بضيق مماثل

وجميعنا على خطأ وأنت الصواب ؟ أي عقل هذا الذي يقتنع بهذه

المعادلة ! "

فكانت النتيجة أن عاد بنظره كما جسده نحو سياج الجسر ونظر

للبعيد بصمت فقال بجدية ينظر له

" كانت حياتك تسير بشكل جيد يا وقاص وكنت تتحكم في كل

شيء حولك فما بك الآن فقدت كل ذلك ! "

نظر له مديراً رأسه ناحيته ولازالا مرفقاه يتكئان على السياج

الحديدي وقال بضيق امتزج بالكثير من المرارة

" ليس لأن حياتي كانت تسير بشكل جيد أبي وليس لأني كنت

راضٍ عنها فلم يكن وقاص سوى الإبن المطيع الذي يحاول أن

يضع مصلحة الجميع قبل مصلحته .. بل وحتى آرائهم وأوامرهم

لذلك كان المثالي بالنسبة لكم وكنتم راضين عنه "

وتابع وقد استدار بكامل جسده نحوه وأشار لنفسه قائلاً بضيق

" أما الآن وحين أراد أن يتوقف عن الصمت والرضوخ وحين

قرر بأن يعلن العصيان على كل ما يرفضه وأن يقول عن الخطأ

بأنه خطأ بات لا يعجبكم ! حين أراد أن يمارس حقه كمخلوق

بشري يشعر ويتنفس مثلكم تماماً أصبح الإبن العاق الذي يثير

المشكلات ويفتعلها ولم يستطع أحد تحمله أو فهمه ولا مكافأة

على سنوات عمله كقسيس لدى الجميع "

نظر له بذهول وقال بحدة

" ما هذا الذي تقوله وتفكر به يا وقاص ؟ من تقصد بهذا !

رقية التي لا تراك سوى ابن لها ولا تنام حتى تطمئن وتعلم أين
تكون ؟

أم رواح الذي باتت خلافاته أيضاً تطفو للسطح مع جدك

من أجلك ؟

ولن نتحدث عن والدة نجيب ولا ضرار ووالدته فوضعك معهم

كسابقه لم يتغير .. أم أنك تعني جدك بهذا ؟ "

قال بضيق نافضاً يده

" بل الجميع فحتى رواح ووالدته يكرران ذات العبارات التي بتّم

تتحفونني بها وإن كانت مشاعرهما نحوي لم تتغير لكنهما أيضاً

لا يريان سوى وقاص الماضي الذي يعتبرونه الرجل المثالي

والنموذجي "

وضرب بيده على صدره متابعاً بحرقة

" وقاص الذي مات هنا قبل أن يقتلني أبي .. وقاص الذي

أوصلني لأقسى مراحل التعاسة .. وقاص الذي كان يموت ليعيش

في قلوبكم ، لكنه بشر وقد اكتفى من أداء ذاك الدور وتعب منه "

أمسكت يده بذراعه وقال بحزم ينظر لعينيه التي لا يراها عيني

إبنه الذي يعرفه أبداً

" وقاص توقف عن قول ذلك فلا أحد بات يراك كما

تصف نفسك "

قال من بين أسنانه

" بلى ووقاص القديم مات ... مات أبي عليكم الاقتناع بهذا

جميعكم والرضا به "

" تحبها ؟ "

كان سؤاله قوياً ومفاجئاً جعله ينظر له بصدمة توقف معها كل

شيء حولهما وحتى صوت المياه القوي وهدير السيارات التي

تعبر قربهما مسرعة من وقت لآخر وعجز لسانه عن التحرك

فقال سلطان مجدداً وبإصرار وأصابعه تشتد على ذراعه أكثر

" أجب يا وقاص تحبها ؟ "

فسحبها منه وقال صارخاً باحتجاج رافض

" أبي توقف رجاءً ليس أنت أيضاً ... توقفوا عن مضاعفة مأساة

تلك الفتاة بسببي "

نظر له بصمت لوقت كان يتلقف فيه ابنه ذاك أنفاسه الغاضبة

ممرراً أصابعه في شعره الذي تبعثر بسبب حركته الغاضبة تلك

وقال بجمود

" عن زوجتك كنت أتحدث فمن كنت تقصد أنت ؟ "

فنظر عاليا حيث السماء السوداء ومرر كفيه على وجهه قبل أن

ينظر له وقال بجمود

" لا تقل بأنك لا تفهم وأن ذاك لم يصلك أيضاً "

فقال بجمود مماثل ينظر لعينيه بتركيز

" بلى وصلني لكن ليس من رقية فلا تحاسبها على ذلك "

فأمسك خصره بيديه وأشاح بوجهه جانباً وقال ببرود

" أعلم ممن وما الذي تصبوا له تلك المرأة تحديداً "

فقال الواقف أمامه بضيق

" وقاص نحن بهذا نزيد شروخ العائلة لا نداويها وذاك

ليس حلاً "

نظر له وقال بضيق أشد يشير برأسه للبعيد

" الشرخ بيني وبين زوجتك تلك لن يداويه أي شيء ولن أنسى

لها أبداً بأنها السبب في العداء المتأصل بيني وبين شقيقي "

حرك رأسه متنهداً بيأس وقال بجمود

" أنت لم تجب على سؤالي ذاك بعد ؟ "

قال من فوره وبحزم

" أنت تعلم الجواب جيداً "

قال بجدية

" لما تزوجتها إذاً ؟ لماذا وافقت يا وقاص ! "

فانفجر بكل ما يكبته لأعوام وبات لا يخفيه مؤخراً ولا يهتم

بإخراجه

" لأني لم أهتم يوماً بأن أبحث عن مرأة أتزوجها من أروقة

الشوارع ولا واحدة أجلس معها في المطاعم والنوادي لأرى

نفسي إن كنت مقتنعاً بها كزوجة أم لا ... وافقت على اختيار

جدي لأني كنت مقتنع تماماً بأنه ثمة مشاعر يمكنها التواجد بين

الزوجين بعد زواجهما ولم أتخيل يوماً بأن اختيار جدي سيكون

من وجهة نظره كرجل أعمال فقط ! أن لا يفكر ولا للحظة في

رؤية الفتاة التي اختارها لي ! وبالرغم من كل ذلك رضيت ..

قبلت وسكت نهائياً بل وحاولت التأقلم وتقبلت واقعي وماذا كانت

النتيجة ؟ "

وتابع بسخرية تنطق مرارة فارداً ذراعيه جنباً

" لم أتخيل يوماً بأن ذاك النوع من الزواج لن يكون ناجحاً

وبجميع معتقداته ! وبأنه عليا أن أكون كرواح المتهور المجنون

كما تصفون لأكون سعيداً وراضٍ عن نفسي ولأبني حياة ناجحة "

قال الواقف أمامه وبضيق

" لا تراهن على ذلك فأنت لم ترى تلك الحياة بعد وأولها أنه

يتزوج بعناد ممن ترفضه تماماً "

فقال بذات ابتسامته الساخرة وكأنه لا يهتم بما قال

" سترى إذاً وأرى "


شد قبضتيه بجانب جسده بقوة وقال بحدة

" وقاص توقف عن الجنون وعد لعالمك السابق فكل شيء يمكن

تغييره حتى زواجك وزوجتك التي أراها تسعى لذلك فعلاً "

فكان تعليقه كسابقه بل وأقسى على كليهما وهو يقول بسخرية

" تسعى !! تسعى بماذا أبي ؟ لا تعاملني كطفل لا يرى ويعي ما

يدور حوله "

لكنه قال وبحزم رافضاً للاعتراف بذلك

" وهل ترى عدائك للجميع وهروبك الدائم من المنزل هو الحل ؟

وبأنه ما سيجعلك تشعر بالراحة والإستقرار ؟! "


فأمسك برأسه الذي بات يؤلمه وبشدة وقال بضيق

" أبي يكفي رجاءً أنا لا أريد التحدث عن كل ذلك "

قال بأمر حازم

" عد معي للمنزل إذاً ونم وارتاح ثم نتحدث لاحقاً "

حرك رأسه برفض ينظر للرصيف تحته ممسكا خصره بيديه

وتمتم ببرود

" لا أبي لا يمكنني العودة ومواجهتها مجدداً "

قال باستفهام

" من منهما تعني ؟ "


رفع نظره له كما يديه جانباً فارداً ذراعيه وقال بضيق

" وفيما سيفيد جوابي وأنت تجيب عليه سلفاً بينك وبين نفسك

ولن تصدق غيره ؟ "

