آخر 10 مشاركات
عاطفة من ذهب (123) للكاتبة: Helen Bianchin (الجزء الأول من سلسلة عواطف متقلبة) كاملة (الكاتـب : salmanlina - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          ياعصيّ القلب *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Nareman fawzy - )           »          بريّة أنتِ (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          في ظلال الشرق (20) -شرقية- للكاتبة الرائعة: Moor Atia [مميزة] *كاملة&روابط* (الكاتـب : Just Faith - )           »          بين نبضة قلب و أخرى *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : أغاني الشتاء.. - )           »          ثارت على قوانينه (153) للكاتبة: Diana Palmer...كاملة+روابط (الكاتـب : silvertulip21 - )           »          نصال الهوى-ج4من سلسلة لعنات العشق-قلوب زائرة-للكاتبة:إسراء علي*كاملة+رابط* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          عيون لا تعرف النوم (1) *مميزة & مكتمله * .. سلسلة مغتربون في الحب (الكاتـب : bambolina - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > قسم ارشيف الروايات المنقولة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13-06-19, 02:54 PM   #31

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


فتحت ريناد عيونها بدهشة وهي ترى المدخل الذي وسعه السائق لهم :
مايكفينا ندخل سوا!
عقد كسار حاجبيه بغضب :
ماهو وقت حياء! ولا هو من كبرك، لو علي دخلتك من التانكي
مسكها من ذراعها بقوة
ليتصلق ظهرها بصدره
ويدفعها معه بقوة الى داخل الشاحنة
ليُغلق الباب من خلفهم
كانت مظلمة جدا
لا شعوريا مسكت ريناد ذراع كسار بقوة
اخرج جواله من جيبه
وهو يفتح الفلاش
مرر الفلاش على المكان كله
كان أشبه بالحقل
مافيه حتى موطئ قدم
سقطت أشعة الفلاش على ريناد
التي تتعارك بقرف من تبن متمرد من الربطة ليجرح خديها
انتبه لممر صغير بجانب الكومة
ينتهي بزواية تتسع لهم اثنين ليجلسون فيها
همس لها وهو يمشيها امامه :
تعالي من هنا
كان يمشي ويسحب ربطات تبن
لتسقط من خلفهم وتغلق الممر
ولا تلفت الانتباه عند نقاط التفتيش
مرر الفلاش على مكان جلوسهم
لتشهق ريناد بصدمة
وهي ترى قليلًا من البنزين متقطر
ومن فوقه قليلًا من التبن!
بلعت ريقها وهي تغمض عيناها
لتمنع دمعة متمردة كادت ان تسقط امام كسار
تحاول جاهدة ان تتغلب على طبعها
حتى لا يتشمت بها وهذا يرهقها
استندت على جدار الشاحنة
بهدوء رافضة ان تجلس فوق هذه القذارة!
ولم يفعل كسار سوا انه سحب ربطة من التبن ليجلس عليها ويغلق فلاش هاتفه
مرت ساعة
ساعة ونصف
فتح فلاش هاتفه فجاءة في وجهها
ليرأها مغلقة عيناها
ودموعها شقت طريقها منها الى أسفل خدها!
شدت على قفل عيناها اكثر
وهي تغطي بكلتا يديها وجهها بضجر
وبصوت مبحوح :
كسار بلا سماجة!
ما احب الفلاش في وجهي
فتح كسار عيناه بصدمة
وبنفسه متسائلًا :
ساعة ونصف تصيح ماتعبت ولا انهارت عصبيا! ياصبرها على نفسها
شيئا ما بقلبه
أشفق عليها وهي تحاول ان تكتم شهقاتها حتى لا يسمعها
وقف وهو يخلع جاكيته
ويضعه على الارض مغطيًا به القذارة
همس وهو يرفع رأسها :
ريناد!
كرر كلامه بأمر وهو يحاول ان يرى عيناها في هذه العتمة :
ريناد طالعيني
فتحت عيناها بغضب
وكسار يعكر خلوتها مع نفسها
الذي تكافح بضراوة حتى لا يشعر بشيء وتعكر مزاجه :
وش تبغى ياخي ؟
ابتسم كسار ابتسامة لا يعلم ماسببها
ولكن اردف بعفوية :
اولا انا موب اخوك
ثانيا تعالي اقعدي يالله
ببتعبين باقي ساعة ونصف
واكيد الحين بنمر على نقطة تفتيش
لانه امدانا طلعنا من باريس
لازم تقعدين
فتح الفلاش على الارض حتى تتاكد بنفسها
مسحت ريناد بكفيها خديها وهي ترى بدهشة :
ليش فضحته الدنيا ثلج! برد عليك
وانت مالبست غيره مع البلوزة
جلس على كومة التبن من جديد بهدوء مبتسم مطمئن ان ريناد لا تراها في هذه العتمة :
ماعليك مني اقعدي انتي بس!
/
\
/
\
/
كانت واقفة أمام برادة الماء ومازالت بعبايتها
بعد ان أوصلها سائق بيت عمتها ندى مع افنان
من سهرتهم مع لدن و وهاد
بعد ان ذهب الجميع مبكرًا واولهم ابوها وامها
بيدها كأس زجاجي يستقر جزءًا منه بين شفتيها والآخر بين كفها الأيمن
بعد ان سمت بالله
وشربته على ثلاث مضض
اقتداءًا بالسنة. تبتغي الاجر بأبسط الأعمال
عقدت لمى حاجبيها
وهي ترى من شباك الممر الفاصل
بين المستودع والمطبخ ؛ إنارة المشب مضيئة!
خرجت من باب المستودع الى الحوش
حتى تغلق اللمبات وتصعد الى غرفتها
وقفت لمى وهي تسمع صوت ثنيان يهمس بغضب!
لم يوقفها صوت ثنيان
بل صوت شخص اخر
يحاول ان يمتص غضب ثنيان
شيئًا ما شلّ قدميها
لتقف وتسترق السمع بعد ان شدتها جملة الغريب الأخيرة :
انت الآن بكل الحالات محد بيشوفك صح!
وانا أولهم.
صح انا معك بالموضوع ياثنيان
بس مايعني اني راضي على اللي سويته
لو كنت ادري لو ظ،ظ?طœ انك بتأذي اختي كسرت رأسك، وفتت ضلوعك قبل تسويها
عقد ثنيان حاجبيه بغضب
وهو يرفع رأسه بعد ان حوموا سياف وجلوي كبده بهذه الشادن! :
جلوي وبعدين يعني ؟
اعتذار واعتذرت لك
وحلفت ما اسوي شيء لين استشيرك ومن يومها ماسويت شيء عشانك
وقلت لك
لو تبغى اعتذر لشادن وأبوس رأسها
والله تبشر عشان خاطرك
والى الحين مابرد كبدك مني!
خلاص عاد فكنا من ذَا الموضوع!
كرهت اليوم اللي طالت يدي هذه الاوراق الله لا يعيده من يوم
هزت لمى رأسها
وهي تعرف من كلام ثنيان
بإن هذا جلوي ابن عمتها ندى
هز جلوي رأسه بأسف
على الفاظ ثنيان الغير مباليه
وهو يقف ويأخذ مفاتيح سيارته من الطاولة :
استغفر!
اليوم من الدهر والدهر هو الله " لا تسبوا الدهر "
انا الحين بمشي وراي دوام
وانت لا تسوي شيء
ولا تواجه سياف بدون احد معكم
صح سياف قلبه ابيض وطيب
بس لا تقربه اذا عصب والله انه اقشر
ثنيان بلا مبالاه وهو يقف معه :
يطق راسه في اقرب جدار
مالي خلق امشي واراضي فلان وعلان
خصوصًا اكيد ابوي وجدي شايشين علي
خلعت كعبها وهي تحمله بيدها
لتركض بسرعة الى داخل منزلهم
قبل يخرج جلوي برفقة ثنيان ويشوفونها
ابتسمت لمى وهي ترى ابوها وامها في الصالة
لتعبس بضجر
وهي تسمع شكوى ابيها لامها :
طاح وجهي عند اخواني
ماقدرت ابلع اللقمة من فشلتي عند ابوي
وانا داري بدون ما اعرف وش السالفة
ان الخطأ راكب ولدي
مسود وجهي في كل مكان
ولكن هالمرة مع اهلي ؟
وش بعد هذه المرة من مرة يانورة
عقدت نورة حاجبيها بضيق
من ان يكون ابنها فعلًا متورط بهذه القصة المجهولة :
طيب ماتقول ان سياف شاش على حاتم معه ؟ ماقالكم حاتم شيء ؟
تنهد عبدالله
وهو يسند راسه على ظهر الكنبة :
سأله ابوي ومارد
قال هذا موضوع بين سياف وثنيان
وخذ عياله ومشى
اردفت نورة بعاطفة ام لا ترضى ان ترا ابنها بموضع مُشين :
اكيد ولدي ماغلط
فيه سوء تفاهم بس اخوك هوال يموت على تهويل المواضيع
ولدي ساكت له
وهو متعرض له كفخ وكفيخ لين غير له ملامح وجهه الى ان ضاق وحرق صدره
رفع عبدالله راسه بغضب :
الا ساكت من سواد وجهه!
ولدك مايسكت من طيب خاطر
ماسلم احد من شره لا اخته ولا عمه
وبكرة بتقوى شوكته علي وعليك
ولدك قاويه ابليس الله يسود وجهه
قاطعته لمى بخوف على ابيها المنفعل
وبنفس الوقت مقهورة على اخيها
الذي يتلقى اللوم وحده
وغيره يخرج منها كالشعرة من العجين :
الا اخوي بيض الله وجهه
جت في وجهه وسكت
عشان ماتكبر بين الرجاجيل
وغيره يوم جت في وجهه اخوي وهو شريكه ماتحرك فيه شعره وظل ساكت
رفع عبدالله راسه باستغراب
لدخول لمى اللي ما انتبه له :
من هو شريكه ؟
واي شريك ؟
وش السالفة ؟
لمى بهدوء وهي تقبل راسه :
قبل فترة سمعنا ان بيت عمي سياف طب عليه حرامي
الحرامي كان اخوي ثنيان
يبغى له غرض من بيته والظاهر انها اوراق
بس اخوي ماكان لحاله
جلوي ولد عمتي ندى شريكه بالموضوع
بس ماكان يدري انه اخته بالبيت الظاهر
او ان ثنيان ماعلمه
ما اعرف التفاصيل بس اعرف انه شريك ثنيان
مسك عبدالله راسه بصدمة مدهوشة! هامسًا :
لا بارك الله فيك ياثنيان، لا بارك الله فيك
/

\

/

اغلق باب البيت الداخلي
وهو يدخل مفاتيحه في جيبه
منذ ان استقر ابوه شبه استقرار بالرياض من شهور قصيرة
هجر شقته الصغيرة / الضيقة على روحه
وعاد ليمكث معه في هذا البيت الذي عادت به الحياة
من خطوات خروج ابيه وقرع مفاتيحه عند دخول. من رائحة كعكات صمود التي تفشل ظ©ظ© مرة وتصيب مرة واحدة.
من موسيقى ضحكات غنى ايّام سفر شادن.
من خادمة منزلهم المسنة التي توقفه في كل صباح عاتبة لماذا لا يفطر في البيت بدلًا من السيارة ؟
تفاصيل صغيرة كانت له حلم وأمنية.
يشعر انه اسعد رجل على وجه الارض لانه شعر بوجود عائلة
طالمًا كانت شادن تاخذ من بيت خاله ندى بيتًا لها
ويجلس في شقته لوحده.
متناسية ان لها اخًا له حقوق و واجبات عليها
ابتسم وهو يضرب باب غرفة ابيه ثلاث مرات
ليأتيه صوت ابيه المبتسم من خلف الباب :
حياك يبه ذياب
فتح الباب ليدخل ويغلقه من خلفه. خلع نعليه - أكرم الله القارئ - وجلس على سرير ابيه بإبتسامة وهو يرأه لابس قميص نومه ومغلق عيناه ويردد بصوت منخفض سورة الملك قبل ان يخلد الى نومه ليردف بعد ان سمعه يختم السورة بآخر آياتها ( قل أرأيتم ان اصبح ماؤكم غورًا فمن يأتيكم بماءٍ معين ) :
تقبل الله
فتح خالد عيناه وهو يبتسم لإبتسامة ذياب الذي يتأمله :
منِا ومنك صالح الاعمال. وشلون زوارتكم ؟
هز ذياب رأسه وهو يدخل بجانب اب تحت المفرش :
ماعليها. خالي سلطان زعل عليك ليش ماجيت و وصلت له اعتذارك ورفض ان يقبله لين ترده بعزيمة ثانية
تجاهل خالد كلام سلطان وهو بداخله عتبًا على تلك العائلة، بسخرية :
جاي تبات عندي مضيع غرفتك ؟
رفع ذياب راسه ليضعه في حضن ابيه بضحكة :
ماعليه يبه السموحة من اليوم وطالع بنام بحضنك
ابتسم خالد على ذياب المشتت طفوليًا بشفقة وهو يمسح على راسه هامسًا :
أعرس وبات بحضن حرمتك لين يطيح اللي برأسك
غمض ذياب عيونه بهدوء مبتسمًا :
أعرس وانت عندي ؟ صج منكر حسنة
ضحك خالد وهو يقرص اذن ذياب :
بسمح لك الى بعد صلاة الفجر وبعدها رد غرفتك لا تشوفك عمتك وتفضحنا
قهقه ذياب وهو يتذكر صمود :
والله يايبه من اليوم تصرفني شكلك انت اللي بتعرس وماتبيني أتعود عليك
ابتسم خالد وهو يعدل مخدته ويستلقي :
لا وانت الصاج برد الكويت قريب ان شاء الله
طولت هني
همس ذياب وخبر عودته قبض قلبه
يعني عودة صمود معه
يعني عودة خيوط بيوت العناكب لهذه الزوايا التي ضجت بالحياة اليوم!
يعني عودة الاستيقاظ صباحًا يأسًا/ كارهًا هذه الدنيا بلا سبب واحد يستيقظ لاجله :
بكلم لي كم واحد واذا ماقدرت كلمت ابو مقرن
يشوف لي نقل من الرياض الى الكويت
واذا ماصار كلش بقدم استقالتي وبرد وياك
فتح خالد عيونه بدهشة وهو يسمع ان ابنه سيقطع رزقه بيده :
افا وانا ابوك ليه ؟
ابتسم ذياب بهدوء وهو يغلق عيناه، يحجب انكساره العاري امام والده :
معد لي خاطر بالرياض!
عطيتها من عمري ظ¢ظ© سنة وش جازتني فيه ؟
الرياض تكرهني! بكل مرة تتعمد توجعني
كأن ارضها تلفظني
الى الان ماحصدت بالرياض ذكرى حلوة!
كأن الرياض تحس اني ما انتمي لها
قاسية علي الرياض! كأن ذنبي ان جوازي ازرق ماهو اخضر
همس خالد وهو يقبل رأس ذياب بحب :
دار النهار يايبه من ظ¢ظ© سنة ظلماء بجت وهي تناديكم
همس ذياب بتهكم صاحبه بضحكة لملامح ابيه الغاضبة من كلامه :
والله صج ظلماء لو كنت بتم هناك بعد بروحي ودي بأخت وأخو يونسوني
رفع خالد حاجبه بإستنكار وهو يتذكر كلام ذياب بمحاولة إقناع ان يتزوج :
والله من ييتك وانت ما انت خالي
في راسك شيء بس والله ياذيابوه لو كان طاري عرس لا احش لسانك
عطيتك مرة وجهه لا تقعد بعدها تعيد وتفتح بالسالفة
اعتدل ذياب بجلسته وهو يريد ان يجد مواضيع مشتركة بينهم حتى وان كانت موجعه مثل حديث عن امه! :
وانت ليه ماتبيه ينفتح ؟ الغايب وان طول ما رده بيرجع وبتقر عينك
اخذ خالد نفس عميق، وهو يعلم بعد حديثه هذا سيحرم عليه حتى ذكرها امامه بين ابنائه
يعلم ان بعد حديثه هذا سيكون أنهى اخر ذرة تربطه بغزل :
ماتقر عيني بحرام!
اردف وهو يرى علامة الدهشة في محيا ذياب :
امك من قبل ماتنحاش وانا مطلقها
\
/
\
/
\
ضم شفتيه بعضها على بعض
وهو يرأها تضحك بشدّة مع غنى
الواقعة بينهم على السرير هذه اليومين
بسبب أنها كرهت غرفتها بعد ماسافرت شادن وتركتها
غمضت شادن عيناها وهي تحاول ان تغلق شفتيها الضاحكة
وغنى مستلقية على بطنها :
خلاص ياغنى شوفي ماما نامت
انتي نامي زيها
مسكت غنى شفتي شادن بكفها حتى تغلقها بلهجة طفلة ركيكة غاضبة :
ماما ما ناميتي اوش همن ناميتي
اغلقت شادن شفتيها بقوة مع عيناها
ابتسمت غنى برضا وهي تقبل خد شادن :
ماما حبيبي
صرخت شادن بحب
وهي تحملها من فوقها لترميها على السرير و جسدها فوقها
دون تضع ثقلها عليها تقبل خدها بقوة :
انتي والله حبيبة ماما
قهقه سياف بضحكة صاخبة من شكل شادن الضعيفة جدا امام غنى
عقد حاجبيه وهو يسمع رنين هاتفه
ناظر الساعة التي تشير الى 3 ونصف ليلًا
اخذ هاتفه وهو ينظر للرقم الغير مسجل على هاتفه ولكن يعرف صاحبه جيدًا
وقف متحاملًا على نفسه
بسبب آلم صدره
الذي حاولت المسكنات ان تخفف ثلاثة ارباعه وتترك الربع يتألم منه سياف عند الحركة
عقدت شادن حاجبيها بإستغراب
وغنى في حضنها تلعب في سحاب سترتها :
وين ؟
ابتسم سياف ابتسامة صفراء حتى لا يثير شكوكها :
رايح وراجع الى ان تنومينها
ابتسمت شادن وهي تغلق ابجورتها :
تمام لا تطول
اغلق باب الغرفة خلفه
ليجلس على اقرب كنبة قابلته ليجيبها بهدوء :
الو
استجمعت انفاسها لثواني قصيرة لتهمس :
السلام عليكم
اتى مسامع سياف صوتها الانثوي الصغير وكأنها عمرت في عمر الصبأ ولم تعرف الكبر يومًا :
وعليكم السلام
شلونك ؟ وشلون خالتي ؟
جلست منال وهي تلعب بخيوط مخدتها الصوفية :
انا بخير وانت بخير الى ان تتدخل امي ياسياف
بالبداية اعتذر على اتصالي بهذا الوقت المتأخر
ولكن كنت ابي اضمن مايكون عندي احد او عندك
رفع سياف عيونه للباب بقلق :
انا رجال متزوج يامنال شلون بتالي الليل ماتبين يكون عندي احد!
عظت منال شفتيها بندم وهي تسب نفسها والساعة التي فكرت ان تتصل فيها :
المعذرة منك
تصبح على خير
قاطعها سياف قبل ان تغلق السماعة :
حصل خير
انتي بعد زوجتي يامنال
وش قلتي وش فيها خالتي ؟
اقشعر جسدها وهي تسمع زوجتي يالله ياسياف مر عامين ومازلت تذكر ان لديك زوجة! :
امي الله يصلحها من درت برجعة ام غنى - شيئًا ما منعها ان تقول زوجتك او تذكر اسمها. وكأنها تذكره انه رابطة بشادن فقط البنت! لعله شعور فطري - وهي محترة وحالفة تدخل ابوي واخواني بالموضوع عشان تردني
انا واثقة من ان ابوي واخواني لو ابكي قدامهم دم ابيك مايردوني لواحد بايعني وخلاني سنتين معلقة
اخواني صح مايبوني مطلقة ولا عانس بس مازالت كرامتي عندهم غالية
بس ما اثق في امي خصوصًا انها كلمت خالتي ترف ‎فتح سياف عيونه بصدمة :
‎كلمت امي ؟
‎اكملت منال لتزيده بالصدمة القاضية :
‎وقالت بعد مايصير خاطرك الا طيب
‎مسك سياف رأسه وهو يعلم شلون امه تداري خاطر خالته مناير مداراة
‎كيف لو كان طلاقه لمنال فيه زعل خالته
والله ان تحرم عليه رضاها
الا بطلاق شادن
ولا يترك لمنال ضرّة حتى يطيب خاطر خالته
‎اكملت منال بعد ان طال صمته :
‎انا ما ابي اجي واخرب زواجك بدون فائدة! انا لو لي ظ،ظ? خاطر فيك ياسياف كان ماتركتها تشم ريحتك شلون وبينكم بنت عاد
‎كشرّ سياف من كلام منال الذي تعيد فيه وتكرر بشكل لا يليق به :
‎شكرا عندي خبر بهذا الكلام ماله داعي تعيدين كم مرة انك انتي عايفتني
‎ابتسمت منال بحرج :
‎أسفة
-
‎حست بحركة غنى في حضنها، لتفتح عيناها بإنزعاج
‎تركت غنى في مكانها بعد ان ضايقها ذراع امها بدًلا من الوسادة
‎وهي ترفع رأسها بحثًا عن سياف
‎غفت وهي تنتظره والى الآن لم يعود!
‎ناظرت الساعة التي تشير الى اربع تماما
‎وش يسوي برا كل هذا الوقت ؟
‎وقفت بعد ان غطت غنى جيدًا
‎خرجت لتجد سياف امامها وبيده زقارة وملامحه غاضبة! وغاضبة جدًا
‎ينظر الى اللاشيء!
‎عقدت حاجبيها بإستنكار وهي تراه يكلم! من يكلم من نصف ساعة في هذا الوقت المتأخر من الليل ؟
‎همست شادن خشية ان يسمع صوتها المتصل :
‎انام ولا بتجي ؟
‎الصمت المتبادل من جهة سياف الى منال.
‎جعل منال تسمع شادن بوضوح لتردف بجفاء :
‎عن اذنك. شكلي طولت عليك
‎قاطعها سياف بصيغة ذكورية :
‎خلك!
‎رفع راسه لشادن وهو يبعد السماعة اذنه :
‎بطول. نامي ماعليك مني
‎قبلت شادن باطن كفها لترسل له قبلة بالهواء برّقة والنعاس يشدها بجاذبية تفوق الجاذبية الارضية
‎حتى ان النعاس عطل حواسها الفضولية التي اتت من آجلها
‎ابتسم شبه ابتسامة وِلدت من رحم غضبه من تلك الأنثى التي تتفن بحبه امامه!
‎كيف لها ان تخمد غضبه الذي تراكم بسببها خوفًا من زعلها، خوفًا من غضبها، خوفًا من تركها له.
‎لم يخاف من شيء الا منها وعليها
‎والآن تقبله وهي بعيدة، ناعسة
‎وكأنه قبلة لا تستقر على خده
بل تُمسح على قلبه لتخبره : ‎ناظل من اجل حبي ياسياف!
‎ارتكب كل الحماقات ليحيا حب الطفولة!
‎حارب وان كنت جريح انت فارس لا يعيقه غياب الفرس
‎استثمر في عشقي يارجلا خُلقت من عيناه كل حكاياتي السعيدة
‎لا تجعل سندريلا اكبر مني حظًا
‎او اجعلني سندريلا زماني
‎لا تشترط قصتنا ان تكون امير او اكون فقيرة اضاعت حذاءها
‎يكفيني ان تكون رجل لا تعيقه ولا تكبله العادات والتقاليد
‎ويكفيني ان ان اكون انثى لا تبالي بالساعة الثانية عشر
‎او xxxxبها لأنها اتت من شوقها لنصيب يجمعها ‎بك بدون حذاء
هدئت سرعة السيارة رويدًا ، رويدًا
حتى توقفت تماما
رفعت ريناد رأسها وهي ترى كسار ينظر لها
ليردف بهمس :
شكلنا وصلنا
اكمل جملته من هنا
ليفتح باب الشاحنة من هنا
وقفت ريناد بفزع وهي تقف خلفه
ركب السائق بعد ان قفز
وهو يسحب ربطات التبن لتسقط جانبًا
ويخرج من بينهم ربطة
كانت بشكل مرتب اكثر من بقية التبن!
وكأنه تبن صناعي وليس طبيعي
مُلفت لمن اطال النظر
رمى ربطة على كسار
لتحتضنها خاصرته ومن ثم كفه
ورمى الآخر على ريناد
لتصيبها بدقة في صدرها لتخرج آنين متآلم من الصندوق الذي اصطدم بها :
آه!
زفر كسار بغضب
وهو يرمق السائق اللامبالي وكأنه لا يسمع
نزل وهو يحاول ان يشرع مدخل الباب الضيق :
Let’s go
طل كسار برأسه
وهو يتفحص بنظره المنطقة، كانت خالية تمامًا ولكن السيارة مازالت تشتغل
وش يضمن له ان لا شخص اخر من السائق ؟
ينتظر كسار ينزل ليختطف السيارة بريناد
شيئًا ما منعه ان ينزل قبلها، ويتركها خلفها
لن يرتاح حتى تنزل امامه
همس لها
وعيناه مازال تتفحص المكان الوحيد الموجود في هذه المنطقة
( مزرعة! ) وبسخرية :
Come! Lady first
ناظرته ريناد بطرف عين على اللباقة التي بغير محلها او زمانها!
تقدمت ريناد
وبين يديها الصندوق المغطى بالتبن
ليصبح كأنه ربطة تبن ولا شيء مثير للشبهه
اخذ السائق الربطة من يدها
بعد ان رأى الصعوبات
التي خاضتها ريناد بمجرد النظر
" كيف بنزل وهذا الصندوق بيدي ؟ "
لتقفز، وقفز بعدها كسار وبين يديه الصندوق
آشر السائق على باب المزرعة وبالفرنسية :
من هنا سوف تدخلون الى الامام قرابة 3 أمتار
ومن ثم سيكون على يمينكم حظيرة
تنتظركم فيها سيدة شابة
ستضعون لديها الصناديق وتأتون.
سوف اكون في انتظاركم
ناظره كسار بحدّة :
ماذا ان ذهبت وتركتنا هنا ؟
ونحن لا نعلم أين نحن
ضحك السائق بسخرية
وهو يتوجه الى السيارة :
نحن لا نعمل بمبدأكم الحقير! كلمتنا هي كلمة ثابتة!
بلعت ريناد ريقها
وهي تهمس الى كسار بالعربية :
يالله! ثقيل والمسافة بعيدة
لف عليها كسار بهدوء وهو ينخفض ليضع ثقل جسده على بطة ساقه :
حطيها فوق صندوقي
فتحت ريناد عيونها بدهشة :
ثقيلين عليك!
رفع كسار حاجبه بسخرية :
ياي! - ليردف بحدّة - اقول حطي وانتي ساكتة
قال ثقيلة قال
رمت صندوقها فوق صندوقه بحرّة من اسلوبه
وهي تمشي امامه غاضبة
لدرجة انها نست خوفها
ضم كسار شفتيه على بعضها
ليخفي ابتسامته من غضبها
الواضح من خطواتها التي تضرب بها بالأرض لتنفض الغبار من خلفها
كانت الصندوقين فوق بعضهم
مكونة عائق للنظر، أزاح ذراعيه لليمين لتنازح معه الصناديق
حتى يستطيع ان يرأها فهي امانة عنده!
لا يستطيع ان يفرط بثانية غافلًا عنها
ولكن ريناد سريعة جدًا وهذه الصناديق أبطئت من خطواته
تنهد وهو يحدث نفسه :
لو بقولها تهدي بتعاند
بس حرمة مايجيب رأسها الا السواليف
ابتسم كسار وقصة طرت على باله
ليضرب بها عصفورين بحجر
العصفور الاول ان تبطئ خطواتها
العصفور الثاني ان يستفزها الى حد النخاع :
تدرين ليس قلت لك Lady first ؟
كشرت ريناد بسخرية
وهي ترفع صوتها ليصل الى مسامعه :
ممكن الأدرينالين رفع مستوى اللباقة عندك بالغلط
ابتسم كسار بدهشة
وهو كان يتوقع احتمال ان لا تعرف القصة ظ،ظ?طœ :
صدق ناقصة عقل
تحسبين لما نقول السيدات اولًا يعني لباقة ؟
وقفت ريناد بغضب وهي تلف!
تستفزها " ناقصة عقل "
التي سيتخدمونها كحجة دون ان يفقهون معناها :
سبحان الله ياقليل الذوق والأدب والوعي والدين!
تعرفون من الدين انّا ناقصين عقل ودين
بس ماتعرفون من الدين ان النساء شقائق الرجال ما أكرمهم الا كريم وما أهانهم الا ليئم
المرأة ناقصة دين
لانها تحيض فما تصوم ولا تصلي عشان الاسلام رحمها من المشقة
وناقصة عقل
لان شهادتها تجبرها بشهادة امرأة اخرى
ضحك كسار من قلب على انفعال ريناد!
لدرجة انه وصلها وتعداها
ومازالت في مكانها تلقي عليه محاظرة تثقيفية
في الأحاديث الفقهية :
اوف اوف كل هذه فيني ؟
قليل ذوق وادب و وعي ودين
الله يسامح ابوي على هذه التربية
بس لا تصرفين الموضوع
سالفة ان السيدات اولًا ماهي لباقة
اعترفي بجهلك وبستر عليك
تأففت ريناد من كسار الذي لا ينكسر
لا ينضغط
وكأنه ياخذها مادة للتسلية وبغضب وهي تلحق به :
ما صرفت الموضوع
أنا بس كنت ارد على كلامك
بعدين اذا ماصار لباقة اجل وش بيكون ؟
ابتسم كسار وهو ينظر لها :
طال عمرك يقولك
في ديرة من ديار إيطاليا
ماهو لازم تعرفين وين عاد
كان فيه واحد مقرود بس غني
حب له وحدة اقل منه
يوم قرروا يتزوجون
وقفوا له اهله عظم بالبلعوم
ويقولون والله ماتاخذها
ولو خذيتها ماراح نتركك بحالك لين نفركش هذا الزواج
ويقولون واعوذ بالله من كلمة يقولون
ان ابوه قال مالك الا بنت عمك مايكل
تبغاها ولا عمرك ما اعرست
ناظرته ريناد بطرف عيناها
وهي تحاول ان تسيطر على ابتسامتها
على سرد كسار المبالغ بالقصة :
ابوه قال مالك الا بنت عمك ؟ ومايكل بعد ؟
ضحك كسار حتى برزت نابيه ليردف :
هم قالوا ماهو أنا
المهم مالك بالطويلة
قال لحبيبته ماراح يفرقنا الا الموت
ولا اهلي مايقدرون على حبنا
حتى لو ماتم بالزواج
ام شوشة محظوظة
ولا وين بتلقى فلوس وحب وبايع اهله عشانها بواحد ؟
خافت قالت انا اخاف ان الموت يفرقنا
وياخذ الموت واحد ويترك واحد
مالنا الا ننتحر
راحوا على صخرة عالية وتطل على البحر
رفض خوينا المقرود انها تنتحر قبله
اكمل بسخرية :
قلبه خضر مايتحمل يشوفها تموت قدّامه
قال انا بنتحر وانتي بعدي
يوم نط ومات وشافته
خافت وهونت ورجعت ديرتها وتزوجت قبل يجف قبر خوينا
ومن ذاك اليوم واحنا نخليكم قبلنا، لأنَّا مانأمن غدركم
قاطع حديث كسار وتعابيرات الاندهاش بملامح ريناد التي توقفت فجاءة وهي تسمع النهاية المساوية
صوت امرأة في نهاية العقد الثالث، تقف بإستناد على البوابة الخشبية للمستودع
بيدها سيجارة والكحل الاسود أخذ اكثر من حاجته في عيناها حتى انه بات قليلًا منه أسفل عيناها
وشعرها الاشقر يستند على كتفها الأيسر بجديلة وجزءًا من غرتها الغير مرتبة يصاحبها خصلات باللون البنفسجي والوردي وتغطي جبينها
بسترة من الجينز رغم برد باريس القاسي الليلة. بالفرنسية :
من هنا ياصغار!
لف كسار بعد ان تفحصها في جزءًا من الثانية، ليلقي بانظاره على ريناد
بديهيًا غاص في عمق المقارنة العفوية!
جميعهم إناث! هذه انثى وهذه انثى
هذه انثى مربية، لم يشفع لها كحل عيناها للاغواء الا زادها استنفار
وبجانبه انثى رقيقة، لم تستطيع ان تسرق منها انفعالاتها وغضبها ودموعها رقتها!
امامه انثى كأنها ولدت من رحم الشوارع، ليشعر ان لامس جسده ذراعيها لن يغادره الا وهو بكتيريا معدية
وبجانبه انثى كأنها ولدت من عالم الأميرات الوردي، يرى بين حنايا وجهها حنية بالغة ان تريح عناء الـ 26 عامًا الفائتة ومشقة السنوات القادمة!
تتمتع بوجه يشبه الوطن! وأتمتع بوجه يشبه الرحالة!
بودّي ان ألقي حقائبي اليها، واضع على ارضها متني ولكن محطات القطار تناديني. ومطارات المدن تستغيث بي
لم اصل إليك بعد! انا بعيد كل البعد عنك
انا عاق بحق الوطن. انا كل وجهاتي لا تؤدي دروبها إليك!
قاطع حبل أفكاره صوت ريناد المناجئ له بتوسل :
كسار تناديك!
لف عليها بحدّة دون ان يسمع ماقالت :
حسنا!
ليعود بوجهه الى ريناد والتحذير هامس :
اوقفي هنا! لا تدخلين لو وش يصير فاهمة ؟ بحطها واجيك
اذا حسيتي باي شيء او حركة غريبة اصرخي! انا اساسًا قريب
مسكت كفه بقوة خائفة قبل ان يلقيها ظهره ويغادر :
لا كسار لا تخليني هنا! ما ابي اقعد لحالي
لف عليها بغضب :
وانا مدري وش موجود جوا! هذولي ابليس يتعوذ منهم
بس برا تو مشينا انا وياك اغلبها ماحسيت بأي شيء ولا شفت شيء
ناظر كفها التي مازالت متشبثة بذراعه :
ريناد بس احطها وبجيك!
بلعت ريقها وهي تنظر الى جميع أطراف المزرعة التي تصل اليها حدود نظرها، لتلف اليه وتسقط عيناها في عينه :
ما تطول وبس تحطها ؟
ابتسم كسار بهدوء :
وعد
تركته يغادر امام عيناها مع تلك الأنثى، لتحاوط جسدها بذراعيها بقوة حتى انها غرست أظافرها بزندها دون ان تشعرابتسم ذياب ابتسامة صفراء بمجاملة لحارس الآمن الذي يقف امام البوابة المصاحبة لمواقف السيارات
بيده كوب زجاجي بداخله حليب زنجبيل، اخذه وهو خارج من يدين صمود لتخبره وهي تقبل خده برقة :
صُنع لك بحُب! يابختك
فرك بأصابعه عيناه من امس مانام زين
والسبب حديث ابيه الذي طال! وطال في نفس ذياب اكثر
لم ينتهي الموضوع عندما صارحه ابيه انه طلق امه قبل مغادرتها او هروبها بشكل ابلغ بأربع ليالي!
( « ليقف ذياب بوجهه بغضب / دهشة / صدمة / عتاب :
شلون مطلقها وانت كل ماجبنا سيرتها ماقد قلت عنها شيء ؟
ليش خليت الكل يقول هاربة من زوجها ماخليتهم يقولون هاربة من اَهلها ؟
ليش سمعت السمّ وبلعته جمرة وسكت ؟
ابتسم خالد بسخرية :
بيقولون ليش توك تقول انك مطلق يوم هجت ؟ الا خايف من الفضيحة!
وهم صادقين وش عذري مطلقها اربع ايّام ولا تكلمت ؟
لو خليتهم يقولون هاربة من اهلها
ما راح اقدر اخليكم تتربون بينهم
لان الناس بياكلون لحمكم كيف اخليكم تتربون بين ناس نحشوا بنتهم ؟
وانا ما ارضى عليكم يايبه
خلوا الشينة تجي مني
انا ماعلي خوف
بس انت وأختك وراكم مستقبل
وراك تفتحون بيوت
ما ابي بعد عشرين سنة يذكرون شيء شين عنكم
بلع ذياب ريقه ليتحدث بهدوء :
يبه ليش امي انحاشت ؟
رفع خالد عيناه بصدمة! لأول مرة يسأله احد ابناءه هذا السؤال
12 سنة والى الآن هو غير مستعد للسؤال
12 سنة والى الآن تصعب على الاجابة ان تفارق حنجرته
ارتفع صوت ذياب وهو يدعي بداخله، ويناجي ربه ان تكون أفكاره خاطئة
ابيه هو الاخير بحياته، لا يريد ان ينخذل به ايضًا
لا طاقة له
ارتفع صوته لا من غضبه، او قل احترام
ارتفع صوته من جمرة الحقيقة التي تحرق قلبه :
يبه 12 سنة وانا اكذب نفسي واصدق عيوني!
12 سنة وانا اطاوع قلبي واكذب عقلي
قلبي يقولو امي بأي شرع او قانون مالها مغفرة
وعقلي يقول ابوك طال الزمن او قصر هو السبب!
يبه امي يقولون انحاشت منك من جورك
وانا ما انسى يوم قمت فيه على صوت طراقك لأمي
هذا اللي انا شفته، والله يستر من اللي مادريت عنه
وبنفس الوقت ما اقدر انسى يوم انك ماقد قصرت بحقنا ولا حتى رفعت صوتك عليها
ماقد شفتك زعلانة منها، بس ماقد شفتها راضية عليك
ماقد شفتك تشتكي منها، بس ماقد شفتها تمدحك
دخل يده بشعره وهو يشده من جذوره بحسرة :
يبه الشيب اللي غزى رأسي ماهو من كبر سن وانا تو عمري 29! غزى راسي من الهمّ
ريحني، قل لي الحقيقة لو هي على نفسك خلني اشوف الثلاثين اللي جاية هي وردة شبابي وراحة نفسي!
رفع خالد رأسه وهو ينظر الى الانكسار المستقر على جفني ابنه!
لمح بنصف كلامه دمعة لمعت لتسقط وحيدة وتتجمع خواتها في حنجرة ذياب لتختنق
لعل الآن هو الوقت المناسب


لعل الآن هو وقت كشف الاوراق
ها انت تشارف على الثلاثين عام
ومازلت في عيني ابني ذات التسع أعوام
كيف للسنين ان تسرقك وانا لا اشعر :
من 12 سنة حلفت حلفين!
الآول ان رجلي معد تطب السعودية لا انا حي ولا جثتي وانا ميت
والثاني اني ما أشوه سمعة امك قدامهم ولا غيركم! ماهو حبًا فيها بس خوفًا عليكم
انتم بتعاقبون بذنب أمكم بدون ذنب!
لا تقعد تقول لي لا ومالا
مجرد الكلام اللي طلع بتويتر قبل فترة عن امك شف وش سوا فيك
شلون لا مشيت بالشارع بعد كل فرض وذكروك الناس بأنك ولد فلانة اللي فيها ومافيها
خنت حلفي الاول وطلعت كفارة عنك، الله يغفره لي
بس حلفي الثاني مازال موجود! وعز الله اسمه عن لساني حتى أكذب به
كلامهم اللي يقولون انحاشت من ضربي وتعنيفي لها
ماقد مديت يدي عليها الا مرة وكانت تحت عيونك وهي كف من حرّ جوفي!
من حرّ ماسمعته
تركتكم عند خوالكم ماهو رخص فيكم
ولكن شيء في نفسي تلك الفترة منعني اشوفكم
ما ابي لو بالخطأ أعاقبكم بذنب أمكم
اللي شفته من امك ما يرضاه اي رجال ثاني على نفسه
طلقتها وانا نفسي عايفة
طلقتها لاني حضني اشرف من انه يلمه
يبه لو هي موجودة والله ما اخليكم بين يدينها
خيرة انها راحت عشان تربون بين اهلكم
انا كنت ادري على وجه تخرج و ودك بالدراسة بالخارج وادري خوالك ماراح يقصرون ولا ديرتك. سوا كنت عندي ولا عندهم بكل الحالاتين بتسافر
بس شادن يايبه ماتبي اهلي، تبي خوالك
انت لا قلنا بنرد الكويت ماتشوف وش تسوي ؟ تحرم عليها اللقمة يومين ومن تصحى الى تنام وهي تبجي تبغى ترد السعودية
خليتها بين خوالك عشان ماتتعب نفسيتي بنتي زود
ماتوقعت بيسون فيها سواتهم! يوم دريت بعدين باللي صار
وانه سياف ماهو غيره، وانا ادري وش يعني شادن بالنسبة لسيّاف من يومهم يهال
طاب شيء من خاطري
انهم ما ارخصوها لأي احد
همس ذياب والصدمة شلت لسانه، واخفضت طبقات صوته :
لا ردت بتقول لخوالي سواتها ؟
ابتسم خالد بحسرة على حاله، وبنفسه يشتم تلك الشهامة التي بداخله وتقيد انتقاماته :
عز الله ماعرفتني زين! طلعت من بيتي ومن ذمتي بخيرها وشرها
وراحت 12 سنة ماقلت عنها شينة، تبيني اقول عنها لا ردت ؟
الشنب ماهو على رجال اذا قعدت اتكلم بعرض وشرف وحدة شلون عاد لا كانت على ذمتي وأم عيالي ؟
همس ذياب وهو ينظر الى الفراغ بلا تعابير، بعد مامرت دقائق طويلة :
ياليتني اعرف وينها!
عشان أوصلها يقولون لها
لا نوت ترد ياليت ترد جنازة لانها بتتمنى الموت قبل تشوفني » )
قاطع حديث نفسه، صوت الممرضات من خلفه وهم يتناقلون النميمة بينهم مع بزوغ الفجر بدهشة :
شفتوا وش صار بالدكتورة الجوهرة ؟
لتجاوبها الاخرى بانفعال خائف :
سمعت ان مدير القسم يقول اذا ماعدت المشكلة على خير
بيرفع فيها نقل واللي تكلمت عنهم فصل نهائي
ومن الصبح والمحامي والموكلين ينتظرونها بغرفة الاجتماعات
ولهم ربع ساعة الله بستر
ليذهب بخطوات واسعة غاضبة الى غرفة الاجتماعات
ويتمنى بداخله ان يراها فعلًا تدخلت بالموضوع بعد ان نهاها حتى يفرغ فيها غضبه

\

ها هي الآن تقف امام فرنها
تنظر الى الركوة وهي تحتضن قهوتها التركية لتقلبها للمرة الثاني
وبنفس الوقت تطفئ النار يد أنفال
لا تذكر هذا فنجال رقم كم تعاقب بها نفسها!
مضى ليلتها تصلي وتستخير الله في امر انفصالها عن تركي
تارة تركع تطلب الله الطريق الصواب
وتارة تجلس لتفكر بعقلها أين الصواب ؟
رفعت الفنجال الى فمها
وعيناها ترتفع الى السماء لتطلب الله بخشوع مضطرة :
يا رب ان كان فيه خير
هيئ لي الأسباب واجعل نفسي تتقبله من جديد
وان كان فيه شر
لا تكتب لي يوم جديد وانا في بيته
ليقاطعها صوته من خلفه وهو يغلق أزرار ثوبه باستغراب :
الى الآن مانمتي ؟
لفت عليه وهي تشعر بمجرد سماع صوته ان جميع ماشربته قبل قليل
يثير معدتها لتركض بقوة الى المجلئ وتفرغ مافيه معدتها
سحبت مناديل الرول وهي تمسح فمها بإرهاق
نفسها باتت لا تطيق حتى البيت وليس هو فقط و بدون تفكير :
توديني قبل دوامك لغادة ؟
ناظر تركي ساعته التي تشير الى 6 وربع صباحًا بدهشة :
الحين ؟
هزت رأسها بإيجاب
سكت!
لم تطلب شيئًا من فترة بسبب زعلها
محالة ان يرفض ويخسر ورقة رابحة في سبيل رضاها :
بنتظرك بالسيارة انا وحصة
بشيلها لا تقومينها
ركضت الى غرفتها لترتدي عبائتها
تعلم ١٠٠٪؜ ان غادة نائمة ولكن لا باس بيتها خالي من زوجها لا احراج ان تنتظرها الى ان تستقيظ
بالنهاية هي اختها التي لم تلدها امها
لحقت بتركي وهي تغلق الباب خلفها
سندت رأسها على ظهر المرتبة لتغلق عيناها
رفع تركي التكاية وهو يخرج محفظته :
اجيب لكم فطور ؟
هزت رأسها بالنفي
اخذ كأسين الكابتشينو والدونات، من يدي العامل ليبتسم :
متاكدة ماتبين ؟
ريحة الكابتشينو الحارة التي استقبلها أنفاسها بشراهه
لتتضور معدتها جوعًا
ضحك :
قومي اقول
حاسب حسابك عشان ماتاكليني بالغلط بعد شوي من الجوع
اعتدلت انفال بجلستها وهي تأخذ كأسها وبإحراج بعد ان كشفها :
انا بأكل مو لاني جوعانة
لا عشان النعمة ماتنكب
كتم تركي ضحكته وهو يرتشف من كوبه :
صدقتك
وقف امام بيت غادة ليلف عليها :
شوفي لي درب بنزل
عقد حاجبيه وهو ينظر الى ملامح الصدمة في عينينها
سقط كوبها من يدها لينسكب على قدمها ولم تشعر بحرارته
لان حرارة جوفها اشد
صرخت وهي ترميه بالكوب الفارغ بيدها :
ماوصفت لك بيت غادة ولا قد جبتني له شلون عرفته ؟
شلون عرفته يالخسيس يالحقير قيد كفيها المنفعلة بكفيه بإحكام
رغم حركات أنفال العنيفة بأن تتحرر من قبضته
مع سيل هائل من الشتائم يجرح طهر لسانها
ليقاطعها بحدّة بصوت مرتفع
لعله يسكت الأنثى الثائرة امامه :
انتي صاحية ؟
اقضبي لسانك بنفسك لا اقصه!
صرخت انفال بوجهه
صرخت بحرقة أنثى
لم تختار من رحم الصداقة الا غادة
لتجدها سقطت سهوًا
في وحل القذارة مع رجل غير شرعي!
رجل ماكان عيبه الا انه زوجها :
قص يدي اللي طاوعتني يوم بإني أقر اكون على ذمتك حليلة!
قصني
يمكن اقدر ارجع أعز نفسي بعد مالوثتني
صرخ تركي في وجهها
وشيئًا من الحقيقة المرة بدت تتضح امامه
صرخ وهو يتمنى ان يكذب ماشعر به
لا يريد ان يتسرع :
وش قاعدة تقولين انتي ؟
انفال لا لقيتني صابر ؛ احشمي صبري
ماتقعدين لي على الداخلة والنازلة تذليني
بإنك ماتبيني
وتمدين هاللسان القذر بحق اي شخص شلون لا صار زوجك
قاطعته انفال
وهي تمسك بياقة ثوبه بكفوفها
تجبره ان ينظر لها وتقع عيناه في عيناها
بعد ماشعرت بإن انفاسها تكاد تغيب.
وشيئًا يخفق بقوة
يريد ان يتحرر من أضلاعها ليسقط من صدرها تظلمه اني أطلقت عليه بأسم ( قلب )
بات قديمًا، مذلولًا، مجروحًا نازفا، يشبه كل شيء الا قلبها! :
ماراح اقول لك وش فيني
عشان القى منك كل اللي شفته
لان مافيني شيء والبلاء فيك الله يشفيك!
بس أسالك بالله خياناتك ماكفتك
عشان توجعني في صديقتي ؟
خسيساتك وش مافيهم ولقيته بغادة ؟
خمدت أطراف تركي تدريجيًّا
حتى خملت
ذبل وجهه
اصبح قلبه يخفق بشدة تفوق قلب انفال يخفق لا ليهرب
يخفق حتى يحاول يكون العضو الوحيد القادر ان يلم بعثرة ذلك الرجل
الرجل الذي بات يرى طريق الفراق واضحًا
واضح جدًا له
همس بحروف جافة مضطربة
مرت من صحراء قاحلة تدعى حنجرته من شدة قلقه من الموقف
الذي تمنى ان يموت ولا يعيشه :
قلتيها! مافيها شيء ولا فيك شيء
انا اللي فيني
ليرفع رأسه بقوة لأنفال
وهو يمسك كفيها بحنية :
بس والله ثم والله ثم والله اني مابغيتها
ويشهد الله كم صدتيها ولكن هي خبيثة! ماتستاهلك
خفت عليها منك
منعتك منها، وزعلتي وقلبتي الدنيا علي
مالي حل الا اكون معها وأعرفها. حتى اضمن ماتجرك معها
ضحكت انفال. ضحكت بشدة! ضحكت حتى دمعت عيناها
تنهدت وهي تُمسح بطرف كفها عيناها
يقول ماله حل!
لم يكفيه صدمتها فيه
يحاول الآن ان يشوه صورة غادة بعيناها
حتى يخبرها ان كل اختياراتها ( زواجها - صداقاتها ) خاطئة
وقعت في اسوء رجل وأسوء صديقة
لفت عليه بوجهه أحمر قاني
لم يشبه وجهه تلك المرأة المصفر - الحائر صباحًا
همست وهي تناظر في عيناه بإشمئزاز :
دايمًا اسمع بعذر اقبح من ذنب!
بس اول مرة أعيشه فعليًّا
بظنك هذا عذر ؟
هذا ان دّل على شيء دّل على انك مو واثق فيني
وشايفني اقدر انجر لطريقها القذر
لاني ارضى على نفسك
بلاويك خفت تطيح على راسي
قمت تشوفني بعين طبعك
كان نصف دقيقة
وهي تلقي بحروفها الثقيلة على مسامعه
وبنصف النصف رفع عيناه لتسقط بعيناها
عزت عليها نفسها ونفسها عزيزة!
ان تجمعها بسيارة رجل قذر
امام منزل قذرة
وبكل وقاحة ينظر في عيناها
لا تستطيع! لا تستطيع
والله انه يهيض كل اشمئزازي
تعاونت معها معدتها بشفقة
لتمنع طعامها ان يكمل دورته بجسدها
فتحت انفال باب السيارة بسرعة
لتتقيئ بقوة
مد تركي يده بالمناديل لتلمس كتفها
نفرت انفال بقوة لدرجة انها خرجت من باب السيارة!
مجرد جزء الثانية التي مرت
كانت كفيلة بإن تذكرها بآثار القبلات على عنق غادة
لو لمست تلك اليدين جسد غادة فعلًا
فهي تلوثت بارذل الرذائل
وهي اطهر من انه يلوثها!
مدت يدها بقوة حادة وهي تفتح باب السيارة الخلفي
بعد ماسمعته يحاول ان يتكلم :
ما ابغى اسمع منك شيء!
احفظ شيء من ماء وجهك قدامي
والله انك تزيد الطين بلة
سحبت انفال يد حصة بقوة
التي استيقظت من نومها على اصواتهم وتنظر اليهم برعب
همست حصة بخوف
متألمة من قبضة امها، لتحاول ان تعود للوراء حتى تتركها
لتصرخ انفال بوجهها بحرقة :
اخخللصصييي انزززللييي من السيياااررررة!
ليصبح سحبها اخف من الريشة
بعد ما استجابت بسرعة خائفة من ردة فعل امها
نزل تركي من السيارة بقوة
ليحاول ان يكتف انفال لتكف عن التصرفات الجنونية بغضب :
لا تروعين البنت!
بعدين وش منزلك بنص الشارع ؟
أمشي لين نرجع البيت ونتفاهم بعدين انا تركتها من زمان والله من زمااان
لفت عليه بقوة وهي تصرخ باكية :
مايهمني لا انت ولا هي !
المفروض تركتني قبل تتركها
هذه المرة الثانية اللي تخليها تغلبني
اللي يهمني تنزل هذه البنت الحين وتكبر وتنسى ان لها اب مثلك
مسك تركي يدها اليمنى
التي جرت حصة من السيارة مرة اخرى
مجرد ما انتهت من كلامها
ليلفها خلف ظهرها وبحدة :
تبين تنسيني هذا شيء راجع لك!
بس بنتي خط احمر
مالها مكان في مشاكل بيني وبينك
سحبت يدها بقوة
وبدون وعي بماذا تتفوهه، وبقوة من أين اتت
المهم ان تنقذ نفسها من دوامة هذا الموقف الطويل. الطويل جدًا
طويل كحربٍ باتت استعمار :
بتنساها برضاك ولا غصبًا عن خشمك!
ومالها مكان عندك الا في حالة وحدة
لا كبرت بكرة وخذت من اطباعك ولا ربي بلاءها بذنبك
بردها لك!
لاني ما اتحمل خيانة جديدة بحياتي
حملت ابنتها وهي متوجهه الى الشارع العام
الى شارع الملك فهد القريب جدًا
من بيت غادة
لتقف على الرصيف وترا زحمة السيارات المتجهه ثلاثة أرباعها الى دواماتهم في هذه الساعة من الصباح
لتنفتح نافذة سيارة صفراء
يتوسطها من الأعلى Taxi يتحدث من داخلها سائق من جنسية اخرى :
ماما يبي توصيلة ؟
فتحت انفال الباب
وهي تشعر ان هذه السيارة ماهي الا رحمة من الله
ولا كيف ستجد تاكسي في هذا الطريق ؟ :
روح وادي لبن
بعدين اوصف لك البيت
رمت شنطتها
لتنزل حصة
ولكن شيئ ما شلها!
رطوبة بنطلون بجامة ابنتها
من فخذيها التي كانت تجلس على ذراعها
لأول مرة من تعلمت ابنتها على دورات المياه، تتبول على نفسها وكيف ؟ بوقت وهي مستيقظة ولا سبب واحد يسمح لها تفعلها هكذا على نفسها !
/

