آخر 10 مشاركات
ظلام الذئب (3) للكاتبة : Bonnie Vanak .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          حرب الضواري * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : برستيج اردنية - )           »          لا تتركيني للأوزار (الكاتـب : تثريب - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          وداعـــاً حُبي (20) للكاتبة الرائعة: the jewels sea *مميزة & كاملة* (الكاتـب : The Jewels Sea - )           »          [تحميل] بسمة مدفونة في خيالي ، لـ ضاقت انفاسي (الكاتـب : Topaz. - )           »          السرقة العجيبة - ارسين لوبين (الكاتـب : فرح - )           »          صمت الحرائر -[حصرياً]قلوب شرقية(118) - للمبدعة::مروة العزاوي*مميزة*كاملة & الرابط* (الكاتـب : noor1984 - )           »          أزهار قلبكِ وردية (5)*مميزة و مكتملة* .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          لك بكل الحب (5) "رواية شرقية" بقلم: athenadelta *مميزة* ((كاملة)) (الكاتـب : athenadelta - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات العربية المنقولة المكتملة

Like Tree47Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-12-17, 01:00 PM   #11

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


- 9 -
25 يونيو 2005،
منزل نور وتقى، القاهرة
أمها وتقى ونهى... ثلاث أعمدة كانت ترتكز عليها روحها... من دونهن غدت ورقة تطايرت في الفضاء هائمةٌ على وجهها، لم يتمكن أي شخصٍ كان من ملئ تلك الفجوة بداخلها التي أخذت تتسع لتتلاشى روحها التي كانت ذات يوم سعيدة وأصبحت تحيا على ذكرى الأيام التي قضتها معهن تقتات خبز فقدها كالتعساء إلى أن جاء عيسى وبدأ في ترميم تشوهات روحها.
لن تنسى أبدًا ذلك الجو المرح الذي كانت تبثه تقى بتناغمٍ رائعٍ مع نهى دائمة الحضور في أغلب أحداث حياتها ووجه أمها بنظراتها الطيبة المحبة الذي كان يفجر دائمًا ينبوعًا من السعادة بداخلها رغم صعوبات الحياة.
" إيه ده يا نور ..؟ إيه الفستان ده..؟ ماتلبسي حجاب بالمرة..!"
قالتها تقى وهي تشاهد نور التي ارتدت ثوبها بعد إلحاح من اختها كي تراها به، ضحكت نهى قائلة:
- والله يا توتة قولت لها كدة ما سمعتش كلامي...
قالت تقى: - صدره مقفل أوي يا نور إيه ده ...؟
قالت نور: - أنا غلطانة أني سمعت كلامك ولبسته افرجك عليه... أمشي روحي ذاكري ياللا ...
قالت تقى: - والله العظيم محمود ده ليه الجنة أنه هايتجوز واحدة زيك... يا عيني الراجل صابر طول شهرين الخطوبة منشفة ريقه عشان تكلميه واللا تقعدوا مع بعض... حتى لو عايز يفرجك على حاجة واللا ياخد رأيك في حاجة من ترتيبات الفرح لازم يا أنا يا رحاب يا طنط قدرية يا ماما نبقى معاك وهما كلمتين وبس... وفي الآخر جاية في كتب الكتاب تقفلي الدنيا... كدة أوفر يا نور والله...
قالت نهى: - بصراحة يا نور... أختك معاها حق...
قالت نور بعند: - هوا كدة لو كان عاجبه ...!
ضحكت تقى قائلة: - آه يا بنتي ما المصيبة أنه عاجبه وأصر أنه يعجل بكتب الكتاب عشان بس يقعد يتكلم معاكي شوية براحته من غير طرف تالت قاعد في النص... لأن سيادك يجي يقولك كلمة حلوة يسرقها كدة من ورا الطرف التالت تكشري وتقومي وتقولي له حرام كدة وأحنا لسة أغراب عن بعض وحلال وحرام... يجيب لك ورد ويسيبهولك عالباب... ولاااا الهوا... ولا تشكريه ولا تقولي له عجبني ولا أي حاجة لحد ما الراجل يا عيني يشك أنك أخدتيه ولما يسألك.. أيوة.. ماشي ... كويس...
قذفت نور الوسادة على اختها بمرح قائلة: - أديكي قولتيها... هوا عاجبه... أنت مالك بقى ...
قالت تقى لنهى: - شوفتي يا نهى أديها باعتنا في أول محطة... يعني نخرج منها أحنا... ماشي يا نور...
قالت نهى: - بصراحة يا توتة اختك معاها حق... الراجل عارفها وحافظها ومصر على الجواز... خلاص يا ستي ربنا يهني سعيد بسعيدة ... مالناش دعوة ...
أخرجت نور لسانها لهما ثم قالت: - أيوة مالكوش دعوة ... هاروح أفرج الفستان لمامتي وهيا اللي هاتنصفني فيكو ...
خرجت نور من غرفتها متجهة نحو غرفة والدتها في سعادة بينما قالت تقى: - مجنونة ...!! الله يكون في عونك يا دكتور محمود ...
لم تدر أيًا منهما أن محمود في تلك اللحظة كان حقًا في أمس الحاجة لمعونة إلهية تنتشله من بئر الحيرة والتردد الثائر الذي سقط به عقب ما سمع من أمه وشقيقته من ما حملته إحسان من أخبار. كان جالسًا على أريكة الصالون دافنًا وجهه بين كفيه. قالت له رحاب بلا مبالاة: - سيبك منها يا محمود ... أصلاً أنا كنت مش مستريحالها من الأول ...!
رفع رأسه نحوها في عنف هاتفًا: - يعني إيه أسيبني منها...؟ يعني إيه مش مستريحالها...؟ هوا أنت اللي هاتتجوزيها واللا أنا..؟
صاحت رحاب بدورها: - طب براحة شوية وما تزعقليش... أنا مش عارفة إيه اللي عاجبك فيها دي أصلاً مش حلوة ولا جميلة أوي عشان تتمسك بيها كدة ... عادية جدًا ... ده أنت أحلى منها يا أخي ... وطبعًا هيا مش هاتيجي حاجة في جمالي ... بس قولنا بنت يتيمة ومسكينة ونعمل فيها خير ونسيبك تتجوزها ... لكن صياعة وقلة أدب ... مابدهاش بقى ... مش ناقصين أحنا مسخرة و...
قاطعها محمود بصفعة قوية على وجهها وأمسك ذراعها هاتفًا بحدة: - مين دي اللي صايعة ومش جميلة...؟ نور دي متربية على إيدينا ... نور دي مابترضاش تسلم عليا واحنا مخطوبين ولا تخرج معايا لوحدها ... نور دي عمري ماسمعتها بتتكلم على حد وحش واللا بتغتاب حد ... نور دي رفضت دكتور غني بدون تطويل في التفكير حفاظًا على دينها وكرامتها ... نور دي اللي بتتكلمي عنها كدة تسوى عشرة زيك ... نور واللي زيها هما اللي ينفعوا زوجات يصونوا بيتهم وأزواجهم ... أما أنت واللي زيك بالأخلاق دي اللي طول عمري بانصحك تسيبيها ... ما تنفعوش غير للفتارين ... عرايس حلاوة فقط لا غير ...
بكت رحاب وحاولت التملص من قبضته المطبقة على ذراعها دون جدوى فقالت لأمها: - شايفة يا ماما ... شايفة ابنك بيعمل فيا إيه ..؟ إذا كان كدة من قبل ما يتجوزها أمال اما يتجوزوا هايعمل فينا إيه...؟ هايرمينا كلنا برة..
أسندت أمها رأسها على يدها قائلة بغضب: - ماهو لا أنتِ ولا هوا محترمين أمكوا اللي قاعدة بينكوا... خلاص بقى وجودي مالوش لازمة ...
ترك محمود ذراع أخته وانحنى نحو أمه قائلاً: - أنا آسف يا أمي ... أصلها هيا اللي هيا استفزتني جامد.. وأنا فيا اللي مكفيني أصلاً ...
أومأت أمه في تفهم ثم قالت لرحاب بحزم: - أمشي من هنا دلوقت يا رحاب وأقفلي الباب وراكي ... ومش عايزاكي تتكلمي في الموضوع ده تاني ...
خرجت رحاب متمتمة: - والله لوريك يا محمود، أنا وانت والزمن طويل ...
أستدارت قدرية إلى محمود الذي عاد ليجلس على الأريكة وأرجع رأسه إلى الخلف متأملاً سقف الغرفة شاردًا في ذاك الكلام الذي يتناقل حول خطيبته وأمها، قالت له قدرية: - هاااه يا ابني ناوي على إيه..؟
رفع محمود رأسه ونظر إلى أمه قائلاً وهو يحاول إيجاد بصيص أمل: - ما يمكن الكلام ده كله غلط يا ماما..!
قالت له: - ويمكن يكون صح ...
صمت محمود في حيرة، فربتت أمه على رجله بحنو وهي تقول: - أنا عارفة اللي أنت فيه ... لأني أنا كمان مش مصدقة ... دي علا دي صاحبتي ... ونور وتقى زيك أنت واختك بالنسبالي تمام ... بس يا ابني ... مافيش دخان من غير نار ...
نظر محمود إليها بيأس قائلاً: - قصدك إيه...؟
قالت بحيرة: - أنا بافكر معاك بصوت عالي يا ابني ومش عارفة برضه نعمل إيه ... مش عايزين نظلم حد...
صمت محمود في حيرة وألم، فقالت له أمه بعد برهة: - ما تروح تعرض الأمر على الشيخ عبد المنعم في المسجد تحت على أنها مشكلة واحد صاحبك ...
لمعت في عيني محمود بارقة أمل وهو ينهض هاتفًا: - حاضر ... هانزل دلوقتي ...
ونزل محمود وما هي إلا ربع ساعة إلا وعاد ليجد أمه في موضعها تسأله بلهفة: - هاااه ... قال لك إيه..؟
تهاوى محمود على أول مقعد .. وقد امتلأت عيناه بالعبرات وهو يخلع خاتم الزواج الفضي الخاص به معطيًا إياه لأمه وهو يقول: - روحي اعتذري لهم يا ماما ...
ابتلعت أمه ريقها محاولة التغلب على تلك الغصة بحلقها وهي تقول: - هوا الشيخ قال لك كدة..؟
أغمض محمود عينيه بشدة لتتهاوى منهما بعض العبرات وهو يقول: - قالي قول لصاحبك كلمتين ... "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس" فلازم الواحد يتخير لنسبه ونسب ذريته النساء الطيبات والأصول المعروفة بالخير ... غير المشكوك في صلاحها ... وأن النساء كثيرات ... والأفضل أنه يترك تلك المشكوك في أمرها ...
وكان حكمًا بالإعدام مِن مَن يُحسب على الدين شيخًا متجرئًا على إطلاق الأحكام دون تروي أو بحث، فنهضت قدرية بتثاقل لتحاول تنفيذ تلك المهمة الصعبة.
***
شعرت بها تحتضنها بعينيها... تكاد تكون لمست فرحة مطلة منهما... فرحة حقة تلمسها في عيني أمها لأول مرة ...! نحت علا جانبًا هاك الدفتر الذي كانت منهمكة في الكتابة فيه، ثم قالت لنور بسعادة:
- جميلة أوي في الفستان يا نور ... ربنا يتمم لك على خير يا بنتي ...
ابتسمت نور قائلة وهي تقبل أمها: - طبعًا جميلة زي مامتي ... صحيح يا ماما ... مش هاتقولي لي بقى إيه اللي كل ما ندخل عليكي نلاقيكي بتكتبيه ده...؟ انت بتذاكري من ورانا واللا إيه...؟
همت علا أن تقول شيء ما، إلا أن جرس الباب قاطعها ... سمعت تقى ترحب بقدرية، فابتسمت نور قائلة:
- أكيد طنط قدرية جاية تشوف الفستان ... منا قلت لها قبل ما انزل إني هاجيبه النهاردة ...
لم تمض سوى لحظات حتى دلفت قدرية إلى غرفة علا بوجه واجم ممتقع، قالت لها نور:
- جيتي في وقتك يا طنط ... شوفي ... إيه رأيك ...؟
تأملتها قدرية وهي تدور حول نفسها بالثوب الناصع وكأنها تراها من وراء غمامتين مثقلتين بدموعها، كيف ستقتل تلك الفرحة التي تراها في بيت علا وعينيها لأول مرة ...؟ لكنها خائفة ... نعم خائفة من تلك الثرثرة التي ستطولهم حتمًا وتطول ابنتها فلربما لا تتمكن ابنتها من الزواج بسبب تلك الأحاديث الحائمة حول علا وبنتيها إذا ما اقترن اسم أيٍ منهن باسم ابنها واسمهم... إنها تفعل ذلك من أجل المحافظة على بيتها ومستقبل ابنتها ناصع البياض.
- نور حبيبتي ... ممكن تسيبيني مع ماما شوية...؟
تأملتها نور في غير فهم... بوجهها الواجم وكأنما هبطت عليها صاعقة...! أنَّى ترتسم على وجهها ملامح الألم تلك ومن المفترض أنها أيام تملؤها السعادة..! أقنعت نور نفسها أنها لربما تعاني من شيء ما لا تريد أحد الإطلاع عليه سوى صديقتها علا، فتمتمت نور قائلة: - حاضر يا طنط اتفضلي ...
قالتها ثم خرجت شاردة متوجهة إلى غرفتها تبدل ثوبها وتعيده بحرص إلى غلافه، ثم جلست إلى مكتبها تحاول المذاكرة إلا أن عقلها كان يشرد منها إلى تقاسيم وجه قدرية ويغوص في تفاصيله محاولاً إيجاد مبررًا لتلك النظرات التي ارتسمت في عينيها وانعقاد حاجبيها وانزمام شفتيها وعدم ردها عليها بفرحة طيبة كعادتها.
لم يمض الكثير من الوقت حتى سمعت صوت باب المنزل يتم إغلاقه، نهضت نور من على مقعد مكتبها متوجهة إلى أمها وقد أنضم إليها كل من نهى وتقى اللتين كانتا تستذكران في ردهة المنزل. إحساس عام بالأنقباض راودها مذ أن وقعت عينيها على أمها وكأنما صار وجهها كصفحةٍ بيضاء باهتة تتأمل الفراغ في ألم. شيءٌ ما بداخل نور لم يكن يريد أن يسأل أمها عمَّا حدث منذ قليل... يجذبها إلى الخلف... يجذبها إلى وجه أمها السعيد الضاحك تمامًا قبل لحظة دخول قدرية إليها.
- ماما أنت كويسة...؟ إيه اللي حصل ...؟
لكنها قالتها وتسائلت، كانت تقى تقف خلفها في قلق ومعها نهى، تأملتها أمها في نظرات صامتة ثم فتحت ذراعيها تدعوها إليهما... فوضعت نور رأسها على صدر أمها محتضنة إياها فأحاطتها بذراعيها في حنان ثم همست لها: - عارفة أجمل حاجتين فيكي إيه يا نور..؟
رفعت نور عينيها إليها في غير فهم، فأردفت أمها: - إيمانك وقوتك ... أوعديني أنك دايمًا تكوني قوية مهما حصل...
كانت علا تخشى على قلب صغيرتها الغض من الانفطار... هاك القلب الرقيق الذي طالما دافعت عن سلامته باستماتة... لأن أي خدشة به ستقتلها؛ لكنها أخطأت كثيرًا عندما بنت آمالها على بشريٍ أيًا كان، أحيانًا يؤدي بنا الخوف من أمر ما إلى السير بخطىً حثيثةٍ نحوه ونحن نظن أننا نفر منه..! لقد خافت علا على بنتيها من الوحدة والإنكسار بعدها وفرحت كثيرًا عندما تمت خطبة نور إلى شخص ظنت أنه هو الذي سيحمي ابنتها من الوحدة والإنكسار... وهاهو ذي نفسه الذي قد يتسبب في إنكسار قلب ابنتها ووئد فرحتها في مهدها.
قالت نور وهي لا تدري ماذا يحدث: - حاضر يا ماما... بس قولي لي فيه....
لكنها قطعت سؤالها وقد وقعت عينيها عليه قابعًا على الفراش بجوار أمها... إنها تعرفه جيدًا فقد شاركت في اختياره.. إنه لامع فضي ذو شكل مميز... اصطدم بعينيها عندما خفضتهما... كان رائعًا وهو يحيط بخنصره... نعم... إنه خاتم الزواج الفضي الخاص بمحمود...! شعرت بغصة في حلقها وجزء من عقلها يحاول تبرير سبب وجود خاتم محمود هاهنا بأنه قد يكون قد صار ضيقًا عليه أو حدث له شيء ما...! لكنها إذا ما جمعت الأحداث سويًا كقطع أحجية ... ستصل إلى حقيقة واحدة لا مجال لمناقشتها. مدت يدٍ مرتعشة تتناول الخاتم، فوضعت أمها يدها على فمها في جزع وقد رأتها قد لاحظته قبل أن تنهي لها التمهيد لما حدث... قالت علا مكملة كلامها: - أنت صليتي استخارة يا حبيبتي أكتر من مرة ... وربنا بيقدر الخير كله... أكيد مش خير ليكي أنك تتجوزيه... ربنا أكيد شايل لك عنده حد أحسن... فربنا لطيف بعباده يا نور... عايزاكي تركزي في عبادتك ودراستك وتحاولي تنسي الموضوع ده ...
هتفت تقى بحنق شديد: - إيه الحركة بنت التييييت دي..؟ هوا فاكر نفسه إيه يعني ولا عمره هايلاقي زي نور في حياته ... أتجنن ده واللا إيه ...!
ووسط دقات قلبها المتسارعة وغصة حلقها القاتلة... ضحكت... نعم... ضحكت نور وهزت كتفيها متظاهرة باللامبالاة وهي تقول: - عادي يا جماعة... بتحصل كتير ... واحد وحس قبل كتب كتابه بيومين أن مش دي الإنسانة اللي عايزها زوجة... عادي ما تكبروش الموضوع ...
تعلقت أعينهم الحزينة الحانقة بنور في دهشة وهي تخلع خاتم الزواج الخاص بها قائلة: - اتفضلي يا ماما.. أدي دبلته ...
خيم الصمت على الجميع وهم في دهشة من أفعالها، إلا أنها رممت أنكسار روحها أمامهم بكبرياء زائف ومرح مصطنع وهي تقول: - ياللا يا نهى عندنا امتحان بكرة ... عن إذنك يا ماما هاروح أذاكر ... عايزة حاجة مني..؟
قالت علا: - لا يا حبيبتي عايزة سلامتك ...
تبعتها نهى في دهشة وكذا سارت تقى خلفها تراقبها في شك ... وحدها كانت علا تعرف جيدًا أن نور ليست كأي فتاة عادية تُبدي حزنها أو دموعها أمام أي شخص ... لم تكن لتدع أي شيء يكسرها على الملأ ... لكنها كانت خائفة من كبتها لمشاعرها.
كانت تقى أيضًا تعرف أن اختها لا تحب أن يطلع أي شخص على انكساراتها وتقوض مظاهر المرح وسقوط قناع الكبرياء الزائف لذلك تظاهرت بالنوم وهي تدرك جيدًا أن نور تدفن وجهها في وسادتها تبثها ما يعتمل في صدرها وتسقيها بدموعٍ لا يطلع عليها أحد سوى تلك الوسادة، كانت تعرف أنها لم تنم فأنفاسها المتلاحقة تصل إليها عبر ظلام الغرفة وصمت الليل كسهام أحزان تصيب قلبها ... إنها حزينة من أجلها ... لا تدر لم أقدم محمود على حماقة كتلك قبل عقد الزواج بيومين...! لم يمض كثيرًا حتى شعرت تقى بنور تنهض من على فراشها إلى الخارج، وعندما تأخرت في العودة... نهضت تقى تسير على أطراف أصابعها تتطلع أمر نور لتراها على ضوء القمر الفضي المتسلل من النافذة قد وقفت في ظلمة الليل بين يدي الله تبثه حزنها وترفع يد الضراعة إليه علَّه يمن عليها بالرضا التام على كل أقداره.
لم تنم نور ليلتها حتى أذن الفجر ... أيقظت تقى التي كانت تتظاهر بالنوم بدورها لتصلي وساعدت أمها على الصلاة ثم بدأت في الاستعداد للذهاب إلى الجامعة.
***
26 يونيو 2005،
كلية الطب، جامعة القاهرة
على باب لجنة الاختبار ... كانت كل طالبتين تدخل ليتم اختبارهما اختبارًا شفهيًا.
- " يااااه ... كنت مرعوبة ... بس الحمد لله الدكتور بيسأل اسئلة سهلة .. اطمنوا يا بنات ... كل اللي دخلوا بيقولوا كدة..."
قالتها أروى لزميلاتها عقب خروجها من لجنة الاختبار، ولم يمر وقت طويل حتى جاء دور نور مع زميلة لها تُدعى نسمة. جلست بالمقعد المواجه للأستاذ الممتحن... شردت للحظات لم تسمع ماذا كان سؤال نسمة الذي اجابته سريعًا، فتوجه الأستاذ إلى نور الشاردة وألقى إليها سؤالها ... لم تسمعه ... فهزتها نسمة قائلة:
- نور ... كلمي الدكتور ...
رفعت نور عينين منهكتين إلى الدكتور قائلة بأدب: - آسفة يا دكتور ...
عدل الدكتور الستيني منظاره على أنفه قائلاً: - قولي يا ستي ... كم نسبة البلازما في الدم ...؟
قالت نور شاردة: - كتير ...
قال الدكتور: - يا بنتي قولي الإجابة كام...؟
شعرت نور وكأن غمامة من الأفكار تحيط بعقلها تمنعها من استحضار الإجابة الصحيحة التي تحفظها عن ظهر قلب ... كانت تحاور الدكتور بوعي غائب ... حيث أن وعيها كان يجري حوارًا آخر بداخلها..!
- 60...؟
- ستين إيه...؟
وبداخلها كانت تقول ستون يومًا كاملين هي عمر سعادة كاذبة ولجت بها رغمًا عنها... سعادة كانت تشي بها الأيام أُجهضت قبل موعدها... لم تطلب منه ورودًا أو كلامًا معسولاً طوال ستين يومًا... كانت ترجوه أن يظل بعيدًا حاولت أن تبدو كالحائط الصد أمام نظرات اشتياق يغلفها بها وهدايا عشاق ليست من حقها .. لكنها في الخفاء كان لتلك الأشياء تأثير الماء في الصخر... أخذت تنحت صلابتها الصخرية وتتسلل كماء يروي ظمئها للسعادة... فرفعت رايات بيضاء واستسلمت لخمر السعادة الوهمية يغزو قلبها الصغير..! ارتشف قلبها منه ناسيًا أنه ليس كخمر الجنة الحلال بل هو خمر الدنيا المغيب للعقل...
- يا بنتي احنا ماقدمناش اليوم كله لو سمحتي جاوبي على السؤال بسرعة... كم نسبة البلازما في الدم..؟
- دم...؟
وأكملت حوارها الداخلي... أي دمٌ بارد ذاك الذي يستبيح قلبها باستنزاف مشاعره ثم طعنه من الخلف..؟ أي دمٌ بارد ذاك الذي يئد فرحتها وفرحة أختها وفرحة أمها التي تراها جلية واضحة ربما لأول مرة في حياتها ... كانت فرحة علا بزواج نور أكبر حتى من فرحتها بمجموعها في الثانوية العامة أو قبولها في كلية طب...! نعم... حاولت علا أن تجد لابنتيها بديلاً عنها إذا رحلت... وسقطت علا ومعها نور سهوًا في فخاخ إسائة الظن بالرب الخالق والمُدبر عندما ظنتا أن لا أحد غير محمود يمكنهن الاعتماد عليه... وجاء الابتلاء شديدًا علَّه يمحص قلوبهن مما ألم بها من مرض التعلق ببشريٍ فان.
- أيوة في الدم يا بنتي هاتزهقيني لييه ... قولي بقى كاااام نسبة البلاازما....؟ هاااه...؟ كااام...؟
- 80...
- تمانين إيييييه...؟ مش عايز رقم عاييز تمييز...
ومرة أخرى تغلفها غمامة أفكارها وتنقلها لحوارٍ داخلي لا يسمعه سواها... تخبره أنهن ثمانون زهرة متعددة الأشكال والألوان في ثمان باقاتٍ مغلفاتٍ بالتل الأحمر والأبيض والبنفسجي والوردي... على مدى شهرين كان يحضر لها كل أسبوع باقة ورد مكونة من عشر وردات حتى أنها اعتادت الأمر وصارت تنتظر الباقة كل يوم جمعة بعد الصلاة ... تنتظرها في ترقب كتموين أسبوعي لشحنة السعادة الوهمية..!
- لو ماجوبتنيش دلوقتي حالاً يبقى تتفضلي تطلعي يا آنسة ... أنا مش فاضي لك ...
- 200..؟
تسائلت في نفسها أكنَّ مائتي نجمة أولئك النجمات اللائي قامت بعدهن في السماء الليلة الماضية أم أكثر..؟ كانت تعد النجمات مع الاستغفار وكأنهن قد انتظمن في عقدٍ براقٍ كمسبحةٍ سماويةٍ ...
- قلت لك مش عايز أرقام عايز تمييز ...
كانت نسمة تهمس بشيء ما التقتطه أذني نور لتردده بآلية في حوارها اللاواعي مع الدكتور المُمتحن.
- لتر...
صاح الدكتور: - ميتين لتر ليه يا آنسة..؟ هوا دم الإنسان كام لتر...؟ دم الإنسان كله على بعضه 5 لتر... هوا انا باقول لك دم الفيل واللا حاجة...؟ والله العظيم أنتوا ناس خسارة فيكوا الطب ده احنا لسة بنقول باسم الله الرحمن الرحيم وأنت ...
- أنا آسفة يا دكتور ... تشكل بلازما الدم حوالي 55% من إجمالي حجم الدم في جسم الإنسان.
أنتزعها صياح الدكتور من حوارها الداخلي وبدد الغيوم حول عقلها فحاولت قدر الإمكان شحذ إنتباهها والتركيز في الاختبارات فقط ... لا غير.
***




Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 18-12-17, 01:01 PM   #12

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

محتوى مخفي يجب عليك الرد لرؤية النص المخفي

Msamo likes this.

Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 18-12-17, 01:03 PM   #13

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

- 11 –
25 نوفمبر 2011،مطار القاهرة الدولي
الساعة 8:30 بتوقيت القاهرة
"سيداتي سادتي... أسعد الله صباحكم بكل خير ومرحبًا بكم في مطار القاهرة الدولي، تشير الساعة الآن إلى الثامة وثلاثون دقيقة، درجة الحرارة بالخارج هي عشرون درجة مئوية. لسلامتكم وراحتكم الرجاء الإبقاء على أحزمة المقاعد وعدم النهوض من أماكنكم حتى تتوقف الطائرة عن الحركة تمامًا."
بعد تحليق دام أحد عشر ساعة كاملة لامست إطارات الطائرة الضخمة أرض الوطن، كان ارتطام إطارات الطائرة بالأرض هو الهزة التي أيقظت كلٍ من نور وزين ليهبطا بدورهما من عالم الذكريات إلى عالم الواقع.
تمطى زين ثم التفت ينظر إلى النافذة بجوار نور وكأنه يتأكد من وصولهم فعلاًّ..! في طريقهما إلى النافذة وقعت عيناه على نور... كانت مغمضة العينين في قوة تعض على شفتها السفلى بألم وتبدو على وجنتيها آثار دموع جافة. تردد في سؤالها عما بها، وحينما حسم في ضيق أمره بأن يسألها إن كانت مريضة أوشيء من هذا القبيل هتف عيسى وهو يحل حزام مقعده ناهضًا: - خلاص و..وصلنا ياللا بقى ..
أمسكه زين من ذراعه الأيسر في الوقت الذي كانت نور بالفعل تمسك ذراع صغيرها الأيمن وفتحت عينيها بسرعة قائلة بحسم: - لسة يا عيسى... مش دلوقتي...
جلس الصغير مرة أخرى في ملل، بينما ارتبكت نور عندما وجدت زين مازال يتفحصها، فقال مبررًا:
- أنتِ كويسة..؟!
أعتدلت في جلستها وضبطت حجابها ثم عقدت حاجبيها وقالت بحزم وهي تشيح برأسها: - أيوة ...
أخذت الطائرة تتجول في مساراتها الشاسعة إلى أن تهدأ سرعتها وتصل بسلام إلى بوابة المطار، لكن أنَّى له الهدوء والسلام ولازالت الذكريات تعصف به، ففي ذلك اليوم عندما هبطت طائرة أخرى إلى مطار آخر في بلد آخر... ظن زين أنه مقبلٌ على أسعد أيام عمره وأنه سيقضي أجمل أسبوعين في أجمل مكان حلم به يومًا؛ لم يتخيل يومها أن الأسبوعان سيصبحا يومان... وأن السعادة المزعومة ستُضحي محض خيال..!
*******
28 يونيو 2005
مطار أثينا الدولي، اليونان
"اليونان...!!! اليونان يا زين...؟؟!!!"
تسائلت كارمن في إحباط وهي تلوي فمها، أجابها زين باسمًا وهو يضع حقائبهما على عربة الحقائب:
- إيه رأيك في المفاجأة دي بقى...؟
قالت بتنهيدة: - حلوة... على الأقل الواحد يعمل شوبيج في أثينا...
ضحك زين وأحاط كتفيها بذراعيه قائلاً: - لاااا... أحنا مش رايحين أثينا... لسة فيه مفاجأة تانية...
قالت بسخرية: - يا مفجآتك..!
قال زين ولم يلحظ السخرية في صوتها: - تعالي بس نروح القاعة التانية في المطار...
هتفت: - على كدة بقى المفاجأة التانية أن أحنا هانقضي الهاني مون في المطااار...؟؟
ضحك زين ثانية وهو يدفع عربة الحقائب ثم قال: - لا يا حبيبتي... أحنا رايحين نلحق الطيارة التانية.. طيران داخلي يوصلنا لجزيرة الأحلام ...
قضت كارمن ساعة ونصف طوال رحلتهما الأخرى محاولة تخمين في أي منتجع حجز زين بجزيرة ميكونوس التي أعلنت المضيفة توجههم إليها منذ قليل، إنها تحفظ اليونان جيدًا فكم زارتها في رحلات مع أصدقائها ونزلت في الكثير من المنتجعات الرائعة بها. أخيرًا حطت الطائرة على أرض الجزيرة اليونانية التي كانت تزدحم بمختلف السائحين في ذلك الوقت من العام. أستلم زين الحقائب ثم توجه لاستئجار سيارة نيسان صغيرة قادها في أرجاء الجزيرة متجهًا إلى أطرافها.
- أنت رايح فين يا زين...؟
تسائلت كارمن بقلق، فأجابها زين ضاحكًا: - هاخطفك...
أتخذ زين طريقًا ضيقًا محاطًا بالجبال والبحر من الجانبين سار به ساعة تقريبًا حتى وصل إلى مدخل متسع قليلًا دلف به وسط ممر أكثر اتساعًا إلى حدٍ ما ثم وصل إلى بوابة كبيرة يقف أمامها شخص ما. أوقف زين السيارة وترجل منها متجهًا إلى هاك الرجل تبادل معه عدة كلمات ثم فتح لهما البوابة ورحل. عاد زين إلى السيارة... سار بها إلى الداخل ثم أوقفها وهبط يغلق البوابة الضخمة عاد بعد ذلك إلى كارمن وفتح لها الباب قائلاً: - اتفضلي يا أميرتي...
رفعت رأسها الجميل إلى زين الواقف خارج باب مقعدها تسقط عليه أشعة الشمس فكأنها تزيده طولاً.... كان يرتدي تي شيرت بولو أبيض بسيط وبنطالاً من الجينز وحذاء رياضي وقد أخفى عينيه السوداوين بمنظارٍ شمسي ضخم. ترجلت كارمن من السيارة الصغيرة وهي تتأمل المكان في حذر، فأمسك زين بيدها قائلاً:
- هاااه... إيه رأيك بقى... الجمال ده كله لينا لوحدنا...
قالها وهو يشير بيده إلى المساحات الخضراء المحيطة بمسبح جميل وقد أحاطهما البحر من كل جانب ماعدا حيث أتيا، كل ذلك كان يتوسطه مبنى أنيق مكون من طابق واحد فقط من الصخر الأبيض. سار زين نحو شرفة المبنى حيث كانت تشتمل على منضدة وبعض الكراس؛ فتح زين النافذة الألوميتال الضخمة ودلف إلى الداخل. كانت النوافذ متناثرة بالفيلا الصغيرة من الداخل ليستمر مشهد البحر في احتضناهما من كل مكان. كان مكانًا بسيطًا ذو سقف مرتفع تتناثر به الأرائك ذات الأقمشة والتصاميم المريحة بشكل عفوي مما خلق جوًا دافئًا بينما يغطي سجادًا هنديًا ذو ألوان مبهجة الأرضية المصنوعة من الطين المشوي وتتطاير الستائر البيضاء في مشهد جعل زين يتنفس بسعادة قائلاً: - المكان فعلاً رائع...
قالها ثم استدار إلى كارمن مردفًا: - شبه الجزيرة الصغيرة دي يملكها رجل أعمال يوناني دماغه مختلفة شوية... بدل ما يبني عليها منتجع ويكسب ثروات... بنى عليها فيلل صغيرة جميلة هادية لأي حد عايز يتمتع بالجمال لوحده بعيد عن الصخب والدوشة... ليا صديق هنا في اليونان أجرلي الفيلا دي منه بسعر كويس طول فترة وجودنا...
قالت كارمن في توتر: - مافيش تي في..؟ ولا انترنت ...؟ إيه ده ...؟؟ مافيهاش أي نوادي أو مطاعم...؟؟
خلع زين نظارته الشمسية وأحاط كتفيها هامسًا: - مش قولت لك هاخطفك...؟
أبتعدت عنه كارمن قائلة بعصبية: - لا... لأ يا زين... مش هاينفع نقعد هنا...
تعجب زين من حدتها المفاجئة متسائلاً: - ليه يا حبيبتي...؟ فيه إيه..؟
زاد شعور كارمن بالاختناق وهي تقول: - مابحبش اقعد بعيد عن الناس كدة... مـ ... مابحبش الانعزال ... أرجوك...
قالتها وهي تجري إلى الخارج، فتبعها زين هاتفًا: - فيه إيه بس يا كارمن..؟ دي كلها ساعة ونوصل ميكونوس.. أنت صدقت أني هاخطفك بجد...؟
حاول أن يضحك مخففًا من توترها، إلا أنها أسرعت بالعودة إلى السيارة وهي تقول: - مش عاجباني يا زين.. بجد مقبوضة منها... أنت عايزني أقعد متضايقة ومقبوضة في شهر العسل كمان...؟
كان زين يتبعها في دهشة متزايدة، سألها: - للدرجة دي..؟
فتحت باب السيارة بعنف هاتفة: - أيوة يا زين للدرجة دي... مابحبش العزلة أبدًا... سميه مرض... عقدة... سميه اللي تسميه... أسمع.. أنا اعرف منتجع أكتر من رائع في ميكونوس نزلت فيه قبل كدة هايعجبك قوي... أركب وطلع الخريطة اللي معاك دور فيها على ميكونوس جراند اوتيل أند ريزورت ...
ركب زين السيارة وكله دهشة مما أصاب زوجته التي تحولت إلى شخص آخر وكأن شياطين العالم السفلي كلها تطاردها، فلم يجد سوى الإذعان لها وتنفيذ رغبتها محاولاً قدر جهده إسعادها وإخراجها من تلك الحالة. ***
29 يونيو 2005
ميكونوس جراند أوتيل أند ريزورت، اليونان
على ضوء القمر المتسلل عبر زجاج الشرفة التي تحتل الحائط يمين الفراش، تأملت ملامحه في صمت... لكم يحيرها ذلك الشخص بكل ما يحمل من متناقضات..! إنه في أغلب الأحيان حنون رقيق يعاملها برفق ولا يأخذ منها شيء عنوة، مذ زفافهما وهي تخبره أنها مريضة فيشفق عليها ويسألها كيف يساعدها دون أن يطالب بحقٍ أصيل له، في حين أنها تذكر كم من شخص عرفت فيما مضى كان يسرق منها أشياء قسرًا دون حق وكثيرًا دون حتى رغبة منها..! أما زين الغافي بهدوء بجوارها فكان يمسك كفيها برقة ويحاول جهده إسعادها دون الضغط عليها في أي شيء؛ إلا إنها عندما تحاول الخروج قليلاً عن سياج أفكاره الضيق الذي يكاد يخنقها... يتحول مائة وثمانون درجة... ترتسم في عينيه نظرة تخيفها وتكتسي نبرات صوته بصرامة يقشعر لها بدنها. تسائلت... ما تلك العقلية البالية التي أسقطت نفسها في براثنها...!! لقد خططت وقامت بدورها على أكمل وجه كي تجتذبه إليها... لماذا هو..؟ لماذا شعرت كارمن أنها ستجد الفردوس المفقود بين يدي زين العابدين سليم...؟!! ألأنه مختلف..؟ أم لأنها كانت قد جربت كل شيء بحثًا عن السعادة التائهة منها ولم تجدها فظنت أنها ستجدها في نظرة حب يشملها بها رجل كان يغض طرفه عنها في إصرار كلما رآها..!!! نهضت كارمن برشاقة من على الفراش متوجهة إلى الشرفة، أمسكت بسورها القصير وأرجعت رأسها إلى الوراء مغمضة عينيها ولازالت تلك الاسئلة تطوف بعقلها... لماذا هي تعيسة إلى أقصى حد...؟ إن لديها تقريبًا كل ما قد تحسدها عليه أي فتاة أخرى... الجمال الخلاب الذي يدير رؤوس كل الرجال وحتى النساء... المال... الشهرة والعائلة الراقية... فهي ابنة الدكتور عمر هجرس رجل الأعمال والأستاذ بكلية الزراعة والعضو البارز في الحزب الوطني الذي تصل دائرة معارفه إلى جمال مبارك شخصيًا... وأبنة الدكتورة سوزان إفرنجي الفنانة الشهيرة التي جمعت بين الطب والفن والتي دائمًا ما تثير معارضها ضجة في الأوساط الفنية ويعتبر الجاليري الخاص بها في الزمالك هو الأشهر من نوعه... لماذا ذلك الضيق وهاك الانقباض وهي.. – كارمن هجرس – لا ترتدي إلا الملابس المنتقاة بعناية من الماركات العالمية...؟! لماذا تشعر وكأنها تختنق وقد تمتعت دائمًا بحرية لا حد لها... تسافر وقتما تحب وتخرج حيثما أرادت وتصاحب من يعجبها، إلا أنها لم تجد سعادتها وراحتها بعد... جربت كل أنواع التدخين وسقطت فترة في دائرة تعاطي المخدرات والخمور فأرسلها أبيها إلى تلك المصحة في سويسرا حيث كادت تفقد عقلها أثناء علاجها من الإدمان... كانت تحدث جدران غرفتها... كانت تود لو تخرج وتنطلق وتلقى أي إنسان تتحدث معه إلا أن أباها نظرًا لمسئولياته الضخمة كان قد تركها بمفردها هناك ونبَّه على الأطباء ألا يدعوها تخرج إلا بعد تمام العلاج... لم ترى أمها طوال عام إلا مرتين فهي بدورها مشغولة إلى أقصى حد...! وخرجت من المصحة.. حقًا كانت قد تم علاجها من الإدمان إلا أنها صارت تخاف... تخاف من الأماكن المغلقة والمنعزلة... تخاف من أن تبقى وحيدة... لذلك كانت ترافق أكبر عدد ممكن من الأصدقاء شبابًا وفتايات... تدري جيدًا أن أغلبهم يتواجد معها رياءًا وشهرة، لكنها قررت أن تستغل جمالها وشهرتها ومالها كي لا تبقى وحيدة أبدًا.. لكنهم كانوا يرحلون رغم كل شيء وكأن الوحدة هي قدرها المحتوم..!
فتحت كارمن عينيها ونظرت إلى أسفل إلى البحر الذي تنعكس عليه أضواء القمر... إلى طاولات المنتجع المتناثرة هنا وهناك يحتل أغلبها بعض النزلاء حيث يتمتعون بهاك الحفل الذي يقيمه المنتجع حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي...! إنحنت بقامتها الفارعة إلى أسفل... تأملت البحر بمياهه المظلمة اللهم إلا من بعض خيوط من ضوء القمر الفضي... "هايحصل إيه لو نطيت في البحر من هنا...!" تسائلت وهي تميل إلى الخارج أكثر، إلا أنها اعتدلت فجأة وتراجعت في ذعر رافعة يديها أمامها وهي تنظر إلى سور الشرفة القصير وكأنه وحش سينقض عليها..! "هوا أنا جبت معايا دوا الاكتئاب واللا لأ...؟؟" تسائلت في نفسها، إلا أنها تدري جيدًا أنها لم تحضر أقراص الاكتئاب معها عمدًا... فقد ظنت أن وجودها بجوار زين سيغنيها عنهم...! "غلط ... غلط.." تمتمت لنفسها... نعم... وجودها بجواره لم يزدها إلا اختناقًا بمبادئ بالية، فرغم حنوه عليها إلا أن أفكاره تراها كارمن ضيقة على روحها الوثابة المنطلقة. سمعت أنغام الموسيقى تأتي من أسفل، فابتسمت في انتصار... نعم... ستنزل إلى ذاك الحفل وترقص حتى الصباح... سترتدي فستانها الرائع ماركة جوتشي وترتدي حذائها ذو الكعب العالي ماركة شانيل وتضع زخات من عطر كوكو مدموازيل... نعم... تلك هي السعادة... أن ترتدي ثيابها الرائعة وتضع عطرها الباهظ ثم تهبط تتهادى بين الساهرين بذاك الحفل فتدير رؤوسهم جميعًا.
تسللت كارمن إلى الغرفة بهدوء شديد وأخرجت ثوبها من خزانة الثياب وقبل أن تتسلل إلى دورة المياه الفسيحة تناولت زجاجة ما من الميني بار بالغرفة ثم دلفت إليها. أرتدت ثوبها الرائع القصير ذي اللون السماوي الذي يحمل لون عينيها والذي يغطي أحد كتفيها بحمالة عريضة بينما يترك الكتف الآخر يشع جمالاً دون قيد. نظرت إلى الزجاجة التي أحضرتها من الميني بار ثم ابتسمت ساخرة متذكرة زين وهو يطالب خدمة الغرف بإخلاء غرفته من كل ما بها من خمور ووعدوه بفعل ذلك لكن يبدو أنهم قد نسوا تلك الصغيرة. فتحت كارمن قنينة من التيكيلا ثم أخذت ترتشف منها بينما تكمل ارتداء ذلك الحذاء الأسود الأنيق الذي يتدلى منه علامة شانيل حرف الـS باللون الذهبي ثم بدأت في وضع مساحيق التجميل عندما...
"كارمن...؟؟؟"
قالها مضيقًا عينيه عندما فتح الباب ووجدها تقف تتغنى مع نغمات الموسيقى الدائرة بأسفل حيث يصل إليهم شيء منها عبر الشرفة التي لم تحكم كارمن إغلاقها. ألقت كارمن الزجاجة التي بيدها بسرعة في سلة المهملات بطريقة خاطفة ثم أزاحتها أسفل الحوض بقدمها وهي تقول: - أنا صحيتك...؟؟ سوري بيبي...
قال وهو يتأمل ثوبها القصير الذي يكشف عن أحد كتفيها كاملاً حيث سقط عليه شعرها يعانقه في فتنة:
- بتعملي إيه...؟
قالت بتوتر وقد بدأت الخمر تتلاعب برأسها: - بـ... باعمل لك مفاجأة....
عاد ليسأل مرة أخرى: - مفاجأة..؟؟؟!! بس أنا كنت نايم...!
ضحكت بميوعة وهي تتمايل قائلة: - يعني هوا مين اللي فتح البلكون عشان يصحيك...؟؟ بصراحة حسيت أني عايزة أعمل حاجة مجنونة...
بدأت الابتسامة ترتسم على شفتيه وهو يقول: - يعني بقينا كويسين مش تعبانين لأ وعايزين نتجنن كمان...
ضحكت مرة أخرى بصوتٍ عالٍ وسارت نحوه بخطوات غير متزنة وهي تقول: - هوا حرام واللا عيب أما أتجنن معاك...؟
مرر أصابعه السمراء الطويلة في شعرها الذهبي وغاص بعينيها الزرقاوين وهو يقول: - لا حرام ولا عيب.. بالعكس ده فيه أجر كمان... وبعدين أنا مستني الجنان ده من بدري ...
**********
ثم .... لا شيء...!!!
ظنها نائمة، فنهض زين من على الفراش متوجهًا إلى الحمام... وقف أسفل المياه الدافئة محاولاً جمع شتات نفسه وما يدور بذهنه من أفكار تكاد تعصف به. أنهى حمامه وأرتدى ملابسه على عجالة... تكاد الشمس أن تشرق... أدى صلاة الفجر ثم خرج من الغرفة.
إلا أنها لم تكن نائمة... بمجرد خروجه نهضت بآلية... جلست على الفراش محتضنة ساقيها وقد بدأت الدموع تتساقط من عينيها... تسائلت في نفسها... لماذا لا تشعر بشيء...؟ لقد قررت أن تخوض آخر تجربة لها مع زين علَّها تجد سعادتها الضائعة... لماذا حتى لذة الوجود بين يدي رجل مثله سُلبت منها...! تحولت دموعها الصامتة إلى عويل حاد وأخذت تصرخ بكلمات غير مفهومة... فكلما لاحقت السعادة وجدت قلبها أكثر إنقباضًا عن ذي قبل بل لم تعد تشعر بقلبها أصلاً...!! تأملت أنعكاس صورتها بالمرآه وقد تجعدت ملامح وجهها عابسة وسال كحل عينيها الكثيف مشكلاً وديانًا سوداء على وجنتيها الورديتين... تسائلت... أي شيطان يطاردها مانعًا إياها من الشعور بالسعادة في أي شيء على الإطلاق...!! لماذا تشعر دومًا أن ثمة من يضع يده حول عنقها يخنقها في بطئ..! أمسكت بزجاجة عطر كوكو مدموزيل الأثير لديها وقذفت به المرآة بكل ما بها من ضيق لتنشرخ المرآة وتتهشم في عدة مواضع مما أساء إنعكاس صورتها أكثر من ذي قبل، فهرعت مبتعدة عنها ... توجهت نحو خزانة الملابس وقد عقدت العزم على أن تضرب بكل شيء يخنقها.. عرض الحائط... وليذهب كل شيء إلى الجحيم.
كان قد ابتعد عن المنتجع إلى حدٍ ما، منطلقًا بالسيارة التي استأجرها من مطار ميكونوس من طراز Nissan Micra c+c وقد فتح سقفها تمامًا سامحًا لهواء الصباح البكر النقي بالارتطام بوجهه علَّه يخرج من رأسه تلك الافكار الحمقاء. أوقف زين السيارة عند بعض المرتفعات الصخرية التي تتكسر الأمواج عند أقدامها، ثم حل حزام مقعده ونزل متوجهًا إلى تلك الصخور... تسلقها ثم جلس يرقب شروق الشمس غارقًا في أفكاره. في ذلك الحين سدد إليه عقله طعنة بسؤال مسنون كان يخبئه طوال الوقت وقد ظن أنه آن أوانه..
"لماذ...؟ لماذا تزوجتها...؟ لماذا بتلك السرعة...؟؟!"
تنهد زين متذكرًا كارمن التي كانت بين يديه منذ قليل كجثة هامدة... لا تُبدي شيئًا على الإطلاق ولا حتى وجعًا...! تشاهده بعينين فارغتين وكأنها تشاهد فيلمًا مكررًا للمرة المليون...!
"أستغفر الله العظيم ..."
تمتم بها زين متذكرًا كلمات أمه "بالهداوة عالبنية يا ولدي... بعدها صغيرة وطايشة... خدها بالحكمة يا زين.." كذا أوصته أمه وقد حاول جاهدًا تنفيذ وصيتها.
"لماذا يا زين....؟؟؟"
عاد عقله يطرح عليه السؤال في إلحاح... تأمل زين الشمس التي بدأت تظهر في الأفق على استحياء متذكرًا كارمن... نعم... هي جميلة كأشعة الشمس الذهبية... كل ما فيها رائع لكن هاك الجمال لم يكن ليجذبه... هو لا يعشق إلا جمالاً من نوع آخر يرتسم في الأعين الخجلى المنخفضة والروح المرفرفة والهشاشة التي تبحث عمن يكملها ويحميها ليكون سندها وداعمها. وهذا ما رآه – أو ظن أنه رآه – في كارمن ذلك اليوم بمكتب أبيها وطوال أيام الخطبة... عندما ابتعدت عن ملابسها المكشوفة عندما بدأت تتعامل برقة عندما كانت تنظر إليه مستنجدة به لم يملك إلا أن يلبي ندائها...! عندما أخبرته في فترة الخطبة أنها تحتاج إليه لتخرج من حالة يأس وكآبة... تحتاج إلى من يدعمها وأنها على استعداد أن تذهب معه إلى أي مكان وأن تنفذ كل ما يطلبه منها فقط لتجد سعادتها.
"مسكينٌ أنت... أنصعت وراء الشفقة لتبني بيتًا سيكون كبيت كالعنكبوت أو أكثر ضعفًا... أنسيت يا عزيزي أن الشفقة لا تبني بيوتًا... بل تهدمها إذا كانت وحدها الأساس...!"
هاتفه عقله في استفزاز... فضرب زين الصخر بقبضته في غضب، لا... هو لم ينصع وراء الشفقة... لقد كانت كارمن تائبة من مستنقع الحرية الزائدة والبعد عن الحق... كانت قد خرجت لتوها من هاك المستنقع العفن فكان من الطبيعي أن يعلق بها شيء من أوساخه وبقاياه، لذا مد لها يده ينفض عنها تلك البقايا الضالة... لهذا السبب أيضًا لن يتوان عن دعمها والوقوف بجانبها كما وعدها حتى تعود لها الروح... روحها التي خلقها لها ربها قبل أن تلوثها بانغماسها في هاك المستنقع... سيحاول أن يجعل السعادة تتراقص في عينيها الزرقاوين ويطمس منهما تلك النظرة الفارغة... سيجاهد كي تستعيد روحها مرة أخرى... حينها ستولد من جديد... ستصير ابنته وزوجته وبإذن الله أم ابنائه.
"لكن الأمر ليس بالسهولة التي تظنها يا عزيزي... فموقف الليلة الفائتة ستراه مئات المرات مع غيره من المواقف الصعبة... هل ستصمد...؟؟!"
نهض زين في عزم وقد وعد عقله أن يصمد... سيضع أساس بيته من جديد... سيعيد بنائها ليستقيم البناء. كارمن ليست بذلك السوء... سيجد بداخلها نقطة الضوء التي سينطلق منها.
ركب زين سيارته مرة أخرى متوجهًا في حماس إلى زوجته... إلى كارمن التي كانت في ذلك الوقت في مكان آخر تمامًا.
كانت المياه رغم برودتها إلى حدٍ ما في ساعات الصباح الأولى تلك إلا أن السباحة بها كانت رائعة عملت على تعديل مزاجها وتهدئتها إلى حدٍ ما. خرجت كارمن من البحر شاعرة بانتعاش كبير وسارت حيث وضعت حقيبتها أعلى المرتفع الصخري الذي يحد الشاطئ شرقًا حيث كانت قد نزلت البحر عند أقصى حدود المنتجع الشرقية.
"أنا بجد مش مصدق عيني.... كارمن هجرس...؟؟؟"
سمعت ذلك الصوت العميق فارتجف جسدها والتفتت لتنعكس الشمس في عينيها وهي تنظر إليه بقامته الفارعة ومنكبيه العريضين وصدره العريض القوي. ضيقت عينيها وهي تتمتم: - حساام...؟؟!!!
كان يرتدي ملابس السباحة ويبدو أنه خرج لتوه من البحر مثلها، تقدم نحوها وهو يشملها بعينين ضيقتين كعيني صقر قائلاً: - أنا أما شوفتك من بعيد ماصدقتش أنك كارمن... إيه اللي أنت عاملاه في نفسك ده..!
قالها مشيرًا إلى ملابس السباحة التي كانت ترتديها، فنظرت بدورها إليها... كانت ترتدي ملابس سباحة مكونة من بنطال وردي يمتد إلى ما بعد الركبة بقليل وبلوزة ذات أكمام قصيرة يصل طولها إلى نصف فخذها -تقريبًا- من اللونين الوردي والاسود بينما تضم شعرها أسفل غطاء الرأس الخاص بالسباحة. أردف حسام مازحًا: - أمال فين البكيني الأحمر...؟
رفعت يديها وقد همت أن تشرح له، إلا أنه فهم بسرعة، فقال ناظرًا إلى خاتم الزواج بخنصرها الأيسر:
- اااااه... فهمت..!
سألته: - أنت بتعمل إيه هنا...؟ أجازة...؟
أجابها: - إجازة قصيرة جدًا لمدة يومين هاكمل شغل بعدها.
عادت تسأله: - أنت بتشتغل هنا..؟ بتشتغل إيه...؟
ابتسم قائلاً في مرح: - قدامك الكابتن طيار حسام صقر...
ابتسمت كارمن بدورها قائلة: - والله وبقيت طيار يا حسام زي ما كنت عايز...
أخبرها: - أونكل صبري ظبطني في مصر للطيران ... وأديني اهوه مفحوت شغل...
أونكل صبري وطنط شاهيناز...! ابتسمت حالمة وهي تذكر ذلك اليوم حيث بدأ كل شيء... حفل يوم ميلاد صديقتها باكينام في فيلتها التي لا تبعد كثيرًا عن فيلا هجرس. باكينام صديقتها في جميع مراحلها بالمدرسة الأمريكية في القاهرة C.A.C كانتا حينها في الصف الثاني عشر آخر صف لهما بالمدرسة، وكان حفل ميلاد باكينام ذاك مختلفًا حيث ألتقت كارمن عندها حسام... حسام ابن خالة باكينام الذي عاد لتوه مع اسرته من الخليج، كان ملتحقًا بكلية العلوم لكنه كان يهدف إلى شيء مختلف تمامًا. كان حسام هو أول كل شيء... اقترب منها وقتها سريعًا شعرت أنها تذوب به عشقًا... كانت تلتقيه مع باكينام ثم صارا يلتقيا بمفردهما.
- "أول ما نزلت اليونان... جريت على المنتجع ده..."
قالها متأملاً عينيها الزرقاوين، فقالت بسرعة دون تفكير: - وأنا أول ما عرفت إني جاية هنا أصريت على المنتجع ده...
ابسم ابتسامة صغيرة وهو يمسك بيدها. لم تبتعد عنه أو تحاول سحبها... إنه حسام..!! لقد أنضم سريعًا إلى زمرة أصدقائها الذين كانوا يسافرون كثيرًا داخل وخارج البلاد. رتبت مجموعة أصدقائها رحلة إلى اليونان.. إلى منتجع ميكونوس جراند أوتيل أند ريزورت وكان حسام معهم بالطبع... لكم سارت على هاك الشاطيء وكفها يغفو بين كفه أو كتفيها يستظلان بذراعه القوية أو ذلك اليوم عندما طبع قبلة على شفتيها.
- ليه يا حسام... ليه مشيت وسيبتني...؟
سألته بصوت مبحوح، فاقترب منها مرة أخرى هامسًا: - مش انت اللي طلبتي مني كدة..!
قالت بصوت يخنقه البكاء: - ما انت اللي طلبت مني حاجة ماقدرش عليها...
عقد حاجبيه قائلاً: - طلبت منك نتجوز يا كارمن ..!
قالت بألم: - عرفي... طلبت نتجوز عرفي...
قال: - ما انت عارفة أنا كانت ظروفي إيه... ماكنتش في مستوى خالتي طنط شاهيناز وأونكل صبري... والفلوس اللي رجعنا بيها من الإمارات دفعتها كلها في معهد الطيران المدني...
قالت وقد بدأت بالفعل تبكي: - قلت لك مش عايزة منك فلوس.. قلت لك أتقدم لپاپي وكان هايوافق...
قال بهدوء: - على أساس إني هاسيب باباكي يصرف عليا... مش راجل أنا..!!! عامة أنا سافرت أدرس وقلت لك أما أرجع نبقى نفكر... ورجعت ومالقيتكيش... كنتي سافرتي مع الدكتور يحيى نجم أمريكا... مش هوا ده اللي اتجوزتيه ...!
عضت كارمن شفتيها في اختناق متذكرة يحيى... يحيى الذي ظنته حب العمر كله بعد أن خيرها حسام بين الزواج العرفي أو تركها وعندما اختارت البكاء صامتة تركها دون إبطاء..! ثم جاء ذلك اليوم عندما قررت أمها الذهاب إلى الدكتور شريف نجم لعلاج أسنانها وفوجئت بابنه الشاب يحيى قد أخذ مكانه لسفر الدكتور شريف إلى أمريكا حيث تقيم والدة يحيى الأمريكية. يحيى الطبيب الشاب الوسيم الذي تعلق نظره بكارمن في إعجاب شديد بينما ابتسمت كارمن وقتها في نفسها بثقة... لقد أعجبت به هي الأخرى ولم يكن هناك من داعٍ كي تحتار هل هو منجذب إليها أم لا... إنها قطعة فنية نادرة وحقٌ على من يراها أن ينجذب إليها في شدة. كان طبيبًا من عائلة معروفة لن تواجه معه أي صعوبات لاقتها مع حسام... لقد بدأت عامها الجامعي الثاني حلمت بخطبة بعد الاختبارات في فيلتهم الجميلة ثم زيجة في.... إلا أن سوزان قاطعت أفكارها معلنة الرحيل من العيادة. وبالفعل... تعددت مرات خروجها مع يحيى وأصطحابها له في رحلاتها داخل مصر أخبرها أنه يعشق انطلاقها وجرئتها وخفة دمها... أسمعها من الكلام الجميل ما جعلها تكاد أن تطير، لكن... لم تكد تمر بضعة أشهر إلا وكان أبيه يتصل به مطالبًا إياه بسرعة المجيء إلى أمريكا فأمه تحتضر. أصرت كارمن على مرافقته إلى أمريكا متعللة أنها بدورها تريد رؤية اختها وجديها هناك، وهكذا سافرت بصحبته... ملتصقة به وكأنها طوق نجاتها. و... لم يمر يومان على وصولهما إلا وفاضت روح أمه ثم اختفى يحيى... سألت عنه أباه أخبرها أنه عاد إلى مصر... عادت بسرعة فلم تجد له أثر... حتى... حتى رأته قدرًا في النادي بعدها بعدة أشهر... همت أن تجري نحوه إلا أنها وجدت امرأة تتأبط ذراعه في سعادة، ومع ذلك أكملت كارمن طريقها إليه ليعرفها على استحياء بـ "شيري" زوجته.
تذكرت كارمن كيف انحدرت بعد ذلك إلى التدخين وتنقلت من شخص لآخر باحثة عن حب عمرها حتى وقعت في باسم طالب الفرقة الرابعة الذي أحبها بطريقةٍ أخرى... كان يُحضر كل أنواع المخدرات والخمور ويتقاسماها معًا... أسقطها في هوةٍ سحيقة ودائرة مفرغة من الإدمان الذي كاد يودي بحياتها لولا تدخل أباها. وعادت من سويسرا بعد عام من العلاج... استأنفت دراستها و... قابلت زين.
- أنا عمري ما نسيتك يا رونيتا...
همس حسام وقد لاحظ شرودها، فرفعت عينيها نحوه وهي تقول في محاولة خرقاء منها أن تبدو مرحة:
- أكيد طبعًا... أنا ماتنسيش... وبعدين إيه ده أنت لسة فاكر اسم الدلع اللي كنت بتناديني بيه..!
في تلك الأثناء كان زين قد وصل إلى الشاليه الخاص بهما بالمنتجع... نادى على كارمن وبحث عنها إلا أنه لم يجدها، وعندما رأى المرآه المكسورة انقبض قلبه قلقًا، فدلف إلى الشرفة محاولاً مسح المكان بعينيه علَّه يجدها حتى... رآها... تلك الحقيبة ماركة نايك ذات اللونين الوردي والفضي اللامع تحت أشعة الشمس.
- "إيه الشنطة دي...؟ دي بتنور في الضلمة واللا إيه ..!"
- "أنت مش فاهم حاجة... دي أحدث موديل من نايك لسة مانزلش منها كتير... ناني بعتتهالي من أمريكا... أصلها عارفة ذوقي"
تذكر ذلك الحوار بينهما في الموفنبيك عندما كانت كارمن تتمم على أشيائها قبل السفر ورأى زين حينها حقيبتها الرياضية تلك.... الملقاة أمامه الآن بإهمال على مرتفعٍ صخري. شعر بخوف يدب في أوصاله وهو يعاتب نفسه أن تركها... كيف يتركها هكذا...! إذا حدث لها مكروه لن يغفر لنفسه... سيكون هو السبب. هبط زين بسرعة إلى الشاطئ يجري حيث حقيبتها والقلق يتزايد بداخله.
أما كارمن فقد كانت حينها تخبر حسام: - حسام... أنا دلوقتي متجوزة... يا ريت نبقى أصحاب وننسى اللي فات...
ابتسم ابتسامته الماكرة وهو يقول: - أكيد يا رونيتا... أصحاب بس...
أخرجت كارمن هاتفها الجوال من حقيبتها وهي تقول: - أديني رقمك وأنا هابعت لك رقمي المصري في رسالة... ابقى اتصل.. ماشي...
أخذت رقمه ثم أرسلت الرسالة واستدارت إليه قائلة: - عن إذنك بقى أما الحق ارجع الشاليه...
طبع قبلة على خدها مودعًا إياها وهو يقول: - سلام يا أحلى رونيتا...
قالها ثم استدار راحلاً، في نفس اللحظة التي وصل فيها زين هاتفًا: - كارمن... أنت كويسـ..ـة...؟
بدأ قلقه يخبو ليحل محله غضب عارم، فيهتف: - إيه اللي انت لابساه ده يا هانم...!
قالت ببرود: - إيه ...؟ أهوه بونيه ومايوه طويل... وبعدين أنا جاية مكان ماحدش....
قاطعها بغضب: - مايوه طويل إيه وبتاع إيه...؟ وماحدش إيه...؟؟ البلاج ملك للكل هنا ممكن تلاقي حد معدي غصب عنك... ألبسي هدومك بسرعة يا كارمن...
تناولت ثوبها الطويل من على مقعد البحر وارتدته ثم قامت بفك اسر شعرها ليتطاير في الهواء ويزداد زين غيظًا وهو يهتف: - ألبسي الحجاب بسرعة ماينفعش اللي بتعمليه ده...
ألقت كارمن بوشاحها على رأسها وهي تهتف في غيظ: - إيه الخنقة دي..! بجد أنت كدة أوفر يا زين...
قال زين محاولاً تهدئة نفسه: - منا كنت جايب فيلا لينا لوحدنا وبلاج لينا لوحدنا ماعجبكيش....!
قالت بغضب: - بتعايرني بعقدي النفسية كمان... أنا ما بحبش الأماكن المنعزلة... عندي فوبيا يا أخي...
وبعدين الرحلة كدة بقت رخمة جدًا... يا ريت نرجع مصر...
نظر إليها في دهشة شديدة ثم قال: - أنا آسف يا كارمن لو أتعصبت عليكي بس يا حبيبتي أنا....
قاطعته في صرامة وهي ترحل متوجهة نحو الشاليه: - قلت لك عايزة انزل مصر... مامي وپاپي وحشوني قوي...
تمتم زين: - حاضر يا كارمن... هاغير الحجز...
وسار خلفها محاولاً التحمل لأقصى حد وفاءًا بعهده لها ولعقله... سيصبر على غرابة أطوارها علَّ روحها ترجع لها وينتشر الضوء بداخل قلبها.
**********
تقاطرت المياه من وجهها الذي تأملت انعكاسه في تلك المرآة خلف المغسلة... وجهها الخمري الشاحب الذي ترتسم به هالات سوداء حول عينيها العسليتين... لكم يُخَلِّف الألم من آثار على الروح والجسد عند مروره. ذلك الوجه التعب هو نتاج سنوات من المعاناة والظلم والقهر... هو أنعكاس آلام روحها وجسدها و... كرامتها.
- "خـ...خلاص يا ماما ياللا بينا ..."
قالها عيسى وهو يفتح أحد الأبواب خلفها خارجًا متوجهًا إلى مغسلة أخرى بجوارها، يفتح الصنبور ويغسل يداه. نظرت إليه في حبٍ كعادتها... رغم سعادتها بوجوده في حياتها... إلا أن خوفها عليه أعظم.. إنها تخاف عليه من تلك الحياة التي لا تدري لها معالم ولا يمكن التكهن بأحداثها. أمسكت يده وخرجا من دورة المياه بالمطار متوجهين إلى منطقة استلام الأمتعة حيث ينتظرهما زين. وصلت فوجدته واقفًا خلف عربة وضع عليها حقائبها وحين اقتربت منه أشار إلى الحقائب قائلاً: - شوفي كدة لو ناقص حاجة..
عبرت بعينيها على الحقائب ثم قالت: - لا كدة تمام...
أومأ برأسه دونما كلمة أخرى ثم وضع على عينيه منظارًا شمسيًا ضخمًا أخفى عينيه السوداوين وحاجبيه المنعقدين وسار دافعًا العربة أمامه، فتبعاه في صمت حتى خرج من المطار ليهرع إليه رجل ما هاتفًا:
- حمدًا لله على السلامة يا باشمهندس...
أجابه: - الله يسلمك يا عم محمد... جبت لي العربية..؟
فقال عم محمد: - عربيتك موجودة يا باشمهندس وتحت أمرك ولو تحبني أوصلك كمان لحد النجع عنيا ليك..
ربت زين على كتفه قائلاً: - متشكر يا عم محمد... ماتتعبش نفسك أنت... أنا هاسافر بيها...
كان عم محمد قد أخذ منه عربة الحقائب وشرع في دفعها حتى وصل إلى سيارة جيب شيروكي سوداء طراز عام 2003، وضع عم محمد الحقائب بالسيارة ثم سلم المفاتيح لزين قائلاً:
-خدمة تانية يا باشمهندس..؟
أخرج زين بعض المال ووضعه في جيب قميص عم محمد قائلاً:
-تشكر يا راجل يا طيب...
قال عم محمد في حرج: - ليه كدة بس يا باشمهندس انت خيرك مغرقنا... ده أحنا نخدمك بعنينا...
ربت زين على كتفه مودعًا إياه ثم توجه إلى نور قائلاً: -اتفضلوا ..
كانت أولى خطوات نور على أرض الوطن مصحوبة برهبة وخوف... أجتاحتها نسمة من الهواء الجميل فشعرت وكأن بلدها تحتضنها وأدَّعى عقلها أن ثمة من فقدها هاهنا... حتى لو كانت بضع نسمات من الهواء..! ركبت نور بالمقعد الخلفي بينما أخذ عيسى يطلب من أمه هامسًا بإلحاح أن يجلس بجوار زين بالمقعد الأمامي ونور تحاول إقناعه أن يظل بجوارها، حتى استقر زين خلف عجلة القيادة ورفع رأسه إليهما في مرآة السيارة ثم قال بهدوء وهو ينظر إليها من خلف منظاره الشمسي: - خليه يجي...
تصايح عيسى فرحًا وقفز بسعادة إلى المقعد الأمامي فأحاطه زين بالحزام في صمت ثم... أنطلق بالسيارة. شعرت نور بشيء من الراحة عندما أبدى زين شيئًا ما نحو عيسى، فهي لم تستطع أن تفهم أبدًا سر تلك المعاملة الجافة التي يعاملها بها زين..! إنها لم تنتظر قط معاملة متحررة من قبله أو من قبل أي رجل أجنبي عنها، لكن على الأقل إحترام وتقدير لزوجة أخيه الراحل وبعض الحنو على ابنه اليتيم..!
ألقت نور بنظرها من النافذة التي بجوارها وهي تتسائل عن ذلك الرجل الغامض الذي تمتليء عينيه السوداوين بمزيج عجيب من الحزن والغضب مع نظرة غير مفهومة يلقيها عليها كلما تحدث معها أو إلتقت أعينهما، ولولا بعض من حسن ظن بقى لديها لقالت أنه يشملها بنظرات إزدراء منذ أن كان على عتبة بيتها في نيويورك..!! كان يبدو إليها كصندوقٍ أسود بارد، لم ترتح كثيرًا في التواجد معه رغم سعادتها عندما رأته في نيويورك يفصح عن أنه (زين العابدين سليم رحيل العربي) الأخ الأكبر لزوجها الراحل..! تعلق قلبها بأمل أن هناك من جاء أخيرًا لينتشلها من دوامة التخبط والحيرة التي سقطت بها شهور عدة عقب وفاة زكريا، إلا أن جفاف زين وبروده ونظراته الغامضة إليها جعلها تتمنى لو تنتهي تلك الرحلة سريعًا كي تتخلص من رفقته التي ما زادتها إلا حيرةً... وغضبًا.
وهاهي ذي الجيب السوداء تشق الطرقات وتنطلق غربًا نحو واحاتٍ لم تزرها في حياتها سوى مرة واحدة إلا أن بها كانت بداية قصتها وقصة أبيها وأختها وزوجها حتى أمها أصابها من تلك الواحة ما أصابها...! تسائلت في نفسها... أستسقط لعنة تلك الواحات على ابنها أيضًا...؟؟!! شعرت بغصة في حلقها وعاودها خوفها على صغيرها من نهاية تلك الرحلة... تلك الرحلة ذاتها التي خاضتها يومًا ما منذ ست سنوات لكن في سيارة عمها المرسيدس العتيقة ذهبية اللون... بصحبة تقى... كانت وقتها تحمل فقط حزنًا و... ترقبًا.
********
نهاية الجزء الأول

Msamo likes this.

Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 18-12-17, 01:06 PM   #14

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الجزء الثاني
رحيــــــل الأوجــــــــاع
إن صدى ضحكاتنا يختفي بعد لحظات، لكن دماء جراحنا دائما ما تترك آثارها على خارطة الحياة و تسفر لنا عن وجهها بين ذكرى و أخرى و تباغتنا بين نسيان و آخر، فقط لتخبرنا أن رصيدنا من الألم لم ينتهي بعد.
آلاء محمود

اليهودي التائه
- 1 –
"مركز الواحات البحرية ومدينة الباويطي"
للمرة الثانية تواجهها تلك اللافتة المكتوبة بالأزرق على هاك البوابة ذات اللونين الأصفر والأبيض المزخرفة برسوم بدوية زرقاء. تدلف الشيروكي السوداء إلى الواحات ويختلج قلب نور في صدرها وكأنها عادت بالزمن ست سنوات إلى الوراء... إلى ذلك اليوم الحزين الذي رحلت فيه أمها وجاء عمها سليم بسيارته المرسيدس الذهبية التي احتلت حارتهم الصغيرة. عندما حاولت نور ذات التسع عشر ربيعًا وتقى التي كانت قد أتمت وقتها سبعة عشر عامًا لملمة كل ما استطاعتا حمله من أشياء هامة لكنهما لم تتمكنا من لملمة كل الذكريات التي يعبق البيت بها... كيف تلملما حياتهما في حقيبة..؟ كيف تجمعا أيام صباهما التي شهدت عليها جدران هذا المنزل مع أغلى مخلوقة عليهما في الوجود... أمهما...؟؟!!! لكنهما أدركتا أن ليس أمامهما حلاً آخر وأنه لابد وأن ينصاعا لرغبة أمهما الأخيرة التي نفذتها دون حتى الرجوع إليهما.
لاح في الأفق هاك المنزل الفسيح المكون من طابق واحد غير الأرضي والمحاط بزروع وأشجار ونخيلٍ باسقات فسرت في جسد نور قشعريرة باردة وذكرت أول مرة خطت فيها بهذا البيت وكأنها الأمس.
***
في ذلك اليوم البعيد من عام 2005 سارت نور متشبثة بأختها خلف عمهما الذي ترجل من السيارة المرسيدس صاعدًا تلك الدرجات المؤدية إلى منزلهم الكبير. فتح الشيخ سليم الباب وناداهما قائلاً:
- تعالوا يا بنات.. بيتكم ومطرحكم...
دلفتا إلى تلك الردهة الفسيحة التي تتناثر بها الأرائك والمقاعد الأرابيسك وطاولة كبيرة للطعام ويتوسطها سلم. على يمين الباب الكبير للبيت كانت تجلس امرأة مسنة ترتدي جلبابًا اسودًا وعلى رأسها شالاً من نفس اللون... على ذقنها وشمٌ أخضر وعلى ظهر يدها مزيد من نقوش الوشم... تستند إلى عصاها وتنظر نحوهما مضيقة عينيها.
- "إصباح الخير يا أم..."
قالها الشيخ سليم وهو ينحني على كف أمه مقبلاً إياه ثم التفت إلى نور وتقى قائلاً:
- تعالو يا بنات... هذي الچَدة حنة.. أم أبوكم الله يرحمه...
تقدمت نور نحو الجدة التي نهضت وأمسكت بكتفيها ناظرة إليها طويلاً ثم احتضنتها بقوة قائلة:
- الباقي الله يا بنيتي... والله صدق من قال... اللي خلف ماماتشي... كأني شايفة الغالي سليمان ...
قالت نور: - إزي حضرتك يا تيتة...
أفلتتها الجدة ثم احتضنت تقى التي قالت:
- إزيك يا تيتة... من زمان وأنا نفسي أشوف حضرتك...
تركتها الجدة متمتمة: - ونحنا من زمان نفسنا نجمعكوا تحت جناحنا... بس إيش نقول... الله يسامح اللي كان السبب..!
ضحك الشيخ سليم مغيرًا الموضوع وهو يقول:
- تعالو يا بنات... هيذا عمكم عتمان أبو طلال ومرته الست فاطمة أم طلال و هاذول ولاده طلال وبدر...
صافحت كل من نور وتقى عمهما الواقف على يمين الجدة مرتديًا جلبابًا واسعًا وطاقية بيضاء والذي رحب بهما في سعادة وزوجته الممتلئة القوام التي احتضنتهما مرحبة في حرارة وعندما مد طلال ابنه فارع الطول الذي يرتدي بدوره جلبابًا واسعًا يده إلى نور مسلمًا، خفضت عينيها قائلة:
- آسفة مابسلمش على رجالة...
أعاد طلال يده في غيظ بينما هتف بدر:
- أمنورين بنات عمي... منورين البحرية كلاتها...
قال الشيخ سليم: - هاذي عمتكم سنية يا بنات وولادها الدكتور ياسر وحسنا وياسين...
توجهت نور وخلفها تقى إلى تلك السيدة الطويلة ذات الملامح الحادة الواقفة يسار الجدة مرتدية جلبابًا أسود ووشاح أسود، سلمت نور عليها قائلة:
- إزي حضرتك يا عمتو...
شملتها سنية بنظرة متفحصة ثم قالت:
- زينة الحمد لله... أنتوا بقى... بنات... علا...؟
أومأت نور برأسها في إنكسار، بينما هتف الشيخ سليم:
- الله يرحمها ويرحم أخوي...
كانت حسناء تقريبًا في مثل عمر نور سلمت عليهما بسرعة ثم أنسلت سائرة بعيدًا بينما اكتفى الدكتور ياسر بالنظر أرضًا وهو يقول:
- البقاء لله لوفاة والدتكم... أهلا بيكم في بيتكم...
أما ياسين ذو الأثني عشر عامًا فكان يبدو أنه يعاني من شيء ما حيث كان يتحدث بصعوبة وبكلمات غير مترابطة ونظرات مشتتة.
- أما هاذي... الست نجاة أم زين... مرتي يا بنات وهاذول بناتي فاطمة الزهراء وزهوة...
قالها الشيخ سليم فاستدارت نور إلى امرأة سمراء ذات ملامح هادئة تكاد عينيها تنطقان باشتياق عجيب رغم أنها المرة الأولى التي تراهما بها، احتضنتهما نجاة طويلاً وهي تقول بصوت متهدج:
- رحمة الله على أمكم... والله زمااان... كان بدي أشوفها وأشوفكم... الله يبارك فيكم يا بنات...
بعد سلام زوجة عمهما الحار وحضنها الدافئ توجهت كل من نور وتقى للسلام على ابنتي عمهما، قالت نور: - أزيك يا فاطمة ...؟
ضحكت ابنة عمها قائلة: - لاااا... فاطمة دي تبقى مراة عمي عتمان... أنا هنا الكل بيناديني زهرة عشان اللخبطة بس... أنت نور مش كدة...؟ وأنا أقول إيه النور ده كله النهاردة... أتاريكي عندنا في البحرية..
كانت زهرة فتاة خمرية متوسطة الطول ذات ضحكة صافية تنير وجهها بأكمله، كانت ترتدي عبائة وحجاب عرفت نور فيما بعد أنها تكبرها بأربعة أعوام، ابتسمت نور قائلة:
- ده نور ضحكتك الحلوة يا زهرة... متشكرة أوي...
وسلمت زهرة على تقى قائلة: - أنت بقى أكيد تقى مش كدة...؟ لاااا ده أنت طويلة أوي... الواحد لازم يشب عشان يسلم عليكي...
ابتسمت تقى وهي تنحني نحوها قائلة: - لااا ... ولا تتعبي نفسك ... أنا أنزل لك ...
ثم سلمت نور وتقى على الصغيرة زهوة التي كانت في عمر تقى تقريبًا. وضع الشيخ سليم أحد ذراعيه على كتفي نور وأحاط بالأخر كتفي تقى قائلاً: - أنا عندي ولدين أكبر من زهرة... زين الكبير سافر البارحة شهر العسل مع مرته وزكريا بيشتغل في أمريكا..
ابتسمت نور بإرهاق قائلة: - ربنا يخليهم لك يا عمي...
قال الشيخ سليم: - أنتم لازمن تعبتوا من الطريق الطويل... أطلعوا الحين مطرحكم على ما الغدا يجهز..
ثم نادى على زينب التي أقبلت مهرولة قائلاً: - زينب... قولي لبهلول جوزك يطلع حاجة البنات وأطلعي وريهم مطرحهم ...
سارت كل من نور وتقى مع زينب صاعدين السلم إلى الدور العلوي، بينما قالت الجدة في حزم:
- سليم.. عتمان.. سنية... أبغاكم في موضوع... تعالوا على المندرة ..
وعندما دخلوا جميعهم إلى المندرة الفسيحة ... أغلق الشيخ سليم الباب ثم استدار إلى الجدة قائلاً:
- خير يا أم..؟
وقفت الجدة بقامتها الطويلة قائلة بحزم:
- البنات هاذول بنات المصراوية ... لازمن نربطهن بالأرض والبيت هذا وما نتركهن يطلبوا ورث ابوهن ويبيعوا أرضنا ويرحلوا ...
عقد الشيخ سليم حاجبيه محاولاً فهم ما ترمي إليه أمه بينما التمعت عينا سنية في انتصار وقد بدا أن ما قالته لأمها قد أتى ثماره... بينما قال عتمان وهو يهرش في رأسه بغير فهم:
- كيف يعني يا أم...؟
رفعت الجدة رأسها قائلة بحزم:
- كتب كتابهن على اتنين من ولادنا يكون السبوع الجاي...
قال الشيخ سليم معترضًا: - لكن يا أم... أمهم لساتها...
قاطعته بحزم: - الحي أبقى من الميت يا ساليم... نحنا ما بنرجع في حديتنا... اللي قولته يتنفذ...
هتفت سنية بانتصار: - معك حق يا أم... وكمان عشان يبقى ليهم رجالة يحكموهن الله أعلم بنات مصر هاذول أخلاقهن كيف... وأنا مستعدة يا أم أقدم أبني يتجوز الصغيرة...
قالت الجدة في حسم: - خلاص... والكبيرة نجوزها واحد تاني من ولادنا ونضمن أن لا بناتنا ولا أرضنا راح يخرجوا براتنا..
قالتها ثم نهضت راحلة وخلفها الشيخ سليم وأخيه عتمان وقد تملكهما الدهشة بينما أطلت سنية من باب المندرة هاتفة:
- ياسر... تعال يا داكتور أبغى أتحدت معك...
أقبل ياسر ومعه شقيقه ياسين بينما ظهرت حسناء من أحد الأركان وهرولت مع شقيقيها حيث أمها ودخلت مغلقة الباب خلفها.
- شوف يا وليدي... أنا خلاص لاقيت لك عروس....
قالتها سنية لابنها في حسم... عدل ياسر منظاره الطبي على عينيه وهو يقول باستنكار:
- عروس..؟ مين دي يا أمي...؟ ومين قالك إني بادور على عروسة أصلا..؟
قالت أمه بحزم: - لساتك شايفها يا وليدي... بت عمك سليمان...
هتف ياسر مستنكرا:
- أنا ما شوفتش حد يا أمي... وبعدين أنا مابفكرش في الجواز دلوقتي لسة ورايا ماجستير و...
قاطعته حسناء باستمتاع: - مين فيهم يا أمي...؟
نظر شقيقها إليها في غيظ، بينما قالت سنية:
- أنا قلت الصغيرة عشان يبقى سهل نشكلها كيف ما بدنا...
هتف ياسر ممتعضًا:
- نشكلها..؟ إيه الكلام ده يا أمي...؟ وبعدين دي عيلة وأنا مش في دماغي الجواز دلوقتي خالص...
هتفت سنية: - خلاص يا داكتور... مابقاش عاجبك كلام أمك...!
قال ياسر في أدب: - حاشَا لله يا أمي... مش قصدي والله أنا آسف...
هتفت أمه مرة أخرى: - يبقى تنفذ اللي قلت لك عليه ...
قال ياسر برجاء:
- إزاي يا ماما عايزة تجوزيني واحدة ماعرفهاش... وأنت نفسك ياما اتكلمتي على أمها أنها...
قاطعته: - الحين الأمر مختلف... المصلحة تغلب يا وليدي... وعشان اكده قلت ناخد الصغيرة نربيها من جديد لو تربيتها مايلة...
قال ياسر في غير فهم: - مصلحة ايه اللي تغلب...؟
هتفت حسناء: - ورث عمك سليمان يا ياسر...
اشتعلت عينا ياسر غضبًا وهو يقول:
- يعني كل ده يا أمي عشان فلوس واللا أرض...؟ يا أمي إحنا عندنا اللي مكفينا وزيادة الحمد لله... بلاش تغصبي ابنك على حاجة مش قابلها وتظلمي معايا البنت المسكينة دي و...
هتفت أمه في حدة: - إيش تبغى تقول يا داكتور يا محترم..؟ تبغى تقول أن أمك طماعة...؟ على فكرة بقى... ده أمر من الجدة ولازمن اتنفذه ولو رفضت لا أنت ابني ولا اعرفك وهاغضب عليك ليوم الدين... وأنت سيد العارفين يا داكتور لو غضبت كيف راح يكون مصيري بقلبي الضعيف هاد...
قالتها ثم رحلت متأوهة ممسكة بقلبها، فرحل ياسر بدوره هادرًا وعندما تأكدت حسناء من عدم وجود أحد بقربها أخرجت من جيب جلبابها هاتف جوال همست به:
- سمعت طبعًا كل حاجة... تعرف يا حبيبي... أحنا من رجعنا من فرح أخوك وأحنا ماعرفينش ننام... ومن ساعة ما الجدة حكت الموضوع لأمي وهيا بتخطط وبعدين كلمت الجدة وأهي لسة مكلمة ياسر... والله أنا فرحانة فيه فرحة... هايتدبس في جوازة وهايحل عني...
قالتها ثم ضحكت بميوعة قائلة: - زكريا... زكريا وينك...؟؟ متى بقى ترجع يا حبيبي ونتجوز أحنا كمان... أني أهه حايشة التلفون اللي عطيتهولي وباقول لك كل حاجة أول بأول... مبسوط حبيبي..؟
لم ترى حسناء عبر الأثير التماعة عيني زكريا الذي قال بنشوة:
- ألا مبسوط... ده أنا هاطير من الفرحة... ياللا أقفلي دلوقتي عشان عندي مكالمة مهمة جدًا....
أغلق زكريا الهاتف بسرعة دون أن ينتظر منها ردًا ودفع تلك الشقراء التي كانت بين يديه فهتفت:
- ماذا هناك...؟
وضع زكريا قميصه على جذعه العار قائلاً بالإنجليزية:
- سأجري مكالمة هامة ثم أعود سريعًا...
ووقف أمام نافذة زجاجية ضخمة وهو يطلب رقم أبيه... الشيخ سليم رحيل العربي.
***
"يا هلا ومرحبا يا هلا ومرحبا بالست نور.."
هتفت زينب مستقبلة نور على باب بيت آل رحيل، رفعت نور صغيرها عيسى جيدًا على كتفها وهي تسلم على زينب بينما هرول بهلول لينزل حقائب نور مدخلاً إياها بالبيت الكبير ثم رحل فانطلق زين مبتعدًا دونما أي كلمة. وقفت نور خائفة مترددة تتسائل... ترى ماذا يخبئ لها هذا البيت بعد..؟ إنها مازالت تدور في دوامة قاتلة منذ أن وطأته أول مرة..! ظلت واقفة مكانها قليلاً حتى رأت باب البيت الكبير ينفتح و... تخرج منه... إنها هي... نعم... مازالت تمتلك ملامحها الجميلة التي تركتها بها منذ ست سنوات كاملات إلا أن تلك النظرة المشاغبة اختفت من عينيها وحل محلها نظرة هادئة رزينة، بينما امتلأ جسدها النحيف وتدور وصارت امرأة كاملة الأنوثة، لكنها لازالت كما هي في اندفاع مشاعرها... حيث هرولت نحوها بسرعة... بشوق السنين الجارف.... لا تدري ماذا تخبرها سوى أن احتضنتها بشدة هاتفة وسط دموعها:
- نور .... نور ... نور ... أنا مش مصدقة أني شايفاكي قدامي .... ماتتخيليش قد إيه كنت هاتجنن عليكي ...
كانت نور قد أنزلت عيسى من بين ذراعيها وارتمت بين ذراعي شقيقتها محتضنة إياها وهي تقول في لهفة:
- وحشتيني يا عصفورتي الحارسة... وحشتيني يا توتة يا جميلة... وحشتيني قوي...
ظلتا متعانقتين تبكيان لفترة ليست بقصيرة حتى هتف عيسى: - مـ... ماما ...أ..أ.. أنا تعبت..
وكأنها تلحظ وجوده لأول مرة، انحنت إليه تقى وهي تقول في غير تصدق:
- ده عيسى يا نور...؟
قالت نور: - آه يا حبيبتي... هوا ده بقى عيسى... مش كنت بابعت لك صوره عالنت...
هتفت تقى وهي تحمله:
- لا... هوا في الواقع أحلى كتير... قمر اللهم بارك يا عيسى... فعلا زي ما قلت لك... فيه شبه كبير من ماما الله يرحمها...
قالتها ثم جذبت تقى من يدها قائلة: - تعالي ندخل ياللا ....
سارتا جنبًا إلى جنب نحو الباب الكبير وتقى تكمل حديثها:
- أنا قلت أنتوا مش هاتوصلوا قبل الساعة اتنين.. رغم كدة كنت كل شوية أبص من البلكونة وأدخل... لحد ما شفتك وماصدقتش عنيا...
كان البيت يغمره السكون من الداخل نفس الأثاث الذي رأيتاه منذ ست أعوام إلا أنه لم يكن هنالك سوى الجدة التي بدى الكبر عليها أكثر... تجلس في مقعدها الأثير ممسكة بمسبحتها. توجهت إليها نور.. قالت وهي تنحني عليها: - إزي حضرتك يا تيتة ...
لم تفقد بعد نظراتها الصارمة... احتضنتها رابتة على كتفها بيد مرتعشة وهي تقول:
- حمدًا لله على السلامة يا بنيتي...
أبتسمت رغمًا عنها وهي تقول: - الله يسلم حضرتك...
هنا همست تقى لأختها قائلة: - هاروح أقول لطنط نجاة أنكوا رجعتوا... دي مستنياكوا من بدري هيا وعمي سليم بس عمي جاله ناس وقاعد معاهم في أوضة المكتب... هانادي طنط نجاة...
وما هي إلا لحظات حتى أقبلت نجاة مهرولة بينما كانت الجدة تحتضن عيسى قائلة:
- ولدك جميل يا بت ولدي... هيذا هو عيسى...؟
أومأت نور قائلة: - أيوة يا تيتة ...
هنا هتفت نجاة بشوق وحب بالغ: - نووور... عيسى ..
قالتها ثم احتضنت نور بحرارة كعادتها وأخذت تبكي متمتة:
- مات من غير ما اشوفه... ولدي مات من غير ما اشوفه...
قالت لها نور بخفوت: - أدعي له حضرتك... هوا محتاج دلوقتي لدعائك أكتر...
أنحنت نجاة على عيسى قائلة: - يا ولد ولدي يا غالي...
وأخذت تقبله وتحتضنه في جنون وهو ينظر إليهم في دهشة فقالت له نور:
- دي يا حبيبي جدتك... مامة بابا...
هز عيسى رأسه في غير اكتراث ثم ألتصق برجل أمه وقد فاجئه كل هاك النسوة اللائي يحتضنه ويردن لو يطرن به من على الأرض. هنا قالت تقى:
- بعد إذن حضرتك يا چدة بعد إذن حضرتك يا طنط نجاة... هاخلي نور تطلع أوضتها هيا وعيسى يستريحوا ...
أومأت لها الجدة موافقة بينما قالت نجاة: - ولو إني لساتني ما شبعت من ولد ولدي... لكن روحي يا بنيتي شكلك تعبانة من السفر الطويل انت وولدك... ريحي شوي ونشوفكوا بعد ما ترتاحوا...
أومأت نور لها في صمت ثم تبعت شقيقتها إلى غرفتها. همست لها تقى ضاحكة وهما تصعدان السلم:
- لسة بتقولي تيتة... اتعلمي بقى... اسمها الچدة... ههههه
أكتفت نور بابتسامة صغيرة وهي تصل إلى الغرفة... نعم هي نفس الغرفة التي شاركت تقى بها منذ ست سنوات... هي ذات النافذة المطلة على الحديقة والتي تعانقها شجرة البرتقال باعثة رائحة جميلة بداخل الحجرة. هما ذات الفراشين الذي جلس عمها سليم على أحدهما في ذلك اليوم و....
*******
"كيفكم اليوم يا بنات...؟"
سألهما الشيخ سليم بتردد في صباح اليوم التالي لمجيئهما... كان ممسكًا جواله بيد ويبدو على محياه أن لديه الكثير ليقوله...
تمطت تقى وهي تقول ولازال أثر النعاس عليها: - ياااااه يا عمو... هدوووء... أحلى حاجة هنا الهدوء... أول مرة أنام بعمق كدة ..
قال الشيخ سليم: - نوم العافية يا بنيتي...
ثم فتح فمه ليقول شيء ما إلا أنه تراجع. فقالت نور تستحثه على الحديث:
- عمو... هوا... فيه حاجة حضرتك عايز تقولها...؟
نظر إليها نظرات مشفقة ثم حسم أمره قائلاً: - آه يا بت أخوي... الچدة قررت موضوع كدة يخصكوا...
هتفت تقى بمرح: - موضوع إيه ده ...؟ ده أحنا لسة...
أشارت إليها نور وقد أدركت من تقاسيم وجه عمها أن الموضوع لا يحتمل المرح وقالت بجدية:
- أتفضل حضرتك قول... موضوع إيه..؟
أخذ الشيخ سليم نفسًا عميقًا قبل أن يجيب:
- أنت واختك اتخطبتوا والجدة وافقت وكتب كتابكم يوم التلاتا القادم...
كانت نور تميل نحوه في أهتمام... إلا أنه بمجرد ما تفوه بتلك الكلمات... أرجعت رأسها إلى الخلف في فزع وكأنه كان يلقي عليها حجارة من سجيل، بينما هتفت تقى في غير تصديق:
- بتهزر يا عمي صح...؟
أطرق برأسه قائلاً: - الدكتور ياسر خطبك يا تقى وولدي زكريا كل يوم يتصل يبغى يتزوجك في أقرب فرصة يا نور... المواضيع هذي ما فيها هزار...
هتفت تقى بأندفاع: - إيه الكلام الفارغ ده...؟ إزاي يعني...؟ إزاي واحد لسة شايفاه امبارح يخطبني وواحد ماشافش نور خالص عايز يتجوزها خبط لزق كدة...
رفع الشيخ سليم رأسه إلى تقى في غضب بينما نظرت لها نور وهي تقول موبخة:
- أسكتي يا تقى عيب كدة..
ثم استدارت إلى عمها قائلة: - إحنا آسفين يا عمو معلش امسحها فيا...
قال الشيخ سليم وهو ينهض: - ماشي يا بت أخوي... خلاص... جهزوا نفسيكوا عشان كتب الكتاب...
قالت نور بهدوء: - معلش يا عمو... بس إحنا أمنا لسة متوفاه مابلقهاش كام يوم ده غير أن أنا عندي جامعة وتقى لسة صغيرة... إزاي يعني نتجوز دلوقتي...؟ ثم يا عمي... إزاي نتجوز شخص لا قابلناه ولا قعدنا معاه ولا أتكلمنا معاه...؟
قال الشيخ سليم وقد اتسعت عيناه: - قعدتوا مع مين واتكلمتوا مع مين...؟ عيب يا بت أخوي...
ابتسمت نور محاولة التغلب على توترها علَّها تقنع عمها الذي شعرت أن به من العقل والحكمة أكثر من كل من رأتهم هنا ببيت آل رحيل، ثم قالت له:
- أحنا ما بناخدش بالعيب واللي مايصحش طالما ده حق أصيل من حقوقنا في الشرع يا عمي... الزواج ده حاجة كبيرة أوي وعشرة هاتدوم العمر كله... عشان كدة ربنا أدى للراجل والست حق إنهم يقعدوا مع بعض قبل الزواج... حضرتك فيه صحابي من الصحابة على أيام الرسول صلى الله عليه وسلم كان خطب امرأة... فسأله النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان نظر إليها واللا لأ فقال له أنه لم ينظر إليها... عارف النبي صلى الله عليه وسلم قاله إيه...؟ قال له (أنظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما) يعني يروح ويقعد معاها عشان يُوفق ويؤلف بينهم ....
غشت وجه الشيخ سليم غمامة من الهم ثم قال بعد زفرة طويلة:
- شوفي يا بنيتي... هيذا أمر الجدة وما في حدا يقدر يخالفه واصل...
عقدت نور حاجبيها وخفق قلبها بعنف وكادت تبكي وهي تقول:
- إزاي يعني...؟ إزاي الجدة تجبرنا عالجواز كدة ..؟ عشان إحنا يتامى ولا أم ولا أب...؟ ده ما يرضيش ربنا والله... الرسول عليه الصلاة والسلام قالها ووصى بيها أولياء اليتامى... يا عمي الرسول صلى الله عليه وسلم قال ( تُستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها ) ...
كان الشيخ سليم قد نهض بالفعل، فسار خارجًا من الغرفة وهو يقول:
- عليه أفضل الصلاة والسلام، معلش يا بنات... راح تعرفوا بعدين إن هيذا لصالحكوا..
كان قد خرج وأغلق الباب خلفه فهرعت تقى إلى أختها هاتفة وقد غلبها البكاء بدورها:
- نور... هانعمل إيه...؟ أنا إستحالة اتجوز بالطريقة دي...!!! وبعدين جواز...؟؟ جواز إيه ده...؟ أنا ...
إلا أن نور كانت وكأنها لا تسمع لها... نهضت متوجهة إلى النافذة حيث شجرة البرتقال التي تتمايل أغصانها مع نسمات الهواء... كانت أدمعها تنساب على وجنتيها في صمت... ما أكثر المطارق التي لازالت تهوي على قلبها منذ عدة أيام... يتركها رجل ظنت أنها تحبه... ثم ترحل أمها... ثم يأتي رجل لا تدري عنه شيئًا يصر على الزواج منها بين ليلة وضحاها...!!! تسائل قلبها في يأس... "أأصدرت أخيرًا الحياة حكمها النهائي عليها بالشقاء..!!" أجاب عقلها "وما تلك الحياة الدنيا يا صغيرتي إلا دار ابتلاء وتعب.."
- نور... أنا باكلمك... ممكن تردي عليا...؟؟
هتفت تقى في حدة، فأستدرات إليها نور وقد أغرقت الدموع وجهها... دموع نور النادرة كحبات الؤلؤ التي لم ترها تقى سوى مرات معدودة جعلت شقيقتها تلين في حديثها إلى حدٍ ما وهي تقول:
- حبيبتي عايزين نفكر هانخرج إزاي من الورطة دي...؟
حركت نور يديها في حيرة ثم قالت بيأس: - مش عارفة...!!! يظهر أن ده قدرنا....!
هتفت تقى: - لأ... قدرنا إيه ...؟ دي مصيبة أو هلاك هانقع فيه... ماينفعش نبقى شايفين حفرة قدامنا ونسيب نفسنا نقع فيها ونقول قدرنا...
نور: - وممكن الحفرة دي تبقى باب لشيء من السعادة الله أعلم...
تقى بعند: - لا... إستحالة... الكتاب بيبان من عنوانه... أحنا قدامنا حفرة عايزين يدفنونا فيها بالحيا يا نور... لازم نهرب...
أشارت نور من النافذة قائلة بحدة: - نهرب فين وإزاي...؟ أنت مش شايفة إحنا فين...؟ إحنا في وسط الصحرا يا تقى...!
قالت تقى وهي تفتح حقيبة السفر التي كانت تحوي أشيائها أمس:
- حتى لو كنا فين... لازم نخرج من البيت ده ناخد أي عربية ونرجع بيتنا القديم كأننا لا قابلنا عمنا ده ولا شوفناه...!
أمسكت نور يدها لتوقفها قائلة: - أهدي يا تقى وفكري كويس... إحنا كل الفلوس اللي لاقيناها في البيت أول عن آخر بعد ما رجعنا من المستشفى هما 300 جنيه ودول اللي معانا... هانركب بيهم واللا هناكل بيهم واللا هانكمل دراستنا بيهم...؟
أزاحت تقى يد نور من على ذراعها وبدأت في وضع ملابسها في الحقيبة قائلة:
- نشتغل يا نور... نشتغل ونذاكر... أحنا مش هانغلب...
قالت نور في مرارة: - نشتغل إيه بس...؟ وهما الناس هايسيبونا في حالنا...؟ إذا كنا وماما موجودة كان بيوصلنا شيء من أذاهم أمال أما نبقى بنتين لوحدنا...!!! تقدري إزاي تجزمي إن أحنا برضه لو هربنا من هنا ممكن نقع مش في حفرة بس... ممكن نقع في نار موقدة نتعذب فيها...!! مش يمكن الجواز اللي إحنا رافضينه هنا يجي وأحنا لوحدنا اللي يفرض علينا حاجات من غير جواز ويبهدلنا...؟ على الأقل هنا هانتجوز ابن عمنا وابن عمتنا.... لكن لو بقينا لوحدنا الله أعلم مين اللي هايحاول ينهش فينا أو يستغلنا مقابل قرشين...
هتفت تقى بذعر: - إيه الكلام ده يا نور...؟ لأ طبعا أنت متشائمة ليه كدة...؟ أكيد هنلاقي ناس كويسين يساعدونا.... أحنا مش في غابة...!
أغمضت نور عينيها بقوة وهي تقول:
- لأ بقت غابة يا تقى... غابة والكل بينهش في التاني بدون رحمة..!
صاحت تقى: - فين حلمك الكبير أنك تبقى دكتورة...؟ نور... مش عشان محمود سابك تبقى الدنيا كلها وحشة... لأ.. أنت ماشوفتيش الدكتورة هالة ساعدت ماما في تعبها قد إيه..؟ ماشوفتيش الناس اللي صلوا عليها قد إيه...؟
لم تدرك تقى مدى قسوة كلماتها إلا بعد أن فتحت نور عينيها ونظرت إليها بإنكسار وهي تقول:
- الموضوع مالوش دعوة بمحمود يا تقى... هيا دي الحقيقة... أحنا لو خرجنا من هنا هانبقى لوحدنا تمامًا... الدكتورة هالة الوحيدة اللي وقفت جنبنا برضه حالها على قده ولو ساعدتنا هاتبقى صدقات بسيطة... أما الناس اللي صلوا على ماما وسمعناهم وهما بيدعولها... فأغلبهم المساكين اللي كانت أمي مابتنساهمش من الصدقات رغم ضيق حالنا...! الله يرحمها ويكتب أجرها...
جلست تقى على فراشها في يأس واضعة يدها أسفل ذقنها وقلبها يختلج بين أضلعها بشدة كعصفور طليق وُضع بقفص ضيق فصار يرفرف لافظًا أنفاس حريته الأخيرة. إلا أنها بعد عدة دقائق... نهضت باسمة وهي تهتف بإنتصار وعينيها تلتمعان جذلاً: - لاقيتها...!
*******