وما أن قال عبارته تلك غادر من أمامه وركب سيارته تاركاً إياه

واقفاً مكانه ولم يسمع بعدها سوى صوت صرير عجلاتها المرتفع

وهو يغادر مسرعاً فمسح بكفه على وجهه مستغفراً الله قبل أن

يمرر أصابعها في شعره ونظر للسماء عالياً هامساً بتنهيدة عميقة

" ليتك فقط قلت إن كنت فعلاً تحبها لكنت طلقتها من نجيب

ورغماً عن أنفه من أجلك فقط "


*
*
*




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 09:51 PM   #12139

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




*
*
*


رفعت نفسها على رؤوس أصابعها تفتش في أغراضها أعلى

رفوف الخزانة المفتوحة بينما اتكئ دجى على ظهر السرير يتكئ

برأسه على يده التي يدسها خلفه ثانياً مرفقه يستمع مبتسماً

لأحاديثها التي سرعان ما تنتقل للطفولية والعشوائية وهي تحدثه

عن كل ما حدث وفعلت الأيام السابقة وأهمها حفل افتتاح البرج

وقال مبتسماً

" وأين هو تركك تأتين هنا بمفردك على غير العادة ؟ "

قالت بضحكة صغيرة ولازالت توليه ظهرها منشغلة بالتفتيش بين

العلب الصغيرة المصفوفة في الرف العلوي

" غادر منذ الصباح برفقة عمي رعد لمبنى البرلمان وبأوامر

من والدي بالطبع .. ولك أن تتخيل شكل كليهما اليوم "

ضحك وقال

" بالطبع يمكنني تخيل ذلك .. سيكونان كقناعي المسرح تماماً "

فضحكت ولم تعلق بينما انتقل نظره هو للذي وقف أمام باب

الغرفة فجأة ونظر ناحيته ببرود نظرة فهمها جيداً معناها

( ألن تفارقها أبداً )
فتجاهله ونظر للتي كان يخفيها عن باب الغرفة والواقف أمامه

باب الخزانة المفتوح وقال يكتم ضحكته

" يبدوا لي قاسم مستاء جداً اليوم ؟ "

ونظر بمكر للذي نظر له متوعداً بينما قالت التي أخرجت علبة

وفتحتها تفتش فيها

" ولما الاستياء ؟ هو من يجلب ذلك لنفسه "

فضحك دجى بصمت بينما انتقلت نظرات قاسم المستاءة ناحيتها

وإن كان لا يرى سوى قدميها البيضاء الصغيرة وقال دجى وقد

عاد بنظراته الجانبية الماكرة له

" وما توصلتما له بشأن زواجكما متوقف التنفيذ ؟ "


حركت حينها يدها ولازالت تحدثه مولية ظهرها له وتمتمت ببرود

" لا شيء بالطبع وثمة اتفاق بيننا عليه أن لا يخل بشروطه

أبداً "

فقال من فوره يكتم ضحكته

" لكنه رجل يا تيما والرجال لا صبر لهم "

وضحك ما أن لم تعلق وقد أنزلت نظرها ورأسها لما في يديها

بينما كانت ضحكته تلك ليس بسببها فقط بل وبسبب الذي هدده

بقبضته ناظراً له بغضب فضحك مجددأً وقال يبرر ما قاله

" كنت أقصد أنه في عمر لا يسمح له بتضييع المزيد من الوقت "
فقالت بلامبالاة تعيد غطاء العلبة بعدما اكتشفت بأنها ليست ما

تبحث عنه

" وما علاقتي أنا به ؟ "

نظر لها قاسم بصدمة بينما عاد دجى للضحك وتابعت هي تحرك

يدها بعشوائية وكأنه أمامها وليس خلف ظهرها

" أنا لازلت صغيرة والوقت أمامي طويل لأنجب أبناء

وأراهم يكبرون "

فجلس دجى ضاحكاً وأشار له بيده ليتريث ويبقى مكانه ما أن

تقدمت قدمه نحو الداخل وقال ينظر لحفيدته

" لكن بهذا أنت تظلمينه يا تيما "
فقالت التي أنزلت علبة أخرى وفتحت غطائها

" أنا لم أظلم أحداً والنساء أمامه في كل مكان فليتزوج متى ما

شعر بالظلم والملل "

ففتح فمه بدهشة تمثيلية ونظر لقاسم وأشار بقبضته وكأن سكيناً

فيه يغرسه في قلبه ضاحكاً بصمت على شكله بينما قال موجهاً

حديثه لها

" من قلبك تقولين هذا الكلام ؟ "

قالت بضحكة ترفع جسدها مجدداً لتعيد العلبة مكانها

" لا من الخزانة بالطبع "

فضحك ونظر بطرف عينيه للذي لازال يقف هناك مكانه ملامحه لا

تبشر بالخير بتاتاً وقال

" وما يقول قلبك إذاً وليس الخزانة ؟ "

قالت مبتسمة تُنزل علبة أخرى صغيرة وبيد واحدة

" أنت تعلم جيداً ما يقول "

وما أن نزلت مستوية على قدميها حتى صرخت ضاحكة بسبب

الذراعان اللتان التفتا حول خصرها النحيل وارتفعت قدماها عن

الأرض ما أن رفعها عالياً وسقطت علبة الدبابيس من يدها وتناثر

ما فيها تحتهما ودار بها نحو الذي كان يراقبهما مبتسماً فقالت

مستنجدة

" جدي أرجوك أخبره ينزلني "

فتقدم بها نحوه بينما حديثه كان موجهاً لها قائلاً بضيق

" وما الذي يقوله قلبك تحديداً لنحدد مصيرنا الآن ؟ "

فضحكت وصرخت مستنجدة مجدداً

" جدي .... أرجوك "

قال دجى مبتسماً

" أنزلها يا قاسم "

فتجاهله واشتدت ذراعاه على خصرها ما أن قال بضيق أشد

من سابقه

" لما لا تكونوا عادلين معي وإن لمرة واحدة ؟ "


ابتسم دجى وقال ونظره معلق بعينيه

" حينما يصل الأمر لحفيدتي لا أكون عادلاً إلا بالوقوف

في صفها "

أنزلها حينها محرراً خصرها من قبضته وقال بضيق

" ليس لأنه لا والدان لي أعامل بإجحاف هكذا ! "

ضحك الجالس أمامهما وقال يشير بكفه المفرودة جانباً

" عليك أخذها والفرار بها للجنوب إذاً حيث جدتك وعماتك

وأعمامك لتجد لك منصفاً "

فقال مغادراً الغرفة بخطوات قوية غاضبة

" هذا ما يبدو عليا فعله بالفعل "

فضحك وتبعه بنظره حتى خرج ونظر للتي كانت تقف مكانها

حيث تركها تمسك خصرها بيديها وتنظر لمكان خروجه بضيق

وقال بهدوء معاتب

" تيما عليكما إيجاد حل يرضي كليكما في هذا "

نظرت له وضربت قدمها بالأرض محتجة وقالت

" لا جدي هذا ليس عدلاً مطلقاً فاتفاقنا كان على أن توافق

والدتي أولاً ولن أرضى بأن يخيرني بينهما لأني سأقتل قلبي

حينها وأختارها هي .. وهو يعلم هذا جيداً "


عقد حاجبيه وتبدلت نظرته للحزم وهو يقول

" وما التقدم الذي أحرزته معها إذاً أم واقفة مكانك تنتظرين

أن تغير رأيها من نفسها ؟ "

قالت باعتراض

" لا لست واقفة مكاني أنتظر وعليه أن يصبر فلن أخرج من هنا

إلا وهي راضية تماماً وعليه منحي بعض الوقت فهو يخل

بالاتفاق الذي سبق ووافق عليه من وقت قريب "

قفز حينها دجى واقفاً خارج السرير وقال مغادراً أيضاً

" تفاهما فيما بينكما إذاً ولا تحتكما لي مجدداً فأنا فعلاً لا أريد

أن أظلمه لأني لا أستطيع إلا أن أكون في صفك "

وغادر الغرفة تاركاً بابها مفتوحاً بعده فقالت بضيق تنظر لمكانه

الخالي منه

" أنا هي التي تظلمه مثلاً ؟! "

وتأففت وانتقلت للدبابيس المبعثرة على الارض تجمعها

متمتمة بضيق

" سينتظر ورغماً عنه أو منزل خالي رعد مكاني الجديد

ولن أغادره "


*
*
*





تنهد بضيق من عناده وقال

" يمان متى سيلين هذا الرأس العنيد تحديداً ؟ "

قال متجاهلاً مجدداً ما يقول

" أخبر والدتك تستعجل زوجتي فلن نصل قبل مثل هذا الوقت

من يوم غد على هذا الحال "
قال بصبر وأمل أخير في أن يغير رأيه

" الطائرة يمكنها إيصالكما خلال دقائق وسيارتك معك أيضاً

أفضل لكما من المغادرة وقت مغيب الشمس هكذا "