\

/

فتح ذياب باب غرفة الاجتماعات بإندفاع
ليرفع كل من على طاولة الاجتماع رأسه بإستغراب متسائل " من المتطفل الذي اقتحم خلوتنا ؟ "
ماعدا تلك التي تجلس بإمام المحامي مازال رأسها في استقامة واحدة
على كتفيها يزهى " اللاپ كوت "!
لماذا تفرط هذه المجنونة بما سعت له سنين عِجافا وكداح وكفاح ؟
الا تعي مايعني ان يرتدي الانسان حُلمه ؟
الا تعي انها بمجرد ان تخلع ذلك الأبيض الذي بمثابة هوية تعريف ك ( طبيبة ) انها ستخلع معها أحلامها، طموحاتها، سهرها، ساعات المذاكرة، ركضها في ممرات المستشفى، غفوتها في المكتبة، تناولها طعامها على السريع في غرفة المناوبة
اتريد ان تعود ( الجوهرة ) حاف ؟ هل كل هذا حنين لأسمك ؟
طالمًا كان دورك كطبيبة يقوم على إنسانيتك، لا تستخدميها في غير ذلك ولا ستكونين مثل الان ؟
اكمل المحامي بلا مبالاه بالدكتور الآخر الذي دخل :
لو سمحتي اخت الجوهرة!
اختصري علي وعلى زملائك بالعمل اللي قاعدين هنا من الصبح يحايلونك تتكلمين
انتي بالامس مو وقفتيني عند باب المستشفى وقلتي لي بالحرف الواحد " إتق الله في نفسك، اذا موكلينك ماخافوا الله في الممرضة! "
هزت الجوهرة رأسها بهدوء وهي ترى أطراف اقدام ذياب تقترب منها :
قلته
ابتسم المحامي ببرود وهو يستند على ظهر كرسي المكتب :
وهل اختي الجوهرة اتبعتي كلامك ب " الموت قضاء وقدر، وان الممرضة فقط مساعدة ولكن ماتمنع الموت لانه آمر من سابع سماء ؟ "
وضع كفيه على الطاولة، وهو يشابكها سويًا بثقة :
بالحقيقة كلامك اقنعني، وأقنعني جدًا
لدرجة اني تواصلت مع موكليني وقررنا نلغي الدعوة على المستشفى
رفع الدكتور رئيس قسم الجراحة رأسه الى زميله الدكتور نائب القسم بفرحة، ومن ثم الى محامي المستشفى الذي مازال ساكن بملامحه وكأنه ينتظر الجزء الاخر من الكلام!
ابتسم المحامي بضحكة خبيثة، شامتة وهو ينظر الى الجوهرة :
ولكن قلتي لي ايضًا " ان الممرضات من اخلاصهم، مايكتفون بساعات عملهم عشان راتب وغيره! هم يعلمون اكثر من ساعات عملهم لان إنسانيتهم تحكمهم "
وانا عشان إنسانيتي ايضًا تحكمني
رجعت بصفتي محامي موكل لمريضي رحمه الله، لملفات الممرضات وملفات المرضى
وفعلًا لقيت بكل فخر ساعات الممرضات الإضافية مسجلة في ملفات المرضى ولا سجلوها في ملفاتهم
لف الى رئيس القسم بحدّة رافعًا حاجبه :
و محد قالك ان هذا القانون يخالف أنظمة المستشفى وغش واحتيال ؟ وجريمة يعاقب عليها قانونيًّا
انا الآن بطلع من صفة محامي ضد ممرضة
الى محامي ضد مستشفى!
وهذا يعني بفتح عليكم العيون
ولا هو في صالحكم
قاطعه محامي المستشفى بهدوء، محاولًا ان يتمالك اعصابه :
كل هذا الكلام نعرفه، من الاخير وش عندك ؟ لو تبي ترفعها قضية ماجيت تبشرنا
انت جاي عندك نية تفاوض
ابتسم المحامي ( فهد ) بمهنية وهو يخرج من شنطته السوداء ملف ازرق :
احسنت يازميل المهنة، انا لو اضمن قدام عيني اني بحارب الفساد في وطني ماراح اسمح لناس مفسدين يظلون في مناصبهم!
رمى الملف لتتناثر اوراقه امامهم :
هذه اوراق فصل لثلاث وعشرين ممرضة سوت هذه الحركة، توقعها الآن ومع السلامة
وقتها بيكون هذا اخر مابيني وبينكم
رفع ذياب عيناه بصدمة من الأوراق وهو يأشر بيده على عقله :
انت برأسك شيء ؟ العمل الأنساني ومهنتهم صارت جريمة قانونية ؟
فهد وهو يجمع اوراقه، بصحبة أقلامه بلا مبالاه في شنطته السوداء :
مثل ماهي مهنتكم، هذه مهنتي
انت مهنتك تلحق مشرطك في غرف العمليات
وانا مهنتي الاحق الحق لو هو في جحر ضب
شد ذياب بأسنانه على بعضها، والحروف تخرج حادة من حنجرته وهو يحاول ان يتحكم في اعصابه. وينتبه الى كلامه ثانيًا الذي امامه محامي! يعني انه لن يترك سنوات الخمس سنين دراسة عَبَثًا :
قطع الارزاق هذا الحق ؟
مر فهد من جانبه، بلا مبالاه لهذا الطفيلي الذي يحاول ان يضيع وقته :
وقتل المرضى هذا الطب ؟
ترا الفرق بينا وبينك! انت تلبس روب ابيض واحنا نلبس روب اسود
خرج بثقة لم يضاهيها ثقة حتى انه لم يكلف نفسه عناء قفل الباب خلفه
وقف المحامي وهو يلم الاوراق المتناثرة :
بعرضها على زملاء القسم
وبنشوف اللي بيدنا بإذن الله
ليلحق بالمحامي الآخر
وتخلو الغرفة من أصوات الحق لتبقى أيادي الأنسانية
وقف رئيس القسم بحدة غاضبة وعيناه تلحق المحامي دون ان تسقط عيناها في عيني الجوهرة :
لو اضطريت أوقع اوراق فصلهم بتكون بدال ٢٣ امر فصل ٢٤ فصل!
لانك بتكونين أولهم
بدال ماكنت بخسر وحدة بخسر بسببك ٢٣ وحدة
احد قالك المستشفى ناقص طاقم قانوني ؟ او الممرضة مالها صوت ؟
لما وقعتي على قرار توظيفك ماكانت من ضمن بنود وظيفتك تتكلمين بلسان غيرك
همست الجوهرة وهي تقف :
اعتذر
عندي شغل أستأذن
قاطعها ذياب بغضب ويده تستقر على خصره :
اشتغلي وانتي ساكتة
عشان مانجي بكرة مفصولين كلنا
ناظره نائب القسم بطرف عين :
وياليت تسكت انت بعد يادكتور ذياب محد ناقصك فزعة استغفرت بعد ان تبعت النافلة بركعتين الفجر. دايما تحرص ان لا تنسى النوافل. لانها تجبر نقص الصلاة لو اكتفت بالصلاة الفرض لحاله وهي ناقصة
عندما ينظر الله الى أعمالها، ينظر الى الصلاة اوًلا
ان صلحت صلحت بقية أعمالها. وان فسدت فسدت بقية أعمالها
وش الفائدة من الصوم والزكاة .. الخ وكلها تذهب بذهاب صلاتها ؟
يكفيها انها أخرت صلاة الفجر بسبب نومها متأخر
وكلها عتب على سياف الذي تركها دون ان يكلف نفسه العناء ان يؤقظها تصلي وترجع تنام!
أخذت كوب القهوة من تحت الآلة بعد ان فرغت من تعبئته.
وضعته في الصينية التي تحمل صحن فطيرتين لبنة بالنعناع
هذه اول مرة منذ زواجها تصنع الطعام لسيّاف بكل حب!
وضعت الصينية امام سياف الذي كان مستلقي على الكنبة، وذراعه تغطي عيناه
ابعدها بمجرد ماجلست بجانبه ليجلس بابتسامة هادئة :
له له وش هالرضا!
ضحكت وهي تسند رأسها على ظهر الكنبة بهمس ناعس :
وش عندك مانمت من امس ؟
لم يجيبها سياف وهو يقتضم قضمة من فطيرته
احترمت شادن صمته بنسبة ٥٠٪؜ و٥٠٪؜ الاخرى كانت بفضل نعاسها
ابتسمت وهي ترأه يقبل يدها برقة هامسًا :
الله لا يخليني من هاليدين!
دخل غرفة نومه حتى يبدل بجامته بثوبه وشماغه سريعًا قبل ان تشارف الساعة على الثامنة
خرج وهو يغلق أزرار ثوبه بدايةً من أسفله. لتقف شادن متجهه اليه :
ماشربت قهوتك ؟
وضع عقاله في ذراعه وشماغه على كتفه بإستعجال :
بشربه بالسيارة، مافيه وقت
أقتربت منه وهي تغلق بقية ازراره :
لازم تداوم ؟ بتتعب! مانمت
وامس جينا من المطار ومشيت على طول للدوام
كفاية!
رفع سياف راسه لها باستنكار :
تحسبينه مستشفى ابوي ؟ انتي تدرين كم غيابي اخر ستة شهور ؟
وآخرها سحبتي يوم سافرت! انا ادعي الله اروح بس ما القى ورقة فصلي على المكتب وعفشي عند الحارس
ضحكت وهي تغلق اخر زر من ياقته، لتضرب بخفه كفيها صدره برقة :
يحمدون ربهم! احد عنده سياف ويعوفه ؟
تنهدت بهمّ وهي تذكر مادفعها لتقترب منه
رفعت عيناها لتقع في عيناه :
سياف عشان خاطري انسى موضوع ثنيان! ترا انا من امس مانمت افكر فيك
والله غلطة ومايكررها بس لا تجرجره بالشرطة مو حلوة في حقك وحق اخوك بعد
كشر سياف! لتحتد ملامح وبنبرة قاسية :
ابعدي ياشادن! هذا الموضوع غير قابل للنقاش
هو اللي بدأ يتحمل مايجيه
ديني ودين اللي يقرب بيتي
ابتعدت شادن عنه بزعل وهي تتخصر بقل حيلة :
انا قلت لك عشان خاطري! لهدرجة خاطري ماله قيمة ؟ لو مجاملة على الاقل قص علي!
تجاهلها في طريقه وهو ياخذ كوبه متوجها الى الباب :
انتي عشان لك خاطر عندي ماراح اسكت
يالله اقفلي الباب وراي و ارجعي نامي لا تصحصح بنتك بعد شوي ماتلقى احد معها
ضربت شادن برجلها الارض بغضب :
اف منك ياسياف اف!
خليه لا تقفله عشان لو جاء ثنيان انا بوصيه ياخذ حقي منك
اغلق الباب الداخلي خلفه وهو يردف بلا مبالاه :
بتنقص رقبته قبل يفكر يوطوط عند بابي
رِن جوالها لتسحبه من الطاولة
وتجيب بغضب دون ان ترى اسم المتصل ظنًا منها انه سياف يعقب على ان تقفل الباب :
نعم ؟
ضحكت صمود وهي تبعد السماعة عن اذنه قليلًا من صوتها العالي :
يالله صباح خير
تنهدت وهي ترمي نفسها على الكنبة بخيبة :
هذه انتي
قصرت صمود صوت التلفاز وهي تعتدل بجلستها :
ليش الاخت ناطرة احد غيري ؟
اخذت شادن فطيرة سياف وهي تقضمها بقوة
تفرغ بها غضبها :
زين دقيتي القى احد اتسلى وياه بعد ماطير سيافوه النوم من عيني
ضحكت صمود وهي تضع يدها على خدها :
الله الله صار اسمه سيافوه ؟ شمهبب هالغبر ؟
شادن بجدية وهي تأكل بهدوء :
قفلي موضوعه لانه صج عكر مزاجي بعناده
لتبادلها صمود جديتها بتساؤل :
الا صج امس كنت بسألج الصبح بس كنتي تعبانة مافيج حيل تعطيني تفاصيل
يوسف حماج ليش ماقد قلتي لي عنه ؟
عقدت شادن حاجبيه من طاري يوسف الذي يثير ريبتها :
وش اقول لج عنه ؟
دخلت صمود يدها في شعرها بحيرة صاحبها فضول :
لاني يوم وصلت غنو لحمولتج وانتي مسافرة شفته صدفة وانصدمت يوم قالت لي لدن انه على قده لا تشرهين عليه
ماكان مبين
حسبتها تجذب عشان ما انحرج لاني تدودهت وصارخت لما شفته يخزني عمى بعينه
لتردفها بندم بعد ان تذكرت حالته :
استغفرلله
اعتدلت شادن بجلستها بدهشة :
وان شاء الله خليته ويا غنى ؟
صمود باستغراب :
يوم يت بالليل اخذها لقيتها وياه
ابتسمت بحُب :
بس صج يابختج فيه كان واضح يحبها ومداريها حتى غنو كانت تضحك معه اكثر مني بعد
صرخت شادن بغضب :
اياني وإياك تعيدينها ياصمود رجاءًا!
انا يوم خليت بنتي امانة عندك وسمحت تجيبينها هنا عشان تقعد ويا لدن ماهو وياه! انا ما ارتاح له ولا أواطنه بعيدة الله
وماتريحني نظراته
ماتقعد معاه الا ويا ابوها
وانتي تقولين قاعده معها لليل
فتحت صمود عيناها بدهشة من انفعالها الغير مبرر! مهما كان بالنهاية يظل عمها :
طيب ماكنت ادري هدي أعصابج حقج علي
تأففت شادن وهي تحاول ان تتمالك أعصابها :
لا حول ولا قوة الا بالله
اسفة صمودة بس انا ما احبه والله ما احبه صار لي موقفين معه كرهت نفسي فيه
عقدت صمود حاجبها :
شادن من وين تحاجيني ؟
ضحكت شادن بسخرية وهي تقف الى المطبخ :
بواسطة الحمام الزاجل
لتردف بجدية كارهه لغباء صمود :
يعني متصلة على تليفوني اكيد برد منه
رفعت صمود حاجبها باستغراب :
حتى انا احاجيج من تليفوني ماهو خط ارضي اجل ليش احس فيه احد ثالث ويانا
صرخت شادن بغضب :
لو انه انت ياسياف والله لا أزعل لو ماتترك ثنيان بحاله
ضحكت صمود :
الحمدلله والشكر! انتي وهالسياف هو شكو ؟
اقولج احس فيه احد يتنصت علينا تقولين سياف
شادن وهي تدخل الى غرفتها لتحاول النوم مجددًا بهمس حتى لا تستيقظ غنى :
بسم الله عليج يامكالمة الخارجية بين أعضاء الامم المتحدة
من هالفاضي اللي يسمع حلطمة شادن وصمود السليمان في صباح الله خير ؟
همست صمود بخوف وهي تتيقن من شكوكها :
اختفى! شادن يوم قلت لك اني حاسة اختفى صوت الهواء مدري انفاسه اللي اسمعها
||
من جهة آخرى ، تشاركهم المحادثة الصوتية
اغلق نافذة المحادثة من شاشة جهازه
ليضع كفه على انفاسه البغيضة الذي فضحت أمره
كل هذا غباء ان ينسى خيار الكتم
كله خوفًا ان يضعف خيار الكتم ابراج الشبكة وتضطر صمود ان تتصل من جهاز آخر
وهو كل عمله على هاتفها فقط
ضرب بكفه طاولته الزجاجية بغضب
ستكمل حديثها مع هذه الاخرى ولا يعلم ماذا ستقول
وسيغرق طوال اليوم في دوامة فضوله حول بقية محادثتهم
فتح نافذة محادثة جديدة
وهو يبحث عن اسم ( AF ) اختصار افنان في جهازه
سيرى ماجديد هذه المعتوهه
التي انقطعت أخبارها عنه بعد اخر محادثة بينهم او بالاصح بعد انشغاله بصمود
/

\

/
كان يقف امام بائع الخضرة في سوق عتيقة وهو يقرأ رسالة رنا في هاتفه
أرسلته له صباحًا ماذا ينقص الثلاجة
واستغل وقت راحته
ليتبضع ويذهب بها للبيت حتى لا يعودون بناته من دواماتهم ظهرًا ولا يجدون الغداء جاهز
آشار له البائع الذي يقف امامه بثوب يتلف على خاصرته
ليخرج من تحت سروال ثوبه
الذي التحم من عند ركبته بالأزفلت من كثرة جلوسه عليها على الارض لترتيب كراتين البضائع
وعلى جبينه لف شماغه الأحمر كعصابة :
امرني ياغالي الطماطم كيس ولا فلينية ؟ خذ كيسة وبتدعي لي لسى واصلنا طازة من الصين
انحنى معه حاتم وهو يدخل يده بالكيسة ليتأكد من سلامة الطماطم من الأسفل :
لونه ما هو احمر
ياخوفي يصير حامض
هز البائع راسه برفض صادق :
خله يومين برا بحرارة المطبخ ويتغير لونه بس ولله انه صيني لسى واصلنا
ضحك حاتم وهو يخرج من محفظته من جيبه :
والله مدري جديدة علي هذه المعلومة بس يالله شورك وهداية الله
آشر على سيارته وهو يفتح بواسطة مفتاحه الشنطة :
وصله للسيارة الله يعافيك
استقام بقامته وهو يتنقل بعيناه على البسطات المفروشة على امتداد المنطقة لم يتبقى له سوا التفاح - فاكهة شذى المفضلة -
عقد حاجبيه وهو يرى امرأة تتبضع وخلفها سائقها
استنكر وجودها بين اجتماع الرجال الحاشد
ليتجاهلها وهو يقف امام شاب واقف على اعلى سيارته من نوع الددسن ليعرض في غمارته بضاعته من التفاح وينادي بأعلى صوته :
تفاح ألماني واصل الصباح تفااااح
اخرج حاتم من جيبه محفظته وهو يأشر بعيناه من خلف نظارته الشمسية :
عطني كرتون تفاح احمر بكم ؟
عيناه الباحثة في محفظته عن صرف 50 ﷼
لمحت طرف عباءة بجانبه
غير مباليه له وهي تحادث الصبي :
السلام عليكم
انا اللي امس مريتك وقلت تعالي بكرة
بيوصلني الصبح تفاح ألماني مستورد
نقز الصبي بفرحة وهو يتذكرها
من اعلى سيارته الى غمارته
وهو يضع ثلاث كراتين حسب طلبها في كيسة بلاستيكية حمراء كبيرة :
وعليكم السلام جاهز سمي
مده الى سائقها
لتخرج من جيت عبائتها آجره :
الله يرزقك يا رب
عقد حاجبيه بقوة
وهو يغمض عيناها بقوة تفوق قوة حاجبيه!
يعرف هذا الصوت
يعرفه جيدًا
ولكن لا يذكر أين سمعه
لأول مرة يحتضنه الفضول مثل اليوم!
لأول مرة يصر على ذاكرته ان تسعفه
ولا يعطيها مجال ان تتذكر بنفسها متى شائت
سيعرف والآن!
خابت ذاكرته وخاب امله
ليرفع رأسه ويبعد نظارته عن عيناه
التي سقطت عليها أشعة الشمس ليضوقها
وهو يثبت نظراته اليها بلا حياء كعادته
لعل عيناها تنشط ذاكرته
لفت وهي تهم بالمغادرة
لتسقط عيناها في عينه!
امس اتت لتتبضع لبيتها مباشرة
بعد رسالة ايداع الراتب في حسابها ولكن نقصها التفاح
كان بإستطاعتها ان تاخذه من اي مكان اخر
ولكن شيء ما شدها ان تعود مجددًا
ظنت ان رحمة من الله بهذا الصبي
الذي ترك كرسي المدرسة ليقف ويحرج على بضاعته
لكن الآن عرفت لماذا!
عرفت والله انها عرفت
اتت حتى ترى حاتم
اتت حتى ينزف جرحها من جديد
جرحها الذي ظل عاريًا ١٨ سنة!
التحقت في سلك التعليم كمعلمة
تبحث في أوجه فتيات الابتدائي لعلها تجد شذى بينهم
ومن ثم تركت التلقين والتدريس والبحث
لتتحلق بالتوجيه وتصبح تدور من مدرسة الى مدرسة
لعلها تجدها بينهم!
و وجدتها
وهي اليوم تجد حاتم بنفسه!
وكأن وجود شذى لوحده لا يكفي
لفت على سائقها بسرعة
وهي تمشي بخطوات سريعة خائفة :
شغل السيارة وامش بسرعة!
عرفها والله انه عرفها!
كيف لا يعرفها وهي من ظلت صرختها تتردد بإذنه لشهرين!
كيف لا يعرفها
وهي من اخذت النوم من عيناه
لتبقيه في احضان الظلام ينظر الى السقف الى اذان الفجر
كيف لا يعرفها وهو يجدها في شذى!
من أين خرجتي يالجازي من أين ؟
لحق بها حاتم وهو يسمعها توجه سائقها
لا يريدها لا يعلم لماذا لحقها
لعله يريد ان ينفي شكوكه
وان الجازي تحت التراب
ماتت من حرّقة جوفها!
وليس حية ترزق وهي امامه
صرخ حتى يوقفها او يتأكد لا يعلم :
الجازي!
وقفت
شيئًا ما في صوته ثبط خطواتها
هي من هددت رنا بإنها ستصل الى حاتم وستأخذ شذى من أحضانهم وهم يرؤون
لماذا الآن تهرب من مواجهته ؟
لماذا تشعر بإن حاتم اضعف من جحيم عتابها
والوحيد المستحق للحرق من لهيب كلماتها هو سلطان! اكملت طريقها بعد ان وقفت سيارة السائق امامها لتركب
تاركة حاتم خلفها ينظر الى لوحة السيارة بصدمة!
اقترب الصبي من خلفه وبيده كرتون التفاح بلا مبالاه :
أوديه للسيارة ولا تاخذه ياعم ؟
ترك حاتم الصبي بكرتونه خلفه بعد ان رمى عليه ماخرج معه من محفظته وهو يركض الى سيارته
وكأن روح الجازي مازالت في هذا المكان
تخنقه بكفيه حتى اختفى صوته!
وكب سيارته وهو متوجه الى بيته
تاركًا الصبي خلفه ينظر اليه بإستغراب من المبلغ الذي يساوي كراتين التفاح كلها وليس كرتون واحد!
حتى ان الكرتون الواحد مازال في حضنه لم ياخذه معه!
/

\

/
دخل من باب بيت اهله مباشرة دون ان يمر على شادن
بعد اتصالين من ابيه يستعجله للغداء
ناظر ساعته على عجلة وهي تشير الى 4 عصرًا
تأخر عليهم جدًا بسبب زحمة الرياض التي لا تخلو من تأخير اي فرد يستقر فيه هذه الحدود الجغرافية!
والادهى والآمر لاول مرة من بعد زواجه ينتظره ابيه على الغداء ويأخره عشانه!
سقطت عليه على الصالة التي يوجد بها ضيوف غير مرحب بهم بقائمة سياف
على رأس القائمة ثنيان!
قبل رأس ابيه على عجل غاضب :
عليكم بالعافية يايبه غداي ينتظرني في بيتي
مسك سلطان يده قبل ان يبتعد جسده المنحي بشكل طفيف عليه من اجل السلام :
تعوذ من الشيطان الرجيم واقعد
انا وعبدالله و ولده وجلوي من الظهر ننتظرك اذا مالنا قدر حتى وقتنا بنظرك ماله قيمة ؟
جلس سياف كاره بعد قبل رأس اخيه الكبير وسلم على جلوي وصافح ثنيان بقبضة قوية تمنى ان تنكسر بين أصابعه كفه
دخل يوسف وهو يثني ركبته ليضع آخر صنف بالسفرة البسيطة ( صحن كبسة اللحم ) المفروشة على الأرض
ليقف سلطان وهو يشمر اكمامه ليجلس على قدمه اليمنى ويضم ركبته اليسرى على صدره اقتداءًا بالرسول :
يالله حياكم الله ، سموا بالله
جلس جلوي بعد ان غسل يديه :
الله يحيك يا خالي
ابتسم سلطان وهو يحاول ان يلطف الجو بأحاديث ودية في جحيم صمت ابناءه :
سفرة ماهي من قدرك يا ابو ذعار ولكن الجود من الموجود وهذه سفرة البيت كل يوم
قاطعه جلوي وهو ينظر الى الإيدام وبجانبه السلطة وكأسات اللبن. بإحراج من حضوره بدون ان يبلغهم بسبب عبدالله الذي اتصل عليه ليدعوه على الغداء ليتحدث معه بموضوع :
افا! هذا وانا عاد نفسي واحد من اهل هذا البيت اكل من أكلكم واشرب من شربكم
وقف سياف بهدوء :
اكرمكم الله
ناظره عبدالله بعتب :
دربك زي ماهو ، ماكليت شيء
ابتسم سياف لحنية اخوه الغالبة بكل المواقف :
مخربط بالدوام وانسدت نفسي انا بخليهم يلقمون لنا شاهي
خرج ليجد لدن خارجة من المطبخ وبيدها صحن صغير وتأكل بمزاج عالي ابتسمت وهي ترى سياف ليردف ابتسامتها بطلبه :
لدونة اذا ماعليك امر سوي لنا شاهي تلقيمة وانا بجيب غنى وبجي اخذه للصالة
اشرت على عيونها بحب :
من عيني هذه قبل هذه من قبل ماتطلب وانا مخليته على النار ادري فيك تحبه ثقيل
لف بضحكة وهو يسمع صوت وهاد التي تقف عند باب المدخل بدون ان يرى هيئتها فقط يدينها وهي تحمل غنى عند الباب وبصوت طفولي :
بابا سياف ناداني ؟
صرخت غنى وهي ترفع يدها لسيّاف حتى يأخذها بترجي :
باااااباااا
اخذها من يدين وهاد بإبتسامة هادئة وهو يقبلها بأعلى عنقها هامسًا :
عيونه و روحه ؟
رفع كفها الصغيرة التي تضيع في عمق كفه التي تستقر على خده ليقبل باطنها برقة
انحنى برأسه على رأسها المستلقي على كتفه بهدوء
دفئًا ما اقتحمه في لحظة غضبه!
شيئًا من لهفتها لحضنه سكب عليه ينابيع الصبر والبركة لتمتص برأسها الصغير كل غضبه
لا تسعفه أبجديته ليصف مايشعر به بدقة
دافئة جدًا هذه الصغيرة على صدره، على كتفه، على أطراف أصابعه
ولكن يسعفه ضميره ليخبره بلومٍ انه سيعض اصابع الندم على كل يوم مر ولم تكن هذه الغنى بجانبه، في حجره، بين جدران غرفته
اخفضها للأرض وهو يرى لدن قادمة بالصينية :
تعالي ياماما نروح لبابا سلطان
صفقت غنى بكفيها ببراءة متحمسة وهي تردد خلفه :
بابا عود
ضحك وهو يدخل وهي من خلفه
لتركض بحب وهي تعانق ظهر جلوي الجالس على الارض من خلف
وجد ابيه يمسح يديه ويوسف وثنيان يلمون السفرة
جلس سلطان بهدوء وهو يرى ملامح الانزعاج بسيّاف واحتراما لرغبته اردف :
ثنيان اترك اللي بيدك ليوسف وتعال شف موضوعك مع عمك
رفع سياف راسه بحدّة :
لا يشوف معي شيء!
ما ابغى منه الا شيء واحد
وش الشيء اللي يردني ما ارفع عليه قضية اقتحام وش المبرر اللي اجبره انه يضر زوجتي وبيتي ؟
جلس ثنيان امامه بهدوء، وهو يلبي رغبة ابيه ان لا ينفعل مهما كانت ردة فعل سياف :
من البداية اقولك ما فيه اي شيء يشفع وانا ادري
كل مافي الامر ان كان لي اوراق خاصة حطيتها في بيت سياف لاني ادري انه مهجور
انصدمت بعد يومين ان زوجته جت
واشوف ابوي سلطان وياها رايحين رادين يأثثون ويزينون دريت ٩٠٪؜ انه محد درى عن الاوراق لان الوضع كان هادئ
مالقيت اي حل اني أوصل للأوراق الا اني اطب بيتك وأخذها واطلع ويادار مادخلك شر
قبلها شفتك طالع ومعك بنتك وتوقعت كالعادة زوجتك مع لدن او عند اَهلها بما ان انوار البيت طافية
ولما دخلت انصدمت فيها! وماعرفت وش أتصرف
ما ابي اخسرك لو عرفت بوجودي ولا ابي اخسر الاوراق
ضربتها وانا ادري انها ماراح تتضرر لان هذه المنطقة نعرف من ايام لعبنا وطفاقتنا بالحواري بيغمى عليها ١٠ دقايق الى ربع ساعة بس
بعدين دريت ان زوجتك تعبانة وندمت قد شعر راسي بس مضطر! قاطعه سياف بغضب من سبب ثنيان - عذر اقبح من ذنب - :
وش هذه الاوراق اللي ماتقدر تجي تقول لي عمي عندي غرض في بيتك ابغاه بعد إذنك ؟
قاطعه ثنيان بحدّة :
قلت لك خاصة! خاصة الى درجة مفروض ماتطيح بيد احد لين اتاكد منها
ولا كان اقدر اخبيها في بيتنا ولا في عملي ولا في اي زفت
بس كنت احتاج مكان مافيه اي نفس بشري
عشان اطمئن
قاطعه عبدالله بسؤال يعرف إجابته ولكن حتى يمهد لسياف :
وانت وش دراك بتحركات مرت عمك ؟ سوا كانت عند اهلها ولا مع عماتك
ضحك سياف بسخرية :
اكيد مراقبها مايبغى لها!
هز عبدالله راسه بالنفي :
لا كان في طرف ثاني مأكد له ان البيت خالي لانه شاف حرمتك عند اهلها قبل يطلع من البيت
لم يكمل عبدالله جملته حتى سقطت سياف عينه على جلوي بدهشة :
انت ؟ انت مع الخسيس بالموضوع ؟
قاطعه عبدالله :
ايه ماكان ثنيان لحاله
كانت الاوراق تخص جلوي وثنيان
ولا شلون بيعرف ان حرمتك تعبانة ومحد يدري غير اهل البيت ؟
وحاتم دخله بالموضوع ان عرف القضية من بدري وتستر على ثنيان
انا ما أدافع عن ولدي ولا ابرئيه ولكن ما ارضى اشوف ولدي يتحمل الموضوع لحاله والبقية يتفرجون !
عقد سلطان حاجبيه من الموضوع الذي لا يستدعي كل اللي سواه ثنيان :
ثنيان وجلوي قولوا وش هالاوراق اللي ماتبغون احد يشوفها ، عمكم بير اسراركم
لا صارت مشكلة بيحلها لكم
ولا صارت سر بيستر عليكم
ولكن لا تخلونه مثل الأطرش بالزفة
وقف ثنيان وهو يقبل راس سياف بتودد :
امسحها بوجهي يا ابو غنى ، والمعذرة على مابدر منّي
وانا اللي أقنعت ابو ذعار بالموضوع ولا ماكان وده
باللي صار
وتراني جاني حق من زعله على ماصار بأخته قبل تكون زوجتك
ان كان الموضوع فيه شيء فهو عليّ ولا هو ماله دخل
بغى يعاوني وماقصر
وانا قلت لك ماعندي مشكلة اعلمكم بالأوراق ولكن اصبروا علي اتاكد من الموضوع
ماهي من شيمنا نتكلم بفم مليان بشيء نجهله
وقف جلوي ليصافح سياف ويسلم بأنفه كعادة من عاداتهم :
خشمك يا ابو غنى! ومالك الا اللي يرضيك
انا حتى مالي وجه اقولك باللي سويته ولا اقدر أحط عيني بعينك
العذر والسموحة
ليردف عبدالله بجدية :
والله ان مارضيت عليه ياسياف اني ما ارضى عليهم اثنينهم
ولا له مكان في بيتي لو ماله مكان في قلب عمه
وقف سياف وهو يحمل على ذراعه ابنته وبهدوء :
خلهم يا ابو ثنيان خلهم! عشان خاطرك وخاطر ابوي بسايرهم كأن ماصار شيء
الى ان يتأكدون من سالفة الاوراق بعدها لكل حادثٍ حديث


كانت تنظر الى سماعة التليفون مكرهه
وهي تذكر تهديد زوجها قبل ان يخرج الى بيت ابوها :
( لا أجي يانورة الا انتي مكلمة مرت حاتم! دام الولد يبي العرس لا توقفين بوجهه انا ماصدقت يقول لي تم ما أبغاه يهون )
اردفه بتهديد مُبطن مجرد ان تفكر ان تغير تفكير ثنيان او تماطل بالموضوع
سمت بالله ورفعت السماعة وهي تنقر على الارقام
همست افنان بإستغراب لأختها :
مين بتكلم امي ؟
همست لمى وتفكيرها مع ابيها الذي سيواجه جلوي :
بتخطب شذى
فتحت افنان عيونه بدهشة فرحة :
وافقت ؟
قرصت لمى افنان حتى تخفض صوتها وهي تسمع امها بدأت بالسلام والسؤال عن الحال :
امس امي استخارت وتقول ماحسيت بشيء وكأنها تقبلت الموضوع
تقول ليش اتطاق مع ابوك وأخوك وانا مدري البنت بتوافق ولا بيعيون يقولون صغيرة
ماتدري عمي حاتم بيرضى يعطي ثنيان ولا لا
يمكن تشوف ثنيان مايعجبها او ثنيان يشوفها ماتعجبه
حطت احتمالات لين تقبلت الموضوع
| عند الطرف الآخر من المكالمة |
عقدت رنا حاجبيها وهي ترى اتصال نورة في هذا الوقت الذي عادة ماتكون مشغولة في بيتها
لعل المهام قلت عندما كبروا ابناءها هي وعبدالله والآن تريد ان تصل الرحم
وتتطمن على احوالنا
هذا اول احتمال طرى في بال رنا من اتصالها لتبتسم لها بترحيب :
حياك الله يا ام ثنيان الحمدلله انا والبنات وحاتم كلنا بخير
بدئت نورة وهي تمهد لموضوعها :
وشذى خصيصًا وش أخبارها ؟
عقدت رنا حاجبيها بإستغراب من تحديد شذى! وكأن عندها خبر
يالله مابالهم كلهم تساقطوا على شذى فجاءة
بداية الجازي والآن نورة :
الحمدلله ماعليها ، بس صاير شيء ؟
ابتسمت نورة بمجاملة :
ابد كل خير بس شذى حسبة بنتي واخر عنقود حفيدات سلطان الكبار وهي غالية وبتصير أغلى لا صارت تحت عيني وبين بناتي ان شاء الله
قاطعها رنا من مقدمة نورة التي لم تفهم هدفها بجدية :
من ذوقك الله يعز قدرك! بس اعذريني يا ام ثنيان مافهمت وش قصدك تحت عينك ؟
نورة :
ثنيان بسم الله على قلبه متوظف وراعي دين وصلاة ويخاف الله ماله بخرابيط الشباب
والولد صار قادر يفتح بيت ويلقى له بعد الدوام ظنى يشيل اسمه ويناديه بابا
ومنّا بلاقين احسن من شذى لثنيان!
قاطعها رنا بحدّة :
شذى يا ام ثنيان شذى ؟ انتي متاكدة ؟
تخطبين شذى ام ظ،ظ¨ سنة لولدك ابو ظ¢ظ© سنة ؟
خلصوا بنات الناس ؟
قاطعتها نورة بحدة من نبرة رنا :
والله الولد بغى من بنات عمه وانا منا بقايلين لا
عقدت رنا حاجبيه بغضب وسيرة شذى تقشعر جسدها :
عنده الجوهرة وفهدة وأضعف الإيمان وصال
مالقى الا شذى ؟ وش معنى شذى ؟ وانتم تدرون بشذى!
تنهدت نورة بملل من قلق رنا، وكأنها ترفض النصيب لابنتها العرجاء! :
ايه ندري والولد بغاها عاد وماني بقايلة بلا لبكري
وهذا النصيب يا ام وصال
بغى بنتك من كل البنات بتردين النصيب بدون ماتشاورين البنت وأبوها ؟
مسحت رنا بكفوفها وجهها وهي تشعر بإنخفاض ضغطها والدنيا تدور فيها :
يصير خير يانورة يصير خير اشوف حاتم وارد لك بس ما اتوقع
دعت نورة بنفسها - يا رب تردونه محد ميت على بنتك ومنها ينقرص عبيد - :
اللي يريحكم مع السلامة
رمت رنا جوالها جانبها وهي تنظر الى الفراغ بصدمة صامتة
هل يعقل ان تذهب شذى من حضنها مجددًا دون ان تشبع أمومتها فيها ؟
هل ستذهب تاركة خلفها ألعابها وكتبها وفساتينها في دولابها ترثيها
قاطع دوامة افكارها المستحيلة
دخول حاتم بحالة اسوء من حالتها
يمشي بخطوات غير متزنة وكأنه يمشي على قلبه المضطرب وليس على ارض مسطحة!
يجر أقدامه جرّ وهو خالي من الحمولة!
ولكن انه يجر معه اذيال الصدمة بوجود من ظن ان الارض ابتلعته
والحرمان الذي يلوح بالأفق . بعيد نعم ولكن لا محال سيأتي وسيأتي بقوة عاصفة لا تبقي فيني ولا تذر!
عيناه تبحث بالفراغ ، تبحث عن بقية أشلاءه المتدمرة تبحث عن أطراف الصورة التي باتت مجهولة له تمامًا
وكأنه لم يكن بطل من ابطالها منذ ظ،ظ¨ عامًا
وجدها امامه ، تحدق به بقلق
تبحث بملامحه عن رجل يدعى حاتم! تبحث بين تقاسيمه عن حنية لا تشابه هذا الذبول
رجل لم تعرف منه الا ثيابه الذي خرج بها
كان قلبه ينزف ، وبلل ثيابه وانزلق بدماءه
ولكن لم يكن ظاهرا لها
ظل يعارك جرحه لوحده لساعات طويلة بالسيارة من شارع الى آخر
الى ان ارشده قلبه الى منزله
ليجد ظآلته امامه
رمى نفسه بحجرها وهو يدفن رأسه وعرض منكبيه على صدرها
كأنه يريد ان تخبيه عن سوء الاقدار!
انا كبير على ان اتخبئ يا رنا
ولكن عباتك واسعة / كافية كي تسترني
انا ثقيل على ان اسند ثقلي عليك
ولكن انتي كريمة لتبلعي حزني ولا تشعري بكتلتي
كأني على سطح القمر وليس على صدر امرأتي!
دثريني
زمليني
لملميني
اكرميني وان لم تعرفيني
جدي من المصطلحات مايناسبني ولا تتركيني
همست رنا وهي تسمي بالله عليه
وبكفها اليمنى تمسح جبينه المتعرق :
بسم الله عليك ياحبيب عيني!
وش فيك ياحاتم ؟ وش صار ؟ اهلك فيهم شيء ؟
/

\

/
رمت بقايا تذكرتها التي تبقت معها من الطائرة في اول سلة مهملات واجهتها
ادخلت جوازها الأخضر المزين بسيفين ونخلة يرمز الى قوة هذه الارض وشراسة صاحبته!
غزل التي وصلت طائرتها من دبي الى الرياض الساعة 4 والنصف
خرجت من باب المطار
وهي تبحث بعيناها عن السيارة التي طلبت ان تكون متواجدة من قبل ان تغادر أراضي الإمارات
فتحت الباب لتركب ومن خلفها السائق ياخذ من عامل المطار شنطتها ليركبها بالخلف بعجلة
ليركب في الامام السائق بثوبه الأبيض ويده على شماغه الأحمر حتى لا يتأثر بالهواء الذي هبّ فجاءة :
الى الرويضة طال عمرك ؟
فسخت غزل نظارتها بابتسامة وهي تعلم بحاجتها للرويضة قبل ان تواجه ابناءها :
ايه
خلعت نظارتها الشمسية وهي ترى السيارة المظللة
المختومة بطرفها ماركتها المفضلة " Cartier " بغرور بات بها سمة
لا يعلم من يراها كم خاضت رحلة بحث شاقة لتخرج بهذه التحفة التي تستر عيناها عن ضوء شمس الرياض
رحلة بحث شاقة
كادت بها ان تصلي استخارة
لا تريد ان ترتدي نظارة مصنعة مع بقية النظارات لعلمها بالشركتين العالمتين التي تحتكر سوق ماركات النظارات في العالم سوا ماركات عالمية او محلية.
وحسب ماتدفع الشركة تكون قيمة النظارة وجودتها
ارتادت كارتيه
لانها الماركة العالمية التي تعتمد على مصنع خاص بها
امر تافه بالنسبة للاغلبية ولكن موضوع مصيري بالنسبة لغزل!
/

\

/
اغلق آخر عمل ورقي في قائمة مهامه
أخذ كوب الشاهي الذي يقف بشموخ هادئ عكس ثورة الغضب بصدر ذياب!
ارتشف اخره
وهو ينظر بداخله بشرود ذهن
شيئًا ما أوقفه من كرسيه وهو يتذكر نصيحة شادن : " اذا في قلبك شيء تجاه شخص
قله وانا اختك ! لا تخليه بقلبك مهما كنت تحبه انت تراك بعد تحب نفسك
نفسك أغلى من انك تتعبها عشانهم "
ليترك الشاهي في أقصى مكتبه
ياخذ فترة استراحة من التهام شفتيه المتأنية
المستطعمه في ظل كل الظروف العوجاء
مستطعمة لهذا الإعجاز الآلهي
رغم انه فقط نتيجة غمسه في الماء الساخن
ليقف مبهورًا امامه احمراره
وكانه مستلخص من لون قلبه.
ليخبره لونه الأحمر. ان شربه كل ساعة والأخرى صلة رحم لجسده المتعطش
وقف في نصف أسرة التنويم
وهو يبحث بعيناه عنها
لن يجدها غير هنا تقوم بجولة الإشراف كالعادة
رأى وهي تخرج من غرفة العناية المركزة
وبيدها دوسية تحتضن اوراق حالة المريض الذي انهى عمليته عصر اليوم
تسجل ملاحظتها المنهمرة بحبر قلمها السائل الذي لم يجف من اول كلمة خطتها الى الآن
ليتوقف وقفة يتلقط بها انفاسه
بعد ان سمعت صوت ذياب :
انتي هنا
اخذت الجوهرة نفس عميق
تحاول به ان يصل الى رئتها بشكل كافي
لا طاقة لها بإن تسرف بالحزن اكثر مما حزنت الصبح
همست بهدوء وهي تغلق مافي يدها :
اقدر اساعدك بشيء ؟
ابتسم ذياب ابتسامة مصطنعة
تفجر المرارة اكثر من انها تؤلف الأنفس :
تقدرين تساعدين بأشياء كثيرة
انا قدمت لك نصيحة وانتي ماعملتي بها
وحقي عليك تبررين لي تجاهلك لنصيحتي
مشت الجوهرة متجاهلته خلفها بتهكم :
عاد من زين النصيحة
مشى ذياب خلفها غير مبالي بحركتها
شيئًا ما به يريد ان يطيل هذا الحديث
بدايته بس
استطاعت انها امتصت شعور الاختناق رلذي يشعر به من بداية الموضوع :
أسالك بالله ماتقولين الحين في نفسك " ياليتني سمعت كلام ذياب " ؟
عقدت الجوهرة حاجبيها
وهي تقف بدهشة!
لا تستطيع ان تفسر موقفه هل هي شماته ولا نصيحة اخوية حقيقة :
لا ماقلته
فيه شيء ثاني او اقدر اشوف شغلي ؟
تكتف ذياب بجدية
كارهه لردة فعلها وكأنها تتعمد ان يكون سير محادثتهم ( كلمة ورد غطاها )
هذا ثاني مرة او الثالثة يحتك في الجوهرة طوال فترة عملهم بهذا المستشفى
ولكن لا يعلم هذا اسلوبها او انها تتعمد الكر والفر :
تهربك هذا اسميه
خوف من مواجهة الحقيقة ؟
اتسعت / افترقت شفتيها عن بعض
بقدر أنّمُلة من هذا الرجل!
هل هو بكامل قواه العقلية ام يظهر خلاياه المتطرفة عن المنطق والعقل علي ؟
لماذا يشعر ان جميع تصرفاتي وكلامي هو محورها، بينما بالحقيقة
انا لا اذكر منه الا انه ابن عمة ابي
وغير هذا لا يهمني ولا يضيف الى مسيرة إنجازاتي شيء :
عفوًا بس ليش اهرب منك ؟
وش بيني وبينك عشان اخاف اواجهك ؟
انا كلامي مع اي شخص بهذا المستشفى
يكون بإطار العمل فقط ولا اقبل بغيره
من انت عشان اكسر مبادئي فيك ؟
انت بالذات مفروض تحشم نفسك عني اكثر من غيرك
لان اي تصرف مسيئ منك
حتى لو عفوي هو شين في حق ابوي وحقك وحقي!
وانا ما دخلت هنا عشان أزعل ابوي
انا دخلت عشان لا دخل مجلس
يقول بكل فخر انا بنتي الجراحة الجوهرة
بنتي اللي كسرت مبادئكم القذرة ونظرتكم تجاه الطبيبات !
ابتلع ريقه
من اندفاع كلمات الجوهرة الحادة
الذي أشعرته بإلاشمئزاز من نفسه
رغم انه لم يفعل شيء
ولكن كلام الجوهرة كان بمثابة خطوط حمراء / قرصة اذن
حتى ينتبه من ان يجره الحماس الى شيء آخر
بات يتفهم شيء من موقف الجوهرة
هي لا تتهرب
هي فقط لا تريد ان تعطيه مجال ليبرر موقفه فيما بعد " هي كانت راضية "
وضحت له من تكون
وهو من يكون
وأين يكونون
ولكن لست من يتراجع مبكرًا يالجوهرة
هيهات هيهات :
بعيدًا عن سبب اندفاعك الغير مبرر
مازلت اصر اني لم اخرج عن نطاق عملي
وليس بالضرورة ان يكون عملي مشرط ومريض
عملي يخص حتى زملاء المهنة
انتِ تسببتي بفعل غبي حذرتك منه يا آنسة
بقطع رزق زميلة مثلك
وانا هذا شيء مايرضيني
قاطعته الجوهرة بإنفعال :
انا بعد مايرضيني
انت بنظرك التصرف الصحيح تقعد على المدرج تتفرج
وانا بنظري التصرف الصحيح " الساكت عن الحق ، شيطانٌ اخرس "
الحق اللي كلكم خايفين منه
ان تتكلمون ويستخدم ضدكم في فخ القانون
والحق ان هذه الإنسانة بريئة
انا صح وقعت في الفخ ولكن مو زعلانة لاني كلمت المحامي
انا بكون زعلانة من نفسي اكثر
لو قعدت مثلك اناظر كاني عدم!
انا ممكن اكون زعلانة ما أخفيك
لاني انفهمت غلط لان اللي قدامي مهنته
تحتم علي يتجاهل حسن نيتي
ويتلاعب في كلامي ليستخدمه ضدي بسوء نيته
صد ذياب بسخرية
وهو يدلع لسانه من مبررها السخيف بنظره :
فوق الغباء والتصرفات الصبيانية المتهورة
انانية
مازلتي متمسكة انك صح وكلنا غلط
قاطعته الجوهرة
وضغطها المرتفع بات يعميها
من حركة ذياب التي باتت ان تأتي بأجلها
تكره من يحقر من طريقة اسلوبها وتحاورها
فقط لانه لم يعجبها :
حتى انت تفهم كلامي غلط.
انا مو متمسكة برأيي
انا قلت لكم رأيكم ولي رايي
انتم عملتوا فيه وانا عملت فيه
وبعدين انت وش فيك
كانك لاقي هذه الغلطة كنز
وقاعد تطلع لي من كل جحر ضب عشان تذكرني ؟
الفرق بيني وبينك
اني احترمت أسبابك المجهولة لما غلطت اردى من غلطتي
وانت ماقدرت اي سبب رغم اني علمتك
عقد ذياب حاجبيه وهو يرفع كفه بمعنى " توقفي " :
لحظة لحظة اي غلطة ؟
رفع الجوهرة حاجبيها مبتسمة بجدية :
انا غلطت غلطة
بإني علمت محامي بافعالهم الطيبة
والمحامي يقدر يرقعه محامي اشطر منه!
وانت غلطتك شق وش كبره
ماترقعه اي قطعة اكبر منه
انا فرقت بين انسانة ورزقها لاني دافعت عنها
بس انت فرقت بين اخو وأخته
لانك حرضته ضدها
بدون ماتدري وين الله حاطك فيه!
قاعد تحاسب ابو وأخو
مالهم ذنب بالموضوع
الا ان شخص حقير متسلط على بنتهم
قاعد تحاسب وحدة
عن غلطة واحد بأمك
رغم انها ماتذكر عن امك الا اسمها ليش تتعمد تضرها ؟
انت ماكسرت رجلها ورضتين في رأسها
انت كسرت ركيزة علاقتهم
وهالشيء مايتصلح!
عمره ما يتصلح
لان مافيه انثى على هذه الارض
ترضى بإن شخص يقلل من قدرها
شلون بأذى نفسي وجسدي ؟
هي كانت تتحدث
وعيناه عائمة بملامحها بصدمة!
تتحدث وكأنها تذكر احداث رواية لم يكتبها
رغم انه ذا دور رئيسي بها!
انا الذي أضع انثى بعيني هذه قبل الاخرى
اكون فعلت بأنثى كل هذا ؟
انتي تتحدثين
وانا ادعو الله بكل جوارحي انك تكذبين
انك تمتدين من نسل مسيلمة الكذاب
لتغلبيه
ولا اكون انا سبب كل هذا
همس وكأنه يريد ان يؤقظها على الحقيقة
لتخبره انها اخطئت وتعتذر وتذهب :
افنان ؟
مشت الجوهرة
تاركة ذياب خلفها بأسف :
كثر الله خيرك
باقي اسمها الوحيد اللي ماتضرر منك
لا يعلم كم مرت دقيقة
او عشر دقائق
او ربما عشرون دقيقة وهو واقف
لم تخبره تنمل قدميه عن دقة الساعة
اكتفت بان تخبره انه وقت طويل وطويل جدًا
ادار عنقه وهو يسمع نداء بإسمه خلفه
ليجد رئيس القسم
وهو مقبل بهدوء تجاهه :
مشغول ؟
امال عنقه يمين وشمال بهدوء
مغلق عيناه حتى يستعيد توازنه فتحها
وهو يبتسم بمجاملة مهنية :
آمر ؟
هز رأسه بهدوء بسيط
مبتسم لهذا الشاب المتفاني بعمله
يخجله من كمية إنتاجه بدفع عجلة هذا المستشفى
رغم انه يرى اثار هذا الانهيار الداخلي على ملامحه :
ما اخذ من وقتك اجل
مابقى شيء على انتهى دوامك
ولكن هي كلمتين بقولها
نصيحة اعتبرها من اب
عاش بين أسرة هذا القسم ثلاثة ارباع عمره
لا تخلي الموضوع اللي حضرته بدون دعوة
يأثر على علاقتك بزميلتك الطبيبة الجوهرة
اذا كان لها جزاء بنأخذه بالطرق القانونية
لا تحملها اكثر من طاقتها تجاه غلطها
بلع ذياب ريقه ببطء
يالله يادكتوري!
اتت نصيحتك متأخرة ومتأخرة جدًا
اتت نصيحتك لتحرق ماتبقى من قلبي
ولم يصله نار تأنيب ضميري
ابتسم ابتسامة صفراء ، صعبة
تطلبته منه اكثر من اللازم حتى ترتسم على شفتيه :
اكيد!
/

\

مسحت فم زوجها بطرف المنديل
بعد ملعقتين من شوربة الشوفان بالقرع
وهي تنتهد بهّم على حال زوجها المريض :
ادخل داخل وانا امك بتلقى انفال يا مع بنتها يا فوق
هي قالت لك أبغاك ؟
قبل اخيها ( جِهاد ) رأس ابيه
ومن ثم امه بوجه بشوش يشابه ملامح الطهر بوالدته
عكس انفال الذي سرقت ملامح ابيها من وجهه لتتشكل نسخة طبق الاصل عنه :
ايه دقت علي وانا بالدوام
تنهدت والدتها بهم
وهذه الهموم تتكبد على صدرها :
طالبتك يا يمه شف وش فيها
انا حاسة انها مو بخير مع رجلها
جتني الصبح بتاكسي وماهو من عادتها
ومن جت وهي بغرفتها
لا تخلي اختك لين تعلمك وش فيها
ترا انا معد فيني شدة بالاول ابوك
والحين اختك
ابتسم جهاد وهو يمسح على كتفه بحنية :
وش فيك تدورين الهم وينه فيه وتلحقينه ؟
ان شاء الله مافيها شيء
ضحك وهو يحاول ان يغير من جو سماءها المتعكر :
بس تكفين طالبك قبل اروح
داقين علي يقولون مزارع السعودية تعاني شح القرع
امك ماخلت قرعة بالسوق ماشرتها
الحين شوربة وكبسة وسلطة بالقرع
بكرة بلقى بابوي راس قرعة
رفعت والدته علبة المناديل
وهي تسددها حتى اصابت صدره بغضب متصنع تخفي به ضحكتها :
وش دراك انت ؟
ام وائل مرسلة بالواتس اب عن فوائد القرع
كان يحبه الرسول
وكان طعام النبي يونس وذكر بالقرآن ( وأنبتنا عليه شجرة من يقطين )
لعله وعسى يشفي ابوك يا ولدي ماتدري
ضحك جهاد وهو يدخل الى الصالة :
الله يستر من ام وائل بكرة
لا تقول خلونا نسكر المستشفيات ونحطها مزارع قرع
ابتسمت انفال المستلقية
امام التلفاز بهدوء على صوته
وأمامها حصة تتفرج على أفلام الكرتون
سلم عليها جهاد وهو يضحك بترجي مصطنع :
طالبك طلعي امي من قروب الجيران الوضع ماعاد ينسكت عليه
همست انفال مبتسمة :
ان شاء الله قاعدة عندها على طول
يمديني اداهم هذه القروبات اللي نسفت وزارة الصحة عن بكرة ابيها
رفع جهاد راسه
وهو يشعر ان هذا الموضوع التي اتت به من اجله :
مايكون الا خير بس ليش يا ام حصة ؟
رفعت انفال رأسها
وهي تعلم انها ماستقوله الان
سينهي كل حبل وثيق جمعهم
ولكن هذا القرار الذي لا به عودة
ولم تصنع من اجله مرسى تقف بها ان عصفت سفينتها
لم تضع اي شيء في شاطئ تركي
تعود من اجله
تريد ان تقطع كل سبل العودة حتى لو سولت لها نفسها :
لاني بنفصل عن ابو حصة ان شاء الله
عقد جِهاد حاجبيه مندهشًا :
كنت متوقع الموضوع كبير
كبير الى درجة ان وش هالشيء
اللي يستدعي تجين بيت ابوي
بدون ما اجي بنفسي آخذك
او هو بنفسه يوصلك زي ما آخذك منه معززة مكرمة ؟
طلع الموضوع أنفصال ؟
انفصال مرة وحدة يا انفال ؟
هزت انفال رأسها
وهي تحاول ان تسيطر على قناتها الدمعية
قناتها التي تستجيب لكل المؤثرات
حتى تخر بفيضانات تُغرِق بها انفال ولا تبالي :
الانفصال ابسط حقوقي في هذه الحالة وانا اختك
ضربت على معدتها بحرقة
وهي تشهق ببكاء
هذه المرة هي من ضربت بقناتها الدمعية عرض الحائط :
اختك مضيومة ياجِهاد!
اختك من الصبح كل مابلعت ريقها بلعت جمرة تحرقها
ولا تقدر تطفيها
اختك صباحها مرّ
مرّ عاث بمعدتها ولا بقى فيها شيء طيب
غمقت الرؤية في عيني جِهاد رويدًا رويدًا
مع كل شهقة باكية من انفال
حتى باتت سوداءكاحلة
اخته تبكي وتخبره عن جحيم ماعايشته هذا الصبح
يتمنى انه لم يكن حليمًا في يوم
تمنى انه يخطو الخطوة دون ان يفكر بها مئة مرة
تمنى وتمنى وتمنى
ولكن شخصيته تفرض قيودها عليه :
والله هالكلام ماله فائدة
الا انه يحدني مايطلع تركي بن ماجد
من تحت يديني حيّ
حتى وانا ما ادري وش السالفة !
اذا سوا لك شيء
قولي لي وش سوا
والله ما يأذن المغرب الا وانا جايب لك حقك
لم ينهي جهاد كلامه
الا وهو ينفض انفال من كتفيها
حتى تستجيب لطلبه
هو هادئ وحليم ولا يمرر من تحت لسانه كلمة
الا عندما يسمع المشكلة من طرفين
وليس رجلًا عاطفي ولا ايضًا رجلًا متشرب البداوة
حتى يلقي بالكلمات والوعود الشهامة هكذا
ولكن عندما لا تعرف معنى الإخوة
الا بأخت واحدة
بمثابة الام والأخت والزوجة والصديقة الاولى
بحياتك الفارغة حتى من الأصدقاء
بحكم شخصيتك البيتوتية
ستعرف جيدًا متى تكون انت
غير الذي كنت عليه طوال حياتك
بمجرد ان ترى دمعها.
رفعت طرف كم ثوبه
المستقر على كتفها وهي تُمسح بها طرف عيناها
ليقتحم انفها رائحة دهن العود
هاربة جزئيات رائحتها القوية
من كمه الى جيوبها الأنفية
لتنتشر بداخلها بقوة
لتشعر بإن جهاد امامه يستمع لها
وجهاد آخر بداخلها يحتضنها
لم يكن اخ واحد لها فقط
بل وطن كفيل بإن يربت على شهقاتها حتى تهدئ :
كانت البداية قبل سنتين.
قبل سنتين لما جنيت على نفسي وفتشت جواله
لقيتها!
لقيت الاسم اللي ما أنساها طول عمري
- ضحكت بسخرية - كان اسمها هيفاء
ما ادري كم ساعة بكيت هذيك الليلة
وانا احاول استوعب حجم الموضوع
بنهاية اليوم فكرت ان هذه وحدة
ويمكن الوحيدة يعني نزوة وبتعدي
مشيتها بمزاجي او مشيتها عشان ما اخسر تركي
والى الحين مو ندمانة على اللي سويته
والتفتيش الاول جرَّه تفتيش ثاني
شفت فيها روان ومنيرة وريم - لتكمل بقهقهة
تثير الريبة لمن يرى تعابير وجهها
وهي تتحدث عن الموضوع وكأنه مشهد من مسلسل
او حوار سقط من رواية لتلتقطه وتصبه على مسامعه -
وكم وحدة ياحرام نسيت أسمائهم
فكرت انهار وادخل الجوال
في عينه واترك بيتي
بس قلت لحظة ستوب
انا كذا ما راح أضر الا نفسي
انا هذا زوجي وبعقد شرعي ورسمي
قدام الناس واسمه ما ارتبط الا بأسمي
وصار الموضوع اكبر من اسمين
الموضوع وصل الى يجتمع دمي ودمه
بقطعة من قلبي سميتها على امه!
وهم مين ؟
هم ثنتين ينتظرون ربع ساعة من الليل
أغفل عنه
عشان يسمعهم كلام حب وهيام فارغ ؟
انا اهدم بيتي وهم مادروا عني
ويدورن لهم على فريسة جديدة يخربون بيته ؟
من الأحق فينا ؟
يمكن وحدة غيري تتنازل بسهولة
بس انا لا! الانتصار بعيني ما أخليه لهم
عشان يعرفون محد من حقه يقرب شيء أملكه
هذه انا
حتى لو كل الناس يشوفوني غلط
قاطعها جهاد بتساؤل يدور في راسه من البداية :
ليش ماواجهيته ؟
رفعت انفال عيناها بهدوء لتقع في عيني جهاد :
كنت اخاف - لتردف بقوة -
ايه اخاف لا درى اني دريت
معد يهابني
زعلت ولا مازعلت واحد!
بدال مايداريني وهو يحاول يصمت تأنيب ضميره
يصير يخوني قدام عيني ويقول - هذا انا ، رضيتي ولا طقي برأسك بالجدار -
همس جهاد وهو يحاول ان يكمل القصة بتخميناته :
والآن وش تغير ؟
معد صرتِ تقدرين تتحملين خياناته ؟
قاطعته انفال بحدّة :
خياناته ماكانت تعني لي
الفارق الكبير بتعاملي معه
لانها كانت كلها محادثات
مجرد مايطفي جواله ولا يفقد النت
معد يربطه فيهم شيء
مجرد ماينام جمبي ينساهم وينسى طوايفهم
لاني الوحيدة جمبه
بعقله
بخياله
بذكرياته
ماعرف تركيب انثى غيري!
مانام بحضن غير حضني!
كل مفاهيمه للحب انا ركيزتها
لكن - جرحتها محاولة ان تخرج الكلمة من حنجرتها
لا تعلم كيف خانتها غادة بكل برود
دون ان تشرق او تغرق بدماء اطرافها
من شناعة فعلتها -
وحدة خسيسة
بيوم من الايام كانت تسمي نفسها صديقتي
ضاقت عينها على كل الرجاجيل
عشان تاخذ زوجي!
هي رديئة وهو اردى منه اللي طاوعها
وانا شفت علامات تخليني ما استبعد انه يدينه طالت وحدة غيري
وقتها انا مالي مكان على ذمته
ماتلمسني يد لمست غيري بالحرام!
خيم الصمت دقائق طويلة على مجلسهم
دقائق يحاول بها جهاد
ان يستوعب الموقف الذي يعيشه
لأول مرة ولم يتوقع يومًا من الايام انه سيعيشه
اما انفال كانت تحاول ان تستعيد ملامحها
بعد ان تتفخت عيناها وانفها من البكاء
وتلتقط انفاسها التي خُطفت من كثرة حديثها
رفع جهاد راسه والحسرة تنهش قلبه نهش :
ليش ماقلتي لي ؟
ليش سكتِ وكتمتي بقلبك سنتين ؟
هزت انفال رأسها بهدوء مبتسمة مجاملة لم تجد بها جواب


وقف جهاد وهو يريد ان يركض بكل ماؤتي من قوة الى الباب
حتى يخلو مع نفسه
ويشتم تركي بعيدًا
عن ان يجرح طهارة مسامع اخته او جدران هذا البيت :
اللي ماملت انفال بنت راشد عينه
جعلها للعمى
خلِ له الرخيصات هذولي شرواه
ولا بنات الرجاجيل اللي يخافون الله
ويصونون في بيوت بعيد عن بيته!
بس طالبك وانا أخوك
عشان خاطري استخيري
ماهو عشانه بس عشان خاطر بنيتك
والله بيكتب لك اللي فيه الخير
ولو اصريتي على الانفصال محد بيقول لك لا
لاني بقص لسانه قبل يتجرئ
ابتسمت له انفال بأنف محمر
وعيني تملئاها دمعتين وباقات امتنان لعظمة هذا الأخ
الاخ الذي لم تستعمره عادات وتقاليد.
عادات : اصبري عليه عشان عيالك
اصبري عليه بكرة يعقل
دامه يصرف عليك خليه يخونك
كل الرجاجيل يخونون .. الخ المهم ان لا تتطلقين!
ارضي بالمذلة
بإمتهان الذات
بضياع العمر .. الخ
كله في سبيل ان لا يطلق عليك “ مُطلقة “
هي الى الان لم تفهم اي الشرف في كلمة “ متزوجة “
بالنهاية هو عقد وثيق وليس تحرير فلسطين
ولكن من يفهم ذلك أبناء مجتمعي :
الله لا يخليني منك
/