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 18-12-17, 01:07 PM   #15

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

- 2 -
"لازمن تتفضل معانا يا شيخ مناع... مايصوحش إكده أنتم بيت كرم برضه.."
سمعت نور عمها سليم يصيح بضيفه الذي خرج لتوه من غرفة المكتب وخلفه الشيخ سليم، بينما كانت نور تحمل عيسى وتهبط درج البيت عقب إعلامها بأن الغداء مُعد.
- "مرة تانية يا شيخ ساليم... إن شا الله أما نيجي انبارك لك..."
قالها ضيف عمها ذو الصوت الجهوري متجهًا إلى الباب، فضحك الشيخ سليم ثم قال:
- يبقى هانشوفك تاني قريب قوي يا مناع...
أستدار الشيخ مناع بقامته الطويلة ليواجه الشيخ سليم فرأت نور جانب وجهه بشاربه الكث وسمعته يقول لعمها بثبات:
- الله العالم يا ساليم... ماتبقاش متأكد قوي اكده... ياما الأيام بتفاجئنا وكلام الناس مابيخلوصش...
قالها الشيخ مناع ثم نظر حيث تقف نور فجأة، فأرتبكت نور وأسرعت إلى المطبخ وهي لا تدري لماذا أرعبتها نظرات هذا الرجل الثاقبة. كان كلٍ من تقى وزهرة تقفان بالمطبخ مع نجاة زوجة عمها سليم وعمتها سنية وفاطمة زوجة عمها عتمان بينما كانت زينب تتابع أوامر سنية في إعداد الطعام.
"نووور... حمدا لله على سلامتك حبيبتي.."
هتفت زهرة ابنة عمها سليم وقد لحظت وقوف نور على باب المطبخ، استدارت عمتها نحوها ثم اقتربت قائلة:
- حمدًا لله على سلامتك يا بت أخوي...
كانت زهرة مرحة كعادتها، ونظرات عمتها ونبرة صوتها حادين كعادتها... وأقبلت فاطمة زوجة عمها عتمان بوجهها الممتلئ الباسم قائلة: - يا مرحبا بيكي يا بتي...
وكانت فاطمة باسمة كعادتها، ابتسمت نور قائلة: - الله يسلمكم...
حملت زهرة عيسى قائلة:
- ده بقى اللي هاينولني لقب عمتو...؟ أنا لسة واخدة لقب خالتو قريب...
ابتسمت نور في هدوء قائلة: - أيوة هوا ده اللي هايقولك يا عمتو... هيا زهوة أتجوزت واللا إيه...
أقبلت نجاة وقالت وهي تداعب عيسى الذي تحمله ابنتها:
- اااه... اتجوزت ومعاها حسن...
قالت نور: – عقبى لك يا زهرة ...
ضحكت زهرة قائلة: - لاااا أنا كفاية عليا عيالكوا...
قالتها ثم استدارت إلى أمها قائلة: - ماما... تعرفي... عيسى فيه شبه كبير من زين وهوا صغير... حواجبه والغمازة الوحيدة الطويلة على خده الشمال وغمازة دقنه ورسمة عيونه...
هتفت تقى: - لأ يا زهورة... عيسى فيه من أمي الله يرحمها كتير أوي... نفس لون بشرتها وشعرها الأسود الناعم ولون عنيها العسلي...
لوت سنية فمها وهتفت بزينب التي وقفت تتابع الحديث بشغف:
- أتحركي يا بت يا زينب روحي حطي الوكل برة... الجدة والشيخ سليم وعتمان أخوي مستنظرين...
أما نجاة فقد تناولت عيسى وأحتضنته هاتفة: - كفاياك أنت وهيا... بزيادة تمقيق في ولد ولدي الغالي...
قالتها وأغرورقت عينيها بالدموع وهي تحتضن عيسى متذكرة أباه الراحل. وعندما تململ عيسى محاولاً أن يحرر نفسه من بين ذراعيها ناولته لأمه قائلة: - خدي ولدك يا بتي وروحي أقعدي مع الجدة وعمامك... أنت لساتك واصلة من السفر تعبانة...
تناولت نور عيسى الذي سار بجوارها ممسكًا يدها بشدة وكأنه يخاف أن يأخذه منها شخص آخر حتى رآها الشيخ سليم الذي كان عائدًا لتوه من توديع ضيفه... فنقل نظره بينها وبين عيسى غير مصدق ثم أخذها بين ذراعيه وهو يقول: - حمدًا لله على سلامتك يا بتي... حمدا لله على سلامتك يا أم عيسى..
ابتسمت نور قائلة: - الله يسلمك يا عمي...
حمل الشيخ سليم عيسى وأخذ يتأمل ملامحه التي وكأنها رفضت أن تشي له بشيء من ابنه الراحل، إلا أنه احتضنه في حب وسار مع نور إلى المائدة التي ترؤسها الجدة وعلى يسارها ابنها عتمان فجلس الشيخ سليم في مواجهة أمه من الناحية الأخرى للمائدة وأجلس عيسى على رجليه، لتجلس نور على يساره.
تأملت نور المائدة الطويلة ناظرة إلى الجدة التي ازداد وجهها تغضنًا إلا أن عينيها لازالتا تحتفظان بنظراتهما القوية اللامعة.... نفس النظرات التي شملتها بها طويلاً قبل أن تفجر في وجهها تلك المفاجئة ذلك اليوم البعيد.
*******
كان المساء قد حل... وبعد نقاش طويل... قررت نور تنفيذ فكرة تقى علَّها تكون منقذتهما من حياة وحيدة محفوفة بالمخاطر أو زيجة عمياء لا تدري كيف تم التخطيط لها. وقفت مع شقيقتها على باب الجدة هامسة: - خليني أنا اللي اتكلم ماشي..؟
أومأت تقى موافقة فطرقت نور على باب غرفة الجدة ثم دخلت بعد أن سمعت الإذن بالدخول. كانت الجدة قد أنهت صلاة العشاء لتوها وأمسكت بمسبحتها الخشبية تسبح عليها.
- سلام عليكم يا تيتة... إزي حضرتك...
قالتها نور بينما التزمت تقى السكون حيث كانت ممتلئة غيظًا من تلك العجوز التي تريد أن تأمر فيُطاع أمرها بغض النظر عن أي شيء.
- أنا زينة الحمد لله... كيفكن انتم يا عرايس...؟
عضت تقى على شفتيها وضمت قبضتها في غيظ شديد بينما قالت نور باسمة:
- أحنا كنا جايين نسأل حضرتك على حاجة كدة ..
الجدة: - أسألي يا بت الغالي...
تنحنحت نور قائلة: - أحم... تيتة.. حضرتك عارفة إن أحنا عيشنا حياة بسيطة وطول عمرنا كنا بنسأل عنكوا... وماكوناش عارفين ليه أحنا بعاد عن بعض أو مش لاقيين بعض كدة... بغض النظر عن أي حاجة حصلت في الماضي أو أي مشاكل... فأحنا بنات أبنك الغالي زي ما انت لسة قايلة... أنا اتوقعت أنك أول ما هتشوفينا هاتخدينا في حضنك ومش هاتسيبينا و.... هاتعوضينا عن اللي فات...
أزداد انعقاد حاجبي الجدة حنة وضيقت عينيها وكأنها تسبر أغوار نور... وكأنها تقريبًا فهمت ما ترمي إليه حفيدتها إلا أنها قالت: - وهيذا هوا اللي حوصل.. !! واللا إيش ..؟؟
أزدردت نور لعابها وحاولت السيطرة على ارتعاشة يدها وجمع قواها وهي تقول بسرعة:
- لا يا تيتة... حضرتك أنا قصدي... كنا عايزين الأول ناخد نصيبنا من ورث بابا قبل ما نتكلم في أي جواز أو عرس...!
تأملتها الجدة طويلاً قبل أن تنهض بقامتها الفارعة النحيفة متجهة إلى النافذة.. نظرت منها في صمت قليلاً ثم عادت تنظر إلى نور وتقى قبل أن تقول بتمهل:
- أبوكم... ما له ورث...
هتفت تقى: - إزاي يعني...؟؟؟
وكزتها نور بكوعها لتصمت ثم قالت بهدوء: - إزاي مالوش ورث حضرتك...؟
زفرت الجدة قبل أن تقول: - مادامكوا فتحتوا اللي فات... راح أقول لكم... يوم ما جه أبوكم يتجوز أمكم.. ماكنت راضية أبدًا عن الجوازة هاذي... وشرطت عليه أنه يتنازل عن ورثه لو مصر أنه يتمم الجوازة فكتب لي ورقة أنه متنازل لي عن كل ورثه من الشيخ رحيل...
أتسعت عينا تقى وهي تقول: - إيييه...؟؟؟ إزاي ...؟ إزاي حد ممكن يتنازل عن حقه كدة...؟؟ فين الورقة دي ...؟
وكزتها نور مرة أخرى بقوة ثم قالت: - لـ ... لأ.. تقى مش قصدها تكذب حضرتك واللا حاجة... هيا بس متفاجئة..
توجهت الجدة إلى الكومود على يمين فراشها الخشبي الكبير ذو الأعمدة وفتحت درج ما مخرجة ورقة مطوية وهي تقول: - هذي الورقة كتبها أبوكم بخط يده وهوا قاعد معي في الأوضة هيذي من أكتر من عشرين سنة ولساتها مكانها... ما خرجت من مكانها...
قالتها وهي تناولهما ورقة مصفرة إلى حد مان فألتقطتها تقى من يدها ومرت على سطورها بعينين ذاهلتين ثم أعطتها لنور هاتفة: - وأحنا إزاي نصدق بقى أن الورقة دي حقيقية...؟؟
دفعتها نور إلى الخارج وهي تضع الورقة على الفراش قائلة:
- مـ... معلش يا تيتة... إحنا آسفين على إزعاج حضرتك... تصبحي على خير... عن إذنك...
خرجت نور بعد أن أخرجت تقى وأغلقت الباب خلفها، لم تر أيًا منهما الجدة حنة وقد غشى وجهها حزن عميق وهي تمسك بالورقة التي وضعتها نور على الفراش والتي تذكرها بقسوتها على أصغر ابنائها منذ زمن طويل ورحيله بعدها بعدة أعوام. رفعت الجدة يديها و... مزقت الورقة لتتحول إلى قطع كثيرة صغيرة انسابت من بين أصابعها المتغضنة إلى سلة المهملات بالغرفة.
******
وجاء الثلاثاء الموعود بسرعة... قضت نور وتقى الأيام حتى مجيئه بين شدٍ وجذب... تحاول تقى الرجوع لفكرة الهرب مرة أخرى بينما تقنعها نور بالتسليم باستسلامها اليائس. كانت نور تشعر أن عمها سليم يتحاشاهما مما يدل على أنه أيضًا غير راضٍ عما يجري، أما نجاة زوجته فكانت تحاول أن تتصنع الفرحة بزواج ابنها دون وجوده..! لقد أرسل زكريا توكيلاً لأبيه كي يزوجه من ابنة عمه ويرسلها إليه في أول طائرة..! أما عمتهما سنية فكانت تشرف على إعداد كل شيء لإتمام طقوس العرس الواحاتي الأصيل حيث قررت أن تجعل فرحتها فرحتان رغم كل شيء.
كانت كل من نور وتقى تظنان أن الحزن يسكن غرفتيهما فقط... لم يعلما أن ثمة غرفتان آخرتان بمنزل آل رحيل الكبير قد عشش الحزن على إحداها أما الغرفة الأخرى التي تجاور غرفتهما تمامًا... يكاد الغضب ينفجر منها.
"والله لاوريك يا زكريا... أنا اللي غلطانة... أنا اللي قدمت لك السكين اللي تطعني بيها على طبق من فضة.... أنا اللي قولت لك على بنات عمك اللي نزلوا علينا كيف القضا المستعجل..."
كانت حسناء تصيح في حدة بهاتفها لزكريا الذي قال لها:
- بطلي هبل يا حسناء... قلت لك ميت مرة أن جوازتي منها مش هاتستمر... أول ما أخليها تعملي توكيل عام هاطلب ورثها من عمي سليم وأبيعه لنفسي وبعدين نتجوز براحتنا بقى يا قمر...
هتفت حسناء باكية: - لا يا شيخ... بيخيل عليا أنا الكلام ده...
قال زكريا بنفاذ صبر: - لازم تتأكدي من كلامي يا حسناء لأني لا شفت البت دي اللي هايجوزوهالي النهاردة ولا أعرفها، أنا كل اللي عاوزه ورث عمي سليمان اللي هايوصل لملايين... الحياة غالية أوي في أمريكا ولازم اللي عايز يعيش صح يبقى معاه فلوس زي الرز...
قالت باكية: - طب وأنا أعمل إيه في أمي اللي قررت توافق على خطوبتي من طلال...؟ بتقولي طلال ابن عمي عتمان متكلم عليا من زمان وعايزني...؟ وأنا عارفة كدة كويس وقلت لك يا ابن خالي أن نظراته ليا ماباحبهاشي...
قال زكريا ببساطة: - أرفضيه يا حسناء وماتوجعيش دماغي...
صاحت: - منا جيت أرفضه أمي مسكت قلبها وقالت لي أن أخويا الراجل سمع كلامها وهاجي أنا أسببلها أزمة تاني...! ومعلش يا ابن خالي كنت فاكراك بتحبني ماكنتش أعرف أني باوجع لك دماغك...
زفر زكريا بملل ثم ابتسم في مداهنة وهو يقول:
- والله باحبك يا قمر ومش قصدي خالص.. وبعدين ماكنتش أزمة قلبية اللي جت لعمتي دي وخليتها تمشيكوا على مزاجها..! المهم هاوديها وأهي خطوبة يا سنسن مش جواز لحد ما أقشط ورث عمي سليمان ونتمرغ سوا في العز... ماشي يا حبي...؟ ياللا بقى سلام عشان عندي شغل كتير...
أغلق الهاتف وألقاه كيفما أتفق ثم استدار إلى الأريكة الموجودة خلفه وقد اتسعت ابتسامته وهو يقول بمرح لتلك الشقراء المستلقية عليها: - شغل كتير أوي... أوي... مش كدة يا مزة..؟
تعالت ضحكات الشقراء التي خمنت فحوى كلامه بالعربية وهو مقبلٌ عليها.
*******
لولا الجرح العميق الذي تسببت به تلك العائلة لها، لكانت نور سعيدة وهي تشعر بدفئ عائلتها الملتفة حولها على مائدة الغداء يتبادلون الحديث والمزاح... لكانت في قمة سعادتها وهي ترى ابنها كالملك المتوج الكل يحاول حمله ومداعبته وهو يجلس على رجلي جده مستكينًا.
- "وينهم زين وحسنا يا ولاد...؟"
تسائل الشيخ سليم، فأجابته زهرة وهي تغرف بعض الطعام بطبقها:
- زين كان راح يبص عالمزرعة وجاي في الطريق، وحسناء زي ما انت عارف يا بابا... نايمة وتعبانة...
ألتفت الشيخ سليم إلى طلال قائلاً: - إيش بها حسنا...؟
قال طلال وقد امتلأ فمه بالطعام: - العادي يا عمي ما تشغل بالك..
الجدة... عمها عتمان وبجواره امرأته... عمتها... ثم نجاة زوجة عمها... عمها سليم... طلال.. ياسين... تقى... زهرة... ثم ...
"سلام عليكم ..."
قالها زين الذي كان قد عاد لتوه ووقف بجوار مقعد أبيه الذي قال له:
- وعليكم السلام... حمدا لله على السلامة يا باشمهندس...
ضحكت زهرة قائلة: - خلاص يا زين بقى مالكش مكان... نور أخدت مكانك...
توترت نور وهمت أن تنهض، إلا أن نجاة هتفت:
- كفاياكي عاد يا زهرة الكراسي كتير والحمد لله تعال يا ابني اقعد حدي....
جلس زين على يمين الشيخ سليم ليصبح في مواجهة نور. ملأت أمه له طبقه قائلة:
- خد يا ولدي أنت راجع من السفر تعبان...
ابتسم زين بجانب فمه الأيسر قائلاً:
- إيه كل ده يا أمي...؟ انتوا عاملين وليمة...؟
هتفت شقيقته بمرحها المعهود:
- أيوة يا أخويا... طبعًا وليمة مش نور وعيسى منورينا النهاردة...؟ أحنا كلنا كنا واقفين النهاردة في المطبخ من الصبح... لأ صبح إيه...؟ ده من أمبارح وأحنا بنجهز الأكل...
قالت نور في حرج: - تسلم إيديكوا ماكنش ليه لازمة والله تتعبوا نفسكوا...
قالت نجاة بحب: - ده احنا مستنظرين اليوم ده من زمان يا بتي.... من زمان وأنا متشوقة اشوفك وأشوف ولد ولدي الغالي...
قالت زهرة: - آه بقى خاصة أني خلاص بقيت عمتو رسمي....
نظرت نجاة إلى زهرة عبر المائدة عاتبة فصمتت زهرة في ندم، ثم عادت نجاة لتنظر إلى زين الجالس على يسارها والذي تظاهر أنه لم يلحظ ما قيل رغم أنه كان قد نفذ إلى أعماق قلبه الجريح حيث قال لأبيه:
- بهلول قال لي أن الشيخ مناع كان هنا... ده إيه اللي جابه ده يا بابا...؟
قال الشيخ سليم وهو يداعب شعر عيسى:
- كان يبغى يتوكد من قراري بخصوص المجلس...
تسائل زين: - وقلت له إيه ...؟؟
قال أبوه: - ماعدش ينفع انخبي شيء يا ولدي... قلت له كل شيء بصراحة..
شرد زين في أمر ذلك الرجل وهو يتابع ابن أخيه الذي يحتضنه أباه في حب ويطعمه في حنوٍ بالغ وتذكر كلمات اخته التي أصابته بغصة في قلبه وهو يتذكر ما مضى.
*******
لم يعلم أحد بعودته السريعة من شهر العسل تجنبًا للاسئلة والمزاح الذي لا يحبه، قبع زين أسبوعًا بمنزله في مدينة السادس من أكتوبر الذي ملأته كارمن بالمرايا والصالونات المذهبة والتابلوهات الثمينة الفخمة حتى غرفة النوم كانت فاخرة إلى حد لا يوصف بالفراش الأبيض ذو الأطراف المذهبة والظهر المنجد والحشوات فائقة النعومة. رغم كل ذلك إلا أن زين لم يكن يشعر بالراحة إلا في الشرفة المطلة على الحديقة الصغيرة التي يهتم بها إلى أقصى حد وقد ملئها بمختلف أنواع الزهور. كان جالسًا في الشرفة منهمكًا في القراءة عندما دخلت كارمن وأنحنت عليه قائلة: - هاي حبيبي...
رفع زين عينيه إليها قائلاً: - حمدا لله على السلامة يا مدام...
كانت كارمن قد ذهبت إلى بيت أبيها مذ عودتهما من شهر العسل ومكثت به أسبوعًا، قالت له وهي تخلع حجابها: - الله يسلمك يا زين... ياااه... كل البنات وأصحابنا جم يباركولي... تعبت...
قال بهدوء: - طيب يعني هانروح النجع أمتى...؟
زفرت قائلة: - أوووف يا زين... باقولك تعبت... وبعدين أنت ماروحتش ليه وأنا عند پاپي...؟
وضع زين الكتاب على الطاولة التي أمامه وهو يقول:
- ماروحتش عشان مستنيكي... الكل هناك مستنينكي وعايزين يشوفوكي يا كارمن...
دخلت كارمن وهي تقول: - أوكي.. يومين تلاتة كدة يا بيبي... أكون ريحت شوية...
كاد زين أن يهاتف أباه، إلا أنه تراجع عن ذلك وقرر أن يهاتفه عندما يقررا السفر إلى الواحات.
وبعد عدة أيام... كان زين يضع حاجياته هو وكارمن في سيارته الجيب السوداء وينطلق إلى الواحات التي افتقدها كثيرًا. لم يكد يصل مع كارمن إلا وتجمع حوله وحول زوجته أفراد عائلته في تظاهرة حب يعشقها.
- "أمال فين أبويا الشيخ سليم...؟"
تسائل في دهشة، فأجابته أمه: - راح يوصل بت عمك عروسة أخوك المطار...
رفع زين أحد حاجبيه متسائلاً في سخرية:
- هوا عمي خلف بنت على كبر كدة وكمان سافرت مع أبويا وعروسة اخويا...؟ صحيح... هوا زكريا نزل مصر أمتى...؟ واتجوز أمتى...؟
غرق الجميع في الضحك حتى قالت زهرة وسط ضحكاتها: - أنا هاشرح لك يا زين...
وأخذت زهرة تقص عليه ما حدث وهو يستمع إليها باهتمام حتى تحولت ابتسامته إلى حاجبين منعقدين وهو يقول: - طب إزاي بنات عمي سليمان الله يرحمه أمهم لسة متوفاة ويتجوزوا على طول كدة...؟ وبعدين هل الدكتور ياسر لحق يحدد في اليومين دول أنه فعلا عايز يتجوز واحدة منهم...؟ طب وزكريا أخويا إزاي يتجوز واحدة ماشفهاش...؟ ده زكريا ده ذوقه يعني...
- "زييين..."
قاطعه نداء عمته التي نهضت وصوبت له نظرات حادة، فقال لها: - أيوة يا عمتي...
أشارت له قائلة في صرامة: - أبغى أتحدت معك شوي...
نهض زين سائرًا خلفها حتى دخلا المندرة وأغلقت بابها قائلة: - شوف يا ولد اخوي.. من الآخر اكده... الجوازة هيذي الجدة هيا اللي مرتبالها لاجل ما تطمن على بنات عمك.... وما نبغى حدا يتحدت في الموضوع هيذا وااصل...
تسائل زين: - طيب ليه يعني...؟ أنا مش فاهم حاجة...؟ إيه علاقة أنها تطمن عليهم وأنها تجوزهم...؟ وإزاي زكريا يتجوز واحدة ماشافهاش أصلاً...!!
قالت عمته هامسة: - كلام في سرك الجدة خايفة لايطلعوا كيف امهم...
تسائل زين بغير فهم: - يعني إيه...؟ يطلعوا لها إزاي يعني...؟
أجابته: - أنت خابر يا ولدي امهم كانت بتشتغل إيه...؟
هز زين رأسه نفيًا، فقالت: - أستغفر الله العظيم... ممرضة...
أرجع زين رأسه إلى الخلف وابتسم بسخرية قائلاً: - لأ بجد...!! فعلاً... أستغفر الله العظيم بجد... فيه إيه يا عمتي... مالهم الممرضات ..؟ ما اهو ابنك بيشتغل مع ممرضات...
قالت عمته هامسة بطريقة توحي بخطورة الموضوع: - لا يا ولدي... اللي سمعته زمان من زميلة مرت سليمان أخويا الله يرحمه ويسامحه بقى أنها كانت سيرتها مش ولابد... الله يرحمها...
بدا الامتعاض على وجه زين وهو يقول: - طب خلاص يا عمتي كفاية الست ميتة... الله يرحمها ويغفر لها... عن إذنك...
قالها ثم خرج بينما زفرت سنية متمتمة: - الحمد لله أن الجوازة تمت قبل ما ترجع وإلا كنت عرفت تقنع الجدة بحديتك الماسخ هيذا..
أما زين فبحث بعينيه عن كارمن التي وجدها مع حسناء... كانت كارمن تشاهد المنزل وحسناء تتفحص طريقة ملابس كارمن وزينتها قطعة قطعة. أبتسم زين ثم توجه إليهما قائلاً وهو يحيط كتفي كارمن بذراعه:
- عن إذنك بقى يا حسناء خليني افرج كارمن عالمزرعة...
ابتسمت حسناء قائلة: - أتفضلوا يا زين... مع السلامة يا كارمن..
أشارت لها كارمن قائلة: - باي...
كان زين قد توجه إلى سيارته إلا أنه استدار مرة أخرى نحو حسناء قائلاً: - صحيح ... مبروك الخطوبة ..
تحولت ابتسامة حسناء عبوسًا بينما وضع زين منظاره الشمسي على عينيه وهو يقول لكارمن بعد أن ركبا السيارة:
- هاوريكي بقى بيت المزرعة... البيت ده بارتاح فيه اوي... أنا اللي بنيته جنب مكتبي هناك وفرشته حتة حتة... كتير اوي باقعد هناك بالأيام أما أحب أصفي بالي أو أذاكر أو أقرا.... هوا بيت صغير بس مريح...
أخذت كارمن تعبث بمكيف الهواء بالسيارة قائلة: - أووف.. الجو حر جدًا هنا يا زين مش ممكن...
كان يبدو أنها لم تسمع حرفًا مما قال، فالتزم زين الصمت حتى وصلا إلى بيت المزرعة الصغير أنزلها زين عند البيت وفتح لها الباب، إلا أنه لاحظ نافذة مكتبه مفتوحة، فقال لكارمن:
- أدخلي كدة على ما أشوف حاجة في المكتب...
قالها ثم دار حول البيت حتى وصل إلى باب المكتب فتحه و....
-" ياسر...؟؟؟"
هتف زين مستنكرًا وهو يطالع ياسر المستلقي باسترخاء على الأريكة الجلدية بغرفة المكتب.
- "فيه عريس يسيب عروسته ويقعد في المكتب كدة...؟؟"
تسائل زين مرة أخرى ففتح ياسر عينيه المنتفختين قائلاً:
- حمدًا لله على السلامة يا زين... رجعت أمتى..؟
تأمل زين ملابسه غير المهندمة وذقنه النامية ثم قال: - سيبك مني دلوقتي يا دكتور وقولي مالك...!
هتف ياسر: - ماكنتش أتوقع أن أمي تورطني في جوازة كدة أبدًا... حاسس إني ماليش رأي في حاجة... واللي زاد وغطى البنت اللي اتجوزتها ماكملتش تمنتاشر سنة... من كام يوم كان فرحنا وخطوبة حسناء على طلال... بعد الفرح دخلوها أوضتي وقفلوا علينا وهيا قعدت تعيط بطريقة وجعت لي قلبي يا زين... ماعرفتش أعمل إيه... مشيت وسيبت البيت وقاعد هنا من ساعتها...
رفع زين أحد حاجبيه قائلاً: - وده اسمه كلام يا ياسر...! مافكرتش الناس هاتقول إيه على البنت الغلبانة دي...
وضع ياسر رأسه بين كفيه قائلاً: - طيب أعمل إيه...؟
صمت زين لحظات مفكرًا قبل أن يقول: - أنا هاقول لك تعمل إيه...
*******
بعد يوم حافل وبعد أن جلست مع شقيقتها قليلاً حتى بدأ التعب والنعاس يغلبها هي وابنها الرائع عيسى، رحلت تقى إلى غرفتها متثائبة... وقفت أمام دولاب ملابسها كي تخرج منامتها و...
- "بتعملي إيه...؟"
انتفضت فزعًا عندما وجدت هذا الصوت يصيح بأذنها وثمة يد تحيط بها من الخلف، فاستدارت عابسة وهي تقول:
- ياسر... مش هاتبطل بقى الحركات بتاعتك دي...؟ وبعدين حبيبة لسة منيماها عارف لو صحيت هاسيبهالك وأنام....
ضحك ياسر وهو يقول: - والله شكلك حلو أوي وأنت بتهددي بحاجات مش هاتحصل كدة... قال هاسيبهالك وأنام قال.. نسيتي أن عندي نبطشية واللا إيه...؟
أخرجت تقى منامتها وأزاحته من أمامها قائلة: - طيب سيبني أنام وروح نبطشيتك بقى...
رد عليها: - تقى ماتبقيش رخمة لسة شوية على النبطشية... أقعدي معايا...
نظرت إليه بإرهاق قائلة: - بتهزر صح...؟ يعني حبيبة نايمة وأنا مانمتش من الفجر وهموت من التعب... أنا عايزة أنام وماحدش يصحيني حتى لو انطبقت السما على الأرض... أصلك نمت براحتك وهاتفوق لي بقى... أقول لك حاجة يا ياسر يا حبيبي... عمتي سنية اللي هيا مامتك بتحب تسهر أوي... روح أقعد معاها... تصبح على خير...
كانت قد أبدلت ملابسها فأسرعت إلى الفراش وتدثرت بالأغطية ثم راحت في سبات عميق. أرتسمت ابتسامة حالمة على شفتي ياسر الذي أخذ يطالعها وهي نائمة متذكرًا تلك الطفلة التي شبت على يديه وتحول كرههما المتبادل إلى حب عميق في غفلةٍ منهما.
*******
في ذلك اليوم عندما أخبره زين بما يتعيتن عليه فعله... عاد ياسر إلى البيت الكبير ليجد أمه جالسة في شرفة الدور الأرضي وقد لفت حول كتفيها شالاً خفيفًا.
- "توك راجع يا عريس ...!"
قالتها له بنبرةٍ أغاظته فأكمل طريقه إلى غرفته دون أن يرد عليها لتكمل حديثها وقد لحقت به إلى الداخل:
- كنت عارفة أنك راح ترجع بعد ما زين ومرته يروحوا بيت المزرعة... آه... هيذا بيته وبكرة تكون هيذي مزرعته... وشوي وهاياجي زكريا يحط يده عالباقي... أما نشوف شطارتك بقى يا ولد عويس...
عض ياسر على شفتيه قائلاً: - مش فاهم يا أمي حضرتك عايزة إيه بالظبط...؟
قالت: - أبغاك تبقى راجل على مرتك وتساعدها تاخد حقها في ورث ابوها الله يرحمه ...
قال ياسر: - حاضر يا أمي ... عن إذنك بقى عشان هاطلع أنام ...
صعد ياسر إلى غرفته وهو يكاد ينفجر غيظًا، عندما وصل إلى الغرفة طرق الباب ووقف قليلاً ثم طرقه مرات أخرى حتى فتحت له تقى وقد بدا وجهها ذابلاً وعينيها منتفختين... وقفت أمامه لحظاتٍ متسائلة قبل أن تدرك أنها غرفته هو، فأفسحت له الطريق ليدخل. خطى ياسر إلى غرفته ثم جلس على أريكة ما مواجهة للفراش بينما ظلت تقى كما هي تقف في خوفٍ ممسكة بمقبض باب الغرفة. رفع ياسر رأسه نحوها قائلاً:
- من فضلك أقفلي الباب وتعالي نتكلم شوية...
أغلقت تقى الباب كما طلب منها وسارت إليه بخطا بطيئة وجلة ثم جلست على مقعد بعيد عنه إلى حدٍ ما، فتنحنح قائلاً: - شوفي يا آنسة تقى... أنا عارف أنك اتجوزتيني على غير إرادتك... أنا كمان... ماكنتش عايز اتجوز كدة... عشان كدة... أنا مستعد أعمل لك اللي انت عايزاه...
رفعت عينيها إليه قائلة بلهفة: - هاتسيبني...؟
عدل ياسر من وضع منظاره الطبي على أنفه قائلاً:
- حاضر لو ده هايريحك هاعمله بس مش هاينفع أطلقك بعد الجواز كده على طول عشان سمعتك... أنا عن نفسي هانام في البلكونة وهاسيب لك الأوضة وأنا أصلا مش بارجع من الشغل إلا متأخر... فمش هاضايقك نهائي...
سألته بتوتر: - طب الوضع ده هايستمر أد إيه..؟
شعر أنها تتعجل شيء ما، فسألها: - أنت في دماغك حاجة معينة عايزة تعمليها...؟
فاضت عينيها بالدمع وهي تقول: - عايزة أدخل الجامعة... أنا لسة مخلصة ثانوي وعايزة اقدم في التنسيق..
ابتسم قائلاً: - طيب حاضر هاخدك تقدمي في التنسيق ...
رفعت عينيها إليه قائلة بفرحة: - بجد...؟ طيب والجدة و...
قاطعها: - خلاص يا بنت خالي ... ماحدش له كلمة عليكي دلوقتي إلا أنا ومادمت أنا وافقت أنك تكملي تعليمك.. خلاص مش هايقولوا حاجة...
زفرت قائلة: - متشكرة أوي...
وتوالت الأيام وياسر منشغل برسالة الماجستير الخاصة به بينما تم قبول تقى بكلية التربية وتخصصت بقسم التربية الخاصة وكأن القدر ساقها لها كي تصير هي الوحيدة بمنزل آل رحيل التي تفهم ياسين ابن عمتها المصاب بالتوحد منذ صغره. كانت تذهب مع ياسر إلى منزل أبيه الراحل بالجيزة يدرسا سويًا ويذهبا إلى الجامعة سويًا. كان ياسر كل يوم يكتشف بها شيئًا جديدًا يشده إليها.. خفة ظلها.. قفشاتها المرحة... حنانها البالغ على أخيه الذي لا يفهمه أحد ولا يهتم أحد بفهمه... مهارتها في إعداد وجبات سريعة له. رآها متحملة لتقلبات عمتها وحدة مزاجها حتى جاء ذلك اليوم الذي رآها فيه تنتحي بنفسها جانبًا في المطبخ و... تبكي... لم يدر ياسر لماذا عندما دخل المطبخ ليبحث عن أمه كعادته أنخلع قلبه لنشيجها المتألم فاقترب نحوها وحاول أن يعرف ما بها، وبعد مراوغة منها والتعلل بأسباب واهية، أمسكها من كتفيها وأدارها إليه متسائلاً في حزم: - مالك بجد يا تقى..؟ من فضلك قولي لي فيه إيه..؟؟!!
مسحت عينيها وهي تقول: - مافيش... أنا بس قلقانة من الامتحان بكرة ... دي آخر سنة أنت عارف ...
هتف ياسر: - أمتحان بكرة..؟ طب وواقفة بتعملي إيه هنا..؟
همست: - مافيش.. بس عمتي قالت لي إني لازم أشطب المطبخ وأشرف على زينب وهيا بتعمل الغدا..
جذبها ياسر من يدها خارجًا من المطبخ وهو يقول: - وأنا باقول لك ياللا جهزي نفسك عشان رايحين على شقة الجيزة ...
شعرت تقى بسعادة من تصرفه إلا أنها قالت: - طب و.. والمطبخ ...؟؟؟
هتف بها: - تبقى عمتك تحرك بنتها واللا أي حد هنا يعمله بدالك... أحنا مش هانضيع تعب أربع سنين على الفاضي..
كان يجرها خلفه على الدرج، فصعدت وقلبها يخفق في عنف وكأنه يقفز معه درجات السلم.
و... كان حفل التخرج... تخرجت تقى بتقدير عالٍ وفي أقصى القاعة كان يجلس يتابعها بعينيه... تصعد على المنصة بملابسها الواسعة وحجابها الطويل ومعطف وقبعة التخرج لتأخذ شهادتها وترفعها وتتسع ابتسامتها على شفتيها بسعادة... إنها تنظر إليه عبر القاعة... يدري أنها تبتسم له... تهديه نجاحها، فقرر وقتها أنه لن ينتظر أكثر من هذا ليتأكد من مشاعره نحو تلك الطفلة التي كبرت بين يديه وهاهي ذي تتخرج بتقدير عال.
- "حاسة إني طايرة طايرة ... مش مصدقة نفسي يا ياسر ... أنت أخدت الماجستير بتقدير جيد جدًا وأنا امتياز مع مرتبة الشرف... "
قالتها في سعادة وهي تجلس بجواره في سيارته المتواضعة، نظر إليها بطرف عينيه وهو يقول باسمًا:
- مبروك يا تقى...أنت إنسانة مجتهدة وتستاهلي أعلى تقدير...
ثم أدار ياسر مقود السيارة قائلاً: - وبالمناسبات السعيدة دي... لازم نحتفل...
قالت تقى وهي تنظر إلى الشارع الذي انحرف إليه ياسر: - ياسر... البيت مش كدة أنت دخلت غلط..
مد يده ليمسك بكفها الذي بجواره... لم تسحب يدها كعادتها... بل شعر بها ترتعد بين يده، فقال بابتسامة واثقة: - لأ يا تقى... دخلت صح...!
توقف أمام أحد الفنادق الفاخرة وهو يقول: - تسمحي أعزمك على حفلة صغننة كدة...
نظرت إليه تقى قائلة: - حفلة إيه...؟؟
أخرج بطاقة ما وأعطاها إياها قائلاً: - الدور التاسع غرفة 119... أسبقيني...
عقدت تقى حاجبيها وهي تتناول منه البطاقة قائلة: - إيه جو الأكشن ده...! ماشي يا عم أما نشوف الحفلة بتاعتك دي إيه...!
صعدت تقى إلى الغرفة التي ذكرها ياسر، فتحتها... لتجدها ممتلئة ببالونات هيليوم وردية وورود... وعلى المنضدة كان قد تم وضع كعكة صغيرة بها شمعة واحدة وبجوارها علبة من القطيفة فتحتها تقى لتجد بها خاتم زواج من الذهب يجاوره محبس قمة في الرقة والجمال... ابتسمت تقى ابتسامة واسعة وهي تنظر إلى الفستان الأبيض الكريمي الموضوع على الفراش وعليه بطاقة ما فتحتها لتجد مكتوب بها كلمة واحدة فقط "تتجوزيني..؟" تمتمت تقى: - مجنون..!
صعد ياسر إلى الغرفة فلم يجد تقى... بحث بعينيه في قلق بأرجاء الغرفة حتى... وجدها تخرج من الحمام الملحق في هدوء وهي تنظر إلى الأرض... لأول مرة يراها هكذا في كامل زينتها وشعرها يتهاوى على كتفيها الذين فشل الثوب في تغطيتهما تمامًا. توجه إليها وأمسك يديها قائلاً: - قريتي الورقة ...؟
اتسعت ابتسامتها وهي تقول: - أنت بتسألني إيه يا ياسر... ما أحنا فعلاً ....
وضع أصابعه على شفتيها وهو يقول: - شششش... لا يا تقى... أنت فاهماني...
فرفعت عينيها نحوه قائلة بحب: - وأنت شايف إيه...؟
ضم يديها إلى صدره قائلاً: - شايف القمر..
سحبت يديها في خجل وهي تقول: - ياسر... بس بقى...
جذبها إليه مرة أخرى وهو يقول: - بس إيه... بس إيه ده أنا ضربت الرقم القياسي في الصبر... أربع سنين.. أربع سنين يا تقى... أنتي اللي بس بقى....!
*******