نظر له بضيق وما أن كان سيتحدث انفتح باب المجلس المشترك

مع المنزل وظهرت أمامه التي نظرت لعينيه باستجداء حزين

وسرعان ما ركضت نحوه وحضنت خصره بقوة تخفي وجهها في

صدره فابتسم أبان بانتصار فها قد جاء من سيجعله يغير من

قرارته المجنونة .. لكن تلك الابتسامة سرعان ما اختفت حين

قالت تشد ذراعيها حوله بقوة باكية

" يمان خدني معك ... لا تتركني مجدداً أرجوك "


فلامست يده رأسها ورفع نظره بالذي كان ينظر له رافعاً حاجبيه

وقال بهدوء

" أين آخذك يا يمامة ؟ "

فقالت باكية تشد ذراعيها حول جسده أكثر

" ألم يصبح لديك منزل ؟ لما تتركني هنا إذاً ! "

حضنها بقوة وقبل رأسها قبل أن يبعدها عنه ونظر بحزن لعينيها

الدامعة وقال

" يمامة أنت متزوجة الآن و.... "

فقاطعته تنظر له بعينين تتقاطر منها الدموع دون توقف

" أبان لن يرفض .. هو لن يرفض ذلك فخذني معكما أرجوك "

فأعجزه ذلك عن التحدث بينما ارتفع نظره للذي خرج من صمته

قائلاً بحزم يمسك خصره بيديه

" ومن قال بأني سأوافق ؟! "

فالتفتت برأسها ونظرت له بعينين حزينة دامعة لكنه كان ينظر لها

بقوة عاقداً حاجبيه وقال بحدة

" مكانك هنا يا يمامة ولن تغادريه والقرار في ذلك لي وحدي "

فنزلت دموعها مجدداً وقال يمان بضيق ينظر له

" ليس بهذه الطريقة تشرح لها الأمر "

فرفع نظراته الغاضبة له وقال بضيق أشد

" ليس ثمة طرق أخرى وعليها أن تفهم أمراً واحداً على الأقل

مما تعنيه كلمة أنها متزوجة "

فعارضه قائلاً بحدة ظهرت في نظراته قبل صوته

" وإن يكن زوجها .. هذا لا يعني أن تعاملها بهذه الطريقة ، ثم

لم يجبرك أحد على الزواج ممن تعرفها جيداً وتعرف سنها "

فصرخ فيه ماداً سبابته يحركها نحوه بتهديد

" يمان اتركني في صمتي أفضل لك ولي ولها "

فنظر له باستغراب قبل أن يقول غاضباً

" ولما تصمت ؟ قل ما لديك هيا "


نظر له نظرة محارب شرس وما أن كان سيتحدث قاطعته

الواقفة بينهما وهي تفرد ذراعيها ويديها بينهما قائلة ببكاء

" يكفي أرجوكما لا تتشاجرا بسببي .. لن أغادر من هنا

فقط توقفا "

فانتقلت نظرات شقيقها المشتعلة لها وقال بضيق

" توقفي أنت عن الخنوع يا يمامة وعن إذلال نفسك "

فحدقت فيه عيناها الدامعة بصدمة بينما كان التعليق من أبان

الذي قال بغضب

" ما هذا يا يمان ؟ أتعلمها التمرد على زوجها ! وتريد أن

أتركها أن تذهب معك ؟ "

فنقل نظره له وقال بغضب مماثل بينما سبابته تشير لها

" بل على يمامة الخاضعة المطيعة دائماً أن تتغير وأن يساعدها

الجميع على ذلك وأولهم أنت لا أن تستغل هذا فيها .. وعليها

أن تكبر امرأة تملك قرارت نفسها فيما يخصها وحدها "

فاشتد غضب الذي قال يشد قبضه بقوة وكأنه يمسك نفسه عن

الهجوم عليه بها وصرخ

" لازلت أتجاهل مقصدك من كل ما تقوله يا يمان .. ولا تنسى

بأننا لم نتشاجر يوماً لنفعلها الآن بعدما أصبحنا عائلة واحدة "

وما أن كان الواقف أمامه سيتحدث بل سيصرخ الند بالند سبقه

قائلاً بغضب

" يمامة لن تغادر من هنا إن كان هذا ما ستقوله وهي زوجتي

والكلمة لي وحدي "

انفتح باب المجلس على اتساعه حينها ودخلت منه جوزاء التي

نظرت لهما قائلة بضيق

" ما بكما ؟ ما الذي يحدث هنا ! "

وكان التعليق من أبان الذي نظر لها وقال بحدة يشير بيده للأرض

المغطاة بالسجاد الفاخر

" أمي رجاءاً كم مرة سأخبرك بأن هذا المكان اسمه مجلس رجال

وأن لا تقتحميه هكذا وكأنه جبهة قتال ! فثمة من سيدخل في

أي لحظة "

توجهت للباب الزجاجي وأغلقته بالمفتاح وتوجهت نحوهما

قائلة بغضب

" أنا أكبر منك ومن شلة رفاقك تلك وأكسر رأسك ورؤوسهم

جميعكم ولن تعلمني أنت كيف أتحرك في منزلي ... وما أغلقت

الباب إلا كي لا يسمع ما سأقوله الآن أحد "

نظرا لها بصمت وإن تفاوت ما تحت ذاك القناع .. فبينما كان

ينظر لها أبان بحنق لم يستطع يمان رفع نظره بها خجلاً منها

ومما يحدث في منزلها كما قالت ، أما الطرف الثالث والأنثوي

فكانت عيناها لا تتوقف عن ذرف الدموع تمسك فمها بيدها بينما

تابعت هي بذات غضبها غير مهتمة بمن نظر أم لم ينظر تحرك

سبابتها بينهما " يمامة ابنتي لا سلطة لا لك ولا له عليها

ومن لديه كلام غير ذلك فليقله الآن "

كان أبان بالطبع وكالعادة من يحاول ودون خوف التمرد لكنها

وكالعادة أيضاً أسكتته من قبل أن يحاول فعل ذلك صارخة فيه

بحدة وسبابتها تشير لوجهه تحديداً

" أنت تحديداً تصمت وتعلم جيداً لما "

فلاذ بالصمت يزم شفتيه بقوة وغضب ويعلم جيداً كما تعلم هي

بأنها إن تحدثت فسيصمت وللأبد وليس الآن فقط بل وسيخسر

صديق طفولته وأقرب أصدقائه له فما كان منه إلا أن غادر ضارباً

الباب الخارجي للمجلس خلفه لكن ما لم يستطع منعه هو لسانه

وهو يصرخ مبتعداً

" قسماً إن خرجت زوجتي من هنا فلن أدخل هذا المنزل

حتى ترجع له "

وابتعد نظراتها الغاضبة تتبعه قبل أن تنقلها للذي قال بصوت

منخفض ونظره لم يرفعه

" آسف سيد.... "
فقاطعته سريعاً وبحزم وحاجبان معقودان بشدة

" لا تقل سيدتي يا يمان ... أنا لست سيدة على غيرك لأكون

سيدة عليك "

لم يعلق كما لم يرفع رأسه فقالت بحزم

" وارفع رأسك ولا تخجل أبداً من أن تكون سنداً لشقيقتك ولا

تسمح لرجل وكان من يكون أن يُنزل من قيمتك هذه في حياتها "

فرفع رأسه حينها كما نظره الذي لازال يظهر فيه الخجل

والاعتذار واضحاً وقال

" لم يكن أبان مخطئ أنا فقط .... أنا لا أريد ليمامة أن تكبر

على ما تربت عليه عند والدي وزوجته "

فأشارت برأسها موافقة وإن كانت ملامحها الغاضبة لم تلين

وقالت بجدية

" وأبان مخطئ فما قيل ما كان يجب أن يقال وأمامها تحديداً ..