\

/

\
لف مفتاحه لجهة اليمين
ثم وضع كفه على مقبض الباب الى الأسفل
لينفتح الحاجز المانع عنه رؤية بيته
من حوش بيت اهله.
بيته ؟
كلمة شحيحة / فقيرة جدًا على وصف
دفء
روعة
حب هذا البيت!
كلما بذل جهده
حتى يحاول ان يجد ابلغ المصطلحات
لتسمية هذا البيت لا يجد غير انه ( جنته بالأرض )
وجدها بنصف الصالة
جالسة على الارض بعد ان ازاحت الطاولة جانبًا
رافعة مقدمة شعرها عن عيناها
جالسة بفستان ابيض ينتهي بتحت ركبتها
وبإكمام عارية وليلتف على الصدر بشكل اكس
تاركًا من نهاية صدرها الى بداية خصرها عاريًا
عيناها تنظر بعمق شديد بالأوراق
رفعتها عاقدة حاجبيها
لترتخي رويدًا رويدًا
حتى تبتسم بحُب هامسة :
لا والله توكم تجون ؟ تاركيني من الظهر لحالي
ابتسم وهو ينزل غنى الى مستوى قريب من الارض
حتى تركض بإنبهار الى اوراق امها
وهي تقفز فوقها
صرخت شادن وهي تسمع صوت الاوراق
ضربت غنى على كتفها بخفة وهي تبعدها :
كسلانة ياماما وش هالحركات ؟
ضحك سياف
وهو يجلس على الارض بجانبها وبطنازة :
عرفتي الخيرة بإنّا من الظهر صادين عنك
وضعت رأسها على فخذ سياف
بعد ان مدت أقلامها الحبر
لتترك غنى تلون على الاوراق التي نفذت منها شادن
أغمضت عيناها
وهي تاخذ كفه اليسرى وتضعها على كتفها
لتسند خدها عليها
اخذ يلعب بخصلات من شعرها
بطرف أصابعه. ابتسم وهو يراه يتعدى كتفها :
طال شعرك
جاوبته وهي على حالها ، مغمضة عيناها :
ودي ارجع اقصه
بس مشتاقة لشكلي بالطويل
فتحت عيونها بهدوء :
حاكيت جسار ؟ من رجعنا وأنا اتصل على ريناد ما ترد علي.
ما ادري هي بخير ولا لا
او ماترد يعني زعلانة علي
مرر ظهر سبابته على خدها الأسمر بحنية
لم تكن تتمتع بذلك البياض الناصع
كانت سمراء
سمراء جميلة كسرت قاعدة الجمال
الدارجة بمقاييس التافهين
لم تكن بيضاء ، كانت سمراء
لم تكن ذات عيني واسعة ، كانت لوزية
لم يكن خشمها سلة سيف ، كان يتناسق مع تقاسيم وجهها
ومازالت جميلة!
ولم يعرف انثى تفوق جمالها
لو لم تكن سمراء لكانت اهون على قلبه
بل سمراء عذبة لم ترأف بحاله
- ولولا سواد العود ما انباع غاليًا - :
مانسيتهم
كلمته مرتين اليوم - تعمد ان لا يذكر ماذا يفعلون -
مرة رد علي
والثانية رسالة وبتصل عليه بعد شوي ان شاء الله
اذا ريناد حوله خليتك تكلمينها
عاد زعلانة ولا راضية مايهمني
تكلمك يعني تكلمك
ابتسم وهو يضرب باسبابته أرنبة شادن :
محد يقول لحرمتي لا
ضحكت وهي تقبل سبابته
رفع حاجبه بإنتقاد :
ضاقت عليك الأماكن
- وهو يأشر على خديه ، ومن ثم شفتيه -
ماتبوسين الا اصبعي ؟
همست شادن بجدية وهي تنظر الى تعابيره :
وش صار طيب على ثنيان ؟
رفع سياف حاجبه بحدّة
واسم ثنيان الذي لم يعد ينفك عن لسانه شادن
بات يغضبه :
بعدين انتِ وهالثنيان ؟
كل ماشفتيني جبتي طاريه ؟
فتحت شادن عيناها
بدهشة من غضب سياف
لوهلة حست انها - زادت الجِيلة -
ليردف سياف وهو غاضب :
هونت عن فتح القضية من جديد
وصفينا الحسابات
عشانك والله لو علي والله مابرد خاطري
لف رأسه بغضب نحو اليمين
وهو يردد : استغفرلله ، استغفرلله
لعل الشيطان يجد منه مخرجًا يخرجه
وتهدئ اعصابه
لفت بعيناها الى ابنتها
التي نظرت الى سياف باستنكار
لتعود بلا مبالاه الى اوراقها
سقطت دمعة حارة من عيناها
سقطت على كف سياف الذي مازال يستقر على كتفها
قبل ان تصل اليه يديها
فتح عيناه بدهشة وهو يرى دمعتها
تبكي ؟
لعن نفسه بداخله على افراغ غضبه بها همس :
تصيحين عشاني صرخت عليك ؟
هزت رأسها ب لا!
اكمل وهو يعدد تخميناته :
عشان ريناد ؟
والله لو مافيني ذرة ثقة بكسار ماخليتها معه
قاطعته شادن بصوت مرتفع وهي تعتدل بجلستها :
انا مابكيت عشان احد
بكيت عشانك!
بكيت بسببي انا
انا اللي ماعرفت قدرك!
سياف انت فيك اللي يكفيك
جيت باريس عشان حاجة
وماتركتها عشاني بغيتك
رجعنا وانت تدري وش ينتظرك
ومع ذلك من تدخل مع ذا الباب تضحك
وتبتسم لي وابشري ولبيه
عشان ماتضيق خلقي
وثنيان!
بغيت تموت من غلّك
وبغيت تروح من يديني من هواشكم
وبلعتها عشان خاطري
موضوع ريناد وكسار مالك صلاح فيه
ومع ذلك تداريه مداراة عشاني
وانا ادري والله ادري
مستحيل ريناد تكون بجمب كسار
بس قلته لانك بتخلي كسار يجيبها من تحت الارض
عشان تحاكيني وارتاح
ابتسم سياف بهدوء محب :
ترا ريناد بنت عمتي قبل تصير اختك
الشينة في حقها كأنها في حقي
لا تتوقعين برضا عليها بشيء
ومصلحتها تهمني زي مصلحتك
لان كلكم بنات عماتي قبل كل شيء
وبعدين الحين هذا الشيء يصيح ؟
انا اعرفه يفرح مايصيح! صدق ملحوسة
ضحكت شادن وهي تنظر الى شفتيه!
كيف للحروف ان تخرج
دون ان تذوب من فرط العذوبة ؟
كيف لها ان تخرج بسهولة دون ان تتعلق بشدة بأسوارها
مثل ما تستقر هذه الإبتسامة في معاليق قلبي!
شاقة هي المهمة
ان اغض بصري عن فتنةٍ رجولتك
حسنا.
فات الاوان على مقاومتك يارجل. انا غرقت
رفعت رأسها ببطئ
وهي تقبل طرف شفته السفلية برّقة :
احبك والله احبك ياسياف والله!
لم يستعد لهذه اللحظة
لم تأتي هذه اللحظة كما كان يتوقع
ان تأتي بليلة قمراء يتسامرون تحتها
لم تأتي اثناء استقرار ذراعه على خصرها
الذي يتمايل على أنغام الموسيقى
اتت عصر اليوم ولم تأتي نهايته
اتت تحت صوت احتكاك تلوين اقلام غنى
وليس تحت الموسيقى!
ولكن اتت عذبة
حتى انها انتشلته من الأرض الى السماء
يشعر انه يطفو على سطح الغيوم
يشعر انه خفيف جدًا للطيران
يشعر انه يملك من الطاقة
التي تدفعه ان ينهض الآن ليحمل الرياض في كفه
لم يكن يتوقع ان لـ " أحبك "
سحر أقوى من القبلة.
نشاط أقوى من المنهبات.
سعادة تغلب الدوبامين.
وضع كفه على رأسها قبل ان تبعد.
ليقرب شفته من شفتيها ويقبلها.
/

\

/
فتح عيناه الذي كان يغلقها
حتى يستجمع أفكاره في هذا اليوم الصعيب
على صوت السيارات
صخب المقاهي
رائحة دخان المصانع.
كل شيء يقول انهم عادوا باريس
لف برأسه ليجدها ساندة رأسها على الباب
وتنظر في الفراغ
خف ازرقاق شفتيها
هدئت ملامحها الشاخصة
كل هذا مرت به اثناء ذهابه عنه ثواني من فرط خوفها.
هدئت السيارة رويدًا رويدًا
حتى توقفت تمامًا
ليفتح الباب سائق السيارة
في نفس المكان الذي أخذهم منه
وبصيغة آمر بالفرنسية :
هيا
كرر نفس الحركة مجددًا
تركها تنزل قبله وهو بعدها مباشرة
مشت بخطوات سريعة اشبه بالركض بلا اتجاه
المهم ان تبتعد بعيدًا عن هذا المكان
لحق بها
وهو يحاول ان يلتقط انفاسه
حتى يستطيع ان يصل لها
وضع كسار يده على ركبتيه
وهو يرى انها مازالت تبعد خطوات عنه :
فيك حيل ترجعين شقتك مشي ؟
وقفت ريناد فجاءة وهي تسمع سؤاله
نعم هي تركض ولكن الى أين ذاهبة ؟
انتبهت وهي تتأمل المكان من حولهم
حارات هادئة
محلات مغلقة
مكان مريب للمشي ليلًا لوحدها.
لفت عليه لتجده يمشي بإتجاه الشارع الرئيسي
مجاوبًا تساؤلها :
هناك بنلقى تاكسي
مشى كسار وهي من خلفه ، تعمد ان يتركها على راحتها ولا يوترها بالمشي جانبها. وقف وهي يشعر بإن مساحة كبيرة باتت تفصل بينهم
وجدها من خلفه واقفة ويدها على خصرها وتلهث بتعب ، بشفتيِ منفرجتين بيضاء ووجه اصفر!
يالله كيف لم يلاحظ هذا الذبول بالشاحنة ؟
تبًا للعتمة بداخل الشاحنة، لم يلاحظ هذه الجثة المتحركة
اقترب منها بقلق ان تموت بين يديه، واعوذ بالله من منطقه :
اذا انتِ ماتقدرين تمشين ليش ماتقولين لي ؟
تكلمت بصوت هامس لا طاقة لها بان تتحدث بصوت مرتفع :
انت بعيد ما فيني اصارخ لك
بليز كسار خلنا نقعد هنا ننتظر تاكسي بموت من العطش
لف رأسه وهو يبحث بالانحاء عن مطعم / مقهى / بقالة
كل شيء من حولهم مغلق!
مشى وهو يرى شخص جالس على ركبتيه يعزف على القيتار وأمامه حافظ القيتار لكل من يمر يضع له مال مقابل عزفه!
اقترب منه وهو يخرج من جيبه محفظته ، وبالفرنسية :
هل يوجد لديك ماء مقابل 3 يورو ؟
اخرج العازف من شنطة دراجته علبة ماء بإبتسامة ، بالعربية :
أزا معك ون يورو بيكفيني
ابتسم كسار بدهشة :
عربي! مابان عليك المعذرة ، ماعليه الباقي لك المهم انا بحاجة الموية
ابتسم بإنكسار وهو يضع قيتاره على الارض ، وياخذ العود من تحت الدراجة :
اي والله عربي لاجئ الله يكون بالعون. ولكن من شان المي تكرم عينك بس انا مابدي مصاري
قاطعه كسار عائدًا خطوتين للخلف برفض قاطع :
يا تاخذ حقها يا ما اقدر اخذها
ابتسم اللاجئ وهو يجلس على الكرسي :
خلاص بأخذ المصاري ولكن الباقي مقابل غنية لك وللست
ابتسم كسار وهو ينظر الى ريناد :
اذا كذا ماعندي مشكلة
آشر لريناد تقترب منهم. اقتربت بهدوء مبتسمة ذابله وهي تاخذ الموية من يد كسار :
شكرًا
ابتسم وهو يعزف على الوتر بعشوائية :
شو بدكم تسمعوا ؟
رفعت ريناد عيناها الى كسار وهي تمرر لسانها على شفتيها بعد ما ارتوت :
ما ادري خله هو يختار انا ما اعرف اغاني عربية كثير
ناظرها كسار بطرف عين ناقدًا على تلك المسامع المحرومة من عزف العود :
ياي! ليش ماتسمعين عربي ماشاء الله ؟ لا يكون مقطوع سرك في الأوبرا ولا مولدك مايكل جاكسون ؟
ناظرته ريناد بطرف عين وهو تحاول ان تستنجد بذاكرتها شيئًا مما تغنيه شادن على مسامعها :
تقدر تغني المزهرية ؟
فتح كسار عينيه باندهاش ضاحكًا من أغنيته المفضلة :
والله ماتمزحين! يا ماتسمعين خير شر ، يا تضربين بكل الاغنية في احلى اغنية
ابتسمت ريناد ، مو على كلامه بل على نفسها
لو يسألها وش كلمات الاغنية ؟ او مغنيها ؟ ماتدري! ولكن تعلم انها اغنية محببة لقلب شادن بكل مرة تركب معها السيارة تطلب منها ان تبحث عنها لتفتحها
قاطع صوت افكارها
صوته وهو يفتتح مقطع من نصف الاغنية :
صدفة وحده جمعتنّا
شوفي وشلون الصدف!
التقينا في مدينه وفرقتنا الف ميناء
اغفري للريح والموج والسفينة
كانت الرحلة حزينة للاسف
لفت بهدوء بعد ان استيقضت من غيبوبة الكلمات
او جرفها الموج على شاطئ بعد ان غرقت في عمق الحروف بعد ان توقف العازف لحظة يسترد فيها انفاسه !
على صوت كسار وهو يردد خلفه ناسيًا وجود العالم من حوله :
وش اقول غير اني آسف وش اقول ؟ انا خانتني العواصف والفصول
آه .. ياتعب المسافر!
لف على ريناد وهو يشعر بانظاره مسلطة عليه ، ليغني هامسًا بعفوية بصوت لا يصل الا لمسامع ريناد الصامتة :
أنا لي كلمة أخيرة
إغفري لي إبتسامي قبل جرحي
حاولي تنسي كلامي قبل صمتي
ولو زعلتي
بتر اخر جملة من الاغنية وهو يستقيظ على نفسه ماذا يقول!
لتهمس ريناد وعيناها في عينه وهي تتذكر هذا المقطع التي تصرخ به شادن من احساس عبادي المتدفق على مسامعها :
يا أعز الناس انتي
مشوا سويًا بعد ما ابتسموا له شُكرًا. شربت ريناد موية تبل بها ريقها من التوتر
لا تعلم ماذا حدث ولكن شيئًا ما بها خل بحسبة موازينها
وقف كسار على رصيف الشارع بتأفف وهو ينظر الى الشارع الخالي :
شكله ماهو مكتوب لنا الليلة تاكسي!
جلست ريناد تحت كرسي الهاتف وهي تنظر معه الى الشارع بصمت
ناظر كسار ساعته العادة كل 15 دقيقة تمر سيارة أجرة ، سينتظر قليلًا ويجرب حظه
او سيكمل بقية طريقه سيرًا على الأقدام
لف عليها ليجدها جالسة تحت الهاتف تنظر الى الشارع بملل ناعسة!
ليحدث نفسه :
يالله لا تنام عليّ هذه هنا
والله لا امشي واخليها ماني قاعد ازاجل فيها قومي الله يخليك
اقترب منها حتى يطرد النعاس من عينها بأحاديثه ، اخذ سماعة الهاتف وهو يمدها لها
عقدت حاجبها باستغراب
ابتسم بسخرية وهو يتكئ على الزجاج المحيط بالهاتف :
انتي الآن في المستقبل! كلمي نفسك اللي مازالت بالماضي وبتعيش نفس حياتك
وقولي لها اللي ودك احد قاله لك من قبل
ضحكت ريناد بسخرية على فكرته الغبية!
وكانه يتنصت على صوت افكارها بينها وبين نفسها. بس بطريقة لبقة :
الظاهر اليوم آثر على عقلك
وش هالهبال ؟
ضحك كسار على ملامحها وهو يمد السماعة لها اكثر بإصرار :
جربي وسايريني وش بتخسرين ؟
تأففت ريناد وهي توقف ، لا تكذب هي أعجبتها الفكرة قليلًا!
شي يطرد الأفكار من رأسها ، ويخفف وطأة الملل على روحها
اخذت السماعة وسبابتها تلعب في سلك السماعة
عيناها على كسار المتكئ على الزجاج متكتفًا وينظر اليها بجدية
لف برأسها الى الشارع وهي تأخذ نَفْسًا عميق وتزفره لتتحدث بجدية :
ذاكري الكيمياء في اخر سنتك الجامعية! ذاكري ولا تفكرين بان رسوبك بالمادة خطة للتهرب من العودة لوطنك!
ذاكري عشان ماتقعدين تدفعين ثمن عدم مذاكرتك بملاحقة عصابة لك كنتِ تتجنبيهم 5 سنوات!
رفعت رأسها وهي تنظر الى كسار :
بالمناسبة انشغلي بالمراجعة الاخيرة عن مجادلة شخص مابينكم اي معرفة سابقة رغم انكم أقارب!
انشغلي أرجوك
رفعت رأسها الى السماء وهي تبتلع ريقها قبل ان تخطف الدموع صوتها المتزن :
احسني اختيار أصدقائك!
لا تتسترين على احد ولا تمدين يدك لاحد
بيقولون عنك انانية ماعليه راح يكون اهون كثير من انهم بكرة هم من راح يكسرون يدك
او تدرين ؟
ضحكت بسخرية وهي تهم باغلاق السماعة :
انسخلي من فكرة الابتعاث ، انسخلي من حبّك لباريس! بإمكانك اختيار كل دول العالم الا فرنسا!
لاني ضربية حبّك لها غالية وغالية جدًا
كل ثروة ذعار الكسار ماتقدر تسدّها
اغلقت السماعة بقوة وكأنها تتخلص من ثورة مشاعرها النازفة بضربها بالسماعة
مسحت دموعها بكفوفها بقوة حادة وهي تأشر بعينها على السماعة لكسار :
دورك!
رفع كسار السماعة بهدوء ، وهو يلعن نفسه الف مرة بداخله!
لاول مرة احد يخبره بصريح العبارة انه لم يتمنى دخوله بحياته
يريد ان يعيد خمس سنوات من حياته بعيدًا من اجل ان لا يلتقي به
لم يتخيل ان الشعور مؤلم الى هذا الحد :
السلام عليكم كسار
انا كسار اللي هو انت من المستقبل أكلمك من سنة 2019
ما راح اخبرك باي يوم ولا باي شهر . حتى تتلاحق نفسك من بدري ولا تسوف وقتك الى ان تلقى نفسك فجاءة هنا!
بتكون وقتها في شارع ماركس دورموي وقدامك عازف عربي لاجئ! بتكون معك فتاة واحتمال تتلاحق نفسها وماتعرفك وماتكون معك!
ولكن اذا شاءت الاقدار وكانت معك
أرجوك لا تخليها تختار اغنية واختار انت
ضربته ريناد بقبضتها في كتفه غاضبة :
وجع ان شاء الله
قهقه كسار وهو يحاول ان يتفادي قبضتها
اخذ نفس عميق حتى يكف عن الضحك على ملامحها المصدومة الغاضبة
كانت تنتظر منه ان يهل بقصة حياته مثلها ولكن صدمها
ضم كسار شفتيه حتى لا يضحك وتنهار ريناد باكية بنصف الرصيف ، رافعًا يده مأشرًا لسيارة الأجرة القادمة بصوت شبه مرتفع حتى يسمعه من نوافذ سيارته المفتوحة :
تاكسي
/

\

/
وقفت امام بيت خرجت منه وهي أم خمسة عشرًا عامًا الى منزل جديدٍ في الدمام!
لتخرج من ذلك المنزل وهي أم الثامنة عشر عامًا الى بيت زوجها عروسة!
لتهجره وهي أم خمسة وثلاثون عامًا وامًا لطفلين الى عالم حبيب هاربةً!
وتعود الى بيت الطفولة الآن وهي ام سبع وأربعون عامًا لا منزل لها في هذا الكون الفسيح الا هذا المنزل!
منزل والدها في قريتهم ، قريتهم الرويضة!
لم تعد حياة المباني الطويلة ، والمراكز الصاخبة ، وأنغام الموسيقى مع امواج البحر مناسبة لوالديها الكهلين
ليعود الى الرويضة ، الى كل جارٍ يعرف جيرانه
الى سوق واحدٍ متعارف يجمع أهالي المنطقة ليلة العيد
الى باص يحمل طالبات هذه الارض لينقلهم الى جامعة المدن القريبة منهم
ضربت الجرس وهي تحمد الله انها لم تحذف موقع هذا البيت مع كل ذكرياتها القديمة من هاتفها
لعله سقط سهوًا من ان تلقي به بسلة المهملات
سمعت صوت حذاء يرتطم بالأرض نتيجة الركض وصوتٍ يحاول ان يتملص من اللهجة السعودية :
مين في عند باب ؟
عرفت انها خادمة والديها ، حتى لو أخبرتها اسمها لن تعرفها!
اخذت نفس عميق :
افتحي الباب ، انا غزل
عقدت الخادمة حاجبيها باستغراب :
ايش غزل هذا ؟ انتي مين ؟ ايبغى فلوس ولا اكل ؟
ضربت غزل الباب بكفها بقوة من اسئلة الخادمة التي ستأتي بأجلها الآن :
اقولك افتحي اخلصي علي!
أتاها صوت والدتها بعيدًا مستنكرًا وقوفها طويلا عند الباب :
ميلا مين عند الباب ؟
لفت عليها الخادمة باستنكار :
ما ادري ماما هذا يقول انا غزل بس انا ما يعرف مين
سقط كوب الماء من يدها ليرتطم بالأرض
مسحت ام سلطان بطرف طرحتها التي تغطي شعرها ، إذنها لتتأكد من مما تفوه به لسان هذه الاعجمية :
وش تقولين انتي!
اعادت الخادمة الاسم بملل من ضرب غزل على الباب :
ماما هذه يقول انا غزل غزل ، انا افتح ولا روح ؟
ضربت بعصاها الارض لترميها وهي تتقدم بخطوات واسعة حتى تصل الى الباب في سرعة الضوء
نست احتكاك ركبتيها ، نست عمليتها
نست آلم فقرات ظهرها
نست انها امرأة مسنة / كهلة / بلغت من العمر عتيًا
تمشي بصحة فتاة في مقتبل العشرين
المسافة بين الباب والمدخل قصيرة ربما خطوتين تفصلهم ، ولكن اليوم طويلة وطويلة جدًا
كانه يفصلهم سور الصين العظيم
يالله متى تنقضي هذه الخطوات لأرمي تلك الصغيرة الهاربة من حضني ، المتمردة عن تربيتي ، الرافضة لحياتنا الى أحضاني
يالله متى تنقضي هذه الخطوات لتصبح اقرب من نظر عيني الى عيني
لتدفع الخادمة عن الباب بقوة وهي تلهث بشوق! يالله بات ارتواء الضمى قريب
يالله باتت قرة العين قريبة :
افتحي غربل الله عدوتس افتحي لها
فتحت الباب بقوة ، ناسية وجهها المكشوف على رجال الحي
وجسدها الساترة الجلابية بات مكشوف لهم
وهي تسحب تلك الواقفة بشموخ امام الباب الى احضنها وهي تضرب ظهرها بكفها ببكاء :
وين رحتي ؟ وين طسيتي ؟ وين اقفيتي عن عيني ؟ وين تركتينا كل يوم قدام الباب ننتظرتس
ياويلك من الله ياغزيل ياويلك من الله!
وراك تركتينا كلنا بذنب خويلد السليمان ؟
شلون طاوعك قلبك علميني!
دفنت غزل انفها في عنقها التي تستره الطرحة ، ريحة دهن العود من خلف اذنيها والحناء من شعرها داعبت انفها بحنين!
يالله اشعر اني اخف من طائر وأرق من غيمة
يالله كيف لحضنها هذا التأثير على حزني ؟
كيف لضرباتها على ظهري كأنها قبلات على خدي!
كيف لك ان تجمعين الضد من الامور يا امي
سقطت على ركبتيها وهي تقبل قدم امها :
سامحيني يمه سامحيني
ادعي علي او اذبحيني راضية بس تكفين بعدها سامحيني
سقطت ام سلطان على ركبتيها وهي تشد معها غزل للأرض. التي استندت بثقل جسدها على بطة ساقها حتى تحاذي امها الواقعة على الارض بهمس متعب من مشاعرها المستنزفة :
وين رحتي ؟ وين دارت هذه الدنيا به ؟
ليش ابوك كان يدري عنك ولا يرضى يقول لي
انتِ رباة يدي ياغزيل ماتسودين الوجه
بس ليش مالمك ابوك مرة ثانية لجناحه ؟
كحبة جوز هند. حان موعد نضوجها
بات وقت التخلي عن احتضان جذع الشجرة لتسقط على قلب غزل بدًلا من الأرض
سقطت على قبلها مثل سقوط جملة امها على مسامعها " انتِ ماتسودين الوجه "
ماعرفتيني يايمه! حاشا والله ماني رباة يدك
يدينك اطهر مني. انا اغبى من اني يضمني دم الجامح!
ماخذيت من فطتنا شيء
وش فايدة جموحي وانا بعت الدنيا عشان رجال ؟
وهو حتى ماشراني ؟
هذه موعد نضوج الاجوبة لتساؤل عائلتها!
بات وقت التخلي عن عباءة الاختفاء لتشرح لهم الأسباب وتترك لهم حرية القبول ام نفيها من سوار عائلتهم مجددًا
وقفت غزل وهي تحاول ان ترفع امها معها :
وقفتنا قدام الباب شينة ، خلينا ندخل يايمه
قبضت كف غزل بكفها الهزيلة بإصرار :
اقول لك الحين تعلميني
ابتسمت غزل بهدوء وهي تتوجه معها الى الباب الداخلي :
الحين صبرتي 12 سنة مافيك قوة تصبرين 10 دقايق ؟
ادخلي وابشري بس والله صرنا فرجة للشارع
ابتسمت ام سلطان بسخرية لم تتعمدها. خرجت من حرّقة جوفها وهي تكمل طريقها وتمسح بطرف شيلتها دموعها :
احنا علك بحلقهم لنا 12 سنة
مايضر لا صرنا هالحين فرجة
بلعت ريقها وهي تشعر انها تبتلع " شفرة موس " شيئًا ما يمزق حنجرتها. تشرق بدمها ولا تستطيع ان تلفظه!
هذه بداية المرّ . هذه امها وهي ارق القلوب عليها باتت شامتة بها / وساخرة
ماذا ستفعل شادن يالله ؟ ماذا سيفعل ذياب ؟ وخالد!
يالله هالاسم يكسؤوه الغبار!
لن تستبق الأحداث. يكفي ان ترضى امها ويتقبلونها ابناءها والبقية امرهم هين. او بالاصح لا تكترث لامهم /

\

/
في خيمة استراحة أصدقائه، كانوا متقسمين احزاب
حزب منعزل وكل واحد فيهم مختلي بنفسه بهاتفه. وحزب في الجولة الثانية من لعبة الورق. وحزب امامهم الشاهي على الجمر حول التلفزيون يقيمون مباراة سياف وجلوي
صرخ سياف وهو يقف بعد ماسدد هدف في مرمى جلوي في الدقيقة الاخيرة. رمى يد البلاستيشن في حضنه ضاحكًا :
كالعادة تكسير رؤوس
رمى جلوي باليد في الارض بغضب من سياف الذي ربح ثاني جولة :
والله من الخطة المسروقة ولا من متى تغلبني في فيفا ؟
قهقهة سياف بصوت مرتفع حتى يغيضه وهو يأخذ جواله المشبوك بالشاحن :
من قالك لازم لعبك يصير نزيه ؟ اللعبة مافيها الا فوز وخسارة
ارضى انك مستواك هابط
خرج بخطوات سريعة قبل ان يسمع كلام جلوي وهو يجيب على هاتفه بإستغراب عندما رأى اسم ذياب ينير شاشة هاتفه :
ياهلا والله بأبو خالد
نزل ذياب من سيارته الواقفة امام استراحتهم. وهو يغلق الباب خلفه بحدّة :
اطلع لي انا برا الاستراحة
لبس سياف حذاءه بإستنكار :
ادخل جوا سلم على الشباب ونتكلم برا
تنهد ذياب بضيقة. وهو يتذكر سبب انعزاله عن الاستراحة حتى يتجنب لقاء سياف ، مافيه لعتاب الشباب له وسؤالهم عن انقطاعه المفاجئ لهم :
لا اطلع لي وبس بعدين امرهم اسلم عليهم
فتح سياف باب الشارع وهو يقفل هاتفه
شاف ذياب متسند على كبوت السيارة ويدخل جواله في جيب ثوبه
صافحه سياف سأله عن احواله، ومازالت كف ذياب بكفه
شيئًا ما منعه ان يزحزحها شبرًا عنه. ربما شيئًا يدعى الحنين
سحب ذياب كفه بهدوء وهو يتكتف
رفع عينيه وهو عاقدًا حاجبه :
فيه شيء تعاني منه ودك تقوله لي ؟
رفع سياف حاجبه وهو يتعمد رمي الكلام :
شيء أعاني منه غيرك ؟
ضغط ذياب بأسنانه على بعضها وهو يوضح لسياف قصده :
اقصد صحيًا. ولا اجتماعيا - ضحك بسخرية - انت تهدّ ياسياف ماتنهد. مايحتاج أسالك
ابتسم سياف بهدوء وهو يرى شادن الان من تشبه. كذاب من يقول انها لا تشابه ذياب بشيء! :
والله يا انكم ياعيال خالد ترضعون سوء الظن من يومكم بالمهاد
ابتسم ذياب ابتسامة تكاد ان ترى. وهو يفهم قصد سياف بانه ظلمه مثل ماظلمته شادن :
ماجاوبت سؤالي ؟
آشر سياف على نفسه بلا مبالاه :
لو فيني شيء ماشفتني واقف قدامك
طلع ذياب علب الدواء من جيبه بغضب. واستغفال سياف له يجعله يتبرئ من اخر ذرة عقل :
هذا وشو اجل ؟
ناظر سياف علب الأدوية خاصته بيد ذياب همس وهو يتظاهر بالهدوء :
هذه من أيام الحادث عندي مارميتها
ضحك ذياب بسخرية وهو يرميها بصدر سياف بقوة :
الى متى بتقعد تكذب على راسي ؟ تاريخ الصرف على العلبة جديد! والحادث من سنتين
غمض سياف عيونه بقوة بآلم وهو يشعر بالدواء يضرب بمكان الحرق
اقترب ذياب منه بغضب :
انت مدمغ ولا بايع نفسك تأخذ مضادات للاكتئاب ؟
المستشفى صارفها لك اسبوعين وحتى يوم ورا يوم! وانت لك سنتين تاخذ فيها
جلس سياف على بلكة مرميه امام مدخل الاستراحة بهدوء ظاهري
وهو يخرج - بكت دخانه - من جيبه
ليضع السيجارة بين شفتيه بلا مبالاه لغضب ذياب
رفع عيونه بدهشة
من قدم ذياب الذي ضربها بقوة في كف سياف وطار - بكته - بعيدًا
وقف سياف بحدة وهو يقترب من ذياب :
وانت وش دخلك ؟
هدئت ملامح الغضب رويدًا رويدًا في محيا ذياب. يقف الان امامه رجل غير الذي زوجه اخته وهو واثق به تمام الثقة!
كان صديق روحه. كان قطعه من قلبه. كان اخوه وصديق مقاعد الدراسة. كان ابن خاله وزوج اخته!
كان حاضر بكل لحظات حياته لم يكن مفترق علاقتهم دراسته بالخارج!
كان بعيد وكان سياف اقرب له من نظر العين.
والآن امامه رجل يذبح نفسه بكل الوسائل الممكنة
يعرفه في المناسبات العائلية. يربطهم رابط واحد ودي الى الآن وهي شادن!
الان في قطعة جغرافية واحدة. في مدينة واحدة
لا يفصل بينهم الا مجرى النفس الذي لا يشغل حيّز!
وسياف ابعد له من نجم الجدي وسهيل!
همس ذياب وهو يذهب الى سيارته :
عشان خاطر عيون بنت اختي ماهو لسواد عيونك!
عرفتني ابوها في المرة الاولى
لا تخليها تعرفني مرة ثانية اذا ذبحت عمرك
قاطعه سياف بجدية وبعضًا من تأنيب الضمير يطرق قلبه من اسلوبه المتواقح مع ذياب الخائف عليه. ماكان يقصد بأسلوب ان يتواقح او ان يسال بكل جراءة " وش دخلك ؟ " ذياب هو الوحيد الذي يملك بطاقة الذهبية بالتدخل في جميع شؤونه ولا ينبس سياف بحقه ببنت شفه
ولكن الآن هو خجل من ان يراه ذياب بنظرة
" الرجل البائس - الرجل اللذي هزمته أحزانه - الرجل الذي يقتل نفسه ببطئ متناسيًا خلفه امرأة وابنه .. الخ "
اتخذ هذا الاسلوب بدون شعور
حتى يتراجع ذياب خطوتين للخلف ويترك هذا الموضوع :
انت ابوها سوا انا ميت ولا حي !
هي فتحت عينها وانت قدامها
انا واحد توني اطلع في حياتها مالها معي ذكريات
مابشرت فيها ان لي جنين من حشاها
ما كنت اول واحد ينتظرها اذا أقبلت على هالدنيا ماكنت عند باب غرفة العمليات وهم يبشرونكم فيها
ماخذيت اول قرار بحقها وهو اني اسميها
ولا نمت ليلة وانا شايل هم حرارتها ترتفع وانا غافل
ولا قد استأذنت من دوامي عشان أوقف لها بطابور لدوائها
بأي وجه حق بتفقدني لا غمضت عيني ؟
كان يسمعه ويده على مقبض الباب. لا يدري كم طال حديث سياف وهو واقف على حركته وكأنه شل او توقف عنده الزمان وأكمل دورته عند سياف!كان يسمع لشيء غريب على مسامعه. لا يشبه صوت سياف. شيء يشبه الانكسار!
لأول مرة يرى سياف اب بحق
لم يكن سياف يثني عليه كان سياف يرثي حاله
همس سياف وهو يكمل حديثه :
الدكتور ماهو اعلم فيني من حالي ! يصرف لي حبوب للاكتئاب يشوف انه من الحادث
وانا اشوف اللي فيني مرّ ماهو اكتئاب !
دواه اللي يشوف اسبوعين يكفيني انا خذيته سنتين وماطفى شيء من اللي في داخلي
انت عكازي اذا انكسر ساقي
هذه المرة انا انكسرت كلي ولا لقيتك في يميني
انت علمتني شلون تشق صدري ولا يبقى فيني ذرة همّ
بس نسيت تعلمني شلون أنثر هالحزن من دونك
تخيل لا فقدتك انت وشادن دفعة وحدة والله اموت ! بس مامت. ذقت اللي اردى من الموت
اموت من جواي وانا حي !




لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-06-19, 02:58 PM   #32

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي



هي تلومني على اللي سويته من جهة
وانت جافيني على اللي سويته فيها من جهة
انا اللي سويته فيها كسرني قبل يكسرها ، ولا هو مكفيكم
اذا انتم ضايقكم مني شيء مرة . تراني دفعت ثمنه الى ان شافت عيوني شيبي قبل اشوفه باكبر اخواني
-كان يشير الى منطقة برأسه فيها خصلتين باللون الأبيض -
اردف ذياب بهدوء بعد ان طال الصمت من طرفيهم بتعقيب على كلامه :
ماتركتك بنص الطريق اللي حلفنا مانفترق فيه لاني استغنيت
انت غالي ياسياف! بس اختي بعد غالية
اختي كذبت كل اللي قالوا لها اني زوجتها لك. وصدقت نفسها اني ما أسويها فيها
بلعت الجمرة وقالت اخوي هو اخبر مني بس لا تطلبون مني اكون زوجة. حتى لو كنت ابغى سياف انا ما انعطي عطية
جيتها للمرة الثانية وقلت عشان اخوك ثقِ فيني للمرة الثانية وشوفي سياف! وثقت فيك قبل تثق فيني هي
راحت من يدي الى يدك وهي اختي اللي لو هي على سرير المستشفى اشوف بعيونها حياة
كانت بعيدة صح بس ماقد اتصلت علي ولا اسمع ضحكتها حتى قبل تسلم علي!
رجعت لي منك وحدة غير اللي عطيتك اياها
وحدة هدها الهمّ نصفين
كنتم انت وامي كثيرين عليها بحياتها
المؤمن مبتلى
والابتلاء انواع ولكن كسرتوا القاعدة في شادن ان الابتلاء ممكن يكونون اهلك !
ماكنتم انتم لحالك ابتلاءها
انا اللي وديتها للضيم بنفسي بحد ذاتي ابتلاء
ماكنت زعلان عليك لحالك ، كنت زعلان حتى على نفسي
لاني حرام اكون اخو لها
لما كنّا في باكستان وقدام عينك سألتنا لو ينعاد الزمان بزوجك اياها ؟ قلت لها ايه
بس والله العظيم ياسياف لو ينعاد انك ماتلمح طرف عبايتها
وهذا انا أحذرك للمرة الاولى ياسياف وما انصحك تجربني
جرب توجعها فيك هذه المرة لا بحركات المصبنة هذه اللي بتذبح فيها نفسك
والله لا اخليها ارملة قبل ترملها انت
فتح ذياب باب سيارته بعد طال تنفيذ هذا القرار طويلًا وهو يركب وفي ثواني سريعة شطفت من امام سياف بسرعة .
/

\

/
كانوا على طاولة الطعام. على مائدة العشاء
يترأس الطاولة سلطان وامامه صحن يحتضن سلطة جرجير ورمان ورز بالقشطة وبادية ايدام. وعلى يمينها ابنته لدن بعد ان كان مكان ترف الذي اعتزلت تشارك الطعام مع سلطان منذ وقت زواجه
وبجانبها وهاد وعلى يساره عريب
وضعت ملعقتها في صحنها بهدوء ، بعد ان استخارت ذهنيًا مايقارب مئة مرة قبل ان تفكر ان تكلم ابوها وهي منذ حرمت على نفسها ان تحادثه بسبب زواجه
ولكن الحاجة له حدتها :
يبه
رفع سلطان رأسه ببطء وهو يريد ان يتأكد بعيناه ، بعد ان كذب مسامعه ان هذا صوت وهاد!
يالله بات صوتًا قديما له ، كم يكاد ان يكون متلهفا له حتى ان يجاوب بعفوية :
لبيه
بعد ان كان اذا نادوه يصمت حتى يسترسلون في طلبهم بحجة انه " اسمع مايحتاجون تنتظروني ارد عليكم عشان تتكلمون "
كتمت وهاد انفاسها وحنيّة ابوها كادت تبدد دموعها!
يالله حنت لان ترمي نفسها على ذلك الكتف عند عودتها للبيت بعد الجامعة
تحبه وتحبه جدًا. ولكن كسر امها غالي وغالي جدًا
تكلمت بعد اخذت وقت تتلاقط فيه انفاسها :
ابغى فلوس عشان بجيب لي مدرسة خصوصية في البيت
عندي مادة حملتها فيها مرتين وما ابي أحملها مرة ثالثة
قهقهت عريب بصوت مرتفع! جذب كل الأنظار باستنكار لها
ما المضحك في طلب وهاد ؟
أخذت نفسًا عميقا بعد ان توقفت وهي تشرب موية بسخرية متعمدة
والى الآن في قلبها موقف وهاد تجاهها عندما طلبت ان تجلس معهم ونهرتها بكل قلة ادب :
عساك بتنجحين بعد ماخستِ وطلعت ريحتك بالجامعة ؟
لف عليها سلطان بحدّة :
عريب!
لفت عليه عريب بإبتسامة وهي تُمسح على كتفه بحرص مصطنع :
والله ياحبيبي هذا الصدق
فيه احد يجيب مدرسة والفاينل مابقى عليه الا اسبوعين
اعرف الناس يجيبون من بداية السمستر عشان يتلاحقون نفسهم
خصوصًا وهاد - بسخرية - الله ينجحها وتعتق الدكتورة من اسمها الموجود بالقائمة كل ترم
مو اول مرة مفروض تكون فاهمة من الاول انها مستحيل تنجح وتصير زي باقي البنات
وتحتاج مدرسة
فتحت وهاد عينيها بدهشة وهي تسمع كلام تلك الدنيئة عنها
تتكلم كأنها باستنقاص وكأنها مكتشفة الذرة
وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير ابيها الذي اردف بعد كلام عريب بجدية وكانه اقتنع قليلًا بما قالته :
وانتي ليش توك تقولين نهاية الترم ابغى مدرسة ؟ دامك تدرين يالفالحة انك مرتين مانجحتي
تحسبين الدرجات موجودة على ورقة النهائي ترا الدرجات تنحسب لك من بداية الترم
هذا وانا محذرك ياويلك تحملين لي مادة هالترم زي كل ترم تسوين لي تشكيلة اللي راسبة فيهم اكثر من اللي ناجحة
اخذت عريب حبة رمان من السلطة وهي تأكلها بدلع تغيض به قلب وهاد :
والله محد مستفيد بالموضوع الا السواق اللي يوصلك
واضح لو تقعدين ترمين بعد بالجامعة بيشتري ديرته كاملة مو بس بيت من الراتب اللي بيتكدس على قلبه
صرخت وهاد وهي تقوم من الطاولة بقوة حتى انه سقط الكرسي من خلفها بحرقة متوجهه الى الدرج
رغم كل محاولاتها البائسة بتمالك دموعها امام هذه العقربة الا انها فشلت :
معد ابغى منك شيء
والله لا اعيد المادة هذه زي كل مرة الى ان يتوقف قيدي واقعد على قلبك مو بس سوء خلق من تربية امي
الا فاشلة بعد بدون شهادة
رفع سلطان سبابته بغضب من هذه البنت! اللي دخلت معها اختها الجامعة وتخرجت وجلست عاطلة فترة طويلة وهي مازالت بالمستويات الاولى تعوم فشلًا ورسوبًا :
والله ياوهاد لو ترسبين زي كل مرة ان مايصير خير هذه المرة. بتشوفين شيء ماعمرك شفتيه
اذا الجامعة حرموك المكافئة انا احرمك العيشة كلها
دخل حاتم على صوت ابيه وانفعال وهاد ، القى السلام بلا مبالاه لمعرفة سبب الضجة. وضجة مافي بداخله تكفيه :
السلام عليكم
رد الجميع السلام باستثناء سلطان
ناظر حاتم ابيه الذي مازال يجلس امام صحنه وعيناها في الفراغ ومازال غاضبًا :
بالعافية يبه
دفع سلطان الطاولة وهو الآخر ينهض من كرسيه :
وأختك خلت فيها عافية ؟ اعوذ بالله منها كأنها بلوة ماهي بنت
تجاهل حاتم كلامه وهو يأشر بعيناه للمجلس :
زين يبه ابيك بكلمة رأس
مشى سلطان الى المغاسل :
خلها بعدين
مشى خلفه حاتم بإصرار :
يبه الموضوع ضروري
لف عليه سلطان بغضب :
وش هالموضوع اللي مايتحمل الانتظار الى بكرة ؟
همس حاتم وهو يقترب من اذن ابيه حتى لا يسمعهم احد :
يبه الجازي كلمت رنا تقول شذى بن
قاطعه سلطان بحدّة وهو يضرب كتفه بكتف ابنه بقوة :
انطم!
عاد حاتم خطوتين للخلف من ضربته ابوه مندهش!
سحبه سلطان من ذراعه بقوة
وهو يمشي بخطوات سريعة
فتح باب الشارع وهو يرمي حاتم امامه ويغلق الباب خلفه وبهمس غاضب :
انت ياحيوان شلون تتكلم كذا قدام كل من هب ودب ؟
انا ماقلت هذه الآدمية تنساها وهذا الموضوع تناساه حتى بينك وبين نفسك ماتفكر فيه !
اقترب حاتم منه بإنفعال دون ان ان يلقي بالاً لكلام ابيه :
الحرمة مكلمة رنا تقول ان البنت بنتها وبتأخذها. شلون ؟
وانت تقول ان هي تركت البنت
من اللي فيكم قاعد يكذب علي ؟!
ضرب سلطان بأصابعه راس حاتم بحدّة :
نسيت الايام اللي كنت مبتلش في البنت ، وينها فيها ماقالت بنتي ؟
نست بنتها 18 سنة لين شذى ماصارت تعرف ام غير رنا توها تتذكر انه لها بنت ؟
وتقول مين فيكم يكذب علي ؟
قاطعه حاتم وهو ينظر له بحدّة :
ثنيان خطب شذى !
رفع سلطان راسه بهدوء :
وافق ! والمملك علي وخلِ الخبر يوصل لها
عشان تقطع الشك باليقين
وتريح رؤوسنا من شيء قفلنا اوراقه من زمان
همس حاتم بخوف من فكرة ابيه :
واذا البنت تعلقت فيه ؟
رفع سلطان راسه بهدوء وهو ينظر الى عيني حاتم بجدية :
مافيها شيء !
وقتها بيكون ماهو غريب عليها
جلس حاتم على رصيف منزلهم وهو يمسك راسه بكفيه. حافظ على الموضوع 18 سنة
رغم انهم ثلاثة اشخاص. هو وابوه ورنا
والسر اذا خرج من واحد لم يعد سر
بينما هم استطاعوا ان يصونه الى اليوم !
صانوه وتعايشوا معه. نسوه ورجعت الجازي بعد 18 سنة وفتحت الاوراق من جديد
رفع راسه الى ابوه بإنكسار. والهم اتخذ من ملامحه الليلة مضجع :
يبه زواجها اذا قطعنا فيه شك قلب الجازي بنكسر فيه اذا انكشف قلب امي وشذى !
اقترب منه سلطان بحدّة وهو يشد اذنه :
يوم جيتك من بين بد عيالي
قبل 18 سنة طقيت الصدر وقلت أبشر يايبه
اللي تبيه سمعًا وطاعة
ناوي تغير رايك الحين
بعد ماحطيت يديني بموية باردة ؟
رفع حاتم عيناه
لتسقط في عيني ابيه بجدية رافعًا حاجبه :
سمعًا وطاعة عشان خاطر امي لا تموت بحسرتها !
والى الحين سمعًا وطاعة عشان خاطر امي ماهو عشان غيره !
مافيني اشوفها تموت
لا درت ان عريب ماهي شريكتها الوحيدة
شلون لا درت انه لها شريكة ومنها بنت بعد ؟


{ قبل 18 عامًا من الآن || في عاصمة مصر ، القاهرة }
في شقة صغيرة في عمارة شبه متهالكة
كعادات عمائر مصر البسيطة
حجرة صغيرة وقلوب تتسع للأرض بما رحُبت!
كان حاتم مستلقي على أريكته الصغيرة
بلبسه العسكري
ذراعه على عيناه
يتحوقل بنية ان يفرج الله هذا الهم الذي بات يسلبه حياته :
لا حول ولا قوة الا بالله
يتحدث من هنا
ويقتحم انفه من هنا رائحة ملوخية الأرانب
من جارهم المصري اللي يقطن بالشقة المجاورة
سحب جهاز التحكم
وهو يكتم صوت أنشودة " طائر النورس "
التي تجلس امامه ابنته وصال
ابنة العام الواحد تصفق بيديها مع الفتيات الصغار
في الشاشة
لفت وهي تبكي من ابيها
الذي حرم مسامعها انشودتها المفضلة
حملها حاتم وهو يضعها على فخذه
لف على رنا بهدوء :
وبتقعدين كل يوم على هذا الحال
عشان كلام دكتور ؟
اعتدلت رنا في جلستها وهي تُمسح دموعها :
انا ما ابي أضيق صدرك
او اكون سبب أزيدك!
بس انا خاطري في طفل ثاني ياحاتم
من قبل احمل في وصال
وانا قلت لك اذا ولدت الاول
بحمل بالثاني على طول عشان أربيهم سوا
ويملون حياتي
من جينا هنا ياحاتم
وانا بموت من الهم والفراغ أبي شيء يشغلني
و وصال وحدها ماتكفيني
وقف حاتم بهدوء
بعد ان نامت وصال في حضنه من البكاء
وجرح غائر تسببت به رنا له
انها تتحمل المر والهم هنا من اجله
تحرم من اجمل عطايا الله من اجله :
ان شاء الله اطلع بعد شوي لمكتب الخطوط
أحجز لك انتي و وصال على رحلة للرياض
روحي اقعدي عند اهلك
الى ان انهي شغلي
اشغلي وقتك هناك باللي تبين
دام اني ماقدرت الهي وقتك هنا بطفل
رفعت رنا رأسها بصدمة
ودموعها مازالت رطبة على خدها :
شلون اروح واخليك
وانت ماتضمن نفسك كم بتقعد هنا ؟
انت بنفسك قلت لي
يمكن شغلك هنا يكون يايومين ياعشر سنين
هز حاتم كتوفه بلا مبالاه مُصطنعة :
ان كان يومين
كان بها ورجعت لكم
وان كان عشر سنين
قدر الله وماشاء فعل
ربي بنتك في وطنها وعلى ارضها
وقفت رنا وهي تُمسح خديها بعنف :
انت تسمع نفسك وش تقول ؟
شلون اروح واخليك ؟
وش بنسوي انا وبنتك من دونك ؟
انا مايقوى قلبي ما اشوفك ياحاتم
- صرخت بحرقة - حرام عليك!
صرخ حاتم بحرّقة وهو يغطي بكفوفه آذان وصال بعفوية :
وش تبغين اسوي لك ؟
انتي وحدة مو قاعدة تتقبل ظروفي زي ماهي
وكأن لي عليها سلطة
تحسبيني مبسوط ؟
انا اللي فيني يكفيني
و انتي قاعدة تحمليني أكثر من استطاعتي
بنتك صغيرة مالها سنة
ورايحة تلفين من عيادة الى عيادة
ليه ما حملتي الى الحين ؟
حتى الدكاترة بنفسهم قالوا لك
هذا شيء طبيعي كيف تبغينا نعالجك ؟
الدكتور الوحيد اللي عطاك وجه تسبب علي !
قالك ممكن البلاء من زوجك والسبب النفسية السيئة
آمنا بالله وقلت العيب فيني
وش اسوي بظروفي ؟
تحسبيني تغربت عن اهلي وديرتي بكيفي ؟
انا كل يوم اقوم الصبح ادعي الله
من اطلع من باب الشقة الى اوصل دوامي
جعلهم ينتظروني يقولون خلصت ارجع لديرتك يا حاتم
خذيتيني رجال وهذه ظروفي
يا ارضي فيني زي ما أنا
يا قلبي انا بعد ما يطاوعني احملك اكثر من استطاعتك
ارجعي لديرتك وانتظري زوجك
جلست رنا على ركبتها وهي تمسك رأسها بكفيها
تبكي مع بكاء ابنتها التي استيقظت على صوت أبوها
غمض حاتم وهو يكرر من الحوقلة !
يشعر أنه تسرع بقرار زوجه بهذه الطفلة
لم يكن يتوقعا يوما أن رنا بهذا التفكير الطفولي
وهو الضحية الأكبر والأولى
قاطع هذه الحفلة الدرامية
صوت رنين الهاتف
وضع حاتم وصال على الأرض
وهو يرفع السماعة بإستنكار ( من يعرفهم في مصر ؟ )
رفع السماعة من هنا
ليفاجئه صوت ابيه المتعجل من هنا :
تعال بدون عفشك انت وحرمتك
طيارتك للسعودية الساعة 7 ونص المساء!
تعال لو فيك الموت يا حاتم تعال
ويا ويلك أحد يدري بجيتكم أو يشوفك
اغلق السماعة في وجهه
دون أن يعطيها الحق بتوديعه
وكأنه خبر على هيئة رسالة في قدم زاجل
ولكن بصورة حديثة أتت هذه الرسالة عبر محطات الهاتف
لف حاتم برأسه ببلاهة تجاه رنا التي تنظر له بخوف :
بنمشي السعودية
فتحت رنا عيناها بدهشة فرحة :
جاء آمر نقلك ؟
اكمل حاتم كلامه وهو يتوجه إلى دولابه
أخرج حقيبته السوداء ليفتحها برقمها السري
أخرج ثلاث جوازات خضراء
رماها على سريره اغلق الشنطة واعادها إلى مكانها
وهو يبحث عن ثوب أبيض
الذي نسى لبسه منذ فترة من غياهب الدولاب :
ابوي يبغاني ضروي
البسي عبايتك ما فيه وقت تاخذين شيء معك
لا يعلم كيف مرّ فيه الوقت سريعًا
وكأنه ليس على متن طائرة بل على متن آلة الزمن
ليجد نفسه واقفًا امام بيتهم
امام ملحق حرمّ ابيه عليهم دخوله
طالما هم احياء يرزقون
امامه ابيه وبين يديه طفل عاري يبكي بصوت مرتفع ودماء الولادة باتت بقع متجمدة
بعد ان كانت سائلة ولطخت ثوب وكفي سلطان!
كان ينظر حاتم بدهشة لتلك الصبية
الذي يغطي غزارة شعرها وسواده رأسها :
يبه من ذي بنته ؟
رفع سلطان رأسه وعلامات الفزع مازالت متشبثة في ملامحه :
بنتي !
فتح حاتم عيونه بدهشة
لم يعتد المزح من ابيه ولا كان اعتقد أنه مقلب :
شلون ؟
من وين ؟
وقف سلطان وهو يضعها في حضن رنا
وعيناه تائه في جاذبية تلك الطفلة الباكية
وكأنه ينقصها شيء لم تجده بين كفي سلطان
ليهدأ بكاءها
ربما وجدته على صدر رنا
لف سلطان على حاتم
وهو يتوجه الى المغسلة الصغيرة الواقعة في داخل الحمام. ليتحلل من دماء الجازي وبهدوء :
كنت متزوج مسيّار
و زوجتي كانت هنا وحامل
كنت طالع بصلي المغرب وسمعت صوت بكاء
تذكرك أنها حامل
جيت لقيتها فاتحة الباب وتاركة البزر على حالته ومنحاشة
فز حاتم وهو يتوجهه إلى الباب الخارجي بلا وعي :
بروح أدورها
أكيد ما ابعدت برد لها بنتها
سحبه سلطان من كتفيه بقوة
ليتلفه له بحدة وهو يشده تجاهه من ياقته
ولا يفصل بين قرب وجيهم الا مجرى النفس :
والله وبالله وتالله اللي تركت بنتي كذا
ما تحلم تلمحها مرة ثانية
صرخ حاتم بإنهيار وهو يتخيل طفلة لم تكمل 12 ساعة من ولادتها تحرم من أمها :
وش بنسوي فيها أجل ؟
نحط يدينا على خدنا عند باب المسجد
ونقول يا معين ارزقنا مرضعة لهذه البزر ؟
امي ما فيها حليب ! ولا فينا والد ترضعها
رفع سلطان حاجبه وهو يرمي بكلام مفتاح خطته التي طرت على باله مجرد ما فرت من يدينه الجازي :
زوجتك والد
ترضعها مع بنتك
فتح حاتم عينيه بدهشة
وهو يلتقط من ابيه اشلاء فكرته
اتى به من مصر لأجل أن تكون أمراته مرضعة
ليجاوبه بنهر حاد :
انا و زوجتي راجعين مصر
ما احنا دايمين لها
ولا أحنا مكفولين فيها شف لك من يربيها ويرضعها
قاطعه سلطان وحاتم آمله الوحيد
يا اما ان تكون له ابنته
يا ما ان مصيرها قطعة كرتون تلمها بوابة المسجد
لن يخرج الى الناس فجاءة بأبنة
سيكون مصيرهم جميعًا جحيميًا
جميعهم سيظنونها أبنة حرام
واول من سينحر رقبته زوجته ترف
ستطالبه بريال ، ريال انفقته بمساعدته في مشروعه
الذي يحاول ان يشد معه فيه ذعار زوج اخته شريك
وآخرها ( أساور ذهب ) لأبنتيه التوائم
باعتها حتى تعطي قيمتها لسلطان
يحل بها ازمته المادية
ماذا ستفعل لو تعلم أنه دفعه من اجل ضرتها ؟ :
إذا ما رضعتها حرمتك محد بيرضعها
واذا ربيتها أنا ، امك ما راح ترضى تربيها
خوالها ما يدرون بزواج اختهم
ابوها بس هو من يدري ومات
لو اعطيهم البنت بيذبحونها بيظنونها بنت حرام
هذه أختك يا حاتم
وانت الوحيد اللي تقدر تتصرف بها
انت الوحيد بين اخوانك تقدر فيها
اكمل سلطان وهو يرى ملامح حاتم تلين شفقة على تلك الصغيرة
التي تمص ابهامها جوعًا بمحاولة أن سيتعطفه :
خذها !
محد بيدري انها ماهي بنتك
كأن حرمتك حملت بمصر و ولدت وخفتوا تعلمون أحد
لان حمل حرمتك وقتها ما هو ثابت
خصوصا انها ما درت بحملها الا بعد ما سافرتوا والطيارة كانت خطر عليها
يوم ولدت وضمنتوا سلامتها تكلمتوا
تقدر تسجلها على أسمك يا حاتم
البنت مالها شهادة ولادة
كأن حرمتك ولدت في بيتها
بتطلع البنت ب أسمك وحرمتك بترضعها و بيصيرون اخوان حرمتك محرم لها
ما فيه شيء تخاف منه
رفع حاتم وجهه بدهشة!
ابيه حاسب لكل خطواته بالملي
وكانه قصة حبكت من قبل
ويملئ عليه دوره الآن بكل برود اما تنفذه وتربح طفلة
واما تتركه ويبقى ذنب هذه الطفلة برقبتك !
ولكن هيهات هيهات
ان يرضى أن يكون صيدة سهلة لأغلاط أبيه
سحب حاتم الطفلة بقوة من ساقها
من حضن رنا وهو يردف بغضب :
ما خلفت أحد ونسيته
كل واحد يتحمل نتيجة أغلاطه
صرخت الطفلة بنحيب
بصوت بكاء واحد كاد أن يقشع طبلتهم
صرخت رنا بخوف وهي تتحسس ساق الطفلة :
وش سويت فيها يا مجنون ؟
صرخ حاتم وصوت الطفلة يتقلع قلبه من مكانه :
سكتيها !
هزت رنا وهي تحاول ان ترضعها من صدرها
ربها هي تبكي من الجوع
ولكن كانت تبكي آلم لم يخفى على رنا
رفعت رنا رأسها وهي تهزه بالنفي بعد ان رفضت الطفلة الأنصياع لحنية رنا بإسكاتها :
البنت قاعدة تتعور ياحاتم لازم نوديها المستشفى
عمّ الصمت الذي لم يخلو من بكاء الطفلة المتواصل
لدقائق طويلة ليهمس حاتم
وهو يخرج مفاتيح سيارته الذي كانت مركونة في المطار :
غسليها ولبسيها
لا تجيبينها لي كذا قدام الناس
همس سلطان وهو يأشر بعينيه على الدولاب الصغير بزاوية الملحق :
شوفي هناك
جلست رنا على ركبتيها
وهي تخرج من الدولاب بدلة صغيرة
ولكن كانت اكبر من مقاسها رمتها بعيدا على الارض بلا مبالاه
واخذت بدلة صغيرة مناسبة لمقاسها
حملتها من الأرض بعد ان رمت البدلة على كتفها
وعلى كتفها الأخر يستند رأس الطفلة
غسلتها في المغسلة الصغيرة
وهي تذكر أسم الله عليها أن لا يوذيها من اهل الأرض أحدا
لأن بكاءها في دورات المياه يؤذيهم
مسحتها بكم عبايتها وهي تلبسها بهدوء
تجاهلت أن تتدخل البدلة في ساقها المتألم
وتركتها مكشوفة
لفت وهي تشعر بحاتم يرمي من بعيدا بطانية وصال الثقيلة هامسا بضجر :
فيه هواء بارد برا
لا تطلعينها وانتي توك مروشتها
مسك سلطان يده قبل ان يخرج حاتم متوجهًا الى سيارته :
ترا انت ماتكسر راسي اذا مارضيت فيها بنت لك
ترا انت تكسر قلب امك!
وش بيقولون الناس عنها لا دروا انا لي بنت ؟
زوجها ترك المصونة العفيفة وراح لبنات الحرام وجاب منهم بنت
اكيد البلاء فيها ابتسم حاتم بسخرية : عز الله ما عرفتني كأنك تحسب كلام الناس يهمني !
أبتسم سلطان بهدوء وهو يحاول بكل الوسائل الممكنة مع حاتم :
أتفق معك ما يهمك لو كان لك ، بس بيكون لأمك وقتها أتوقع بيهمك
صرخت رنا وهي واقفة عند باب السيارة ، بعد ما أقتلع بكاء الطفلة قلبها من الألم ، وصاحبه بكاء وصال من الفزع :
البنت يا حاتم يله !
لف حاتم وهو يسمع القلق بصوت رنا ، اكمل كلامه وهو في طريقه للسيارة :
لو درت امي اليوم ب تنشغل فيك عن كلام التسمع لكلام الناس اللي مصيرهم يومين وينسون
بس لو درت امي بعدين ماهي هينة على قلبها بنت ولدها تصير بنت ضرتها وعلى رأسها شريكة من سنين الطواعين و زوجها يا غافلين لكم الله ! كلام الناس وقتها ب يطولني وحرمتي وانت والبنت وامي
مشى حاتم تاركًا سلطان خلفه خائفا , ضاع الرجاء في حاتم ان يتستر عليه ويحفظ ويصون أبنته
ما تبقى له إلا الجازي. الجازي وبس تشبع بأبنتها الى ان يأخذهم الله سويا ويرتاح منهم
ولكن شيئًا في حق كرامته لا يسمح له بأن يرد أبنته لها , حتى لو حدته الدنيا
لن تكون الجازي ضمن خياراته / أو حلوله
رفع رأسه وهو يرى أقدام حاتم تتجه نحوه بخطوات سريعة وصوت غاضب :
وش أسمها لو سألوني المستشفى ؟
رفع سلطان رأسه ومازال يرى بصيص أمل بأن يلين قلبه :
بنتك , أنت سمها
صرخ حاتم وابيه لا يبقي به ذرة عقل , يجبره أن يعق به. يجبره أن يتمنى الموت قبل أن يكون سلطان أبيه :
وش أسمها ؟
لم يفكر سلطان لها باسم , حتى أبسط حقوق ابنته عليه بأن يسميها أسم حسن لم يفكر به.
خيّم الصمت على لسان سلطان , بعد أن شل دماغه عن التفكير باسم بنت
صرخ حاتم وهو يشد بأصابعه شعره :
أبسط حقوقها أسم ما انت قادر عليه !
قاطعه سلطان بصرخة , ولم يسعفه دماغه الا بذكرى الجازي وهي تبكي الطفلة وتناديها ب ( فرح ) :
أمها سمتها فرح
تركه حاتم وهو يركب سيارته ويغلق الباب خلفه بقوة. و يتجه إلى أقرب مستشفى من بيت أبيه
وقف سيارته امام بوابة الطوارئ وهو ينزل ويصرخ بصوت شدّ الممرضات :
معي مولودة عمرها أقل من 12 ساعة
كانت أصغر من ظان يركضون الى السيارة بسرير متنقل , ركضت الممرضة وهي تفتح باب السيارة وتأخذ الطفلة من يد رنا
لفت الممرضة الهندية على حاتم وهي تركض الى غرفة الضمادات :
ايش فيها بابا ؟
بلع حاتم ريقه بهدوء وهو يمشي خلفها :
اخوها سحب رجلها ومن وقتها وهي تبكي ، أتوقع انكسرت
لفت الممرضة ، وهي تغير وجهتها الى غرفة الأشعة. صرخت الى الممرضة الواقفة خلف الاستقبال :
جيب دكتور سلمان ودكتورة ايمان
لفت على حاتم وبأمر :
روح سوي بيانات عند استقبال
دخلت غرفة الأشعة ، لتغلق البوابة في وجهه حاتم ورنا التي تحمل على ذراعها وصال
همس حاتم وهو يمسح بكفوفه وجهه :
بروح الاستقبال اعبي بياناتها انتي انتظريهم هنا
مسكت كفه رنا بتردد وهو تستودع الله نفسها ان لا يرمي بها حاتم بالأرض :
بتسجلها بأسمك ؟
رفع حاتم رأسه بحدّة كادت ان تكون كفيلة بنحر عنق رنا :
مالي بنت غير وصال انا ما بعد فتحت ملجئ
قاطع كلامهم اقتراب الدكتور وبيده ملف وعلى انفه تستقر النظارة الطبية وعيناه في صور الاشعة خلع نظارته وهو ينظر اليهم بأبتسامة :
أنتم اهل المولودة ؟
هز حاتم راسه بإيجاب
ابتسم الدكتور وهو يقف بجانبه ويفتح ملفه مجددا :
الله يصلحكم تأخرتوا ما سجلتوا البيانات مفروض ما أشخص الحالة الا والبيانات موجودة بس كسرت خاطري ببكائها
اخذ قلمه وهو يحدد على الصورة الأحادية :
زي ما تشوف اصابتها ممكن كانت قوية ولكن خذ بعين الأعتبار
أن عظام الطفلة ضعيفة جدا أقرب ما الى الهشاشة واضح تغذية الأم ما كانت صحية او ان الدكتورة ما صرفت لها فيتامينات اثناء فترة الحمل
ساق الطفلة مخلوعة ومكان الإصابة ما بين الخصر الى مقدمة الفخذ تقريبا الورك تقريبا مثل الكتف صعب تجبيره
طبعًا في الاشعة ماهي واضحة لأن عظام الأطفال لينة وما توضح في الاشعة بسهولة
وما ودي نتسرع
عقدت رنا حاجبيها وقاطعته. شيئًا ما شدّها سقط من فم الدكتور :
نتسرع بوشو ؟ أنت مو متأكد أنه خلع ؟
تنهد الدكتور وهو يغلق الملف :
تشخيص حالتها صعب البنت صغيرة جدًا
لا الأشعة تسعفني عشان عظامها لينة ولا هي تقدر تفهمني لأنها رضيعة
أنا يا أختي مو متأكد اذا عندها خلع ورك من الولادة ، يعني ماله دخل الاصابة. لأنه مرض يولد مع الطفلة
وأعراض هذا المرض ما تحس بأي شيء لا بكاء ولا آلم ولا غيره. بس نكتشفه من خلال تحريك القدمين تكون رجل طبيعية ورجل لا او خلال السونار في فترة الحمل ، ويصاحبه تأخر في المشي وساق أطول من ساق ، وعرج لو استمر الى بعدين تقريبا
وفي أطفال يشفون من غير علاج والبعض يحتاج تدخل جراحي
بس البنت تبكي لو لمسناها من منطقة الورك عشان كذا اشك 80% انه خلع
ما ودي نتسرع الآن زي ما قلت لكم ، ب نصبر عليها الى أن تكبر ونتأكد أن شاء الله
كل اللي ابغى منكم الآن بتعلم الممرضة الأم ان شاء الله طريقة اللف بالمهاد الصحيحة عشان لو كان خلع نساعد العظام بم انها في مرحلة نمو ترجع مثل ما كانت وبصرف لها مسكنات تهدئها ودواء حديد وحليب يساعد بهشاشة عظامها
بس قبل كل هذا سجلوا بياناتها
دخل الدكتور غرفة الأشعة ، تاركًا خلفه حاتم الذي جلس على الكرسي وعيناها تائه في الفراغ!
أي لعنة أصابت تلك الطفلة ؟ لتفر منها أمها ويتخلى عنها أبيها وتصاب بسبب أخيها ؟
بتكبر منبوذة من أهلها ببساطة لأن أمها لست مثل أمهم.
بتكبر مسكينة ، تحيط بها أنظار الشفقة ببساطة لأنها عرجاء.
بتكبر بنفس مكسورة وكيف لا ؟ وهي من ساعاتها الأولى على الدنيا باعها أقرب شخصين لها!
وعندما سقطت بيده هو الثالث ، تركها بكل بساطة مثلهم
مسحت رنا على كتفه وهي تفهم مابه من عيناه :
مالك دخل باللي صار لها ، قال أحتمال انه عيب موجودة منذ الولادة
ضحك حاتم بسخرية من كذب رنا :
وقال 80% أنا السبب ، بصير أنا والدنيا عليها مستوعبة ؟ ابسط حقوقها بأنها تمشي بشكل طبيعي زي الباقين انا سلبته
همست رنا وهي تحتضن وصال بحضنها بشدّة :
عوضها !
رفع حاتم رأسه ، وشيئا ما في كلمات رنا أخمد وجعه. لسترسل رنا في حديثها :
أنت أخوها مو غريب. ما فيه فرق لو ربيتها أنت او أبوك ليش مكبر الموضوع ؟
هي بنتكم بالنهاية ، دمكم واحد! الاخو هو الأب الثاني
ما تدري ؛ يمكن أنت تعطيها اللي ما يقدر أبوك يعطيها
مستحيل خالتي ترف تربيها وتشبعها عاطفة وغلا زي لدن و وهاد مهما كانت انسانة طبية ، هذه بالنهاية بنت شريكتها يا حاتم
اما أنا ما راح يشكل الموضوع عندي فرق هي بكل الحالات أختك
بيت أبوك مليان أحفاد وغير اخوانك
مستحيل بين حضانة الأطفال هذه تبنى ثقتها وتشوف آمر عرجتها طبيعي لو ما عاشت في بيت من البداية ملئها عاطفة وحنان ومقدر مشكلتها من البداية!
بربيها مع وصال ، بيكبرون قدام عيننا سوا
تضمن ما تقسى الدنيا عليها أكثر ، لانها ورا ظهرك
وهي اختك هي بنتك. يعني بيفرق لا صارت اختك ولا بنتك ؟
كلهم بتخاف عليهم ، كلهم بتصرف عليهم ، كلهم عينين في رأس ياحاتم!
خرجت الممرضة من غرفة الأشعة وبيدها استمارة البيانات بعد ان يأست ان يتكرم حاتم ويذهب بنفسه. وبيدها الاخرى الطفلة
مدته له بغضب :
يالله سوي اسم سرعة سرعة
اخذ حاتم الاستمارة من يدها بهدوء ، وهو ياخذ قلمه من جيب ثوبه
رفع راسه بهدوء للممرضة :
مافيه شهادة ولادة لسى ، وماما ولادة في بيت مافيه شهادة تبليغ ولادة
ناظرت الممرضة الطفلة التي مازالت اثار الولادة ظاهرة بشدة عليها. صدقت كلامه :
طيب بابا مافيه مشكلة
انت شوف هذا دكتور ايش سوي فيه هذا شهادة الأصل تبيلغ ولادة عشان هذا رجال ثاني في مكتب سوي للبيبي شهادة ولادة
بس الحين سوي هذا بيانات
تنهد حاتم وهو يسجل الخانة الاول ، مُدونة بأسم المولود.
سقط القلم على الورقة من يدي حاتم من صرخة اتت من بعيد! صرخة حادة رغم اثار التعب الواضح. صرخة ام مكلومة :
فرررررررررررررررح !
رأى امرأة على كرسي متحرك ، يستر جسدها العباية
بيدها لاصق جروح يغطي مكان المغذى في يدها الصفراء من الإرهاق، من اثار الولادة المتعبة، من الدم اللذي فقدته بشكل سريع بسبب تغذيتها. المغذي الذي حاول ان يلملم بقايا طاقتها لتستعيدها من جسدها الهزيل، وعيناها الذابلتين
لا شيء فيها يدل على الحياة سوا عيناها الرامشة بقوة تجاه الطفلة بحضن الممرضة
خفق قلبه بقوة وهو يتذكر كلام ابوه " امها سمتها فرح " !
وقف بقوة وهو يقف امام الممرضة، وصوت ابوه يتردد في مخيلته " لقيتها فاتحة الباب وتاركة البزر على حالته ومنحاشة "
داهم صوت ابوه في خياله، صوتها في واقعه وهي تحاول ان تقف من كرسيها.
متحاملة التعب على نفسها لأجل تلك الطفلة التي مجرد ماسمعت صوتها ، هدئ بكاءها رويدًا رويدًا
وهي تردد بجنون :
بنتي فرح! والله يامحمد انها بنتي
هذا ولده والله ولده - صرخت بحرقة وهي تبكي بعد ان رأت اخيها محمد ، يحاول ان يثبتها بقوة في الكرسي بغضب - بس بضمها يامحمد بضمها
خرجت الممرضة من غرفة الضمادات، بعد ان كانت طوال الوقت برفقة الجازي
اتى بها اخيها وهي تنزف، خيطت جرح ولادتها. وأعطتها مغذي تستعيد بها طاقتها. ومنوم بعد ان أتتهم باكية / منهارة والآن عندما استعادت وعيها وقع لها اخيها الخروج على مسؤوليته
جلسته الجازي في كرسيها بحنية :
ماما انتي تعبان
جلسها محمد بإجبار. غاضب وهو يلف ذراعها خلف ظهرها دون ان يكلف نفسه عناء النظر للطفلة او حاتم
وهو يسب ويشتم نفسه اللي رضى ان يتوقف عند اقرب مستشفى من بيت سلطان. بعد ان فقدت اخته وعيها في سيارته :
اقولك مالك بنت ماتفهمين انتي ؟ اتركيها له عسى الله يأخذ عمره
انثبري بمكانك لا تندمين يا الجازي! والله ان تندمين
مر من امامهم، كرسي الجازي المتحرك الباكية وهي تضع اصابعها في فمها حتى تكتم نفسها. لا يسمع محمد بكائها وينحرها دون ان تبل شوقها بأبنتها
لف حاتم بمشاعر مختلفة تجاه كل هذه الظروف تحت ظرف واحد! مشاعر قهر تجاه ابيه. مشاعر رحمة / شفقة تجاه الطفلة. مشاعر الحرقة من حقارة هذه الام. تهرب من ابنتها، ومن اول كلمة واحدة من اخيها تنازلت بدون أدنى دفاع لخاطر هذه المسكينة التي في حضن الممرضة!
بأي حق أسمتك فرح ؟ وهم اول محطة حزن توقفتي فيها بحياتك!
انتي اطهر من ان تعيشين بهذا الوحل. بهذا التلوث الروحي!
انتي حمامة سلام، انتي بريئة من كل هذا، انتي كل شيء الا تكوني فرح!
" بينما كنت انتظر ان تخترقني رصاصة " اخترقتيني انتِ! بينما كنت انتظر ان اخرّ نازفًا، داويتيني انتِ! بينما كنت انتظر ان أفر هاربًا من ارض المعركة. كنتي انتِ سلسال من فولاذ تقيد اقدام ، تعيق حركتي
انتي شذية لا رصاصة ، نعم شذية !
سحب الورقة بقوة من الارض، وضعها على كفها وهو يكتب بقوة كادت تخترق سطح الورقة الرقيقة :
شذى بنت حاتم بن سلطان الجامح