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 18-12-17, 01:08 PM   #16

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

- 3 -
"كانت إيميلاتك يا تقى وأخبارك السعيدة هيا اللي مهونة عليا الحياة والغربة في نيويورك ..."
قالتها نور بعد أن أدت صلاة الفجر مع شقيقتها التي كانت تجلس بجوارها عند النافذة المطلة على شجرة البرتقال. كانت تقى تحمل طفلة جميلة تبدو في عامها الأول أخذت تهمهم بكلمات غير مفهومة بينما تقى تقول بحنان:
- لسة مش عايزة تحكي لي إيه اللي جرى لك خلال الست سنين اللي فاتوا دول يا نور...؟
قالت نور باسمة: - منا كنت باحكي لك يا توتة ... عايزة إيه تاني..؟
قالت تقى وهي تربت على يدها: - أنتِ كنت بتحكي لي عن كل حاجة في رسايلك إلا عن حياتك أنت وزكريا... أنا حاسة أن جواكي جرح كبير أوي... حاولي تتكلمي وتفضفضي يمكن تخففي عن نفسك الحمل شوية ...
شردت نور قائلة: - لا يا تقى ... خلي الجروح مقفولة يمكن تتداوى ... مش عايزة افتح فيها أرجوكي ..
كانت تقى تشعر بشقيقتها وبتلك الغصة التي تتحدث بها... وكأنها كانت تسير على أشواك طوال الست سنوات المنصرمة. قالت نور مغيرة مجرى الحديث محاولة أن تكسي صوتها بأكبر قدر من المرح:
- خلاص بقى دلوقتي بقيتي دكتورة رسمي صح...؟
ضحكت تقى قائلة: - يا سلاااام... يسمع من بقك ربنا واخد الدكتوراه بقى... لا يا نور.. ده أنا لسة ما أخدتش الماجستير... ده أنا بالعافية خلصت دبلوم مهني تخاطب ودبلوم خاص في التربية الخاصة اللي لازم أخدهم قبل الماجستير... من ساعة ما شرفت الآنسة حبيبة وأنا مابقتش عارفة أعمل حاجة خالص... حتى لسة ماسجلتش الرسالة رغم أن ياسر عمال يلح عليا إني اروح معاه الجامعة في يوم بس حاسة إني تعبانة يا نور... حبيبة ما بتسبنيش في حالي لحظة ...
ضحكت نور وهي تداعب الصغيرة قائلة:
- حرام عليكي ... ماهي جميلة وهادية وزي القمر أهيه ...
هتفت تقى: - جميلة وهادية وزي القمر كمان...؟ يا بنتي حرام عليكي ده ابنك أرق منها وخجول كدة وعسل..
شردت نور قائلة: - أنت ماشوفتيش عيسى ده من كام شهر فاتوا... كان دايما ساكت ومتقوقع جوا نفسه وأما يتكلم مايعرفش يعبر عن نفسه ويتلخبط ويتلجلج... لدرجة أني افتكرته أوتيستيك...
أرسلت تقى نظرة على ابن اختها النائم في وداعة ثم قالت:
- لأ طبعًا... مش أوتيستك خالص... أنت جيتي في ملعبي أنا بقى كدة... الولد خجول شوية بس...
أومأت نور قائلة: - فعلاً... كنت باكلمه وأشجعه أنه يتكلم... كنت باحكي له كل حاجة رغم أنه كان ممكن مايبقاش فاهم بس كنت باكلمه كتير وباقرا له قصص ... وبرضه مكانش بيتكلم إلا بلجلجة لكن أما دخل الروضة وبدأ يحتك بأطفال مختلفين مع جو مستقر شوية في البيت ... بدأ يتخلص شوية من خجله المرضي وخفت لجلجته إلى حد كبير ...
قالت تقى: - برافو عليكي يا نور ... أنت فعلا عملتي اللي المفروض كان يتعمل و...
هنا أخذت حبيبة الصغيرة تبكي وتجذب ملابس أمها في عنف وتصيح، فقالت تقى:
- مش قولت لك .. متشردة البت دي ...
أخذتها نور هاتفة: - لاااا ... ده أنت هاتطلعي عليها سمعة مش كويسة خليها معايا أحسن ...
ضحكت تقى قائلة: - يا سلاااام ... خليها معاكي ... بس باقول لك إيه ... البضاعة المباعة لا تُرد ولا تُستبدل ... ماتجيش تقولي لي أكلت دراع ابني واللا قطعت لي شعري ...
ضحكت نور بدورها وهمت أن ترد عليها لولا أن باب الغرفة انفتح فجأة وأطلت عمتهما من خلفه وهي تقول بحدة: - الله الله ... قاعدة تتسامري وتضحكي وناسية الجدة والرجال اللي بدهم يفطروا ...
همت نور أن تتحدث لولا أن قالت تقى بسرعة:
- حاضر يا عمتي نازلة حالاً ...
ألقت سنية عليهما إحدى نظراتها الحادة ثم رحلت، فقالت تقى هامسة كي تلطف الجو:
- هيا عمتك صحيح نسخة طبق الأصل من نجمة إبراهيم... بس قلبها أبيض... وأديني متعايشة معاها...
ابتسمت لها نور بينما نهضت تقى وهمت أن تاخذ حبيبة من بين ذراعي شقيقتها إلا ان نور قالت لها:
- خليها معايا...
ضحكت تقى قائلة في مرح:
- هل أنت في كامل قواك العقلية وانت بتطلبي الطلب ده..؟؟
أبتسمت نور قائلة: - يا بنتي بطلي تطلعي على بنتك الكلام ده وروحي لعمتك ياللا ...
همت تقى أن ترحل إلا أنها توقفت كمن تذكر شيء ما ثم انحنت على نور قائلة:
- ماشي.. بس لينا قعدة تانية يا نور ... لازم تحكي لي وتطلقي سراح الأحزان المحفورة في عنيكي والألم اللي ملون ملامحك ده ..
هزت نور رأسها قائلة:
- مافيش فايدة فيكي ... هاتفضلي زي ما أنت طول عمرك... روحي يا تقى دلوقتي وسيبيني مع حبيبة... حبيبة خالتو دي...
رحلت تقى وأغلقت الباب خلفها بينما احتضنت نور حبيبة التي استكانت بين ذراعيها عندما أخذت نور تهزها بهدوء حاني وهي تتأمل أشعة الشمس البكر التي بدأت تشرق على استحياء مقبلة قمم الأشجار والنخيل المحيطة بمنزل آل رحيل... أهتزت أغصان شجرة البرتقال القابعة أمام المنزل بينما كانت نور تتسائل في نفسها ... "آااهٍ يا تقى ...! ما الذي تودين معرفته ..؟ دعي الجروح غافية..."
إلا أن جروحها أبت إلا أن تنفتح من جديد عندما عادت بها الذاكرة إلى ذلك اليوم عندما كانت تسير برهبة وتوتر في مطار نيو آرك بنيو جيرسي تحاول تحسس مسارها وسط جموع المسافرين والقادمين الغفيرة ... قلبها يخفق بعنف وهي تخطو إلى بلد مجهولة ورجل لم تره قبلاً من المفترض أنه زوجها.
كانت مجرد فتاة في التاسعة عشر من عمرها تم وضعها على متن طائرة ألقت بها إلى هاك البلد الغريب المزدحم ببشر من مختلف الأعراق والألوان. تمكنت أخيرًا من معرفة مكان استلام الحقائب وحملت حقيبتيها على عربة دفعتها أمامها وقلبها الوجل يرتجف بين أضلعها كلما شارفت على الخروج من المطار للقاء رجل في انتظارها ليأخذها إلى بيته زوجةً له.
وحيدة كانت... خائفة... خرجت إلى الصالة الخارجية تتلفت حولها لا تدري إلى أين تذهب... كيف ستعرفه وكيف سيعرفها...؟ ودت لو تهرع إلى الطائرة ثانية لتعود بها إلى بلدها ...! لكن تلك اللافتة التي تحمل اسمها جعلتها تتجه إلى من يحملها.
- " أ ... أنا ... نور.."
أخرجت صوتها بالكاد وهي تقف أمامه مرتجفة كورقة في مهب الريح. رفع منظاره الشمسي على شعره الأجعد متوسط الطول وتأملها مليًا. رفعت عينيها ببطئ نحوه... كان يرتدي بنطالاً قصيرًا من الجينز حائل اللون وتي شيرت أبيض مفتوح الصدر تبدو من أسفله قلادة فضية يتدلى منها مفتاح النيل.
- أهلاً وسهلاً يا عروسة منورة أمريكا كلها يا قمر ...
قالها وهو يمسك بعربة حقائبها دافعًا إياها أمامه لتلحظ نور هاك السوار النحاسي الذي يحيط بمعصمه. سارت خلفه في صمت محبط وقد شعرت بغصة في حلقها بينما تجمعت غيوم التكهنات السلبية لتحيط بعقلها... فالجواب – كما يقولون- قد ظهر من عنوانه... ذلك الرجل الذي أمامها والذي تزوجته رغمًا عنها.. أبعد ما يكون عن الرجل الذي تمنت أن يكون زوجها يومًا.
وضع زكريا منظاره على عينيه وهو يفتح لها باب السيارة فركبت دونما كلمة واحدة، وبدأ في طريقه متوجهًا إلى مانهاتن حيث يقطن. لم تشعر نور بالراحة لأول وهلة لها في نيويورك... فقد كانت تكاد تشعر بالدوار منذ أن خرجت من مطار نيوآرك وكأنها تركت الماضي بين ثنايا حيها المتواضع حيها المتواضع في مصر وجاءت في إطلالة كئيبة على المستقبل. كانت تتأمل الشوارع من نافذة السيارة... كل شيء فيها يهرول بسرعة خارقة. "مدينة تنبض بالحيوية، لكن بالنفايات الحية" كما وصفتها غادة السمان ذات يوم. شعرت نور وكأن ناطحات السحاب تطبق على أنفاسها ... الزحام ... إشارات المرور التي ما إن تتلون باللون الأحمر للسيارات إلا ويهرع المشاة في سباق مع الزمن يعبرون بكل سرعة. زفر زكريا بشدة متوقفًا مرة أخرى بعد تلون إشارة المرور باللون الأحمر. أطلق سبة أمريكية بذيئة التقطتها أذني نور فشعرت بامتعاض شديد وقد زاد نفورها عندما أخرج زكريا سيجارة وأشعلها وهو يصيح: - الشوارع زحمة بطريقة زبالة ... الطريق أصلاً مايخدش نص ساعة بس زحمة نيويورك بتضاعف الوقت ... أوووف ...
دخان السجائر ... الأزدحام الشديد ... ناطحات السحاب التي حجبت أغلب مشهد السماء ... نفورها الشديد من زكريا الجالس بجوارها ورغبتها الملحة في الفرار من كل ذلك ... كانت عوامل متراكمة جعلتها تشعر بضيق في التنفس وألم بمعدتها مع رغبة في التقيؤ ... مادت بها الموجودات حولها وظنت أنها ستفقد الوعي.. ودت لو طالبته بالكف عن التدخين لكنها كانت تدري أنها إذا فتحت فاها فإنها إما ستنخرط في بكاء حاد أو إنها ستتقيء، فآثرت الصمت وإغلاق عينيها محاولة السيطرة على آلامها وخيبتها.
وبعد مرور ساعة وربع كانت سيارة زكريا التيوتا بريوس الفضية طراز العام (2005) تعبر جسر جورج واشنطن المار أعلى نهر هيدسون فقال زكريا:
- خلاص ... قربنا نوصل ...
ثم أشار بيده اليسرى يسارًا مردفًا:
- ده بقى شارع برودواي بيقولوا أنه أطول شارع في العالم ... ويعتبر عاصمة المسرح الغنائي ...
قالها ثم نظر بطرف عينيه إلى نور بعبائتها الفضفاضة وحجابها الطويل الواسع وابتسم ساخرًا وهو يقول:
- واللا انت مالكيش في المسارح ...؟
عقدت نور حاجبيها بحدة دون أن تنبس ببنت شفة حيث ازداد ضيق تنفسها فصارت تلهث وكأنها كانت تركض كما ازدادت تقلصات معدتها وشعرت بانقباض شديد في قلبها ودت لو تصرخ وتبكي... فأخذت تبتهل سرًا إلى الله أن يخرجها مما هي فيه... أخذت تستغفر وتحوقل متجاهلة إياه تمامًا مرسلة بصرها من النافذة التي بجوارها مما أغاظ زكريا الذي ألقى ببقية سيجارته من النافذة في حدة مشعلاً واحدة أخرى.
بعد قليل... وجدت نور نفسها تستقل مصعدًا يرتفع بهما إلى الدور الخامس عشر بناطحة السحاب تلك الواقعة بحي واشنطن هايتس في مانهاتن. سارت في الممر الطويل المؤدي إلى شقته وهي تكاد تفقد وعيها.. لم تتمعن في ملامح تلك الجارة الشقراء الفارعة التي وقفت على باب منزلها بسروال قصير جدًا وبلوزة ضيقة لا تكاد تغطي جذعها تتبعهما بنظرات ساخرة. فتح زكريا الباب وأدخل الحقائب قائلاً:
- أتفضلي يا نورا ...
تضاعف ألمها... إنه حتى لا يتذكر اسمها..! لماذا رغب في الزواج بها ..؟ لماذا ...؟ تردد بداخلها سؤالاً لم تدر أنها ستعرف إجابته قريبًا جدًا.
لم تتمكن من تأمل المنزل المؤثث على أحدث طراز... كانت الموجودات أمام عينيها المتعبتان تتراقص. قادها زكريا من يدها حتى غرفة نوم شاسعة قائلاً:
- اتفضلي يا عروسة ... Make yourself at home
سارت نور خلفه كالمخدرة، وضع حقيبتيها على منضدة ما بالغرفة وفرك يديه وقال وهو يلتهمها بعينيه:
- عايزك تغيري هدومك بقى بسرعة ... مش عايز حركات بنات مصر ومكسوفة وماعرفش إيه ... عايز قميص نوم مولع هاااه..؟ بسرعة يا قطة ...
قالها ثم خرج وأغلق الباب عليها متوجهًا إلى بار في ردهة المنزل وأخذ يحتسي عدة كؤوس من الشامبانيا وقد عقد العزم على فعل أي شيء ليُخضع تلك الطفلة التي بالداخل إليه... يجب أن يحصل على إرثها في أسرع وقت فالعمل يغرق في فوضى كما لا يكف مهند - الشاب الذي عينه لمتابعة العمل- عن إخباره ... وإذا علم أباه أو الجدة بذلك فسينقطع كل شيء ويعود إلى مصر وبلدته الفقيرة. هز رأسه بعنف وهو يبتلع بعض الأقراص ونهض مترنمًا: - Baby, I got your money
فتح باب الغرفة ليجد نور جالسة مكانها ترتعد كعصفور مبلل بماء المطر، فأشتعل غضبه وذهب إليها مترنحًا جاذبًا ذراعها وهو يهتف: - ماغيرتيش ليه...؟
كانت تهتز في يده كدمية لا تفقه شيئًا مما حولها... فخلع زكريا قميصه وازدادت عيناه احمرارًا وهو يصيح:
- ماهو أنا لازم أعلِّم عليكي... عشان تبقي تسمعي الكلام بعد كدة ...
دفعها بعنف على الفراش وأخذ يخلع عنها ملابسها عنوة... ازدادت نبضات قلب نور وألم معدتها ولم تستطع تحريك إصبع أو رد انتهاكه لها... مادت الأرض تحتها وبدأت الموجودات تغرق في ظلام عميق و.. فقدت الوعي ... تمامًا.
***
كانت نيرانها تزداد اشتعالاً منذ أن علمت بقدومها... لذا تحاشت الاحتكاك بها كي لا تجذبها من شعرها أمام الجميع وتخنقها بيديها ولن يهمها أحد حينئذٍ... فغضبها أعظم من أي تعقل. تأملت زوجها المستلقي بأقصى الفراش مستأثرًا باللحاف متدثرًا به تمامًا بعد أن انهى مهمته معها...! لكم تبغضه هو الآخر... لا يعرف سوى العمل بالأرض طوال اليوم كما البهائم ثم يعود ليلتهم كل ما أمامه من طعام ويصعد إليها بفم ينضح بصلاً وثومًا وجسدًا ينز عرقًا ليأخذها كيفما أتفق ثم يسقط في سبات عميق. تتأمل بطنها المنتفخ... نعم ... هي في الشهر الخامس مكرهةً بعد أن اكتشف أقراص منع الحمل التي بخزانتها وفضحها أمام كل من بالبيت مع بعض الصفعات والركلات الدامية أرغمها على التخلي عما تفعله فهو يريد إنجاب "ست سبع تمن عيال... العيال عزوة" كما قال... وحملت مرة ثم اجهضت نفسها في الخفاء... لكنها تلك المرة لم تعرف كيف تتخلص من ذلك الجنين غير المرغوب فيه والذي سيوطد علاقتها بزوجها أكثر هي التي تسعى إلى الفكاك منه. عقدت حاجبيها الجميلين في حقد وهي تتمتم "هيا السبب..".
نعم .. لقد كانت ترى نور سببًا مباشرًا في كل ما تعانيه الآن مع زوج تبغضه بعد أن اختطفت منها حبيبها العاشق الذي لم تسمع من أحدٍ بعده غزل كالذي كان يتلوه على قلبها كلما التقيا. نهضت حسناء من فراشها تتأمل نفسها أمام المرآة بقميص نومها الأحمر وشعرها الناعم الطويل الليلي... نعم هي رائعة الجمال... كان ينبغي أن تكون هي أرملة زكريا... لا تلك الحمقاء التي قتلته ثم عادت بكل برود.
أخرجت الهاتف الذي كان قد أعطاها إياه وضمته إلى صدرها وهي تتمتم بألم: "واااه يا حبيب القلب.." لقد علمها كيف تستخدم الهاتف الجوال والإنترنت كما لو كانت فتاة جامعات، لكم تفتقده... إن مكالماتهما لم تنقطع حتى بعد زواجه وزواجها... لم تستطع حسناء الفكاك من سحره رغم زواجه بنور وزواجها بطلال... كانت دائمًا ما تشتاق لغزله الجرئ الذي كان يدغدغ حواسها لذا منذ وفاته من أربعة أشهر وهي تشعر بتخبط وضياع كما يشعر مدمن المخدر بأعراض الانسحاب. لكن حسناء لم تيأس وبحثت حتى عثرت على نوع آخر من المخدرات وما أكثرها. علا ثغرها ابتسامة خبيثة، فتدثرت بروبٍ منزلي ثقيل وخرجت بخفة من غرفتها على أطراف أصابعها إلى المنزل الغارق في الظلام حيث ذهب الجميع إلى النوم، متوجهة إلى مكتب خالها الشيخ سليم.
مرت بغرفة نور المغلقة فنظرت إليها بحقدٍ لازال يشتعل بداخلها حتى أتى على كل مشاعرها الأخرى فلم يتبق سواه ... و.. طاف بذهنها أول مكالمة أجرتها لزكريا بعد زواجه.
***
- "صباحية مباركة يا عريس ..."
- مين ...؟
- كمااان نسيت صوتي يا عريس الغفلة ... ماكانش العشم برضه ...
- حـ... حسناء ... أنتي إيه اللي مخليكي تتصلي بدري كدة...؟
- بدري من عمرك يا سي زكريا... إيه.... قلقت منامك يا عريس...؟ واللا قلقت منام الست الهانم العروسة...؟
- العروسة ...؟ يا نهار أسـ** ... أقفلي دلوقتي يا حسناء أما أشوف المصيبة اللي أنا فيها ...
- مصيبة إيه يا زكريا ماتاخدنيش في دوكة ... هاتطلقها متى ...
- أطلق مين الله يخرب بيتك أما أشوفها عايشة دي واللا ماتت... أنا كنت شارب امبارح ويا دوب لسة فاكر إنها وقعت ماحطتش منطق ...
لم يمهلها زكريا وألقى بهاتفه بسرعة ونهض من على الأرض حيث كان مستلقيًا بجوار البار عاريًا إلا من سروال داخلي قصير وزجاجات الخمر متناثرة حوله... لم يشعر بنور وهي تفقد وعيها في غمرة انتشائه وسكره... لم يشعر سوى بسقوطها كالدمية من بين يديه عندما نهض عنها متوجهًا إلى البار حيث أكمل شربه حتى فقد وعيه. فتح باب غرفة نومه في قلق ليجد الفراش غير المنتظم... ملابس نور الممزقة ... لكن لا أثر يُذكر لنور أو حقيبتيها ... كان متأكدًا من أنها لم تخرج من المنزل لسببين ... أولهما أنه كان قد أوصد باب المنزل جيدًا بالمفتاح الذي وضعه بخزينته الخفية ثانيهما أنه عندما أدخلها إلى غرفته وأغلق عليها كانت قد تركت حقيبة يدها في الردهة فاستل منها جواز السفر الخاص بها ودسه أيضًا بخزينته.
فتح باب دورة المياه فلم يجدها هنالك، ففتح باب غرفة النوم الأخرى لـ ... ليتراجع ذاهلاً ... مأخوذًا ... لقد كانت تقف هنالك بتنورة بيضاء وخمارًا أبيضًا تفترش سجادة صلاة حمراء و... تصلي بخشوع ... كان يقف عند مدخل الباب خلفها ... رآها تسجد فتطيل السجود ويصله همهمتها الباكية وانتفاضة جسدها بالبكاء ... تسمر مكانه حتى أنهت صلاتها وأخذت تسبح على أناملها وعندما استدارت لتجلب مصحفها رأته واقفًا عند الباب فلم تعره اهتمامًا، وجلست على سجادة الصلاة ثانية وبدأت في تلاوة القرآن. وجد زكريا نفسه ينسحب خارجًا وقد ذكرته بأمه عندما ابتاعت ملابس الصلاة البيضاء بعد الحج وصارت تصلي بها وتسبح وتقرأ القرآن ... سمع هاجسًا بداخله يحثه على إتيانها مرة أخرى كي تذعن له عوضًا عن قوتها غير المفهومة تلك رغم الهشاشة التي لمسها بها أمس، وتقدم نحو باب الغرفة الذي أغلقه منذ قليل إلا أنه شعر وكأن الغرفة مسيجة بكهرباء صاعقة ... صورتها وهي تصلي ... الشبه الكبير بينها وبين أمه في صلاتها وملبسها ... تراجع إلى الخلف حانقًا ... كيف تجرؤ على مجابهته هكذا ... لكن صوت ساخر بداخله أخبره ... إنها لا تفعل شيئًا سوى الصلاة ...! شعر ببركان غاضب من عجزه ينفجر بداخله ... وأتبع ما تتلو الشياطين على قلبه... سوف لن يدعها تهنأ حتى بصلاة أو هدوء إلى أن يأخذ منها ما يريد. وأرتدى ملابسه على عجل وخرج من المنزل سريعًا عازمًا على إذلالها.
لم يدر زكريا أن نور قد أفاقت من إغمائتها بعد عدة ساعات لتجد نفسها ملقاة شبه عارية على فراش غريب وبغرفة عجيبة أخذت تتسائل عن مكانها وتنادي على أمها، حتى تذكرت ما أدمى قلبها...! وأنفجرت تبكي كثيرًا .... مَنْ هاك الشخص الذي ربطها عمها به...؟ إنه أبعد ما يكون عن الدين بل عن الأخلاق بل عن أصل العربي عامة والبدوي الأصيل خاصة ...!!! من هاك الذئب الذي نهشها دون رحمة أو نخوة أو شفقة..! نظرت إلى ملابسها الممزقة ... لم يكن قميصًا ممزقًا كَذِبْ ولم تكن كرامتها النازفة بداخلها دمًا كَذِبْ ... هاك قميصها وذاك جسدها الذي أكله الذئب وتلك الأدمع هي دماء كرامتها المذبوحة ... وإن حاولت بث أيٍ من عائلتها شكواها ... فما هم بمؤمنين لها وإن كانت صادقة. أخذت تتمتم من بين أدمعها المراقة "فصبرٌ جميلٌ والله المستعان على ما تصفون ... فصبرٌ جميلٌ والله المستعان على ما تصفون..".
نهضت تجرجر رجليها وأخرجت بعض الملابس تستر جسدها المُنتَهَك، خرجت من الغرفة لتقع عينيها عليه.. غارق في زجاجات الخمر نائم على الأرض شبه عار. تعجبت ... إلى أي مدى تصل الشهوات بصاحبها حتى تصيِّره عبدًا لها...! هاهو ذا ممعنٌ في اتباع شهواته حتى سقط تحت رجليها ذليلاً متمرغًا في وحل المعصية. تجاوزته في بغض شديد ... لقد زادها كرهًا على كره وبغضًا على بغض ... كرهته لما فعله بها وبغضته أكثر لتعديه حدود الله.
أنسابت المياه على جسد نور المنهك التعب تحاول تهدئة كل جزء به، ولكن هيهات ... أنَّى لها الراحة وهي تشعر بالمهانة الشديدة التي ألحقها بها من هو مفترض أنه زوجها..! أدت ما فاتها من صلاة ثم أرتدت ملابسها كاملة وأغلقت حقائبها وهمت على الرحيل... همت أن تفر من هنا بأقصى سرعة قبل أن يفيق من سكرته. إلا أنها وجدته غلَّق الأبواب كلها، فتراجعت في خوفٍ وقد شعرت بالوقوع في الفخ الذي تم نصبه لها بإحكام. عادت إلى الغرفة الأخرى التي تحوي فراشين وأخرجت ملابس الصلاة الخاصة بأمها وكأنها تحتمي برائحة أمها من كل يحيط بها ... ثم في صلاتها انتصبت ... وإلى ربها رغبت. تبتلت إلى الله كثيرًا أن يبعد عنها ذلك الذئب ... أخذت تقيم الليل متبتلة باكية داعية وهي تثني على الله وتتملقه ... حتى أُذِّنَ للفجر ... صلت الفجر وجلست تذكر الله وتدعوه ... وبعد الشروق بقليل وقفت لصلاة الضحى وبعد ان أنهت صلاتها رأت زكريا يقف على باب غرفتها في صمت ... شعرت بقوةٍ عجيبةٍ جعلتها تتحاشاه وكأنه لم يكن ... رغم إرهاقها وتعبها إلا أنها شعرت برغبة ملحة في التلاوة من مصحف أمها، فتناولته وبدأت في التلاوة ليخرج زكريا من حيث أتى وتهبط سكينة ما على قلب نور.
***
لم تقوضها الذكرى هذه المرة، لم تُبكها كعادتها ... بل ذكَّرتها بقوتها التي أمدها الله بها عندما كانت أضعف ما يكون وأيأس ما يكون ... ما كان يحزنها سوى شيء من تزعزع ثقتها بالله وقتها عندما تسائل قلبها في لحظة ضعف أن (لماذا..؟ لماذا كل ذلك العذاب الذي تلقاه..؟) إلا أنها نفضت عن قلبها سريعًا ما لا يحق له بقوله فالله تعالى (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون). تحتضن صغيرها الذي غفى بعد يومٍ حافل من اللعب مع حبيبة وأبناء بدر الذي قدم المنزل مع زوجته وابنائه الثلاث وحسن ابن زهوة التي جاءتهم زائرة بدورها، تَذْكر يوم اعتداء زكريا الغاشم عليها ... ذاك اليوم الذي قدر الله فيه أن يكون لها ابن من رجل تبغضه. تَذْكر عندما سمعته يخرج من المنزل يومها فخرجت من الغرفة التي احتلتها في أقصى المنزل النيويوركي وكان أول ما فعلته هو التخلص من كل الخمر بالبار وقد أقسمت ألا توجد معها في مكانٍ واحد. أخذت يومها تتأمل المنزل المؤثث على أحدث طراز جامعًا بين الأسطح الخشبية الدافئة والمعدنية العصرية مما يعطي انطباعًا بحداثة ذات مسحة كلاسيكية. وقفت أمام النافذة الزجاجية الضخمة التي تطل على نهر هيدسون وسرقها جمال المشهد حتى انتفضت عندما فتح زكريا باب المنزل في صخب وقد اختلط صوته بصوت امرأة ما...!
نظرت نحوه وهو يدخل متأبطًا إحدى بائعات الهوى الساقطات لاتينية الملامح فاضحة الملبس وهو يداعبها بطرق بذيئة أقشعر لها جسد نور لا غيرة أنثى على رجلٍ مثله بل امتعاضًا وغضبًا من تجرئه على اتيان الكبائر بكل تلك البساطة ...! توجه زكريا إلى البار الذي اختفت منه كل زجاجات الخمر ... كادت نور تسرع إلى الغرفة التي أتخذتها ملجئًا لها، إلا أنه أمسكها من ذراعها وعيناه تقدح شرراً هاتفًا:
- فين الأزايز اللي كانت هنا...؟
ورغم ارتعادها إلا أنها قالت بقوة:
- رميتها ويا ريت لو عايز تعمل القرف اللي بتعمله ده يبقى بعيد عني.. مش عايزة أموت في مكان يعصى الله فيه.
أدارها إليه بعنف وصفعها بقوة هاتفًا:
- تموتي...؟ والله لاوريكي الموت عشان تبطلي تتصرفي من دماغك..! أنت عارفة الأزايز دي بكام يا بنت الـ***...!
سقطت على الأرض إثر صفعته فجرها من ذراعها وأخرج لها ورقة ما قائلاً:
- أمضي لي على التوكيل العام ده دلوقت حالا...
تسائلت نور بألم: - ليه ...؟ هوا أنا حيلتي إيه عايز تاخده..؟
ازداد ضغته على يدها قائلاً: - حيلتك إيه...؟ ورثك من ابوكي يا روح امك...
تساقط الدم من شفتيها إثر صفعته فوضعت يدها الحرة على فمها قائلة:
- ورث إيه...؟ ما أبويا اتنازل عن ورثه وماليش حاجة... خالص...
لوى ذراعها هاتفًا: - كدابة ... أمضي التوكيل قلت ...
جذبت ذراعها بقوة من بين يديه وفرت من أمامه قائلة:
- وأنا مش هامضي على حاجة ...
دخلت الغرفة وأحكمت إغلاق بابها عليها وهي ترتعد وتشعر بالألم ينتشر في جسدها كله، لم يحاول اللحاق بها ... سمعت صوته مع المومس التي معه فازداد امتعاضها وأخذت تستغفر وتبرأ إلى الله مما يفعلان.
تذكرت تكرار ذلك المشهد مرارًا وعندما جابهته وحاولت نصحه بالبعد عن تلك الكبيرة لم يكن رده سوى ...
- أعمل إيه ومراتي عملالي سحر أسود مش مخليني اعرف اقرب لها...
-خلاص طلقني واتجوز غيري ..
- إنسي يا ماما مافيش طلاق ...
- أتجوز عليا ان شالله 3 كمان ... بس بلاش ترتكب كبائر...
تذكرت عيناه الزائغتان... تذكرت أملها الضعيف في أن يطرق كلامها قلبه ويهديه ربه... إلا أنه أخذته العزة بالإثم وكان رده عليها المزيد من الصفعات والسحل حتى لاذت بغرفتها منهكة القوى لا تدري أسيُكتب لحملها الاستمرار أم تراها تلفظه عقب كل ذاك العذاب..! لم تدر وقتها أن الله يحتفظ لها بأجمل هبة سيمن بها عليها ... عيسى.
***
- "عيسى ....!"
صاحت فزعة وهي تستيقظ من غفوتها ... لقد غفت بجواره بعد أن صلت الفجر إلا أنه لم يكن موجودًا بالغرفة الآن. نهضت في هلع ترتدي ملابسها وحجابها وتخرج من الغرفة هاتفة باسمه. لاقت عمها الشيخ سليم وسألته عنه لاهثة، فربت على كتفها قائلاً:
- ما تخافي يا بتي ... الدار عندينا أمان .. ولدك مع عمه بالأرض الغربية حدا الخيل ..
سألته عن مكان الأرض الغربية تلك فأشار إلى الحديقة خارج المنزل خلفها، لم تنتظر وهرعت إلى الخارج تجاوزت الحديقة المحيطة بالبيت إلى أرض شاسعة تتراص بها اسطبلات خيل يقف عند أحدها زين حاملاً عيسى ولأول مرة تلحظ على وجه زين ابتسامة وادعة خالية من أي إنفعال سلبي كما إنها لأول مرة منذ زمن ترى ابنها وقد ارتسمت على وجهه تلك السعادة الصافية وزين يمسك بيده يجعله يمسح على قذالِ جوادٍ أسود بادي القوة. حاولت تمالك نفسها والسيطرة على ضربات قلبها التي كانت تضج بالقلق منذ قليل وتابعت تقدمها نحوهما. كان زين قد لاحظ مجيئها فتلاشت ابتسامته وعاد حاجبيه لانعقادهما المعهود وعلت وجهه تلك النظرة الباردة العجيبة. قالت لابنها لائمة:
- كدة تقلقني عليك يا عيسى ...! إزاي تنزل من غير ما تقول لي ...؟
عيسى: - أ.. أنا آسف يا ماما ... بس أنا شوفت الحصان ده من أ...الشباك نزلت اتفرج عليه ...
همت أن تتحدث لولا أن قال زين حازمًا:
- ياللا يا عيسى أرجع انت البيت عشان أنا لازم أمشي دلوقت ..
عقدت نور حاجبيها في دهشة وهي تمسك بيد ابنها بعد أن أنزله زين أرضًا ثم قفز برشاقة على الجواد الأدهم وأنطلق يعدو بعيدًا عنهما ميممًا وجهه شطر مزرعته التي صارت ملاذه الوحيد عقب كل ما مر به من أحداث. وما هي إلا نصف ساعة أو يزيد حتى وصل إلى بيت المزرعة الصغير... قفز من على جواده الذي أحكم وثاقه أمام البيت ثم دلف إلى الداخل ... كان الغبار يعلو كل شيء ...إلا أنه شعر وكأنه تركه البارحة ...! هبت عليه رياح الذكرى قاسية وخاب ظنه في أن يجد راحته في منزل أثثه بيديه وكيف ذلك وقد شاطرته هذا المنزل يومًا...!
***
ثائرة كانت ... متذمرة لأقصى حد ... تصيح بعصبية شديدة ... وكأنه لأول مرة يراها ... ويكأنما هي قنبلة موقوتة آن أوان انفجارها ... وكأنها امرأة أخرى غير تلك التي تعيش معه منذ شهرين ...! مرر يده بين خصلات شعره الفاحم محاولاً تهدئة ثورته والسيطرة على غضبه وانتقاء كلماته كي لا يتلفظ بما قد يندم عليه لاحقًا.
- حبيبتي أنت عارفة ان مبدأ الشغل ده مرفوض تمامًا بالنسبة لي إلا أني ...
قاطعته بعصبية وقد تضرج وجهها بالحمار انفعالاً:
- What the hell does that suppose to mean...؟ أنا عايزة أحقق ذاتي ... إحنا في القرن الكام عشان تقول لي رافض الشغل وكلام سي السيد ده..! أنا مش أمينة يا سي السيد ... أنا كارمن عمر هجرس لو كنت نسيت ...
ضغط على أسنانه بقوة كي لا ينفجر بدوره:
- بالراحة يا كارمن ... إنتي ما اديتنيش الفرصة أكمل كلامي.. باقولك أنا كنت رافض مبدأ الشغل بشكل عام ... لكن ممكن أما تتخرجي تشتغلي مع باباكي في واحدة من شركاته ... لكن تقعدي تتنططي من بلد لبلد وتخدمي الناس في الطيارة ... يا ست كارمن عمر هجرس .. مرفوووض تمامًا ... وبعدين تعالي هنا .. أنت ازاي هاتبقي مضيفة بالحجاب ...؟ مش ممنوع الحجاب ...؟؟؟ وإزاي هاتكملي دراستك يا كارمن...؟ إيه ناوية تسيبيها واللا إيه ...
أرتبكت قليلاً ثم قالت وقد عاودها عنادها الشديد:
- أنت مش عارف أن پاپي احتمال كبير قوي يبقى وزير الزراعة في التعديل الوزاري اللي جاي واللا إيه..؟ غير كدة كمان معارف پاپي في مصر للطيران اللي هايتأكدوا إني قبلت في الوظيفة ممكن يخلوني أبقى بالحجاب عادي ...
ابتسم ساخرًا وهو يقول:
- يتأكدوا إنك قبلتي في الوظيفة..!! محسساني انك رايحة تشتغلي في الأمم المتحدة..!
لم تلتقط نكهة السخرية التي طعمت كلماته، وظنته لينًا من جانبه، فقالت بغرور وقد هدأت ثورتها إلى حدٍ ما: - لأ طبعا مش راحة اشتغل في الأمم المتحدة ... راحة اشتغل أميرة ... أميرة فوق السحاب ... وبعدين أنا أصلاً مش محتاجة واسطة عشان يقبلوني .. كل شروطهم متوفرة فيا وزيادة كمان ... الجمال والثقافة واللغات ... الطول والوزن واللباقة وحسن التصرف ...
أقتربت منه في نعومة بعد أن ظنت هدوئه انسحابًا، وقالت: - حبيبي ... ده حلمي من وأنا صغيرة ... أبقى مضيفة طيران وأسافر هنا وهناك ... وهما هايسمحوا لي إني أتابع دراستي وفيه مرونة إني أروح أمتحن وقت الامتحانات ...
نظر إليها طويلاً وقد ابتعد عنها قليلاً ... كيف لم يلحظ ...؟؟ كيف لم يلحظ أنها لازالت كارمن ذات الملبس المتحرر التي قابلها أول مرة ... لم يكن ذاك التغير وتلك الهشاشة التي رآها عليها إلا حالة عابرة لكنها لم تتغير قيد أنملة من داخلها ...!
- لسة برضه شغلك كمضيفة مرفوض يا كارمن ...
اشتعلت أكثر من ذي قبل وقد شعرت بإهانة لا حد لها وهي ترى كبريائها يسقط من عليائه بعد أن خلعت رداء المعركة وقد ظنت هزيمة خصمها الذي نهض مرة أخرى واستمر في مواجهته ...! انتفضت واقفة وهي تهتف: - وأنا مش هافوت الفرصة دي يا زين ...
نهض بدوره قائلاً بصرامة مخيفة: - ماتخلينيش أقول لك يا أنا يا الشغل ده يا كارمن وأفهميني بقى ...
هزت كتفيها ورأسها بحدة وهي تقول:
- أنت حر يا زين ... أنا هاروح أقعد عند پاپي لحد ما تبقى تعرف تفهمني ... حاجة تخنق ...!
ورحلت من أمامه كإعصار هادر.. دخلت غرفتها ... أنزلت حقائبها وقبل أن تشرع في جمع أغراضها أمسكت هاتفها كتبت رسالة قصيرة بعصبية "حسام ... أنا جاية الإنترفيو بتاع يوم الحد". ثم ألقت بهاتفها وبدأت تلملم أغراضها في حقائب السفر الأنيقة ... أبدلت ملابسها بسرعة وخرجت تجر حقائبها.
- إهدي يا كارمن وبلاش تسرع ... خلينا نتكلم...
نظرت له بامتعاض ثم أخفت عينيها بمنظارها الشمسي وخرجت مسرعة إلى سيارتها، أما زين فقد تابعها بعينيه في صمت وبداخله بدأ ألف سؤال ينبش قبره ويطل برأسه معلنًا أنه لم يمت بَعدْ..! رغم أنه عمل جاهدًا على دفن الاسئلة كلما ترائت له، إلا أنها أتت لتكشف له الآن عن وجهها المشوه وتباغته في وحدته وتجتمع على قلبه الذي صار وجبة سائغة لهن. الغرفة الفخمة الممتلئة ذهبًا ومرايا خاوية جدًا من ملابسها وعطورها وزخم اشيائها التي كانت تتواجد أكثر منها.
بقلبٍ صار كالحلث البالي وضع نفسه في سيارته وقطع اللأميال حتى بلدته دون أن يشعر بالوقت أو المسافة. هبط إلى بيت المزرعة... لكم اشتاق إليه... لم يحدث أن اختلى بنفسه هاهنا منذ ما يزيد عن شهر كما كان يفعل فيما مضى دائمًا... منذ أن جاء معها هاهنا وأبدت كرهها للمكان وأنه "حر حر ... حر بشع فظيع ومافيش إيه سي كمان..!" كما قالت... وهو منفي بمنزله "الفخم" في مدينة السادس من أكتوبر... عُزلة إجبارية مع بعض المرايا والأثاث والتحف المذهبة الفخمة وزوجة تقضي جُل أوقاتها بين النادي والكوافير وبيت أبيها...!
***
- "فين بقى الحاجة المهمة اللي قولتي لي إني لازم أشوفها وأنك شايلاها لي...؟"
تسائلت تقى في لهفة... فابتسمت نور بحنو بالغ... وكأن تقى قد اشتمت رائحة أمها في حديث شقيقتها. نعم.. لقد عقدت نور العزم على ان تهبها شقيقتها علَّها تنقذها يومًا ما كما فعلت معها.
كعادتها ... لم تكف علا يسري عبد العال عن إنقاذ الأرواح الهائمة حتى بعد مماتها، لم يُنهي موتها قصة الحب والتضحية عندما قررت تخليد حكايتها كاملة هنالك ... بالمفكرة السوداء.
أخرجتها نور بحرص بالغ من حقيبة يدها وسلَّمتها شقيقتها التي تناولتها برهبة جمة ويبدو عليها أنها تذكرتها..! لهثت في انفعال متطلعة إلى نور التي ابتسمت متأملة شقيقتها وكأنها تقول لها "هنا تكمن الحكاية من البداية". وكأن قدسية الموقف عقدت لسانيهما ... احتضنت تقى المفكرة ورحلت، بينما شعرت نور بخواء كبير عقب أن فارقتها روح أمها التي تلبست بها منذ سنوات وكأنها كانت المحرك الخفي لحركاتها وسكناتها.
المفكرة السوداء العجيبة التي ما إن فتحتها حتى انتثر السحر وأحاط بروحها التعبة ... المفكرة السوداء اللغز التي كانتا تسألا أمهما عنها كلما وجداها تكتب بها في نهمٍ وإصرارٍ عجيبين، فتخبرهما أنهما سيعرفا الأمر قريبًا. المفكرة السوداء المنقذة ... تعويذة الحب والمثابرة.
تتمايل أفرع شجرة البرتقال المزهرة بزهور بيضاء جميلة مع نسمات هواء لطيفة ... تتأملها نور شاردة كوقفتها منذ خمس سنوات أمام تلك النافذة الكبيرة تتأمل نهر هيدسون وجسر جورج واشنطن بنظرة متألمة خاوية.
في الشهر الأول لفاجعتها... غلقت عليها الأبواب وانسحبت إلى داخل ذاتها تبكي وترثي ما آل إليه أمرها..! كانت تقضي النهار صائمة والليل باكية قائمة لا تشتهي طعامًا وقد أزدادت حالة الغثيان لديها وأزداد مقتها للأكل. خلال شهر... برزت عينيها بعد أن هزل وجهها وجسدها وظنت أنه الفراق.
في الشهر الثاني لوجعها... تأخرت عادتها الشهرية... وبدأت تربط بين حالات الغثيان والقيء الصباحي وتأخرها... وبكل فزع الدنيا وبعض الدولارات نزلت لأول مرة من بيت العنكبوت الذي سقطت به كذبابة هائمة، وابتاعت اختبار حمل منزلي... و ... تمر الدقائق سنون.. حتى ظهر الخط الأحمر ثم خطًا آخر..! وأُسقِط في يدها.!
في الشهر الثالث لحزنها... تذكرت اختفاء جواز السفر الخاص بها... وبينما هي تبحث عنه بعينين زائغتين لا تشتهيان من الدنيا سوى الرحيل عنها... رأتها تسقط من بين حاجياتها.... المفكرة السوداء اللغز..! فتحتها لتتشمم عبق أمها من بين الورق وخطها الدقيق المنظم ... فتحتها وكانها تستمع لأمها لأول مرة تحكي لها حكاية عُمْر... حكاية قلب تزلزل حتى تمحص... لقد أماطت علا اللثام عن كل المناطق المظلمة بحياتها... فصارت نور تقرأ بنهم ... تلتهم الأسطر والكلمات بروح مهدودة من الوجع ... بروحٍ نهمة لروحٍ أخرى تربت على كتفها وتأخذ بيدها كي تنهض.
صفحات كثر أنهتهم نور في ليلتها شعرت بعدها بسلام عميق يغمر قلبها ولأول ليلة تنام ملئ أجفانها وكأنها نائمة بين ذراعي أمها كما كانت تفعل كلما أهمها أمرًا ما، وكأن روح علا تجلس على طرف الفراش تحتضنها في حنان.
غفت نور متأملة لصورة نادرة لامها في شبابها ... صورة بالأبيض والاسود إلا أن نضارة الصحة والشباب والسعادة اللامعة في عينيها وابتسامتها الواسعة كانت جلية بالصورة التي تجمع علا بحبيب قلبها سليمان رحيل العربي قبيل وفاته.
"نور عيوني ونور الدنيا أنت يا نور
ياللي وجودك هل علينا بهنا وسرور
ربي يحمي ويحفظ نور من أي شرور
ربي يبارك وتبني نور للهدى جسور"
صوتها الحاني يهدهدها بأنشودة مهد ألفها أباها الراحل كما أخبرتها وتغنت علا متلحنة بها لابنتها ... تفتح نور عينيها غير مصدقة أنها حقًا بين ذراعي أمها تغني لها وتبتسم في حبور ...!!!
"كنت متأكدة أنه كابوس وانك لسة عايشة ... وحشتيني أوي يا أمي...!"
ظلت علا تنشد لها تلك الانشودة حتى بعدما شبت ... وهاهي ذي الآن تنشدها لها بصوتها العذب وابتسامتها الواسعة ...
- "آاااه يا ماما ... الحياة من غيرك صعبة أوي ..."
- "أنت قوية يا نور ... ولازم تقفي على رجليكي وتواجهي ماتهربيش ..."
- "ماما ... أواجه إيه ...؟؟ ما كل اللي فات ده كابوس وحضرتك الحمد لله موجودة أهوه ..."
- "ماتهربيش يا نور ... أديكي قريتي اللي حصل لي من وانا أصغر منك ... لازم تقفي زي ما وقفت وتكوني حتى أقوى ... "
- "ماما ... قـ... قصدك إيه...؟ أنا هاستخبى في حضنك ومش هاسيبك أبدًا ...."
- "ماتهربيش يا نور ... واجهي خوفك وحزنك وأهزميهم .... ما تهربيش..."
وأزداد سطوع هالة الضوء المحيطة بأمها حتى اختفت و... فتحت نور عينيها لتواجهها تلك النافذة الكبيرة المطلة على نهر هدسون وترى بين يديها صورة أمها في شبابها تمامًا كما رأتها منذ قليل.
في الشهر الثالث لحملها، ... بعد أن أفاقت من حلمها الجميل على وقت الفجر ... هجرت نور سجنها الاختياري والساعات الطوال لتأمل النهر من علٍ، وتوضأت وقد عزمت إسقاط يأسها مع ذنوبها المتساقطة من ماء الوضوء. أرتدت ملابس الصلاة الخاصة بأمها، ووقفت لتصلي الفجر. وكما همست لها روح أمها... هبطت إلى أرض الواقع وقررت التحرك كي تحاول إنقاذ نفسها و... جنينها.
كان يومًا تشرينيًا غائمًا... توقعت نور خلو شوارع مانهاتن من أي سائر بساعات النهار الأولى، إلا أن دهشتها كانت كبيرة وهي ترى عددًا غير قليل من أهل نيويورك البعض ذاهبٌ إلى عمله وآخرون يمارسون رياضة الجري. وضعت يديها في جيبي عبائتها الخريفية رمادية اللون ويممت وجهها غربًا سائرة بشارع برودواي الشهير تاركة خلفها جسر جورج واشنطن متوجهة صوب سنترال بارك، لم تكن تدري إلى أين هي ذاهبة إلا أنها استمرت في المسير متأملة المحال التجارية التي كان أغلبها مغلقًا والأشجار الباسقات المتناثرة على جانبي الطريق وبمنتصفه... أشجار خريفية تساقطت أغلب أوراقها. سارت كثيرًا وأخذت تملأ رئتيها بهواء الصباح النقي محاولة ترتيب أفكارها... محاولة التفكير في طريقة للمواجهة كما أخبرتها امها.
كانت إحدى البقالات "أسوشيتيد سوبرماركتس" قد بدات في فتح أبوابها... قبضت على الثمانين دولاراً في جيبها بتردد.. لقد اعطاها عمها سليم مائة دولارً... ابتاعت بعشرين دولارًا اختبار الحمل من إحدى الصيدليات ولم يتبق معها سوى الثمانين دولارًا تلك. لكنها حسمت أمرها ودخلت إلى البقالة ابتاعت عصيرًا معلبًا شربته ثم اكملت سيرها.
لم تشعر بالوقت وهي تسير متأملة ذلك البلد الغريب تمامًا عليها الذي يجمع أمم متحدة من البشر مختلفي الألوان والأعراق كلٌ يسير بسرعة متوجهًا إلى عمله أو إلى وجهته أيًا كانت. وجدت نفسها قد ابتعدت عن شارع برودواي وبدأت تشعر بالإنهاك عقب السير لساعة ونصف متواصلة... وقفت عند مفترق طرق لا تدري إلى أين تذهب... حاولت تذكر الطريق ... جلست منهكة على أحد المقاعد الحديدية بحديقة صغيرة لتستريح قليلاً كي تفكر بوضوح. راحت تتأمل المكان حولها ... تلك الحديقة الصغيرة الممتلئة بالاشجار يتبعها حديقة أكبر ... السيارات التي تسرع التحرك عقب تلون إشارة المرور باللون الأخضر ... كلٍ سائر في طريقه وهي قد تاه منها الطريق. بدأت الشمس تسطع على استحياء فرفعت عينيها نحوها وكأنها ستلهم قلبها نورها ودفئها وتطمئنه ... إنها غريبة تمامًا ببلد غريب مع رجل لا وازع له من دين أو خلق وصارت الآن بلا هوية ... "كيف بالله يا أمي تريديني أن أقاوم...؟ كيف أقاوم غربتي وأقاوم وحدتي وأقاوم قريبٌ من دَمِي المفترض أنه سكني لكنه هو مصدر ألمي..؟ تخبرينني ألا أهرب ...؟ أنا حتى لا أملك ترف الهرب...؟ سأكون كالمستغيث من الرمضاء بالنار..!"
أنقبض قلبها وتفاقم إحساسها بالغربة وهي تتأمل البنايات الشامخة أمامها ... امتلأت عينيها بالدموع لا تدري ماذا تفعل ... أخذت تحوقل وتستغفر وهي تتابع سير السيارات وتتسائل في نفسها عن كنه ذلك المبنى الغريب المنخفض إلى حدٍ ما وسط البنايات المرتفعة ... ثلاث بنايات منخفضة محاطة ببنايات عملاقة ... لم يلفت نظرها سوى تلك البناية التي تتوسط البنايات الثلاث ذات الطوابق الثلاث وطابق السطح الذي يشبه القبعة الخضراء، نظرت إلى مدخل البناية محاولة تبين كنهها ضيقت عينيها محاولة قرائة اللافتة " Islamic Cultural Center of Riverside Drive" لم تصدق عينيها وقد دب بقلبها شيء من السعادة ... "المركز الثقافي الإسلامي"..!
"ياما إنت كريم يا رب..."
أسرعت إلى الداخل ... إلى مصلى النساء ... كان تقريبًا فارغًا ... توضأت ووقفت تصلي الضحى ... وجدت نفسها تطيل صلاتها ... لم تشعر إلا وهي تختم البقرة في أربع ركعات مثنى مثنى ... سجدت ودعت كثيرًا ... سلَّمت ورفعت يديها تدعو وقد اغرورقت عيناها بالدموع ....
( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيدٍ يتجهمني؟ أم إلى قريبٍ ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بي غضبك، أو تحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك).
أخذت تكرر الدعاء وينشج صوتها باكيًا ... "إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي .... إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي" لم تشعر نور بنفسها إلا وثمة يد تربت بحنو على كتفها ... انتفضت في وجل واستدارت خلفها لتراها ... ابتسامتها الواسعة المشفقة التي تشق وجهها الأبيض الطويل تكشف عن اسنان غير منتظمة وخمارها الأبيض القصير يزيد وجهها وضاءةً وجمال.
أخذت نور تمسح وجهها بظهر يديها وهي تقول بصوت مبحوح بإنجليزية سليمة:
- عذرًا ... أنا جدًا آسفة على الإزعاج ... لم أكن أعرف أن هناك أحد غيري بالمصلى ...
قالت لها وهي تجس بجوارها:
- لا عليك عزيزتي ... كلنا نمر بتلك الأوقات ... أنا إيفا ...
مدت يدها إلى نور التي صافحتها قائلة: - أنا نور الهدى ...
تأملتها السيدة طويلاً قبل أن تقول: - تبدين صغيرة ...
ابتسمت نور في إنهاك قائلة: - عمري الفعلي تسعة عشر عامًا ... لكنني أشعر وكأنني في الخمسين من عمري ...
ملامحها الحزينة ... شفتاها بلونهما الأبيض ووجهها الأصفر .. جسدها الهزيل ... خمنت السيدة حال نور، إلا أنها قالت مازحة:
- على هذا ... أنت تكبرينني بعشرة أعوام ... أنا في الأربعين وأقنع نفسي أنني لازلت في العشرين...
رسمت نور ابتسامة على شفتيها وهي تقول بالعربية متنهدة:
- أنا خلاص بقيت حاسة إني جثة متحركة ..!
نظرت إلى السيدة متوقعة أن ترتسم على وجهها إمارات الجهل من كلامها بالعربية، إلا أن إيفا ضيقت عينيها قائلة:
- أنت ... مصرية ... موش كدة..؟؟
ذهلت نور من تلك السيدة ذات اللهجة والملامح الأوروبية التي فهمت حديثها بالعربية ولم ترد عليها باللغة العربية فقط .... بل باللهجة المصرية أيضًا...!!!
- حـ ... حضرتك بتتكلمي عربي,...؟ أنا مصرية فعلاً ...
- أيوة أنا باتكلم عربي ومصري كمان ممكن تقولي إني من طنطا... أنا سعيدة جدًا بلقائك صغيرتي ...
اتسعت عينا نور في غير فهم، فضحكت إيفا قائلة:
- تعالي اعزمك على الفطار وأحكي لك حكايتي وإزاي بقيت ألمانية - مصرية ... والأهم ... إزاي بقيت مسلمة ...
نظرت إليها نور في تردد، إلا أن إيفا نهضت قائلة:
- عشان يبقى زي ما بتقولوا في مصر عيش وملح ...
ضحكت نور متعجبة من تلك السيدة التي يبدو من حديثها أنها ولدت وترعرعت في مصر، وزاد عجبها وهي تراها تلبس خمارًا طويلاً فوق خمارها الابيض القصير و.... نقابًا..!!!!!
***