ولا تقلق بذاك الشأن فلن تكبر وتكون إلا امرأة كما تريد وتتمنى

لشقيقتك أن تكون "

وتابعت وقد نقلت نظرها منه للتي كانت تنقل نظرها بينهما باكية

" وأنت يا يمامة .. آخر ما كنت أتوقعه أن تكرهي البقاء مع

والدتك وترفضيه ! "

فركضت نحوها باكية وحضنت خصرها بقوة فضمتها بذراعيها

بينما خرج صوتها الرقيق الباكي

" لا أريد لشقيقي أن يبتعد عني مجدداً ولا أراه "

فمسحت يدها على شعرها وقالت تنظر للذي كان ينظر لشقيقته

بحزن

" وشقيقك لن ينقطع عنك كالسابق يا يمامة وسيتكفل والدك

أيوب بهذا ويكون هنا كلما أردت رؤيته "

فنقل نظراته لها وما أن كان سيتحدث والرفض واضح في ملامحه

سبقته قائلة

" لن ترفض هديتي لك يا يمان ونحن نملك ما لن يؤثر فيه ثمن

سيارة جديدة لك .. أو ستقبل بركوب الطائرة في كل مرة "

فتنفس بعمق قبل أن يقول

" لم أستطع قبولها ولا من الزعيم مطر واحترم هو ذلك فلن

أستطيع قبولها أبداً "

قالت من فورها

" ذاك مطر وليس أنا ومن تكون شقيقتك زوجة لإبني "

فقال باحترام وبكل ما استطاع استجلابه من هدوء

" كل ما تفعلينه من أجل يمامة لا أعترض عليه فهي زوجة إبنك

أما أنا فلا أستطيع أرجوك لا تحرجيني بالرفض أكثر من ذلك فأنت

في مقام والدتي بالنسبة لي "

تنهدت بيأس منه فإن لم ينتصر عليه مطر كما قال فلن تفعلها هي

مهما حاولت ، قالت في محاولة أخيرة

" ستدفع ثمنها مقسطاً إذاً وحسب رغبتك أنت ومقدرتك وإن

استغرق دفعه مئة عام "

وما أن كان سيتحدث سبقته قائلة بإصرار

" لا تجادل أكثر يا يمان فلا عذر لك الآن .. والسيارة الجديدة لن

تساعدك في الوصول هنا بسرعة فقط بل وفي عملك في الجنوب

أيضاً وفي سداد ثمنها بشكل أسرع "

فتنهد بعمق وقال

" أنت تعلمين جيداً أين أعيش فأي مبرر سأقدمه لامتلاكي لها

وأنا أعلم جيداً أي سيارة تلك التي ستوفرونها لي ؟ "


قالت من فورها

" هذه ليست مشكلة وسيسلمك عمك أيوب أوراقاً تخص

تقسيط ثمنها ولا حجة لك "

هو من تنهد بيأس هذه المرة ونزل بنظره لشقيقته التي لازالت

متعلقة بحضن المرأة التي هو متأكد من أنها كانت لها الأم التي

لم تعرفها يوماً وهو من أجلها مستعد لفعل أي شيء ... كما يعلم

جيداً بأنه لن يستطيع تقديم شيء لها مما تجده هنا كما تأكده بأنها

لن تتذمر من حياته هناك أو ترفضها إن غادرت معه وإن عرفت

الترف هنا .. لكنه لن يستطيع أيضاً أن يقدم لها مسقبلاً كهذا
وزوجاً كأبان وهو من عرفه ويعرفه جيداً .


*
*
*



خرجت من باب المنزل راكضة ونادته تنزل العتبات

" قاسم انتظر "

فترك باب السيارة الذي كان يفتحه للتو والتفت لها فوقفت أمامه

وقالت مبتسمة بالرغم من الملامح العابسة التي قابلها بها

" لولا أني حمقاء كقلبي تماماً ما كنت تبعتك "


قالتها تذكره بكلامه السابق لكن شيئاً من ذاك العبوس لم يتغير

ولازال نظره مركزاً على عينيها فتبدلت ملامحها للأسى وقالت

برقة سرعان ما انتقلت للجواهر الزرقاء الواسعة في عينيها

" لا تكن قاسٍ هكذا "

فرفع رأسه وتنفس بقوة قبل أن ينظر لها وقال بكل ما استطاع

استجلابه من جمود

" لا تستخدمي معي هذا الأسلوب الذي تعلمين فاعليته جيداً لأني

اكتسبت حصانة ضده "

أبعدت خصلات غرتها التي تطايرت أمام عينيها وهمست مبتسمة

تنظر لعينيه

" كاذب ويمكنني إتباث ذلك لك الآن "

فرفع سبابته أمام وجهها وقال بتهديد

" لا تقتربي مني وها أنا أحذرك "

فعبست ملامحها الجميلة بينما ركب هو سيارته وقال ببرود يغلق

بابها ودون أن ينظر لها

" أخبريني حينما ترضى عني سمو الأميرة غسق التي يبدو أني

أتزوجها هي وليس أنت "

فلوحت بقبضتها للأسفل بحنق تراقب سيارته وهي تبتعد .. ذاك

العنيد متقلب المزاج كما الوعود يريد أن يمارس أساليبه القوية

في الضغط عليها لكنها أعند منه .. فسرعان ما حركت كتفيها

بعدم اكتراث واستدارت للخلف لتعود أدراجها لولا أوقفها رؤيتها

للذي كان ينزل عتبات الباب حينها يُخرج مفاتيحه من جيب

بنطلونه وقد قال بجمود وهو يجتازها

" حجابك تيما .. لا تخرجي من دونه "

فاستدارت معه وقالت تتبعه

" لكن لا أحد هنا أبي ولن يقترب أحد إلا للضرورة "

قال وهو يفتح باب سيارته

" وعن الضرورة أتحدث "

وتابع وقد استدار نحوها يمسك الباب بيده

" ما به قاسم يبدو غادر غاضباً ؟ "

فحركت كتفيها ولوحت بيدها قائلة

" سيرضى حينما سيتعب من هذا "

فابتسم دون أن يعلق وما أن التفت مجدداً ليركب السيارة نادته

مسرعة

" أبي "

فاستدار نحوها ونظر لها بصمت فقالت بتردد

" ماذا بشأن .... أعني هل سترجع والدتي إلى هنا ؟ "


أومأ برأسه بنعم دون أن يتحدث فابتسمت بسعادة قائلة

" متى ؟ "

استدار للباب الذي فتحه أكثر وقال وهو يجلس في الكرسي

خلف المقود

" في وقت قريب جداً يا تيما "

وأغلق الباب فراقبته مبتسمة وهو يتراجع بالسيارة للخلف فأشار

لها بسبابته نحو باب المنزل يحركها فضحكت وحيته بيدها

وركضت من فورها حيث أشار .

*
*
*


حمل الأوراق التي قضا هو ووالده ليلة البارحة بطولها يعملان

عليها في مكتبه وأغلق باب الجناح وهو يخرج منه ينظر لهاتفه

وللرسالة التي وصلته وابتسم ما أن قرأ حروفها

( آسف أبي بشأن ليلة البارحة فقد قلت كلاما كثيراً ما كان

يجب أن يقال لك )

وحرك رأسه بيأس مبتسماً ما أن قرأ السطر الأخير أسفل الرسالة

( ولازلت أيضاً على إصراري فوقاص القديم مات وانتهى )


دس هاتفه في جيبه وسار في الاتجاه الذي قاده للسلالم لينزل

مغادراً من هناك ... لا يعجبه وضع وقاص ولا حاله أيضاً لكنه لا

يملك شيئاً يفعله من أجله فهو رجل عاقل راشد يعي جيداً ما

يقول ويفعل ولم يعرفه يوماً صاحب قرارات متهورة ولن يتغير

ذاك فيه مهما أبدى من رفض لشخصيته القديمة ، غير أنه يحار

في أمر والده أكثر من ابنه ذاك فلم يكن يتخيل يوماً بأن يسمح

لعلاقتهما بالوصول لما وصلت له الآن وهو من يحبه أكثر حتى

منه هو ابنه !! وبالرغم من جميع محاولاته للتحدث معه ليلة

البارحة بشأنه إلا أنه كان يمنعه من التحدث عن الأمر في كل مرة

بل ورفض أن يبقى هنا لمحاولة إيجاد حلول لكل تلك المشاكل

العالقة بين أبنائه وأصر على أن يعود لمشروعهم هناك في

الجزيرة وكأنه لا يهتم بكل ذلك ويعجبه ما آلت له الأمور !.

خرح من باب المنزل ونزل العتبات في خطى سريعة وما أن سار

جهة الممشى الحجري ومقصده مرآب السيارات وقف مكانه ينظر

للتي خرجت من الجهة المؤدية لنافورة الحديقة تحضن دفتر

رسم كبير وتمسك قلماً في إحدى يديها ووقف كلٌ منهما مقابلاً

للآخر ينظران لبعضهما بصمت ... لم يلتقيها سابقاً سوى لمرات

معدودة ولم يتشاركا حديثاً قط فهي كانت معزولة في جناحها

المخصص في الأعلى حتى بعدما تزوجها نجيب والجميع يظن

بأنها مجرد فتاة خرساء تعاني من مشاكل عقلية .. وحين تكشفت

حقيقتها وأصبحت تعيش ضمن أفراد العائلة كان هو مسافراً ولم

يأتي سوى في مناسبات معينة لأن وقاص رفض استلام المشروع

وكالعادة يُبعد نفسه عن أعمالهم جميعها ورواح منشغل بشركة

الطيران الجديدة التي يراها تناسب مجال دراسته وتطلعاته .. أما

والده فمنذ عاد من هناك للمرة الأولى ووجد المشاكل التي بدأت

بالظهور بعده قرر أن لا يغادر مجدداً بالرغم من أن بقائه لم يغير

فيها شيئاً بل ويراها تفاقمت أكثر !.