كانت تحاول ان تتعلم طريقة الظفائر الفرنسية من اليوتيوب وتتطبق على شعر افنان الجالسة في حضنها. وبيدها جوالها تخرج من برنامج الى الآخر بملل.
تشعر أفنان بفراغ فضيع في حياتها بعد ان حذفت الترم ، وأغلقت حسابها الذي تعهدت لأبيها ان تنساه
صديقاتها منشغلين بدراستهم ، وبنات عمها ايضًا
بقت هي لحالها في حزب العطالة مع لمى وعمتها لدن.
تنهدت وهي ترمي جوالها بجانبها ، وتنتظر لمى تخلص
اردفت لمى بحيرة وهي تقسم شعر افنان من النصف :
تذكرين ريناد بنت عمة ندى ؟
هزت افنان رأسها بإيجاب ، لتكمل لمى :
غريبة هذه البنت! يومها هنا تهبل وش حلوها، وكل شوي تتصل وتحاكيني
من راحت باريس اختفت مرة بعد ماجابت لي اخبار كسار. تخيلي كلمتني مرة تشكرني على الهدية
قلت وش هديته ؟ ماردت علي للحين
هزت افنان كتوفها بلا مبالاه :
يمكن غلطانة
رفعت لمى حاجبها بتشرّهه ؛
ابسط الإيمان تعتذر انها غلطانة ماتسفهني
قاطعتها افنان بجدية :
لمى ترا انا ما احب اللي يتشرهه على اشياء تافه! انتي قلتيها صرتوا صحبات وش فايدة الصداقة اذا تعاملتوا برسمية ؟ لازم تعتذر عشانها حاكتك بالغلط
خلاص بالطقاق ان ردت اهلًا وسهلا ، ماردت بالطقاق بعد
قاطع حديثها ، صوت رنين جوالها
فزت بفرح ان اخيرًا ردت الحياة ولو قليلًا في جوالها
صرخت لمى بقهر وهي ترى خصلة شعر افنان الذي انفلتت من يدها وخربت كل شعرها :
لااااااا
صعدت افنان الدرج متجاهلة لمى اللي تصرخ خلفها وتشتمها ، ردت على جوالها وهي تضحك :
عيب ياقذرة وش هذه الألفاظ ؟ والله لا اعلم امي تربيك من جديد
جاوبت افنان اتصال صديقتها من جديد ، الذي كانت تنتظرها على الخط :
هلا والله بأمجاد القاطعة
ضحكت امجاد الباكية على روح افنان الحلوة تضحكها حتى وان كانت بقمة حزنها، افنان خفيفة الظل. طيبة المجلس. تزهر النفس بمجرد جلوسها معها! وهي تُمسح انفها :
يالله ياليت ماحذفتِ الترم يا افنان والله لك فقدة في الصباح فقدت ضحكتك وتصبياحتك الحلوة علي!
الصبح كل البنات منفسين وتكلمك من طرف خشمها ، ماتقدرين تقولين يالله صباح خير
لأنهم يخربون كل صباحك بنفسياتهم الخايسة
ابتسمت افنان وهي تنسدح على سريرها :
وي ياكرهي لهم ! خلاص ليش التنفسية كل يوم ؟ يعني ماتدرين ان عندك دوام ؟ انتي مروقة او منفسة بكل الحالات مداومة. فيك النوم ، من السهر قدام الجوال رتبي نومك وفكينا
خلاص دوامي وانتي مبتسمة واكسبي أجرين اجر ابتسامتك واجر انك تطلبين العلم
بلعت امجاد ريقها ، وهي تمسح عينها بطرف المنديل بهدوء :
الله يصلحهم
اعتدلت افنان بجلستها، وهي تنتبه الى نبرة امجاد الباكية بحنية :
امجاد صاير شيء ؟
عادت امجاد بحرقة باكية، وهي تذكر لماذا اتصلت على افنان
بكت وهي تدفن وجهها في مخدتها :
اختي يا افنان اختي!
تخيلي عازمة صاحبتها امس وقافلة عليهم المجلس. انا اعرف البنات يحبون يأخذون راحتهم وينبسطون
تركتها على راحتها باخر الليل احتجت ملزمتي وهي في المجلس ، ضربت الباب ومحد رد علي!
دخلت ولقيتهم
عادت تبكي بحرقة وهي لم تستطيع ان تكمل حديثها، كيف تخبر الغريبة انها وجدت اختها بوضع تهز به عرش الرحمن من خزي الفعلة!
غمضت افنان عيونها ، وتقشعر جلدها وهي تفهم قصد امجاد! تذكر اخت أمجاد ماكانت صغيرة. كانت بعمر شذى تقريبًا انسانة واعية بما يكفي لتعرف الصح من الخطأ
همست حتى تقطع على امجاد المسافة :
فهمت يا امجاد. لقيتها مع صديقتها بوضع قذر!
بعدين ؟
اكملت امجاد وهي تنتفض من بكاءها :
خافوا مني ولبسوا ملابسهم، وخذيت جوالها كعقاب وفتحته عشان احذف رقم البنت وأنهي علاقتها فيها
لقيت بجوالها شيء يشيب الرأس يا افنان! لقيت بكل حساباتها ناس حقيرة يحاولون يدعمون الشذوذ! يحاولون يزينونه بعيونهم بأنه شيء مو بيدكم ، وعادي استمروا خلوا العالم يعترف فيكم
يا افنان المسلم والكافر محد يرضى بالشذوذ!
الاعلام دخله علينا من باب انه مرض ، ومساكين اشفقوا عليهم ومن تحت هم يدعمونهم وانتم الصح
لو صدق انه مرض ماكان دعموه ورضوا بزواجهم
كان عالجهم!
افنان قعدت احوس لين عرفت اللي ورا هذه النجاسة، لقيته اعلان تخيلي قدام الناس اعلان مبطن من شركة ( ماذا إذًا ؟ ) وصاحبها **** الـ ****
اختي مغسول مخها، مقتنعة للحين انها ماسوت شيء خطأ
مسكت افنان رأسها بصدمة :
شلون ماسوت شيء خطأ ؟
اذا جيناه من ناحية الدين قال النبي ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به )
من شناعة الفعلة جزاهم الموت! وقال الرسول وكررها ثلاث مرات وهو يحذر أمته : ( لعن الله من عَمِلَ عمل قوم لوط ) واللعن تراه مو شيء هين! اللعن طرد من رحمة الله. اذا خسرت رحمة الله اللي ارحم بعبده من امه وش بقى لها بهذه الدنيا ؟
واذا جينا للصحة هذا شيء يخالف الفطرة وسنة الحياة ، شيء مقرف انك تنظرين الى امرأة مثلك بنظرة قذرة وشهوانية !
غير الأمراض اللي مالها اول من آخر. الرجل وهو الرجل اذا زنى وهو متزوج يقتل! عشان مايمرض زوجته الطاهرة المصونة. ربي حفظ صحتها وكرمها ليش نجي احنا نلقي بأنفسنا للتهلكة ؟
هزت امجاد برأسها يمين ويسار برفض للواقع الذي يؤلمها :
ما ادري افنان ما ادري ، اختي وحدة بقدر اتعامل معها وبحاول بكل الوسائل وان شاء الله ربي يهديها
بس هذا الحقير اللي قاعد يجر بنات وأولاد المسلمين بطرق مبطنة وقذرة في الحسابات الشخصية
وبالاعلانات المبطنة قدام اهلهم عشان يوهمهم ان الأهل راضين
لا تخلينه لا تخلين الساحة فاضية لهذولي القذرين! هم مايخافون من الله ، هم بس يخافون من الفضيحة
اثبتي لكل من يسمعهم انهم أول من بيتخلى عنهم هم!
اختي راحت ضحية ، والباقي برقبتك تقدرين تردعينهم قبل يتمكن من ناس اكثر
تكفين ربي لا يعذبنا بسببهم. ولله ان النبي حذرنا ( ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت )
غمضت افنان عيونها، وقلبها يرقع وهي تحاول ان تتخيل الفكرة
جلدها كش ، تشعر ببرودة اطرافها ، لا يسع قدميها ان تتحمل ثقل جسدها
جلست على السرير بإرهاق روحي من ثقل المسؤولية وقلبها يردد بحرقة : حسبي الله ونعم الوكيل. :
ابشرّي يا امجاد ، وعد والله وعد
ان ما أخليه!
رمت جوالها جانبًا تاركة امجاد غارقة في همها، حتى تنتشل افنان طوَّق النجاة ذاهبة الى اليابسة لتجلب قارب تحمل به امجاد وأختها ومن هم من شاكلتها عليهم لتؤدي بهم ببحر الامان عن خبث بعض البشر!
اخذت لاب توب لمى بقوة ، وهي تفتحه
فتحت المتصفح، ومن ثم التويتر ومن ثم خيار ( حساب جديد ) وضعت نفس اسمها السابق، واعادت شكل حسابها الخارجي مثل السابق
ولكن تغير شيء واحد! اسمها، اسمها الذي قبل كان عام
ولكن الآن لا. هي عادت لهدف واحد
كتبت تقصد به نفسها ( سوط من نار )
لتكتب اول تغريدة، قصدت بها ان تطبخ طبختها القادمة على نار هادئة
ستلعب مثل مايلعبون. ستلعب بطرق مبطنة هم فقط من يفهمها :
( عدت ياويحكم . عدت / قادمة ؛ استل سيفي فالبحر أمامكم . وانا خلفكم ! )
/

\

/
وقفت ربى بعد أن وصلوا من السفر عصر اليوم وهي تأخذ من يدين العاملة المنزلية صينية القهوة , ومن خلفها العاملة الأخرى تضع القهوة على الطاولة زجاجية. سكبت أول فنجال لخالتها والأخر لمقرن
ليبتسم مقرن ويمتنع عن أخذه ويده خلف ظهر أبنه ( ذعار ) سميّ أبوه :
الفنجان الأول للشيخ ذعار
ابتسمت ربى بحب لمقرن الذي يحاول بكل الطرق الممكنة يعزز ثقة أبنه بنفسه منذ صغره
أخذ ذعار الفنجان من يد أمه بفرح من تسمية أبيه له ب ( الشيخ )
بعد أخذت فنجالها جلست بجانب مقرن
أخذت ندى كرتون الحلوى السويسرية الذي أتى بها مقرن وأبنائها من ضمن هداياهم من سفرهم. وأعطته ندى الصغيرة ( أبنة مقرن ) بحب :
قومي عطي ماما وبابا وأخوك ، الله يكثر خيرهم
لفت على مقرن وهي تنظر له بحب ، وكأنها ملكت الأرض بما رحبت هذه الليلة بعودتهم لها بالسلامة :
والله من روحتوا استاحش علي هالبيت
حسكم فيه هو الحياة
الحمد لله على سلامتكم الحمد لله
أبتسم ربى لخالتها ، أطيب قلب في هذه الدنيا هو قلبها :
انتي رأس المال ياخالة ! مالنا قعدة في هالبيت من غيرك
عقد مقرن حاجبيه وهو يتفحص أركان البيت الهادئة ويستشف من كلام أمه فراغه في الأيام السابقة :
أجل ريناد وينها ؟ طالعة بعد وتاركتك لحالك ؟
هزت ندى رأسها بالنفي :
لا يا يبه ، توها في باريس ما رجعت معنا يا كثر خرابيط هالبنت تقول وراها الوثيقة بتستلمها ومدري شنو بعد ما فهمت
اعتدل مقرن بجلسته بغضب :
انا ماسافرت الا ضامن أنها بترجع معك ولا تقعدين لحالك لو داري ماسافرت وخليتك لحالك! وبعدين الوثيقة تقعد شهر تنتظرها ؟ متى ماطلعت تروح مع جلوي يومين تجيبها وترجعها , أو يرسلونها لها بالبريد
لا يكون تونا في عصر ما قبل النفط ! عشان تستلم الوثيقة بنفسها
انا حركات الهياتة هذه ما أحبها , قلنا قاعدة خمس سنين دراسة بلعناها وش يقعدها الحين بعد ؟ بتسوي حركات شويدن وتفرفر من ديرة الى ديرة وتنسى أن لها وطن و وراها رجال ؟
قاطعته أمه وهي تمسك رأسها من مقرن الذي أنفلت عليها كمسبحة قُطعته لتتناثر خرزاتها :
بسم الله عليك ما انت صاحي وش فيك أنهبلت ؟ شهادة بتجيبها و بتجي ليش مضيق روحك ؟
عاد ظهر مقرن بقوة للكنبة غاضبا :
لأن حركاتها اللي بتقلد فيه حركات شادن ما تعجبني! نعنبوها انا ساكت عن ذيك بالغصب مع أني شايف أربع مهابيل أبوها واخوها وابوي وزوجها ما قالوا عنها شيء كأنها مقطوعة من شجرة
وهذه تحسب أنها مثلها , علميها يمه لا أعلمها بطريقة ما تعجبها أن شادن شيء وهي شيء ريناد انا وراها وراها وبشوف قصة الوثيقة ذي اللي ما دخلت مزاجي
همست ربى وهي تمسح على كفه , بباطن كفها :
حبيبي خلاص ! ضيقت صدرك وصدر خالتي وما بيدها شيء وأنت تدري الموضوع كله بيد خالي
لف عليها مقرن بغضب :
وأنا من ب يذبحني غير أبوي ؟
ابتسمت ربى وهي تحاول أن تمتص غضبه :
بسم الله عليك
لف مقرن على أمه وهو يحاول أن يرضيها بطريقته الخاصة , أبتسم بهدوء لا يليق الا بمقرن :
بكرة نتغدى عند جدتي أن شاء الله ؟
رفعت ندى رأسها , من أبنته ندى اللي تلعب في حضنها بفرح :
الله يبشر قلبك يا أبوي , والله اني ولهه على أهلي بس ما اقدر اروح انا أدري فيك ما تحب أروح مع السواق لحالي وجلوي ما هو فاضي بين دوامه وربعه
هز مقرن رأسه وهو يتوعد في جلوي الذي مبدي استراحته وربعه ودوامه على أمه
تنهد في نفسه وهو يشتمه ( هذه العائلة ما هي شادن بس اللي يبغى لها تأديب
الظاهر من كبيرهم الى صغيرهم يبغى لهم تأديب بداية من جلوي إلى ريناد )
أبتسم مجاملة عشان خاطر أمه :
راجع قبل نهاية اجازتي بيوم عشان أٌضي مشاوريك يا الغالية , بكرة أن شاء الله بنتغدى عند جدتي أنا وياك وعيالي من زمان ما سلموا عليها
وقفت ندى بلهفة إلى سماعة الهاتف
وهي ترفعها وتنقر بسرعة على أرقام بيت والدتها :
الحين أبشرها
رنت الرنة الأولى
تليها الثانية
لتجيبها بالثالثة العاملة :
الو ماما ندىأبتسمت على صوت عاملة أمها الذي باتت فرد من أفراد عائلتهم :
وين ماما كبير ؟
تخصرت العاملة لتفضفض إلى ندى من تلك المتكبرة التي أقتحمت منزلهم بكل غرور :
والله ماما فيه حق هيا ضيوف مو زين ! فيه هذا واحد أسمه غزل خلي ماما يبكي ويركض له هوا
وقفت ندى بلا وعي وهي تسمع أسم غاب عن مسامعها اثنا عشر عامًا , أسم بكت وتضرعت لله لأجله
أسم تتعطش له أذنها , ولكن ظل يروي الجزء المشتاق من قلبها كلما كلّت ومّت من عظم الشوق! أسم لم ينساه لسانها, لم تفقد عيناها وهي ترأها بشادن , تسمع في ذياب
والآن تراه بين طيات ملامح غنى , همست غير مصدقة وكانها في حلم من نوم بمجرد أن تغلق السماعة سوف تستيقظ لتعيد رحلة الشوق مجددًا :
غزل!
أكملت بلهفة , بسرعة لا تكاد أن تفقه منه العاملة شيء :
غزل ماما طويل أطول من أنا , يمكن طول شادن شوي نحيف وأبيض و و
سكتت لا تدري ماذا تفعل , تخبر خادمة بأشباهه قديمة ؟ كاد أن يقضي عليها الدهر!
تخبرها بغزل التي قبل اثنا عشر عامًا , والأكيد أنه هلكها المرض ولم يبقي بها ولم يذر!
اكملت عنها الخادمة وهي ترى غزل من بعيد مستلقية في حضن والدتها , تلعب في شعرها :
ما أعرف ماما انا من زمان ما شوف شادن بس صح هي أطول من انتي وشعرها أسود طويل , وتشبه بابا شوي
خرت ندى على الأرض باكية , لا بعد هذا البرهان برهان.
غزل هي الوحيدة التي تفردت منهم بأشباه ابيها , بينما هي وسلطان يشبهون أمهم. ظلت غزل هي الوحيدة بينهم تتفرد بكل ما تملك! مغرورة حتى بملامحها لا تريد أن تشابه أحد
تأكل قلب أبيها عندما تستغل نقطة ملامحها بالتودد إلى أبيها " يبه من كثر ما أحبك , أنا الوحيدة اللي فيهم أشبهك " توددت إلى أبيها حتى باتت الفارقة بينهم! لم يكفيها أن تكون أخر العنقود , باتت هي التي تأمر وابيها ينفذ
باتت هي تطلب وأبيها يأتي به على طبق من ذهب. ذهبت غزل ومازالت تسمع أبيها وهو يردد " عشان غزل , كل شيء سهل " – " هذه غزل , ومن ما يباهي بغزل ؟ "
إلى الأن تذكر سبب كراهية سلطان لغزل , يكرهها بسببها تمردها عليها! كل ما أراد ان يتشفى بها من غلّه كان عقال أبوها ينتظره ليلنه على ظهره
وزادت الطين بله بهروبها , كاد أن يموت من جنونه! ورمى بالسبب على أبيه. رضى أبوها على سلطان بشق الأنفس
لم يكن يرضى أبوها على غزل حتى وهي بعيدة
أقترب مقرن بخوف من أمه وهو يرفعها من الأرض :
بسم الله عليك يمه وش صاير ؟
رمت ندى نفسها في حضنه وهي تبكي بفرح :
الحين يا مقرن نروح الحين نمشي لأمي
ركضت بلا وعي إلى الدرج
متوجهه الى غرفتها وهي تغني أغنيتها التي تغنيها لغزل عندما كانوا ينامون في السطح تحت ضوء القمر :
تغايرنا السماء وتقول انا عندي قمر وش هو القمر وبيت أبو سلطان عنده غزل ؟
مازال صدى صوت ضحكة غزل المغرورة يتردد بأذنها بعد أن تنتهي من أغنيتها , لتبتسم وتكررها وكأنها أمامها تسمعها
وقف ذعار الخارج من غرفته , بوجه أحمر قاتم! وصله أتصال بعثر موازين عاطفته! تركها في دبي. يومان بعيدة عنه تراجع به نفسها وتتأكد أن ليس لها سواه ( ولكن سوتها غزل والله سوتها وجت للرياض ) يتمنى أن يلحق بها , وتقول له ( ما قدرت أقعد بدبي وانت زعلان علي ، جيتك الى مكانك بالرياض ) يتمنى أن تكون غزل هي غزل نفس عادتها. ولا يكون اللي في باله صحيح
وجد تلك المجنونة أمامه تضحك بشكل يثير الريبة وكأنها مجنونة وتغني. ليصرخ في وجهها بغضب وكأنه وجد شيء يفرغ به غضبه :
مهبولة أنتي ؟
لم تتمالك ندى نفسها
هي كانت أكثر من يتراعد خوفًا عندما يصرخ ذعار ولولا لطف الله بها لا توقف قلبها من فرط الفزع!
ولكن الأن لم تسمعه الا كضرب الدفوف
هي أسعد من على وجهه الأرض ولن يعكر كائن من كان فرحتها
زغرطت بصوت فَرِح
أثار استغراب ذعار ليعود خطوتين للخلف. توقفت وهي تنظر اليه بفرح :
بتقر العين ياذعار بتقر عيني
ردها ربي اللي رد يوسف ليعقوب
ردت غزل!
لا يا الله ، ما أخاف منه وقع. كنت أخاف ان تلعب لعبتها القذرة وتذهب إلى ابويها وها هي فعلتها
بحركتها هذه , حرمت نفسها عليّ للأبد
ستعود الى بيتها
أبنائها
أهلها.
وستتركني خلفها مهزوم غارقا الى رأسي بها
سيموت من الحسرة. وهي سترقص طربا بهذا الأنتصار
لم تخسر شيء! بينما هو خسر أغلى شيء
هي السبب الوحيد الذي لأجله يحب الحياة. ولا حياة له من بعدها
يالله أشعر بشيء يقف في حنجرتي, شيء يشابه خروج عظمة من بلعومي ولكن ماذا حدث لتسد مجرى نفسي!
ها هي أنتا أتحرر منك , ها هو قلبي يلفظك لتنزلقي من لساني وتتركيني إلى الأبج !
لم أتخيل أن أتحلل منك بهذه السهولة. فقط أني لا أستطيع أن اتنفس قليلا. والله أكذب ليس قليلا بل كثيرا ولكن لا بأس اني افتح ازاريرَ ثوبي وسيتحسن الأمر مع الوقت ؟
مهلا اني أفقد بصري أيضا ؛ حسنا, حسنا لا بأس لا أريد أن ارى من بعدك. فلا شيء يستحق
ولكن ما لهذه الرؤية تتجرد أولا من الدقة والآن الألوان تتخبط / تتصارع أمامي حتى أستقرت على العتمة !
ما اقبح العتمة , تغار على عيناي أكثر منك. لا تريد أن تَرى ولا تُرى حتى أنها سحبت جفناي ب بطئ , لأغلق عيني.
يالله قدماي التي كنت انافس بها في ماراثون الرجال لأليق بك مالها لا تكاد تتحملني , أن جاذبية الأرض اصبحت فجاءة أقوى ؟
مهلا هذا لا أتحرر منك! عندما شعرت برأسي يصطدم بالأرض تأكدت أني اتحرر من روحي! ياويحي اني كنت أموت ب بطئ! والله أني كنت أعلم انك لا تفارقين هذه الروح ببساطة صرخت ندى وهي تخلع كل مظاهر الفرح والأحتفال
ما أن سقط ذعار امامه على الأرض
بعد أن كان يكافح ضيق التنفس
بأن يفتح أزرار ياقة ثوبه.
ويكافح الدوار بأن يحاول ان يرأها جيدًا
ولكن جفناه اقوى منه ليغلق عيناه بإستسلام. وشيئا فشيء خرت قدميه ليسقط مغشيا على الأرض :
مقررررررررررررررررررررررر ررن أبووووووووووووووووووك !
رمى كسار كتبه في المرتبة الخلفية من سيارته، لم تعد باريس تُطاق في معمعة سيارات الأجرة
استأجر سيارة قبل ان يجلس على الحديدة من اضطراب ميزانيته المادية منهم .
توقف عند الإشارة الذي تقع في وسط المدينة
سقطت عيناه على يمينه.
ليسمع صوته الداخلي يذكره :
" عمارتها ورآها "
رغم انه لم ينسى
عاد بعيناه الى امامه
وهو يسمح لنفسه ان يختلي بأفكاره بها في الثواني القليلة لتحول الإشارة من حمراء الى خضراء :
الا صدق وش صار عليها ؟
ابتسم وهو يستغفر الله في داخله ان لا يبتليه على شماتته
عندما تركها ودخل للمصنع وخرج وجد ذراعها زرقاء من شدة ضغط ريناد عليها من الخوف.
تجاوز الإشارة بإنعطافه يمين وهو يقف امام الصيدلية.
شيئًا ما جرَّه وكأنه لا يملك الحق بإختيار وجهته
أخذ كريم للكدمات ، وحمالة ثلج على عجلة.
وركب سيارته متوجهًا الى عمارتها ماكانت الا دقيقة ونصف وسيارته تقف في مواقف العمارة
يليها المصعد ، والآن هاهو يقف امام باب شقتها الصغيرة!
شقتها التي تأخذ نصف مساحة هذا الدور الكامل. لو تعلم شقتها انها تسميها شقة لا انهارت من ظلم ريناد لها
عقد حاجبيه من اختفى ذلك الحارس المتعسكر عند شقتها في اليومين الماضية، ختم حديثه الداخلي بضحكة جهورية :
شكله انفك حظر التجول
تلاشت ضحكته تدريجيًّا وهو يرى الباب مفتوح!
عقد مسار حاجبيه باستغراب معقولة انها " يافرحة ماتمت " والحارس موجودًا ولكن بالداخل ؟
ولكن وش بيكون شغله جوا!
كاد ان يخترق زر الجرس ليندفع الى الوراء في باطن الجدار نتيجة ضغط إصبع كسار القوية عليه!
يسمع صوت الجرس بوضوح وهو بالخارج ، مستحيل ان ريناد ماتسمعه
ولكن السؤال هي وينها ؟
قبل ان يجاوب سؤاله بنفسه ، يراودته افكار ابليس - كما يتمنى - او انها افكار دماغه - وهذه الحقيقة - ان تهديد ع¤يليب قبل امس لم يمر مرور الكرام!
همس بغضب وهو يدفع الباب بقوة. وخوفه يعمي بصيرته
ينسيه انه يقتحم منزل لا ينتمي له ، يؤذي حرمته ، يكشف عورته
كله في سبيل اخماد ذلك الشك المتوجس في داخله!
مشط الشقة في نصف من الدقيقة ولا اثر لأحد
يالله ليس من صِغرها حتى تختفي في ارجاء هذه الشقة ، ولا من كبرها حتى اجدها بسهولة في هذه المدينة الفسيحة!
تسلسل الى انفه رائحة احتراق!
احتراق شيء يعرفه ولكن لا تسعفه ذاكرته المسؤولة عن الروائح بتميزه
ماكاد يلبث ثانتين الا ورائحة احتراق الشوكلاته ايقضت ذاكرته
ليركض الى المطبخ وهو يبحث عن مصدر الرائحة
انتبه الى مؤقت الفرن انتهى من زمان. والكيكة بداخله تنظر اليه من خلف الغطاء الزجاجي لا يعرف لماذا يشعر انها تبكي لانها لم تتعرف على نفسها وهو لا يلومها هي الآن تشبه كل شيء الا الكيكة ( جوالها موموجود والكيكة بالفرن ، اكيد راحت قريب وبترجع ولا ماكان جوالها اختفى )
خرج من شقتها ، بعد ان يأس من وجودها
وكأن خروجه ينزع عنه غشاءه الذي تلبسه لحظة دخوله
وكان في هذه الشقة تعويذة تصيبه عند الدخول وتعتقه عند الخروج
بغضب من نفسه على اهتمام الغير مبرر امام نفسه بها!
اخذ كيسة الأدوية المرمية تحت قدميه بصوت مرتفع وكانه يحاول ان يسكت ذلك الشامت بداخله :
مافيني على ذنب برقبتي! اذا سووا فيها شيء هي برقبتي لإني المسؤول ، وثانيًا هي امانة سياف لي
ولو غير كذا كان دفعة مردي
جسدها الملقي عند اول درجة من السلالم!
لا يدري كيف شافها. مستقلية على الارض
جفنيها التي لم يلتم شملها مع بعضيها من عيناها من ايام وكأن سياج الأرق يجلس بينهما
ما ان يكاد يغمض احداهما الا وتيارًا ينفضه
ليعيد دورة السهر مجددًا ومحاولة النوم في يوم اخر
وكف ينام على بطنها، والكف الآخر منقلبًا على ظاهره ساقطًا على وشاحها الذي يستر كتفيها من نسمات الهواء الباردة ان تنخر عظامها
ضرب بطرف أصابعه ، خدها برقة
وكله خشية ان يجرحه لا يعلم من نعومة خدها او خشونة أصابعه! والخيار الاولى ارجح :
ريناد ، تسمعيني ؟
لم يرى اي استجابة منها
مسك كفها وهو يرفعها من الارض ، ليضعها على فخذه ويدفن كفه بباطنه :
ريناد اذا تسمعيني اضغطي على كفي
اردف بسرعة وهو يخشى ان مابها القوة الكافية لان تضغط :
او المسيني بس المسيني
لم تستجيب لريناد لأي امر القاه عليها، هي غائبة عن الوعي تمامًا!
سحب الوشاح من تحتها بقوة ، رماه على وجها وصدرها
يسترها عن اعين المارة
ليدخل ذراعيه واحدًا من تحت عنقها ، والآخر من تحت ركبتيها
ويحملها
بخطوات سريعة على السلالم، وكأن المصعد ليس بسرعته حاليًا
فتح باب سيارته من جهة السائق ، ركب هو وإياه سويًا
وضعها في مقعد الراكب وثبتها بحزام الآمان ناسيًا نفسه
تجاوز الإشارة الحمراء الاولى، ترك خلفه سيارة ترجل منها شاب يشتمه باسوء الألفاظ بعد ان كاد ينهي كسار حياته
صعد الرصيف ليتجاوز زحمة الشارع
محطمًا كراتين الفاكهه الخشبية المصفوفة بعناية امام المتجر
ومن خلفه تلحق به امرأة مسنة وبيدها حبة تفاحة ترمي بها الزجاج الخلفي من حرقتها على بضاعتها
وقف سيارة عند البوابة مستشفى باريس سان جوزيف ، المفتاح مازال بالداخل
نفس الطريقة التي ركب بها ، نزل فيها
ركض وريناد بين يديها
صعد السلم الاول وهو يصرخ بالانجليزية، وكأن الفرنسية التي بذل اخر سنواته في تعلمها لم تعد كافية لمساعدته :
I want helping
ركضوا ممرضتين بإتجاه كسار، وممرض خلفهم بالسرير
وضع كسار ريناد عليه وهو يسمع الممرضة تسأله بالأنجليزية بعد ما ان رأت ملامحه وفهمت انه اجنبي :
What it is
توقف كسار ، رغم انهم يركضون امامه. هامسًا وعيناه تائه بملامح تلك الممرضة :
I don’t know
اقترب منه الممرض، وبيده الاستمارة بعد ان ولى مهمة سلامتها للممرضات :
What her name ?
بلع كسار ريقه وهو يتخصر بقلق :
ريناد ذعار الكسار
/

\

/
كان يركض بخطوات سريعة، لا يعيقه الاسرة الطبية التي تقطع طريقه. لا يبطئه زملاء المهنة الواقفون بنصف الطريق وبيدهم سجلات المرضى!
حتى تلك السماعة التي تتخبط على صدره من آثر ركضه لا يبالي لها
توقف عند بوابة الطوارئ
وضع جلوي كفيه على ركبتيه وهو يتلاقط انفاسه واذنه تستمع الى ذياب الواقف بين الطاقم الطبي المنتظرين جميعهم سيارة الإسعاف القادمة!
يخبرهم بصوت جهوري ، و وجه خُطف لونه :
المريض القادم!
ذعار الكسار ، كبير سن ، مايعاني لا من ضغط ولا من سكر
اغمئ عليه بشكل مفاجئ في بيته ، وماخبر احد اذا كان يعاني من أعراض آلم سابقة
قاطع كلامه صوت سيارة الإسعاف، والضوء الأحمر الذي يضيئه صفارة الانذار
فتح جلوي باب السيارة بقوة من الجهة اليمنى، ومن الجهة الاخرى ذياب
بينزلون المسعفين السرير بسرعة محمل عليه ذعار وعلى انفه كمامة الأكسجين
نزل من خلفهم مقرن ويده تعانق كف والده
همس مقرن وهو يحاذي ذياب :
ابوي من يدي ليدك يا ابو خالد!
انا اهلي ورا سيارة الإسعاف مع السواق ، بروح لهم واجيكم
هز ذياب راسه بالإيجاب ، وعيناه على جلوي بقلق :
في عيوني يا ابو ذعار في عيوني!
اقترب من جلوي بعد اختفى من خلفهم مقرن. اكتفى ان يقف بجانبه بصمت ، الى ان ينتهون من التشخيص بالداخل
هكذا يعالج جلوي حزنه، تذكر لما رفض ذعار سفر جلوي للخارج مع ذياب لدراسة الطب
اسودت الدنيا في عيني جلوي لحظتها، لم يكن لشيء بالداخل ان يعالج ذلك الغضب الا وجود سياف وذياب حوله صامتين! هو يرى هذا الصمت ، عكاز يستند عليه
هو يرى هذا الصمت ، حكمة يستمد به ردة فعل سليمة
هو يرى هذا الصمت ، حضن
اقترب منهم مقرن وبجانبه امه
ركضت ندى بخطوات سريعة بمجرد ما ان رأت ابنها وأبن اختها يقفون بذلك - السكراب - الأزرق ومن فوقه - البالطو - الأبيض يزين اعناقهم السماعات الطبية :
بشروا يا يمه بشروا عن أبوكم وش صار ؟
قاطع كلامهم خروج الدكتور الذي كان ينتظرهم في غرفة التشخيص ، يخلع قفازاته باستعجال وهو ينظر اليهم بقلق :
الوالد مصاب بجلطة دماغية ، وبنسوي قسطرة طارئة الآن وبعدها ننقله العناية المركزة بأذن الله
فتح جلوي عيناه بدهشة :
متاكد يا دكتور جلطة ؟ من وشو !
لف عليه الدكتور باستنكار سؤال جلوي :
مفروض انا أسألكم هذا السؤال يادكتور جلوي
الواضح لي لعله تعرض لارتفاع في الضغط
قاطعه جلوي :
ابوي طول عمره حتى ما انخفض ضغطه والحين تقول لي جلطة مرة وحدة
تكتف مقرن وكأنه بهذه الحركة يعزل نفسه بهدوء :
لعله أمور الشغل ياجلوي
ابوي انسان مسخر كل جهده في سبيل عمله
لعلها خسارة او غيره
لف جلوي بغضب على مقرن :
خسارة وش ؟
ماهو حديث عهد بالشغل والسوق ابوي هامة السوق يخسر مايخسر!
ابوي فيه شيء ثاني
فيييييه شيء انتم وينكم عنه
قاطعه الدكتور وهو يتوجه بسرعة الى غرفة العمليات ليستعد :
على كلٍ
بعد العميلة عندنا متسع من الوقت نتناقش فيه الان المهم فقط هي سلامة الوالد!
/

\

/

\
أغلقت عيناها بقوة!
وكأنها بهذه الحركة تشلّ ذاكرتها
ذاكرتها التي تعيد المشهد نفسه امامها في هذه البقعة التي تقف عليها الآن
اكتشافها لخبر خيانته مع صديقتها
حدث هنا
امام منزلها ياتركي!
يالله حرر تركي من ذاكرتي
قبل ان يتحرر من جسدي عبر معدتي واتقيئ!
يا رب اقم استقامتي
حتى تعود المياه لمجاريها
حتى تبرئ خدوش كرامتي
حتى يكسر تركي ويعود مذلولاً مهانًا
وتعود غادة الى الجحيم!
ابتسمت بصعوبة بالغة،
بالغة كابتلاع جمرة مشتعلة دون ان تظهر الضجر بوجهك
وهي ترى غادة تفتح باب الشارع لبيتها
وترحب بإندفاع مجاملة :
شوفوا مين نور بيتي!
انفال ياهلا
غادة التي كانت واقفة ورا باب الشارع ونصف جسدها بملابس البيت خارج
خرج جسدها كله وهي تخرج بدلع
وتطل برأسها بالشارع :
تركي جابك هنا ؟
لم تكمل سؤالها
الا ويدين انفال القوية دفعتها عن الباب بعنف.
لتبتسم بعدها ببرود
في ملامح غادة المصدومة من انفال التي لاول تتأخذ ردة فعل تجاهه :
ياوجه استح!
باب الشارع مشرّع والناس برا رايح جاي
ابتسمت غادة ابتسامة مجاملة، صفراء
وهي تغلق الباب بقوة تفرغ به غضبها :
ايه صح!
دخلت انفال وهي تعلق عبايتها وشيء خامد بها ما ، يشتعل الآن بداخلها
الآن عرفت متى كانت تستغفلها هذه العقربة!
تستغفلها في لحظات بسيطة، عفوية
حتى انه من الجنون ان تراه انفال شيئًا عظيما
جلست غادة جمبها بقوة وهي ترمي بالقهوة بينهم بالنصف
وصل الآمر بها حد الجنون، تركي له اكثر من شهر يتجاهل رسائلها ومكالمتها والآن يوصل الى باب بيتها ولا يفكر ان يلقي عليها نظرة :
الا وين الناس يا انفال ؟ لا انتِ ولا تركي تسألون وانا عادتكم حسبة اهل!
ابتسمت انفال بجدية،
لاول مرة من بعد كشفها لتركي تبتسم بصدق ابتسمت على تلك النار المشتعلة امامها دون ان تشعر ان انفال علمت بها
حطت يدها على بطنها بدلع :
مو انا جيت ابشرك ؟ لي شهرين حامل الحمدلله و وحامي شيييييين يقطع القلب
بس وين ينقطع قلبي وتركي
كانت ستتبع كلامها بدعوة ( الله لا يخليني منه ) ولكن كانت ثقيلة جدًا على لسانها، تشعر بها كغصة تسد مجرى نفسها



تجاوزتها حتى تحافظ على أتزانها لتكمل :
معي حايفني حوف!
لدرجة حتى الدوام معد يروح يخاف احتاج شيء ولا تلوع كبدي وهو بعيد
شعرت بسهام تخترق قفصها الصدري!
سهام على هيئة أحرف لا ترى فقط تشعر بها
هو من اكثر من شهرين يتجاهلها
بدون ان تعرف السبب
الآن فهمت!
تركها لانه سيرزق طفل جديد
كلامه عن ان مايفعلونه خيانة بحق انفال
وجريمة يُعاقب عليها من قبل انفال!
كان تركي معها وكل كلامه عن انفال وانفال وكأن لم يخلق على ارض البشر الا انفال
لم يكن يريد اطفال مالذي حدث الآن ؟
وقفت غادة بغضب وهي تقرع بصينية القهوة الطاولة بقوة :
واذا حامل ؟ واذا متوحمة ؟ اول وحدة تحملين! لا تشقين بالرجال معك بس
بعدين اخبرك ماتبين اطفال لهذه الفترة لين ترممين زواجك التعبان وش صار ؟؟ ولا بس كلام و وقت الجد تصيرين جوليت ؟
شيئًا من طعم النشوة شعرت به انفال يعبر مرئها
مرئها الذي قبل ثواني كادت ان تتقيئه من فرط المرارة
والآن ردة فعل غادة المتخبطة جبرت خاطرًا مكسور
ابتسمت ببرود - وهذا آخر ما استطاعت فعله - وهي تضع يدها على بطنها :
كتبة الله بعد وش نسوي. نرد الرزق ؟
عاد كنت متوقعة بنحمل سوا !
قبل فترة امّم يمكن ثلاث شهور ؟ تقولين زوجك رجع!
تفائلت من وقتها فيك للحين
سكتت انفال بإبتسامة محرجة مصطنعة
تاركة مخيلة غادة تكمل الباقي
عقدت غادة حاجبها باستنكار :
زوجي!
زوجي له اكثر من 7 شهور ماشفته
رفعت انفال حاجبها بمكر :
سبع شهور يا ظالمة!
اجل الغراميات اللي كانت على رقبتك قبل ثلاث شهور من مين ؟
لا يكون من الهواء
فتحت غادة عيونها بدهشة
وكأن الارض وماعليها يدورون فيها
كيف غفلت ؟
كيف نست شيئًا مثل هذا!
هي شخصيًا نسته
كيف انفال لم تنساه ؟
يالله اول مرة استشعر صدق مقولة ( حبل الكذب قصير )
والله انه اقصر مما توقعت!
والله انه اقصر
بلعت ريقها
وهي تأخذ ردة الفعل الاولى الذي يتأخذها اي مجرم قبض عليه بالجرم المشهود :
تحلمين ولا يتهيأ لك!
ماهي غراميات ولا شيء
يمكن حساسية تعرفيني أتحسس من الاكسسوارات يمكن لبست سلسال اكسسوار وانتي تفكيرك راح بعيد
هزت انفال رأسها ببطئ وهي تبتسم بسخرية :
حساسية! ياحرام
/

\

/

\
شرّع باب الشارع لمنزله
وهو يدخل بقدمه اليمنى مسميًا بالله
بيده اليسرى يدخل عصاته التي يستند عليها
وبيده اليمنى مسبحته يذكر بها الله كثيرًا خصوصًا انه للتؤ خرج من صلاة العشاء :
استغفرلله
ولا حول ولا قوة الا بالله
بترّ تسبيحه رائحة اقتحمت انفه!
لم تكن عطر
لم يكن غيره.. لا!
كانت رائحتها
رائحة يشمها بين خصلات شعرها
أماكن النبض في جسدها
رائحة غزل
قرع بعصاته بالأرض بقوة وهو يحاول ان يرمي بثقله كله عليها
حتى يسرع خطواته لها
صرخ بصوتٍ مرتفع وهو يبحث بعيناه عنه :
ياعيونه! ياغزل
وقف على عتبة الباب الداخلي
وهو يراها تخرج من الصالة
رمى عصاته بالأرض وهو يفتح لها ذراعيه :
ياعين ابوك
ضحكت غزل وهي تضمه بشوق
قبلت جبينه ومن ثم رأسه وهي تمسح على كتفه :
مساءك الله بالخير يايبه
مسح ابو سلطان على رأسها بحنية :
عز لله صدقتِ
والله انه مساني ربي بالخير
ضحكت غزل وهي تدخل اصابعها في فراغات أصابعه
وتضع راسها على كتفه :
يبه ترا بتكبر رأسي
ومن بعدها معد احد يرضيني
ابتسم ابو سلطان وتلك الحنية مازال تاخذ من صوته كثيرًا :
تدللي على ابوك وهو اللي بيرضيك
قطع تلك اللحظة المتدفقة بحنان الأبوة
تساؤل سلطان القلق وهو يهمس بأذن غزل :
يا ابوك انا كلمت ذعار
ابيك وبجيك بس هو مدري وش فيه
مايشوف ذا الغبّر اللي بيده اربع وعشرين ساعة
بلعت غزل ريقها بهدوء
وهي تفهم عدم اجابة ذعار لاتصالات ابوها :
ماعليك منه يبه
هذا انا قدامك
انتي قلتِ لي تعالي وماعليك من سلطان
دام الراية البيضاء منك يا يبه جت
( اكملت حديثها / كذبتها )
معد لي جلسة بجدة!
يكفي انا 12 سنة اتخبى
خلاص يايبه انا تعبت من الغربة
تعبت اني ما اعرف منكم يا اهلي الا وجهك يايبه
تعبت عشان اقدر ألمك واشمك
نأخذ الإذن من ذعار
معد لذعار سلطة علينا!
لا ذعار ولا غيره
انا طلعت يايبه
انا غزل لا ذعار يخفيني عن عيون الناس ولا غيره
ولا سلطان يقدر يحرق قلبك بتهديداته لك علي
اللي يبي يقول شيء يقوله بوجهي
قاطعها ابوها لما رفع وجه بحدّة :
بس ماكان هذا قرارك ياغزل ؟
قرارك انك تختفين
وقلت لك بتستر عليك وانا ابوك بس بشرط معد تطلعين وقلتِ تم!
وش تغير الحين ؟
انا صح قلت لك تعالي وماعليك من سلطان
بس تجين في بيتي بدون علم احد
ماهو تطلعين للكل من بعد ظ،ظ¢ سنة
وتقولين اللي يبي يقول شيء يقوله في وجهي
انا ظ،ظ¢ سنة اسمع السمّ واسكت وانام وانا محروق
ظ،ظ¢ سنة يا غزل مرت
كأنها ظ،ظ¢ قرن وقلت عوافي عشان عيون غزل
بالمرة الاولى
قلتِ لي ما اقدر ارجع عشان خالد
آمنا بالله وابعدناه!
المرة الثانية
قلتِ لي يبه سلطان يهدد لو رجعت بيذبحني
آمنا بالله واخفيتك انا وذعار عن الوجود عن سلطان وتعذرنا لهم بأنك تتعالجين!
تبليت عليك بشيء ماهو فيك وكلهم كذبوني وماهموني
قلت عشان عين تكرم مدينة
الحين وش ناوية تقولين لهم ياغزل ؟
والله شفيت
يالله خذوني بأحضانكم ؟
رفعت غزل عيونها لتقع في عيني ابيها
كانت الرؤيا معدومة بسبب ملح عيناها الذي تراكم على خط رموشها
لتتعبر بحرقة
ماكان خسارة ذعار آمر يمكن تجاوزه بسهولة :
انا تعبانة صدق يايبه
انا من ظ،ظ¢ سنة ماشفت العافية
قلت ارجع يمكن القى بينكم عافيتي
وألقاك انت يا يبه أولهم تقول لي ارجعي!
انت يايبه اللي من خطت رجلي ارض المطار
كنت معي وتساندني
اذا انت كذا
اجل مالي رجاء بالباقي
قاطعها ابيها بحدّة :
انا ماقلت ارجعي رخصٍ فيك
بس هذه الحقيقة
حتى لو ماهي مرضيتك ياغزل
لا تحسبيني من ظ،ظ¢ سنة اسايرك يعني راضي
انا قاعد اكفر عن غلطتي
غلطتي اني زوجتك خالد
وقلت لك انه اللي يناسبك
وقررت عنك بالأخيرة جت ضربة الزيجة الفاشلة برأسك
بس الى هنا وخلاص ياغزل
مسحت غزل دموعها بقوة ، مندهشة :
يعني وشو خلاص يايبه ؟
بتتخلى عني يوم صرت أحتاجك اكثر من اول ؟ بتتركني لحالي
ابتسم ابو سلطان بهدوء وهو ياخذها لحضنه :
مسحي دموعك وانا ابوك
ماتركتك وانا اسمع قذائف تشل أذني عنك من اقرب الناس لي وهو ولدي
بتركك الحين يوم قوى عودك وسكّت كل من تكلم فيك ؟
/