Msamo likes this.

Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 18-12-17, 01:11 PM   #17

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

- 4 -
"إنك لا تقابل إلا نفسك في طريق القدر...
كن كاذباً تسرع إليك الأكاذيب ...
كن لصاً تتشبث بك الجرائم...
في أي طريق تذهب لن يكون قدرك
إلا صورة من نفسك..."
― مصطفى محمود
***
"أُدعى إيفا... عشت حياة متحررة جدًا في ألمانيا أفعل كل ما يحلو لي... كانت أمي تعمل مدبرة منزل وأنا كنت أعمل نادلة في مطعم بفندق كبير لكي اتمكن من توفير المال لإكمال مصوفات الجامعة. في عام من الأعوام قابلت شاب مصري لطيف ... أسرني حقًا ... كان خالد متميزًا في كل شيء ... تصادقنا عدة أشهر وعندما حان وقت عودته إلى مصر قررت أن أوافق على عرضه .. وتزوجنا وذهبت معه إلى مصر..."
توققفت إيفا عن الحديث حينما اقترب النادل ليضع الطعام على طاولتهما ... فشردت نور في نهر هدسون والمشهد الرائع الذي يطل عليه ذلك المقهى الذي أخذتها إليه إيفا عبر المسطحات الخضراء لنهر هدسون المواجهة للمركز الثقافي الإسلامي، اعترفت في نفسها أنها كانت مترددة من الذهاب مع تلك السيدة العجيبة، إلا أنها حسمت أمرها "فلن يضير الشاه شيئًا سلخها بعد ذبحها" وهي قد تم ذبحها فعلاً. إلا أن إيفا كانت تتعامل بتلقائية وبساطة متناهيين.
- لا يعرف هذا المقهى الكثير من الناس، لكنني منذ أن اكتشفنه وأنا مدمنة على تناول إفطاري هنا ... الطعام ليس ممتازًا لكنني أحب ذلك المشهد الساحر المطل على نهر هدسون بمراكبه ...
استدارت إليها نور متأملة عينيها الرماديتين اللامعتين الباديتين من خلف غطاء وجهها ... كانتا وسط المطعم كنغمة شاذة ... إحداهما منتقبة وأخرى محجبة وسط نساء يرتدين أقل قدر من الملابس حتى في أجواء أكتوبر الخريفية الباردة...!
- أنا طلبت لك سينامون فرينش توست مع الموز والمكسرات وشاي إيرل جراي ...
كانت تتحول من الإنجليزية إلى المصرية في ثواني فابتسمت نور قائلة بهدوء: - متشكرة أوي ... جزاك الله خيرًا ...
ابتسمت إيفا قائلة: - وإياك ...
شردت قليلاً قائلة بالإنجليزية: - أين توقفت...؟ آاااه ... عندما ذهبت إلى مصر مع خالد ... كان منزله في طنطا ببيت أبيه ... لأول مرة في حياتي أشهد اسرة بذاك التماسك وتلك الحميمية ... الكل يلتف حول الأب والام نبعًا من الحنان والحب واخوته ما ألطفهم .. لم أكن مسلمة وقتها ولم يهتم خالد بدعوتي ... وعندما سألته قال لي كوني كما تشائين ... إن اقتنعتي بالاسلام ادخلي فيه ... أنا لا يهمني ... لم يعجبني رده ... أنا لم أر في خالد شيئًا مختلفًا عني ... لا يصلي كأبيه ولا يذهب إلى مكان الصلاة (المسجد) وكان في ألمانيا يشرب الخمر كما أنه أقام معي علاقة قبل الزواج ...! كانت أمه تشاهد قنوات يظهر بها أشخاص ملتحون يتحدثون كثيرًا ... فسألت شقيقة خالد أن تترجم لي ... فأخذت تترجم لي بعض ما يقال حتى عرفت الكثير عن الدين الإسلامي ... واكتشفت أن زوجي أبعد ما يكون عنه ... كما كنت أنا عن النصرانية التي كنت اعتنقها ... فأنا كنت نصرانية بالاسم فقط، لا اذهب إلى الكنيسة إلا في المناسبات الرسمية ...! وعندما عدت إلى ألمانيا مع خالد ذهبت إلى المركز الثقافي الاسلامي هناك وقرأت الكثير من الكتب ثم قررت أن اعتنق ذلك الدين السمح ... وبالفعل اسلمت وعدت معه إلى مصر محجبة ... حجاب صغير ... لم يمض عدة أشهر حتى قررت الذهاب إلى المسجد الذي يصلي فيه أبا زوجي لأجد امرأة من أروع ما تكون... وجهها كالبدر ليلة تمامه من النور الذي يشع به ... كنت قد تعلمت شيء من اللغة العربية ... علمتني أم مصعب الكثير عن الإسلام حتى وصلتُ إلى قرار تغطية الوجه ... ليس تقليدًا لها بل تأسيًا بأمهات المؤمنين ... لم يعجب خالد ذلك ... فلم أتركه حتى ذهب إلى نفس المسجد ليصلي خلف أبا مصعب أحد رجال التبليغ والدعوة المشهورين وبتوصية من أم مصعب ... لم يترك زوجها زوجي حتى صار خالد بدوره الآن بفضل الله يدعو إلى الله هنا في أمريكا ..."
أتسعت ابتسامة نور من قصة إيفا العجيبة التي اكملتها بقولها: - ولدينا الآن خديجة ومصعب ...
ضحكت نور قائلة: - صرتي أنت بدورك أم مصعب ...
شردت إيفا قائلة: - ليتني أصل إلى ربع ما كانت عليه أم مصعب من العلم ... رحمها الله وألحقنا بها في الجنة ...
إلا أن شرودها لم يدم واستعادت بهجتها وهي تتناول طعامها قائلة: - أنا اتكلمت كتير وموش سايباكي تاكلي.. ياللا ناكل قبل الشاي ما يبرد ...
تناولت نور بعض اللقيمات من طعامها ثم شردت ثانية في مياه النهر مفكرة في قصة إيفا العجيبة .. امرأة من الغرب يكتب لها الله الهداية على يد سيدة بمسجد صغير في طنطا ... سبحان من إذا أراد شيئًا قال للشيء كن فيكون.
- سرحانة في إيه...؟ ماقولتيليش إيه هيا قصة حياتك يا ابنة العشرين والخمسين...؟؟
قالت نور بمرارة: - قصة حياتي...؟؟؟ إنها قصة مماتي ليست قصة حياتي....!
عقدت إيفا حاجبيها في إشفاق وانتبهت لها بكل حواسها، فقالت نور بعد تردد: - أنا كان ليا أم ... هيا كل حياتي... وفي يوم....
***
"ياااه يا عمي .... فعلاً ... البلد هنا جميلة أوي ..."
قالتها نور لعمها سليم بعد أن أخذها في جولة لتشاهد أهم معالم الواحات البحرية القريبة منهم ... فقال سليم:
- آه والله يا بتي ... البلد مليانة خير بس محتاجة اللي يحفظه ... محتاجة اللي يطلعه ... والحكومة كانت عاملة ودن من طين وودن من عجين ...
ضحكت نور قائلة: - ما خلاص يا عمي ... خلصنا من الحكومة دي وإن شاء الله يجي لنا الاحسن منها...
ابتسم قائلاً: - يا رب يا بتي يا رب ...
ثم انحنى نحو عيسى الذي كان سعيدًا بالمساحات الشاسعة التي أخذ يركض بها وبالرمال التي استمتع باللعب فيها، ثم حمله قائلاً: - انبسطت يا ولد ولدي...؟
أومأ عيسى ليتحرك شعره الاسود الناعم حول وجهه فيزيد وجهه وضائة فيحتضنه سليم في حب ثم يقول لنور: - ياللا بقى افرجكم عالمزرعة ...
ركبت نور مع عمها سيارته التي انطلقت إلى مزرعة آل رحيل المترامية الأطراف حتى وصل إليها فأوقف السيارة وترجل منها فنزلت هي وعيسى بدورهما، أخذ يشرح لها: - المزرعه هنا بقى يا نور زين ولدي بيطبق فيها نظام جديد كدة درسه بالجامعة ... قال بيزرع من غير كيماوي ... والمحصول بنصدره والدول الأوروبية بتاخد منه كميات كابيرة ...
ابتسمت نور قائلة: - عارفة يا عمي ... محاصيل المزرعة هنا كلها أورجانيك والمستوردين في أوربا وأمريكا بيفضلوها جدًا و...
"أغبياااااء .... أنا باشتغل مع شوية أغبياااااا..."
عندما توغلوا بداخل المزرعة قاطعهم ذلك الصياح، فأسرع سليم باتجاه الصوت وخلفه نور ليريا زين يقفز من على جواده متجهًا نحو بعض المزارعين ممسكًا أحدهم من جلبابه وهو يصيح بغيظ: - أنتوا إيه اللي بتهببوه ده ...؟؟؟ هوا مافيش حد بيسمع الكلام كدة خالص ...
أنتفض المزارع قائلاً بخوف: - حـ... حقك علينا يا باشمهندز ... بس دي أوامر سي الاستاذ طلال افندي...
"إيش فيه يا زين ...؟؟ بالراحة يا وليدي ... إيش اللي صار لكل هاد...؟"
هتف الشيخ سليم، فترك زين المزارع واستدار نحو أبيه قائلاً بدهشة: - بابا...؟ إيه اللي جاب حضتك الساعة دي...؟
- إيش يا زين ... ما تبغى أبوك ياجي...؟
- العفو يا بابا ... أنا بس مستغرب ...
- طيب قول لي ... إيش اللي صار لكل الصياح هاد...؟
زفر زين بعصبية قائلاً: - قلتلهم ونبهت عليهم ألف مرة ... ممنوع عزيق الارض ... ممنوع عزيق الارض.. ارجع الاقيهم بيعزقوا الارض ولااااا كأني قلت حاجة...! وقال إيه ... أوامر سي الاستاذ طلال أفندي ...
ربت سليم على كتف زين قائلاً: - معلهش يا ولدي احنا مامتعودينش على الحاجات الجديدة هاذي .. وولد عمك مش مقتنع بالموضوع هاذا وشايف كيف الكل أن عزيق الارض مفيد جدا لأنه عم بيهوي الأرض وما بيخليها يابسة وبيخلصها من الحشيشة الخطرة وشايف انه بيساعد بكدة ان الارض تتغذى...
مرر زين أصابعه في خصلات شعره الفاحم بعصبية وهو يقول: - يا والدي طلال ناقشني في الموضوع ده اكتر من مرة .... وبينت له أضرار عزيق الارض على النظام اللي بازرع بيه هنا واللي بيختلف عن كل أنظمة الزراعة اللي عارفها ... وقلت له يا طلال فيه كائنات دقيقة موجودة تحت سطح التربة نافعة جدًا للتربة أما بتعزق الأرض بتموت الكائنات دي لانها بتتعرض لأكسجين اكتر من حاجتها وبتتعرض لضوء الشمس المباشر... وبعدين كدة بيهدر رطوبة التربة فبنحتاج كمية اكبر من المية في الري وكمان بيهدر العناصر الغذائية اللي محفوظة في التربة أما يطلعها مرة واحدة كدة فبيضيع اغلبها في الهوا...
- "وبرضه يا عمي ... الحشيشة الغير مرغوب فيها اللي عايز يتخلص منها دي ... أما بيعمل عزيق للأرض بيطلع البذور بتاعتها للسطح وبكدة بيديها فرصة أكبر للنمو...!!"
أكملت نور كلام زين، فالتفت إليها ليلحظ وجودها لأول مرة فينعقد حاجبيه بغيظ بينما يبتسم الشيخ سليم بسعادة جمة وهو يقول: - إيش هاذا يا نور..؟ كمااان خابرة طريقة الزراعة تبع زين...؟
وضعت نور يديها بجيبي عبائتها الواسعة وهي تتقدم نحوه قائلة: - مش كنا بنشتغل على توزيع المحصول ده في أمريكا يا عمي ...؟ فكان لازم أعرف كل حاجة عن طريقة الزراعة ...
قال الشيخ سليم في أسى: - الله يرحمك يا زكريا يا ولدي ... هوا اللي علمك عن شغلنا...؟؟
أرتبكت نور قليلاً، لم تدر بم تجيبه، إلا أنها صاحت بعيسى هاربة من السؤال: - عيسى ... ماتبعدش عني عشان ماتتوهش ...
توجه الشيخ سليم إلى عيسى وحمله قائلاً: - خليه بكيفه يا نور ... ما راح يتوه منينا أبدًا ... شوف يا زين ولد أخوك جميل إزاي ...
تأمله زين لحظات قليلة كانت كفيلة باستدعاء ذكرى أليمة لازالت مُسلَّطة على قلبه كنصلٍ حاد لا يعرف رأفة ولا رحمه، لمح أبوه عينيه الأبنوسيتين اللتين غشاهما ألم جرحه الناتئ على الدوام، فنظر إليه بإشفاق وهم ان يقول شيء ما، إلا أن زين يكره الشفقة ... يمقت أن يظهر وجعه ولو بنظرات عينيه، فقفز على جواده قائلاً في صرامة: - أنا رايح أشوف طلال يا بابا ... عن إذن حضرتك عشان حسابه معايا عسير ...
وكأن الشيخ سليم استشعر ما سينزله زين من جام غضبه على ابن عمه، فقال له بقلق: - بالهداوة يا ولدي.. حدته بالهداوة ... ده ولد عمك يا زين ...
أومأ زين ثم أنطلق بجواده مسرعًا وقلبه يخفق بعنف تتصارع به بعض الذكريات ويموت الأمل بين جنباته الف مرة ... أمل العثور عليها مرةً أخرى.
***
- "زين يا ابن خالي ... ماينفعش اللي بتعمله في نفسك ده...!"
قالها له ياسر يومها في هدوء، فتمتم زين: - إيه اللي باعمله في نفسي يا ياسر...؟ أنا اللي ضحكت على نفسي وكذبت عليها مش عارف إيه السبب أو الدافع بس ممكن تقول أن قدري كدة..! وخلاص .. توتة توتة خلصت الحدوتة ...
- يا زين أنت بتقول إيه ...؟! الأمور مابتتاخدش كدة ... ده جواز يا ابني مش لعب عيال ...! أمك هاتتجنن عليك وابوك قلقان جدًا وعايزين يطمنوا عليك ...
ابتسم زين ساخرًا وهو يقول: - وسيادتك بقى سفير النوايا الحسنة..!
قال ياسر: - لا يا سيدي لا سفير ولا يحزنون أنت صاحبي واكتر من اخويا قبل ما تكون ابن خالي وحبستك لنفسك هنا في بيت المزرعة شهر بحاله مش كويس لا عشانك ولا عشانها ...
نهض زين ليقف أمام النافذة متأملاً الشمس الغاربة على المزرعة ووضع يداه بجيبي بنطاله وهو يقول بخفوت: - يعني عايزني أعمل إيه يعني ...؟ الهانم راحت اشتغلت اللي هيا عايزاه وطز في كلامي ...
نهض ياسر ليقف خلفه قائلاً: - روح أتكلم معاها وحاولوا توصلوا لنقطة مشتركة بينكم وشوية تنازل من هنا على شوية ...
أستدار زين هاتفًأ: - أنا مش هاتنازل عن مبدئي أبدًا يا دكتور ... مراتي ماتشتغلش مضيفة ... كلمة واحدة...
أبتسم ياسر محاولاً تهدئته وهو يقول: - أستهدى بالله كدة يا زين وحاول توصل معاها لحل وسط ... روح لها في شغلها بعيد عن أي تأثير من أبوها أو أمها ... وكلِّمها إنشالله حتى تشتغل مضيفة أرضية ... أهي هاتبقى موظفة زي أي حد ...
شرد زين قائلاً: - مضيفة أرضية...؟
قال ياسر بحماس: - آه ... أهي هاتبقى مضيفة برضه وفي نفس الوقت مش هاتضطر للسفر على طول ولا تبعات المضيفة الجوية ...
قال زين: - ولو إن حكاية المضيفة دي مش نازلالي من زور ... بس أمري لله ... هاروح لها واتكلم معاها زي ما انت بتقول ...
زفر ياسر في ارتياح قائلاً: - أخيرًا ... الحمد لله ...
ابتسم زين أخيرًا ثم خرج مع ياسر وركب كلاً منهما سيارته كلٌ إلى وجهته. في محاولة أخيرة منه لاسترضاء تلك الطفلة العنيدة (كارمن) يمم زين وجهه شطر مطار القاهرة غير عالم أي موقف ينتظره هناك. وبعد قيادة استمرت لأكثر من أربع ساعات وصل زين إلى المطار وعرف أنها طلعت في رحلة جوية ستصل بعد ساعة، فجلس في المقهى المقابل لباب الخروج منتظرًا إياها.
أما كارمن فلم تدر أنه ينتظرها ... لم تتخيل أن زين بعنده وصرامته سيأتيها محاولاً الوصول معها لحل وسط... نست أو تناست في غمرة فرحتها بعملها الجديد مشكلتها مع زوجها ... "إنه أبله ... كيف يُغْضِبُ من هي مثلها ...!! إن كل من لقيتهم من رجال يتمنون مجرد نظرة رضى من عينيها ...! إنها (كارمن) جميلة الجميلات الجوهرة التي سمحت له بالاقتراب منها لكنه لم يكن كافيًا لها..!" كانت تلك أفكارها كلما لاح في أفقها بوادر ذكرى خلافها مع زين.
- "بس أنا ماعرفش إن الكوسة سرها باتع كدة ... شهرين التدريب بقوا بقدرة قادر شهر وطلعتي في رحلة جوية على طول ..."
قالها حسام صقر الذي كان يرتدي ملابس الطيار وكانت كارمن تسير بجواره بملابس المضيفة الجوية ويجر كلاً منهما حقيبة صغيره خلفه. ضربته كارمن بخفة على ذراعه قائلة: - ليه ماتقولش إن أنا اللي نبيهة وشاطرة وبافهم كل حاجة أسرع من غيري.. !
أحاط حسام كتفيها بذراعه الحرة قائلاً: - ده انت النباهة والشطارة والحلاوة كلها يا جميل ... !
ضحكت كارمن بنعومة وهي تقول: - لا يا شيخ ...! إيه يا كابتن السهوكة دي ... مش لايقة عليك بالبدلة الرسمي ...
همس لها: - لاااا ده كدة ولا حاجة عشان خاطر البدلة ... تعالي لي بس وأنا من غير البدلة هتلاقي اتنين كيلو حنية زيادة ...
ارتفعت ضحكاتها مرة أخرى وهي تقول: - ياااي ... لأ كدة بلدي أوي ... إيه اتنين كيلو حنية دي...؟!
أزداد من ضفط ذراعه مفتولة العضلات حول كتفها وهو يقول بمرح: - البلدي يوكل يا هانم ...
وللمرة الثالثة ترتفع ضحكاتها بميوعة والجميع ينظر إليهما في فضول إلا زوج من الأعين اشتعل نارًا وهو يرقبهما. فوجئت كارمن بمن يجذبها من ذراعها في حدة ويصفعها بعنف صفعة أسقطتها أرضًا وجعلت أذنها تطن، أمسكت وجنتها في ألم وهي ترفع نظرها إلى أعلى بذهول لتجد زين يقف هنالك عيناه تقدح شررًا ويبدو أنه سيُجهز عليها فزحفت إلى الخلف في ذُعر وهي تتمتم بذهول: - ز.. زين ...؟؟؟ أنت إيه اللي جابك هنا....؟
صاح بكل ما يعتمل في قلبه من غضب: - ربنا ... ربنا يا هانم يا بنت الـ... أكابر ... ربنا أراد أنه يكشفك ليا.. يا خاينة يا ساقطة يا زبالة ...
أقترب منه حسام قائلاً: - مايصحش كدة يا أفندم ... مدام كارمن مجرد زميلـ...
لم يسطع حسام إكمال جملته حيث هوت قبضة زين على فكه وقد ضاعف غضبه من قوتها ليرتد حسام إلى الخلف ويسقط بدوره أرضًا...!
أما زين فقد توجه إلى كارمن التي جاهدت لتقف وجذبها من شعرها هاتفًا: - أنت أحقر إنسانة شوفتها في حياتي ... ليه ... ليه ضحكتي عليا ومثلتي الإيمان والتقوى وانت ولا حاجة ... ولا حاجة نهائي ...
صرخت كارمن في ألم وهي تقول: - سيبني يا زين ... إيه الهمجية دي ... فين الأمن ...
دفعها زين أرضًأ مرة اخرى وهو يقول: - أنا فعلاً هاسيبك ... مش عايز أي حاجة منك توسخني أكتر من كدة ... أنت ماتستاهليش تفضلي على ذمتي لحظة واحدة ...
وهنا اقترب بعض رجال الأمن من زين وأمسكوا به يقتادوه إلى الخارج، إلا أنه وقف هاتفًا: - أنت طالق يا كارمن يا بنت عمر هجرس ... طالق ... طالق ...
لم تكن قد نهضت بعد أن أسقطها ثانية فألتمعت عينيها وقالت بشراسة: - وأنت يا زين متستاهلش تشوف ابنك اللي في بطني ولا لحظة واحدة ... عمرك ما هاتشوفه يا زين ... على جثتي لو عرفت توصل له حتى..
جحظت عينا زين وخارت قواه على أثر كلماتها بينما يقتاده رجال الأمن إلى الخارج وأخذ يتمتم: - أ... أبـ.. أبني...؟ أنت حامل...؟ أبني ...؟؟؟
نهضت قائة في تشفي: - أيوة يا زين ... أنا حامل في شهرين ... والرحلة اللي فاتت دي كانت أول وآخر رحلة ليا ...
لم يشعر زين بما حوله ... شعر وقتها وكأنه في كابوس مقيت ودَّ لو استيقظ منه، إلا أنه كان واقعًا أمر .. وأستيقظ ليجد نفسه بسيارته لا يدري إلى أين يذهب أو ماذا يفعل.
***
"الله يأخذ بقدر ما يُعطي،
ويُعوض بقدر ما يحرم،
ويُيسر بقدر ما يعسر،
ولو أن كل منا دخل قلب الآخر، لأشفق عليه
ولرأى عدل الموازين الباطنية برغم اختلال الموازين الظاهرية
ولما شعر بحقد ولا بزهو ولا بغرور."
- مصطفى محمود، أناشيد الإثم والبراءة
***
عقب الغداء، إلتفوا حول الجدة في جلستها تدور عليهم أقداح الشاي الساخن مضيفًا إلى حواراتهم المزيد من السخونة ... كان الرجال يجلسون سويًا حول الجدة يتناقشون أمر ترشح الشيخ سليم بانتخابات مجلس الشعب المقبلة، أما النساء فقد جلسن يتحدثن عن الابناء والأحفاد ويتناقلن أخبار بعض الجيران والأقارب.
- نقعد طول الليل نهاتي ونقول كمان ... بلاش يا خوي شغل السياسة هيذا ... السياسة طريقها واعر يا خوي ...
قالها عمها عتمان وهو يرتشف من كوب الشاي الخاص به، فقال ياسر: - ليه يا خالي...؟ خلاص الحكومة اللي كانت بتزور الانتخابات راحت في داهية وأحنا داخلين على عهد من الديموقراطية وشفافية الانتخابات.. طول عمر عيلة رحيل بتخدم الواحات بمجهوداتها الذاتية من غير أي مساعدة من الحكومة اللي بتطنش لما كنا نطلب منها أي حاجة ومجلس البلد زي قلته ... فاكر يا خالي أيام سوس النخل أما كانت هاتقضي على النخيل في البلد كله ... أنا فاكر أن كلنا اشتغلنا بعد ما برضه طنشت الحكومة وكان زين بيلف على النخل يكشف عليه ويدي للعمال العلاج الآمن اللي جابه من مهندس زميله ... العلاج اللي جنِّب الناس لا يقلعوا النخل ولا يعالجوه بمواد سامة ..! خالي عتمان ... أنا واكيد اهل البلد كلهم شايفين أن أفضل مين يتكلم بلسانهم هو الشيخ سليم رحيل العربي ... خاصة بعد فرحهم بالمستشفى اللي بناها خالي من كام سنة وأُجرتها الرمزية وتوافر أغلب التخصصات فيها، فالواحد منهم مابقاش مضطر يروح القاهرة عشان يكشف ويطخ مشوار خمس ساعات رايح وخمس ساعات جاي في طريق الواحات الفقير ده..!
أتسعت ابتسامة الشيخ سليم الذي اعتدل في جلسته وهو يقول: - مش إكده بس يا ولدي ... لو على خدمة البلد واهلها احنا بنخدمهم على قد ما نقدر من غير حتى المجلس ولو أنه المفروض يساعدنا شوية حتى في موضوع مية الشرب هيذا ... بس فيه مسائل أخطر الواحد محضرها لازمن تنكشف قدام الكل في المجلس ... لازمن توصل للحكومة ...
هنا هتف عتمان: - ما هيا المسائل اللي بالك فيها هاذي يا خوي اللي أنا خايف منيها ... ماراح يسيبوك تكشفهم صدقني ...
هنا تدخل زين في الحوار قائلاً بحدة: - يا خالي أحنا زهقنا بقى من اللي بيحصل بدئًا من على الحدود مرورًا بينا ... لازم نتحرك لأن الأمور هاتزيد عن حدها والناس كلها عارفة وساكتة ...
كانت نور تقف في ركن بعيد إلى حدٍ ما عاقدة ذراعيها تتابعهم وكأنها تتابع فيلمًا يدور خلف شاشة تلفاز ضخمة ... حوار الرجال ... ثرثرة النساء ... زينب تمر عليهم بالشاي ... ياسين الجالس أرضًا أمام سلم الدار يرتب مجموعة ضخمة من المكعبات في أشكال بديعة وقد إلتف حوله بعض الأطفال –منهم عيسى- يتابعونه في صمت... لوحة متقنة لا ترى نفسها بها أبدًا لم تدر لماذا..!
- "الجميل واقف بعيد ليه...؟"
تسائلت تقى التي جاءت تقف بجوارها وهي تهدهد حبيبة بين ذراعيها، فهزت نور كتفيها قائلة: - عادي ..
أحكمت تقى إغلاق معطفها وهي تقول: - الجو الصحراوي ده ممكن يبقى حر الصبح وتلج بالليل شوفي اهو يادوب المغرب دخل والجو برررد ... حاسة إني هاتجمد ...
ابتسمت نور قائلة: - يا بنتي هوا كدة بتقولي تلج ...! انت ماشوفتيش التلج على أصله ... في أمريكا كانت الحرارة بتوصل تحت الصفر لدرجة تحسي أن البخار اللي طالع مع نفسك بيتجمد ...
ضحكت تقى قائلة: - يا سلاااام أمريكاااا ... يا ستي أروح هناك بس وأنا اتحمل التلج والصقيع وكل حاجة..
لمحت نور بطرف عينيها حسناء وهي تنزل سلم الدار ببطيء ممسكة هاتفها في يدها مركزة نظراتها عليه وقد أخذت تكتب شيء ما عليه، قالت نور لتقى: - أمريكا مش بالجمال اللي الناس متخيلاه ده ... بالعكس انا كرهت نيويورك من أول خطوة فيها ...!
قالت تقى: - لاااا يا نور حرام عليكي ... ده أنت متصورة في أماكن فيها مناظر طبيعية رائعة و....
إلا أنها لم تكمل جملتها حيث قاطعتها صرخة حسناء التي أصمتت الجميع فألتفتت تقى خلفها لتجد حسناء قد تعرقلت بأشكال ياسين التي كان يشيدها بالمكعبات وطار خفيها فوطئت قدميها على قطع المكعبات التي آلمتها فسقطت أرضًا ثم صرخت بشقيقها: - أهبل ... أهبل ... أنت أهبل ..!
وأخذت تئن وتتوجع، فسقط قلب تقى في قدميها وهي تتمتم: - ربنا يستر...
وألقت بابنتها بين يدي نور ثم توجهت إلى ياسين الذي أخذ ينظر إلى أشيائه الساقطة أرضًا للحظات ثم انفجر في نوبة غضب هادرة يجري في أرجاء المنزل ويصيح بأعلى صوته ... يرتطم بالأثاث والجدران ... تحلق حوله الجميع ينادونه يحاولون إيقافه، لكنه كان يزداد هياجًا ... صاحت تقى: - ماحدش يمسكه ... أنا هاجيب اللي يهديه...
وصعدت إلى أعلى بسرعة، أما ياسين فأخذ يصيح ويتخبط ثم انتهى به الأمر صاعدًا على الدرج بهياج مستمرًا في صياحه الهائج الصاخب، فصعدو خلفه ظنُّوا انه يلحق تقى، إلا أنه استمر في صعوده حتى بلغ سطح البيت وهناك تسلق سُلمًا صغيرًا إلى سطح الغرفة المبنية على السطح ... وقف الجميع على السطح ينظرون إليه أعلى تلك الغرفة يحاولون التحدث إليه وقد تملكهم الخوف.
- ياسين يا ولدي ... أنا امك اسمعني يا حبيبي أهدى الله يرضى عليك..
- ياسين تعالى لياسر حبيبك ... معايا شكولاته من اللي بتحبها شوف يا ياسين ...
- ياسين أنزل يا ولدي ... ياسيييين ...
كاد قلب سنية ينخلع من الخوف ففي أي لحظة قد يسقط ولدها من علٍ سقطه من شأنها أن تودي بحياته .. نظرت حولها في رجاء باحثة عن تقى ... مدركة لأول مرة أهمية الدور الذي تلعبه تقى منذ مجيئها مع ابنها التوحودي..!
- هيا فين تقى...؟
- فينها أم حبيبة يا دكتور...؟
- فين تقى...؟؟
الكل يعرف أنه لا يستجيب إلا لها ولا يتواصل إلا معها، وهنا دخلت تقى مسرعة تمسك في يدها بعض الأشياء، وتسلقت بدورها السلم الصغير أعلى الغرفة التي يقف ياسين فوقها لم تصرخ مثله، إنما قالت بهدوء: - ياسين عمل أشكال رائعة ... شوف ...
وأخذت ترص بعض البيوت والمراكب المصنوعة من الورق المقوى متقنة الصنع ووضعت في النهاية صندوقًا إذا فتحت غطائه أنطلق صوتًا عذبًا يقرأ الفاتحة، فبدأ صراخ ياسين يهدأ وانتبه إلى الاشياء التي وضعتها تقى أمامه ... كانوا جميعًا من صنع يديه حتى الصندوق الذي يتلو قرآنًا عند فتحه. جلس على الأرض وأخذ يتأمل المنازل التي صنعها وكانت تقى قد وضعت معهم بعض من الورق المقوى واللصق فأمسكهم ياسين بسعادة وهو يردد: - ياسين يعمل بيت ... ياسين يعمل مركب ...
همست له: - ياسين ممتاز بيعمل أشكال حلوة وكلنا بنحبه...
لم يبد عليه أنه استمع إليها حيث انخرط في تشكيل الورق المقوى غير عابئ بشيء. زفرت تقى ونزلت إلى الجمع القلق أسفل الغرفة قائلة بصرامة: - يا ريت حد يبلغ حسناء أن أخوها حالته خاصة وأما حد يزعق فيه بالإضافة أنها وقعت الأشكال اللي قاعد يعملها من الصبح ده بيؤدي لحالات هياج خطيرة ممكن مانعرفش نسيطر عليها ... ياسين مابيستحملش الصوت العالي ... يا ريت الكل يعرف كدة ...
أختفت النظرات الوجلة من عيني سنية لتستعيد نظراتها حدتها ثانية وهي تقول بصرامة: - راح تخليه لحاله اكده فوق...؟
تنهدت تقى وهي تهز رأسها قائلة: - لأ طبعًا يا عمتي مش هاسيبه ... هاقعد معاه لحد ما أعرف انزله بعد ما يخلص لعب ...
عقدت سنية حاجبيها ثم رحلت دون كلمة أخرى، بينما اقتربت نجاة من تقى وربتت على كتفيها قائلة: - ربنا يبارك فيكي يا تقى ويحميكي لشبابك يا بنيتي ...
قالت تقى قائلة: - شكرًا يا طنط ..
وكذا فعلت فاطمة زوجة عمها عتمان ثم نزلتا مع الجميع، أما ياسر فقد اقترب منها قائلاً بقلق: - حبيبتي.. مش هاتبردي كدة ...؟ المغرب هايأذن... هاتقعدي طول الليل فوق السطح في الهوا ده ..!
ابتسمت تقى قائلة: - يعني اعمل إيه يا ياسر ... ما انت عارف ياسين ..!
ياسر: - تحبي أقعد معاكي...؟
تقى: - لا يا حبيبي ... يا ريت بس تاخد حبيبة من نور عشان شكلها نامت اهه وتحطها في السرير..
خلع ياسر معطفه الثقيل وأحاط به كتفيها قائلاً: - حاضر يا حبيبتي بس دفي نفسك كويس ...
ثم تناول ابنته الغافية من نور، وهبط بدوره.
كانت نور وزهرة لازلاتا واقفتين، فحركت زهرة يدها وكأنها تمسك بكمانٍ خفي وهي تقول: - تيرا را راااا تررم.. جوز كناري يا ناس ... إيه الحب ده كله يا ست تقى ...! ولا عبحليم حافظ وفاتن حمامة في زمانهم..
ضربتها تقى بخفة وهي تقول: - اللهم بارك يا شيخة ... إلهي يا رب نخلص بقى من البت دي ونفرح فيها عشان تشوف الحب والزن على أصوله ...
هنا قالت نور بمرح: - آمين يا رب ... توتة ... أنا هانزل أشوف عيسى وأرجع أقعد معاكي..
فقالت زهرة: - وأنا هانزل اعمل لنا دور كاكاو سخن يدفينا واحط على كتفي شال .. حسرة علينا .. ماعندناش حد يدينا الجاكيت بتاعه ...
ضحكت نور على كلام زهرة بينما دفعتها تقى قائلة: - امشي من هنا يا بت ... مش ناقصين قر احنا ...
وبعد أن اطمانت على صغيرها الذي كان يلعب مع ابناء بدر الثلاث تتابعهم هالة زوجة بدر الهادئة الرقيقة مع زهوة ابنة عمها سليم التي انضم ابنها للعب معهم بينما انخرطت هي في حديث مع هالة، أنضمت نور إلى شقيقتها وزهرة فوق سطح الغرفة القابعة فوق سطح المنزل وتحلق ثلاثتهن حول أقداح الكاكاو الساخن أمامهن ياسين بقامته النحيفه وبشرته السمراء ... ابن السبعة عشر ربيعًا المصاب بالتوحد منذ مولده. تأملت نور أقدار الله التي أرسلت تقى لياسين ويسرت لها دراسة التربية الخاصة كي تكون ربما هي الوحيدة التي تعرف كيفية التعامل مع حالته والسيطرة على هياجه ... لقد أخذت تقى تشرح لهم كيف يُصاب الطفل التوحدي في أغلب الأحيان بنوبات صرع وهياج من أي إثارة عند فترة المراهقة بصفة خاصة. أخذ ثلاثتهن يتأملن البلد من علٍ والشمس الغاربة تصبغ الأفق باللون الوردي الحالم وهي تهبط خلف النخيل الباسقات سامحة لرداء الليل المطرز بالنجوم بتغطية السماء بدوره. أرتشفت نور من كوب الكاكاو الخاص بها وهي تحدث نفسها أن أقدار الله التي وضعت تقى في طريق ياسين كي تعمل على إنقاذه أكثر من مرة هي ذاتها التي وضعت تلك السيدة العجيبة إيفا في طريقها كي تنقذها أكثر من مرة...!
***
حكت لها عن أغلب قصتها... أخبرتها انها وحيدة ضائعة فقدت جواز سفرها فصارت بلا هوية، وكعادتها النشطة المتحمسة هاتفت إيفا زوجها تتأكد منه من عنوان القنصلية المصرية بنيويورك التي لم تبعد كثيرًا عن المركز الثقافي الإسلامي حيث ألتقيا، أخبرتها أنها يجب عليها إبلاغ القنصلية بضياع جواز سفرها ثم اصطحبتها بسيارتها إلى حيث تقع القنصلية المصرية في الأفينو الثاني بالقرب من سنترال بارك.
عرفت نور من القنصلية أنه يتعين عليها تحرير محضرًا في قسم الشرطة يفيد فقدانها جواز السفر وتدون به بيانات جواز السفر الذي كانت تحتفظ بنسخة منه لحسن حظها، فاصطحبتها إيفا لتقوم بتلك الخطوة ثم عاونتها على توجيه كتاب إلى قنصل جمهورية مصر العربية في هيوستن تفيد فيه فقدانها جواز السفر مع إرفاق كل البيانات الخاصة بها مع صورة الجواز التي تحتفظ بها وصورة من المحضر الذي قامت بتحريره. وعندما أنتهيا من كل ذلك أخبروها في القنصلية انها يتعين عليها انتظار ورود موافقة مصلحة الجوازات والهجرة والجنسية بالقاهرة، عندها تبدأ إجراءات إصدار جواز سفر جديد التي تستغرق 12 اسبوعًا على أقل تقدير. لم تتركها إيفا وعاونتها بكل ما تستطيع ... كانت مثالاً للمسلم الحق .. لم تكف عن أن تردد عليها أنه "كان الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه" ... كانت تدخل السرور على قلبها ... وجعلتها تساهم في تعليم الأطفال القرآن بالمركز الثقافي الإسلامي ... أعطتها بطاقة متعددة الاستخدام للمترو والحافلات وعلمتها كيف تحصل على بطاقة مماثلة من تلك الآلة بمحطات المترو.
ومر شهرٌ آخر من حملها وهي تشعر بتحسنٍ كبير في حالتها النفسية والصحية ... حتى جاء ذلك اليوم عندما عادت إلى المنزل بعد قضاء اليوم بالمركز مع إيفا ووجدت زكريا يتحدث بحدة في الهاتف وهو يقول:
- يا أخي حل عني بقى مافياش دماغ للكلام ده ...! ما تبعت لهم في مصر يبعتوا الحاجة واللا يبعتوا فلوس ... بتقول إيه...؟ بقى هوا قال لك كدة...؟ طيب طيب ... خلاص هاتصرف مالكش دعوة..
أنهى المكالمة ثم ألقى بهاتفه في عصبية وأخذ يحك شعره وتبدو عليه آثار سكر الليلة الماضية، رمقته نور بنظرة جانبية ثم توجهت إلى غرفتها دون كلمة واحدة، إلا انه ابتدرها..
- يا أهلاً يا أهلاً بست الحسن والجمال ... كنتي فين يا سنيورة...؟ بتخرجي كل يوم فين يا هانم...؟
نظرت إليه نور قائلة بثبات: - مالكش دعوة بيا لو سمحت ... ويا ريت تفكر إنك تطلقني يا زكريا ..
ضحك بعصبية قائلاً: - أطلقك مرة واحدة...؟ لا يا حلوة ... مافيش طلاق إلا اما تطلبي ورثك من أبويا وتمضي لي توكيل عام ...
رفعت حاجبيها قائلة: - لا والله ...! قلت لك إني ماعنديش ورث ... حتى لو عندي ... عمري ما هادي لك مليم تشرب بيه خمرة واللا تروح ترتكب بيه الفواحش ...
جذبها من حجابها هاتفًا: - بتقولي إيه يا بت انت ...؟ مليم إيه يا ام ملاليم ... بطلي الدور اللي انت عايشة فيه ده مش لايق عليكي ولا على اللي معروف عن الست والدتك ...
لم تكن الدموع التي تفجرت من عينيها من اثر انفراط دبابيس حجابها من مكانها وتجريحها بعنقها عقب جذبه لها، بل كان ذكر أمها كفيل بتفجير موجة غضب هائلة بداخلها، استدارت نحوه في حدة وغرست أظافرها في ذراعه وهي تبكي قائلة بشراسة: - حسك عينك تجيب سيرة أمي على لسانك...
ودفعته عنها بعنف تعجب له، ثم قالت في صرامة: - وإلا والله العظيم هاتشوف مني اللي عمرك ما شوفته، واللي أوله دلوقتي ... هاكلم عمي الشيخ سليم أبوك أعرفه كل اللي بيجرى هنا وفلوس الشغل اللي بيديهالك بتتصرف فين...
توجهت إلى الهاتف، فانطلق نحوها كالقذيفة وهو يصيح: - بطلي جنان يا بت انت وإلا دفنتك هنا ...
سقطت نور على الأرض وارطتمت رأسها برجل إحدى المناضد و.... أظلمت الدنيا من حولها. لم تشعر وقتها بزكريا الذي أخذ ينظر إليها في توتر وهو يروح ويجيء لا يدور بخلده سوى فكرة واحدة فقط ... كيف يمنعها من تنفيذ ما عزمت عليه الآن مستقبلاً...!!! كيف يقطع على أبيه أي إمكانية لتصديق ما ستقوله له أو أي أخبار تنقلها إذا استفاقت من إغمائها وعزمت على المُضي قدمًا في تهديدها ...؟ لن يُجدي حبسها أو قطع الاتصالات عنها نفعًا ... إنهم في أمريكا وإذا اشتمت الشرطة خبره ليس بعيدًا أن يُزج به في السجن. هنا التمعت في ذهنه فكرة خبيثة وهو يتذكر محادثة أمه ليلة أمس... قرر حينها أن الهجوم خير وسيلة للدفاع .. وعرف تحديدًا من الذي سيكون مستعدًا لتصديق تجديفه ثم الدفاع عنه بقوة عقب ما سمع أنه قد تعرض إليه من أحداث. هنا رفع جواله وطلب رقمًا ما راسمًا على وجهه إمارات حزن زائف وهو يقول:
- "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته إزيك يا أخويا عامل إيه ... واحشني يا هندسة... إيه الأخبار المنيلة اللي ماما قالتهالي إمبارح دي...؟ ده أنا اتقهرت جامد على شانك والله لأني أكتر واحد حاسس بيك ... آاااه يا ابني ... يظهر أن احنا الاتنين مكتوب لنا نشرب من نفس الكاس ... آه... بالظبط ... هاحكي لك ... بس اوعدني إنه يفضل سر ما بينا.. لأن دي أولاً وأخيرًا بنت عمنا ... الله يرحمه .."
وشرع في زرع بذرة شجرته الخبيثة بداخل أخيه ليكون له حائط صد ضد أي إصبع اتهام قد يشير به أحدهم إليه ويكشف "السر الخطير" عند اللزوم. كانت خُطُوات يقتفيها ويتبعها واحدة تقود للأخرى دون أن يدري أي خطواتٍ تلك ... دون أن يدري أنها خطوات شيطان خبيث.
***
هذا الرنين ... ذاك الجرس ... إنه يخترق الضباب الذي يغلف عقلها ... يتسلل إليه من عالم الواقع ... لازال يلح في رنينه ... فتحت عينيها ببطئ وهي تشعر بدوار وألم شديد في رأسها ... لازال هاتف المنزل يرتفع رنينه ... حاولت مد يدها أعلى المنضدة التي كانت مستلقية أسفلها، إلا أن الرنين انتهى فأعادت يدها في ضعفٍ ثانية، لكن الرنين عاد يرتفع ثانية فجذبت الهاتف ليسقط الهاتف اللاسلكي عليها فترد بوهن:
- Yes
- نور ... أين أنت بالله عليكي ...؟ أنا في انتظارك منذ ما يزيد عن نصف ساعة ...
- مـ ... مَنْ...؟
- من...؟؟!!!! نور هل أنت بخير عزيزتي ...؟؟
وضعت نور يدها على رأسها في إعياء وهي تقول متذكرة: - آاااه ... إيفا ... أنا جدًا آسفة ... لقد سقطت وأرتطمت رأسي بالمنضدة ويبدو أني فقدت الوعي ولم أفق إلا الآن ... إلى أين من المفترض أن نذهب ..؟
قالت إيفا في حسم: - اعطيني رقم منزلك نور أنا آتية إليك ...
وبالفعل ما هي إلا عشر دقائق منذ أن أعطتها نور رقم منزلها ورقم البناية حيث إن إيفا تعرف جيدًا الشارع الذي تقطن به نور ووجدتها نور تطرق بابها، نهضت نور من مكانها على الأرض بصعوبة والدوار يكتنف رأسها وفتحت الباب لإيفا التي رفعت نقابها وأخذت تفحص نور وهي تقول: - هل أنت متأكدة انها مجرد سقطة...؟
قالتها وهي تتأمل عينيها المنتفختين من أثر البكاء وذلك الجرح بعنقها من أثر مشابك حجابها الحادة التي جرحتها عندما جذبها زكريا، فرفعت نور يدها تلقائيًا ووضعتها على عنقها وهي تقول بتوتر:
- لقد تعرقلت وسقطت على الأرض... ثم ... ارتطمت رأسي بالمنضدة ...
قالت إيفا بحسم: - يجب أن تجري فحصًا بأي مشفى ...
قالت نور: - لقد صرت أفضل الحمد لله لا داعي لذلك ...
أخذت إيفا تتأمل تلك الكدمة بجانب رأس نور وهي تقول: - حسنًا .. أحضري لي بعض الثلج ...
وبينما كانت تضع الثلج على رأسها قالت إيفا: - كان من المفترض أن نذهب إلى القنصلية لتستعلمي عما إذا كانت موافقة مصلحة الجوازات والهجرة والجنسية بالقاهرة قد وردت أم لا..
قالت نور بإعياء: - حسنًا هيا بنا ...
أشارت إيفا إلى الحاسوب القابع على مكتب بركنٍ ما في ردهة المنزل قائلة:
- هل هذا الكمبيوتر متصل بالإنترنت..؟
هزت نور كتفيها بغير علمٍ وهي تقول: - لا أدري ... أنا لا استخدمه ...
قالت إيفا: - من الممكن أن تكون ثمة خدمة على موقع سفارتكم على الإنترنت تُعلن عن الموافقات أو ما شابه ... بدلاً من أن تذهبي وتكون الموافقة لم تصدر بعد وأنت في هذه الحالة ...
قالت نور بحماس: - إذن ... تعالِ نفتحه ونكتشف ما إذا كان متصل بالإنترنت أم لا وتعلمينني كيفية استخدامه ...
وبالفعل أكتشفت إيفا أن الحاسوب متصل بالإنترنت... عرفتها إيفا على كل شيء... أكتشفت أنها يمكنها أن تبحث عما تريد بنقرة زر... أنشأت لها إيفا بريدًا إليكترونيًا، وشرعت تبحث في موقع السفارة المصرية إلا إنها لم تجد الخدمة التي ذكرتها على الموقع وقتها، فكان يتعين عليها الذهاب إلى السفارة لتستعلم بنفسها عن رد مصلحة الجوازات بالقاهرة.
أوصلتها إيفا إلى القنصلية وانتظرتها بسيارتها الصغيرة، جلست نور بالقنصلية في انتظار أن يفرغ الموظف المختص من الحديث مع شخص آخر، كان بعض المصريين ينتظرون بدورهم إنهاء معاملاتهم، بينما ثمة موظف ينادي على الاسماء بترتيب أولوية المجيء، كانت شاردة في انتظار اسمها و..
"مـــــاجد مُراد عبد الكريم رأفت الآغا"
سقطت حقيبتها من بين يديها وارتعدت فرائصها ... تراقص قلبها بجنون محموم ... أيمكن أن يرأف بها القدر لتلك الدرجة...؟؟؟؟!!!
*******