كانت أفكاره تدور حولها تحديداً بينما حدّقت عيناه في ملامحها

متفحصاً بصمت .. هذه الفتاة جميلة فعلاً وجمالاً لا يشبه عائلتهم

بالرغم من وسامة رجالها فقد استمدته من تلك الخماصية بالتأكيد

لكن ثمة ما يجذب فيها أكثر من كل ذلك يجعلك تحار ما هو ! ولن

يكون إلا قوتها وثقتها بنفسها التي تظهر جلية في كل شيء فيها

حتى في نظرتها الجامدة التي لا تخفي العداء فيها بتاتاً كما الذكاء

وسرعة البديهة فالأعمى فقط من لا يستطيع رؤية كل ذلك بها

ومن أول وهلة ومن دون أن يتحدث معها أيضاً ، خرج عن

صمته أخيراً وقال بابتسامة صغيرة

" مرحباً يا زيزفون "

قالها بكل ما استطاع من لباقة وهدوء لكن ذلك لم يغير من

نظرتها شيئاً بل وتحركت مجتازة له من دون أن تجيب وكأنها لا

تراه وليس فقط لا تسمعه لتوقفها يده التي أمسكت برسغها موقفاً

إياها ونظر لعينيها التي حدّقت فيه بحنق وقال ولازال يحافظ على

هدوئه

" أيمكنك وضعي في خانة غير أعدائك هنا ؟ "

فنظرت لعينيه بصمت لبرهة قبل أن تسحب رسغها من يده قائلة

بجمود

" لا يمكنني وضعك في خانة لا وجود لها عندي فجميعكم أعداء

بالنسبة لي "


اتسعت عيناه يحدق فيها بذهول فما قيل عنها حقيقي بالفعل ! بل

ولم يوفوها حقها ..!! تبدلت نظرته للحنق فجأة وقال مركزاً نظره

على عينيها

" بما أنه هذا اختيارك فأنا أحذرك فأبنائي خط أحمر "

قالها بقوة وعداء مماثل لما تهديه إياه بجوهرتيها الزرقاوتين

الباهتتين فهذه الفتاة باتت تملك مصير اثنين من أبنائه مهما أنكر

العقل ذلك ويمكنها بسهولة أن توقد حرباً بينهما يقتل فيها

أحدهما الآخر ودون تردد وذاك ما لا يريده لأبنائه كرفضه لأن

يعيشوا تاريخه المؤسف في تعدد النساء ولا من أجل أن يكون

لهم أكثر من طفل ، بينما كان رد فعل الواقفة مقابلة له أن

ابتسمت بسخرية ابتسامة تقول له وبكل وضوح

( ها قد ظهرت مشاعرك الحقيقية اتجاهي )

ولم تتجاهل الرد عليه هذه المرة كما توقع من شخصيتها بل

فاجأته أن قالت وذات الابتسامة الساخرة تزين شفتيها

" يبدو لي أن من أخبرك بكل ما يحدث من ورائك نسي أن

يضيف بأن ذاك بأكمله ليست زيزفون السبب فيه ... "

وتبدلت نبرتها للجمود سريعاً وهي ترفع رأسها بشموخ متابعة

" بل ولا يعنيني أيضاً لا أبنائك ولا ما سيصلون له لأدمر أحدهما

بالأخر .. ولم أطلب من أحد الاقتراب مني "


فنظر لها بصمت ولم يعلق فغرضه لم يكن أبداً الشجار معها ولا

أن يدخلا في حوار مشابه لهذا ويبدو أن الحديث معها لا جدوى

منه كما سبق وقالت رقية ، وكان موقفها هي مشابهاً إذ غادرت

في صمت ولم تضف حرفاً .. وما تركته يقال مثلاً ! تحرك أيضاً

حيث وجهته التي أراد وحرك رأسه بأسى متمتماً

" يا لها من حفرة سحيقة هذه التي أوقعت نفسك فيها يا وقاص

إن صدقت ظنونهم "


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 10-06-19, 09:52 PM   #12140

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



*
*
*



أبعدت يدها وقالت بضيق " جليلة هكذا لن ننجح أبداً .. توقفي

عن الحركة والتذمر ، كم مرة سنعيد كحل عينيك ؟ "

أبعدت يدها الأخرى عنها ووقفت على طولها قائلة بضيق

" قلت بأني لا أريد هذا وليتوقف أطفالكم عن الصراخ في الخارج

رأسي سينفجر "

قالت إحدى الجالسات حولهما في الغرفة وبعد ضحكة صغيرة

" وكيف نوقف كل ذاك العدد عن الصراخ ؟ وحدهم من يمكنه

التعبير عن فرحتهم بزواجك "

بينما قالت التي تجلس على كرسي طاولة التزيين مبتسمة

" لا أعلم كيف تفكرين يا جليلة ؟! لو كنت مكانك لتركته يقيم لي

حفلاً تتحدث عنه الناس لأعوام طولية "

فتمتمت ترمقها ببرود

" لو كنتِ مكاني فعلاً ما فعلتها "

دخلت حينها والدتهم من الباب المفتوح ونظرت لها وقالت

بابتسامة واسعة

" كنت أقول دائماً بأنك أكثر من يشبهني "

فضحكن بناتها المجتمعات وزوجة ابنها بينما قالت إحداهن

" هذا فقط لأن جليلة أجملنا "

فتجاهلتها وضحكاتهم الجديدة معها وقالت تنقل نظرها بينهن

" قائد وصل منذ قليل إن أردتن رؤيته "

وكان ذاك زر التشغيل الذي جعل الجميع حولهما يتحرك فيما عدا

زوجة شقيقه بينما اقتربت هي من ابنتها حتى وقفت أمامها

وأمسكت وجهها مبتسمة بحنان فامتلأت تلك العينان البنيتان

بالدموع وهمست صاحبتها ببحة

" سامحكم الله يا أمي على كل هذا "

فتبدلت نظرتها للوم مفعم بالحنان والرقة وقالت معاتبة

" ليس ثمة أم تكره ابنتها يا جليلة "

فنزلت من عينيها أول دموعة عاندتها طويلاً وخنقت العبرة

كلماتها الهامسة

" كنت أظن هذا أمي كنت.... "

واختنقت أنفاسها في شهقة بكاء مكتوم فضمتها لحصنها واتكأت

هي بوجنتها على صدرها وتسربت الدموع من عينيها بعد صراع

دام لساعات بينما قالت التي مسحت على شعرها بحنان

" لن أتمنى لك أقل مما تمنيته لشقيقاتك بل ولنفسي فأنت

ابنتي قطعة من كبدي "
فقالت بهمس باكي

" لكنك رميت بي لمصيرك السابق أمي وتعلمين ذلك جيداً "

أبعدتها عنها وأمسكت بذراعيها العاريتان بسبب فستانها وقالت

تنظر لعينيها الدامعة

" لا لن يكون وضعك كوضعي حينها ولا عمير كزوجي السابق

ولا داعي للخوف من أمور قد لا تحدث أبداً "

لكن ذلك لم يغير من الواقع الذي تراه أمامها شيئاً وقالت ببحة

بكاء

" سيحدث وسأرجع هنا مطلقة وستري ذلك بعينيك .. هذا إن لم

يكن لي طفل سأحرم منه أيضاً فالرجال متساوون في هذا "


مسحت يدها على ذراعها وقالت بتفهم لما ترى أن ابنتها تخشاه

وهو وضع كوضعها السابق

" لن أصدق أن رجلاً يرأس مخابرات البلاد كاملة ثمة من يتحكم

به أو بقراراته !! "

ابتعدت عنها خطوة للوراء وتحررت من يدها ونظرت لها

وقالت باكية

" لكنهم متشابهون أمي .. جميعهم متشابهون "

فقبضت يديها معاً وقالت بحزن

" جليلة لا تحكمي على الأمور من تجارب الأخرين ومهما كانوا

مقربين لك بنيتي "

فأشاحت بوجهها جانباً ولاذت بالصمت تحضن نفسها بيديها لا

شيء يتحدث سوى الدموع المنسابة على وجنتيها فما نفع

الحديث وكل ما ستقوله لن يلتفت له أحد ؟ فكم شرحت كل ذلك

وأعادت ودون جدوى ، كما تعلم جيداً بأن الواقفة أمامها الآن لا

حيلة لها في الأمر مثلها تماماً وحتى إن اعترضت واحتجت فلن

يستمع لرأيها أحد ، ثم هي كغيرها.. كزوجها وأبنائها وبناتها لا

يرون في كل هذا سوى فرصة لا تعوض ورجل يقاس بمركزه وما

لديه فقط ولن يهتم أحد لرأيها ولا مشاعرها .