\

/
اقترب مدير القسم
وهو يفتح باب الغرفة الصغيرة
المرفق بها مغسلة وعلاقة ملابس غرفة العمليات
دخل وهو يرى ذياب يغسل يديه بتعقيم جيد قبل ان يرتدي القفازات الطبية
عقد حاجبيه باستنكار :
دكتور ذياب!
لف عليه ذياب
بعد مامد كفيه للممرضة تنشف يده وتلبسه القفازات. ابتسم بمهنية :
يا اهلًا وسهلا
مشرفنا اليوم في غرفة العمليات
خير ان شاء الله ؟
هز مدير القسم راسه
وهو ينظر الى المريض المستلقي خلف الزجاج على السرير الأبيض :
الخير ان شاء الله اذا طلع ابو مقرن بالسلامة!
والله انه عزيز وغالي
وصديق قبل ان يكون مريض
لبس ذياب الكمامة وهو يربط طرفيها خلف راسه باستعجال :
بأذن الله في عيوني
دعواتكم
مد مدير القسم ذراعه ليقطع طريق ذياب :
عفوًا مين قال انك بتسوي القسطرة ؟
سحب ذياب كمامته باستنكار :
نعم ؟
شلون مين يقول!
هذه الحالة حالتي وانا استقبلتها
ودامها جلطة دماغية يعني اختصاصي
وما اتوقع فيه احد من زملائي بيأخذ مني حالتي وانا مستعد لها
هز مدير القسم راسه بتفهم :
ما اقدر اقول حالتك
لان ادري انك خذيتها عشانه زوج خالتك
وعشان خاطر الدكتور جلوي
وهو فعلًا محد من زملائك بيتجرأ ياخذ منك حالة انت مستعد لها
ولكن انا أتجرأ اخذ منك حالة وأعطيها زميل من زملائك
رمى ذياب كمامته على الارض بقوة
وهو يحاول ان يكتم غضبه قبل ان ينفجر :
ومين اللي بيأخذها ان شاء الله ؟
فتح عيونه بدهشة وهو ينظر الى مدير القسم
عندما سمع صوت من خلفه ينادي الممرضة :
نيرس! انا مستعدة
صوتها! والله انه صوت الجوهرة
دون ان ينظر اليها
ولم يعد يبالي ان رأى مدير القسم غضبه او لا :
انا تأخذني مني عمليتي عشان تعطيها!
انا مين وهي مين عشان تاخذ مني
انا تأخذ منهم وتعطيني
ماتاخذ مني يا دكتور ابتسم مدير القسم بسخرية وهو يتكتف ، ليميل بجسده على المغسلة :
ماشاء الله ومن انت ؟
وضع ذياب سبابته على صدره وبهدوء رافعًا حاجبه
عمله هو الشيء الوحيد الذي يشعر فيه بقيمته وأهميته! هو الوحيد الذي يشعر به انه ينتمي له. يشعر ان حضن والدته ، وقرب ابيه ، وعاطفة اخته
كل تلك الاشياء التي لم يجدها في حياته
بأي حق يسرقونه منه الآن ؟ :
انا الطبيب الجراحي ذياب بن خالد
وهي حديثة تخرج
انا اللي عمرت بين جدران هالمستشفى ماطلعت مني الزلة
وهي جابت آجل وظيفة 20 ممرضة على يدها ويمكن قريب القسم بكبره ليش لا ؟
انا اللي لا الكويت والسعودية رضيت فيهم ، وماجبت شهادتي الا من أقصاها
انا شهادتي خارجية وفي احسن الجامعات وهي شهادتها من وين ؟
ليكمل بسخرية :
من ديرتها
اكمل ولا بتضيع وقت حياة مريض
في مقارنة انا فائز فيها ؟
كل كلامه لم يشكل لها فارق
الا عندما استصغر من دراستها في ديرتها
ديرتها وخط احمر!
ابتسمت الجوهرة بهدوء وهي ترفع راسها
ليصل صوتها الجهوري الى مسامعه بشكل اوضح :
ايه من ديرتي
انا ما اروح أقصى هالأرض عشان شهادة
انا اهل اقصاها هم يجون لي بأنفسهم في ديرتي
اللي مايثق بمخارج ديرته يادكتور ذياب مافيه خير
ديرتي اللي ماهي عاجبتك شهادتها
هي اول ديرة لمتك في حضنها يوم بغيت الرزق والوظيفة
ديرتي هي اللي خلتك جراحي ناجح
هي اللي خلت دكتور جلوي يثق فيك
هي اللي خلتك تتباهى بنفسك قدامنا
هي اللي خلتك تحط نفسك بمقارنة بنت من بناتها
ولا قد جت منّا منّة لك! بس اذا انت تبدأ ترانا مانقصر
بعد ان عمّ الصمت لثواني طويلة بينهم
قطع هذا التوتر الصامت مدير القسم بتساؤل :
خلصتوا ؟
اعتدل بوقفته ، لينظر الى الجوهرة بهدوء :
تفضلي على العمليات ، موفقة يا رب
وقفت الجوهرة بطرف ذياب بهدوء ، وهي تخلع قفازاتها :
انا اعتذر منك يا دكتور
بس ماكنت ادري ان هذه العملية لدكتور ذياب ولا ماكان خذيتها
اذا تسمح لي اذا ماكان برضاه ما اقدر أنفذها اعفني منها
قاطعها مدير القسم بحده :
ادخلي يا دكتورة الجوهرة لو سمحتي
ضيعتوا من وقت المريض بما فيه الكفاية
اخذ ذياب كمامة جديدة بسرعة :
انا مازلت مصر ان العملية عمليتي!
عفوًا وقت مريضي لذلك ، بباشر العملية
دخل ذياب غرفة العمليات تاركًا خلفه المدير ، والجوهرة ينظرون اليه
كان ذعار مستلقي على السرير ، بلبس المستشفى الاخضر
بوجه اصفر هزيل ، مغلق العينين وكانه نايم بعالم آخر لا ينتمي لهذا العالم البائس
يغطيه مفرش طبي باللون الأخضر
كل شيء امامه يكسوه اللون الأخضر
ولولا اللون الاخضر لا تاهت ابصارهم اثناء العملية!
هو اللون الذي يجدد نشاط عينيه
بعد ان تتعمق بلون الدماء
لأن الأخضر هو اللون المقابل للأحمر في عجلة الألوان
القى التحية على دكتور التخدير ، والطاقم الطبي
جلس على الكرسي خلف رأس ذعار ابتسم بإنتصار وهو ينظر الى الممرضة :
مشرط
/

\

/

فتحت عيونها ببطئ
لتغلقها بقوة مرة اخرى وهي تشعر بثقل رأسها !
أرخت عيناها ليخف الضغط
وتركتها ثواني تحاول ان تستشعر حدة الضوء وهي مغلقة عيناها
فتحتها مرة اخرى ببطئ شديد ، وحرص بخالف المرة الأولى
كان كل شيء يكسوه الظلام
ونور معتم من قسم الاستقبال
انتبهت الى المكان الذي هي فيه ، اعتدلت بجلستها بقوة
كفها اليسرى يزينها سلك المغذي. وساقيها يسترها شرشف السرير
وشالها الذي أخذته تحمي كتفيها من البرد
هاهو موجود ولكن موضوع عليها وكأنه يحميها من تكيف المستشفى المركزي البارد
تحسست جيوب بنطلونها ( الچينز ) وجدت هاتفها بداخله مثل ماوضعته قبل خروجها من البيت
شافت الساعة الحادية عشر مساءًا
كيف وصلت الى هنا ؟
لفت على الأسرة المجاورة لها يفصلهم جدار من زجاج وبعضهم لخصوصيته سدل الستار
نظرت الى الامام وماكان الجدار يختلف عن اخوته بشيء
زجاج ويطل على السيب الخارجي الذي يضم الاستقبال والاسرة الباقي
وكراسي انتظار
وقفت ريناد وهي تعدل ملابسها
سحبت العامود الحديدي المعلق به بلاستيكة المغذي وهي تفتح الباب الزجاجي من النصف
اقتربت منها الممرضة بعجلة وهي تحاول ان تعيديها الى السرير :
You need rest !
عقدت ريناد حاجبيها ، وهي تبعد يديها عنها :
what happened ?
ابتسمت الممرضة بحنية / شفقة
لانها توها تستيقظ من وقت دخولها المستشفى الى الان :
‏I will call you Dr
هزت ريناد رأسها بإيجابية لفت لتعود الى سريرها ، حتى يأتي الدكتور ويساعدها بجمع الاجوبة لأسئلتها
سقطت عيناها على النائم بهدوء بالكرسي المقابل سريرها بالخارج
كسار !
ثنت ركبتيها ، بحيث تجلس على بطة ساقيها
كان رأسه يستند على الزجاج ، وجسده بوضعية الجلوس وملامح الإرهاق تركزت حوالي عينيه
همست وهي بطرف اصابعها تهزه من ركبته :
كسار ، ياكسار
فتح عين واحدة ببطئ
فز وهو يراها امامه
ابتسمت ريناد ابتسامة خفيفة :
بسم الله عليك
وش تسوي هنا ؟
فرك كسار عينيه بطرف كفيه ، وكأنه يطرد النعاس :
الحمدلله على السلامة
تنهدت ريناد وهي تقف :
الله يسلمك وش صاير ؟ راحت تنادي الدكتور ومارجعت
وقف كسار معها :
مفروض احنا اللي نسألك وش صاير !
هزت ريناد كتوفها بحيرة :
انا كنت طالعة بروح السوبر ماركت على السريع وبرجع
وحسيت بدوخة وانا بنزل الدرج وبعدها مدري وش ص
قاطعها كسار بسخرية :
دختي ياماما ! الدكتور يقول الاعراض شبيه بأعراض الانهيار العصبي
أسالك بالله متى اخر مرة نايمة ؟
عقدت ريناد حاجبيها وهي تحاول ان تتذكر ، بلا مبالغة لا تتذكر :
يمكن قبل لا يسافرون اهلي
قاطعها كسار بعصبية :
شاطرة ياهبلة
والدكتور يقول تنفسك مو سليم
كأنك تتنفسين بصعوبة !
وهذا احتمال كبير من انك متعرضة لنوبات هلع او ذعر
اكمل ولا ماودك تسمعين سواد وجهك ؟
قاطعته ريناد بغضب :
سواد وجه ايش ؟ تراه شيء مو بيدي
تخصر كسار بغضب لا يقل عن المرة الاولى :
وش اللي مو بيدك بس فهميني ؟
النوم ماهو بيدك ؟
الراحة ماهي بيدك ؟
( ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة )
انتي قاعدة تذبحين عمرك يا آنسة ولا همك احد
رفعت ريناد حاجبيها بدهشة :
الراحة والنوم بيدي ! يامسلم خاف ربك
انا الأرق ماعرفته الا منك
والراحة ماعفتها الا منك
والتهلكة هو طريقي اللي مشيته معك
انت اللي قاعد تذبحني مو انا ولله مو انا !
بعدين وش اللي ولا همك احد ؟
خايف اموت ولا تلقى حمارة ثانية تعاونك في مصايبك ؟
لا تطمن!
انا قطوة ام سبع ارواح ماراح اموت
مشت بغضب غير مبالية بالحديدة التي سقطت على الارض ، وسلك المغذي الذي انفصل عن كفها وكفها النازفة
وقف كسار امامها ليمنع طريقها ، عاقد حاجبيه بغضب من انانية تلك الطفلة التي امامه! :
انتي ليش ماتفكرين الا في نفسك ؟
ليش تشوفين اني قاعد اذيك وانا قاعد أحميك منهم ؟ قاعد اسايرهم على شيء ما أهواه عشان ما يرقبونك لانك مالك ذنب !
حياتك اللي ماهمتك
ترا وراك ام بيوقف قلبها لو تدري عن نقطتين الدم اللي طايحين من يدك الحين
وراك ولد خالة متحلف برقبتي على حدود السعودية لو ما أرجعك سليمة
وراك اخت لا ليلها ليل ولا نهارها نهار لانك بس مارديتي على اتصالاتها
وراك ابو بالموت قدروا معه يخلونك تحت عيني وماياخذك معه
كل ذولي مايعنون لك شيء ؟ ماهمك وش بيصير فيهم لو جاك شيء ؟
كانت عيناها في عيناه وهو منفعلًا غاضبًا يرمي عليها بكتل من الجحيم بكلماته!
يالله غبي ام يستغبني ؟ اما انا الغبية ؟ من منا الاحمق!
اخبره انه المتسبب بقتلي
ويخبرني بمن سيفقدني بعد موتي
اخبره اني احتاج ان يقول ان كل الامور على مايرام وهو بجانبي
ويخبرني اني " زدت الطين بلة "
لا اريد منك شيئًا ياكسار.
عفوت لك عن كل تلك الايام الصِعاب دون ان تتوسل إليّ
غفرت لك ذنبك من الماضي ومن الحاضر وان كان سيقلتني
لا الومك ان كنت سأموت فأنا عقيدتي تخبرني بإنه قضاء وقدر محتوم
ولكن أريدك ان تاخذ بكفي متعهدًا لي بأنك لن تسمح بذلك
هل اخطئت اني احسنت الظن بك ؟
ام غلطتك انك أعطيتني بصيص أمل انك ستتغير ؟
لا ارى بعينك ذلك الرجل الذي منذ يومين أعارني معطفه
ارى بعينك ذلك الرجل الذي اقتلع مني السكينة ليخدش بها جبيني!
لماذا سلبتني املًا بأننا سنتجاوز هذه المِحنة سويًا وانت بطلي كما تعهدت لسيّاف
وتركتني في بقعة الواقع بإن الذنب ذنبك ولكن انا من سيدفع ثمنه بإيثار!
بلعت ريقها وكأن بهذه الحركة أعطت الضوء الاخضر لدمع المتكدس على خط عينها
لينساب بحرية بالغة / كمية وافرة على خديها
وكأن التعب الذي اصاب كل أنحاء جسدها ، لم يستطيع ان يسلبها قوة بكاءها
مسحت كفها بقوة في طرف بلوزتها بلا اهتمام
كانت تصرخ صحيح، ولكن بكاءها سلبها قوة صوتها ليخرج مبحوحًا هامسًا :
انت ماتحس ؟
من وش مخلوق قلبك يا اخوي ؟
أكلمك عنك وتكلمني عنهم !
لفت متجهة الى غرفتها ، ليقف كسار في طريقها مجددًا
صرخت ريناد في وجهه هذه المرة :
خلااااااااااص اعتقني
خلني اشوف دربي طالع لي بكل مكان خلااااااص!
تجاهل صراخها وغضبها ، وتحذيرات الدكتور عاقد حاجبيه بتساؤل :
وش كنتِ تقصدين ب " أكلمك عنك " ؟
مازالت بنفس طبقة صوتها العالية ، تنهر ذلك الجلمود المتسائل ببرود امامها غير مباليًا برعشة جسدها المرهف :
ابعد عني
تراكضوا الممرضات الذي كانوا بقرب غرفتها يبحثون عنها
اقتربوا منها ، لتأخذها ممرضة من كتفه وتبعد كسار الاخرى
اقترب ممرضة محجبة ، عربية اصرت ان تكون بالقرب من ريناد في مناوبتها بعد ان عرفت بوجود عرب في المستشفى :
لو سمحت
لف عليها كسار وهو اخر مايريد ان يراه ، احد يريد ان يكلمه :
نعم!
ابتسمت الممرضة بهدوء وهي ترجع خطوتين للخلف من اندفاع كسار :
مشان الله طول بالك
هي مريضة ومو اي مرض عادي
هي حتى نفسيًا مش منيحة ومنهارة عصبيا بلاش تزودها
رفع كسار حاجبه من تلك الواقفة امامه تلقي عليه بالاتهامات :
يصير خير ان شاء الله
اكملت كلامها غير مبالية بنفسية كسار اللي بخشمه :
الآن بدنا نعطيها مخدر بتنام الى الصبح وبتفيق وهي منيحة ان شاء الله
لا تشغل بالك عليها
ضحك كسار من جملتها الاخيرة بسخرية وهو يجلس بكرسيه امام سرير ريناد متكتفًا يفكر بكلامها الاخير .
/

\

/
كانت مستلقية على سريرها ، ثانية رجل وممدة الاخرى
تنظر الى السقف بتفكير عميق باللا شيء
تنهدت بقوة وهي تلف للجهة اليمنى
كانت لدن على جوالها ، بزهق لا يقل عن زهق لدن بشيء
ملوا من حكرة البيت. مقابل الجدران عوضًا عن مرة ابيهم المحتلة الصالة السفلية الآن
وهاد بفكرة فاشلة كالعادة :
وش رايك نطلع ؟
لفت عليها لدن ببطئ :
سياف مشغول في بيته ، والسواق مع يوسف في المسجد
تنهدت وهاد بملل :
ياليتك تسوقين يا اختي ما كان انحدينا لأحد
رفعت لدن حاجبها باستنكار :
رخصتي مو ماليه عينك! بس البلاء من ابوي للحين ماشرى لي سيارة
وسيارة شادن استحي منها صراحة ولا ما اتوقع بتقول لا
بالعكس يمكن معد تاخذ مفاتيحها مني
عادت وهاد لوضعيتها الاولى بتأفف :
انا ما احب اطلب من هذه البنت شيء
عم الصمت لثواني طويلة. لتعود وهاد المحاولة في فتح موضوع يطرد الملل القاتل :
يالله متى يجي نصيبي يالدن ؟
أبتسمت لدن على أفكارها بهدوء :
إذا كتبه ربي
لفت عليها وهاد مرة أخرى وعي تعتدل بجلستها :
أيه أدري إذا كتبه ربي بس أقصد متى ربي يكتب لي ذاك الرجال التاجر اللي بنى نفسه من الصفر! وإذا سوا لهم مؤتمر يقول أنا مابنيت نفسي الا عشان التقي في قلبي وحبيبتي الآنسة وهاد بنت ماراح أقول أسمه لإني زعلانة الجامح
وانا واقفة مع الحضور وأشوفه وعيوني تلمع حب من ذاك الأسمر الوسيم الاشقر ابو عين زرق
ضحكت لدن بسخرية :
يوه حسافة لازم زرق ؟ المواصفات سهلة أبد عند الباب بس زرق للأسف مابعد توفرت
ضحكت وهاد بإفراط لوهلة شكت لدن أنها ستجن من الكبت النفسي التي تشعر به :
آه – لتكمل - ايه حبيبتي خضراء حمراء سوداء لا ، بس زرق
ضحكت لدن بصدمة من تلك الغير طبيعية امامه :
الله يرزقك قبل تنهبلين علينا
أحنا واحد وجاب على امي وحدة
لو يصيرون أثنين وش بيسوي أبوي ؟
رن جوال لدن لتأخذه من حضنها وتجيب :
هلا شدونة
تنهدت شادن وهي تذهب بغرفتها رايحة ، جاية قبل أن تنفجر :
هلا لدونة
فاضين انتي و وهاد ؟
هزت لدن رأسها بلا مبالاه :
امم ما عندنا شيء ، آمري ؟
فتحت شادن دولابها بقوة وهي تطلع لها بنطلون جينز وتي شيرت ابيض سادة :
تكفين أبغى اطلع من البيت الحين
منقثة والله بتنبط جبدي لو اقعد دقيقتين زيادة وما ابغى اطلع لحالي لو ودكم تجون معي ؟
أعتدلت لدن بجلستها من صوت شادن المكتوم بحنية :
طيب إذا متضايقة أطلعي لحالك
تصفين ذهنك وتروقين وصعدي لي غنو لا تزعجك
رمت شادن فستان البيت القطني اللي كان عليها
بعيدا وهي تلبس بنطلونها :
لا تكفين لو أطلع لحالي بيجيني شيء من التفكير والهواجيس
ابي أحد معي بعدين نوسع صدور بعض أنتم ماطقت جبودكم من مقابل غرفكم ؟ عفية أعتقوا انفسكم لوجه الله مو عشانكم
ضحكت لدن من شادن التي اذا غضبت باتت تشابك لهجاتها :
بسم الله كأنك دارية تونا نسولف ودنا نطلع
وقفت شادن أمام التسريحة وهي تمشط بالماسكرا الشفافة حواجبها بإستعجال :
أجل زتكم انا بنتظركم بالسيارة
رمت جوالها بعيدًا. وهي تاخذ الروج من التسريحة لترميه بقوة في المرآيا
جلست على الأرض وهي تلم رجولها إلى صدرها. وتضع رأسها على ركبتيها
قبل عشر دقائق من الآن :
كان سياف مستلقي على الأريكة وجواله بكفه وبكفه الآخرى جهاز التحكم
خفض صوت معلق المباراة وهو يبحث بهاتفه على آسم حديث بقائمة الصادرة مؤخرًا
أعاد الأتصال
ليأتي صوت كسار من الجهة الأخرى :
مساك الله بالخير يا أبو غنى
اعتدل سياف بجلسته وهو يرى شادن مقبلة من ركن القهوة الموجود بزاوية الصالة. وبيديها كوبين وضعت واحدًا امامه والآخر بحضنها :
مساك الله بالنور وش صار عليك ؟
أنتظرتك على اساس موعدنا الليلة وماشفتك
فهم كسار على سياف بإن قصده ريناد ليش ماتجيب اتصالات شادن. كلمه سياف بالدوام الصباح واخبره بإنه سيذهب لريناد ولكن بعد مايرجع البيت ويريح. نسى سياف كليًا :
هي عندك ؟
رفع سياف عيناه لشادن
التي شعرت بعيون سياف لترفع رأسها وتبتسم. بادلها الابتسامة ليعود بانظاره الى كوبه :
ايه
تنهد كسار وهو يلف برأسه الى ريناد المستلقية بهدوء وسلام على السرير
مغلقة عيناها نتيجة المنوم :
أبد ياطويل العمر لا توضح لها انتبه لنفسك ترا مافيني حنة حريم وحدة وطلعت شيب راسي
رفع سياف حاجبه بحدة ناهرًا كسار :
أقول لا يكثر!
ضحك كسار ليكمل :
وانا طالع من الجامعة مريت من حولها قلت مرة وحدة. لقيتها تعبانة وصلتها المستشفى وصار عندها انهيار عصبي والحين بالمسشفى من العصر وان شاء الله خير
عقد سياف حاجبيه بصدمة :
ياساتر! ماتوقعت ولا واحد بالمئة بتوصل الأمور كذا
تنهد كسار وهو يعود بنظره الى ركن الاستقبال :
يارجال احمد ربك زين جت على كذا
والله العظيم بنت عمتك هذه ماهي صاحية لا نوم تنام ولا اكل تأكل واربع عشرين ساعة تصيح
مرر سياف اطراف اصابعه على دقنه بهمّ. وهذه الأمانة المجهولة أثقلت كاهله :
طيب وش رأيك يا أبوي أخذ اجازة بدون راتب وأجيك ؟ واضح الأمر معده معدي على خير
فتح كسار عيناه بصدمة :
انت صاحي ؟ اقعد محلك بس! أن شاء الله هذه اخر مصايب هالبنت ريح عمرك
المهم بس لا تقول لأحد شيء الى نشوف وش نسوي
رفع سياف حاجبه بغضب من لامبالاه كسار :
انت مستوعب وش قاعد تقول ؟ كل اللي صار ماهو هامك! تراها في راسي قدام الكل
وبعدين انا ما ارضاها على نفسي ادري بكل هذه البلاوي واحط يدي على خدي واقول يفرجها الكريم
وهذه غلطتي أصلا حملتك شيء ماهو مسؤوليتك
غمض كسار عيونه بتنهيدة
ليصمت ثواني يسترد بها أعصابه
اردف بهدوء :
أبو غنى عطني اسبوع اضبط امورها
وبعدها لو تشوف ما اني قد ثقتك ابد هي من يمينك هذه الى هذه
استند سياف بضجر أن كسار فهمه غلط :
ماهو القصد كذا يا أبو عبدالله!
هز كسار رأسه المتعب
وهو يريد انهاء هذه المحادثة :
على كلٍ إن شاء الله اذا استقرت بخليها تكلم حرمتك
هز سياف راسه بإيجاب وهو يغلق السماعة. رفع راسه على سؤال شادن التي كانت ترتشف قهوتها بهدوء وعيناها فيها :
هذا كسار ؟
بلع سياف ريقه ليجاوب بهدوء كاذبا :
لا
وضعت شادن كوبها على الطاولة. وهي ترفع راسه له :
سمعتك تقول ابو عبدالله! ترا اذا ريناد ماتبغى تحاكيني بفهم هذا الشيء لا تكذب حبيبي علي
وضع سياف ذراعه خلف عنقه بإبتسامة



يضيع بها الموضوع :
أحد حاصل لك تكونين أخته ويردك ؟ مالهم حق بصراحة
ضربت شادن بكوعها بطنه بضحكة :
بطل تأخذ بعقلي حلاوة بهاللسان!
دخل يده بشعرها وهو يضع رأسها على كتفه يلعب بأطرافه وعاد بعينيه إلى التلفزيون
أخذت شادن نفس عميق وهي ماتدري كيف تفتح معه الموضوع. ويمكن لأول مرة تطرح على سياف موضوع مثله
بلعت شادن ريقها وهي تتكلم بسرعة قبل أن يأخذ تفكيرها فكرة ثانية تسكتها :
سياف
سياف :
هلا ؟
رفعت شادن عيناها ومازال رأسها على كتفه لترى طرف عيناه :
أبوي كلمني ويسلم عليك ويبغاك يوم تتقهوى معه
هز سياف رأسه بلا مبالاه. وطاري خالد يذكره بالأيام السوداء التي مرت عليهم في ظروف أختفاء عمته :
الله يسلمه
اكملت شادن :
وكلمني بعد أنه خلاص بما أني مستقرة بالرياض على طول أن شاء الله. وهو مصيره مهما قعد بيرد الكويت يبغاني أمسك الفرع اللي هنا
عقد سياف حاجبيه ليخفض عيناه لها :
يعني ؟
ابتعدت شادن عنه وهي تجلس على الطاولة المقابلة له :
يعني خلاص! بالبداية كان يقول لي واتعلث بإن ماعندي خبرة. صار يجيب لي من وقت الى وقت أوراق ومشاريع وشغلي عاجبه وش بيضر لو توظفت ؟
ابعد الخصلة التي تسللت من شعرها على جبيتها خلف اذنها بسخرية :
وبنتك ياقلبي ؟
مؤسسة ابوك يعني ماراح تأخذين أي كرسي والسلام بتأخذين منصب. يعني مسؤولية أكبر. وغير كذا مؤسسة أبوك شرق وانتي شمال والصباح تكرهين عمرك من زحمة الرياض وثقي بتطلعين من 6 ونص ويالله توصلين على 8 وبتطلعين لي 4 ولا 5 على ماتوصلين مع خروج الموظفين أذن المغرب
بنتك في 12 ساعة هذه وش تسوي ؟
رفعت شادن حاجبها بإستنكار :
بنتك ؟ ليش قالوا لك أنها بنت شادن وبس ؟ ترا يلحق أسمها سياف! بعدين أنا خدامة بيت امي ندى بأخذها عندي اثق فيها وبنتي تحبها. او اخليها عندي امي لين اجي
ضحك سياف بسخرية وهو يستند :
صدق ؟ توني ادري شكرًا لك
ضربت شادن كفوفها بفخذها بحرّة :
سياف أنا ماقعدت أقولك عشان تتمسخر وتدقرني!
مسك سياف كفوفها وبهدوء :
لا ياحبيبي لا! لأن يا آنسة انا ما ارمي بنتي نص اليوم عند بيت أحد لأن ما أحب ألزم أحد ببنتي ولا هو مسؤول عنها
قاطعته شادن بهمس وهي تنظر بعينها :
بيت أحد ؟ اهلي صاروا أحد ياسياف ؟
الأحد هذولي سنة وثلاث شهور من عمرها كانوا ملزومين فيها وانت موجود ما دريت عنها تذكرها كل نهاية شهر بتحويل مصروف!
رفع سياف حاجبه بحدّة. لم يجيبها ظل يحدق بها بحدة كادت أن تأتي بأجل شادن
أكملت شادن كلامها حتى تقطع سيل نظراته المتدفقة على قلبها الهش :
كان زمام الآمر بيدي
أبوي عارض على هالوظيفة وانا حامل بغنى! رفضتها لأنها بنتي بعد هي محتاجتني أكثر من حاجتي للوظيفة وبناء نفسي
قعدت اربي في بنتي إلى ان رجعت بيتي معك
وافقت يوم صارت بنتي تحت عينا سوا
ماهو لحالي
وافقت لإني أرتحت أن الحمل صار أهون علي
وفيه ابوها بيوقف معي ويساعدني
ويقول تم
بنتي مسؤولية بينا ماهي مسؤوليتك لحالك!
روحي نجاحك من نجاحي ويهمني
هذا كله ماوضح لك ؟
هذا كله ماهمك ؟
زعلك شيء سويته انت وقلته لك ؟
قاطعها سياف بنفس وضعه :
ومن قالك اني زعلت ؟
قاطعته شادن بقهر :
عيونك سياف انا مو عمياء!
انا توقعت النقاش بيأخذ مجرى ثاني
غير اللي صار
ضحك سياف بسخرية للمرة الثانية
وكلمتها مازالت تحترق بقلبه
صحيح هو من فعل ذلك
ولكن تذكره به بكل مرة تجدها مناسبة
هو يحاول ان يسد هذا الشرخ
وهي تبدده بكل مناسبة :
وانتي وش كنتي متوقعة ؟
رفعت سبابته له :
شفت!
انت بنفسك مو قاعد تحترم افكاري
دايمًا تتهمني بإني احول مجرى المواضيع الى اسوء
ولكن اليوم وضح لي انه انت
متوقعة بتقول وش خطتك ؟
حلو ولكن ماتشوفين له سلبيات اكثر من ايجابايته
سياف انا انصدمت فيك
اكثر من اهتمامي بوظيفتي
ماتوقعت انك شخص هذا طريقة نقاشه
هذه اول مرة بحياتي أناقشك بموضوع يخصني واتوقع بتكون اخر مرة
استند سياف وهو يتكتف مطبقًا كلامها :
وش خطتك يا عيوني ؟
غمضت شادن عيونها قبل ان تنفجر فيه
ماعادت تطيق اسلوبه كلما تعلق الموضوع بالماضي
ينقلب شخص ثاني
يتحول ظ،ظ¨ظ درجة
كل شيء الا رجلها التي تعرفه
وكأني بردات فعله يحاول ان يكرههّا بذكر الماضي امام عينه
كانه بهذه الطريقة يتجنب ذكر الماضي في حديثهم
تتفهم انه يرى ماضيه مع شادن عار عليه
ولكن مو بهده الطريقة الفضة ياسياف :
لو عطتيني فرصة
كنت بقولك ان بخلي بنتي تكمل نومها
من الصباح الى الظهر.
وانت بريكك بالعادة عشر الصباح ودوامك قريب يمديك تطل عليها
وانا برتب بريكي
يكون بعد الظهر اجي اتطمن عليها وافطرها وارجع دوامي
بتكون توها تصحى واكلتها وتطمنت عليها
تقعد مع الخادمة ساعتين الا انت مخلص دوامك بعدها بساعة دوامي مخلص
الموضوع ماكان بيكون فيه اي مشكلة لو عطيتني فرصة نفكر فيه سوا
سكت سياف وهو ينظر لها بنظرات اقل حدة
حتى بانت نظراته نظرات تساؤل عن مدى نجاح هذه الفكرة
عندما وضعت شادن خطة
بدل ان ترمي عليه الفكرة سائبة باتت معقولة ومطمئنة
ولكن يخشى ان لا تستمر او يعيقها الظروف :
تصدقين ؟
بداية لما قلتي الموضوع كذا سيبة جاء في بالي عمتي غزل
رفعت شادن عيناها لتقع في عيناه بصدمة
ذلك الاسم الملوث الذي يأتي بشكل عكسي
يأتي يبعثر صدرها ويذهب
يلوث مسامعها ولا يذر
يبدد معاناتها ولا يرحم
يسخط عليها كلعنة لا تنفك
ليكمل كلامه ويأتي بالطامة :
لوهلة قلت صدقوا لما قالوا اقلب الجرة على فمها تطلع لك البنت على امها كانت عمتي غزل شيء ابعد كل البعد عن الأمومة بس يوم شفتك مع غنى
قلت مستحيل
وكذب من قال فاقد الشيء لا يعطيه
انت عطيتيها شيء ماتعطيه اي ام بالدنيا
بس قبل شوي تزعزعت كل افكاري عن امومتك
قلت صارت تشبه عمتي
مستعدة تترك بنتها عشان مصلحة نفسها.
ارجوك توقف
ارجوك لا تكمل
ها انا اجلس أمامك
ولكن اغرق في معمعة فضك وغلاضتك!
اخبرك الله : ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك
ولم يخبرك عن قلبي المكلوم
ترك بما وهبك وميزك عن بقية كائنات الارض ان ترى تلك الجِراح النازفة!
ولكن اني ياسياف ولله وبالله وتالله لن انفض من حولك
بل سأنفض عليك
لن يخمد معمعة جِراحي من تلك المقارنة العقيمة الا ان اشعر بطعم دمك بين ثنايا اسناني!
والله لو انك صفحة من اوراق عمري
لمزعتها
والله لو انك خطيئة من ذنوبي
لأغتسلت بزمزم اثنا عشر مرة دبر كل صلاة
لعلي اطهر منك
والله لو انك يدي او إصبع من أصابعي
لا اقتصيت منك لما سرقته من عافيتي وايامي
ولكن انك قلبي!
قلبي وانا لا أجرؤ بدونه على العيش.
وقفت بعنفوان
وهي تدفع بالطاولة الزجاجية الثقيلة من خلفها بقدمها بقوة على الخلف
لتصتدم بالتلفزيون
انحنت عليه
وهي تأشر بسبابتها في وجهه بحدة
وتلك المياه المالحة المتعلقة بطرف رمشيها هامسة :
ما اسمح لك تحطني انا وياها في خانة واحدة
حتى لو كان بتفكيرك
حتى لو كان خطأ ومايمت للصحة بشيء
انا ما اسمح لك
تخوني وتظلمني لما تقارني فيها
وانا اغفر لك كل شيء الا طاريها
شلون لا شفتني انا وياها واحد
الموت ياسياف والله انه الموت
تركته متوجهة الى غرفة نومها
ينظر لها مدهوشًا من ردة فعلها
لم يكن يعلم ان طاريها سيفعل بها هذه الملحمة الروحية).
وقفت وهي تأخذ نفس عميق
نظرت الى نفسها بالمرآة للمرة الاخيرة.
اخذت شنطتها وجوالها لتخرج للدن قبل ان تصبح برسيم بالخارج من الانتظار
ركبت السيارة في بائكة البيت
وشغلتها تركتها تحتمي الى ان يخرجون
وغنى جالسة في المرتبة الخلفية في كرسي الأطفال
خرجوا لدن و وهاد من البوابة الرئيسية
ليدخل سياف من باب الشارع بعد ان عاد من الصلاة
استرق النظر ليراها جالسة بالسيارة تنظر من شباكها اليه
يديها على مقود السيارة
تشد عليه بكل ماؤتيت من قوة
ولم تنجح بإخفاء رعشة يديها التي منذ ان تركها وهي ترتعش
ابتسم للدن وهي تلوح له بيدها :
ماودك تجين تسلمين ؟
ضحكت لدن بإحراج وهي تقترب منه وتقبل رأسه :
اسفة
اقترب بشفتيه من خدها وكأنه يقبلها ليهمس بإذنها :
خذي المفاتيح منها
لا تخلينها تسوق فيكم
ابتسمت وهي تنظر له بطرف عيناها :
وليش ماتقترح عليها انت هذه الفكرة ؟
ابتسم من لدن التي التقطت سبب غضب شادن :
المهمة لك
انتي تقدرين عليها
قهقهت لدن وهي تضرب بكفها بخفه كتفه :
والله لو انك تدري انه ينقدر عليها
ماكان استعنت فيني
لف سياف على وهاد بعد ان ضحكت على لدن :
وانتي يالقاطعة اللي منزرعة في غرفتك ماودك تجين ؟
اقتربت وهاد بهدوء ، وهي تعتمدت ان تبقى بعيدًا عندما نادى لدن وتجاهلها
اخذها سياف من ذراعها هامسًا الى حضنه :
انتي يبي لك واحد يلمك
السلام لحاله شوي على هالشوق
ضمته وهاد بقوة ، ضمته تروي ذلك الشوق المنهمر!
ضمته تطهر به جرحها المندلم من ابيها
ضمته تباهي به قسوة الظروف التي جعلها - مسخرة - لزوجة ابيها
ضمته تسد به فراغ الاحتياج لأمها القديمة التي باتت باهتة / منطفئة ، وكأن زواجه عليها سلبها بريقها
قبل سياف رأسها بحنية وهو يمسح على ظهرها :
ابوي اعذريني لو ما أطل عليك
انا اجي اسلم على امي ويوسف واسال عنك تقول في غرفتها تذاكر وجيتي لك مالها فايدة بس بشوشك على الفاضي بس والله اني اسال لدن عن اختباراتك وتبشرني وما أنساك تراني ادعي لك
دفنت وهاد رأسها في كتفه ، وطرفًا من عنقه وبعتب :
لا تسألهم اسألني انا اللي اختبرت
مو هم
ضحك سياف وهو يأشر على خشمه بطرف سبابته : على هالخشم
مسح على شعرها ليعيد بعدها طرحتها التي على كتفيها ، على شعرها مبتسمًا :
ترا بيروحون ويخلونك
يعلم بإن وهاد تغليه اكثر من بهذا البيت
يعلم لماذا لا تتقبل شادن
تكابر والله انها تكابر على الجميع
وعليه أولهم
ولكن انه يرى الغيرة تكحل عيناها
هي لا تكره شادن. هي تغار منها
تخشى ان تستوطن ذلك القلب كما كانت تحتله في طفولتها
لا ينسى كم مرة وجد وهاد
تشهق من حرّقة بكاءها خلف باب الملحق غيرةً من شادن
مازال يذكر ذلك اليوم
التي مزعت فيه فستان شادن بعيد الأضحى الذي اختاره سياف
ونامت شادن تحتضنه رغم الحناء الذي ينام معه بين كفيها
ويغطيه كيس بلاستيكي
حتى لا يدمر فستانها
نامت بجانبه قريرة العين.
نامت وهي تحافظ عليه اكثر مما لو كان في حماية برلمانية تحت الارض!
ولكن غيرة وهاد اقوى من حرص شادن
ضحكت وهاد وهي تبتعد ، ومازال كفها متشبثة في صدره :
فرصة بقعد معك
كانت تراهم وهم يقتربون من السيارة ، لم يخفيها تلك الحنية المتفقدة من عيناه على وهاد!
يالله ياسياف ليتك تغقد ربعها علي ، كان والله لن تخشدني قط
نزلت شادن عيناها في جوالها حتى تتجنب النظر اليه
لفت عليها لدن بعفوية مصطنعة :
شدونة بطلبك ولا ترديني
لفت عليها بإبتسامة :
حشى والله ما اردج ، عيوني لج
ضمت لدن كفيها تحت دقنها بتوسل :
خاطري اسوق
من زمان مامسكت الدركسون
وحشني والله شرايك اسوق عنك الليلة وادلعك ؟
ناظرتها شادن بطرف عين لثواني لتردف :
مرة ثانية اذا نوى يوصيج علي خليه يختار وهاد
لانج ماتعرفين تكذبين
شهقت لدن بضحكة لتهقهق بصدمة :
يمه ياجنية وش دراك انه هو اللي قايله ؟
ابتسمت شادن وهي تسند برأسها على مرتبة السيارة :
خو مو هو ريلي بعد ؟ اعرفه
بس ماعليه هذه المرة بقولج لا من ورا قلبي
عشان احرّه
ناظرتها لدن بطرف عين :
تراه اخوي
بطلع من صفك و اصف معه عليك
ضم سياف وهاد من كتفيها
وهو يقترب من سيارة شادن وعيناها على وهاد بحنية
يعلم انها تقدس الخروج من المنزل ، تقديسًا لا يقل عن تقديسها للشعائر
تخرج وان كانت على فراش المرض والآن تتنازل مقابل دقيقتين معه :
ياعين ابوي انتي !
انا عندك اليوم كله متى مارجعتِ دقي عليه وبجيك
بس الحين روحي انبسطي معهم
ضحكت شادن على فتحة وهاد للباب الخلفي :
الله يقويج انتي وياه
ركبت وهاد ورا بعد ان ركبت لدن بالإمام
لفت عليها بإبتسامة :
شكل الليلة ماكو طلعة بنقزرها بالسيارة وينج تأخرتي ؟
دخل سياف راسه
وهو يقبل خد غنى التي تشبثت برقبته حتى تخرج معه ضاحكًا :
اقول عاد انتبهوا لأختي
ورآها حفل تخرج نبيها سالمة
ضحكت لدن وهي ترى غنى التي تريد سياف :
انت وش سالفتك الليلة كلن يبيك ؟
الحين غنو وقبلها وهاد
ضحك سياف وهو يتأكد من ربط حزام أمان كرسي غنى :
اللي يبينا عيّت النفس تبغاه واللي نبغاه عيّا البخت لا يجيبه
ضربت وهاد صدره بحرّة دون ان تفهم مقصد سياف الذي فهمته لدن ، وشادن قبلها :
حاصل لك اصلًا يوم اني أبغاك
قاطعتهم شادن بهدوء وهي تربط حزام الآمان :
ماصارت والله صج بنقزرها بالسيارة
لو بنسولف بنتم هني الى الصبح
خرج سياف وهو يغلق الباب ، لتبكي غنى وتأخذها وهاد بحضنها تهديها
اخذت جوالها من حضنها لتفتح محادثتها مع سياف. جميعهم يظنون كلامه عفوي بالتوصية على وهاد بإن يعيدوها سالمة
الا هي! تعرف سياف جيدًا
كان يقصد بإن تترك القيادة وهي غاضبة ، حتى لا تلقي بهم
يعلم انه فشل بتوصية لدن والآن سأخبره انه فشل للمرة الثانية
لن تجاريني ابدًا بمكرك ياسياف!
نقرت على زر الإرسال بعد ان كتبت :
( اذا حصل شيء بوهاد ، ضريبة أفعالك )
لم تكمل الرسالة دقيقة من وصولها ، حتى يجيبها سياف مبتسمًا وهو يتفهم عتابها :
( وهاد ربي حافظها ، خوفي على اللي بتوصل وهاد )
ضمت بأسنانها العلوية شفتها السفلية حتى تمنع ابتسامتها ، أجابت وهي تهم باغلاق جوالها :
( ماتحتاج احد ، لها ربها هي بعد )
اتت رسالته سريعة ، اسرع من المرة السابقة وكانه ينتظرها :
( واللي يحتاجها طيب ، لا راحت مين له ؟ )
اغلقت شادن جوالها ، تاركة السؤال يجيب عليه الصمت
/

\

/

\
ضربت شذى باب غرفة نوم والديها ثلاث مرات متتالية
ثم تنحت جانبًا اقتداء بسنة النبي محمد
تتعمد ان تقتدي به لو بأبسط شيء
لم تضطر ان تدعو
او تجاهد
او تكون ملاك طاهر من الذنوب والخطايا
هي فقط تحاول ان تكسب الاجر بأبسط الطرق. يقشعر جسدها عندما تتذكر قول النبي :
" إني مابهٍ بكم الأمم يوم القيامة "
كانت يقصد به التكاثر
ولكن هي تستشعر معناها بكل افعالها
تريد ان تقف يوم القيامة ، والناس محشورون للحساب
ويباهي بها محمد بن عبدالله انها من أمة محمد! الأمة التي يقول كلن يوم القيامة : نفسي ، نفسي
الا محمد يقول : امتي ، امتي!
فتح حاتم الباب مبتسمًا بتثاقل :
عاجبتك الوقفة عند الباب ؟ ناديتك مرتين ولا دخلتِ
ضحكت شذى وهي تنتبه انها وصلت بعيدًا بالتفكير. ونست أين هي
دخلت وهي متوترة
اول مرة يناديها ابيها ، وامها لوحدها وفوق ذلك في غرفة نومهم
وقفت خلفها سجى بغضب :
بابا انا بعد ابي ادخل عندكم
ابتسم حاتم على طفلته المدللة :
ابشري يابابا بس الحين دور شذى ثم دورك
بكت سجى بحرقة وهي ترمي نفسها بالأرض :
والله انك ماتحبني بس تحب شذى
هي تدخل عندكم وانا ماتدخلين
شالها حاتم من الارض ، وهو يدخلها الغرفة
ترهقه بذلك الدلال الذي يتبع سيل من الدموع لو لم ينفذ :
ممكن توقفين عن الصياح عشان ما أزعل منك ؟
مسحت سجى دموعها وهي تبتسم بإنتصار بوجه شذى التي تنظر لها بطرف عين :
الحمدلله والشكر يالبزر
طلعت سجى لسانها تغيضها وهي تتعلق في عنق حاتم :
بزر بس يحبني بابا
وانتي خلك كبيرة وتحبك الجدران
هز حاتم راسه بأسف على تلك الطفلة التي لا تشابهم ، لا هو كذلك ولا رنا
تشابه وهاد كثيرًا وهذه اكبر صفة سلبية :
عيب يابابا تكلمين اختك الكبيرة كذا
بعدين انا احبكم كلكم زي بعض
غمزت رنا لحاتم وهي تشير بعيناها لسجى :
الله يصلحك بس ياحاتم كان تكلمنا بالصالة وش فايدة الغرفة دامها بتدخل
لا يقوى ان يكسر قلبها ، لا يقوى ان يتركها بالخارج تبكي
يغلبونه الإناث وهو لا يظهر اي ردة فعل. مستمع بهذه الغلبة
سكر أذني سجى بأصابعها بضحكة
وقطعة السكر هذه اخذت الثقل والهم الذي كان يعلو كاهله وقلبه قبل ان يراها لتلقيه بعيدًا :
سجو شاطرة اللي تسمعه بيبقى بالغرفة ماراح يطلع
شذى ويدها تحت خدها بملل
صاحبه غيرة من تبك المدللة التي تتدلع على ابيها كثيرًا وتضع راسها برأسها بكل شيء :
بابا بتقول لي وش تبغى فيني ولا بتكمل تتغزل في ست الحسن والدلال ؟
لف حاتم بضحكة صاخبة على رنا :
انتي وش جايبة على ذولي البنات ؟
كل وحدة تنافس الثانية بالغيرة
كانت ابسط ردة فعل متوقعة ان تبتسم
ولكن الحقيقة رنا شعرت بسوط يلتف حول عنقها
يخنقها حتى تشارف على لفظ انفاسها الاخيرة
ثم ينفرط تاركها تشعر بحرارة جراحه على عنقها
هذه البنت لم ينجبها رحمي يا حاتم ! فلا تلمني على غيرتها. لا ذنبي لي
تدارك حاتم الموقف قبل ان تشعر شذى بشيء ، لف عليها بهدوء وتلك الكلمات تخرج بصعوبة من حنجرته. ولكن لأجل عين تكرم مدينة
لأجل ان تبقى شذى بين ذراعيه ، يجب ان يقول الخبر وهو كاره :
شذى ياماما اسمعيني قبل اقولك اي شيء
صح انتي الصغيرة ما انتي الكبيرة
ويمكن تشوفين انك لسى صغيرة واللي بقوله اكبر منك بكثير
ولكن لو انا مو شايف هذا الامر يناسبك ماكان تجرأت ظ،ظ?طœ افاتحك فيه
صحيح انتي اصغر من وصال
ولكن والله العظيم انك تفوقينها عقل في عيني
ويمكن لو الموضوع يخص وصال مافكرت أفاتحها فيه. بس انتي غير
انتي شذى العاقل ، شذى الفاهم ، شذى اللي قد المسؤولية!
تنهد وهو يلقي بالكلمة الطامة ، الكلمة التي جرحت لسانه قبل ان تؤلم مسامعه :
ثنيان ولد عمك عبدالله خطبك
وانا بنفسي كلمت اخوي اتاكد ان ثنيان قد هذا الزواج
وهو علمني ان اول مرة يشوف ثنيان متحمس للزواج اللي كان يتهرب منه سنين
وانه خصك بالاسم
بنات عمه اللي حوله مابغاهم - غمض عيونه بآلم وهو يردف - بغاك انتِ
فتح شذى عيناها بدهشة
لم تكن تتوقع ان يكون هذا الموضوع
لم تضع في بالها انها ستتزوج والآن!
كانت تنتظر نصيبها بعد ان تاخذ وصال نصيبها
كانت تنتظر نصيبها بعد ان تتخرج
لم تكن حريصة على نصيبها ، لان تفكيرها لا يفكر غير بدراسة الطب وتكمل مابدأته قبلها وصال اختها!
حتى لما حدث مالم يكن بالحسبان ، خطبها اخر شخص توقعت يخطبها في هذه الدنيا
يالله خلصوا رجال الدنيا عشان يخطبني ثنيان
ثنيان ماغيره
لو كانت بنت غيرها لا ذابت مكانها خجلًا
لانحنت قامتها حيًّاء
او صلت ركعتين تستخير الله في امرها
ولكن هي رفعت راسها بصدمة لأبيها :
يبه انت صدمتني بالموضوع وصدمتني اكثر لما قلت ثنيان
عقد حاتم حاجبيه :
وش فيه ثنيان ؟
قاطعته شذى وهي تقف ، والصدمة لم تتنحى عن ملامحها :
وش اللي مافيه يايبه
اولًا فارق العمر بيني وبينه 10 سنين اقل شيء!
ثانيًا يبه انت تعرف ثنيان مين ؟
ثنيان اللي ماسلمت من شره اخته وش بيسوي فيني بكرة ؟
وانت اكثر واحد شكت وبكت لك افنان من سواياه
وتجينت هنا بالصالة للحين اذكرك تدعي له بالهداية وتقول انه مجنون ومافيه راسه صح!
بتعطيني لهالمجنون ؟
عشاني عاقل تتوقع اني بتحمله ؟
قاطعها حاتم وهو يدعو الله بكل جوارحه ان تلين تلك الشامخة امامه!
الشامخة التي باتت تظهر بها جينات سلطان الشامخ
سلطان الذي يقف عاصفًا
كلن يظن شذى تطبعت بطباعه حتى باتت لينة
ولكن انسخلت من كل هذه الطباع
وهو يرى نظرة الجبروت في عيناها الآن وهي تنظر اليه بقوة :
عشانك عاقل توقعتك تعرفين ان " ابنك على ماربيتيه وزوجك على ماعودتيه "
عشانك عاقل توقعتك تعرفين ان الرجال مهما كان صلب وفولاذ مع اهله شيء ومع زوجته شيء ثاني
عشانك عاقل توقعتك تعرفين انك تطلبين من لله الخيرة قبل تسمعين كلام الناس حتى لو كان ابوك
وان كان قلت لك مرة ان ثنيان مجنون
اقول لك الحين " ان اللي مافيه خير لاهله ، مافيه خير للناس "
وثنيان سوا الهوايل في سياف عشان مايغلط بكلمة على ابوه لو بدون قصد
ثنيان عندها اوراق تخص فلان
وفلان يعرف سياف ضحى بعلاقته واحترام سياف له ومبادئه عشان يكتم السر ويحترمه !
ثنيان يوم غلط عليه سياف كان يقدر يقول عمي حاتم معي ، وجلوي ولد عمتي معي بعد
بس ثنيان اكبر من هذا كله وتحمل لوم ابوي وابوه وسياف عليه وهو ساكت
ثنيان ان غلط مع اخته مرة
تراه رجال له مليون موقف لو اذكره خلص الليل ماوفيته حقه
مافيه رجال بهذه الدنيا كامل
بس فيه عيوب نقدر نغض البصر عنها
قاطعته شذى وعيناها بالأرض ، ومازال كلام ابيها لم يقنعها :
كل هاللي ذكرته يبه مايغفر له انه واحد يمشي ويمد يده ، وش هالاسلوب الهمجي ؟
تكتف حاتم بجدية :
وليش ماشفتي خطأ افنان قبل تحكمين ردة فعل ثنيان ؟
ترا مو ثنيان لحاله عصب
انا اللي عصبت وانا اللي علمت اخوي بالموضوع
انا يوم عصبت سلطت عليها اخوي لان هذه طريقتي بالتعامل ، ان البنت مهما اخطأت مالها الا ابوها يعلمها خطأها
وثنيان طريقته غير
ليش ماقالت امك بتطلق منه ؟ وش هالهمجي ؟
تائهت عيني شذى بالغرفة بإحراج من كلام ابيها :
ماكنت أقصدك يبه اسفة
تنهد حاتم :
وش قلتي وانا ابوك ؟ ترا عمك على اعصابه
وضعت شذى عيناها في عينيه بجدية :
انت ليش مصر اني اخذه ؟
لف حاتم بدهشة على رنا التي بلعت ريقها بخوف وتدعي الله بكل جوارحها صامتة " يالله لا ينكشف سرها الآن ، ليس وقته "
لف حاتم عليها بهدوء :
لاني اشوفه مناسب لك وانتي مو ناقصك شيء
تخرجتي والجامعة مو اول تكلمينها وانتِ متزوجة
ولو تبين ثنيان ينتظرك لين تتخرجين اعتبريه صار
رفع راسها ليرى شذى تناظر اليه بتردد
ليكمل ليطمئن قلبها :
وتأكدي ياشذى لو يلمس طرف خصلة من شعرك ولله لا اصير انا الهمجي واصلبه على باب بيتي
عشان يعرف اللي يقرب من بنات حاتم وش يصير فيه !
عم الصمت لدقائق طويلة
حتى كادت ان تشارف على ربع ساعة
احترم بها حاتم صمت شذى ، ولم تتجرأ رنا طوال فترة النقاش ان تتفوه بكلمة
وسجى تارة تملئ شعرها ببودرة الجسم مستمعة على غفلة امها عنها
وتارة تعود بالروج ترسم بها على قدميها
رفعت شذى راسها بهدوء وهي تنظر الى ابوها
الرجل الذي ظ،ظ¨ عامًا لم يقل لها لا
الرجل الذي ظ،ظ¨ عامًا رسم لها صورة الرجل المثالي
ابوها رجلها الذي غطى على الرجال من قبله وجعل الرجال من بعده مايطولونه
مهما انتظرت افضل الرجال
جميعهم ما يسون ابوها !
سوف تنتظر رجلًا كامل عبثًا لانه واحد على هذه الارض وأخذته امها
وهي فقيرة حظ ، فاتتها الفرصة
لعل ثنيان افضل فرصها. همست وهي تفرك كفيها ببعض بقلق :
وبنات حاتم مايقولون له لا
اذا كانك تشوف ثنيان يستاهلني
مالي بعد شوفك رأي. دق بشر عمي لا يقعد على اعصابه اكثر تراه يعز علي بعد /

\

/

\
في نصف انهماكه في دماغ ذعار
ذلك الدماغ الذي توارثه من ابليس واتباعه.
دماغ ذو انحناءات ، ذو فصين
لا شيء به مبهر عن بقية الرجال! ولكن ماذا بك حتى تتفوق عليهم
بيت مترابط لم يعيش يومًا تفكك وطلاق
امرأة من ذهب لم تهرب ولم تتنازل عن ابناءها
أبناء ناجحين لم يحتاجون يومًا الى أطباء نفسين يعالجون ما احدثته به والدتهم
تملك مال قارون ولم تحظى بزوجة تعيبك لفقرك يومًا
والآن حتى وانت متدمر الأركان
سقطت بين يدين افضل الجراحين!
ما اكبر حظك يا ذعار الكسار
ليتك تعطي خالد السليمان شيئًا منه
قطع حبل افكار ذياب
عيناه التي سقطت على الشباك الزجاجي بالأعلى!
لم ينتبه له منذ ان دخل والآن يراه
ويراه بوضوح
كانوا نخبة المستشفى من جميع الأقسام يجلسون بالأعلى ، ينظرون اليه بتقييم الى عمله
لم يأبهون بمن يجلس على الكرسي
بل يطيلون النظر بتلك اليدين التي تعوث برأس المريض
شعر بتصلب مريب في يديه! لم يعد يستطع ان يتحكم بها
ذلك الحشد الذي ينظرون اليه بتفحص أثاروا الرهبة في نفسه
بعد ان كانت قسطرات الجلطة لعبته الصغيرة التي يتسلى بها
يشعر بها الآن انها اصعب عملية تجرى في تاريخ الطب
نسى ماذا يفعل
عقد حاجبيه بقوة وهو ينظر الى دماغ ذعار
رفعت الممرضة راسها بقلق اليه :
يادكتور الشريان!
انتبه ذياب للضرر الذي احدثه بالشريان
رفع راسه وهو ينظر الى ضغط ذعار الذي ارتفع اكثر مما هو مرتفع!
رفع دكتور التخدير راسه من الجهاز بدهشة :
د.ذياب وصول الأكسجين للدماغ قاعد يقل
وضعت الممرضة الشاش حتى تحاول ان تسيطر على الدماء لعل تتضح الرؤية لذياب
غمض ذياب عيونه يالله اذا تمزق شريان ماذا افعل ؟
مدير القسم الذي كان ينظر الى ذياب من فوق
كاد ان يجن وهو يرى معدلات ذعار الحيوية في تدهور
اخذ السماعة بقوة من الجدار بغضب :
د.ذياب الوضع تحت السيطرة ؟
يسمعهم كلهم يستنجدونه
يشعر بهم كلهم ينظرون اليه
ولكن لا يفقه ماذا يقولون
كرر المدير كلامه بقلق والغضب أفلت طبقة صوته الهادئة ليرفع صوته :
د.ذياب اطلع من غرفة العلميات
فتح ذياب عيناها بدهشة وهو ينظر اليه من الأعلى
لاول مرة بحياته يطرد من عملية



يداه متصلبة ولكن متمسكة بقوة بالمشرط
رفع عيناه الى عبدالعزيز
الذي ينظر اليه بترجي خوفا من المدير الذي فوق رأسهم وكله أمل بفطنة ذياب :
انت تقدر ماعليك منهم
لا تطلع وكمل اللي بديته
دكتور التخدير الذي كان يجلس للحيطة والحذر
بات الآن من الذي يستنجدون به حتى يتحرك :
د.ذياب انت مستوعب ان الأكسجين قاعد يقل ؟ مانبغى المريض يدخل في غيبوبة ولا نبغى يتلف المخ كله! تصرف
مسك عبدالعزيز كف ذياب بقوة ويحركها بداخل دماغ ذعار
وكأنه طفل يعلمه كتابة الحروف بعد ماراى ان الوقت ينفذ من بين يدينهم :
يالله ياذياب يالله!
دفع عبدالعزيز ذياب بقوة مع كرسيه بعيدًا
رفع راسه للأعلى والممرضة تضع السماعة على فمه :
اسمح لي
هز مدير القسم راسه بقلق وهو ينظر الى وجه ذعار الذي بدأ بالتحول من الاصفر الى الاسود :
العملية تحت إشرافك ياد.عبدالعزيز
لف على الممرضة بحدة :
شاش
15 ثانية
40 ثانية
دقيقة
عادت كل المعدلات الى وضعها الطبيعي
الأكسجين بدأ يصل بشكل سليم الى الدماغ
الضغط انخفض الى مستوى شبه طبيعي
القلب يعمل بإنتظام
غمض عبدالعزيز عيونه وهو يأخذ نفس عميق ويزفره :
الحمدلله
تنهدوا جميعهم بإرتياح
حاجبيهم المعقودة
ارتخت
انفاسهم ودقات قلبهم المتسارعة
انتظمت
ومازال ذياب يقف ببلاهه بزاوية الغرفة ينظر بصدمة الى ذعار
مصدوم من نفسه
مصدوم من موقفه
يكاد يبكي عارًا من موقفه الذي وضع به امامهم
رفع عبدالعزيز عيناه الى مدير القسم وكانه يسئل اذا يولي بقية العملية لذياب يكمل مابدأه
هز المدير رأسه بالنفي
اكمل عبدالعزيز عمله
خرج ذياب مطئطئًا راسه من غرفة العمليات
رِمى لبس العمليات الملطخ بالدماء في سلة القمامة
وبعدها القفازات والكمامة
غرق يديه برغوة الصابون ليدخلها تحت الماء
انفتح الباب بقوة ليدخل المدير بغضب ليتحدث بحدّة :
بالبداية ماتوقعت غيرتك على عملك
تخليك تستصغر من زميلتك
ولا هذا ماعلموك اياه في احسن الجامعات
ضمن مواد اخلاقيات المهنة ؟
كنت اتوقع شيء ياد.ذياب
وشفت منك شيء ثاني
على العموم الغلطة اللي ذليت الجوهرة فيها
انا كنت بعاقبها عليها بطريقتي الخاصة
جمعت نخبة المستشفى
عشان يراقبونها في العملية
هذه الطريقة تؤلم الدكتور اكثر من اي عقاب آخر
والدليل على كلامي
انت الطبيب المتمرس
اللي مفروض معد يهمك لو كل الكون يشوفك
كان هذا العقاب بيخليك تؤدي بحياة مريض
وبوظيفتك المهنية
وقتها شهادتك اللي تفاخرت فيها
ماراح تنفعك
كنت بتجيب العيد بسببهم
بس سبحان الله ربي يحبها كثير
رحمها وخلاها تفلت من العقاب
بإصرارك تتولى العملية
وبنفس الوقت
ربي بكل الحالات ماكتبها لك
دخلتها بالغصب
وطلعت منها بالغصب
على فكرة ماكانت تدري هي
بس بالعافية كليتها بدالها
وبعد اللي شفته تستاهله اكثر منها صدقني
طلع المدير من الغرفة بأكملها
ليخرج وقتها عبدالعزيز من الغرفة بهدوء
وهو ينظر الى وجه ذياب الذي كان اشدّ سواد من وجه ذعار
حضر الحوار ولكن تظاهر بانه ماسمع حتى لا يحرجه :
السموحة يا ابو خالد على اللي سويته جوا
بس انا أقسمت اني أنقذ حياة كل شخص بمهنتي لو على حسب نفسي
ضحك ذياب بسخرية وهو يغسل يده مجددًا :
يابختك أقسمت ووفيت
اما انا يبي لي كفارة عن قسمٍ ماوفيت فيه
قاطعه عبدالعزيز :
لولاك بعد الله ماكان نجحت القسطرة
انت نفذتها كامل وانا تداركت الضرر اللي بالشريان بس باي حق تقول عن نفسك ما أوفيت ؟
تنهد وهو يرى ذياب بحالة لا تسمح له بالنقاش :
تقدر تطلع تبشر جلوي
ابوه بخير الحمدلله
هز راسه بهدوء لا مبالاه بسلامة ذعار
خرج وهو يشعر بنظرات الاحتقار ترافقه
ليقف بوجهه جلوي الذي كان مستندًا بظهره على باب الغرفة
وقف مقرن الذي كان يجلس بجانب امه على كراسي الانتظار
وندى تنظر اليهم من مكانها
تخشى ان تقترب وتنصدم
لم تستعد بعد لفقدان ذعار
همس ذياب وهو يتمنى ان يتركونه في حاله حتى يخرج من هذا المستشفى
ويتحرر من الجوهرة التي تخنقه حتى وهي بعيدة
ومن نظرات العار الذي يشعر بها وهم يفصل بينهم غرفة :
الحين بينقلونه العناية المركزة يبقى تحت الملاحظة ظ¢ظ¤ ساعة
بعدها بينقلونه جناحه
ضمه جلوي بقوة وهو يقبل رأسه بفرحة عامرة
لا شيء يساوي بهذه الدنيا سلامة ابوه :
يابعد عيني يا ابو خالد
جعلك سالم ماقصرت
تنهد مقرن بإرتياح وهو يردد :
الحمدلله الحمدلله
وسجدت ندى بشكرٍ لله
ابتسم ذياب بتثاقل
اشبه بالمجاملة من أجلهم
تعمد ان يتجاهل ذكر انهم سيتركونه تحت الملاحظة
حتى يتأكدون ان الدماغ لم يتضرر من نقص الأكسجين حتى لا يخنقونه اكثر بالاسئلة :
حق و واجب ولو
اقترب من خالته ندى
وهو يجلس على ركبتيه ويضع كفيه على ركبتها :
عن اذنج ياخالة انا بطلع خلص دوامي
تامريني على شيء ؟
وضعت ندى كفها على خد ذياب بحنية
وهي تشعر بنبرة الضيق في صوته
والحزن في عيناه :
انت اللي تامر على شيء ياعيون امك ؟
انا زوجي بخير وعيالي الثلاثة قدام عيني
انا في جنة الدنيا ياروح ندى وطوايفها
ما احتاج شيء
يناديها خالة
وترد عليه ب " عيون امك "
تحترم رغبته
بإنه لا يريد ان يطلق على احد يمه
وبنفس الوقت لا تكبح رغبتها وعواطفها التي تشعرها بالامومة تجاهه
تحسب ابناءها الاثنين الواقفين امامها
وتعده الثالث وتطلق عليهم جميعًا " عيالي "
يالله لماذا لم أكن ابنك ؟ ماذا سيكون لو انا ابنك الثالث وشادن ابنتك الثانية ؟
همس وهو يدفن راسه في حضنها :
ابيج تلميني يمه لميني
ضمته ندى بقوة وهي تقبل راسه بحب ينهمر من شفتيها :
منى عيني قربك يايمه ولله منى عيني
/