Msamo likes this.

Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 18-12-17, 01:13 PM   #18

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

- 5 -
"لستُ أَعمى
لأُبْصِرَ ما تبصرونْ ،
فإنَّ البصيرةَ نورٌ يؤدِّي
إلى عَدَمٍ …. أَو جُنُونْ"
- محمود درويش، جدارية
***
كانت أمسية صاخبة بمنزل آل رحيل انقضت وكل فرد من الأسرة يحمل بداخله شيءٌ من زخمها، وعقب انتهاء الجلسة المطولة فوق سطح المنزل وخلود ياسين إلى النوم توجهت تقى إلى النوم منهكة، بينما هبطت نور مع زهرة إلى ردهة الدار التي خفتت بها الأضواء ولم يتبق بها سوى نجاة تحتضن عيسى الغافي على رجليها وزين الذي شبك ذراعيه خلف رأسه وأغمض عينيه في استرخاء.
"ده إيه القاعدة الرومنسية دي يا سي زين أنت وماما ...! أول مرة تنورنا كتير كدة..."
هتفت زهرة في مرح، ففتح زين عينيه قائلاً: - إيه يا زَهرة... عايزاني أمشي واللا إيه ...؟؟
فقالت زهرة بمرحها المعهود: - لا يا عم أنا بس مستغربة ... شكلك كدة بترسم خطة مع الست ماما ...
كاد يرد عليها لولا أن لحظ نور التي تقدمت نحوهم بهدوء، فعاد حاجبيه إلى الانعقاد ثانية ولزم الصمت. تقدمت نور من نجاة وانحنت عليها هامسة: - يا رب ما يكون عيسى تعب حضرتك ...
أجابتها نجاة هامسة: - ما شالله عليه ولد ولدي الله يحفظه يا رب نَفَسه هادي وحبيِّب ...
قالتها وهي تضم عيسى أكثر بين ذراعيها، فأنحنت نحوه نور قائلة:
- طب الحمد لله هاتيه عن حضرتك بقى أحطه في سريره ..
قالت نجاة بدهشة: - أنتي اللي راح تحمليه لفوق...؟
قالت نور بتلقائية: - عادي يا طنط... أنا متعودة على كدة... في أمريكا كان على طول يقعد يلعب وينام في الصالة وأشيله لجوه وأحيانًا نبقى برة وينام في السيارة أو المترو واضطر أشيله للبيت ..
نظرت نجاة نحو زين نظرة ذات مغزى وهي تقول: - بس تتعبي اكده يا بتي يعني ...
هنا قالت زهرة مقاطعة أمها: - خليني أساعدك... في أمريكا أكيد زكريا أخويا كان بيساعدك خليني أساعدك دلوقتي...
ندت عن نور نصف ابتسامة ساخرة لم يلحظها أحد وهي تحمل صغيرها قائلة:
- لا يا زهورتي... شكرًا يا حبيبتي... أنا خلاص متعودة والله.. وفري طاقتك أنتِ لولادك إن شاااء الله أما نفرح بيكي يا رب كدة قريب... ياللا تصبحوا على خير يا جماعة ... سلام عليكم ...
قالت نجاة وزهرة: - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ...
وتابعاتاها بأعينهن حتى اختفت بالدور العلوي، فاستدارت نجاة إلى ابنها قائلة:
- إيش هيذا يا ولدي ... ليش ما ساعدت بت عمك...؟
قال زين ببرود: - خلاص يا ماما هيا قالت متعودة وبعدين الواد يعني مش خمسين كيلو ...
هتفت زهرة هامسة: - لا يا زين بس كدة فعلاً مش ذوق خالص ...
هنا نظر إليها زين بصرامة وهو يقول بحزم:
- زَهرة ... من فضلك مش عايز يبقى ليكي علاقة قوية باللي اسمها نور دي ...
عقدت شقيقته حاجبيها وهي تقول:
- ليه بقى إن شاء الله..؟ دي نور متدينة وشخصية رائعة وحبوبة ولطيفة جدًا ... ده أنا في اليومين اللي فاتوا دول حسيت شخصيتها اقرب لي من تقى رغم أنهم الاتنين مايتخيروش عن بعض بس تقدر تقول كدة نور دماغها قريبة مني أوي ...
أعاد زين كلامه بصرامة أكبر: - ماليش دعوة شخصيتها قريبة منك واللا بعيدة ... مش عايز يبقى ليكي علاقة قوية بيها نهائي يا زهرة .. فهماني...؟
نهضت زهرة في غضب قائلة: - لأ مش فاهماك يا زين ... ولما يبقى عندك كلام منطقي نتناقش فيه زي زمان مش مجرد أوامر أبقى تعالى كلمني ... تصبحوا على خير ...
ردت عليها أمها وهي تتأمل زين مليًا، بينما صعدت زهرة إلى غرفتها. حاول زين النهوض، إلا أن أمه قالت له: - إيش بيك يا ولدي...؟ ليش هيذا الحديت الماسخ عن بت عمك...؟
قال زين بعصبية: - أهو كدة وخلاص ... دي واحدة عاشت سنين في امريكا وشهور لوحدها بعد وفاة جوزها ... أكيد راجعة بافكار متحررة ما نقبـ..
قاطعته نجاة: - لا يا زين ... البت راجعة كيف ما راحت ... عنيها في الارض ... نَفَسها هادي ... لا بتسلم على رجالة ولا بتتحدت معاهم حديت فارغ ... والله اللي يشوفها يحسبها بت بنوت ... كلها حشمة وخجل ... اتحملت مع اخوك سنين غربة طويلة دون شكوى ... كنت أكلمه أترجاه ينزل مصر ولو يومين أملِّي عيني منيه يقولي إنه ما راح يعتب البلد دي تاني ويطلب مني أنا وأبوه انروح له امريكا... أقول له أنا ما بنعرف نخلي بلدنا وبيتي يقولي حاولي ويركب دماغه... كيف يا ولدي تغلط في واحدة بت اصول كيف نور...؟ كيف تحكي عنها اكده...؟
جز زين على اسنانه قائلاً:
- من غير قصايد طويلة في الست نور ... يعني حضرتك مش عارفة قرار أبويا الشيخ سليم..؟
- هوا حكى لك..؟
- ايوة قال لي قبل ما اسافر ...
- يا ولدي انت عارف أوامر الجدة ما حدا يقدر يعترض عليها والحين واقف عليها مستقبل ابوك في المجلس ومستقبلك أنت كمان...
- مستقبلي إزاي يعني وانتوا عامليني زي العيل الصغير ...؟؟!
- المزرعة يا ولدي ... المزرعة اللي بتقعد فيها اكتر ما بتقعد معانا... هيذا هو مستقبلك .. مش اكده..؟
نهض زين قائلاً بحنق:
- خلاص ... اعملوا اللي انتوا عايزينه أنا ماعدتش مستحمل كلام تاني في الموضوع ده..
فقالت نجاة بصرامة: - زين... بس ماليكش صالح باختك وانسى الكلمتين اللي قولتهم لها من شوي.. عشان ماتاجي بعد كام يوم وتشوف اللي هايحصول وتقول لك اسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك استعجب ولو انها ما صدقتك من البداية ...
جمع زين قبضتيه في غيظ قائلاً: حاضر يا أمي ... عن إذن حضرتك أنا طالع انام ...
نهضت أمه وربتت على كتفه داعية له، أما زين فقد رحل نحو غرفته مثقلاً بسرٍ يحمله لا يمكنه البوح به... سرٌ أشعل بداخله حريقًا هائلاً كحرائق الغابات... حريقٌ أخذ يقضي على الأخضر واليابس اللهم إلا تلك الشجرة الخبيثة التي ضربت جذورها في أعماقه وأحاطت أغصانها الكثيفة بقلبه لترديه غُلُفًا، وأزهرت زهورًا سوداء سامة وثمارًا عفنة بعقله حجبت بصيرته التي عُرف بها... بذرةٌ خبيثةٌ تم دسها منذ سنواتٍ في تربةٍ مُهيأة لها فأنبتت وعَظُمَ ثمرِها القاتل.
تقلب في فراشه كثيرًا عاجزًا عن النوم مُشككًا في إيمانه... مخبرًا نفسه أن لا يُلدغ مؤمن من جحرٍ مرتين.. فَلِمَ سَطَر القدر عليه أن يُلدغ من ذات الجحر مرة ثم الثانية...؟ نهض متجولاً في غرفته مستغفرًا باعتذار عن أفكاره السوداء، تأمل الوقت ليجد الساعة تُشير إلى الثانية والنصف قبيل الفجر. توجه إلى الحمام ليغتسل علَّ بعض الماء الدافئ يهدئ من ثورة أفكاره. توضأ ثم توجه إلى الخارج متوجهًا إلى مسجد القرية لينتظر صلاة الفجر، وفي طريقه نحو باب المنزل الذي كان غارقًا في الظلام والسكون... سمع ضحكة هامسة من خلف باب غرفة مكتب عمه سليم وثمة خيط ضعيف من الضوء يتسلل من أسفل الباب..! توجه في سرعة نحو المكتب وقد ردد المنزل الصامت صدى خطواته، فتح الباب في سرعة... أضاء النور و... لم يجد أحد...! لكن النافذة الصغيرة خلف المكتب كانت مفتوحة تتطائر ستائرها من أثر الهواء، تطلع منها... لا أحد أيضًا...! إنها نافذة ضخمة يمكن لأي شخص الفرار عبرها بسهولة... مسح الغرفة بعينيه ... كل شيء في مكانه على ما يبدو، إلا أن ذلك الهدير... ذلك الهدير الواضح جدًا في السكون... إنه الحاسوب الضخم القابع على المكتب والذي يستخدمه أحيانًا ياسر ابن عمته، اكتشف أن الحاسوب قيد التشغيل رغم إغلاق شاشته..! ضغط زين على زر الشاشة و... هاهو ذي يضع يده في جحر الأفعى فيُلدغ ثانية ...! تعاظم اشمئزازه وامتعاضه مما طالعه على شاشة الحاسوب...!!! غرفة دردشة ممتلئة بمختلف البذائات والإيحاءات القذرة... يبدو أن من كان يتحدث عبر الحاسوب أنثى كما هو واضح حيث تدعو نفسها (دفء الأنوثة)..! العديد من المحادثات مع (ملاك العشق) و(رجل المهام الصعبة) وأسماء رجال صريحة كـ(فهد) و(نبيل)...!
أغلق زين الحاسوب في غضب وأسرع إلى الخارج ليدور حول المنزل نحو حديقة الفاكهة التي تطل عليها نافذة المكتب عله يجد المتسلل - أو المتسللة – أو ما يمكن أن يقوده إليها. كان ضوء القمر ضعيفًا ينير الحديقة إلى حدٍ ما، لكن زين لم يبحث طويلاً أو يحتج مصدر إضائة إضافي... حيث رأى شيئًا ما يلتمع تحت ضوء القمر على الأرض بجوار إحدى أشجار الفاكهة الضخمة، أسرع إليه وأمسك به بين أصابعه يتأمله في غيظ... حتمًا سقط سهوًا من المتسللة...! فكر في أن يأخذه ويسأل عن صاحبته، إلا أنه تراجع مرجحًا إنكار صاحبته امتلاكه علناً عقب مظنة إكتشاف أمرها، فأعاده إلى مكانه وقرر مراقبة مَنْ ستبحث عنه حينها سيعرف هوية المتسللة...!
صدح العجوز زيدون بأذان الفجر بصوته المبحوح المحبب إلى قلبه... صوت زيدون بأذانه وإمامته يُعد بالنسبة له أحد المعاني الجميلة المرتبطة ببلدته، زيدون يؤم الناس منذ زمن... من قبل أن يأتي زين إلى الحياة تقريبًا، لقد شب على صوته في الصلاة وصوته وهو ينهرهم وهم بعد أطفال صغار بكُتَّاب البلدة عندما لا يحفظون اللوح (صفحة من القرآن الكريم). كان صوت زيدون ينزل على قلبه بردًا وسلامًا وكأنه يطهره من القذارات التي شهدها قبل قليل. توجه زين إلى المسجد ليجد أباه الشيخ سليم يجلس في ركنه الأثير يسبح ويستغفر ويدعو بخشوع كعادته حيث يصلي ركعتي الفجر ويجلس في ذكر منتظرًا الإقامة. إنحنى زين يقبل رأس أبيه في هدوء ثم وقف ليصلي ركعتين تحيةً لبيتِ الله اعقبهما بركعتي الفجر. توافد المصلون إلى المسجد رأى فيهم عمه عتمان بقامته الفارعة وجلبابه الفضفاض وعِمَّتِهِ البيضاء ومعه بدر بوجهه الباسم الصبوح وياسر ابن عمته بمنظاره الطبي وشعره القصير المصفف بعناية وابتسامته الواسعة والكثير من أهل البلد ممن يعرفهم ويعرفونه.
أقام زيدون الصلاة فنصب زين رجله بجوار أبيه وبقية المصلين... حاول التركيز في الصلاة ... حاول عدم التفكير فيما رآه من دنائة قبيل الفجر، كانت أفكاره كجوادٍ جامح يبذل جهدًا مضاعفًا للسيطرة عليها وتلجيمها للخشوع في صلاته... للتركيز في الصلاة فقط ولا شيء غيرها. إلا أنه فشل في التركيز فيما يتلوه زيدون بصوته المشروخ من آيات وشرد بعيدًا عن التلاوة التي لو أولاها انتباهه لأزاحت عنه الكثير ...
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }
سلَّم زيدون منهيًا صلاته، فأتبعه زين سريعًا ونهض – على غير عادته – ليتوجه مباشرة نحو باب المسجد، لكن ...
- "على فين يا ولد يا زين؟ تعال هنا يا هارب ... عم تهرب من الشيخ زيدون ...؟ خايف أنسمع لك واللا إيش..؟"
توقف زين في ضيق عند باب المسجد عقب مناداة الشيخ زيدون له، عض على شفته السفلى في غيظ لقد كان يريد التربص بمتسللة ليلة أمس... لا يريد أن يفوته شيء... كان يبحث عما يروي شجرته الخبيثة الملتفة بسوادها حول كيانه. لكنه الشيخ زيدون... تلك الهبة التي امتن الله بها على قريتهم... ذلك العجوز الذي قامت جدته بوضع زين بين يديه فكان له دورًا كبيرًا في تربيته مع أبويه وجدته وعلَّمه الكثير ورافقه في طفولته وصباه وشبابه شيخًا ومربيًا وناصحًا... إليه يرجع الفضل بعد الله أن أتم زين حفظ القرآن، لذا استدار ورسم على وجهه ابتسامة واسعة وهو يقول:
- أنا اقدر برضه يا شيخنا ...!
قالها ثم توجه إليه جالسًا بين يديه فالتف حوله الكثير من أهل البلدة يتسامرون ثم يستمعون إلى حديث الشيخ زيدون الماتع في جلسة الضحى... ذلك الحديث الذي لم يعي منه زين حرفًا حيث كانت أفكاره هناك.. عند حديقة الفاكهة ... أسفل شجرة ضخمة.
******
- "الجميل لسة صاحي واللا نمتي..؟"
تسائلت تقى في مرح بعد أن طرقت باب غرفة شقيقتها ودلفت إلى الداخل لتجد نور لازالت بملابس الصلاة تنحني من النافذة تدير رأسها يمينًا ويسارًا وكأنها تبحث عن شيء ما، فاقتربت منها تقى قائلة:
- فيه إيه يا نور..؟ بتدوري على إيه..؟
أستدارت إليها نور قائلة بضيق: - السبحة بتاعتي وقعها عيسى من الشباك امبارح ومش شايفاها خالص...!
رفعت تقى حاجبيها قائلة: - سبحة!! ولا يهمك يا قمر عندنا هنا سبح كتيير أجيبلك واحدة يا ستي... وبعدين تعالي هنا... من أمتى وأنتِ بتمسكي سبح يا نور...؟
ابتسمت نور بحالمية وهي تقول: -لا يا توتة أنتِ مش فاهمة، السبحة دي جايالي من بنوتة أمريكية عندها 16 سنة دخلت في الإسلام وكانت سبب في دخول أمها بفضل الله في الإسلام بعد ما كانت البنت من أشد المعاديات للإسلام والمسلمين ...!
أتسعت عينا تقى تأثرًا، بينما أكملت نور:
- كنت دايمًا باقبلها في المترو وعن تجربة كنت عارفة أن البنات اللي سنهم صغير مابيقتنعوش بسهولة بأي أفكار مخالفة للي هما مؤمنين بيه بس هيا اللي جرت شكلي وخلتني أبدأ في دعوتها ... صحيح طلعت روحي بس ربنا هداها في النهاية... مامتها بقى كانت بتشتغل في بازار صغير كدة راحت عاملالي سبحة من 33 حبة من حجر الزمرد الأخضر اللامع ده بفواصل فضة وطربوش من الفضة برضه... حاجة كدة فخمة... هدية منها هيا ومامتها حاولت أرفضها لكن الحب والحفاوة اللي كانت هاتنط من عنيهم وسعادتهم بمن كانت سببًا في دلهم على الدين ده كانوا أكبر من أي اعتراض مني...
قالت تقى: - ما شاء الله... ربنا يجعله في ميزان حسناتك ... تعالي ننزل جنينة الفاكهة ندور على السبحة وتحكيلي قصتك في الدعوة في أمريكا وقصة البنت دي خاصة ...
أمسكت نور بيد عيسى وخرجت مع شقيقتها متوجهتان نحو السلم، إلا أنهما مرا على إحدى الغرف وسمعا صوت نهنة مكتومة قادمة منها، توقفت تقى أمام باب الغرفة المفتوح هامسة:
- دي أوضة عمك سليم وده صوت مرات عمك ...
تطلعت كل منهما عبر باب الغرفة إلى زوجة عمهما التي كانت لازالت جالسة على مصليتها رافعة يديها تدعو والدموع تغرق عينيها وصلهما همهمتها وهي تقول "ولدي يا رب ... ولدي يا رب ... أرحم ولدي يا رب ... نفسي أنشوفه في المنام يا رب.."
وضعت نور كف ابنها بين أصابع شقيقتها وانسلت بسرعة إلى غرفة عمها دون حتى إستئذان... توجهت نحو زوجة عمها... جلست على الأرض أمامها... احتوت كفها بين يديها... تأملتها نجاة في صمت وكانت الأعين تتبادل حديثًا لا يفهمه إلاهما... إنها تعرف ابنها وجموحه... ينفطر قلبها أن يموت هكذا قبل حتى أن ...
"حسن خاتمة إن شاء الله ..."
همست بها نور لتلقيها في قلبها ... قلب الأم المنفطر على فلذة كبدها ... تأملتها بعينيها الدامعتين وكأنها لم تفهمها، فقالت نور بدفئ:
- زكريا مات بعد ما حفظ 4 أجزاء من القرآن وختمه تلاوة كتير ... وحفظ الأربعين النووية ... زكريا مات مبتسم ... مات على الشهادة ... مات وهوا ساجد... أدعي له وأنت موقنة بالإجابة ... إدعي له وأنت عندك يقين أن ربنا هايحفظ له مكانه في الجنة ...
إنعقد لسان نجاة وكادت عينا تقى - التي وقفت تتابعهما في صمت - أن تدمعا، تعجبت نجاة من فراسة نور.. وكأنها تعلم ما الذي يؤرقها فجائت بكلماتها التي انهمرت على قلبها بردًا وسلامًا ... لم تدر نجاة سوى المزيد من البكاء بعد أن أخذت نور بين ذراعيها تحتضنها بقوة وكأنها رسول سلام وصلت إليها بالمبشرات.. أحتضنتها وكأنها تتلمس رائحة ابنها الراحل فاستكانت نور بداخل ذلك الحضن الدافئ تتلمس بدورها حنان الأم التي فقدتها منذ سنوات تتصارع أفكارها مع أحاسيسها مع ما تلفظت به منذ لحظات دون تردد عما حدث منذ عام أو يزيد مر كالبرق وكأنه الوهم ... تسائلت بداخلها عما حدث حقًا ... عن أتون الموت الذي نجت منه بأعجوبة ... لكنها أمام أم يتمزق نياط قلبها على ابنها .. لن تخبرها ... لن تخبر أحدًا أبدًا ... يكفي نجاتها ولتُدفن الحقيقة معها إلى يوم مماتها.
******
"هوا فيه إيه...؟؟؟"
تسائل زين باستهجان وهو يتأمل نور المستلقية بين ذراعي أمه أرضًا على سجادة الصلاة لحظة دخوله هو وأبيه.
"تعا اسمع يا أبو زين إيش ابتحكي الحبيبة نور ..." قالتها نجاة، فمسحت نور أدمع عينيها ونهضت بسرعة متمتمة:
- عن إذنكم يا جماعة أنا هانزل أنا ...
أمسكت نجاة كفها قائلة: - خليكي معاي يا بتي ...
ربتت نور بكفها الآخر على يد نجاة وابتسمت لها بحنو قائلة:
- هارجع لحضرتك ... بس هانزل أجيب حاجة وقعت مني وأطلع لك على طول ...
انتفض زين وهو يستمع إلى نور مستديرًا نحوها في حدة متعجبًا من جرئتها، إلا أن نور لم تلحظ رد فعله وتوجهت إلى شقيقتها ولم تلحظ زين الذي تسلل خلفهما.
"دي بقى جنينة الفاكهة ... أحلى مكان هنا يا نور ... أهي شجرة البرتقان هناك اهه..."
قالتها تقى وهي تقود نور نحو الشجرة الضخمة التي ترتفع حتى غرفتها، لم تبحث نور كثيرًا حتى وجدت ضالتها... السبحة الصغيرة ذات اللون الأخضر الزمردي اللامع والفواصل الفضية والطربوش الفضي، تأملتها تقى في إعجاب قائلة:
- ما شاء الله ... حلوة أوووي يا نور ... روعة ... بس إيه المفتاح القديم اللي مشبوك فيها ده...؟ شكله كدة نشاز بصراحة ..!
وضعت نور السبحة كسوار حول معصمها وهي تقول بوجع:
- ده مفتاح شقة ماما الله يرحمها.... الله أعلم أدوها لمين بعد ما مشينا بس المفتاح ده فعلا هوا وكذا حاجة كدة بيفكروني بزمان ... بيفكروني بأمي ...
ضغطت تقى على كف اختها قائلة بحماس: - ما ادوهاش لحد يا نور..
نظرت لها نور في تعجب لتكمل تقى شارحة:
- الشقة لسة موجودة وباسم يسري عبد العال ...
عقدت نور حاجبيها متمتمة: - يسري عبد العال...؟
قالت تقى: - إيه يا نور...؟ نسيتي مين يسري عبد العال واللا إيه...؟ الشقة يا نور زي ما هيا باسم جدو أبو ماما الله يرحمهم جميعا ...
هتفت نور في فرح: - بجد...؟ إزاي...؟ مين بيدفع الإيجار...؟
بدأت تقى تحكي لها: - أنا نسيت اقول لك أني في أول أيامي مع ياسر طلبت منه إني أنزل اشتغل وانا بادرس طبعا زعل وقال لي إن أطلب منه اللي عايزاه وإني من حقي عليه يبقى ليا مصروف خاص أجيب بيه اللي نفسي فيه، فقلت له إن شقة أمي غالية عليا وكنت عايزة أدفع الإيجار كل شهر عشان صاحب العمارة مايخدهاش، مش هانسى ضحكته يومها وهوا بيقولي... بسيطة... وراح معايا حارة زينهم وعرَّف عم شنواني العطار صاحب البيت أنه هايدفع له الإيجار بس عم شنواني حب يستنصح على ياسر ورفع له الإيجار، ومع ذلك ياسر بيدفع الإيجار من ساعتها... أصله عارف يعني إيه بيت مليان ذكريات لأنه هوا نفسه بيعشق بيت والده الله يرحمه اللي في الجيزة ...
صمتت تقى ثم غمزت لأختها مردفة:
- وبقى يعشقه أكتر أما بقينا نسرق لنا كام يوم فيه مع بعض بعيد عن النجع هنا وعن كل الناس ...
ضحكت نور قائلة: - ربنا يهنيكم يا حبيبتي ... بس فعلاً أحلى حاجة عملتيها يا تقى أنك حافظتي على بيت أمنا ...
كانت تقى تسير بجوار أختها في حديقة الفاكهة الغناء حتى وصلتا إلى مقعدٍ خشبي جلستا عليه بينما تقى تقول حالمة: - ياسر يا نور أحلى حاجة حصلت لي في حياتي من ساعة وفاة ماما... صحيح كنت في الأول ناقمة عليه ومخنوقة منه واحتقرته أكتر لما عرفت أنه زيه زيي مجبور على الجوازة وقلت إزاي هوا ضعيف الشخصية للدرجة دي... بس سبحان الله... حسيت فعلا قد إيه نظرنا قاصر ولو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع... قربت منه وعرفته عن قرب ... حسيت قد إيه هوا راجل وشخصيته قوية وبعدين أما اتجوزنا فعليًا... حسيت أن جواه نبع من الحب مابيخلصش... كبرت بين إيديه ... علمني حاجات كتير .. شجعني على الدراسة والتفوق ... حاساه أبويا اللي ماشفتوش وأخويا اللي ماعرفوش وحبيبي وصاحبي وسندي... بجد ربنا عوضني بيه عن الدنيا كلها ...
ابتسمت نور في سعادة بينما أكملت تقى بعد تنهيدة حارة:
- عارفة ... كل ما تقسى عليا عمتي أو تجرحني بكلامها وترهقني بأوامرها اللي ما بتنتهيش واللا تغيظني حسنا وتولع حرايق عمتي عليا وأحس بالقهر والتعب والظلم ... ألعب اللعبة اللي ماما كانت بتلاعبهالنا وأحنا صغيرين لما نتضايق أن حاجة نقصانا... فاكراها..؟ فاكرة لعبة عدِّوا النعم...؟ كانت ماما بتقول لنا عدوا النعم اللي عندكوا ومش هاتحسوا باللي ناقصكوا ... وبقيت أعد النعم ... ألاقي نفسي غنية بديني وتعليمي وصحتي وزوجي اللي مافيش زيه ثم بنتي ... فاتحمل قسوة عمتي - خاصة أما عرفتْ إني ماليش ورث - وجنون بنتها وتحريضها الدايم عليا ...
أستدارت تقى بجسدها كله نحو نور وأمسكت بيدها قائلة في حنان:
- ربنا يعوضك يا نور بزوج يحبك وتحبيه وتعوضي معاه كل السنين اللي فاتت ...
ارتسمت ابتسامة متألمة على شفتي نور التي أخذت تتابع صغيرها حيث راح يجري حول الأشجار في سعادة.. إنها لم تخبر تقى بأي شيء عن زواجها أو حياتها الزوجية... كانت تتهرب من اسئلتها... التزمت الصمت وكلما سألتها لا تقول سوى "الحمد لله"، ورغم أن القاعدة تقتضي أن عدم وجود أخبار يعني مظنة وجود أخبار سعيدة No news = Good News، إلا أن تقى أخبرتها فراسة الأنثى أن نور لم تشعر لحظة بحب من قِبَل زوجها الراحل... إن ذلك السحر الذي ألقاه عليها ياسر فزادها تألقًا وبهاءًا وجعل عينيها تلمعان في سعادة وكل خلجاتها تكتسي برداء العشق الجميل الذي ألقاه عليها زوجها بحنانه الفياض لم يكن لشقيقتها حظ منه على الإطلاق... لقد عادت نور حطام أنثى... ليست حتى كما كانت قبل سفرها... صارت هزيلة جدًا وقد اتسعت الهالات السوداء حول عينيها اللتين اكتستا بنظرة تعبة حزينة ... لا يمكن أن يكون كل هذا الدمار وذاك الإحباط من مجرد حزنها على زوجٍ رحل منذ عدة أشهر ... فعندما يرحل الزوج العاشق لا يسلب معه كل السحر إلى القبر بل إن أرملته التي أضفى عليها عشقه في حياته رداء السحر تبقى بكامل بهائها بل إن الحزن قد يُضفي عليها جمالاً وبهاءًا من نوعٍ خاص..! لكن نور كانت وكأنها قد خرجت لتوها من صراعٍ مع الموت رغم كل إنجازتها في أمريكا التي كانت تحكيها لها بسعادة وصولاتها في مناظرات الملاحدة والنصارى واليهود ودراستها لعلم مقارنة الأديان حتى إتقانه لتكون سببًا في إسلام الكثير على يديها بفضل الله، كانت دائمًا تراسلها وتحكي عن سعادتها كلما أسلم أحدهم على يدها وتخبرها بفرح أنه " لأن يهدي الله بك رجلاً فهو خير لك من حمر النعم" ... لقد كان معك يا شقيقة ما هو خير من حُمُر النعم.. فَلِمَ الذبول ..؟ لماذا هاك الإنكسار والحزن المحفور بغياهب عينيك...؟ وجاءها الجواب من أعماقها... ثمة شيء عظيم كَسَرَ بداخلها الأنثى... والأنثى عندما يكسرها رجل لا يرمم تصدعها إلا رجل آخر يملك قلبًا نقيًا وحبًا صادقًا وإلا عاشت عمرها تسير بين الناس تخفي بين أضلعها شِقًا غائرًا بجدار الروح لم يجد يد حانية ترممه.
"مش عايزاكي يا نور تعملي زي القصص والأفلام وتقولي خلاص قفلت قلبي والكلام الفارغ ده ..." قالتها تقى، مردفة "افتحي قلبك للحياة وربنا أكيد هايبعت لك الراجل اللي يستاهل حبك .."
ابتسمت نور بانكسار قائلة: - الموضوع مش موضوع قفلت قلبي أو كلام من ده ... أنا أولاً يا تقى مش مسئولة عن نفسي بس ... فيه طفل في رقبتي من حقه إني أعيش له وأبديه على أي حاجة في الدنيا ... ثانيًا بقى ... أنا قلبي بقى عامل زي الصندوق الاسود ... مرمي في أعماق محيط ومفتاحة ضايع ... والشاطر بقى اللي يلاقي مفتاحة ...
همت تقى أن تتحدث، إلا أن نور فضلت تغيير الموضوع فقالت مازحة:
- هوا فيه فيه النهاردة ...؟ عمتك سايباكي يعني لا بتقول لك تعالي حضري فطار ولا حاجة ...
ضحكت تقى قائلة: - أصل البرنسيسة تفضلت وتكرمت وصحيت بدري النهاردة وأمها فرحانة بيها وبوقوفها معاها وشكلها كدة نسيتني ...
عقدت نور حاجبيها قائلة بدهشة: - قصدك حسنا...؟
ضحكت تقى قائلة: - أيوووة هيا ... لأول مرة في حياتها تصحى بدري كدة ...
غلفهما الصمت وقد غرقت كل منهما في أفكارها دون أن تلحظ أحداهما هاتين العينين اللتين كانتا تراقباهما من بعيد ثم انسحبت في هدوء.
تأملت نور ابنها الذي يلعب قريبا سعيدًا بالحديقة مفكرة ..."لكم كبر ... لكم هو رائع ... لقد عاهدته منذ ولادته أن يكون أميري ومليكي وأن أحارب كي لا يتعرض لما تعرض له سنى عمره الأولى ... لن يقهرنا أحد يا حبيبي ثانية ... لن أفتح قلبي لرجل سواك ...!"
وارتسمت على شفتيها ابتسامة حالمة ممتزجة بشيء من الألم وهي تتذكر يوم ولادته.
******
-"سهرة...؟ سهرة إيه يا عم ..؟"
- "باقول لك يا زكريا سهرة عند مستر إيفانز ... يعني أجمد مزز أمريكا من كل الجنسيات ... وشرب للصبح وتاخد في إيدك آخر السهرة المزة اللي تعجبك عالبيت تكملوا الشرب والـ..."
- "عالبيت ...؟ بس يا أخي ماتفكرنيش ... أنا مابقيتش أحط درينكس في البيت ... أنت عارف اللي عندي.. رغم كل اللي باعمله فيها ألاقيها رامياهم ... ماهياش فلوس على الأرض خاصة وإني قربت أفلس.."
- "تفلس ...؟ تفلس مين يا عم ..؟ والبنك اللي عندك ده راح فين...؟ أمال انت متجوزها ليه..؟ أحنا مش بتوع جواز أصلا وأنت متجوزها لهدف معين ... أنجز وخلص وخلينا نهيص .."
- "ماعرفش يا أخي فيها إيه ...! إيه القوة والجبروت اللي فيها دول...! كأنها بتعمل أعمال وأسحار ... لا بيأثر فيها ضرب ولا تهديد ولا ضياع جواز سفر ... وماشية راحة جاية بكل ثقة وبطنها بتكبر يوم بعد يوم وكأنها فرحانة بحملها ده..!"
- "حمل..؟ خلاص ... ماتخليهاش فرحانة وخلص نفسك من اللي جاي واللي هايشيلك الهم ويقيدك ... أحنا هنا في أمريكا ولو طالبت بحقوقها وحقوق أبنها منك هايجيبوهالها حتى لو كانت مين .."
- "يا ابن الجنيية...! قصدك ..."
- "بالظببببط ... شيل ده من ده يرتاح ده عن ده ... هوا أنا اللي هاقول لك يا برنس..؟!"
لمح زكريا نور خارجة من غرفتها ببطنها المنتفخة وحجابها الكامل متوجهة نحو الباب، فقال لمحدثه في الهاتف: – طب أقفل دلوقتي... سلام...!
ثم توجه نحو نور ووقف أمامها ليمنعها من الخروج قائلاً: - رايحة فين يا مدام..؟
قالت نور بصرامة: - راحة شغلي ... عن إذنك ...!
ضحك بسخرية قائلاً: - لا والله...؟ وبقيتي تشتغلي...؟ ده من امتى...؟
أجابته بحدة: - مش شغلك ...
قال بصرامة: - لأ شغلي .... أنت نسيتي إني جوزك واللا إيه..؟
قالت : - خلاص ... نفضها ونستريح ... وتطلقني ...
هتف: - أنت مافيش على لسانك غير الكلمة دي..؟! ما أنت عارفة الجواب ... أمضي التنازل أطلقك ...
قالت بصرامة: - وأنا قلت مافيش ورث ولا فيه تنازل ...
أمسكها من ذراعها قائلاً: - فرحانة بنفسك أوي رايحة جاية براحتك ... لا يا هانم أنا ممكن أكسر لك رجلك.. وفرحانة اوي باللي في بطنك ...
ظلت متمسكة بقوةٍ ظاهرة وهي تقول: - مش فرحانة ولا حاجة ... عمري ما اتمنيت أب زيك لابني أو بنتي.. بس هاعمل إيه بقى ... قدر ربنا ..
قال بجنون: - أنا بقى في إيدي أغير القدر ده أو ألغيه ...
صاحت بجزع وهي تحاول تحرير نفسها من قبضته:
- أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم ... لو سمحت ماتكلمنيش لأن كلامك كله غلط ...
أمسكها من كتفيها حاملاً إياها بجنون ثم ألقاها بقوة على الأرض وهو يهتف:
- أنا كلامي كله غلط..؟؟ طب هاتشوفي إزاي كلامي هايبقى صح ...
سقطت بقوة على الأرض فأخذ يركلها بعنف في بطنها وظهرها وهي تحاول الزحف بعيدًا عنه والألم يمزقها... حتى شعرت بسخونة تغمر نصفها السفلي ... نظرت بوهن لتجد نفسها غارقة في بركة من المياه التي انهمرت كالشلال و... بركة أخرى من الدماء..!
***
{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}
تسللت إلى أذنيها تلك الآيات بينما وعيها يعود إليها تدريجيًا ... فتحت عينيها بصعوبة ... إنها في غرفة جدرانها بيضاء ... متصل بكفها كانيولا متصلة بدورها عبر خرطوم رفيع بقنينة معلقة على حامل ما.
- حمدًا لله على سلامتك ... حمدًا لله على سلامتك نور ...
كانت إيفا تجلس بجوارها تمسح على رأسها وقد قطعت تلاوتها عندما لاحظت استعادة نور لوعيها، فوضعت نور يدها على رأسها متسائلة: - هـ... هوا إيه اللي حصل ...؟
ابتسمت إيفا في حنو وهمت أن تقول شيء ما، إلا أن نور هتفت: - والجنين..؟ فين ابني..؟ راح..؟ راح يا إيفا...؟
ربتت إيفا على رأسها مطمئنة وهي تقول: - مش تقلقي يا نور ... احنا لحقناكي على آخر لحظة ... أنا كنت منتظراك تحت العمارة عشان نروح المركز مع بعض زي ما اتفقنا وأما اتأخرتي طلعت أشوفك ... لاقيت باب الشقة مفتوح وانت على الأرض غرقانة في المية والدم ... طلبت الإسعاف ونقلناكي بسرعة على المستشفى عملوا لك عملية قيصري والولد بخير الحمد لله بس هوا في الحضانة ... أنت عارفة أنك في السابع لسة، فمحتاج يقعد في الحضانة شوية ...
ارتسمت ابتسامة ارتياح على وجه نور وهي تقول: - ولد...؟
أومأت إيفا قائلة: - ولد كالبدر ...
تمتمت نور: - الحمد لله ... الحمد لله ...
تسائلت إيفا: - هااا...؟ هاتسميه إيه..؟
أجابت نور بسرعة: - عيسى ... هاسميه عيسى ...
******
أصوات طرق وشيء من الهرج والمرج ابتدروهما قبيل دخولهما من باب المنزل، فتمتمت تقى متسائلة:
- فيه إيه..؟ عاملين مظاهرات جوه واللا إيه...؟
قالت نور باسمة: - تعالي ندخل ونشوف إيه اللي بيحصل...!
دلفتا من الباب الرئيسي الكبير لبيت آل رحيل، لتجدا زين وياسر واقفان عند باب مكتب الشيخ سليم ينحني زين على رتاج الباب بينما يقف ياسر ممسكًا ببعض العدة، أما على الأريكة القريبة فتجلس كل من زهرة وحسناء التي كانت تضع ساقًا فوق الأخرى وتهز رجلها في عصبية بينما تخفي وجهها خلف مجلة أزياء تتصفحها في عنف وعلى مائدة الطعام كانت الجدة قد اتخذت موقعها على رأس المائدة وقد إلتف حولها ابنيها سليم وعتمان وحفيديها طلال وياسين بينما كانت زينب تضع الطعام على المائدة ويبدو أن فاطمة ونجاة مع سنية في المطبخ.
- "ياسر... فيه إيه..؟ أنتوا بتعملوا إيه...؟!!!"
سألت تقى زوجها في دهشة، فقال ياسر مازحًا:
- على آخر الزمن بقيت صبي نجار ...
هتف الشيخ سليم من موقعه على مائدة الطعام وهو يتطلع إلى زين وياسر:
- تعالوا يا ولاد افطروا يا زين يا ولدي ما إله لازمة اللي ...
اعتدل زين ناهضًا ممرًا أصابعه في خصلات شعره النافرة وهو يقول في صرامة:
- لأ يا والدي ... ليه لازمة ونص وتلات تربع كمان ... لازم أغير كالون أوضة المكتب عشان ما يدخلهوش كل اللي يسوى...
ثم أستدار نحو نور بنظرات نارية مردفًا: - ... واللي مايسواش...
شعرت نور بالضيق من تلك التلميحات السخيفة التي لا تفهم مغزاها من زين فأشاحت بوجهها لترى حسناء قد وضعت المجلة جانبًا وأخذت تقضم أظافرها في توتر وهي تتابع الموقف، بينما أكمل زين وهو يعاود عمله: - أحنا داخلين على انتخابات ولازم نحافظ على سرية حملتنا من الهوا الطاير ...
فقال عمه عتمان: - طب تعال افطر يا زين وبعدين أبقى اعمل اللي تبغاه ..
قال زين بحسم وهو ينهض ثانية: - خلاص ... أنا خلصت يا عمي ... وأبقى أشوف دبانة تهوب هنا ... هافعصها ...
كان يتحدث بلهجة مخيفة والنيران تشتعل من عينيه، فشعرت زهرة بارتجافة حسناء الجالسة جوارها، فربتت على كتفها هاتفة: - فيه إيه يا عم الخِطِر...؟ إيه اللهجة دي...؟ محسسني إن أحنا في فيلم أكشن خوفت البنية حرام عليك ... دي حامل وعلى وش ولادة ...
نهضت حسناء قائلة بصوت حاولت أن تجعله واثقًا وباردًا كعادتها:
- لأ يا حبيبتي ... أنا لا خفت ولا حاجة.. أنا ولا أي حاجة تخوفني يا ماما ...
قالتها ثم توجهت إلى مائدة الطعام وهي تتهادى في مشيتها وتمسك بظهرها في دلال، فنهضت زهرة نحو تقى ونور قائلة: - إيه رأيكم في الفيلم الجامد ده ..؟!! أكشن كدة عالصبح ... بس العجيبة إني أول مرة أشوف أخويا زين خايف كدة عالانتخبات ...!
ضحكت تقى قائلة: - لأ ... ده خلى جوزي كمان صبي نجار ...!
قالت زهرة: - ياللا يا بنتي انتي وهيا نفطر كفايانا أكشن ...
قالت نور في ضيق: - لأ معلش أنا ماليش نفس أفطر ... أنا طالعة أوضتي ...
هتفت زهرة: - بتهرجي... صح..؟ حد يسيب البيض المقلي في السمنة البلدي والفطير والقشطة والعسل ويطلع أوضته..؟ يا بنتي ماتخليش فيلم الأكشن ده يأثر على نفساويتك وتعالي افطري..
ابتسمت نور رغمًا عنها قائلة: - فعلا ماليش نفس اكل خالص ... عن إذنكو ...
عادت زهرة تهتف: - طب انتي مالكيش نفس ... جارة في إيدك الواد الغلبان ده ليه..؟ هاتيه يا بنتي خليه يتغذى بدل ماهو هفتان كدة ... خليه يطلع لعمته جامد ومتين ...
قالتها ثم حملت عيسى، فاستسلمت لها نور وتركته ثم صعدت إلى غرفتها في هدوء تتابعها نظرات زهرة المشفقة التي لاحظت بدورها الطريقة التي نظر بها زين إليها متسائلة في أعماقها عن سر كره زين الشديد لأرملة أخيه ...!
***
كان صدرها يفيض ضيقًا ... فوقفت تؤدي صلاة الضحى، ثم تناولت مصحفها ... جلاء أحزانها وذهاب همومها ... فتحته لتكمل من حيث توقفت ...
{إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)}.
بدأت تلاوتها بتلك الآية من سورة الحج ... تلك الآية التي استحضرها قلبها يومًا ما عند باب منزلها في مانهاتن ... عندما شعرت أنها في أصعب اختبار كان عليها اجتيازه ... عندما واجهت كل الصراعات والرغبات بداخلها في تلك اللحظة ... عندما كان أمامها خيارين فقط لا ثالث لهما ... إما أن تنجح بانتصار لحظي في الدنيا وترسب في الآخرة ... أو ... تسلك الدرب الأصعب ..! حلقت ذكرياتها بها بعيدًا ... في رحاب آية ... قبل خمس سنوات أو يزيد..!
***
في ذلك المساء البارد من شهر يناير ... كانت تستمع إلى النشرة الجوية التي تنذر بزحف العاصفة الثلجية التي شلت واشنطن وفلاديفيا إلى نيويورك وبوسطن، وأخذت تفكر في طبقة الثلج السميكة التي غطت مانهاتن هذا الصباح وشلت وابطأت حركة السير السير في المدينة، ذلك عندما سمعت جرس الباب فأجفلت، إلا أنها نهضت لترتدي حجابها ثم تفتح الباب مع الاحتفاظ بسلسلة الباب مكانها دون أن تفتحها ونظرت من فرجة الباب إلى القادم طويل القامة الذي قال لها: - مدام نور ...؟
شابًا وسيمًا عسلي الشعر والعينين أبيض البشرة يقف على بابها يحدثها بالعربية، قالت:
- أيوة ... مين حضرتك..؟
أجابها: - حضرتك مش فاكراني واللا إيه...؟ أنا مهند صاحب زكريا وشريكه...
تذكرته ... هو ذلك الشخص الذي يصحب زكريا دومًا ويهاتفه دون ملل ... فقالت بحزم وقد همت أن تغلق الباب: - زكريا مش موجود ... بقاله كام يوم مابيرجعش البيت روح دور عليه مكان ما بتسهروا ...
إلا أنه وضع قدمه ليحول دون إنغلاق الباب قائلاً: - ماهو أنا جاي عشان كدة ... عشان أقول لك زكريا فين واكلمك في موضوع كدة ...
فتحت الباب مرة أخرى وقالت له دون أن ترفع عينيها نحوه: - موضوع إيه...؟
قال مازحًا بابتسامة ساحرة لم ترها: - تسمحي لي أدخل ...؟ الجو برد ...
قالت في حزم: - أنا آسفة حضرتك ... ماينفعش تدخل وأنا لوحدي ...
تمتم مهند: - كل يوم بيزيد إعجابي بيكي عن اللي قبله..!
همت أن تغلق الباب مرة أخرى إلا أنه صاح:
- على فكرة ... زكريا في السجن.. مقبوض عليه بقاله كام يوم ...!
توقفت متجمدة في مكانها لا تدري أتفرح أم تحزن...! أتفرح لأن سجانها قد سُجن أم تحزن على من هو مفترض أن يكون زوجها وأبا ابنها..!!
أنحنى مهند نحوها هامسًا: - أنا عارف زكريا كان بيعمل فيكي إيه ... كان بيحكيلي بكل فخر ... عارف إهاناته وخياناته ومحاولته الأخيرة لتسقيطك لولا إرادة ربنا أنه يحفظ ابنك ... عارف سكره وعربدته ... عارف أنك جوهرة ماتستحقش منه كل ده ... كل اللي بيحكيهولي عنك خلاني أحس أنك إنسانة أقرب ما تكون للملايكة ... حاولت أنصحه ... ماسمعش مني حرف ... ولما شوفتك حسيت قد إيه أنت رائعة ... جمال ودين وأخلاق ...مين يلاقي زوجة زيك في الزمن ده ...؟ زكريا في إيده جوهرة نادرة وهوا غامسها في الطين ومش مقدر معدنها الأصيل ...
شعرت برجفة تكتنف قلبها ... شعرت بأوصالها تتجمد أكثر فأكثر ... و... رفعت عينيها نحوه ... وجهه وسيم القسمات .. عينيه العسليتان الصافيتان المائلتان للخضار ... كلماته التي هبطت على قلبها تذيب عنه جليد الوحدة ... وصاحت الأنثى بداخلها تريد المزيد من ذلك النبع الذي يرويها بعد ظمأ سنون طويلة... منذ أن تركها محمود وهي تدفن تلك الأنثى في أعماق سحيقة، ليأتي هذا المهند فجأة ... ينبش قبرها ويرويها عذب حديثه.
شعر بفراسة الرجل أي تأثير أوقعه عليها من نظراتها الحائرة وارتعاشة يدها الممسكة بالباب، فاستمر قائلاً:
- أنا طول عمري باحلم بزوجة فيها ربع صفاتك يا نور ... إنسانة تاخد بإيدي وتخرجني من المستنقع اللي أنا فيه ... إنسانة أأمنها على بيتي وعرضي ... إنسانة تطهرني وترفعني ... أنا محتاجك يا نور ...
لم تشعر به وهو يرفع الألقاب بينهما كانت وكأنها في غيبوبة ... لسان حال أنوثتها يريد من ذلك الزوج الذي لا يراها إلا ورثًا أن يأتي ويرى كيف يقدرها رجل تتمناه أي امرأة..!
أقترب من الباب أكثر هامسًا: - سيبيه ياخد عقوبته في السجن وأطلبي الطلاق ... وأول ما عدتك تخلص أرجوك أسمحي لي أتقدم لك ... لأني بجد محتاج لك جدًا ... وابنك هايبقى أبني ...
شعرت بدوار ... فأسندت رأسها على الباب، لتسمعه يكمل:
- زكريا اتقبض عليه عشان ماسلمش الطلبيات في معادها وكل ما أقول له يكلم أخوه يبعت الطلبيات يقول لي حاضر ولا يهتم ... فالعملاء قدموا فيه بلاغ خاصة وانهم دفعوا عربون وزكريا مارجعهوش لأنه أكيد صرفه على صاحباته وسهراته ... ده غير الشرط الجزائي اللي لازم يدفعه عشان موعد التسليم فات ... فهوا كدة واللا كدة مش خارج منها ...
صمت قليلاً ثم قال: - أنا بقى ممكن اتواصل مع اخوه من إيميل المكتب اللي زكريا بيبعت منه على إني هوا واكلم العملا وناخد الشغلانة لحسابنا أنا وانتي وننتقم منهم كلهم ... إيه رأيك يا أميرتي...؟
أغمضت نور عينيها بقوة ... هاهي ذي فرصة الانتقام منه جائتها على طبق من فضة ... بل من ذهب ... هاهوذا قانون السماء ينتقم لها ... لقد أُلقي القبض عليه ... ولسوف يطلقها رغمًا عنه ولسوف تتزوج من رجل يقدرها و ....
"[أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك]"
تردد صوت أمها بداخلها بقوة وهي تردد ذلك الحديث كلما تعرضوا لموقف مماثل...!
لا تخن من خانك
لا تخن من خانك
نهي صريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخيانة حتى خيانة الخائن ...!
ذلك الشخص على باب بيتها ... هاك الثعبان الذي تسلل داخلها دون أن تدري وبث بها سمومه ... يريد أن يتطهر بتنجيسها ... يريد أن يرتقي على أكتافها غامرًا إياها في وحل الخيانة...!
لا تريد حب رجل مقابل بغض ربها لها ... نعم ... تذكرت آية سورة الحج ...
{إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ }.
ربها لا يحب الخائن ... كيف تحيا إذا لم يحبها ربها وهي التي ترجو رضاه وتحيا برحمته وفضله...!!
استنكرت نفسها ... كيف استمالها حديث ذلك الشخص القابع على بابها كشيطان ..؟؟؟!!
شدت قامتها وأرخت عينيها إلى الأرض، فسألها: - هاااه ... قولتي إيه...؟؟؟
قالت بحسم: - أنا ماليش في شغلكوا ... اللي انت شايفه اعمله ... وبالنسبة لارتباطنا .... أما أبقى أتطلق يبقى نتكلم في الموضوع ده...!
أبتسم مهند بانتصار قائلاً: - ماشي يا نور ... هاستنى على نار أنك تخلصي من الشخص اللي بيعذبك ده عشان تشوفي معايا كل معاني الحب والتقدير و ...
قاطعته قائلة: - ماشي ... شكرًا ...
ثم صفعت في وجهه الباب دون أن تضيف أي كلمة...! وهرعت إلى غرفة طفلها ذو العشرة أشهر ... الغافي في هدوء ... قبلته في حنو ثم تهاوت على الأرض تحتضن قدميها وتبكي ... تبكي ضعفها أمام أول فتنة تواجهها ...! كانت تعتقد أن محمود قد أخذ معه كل ما بها من رومانسية وأمل في الحب وزكريا قد دفن ما بقي بها من أنوثة ... لماذا إذن شعرت بميل إلى كلام ذلك المهند المعسول...؟؟؟
نهضت متثاقلة ... توضأت وأخذت تصلي وتستغفر عن شعور ما كان يحق لها أن تشعر به ... تستغفر عن نظراتها إليه ... عن حديثها معه ... عن إصغاء قلبها إليه.
أنهت صلاتها ثم فتحت الحاسوب ... لقد هاتفتها تقى منذ فترة وتبادلا البريد الإلكتروني وصارت كل منهما تراسل الأخرى بانتظام تحكي لها عن حياتها ... فتحت الحاسوب علها تجد رسالة من شقيقتها تتناسى معها إثمها القلبي. كان متصفح الإنترنت الذي اعتادت عليه لا يريد العمل لم تدر لماذا، فلجأت إلى متصفح آخر... فتحت الهوت ميل من خلاله و... وجدته يدلف تلقائيًا إلى حساب ما دون مطالبة بكلمة سر أو شيء من هذا القبيل ...! كان يبدو أن زكريا قد ضبطته على الاحتفاظ بالحساب وكلمة المرور لأنها وجدت نفسها على حساب البريد الإليكتروني الشخصي لزكريا...! همت أن تخرج منه إلا أنها لمحت رسالة بعنوان (عاجل بخصوص الشحنة) كانت من حساب باسم زين، فأغمضت عينيها بقوة وكأن الله يقودها إلى مسار محدد ... ستتبع ما خطه القدر ... ولن تخن من خانها ... على العكس ... ستعمل على إخراجه من محنته. وفتحت نور رسائل البريد الإلكتروني وأخذت تدرس الأمر برمته.
- "آلو .... مكتب مسيو جان دي بونت...؟ هنا مديرة مكتب مسيو زكريا رحيل ... أود التحدث إلى مسيو دي بونت من فضلك... نعم ... بخصوص الشحنة المطلوبة من شركتنا ... حسنا أنا في انتظاره.."
وتم تحويلها على أحد أكبر العملاء المستوردين لمحصول مزارع ال رحيل، تناقشت معه وأوضحت أن الأمر ملتبس عليهم وأن كل ما في الامر كان حجز جمركي سيتم حله في أقرب فرصة وستصل بضائعهم الى مخازنهم خلال اسبوع. تفهم المستثمر الفرنسي الأمر واخبرها انه لن يتنازل عن بلاغه ضد زكريا الا عندما يرى البضائع. وأخرجت نور قاعدة بيانات العملاء التي كان زكريا محتفظا بها على ايميله وهاتفت كل من تعاقد معهم محاولة توضيح الأمر وحملهم على التنازل عن بلاغاتهم ووصلت الى اتفاق وسط معهم بتقديم تخفيضًا لهم، ووعدتهم بإيصال البضائع في اقرب فرصة.
كان زكريا يحتفظ بنسخ من العقود وقاعدة بيانات العملاء على بريده الإلكتروني، ويبدو ان هذا هو بريده الشخصي لا الذي باسم مكتب التوزيع الذي يدخل عليه مهند. تواصلت مع زين على انها زكريا وعرفت منه كل تفاصيل الشحنة التي كان قد ارسلها بالفعل لكنه لم يتلق من أخيه أي رد بخصوصها. فهاتفت الميناء وعرفت ما على الشحنة من حجز جمركي. قررت أن تذهب لاستلام الشحنة في اليوم التالي وقد لمعت في رأسها فكرة عن الشخص الوحيد الذي يمكنه مساعدتها في هذا الأمر، فأمسكت الهاتف وطلبت رقمًا ما قائلة: - سلام عليكم ... قبل كل شيء... أنا محتاجة مساعدتك جدا ....
***