تحركت من أمامها ورفعت الغطاء المخصص وفي صمت فاقتربت

منها والدتها كما زوجة شقيقها يساعدانها في ارتدائه ليخفي

فستانها الطويل المنتفخ ووجهها أيضاً بقبعته المطرزة فقد

سلموها للمجهول ولا حل أمامها سوى الرضا به .


*
*
*


اضجعت على السرير متنهدة نفساً طويلاً متعباً وغاص رأسها في

الوسائد الناعمة تحته وأغمضت عينيها برفق وتعالت أنفاسها

يعلو صدرها معها ويهبط بقوة فأقل مجهود كان عادياً لا يؤثر بها

أصبح يشكل تحدياً كبيراً لطاقتها الجسدية الآن وكأنها فقدت

نصف صحتها وقدرتها ! نزلت بيدها أسفل خصرها وهمست

وحاجباها يعقدان برفق

" كوالدك تماماً "

وسرعان ما ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها كان لها مفعول

السحر على تلك الملامح الجميلة المتعبة وفتحت عينيها ببطء

ونظرت جانباً حيث يدها الأخرى بجانب وجهها على الوسادة

وهاتفها فيها وتبدلت تلك الابتسامة لأخرى ممتزجة بلمحة حزن

خفيفة تنظر للإسم على شاشته ولا تفهم تحديداً كيف عبثت

أصابعها به في لمسات غير مقصودة حتى وصلت هنا وكأن كل

شيء في هذا العالم يقودها له ! وسرعان ما حاصرتها تلك

المشاعر التي لا تفتأ تتركها للحظات لتعود وتجذبها نحوه بقوة

كمراهقة صغيرة تشتاق لحبيبها كلما تذكرته وهو لا يغيب عن

أفكارها بتاتاً ! وكم كرهت هذا الشعور الذي لطالما عرفته

واختبرته فهي من قاست من أكبر مشاعر الفقد والاحتياج إليه

واشتياقها سابقاً والذي تعلم بأنه الآن لن يفارقها لأشهر نحو رجل

تدرك جيداً بأنه ومهما أبدى اهتماماً كبيراً بها إلا أن مشاغله

وأولوياته أكثر من كل ذلك بكثير فهو منذ كان وأصبح مطر

شاهين الذي تعرفه الناس ليصبح المقربون له هم من يجهلونه !

يحتاجون إليه ولا يجدونه لأنه لا يجد وقتاً لهم وهذا ما اعترف به

سابقاً وبنفسه ومنذ عرفته قبل أعوام ولم ينكره كما لم ينكر بأنه

يصعب عليه تغييره مادام الوطن يحتاجه .. وهل سيتوقف الوطن

عن احتياجه له !

نظرت للسقف فوقها وغرست أسنانها في طرف شفتها حين

وصلها صوت الرنين في الطرف الآخر فها قد فعلها قلبها أو

أصابعها أو كلاهما لا يهم فذاك حدث وانتهى .

" غسق !! "

أبعدت يدها من تحته ومسحت بها طرف عينها والدمعة التي
تمردت على رموشها الطويلة ما أن سمعت ذاك الصوت الرجولي

العميق ببحته المميزة والتي زادته قوة وخشونة بل فخامة

ونظرت للجهاز الأبيض الأصم الذي يوصلها به بأنفاس عادت

تضطرب وتتعالى ... ويلومونها في هذا الرجل ! يريدون وبكل

بساطة أن تنتزع قلبها من صدره لا صدرها لأنه لديه وتسلمه

لرجل آخر ! كيف تفعلها وهي التي عجزت عن ذلك لأعوام ! عن

انتزاعه فقط من قلبها دون أن تهبه لغيره فكيف تفعلهما معاً !!

فبالرغم من كل ما عانته بسببه وضرباته الموجعة لها الواحدة

تلو الأخرى لازالت تضعف تتلاشى وتنصهر بكلمة منه ..

بلمسة .. بقبلة .. بل وبمجرد أن تراه أمامها أو حتى تسمع

اسمه .

" غسق لا تغلقي الخط ... تسمعينني "

خرج صوته من ذاك الجهاز آمراً حازماً مما جعل يدها تقف في

الفراغ بينها وبينه وكأنه قرأ أفكارها بالفعل بل وردود أفعالها !

قبضت أناملها وأعادت يدها مكانها وعيناها لازالت تراقب هاتفها

وكأنه يراها من خلاله وخرج صوته مجدداً بأمر حازم لكنه لم

يخلوا من تلك الرقة الرجولية التي لا يتقنها هكذا سواه

" غسق لا تجعليني أترك طريق أرياح وأعود أدراجي الآن "

فتسربت الدموع الرقيقة تسبح وسط مقلتيها الواسعة مجدداً تنظر
لمصدر صوته ذاك الذي تعشق وهمست بخفوت حزين بالكاد
يسمع

" أحبك "

وأغمضت عينيها بقوة أصابعها تشتد بقوة على قماش قميصها

القطني القصير جهة رحمها وعضت باطن شفتها تفلتها من قبضة

أسنانها ببطء وتعالت أنفاسها كما الصمت بينهما وفتحت عينيها

محدقة بالسقف فوقها ما أن قال بهدوء معاتب رقيق

" غسق ليس بهذه الطريقة يجرمون في الرجال ؟ "

فأمسكت ابتسامتها بأسنانها ونظرت لهاتفها على الوسادة بجانبها

وقالت بصوت منخفض زينته بحة أنثوية رقيقة

" تبدو في سيارة .. هل أنت بمفردك ؟ "
خرج صوته من فوره

" ليس هذا ما كنا نتحدث عنه وما تعلمين جوابه جيداً "

لم تعلق تنظر لهاتفها مبتسمة بحزن بينما خرج صوته منه مجدداً

" أخبرتك سابقاً بأنك جبانة ؟ "

فانعقد حاجباها الرقيقان وخرجت من صمتها قائلة برفض رقيق

" لست جبانة "

قال من فوره

" بل جبانة وتنسين دائماً بأننا زوجان ورفعنا الحواجز يا غسق "

انقلبت على جانبها مقابلة لهاتفها ذاك تتكئ بطرف وجنتها على

ذراعها وكأنها تخفي حمرة الخجل فيها ولاذت بالصمت ..

وبماذا ستعلق مثلاً فهي تفقد قدرتها على أي شيء ما أن تتذكر

تلك اللحظات التي جمعتهما منذ عاد مقتحماً عالمها مجدداً سواءً

تلك الليلة في منزل عائلتها القديم أو الوقت الذي قضياه في منزل

البحر ... حسناً وإن ارتفعت الحواجز بينهما ؟ وإن كانت تخطت

كل ذاك معه فهي تبقى أنثى يمتزج الحياء الفطري بمركبات

جسدها وطبيعتها .. بل وطبيعة علاقتهما المتأرجحة .

خرج صوته حين طال صمتها وكان عميقاً متزناً حمل الكثير من

الرقة الرجولية الفخمة

" يرضيك هذا الوضع يا غسق ! متى سترحميني من

الشوق لك ؟ "


دفنت حينها وجهها في ذراعها وكأنه أمامها بالفعل وقالت

" كنا معاً منذ يومين في البرج أم نسيت ؟ "

فوصلها صوته سريعاً

" ليس عن ذلك أتحدث وتفهمين ما أقصد جيداً "

ارتسم الحزن على ملامحها الشاحبة ورفعت وجهها عن ذراعها

وهمست بأسى تنظر لذاك الجهاز الأصم بعينان دامعة

" كنت قادراً على ذلك لأربعة عشر عاماً "

وطال صمته بطول عذابها تلك اللحظات قبل أن يخرج صوته

مجدداً وحازماً هذه المرة

" كنت قادراً !! اتركيني في صمتي عن تلك الأعوام أسلم لكلينا

لأني أعلم جيداً نتيجة الحديث عنه ومن جانبك تحديداً "

وهي تعلم النتيجة أيضاً وتوافقه الرأي فلن تحتمل مزيداً من

تمزيق جراحها النازفة وآمنت بالفعل بأنها تحتاج لشجاعة لم

تكتسبها يوماً لتستطيع فعلها ولتسأله فقط عن تلك الأخرى التي

سبق وتحدث عنها أمام الجميع فكيف بمن سمعت صوتها مراراً ؟

وتتساءل أحياناً هل الجميع مثلها أم أنها وحدها من تهرب من

انكشاف الحقائق أمامها ...!! الحقائق التي تعلمها سلفاً وتخشى

فقط من سماعها من شفتيه .