\

/
يجلس في سيارته امام المسجد
الذي مقابل لمنزله
ينتظر جهاد الذي اتصل عليه
وأخبره انه يريده بآمر ضروري
ورفض ان يراه في منزل او في غيره
اكتفى في لقاء امام المسجد
بالنهاية هي كلمتين يخبر بها تركي وسيمشي
متأكد ان الموضوع يخص أنفال
أنفال التي ستكمل الأسبوع في بيت اَهلها
وجوالها مقفل
وكل ماذهب الى بيتهم يرن الجرس الى ان ييأس ويعود الى شقته
قطع حبل افكار تركي
صوت بوري سيارة جهاد
فتح تركي الشباك وهو يلقي التحية :
ياهلا والله
جهاد الذي كان فاتحًا شباك سيارته مسبقًا
رد التحية ببرود :
اسمعني يا ابو حصة
وانا تعمدت اقول يا ابو حصة
لانها الشيء الوحيد اللي جبرني ادخل نفسي بالحسنى بينكم
انّا يوم عطيناك اختي
كانت الهقوة فيك تصون
يوم عطيناك اختي
عطيناك اياها امانة ماهي عطية
والامانة تنصان ماتنخان
بس دامك ما انت قدها : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها )
وبيت ابوها يشيلها هي وبنتها
على العين والراس معززة مكرمة
فتح تركي عيناه بدهشة
كان يتوقع الطلاق ومنذ وقت طويل
ولكن لماذا هو مصدوم الآن
لماذا يشعر بإن قلبه ينبض بقوة
اشبه بتحليق طائر في قفص مقفل
يريد ان يتحرر من بين أضلع تركي
لا مكانة اليوم له في صدره
اذا خلى من انفال :
تبيني اطلق ؟
هز جهاد راسه بجدية :
ماهو انا اللي ابي
هي اللي تبيك تطلق
وزي ماخذتها حليلة على ذمتك بشرع الله
ردها لابوها على شرع الله
الدين يسر
نزل تركي من السيارة
وهو يغلق الباب خلفه بقوة
انحنى على شباك جهاد بكفيه غاضبًا :
شلون أطلقها شلون ؟
وبنتي وش بتسوي ؟
ابتسم جهاد كعادته بهدوء :
ماراح نأكلها
بنتك صغيرة محتاجة لامها
متى مابغيت تشوفها تدق علي
رصّ بأسنانه بحدّة على كلمته الاخيرة :
وانا أجيبها لك
ماتجي بيتنا ولا تقبل يا ابو حصة
يكفي اختها ماجاها حتى طرف ثوبك ما ابغاها تشوفه
ضرب تركي زجاج الشباك الخلفي بقبضته بقوة :
ماراح اطلق!
هي زعلانة من شهرين وانا صابر اقول كل يوم بكرة ترضى
انا ابغاها ياجهاد افهم
لو كل الحريم بيتطلقون من اول مشكلة ماكان بقت حرمة في بيتها
نزل جهاد بقوة من سيارته
وكلمات تركي اتت بغضبه وهو من لا يغضب
بحدة وهو يشد بقبضته
حتى يسيطر على نفسه :
وأختي مو اي حرمة
اختي ما ارضى تغزها الشوكة
بعدين اللي فهمته من اختي
انها ماهي اول غلطة
انت قاعد تخون من سنتين والوحدة تجر وحدة
الى انك توصل مع صديقتها
لا عاد الى هنا هذه اللي مانرضاها
قلت لك وبعيدها
جيتك بالحسنى عشان خاطر بنتك
ولا المحاكم كلنا نطولها
بس بنتك سمعتها تمسني ولا ارضى يقولون خالها جرجر ابوها بالمحاكم عشان خلع وقضايا اترفع عن ذكرها
صرخ تركي في وجهه جهاد
وان يتهمه بالزنا هذا اللي لا يرضاه :
تراك انت فاهم غلط
لانها بكبرها فاهمة غلط
انا مازنيت بصديقتها الله ياخذها
ماكان بيني وبين الا اتصالات ورسائل
وكان تتعمد تطلع قدامي اذا جت تزور اختك
انها تستغفل اختك
وأختك ياغافلين لهم الله ماهو ذنبي
ولكن ذنبي انا بقوله
ولا تتهمني باللي في بالك
لما قربت منها كان بوستين
وبعدها تركتها
وتركتها نهائيًّا لاني ادري انه غلط
وتبت والله تبت
تسند جهاد على باب سيارته ببرود مصطنع :
تبت الله يقبلها ويغفر لك
مالنا دخل ولا يهمنا
بينك وبين ربك
اللي يهمنا بنتنا طلقها الله يسلمك
ركب جهاد سيارته دون ان يسمع رد لتركي
اغلق شباك سيارته والباب ليردف هامسًا بحرقة :
الله لا يسلم فيك عظم
كانت عيناه تلحق بسيارة جهاد
التي مرت من امامه
سقط جالسًا على مرتبة سيارته
وعيناه تتبعها الى ان اختفت
كان يتكلم مع جهاد
ويشعر برائحتها بأطراف عنقه تقتحم صدره
لذلك القلب لم ينبض عبثًا
كان ينبض شوقًا لتلك الرائحة
سند مرفقيه على فخذيه
ليضع راسه بين كفيه ويشد شعره بقوة محترقًا :
ارجعي
والله ماتشوفين مني شيء يضرك
بس ارجعي!
/

\

/
ينظر الى الساعة التي تشير الى 12 ونصف مساءً لأول مرة يتأخر بعمله
يتعمد ان لا يعود الى البيت
لا يريد ان يرى شذى
ويتجدد الأحساس بالذنب
لا يريد ان يرى رنا
وهي تنظر له بعينين مكسورتين
وكأنها تلومه انها اطاعها ورضى بهذه اللعبة
يلعب هذه اللعبة القذرة من اجل شذى
أطاع كلام ابيه الذي لا يمت للعقل بصلة
من اجل ان لا يفقد حضنه رائحتها
يعلم ان شذى طيبة
ولكن بالنهاية هي من عرق الجامح
لذلك هي جامحة جدًا تجاه ذاتها
ابيها سلطان
يعني ذلك ان الخطر اقترب
وامها الجازي
ويعني ذلك ان الموت آتي لا محالة مهما اختفى 18 سنة هو عائد
وعائدًا بقوة!
ولك ان تتخيل
هذا المركب السلطاني بعبق جازيٍ
يتمثل بشذى ليخنق شذاه حاتم
اخ يالجازي لكٍ من أسمك نصيب
الجازي من الجزاء اي ياعقابًا ياثوابًا
وثوابك علي انك وهبتيني شذى
وعقابك لي سلبها مني
ثوابك على شذى انك ستكشفين الحقيقة لها قريبًا
وعقابك انك جعلتيني اكذب واستغفل ابنتي وابن اخي
قطع حبل أفكاره صوت الشرطي فارس
وهو يرمي اللاب توب بدهشة امام ناظريه :
طال عمرك توصلنا الى موقعه
رفع حاتم عيناه باستغراب :
وشو ؟
من هو ؟
جلس فارس بجانبه بفرحة :
اخيرًا بعد شغل اكثر من سنتين ونص توصلنا
له!
طال عمرك هذا هو
هذا اللي جيت واحنا نشتغل عليه
وكملت معنا على قضيته
هذا اللي كان يدخل على بيانات وقواعد آمن الدولة
ويبلغهم بطرق غير مباشرة اذا فيه هجوم إلكتروني شرس
او فيه أعداء او متجسسين متخفين بينا
هو اللي كنّا نعتقد في البداية
انهم شبكة بالاخير صار شخص واحد
فقط شخص واحد!
قاطعه حاتم وهو يقف بصدمة
ومقدمة فارس كانت كفيلة بإنعاش ذاكرته
اللي باتت شذى تستوطنها هذه الايام :
ايه ايه بس شلون!
وقف فارس معه
وهو يأخذ ورقة من مكتب حاتم ويكتب عليها الخطوات :
طال عمرك
قبل فترة انت أعطيتنا حساب في التويتر
فيه محادثات
تبينا نتبع الشخص اللي خلفه صح ؟
وعلمتنا انه اذى احد من اهلك
والمسألة شخصية
وقعدنا خلفه اكثر من اربع شهور
تذكر حاتم افنان
التي كانت تتحدث مع ذلك المجهول
ظنًا منه انها لوحدها
وبالحقيقة كان حاتم وأفراد الشرطة الالكترونية يراقبون المحادثات عبر حسابها
خصوصًا ان الرقم السري مع حاتم :
ايه
بس بكل مرة يكلمنا يفشل نظام التتبع
ابتسم فارس وهو يكتب على الورقة
اكثر من إحداثية :
ماكان يفشل بس كان يتوقف بنص البحث
لان العوازل اللي يستخدمها بأجهزته اقوى
وبكل مرة يطلع لي احداثية
ولكن مو كاملة
انا جمعت كل هذه الإحداثيات اللي طلعت
وقعدت الاحظ اكثر شيء تكرر
وكانت هذه الإحداثية
رسم عليها فارس دائرة وهو يكمل :
وقعدت اجمع كل المعلومات اللي عندنا
مثلًا حصرت البحث بكل المناطق
اللي تبدأ بهذه الإحداثية واستبعدت اي منطقة غير الرياض
وتوقف معي البحث على ثلاث احداثيات
قمت أضيق البحث على اكثر منطقة
من هذه المناطق بنائيًا
تقدر تفيد الشخص
مثلًا بالبيوت القديمة ماكان فيه عوازل
تلخبطك باخذ الإحداثيات
بعكس البيوت الجديدة
وكان بيت واحد من هذه البيوت قديم
بكذا بقى عندي احداثيتين
وبآخر محادثة معه
كانت قريبة ماتعدت شهرين
و واحد من هذه البيوت اللي تتبعتها كانت لسى ما انسكنت
بكذا يبقى لنا إحداثية وحدة فقط!
فتح حاتم عيونه بدهشة مبهورًا
من ذكاء ذلك الشاب الذي امامه :
مبدع يا فارس
والله العظيم رائع بحق
بس كيف عرفت ان نفسه اللي يهدد اهلي
هو نفسه اللي كنا نبحث عنه ؟
ابتسم فارس بإمتنان لاطراء حاتم :
طال عمرك مايبغى لها واضحة
كانوا يستخدمون نفس المعدات
ونفس العوازل
وأكثر من شيء صدف انه ماهو تشابه!
ونفس الخبرة التقنية للاختراق
ربت حاتم على كتف فارس بفخر :
اثق فيك يافارس
تواصل مع المركز الشرطة للحي
وأجمعوا الدوريات وانا وياك وراهم بأذن الله
ابتسم فارس وهو يغلق القلم :
كلهم في مواقعهم
بانتظار امرك طال عمرك
اخذ حاتم قبعته من المكتب وهو يمشي معه بسرعة خارج المكتب :
اجل توكلنا على الله وش ننتظر ؟
ركب سيارته وبجانبه فارس بعد ما اخذت جهازه معه
لتتبع الإحداثيات
ومشى حسب احداثيات فارس الذي يمليها عليه
فجاءة!
سحب الفرامل بقوة ليتوقف في نصف الحي
ضرب عنق فارس بقوة في المرتبة من الضربة
ليّأن بآلم سقط اللاب توب من حضنه على قدميه
لم يبالي حاتم بشفتيه التي ضربت بزجاج السيارة الأمامي لانه لم يضع حزام الامان
مرر بطرف لسانه على الدم
كان ينظر بدهشة الى الحي! حي يعلمه جيدًا
لم يعرفه يومًا او يومين
هذا الطريق تحفظه قدماه اكثر من اي طريق آخر
سقطت عيناه على سيارات الشرطة التي كل دوريتين اتخذت موقع
اكمل حاتم الطريق بسرعة
متجاهلًا احداثيات فارس الذي يتحدث ولا يفقه حاتم حديثه منصت الى شوشرة صوته فقط
يمشي حسب توزع الدوريات
الى ان توقف بنصف الشارع المقصود!
ابتسم فارس برضى وهو يرى السيارة تقف بنصف تلك النقطة الحمراء
التي تشير بشاشة جهازه دليل انهم وصلوا المكان الصحيح
قاطع ابتسامة فارس مرعوبًا صوت حاتم وهو يصرخ :
قل بسرعة اي بيت فيهم ؟
أعاد فارس عيناه الى الشاشة
وهو يبحث أين الدبوس مستقر على الخريطة
رفع فارس الجهاز اللاسلكي وهو يرفع الآمر :
حول حول الى كل الدوريات من 7-0
بيت رقم تسعة استعدوا
للإشارة
لم يرى حاتم البيت بعيناه لانه أغلقها وهو يسمع الرقم من شفتي فارس!
سمعه بقلبه ذلك البيت هو منزل اهله
ماذا يتفوه هذا المجنون ؟
اخذ حاتم اللاسلكي من يدين فارس بجنون وهو يصرخ :
ألغوا العملية !
كان يتلاعب فيكم الموقع خطأ
لف فارس عليه بصدمة لا يضاهيها اي صدمة!
هذا وش قاعد يخربط ؟ كيف تلاعب بنا ؟
بلع ريقه وهو ينظر الى حاتم بحدة :
انت وش قاعد تقول ؟
نزل حاتم من السيارة وهو يتوجه الى سيارة الدوريات الاولى
التي نزل منها الضابط المشرف على القضية من المركز مع حاتم
ليقفان بنصف الشارع
عقد الضابط حاجبيه باستنكار :
وش قاعد تقول ياحاتم ؟ الشباب ماخذين مواقعهم ، ومستعدين
ورفعنا آمر للجهات التي تعرضت للاختراق من قبل المتهم حتى يحولون من رجالهم للتحقيق معه
وكلهم الحين بإنتظارنا
كيف تخلونا نستعد من قضية ناقصة ؟
تخصر حاتم بغضب :
العذر والسموحة منكم بس ترا كنّا مثلكم
انلعب علينا
انا هذه القضية مسكتها من يوم مسكت منصبي في القسم
والى الحين هي شغلي الشاغل
اللي تبحث دولة كاملة عنه هذا مو رجل بسيط! عشان نقدر نلقاه بالبساطة اللي عثر عليه فارس فيها
يمكن كل الخطوات اللي فارس لقاه عن طريقه
كان مخططة لها
كان يتلاعب فينا عشان نضيع وقت وجهد على شيء هو مخطط له
والله العالم ليش خلنا ننشغل يمكن هو بينشغل في شيء اكبر
ويمكن كل الكلام اللي قاله فارس للربط بين القضيتين خطأ
يمكن هو تعمد حتى نظنهم نفس الشخص!
تكتف الضابط وهو رافعًا حاجبه :
وممكن اعرف السبب اللي يخليك متأكد إنه كان يتلاعب فينا ؟
غمض حاتم عيونه بهدوء :
البيت هذا ، بيت اهلي
فتح الضابط عيناه بدهشة :
شلون ؟
تنهد حاتم وهو ينظر الى بيت اهله :
قلت لك يا اخوي يتلاعب فينا
اكيد انه يدري اني اشتغل على القضية
وخلنا نوصل الى بيت اهلي عشان نستوعب اننا ندور في حلقة مغلقة!
تنهد الضابط بخذلان وهو يفرك برؤوس اصابع كفه عيناه.
طنين الجهاز اللاسلكي المستقر في جيب حزامه اجبره ان يبتعد خطوات وهو يجيب
لف حاتم على فارس
الذي كان ينظر الارض بدهشة لم تخلو من خيبة الأمل تجاه نفسه
والإحساس بالأسف تجاه هذا الوطن
الذي لم يكن هو كفوًا له حتى ينقذه من أيادي العابثين وان كانوا مصلحين
هدر الوقت والجهد
وسهر الليالي والايام التي ضاعت من عمره
هل ذهب ذلك كله هبًاء منثورا ؟
رفع راسه بقوة الى حاتم
شيئًا ما بداخله لم يرضى بالفشل
لم يرضى ان بمجرد ان قرر حاتم انه أخطئ اصبح فعلًا فاشل
شيئًا يكافح بداخله لتغلق هذه القضية تحت اسم فارس وبأسم المجرم!
ليس مجرم بحق وطنه
ولكن هو مصلح ولكن بطريقة خاطئة لا تليق بمبادئ هذا الوطن الشريف
هو مجرم بحق فارس ان صدق كلام حاتم وأصبح يتلاعب بهم
اردف بنبرة لم تكن تتسائل بس اشبه بمن يوقظ حاتم من غيبوبته :
ليش يتلاعب بنا ؟
عقد حاتم حاجبيه بشك ان فارس لم يسمع الكلام الموجه الضابط :
يحوس ويدور الى ان نوصل بيت اهلي تتوقع يلعب معنا واحد طش ؟ اكيد يتلاعب فينا يا فارس شغل عقلك!
قاطعه فارس بحدّة وهو يقترب منه وعيناه بعيني حاتم :
مو لاني انا مشغل عقلي ليش تقول يتلاعب فينا ؟ مو شرط انا وصلنا بيت اهلك صار يتلاعب!
صمت قليلًا ليردف بالطامة :
ليش مايكون فعلًا من اهل بيتكم ؟
لم ينتهي تساؤله الا وكف حاتم تعتصر عنق فارس هامسًا بحدة تكاد تجرح مسامعه :
عدّها وشكك بأهل بيتي!
واوعدك أخليك تموت بسبيل هذه القضية
ابتسم فارس بصعوبة وهو يشعر بالنفس ينقطع عنه من قبضة حاتم
وكأن الحروف تخرج من قبضان زنزانة من شدة صعوبة خروجها من حنجرته :
شرف!
اي شيء بسبيل هذه الارض شرف وان كان على جثتي
حتى لو تقول لهم انا المتهم
ويمسكوني اتعفن بالسجون وانسى نور الشمس ولعد تلفح وجهي الا في جنازتي شرف
بإن وطني وديرتي تخلصت من واحد بيضرها وان كنت انا ماهمني
المهم انها بخير وعين الله تراعها
ناظره حاتم بابتسامة ساخرة وحرقة ان أحدًا يشكك بنزاهه اهلك تجاه هذه الارض. جمرة لا تطفئ :
عز الله ماعرفت حاتم ياللي مابعد فقست من البيضة
ماعرفتني بالمرة الاولى ان اهلي خط احمر
وماعرفتني بالمرة الثانية اني انا أوجع. انا انحر!
وعشان بسلبك هذا الشرف
قاطع وعيد حاتم ، اقتراب الضابط بخطوات سريعة وهو يبعد حاتم عن فارس بدهشة :
عسى ماشر يا ابو وصال
همس فارس وهو ينظر الى منزل حاتم :
الشر وان طول
وترصد في ضياع عيون الحق عنه ابليس بيزول!
لف الضابط رافعًا حاجبه من كلام فارس المبهم بالنسبة له. والواضح لحاتم :
الله يكفينا شر ابليس واعوانه
لف على حاتم لا مباليًا بفارس والغازه وهو يعيد اللاسلكي في جيبه بهدوء مهني. وهو يقوم بآخر خطوة بهذه العملية الفاشلة :
امنحني الإذن ياحضرة الضابط حاتم الجامح اني اخلي المنطقة من رجالي.
مع كامل تحملك للمسؤولية
وتتولى اخلاء جميع الاطراف المشاركة في القضية وإخطارهم بتوقف قيد القضية لنقص أطراف الادلة ورفع خطاب اعتذار مبررًا إزعاج السلطات
مع العلم رئيسي رفض ان هذه الغلطة تمر مرور الكرام وطلب بتعيين ضابط اخر معك!
هز حاتم راسه بإيجاب وعيناه على فارس بجدية :
آمنحك اذن اخلاء المنطقة من رجالك
والآن بنتوجه الى المركز لتنفيذ بقية الأوامر ياحضرة الضابط
وانا ابنكم وانتم اخوان الحق واتعلم من أخطائي وأتحمل توجيهاتكم. وأرحب باي ضابط يشرفنا في هذه القضية
ولكن بعد إذنك انا بعيد تكوين رجال القضية وبعزل بعضهم. واولهم فارس لا هنت
هز الضابط كتفيه بلا مبالاه. وهو لم يفهم الهدف من اخبار حاتم له تحت أنظار فارس المصدومة :
القضية تحت تصرفك ، ولك الحق باختيار رجالك
ودامك تبي فارس مُبعد. فلك اللي تبيه ان شاء الله
/

\

/

اغلق باب البيت الداخلي وهو يدخل المفاتيح في جيبه ، كل شيء هادئًا.
والظلام يسود المكان ماعاد لمبة الابجورة الصفراء خافتة تنير غرفة غنى التي مفتوح باب نصف فتحة. حتى تسمع شادن صوتها لو استيقظت
لف على الشيء الوحيد الذي يثير الحياة في هذه العتمة والسكون. صوت عقرب الساعة الذي يشير للى 3 ونصف ليلاً
تعمد ان يتأخر حتى تعود شادن وتنام دون ان تراه احترامًا لعتبها.
اخذ قارورة ماء من الثلاجة وهو يدخل غرفة نومه. خلع حذاءه بجانب الباب ليجلس على السرير
انار اضاءة ابجورته وهو يشرب الماء على ثلاث جرعات اقتداء بالسنة
لف على شادن ليراها
كانت نايمة بهدوء والمفرش يتوسط خصرها. وملقيته ظهرها وشعرها جميعه مرفوع للأعلى تاركًا عنقها يتنفس
استلقى سياف خلفها
حتى باتت تشعر بإن ظهرها يستند على أزرار ثوبه من شدة قربه
مرر بباطن سبابته اليمنى على بداية عنقها ، من من خلف إذنها الى ان وصل كتفها بهدوء
اقشعر جسد شادن من قربه ليكش!
انفاسها الهادئة ، تعكر صفوها بقربه
لتنتفس بشكل غير منتظم
تارة نفس عميق وتارة سريع
ابتسم بهدوء بعدما تأكد انها لم تكن نايمة
حاوط خصرها بذراعه ، ليقرب جسدها اليه
كاد ان يلتحم ظهرها في بطنه من شدة قربه. لو كتمت انفاسها عن رائحة عطره التي انتشرت بداخلها كمن نام في وسط حديقة الزهور
لا استطاعت ان تحسب كم يستشنق ويزفر في الثانية من لفح انفاسه لعنقها.
تعلم انه لم يصدق بإنها نايمة ولكن لا تريد ان تعطيه فرصة ان يتكلم
هي من حاولت جاهدة ان تتغلب على نفسها حتى تستطيع ان تغمض عيناها لتستعد للنوم
وتخشى ان تنهزم نفسها
وتخر عزيمتها امامه
مرت عشر دقائق ، تتبعها خمسة عشر دقيقة. ليضع سياف حدًّا لهذا الصمت المريب
ليقبل طرف دقنها وهو يداعب بأرنبة خدها برقة هامسًا :
ازعلي لو بيرضيك عني الزعل
بس لا يطول زعلك علينا ترا مابي شدّة. يعني عندك الحين 10 دقايق بس تزعلين فيها غيره السموحة منك ممنوع
قاطعته شادن بغضب وهي تلف بجسدها عليه. لتبلع غضبها بدهشة
كانت تعلم انه قريب ولكن ليس لهذه الدرجة، لفت لكي لا تجد الا رمش عينه يكاد يمسح على عيناها لتهدأ من قربه، لولا عظمة الحلف بالله بقلبها لأقسمت بأغلظ الإيمان ان حتى مجرى للنفس قد هُدم لتختلط انفاسهم
بلعت ريقها وهي تحاول ان تستجمع ماكنت تريد ان تقول
ليقاطعها سياف بأبتسامة عذبة وهو ينظر اليها بحُب :
هلا والله حي هالعين!
لو ادري بتكرمينا بنظرة كان أصدرت القرار من زمان
تنهره دايمًا قايلة " بطل ياسياف تاخذ عقلي حلاوة بهاللسان! " ولكن لا يتوب وكأنه يستمتع بنسج عذب حروفه
ليضحك بعدها حبًا بلفح حرارة انفاسها خجلاً لأنفه التي لا تقوى كبحها
قاطعته شادن بلا مبالاه حقيقة هذه المرة لحروفه :
سياف لا تحدني ادعي عليك في ثلث هالليل ان الله يبلاك باللي بلاني منك
اللي فيني منك مرض مايعور الا انا
تجرحني وما اقوى أكرهك لاني احبك
وما اقوى احبك اكثر لاني مجروحة منك
انا بين نارين نار قلبي ونار نفسي
وانا خايفة من هاليوم اللي تستغل فيه حبي لصالح اني اغفر لك
وياخوفي اني اللي خفته صار!
كان سياف يراقب عن كثب لخصلة تمردت وهاجرت بعنفوان من قبيلة شعرها. لتنشئ مستعمرتها من جبينها نتيجة تقطيب حواجب شادن
لا يكاد يستطيع ان يركز بحديثها
وتلك المتمردة تاخذ قلبه كلما تمايلت
رفعه بأصبعه بهدوء وهو يعيدها مع قبيلة اخواتها هامسًا حتى لا يخيفها وتسقط مرة اخرى :
ادعي علي وياعساها مقبولة
ما اخاف من علةٍ وانتي طبها
وضعت شادن يدها على شعرها بنفس مكان يد سياف غاضبة :
انتي وش قاعد تسوي ؟
ابتسم سياف وهو ياخذ كفها العابثة بشعرها لحضنه :
خصلتك اظنها زعلانة من باقي شعرك تركتهم وطاحت شكلها مثلك
بس رديتها لاهلها وانتي الله يلين هالقلب ويردك
رفعت شادن حاجبها باستنكار :
انت ماتعرف تقول اسف بدال هالدعاوي ؟
ضحك سياف :
الا اعرف بس يقول سهام الليل لا تخطئ
واثقة اني ربي يقبل دعوتي اكثر من انك تقبلين اسفي
غمضت شادن عيناها وهي تردد بنفسها :
يالله كفه عن مغازلتي حتى لا استأثم به!
يالله اخشى ان اكون قاتلة او مقتولة بهذه الليلة من فرط هذا الاستظراف تحت مسمى عاشق.



فتحت عيناها بهدوء وهي تنظر اليه بجدية :
لا تتعب نفسك ياسياف هذه المرة
كسرت لك شيٍ ماتقدر على جبره
كل شيء بهذه الدنيا ابلعه
الا طاريها تراه يجن جنوني
وانتي تدري ياسياف لا تستغبي
ولا تتعب نفسك وتحاول تراضيني
انا حتى ما اقدر اقول اني زعلانة ، انا مو زعلانة!
انا لو فيه كلمة توصف اللي احسه فيه
كان اسعفت نفسي فيها عشان افهمني قبل اسعفك تفهمني
هي إهانة تشبيهي فيها!
ولا هي من صدمة فيك انك شفتني لوهلة ما افرق عنها شيء!
ولا هي من خذلان انك في لحظة غضب نسفت اي ذرة حب وبقيت متوحد بأفكارك علي!
باي حق هذه اللحظة تبيني ارضى عليك بمسمى اني احبك ؟ وانت لما جرحتني مافكرت انك تحبني ؟
قاطعها سياف بجدية منفعلًا وهو ينظر اليها :
اسف
انتي مو تو تقولين ماتعرف تتأسف ؟ انا اسف !
قاطعته شادن بانفعال اكبر :
لا تتأسف ! كلمة أسف ماتجبر شيء لا تلعب على نفسك
اتركني اجبره بنفسي
انا افضل وحدة أداوي علتي
بس خلك بعيد ياسياف لا تزيد الطين بله
قاطعها سياف بغضب وهو يخرج هاتفه من جيبه :
من كنتي العشاء تسولفين ويا البنات
كنتي تتكلمين بلهجتك!
وانتي العادة تتكلمين بلهجتنا
تحسبيني ما ادري وقتها انك تعاتبيني بطريقة غير مباشرة ؟
تتجردين من اي شيء مشترك بينا
وتتمسكين باي شيء يفصل لك عني
تهقيني ما انتبه لهذا كله ؟
انتي رحتي من هنا
وانا اللي وقف هنا يلوم نفسه في الثانية الف مرة على زلة لسانه
رحتي و وقف وراك واحد يتمنى ينقص لسانه قبل يكسر بخاطرك
انا تعبت احفظك وانتي ماكلفتي على نفسك تعرفيني!
انا ياشادن سياف اللي انبح حلقه يقولك انسي ماضيي عشان مايوجعك حاضري مثله!
انا ماضيي انسلخت منه
لا ترديني شرنقتي وهي معد هي قدي
عشان ما انفجر
انتي جنيتي على نفسك من البداية لما استهرتي فيني كأب
ليش صار يوجع لما انقلب الموضوع ضدك كأم ؟
انا اسوء انسان اذا انوجع ياشادن وانتي اكثر وحدة تدرين
ليش بكل مرة ماتتوبين من المرة اللي قبل ؟
كان موضوعنا عن وظيفتك ليش تقومين تدخلين ماضيي بالسالفة غصب ؟
انتي غلطتي ورديت عليك بنفس الغلطة
اللي ماترضينه على نفسك ياشادن
لا ترضينه على اي شخص بهذه الدنيا قبل ترضينه على زوجك
رفعت شادن حاجبها بهدوء :
يعني انا الحين الغلطانة ؟
قاطعها سياف وعيناه في جواله :
ما احد فينا كان الصح
قاطعته شادن وهي تستوعب كلامه
هي من بدت بهذه المهزلة كلها
من جرت الموضوع الى ان وصل الى هنا
هي من بدت وذكرته بماضيه ، ولم يكن ليتكلم واستمر بتدليلها ويراضيها لولا ان استمرت بإلقاء البوم عليه :
صح انا من بديت
ومالي حق الومك ليش قلت كذا
مهما كان الموضوع كبير ويجرحني! لعل الماضي ينظر نفسك اكثر ويجرحك اكثر
بس من حقي اخذ وقتي بالتعافي من الموقف
اردفت بغضب وهي تعتدل بجلستها بعد مارأت عيني سياف في جواله وكانه لا مبالي لها :
صدق والله الحين انا اتكلم وعيونك بجوالك ؟
قاطعها سياف بغضب :
اصبري
اردف وفتح الرسائل وهو يفتح محادثتها ، دون ان يقرأ اخر رسالة :
يكون بعلمك تعمدت هذه الليلة اجي متاخر عشان تنامين بدون ماتشوفيني وانكد عليك
بس لما دخلت وشفتك ما انتي حول نوم تذكرت رسالتك وماقوين أخليك تنامين زعلانة
عقدت شادن حاجبيها باستنكار :
اي رسالة ؟
فتح سياف عينيه بدهشة وهو يبحث عن نص شادن الاخيرة بالمحادثة :
لما سألتك " واللي يحتاجها طيب لا راحت ، مين له ؟ "
رديتي علي! بس ما ادري وين اختفت الرسالة
رفع شادن حاجبها بدهشة :
مارديت عليك اصلًا
رفع سياف راسه بصدمة :
شلون يعني ؟ كان فيه رسالة والله فيه! بس مدري وين راحت شكلي حذفتها بالغلط
اخذت شادن جوالها من على الطاولة الصغيرة بجانب رأسها بشك! معقولة لدن تسللت الى جوالها في حين غفلة وأجابت سياف ولكن مستحيل جوالها لم يسقط من يدها
فتحت محادثة سياف لتجد ان سؤال سياف مازال معلقًا بالمحادثة من دون رد!
رفعت الجوال الى عين سياف باستغراب :
شف ! مافيه شيء ، مارديت عليك انا متاكدة
سقطت عيني سياف من شاشة هاتفها الى الفراغ المحيط بالسرير لينظر اليه بدهشة
والله العظيم يشعر انه قرأ لها ردًّا ، وهو الذي اشعر بالطمأنينة ليقترب منها
كيف الان تختفي الرسالة ؟ وكأن لم يكن لها وجود
نهض من السرير بهدوء يحاول ان يخفي دهشته والحروف تخرج بصعوبة من حنجرته :
يمكن يتهيأ لي ، نامي بروح اتروش
هزت شادن كتوفها بحيرة من شكل سياف المخيف وكأنه يفكر بعالم غير عالمها
استلقت على مخدتها مرة اخرى بلا مبالاه وهي تغمض عيناها لتنام.
/

\

/

فتحت عيناها ببطئ تدريجيًّا وهي تشعر بثقل في رأسها
أغمضت عيناها مجددًا وهي تشد عليها بقوة من اثر الصداع الذي داهمها
تحسست بيدها اي شيء حولها تعرف أين هي الآن. عضت شفتها بآلم وهي تتأوه عندما اصطدمت كفها الهزيلة بطرف السرير :
آه!
فتحت ريناد عيناها بقوة غير مباليه بالصداع ، والعجز عن الرؤية يؤلمها اكثر من رأسها
تنهدت بهم وهي ترى انها مازالت بالمستشفى
كانت تتمنى انه
اضغاث احلام ، وستيتقظ
مشهد من فلم ، وسينتهي
فصل من مسرحية ، وستدسل الستار
حدث من رواية ، وسيغلق الكتاب
اي شيء عدا انه واقعها ، وستعيشه
سقطت عيناها عليه وهو ينظر اليها بقلق متفحصًا ملامحها باحثًا عن سبب آلمها
كان جالس على السجادة
بإتجاه القبلة ولكن راسه بإتجاهها بعد ان قطع صلاته بسماع صوتها تتألم
همست مجيبة تساؤله :
راسي يعورني ويدي صقعت بالسرير
وقف على عجلة من سجادته
دون ان يرتدي حذاءه
وهو يضع كفه على الجدار الزجاجي ويصوت الى الاستقبال المقابل لسرير ريناد :
Nurse!
جت الممرضة العربية. التي طلب منها كسار ان تتولى حالة ريناد
ابتسمت بحنية لريناد :
الحمدلله على السلامة
مسكت ريناد راسها بكفيها بآلم فضيع :
راسي مرة يعورني! ثقيل ما اقدر حتى اناظر من الآلم
اخذت الممرضة الحبة من جانبها
مع قارورة الماء وهي تدخل بداخلها - المصاص - :
لانك كنتي عم تبكي وخدرناكِ شيء طبيعي ماتشغلي بالك
ابلتعت ريناد الحبوب جرعة واحدة من الكأس الورقي الصغير وهي ترمي المصاص بعيدًا وتشرب الماء مباشرة
ابتسمت الممرضة ، وهي تخرج حتى تأتي بمحلول جديد. ومحلول ريناد شارف على الانتهاء
لفت ريناد على كسار بهدوء وهي تراه مازال واقف على سجادته ينظر اليها بقلق لم يخلو منه ملامحه
همست :
ابغى أصلي الفجر ماصليت
فز كسار وهو يرتدي حذاءه على عجلة :
ابشري
بشوف لك من عند الممرضات جلال او حجاب اكيد بينهم مسلمات
قاطعته ريناد بحسرة :
لما صحيت انت خليتهم ينومني ما امداني أصلي العشاء بعد
همس كسار وهي يعتذر بتبريره :
لاني كنت محتاجة تنومين وترتاحين
وانتي مريضة معك عذرك لما آخرتي الصلاة
مافاتك شيء الحين تصلينهم سوا
الفجر تو وقتها دخل ماراح تأخرينها هي بعد
دخلت الممرضة وبيدها المحلول الجديد ، آشرت ريناد برأسها لكسار حتى يتحدث
كتم كسار ضحكته من خجل ريناد بأوقات خاطئة :
لو سمحتي نبغى جلال بتصلي
عقدت الممرضة حاجبها باستنكار :
جلال ؟
قاطعته ريناد وهي تحاول ان تأتي بمرداف :
مثل الجلباب
ضحكت الممرضة :
فهمت عليكِ بدك تتحجبي ، فيه مصلى صغير بنصلي فيه
وبصراحة مش مصلى بمعنى الحرفي ولكن هادئ ونظيف وفيه مغسلة مشان الوضوء
قاطعها كسار بنفي :
لا لا خليها تصلي هنا تودينها هناك و تتعب
بعدين مافيها شدة على الوقوف
جيبي الجلال خليها تلبسه وبقرب لها السجادة وتصلي وهي جالسة على سريرها
قاطعته ريناد وهي تأشر بعينها على الناس الرايحة والجاية امام سريرها :
كسار شلون بخشع وانا قدام هذه الناس كلها ؟
هي تقول هادئ هناك باخذ راحتي اكثر بعدين عادي اوقف
شف شف مافيني شيء
وقفت بسرعة غافلة عن صداعها الذي لم يزول بعد
ليعاود الصداع مرة ثانية بشراسة اقوى
سالبًا منها الرؤية لتخر ساقطة. ولكن يدين الممرضة اقوى من جسد ريناد
وأسرع من خطوات كسار نحوها
تخصر كسار بغضب :
لا عز الله خليتك تروحين
مسحت الممرضة على شعرها بحنية وهي تنحني امامها :
بدك تنتبهي لحالك بالحركة
لسى جسمك ضعيف ورأسك ثقيل
بدك تتحركي بهدوء بدون ماتصدمي نفسك باي حركة سريعة هلأ خصوصًا لو بدك تتحركي من السرير
خرج كسار من الغرفة غاضبًا
تاركًا خلفه ريناد تنظر اليه بخوف من غضبه عليها ودموعها بعيناها من الآلم وليكمل الناقص اسلوب كسار لها
لفت على الممرضة وهي تبلع ريقها من صوتها المتحشرجة من البكاء :
تراه هو دايمًا كذا كريهه اطرديه لا يقعد معي
ضحكت الممرضة وهي تمسح بطرف اصابعها دموع ريناد :
ماهو المسكين حردان على حالك
بعدين كمان انا خوفتيني عليك فيه حدا بيفز من سريرو هيك وهوا مطرمخ ؟
ضحكت ريناد بسخرية :
ايه قصي يدي لو زعلان
والله الحين بيدخل بسيارته يدعسني عشاني ماسمعت كلامه
دخل كسار على كلماتها الاخيرة وبيده شرشف ابيض
وبيده الاخر يدف كرسي متحرك ذو عجلتين
اقترب من ريناد وهو يضع الكرسي عندها :
يالله عجلي علي
لفت على الممرضة بغضب :
شفتي ماقلت لك بيدعسني ؟
بس ربي قدره على الكرسي ماقوى سيارته يدخلها
رفع كسار حاجبه :
هو صدق بدعسك بس مو الحين
بدعسك بخاتمة حسنة عقب ماتصلين
يالله عجلي علي اجلسي
رفعت ريناد راسها وهي تحاول ان تكتم عبرتها :
ما ابغى خلاص خلني كسار لو سمحت
رفعت الممرضة رأسها بلوم لكسار!
غمض كسار عيونه وهو يأخذ نفس عميق
فتح عيونه مجددًا وهو يحاول ان يتقبل ذلك الطبع الى ان تتخطى ازمتها الصحية :
طيب ممكن انتي اللي لو سمحتي تقعدين على الكرسي الى ان تتوضين فقط ؟
طول عمرك ذابحتني بهالدلع
يوم جيت بدلعك حضرتك ماتبين ؟
غمضت ريناد عيونها وهي تهز رأسها بأسى :
تسمع بالدلع والله ياكسار
تشبثت بيد الممرضة حتى جلست على الكرسي
مد الكرسي للممرضة وهي تخرج الابرة من كف ريناد بعد انتهى المحلول القديم وترميها بالقمامة وهو يفسح الطريق هامسًا :
خليها تتوضى وترجع هنا
لا تودينها مكان ثاني
خرجت ريناد برفقتها من هنا. وأخذ كسار كرسي المرافق من هنا وهو يضعه بالزاوية
اخذ الشرشف اللي جاء به وهو يحاول ان يثبته من جميع أطراف الزاويا
لم يشعر بالوقت الذي مر عليه وهو ينشئ العقدة بين الشرشفين لان عرض الجدار اكبر من عرض الشرشف
شهقت ريناد وهي تدخل الغرفة مجددًا بعد ماشافت الغرفة من برا محجوبة ولما دخلت وجدته واقفًا على الكرسي ويربط بذمة وضمير بين الشراشف :
وش قاعد تسوي!
رمى كسار الشرشف من يده بابتسامة رضا
نزل من الكرسي وهو ياخذ السجادة ويقربها للسرير متجاهلًا سؤال ريناد :
قربيها من السرير الله يعافيك عشان تصلي عليه
عقدت ريناد حاجبيها بغضب :
ما ابي اصلي هنا بصلي زي ماهم يصلون هناك
رفع كسار حاجبه بجدية :
قلتي لي ما اقدر اصلي هنا لان كلهم يناظروني.
انا غطيت لك الغرفة كاملة
عشان تأخذين راحتك وبنفس الوقت تأخذين المحلول الجديد تحسبيني ما انتبهت له ؟
وترا الاجر مايفرق هنا ولا هناك المهم صحتك
مسكت ريناد راسها من كلام كسار الذي لا ينتهي. قاطعته حتى تعتق صداع راسها من المثيرات :
انت فيه احد بالدنيا قدر يقول لك لا ولا يغلبك ؟
ضحك كسار وهو يخرج حتى تصلي على راحتها ومنها يعيد صلاته التي قطعها :
مابعد جابته امه
همست ريناد وهي تجلس على السرير بغضب :
يع!
اخذت الجلال من الممرضة، وهي تلبسه
استقبلت القبلة ولفت على يسار ونفثت لتردف :
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
رفعت كفوفها في نفس مستوى إذنها تقريبًا وهي تغمض عيناها لا شعوريًّا مستشعرة تكبيرة الإحرام :
الله اكبر
/

\

/

\
أكمل اكثر من 8 ساعات وهو أسير شوارع الرياض
حتى ان سيارته كادت ان تستنفذ وقودها!
وقف عند اقرب محطة صادفته في طريقه. وهذه هي أماكن انتشارها
بالطرق الخارج منها مواطنيها من حدود الرياض
لم تعد الرياض تتسع لحزنه. لم يكن السبب الوحيد هم الجوهرة ولا مديره ولا النخبة .. ألخ
شيئًا من معانقة ندى لها ايقض بداخله شيء يفتقر للحنان منذ 12 عامًا!
سقطت عيناه على شاشة جواله التي تشير بالتاريخ الذي لا ينساه
التاريخ الذي جلس هو وشادن على كراسي الانتظار في مطار الملك خالد كأسرى ينتظرون اشلاء رجال حرب مدينتهم ان يردوهم
اليوم اكملت 13 عامًا وهي تختبئ. مين يختبئ هذه المدة ؟ معقولة انها ما.. لم يستطيع ان يتبلع مرارة الخير!
كيف تموت ولم يراها ؟
كيف تموت ولم تراه دكتورًا ، خاطًا شاربه!
كيف تموت ولم ترى حفيدتها ، ولم ترافق ابنتها المخاض!
يالله ياغزل كم فاتك من حياتنا كثير
اتمنى انك ميتة. اتمنى لو لم تملكين مايجبر خاطر هذه السنين ان تكونين ميتة!
لا شعوريًّا مسك خط الرويضة. مسقط راس جده وجدته
وبيتهم الصغير الذي كانوا ينامون بين زواياه في الأعياد
كان صغير ولكن يتسع لهم كلهم
والآن بيوتهم كبيرة ولا يتحمل ان يرى الثاني الآخر
جدته هي فقط من تستطيع ان تسرف عليه بحنانه دون ان يشعر بالنقص
وقفت سيارته امام منزل جدته. وصوت المؤذن يصدح مناديًا لصلاة الفجر
ورجال القرية كل واحد فيهم يخرج من بيته
ومن خلفه ابناءه ينام النعاس بين حنايا ملامحهم ولكن النداء الرباني يجبرهم
ان يتركوا كائن من يكون ويذهبون لها ولو حبّوا !
اخرج حزمة مفاتيحه من جيبه ، ودخل بيت جده
لا شك ان جده خرج حتى قبل الاذان للصلاة
وجدته خلف المنزل تصلي بالخلاء وهي تغرق صدرها بعبق الصباح
دخل البيت حتى يتوضئ ويلحق بالجماعة قبل ان يقيموا
دخل المطبخ دون ان ينظر اليه وتوجه الى الثلاجة يبحث عن قارورة ماء
سمع صوت قرقعة من خلفه!
استقام من انحناته مبتسمًا ظنًا منه انها جدته :
صبحج الله بالخير يمه
سقطت من يده قارورة الماء. لتنكسب على بنطلون لبسه الطبي الأزرق!





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-07-19, 12:46 PM   #33

Refat hasan22

? العضوٌ??? » 437282
?  التسِجيلٌ » Dec 2018
? مشَارَ?اتْي » 342
?  نُقآطِيْ » Refat hasan22 is on a distinguished road
افتراضي

عسى المانع خير بالانتظار

Refat hasan22 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-07-19, 02:17 AM   #34

SWER.

? العضوٌ??? » 433241
?  التسِجيلٌ » Oct 2018
? مشَارَ?اتْي » 52
?  نُقآطِيْ » SWER. is on a distinguished road
افتراضي

ننتظرك ي حلوه لا تطولين علينا 💛💛.

SWER. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-07-19, 06:33 AM   #35

رجاوي550

? العضوٌ??? » 443131
?  التسِجيلٌ » Mar 2019
? مشَارَ?اتْي » 13
?  نُقآطِيْ » رجاوي550 is on a distinguished road
افتراضي

رواية اكثر من رائعهه استمري 💜💜

رجاوي550 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-07-19, 10:57 AM   #36

nessrine noussa
 
الصورة الرمزية nessrine noussa

? العضوٌ??? » 421593
?  التسِجيلٌ » Apr 2018
? مشَارَ?اتْي » 176
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي tunis
?  نُقآطِيْ » nessrine noussa has a reputation beyond reputenessrine noussa has a reputation beyond reputenessrine noussa has a reputation beyond reputenessrine noussa has a reputation beyond reputenessrine noussa has a reputation beyond reputenessrine noussa has a reputation beyond reputenessrine noussa has a reputation beyond reputenessrine noussa has a reputation beyond reputenessrine noussa has a reputation beyond reputenessrine noussa has a reputation beyond reputenessrine noussa has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك mbc
¬» اشجع ahli
افتراضي

في انتظاااااااااارك حبيبتي

nessrine noussa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-01-20, 12:54 AM   #37

Bailasan.46
 
الصورة الرمزية Bailasan.46

? العضوٌ??? » 449606
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 33
?  نُقآطِيْ » Bailasan.46 is on a distinguished road
افتراضي

سلِمتي على جميلِ ما خطت يداكِ 💙💙 و منتظرينك 🌠.

Bailasan.46 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-04-20, 01:50 AM   #38

هاجر جوده

مشرفة منتدى الروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية هاجر جوده

? العضوٌ??? » 402726
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,915
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي tunis
?  نُقآطِيْ » هاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond repute
افتراضي


ابتسم وهو ينفض بقدمه قارورة الماء عن طريقه ، ويقترب حسب خدسه والضوء الخافت الصادر من لمبة الثلاجة في عتمة المطبخ :
الله يهداج يمه خرعتيني
حسبتج ورا العمارة تصلين
ضم تلك الكتفين التي تصل الى صدره او اقل بسنتيمترات.
غير مبالي بذلك الطول التي لا تصل اليه جدته قصيرة القامة او بمعنى اصحّ مهما بلغت من الطول لا تنافس طول ذياب الفارع
قبل ذلك الرأس ، لتعلق شفتيه بين الخصلة والآخر! ريحة ذلك المسك العابق من خلف اذنيها، لا يشابه ريحة دهن العود التي تتزين به جدته
حريرة الشعر التي تقف امامه لا تشابه جدته التي تستر شعرها بالشيلة في كل وقت وحين!
شيئًا من رائحتها تطاير بسرعة نفاثة ليدخل بين حنايا ضلوعه
يلتهم اشلاء راحته ليكشف عن جرحه وجُل همه!
قبض بكفيه كتفيها وهو يبعدها بهدوء عن صدره
اتجه الى مصدر الإضاءة ليفتح النور
سقط النور من عالي السقف مباشرة عليها، كانت كما بطلة راقصة على مسرح
يحيي رقصتها ، تصفيق الجمهور
ولكن هذه غزل! لا تقف على منصة خشبية
تقف على ضلوع ذياب ، ليرهقه ثقلها
لا تقف راقصة كانت ببطولة دور يدعى " حقارة الامومة - الخيانة الزوجية .. الخ " مهارة بحق! لم استطع ان احصي لها الألقاب التي جسدتها
لم يكن النور وحدة مسلط عليها، حتى لهيب حرارة انفاسه كاد ان يلعق تلك البيضاء ككرة ثلج لتحترق او تذوب !
لم يكن الحاضر تصفيق الجمهور
كان صوت بقايا روح ذياب تهجيها كافيًا
كانت تنظر اليه بدهشة ، لم تستعد الى اللقاء بعد
كانت تعيش في سكينة وهي مختبئة بين أبويها. ولكن الآن لا أبويها وذياب تلتهمه عيناها
من اول ماعانقها شمت بين كفيه تلك الرائحة نفسها التي شمتها قبل 29 عامًا لأول مرة عندما وضعته الممرضة الهندية في حضنها، يكتسيه اللون الأزرق من ضغط الولادة. يلفه شرشف ازرق
كان عاصيًا / متمردًا عن تلك اللحظة الأمومية التي وقفت فيها غزل مدهوشة بأنها اصبحت ام والامر لا تراجع فيها
تركوه بين يديها وهذه المرة الاولى التي تحمل فيها طفل، وليس اي طفل يقولون بأنه - ابنها -
فيه رائحة تخترق ذلك الفولاذ التي تتزين به. ولكن بكاء ذياب الذي كان بعمر التسع دقائق ويداه التي تتأرجح في الفراغ متحررًا من اللفة الزرقاء الرقيقة
أفزع غزل لتصرخ في الممرضات المصطلحات حولها بفرح ؛ بخوووفٍ : " خذوووووووووووه "
والآن يقف امامي بنفس اللون الأزرق ، ولكن يرتديه لا يلفه!
الان يقف امامي بنفس العمر التسع ولكن يزيده من اليسار رقم اثنين! وبدل الدقائق ، اعوام!
الان يقف امامي بنفس اللون الذي يكتسح وجهه ولكن تبادلوا الأدوار ليحل اللون الاسود عارمًا على وجهه من الغضب
الان يقف امامي بدلًا من اثار دم الولادة على خديه
ارى شاربًا خط ودقنًا يحتضن خديه
الان يقف امامي بنفس الرفض والعصيان ولكن لا يأرجح يديه بالفراغ مصدرًا رفضه عن برودة حضني، بل أرى الرفض والعصيان في عيناه رافضةً حرارة رحيلي او تأخر حضوري لا اعلم! المهم انه غاضب ولم أعد اعرفه
كانت تستطيع يدي اليمنى وحدها ان تحتضنه
والآن لا أستطيع بطول قامتي التي ورثها مني ان اصل الى عنقه
لم اشعر بطول غيابي ، الا عندما رأيتك رجلًا اتعوذ بالله الآن من قهره ياذياب !
تراه وهو يحاول في عيناه يغلقها ويفتح مرات عديدة خلف بعض
وكأنه يريد ان تختفي من امامه. صرخ بنداء بعد ان عاد الكرة مئة مرة ولم تفلح.
كان بإمكانه ان يركض اليها ويتخلص من شبح قريتها وهو الذي لم يؤمن بالأساطير
ولكن رجليه مكبلة بقيود الجنون وهي اقوى منه :
يييييييييييممممممممممه !
قاطعته لتهمس بعفويةٍ استنكرتها من نفسها :
يالبيه
قاطعها بغضب وأسنانه العلوية تضغط بقوة على السفلية
وهو يتقدم خطوتين للأمام وكأن قيود الجنون خزعبلات اخترعها ليروي ضمأه العطشان منها!
وكانت هذه اول ردة فعل تصدر من ذياب لها :
تخسييييييييييين !
دخلت جدته من خلفه
من باب المطبخ وصوت عصاتها الخشبية التي تضرب بالأرض بقوة وكأنها تحاول ان تسبق بخطواتها الهزيلة عندما سمعت صوت ذياب!
ذياب الذي يكاد يجهل ان يقع منزلهم
ماذا يفعل الان عندهم ويصرخ مناديًا فيها ؟
وقفت وكأن خبط عصاها
استنفار خطواتها
جري اقدامها
لم يفلح بإنقاذ ذياب من حقيقة وجود غزل
لف عليها ذياب بحرقة وهو يقترب منها :
من متى ؟
غنضّ الجدة عيناها بهدوء هامسة :
اللي هو يايبه ؟
صرخ ذياب وهو يشد شعره بحرقة :
هذه من متى وهي عندكم وانتم ساكتين!
هذه من متى وهي عندكم تعلف وتشرب وتمش يدينها بالطوفة ؟
هذه ليه عندكم ماهي في قبرها ؟
عقدت غزل حاجبيها بغضب
خوفًا وهي ترى وجه امها يتخبط من الى اللون الاصفر خوفًا من ذياب :
لا تصرخ على امي وانا عندك موجودة
عندك شيء قله لي ماهو لها
ضحك ذياب بسخرية وهو يسمع صوتها بدهشة
هي لم تكسر بالعادات والتقاليد والقوانين، عرض الحائط
هي عاثت حتى بالمسلمات الكونية فسادًا ! الكل يكبر ويشيخ
الا هي كانت تكبر وتصغر اكثر!
تكبر هي لتظهر التجاعيد في جروحه لا في وجهها!
تكبر هي ليظهر الشيب في شعره لا في شعرها!
تكبر هي ليتضخم صوته لا صوتها!
تكبر هي لتأخذ حقها من الحياة، وتغرمه الحياة بلا ذنب!
قاطع صراخ صوت ذياب الذي كان يسمعه وهو خارج من المسجد ، ليمشي بخطوات سريعة الى بيته قبل ان ينفضح امام جيرانه
دخول جده بدهشة من وجوده :
انت وش تسوي هنا ؟
آشر ذياب بطرف إصبعه على غزل بغضب وهو يوجه له السؤال :
هذه اللي وش تسوي هنا ؟
اقترب الجد منه وحدة ملامحه لا يكاد ان يُصدَّق هو من ترك ابنته من بقعة الى بقعة جغرافية اخرى طوال 12 عامًا :
السؤال يجيك ياغريب! مايجيها وهي راعية البيت
البيت بيتها ، وهي اهلٍ له
ترا عايشة معززة مكرمة في ظلي ماهي في ظل خالد السليمان عشان تنهان!
رفع ذياب سبابته في وجهه بحدّة مقاطعًا :
تنقطع السنتكم قبل يجي طاري ابوي بالشينة
ابوي التربية الزينة، والسواة الصح
ابوي اللي ستر يوم بنتكم فضيحتكم
ابوي اللي غض الطرف يوم بنتكم فصخت العقل
ابوي اللي لمنا يوم بنتكم تركتنا
ابوي اللي لو تقعد انت ومن وراك وتقومون تبطون ماتوصلون مواصيله
ابوي اللي طلع الدكتور ماهو انت اللي طلعت بنت تنحاش و ولدٍ غايص في بلاوي عائلته وناسي ان له ام وابو
مقارنة ذياب الصحيحة تلك تكاد ان تسرق قلبه ، ليصاب بجلطة اثر ارتفاع ضغطه
يعاريه بأبنته وهو الذي يناطح هامات رجالٍ ولا يستطيع ان يتجرأ بتفكير ان يقول " لا " لابنته
حبه لها يحرمه الثبات على شخصيته ومعتقداته. والآن يجعل من الصغير يعاريه بها
قاطعه ذياب قبل ان يتكلم :
بنتك معلمتك ان ابوي مطلقها قبل تهج باربع ايام ؟
ولا خافت الفضيحة يوم ابوي ستر عليكم
لف عليها الجد بصدمة! كان يستخدم كرتًا رابحًا بزواجها من خالد. بالتعذر للناس من دناءة خالد انه الى الآن على ذمته وهذا مازال يسبب لها ضررًا وخوفًا من العودة خشية العودة للعشة الزوجية
كيف لو يعرفون الناس انها مطلقة وهربت بعدها ؟
لا شك العيب سيطولها! كيف لو عرفوا انهم لا يعرفون ايضًا ؟
حتى انا يساورني ابليس ان ابنتي لا تخلو من بلاءٍ
التي تترك زوجها ، ومن ثم اَهلها
ماذا تريد ؟
لف بدهشة على غزل :
صحيح هذا الكلام ؟ انتي مطلقة ؟
رفع غزل عيناها للأعلى
تستر عيناها عن النظر الى ابيها ودموعها تفضحها
ضحك ذياب بسخرية :
الله يستر من اللي جاي! اليوم توك تدري ان بنتك مطلقة
والله يستر بكرة تعرف ليش خالد السليمان اللي لو تلف الدنيا ماتلقى واحد يتحملها ويصبر عليها قدّه. حتى في غيابها حاشمها وهي ماهي كفو حشيمة
قاطعته الجدة لتعتق ابنتها من اتهامات ذياب امام خرس ابنتها ، ودهشة زوجها :
الله لا يعود ايامٍ تعلم فيه خد بنيتي من كف من يده جعلها للصلاح!
لف عليها ذياب بحرقة :
الا انتي ياجدة! طول ذيك الايام ساكتة لانك تدرين بقرارة نفسك انها غلطانة
لا تزيدين الطين بلة الحين وتتكلمين يوم انكشف كل شيء وأثبتت بنفسها انها غلطانة
ترا ماهي ايام ، هي يوم واحد
واسألي بنتك وش اللي خلى خالد يمد يده
وبعدها بيومين يرسل ورقة طلاقها
غمض عيونه وهو يشعر بصداع يقتحم راسه
ليعميه ويسلبه الرؤية
فتح وهو يؤد إنهاء هذه المحادثة العقيمة :
عشان بقايا كرامتك اذا باقي كرامةلا تشوفك شادن نصيحة عشان خاطر اختي مو عشانك
/