Msamo likes this.

Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 18-12-17, 01:25 PM   #19

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

-6-
مذ أدركت أنا بأنني أنا لم يقتلونا هنا في المدينة بالرصاص وإنما بالقرارات
جابرييل جارسيا ماركيز
******
كانت تغفو على نافذته بأوراقها الأرجوانية التي يشبه ملمسها ملمس القطيفة وساقها الذي لا يتعدى الثلاثون سنتيمترًا.. والزهرة الوردية بقلبها التي تنغلق على نفسها دونما سببًا واضحًا...! لاحظ أن أزهارها تفتح وتغلق ثم تفتح وتغلق مع الوقت دون أن تكون تابعة لحركة الشمس أو لوجود ضوء أو عدمه..!
اليهودي التائه... القلب الأرجواني Purple heart... نبتته المفضلة التي يحتفظ بأصص منها بأغلب الأماكن التي يتواجد بها. أخذ يتأملها في شرود وقد أنغلقت أحد أزهارها على نفسها لفترة طويلة... ورغمًا عنه... اخترقت صورتها أغصان حقده المسموم وطافت بذهنه... لم يدر لماذا ذكرته تلك النبتة بها...!!!
شخصية غريبة... صموتة... لا يكاد يمسها شخص ما بأي كلمة إلا وتنغلق على نفسها دونما سبب واضح... قراءاتها... تربيتها لابنها رغم صغر سنها... صمتها المطبق... ذلك الحزن بعينيها... لم يدر أي تشابه ربطه عقله الباطن بين نور أرملة أخيه وبين نبتة القلب الأرجواني القابعة على نافذته...!!!
لكنه تذكر ما حدث فجر اليوم وما قرأه على شاشة الحاسوب من كلمات بذيئة لا تنم إلا عن امرأة ساقطة لا دين لها ولا خلق..! فاشتعل غضبه ثانية وكره استدعاء عقله الباطن لصورتها بتلك الطريقة فدفع أصص نباته بحدة غاضبًا، ووأد أي صوت ضعيف بداخله يخبره أنه قد يكون مخطئًا...!!
هنا فقط تأكد من كلام أخيه وحتما ما قالته عمته عن أمها كان حقيقة... فاشتعل غضبه أكثر وهو يفكر فيما يخطط له أباه والجدة... وضاق صدره ... لكنه أتخذ قرارًا حاسمًا...
"اللي ما تربيهاش أمها ولا يعرف جوزها يعدلها... أقسم بالله لأمشيها على عجين ما تلخبطه..."
قالها ثم خرج من غرفته مسرعًا هادرًا حتى كاد أن يصطدم بزهرة التي كانت تصعد السلم مع تقى ممسكة بصفحة ما، فنادته شقيقته: - زيييين... مالك يا أخويا..؟ فيه إيه...؟
إلا أنه أسرع إلى باب المنزل دونما كلمة واحدة، فهزت زهرة كتفيها قائلة:
- هوا أتجنن على آخر الزمن واللا إيه..!
قالت تقى: - معذور يا بنتي... من ساعة ما مراته قالت له أنها حامل من كام سنة وهوا عمال يلف عليها البلد كلها نفسه يشوف ابنه واللا بنته وهيا فص ملح وداب..!!
زفرت زهرة قائلة: - ما ينسى بقى خلاص... هوا عمل اللي عليه وزيادة... مافيش في إيده إلا الدعاء...! ربنا يهديك يا أخويا وتعتر في ضناك... ياللا أحنا بينا نشوف اختك دي كمان مالها...
ضحكت تقى وتوجهتا إلى غرفة نور دخلتاها بعد أن سمحت لهما بالدخول، فرأيتا نور تنهض من على بُساط صلاتها وتغلق مصحفها وقد امتلئت عينيها بالدموع محاولة محو أثرها، قالت زهرة:
- أوباااا.... مالك أنت كمان يا نور...؟ هوا فيه إيه النهاردة يا جماعة..؟
رسمت نور على شفتيها ابتسامة عذبة وهي تقول:
- مالي إزاي يعني..؟ مش فاهمة يا زهورة...!
سارعت تقى بقولها: - يعني مافطرتيش وقاعدة لوحدك...
همت نور أن تقول شيء ما، إلا أن زهرة وضعت الصفحة التي بيدها على المنضدة قائلة وهي ترفع الغطاء:
- ماهانش علينا نفطر لوحدنا جبنا الفطار وقلنا نفطر معاكي... ياللا يا نور باسم الله...
تسائلت نور في قلق: - أمال فين عيسى..؟؟
قالت زهرة: - أمي أول ما شافته شبطت فيه.. فطرته وقاعدة تلاعبه..
ابتسمت نور باطمئنان ثم جلست حول المنضدة مع تقى وزهرة شاعرة بدفئ حرمت منه سنوات طوال في بلد الجليد بها هو المسيطر... حتى المشاعر هنالك كانت جليدية وزائفة... اللهم إلا وجود إيفا بجوارها التي أرسلها الله لها لتنقذها أكثر من مرة... ووجود...!
*******
- "إيه يا مهند باشا... مش تقول لي كفارة...؟؟؟"
قالها زكريا عبر هاتفه الجوال في مرح بينما كان جالسًا في سيارة الأجرة بجوار نور، ثم أردف:
- آه والله لسة طالع طازة... نـ... نور اللي طلعتني... إيه..؟ بتقول أنك ساعدتها في كدة..؟ طبعا يا برنس أنا عارف أنك أكتر واحد تخاف عليا... متحرمش منك يا باشا... أنا في الطريق أهوه... ماشي... جهز أنت نفسك بس...
قالها ثم أنهى المكالمة ناظرًا إلى نور بطرف عينيه حيث كانت تشيح بوجهها عنه ناظرة من النافذة بجوارها، حائرًا في أمرها... كيف تخرجه من السجن وتبذل كل ذلك الجهد في إنقاذ عمله رغم كل ما فعله معها..؟!! أتكون بتلك القوة حقًا...؟ لكنه عاد وقال لنفسه أن مهند صديقه الصدوق حتمًا هو من دفعها لمساعدته وإلا لكانت هربت منه ومن البلد باكملها كما تطالبه يوميًا... قطع استرساله في التفكير رنين هاتف نور الجوال فردت عليه قائله.. "بونجور مسيو دي بونت... حسنًا... تهانئي على وصول البضائع... ونحن عند كلمتنا فيما يخص التخفيض الذي وعدناك به... ماذا..؟ حفل...؟ لا حقًا أعذرني لن أستطيع حضور حفلات... ألا يمكن أن ترسل لنا الشيكات المتبقية أو نأخذها من مكتبك في أي وقت آخر...؟ آها... مسافر فرنسا بعد غد... حسنًا... سنمر أنا ومسيو رحيل عليك بمكان الحفل لاستلام الشيكات ثم نرحل مباشرة... حسنًا... العنوان... كوخ سنتياجو...؟ لا... في الواقع لا أعرفه... هذا لطف كبير منك مسيو دي بونت أن سترسل لنا السائق أيضًا... عنواننا واشنطن هايتس مانهاتن....."
وأملته نور العنوان بالتفصيل ثم أغلقت الهاتف، فقال زكريا ساخرًا:
- من أمتى وأنت معاك موبايل..؟
رمقته باستخفاف ثم ردت باقتضاب: - جابتهولي صديقة من فترة...
فتسائل: - ده مين ده اللي عازمنا على حفلة..؟
زفرت وقد فقدت كل ذرة أمل في أن يسأل أو يهتم بالعمل الذي من المفترض أنه يديره ثم قالت بنفس الاقتضاب: - مسيو جان دي بونت واحد من أكبر عملائنا مسافر فرنسا يقضي فيها إجازة عيد الميلاد بعد بكرة وهوا متعود يشرف بنفسه على الأمور المالية من إستلام شيكات وخلافه فعازمنا عنده في كوخ كدة عشان نستلم الشيكات... طبعًا إحنا مش هانحضر حفلات ولا يحزنون... إحنا هناخد الشيكات ونمشي... وهوا قال لي أن السواق بتاعه هايكون تحت أمرنا..
التمعت عينا زكريا جذلاً دون أن يصرح لها كم هو سعيد بحضور حفل في كوخ سنتياجو... كان أحد أحلامه منذ أمد بعيد لما سمعه عنه من وجود كل أنواع الترفيه الراقي هناك حيث يتواجد الكوخ أعلى تلة مرتفعة في مالون يذهب إليها الثري الفرنسي كل عام ليقيم حفلاً لا مثيل له.
في اليوم التالي أخذ زكريا يتأنق منذ العصر مجربًا عدة حلل من التوكسيدو وعدة قمصان وعدة ربطات عنق وأخذ يتخير أفضل عطوره الفخمة، بينما نور تقبع بحجرتها تعتني بابنها وتستمع إلى الأخبار بالمذياع ...
" ... هذا وسيؤثر سوء الأحوال الجوية على حالة النقل الجوي: فقد ألغيت كل الرحلات المنطلقة من مطاريْ JFK ولاجورديا أو أجلت. كما أن الطرق سيئة للغاية وتنصح السلطات بتفادي التنقل بالسيارات قدر الإمكان. وإذا كان المترو سيشتغل بشكل طبيعي، فإن حركة الحافلات سيعتريها الكثير من الأضطراب.
كما أن متاحف المدينة ستغلق أبوابها لأول مرة منذ سبع سنوات وكذلك الشأن بالنسبة لحديقة الحيوان والمعالم السياحية الرئيسية. وستواصل هذه العاصفة الناتجة من التقاء كتلة هوائية رطبة قادمة من خليج المكسيك وأخرى باردة آتية من كندا، تقدمها خلال اليوم باتجاه نيو إنجلاند.
لذا ننصحكم بتوخي أقصى درجات الحذر.
أنتم تستمعون إلى إذاعتكم مانهاتن على الموجة 101.04.
إذا أعطيتمونا عشر دقائق على مانهاتن 101.04، سنضع العالم بين أيديكم."
شعرت نور بالقلق وهي تستمع لتلك الأخبار... كيف ستخرج بابنها الذي لم يكمل عامًا في تلك الأجواء..؟؟ هي لا تريد الإثقال على إيفا اليوم أيضًا، ولا تريد الخروج به في ذلك الجو... ثُقل عظيم يجثم على قلبها، فهي لا رغبة لها في الذهاب إلى أي مكان مع ذلك المدعو زوجها الذي نجح بجدارة في سلب أي بصيص من الثقة قد تكنه به؛ لكن ما بذلته من مجهود مضني من أجل إتمام تلك الصفقة لن تدع زكريا يضيعه باستهتاره وعبثه...!
وقفت أمام نافذة غرفتها ترقب تساقط الجليد بنعومة... رفعت رأسها إلى السماء المظلمة لا تدري كيف تتصرف حتى لمعت نجمة بضباب تفكيرها المتضارب ترشدها أن تنصب قدميها وترفع قضيتها إلى الملك فـ "ما خاب من استخار يا صغيرة" كذا اخبرتها أمها يومًا.
وبعد التسليم... لم تفارق مكانها على بساط الصلاة قليلاً حتى لمعت تلك النجمة بداخلها مضيئة لها طريق الذهاب، فعزمت أن تذهب لاستلام الشيكات ثم ترحل في الحال.
نهضت بسرعة تعد ملابس ثقيلة لعيسى مع غطائين من الفراء والصوف، بينما ارتدت هي عبائتها الفضفاضة عليها معطفًا جلديًا طويلاً وحجابها الطويل، ثم خرجت من غرفتها لتجد زكريا في قمة تأنقه بسترة توكسيدو سوداء من المخمل وقميص أبيض وبابيون رمادي ويضع حول عنقه شملة صوفية رمادية بينما عطره الفخم يعبق ردهة المنزل. نظر إليها قائلاً بسخرية وهو يشير لها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها:
- أنت هاتروحي الحفلة كدة...؟
قالت بثقة: - أنا ما بخرجش من البيت إلا كدة وبعدين أنا مش هاحضر حفلات أنا راحة أقضي مصلحة شغل وأمشي..
ضحك زكريا ساخرًا وهو ينظر إلى ملابسها الفضفاضة وحجابها الطويل وحذائها البسيط المستوي دون كعبٍ عالٍ شاكًا أن يسمحوا لها بدخول كوخ سنتياجو، ذلك عندما سمع جرس الباب ففتحه ليظهر مهند في حلة أنيقة بدوره زادته وسامة، فعبست نور وقالت:
- ده جاي ليه ده...؟
قال زكريا بقوة: - أنا قولت له يجي... صاحبي وشريكي وأخويا...
نظر مهند إلى نور مضيقًا عيناه الذهبيتين وهو يقول:
- إيه يا مدام نور... ماكنتيش عايزاني آجي واللا إيه..؟
لم تجبه، ورحلت من أمامه لتكمل وضع الملابس الثقيلة على ابنها وتحكم تدثيره عندما رن جهاز النداء الداخلي للبناية "intercom" ليعلن عن وصول سائق مسيو دي بونت وهو في انتظارهم.
وخلال دقائق كانوا قد استقلوا سيارة الرولز رويس الخاصة بالمسيو دي بونت منطلقة بهم إلى كوخ سنتياجو.
بمجرد ركوبها سمعت نور رنين هاتفها معلنًا عن مكالمة من إيفا التي لم تنس أن تطمئن عليها حتى في العطلة...! اخبرتها نور باختصار عن وجهتها ثم أخذت تتابع الرولز رويس وهي تقطع طرقًا جليدية متوجهة شمالاً إلى مالون حيث يقبع الكوخ الريفي لرجل الأعمال الفرنسي.
بعد مرور أربع وعشرون ساعة أو أقل قليلاً... في تمام الساعة الرابعة عصر اليوم التالي... كانت الرولز رويس تعود إلى واشنطن هايتس لتتوقف أمام البناية الضخمة بواشنطن هايتس لتهبط نور محتضنة صغيرها يتبعها زكريا ومهند يبدو عليهما آثار سُكر بين وقد ذهبت أناقتهما أدراج الرياح حيث كان قميصيهما نافرين إلى الخارج وربطتي عنقهما الأنيقتين محلولتين بغير اهتمام.
أسرعت نور إلى البناية وهي ترد على هاتفها الجوال قائلة:
- أهلاً إيفا... حبيبتي ماتقلقيش أنا بخير الحمد لله... لا والله ماكنتش قافلة التليفون، الشبكة كانت واقعة عشان الأحوال الجوية... لسة راجعين حالاً... أتحبسنا هناك ماعرفناش نطلع من الجليد اللي كسا البيت والطرق... اضطرينا نستنى لحد ما جرفوه وعرفت السيارات تتحرك... أنا وعيسى بخير الحمد لله شكرًا على سؤالك... ماشي هاكلمك تاني ... سلام عليكم...
أستقلت نور المصعد مع زكريا ومهند الذين أخذا يحكيا عن الحفل وروعته وهما يضحكان بصخب، وعندما نزلوا بطابقهم... وجدوا صناديق كثيرة ن الكرتون موضوعة بالطريق أمام باب لمنزل مجاور لم يكن مسكونًا قبلاً، كانت تنحني على الصناديق امرأة شقراء فارعة ذات قوام فاتن وملامح أنثوية جذابة... ترتدي بنطالاً من الجينز الباهت عليه بلوزة وردية قصيرة ترتفع ليظهر جزء من ظهرها وبطنها وترفع شعرها الأشقر الفاتح على هيئة ذيل حصان. تسمر زكريا أمامها ثم قال مبهورًا وهو يشير إليها:
- سـ... سكارليت جوهانسن... صحيح..؟ أنت سكارليت جوهانسن... لقد شاهدت لك فيلم الجزيرة في السينما قريبًا لقد كان رائـ...
أبتسمت الفتاة ابتسامة مغرية وهي تقول بينما تهز رأسها نفيًا:
- لا.. لا... الكل يقول لي هذا... لكنني لست هي... اسمي (كارولينا آدامز)...
مد زكريا يده مصافحًا وهو يقول: - أنا (زكريا رحيل) ... يمكنك مناداتي زاك ..
أحكمت نور يديها على طفلها وتركتهم راحلة في سرعة نحو منزلها، بينما لحق بها مهند هامسًا:
- مش قولت لك... ديل الكلب... ولااا كأنك لسة مخرجاه من السجن... شوفتي اللي بديتيه عليا...
دخلت نور المنزل وصفعت بابه في وجه مهند وقد انهمرت الدموع من عينيها شلالاً... لا غيرة على شخص لا تكن له أي مشاعر... بل تقززًا من إنسان غارق في شهواته لا يقيم اعتبارًا لدين أو عادات أو حتى حقوق لزوجة وابن..! وخوفًا... نعم... كل يوم ينهش الخوف ينهش قلبها... كيف ستربي ابنها و... ابنه في جوٍ كهذا... كيف ستعلمه الدين والحلال والحرام وهو يرى أباه هكذا...؟ أزداد بكائها حدة والألم يعتصر قلبها وهي تهتف ... (يااا الله) ...
كانت موقنة من أن ربها قريب مجيب... لكنها لم تتخيل لحظة أن دعوتها ستُستجاب في نفس اللحظة... لم تتخيل أن مصدر دموعها الآن سيكون هو أداة التطهير و... سَطَرَ القدر ما سيكون.
*******
كانت شمس الأصيل الناعمة تختفي رويدًا رويدًا خلف الأشجار والنخيل الباسقات...
جمال هادئ ناعم بكر لم تعتقد أنها قد تشهده مرة أخرى في بلدتها بعد غربة سنوات طوال...
السماء متضرجة باللون الأحمر والأرجواني وقليل من الزرقة والأشجار تتمايل مع نسمات المساء الوليدة...
لوحة طبيعية خلابة أضفت على قلبها سلامًا بالتفكر في بديع خلق السماوات والأرض.
عقدت يديها على صدرها واستنشقت الكثير من ذاك الهواء النقي ثم أغمضت عينيها وكأنها تحبس تلك اللوحة الطبيعية بداخلهما وأرجعت رأسها إلى الخلف في هدوء. كانت تجلس بأحد أركان الحديقة في هدوء تتأمل جمال المكان وما يضفيه من سلام نفسي عليها.
لم يلبث هدوئها أن تحول إلى ارتعادة وجلة عندما شعرت بمن يحيط كتفيها بذراعه، فابتعدت بجسدها في عنف وفتحت عينيها، ثم...
"عمي سليم...؟!! أ.. أنا آسفة افتكرتك حد تاني..."
قالتها وهي تضع يدها على قلبها، فابتسم الشيخ سليم ابتسامة يبدو على ظاهرها الهدوء لكن اختلاج زاويتي فمه أوضحتا أن ثمة أمر خطير.
"معلهيش يا نور بتي إذا كنت فجعتك..."
قالها رابتًا على يدها، فقالت وقد عاودها هدوئها: - لا أبدًا... حصل خير يا عمي..
صمت الشيخ سليم لحظات مطرقًا إلى الأرض، فتأملته نور في تعجب، وعندما طال صمته قالت:
- حضرتك كويس يا عمي...؟
زفر عمها ثم رفع رأسه وقال شاردًا: - والله موضوع الانتخابات ده مسوي لنا وش في راسنا...
أبتسمت نور مشجعة وهي تربت على يده قائلة:
- حضرتك قدها يا عمي... ده أما حضرتك أخدتني عشان تفرجني على البلد والمزرعة مافيش حد شافك إلا وكان فرحان بيك... الناس هنا بتحبك قوي...
هز الشيخ سليم رأسه قائلاً: - إحنا مانا قلقانين على المكسب بإذن رب العالمين هيذا مضمون... بس اللي جاي بعديه هوا اللي بنحاول أنرتب له...
عقدت نور حاجبيها في غير فهم، فأردف الشيخ سليم:
- أنا كيف ما سمعتي يا بتي.. لو على خدمة النجع وأهله مانا مقصر في شيء بمجلس أو غيره... أنا كل همي أقضى على زراعة وتجارة السموم اللي البلد مليانة بيها..
لم تعلق نور أيضًا ليكمل عمها: - منطقتنا يا نور يا بتي واحدة من أكبر المناطق اللي بيدخل عن طريقها للبلد الحشيش المغربي والأسلحة المتوسطة... كيف تجاره الجمله بتبدأ من أول حدود ليبيا لمنطقة الساحل قبل كمين أبيش على مدخل إسكندرية... وقبل الثورة... الأشياء هيذي كانت بتتم بمعرفة كبار رجالة الداخلية والجيش لأنهم خابرين زين حجم تسليح المهربين طبعًا غير النسبة اللي بياخدوها، عندنا مناطق ياما هنا بالبحرية ملك لقبايل مسلحة واضعين يدهم على أراضي كتير... عشان اكده مش بالساهل أي حدا يشتري أرض بالواحات.. القبايل هيذي بتتاجر في الحشيش وتدخله من الحدود وبتزرعه كمان تحت سمع ونظر الداخلية والداخلية ما يقدروا يسووا معاهم أي شيء طالما القبايل هيذي ما بتتدخل في السياسة...
اتسعت عينا نور من مدى خطورة المعلومات التي يخبرها إياها عمها، ثم قالت:
- ياااه يا عمي... للدرجة دي الفساد وصل في البلد أن الداخلية هيا اللي بتبيع المخدرات والسموم للناس...!!! ياااا الله... بس يا عمي أكيد بعد الثورة كل الفساد ده هايختفي... صح...؟
نظر إليها الشيخ سليم باسمًا وهو يقول:
- ماهو لازمن حد يقوم يكشف الفساد هيذا ويحاربه وإلا ما راح يختفي من نفسيه... وده كان سبب رئيسي من أسباب ترشحي للمجلس... أنا خابر بالاسم والأدلة كتير من القبايل اللي متولية الامور هيذي وراح أفتح الموضوع في مجلس الشعب الجديد... مجلس الثورة ...
نظرت إليه نور في إعجاب ثم قالت مشفقة:
- بس يا عمي كدة هايعرضك لخطر جامد... حضرتك بتقول أن القبايل دي مسلحة...
هز الشيخ سليم رأسه قائلاً: - أدري يا بتي... بس لو كل واحد خاف... ما راح نكشف الفساد... قبل الثورة كنا ساكتين لأننا قلنا النظام حاميهم وماحدا راح يسمع... الحين... إيش عذرنا...؟ لازمن نحارب الفساد ونقف كيف الرجال...
ربتت نور على كفه قائلة بحماس: - ربنا معاك يا عمي... وكلنا أكيد هانقف جنبك... وأنا عن نفسي هاساعدك بكل قوة... ممكن أعمل لك دعاية على الإنترنت... أو أي حاجة تطلبها مني...
أطرق الشيخ سليم برأسه قائلاً بخفوت: - تقدري تساعديني بشيء واحد بس يا بتي...
أجابته نور بحماس: - عنيا ليك يا عمي...
رفع رأسه نحوها ببطئ ثم نظر في عينيها قائلاً: - تتجوزي زين ولدي....
لم تستطع نور إستيعاب الأمر بداية، فأرجعت رأسها للخلف في ذهول وقد اتسعت عيناها ثم ضحكت قائلة:
- حضرتك بتهزر.. صح...؟؟ إيه دخل الكلام ده في الانتخابات...؟؟؟
هز الشيخ سليم رأسه نفيًا في جمود ثم قال بهدوء: - ما بنهرج وهيذا طلبي منك فعلاً وإلا ما راح نعرف ندخل المجلس...
هتفت نور وقد بدأ غضب ما ينتشر بداخلها: - إزاي يا عمي..؟ هما شارطين كدة في ورقة الترشح واللا إيه...؟؟
أشاح بوجهه بعيدًا وهو يقول: - مش المجلس اللي شرط هيذا الشرط... جدتك... جدتك اللي كيف ما تعرف تجمع لي أصوات أهالي الواحات والجيزة... تعرف بمكالمة منها تضيعهم مني...
نهضت نور في حدة قائلة: - آااااه... لسة جدتي مستمرة في مسلسل القرارات اللي بتاخدها عن كل فرد هنا في العيلة... معلش يا عمي... أنا آسفة... مش هاكون لعبة تاني في إيد جدتي... لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين... أنا مش هاتجوز بدون إرادتي تاني أبدًا... حضرتك ممكن تطلب مني أي حاجة تانية إلا الطلب ده...! عن إذنك...
قالتها ثم شدت وشاحها الصوفي المحيط بكتفيها متدثرة به وأسرعت إلى داخل البيت، بينما نهض الشيخ سليم في بطيء متجهًا إلى مكتبه ليجد الجدة حنة تجلس خلفه تتحدث بالهاتف.
- "زين يا حسن... مشكور يا وليدي... أجمع كل رجالتك وعرف عن ولدي الشيخ سليم بالجيزة... ندري يا ولدي.. ندري أن الشيخ سليم معروف... لكن نبغى الكل يعرفه... كابير وصغير... غني وفقير... وما تشيل حمل التكاليف... إحنا هانسد أي تكلفة بعون الله... سلم لي على مرتك وعيالك يا حسن... مع السلامة يا ولدي.."
أغلقت الجدة الهاتف ثم استدارت نحو الشيخ سليم الذي تبدو على وجهه إمارات الخيبة، فضيقت عينيها الحادتين رغم كثرة التجاعيد المحيطة بهما قائلة: - هاااه يا سليم... حدتها...؟؟
زفر الشيخ سليم قائلاً: - حدتها يا أم... لكنها رافضة...
قالت الجدة في صرامة: - أنت خابر يا سليم أن دخولك المجلس واقف على الجوازة هيذي..؟
أجابها الشيخ سليم: - خابر يا أم... لكن... إيش أسوي في بت ولدك..؟ رافضة حتى تتحدت معاي أو تتناقش... وفرت مني بغضب وخوف كيف ما بتفر من الموت وكأن جوازها من ولدي موت...!! أنا أقنعت ولدي لكن ما ندري كيف نقنع نور...!
تراجعت الجدة في مقعدها قائلة: - أنا أدري كيف تقنعها ...
تسائل الشيخ سليم بنبرة غير راضية: - كيف يا أم...؟
قالت بحزم: - بولدها ...
نظر الشيخ سليم نحوها في ذهول بينما أردفت الجدة:
- باكر أتبلغها أنها لو ما اتزوجت زين راح ناخد منيها ولدها... ولازمن نسوي الفرح الخميس الجاي..
نظر زين إلى أمه في صمت ثم وضع يده على رأسه وكأنه يرى التاريخ يعيد نفسه ...!
******
"... وحضرتك عمالة تقولي لي افتحي قلبك للحياة وماتعمليش زي القصص والأفلام وربنا هايبعت لك اللي يحبك الراجل اللي يستاهلك... أتاريكي مطبخاها معاهم ..."
هتفت نور بشقيقتها التي لحقت بها إلى غرفتها عندما رأتها تصعد سلم البيت في غضب، فقالت تقى:
- أنت بتقولي إيه يا نور...؟ أنا مش فاهمة حاجة ... مطبخة إيه ومع مين ...؟
قالت نور بحدة وهي تجذب حقيبة سفر فارغة وتبدأ بتعبئتها بملابسها وملابس ابنها: - آاااه .. ما انت بقيتي منهم وعليهم ونسيتي اختك... بس أنا مش هاستسلم يا تقى...
أمسكتها تقى من كتفيها قائلة: - أهدي كدة واحكي لي اللي حصل عشان أقسم بالله أنا مش فاهمة حاجة خااالص...
قالت نور وهي تلهث من فرط الغضب: - جدتك أمرت وقررت مرة تانية أنها تجوزني...
رفعت تقى حاجبيها في دهشة ثم قالت: - تجوزك ...؟ تجوزك مين...؟
أجابتها نور: - ابن عمك... سي زين...
ابتسمت تقى قائلة: - طيب وماله يا نور... زين إنسان مثقف ومتدين وشخصية محترمة جدًا ...
دفعتها نور هاتفة: - أنت عايزة تغيظيني... آااه... ماهم أكيد مخلينيك تقولي لي الكلام ده...
قالت تقى بجدية: - نور عايزة إيه أكتر من قسمي بالله إني ما أعرفش حرف عن الموضوع ده...؟ والله العظيم ولا جه على بالي فعلاً... أنا باكلمك عن زين صديق عمر ياسر جوزي قبل ما يكون ابن خاله... ياسر دايمًا يحكي عنه وعن دينه وأخلاقه... عشان كدة باقول لك إدي نفسك فرصة تعرفيه ويعرفك...
أكملت نور تجميع ملابسها بالحقيبة وهي تقول بسخرية:
- فرصة..؟ فرصة مين يا هانم ده عمك عايزني أتجوزه قبل الانتخابات اللي فاضل عليها إسبوعين... وبعدين مين ده اللي أعرفه ويعرفني وهوا من اول ما دخلت هنا وهوا لا طايقني ولا طايق حتى ابن اخوه ..! أنا عاهدت ابني اني مش هاعرضه لأي قهر.. وأنا بقى أكتفيت... لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين... أنا تعبت بما فيه الكفاية أما سمعت كلامهم مرة... عشان كدة أنا لازم أختار قراري وماخليش حد ياخده عني...
توقفت نور عن وضع الملابس لحظات ثم قالت لتقى:
- أنتِ كان عندك حق على فكرة.... زمان أما قلتي أن إحنا لازم نهرب ولا نسمع كلامهم...
فقالت تقى بهدوء: - لأ يا نور... بالنسبة للي شوفته مع ياسر.. أنت اللي كان عندك حق أما قلتي أنه يمكن الحفرة اللي أنا كنت شايفاها تبقى باب لشيء من السعادة... الله أعلم... وفعلا ياسر هوا أكبر مصدر لسعادتي هوا وحبيبة يا نور...
قالت نور بألم رغمًا عنها: - أنا بقى بالنسبة لي كانت حفرة... حفرة موت... ومش ناوية أقع فيها تاني...
قالت تقى مشفقة: - طيب أهدي بس وقولي لي ناوية تعملي إيه..؟؟
أغلقت نور الحقيبة قائلة: - ناوية أرجع شقة ماما...
عقدت تقى حاجبيها في خوف قائلة: - لوحدك...؟
قالت نور: - أنا وابني طبعًا...
فقالت تقى: - طيب إستني ياسر يرجع من نابطشيته وهوا كدة كدة رايح القاهرة و ممكن...
قاطعتها نور: - لاااا... معلش يا تقى... أنت مالكيش دعوة بالموضوع ده خالص... ماتتدخليش فيه عشان ماتهدميش حياتك... أنا هاعرف أصرف أموري كويس...
قالت تقى: - بس يا نور ...
قاطعتها بقوة عجيبة تلبستها: - مابسش.... روحي لبنتك يا تقى لو سمحتي...
قالت تقى في قلق: - هاتنزلي دلوقتي واللا إيه...؟
أجابتها نور بنفس النبرة القوية: - لأ... وبعدين ماتشغليش بالك بيا... الست سنين اللي عيشتهم في أمريكا عملوا مني أيرون وومان يعني امرأة حديدية... أعرف بفضل الله أواجه أي ظروف...
قالت تقى: - طيب رقم موبايلي معاكي... كلميني لو حصل لك أي حاجة... أنا ليا أصحابي في القاهرة ممكن يبقوا عندك في ثواني...
ربتت نور على كتفها قائلة: - ماتقلقيش...
قالتها ثم عانقتها في حرارة قبل أن ترحل تقى وقد امتلأت عيناها بالدموع والقلق والخوف ينهشا قلبها على مصير شقيقتها.
أما نور فنظرت إلى صغيرها الذي استيقظ من نومه على نقاشاتها هي وتقى قائلة:
- ياللا يا بطل أستعد لرحلتنا...
قالتها ثم شردت مردفة: - رحلة الحرية ...!
******
نهاية الجزء الثاني

Msamo likes this.

Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
قديم 18-12-17, 01:27 PM   #20

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الجزء الثـــالـث

الرحيــــــل إلى الحق

أحيانا.. تمر بنا أحداث... نعتقد أنها النهاية، و أن الحياة ستتوقف عند هذا لحد... و أننا لن نستطيع التنفس بعد ما حدث. لكن... هاهم يرحلون ... ولازالت الحياة تجري في أوصالنا... فنقف لنتسائل... ألازلنا... حقًا... أحياء..؟ إذن... ما هذه الظلمة..؟! ثم لا نلبث أن نرى ضوء النهار قادم من بعيد، فننظر خلفنا لنجد أن قطار حياتنا لم يمر سوى بممر مظلم... شديد الظلمة، ثم هاهو ذا يجتازه إلى ضوء النهار و جمال الطبيعة.

آلاء محمود

زهرة الصبار

-1-

“فلنعجل بالرحيل، فما من أحد يحبنا هنا”

جابرييل جارسيا ماركيز

****

في ساعات الظلمة الأخيرة من ذلك اليوم... كان هنالك ضوئًا يجاهد للحياة بداخل أكثر من فرد من عائلة رحيل... كلٌ يحاول محاربة الظلام على طريقته الخاصة...!

كانت طرقات خفيفة أعقبها صرير الباب في سكون الثلث الأخير من الليل، ثم ولوج خطوات أقدام إلى داخل إحدى الغرف يعقبها إغلاق الباب مرة أخرى.

"مبروووك يا عرييييس.... يا أهل بلدنا يوم الخميس هاكتب كتابي وأبقى عريس..."

قالها ياسر هامسًا عقب دخوله إلى غرفة زين، فرفع زين عينيه إليه بغضب قائلاً:

- ياسر... بطل حركاتك دي بالله عليك.. أنت راجع من نبطشيتك مهيس شكلك...

خلع ياسر منظاره الطبي ثم فرك عينيه قائلاً:

- هوا من ناحية مهيس، فأنا مهيس عالآخر بصراحة... بس أنا مش مهم يا معلم... أنت العريس يا باشا... أنا أما لاقيت أوضتك منورة قلت أكيد صاحي عمال تجهز للفرح.. مش شغال عاللاب توب وسايب نفسك كدة...

أغلق زين حاسوبه المحمول في عصبية وهو يقول:

- ياسر ... سيبني في حالي الساعة دي الله لا يسيئك...

قال ياسر: - إيه يا ريس... أنت مش شايف نفسك واللا إيه..؟ قوم كدة أحلق دقنك اللي أنت سايبها بقالك كام يوم و....

قاطعه زين في حدة: - يااااسر.... مافيش فرح ولا يحزنون... استريحت..؟

قال ياسر بدهشة: - إزاي...؟ دي الجدة مدية أوامر صارمة بتحضير عرس ليوم الخميس حسب ما سمعت من بهلول...!!

أشاح زين بيده قائلاً: - يا سيدي ماحناش قد المقام... السنيورة رافضة...

ضحك ياسر بشدة وهو يقول: - ضحكتني يا زين... يا عم هوا حد هنا يقدر يرفض واللا يقول للجدة لأ...

قال زين وهو يعاود فتح حاسوبه المحمول:

- أهي قالتها يا سيدي وجت منها الحمد لله... وحل عني بقى خليني أخلص شغل..

قال ياسر: - مع ذلك أنا متأكد أن كلمة الجدة هيا اللي هاتمشي وهانفرح فيك يوم الخميس...

جز زين على أسنانه وضم قبضته في عصبية وهو يقول:

- يا أخي سيبني في حالي بقى وبطل نبؤاتك السخيفة دي...

ضحك ياسر مشيرًا بيده قائلاً وهو يتوجه إلى باب الغرفة:

- خلاص خلاص... ماشي يا عم... بس قول لي هاتيجي معايا القاهرة بعد بكرة ...؟ عندي كام حالة كدة في مستشفى التأمين بتاعة الدقي وهقابل الدكتور عوني ..

ابتسم زين بركن فمه الأيسر في سخرية وهو يقول دون أن يرفع عينه عن حاسوبه:

- على أساس أن أنا اللي هاجي معاك...؟ يابني مش أنت عاملني سواق اللي خلفوك وراشق معايا في عربيتي ...

قال ياسر بغضب مصطنع: - بقى كدة يا زين..؟ ماشي يا عم بكرة عربيتي تتصلح وتبقى عروسة ...

هتف زين ضاحكًا: - يا أخي ارحمنا من أم زوبة اللي اتبهدلت معاك دي وغيرها...

ضحك ياسر قائلاً: - أبدًا ... ولا عمري أتخلى عن زوبة ...

ضحك زين بدوره وهو يقول: - ماشي يا عم خليك محنطها جنبك وأمري لله هاخدك معايا القاهرة بعد بكرة...

قال ياسر: - ماشي يا زين... أشوفك بقى في المسجد بعد ساعة... الفجر قرب يأذن... وهوا الشيخ زيدون اللي هايخد لي بحقي منك...

قذف زين بالوسادة على ياسر هاتفًا: - أمشي يا ياسر...

كان ياسر قد خرج بالفعل وهو يضحك إلى الرواق الطويل الغارق في الظلام الذي تتناثر به غرف النوم، وعقد حاجبيه عندما ظن أنه سمع صوت باب ينغلق، فنظر حوله متشككًا، إلا أنه لم يلبث أن توجه إلى غرفته وبمجرد أن أغلقها خلفه، عاد صرير ضعيف يسري في سكون الليل وينفتح باب ما مرة أخرى ليتسلل منه شبحان أحدهما طويل والآخر قصير لا يمكن تبين ملامحهما في العتمة الشديدة... أصدر سلم الدار الخشبي بدوره صريرًا كان بالنسبة لهما كعويل مزعج في سكون الليل وظلمته.

خرج الشبحان من باب المنزل ليسقط ضوء القمر على وجهيهما بملامحهما المتوترة ليتبين وجه نور المحاط بحجابها ووجه عيسى الناعس. أحكمت نور قبضتها على كف صغيرها بينما جرت بيدها الأخرى حقيبتها خلفها وتوجهت إلى الباب الرئيسي للبيت في خطوات سريعة خفيفة ثم خرجت... ورغم تلفتها حولها قبيل خروجها النهائي، إلا أنها لم ترَ تلك العينين حادتي النظرات اللتين كانتا تتابعانها من خلف زجاج إحدى النوافذ... عينان ثاقبتان رغم كل التجاعيد المحيطة بهما... عينان لم يرمش لهما جفن ولم يتسلل القلق إليهما ليقينهما بعودة الراحليْن عما قريب طوعًا أو... كرهًا..!!

******

رغم الخوف الذي بدأ يستبد بها، إلا أنها لم تعد أدراجها أبدًا... تناهى إلى مسامعها صوت مشروخ عذب لشيخٍ يبدو أنه يؤم الناس في صلاة الفجر، فسارت على هدي الصوت حتى انتهت الصلاة. كانت تسترشد في سيرها بضوء جوالها الضعيف. سارت مسافة طويلة على طريق يبدو ممهدًا إلى حدٍ ما وقد أحاطت بها المنازل البسيطة. هنا جلس عيسى على الأرض قائلاً بتذمر: - أ... أنا تـ .. تعبت يا ماما بقى ... الدنيا ضلمة وعايز أنام ...

أشفقت على صغيرها لكن فكرة أنها تفر به من قدر مجهول وتتخير قراراتها لأول مرة بحياتها كانت تصبرها وتمدها بالقوة والعزيمة. فحملته بيدها قائلة: - خلاص يا حبيبي شوية والنور يطلع ونوصل للطريق الرئيسي ونلاقي عربية توصلنا..

هي التي سقطت كثيرًا ولم تجد من يسندها سوى كفها قد تعلمت السير أخيرًا دون سقوط..

هي ليست بحاجة إلى المزيد من الفرمانات التي قد تضيع سنوات أخرى من عمرها بين وجع ودموع..

وإن كان من تبقى من أهلها في هذا الكون لم يكتفوا بعد من ظلمهم وبغيهم وأوامرهم القاتلة...

فستقطع نفسها من شجرتهم وتتمتع بيُتمها بعيدًا عنهم إلى الأبد؛

سيكون صغيرها الذي جاءها على غير موعد هو كل أهلها وكل أحبابها ومحور حياتها.. ستعيش له ومعه وبه.

أحكمت ضمها له وهي تكمل سيرها بكل عزم تهتدي ببرنامج الخرائط على جوالها الذي عجز عن تمييز تلك الأزقة الصغيرة عن بعضها، إلا أنها كانت تتبع إرشادات البرنامج حتى وجدت نفسها تسير بطريق غير ممهد يختلف عن الطريق الذي كانت تسير به...!

نظرت حولها في توتر... إلى أين قادتها قدماها...؟

كان الطريق مليء بالعقبات وبعض الأغصان المتدلية من أعلى...

يبدو أنها دخلت أرض زراعية دون أن تدري...!

سارت قليلاً حتى وجدت أرضًا مستوية إلى حدٍ ما وضعت حقيبتها ثم أجلست صغيرها عليها وأخرجت بُساط صلاتها، وبعد تحديد القبلة بواسطة البُصلة على جوالها... أدت صلاة الفجر ثم احتضنت ابنها بذراعيها خشية أن تهاجمه إحدى الحشرات السامة، فنام عيسى بين يديها.

جلست تستغفر وتحوقل وهي تحاول وأد ذلك الشعور الآثم بالندم الذي يحاول التسلل إلى صدرها..

تقنع نفسها أنها لن تعود إلى تلك الفتاة المستسلمة الخانعة الهشة القابلة للكسر...

لن تسقط بين براثن رجل لا يرى بها سوى وسيلة لتحقيق مآربه...

لن تدخل دوامة الخيانة والإهانة والوجع بقدميها مرة أخرى أبدًا..!

وكأن الشمس تبارك عزمها... فبدأت أشعتها تتسلل إليها في نعومة مخترقة أغصان الأشجار المتشابكة التي كانت تشكل عليهما ما يشبه القوس ..!

وتبدى لها المكان الرائع الجمال بمساحاته الخضراء وأشجاره المعتدلة والمائلة ليبدد كل خوف وندم.

نهضت نور وقد استعادت شيء من رباطة جأشها... وهمت باستأناف السير إلا أنها وجدت على يمينها حامل بدائي قد وُضع عليه ثلاثة زِيَرَة يستقر بجوارها بعض الأكواب المعدنية، فابتسمت ثم ذهبت إلى زير منهم وأزاحت غطائه وشربت في سعادة ونهم وأعطت صغيرها ثم... استكملت سيرها وسط الخضرة.

كانا يخرجان من حقل ليجدا نفسيهما في حقلٍ آخر...

أبواب غاية في البدائية تحيط بالحقول... بعض الحجارة المتراصة يتوسطها باب من الخوص...!

شعور عام من البهجة سرى بداخلها من مشهد تلك المساحات الخضراء الشاسعة والأشجار والنخيل المتناثر هنا وهناك.

وصلا إلى جدولٍ من المياه فرح عيسى به كثيرًا خاصة وأنه لم يكن ماءًا باردًا بل كان يبدو أنه نبعًا حارًا...! لعب الصغير بالماء وأخذ يقذفه على أمه التي كانت تجري منه وتلاعبه، ثم أكملا رحلتهما.

لم يكادا يسيرا قليلاً حتى أخذ عيسى يتقافز هاتفًا:

- ماما.. ماما ... شوفي... جمااال.... جمل كبير وجمل صغنن ...

نظرت نور إلى حيث يشير لتجد مشهد رائع من الجمال وصغارها التي كانت تسير متهادية وتتناول العشب في سكينة... هم عيسى أن يجري نحوهم، إلا أن نور امسكته في قلق قائلة:

- ما تقربش كتير يا حبيبي.. خلي بالك ..

قال لها: - حاضر يا ماما ...

أخذا يشاهدا الجمال وهي ترعى قليلاً ثم استأنفا سيرهما...

تطاول الطريق بهما وهما يقطعان الحقول والمساحات الخضراء ونور تبحث عن مخرج إلى أي طريق تسير به السيارات..!

لمحت من بين النخيل سياجًا بدائيًا ممتدًا يحيط بالأرض والمزروعات، فخمنت أنه نهاية الأراضي الزراعية، فجدت السير إلى هناك وعيسى خلفها يلهث قائلاً: - تعبت يا ماما ..

- معلش يا حبيبي عشان بس الأرض دي شكلها منحدر مرتفع شوية فهانتعب بس إحنا قربنا نوصل ...

وقرب ذلك السياج أخذت تزيح أغصان الأشجار وسعف النخيل بهمة وأمل الخروج إلى الطريق العام يتمدد بداخلها..

وصلت لاهثة إلى السياج البدائي القصير وهمت أن تعبره في سعادة، إلا أنها أصابها إحباط شديد!!

فخلف السور لم يكن هنالك أي طريق... بل جبل رملي مرتفع إلى ما لا نهاية ومليء بالنباتات الجافة والميتة...!!!

جلست في إرهاق وهي تجفف عرقها متمتمة: - يا ربي... إحنا تهنا واللا إيه...

طول الطريق الذي قطعته حاملة صغيرها أغلبه بيد وجارة حقيبتها بالأخرى – والتي لم يكن من السهل جرها وسط الحشائش الطويلة والأرض غير الممهدة - ...

حرارة شمس الظهيرة التي توسطت السماء مما جعلهما يتصببا عرقًا، ولولا ظلال الأشجار اللاتي يستظلان بها لكان من نصيبهما ضربة شمس قوية...

إرهاق صغيرها وهو يسألها بتعب "هانعمل إيه يا ماما...؟؟؟"

كل ذلك لم ينل من عزيمتها، فنهضت بحسم تخبره:

- هانرجع تاني كدة يمكن نلاقي الطريق...

ولم تكد نور تسير قليلاً حتى تناهى إلى مسامعها صوتًا عذبًا...

"بين الغيطان تلاقينا

بين الغيطان فرح قلبي بملقى الحبان

بين الزهور اللي تفوح بيناتها عطور

يا حبيبي نور على نور

الخضرة مع المية وحنان

بين الغيطان..."

سارت نحو الصوت بحذر وهي تمسك يد صغيرها لتجد فتاة بدوية جميلة ذات قوام فارع تبدو من أسفل جلبابها تفاصيله الأنثوية الفاتنة، بينما تسفر طرحتها عن وجه خمري جميل ذو ملامح حلوة... كانت تجلس أسفل إحدى الأشجار تمسك بيدها عصى مسترسلة في إنشاد موالها بصوتها الناعم وهي تتنهد بهيام...

-".. تحت الحمرايا وقعدنا تحت الحمرايا

كلمة في حدوته وسهرايا

نستني حتى اللي ورايا

كلام يطفي نار الحران

تلاقينا بين الغيطان

ليلة في بالي يوم تلاقينا فيه بالغالي

كنا واحدنا ما معنا والي

غير البلبل فوق الأغصان

بين الغيطان

صار المكتوب تلاقينا أنا والمحبوب

في الحلال ما فيها ذنوب

اللي ساعتها كان اللي كان

تلاقينا بين الغطان.."

-"سلام عليكم ..." قالتها نور للفتاة التي انتفضت في وجل وهي تستدير إليها، ثم وضعت يدها على قلبها عندما رأت نور وعيسى قائلة:

- وعليكم السلام والرحمة... معليهش يا ست هانم أصلك فجعتيني..

ابتسمت لها نور في ود قائلة:

- لا ولا يهمك... وأنا آسفة إني خضيتك... أنا بس كنت عايزة اسألك عن الطريق عايزة أي عربية توصلني القاهرة...

نظرت إليها الفتاة متشككة، فأردفت نور:

- أ.. أصلي كنت في رحلة و... تهت...

قالت الفتاة متفهمة:

- أيووووة.. سايحة يعني... كان زمان يا مكترهم في البلد بس بعد إيش اسمها هاذي.. الثورة ... ماعاد يجوا كتير كيف قبل...

ابتسمت نور في توتر دون أن تجيبها، فقالت الفتاة بحماس:

- عنينا ليكي يا ست هانم... راح انجيب لك اللي يوصلك للمكان اللي تبغيه... بس كنا بنرعى أغنام الشيخ سعد... ابرجعهم وأصوت على حمادة ولد أبو عزيز ياجي بسيارته لحضرتك ...

أومأت لها نور في رضى، ثم أخذت ترقبها وهي تجمع الغنم باحتراف هاتفة بهم "هسسسسس ... أرررر.." بينما كان عيسى في قمة سعادته وهو يداعب الخراف والماعز.

سارا معها حتى وضعت الأغنام بحظيرتهم، ثم قالت لها: - اتفضلي ببيتنا يا ست هانم ارتاحي وأنا راح نجيب لك حمادة ولد أبو عزيز...

لم تجد نور بُدًا من الإذعان لتلك الفتاة المتحمسة التي قالت لها في الطريق:

- أني ريانة... بارعى غنم الشيخ سعد بعد موت أبوي الله يرحمه... وعايشة مع جدتي على قدنا...

سألتها نور في دهشة: - يعني أنت مش متجوزة يا ريانة ..؟

تغيرت ملامح راعية الغنم الجميلة وأطرقت لحظات ثم همست بعد تنهيدة حارة:

- دامك غريبة مش من اهنه... راح أقول لك السر.. السر اللي تعبت من حمله وحدي...

تلفتت ريانة حولها في خوف ثم أردفت: - أ... أنا مـ... متجوزة بس ما حدا يعرف...

قالت نور مصدومة: - في السر يعني...؟؟

أومأت ريانة وهي تقول بحزن: - سي علي ولد الشيخ سعد حاول معاي أكتر من مرة لكن قلت له لاا نرفض الحرام... فاتزوجني وقال لي إنخليه في السر لأن الشيخ سعد لو درى راح يقتلني... وكان لازمن أوافق يا ست هانم... الشيخ سعد من أكابر البلد وعلي ولده ممكن يسوي فيني أي شيء... لكن مادم اتجوزني على سنة الله ورسـ...

قاطعتها نور: - إزاي يعني على سنة الله ورسوله...؟ أنت مش عارفة أن شرط من شروط الزواج هو الإشهار...؟ يا حبيبتي هوا لو عايزك يتجوزك في النور ويكمل شروط الزواج الصحيح غير كدة ماترضيش...

بهت وجه ريانة وغرقت في صمت عميق مفكرة في كلام نور التي كانت تدرك أكثر من غيرها أن راعية الغنم الفقيرة لا تملك ترف الاعتراض... إنها صورة أخرى لضحايا مسلسل التسلط الذي يبدو أنه لا يقتصر على شيخ قبيلتها الذي قرر نحرها مرة بعد أخرى بقراراته، بل هو داء يمتد لكل من يمتلك سلطة في هذه البلد.

لم يمض الكثير من الوقت حتى وصلوا إلى بيت قديم متهدم أغلبه ذو باب خشبي عتيق. قالت ريانة:

- وصلنا ...

دفعت الباب ببطيء هاتفة: - سلام عليكم يا جدة... معاي ضيوف...

كانت جدتها تجلس على حصيرة على أرض البيت الضيق بجوار نافذة صغيرة، أدارت رأسها نحوهم فأدركت نور أنها كفيفة... كانت تهتز في جلستها متمتة بكلمات غير مفهومة. فهمست ريانة:

- لا عليك من الجدة.. كبيرة وعقلها ماهو فيها...

أومأت نور مبتسمة، فأكملت ريانة: - راح أسوي لك شاي وعندنا خبز يابـ...

قاطعتها نور قائلة: - مافيش داعي... بس الله يكرمك عايزة عربية وعايزة اتوضا عشان أصلي الضهر والعصر...

قادتها ريانة إلى دورة مياه صغيرة جدًا توضأت نور ثم دخل عيسى بعدها، وعندما خرجت وجدت صفحة عليها كوب من الشاي وكوب من الحليب وبعض الخبز اليابس وطبق به زيت زيتون، بينما ريانة لم تكن موجودة يبدو أنها قد رحلت في طلب السيارة. أدت نور صلاتي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا استعدادًا للسفر ثم شربت الشاي جبرًا بخاطر مضيفتها، عندما...

"المكتوب على الجبين لازمن تشوفه العين..."

أخذت جدة ريانة تردد تلك الكلمات، فنظرت إليها نور في دهشة لكن استمرت السيدة المسنة في ترديد تلك الكلمات دون كلل أو ملل...! تجاهلتها نور وإن شعرت بشيء من القلق.

لم يمر الكثير من الوقت حتى وصلت ريانة ومعها شاب يبتسم في ود وهو يرحب بنور وحمل عنها حقيبتها ليضعها في سيارته القديمة القابعة بالزقاق الخارجي... فحيت نور ريانة وشكرتها ودست بيدها بعض المال لتتسع ابتسامة ريانة وعندما همت نور بالخروج من البيت الصغير....

"لاااا تروحين ... "

صاحت الجدة الكفيفة في حدة بصوتها المهزوز، لم تدر نور لِمَ شعرت برجفة غشتها من صوت العجوز التي عادت تقول "لا تروحين... لا تروحين... من حرقته النار توخى والديه"

قالت ريانة: - بس عاد... تكفين يا جدة...

ثم استدارت إلى نور قائلة: - ما عليك منها... هذي عجوز خرفانة...

أومأت نور في وجوم وخرجت بينما صوت العجوز يتابعها "لا تروحين... من حرقته النار توخى والديه".

ركبت هي وصغيرها السيارة التي انطلقت بها هربًا... من قرار لم تأخذه.. لكنها لم تتسائل عن مدى صواب قرار بنفسها... أخذته.

******

طريق طويل استغرق أكثر من خمس ساعات انتهى أخيرًا بمحطة نزولها.

لم يتمكن من توصيلها حتى بيتها، فالطريق كان مسدودًا بجموع من البشر الذين خرجوا في مظاهرة سدت أغلب الطرق المؤدية إلى منزلها، فنزلت نور بمكانٍ ما وسط البلد بينما حاول السائق الشاب من إقناعها بالبحث عن طريق آخر إلى بيتها، لكنها رفضت بحزم وأجزلت له في العطاء فقد كان شابًا دمثًا رغم أنه طوال الطريق لا سيرة له سوى ريانة وجدعنة ريانة ومثابرة ريانة مما جعل نور ترثى لحال راعية الغنم الحمقاء التي تركت وراء ظهرها شابًا متيمًا بها هكذا قد يتزوجها علنًا دون خوف من أجل حفنة أموال بزيجة يشوبها الظلام ولا ترقى لمنزلة الزواج كامل الشروط والأركان...!

- "ديري بالك عاحالك أست هانم... البلطجية منتورين بالطرق وشوي ويبدأ حظر التجوال..."

أبتسمت له نور مطمئنة فأعطاها رقم هاتفه وأخبرها أنه سيسعد بخدمتها لو فكرت في أي يوم المجيء إلى الواحات، ثم رحل عائدًا من حيث أتى سعيدًا بالمبلغ الذي نقدته إياه تلك السائحة الكريمة.

أما نور... فأخذت تتشمم عبير الميادين المصرية وتتفقد وجوه الناس المتزاحمين في نهم وشقت طريقها مستدعية وسائل المواصلات التي كانت تستقلها لتصل إلى منزلها القديم الذي اشتاقت إليه جدًا، ذلك عندما تأفف عيسى قائلاً: - ماما.. الدنيا زحمة جدًا... أمتى نوصل بقى...؟

ربتت على يده وهي تشير إلى محطة مترو تلوح إشارتها من بعيد قائلة:

- شايف محطة المترو دي... هانركبها وشوية ونوصل إن شاء الله...

أومأ قائلاً: - آهااا... ساب واي زي اللي كنا بنركبها في أمريكا... طيب ياللا بسرعة عشان زهقت من الزحمة..

تأملته نور في صمت وهي تود لو توسلت إليه أن يزيل كل مرافق أمريكا من ذهنه كي لا يصدمه واقع بلده، لكن في اللحظة التي اتخذا فيها طريقهما نحو المحطة المستهدفة، شعرا بهجوم هائل من البشر...!! عدد لا حصر له من الرجال والنساء من مختلف الأعمار... كانوا يرفعون الأعلام ويهتفون...

"يسقط يسقط حكم العسكر... إحنا الشعب الخط الأحمر

يسقط يسقط حكم العسكر... إحنا في دولة مش معسكر"

الكل يهتف بقوة وحماس... شعرت نور بذهول شديد ولم تصدق أنها في غمضة عين صارت في قلب إحدى المظاهرات التي كان كل علاقتها بهم لا يتعدى القراءة عنهم أو سماع أخبارهم...!

نظرت إلى سيدة متحمسة بجوارها... سيدة في منتصف الثلاثينات ذات قوام ممتلئ إلى حد ما وشعر قصير به بقايا صبغة ذهبية، فرأتها المرأة وكفت عن الهتاف قائلة وهي ترفع صوتها ليطغى على صوت الهتافات: - يا اختي وربنا المجلس العسكري ده طلع كداب بشكل... آه... ما كلهم من رجالة اللي مايتسماش المخلوع اللي نهبوا البلد.. وقال إيه... قالوا لنا هيا فترة انتقالية 6 شهور بسسس... وأهم دلوقتي طالقين علينا البلطجية في كل حتة ربنا ينتقم منهم... وكل يوم إضرابات والحالة ضنك... مش بس كدة... دول رجعوا قانون الطوارئ والمحاكم العسكرية... فرقوا إيه عن سيدهم المخلووع..؟ وبعد ما نزلت أصوت على التعديلات الدستورية ووقفت في الحر سااعتيين لحد ما راسي اتقورت جايين دلوقتي يقولونا بخ... كل ده ولا كأنه حصل... وعاملين لك إعلان دستوري وقانون إنتخابات.. لكن على ميييين... ده أحنا هانطلع لهم في كل مكان، ولا هايخوفونا بماسبيرو ولا يرعبونا بمحمد محمود... اهتفي معانا ياختي اهتفي... يسقط يسقط حكم العسكر...

ضحكت نور دون تعليق... لقد كان بداخلها موجة كبيرة من الغضب العارم الذي تريد تفجيره بشدة... كانت تود أن تصرخ وتصرخ ولم تجد فرصة أفضل من تلك...!

حملت صغيرها الذي أعجبته اللعبة وأخذت تهتف بأعلى صوتها... تهتف بسقوط كل طاغية... حتى الطغاة الذين أضطروها للفرار من بيت عائلتها لمجرد رغبتهم في قيادة حياتها كيفما شائوا...

وكأن ذلك الشعب الثائر بداخلها من أحاسيس ومشاعر قد هب بدوره للتعبير عن رأيه.

لم تشعر كيف وصلت إلى محطة المترو وانسلت من بين المظاهرة ودخلت إلى عربة المترو وقد استنفدت قواها في الصياح والهتاف بينما غفى عيسى على كتفها وبعد قليل نزلت بمحطة جامعة القاهرة... خافت من أن تستقل سيارة أجرة أو تكتك وفضلت السير حتى حيها.

مرت على الشوارع التي ربما قد رأت أفضل منها ألف مرة إلا أن تلك الشوارع البسيطة تحمل في كل ركن ذكرى... وفي كل زاوية حُلمًا... حتى شارع الجمهورية المسدود بمدرسة أحمد عبد العزيز ذات الفترتين الصباحية والمسائية والمسدود من الناحية الأخرى بمحطة المجاري، رغم القمامة التي تضاعف تكدسها به لعدم تكرم السادة جامعي القمامة بالدخول إلى الشارع... إلا أنه أيضًا يحمل ذكرى في زاوية قلبها... هذا هو الشارع الذي كانت تمر عليه يوميًا في طريقها إلى المدرسة ثم الجامعة.

أكملت سيرها مع عيسى الذي استبد به النوم وكان يسير بالكاد حتى وصلت إلى حيها البسيط ثم دلفت إلى حارتها الأبسط... لازالت الحارة كما عهدتها... المقهى.. محل البن... عربة الفول والطعمية... اللهم إلا تحول بقالة الأمانة إلى محل سايبر وبلاي ستيشن وبناء عمارة شاهقة الارتفاع على مساحة قليلة من الأرض بناصية الحارة مكان الخرابة وأسفل تلك البناية الصغيرة الشاهقة يلألأ محل كوافير حريمي صغير.

سارت نحو منزلها في هدوء ظاهري مشحون من داخلها بمشاعر مختلطة من الحنين والرهبة والحزن الذي تجدد على أمها منذ أن وطأت قدماها حارتهم الصغيرة، وفي غمرة مشاعرها وشجنها... لم تلحظ ذلك التكتك الصاخب الذي دخل الحارة بسرعة وكأنه يسير بطريق رئيسي وكاد يصدمها رغم أنه أسقط حقيبتها التي تجرها خلفها بالفعل، ثم توقف فجأة أمام منزلها بينما انحنت هي تلتقط حقيبتها مرة أخرى في ضيق.

- "فيه حاجة يا أبلة...؟ جرالك حاجة...؟"

قالها قائد التكتك الذي هبط منه مترنحًا وبين إصبعيه تتدلى سيجارة تطلق دخانًا ذو رائحة كريهة، اعتدلت نور قائلة بحزم: - لأ ماحصلش حاجة بس لو سمحت أبقى خلي بالك أنت داخل حارة مش...

لكنها قطعت عبارتها عندما وجدت ذلك السائق الشاب يتفرس في وجهها بعينيه الحمراوين ليستدعي وجهه إلى ذهنها وجه كانت تراه منذ أمدٍ بعيد... نعم... إنه هو... ذلك المدعو وليد الذي كان جارها يومًا.

لم تطل الوقوف ولم تنبس بكلمة أخرى وانطلقت إلى باب البناية مسرعة بينما أنهى وليد سيجارته ودهسها مبتسمًا في جذل وهرع بدوره إلى نافذة بالدور الأرضي طرقها قائلاً:

- ست إحسااااان... شوفتي مين اللي شرفت بعد غياب...

أما نور فقد دلفت إلى مدخل بنايتها الضيق الرطب وبدأت تصعد درجات السلم إلى حيث بيت أمها.

- "قلت لك أتعدلي وإلا قسمًا بالله..."

- "قسمًا بالله إيه يا حبيبي...؟ باقولك إيييه أنا تعبت... وربنا تعبت من تحكمات أمك اللي ما بيعجبها العجب واختك السوسة اللي مالهاش شغلانة غير تقويمك عليا... "

- "ماتحترمي نفسك يا هانم وماتجيبيش سيرة أمي واختي على لسانك... أنت فاكرة نفسك ست واللا أصلاً حاجة...؟ أنت ولا حاجة... أنت اللي مالكيش شغلانة غير إنك تعكنني عليا..."

- "من حقي يا أخي يكون لي بيت باقول لك تعبت... "

- "منين يا ماما مانتِ صارفة الفلوس أول بأول..."

- "يااا راااجل يا مفتري... بقى أنا اللي صارفة الفلوس...؟ واللا أمك واختك اللي طلباتهم مابتنتهيش.."

- "اللهم طولك يا روح.... باقول لك إييييه ماتجننيش يا مجنونة أنت عشان ماتهورش وأعمل اللي يزعلك والله أنا باقي عليكي عشان العيال دول بس..."

- "لا يا دكتور يا محترم... ماتعمل ووريني شطارتك كدة... وري الناس أصلك واظهر على حقيقتك... تربية حواري صحيح... مش بكفاية مستحملة الست أمك المشلولة واختك العانس...!!"

كان إلى الآن حوارًا زوجيًا عاديًا يجري على السلم أمامها، لكن نور ارتعدت عندما رفع الزوج يده ولطم زوجته بقوة ثم جذبها من شعرها من على حجابها هامسًا بطريقة مرعبة:

- قلت لك ما تجيبيش سيرة أمي واختي على لسانك وإذا كنت أنا تربية حواري... تحبي أقول لك أنت تربية مين... يا... بنت نواال...

لم تحتمل نور أكثر من ذلك رغم أنهم كانوا يولونها ظهريهما وثمة طفلتان مذعورتان تبكيان في صمت بجوارهما، فتنحنحت نور كي يفسحا لها الطريق، ليتوقف كل ما كان يحدث بين الزوجين وينظرا في حرج للقادمة من خلفهما التي لم يشعرا بها، ولم يلبثا أن يريا نور حتى اتسعت عيناهما دهشة ولم يكن ذهول نور بأقل منهما عندما عرفت هوية الزوجين... الدكتور محمود حمدي خطيبها السابق ونهى إسماعيل صديقة عمرها...!!!

*******

لازال كل شيء على حاله منذ ما يزيد على الست أعوام... رغم توغل الرطوبة في أغلب جدران البيت وتساقط المزيد من طلائها ورغم أكوام الأتربة التي علت كل شيء... لكن ذلك العبق الخاص بمنزل طفولتها وشيء من صباها لازال هنالك... مصحف أمها والكتب التي كانت تقرأ بها... كتب دراستها هي وشقيقتها... ذكريات حية متعلقة بأرجاء ذلك المنزل العزيز.

سارعت بأداء صلاة المغرب قبيل أذان العشاء ثم قامت بتنظيف غرفة أمها لتضع بها عيسى الذي سقط نائمًا على أول مقعد عند دخولهما ثم أدت صلاة العشاء وسقطت بدورها من شدة تعبها لتتمدد على فراش أمها الذي كان يحمل عبقها، فلم تتمكن من كتم أدمعها أكثر من ذلك وأخذت تبكي وتبكي مفتقدة أمها وصديقتها ومعلمتها حتى غفت دون أن تدري.

وهاهي تعود... إنها... تشعر بها حقًا... تشعر بيدها النورانية الحانية تمسح أدمعها المنسابة على وجنتيها... تشعر بها تأخذها بين ذراعيها... "آاااهٍ يا أمي.." تشعر بها تهمس لها كعادتها "كل قدر الله خير... كل قدر الله خير... لا تنسي الاستخارة والتوكل على الله".

هنا إرتفع أذان الفجر من المسجد القريب لتستيقظ نور وقلبها يخفق بعنف إلا أنها شعرت بسلام نفسي إلى حدٍ ما وكأنها كانت بالفعل بين ذراعي أمها تربت على رأسها وتمسح أدمعها ولم يكن الأمر مجرد حلم. نهضت نور لتؤدي صلاة الفجر ثم تعاود النوم مرة أخرى من فرط تعبها وإرهاقها.

في صباح اليوم التالي استيقظت نور وقد امتلأت نشاطًا وحماسًا لترتيب وتنظيف المنزل وإعادته سيرته الأولى، فارتدت منامة خريفية بسيطة ورفعت شعرها الطويل كيفما اتفق وشرعت في تنظيف المنزل بعد أن أخرجت لعيسى بعض الألعاب وكتب الرسم والتلوين والأحاجي ليلهو بهم بجوارها ريثما تنتهي من التنظيف. لكنها لم تلبث أن تبدأ في التنظيف حتى سمعت طرقًا على الباب، ارتدت عبائة الصلاة ثم فتحت الباب في حذر لـ...

- "نهى...؟؟؟!!!!"

قالتها بدهشة وهي تطالع نهى تقف على بابها ببطن منتفخ حيث تبدو حاملاً بشهورها الأخيرة..! كانت نهى مطرقة ثم رفعت رأسها تقول بتردد: - حـ.. حمدًا لله على سلامتك يا نور... مـ.. ممكن أدخل...؟

قالت نور باسمة وهي تفسح لها الطريق: - الله يسلمك ... أتفضلي طبعًا يا نهى...

دخلت نهى ثم جلست بعد عناق طويل مع نور التي قالت لها: - وحشتيني جدًا...

تأملت نهى عيسى ثم قالت: - ابنك زي القمر يا نور شبه طنط الله يرحمها...

ابتسمت نور قائلة: - أنا اتجوزت ابن عمي و...

قاطعتها نهى قائلة: - آااه... آه... تقى قالت لي في المرة اللي جاتها هنا بعد ما مشيتوا مع عمكوا... قالت لي إنك اتجوزتي ابن عمك وسافرتوا أمريكا وهيا اتجوزت ابن عمتها...

ابتسمت نور ثم نهضت قائلة في محاولة لإشاعة جو من المرح:

- معلش بقى البيت معفر أنا كنت لسة هابدأ في التنضيف، بس أنا اشتريت إمبارح شوية عصاير وكيك هاروح أحضر الفطار و....

إلا أن نهى أمسكت ذراعها لتستوقفها قائلة: - إستني يا نور... أنا مش جاية أتضايف... أنا جاية أوضح لك موضوع بس...

قالت نور باسمة: - موضوع إيه وبتاع إيه خلينا نشرب عصير الأول شكلك حامل على آخرك والسلم...

قاطعتها نهى: - نور... أنا مانمتش من إمبارح... أرجوكي اسمعيني...

خلعت نور عبائة الصلاة ثم جلست ثانية قائلة: - سامعاكي يا نهى... اتفضلي...

أخذت نهى نفس عميق ثم قالت: - مانكرش يا نور إني من زمان كنت معجبة بمحمود... بس أما اختارك... شيلته من دماغي تمامًا وصدقيني زعلت جدًا أما سابك بل واحتقرته كمان... وبعد ما سافرتوا مع عمكوا... لاقيت أمه بتكلم أمي أنها عايزة تخطبني ليه.... طبعًا كنت هارفض بس أما عرفت انك اتجوزتي وسافرتي أمريكا بدأت أتردد... خاصة أن العلاقة بين أمي وأبويا كانت وقتها على شعرة... يعني كانوا خلاص هايتطلقوا، وأخويا بدأ يغيب عن البيت مانعرفش هوا فين... ففكرت أن دي فرصتي الأخيرة إني أهرب من بيت أبويا اللي بيتخرب زيادة يوم عن يوم وبيتحول لجحيم لا يطاق... وفعلاً... أقنعت ماما وبابا أنهم يلبسوا أقنعة ويمثلوا إنهم أسرة مترابطة لحد بس ما اتجوز... طبعًا مافكروش في تفاصيل ولا اتشددوا مع محمود في حاجة لأنهم كانوا عايزين يخلصوا مني عشان كل واحد فيهم يشوف نفسه وأهو ماجد تقريبًا مش موجود ومش هايفضلهم إلا اختي الصغيرة... وجوزوني بسرعة... خلال شهرين أو أقل كنت متجوزة محمود وفرحانة فرحة عمري... لحد ما أبوه مات في حادثة وأمه اتشلت وأخته بعد ما كان بيتقدم لها عرسان قد كدة وبتتأمر مبقاش يبص لها إلا المتجوز أو المطلق أو الأرمل وهيا رافضة كل اللي بيجيلها.. وبقيت بين نارين... أمه اللي مزاجها بقى صعب من ساعة ما بقت حبيسة الكرسي المتحرك وأخته اللي بتطلع عقدها عليا والدوامة اللي عايشة فيها ما بين حمل وخلفة... قال عايزين ولد... والمفروض عشان مايتجوزش عليا إني اسمع كلامهم واقعد أخلف لحد ما يجي ولي العهد... أرجوكي يا نور ما تزعليش مني ولا تشيلي في قلبك... أ.. أنا ماكانش قدامي غير محمود وقتها.... آاااه ... كنت فاكراه جنة... أتاريني كنت باستغيث من الرمضاء بالنار زي ما بيقولوا... أهو بيعاملني أوحش معاملة هوا وأهله وبيعايرني بأمي لأنها بعد ما أبويا طلقها اتجوزت شاب صغير من دور عيالها... في الوقت اللي أبويا جوز أختي راجل كبير في السن واتجوز هوا كمان ست أرملة كدة لا نعرفلها أصل ولا فصل وبيربي لها ابنها ولا سائل في أخويا اللي اختفى فجأة... أخويا اللي وقع في الإدمان وماشي مع شلة ربنا يستر عليه منهم...

زفرت نور وربتت على يد صديقتها، لم تصرح لها أنها فعلاً عندما رأت طريقة معاملة محمود لمن المفترض أن تكون زوجته قد شُفيت من ذِكراه تمامًا وكأنه لم يكن...! أيقنت حقًا أن قدر الله كله خير...

إنها إن كانت قد احتملت ببسالة أي معاملة سيئة من زكريا، فهذا لأنها لم تحمل له في قلبها ذرة من المشاعر..

إلا أنها لو كان قد تم زواجها بالفعل من محمود، كانت أقل إشارة بالإهانة منه كفيلة بكسرها وسلبها أي قوة.. فمحمود كان قد نجح في التسلل إلى قلبها حتى ظنت أنها أحبته وبنت له تمثالاً ذهبيًا بداخلها ومنحته لقب فارس...

لكن هاهو الفارس يتحول إلى رجل كمئات بل آلاف من الرجال بذيئي اللسان يقابل السيئة بأسوأ منها ويرفع يده على امرأة أمره ربه من فوق سبع سماوات أن يعاملها بالمعروف حتى وإن كرهها...!!!

- "عمري ما هازعل منك يا نوني... دي صداقتنا دي من الحاجات الحلوة في حياتي... وبالنسبة للدكتور محمود... خطوبته ليا كانت لعب عيال يا شيخة ولاااا فاكرة أي حاجة منها... كنت صغيرة وفرحانة بالعريس وخلاص لكن القدر كان ليه تخطيط تاني، وقدر ربنا كله حلو وراضية عنه..."

قالتها نور بابتسامة واسعة راضية، فدمعت عينا نهى وهي تقول:

- لسة زي ما انتي... طيبة ومتسامحة ومسلمة أمرك لربنا... نفسي أبقى زيك يا نور.... مش عارفة أنا ليه دايمًا مكتئبة وحزينة...

نهضت نور واحتضنت صديقتها قائلة:

- يا حبيبتي أنت زي القمر وزي الفل وأحسن مني مليون مرة... تلاقيها بس هرمونات الحمل... ياللا بقى قولي لي تشربي إيه مع الكيك... عصير واللا شاي؟

نهضت نهى قائلة وهي تمسح أدمعها: - لا يا حبيبتي... أنا اللي هاجيب فطار نفطر سوا وأساعدك في تنضيف الشقة... ثواني انزل أشقر عالعيال وأحضر الفطار وأطلع...

همت نور أن تعترض، إلا أن نهى كانت قد توجهت إلى الباب بالفعل في حماس.

لم تكد نهى تخرج حتى سمعت نور طرقًا على الباب مرة أخرى فقالت في نفسها إنها حتمًا نهى قد نسيت إخبارها بشيء ما، فضحكت قائلة وهي تفتح الباب:

- إيه...؟ لحقتي تشوفي العيال وتعملي الـ....

لكنها أكملت حديثها بشهقة عالية وهي تضع يدها على فمها وتحاول إغلاق الباب ثانية، لكنه كان قد اقتحمه بالفعل وأخذ يتأملها بوقاحة.

- "إيه يا مزة... مش عايزاني أدخل واللا إيه...؟ ده أنا حتى أولى من الغريب..."

*******

Msamo likes this.

Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:49 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.