" هل أفهم أن كل هذا نوع من العقوبات المجحفة بسبب رفضي

لذهابك للعمران اليوم ؟ "

كان صوته معاتباً هذه المرة وإن لم يخلو من حزمه المعتاد

فابتسمت بسخرية وقالت

" لا بالطبع فأنا لازلت أصمت عن أمور كثيرة مشابهة تتعمد أنت

إزعاجي بها "

جاء تعليقه سريعاً بل وبجمود بدا واضحاً في صوته

" وابنة خالتك ستكون هنا وسيكون بإمكانك زيارتها في منزل

زوجها كما تشائين .. أما منزل عائلتها هناك فلن تدخليه واليوم

تحديداً "

سحبت نفساً عميقاً لصدرها ليس بسبب تجاهله لما لمحت له فقط

واقترب حاجباها الرقيقان بضيق وقالت

" مطر يفترض بأننا أكبر وأنضج من التصرفات الطفولية !

فوثاب لن أراه وإن كنت هناك "

لاذ بالصمت ولم يعلق وفضلت هي الصمت أيضاً وأن لا يتحدثا

عن الموضوع أكثر .. لا تعلم خشية من أن يستنتج أو أن يكون

يعلم مسبقاً عماّ بينها وبين قائد مؤخراً ؟ لكنه إن كان يعلم فلن

تكون هذه ردة فعله ! لن يتخذ الصمت كرد فعل ووضع المشاهد

حتى ينتهي كل شيء وكل ما توقف منذ أيام وباتت عاجزة عن

اتخاذ أي قرار بخصوصه وتركت جميع أسئلة قائد الأخيرة معلقة

في صفحة بريدها الخاص ولم تستطع ولا الإجابة عليها وإن كان

ما يخططان ويسعيان له سيستمر أم سيتوقف نهائياً ؟ .

قالت بهدوء تبتعد عن الحديث في كل ذلك

" اتصلت لأطلب منك أمراً ما لكن يبدوا أنك خارج حوران "

قال من فوره

" كنا في فزقين ومتجهون حالياً لمدن أرياح وسنقضي الليلة

هناك فاجتماع الدول المنتجة للنفط بات قريباً واستضافة البلاد له

أمر يصب في صالحها ولا نريد أي مشاكل تعرقله خصوصاً في

الوضع الراهن "

تنهدت وقالت

"وفي الغد ؟ "

وكما توقعت كان جوابه جاهزاً ومماثلاً لسابقه

" سأكون في مدن ثنان عليا تسوية بعض الأمور المهمة هناك

فعلى قضيتهم الشائكة أن تنتهي قبل العام الجديد "

فزمت شفتيها بضيق قبل أن تقول

" لن أسألك عن بعد غد فسيكون ثمة ما يشغلك أيضاً ... أرأيت

نفسك يا مطر ؟ أنت لا تتغير أبداً ولا أمل يرجى منك "

كانت تريده أن يكون معهم وقت عقد قران رماح لكنه وكالعادة

لا تعرف أخباره وتحركاته سوى من التلفاز وكأنه ليس ثمة آلاف

الرجال تحت إمرته يمكنهم القيام بكل ذلك عنه ! وصلها صوت

تنهده العميق قبل صوته قائلاً

" الوطن يحتاجني يا غسق "

" ونحن نحتاجك "

قالتها مباشرة ودون تردد بل وأضافت من فورها

" الوطن يحتاجنا جميعاً ونلبي نداءه مادمنا نحبه لكن ذلك لا يعني

بأن نضحي من أجله بكل شيء حتى بمن نحبهم ويحتاجوننا "

" أتبيعين وطنك يوماً ما يا غسق ؟ أتفعلينها ! "

كان سؤاله مباشراً وقاتلاً أيضاً وفهم كلاهما أن حديثها انحرف

عن مساره الطبيعي ولم يعد وجوده الآن مقصدها بل كل ما حدث

في الماضي ... امتلأت عيناها بالدموع وهمست ببحة وحزن

" أجل فثمة من لا يمكنني العيش بدونهم ولن تغنيني وحدة البلاد

عنهم ليسعد الجميع وأبكي أنا وأموت وحيدة ..... أنا لا يمكنني

أن أكون مثلك "

فخرج صوته معبراً عن ضيقه هذه المرة

" متى ستتوقفون تحديداً عن تشبيهي بآلات الحرب ؟ أنا بشر


مثلكم تماماً يا غسق وقسماً لا أستطيع أن اغمض عيناي ليلاً لأنام
وإن لساعة واحدة إلا حينما أفكر فقط بأنك وابنتي بخير

وموجودتان في هذا العالم "

انقبضت أصابعها على لحم ذراعها الشديد البياض وانزلقت

دمعتها اليتيمه من طرف رموشها لصدغها تسقي الوسادة تحتها

وقالت بأسى حزين

" هذا لا يكفي يا مطر وكم أخشى من اليوم الذي لا يجد أحدنا فيه

الآخر ... فعلى من سنلقي باللوم حينها ؟ "

ونظرت من بين دموعها للجهاز الذي خرج منه صوته عميقاً

منخفضاً زاد بحته المميزة تلك عمقاً ووضوحاً

" ومطر يفهم ذلك ويخشاه .... مطر شاهين أيضاً يريد التحرر

من كل هذا يا غسق لكن ليس الآن .. ليس ونحن نكاد نخلص

البلاد ممن يتسببون بكل ما تمر به الآن .. وبعدها مطر نفسه

وبنفسه سيترك كل هذا من أجلكم قبل أن يكون من أجله "

فارتسمت ابتسامة حزينة على شفتيها زينت ملامحها الكئيبة

المتعبة وهمست

" ثمة أمل إذاً في أن تتغير أفكار إبن شاهين القديمة ؟ "

وعلمت فوراً بأنه فهم ما كانت تقصد وقد قال بلمحة ابتسامة

ظهرت جلية في صوته

" ثمة أمل كما تغيرت تلك الصخرة وذاك الجدول ليتحول لشلال "


فانزلقت دمعة جديدة من طرف رموشها الطويلة وقالت ببحة "

أنت السبب في تغيرها جميعها "

فقال سريعاً وما لم تتوقعه

" أعلم ذلك جيداً "

فابتسمت بحزن وانقلبت على ظهرها مجدداً وحدقت في السقف

تمرر ظهر يدها تحت ذقنها تسحب أنفاسها لصدرها بقوة ووصلها

صوته المتوجس حينها

" ما بها أنفاسك لا تنتظم أبداً يا غسق ! أأنت متعبة ؟ "

فغرست أسنانها في طرف شفتها وأصابعها تنقبض لا إراديا على

فستانها أسفل معدتها مجدداً فها هو يقرأ حتى حركة أنفاسها

ويتابعها ! كم يتعبها هذا الرجل ويعبث بقلبها ويضع عقلها في

دوامة لا نهاية لها ! نظرت للهاتف قرب وجهها قبل أن تقول

بابتسامة صغيرة حزينة

" هذا ابنك .... يكاد يصيبني بالجنون "

وأرادت أن تختم عبارتها بكلمة ( بك ) لكنها لم تستطع هذه المرة

فثمة حاجز مرتفع جداً لم يتخلصا منه بعد وهو هشاشة ثقتها

به ... حاجز لم تعد موقنة تماماً إن كانا سيجتازانه ؟ مسحت

عيناها وابتسمت ما أن قال بضحكة صغيرة

" كوالده تماما ً ..... مؤكد هذا ما ستقولينه ؟ "
فخرجت منها ضحكة قصيرة متعبة وقالت

" أكذب إن قلت بأني لا أكررها دائماً "

ضحك مجدداً ولا يعلم بأن تلك الضحكة الرجولية العميقة

والممتزجة ببحة صوته المميزة كفيلة وحدها بإرسالها للجنون ..