\

/
فتح عيونه بضجر وهو يشعر بحرارة أشعة الشمس تداعبه بعنفوان صحراوي يشابه تلك الصباحات القاحلة التي تمتع بها الرياض. اخذ نفس عميق ليزفره وينهض
خرجت من بين شفتيه الجافة. من قلة شربه الماء والتدخين معًا :
آه!
وضع كفه بحركة لا إرادية خلفه على ظهره، النومة على الكنبة كانت اكبر غلط بحق ظهره
اخذ هاتفه من حضنه
نام بالامس وهو يحاول ان يبحث ، ويسترد رسالة شادن المخفية! وكأن لا يراها الا عيناها
ولكن كل محاولاته بائت بالفشل
كانت الساعة تشير الى 10 ونص صباحًا
لم يتبقى شيء على خطبة صلاة الجمعة
وقف وهو يتوجه الى دورات المياه ليستحم
ناظر في طريقه غرفة غنى التي مفتوحة الباب والنوافذ
والحرارة تسكن أطراف الغرفة الخالية من غنى
دخل غرفة نومهم ليجدها ليست بحالٍ مختلف عن غرفتها. بلا مبالاه دخل ليستحم ويفرش اسنانه ويتمضمض على عجل بغسول فمه ليطرد رائحة السجائر النائمة بين أنيابه احترامًا وتقديرًا لبيت الله
خرج ومنشفته ملفوفة على خاصرته
كان يجد ثوبه وشماغه على طرف السرير
وعلى تسريحته البخور وفي الصالة صوت ماهر المعيقلي يقرأ الكهف. وشادن في المطبخ تقف عند القهوة التي تتطاير رائحتها لتتصارع مع رائحة البخور ويغلب كلًا منهما الآخر وينتشران معًا
ولكن اليوم لم تكن هناك اي مظاهر ليوم الجمعة! حتى صوت غنى وهي تلعب لم تلتقط مسامعه
لبس على عجل وهو يبحث بعيناه عنهم
البيت خالي منهم جميعًا ماعداه
اخرج هاتفه من جيبه وقلبه يكاد ان يبيت الليلة في بطنه من شدة التوتر
هل يعقل شدة شادن الرحال الى بيت اَهلها ؟
مرت الثواني ليأتيه صوتها يجر خلفه حنجرةً ذابلة، وهمسًا باكي :
اهلين سياف
عقد سياف حاجبيه وهو يتخصر بخوف من صوتها :
وش صاير ؟
بلعت شادن ريقها وهي تلف بعيناها الى ابيها ، النائم بسكينة على سريره الطبي
تحيط به الأجهزة ، وتحتضنه الأسلاك :
كل خير الحمدلله ، ابوي تعب شوي وانا عنده بالمستشفى
رفع سياف حاجبه بشك وهو يحاول ان يفهم منها التفاصيل :
خالد ؟
هز شادن راسها بالنفي :
ذعار
هز سياف راسه بلا مبالاه ، بالحقيقة جميعهم لا يهمونه سوا خالد او ذعار! جميعهم يتمتع بحمل الضغينة لهم
ولكن تلك الرقيقة تكسر قلبه ليتعاطف معها :
عسى ماشر ؟
غمضت شادن عيناها وهي تسند راسها على الكرسي :
جلطة بالدماغ وسوا له ذياب قسطرة بالليل وعدت على خير والحين تحت الملاحظة لمدة ٢٤ ساعة
وقف سياف وهو يأخذ مفاتيحه من رف المكتبة :
اصلي واجيكم
قاطعته شادن بإندفاع :
لا واللي يسلمك ياسياف
ابوي لسى ماصحى وتنتظره يقوم ونتطمن انه بخير
حتى جلوي ومقرن مو موجودين رايحين للصلاة
وامي بالبيت تسوي له غداء لعل وعسى يصحى ويلقى له لقمة ياكلها
ماعنده الا انا ومانبي زحمة عنده الى ان يرتاح
تنهد سياف بهدوء وهو يمسح بكفه على دقنه :
انتي متاكدة تبين تقعدين معه لحالك ؟
لان صوتك يقول لي لا
تنهدت شادن بقل حيلة متعبة :
جعلك ماتذوقه يا رب في غالي! صوتي مافيه شيء وصدقني انا بدون احد اريّح لي
وترا محد يدري غيرنا الا انت
ماقلنا لاحد لان مانبي نقول شيء لين نتأكد من سلامته ويرتاح
تنرفز سياف من وصفها له ب " أحد " وكأنه تخبره مادام بعيد فهي بخير :
اللي تشوفينه ، مع السلامة
رمت شادن جوالها جانبًا على كرسي المرافق الثاني دون ادنى استيعاب او مبالاه لزعل سياف الواضح في صوته
محط اهتمامها وقلقها الآن ابيها ثم البقية!
/

\

/

كانت جالسة بهدوء عميق تنظر الى المحلول
الذي يسقط قطراته ببطئ في الانبوب الصغير ليتدفق بعدها الى السلك السخيف الطويل الموصل بظهر كفها
ليصل هذا السلك بالقطرات الى محطتهم الاخيرة من طور العلبة البلاستيكية الى كف ريناد
ومن ثم تبدأ طور آخر في حياة القطرات
وهي تسري في جسدها ليستفيد منها ويؤكل اليها مهامها و وظائفها
كانت منغمسة بحق في تأمل حياة قطرات المحلول ، وحساب كم قطرة في الثانية
كان كسار ينظر اليها بتعجب من اندماجها الحقيقي!
تنتظر بجدية دقيقة
يبهره التخلف العقلي لهذه البنت!
تعيش بمئة شخصية
والادهى والآمر ان لا شخصية تشبه الآخرى
متذبذبة جدًا وهذا سبب قلقها الدائم وضعفها ولكن لا تشعر بنفسها
اشك بك احيانًا ياريناد!
حقيقةً انتي شجرة لا تنمو الا في بلاد الشام ؟
ام عشبة ضارة لا تتغذى الا بالبكاء والنياح ؟
أشفق على اسمك كثيرًا!
مظلوم بإقترانه بكِ
او انتي مظلومة بإقترانك بي ولكن لا يهم المهم ان احداكم مظلوم والارجح انه انا الذي وقعت في ورطةٍ معكم من بد جميع فتيات فرنسا!
قطع حبل تفكيره تذمرها بغضب وهي ترى ان نصف العلبة مازال موجود ولن تنتهي قبل ساعة اخرى ورما تمتد الى ساعتين :
يا رب صبر أيوب!
ناظرها بجدية وهو يشبك كفيه ليحتضن بها ركبتيه التي كانت فوق فخذه الايسر :
وش هو صبر أيوب ؟
لفت ريناد عليه بإستغراب سؤاله
واستنكار وجوده
لم تشعر فيه منذ ان بدت مرحلة استكشاف عالم المحلول من حولها :
انا ادعي الله يرزقني صبر النبي أيوب
هز كسار راسه وكانه يأكد عليها انه يفهمها :
ادري ، وش اللي صبر عليه أيوب عليه السلام عشان تدعين لنفسك بنفس قوة الصبر ؟
سكتت ريناد لبرهه! لا تعلم
حقيقةً لا تعلم حتى قصة حياة أيوب
وصبره الذي كلما مرت بصعاب صرخت تناجي الله صبر أيوب
رفعت راسها الى كسار بجهل :
ما ادري!
بس تعودت اقولها لاني كنت دايمًا اسمع امي اذا ضاق صدرها قالت يا رب هب لي صبر أيوب
اخذ كسار كرسيه ليقربه من سريرها ويسترسل في حديثه :
أيوب كان تاجر بمعناها عندنا اليوم، تاجر من جميع الأنواع سوا من الاراضي او المواشي وأولاد
ابتلاءه ربي وبدؤا ابناءه يموتون قدام عينه واحد ورا الثاني
وشوي شوي بدأ يفقد حلاله كله
وأصابه انواع من الأمراض
يقولون الى درجة ماظل في جسده شيء سليم الا لسانه
وكان يذكر الله فيه
كان أيوب نبي وبامكانه يدعي الله ويستجيب له
ولكن كان يستحي من الله
انه انعم عليه طوال حياته بالنعم والخير
ولما سلبه منه فترة من حياته
يتضجر ويدعي
مع ان الله يحب ان يلجئ اليه عبده ويدعوه ومع ذلك رفض أيوب
واستمر على الذكر
اعتدلت ريناد بجلستها
بعد ان كانت تنظر اليه بملل
باتت تنظر اليه بشغف لمعرفة نهاية هذه القصة
فقدت الشعور الروحاني
الذي يلاطف روحها منذ ان باتت بعيدًا عن امها. امها التي كلما انحرف بها الطرق عن الهداية
خبئتها تحت عبائتها عن وطئة ابليس واعوانه لتعود الى الصراط المستقيم
ابتسم كسار بعفوية وهو يرى لمعة عيناها ، وصدرها الذي اندفع للأمام بحماسة عندما توقف استرد انفاسه :
حتى الناس من حوله بدوا يتركونه
لأنهم يشكون ان مرضه معدي ومابقى الا زوجته وكانت تخدم في بيوت الناس
وشوي شوي صاروا الناس يسدون باب رزقها
بسبب انها تجلس مع زوجها
وممكن تعديهم
وش بتسوي لو انها ماقدرت تخدم البيوت ؟
من وين بيقدرون ياكلون وزوجها طريح الفراش
وهي المسؤولة ؟
قصت جدائل شعرها
وباعتها بالسوق ورجعت لأيوب بطعام
غير عن الايام السابقة اللي كانوا يعانون فيها من الجوع
وسألها من وين لها الطعام ؟
وفتشت عن راسها وشاف اللي صار بشعرها
تضايق أيوب وفي رواية انه بكى
قالت له زوجته انه يا أبوب ادع لنا الله ان يرزقنا
اليوم قدرت تقص شعرها
وتبيعه ولكن بكرة مابيدها شيء تسويه
دعى أيوب الله " ربي اني مسني الضر وانت ارحم الراحمين "
وجت الاجابة من سابع سماء
وكأن الله كان ينتظر عبده الصالح يدعوه ليعطيه. قال الله له " اركض برجلك هذا مغتسل وشراب "
نفذ أيوب
وانفجرت له عين من المياه الباردة وغسل فيها وشرب
وشفاه الله من كل مرض
ورزقه بنفس الخير من قبل
ضحكت ريناد بدهشة فَرِحة
لم يخلؤ من الاسى انها حرمت نفسها هذه الفرصة العظيمة بقراءة قصص الصحابة
كانت تدعو وهي تجهل ماتدعي به
لو كانت تعلم لربما قالتها بخشوع واستشعار اكبر. واستجابة من الله اكثر واكرم :
اول مرة ادري بهذه القصة او اسمعها ! محد قد قال لي اياها ابدًا
ابتسم كسار وهو يقف ويضرب بإصبعه الوسطى علبة المحلول ليتأكد انه انتهى :
خلص ياهانم !
انبسطي
/

\

كانت بالغرفة الآخرى الصغيرة تتأكد من صياني الحلاو التي اتى بها جلوي بعد صلاة العصر استعدادًا لاستقبال الضيوف. بعد ان نقلوا ذعار الى غرفة مستقلة وتجاوز مرحلة الخطر
خالها سلطان وأبناءه وأحفاده موجودين عنده مع امها وإخوانها
متجاهلين قرارها بإن ابيها يحتاج الى الراحة
خرجت من الغرفة التي خلف سرير ذعار
وهي تاخذ من جلوي فنجال قهوة بهدوء مبتسمة لأبيها الذي كان هادئ / ساكن
يتحدثون معه ولا يجيبهم سوا بكلمة ورد غطاها وأحيانًا ان تطور الوضع قليلًا يتعمد ان يتجاهلهم وكانه لا يسمع
يرفع راسه لينظر الى شادن بنظرة لم يفهم معناها الا هو ويعود بانظاره الى الفراغ
انحنى جلوي وهو يهمس بأذنها مبتسم :
ماودك تغيرين جو عن الغرفة ؟
ضحكت شادن بصدق من جلوي اللي متضايق من وجودها بين هذا الحشد من أقاربه :
والله اكثر منك متضايقة بس شوف عيون ابوي تلحقني وين ما اروح ماودي أضيق صدره واتركه
ابتسم جلوي وهو ينظر الى ابوه الذي كان على سريره ومن حوله كرسيين واحد لندى و الثاني لشادن ومن ثم غرفة اخرى اشبه بالمجلس بكتب متصل مفتوحة على سرير ذعار ولكن بينهم مسافة طويلة والستائر التي تفصل بين الغرفتين مازالت موجود بشكل قليل على جهة شادن التي لا تريد ان تراهم حتى لا تصب جام غضبها عليهم تجاهلهم قرارها :
يالله اركضي وانا بوقف في مكاني أغطي عليك لحد يشوفك
بالحقيقة كانت بعيدة شادن عنهم وليست محط أنظارهم ، ولكن شعرت بإن مكانها غلط بينهم وان كانوا عيال خالها قبل يكونون اخوان زوجها
ابتسمت بهدوء وخرجت من الغرفة
||
ابتسم حاتم ابتسامة مُصطنعة بهدوء بعد ان غمز له ابيه مئة مرة ليتعجل بالموضوع ويتكلم :
دامك بخير يا ابو مقرن
عز الله ان سلامتك مكسب لكل العلوم الزينة
فتح ابو ثنيان عيناه بدهشة! هل يعقل ان يتكلم اخيه بالموضوع هنا ؟ كيف ؟ هم لم يردون لهم خبر بالموافقة بالأصل!
ام يقصد حاتم موضوع اخر ؟
رفع راسه ليجد ثنيان ينظر اليه بنفس تلك الدهشة المتعجبة!
بلع حاتم ريقه وهو يشعر بنزيف حنجرته مع لفظ الخبر
يالله حتى عندما كنت اب لم اكون كسائر الآباء من منهم يشرق دمًا من خبر زفاف ابنته ؟ :
يوم الخميس من بعد اذن اخوي عبدالله ملكة ثنيان على
شددّ حاتم بنطق الكلمة وكأنها رسالة مبطنة لأبيه :
بنتي شذى
الجميع بلا استثناء حتى ذعار المنشغل بتأمل الفراغ رفع راسه متعجبًا!
ثنيان وشذى ؟ هل يقصد حاتم ملكة بمعنى عقد القرآن ويصبحان زوجان ليغلق عليهم في بيتٍ واحد الباب ؟
ام ملكة يقصد بها هي مسرحية تتمثل بها شذى سندريلا وثنيان الامير وتنتهي بسدل الستائر وتعود الطفلة الى منزلها ويعود الشاب الى عمله للبحث عن حسناء تليق به ؟
قاطعه سياف بحدّة وكأنه يصحح لحاتم المعنى وان كان لا يليق ايضًا بثنيان. ولكن اخف وطأة على روحه ، على الاقل ليست بتلك الطفولة التي مازالت شذى به بنظره :
تقصد وصال ؟
لف حاتم برأسه على سياف بإبتسامة كسيرة! وان حاول ان يجملها، وان حاول ان يأتي بأفضل مايستطيع من اجل الحفاظ على ابنته ، لا يجد التمثيل الى هذه الدرجة
اخ ياسياف تؤذي اخيك دون ان تشعر! تحاول ان تشعره بخطأ قراره وهو دخل دوامة الخطأ منذ ١٨ عامًا وبات الخروج منها
بعيدًا ، مستحيلًا ، منيعًا ، عقيمًا ، استشف من المصطلحات مايعنيني وافهمني
اخيك تاهت به السبل. الحب مرير! ليش بالضرورة ان يكون لعشاقته حتى يتألم
هو يحب ابنته ، ام اخته! لا يهم المهم انه يحبها :
شذى يا ابو غنى شذى
اتسعت عيني سيّاف بدهشة غاضبة :
شذى لثنيان ياحاتم! شذى!
رفع ثنيان حاجبه بإستنكار نبرة سياف :
لا توقف بوجه النصيب بسبب خلافاتنا يا ابو غنى
ضحك سياف بسخرية وهو يلف على ثنيان غاضبًا :
هذا مو نصيب تلعب على نفسك ؟ هذا زواج قاصرة
انت مستوعب انك متزوج بزر ؟ وانت تكة تطق الأربعين ؟
لف على حاتم بحدّة :
مالها عقدٍ عليه يا حاتم! اذا هو انهبل لا تصير مثله
شذى تدري بهده المهزلة بذمتك ؟ امها تدري ؟
مستحيل فيه احد صاحي يرضى بهالزيجة
كانت صامتًا حاتم. ليس ضعفًا بل متعمدًا
لعل حدة سياف وغضبه تخفف من اصرار ابيه على زواجهم. لعله يمهله بعض السنين قبل ان تكتشف شذى الحقيقة
وان الغيّا الزواج تمامًا لعلها لا تكتشف الموضوع ابدًا
رفع راسه بدهشة وهو يسمع لسان ثنيان السليط! لسانه الذي تفوه بأبشع جريمة بتاريخ سياف. ليتمنى انه تحدث وقطع اعتراضات سياف ولا وقع في فخ شماتة ثنيان :
ماهو زواج قواصر. البنت شهرين وتتم ١٩
زواج القواصر اللي تقول عنك زواجك! زواج ام الـ ١٥ سنة
واي تدري هي وامها وراضين. لا تخاف مانعقد كتابنا على بنات الناس من ورا ظهورهم
كاد ان ينفجر رأس سياف من دماءه التي تفور برأسه م ن الغضب. يريد ان يصرخ بوجهه ولكن يشعر بإن يد ثنيان تسد مجرى حنجرته
يشعر بيدي ثنيان وهي تجر معها من فمه ، أحباله الصوتية
يجرها معه بقوة. لدرجة انه وقف بقوة متوجهًا الى ثنيان كي يرد عليه بالمثل وينتزع روحه ويبرد شيئًا من غضبه
فز جلوي القريب من ثنيان. في وجه سياف وهو ياخذه بقوة الى خارج الغرفة
وبنفسه يسب هذه الزيارة للمريض التي انقبلت تصفية حسابات عائلية
لف ثنيان بغضب على حاتم وهو يكاد يحفر نفقًا من قوة قدمه التي يضغط بها على الارض يخفف بها ضغطه :
من بعد إذنك ياعمي. ابي الملكة الثلاثاء ماهي الخميس
فتح حاتم عيناه بدهشة ، كان يظن الخميس قريب وقريب جدًا من حفر قبر لسعادته. وهذا يريده الثلاثاء!
يريدها بعد غد! اي جنون هذا ؟
ليجاوبه بإندفاع :
لا! اهلي يبغى لهم تجهيز للملكة. يالله الخميس ومو ملحقين على شيء
قاطعه ثنيان بعذرٍ حتى يتم ملكته بأقرب وقت يقهر به سياف :
مايهم حفلة وخرابيط! المهم اكتب كتابي عليها والحفلة سووها متى ماودكم
سقطت عيني حاتم على ابيه الذي يهز راسه بالموافقة فرحًا من ردة فعل ثنيان
تعمد حاتم تجاهل تعابير ابيه ليرد على ثنيان بالرفض. ولكن كان سلطان اسرع منه
فهم من تعابير وجهه انه لا مجال لموافقة حاتم :
أبشر ياوليدي! الثلاثاء الثلاثاء
خير البر عاجلة
تنفس ثنيان بإرتياح. وكأن موافقة جده ماء بارد انسكب عليه ليطفئ جام غضبه من سياف ابتسم بخبث وهو يفكر به :
على خير ان شاء الله
اردف مقرن وهو يحاول ان يلطف الجو ، حتى لا يتوتر ابيه. ولا مشاكلهم العائلية " بستين داهية ":
بالمبارك يا ابو عبدالله ويا ابو وصال
ولا تبونها بعد الملكة لها طعم اكثر ؟
قهقهة ثنيان بقوة! ظنًا من الكل انه متلهف الى هذا الزواج
ولكن بالحقيقة يضحك نشوةً من قهره لسيّاف :
مانستغني عنك يا ابو ذعار والله يبارك فيك
||
اغلقت باب غرفة ابيها من خلفها بهدوء. جلست على اقرب كرسي كان بوجهها
جلست لتنزفر تنهيدة عميقة كانت تكتمها بالداخل. تنهيدة تخرج بها كل ذرة مجاملة تحلت بها بالداخل
كانت تبتسم من اجل ابيها. تعلم ان الجانب النفسي من المرافقين على المريض يعكس نفسيته وجزء من العلاج
ارتسم على شفتيها شبح ابتسامة. وهي ترى ربى تقترب منها :
وين اختفيتي انتي ؟
جلست جمبها ربى وهي تزفر نفس عميق. بعد ان انهد حيلها من التنقل بين الاسياب :
جو عيال خالك وطلعت
هزت شادن راسها بهدوء لتعود الى غيبوبة صمتها الذي كانت تلتزم به طول اليوم
فركت ربى يديها بقلق ، خشية ان تفهم شادن سؤالها غلط ولكن هي قلقة جدًا على خالها
خالها يمثل منزلة كبيرة في روحها. سمت بكرها وفرحتها الأول عليه حُبًا! تشرق بسعادتها اذا رأت من صفات ذعار الكبير بأبنها
تشعر بالعقوق تجاهه اذا قالت " خالي " بدلًا من " يبه "
رقيق بحنيته عليها جدًا. يعدها مثل شادن وريناد
وأحيانًا تشعر بإنها تملك قلبه اكثر منهم من فرط غدق حبه عليها :
شدونة انتي تعرفين وش قد أعزك صح ؟
ابتسمت شادن وهي تعتدل بجلستها. ليكون جسدها مقابل ربى وظهرها لباب الغرفة
سندت راسها على الجدار وهي تردف :
امّم تقريبًا
ولكن ماتوصلين اكثر من معزتي لك
يعني مهما تقولين انا بتفهمه
من اليوم تفركين بيدينك وتغصين بالكلمة
- ضحكت بخفة تريح بها ربى - قولي يابنت الحلال
ضحكت ربى عليها ، وحرجًا منها
لم تنتبه انها كانت متعرية بقلقها امام شادن. لتبلع ريقها بجدية :
خالي قبل يتعب صاير بينك وبينه شيء ؟
اذا الموضوع خاص
ترا لك الحق تتجاهليني وما الومك
بس انا مستغربة منه
من قام مارد علينا ولا عطانا وجه حتى اذا رفع عينه يناظرك انتي لحالك! ويرجع يدنق براسه
تنهدت شادن وهي تضع راسها على كتف ربى
عوضًا عن الجدار
هي بأمس الحاجة الى شخص تتكلم له بدون ان يفهمها غلط
شخص يقدر تلك الأزمة النفسية التي تشعر بها. عندما يمرض سندك ، ظهرك ، الوجهه الآمنة عندما تتيه بهذه البقعة الجغرافية !
تكاد تلفظ عافيتك من فرط قلقك عليك. ليس هينًا ان تفقد ابيك
وليس هينًا ايضًا ان ترى إشعارات تنبيه بتدهور ذلك الهرم الحنون!
تحتاج شخص يشتركون باهتمامها الى ابيها. شخصًا يشبه ربى
اردفت بغصة وهي تحرك بيدها لتعبر عن نفسها :
والله انا متضايقة اكثر منكم ياربى والله!
اخاف اللي صار بابوي سببي
مع اني ماسويت شيء حتى ماكلمته ليلتها ولا شيء
ماسويت له شيء يزعله والله ماسويت شيء
صرت اشك ان عشان لي يومين اللي انشغلت فيها وماكلمته
غضب علي وصار فيه اللي صار
فتحت ربى عيناها بدهشة :
ماتوصل المواصيل الى كذا ياشادن
مايهد خالي مكالمة كان يقدر هو يبادر فيها
تنهدت شادن وهي تغمض عيناها بقلة حيلة :
اجل عطيني سبب ثاني ؟
تنهدت ربى وهي تحتضن شادن من كتفها. ندمت على سؤالها الذي بدد قوتها :
ما اقدر اعطيك! خالي وحده يقدر يعطيك
ويمكن اصلًا طبيعي من التعب يبغى يشوف شخص يرتاح له واحنا فهمناه غلط
وظلمناه اساسًا على اي حال فسرناه زعلان ؟
يمكن انه تعبان وماينلام وطبيعي. ويناظرك لانه يرتاح لك
والكلام مو انه هاجرك بس الدكتور قال طبيعي اول يومين مايقدر يتكلم لانه يحس بثقل في فكه
وانتي تعرفين عمي مايشتكي لو وش يصير
اكيد ماراح يقول لنا ما اقدر اتكلم
قاطع مساوات ربى على قلب شادن المفطور. فتحت الباب من خلفهم بقوة
لفت شادن راسها بخوف وقوة كادت ان تخلع معها عنقها! خافت ان ابيها فيه شيء
ولكن خروج جلوي وهو يدفع سياف بقوة امامه ناهره غاضبًا :
لا في عزيمة مسكناكم ولا في زيارة مريض بنمسككم بعد ؟
لف عليه سياف بغضب وهو يغلي :
خله يحرقني! اذا هذا لسانه خله يحرقني وينحرني بيدينه لو وده! بس لا يعايرني بلسانه
عسل على قلبي قوة يدينه ولا سطوة لسانه
همست شادن بعد ان ذهبت ربى لتتركهم بمفردهم على راحتهم. وفهمت من كلام سياف " يحرقني " انه يقصد ثنيان :
سياف
لف سياف تجاه مصدر الصوت بغضب. ليتفاجئ من وجودها هنا جالسة!
توقع انها عادت للبيت منذ لحظة خروجها
كان تائهًا بملامحها لحظة دهشة
ولكن ابتسمت له!
رأته تائهًا فيها لتبتسم ، كمن يهدي الضآلا ضالته!
انا الضآل وهي الضآلة
انا المغترب وهي الوطن
انا التائهه وهي خريطتي
انا المنفي وهي الملجئ
انا المرهق وهي وسادتي
انا العاشق وهي حبيبتي
كيف لها ان تخمد ذلك البركان الثائر بلمعان ثغرها
كيف لها ان تمتص قهري بدلًا ان تتعوذ منه بإنفراج شفتيها
كيف لها ان تسرقني بإبتسامة !
الى من اشتكيها جراء فعلتها ؟
الى الوالي ؟ وانا حاكمها
الى الشعب ؟ وانا قومها
كل طرقي الآن لا تؤدي الى روما
كل طرقي الآن تستقر بين تلك الثنايا
لم تكن تقصد شادن ان تبتسم من اجل الابتسامة بعينها
ابتسمت لانها كانت اقرب الى - شيء خاص - بسيّاف فقط
شعور يتحرر من داخلها عندما ترأه بواسطة شفتيها
هو لا يرأها فقط
هو يشعر بها
هو يبتلع هذا الشعور الذي تبثه ابتسامتها ليزهر بداخله
صمتت قليلًا. لتردف :
هد اعصابك عشان نفسك قبل المرضى اللي حولنا !
بعدين يعني عاجبك بكل مرة يحرقك وهو ماتهز فيه شعرة ؟
انزاحت قليلًا لليسار ليأتي بجانبها
اخرج سياف علبة سجائره من جيبه
ليضعها بين شفتيه
بعدها اخرج ولاعته الفضية المحفور على طولها اسمه
ليحمي راس سيجارته بكفه من الهواء ان لا يطفي اشتعالها
هزت شادن راسها بأسف
وهي تشرب قهوتها ببطئ متعمدة حتى تنتشي رائحة قهوتها
قبل ان يعبث رائحة دخان سياف بأطراف الجو النقية
همس سياف وهو يعيد اغراضه الى جيبه ويرمي بسجيارته في الطفاية بتنهيدة :
نسيت انك ماتحبينها
تنهد جلوي وهو يدخل هاتفه في جيبه
ويرفع راسه لهم من جديد
رأى سياف وهو يأخذ كوب القهوة من يدها
تحت ذهول شادن من - ميانته -
ليضعه كوبها من نفس تلك الجهة التي يلطخها حمرة شفتيها بين شفتيه ويرتشفه
ابتسم بسخرية مشمئزة :
هلا والله بالمايكروبات
ابعد الكوب عن فمه قليلًا ورفع حاجبه :
مين بيشرب انا ولا انت ؟
ضحك جلوي على اخلاق سياف - التجارية - التي لعب بها ثنيان :
انت طال عمرك
ضحك سياف وهو يعود لكوبه :
انشغل بنفسك اجل
قاطعته شادن بحيرة وهي تتسائل :
ماشفتوا ذياب ولا كلمتوه ؟
هز سياف رأسه بالنفي !
عقد جلوي حاجبيه وهو يتذكر :
ماشفته بعد العملية امس
والظاهر اليوم ماعنده دوام بعد لان امس كان عنده شفت
تنهدت بهم وهي تفكر بأخيها أين هو
همس سياف وهو يستند بكلتا كوعيه على ركبتيه :
بطلي تشيلين هم كل هالعالم
كأنك مخلفتهم وناسيتهم
قالك عنده شفت امس يعني اليوم كله صاحي اكيد الحين نايم يعوض
قاطعته شادن :
بس ذياب ماينام كثير
لف عليها سياف مبتسم :
اليوم نام طيب
رفعت راسها الى جلوي
الذي ينظر اليهم من اليوم بطريقة وتّرتها لتبتسم :
وصلت الأمانة كثر الله خيرك
ضحك وهو يفهم طردتها الغير مباشرة :
انا رايح قبل ماتقولين
ولكن لا يجينا رجلك هذا لين يروق
اشرت شادن على عينها
ارسل لها جلوي قبلة بالهواء وهو يدخل مجددًا
تعمدت ان تفسح المجال ليتحدث

سياف بإريحية
ماتمت الدقيقة الاولى الا وسياف ينهل عليها بالخبر كإنقطاع السبحة لتخر خرزاتها :
يبون يزوجونها !
انا اصلًا اشك حاتم في عقله
مين يزوج بنت بهذه العمر ؟
ولمين ؟ لثنيان ماغيره ؟ ثنيان المهبول اللي مابه عقل!
فتحت شادن عينيها بدهشة :
سجى ؟
لف عليها سياف بإستحقار
لذلك الدماغ الذي يقطن في رأسها بلا نفع
زيادة حجم لا اكثر :
متخلفة انتِ يزوج ام ظ§ سنين ؟
صح انه مهبول بس مو لهذه الدرجة
اقصد شذى
سندت راسها بإرتياح مرة ثانية :
حسبت عندك سالفة
لف عليها سياف بغضب لفها من كتفها بكفه له :
تتكلمين صادقة ؟
اقولك بزر بتتزوج ومو اي واحد
بتتزوج ثنيان واعوذ بالله من طاري ثنيان !
وضعت عيناها في عيناه بقوة
وبحدة لفضتها من حرّقة قلبها
ولهجتها الام سقطت من بين نواجذها بعفوية :
ياعلّه سعيد ومبارك!
وانا اللي بوقف في ممر الكوشة
وبيبب لين يشكون انا مرت عمها ولا امها
وش ناقصها عشان تعترض عرسهم ؟
وش انت تبي زيادة عشان تقول البنت مو مال عرس
امها يمها وابوها اللي بيوقف يم الملاج!
وهي تدري وموافقة
شنو تبي بعد ؟
همس سياف وهو ينظر في عينها بدهشة :
انتي ميأدتهم عشانك قاعدة تقارنين نفسك فيها ؟
قاطعته شادن بصدّق :
حتى لو ماقارنت نفسي فيها
البنت مو ياهل انا قاعدة مع شذى وشبعانة منها
البنت كبيرة وعقلها يوزن بلد!
وانا اعرف اللي تتحمل بيت ومسؤولية
ومن اللي من يمّها
لو تبي مثال انا اشوف شذى مالت بيت
وريناد اختي مثلًا حتى مشوار للجمعية ما اوصيها
همست وهي تنظر بعيدًا :
لو ودك بعد اثبت لك انا بكبري مو مال اكون ام و زوجة
بس الدنيا جبرتني ورضخت لها
وكم عمري ؟ ام ظ¢ظ¤ سنة
اللي فقدته بنفسي عشان اشوف نفسي تستحق معايير الثقة في انها تكون قد زواج
شفته في شذى
لفت على سياف بهدوء وهي تمسح على كتفه بقل حيلة :
عشان خاطر نفسك قبل خاطرهم
اتركهم
الزواج مافيه كبير ولا صغير
الزواج فيه هذا يستاهل يفتح بيت
وهذا لسى مو قد المسؤولية
قاطعها سياف
وهو يمسك بأطراف أصابعه فكها برقة وينظر بعينها بتساؤل مريع جلبه موضوع خطبة شذى الذي أفزع كل مواطن الراحة النائمة بداخله :
لو ماصار اللي صار
وخطبتك من بيت خالد وفي ارض ديرتك وانا على أبواب الثلاثين وانتي بنت العشرين بترديني ؟
اتت بكلماتها بالأغطية الدافية لتعيد تلك المشاعر الخائفة من كلمة متكونة من ثلاث احرف " ايه " الى أسرة الطمأنينة.
انت رجُل اخلق من اجله حكاياتي
لا انتظر الحكايات المثالية ليصبح لي ! " كنت أرفض ياسياف دائمًا الإنتماء لأي قلب
لأي مكان
لأي أغنية
حتى أتيت
أتيت جيشًا إحتل أراضيي
أتيت ضاربًا بخطوطي الحمراء عرض الحائط " :
لو يرجع يصير اللي صار فينا من قبل
وانا ادري انه بيصير
ماراح افكر مجرد التفكير اني أرفضك
بكل الحالات ابيك
سوا كانت حياتي بحالة حزينة
انت الفرح اللي ينتشلني منها
ولا بحالة سعيدة
بتكون انت القطعة الاخيرة
اللي تكمل فيها صورة حياتي الوردية
انا ما انتظر حالة مثالية عشان ارضى فيك
انا بخلي كل أحوالي تنتهي فيك
اغلق عيناه وهو يستشف ذاك الحب المنهمر من عيناها قبل شفتيها.
ينهمر بإفراط من شفتيها
شفتيها تلك التي يتمنى ان يقبلها بكل ما اؤتيا من قوة حتى لا يفقد ذرة حبٌ من تلك الشفتين الكريمة وهو الطامع فيهما !
" انا ما ضاق خاطري اليوم ياشادن على شاني
‏انا سبايب ضيقتي ليه تركتك بعيده ؟
نسيت أني رجُل تجاوز مرحلة أنه يعاني ‏و أنك طفله تبكي كل ما صارت وحيدة " :
قد شافني مديري بالدوام ابو نواف الله يذكره بالخير
الموضوع قبل اجي باكستان
سألني وش فيك وأنكرت واصريت اني طيب
حلف بالله قدامي ان اللي فيني - ضحك سياف بشدّة وهو يتذكره - " بلاء حرمة "
كان يقول مايهد الرجال الا ضلعٍ عوج
وإلا سليم الضلوع ماينحني لهم قامة
اعاد تلك الخصلة المتسللة من شعرها الملتم بإلتزام في ربطة شعرها
خلف إذنها مبتسمًا :
نصحني وهو مايدري وش فيني بس متأكد من احساسه
قال ردّها بكل الطرق
واللي تقدر عليه ترا ان غابت ماتلقى مكانها احد لو تطق بيوت المسلمين كلهم
وتاخذ من كل بيت بنت والله ان ماتلقى عوضها
لا يروح وقتك وانت تنبش في الحريم عنها
رح وخذها من بيت رجاجيلها.
حسيت اني كنت في سبات ونفضني
وش مجلسني ما أتحرك ؟
دورت في غيرك العوض ولا لقيت
انتظر الزمن يسوي بي مثل ماسوى بأبو نواف ؟ اللي خذى النصيب طليقته بسبة عناد
هو دور نصيبه باكثر من عرس
ولا توفق في واحد فيهم لانه يدور فيهم عن طليقته اللي شافت الغناة في واحدٍ غيره!
انتظر بكرة اخذ منك غنى
وأدور ريحتك في طرف كمها ؟
انتظر تصير في بيتي حرمة غيرك ولا تهز فيني شعور ؟
قاطعته شادن بحرقة
وتلك العينين السمراوتيان اصبحت بلورتين من اثر ملحها :
وصارت
قاطعها سياف بإستغراب :
وش اللي صار ؟
سحبته شادن بقوة من ياقته مندفعة لتسكت فجاءة
تتزاحم الكلمات في صدرها
حتى تصل الى حنجرتها وتقف
كأنها المحطة الاخيرة
حتى وإن لم تكن المحطة المقصودة
تحاول ان اناظل لتخبره بما تشعر متجاهلة سؤاله ولم تسعفها ابجديتيها
كيف اقول لها اني اشعر ان جسدي قطعة من جليد وقلبي ساخن
ولوهلة اشعر انه سيحرقني وستنجأ من جحيمه أطرافي فقط
أطرافي المتشبثه في ثوبك!
كأن ما اشعر به - حوبة - سؤالك الذي اتجاهله
همست وهي تنظر بعيناه :
منال
وكأن اسمها الذي خرج بأعجوبة صعبة منها
كان المفتاح لِينطلق لسانها وتردف بغضب / غيرة / الخذلان :
انا كنت في قارة أتعارك مع جرحك
وانت في قارة تكتب كتابك على غيري
شيء واحد اللي خفف الهمّ علي
انها منال ماغيرها
ادري ان ماعمرك بتحبها ولا هي بتقدر تحبك
انت تحسب اني ساكتة ما ادري ؟
انا ساكتة انتظرك تنطق ياحظي
كنت ساكتة واحسب اني اذا سكت بخليك تخاف اني ادري
وتداريني وتحرقها بدل ماتحرقني
انا بأول اليومين اللي جمعني فيك بيت كنت ازوع مرّ اذا ماتدري
كنت ما اشوفك بالأسابيع
حتى بيت اهلك ماتمره
وانا كل همي كان شك مابعد دريت انك متزوج ولا وين بتروح ؟
انا بالأسابيع اللي ماكنت عندي فيها نحفت 11 كيلو من التفكير فيك وينك فيه
لا تعوضني عن اللي خسرته من عافيتي
رد لي قلبي وطلقها
محد كان بيرد لي روحي لو ما لدن قالت لي يوم سألتها
لدن اللي علمتني من بينكم واعتقتني ان منال من سنة في بيت اهلها
لا انت تبيها ولا هي تبيك
الموضوع زواج اهل
وحلفت لي ان حتى كفك مالمس كفها
شهقت شادن وهي ترمي نفسها في حضنه بحرقة :
بس قلبي وش يقنعه ؟
انا اللي لا دق جوالك فزيت اخاف انها هي
اي جمعة عند اهلك ما انام ليلتها
وش ينومني وانا خوفي بكرة تشرف وتلمحها عينك
انا اسعد ايام عمري هي ايام باريس
اليوم اللي انام فيه وانا ادري ماتقدر توصلها
تحسب اني غفلت عن سؤالك يوم يتزوج خالي على خالتي ؟
انا ذاك اليوم بلعت موس وانا أكابر
دريت ان سؤالك عمره ماجاء من باب عبث
ماتدري كم خذ من عمري عمر عشان أتجرأ اسال لدن واتأكد
انا مو قادرة ازعل عليك لاني ادري انه زواج على ورق
حتى شوفة ماتشوفها
ولو تحلف لي انك ناسي ملامحها بصدقك
بس اسمها اللي مازال باوراقك الرسمية ينتمي لك يحرقني
انا ماهدني الا هالاسم المرتبط فيك ياسياف اسم
قاطعها سياف وهو ينفضها من حضنها بقوة
كل يوم مرّ يتخيل انها كانت تدري وصامتة. يخنقه :
والله مالمس كفي كفها
مو لان نفسي بس مابغتها
والله حتى نفسي ماقوتني لاني ما ارخصتك !
وش تبين اكثر من قلب رجالٍ
تتسكر عليه غرفة مع وحدة ولا يشوفها شيء
قلب رجالٍ
وانتي في قارة وهو في قارة
جاك على وجهه مايشوف الا انتي في غربلة المطارات!
انا ماشفت وعثاء السفر
انا شفت عناء بعدك
انا بغيت الله صاحب في السفر وعون لي فيك
بغيت الله خلف لي في اهلي يسندوني لا هديتيني
انتِ اللي ماحلا لك من هالجدران الا قلبي تهدينه
انا اللي حيزت لي من الدنيا
ما اشتهيت ولا بغيت الا انتي
انا يوم بغيت اصير حبيبٍ ماصرت الا حبيبك
انا يوم بغيت اصير ابو ماصرت الا ابو بنتك
انا يوم بغيت أعرس ماصرت الا نصيبك
انا يوم بغيت اصير قريبٍ ماصرت الا ولد خالك
انا يوم بغيت اخاوي رفيق ماصرت الا رفيق اخوانك
انا يوم بغيت مستقبل ماتوظفت الا على هواك
تذكرين ورا الدكان يوم قلتِ لي " سياف متى تطلع من المدرسة ويصير لك مكتب وكرسي وعندك كومة اوراق ؟ "
قاطعته شادن وتلك الذكرى تراودها كأنها تحدث امامها :
قلت لي " تم ، بس تخيري لي من الوزارات وزارة "
ابتسم سياف وهو يدفن انفه في شعرها :
قلتي لي " ابوي يقول الوزارات صحن فول وتميس واستكانة شاي
انا ابي عندك كومة اوراق عشان توقع كل ورقة بحرفي خلك بالمستشفى تقدر ؟ "
قاطعته وهي تشهق بحرقة من شوقها لتلك الذكريات
التي كان سياف ليس زوجها ولكن ملكها. امامه من أقاربها مئة انثى ولا تخشى عليه من احدهم :
قلت " حتى لو ما اقدر ، عشانك يصير "
رفعت رأسها من حضنها وهي تنظر اليه :
بس قدرت
سحب سياف من جيبه العلوي قلمه
وهو يأخذ كفها
بسطها وهو يوقع فيه توقيعه الذي لم يتغير منذ 15 سنةً تقريبًا
يبتدي بحرف الشين وينتهي بنقطة!
وكأنه ياخذ على نفسه وعدًا من ذلك الوقت انه " شادن ولا احد "
رفع راسه لها بجدية :
رفعت موعد للطلاق قبل اجي باريس وصارت سالفة امي وابوي وراح علي
ناويٍ بطلقها قبل حتى تدرين بالسالفة
لان محدٍ يستاهل دموع هالعين !
عقدت شادن حاجبيها بحرقة :
يعني ؟
ابتسم لها سياف بحنية :
يعني محد غيرك لي حليل
ورقة طلاقها واصلة لها من شهر تقريبًا
فتحت شادن عينيها بدهشة :
طلقتها ؟
هز سياف راسه بإيجاب :
ايه ، وجودها على ذمتي ماله لزمة غير انه يضيق صدرك!
لا ينفعني ولا ينفعها
تركتها عشان ما احكر عليها حريتها لا رجعت لاهلها
بس دام ذا الشيء على حسابك
جعله يحكر روحي مو بس حريتها والله ما أرضاه!
الهم النائم بين أضلع قفصها الصدري. كان لا يرى أضلاعها الا أسوار زنزانة
خبر طلاقهم جعل بصر الهم حديد. لينتبه للفراغ الذي يفصل بين كل ضلعٍ وآخر
ليحلق بينهما. الآن اصبح له جنحان ليحلق الى آفقٌ بعيدة عن سماء شادن
طار لينقص من وزنها ظ،ظ ظ كيلوغرام وان كانت لا تملكه تشعر انها فقدته وأصبحت بخف الريشة !
أكان الهم هو من يثقلني ؟
ام اسمها الذي ينام في بطاقة عائلتك هو من سلبني طمأنيتي
بلعت ريقها وهي تنظر اليه بقلق وكأنها لم تصدقه :
وأمك ماقالت شيء ؟
ضحك سياف بسخرية وهو يحك دقنه بقلق حاول ان يخفيه. وفضحته حركة جسده :
امي ماتدري
لو درت والله مايجي لسانها على لساني
يابنت الحلال امي شارية رضا خالتي والناس كلهم قبل رضاي بهالزيجة
ولو جت على قطاعة امي زين. ولو جت على زوج خالتي بعد زين
ناظرته شادن بدهشة غاضبة ، لا تريد اي بقايا من هذه الزواج تؤثر على أيامهم القادمة :
وهو وش فيه بعد ؟
ابتسم وهو يحاول ان يشتت تفكيرها عن الموضوع
يشتت نفسه قبل ان يشتتها
يريد ان يتناسى العقبات والمشاكل التي ستحل على رأسه قبلها
يشبع من لحظاته السعيدة قبل ان تصبح علقوم :
اللي يهمك عرفتيه
وش لك بالباقي ؟ خليه لي
قاطعته شادن وهي تضع سبابته في صدره :
اللي لك ، لي!
اللي بيضرك ، بيضرني
واللي بيقول لك كلمة ، كأنها في وجهي
خلني اعرف وش ينتظرني
ناظر سياف الفراغ الذي امامه بهدوء مصطنع
حتى لا يعكر فرحتها بتحرره من قيود امراة اخرى ، لتصبح أنثاه الوحيدة :
ادري ان ابوها وإخوانها واولهم خالتي بيوقفون في بلعومي لان هذه ماهي سلومنا ياشادن
اللي سويت يفشل اهلي قبل يفشلهم
الطلاق عندنا قبل تستمح من اهلها وتاخذ موافقتها قدامهم انه حصل برضاها
ولا سويت مثل المفروض بس ماهمني
لو بقعد اتعذر منهم
ما استبعد خالتي تجر بنت خالتي بكلمتين وترضخ لها منال وترفض اطلقها
وقتها قدام الجماعة كلها صعبة اكسر الكلمة واطلق
ان تفهموني فهو من كرامة بنتهم وطيبهم
وان ماتفهموا مايشوفون شر ربي ماكتب نصيب ، يبونه يصير غصب ؟
ناظرته شادن بشك :
بتقنعني هذا بس اللي مضيق خلقك ؟
لف عليها سياف بجدية متنهدًا :
البلاء خالتي واعوذ بالله من خالتي !
خالتي لها شهرين تحاول في امي اني ارد منال
وانا متاكد ماقالوا لها اني طلقت
لو تدري كان الحين ياهي قدامي تكفخ فيني
ياهي بالغرفة الثانية جمب ابوك جايتها جلطتين مو وحدة
أزاحت برأسها عنه تنظر الى الارضية بدهشة! بيتعرض للضغط منهم جميعًا عشان نصيب لم يرده الله ان يتمّ
يالله لماذا مجتمعي المسلم ، المحافظ. المقر بشهادة التوحيد
يعرفون أركان الإيمان حفظًا لا عملًا. متى نعرف ان " الرضاء بالقضاء والقدر " امر يكمل به الإيمان ، الجزع والغضب لا يفيد!
لماذا يامجتمعي تعرف من الدين ان " الزواج يكمل به نصف دين الرجل ، ونتائجه زينة الحياة الدنيا " ولا تعرفون ان الطلاق امر مشروع مثل الزواج " امساكٌ بمعروف او تسريح بإحسان "
الدين يُبيح ونحن نحرم.
الدين يحرم ونحن نبيح.
نحن نعبد الله ام أهواءنا ؟
نحن نتبع الاسلام ام العادات والتقاليد ؟
يالله ماذا أفعل لأنقذ زوجي من بشرٍ لم يثمر بهم ما انزل من عندك ، وماهو اقوى مني.
شعرت بأصابع سياف تعيد بوجهها من فكها لتنظره اليه. ينظر اليها بفزع خشية ان تحزن :
خالتي وعائلتها مايهموني
قدرهم على عيني وراسي بس اذا مافهموا من سنة وزيادة اني ما ابي بنتهم مابيدي حيلة أقنعهم الحين
امي مصيرها ان زعلت ترضى! انا بريّت فيها يوم غصبت نفسي على شيءٍ ماهو من ثوبي
بطلبها لا تستأثم فيني اذا عمرت بيتي اللي انلم شمله، عشان ابني بيت ماله اساس
انا حطيتهم كلهم وراي عشان ارضيك
مين قال لك بسمح لك تلفين لهم عشان يزعلونك ؟
همست شادن وكأنها لأول مرة تلفظها شفتيها :
احبك ياسياف!
لا معاذ الله ان تلفظها
هذه كلمة تؤخذ من شفتيك على طبقٍ من ذهب حتى نبروزها ونضعها قصةٍ تتروى لمن بعدنا عن تحول الأساطير الى حقيقة!
مثل كلمة كيف لها ان تصبح
نسيمًا يلفحك وان كنت قحلًا
مطرًا يغيثك وان كنت جدبًا
يالله احبك ياشادن! وكأني لا اعرف شيئًا في هذه الدنيا سوا حبك
مادرست في طاولات الدراسة مادة العشق ، والصبابة وما تفوقتٌ الا في مناهج الحب.
قرأت عن جميل بثينة ، وسمعتُ في مجنون ليلى ، تسكعت بجوار الهائمًا بجوليت في دور العرض ، ومارأيت منهم اكثر مني غرقًا فيك. تغرقيني ولا تمسكيني
تهوينَ بي ولا تمسكيني
اقترب سياف ليقبل خدها متجاهلًا المكان المتواجدين به رغم انه خالي من اي كائن بشري طوال فترة جلوسهم
لينفتح الباب ويخرج سلطان من جناح ذعار. ليقف ينظر الى سياف متعجبًا! اي ذلك الجلمود الذي القى بفتاته اثنا عشر عامًا بين صفحات الخرائط
من اي تعرى من تلك النازية ليخر ابني امامي على كرسيه عربيد عشق امرأته :
عسى بيتك ماهو مضيق عليك يومك تحبحب بالمستشفى ؟
أسودت الدنيا في عيني شادن وهي تسمع صوت خالها
يالله ربع ساعة نتحدث ولم يخرج احد ما ان انحنى سياف ليقبلني الا خرج!
دفنت رأسها خلف كتف سياف وهي تسب وتشتم به بنفسها. ليقهقه سياف بصخب خجلًا من غضب اييه واستنكاره وخجل شادن
/

\

/

في قاعة الفندق ، يقفون مقابلين بعضهم في الأستقبال
بجانبهم على اليسار امرأتين من ضمن طاقم الضيافة يقفون بالمباخر الكبيرة المذهبة استقبالًا للضيوف!
ناظرت لدن الساعة الذي تستقر على معصمها الايسر وهي تشير الى السابعة والنصف :
تتوقعين ملكوا ؟
تنهدت وهاد بقلق وهي تنظر الى شاشة جوالها تنتظر اتصالًا من ابيها ليخبرهم
حتى يوقفون الموسيقى الهادئة التي تبث من جميع زوايا القاعة ويزفون شذى :
أبوي للحين ما اتصل مع انه قايل لي سبع وربع بالكثير هم متملكين
دخلت شادن ومن خلفها الجوهرة وفهدة. ليسلمون عليهم
لدن بغضب وهي ترى القاعة خالية الا من خوال شذى ، وخوال ثنيان :
مو من جدكم توكم تجون وانتم اهل العروس والمعرس !
ضحكت فهدة وهي تعود خطوتين للخلف من اندفاع لدن :
بالهداوة علينا
مو كافي يومين مانذوق النوم نركض ورا شذى
تنهدت الجوهرة بهمّ وهي تقبل وهاد :
اخ لا تذكريني ! اول مرة بحياتي اخذ اجازة والسبب هالملكة
مو صاحي ثنيان لا حفلة عرفنا نجهز
لا فستان عرفنا نشتري
لا دوامات عرفنا نروح
عجلة عجلة
اقتربت لمى منهم بعد ماتركت خالاتها عندما رأت بنات عمانها اجتمعوا
ترفع بأطراف اصابعها فستانها :
والله اخي عجلة وشذى راسٍ يابس
مو راضية تخلي الملكة يوم والحفلة يوم ثاني
سلمت عليهم لينقطع الحديث بالتباريك والتهاني للمى بأخيها
جلست شادن على كراسي الاستقبال وهي تضع شنطتها بجانبها :
الحين صدق بيملكون في بيت حاتم بعدين بتجي شذى من هناك تنزف مع ثنيان ؟
هزت فهدة راسها وهي تجلس بجانبها :
ايه مدري وش جاب هالفكرة البايخة برأسها
تقول بنزف مع ابوي على ثنيان وعماني بين خالاتي وعماتي قصدها الأهل القراب عشان تاخذ هي وثنيان راحتهم بين اهلهم. بعد الساعة ظ© يطلع ثنيان وعمي حاتم
عشان رنا مواعدة المعازيم البعيدين وصديقات شذى الساعة ظ© ونصف
ابتسمت شادن بحماسة وهي تضرب كفيها بعض :
فكرتها تينن مو بايخة حرام عليج!
ضربت عصفورين بحجر
اقتربت ترف منهم ، لتفز شادن تقبل راسها ومن خلفها الجوهرة وفهدة :
يالله يابنات كلموا المطرب شوفوا وينه
وارقصوا لين توصل شذى
مو منطقي ينتظرون المعازيم مع هالموسيقى اللي صجت رؤوسنا على قل سنع
ضحكوا البنات وهم يتوجهون الى نصف القاعة. لتمسك ترف بكفي الجوهرة وفهدة لتوقفهم
ابتسمت الجوهرة بإستغراب ، وعقدت فهدة حاجبيها بإستنكار :
ناقص شيء يمه ترف ؟
ناظرتها ترف بشك عاقدةً حاجبها :
ايه ناقصين ضيوفي!
انتم ماعلمتوا مرت اخوكم ان اليوم ملكة أحفادي ؟
بلعت الجوهرة ريقها من طاري انفال لتنظر الى فهدة بقلق
قاطعتهم ترف قبل ان يحيكون لها كذبة خلف الاخرى :
انفال ليش ماهي في بيت اخوكم ولا تتواصلون معها ؟
تنهدت فهدة وهي تحاول ان تتعذر بشيء يقنع جدتها :
بين انفال وتركي مشكلة كبيرة شوي
وهي من فترة في بيت اهلها والعلاقة المتوترة الحين بينهم ماتوقعنا انا لو قلنا لها بتحضر
رفعت ترف حاجبها غضبًا :
بس انفال قالت عكس كلامك! قالت ان تركي بيطلقها مو بس مشكلة
وانفال ماقالت لي ان العلاقة متوترة ، قالت لي انها قايلة لكم مهما صار هي علاقتها زينة فينا وفيكم وماراح تقطع فيكم لا هي ولا بنتها وبنفسها بتوصلها لكم
تنهدت الجوهرة وهي تلفظ الحقيقة :
ايه صح يمه
ولكن تركي قال لا تقولون لها يخاف تجي انفال وتنشر الخبر
وهو قاعد يحاول يرجعها ومايبي مشاكل بيته تطلع وكل يوم يسمعون الناس منهم كلمة لو قاله لله وقررت انفال ترجع لتركي
افلتت ترف يديهم بقوة
وهي تتوعد هذه الليلة بتركي !