ولن تتطرق لباقي تفاصيله كي لا تذهب هي له الآن ، أمسكت

أناملها بالهاتف ورفعته أمام وجهها لحظة أن خرج منه صوته

قائلاً بابتسامة

" لن أستغرب شيئاً منه إن كانت شقيقته هكذا "

غضنت حبينها باستغراب هامسة

" ما بها تيما ؟ "
وارتسم الاستغراب على ملامحها أكثر ما أن قال بضحكة

" لا شيء بها .... هي بخير تماماً وكوالدتها هي أيضاً "


*
*
*


نقلت نظرها بينهما وقالت بضيق ما أن استقر على دجى الجالس

متكئاً على ظهر السرير

" جدي توقف عن الضحك ... هذا عوضاً عن أن تقف في

صفي ! "
ونقلت نظراتها الحانقة سريعاً للكاسر والذي كان يجلس متربعاً

فوق السرير أيضاً وقالت

" وأنت ما جاء بك هنا ؟ والدتك في منزلكم هناك "

ضحك مجدداً ونظر جهة دجى متجاهلاً لها ولكل ما تقول وعاد

يقلدها حين أصيب وكانا في طريقهما للمستشفى وكانت تتصل

بمن لم يجب عليها حينها بينما عاد دجى للضحك الذي لم يستطع

منع نفسه عنه فرفعت الوسادة من حجرها ورمتها بغضب على

الذي أمسكها ضاحكاً وقال

" أتحدى أن تتصلي به الآن ويجيب "

أمسكت خصرها بيديها وقالت بحدة

" بلى سيفعلها "

ضحك ضحكة ساخرة لم تزدها إلا اشتعالاً ونظر جهة دجى وقال

" إن أردت أن ترى ما حدث يومها الآن فتحداها لتفعلها "

فنظر لها جدها وضحك ولم يعلق فضربت بقبضتها على فخذها

وقالت بتحدٍ

" وماذا إن أجاب ؟ "

كان الجواب من الكاسر الذي قال بتحدٍ مماثل مبتسماً

" أعدك حينها أن لا أحكي ما حدث يومها لأحد غيره "

وعاد للضحك وما زادها اشتعالاً مشاركة جدها إياه ذلك وإن لم

يعلق على كل ما قيل فأخرجت هاتفها من جيب بيجامتها هامسة

بضيق

" ستريا إذاً "

ونظرت لشاشته وهي تقلبها بإصبعها بحركة غاضبة حتى وصلت

لإسمه .. وشعرت بموجة عارمة من الإحباط ما أن وقع نظرها

على الساعة أعلى الشاشة فمؤكد تلك الدجاجة التي تعمل طوال

النهار نائمة الآن وزد عليه مغادرته من هنا غاضباً قبل ساعات

فلن يجيب بكل تأكيد .. لكنها سبق وحذرته ولن تسامحه أبداً إن

فعلها مجدداً ، ضغطت بإصبعاها على اسمه ولم تستطع إبعاده

بسرعة وكأنها تهرب باكتساب المزيد من الوقت لكن الأمر حدث
وانتهى فسرعان ما ظهر صوت رنينه في الطرف الآخر واضحاً

لتشغيلها لمكبر الصوت .. وكانت ستعلن هزيمتها حين كاد

الاتصال أن ينتهي لكن وبمعجزة ما كما تراها سمعت الصوت

المميز لانفتاح الخط في الطرف الآخر وكانت لتتوج انتصارها ذاك

بابتسامة شامتة لولا أوقفها الصوت الرجولي الكسول بفعل النوم

أو النعاس لا تعلم ؟ حين خرج من هاتفها متذمراً

" تيما تبا لك .... تختارين دائماً هذه الأوقات السيئة التي أكون

فيها في السرير لوحدي "

فانفتحت عيناها من الصدمة ودست هاتفها لا شعورياً في

اللحاف تحتها قائلة بحدة وإحراج

" اصمت يا وقح "

ولم تسمع بعدها سوى ضحكة الكاسر وهي تخرج من تلك الغرفة

راكضة والتي كانت غرفة جدها وسلكت الممر المشترك باتجاه

غرفتها تنظر لهاتفها وصوته يخرج منه منادياً بإسمها فألغت

مكبر الصوت ووضعته على أذنها قائلة بضيق

" جدي كان يسمعك بل والكاسر أيضاً ... كيف سأنظر لعينيهما

مجدداً ؟ "

فقال من فوره وببرود غزا بحة صوته الكسول

" اتركي الجميع يعلم ما تفعلينه بي "

دخلت غرفتها ضاربة بابها خلفها بقوة وقالت

" لن أثق في وعودك مجدداً "

وصلها صوته سريعاً

" أنا لم أخن العهد بل أنت من فعل "

همست بصدمة تشير لنفسها " أنا !! "

قال بضيق

" أجل أنت فهلا أخبرتني ماذا فعلت من أجل هذا ؟ هل تحدثتما ؟

هل تحاولين فعلاً إقناعها بالأمر أم تنتظرين معجزة ما أن تحدث

وتجعلها توافق على رجل لم تتردد في إظهار كرهها له

علانية ؟ "


فنفضت يدها قائلة بضيق مشابه

" قاسم لا تظلمني وتحكم على أمر أنت لا تعلمه "

قال من فوره

" لا أعلمه لأنك لا تخبرينني شيئاً عنه .. تهملينني وتتجاهلينني

هكذا وبكل بساطة "

" اصمت ... "

قالتها بحزم بينما تابعت بحدة

" تعلم جيداً بأني أحبك ومنذ اللحظة التي التقيتك فيها "

خرج تأوهه واضحاً وقال وقد تغير مزاجه الحانق فجأة للبؤس "

أقسم بأنك أبرع من تختار أوقاتاً سيئة لقتلي ... وقسماً إن كنتِ

هنا أمامي الآن ما تركتك تنامين خارج هذا السرير البائس "

انفتحت عيناها بصدمة وقالت

" قاسم يكفي "

تأفف وقال بضيق

" سحقاً لقاسم .... أخبريني الآن ما الجديد في الأمر أو نفذت

كل ذلك "

ابتسمت تغرس أسنانها في طرف شفتها فكم تعشق تلك الكلمات

التي يستخدمها وقد تأثر بها بسبب حياته الطويلة في انجلترا

وقالت والابتسامة لازالت تزين شفتيها

" ثمة تقدم بسيط بل مهم فهي لم تعد غاضبة مني بسبب ما حدث

ولم تتحدث عن الأمر لكننا لازلنا نحتاج للمزيد "

فتنهد بصوت واضح قبل أن يقول بسخط

" المزيد والمزيد ...!! والمزيد من الصبر يا قاسم "

فعبست ملامحها الجميلة بحزن وهمست

" علينا أن نضحي قليلاً إن كنا نرى الأمر يستحق أليس كذلك ؟ "

وصلها صوته سريعاً

" اتركيني أحاول أنا إذاً "

" لا .. "
قالتها سريعاً وباندفاع وما أن سمعت تنهيدته الطويلة علمت بأن

الأمر ينحدر للسوء وبأنه سيغضب منها مجدداً فقالت

" لن ننتظر طويلاً بالتأكيد لكن علينا أن نصبر لبعض الوقت "

فتنهد مجدداً لكن ليس بحدة هذه المرة وقال

" أمري لله ... تعلمين جيداً بأني أحبك ومنذ اللحظة التي

رأيتك فيها "

لوت شفايها وتمتمت تمسك خصرها بيدها الحرة

" لا ليس كذلك فأنت لم تكن تخفي كرهك لي أبداً حتى

علمت الحقيقة "

وصلها صوته سريعاً

" حمقاء .... من هذا الذي كان على استعداد للبحث عنك وهو

لا يعلم إن كنت انجليزية أم فرنسية ؟ بل وإن كنتِ تحبين الرجل

الذي كنت تلبسين خاتمه المزيف ذاك "

فاقترب حاجباها بأسى وقالت ولازالت تمسك خصرها بأصابعها

" لكن ذاك اختلف فيما بعد وحين علمت من أكون ! "

قال من فوره مدافعاً عن نفسه

" لا بالطبع فأنا خطبتك من والدك قبل أن أعلم منه حقيقة

ما حدث هناك "

اكتسى الحزن ملامحها وهمست بأسى

" لما كنت تقسو عليا إذا ! "

تنهد بعمق وقال

" لا أعلم لما ! ما أعلمه بأني كلما غضبت من تمردك وقوتك في

الرد علي حينها لجأت لجرحك بكلماتي التي كنت أتألم منها أكثر

منك "

رفعت قبضتها في ضحكة صامتة وقالت بابتسامة واسعة

" كان رعد على حق إذاً "

وكتمت على فمها بيدها تغلقه بها مبتسمة حين قال باستغراب

" على حق في ماذا وما علاقة رعد الآن ؟! "

أبعدت يدها وقالت مبتسمة
" لا شيء ... حكاية أخرى تذكرتها الآن "

قال بعد صمت لحظة

" أخبريني إذاً ما الذي جعلك تتصلين بي الآن فلن يكون السبب

اشتياقك لي فلم تفعليها سابقاً "

فابتسمت تغرس أسنانها في طرف شفتها وقالت

" وإن كان كذاك بالفعل ؟ "

قال من فوره

" كاذبة .. فما علاقة جدك والكاسر إذاً ؟ "

ضحكت وقالت

" تصبح على خير "
وأغلقت الخط مبتسمة وحضنت الهاتف بقوة هامسة

" كم أحب هذا الرجل "


*
*
*



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:34 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.