\

/

\
يقف عند باب غرفتها بثوبه الأبيض التي بخرته رنا قبل ان يخرج للرجاجيل بكسرتين عود ودمعتين لهذه المهزلة الكارثية اللي سيزفون لها ابنتهم او غلطتهم الحلوة!
ناسفًا غترته البيضاء مثل ماطلبت منه شذى لانها تريد ان تتناسق مع بشته الأسود الذي سيزفه به
رغم ان شماغه الأحمر لا بأس به
ولكن لن يرفض لملاكه طلبًا !
بين يديه دفترًا بنيًا ياخذ مساحة كبيرة من ذراعه اليمنى الى اليسرى
كل مافي هذه مزيف
المؤذن صديق ابيه. اتى به ليمثل هذه المسرحية معهم
الاقارب الذي وعدت رنا انها ستعزمهم
هم جميعهم صديقات شذى ومعلماتها حتى يضمنون هدف هذه الليلة
وبضعًا من اَهلها التي تستطيع اخبارهم غدًا ان زواج ابنتها غير صحيح
الزواج المزيف
من اجل إثبات للجازي ان شذى ليست بأبنتك!
كفي عن أوهامك
كلها شهرين ، وثلاث ليخبر ثنيان انهم استعجلوا والتحاليل الطبية ليست سليمة بسبب انهم اقارب ويجب ان يطلقها حتى لا يرزقوا بأطفال غير سليمين !
كل هذه المسرحية المحبوكة من اجل ابعاد الجازي من طريقهم ، وضمان شذى ان تبقى في بيتهم على انها ابنة حاتم وليست اخته!
ينظر الى ابنته او اخته لا يهم المهم انها شيئًا يعنيه
والعروسة المزيفة لهذه الليلة
تجلس على كرسي تسريحة غرفتها
خلفها وصال تتأكد من ثبات اكسسوار شعرها حتى لا يتأثر اذا لبست طرحة عبايتها
وتدور على راسها رنا بشكل دائري بالمبخرة تبخرها وتعيذها " بكلمات الله التامات "
وتلعب جنى تحت قدمها بمساحيق التجميل المنثورة على الارض
عَبَثًا وبحثًا عن الروج الأحمر الذي تجملت به شذى لتصبح هي العروسة الصغيرة
ابتسمت وصال بفرحة وهي ترى ابيها واقفًا بالدفتر :
بيملكون!
غمضت شذى عيناها وهي تأخذ نفسًا عميقًا. استخارت مية مرة بعد المليون وبكل مرة تشعر براحة أعمق من التي قبلها لهذا الزواج
اصبحت تبتسم عندما تسمع اسم ثنيان بين طيات حديث أخواته. او غضب عماته
ضحكت فرحًا على اصرار ثنيان على هذه الملكة
رغم انه اخبر افنان ولمى ليوصلون الكلام لها حتى لو الحفلة بيوم آخر
لن يتنازل عن رؤية شذى باليوم التي ستصبح ملكه
تذوب خجلًا بتلك الرسائل اللفظية التي يخبر بها لمى لتخبرها " ماتقولين لها خلينا نخليها زواج مرة وحدة ونخلص ؟ "
واعترافات افنان الغاضبة امامها " ماقد شفت اخوي بهذه الخفة! ياساتر حتى وهو مابعد ملّك لو اعرستوا وش بيسوي ؟ "
فتحت عيناها مرة اخرى بإبتسامة. هذه الذكريات البسيطة في غصون ثواني استرخاها مدتها بالراحة
مد ابيها لها الدفتر ليضعه في حضنها
ويخرج من جيب ثوبه العلوي قلمًا لتوقع به عند اسمها " شذى بنت حاتم بن سلطان الجامح "
يالله ياصغيرتي! ليس بهذه الليلة شيئًا حقيقًا حتى اسمك!
شذى هي من وحي خيالي. وانتِ " فرح بنت سلطان الجامح "
رفعت شذى عيناها الى ابيها بغضب مصطنع :
هذه ليلة عزاء ولا ملكتي ؟ هذه مشاعركم ساكتين ؟ وين اللي وصيتهم يغنون لي ؟
ضحكت وصال وهي تضربها على كتفها بحماسة :
ماتوقعين اول يابنتي! نغني على ايش ؟
مسك حاتم كف شذى قبل ان تخط على الورق بصرامة :
اذا عندك رفض ظ،ظ?طœ لهذه الملكة بلاها! والله ارجع لهم وأرمي الدفتر في عينهم
بنتي اولى من رقبتي مو بس اهلي
اذا ماتبين تتزوجين الحين بكيفه
مافيه شيء بيطير اللي بيشتري بنتي ينتظر الى اخر العمر
تبين تقعدين في حضني وبيتي وفي ذمة ابوك يابعد ووحي وأسفرك ؟
مو كنتِ تبين تدرسين حالك حال وصال طب في ألمانيا ؟ والله ماطلبتِ شيء
من بكرة اقدم أوراقك على حسابي ما راح انتظر من احد ياخذ اسمك عشان تترشحين
بس قولي " ما ابي " وانا اسوي لك اللي تبين
فتحت وصال عيناها بدهشة من حديث ابيها وكانه يرمي " بأرفضي " من خلف الكلمات
ضحكت شذى وهي تاخذ بالقلم بعيدًا عن يد ابيها :
يبه وش فيك ؟ الا والله ابي
وقعت بسرعة لتضحك بخجل
ويسمع حاتم مع ضحكتها سخرية القدر منه
وكأنه يخبر الذي حاول ظ،ظ© سنة جاهدًا ان يكتم السر
بات ان ينكشف الآن
زغرطت رنا ومن خلفها وصال
لتفز جنى من الارض وتحتضن شذى بفرحة لا تعلم ماذا يدور حولها بالضبط - ولكن مبسوطة من فرحة اَهلها -
صفقت رنا برقة وهي تلبي طلب شذى ، عيناها بعيني حاتم :
هبّ السعد هايبه لرياحي
رددت وصال من خلف امها ، وهي تضع الطرحة فوق راس شذى بشبرين وتحركها بفرحة :
ياشاريه العباد والصلاحي
شهقت رنا وهي ترى دمعة حسرة لمعت بعيني حاتم وهو ينظر الى شذى التي تنظر اليه بضحكة
تنتظره يغني لها معهم
وقفت شذى وهي تمسك بيد ابيها وتحركها بترجي :
يالله يبه تكفى معهم
بلع حاتم ريقه ، وهو يغني مع رنا و وصال بصوتٍ واحد وشذى تتمايل عليها مع سجى ويد ابيها مازالت بحضنها مع مسكتها :
سموّ على شيخة الحسن الرباني
اللي القمر قال اجلسي في مكاني
وضعت شذى مسكتها على الكرسي بدلًا منها. مسكت بيدها اليسرى يد ذراع ابيها اليمنى وبيدها اليمنى ذراع امها اليسار
لان ذراعها اليمنى مازالت ممسكة بالمبخرة
لترقص معهم ، وهي تردد معهم :
يوم أقبلت في نورها شمس الشموس
كل من عرف انها وصلت احلى عروس
اخذت شذى بيد ابيها لتشير على نفسها امام وصال لتغيصها وهي تضحك
اخذ حاتم طرف غترته وهي يستر بها عينيه. اليوم اول يوم بحياته منذ ان اصبح راشدًا يبكي بحرقة مثل اليوم
اختفى صوته من صوتهم
ليبقى صوت شذى مع رنا ووصال ليصلوا الى الشطر الذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير. ولكن هذه المرة سلم البعير واصيب ظهر رنا :
ربي كتب ليلة عمر مامثلها
صوت بكاء حاتم ، عرَّى معه كل صبرًا تحلت به رنا حتى تصمد
رمت المبخرة من يدها ليتناثر الجمر وكسرة العود. وزجاج المبخرة
لتخر هي معهم على الارض وتغطي وجهها بكلتا يديها وتشهق باكيةً بقوة
بطرف اصابعها أفلتت فستانها الأحمر ، وهي تنتقل أنظارها بين ابيها وامها بدهشة!
ابيها ملقيها ظهره ويستر عينيه بطرف غترته ، وامها تعانق الارض بدلًا منها وتستر بيديها عيناها
تنظر شذى اليهم بصدمة
لماذا اختار ابي تلك الفترة التي اخترتها لليلة عمري ليكفكف بها دمعيه ؟
لماذا تقطع امي الفقرة المنتظرة التي تمنيت ان اتركها من افضل ذكريات عمري
عمري الذي ابتدأ الآن
دفعت بطرف قدم كعبها فستانها الذي يعيق طوله وانتفاخه حركتها الحرُة
لتقف امام ابيها وهي تسحب غترته عن عينيه هامسة بقلقٍ لا ترتديه عروس :
يبه مو هذا ثنيان اللي قلت لي خذيه ؟
يبه مو هذا العرس اللي انت بغيته لي ؟
يبه انا فرحانة اليوم لاني اثق فيك
ماراح تختار لي الا الراهي والزين!
يبه ثنيان اختيارك
وتربية عمي عبدلله ومن بيت ابوي سلطان وتحت عين امي ترف
مافيه ولا شيء يخليك تخاف علي بهذه الليلة
اكملت وهي ترى ابيها يرمش حتى تسقط تلك الدمعة العالقة بطرف رمشيه من اليوم ، وينظر بعيدًا عنها :
زي ماوافقت لانك تبيه
ولو تبين أرفض والله برفض لانك ماتبيه
انا أبيع عمري عشان اشتري راحة كفوفك
شلون تبغاني اضحك اليوم وانت تبكي عيونك ؟
لفت شذى على امها لتقترب منها
انحنت على ركبتيها ، لتجلس عليها وهي ترفع رأس امها :
قالوا لي ام العروس بيوم بنتها ماتسكت
بس تكفين لا تصيرين زيهم
انا نهاية اليوم برجع وانام على هالسرير اللي وراك ليش تبكين ؟
بلع حاتم ريقه وهذا الهم اثقل عاتقيه
سيسقطه حتى وان كسر ظهره. اغلق عيناه وهو يأخذ نفسًا عميقا ليفتحها :
شذى اللي فيني ماهو خوفًا من ثنيان
لا والنعم فيه ، والله لو لي بنتٍ ان أعطيه بعباتها
ولكن انتي
انفتح الباب بقوة ليقاطعه سلطان بحدة :
حاااااااااااااااتم !
لفوا جميعهم على الباب بدهشة
من فتحة سلطان للباب بقوة
ومن بعدها مقاطعته لأبيهم
ومن كف سلطان التي تعتصر مقبض الباب حتى كاد يتهشم من شدة غضبه
اردف سلطان وهو يبرر غضبه بالعذر التي به الى هنا ، ولكن بالحقيقة غضبه من كلام حاتم الذي كاد يفضحه! :
خوش والله
المؤذن والرجاجيل ينتظرونك وانت هنا
خواتك تقطعت يدينهم وهم يدقون عليك وعلى عيالك وحضرتكم ولا واحد فيكم تحرك
ركز بناظريه على رنا بصرامة خشية ان ينفرد حاتم بشذى مجددًا :
خذي بناتك و السواق تحت ينتظركم روحوا الفندق
واحنا بنوجب المعازيم وبنلحقكم
أخذت وصال عباياتهم المعلقة لتمدها الى شذى
ومن ثم تمسك بكفها ذراع امها لتقف
خرجوا جميعهم متبعين أوامر سلطان
ليبقى سلطان بحاتم وحدهم
انحنى ليأخذ الدفتر وهو ينظر الى حاتم بسخرية :
خوش والله خوش !
مابعد جاء اليوم اللي اشوفك فيه رجال قد كلمتك
طول عمرك رخوٍ وتلاحق قليبك
نعنبوك من هو اللي طولك وعرضك وكبرك ويتوزى بطرف شماغه عشان يتبكبك ؟
يوم اتفقت مع الرجال وعزمنا الناس وخسرنا
قمت بتعلمها ؟ وهي يومين وينفك الحظر وترجع لك وتفكنا من شرها
قاطعه حاتم بسخرية وهو ينسف غترته مجددًا :
الرخو اللي يلاحق قليبه هو اللي ضف بنتك يوم عجزت عنه
ابتسم سلطان بسخرية وهو يخرج :
انا ما عجزت عنها ، انا بايعها
ما ابيها ولا ابي اشم فيها ريحة امها
لحق به حاتم ، وهم يدخلون مجلس الرجاجيل
اقترب سلطان وهو يمد الدفتر الى المؤذن بإبتسامة مصطنعة :
ماقصرت ياشيخ ، الله يتمم عليهم على خير
فز تركي وهو يصافح ثنيان بفرحة :
مبروووك يا ابو عبدالله
ابتسم ثنيان بفرحة حقيقة وهو يقبل انفه :
الله يبارك بعمرك يا ابو حصة
لف ليقبل رأس ابيه ، ومن ثم راس عمه حاتم
هز حاتم راسه بهدوء وهو يمسكه مع كتفه قبل ان يبتعد عنه :
لا اوصيك يا ثنيان
ابتسم ثنيان على خوف عمه البديهي، ليردف ليطمنه ولكن قاطعه حاتم وهو يكمل قائمة المحضروات :
زي ما انتي عارف قبل اقول لك انها بنتي ، تراها توها لا يغرك عقلها مازالت طفلة!
لا تقرب منها ، وانت فاهمني زين وش اقصد
فتح ثنيان عيناه بدهشة من كلام عمه ليصحح له مخاوفه المغلوطة :
على وعدي ياعمي
قلت لك العرس متى مابغيتوه
انا شاريها وبنتظرها
قاطعه حاتم وهو يحاول ان يوضح الصورة لثنيان :
زين اول شيء فهمته
ولكن انا اقصد بعد لا تقرب منها يعني عاملها وكأنها وحدة من خواتك
البنت توها صغيرة وما ابيك تفتح عينها على شيءٍ يمكن يكرهها بطاري العرس
رفع ثنيان حاجبه من كلام عمه! هل هذا كلام يقال لعريسٍ بدلًا من كلمة " مبروك "
تجاهل ثنيان توصيات حاتم وهو يلف على أعمامه وتعلقياتهم بإبتسامة صفراء باردة وبالا مشغول بكلام عمه
اقترب منه خالد بهدوء مبتسمًا :
مبروك ياثنيان ، منك المال ومنها العيال
فز ثنيان وهو يقبل راسه بإمتنان :
ياجعلك سالم يا ابو ذياب
الله يعز قدرك عنيناك بس كان ودنا بشوفك والليلة ليلة اهل وانت واحدٍ منّا ماتتم الا فيك
ابتسم خالد على حفاوة ذلك الرجل امامه، سباقًا دايمًا للمراجل منذ صغره
اول ماحدد ملكته اتصل واصرّ ان الملكة لم تتم الا وهو اول الحضور
يرى في عينيه النبذ الواضح لطاري غزل وفعلتها الشنيعة التي تمس بكرامة رجولته الشرقية
التي لا ترضح لموضع الذل والهون وان تمسها امراة
مدّ بيده ظرفًا يحمل مبلغًا نقديًا ، تسمى - عانية - في سلمهم تمد للرجل في زواجه لمساعدته ماليًا :
ياخوفي ما اكون موجود بالسعودية بعرسك
قلت اعطيك اياها الحين
فز ثنيان بدهشة وهو يرى ذلك الظرف الثقيل :
لا والله يا ابو خالد خيرك سابق جعلك تسلم
قاطعه خالد بحدة وهو يقفل على بكف ثنيان :
والله ماترجع جيبي وهي طالعة
لولدي ! انت بحسبة ذياب
وربي للحين مابلغني فيه
خلني افرح فيك واسوي اللي ناويٍ اسويه ماندري الدنيا تبلغني فيه وانا حي ولا الموت ابكر
قبل ثنيان رأسه بإمتنان :
ياجعل عمرك طويل يالغالي ، تبشر بعرسه وعرس احفاده يا رب
ابتسم ابو ثنيان بخجل من معدن ذلك الرجل :
نردها لك بذياب يا ابو ذياب
هز خالد رأسه وقلبٍ رق لدعوته :
يقوله ربي يا ابو ثنيان
آشار جلوي بالمفاتيح من خلفهم بإبتسامة :
ماودك نلحقهم الفندق ؟
لف سياف بهمس على خالد :
ياعم ذياب وينه ؟
تنهد خالد وهو يهز كتفيه بقلق :
توه يرجع للبيت من يومين
و وجهه اعوذ بالله اسودٍ يخرع !
وصيته يحلق ويتسبح ويلحقنا بس والله ماضنيت ان عنده نية جية
دخل بهدوء من مدخل الشقة الذي يحفه من يمين ويسار الفازات الذهبية التي تحاذي طول كتفيه ، وسقط من داخله وعلى طوله ورد طبيعي باللون الوردي والسكري والأصفر. وعلى الطاولة الذهبية مبخرتين من العود
وهاهو ثنيان يخرج من المجلس وعلى كتفيه البشت الاسود ، ومن يمينه ابيه يرتدي البشت البني ومن يساره عمه حاتم مكتفي بثوبه وجده سلطان بجانبه بالبشت الاسود
ومن خلفه سياف وتركي وجلوي ومقرن وأبيه خالد وعمه ماجد وكم رجلًا غريبًا عليه لا بد انه من خوال ثنيان او اهل زوجة حاتم ابن خاله.
وقف ثنيان وهو يرى ذياب يقبل عليه من المدخل ببرود ملامح :
مبروك يا ابو عبدالله
ابتسم ثنيان وهو يصافحه :
الله يبارك فيك يا ابو خالد ، العقبى لك
رفع ذياب حاجبه بسخرية وهو يفلت كفه :
الله لا يقوله
ضحك ثنيان بدهشة من ملامح ذياب الجادة :
افا
ابتعد عنه ذياب وهو يقف بجانب سياف بسخرية :
خذ لك حرمة وابلش بكرة بالبلاوي والعار
اقعد عزابي واشتر كرامتك
سحبه خالد من ذراعه من بيد حشد الرجاجيل بدهشة غاضبة وهو ينهره :
هذه كلمة عدلة تقولها قدام المعرس وابو حرمته ؟ ماتستحي انت على وجهك ؟
قاطعه ذياب بحرقة :
لا ما استحي ! ليش انتم تستحون من كلمة الحق ؟
تدعون علي ماتدعون لي ترا اذا قلتوا أعرس !
انا مو ناقص أهانة وانحطاط سمعة
ما ابغى اصير بكرة مكانك يبه ما ابغى
قاطعه خالد عاقدًا حاجبيه :
وش فيك ؟
هز ذياب راسه بالرفض ، ناهيًا شك سؤال ابيه
ليقاطعه بغضب :
أهو زتك انطق انا اقولك وش فيك ؟
وش صاير فيك مخليك متروس حقد و مدوده جذي !
غمض ذياب عيناه
ليأخذ نفسًا عميقًا ويزفره فتح وقبل راس ابوه :
اعذرني يبه كنت ماسك طريق سفر وتعبانة اعصابي
وبروح اتعذر لثنيان و ابو وصال
بيرضيك ؟
تنهد خالد بحرقة :
الله يصلح حالك وانا ابوك وش اقول بعد اكيد بيرضيني المهم مايصير ولدي قدام احد بالشينة
مشى تاركًا ذياب من خلفه ليمر من جانب سياف هامسًا :
انت بتروح ويا ولد اخوك ؟
هز سياف راسه بالنفي
تنهد وهو يلف على ذياب الذي تجاهل ثنيان وحاتم ومشى الى سيارته :
رح ويا اخوك لا تخليه لحاله والله ان فيه شيء بس ماهو راضي يعلمني
خلك وياه لا يسوي شيء بنفسه
ترا ذياب وش حليله بس ان عصب الله يكفيك شره
آشر سياف بطرف سبابته على انفه :
على هالخشم ماطلبت شيء أبشر
مشى بخطوات سريعة حتى يلحق على ذياب
فتح باب سيارة ذياب من الجهة اليمنى ليركب بجانبه
رفع ذياب حاجبه بإستنكار وهو يرى سياف بجانبه :
خير ؟
ابتسم سياف بعباطة وهو يلبس حزام الآمان :
مشتاق لك
قطع اجابة ذياب
باب السيارة الخلفي من جهة سياف ينفتح
ليركب جلوي ويغلق الباب من خلفه :
مسوين اجتماع مغلق من وراي ياخسيسين
فك ذياب كفيه من دركسون السيارة بغضب وهو يرآهم يقتحمون سيارته ليلف عليهم :
هيه هيه انتم خير من عزمكم ؟
كل واحد يقضب الباب من غير مطرود يالله توكلوا
استند جلوي بلا مبالاه وهو يتصفح هاتفه :
اذا نزلت الغالي اللي جمبك
نزلت أنا
بس حركات انزل وتأخذه معك
وتكشت فيني لا ماتمشي عندي
سحب سياف المرتبة ليعيدها الى الخلف ليستلقي ويضغط بالمرتبة على جلوي الذي صرخ غاضبًا متأبمًا وهو يدفع سياف ولكن هيهات هيهات
سياف انتهى من دفع المرتبة قبل محاولات جلوي واستلقى :
لا حول ولا قوة الا بالله
من حشر بعض الناس نفسهم في كل شيء
سحب جلوي نفسه من خلف سياف ليجلس بالنص غاضبًا :
وعمى ان شاء الله ما اقواك انت !
وش تأكلك اختي ؟
صار كأنك جدار بغيت تذبحني
فز سياف من جلسته لينظر اليه بدهشة :
يعميك ياحيوان اذكر ربك لا تتكسر ضلوعي
ابتسم جلوي بعباطة :
ياليت عشان تنزل وتخفف عنا
لانك مناشبنا انا وصديق المهنة بكل شيء
ناظره سياف بإستحقار :
والله لو تخليني عيونك محرول مو بس متكسر
نزلة من السيارة ما راح انزل و وروني وش بتسوي انت وصديق المهنة
تأفف جلوي وهو يضع كفه على خده بملل :
انت ماعندك كرامة ؟
قلنا لك مانبيك
بس انت زوج أختنا
لاحظ معنى كلمة " أختنا " يعني شيء مشترك بيني وبين ذياب انت مالك دخل فيه
يمكن عندنا اشياء خاصة
تخص عائلتنا ومانبيك تسمعها
لانك الآن انت فرد ضدنا مو في صفنا
ويمكن اي مشكلة نقولها تستخدمها ضد أختنا
رمى عليه سياف علبة المناديل بقرف من جلوي :
تراك اشغلتني أختنا واختنا واختنا فرحان فيها ؟
بعدين ترا كل فضائحكم عندي وعايشها اكثر من اختكم
ماوقفت على ذا الشيء اللي بتقوله الحين وماتبيني اسمعه
صرخ ذياب بغضب من مناقرة جلوي وسياف الطفولية على راسه المصدع :
خلاااااااااااااااااااااص انت ويااااااااااااااااااااه !
اخذ نفسًا وهو يغمض عيناه :
قسم بالله لو اعد الى ثلاثة واشوف واحد منكم بالسيارة مايصير خير
واحد
اثنين
ثلاثة
فتح عيناه ليرى سياف وجلوي ينظرون اليه بإبتسامة غبية
تجعله يشك الذي امامه في مقتبل الثلاثين ام ثلاث سنوات ؟
تجاهلهم وهو يشغل سيارته
منطلقًا من ذلك الشارع الضيق بأعلى سرعة تصل اليه سيارته
يتمنى لو تنتهي حياته الآن خلف مقود السيارة، لينتهي وتنتهي حياته السقيمة!
ولكن بجانبه أب تنتظره ابنة ، و زوج لا تنام امرأته الا وهو بجانبها
وخلفه دكتور ينتظرونه الآلاف المرضى ، وابن لا تكف امه دعواتها الا وهو امامها بخير وعافية
خفف سرعته رويدًا رويدًا ليلف عليهم بقهر :
يعني ماعندكم نية تنزلون ؟
سياف بجدية حادة وهو ينظر الى الطريق :
لا ماعندنا نية
وانت اذا عندك نية تذبح عمرك
ترانا مثلك بايعين اعمارنا
ليردف جلوي ببرود وهو يشير بسبابته الى عامود الأنارة الذي يقطع طريقهم :
حتى لو ودك تتقطع تحت هاللمبة ترانا معك مايهمنا لو يدرورنا قطعة قطعة ولا يلقونا
انتبه ذياب
ليلف بمقود سيارته يميناً بقوة لتنحرف السيارة على الشارع العام ويقف متوسطًا السيارات القادمة والسيارات العائدة
ضغط على البنزين ليدخل بقوة بمواقف السوبر ماركت الذي امامه
وتحك طرف سيارته بالجدار
ليقف وياخذ نفسًا عميقًا!
لف عليهم بغضب من استهتارهم لأنفسهم ، كان بيقتلهم ولا واحد فيهم فكر ينقذ نفسه :
مهابيل انتم ؟
ابتسم سياف وهو ينظر اليه :
تراك انت اعقل واحد فينا
قاطعهم ذياب وهو يشعر بذلك الخبر يسقط من لسانه، لا يقوى على ابتلاعه اكثر :
شفتها
جلوي وسياف بآنٍ واحد مدهوشين :
من هي ؟
ضحك ذياب بسخرية وهو يسقط براسه على المقود :
امي !
صرخوا جلوي وسياف بصدمة وهم ينتظرون ان يردف ذياب بكلمة " امزح " :
امك !
ضحك ذياب وهو ينظر اليهم :
اي والله امي مستوعبين ؟
توقعت اني لو شفتها مرة ثانية بنساها
لو شفتها بيغطي التجاعيد محياها وماني بذاكرها
توقعت اشوفها والشيب غازي شعرها
توقعت بشوفها ومافيها شيءٍ طيب من الهم والحسرة
ضحك بحرقة
ضحك بقهقهةٍ مرتفعة جعلت سياف يعود الى خلف ليصطدم ظهره بالباب
ضحك بإفراط جعل عيني جلوي تعلق في عيني سياف بخوف
ضحك حتى شعر بدمعة تتعلق بطرف رمشه
اخذ نفسًا عميقًا وهو يمسح بطرف ابهامه الدمعة المتطرفة ليأن بألم :
آه!
لقيتها اصغر مني
تخيلوا في السنين اللي فاتت حتى شاب رأسي مالقيت في شعرها شيبة وحدة !
صرخ وهو يدخل أصابعه في شعره :
وانا كل ليلة اشوف برأسي شيبة جديدة !
كنت انتظرها شاحبة ذابلة ماكلها الهم وماخلى لنا الا ضلوعها
لف عليهم بحرقة
ليمسك سياف من ياقته وهو ينفضه :
أسالك بالله اذا شفتها ماتغلط بينها وبين اختي !
شفت فيها حياة ونورٍ ماشفتها بأختي وهي بنت العشرين أفلت سياف من كفيه
ليسقط بكل ثقله على مرتبته ويسند رأسه على مسندة عنقه
مرر بكفه ع عيناه مسحًا للأعلى وهو يأخذ نفسًا عميقًا قبل ان يشرق بحروف معاناته
تلاقت عيني سياف وجلوي وهم يكتمون بعرض صدورهم تنهيدة حتى يدارون جرحهم النازف على رفيقهم الغارق في نزيف روحه
همس جلوي وهو يعيد عينيه الى ذياب :
وش كانت ردة فعلها ؟ ماقالت او بررت لك شيء ؟
ضحك ذياب وهو يلف عليه :
تبرر وش تقول ؟ اسفة اني حقيرة تركتكم ورحت ؟
لها عين اصلًا تقول شيء ؟
قاطعه سياف بجدية وهو يلف بجسده كاملًا اليه :
ذياب حذاري تغلط بمشاعرك!
روض نفسك
فرق بين انك تكره خطئيتها ومحد بيلومك
وبين انك تكره المخطئ وبالنهاية هذه امك شلون تكرهها ؟
آشار ذياب بأصابعه على عقله بإستخفاف لكلامه :
انت بعقلك شيء ؟
بعد كل اللي سوته وتشوف غلط اني اكرهها ؟
قاطعه سياف بجدية :
ايه
انا ادري انها تركتكم ظ،ظ¢ سنة
بس قبلها ظ،ظ§ سنة كانت عايشة معك ياذياب!
انت اصلًا ماتدري ليش راحت ؟
حتى لو كانت موجودة مو تقول انها مطلقة ؟
يعني على كل حال هي تاركتكم
لأنك بتسافر تدرس ان شفتها بتشوفها زيارة
بكل الحالات انت متعرض لنفس الموقف
قاطعه ذياب :
ايه صح نفس الموقف بس الظروف مختلفة !
تبين تقارن لما ادري انها تركتني عشان ماصار نصيب
مثل ماتقارن بإنها تركتنا ؟
امي ماكفاها تترك النصيب اللي رزقها إيانا
امي تركتنا على كراسي المطار وراحت!
لا تتعذر لها سياف لان مالها عذر
لو كان لها عذر لو واحد
صدقني كان قدرت اقنع نفسي فيه ظ،ظ¢ سنة
قاطعه سياف بتبرير :
انا مو قاعد اتعذر لها
وانها الصح وانتم الغلط
بس انا برا نطاق الموضوع قاعد اشوف الموضوع من كل الزوايا
وعشت معكم كل لحظة ضيم مرت بكم!
خذيتوا من هم الموضوع ماكفاكم
حتى شيب رأسك يا اخوي يشهد
ابغاكم ترتاحون خلاص
ضحك ذياب بسخرية :
حتى جيتها ماتشفع لها
لقيتها في بيت ابوي العود مافكرت تطل علينا تشوف احنا حيين ميتين
انا لو مارحت اسلم على يمه كان مادريت انها موجودة اصلا
عاد جلوي بظهره الى ظهر المرتبة بغضب مقهور :
والله يعلم من متى موجودة ومحد يدري
من زمان وانا كنت شاك بهدوء ابوي العود
ماكأنها دلوعته و بنته اللي مايندرى وين ارضها من سماها
يضحك ويقلط المعازيم وأذنه ماتسمع فيها احد
لف عليه سياف غاضبا من جلوي اللي يزيد الطين بله :
انت وش قاعد تخربط ؟
فيه واحد يرضى يقولون عن بنته انحاشت ويسكت ؟
صرخ جلوي بغضب :
ايه يرضى ليه مايرضى ؟ لانها اصلا ما انحاشت
تلقاها من ظ،ظ¢ سنة مخبيها ابوي العود في بيته
ومن منا يروح بيته ولا يزوره ؟ اذا بغينا نشوفه هو اللي يجينا
يعني مكانها هناك لا من شاف ولا من درى
ستر وغطاء
لف ذياب بدهشة من كلام جلوي الذي الذي بمكانه
قاطعه سياف وهو يلفه اليه بغضب :
أياني وإياك ذياب تسمع كلامه!
هذا يخربط والله يخربط وكلام مايدخل العقل
وش الفائدة يخبيها وهي مطلقة ؟
قاطعه ذياب :
لان ابوي العود توه يدري انها مطلقة
انا يوم شفتها كان موجود وقلت له انها تطلقت وانصدم
بلع سياف ريقه من حديث جلوي الذي يثبت صحته مرة بعد مرة
ضحك جلوي بسخرية وهو ينظر الى سياف :
اجل كلامي مو مقنع ؟
ياحبيبي عادي يكون مخبيها عشان مايوصل لها خالد وهي عاجبها الموضوع
ولا وش حادها ماتعلم ابوها انها مطلقة
الا خايفة تخسر اللي بيدها
قاطعه سياف بغضب ولا يرد ان يثبت جلوي كلامه أكثر
لو صدق كلامه بتكون كارثة
طوال هذه الـ ظ،ظ¢ عامًا كان يتمسك بحلم ان غزل تملك عذر يجعلهم يشفعون لها
لو ثبت كلام جلوي بيكون مالها عندهم شيء :
لا تتكلم بإفتراضات ماندري عن صحتها واحنا في حال مايسمح لأي شيء غير الحقيقة
الحين اقوله خلها تبرر عذرها
وانت تألف لي قصة من رأسك ؟
قل خيرًا او اصمت
اذا ماقدرت تهدي الموضوع لا تشبّه زود بينهم
ضغط ذياب بقوة على دواسة البنزين بقوة
وهو يلف بالمقود ليخرج من المواقف
قاطعه جلوي وهو ينظر بقلق الى سرعتخ :
وين رايح ؟
قبض على المقود بقوة كلتا كفيه
لينطلق متوجهًا خارج حدود الرياض :
انت تقول افتراضات وسياف يشكك فيها
وانا بأخذ الموضوع منكم لها
بخليها هي اللي تثبت كلامك ولا تنفيه
سقطت عيني سياف المؤنبة في المرآيا في عيني جلوي القلق
ليهز راسه بيأس ويلتزم الصمت
/

\

/
كانت واقفة عند طاولة الأستقبال
تستند عليها تنتظر وصول صمود
وبيدها جوالها تلتقط لها عدة صور تضيع بها وقتها
وقفت وهي تنظر بإعجاب مبتسمة الى صورة الأخيرة الذي التقطتها
يظهر فيه فستانها باللون الأسود بلا أكمام تستر كفيها العارتين
ومن بداية صدرها من المنتصف الى نصف خاصرتها كان الفستان على شكل رقم سبعة بشكل واسع يكشف اكثر مما يستر
ويكمل مسيرته متخصرًا على بقية ملامح جسدها.
فزت من مكانها وهي تشعر بإصبع ينقر ظهرها
ضحكت وهي ترى صمود :
يمه خوفتيني أصابعك باردة
ضربتها صمود على كتفها بسخرية :
والله لا حياء ولا مستحى يومك متفصخة
بعذره قاعد يلفحج الهواء من كل مكان
عادت شادن خطوتين للخلف بدهشة من انفلات لسانها :
هوب هوب بغيتي تأكليني خلاص بسم الله على أصابعك محشومة ودافئة بس فكينا
ناظرت كتفها لتتأكد من اصابع صمود لم تترك لها أثرًا
لفت عليها بضحكة - عبيطة - :
الحمدلله على نعمة السمار ماوضح فيني شيء
ضحكت صمود وهي تحاول بجوالها ان تتحرك شاشته بسلالة ولم تفلح
عقدت حاجبيها بإستنكار :
ماصارت! تلفوني يديد ويعلق خصوصًا اذا ياني اتصال
رفعت شادن حاجبيها بسخرية :
من كثر ماتنقرين فيه المسكين من يلومه
بعدين وش تبغين فيه ؟
بتقابلين الناس ولا جوالك ؟
ضربتها صمود مرة ثانية بغضب :
طالع من يتحجى
متحضنة لي تلفونها وتدقرني
ضحكت شادن وهي توريها صورتها :
بالذمة عاد وش رايك ؟
ضحكت صمود وهي تتأكد من حمرة شفتيها :
على هالوقفة حلاة من حطج مودل
ضحكت شادن وهي تضربها بغضب مصطنع :
يمه يالغيرة الله يكفينا شرها
اخلصي علي حلوة ولا لا ؟
وضعت صمود شنطتها جانبًا
وهي تعيد شكل عقدها الى شكله الصحيح بسخرية :
ايه تهبلين خلاص طرشيها له
كأنه مايشوفج كل يوم قدام عينه فرقت الصورة فيها حلوة ولا تخرعين
ضحكت شادن بإحراج من صمود الذي فهمت مقصدها دون ان تخبرها
ارسلتها لسياف
ومن خلفها صورة اخرى صورتها معه قبل ان يذهب الى بيت حاتم مبكرًا
عندما كان ينسف شماغه وهي لتوها عادت من المصففة
التقطت معه صورة وهي بعبائتها ولم يرى فستانها
اغلقت جوالها وهي تدخل معها الاستقبال
همست صمود في اذن شادن بعد السلام :
وين بناتكم بقعد وياهم
رفعت شادن كتوفها بجهل وهي تبحث بعيناها عنهم :
والله من اليوم هم متفرقين يساعدون في لمى وافنان والحين يوم جت وصال لهوا وياها
بس كنّا قاعدين هنا
قعدت صمود ومن يمينها شادن
ثواني قليلة ليتوزعون على أطراف القاعة عاملات الضيافة بيديهم صياني ذهبية
تحمل طرح بيضاء ملفوفة يتوسطها بطريقة أنيقة ورد صغيرة باللون البنفسجي
لفت صمود لتستفز شادن بضحكة :
ابو بنتنا بيدخل ؟ ابي اشوفه
ناظرتها شادن بطرف عينها وهي تضحك :
والله ما اتوقع بيدخل مايحب هالحركات
وللمعلوميه توني مصورته قبل اطلع من البيت بس تحلمين تشوفينه خلك
ضحكت صمود وهي تكش بكلتلا كفيها على شادن :
قطع جبح ويه ماحلاه ربي
خليه لج اشبعي فيه ما ابغاه
بس كنت بشوف بنتنا ماخذة حلاوة مين بس الظاهر حلوة علينا
ما اتوقع يجي منج يالشيفة انتي ورجلج شيء زين
ضحكت شادن وهي تهز لها كتفها بغرور :
والله انك تبطين ماوصلتني في الزين قال شيفة قال
محد يجاريني في حلاي
حتى بنتي ماقدرت تطوله
طلعت تشبه ذياب
رفعت صمود يديها للسماء بحرقة مُصطنعة تغيض بها شادن :
الله لا يجازي ولد سلطان خير
كأنه مطير غرور بنتنا للسماء زود فوق ماهي مغرورة
شهقت شادن وهي تضرب كتفها :
استغفري وجع !
ضحكت صمود وهي تضع الطرحة على رأسها والباقي من اطرافها تستر كتفيها وتحاول ان تصل بطرف خيط الى مربط فرس فضولها :
الا اقولك مين بيدش ويا المعرس ؟
هزت شادن كتفيها بجهل :
والله مدري بس اكيد ابوها
يمكن يدخل ابوه بس ماضنتي عشان رنا تاخذ راحتها معهم
بلعت صمود ريقها وهي تحاول ان تتظاهر باللامبالاة :
طيب اخو رجلج اللي اصغر منه
ما اذكر وش اسمه ليش مايدش دام ماعليه شرهه ؟
لفت عليها شادن رافعة حاجبها بشك :
تقصدين يوسف ، وليش يدخل ؟
ما اتوقع انها عدلة قدام الناس حتى لو ماعليه شرهه يدخل
لو كان لحاله ، بس لو معه غيره عادي
تأففت صمود بعفوية وهي تفهم من كلام شادن ان دخول يوسف لحاله دون بقية اخوته مستحيل :
رجلج والله صج ثقيل طينة
وش يضره لو دخل عشان بنت اخوه ؟
مافيه الا اهلكم على شنو مسوي لي فيها مايحب الحركات هذه ؟
تأففت شادن والهم الذي ارق صدره عاد من طاري صمود :
ياشيخة تكفين زين انه مابيدخل
ما ابيه يقرب حتى من باب القاعة
يدي على قلبي تجي خالته وبنتها
شهقت صمود وهي تتذكر ، لتلف عليها :
صج بيجون ؟
ناظرتها شادن بقلق وهي تفرك كفيها مع بعض :
وليش مايجون تكفين ؟ مستحيل خالته تخلي اختها في مناسبة زي كذا
مسحت صمود بكفه على كتف شادن بمواساة :
لا تضيقج ياروحي
وجودها وعدمها واحد دامه طلق بنتها وش بتسوي يعني قدام الناس ؟
لتكمل بإندفاع وهي ترى حالة شادن تحولت ظ،ظ¨ظ درجة من حالتها اول مادخلت :
حتى لو يجي ويوقف قدامها ماتتجرأ تسوي حركة غبية مثلها وحرمته اللي هو انتي موجودة
بتر حديث صمود، انوار القاعة الذي انطفئت تدريجيًّا ليكتفون بالإضاءة الموجه على باب القاعة
أتوا لدن و وهاد والجوهرة وفهدة، دفعة واحدة ليجلسون بجانبهم
ومن بعدها اتت افنان وهي تركض وتمسك بإطراف اصابعها فستانها وهي تضحك :
يالله بنات تكفون بسرعة شوفوا ثنيان وهو مسوي محترم
ضحكت فهدة وهي تأشر لها بإن تصمت لا يسمعها احد :
انتي ماتستحين ؟ حتى بملكته تحشينه ؟
ضحكت افنان وهي تجلس بجانبها :
طلعت اسلم عليه قبل يدخل بغيت اموت من الضحك ماقدرت يابنات صاير رجال صدق
سهقت وهاد وهي تحاول ان تسكتها بالإجبار :
انطمي يافضيحة كل اللي حولنا اهل رنا لا يسمعونك
ابعدت افنان يدين وهاد بالقوة حتى لا تلطخ حمرة شفتيها وهي تضحك بإفراط :
ياويل قلبي على شذى بتنصدم بتتوقع اني كذابة اذا شافته انا حبيته بالغلط يوم شفته عاقل ومبتسم مسوي حنون وانا أعرج اليوم بسبته
لفت تبحث بعينها عن وصال :
وينها وصال خلها تبلغ اختها قبل تنزف وتنصدم بالواقع ؟
ناظرتها صمود بدهشة :
شلون يمد عليه عليج وساكتة له وتضحكين الى الحين ؟
ضحكت افنان بسخرية :
الحين بيدخل حبيبتي اذا حسيتي ظ،ظ?طœ انك تقدرين توقفين بوجهه اكسري رجلي الثانية
اقتربت منهم لمى بقلق وهي تنظر الى الباب :
يالله منه يالله بتبدأ الاغنية وهم مادخلوا تأخروا بسببه
عقدت فهدة حاجبيه باستنكار :
من هو ؟
بتر قلق لمى ، الباب الذي انفتح ببطئ
ليدخل ثنيان فارضًا نفسه بإستقامة ظهره الذي يكاد كأنه لم ينحني قط، زاهيًا على كتفه بشته الاسود ، ينظر الى الأمام برزانة و وقار تليق بمشارف ميلاده الثلاثينية. يكاد ان يكون شبه ابتسامة ترتسم على شفتيه. ومن يمينه حاتم لا يقل رزانة و وقار عن ثنيان، وكأنها جينات تتكاثر بكل ذكرٍ جامحي. ومن يساره ابيه لا يستطيع ان يسيطر على ابتسامته الواسعة، الفرحه بإبنه البكر
ما ان ظهر بجانب عبدالله رجلٌ آخر.
الا كان كما سن شفرةٍ مزقت بقية الصورة الذي بجانبه ليبقى هو متفردًا ، متوحدًا
يقف بجانب عبدالله ، يوسف بثوبٍ ابيض وغترته. دون ان يلبس بشتً
أكمام ثوبه لا ينتهي بها كبك، بل انتهت بصفطة كافية ان تظهر معصمه التي خذت ساعته الفضية من الحظ نَصِيبًا لتستقر عليها
من يسمع يشك بإن هذا منظرًا يليق بزفاف، ولكن من يرى يوسف يعرف بأنه كان انيقًا بشكل كافي ان لا يشوب منظره شائب!
عيناه ما زالت تتبع مسيرة اخوته من قبله، لا تنظر غير للأمام كان لم يوجد بجانبيهم بشر
يتشربون الليلة من لقبهم نصيبًا ، جامحين بصريًا، لا يكاد يعقد لهم شفةٍ لإبتسامة
يشتركون بالصفات، والرجولة المظهرية، ويسلبهم يوسف من كل جميل بهم، ليتجمع في تقاسيم وجهه
يوسف أسرف الليلة بالأخذ
اخذ من لقبه جموحًا، ومن اسمه الجمال اليوسفي الذي لا يرأف بقلبٍ يرأه الا ذكر اسم الله على بديع صنعه!
اردفت افنان بمجرد ان ظهر يوسف من بينهم غضبًا مصطنعًا :
انا قايلة ليوسف لا تدخل
ما امداني انبسط باخوي الا صار يسد النفس بجمب يوسف
مسكت وهاد راسها من لسان افنان، رفعت راسها بغضب هامسة :
قسما بالله وعظمًا كلمة زيادة يا افنان ان أقص لسانك قدام الناس ولا يهمني
انطمي تعبت اقولك انطمي كلن بيسمعك
شرشحتي الولد لين قلتي بس
من اول وهذا يوسف وهذا ثنيان توكم تكتشفين ان يوسف زين ؟
ضربت افنان كفيها ببعض هامسة وهي تحاول ان تشرح لوهاد افكارها الرخيصة :
ادري والله ادري
بس ما ابغاهم يوقفون جمب بعض
شوفي اخوي يكسر الخاطر كأنه اللي في صور الحملات الخيرية للصدقة من كثر ماهو مسكين جمبه ويوسف صاير كانه دعاية لعيادة تجميل
انفرطوا البنات ضحكًا حتى وهاد الغاضبة لم تسيطر على نفسها من تعليقات افنان
قاطعهم صوت زفة ثنيان التي ارتفعت :
الله يحيك ياللي شوفتك تسعد
ياطيب الساس والأنساب والسمعة
ضحكت شادن وهي تنغز افنان مع خصرها :
والله ياعمري عمره ما اظن فيه انه طيب السمعة وانتي ماخليته له سمعة اصلًا
ضحكت افنان وهي تأشر عليها بأنها بتذبحها :
بس انا اطقطق على اخوي
لو تطقطقين عليه انتي بعد الخبر بوصله لعمي سياف انك تتغزلين بأخوي ويتفاهم معك
انخفض إيقاع الموسيقى، ليرتفع الصوت مجددًا مع وصول ثنيان الكوشة :
الشهم لا أقبل يفز الشعر ويعيّد
تنزل عليه القصائد ماتبي رجعة
ومن خلفه الكورال يعيدون الشطر
ليرتفع صوت الايقاع مجددًا وينخفض تدريجيًّا الى ان انتهت الموسيقى
عم الصمت ثواني بسيطة
ليرتفع صوت الموسيقى الهادئة مجددًا مخالفة لصوت زفة ثنيان
اقتربت وصال من البنات
بعد ماخرجت من خلف الكوشة
جلست بينهم وهي تأخذ قارورة الماء لتشرب بإندفاع من الضمأ
ابتسمت وهي ترى الباب ينفتح بهدوء / بطي :
بنات ترا شذى موصيتيني تناظرونها تخاف من كثر الطرك ما تميزكم وتتوتر
استمرت الموسيقى عشر ثواني اخرى، لتنخفض تدريجيًّا ويرتفع الصوت الموسيقي :
لا اله الا الله ، لا اله الا الله
والنبي صلوا عليه
انفتح الباب بشكل كامل. لتتقدم شذى خطوتين للأمام بهدوء مبتسمة
مازالت الأضاءة موجهه الى أطراف فستانها الأحمر
تترتفع تدريجيًّا الى ان وصلت الى كتفيها العارية بسبب أكمامها الذي كان موديلها تمسك من كتفيها على نفس خط صدرها.
تقدمت خطوتين للأمام وهي تسمع النغمة التي اتفقت مع الطاقم المسؤول عن زفتها، انها ستظهر عليها :
ياشمعة الليل اقبلي ، من مثل ( شذى ) لا أقبلت ؟
هلي علينا ونوري ، من مثل ( شذى ) لا أنورت ؟
عن نورها لا تسألي كل الكواكب نورت
في حسنها سحر الجلي فيها المحاسن صورت!
تلك الإضاءة الذي سرقت نور وجهها
واكتفت بإن تريهم ذلك الورد المحظوظ بين كفيها على مستوى خصرها
ارتفع رويدًا رويدًا حتى بانت
انفرط بقهقهة وهو يسمع زفته الذي اختاروها اخواتها، من الطراء الزايد
ولكن الآن زفتها لو يجرأ لأقسم انها كتبت لتصفها
اليوم لأول مرة يرى شذى
حتى صورتها وهي صغيرة لا يذكرها ولا تسعفه ذاكرته
كاد ان يشرق بريقه وهو يرى ان ذلك الحسن الذي امامه من نسل عائلتهم وكاد ان لا يكون من نصيبه!
كانت تنظر الى كل شيءٍ عدى الكوشة ومن يتوسطها. تعلم بإن كل من بالقاعة ينظر لها ولكن نظراته بين هالحشد جميعهم ميزتها
لم ترأه من قبل من كبرت ابدًا، تصدفه بالأعياد ولا تلقي التهاني
يتجاهلها وتتجاهله من دون سبب. ومن ذلك لا تشعر بإنها خايفة منه فقط متوترة من اللحظة!
طاحت عينيها على بنات عمها الذين يلوحون لها بفرح ، ليرمون اليها القبلات في الهواء عندما رأسهم
ضحكت وهي تحلف بداخلها انهم لن يكونون موجودين بزواجها حتى لا يفسدون طلتها بإضحاكها
لفت على امها لتراها تنظر اليها بحُب ودمعة طارفة تتسلل بين الحين والآخر من حنية اللحظة
تلك الموسيقى التي تعم القاعة، تدفعها للتأمل بكل شيء ماعدا ذلك الذي يحدق بها
انخفضت الموسيقى وارتفع صوت الزفة مجددًا :
الورد كله والحلي ، قدام زين ( شذى ) خجلت
في قلب ( ثنيان ) انزلي مثل السحابة لا أمطرت
كتمت انفاسها وهي تسمع اسمه يردف اسمها، حرصت على وصال مية مرة ان تحذف هذا المقطع اذا ذهبت للاستديو وأخبرتها انها حذفته
ولعله هو الذي شد بعيني شذى لتسقط بعيني ثنيان الذي ينظر اليها بإنبهار ، ثم ابتسم لتبتسم شذى وتزيح عيناها وهي تشعر بإنها تشم رائحة شيئًا يحترق ولعله قلبها من فرط الخجل
ليصدح المقطع الأخير من زفتها ، وهو هذا المقطع الذي حرصت ان يكون موجود اكثر من غيره :
( شذى ) يا ابوك على النقى بأفعاله رقى
من طيبه الوافي سقى
وعمر حاتم لأجل عين ( شذى ) نذر
وضعت عيناها هذه المرة على الكوشة
ليس على ثنيان بل الواقف على يمينه
ينظر اليها بدهشة وهو يسمع اسمه! تأكل قلبه بأبسط الحركات كيف يلومونه على تعلقه بها ؟
تجاهل تعليماتهم، وتوصياتهم
لينزل من الكوشة وهو يقترب من شذى ليمسك بيدها ويوصلها بنفسه
لفت صمود بعفوية على شادن لتهمس بإذنها :
عجزت اصدق كلامكم عن يوسف!
بذمتج ياشادن هذا يحط كل الرجاجيل صفر شمال شلون يصير بنص عقل ؟
لفت عليها شادن بشك وهي ترفع حاجبها :
انتي وش قصتك مع يوسف ؟ كل دقيقة والثانية تسألين عنه
شفت عيونك وهي بغت تأكله، قلت ماعليه
بس عيونه اللي تخزك الحين تخليني اقول وش صاير بسرعة قولي لي !
شهقت صمود وهي تعطي الكوشة ظهرها :
في ذمتج شافني وانا اطالعه ؟
ضحكت شادن وهي تهز كتوفها بلا مبالاه :
مدري هو يناظرك متعمد
او عشانك تطالعينه بس اخلصي علميني واعلمك
اعتدلت صمود بجلسته وهي تنظر اليها بترجي وتمسك كفيها :
والله العظيم مافيه شيء بس شنو اللي بتعلميني ؟
همست شادن بإذنها حتى لا يسمعها احد :
قبل اشوف سياف بعد ولادتي
كنت جاية لبيت خالي سلطان بتفاهم معه يفكني من سياف
وانا طالعة مريت من ورا البيت عشان مالي خلق اشوف احد بالصدفة
شفت يوسف قاعد ويكلم ويتكلم كلام غريب! الصراحة مافهمته مرة لاني تفكيري مشغول بمئة شيء غيره
ولكن كلام تقني تقريبًا وبمصطلحات بالانجليزية! طنشته ومشيت
بس بعدين لما جيت مع سياف ونمت بغرفته وانا طالعة ضمني من ورا
والله العظيم صبت عظامي ياصمود من الخوف فكرت فيه مليون فكرة يا انه حسبته وصخ وتفكيره قذر
يا انه يحسبني وحدة من خواته وما ألومه لانه ماكان يدري بوجودي
علمني وقتها خالي سلطان انه مو بوعيه وعقله على قده وكلام كثير بس عجزت اصدق !
يا اختي المرة الاول اللي شفته فيها ورب الكعبة انه اصحى مني بمليون مرة
كانت يتكلم ويتحرك بأسلوب عن مية رجال !
حتى انه يوم شافني انصدم وسكر الجوال وتلعثم
ويوم جيت بيتهم وهو مو طايقني
ولا يقرب مني واذا درى اني مع خواته يقفل عليه الغرفة
وقد زلت خالتي ترف بلسانها ان يوسف قايل لها انه يخاف مني
قلت يمكن عشانه ضمني بالغلط وشرشحه سياف
عقدت صمود حاجبيها بتعجب من القصة المعقدة :
والله انا مثلج اول ماشفته انخرعت
حتى شكيت ان خالتج ترقع له انه على قده عشان تبرر له
لين قلتي لي انتي وحاولت أتغاضى بس يوم شفته اليوم بعد كلامج فيه حلقة مفقودة بالسالفة
دخلت يدها بشعرها بلا مبالاه وهي تتأمل شذى :
حتى سياف يقول لي ان مافيه الا العافية لو تقعدين معه
بس اللي خربه دلع امي وابوي له ومعاملتهم له كأنه ياهل
ومعاملتهم تغذي هذا السلوك عنده
رفعت صمود حاجبها وهي تفكر بعمق :
تصدقين يمكن ؟ يعني يمكن صدق تفكيره اضعف من اللي بسنه
بس مو انه بالكلام اللي يقولونه عنه
يعني يقدر يتصرف مع اللي حوله طبيعي مثل عمره
هزت شادن كتوفها بحيرة :
حتى هو لاحظته يستحي من حريم اخوانه مع انه شرعًا يجوز له
بس يعصب اذا وحدة ماسترت عمره قدامه
ومايدخل لين يتنحنح واذا منتشرين بالبيت يقعد بغرفته ويقفل عليه لين يمشون
تنهدت صمود بحيرة :
غريبين حمولتج مو معقولة ولدهم تصرفاته الطبيعية اكثر من الخبلة ويعاملونه كأنه ياهل
يمرضونه ذول مايعالجونه
اخذت شادن جوالها من الطاولة عندما انآر معلنًا اشعارًا :
ترا الام والأب يفرقون عن العالم
مايناظرون ولدهم زي الناس مهما كان طيب هم مايقتنعون من خوفهم عليه
اخذت صمود جوالها ايضًا لتعقد حاجبيها متنرفزة :
ابشرك رضى عليها جوالي وفك
لفت عليهم لمى بتنهيدة :
كنت اقولكم قبل تقطعنا الزفّة ان يوسف أخرنا الله يصلحه قاعد على جواله
ومعيي يدخل ومعصب عليهم يبيهم ينتظرونه مدري وش قاعد ينتظر
ويدور ويرجع عند الباب سنة عشان يختار من يصف جمبه
اخر شيء الظاهر صلى استخارة و وقف جمب عمي عبدالله
عقدت صمود حاجبيها وهي تفكر بينها وبين نفسها
هل يعقل ان مروره من جانبها ليقف الى الكوشة بنفس الجهة الذي تستطيع ان تنظر اليه بوضوح صدفة ؟
ضحكت على نفسها من الأفكار التي أدخلتها عليها افكار شادن الهوليودية.
لتسقط عيناها بعينه وهو ينظر اليها
وبمجرد ما ان رأته لف بعنقه بقوة بعيدًا عنها!
/

\

/
عقد حاجبيه وهو يرى سيارة تشابه سيارة سائق ابيه
تقابلهم يخرجون من القرية وسيارة ذياب تدخل
آشار اليه :
هذه سيارة سواق ابوي ولا ؟
سياف وهو يرى رسالة شادن عندما التقط الأبراج :
مافيه الا سيارة ابوك ؟ بعدين وش بيجيبه وهو تعبان يالله يتحرك ؟
تنهد جلوي وهو يتبع السيارة بإنظاره ولكن الظلام الحالك، لم يستطيع ان يميز لوحة السيارة او وجه السائق
وقف ذياب سيارته امام منزل جده ، لينزل دون ان يُطفئ السيارة
ضرب الباب بكفه بقوة، ليأتيه الرد بصرخة :
قلت لك ماراح افتح لا تخليني اصرخ وألم عليك الجيران
عقد ذياب حاجبيه وهو يلف عليهم!


عقد حاجبيه وهو يسمع ما تتفوه به! هذه الأول مرة فيها يطرق الباب عليها
لماذا تهدده بأنها ستخبر أحدًا ؟ ولماذا هي منزعجة وخائفة إلى هذا الحد ؟
صرخ بحدة وكأنه يسكت الأفكار الخبيثة في دماغه باتخاذه ردة فعل وهو يضرب الباب بكلتا كفيه وبقدم رجله اليمنى يرفسه :
أفتحي الباب لأكسره !
في وقتها كان جلوي يترجل من سيارته وعيناه تتابع السيارة الخارجة من أسوار القرية لف برعب وهو يسمع صوت ذياب
وسياف الذي كان مازال يجلس في مكانه
قيدته أصوات تنبيهات الرسائل التي اندفقت على مسامعه بمجرد ارتباطها بأقرب شبكة أبراج
كان يرى الصور المرسلة له من شادن
حاول أن يتصفحها على عجل ولم يطيعه قلبه وكأن سلطته على اصابعه وبصره بغير إمرته
تبتسم للكاميرة وانا أشعر باني أفقد أتزاني من آثر تلك الأنياب والله أنها تلتهم قلبي وانا مستجيب مطيع
لوحة المفاتيح امامي
واصبعي رحب مطيع لأي حرف يكتب في إطار افتراضي يصل إليك
أبجديتي تتراقص أمامي لأختار لكِ أعذبها لأخبرك أن ثوبك المتشبث بأنانية على خصرك هو اكثرنا حظ هذه الليلة. قرأت من قبلك لنزار قباني حتى أن أتتني بلقيس قلبي أكون دارسٍ لها.
حفظت من قبلك لغادة السمان لأقرا بعينك الحب وأن أخفيتيه
وتعلمت من غسان كنفاني أن أكون حبيبًا وأن خنتيه .
سمعت لفاروق جويدة كل ليلة لأتدرب عليها في صباح اليوم التالي تحت معمعة تعليمات مديري
حللت وتمحصت أوراق أحلام مستغانمي لأكون فدائيًا في وجه مدفع غريزتك الانثوية المتقلبة بفطرتها
وهربت مني تنهيده مبتسمة من تلك الشفتين التي عثت في سجائري محاولة العثور عليك من بين نساء حضور الأغنية " محظوظة تلك التي يتغنى بها كاظم وانا الساهر وانا الذي تحت عيني مساحة حرة متلطخة بسواد عبايتك تشابه حياتي قبل ان تنامي بين ذراعي وتحت أضلعي "
وها أنا الآن اقف امامك رجلًا شرقيا بثياب حُبٍ رثة
وأبجدية صماء
بخالص الأمية وكأني لم أعرف قصيدة تغازلك , ولم أدرس ادبًا يتناولك ليشرحك
ولم أجالس المحبين وخُلدت مع المغرمين.
قويًا رجلك ليواجه جيشًا محتلا
واضعف من ان يخبرك بأنك حُلة هذه الليلة والقمر القابع فوق رأسي ما هو الا ينوب عنك بينما انتِ تراقصين أخرياتك وهو على ظهر الغيم الذين يرثونك .
آشر على الصورة الأولى لها لوحدها
ببيت شعري من قصيدة غنائية مجهولة النسب وكأنها وجدت بلا أصل لأن فتاته هي الأصل. : لك مقلة لو انك نظرت بها الى راهب قد صام لله وابتهل لأصبح مفتونا معنّى بحبك كأن لم يصم لله يوماً ، ولم يُصَل.
ليردف بسخرية : تراه كلام انبسطي فيه ولا تصدقينه
لأنه والله لو يحبك غيري لأقلع له عيونه.
سقط جواله في حضنه وهو يسمع ذياب بخوف!
نزل بخطوات سريعة ومن خلفه جلوي
لينفتح الباب بقوة على وصولهم ومن خلف الباب غزل تنظر إليه بدهشة مرعوبة لتردف بصدمة من وجوده :
أنت وش تسوي هنا ؟ وش جابك ؟
أقترب ذياب منها
ودخل جلوي وسياف من خلفه وأغلقوا الباب هامسًا بغضب :
من كان يطق الباب قبلي ؟ من مين كنتي خايفة ؟
بلعت غزل ريقها وهي تنظر إلى بقيتهم مشتتة أنظارها عن ذياب :
عامل أزعجني من اليوم يقولون انتم طالبين وأقوله ما طلبنا شيء تلقاه مضيع في البيت
قبض ذياب كفه وهو يحاول أن يسيطر على غضبه
لم تقنعه ولكن لا يريد أن يظهر أمامهم بمظهر الشكاك ويفضح نفسه عندهم أكثر بأن متأكد أن امه خائنة بدون دليل
لينفلت لسانه بلهجته الأم الثقيلة وهي من ستخفف جام غضبه. لهجتهم الرقيقة على لسانه لا تليق به الآن. وكأن جيم التأنيث كماء بارد :
وإنتي ليش بروحج ؟ ليش ما خذوج وياهم أو تموا هني معج ؟
عقدت غزل حاجبيها بغضب :
وش قالوا لك سفيه ولا بزر ما أنترك لحالي ؟
ضحك ذياب بسخرية :
لا خايف تنحاشين مرة ثانية
قاطع سياف بحدّة :
يا ذياب !
عمّ الصمت عليهم جميعًا
سياف ينظر إلى جلوي الذي يوافقه بصريا الرأي بأن ذياب لم يكن يبالغ عندما وصف غزل بل تواضع كثيرًا !
ذياب ينظره إلى السماء وكأنه ينتظر أن يشعر بأمر رباني لإرسال ملك لموت لقبض روحه والعتق من هذه الدنيا الدنيئة.
غزل تنظر إلى أي شيء عداهم
جميعهم لا يعرفون كيف يفتتحون حديثًا
الموقف صعب جدًا
تحدث جلوي :
نمشي يا ذياب ؟
قاطعه ذياب :
ما خذيت اللي جاي عشانه اذا أنا معطلكم هذه سيارتي أرجعوا
قاطعه سياف بغضب :
استح على وجهك انت وش تعطلنا ؟ ليش ماتعرف تتكلم ؟ وش أهم منك عندنا يعني ؟
أبتسم ذياب ليلف على غزل بجمود ظاهريًا. واعضاء تحترق داخليًا :
ليش أنحشتي ؟ صدقيني ما يهمني
لو كان قبل 12 سنة كان ممكن يشكل لي فارق بس الحين والله ما يهمني المهم عندي ألقى لأجوبتي أسئلة عشان اسكتها
لا تقولين أبوي وتكذبين من قبل تنحاشين وابوي مطلقك
لمرة وحدة بحياتك سوي شيء صح وهو أنك تقولين الصدق
قاطعته غزل بجدية :
ولأني ما قد سويت صح بحياتي مفروض ما تنصدمون مني
كنت بزر وتزوجت والصدق متزوجة عشان رغبات سفر وفلوس و وناسة
أبوك بالغزو سكنوا عندنا
وكنت أسمع من ابوي يقول لأمي
أن السليمان اللي مقلطينهم راعين خير ونعمة أنبسطت يوم قالوا لي أن ابوك خطبني من كثر ما أنا بزر
ماكنت أدري انهم يوم جو السعودية جو بثيابهم اللي عليهم تاركين كل حلالهم وخيرهم وراهم وعثوا فيه العسكر يعني أبوك يوم خطبني اللي معهم كان حق مهري بس !
انهبلت يوم أعرست ويوم شفت اللي أعرست عشانها ما هو موجود
انا وابوك عمرنا ما اتفقنا كنت ابي حياة وهو يبي حياة ماهو نقص في ابوك ولا فيني
بس هذا النصيب أنا وياه ما نتفق
حاولت أتحمل واقول بكرة يتعدل وضعه المادي واشبع واقدر اعطيه اللي يبي مني بس كان وضع ابوك كل يوم سيئ للأسوء
انا مو سطحية بس لكل شخص اهتماماته في الحياة
وماكانت اهتمامات ابوك تليق فيني !
صبرت عليه 17 سنة من حياة كلها مشاكل وهم وغم
وخلاص أكتفيت
ضاعت حياتي وانا احاول اساير وضعي ومافلحت
كنت أحاول اقلل مصاريف الثلاجة بأكل يكفيك انت واختك وانا بكيفه اكل اللي يبقى منكم
عشان انا ندخر من كل راتب شهر
عشان أقدر نهاية السنة اشتري فستان خاطري فيه البسه بصباح العيد !
كنت امر الصالون كل يوم من برا
بس ما أقدر أدخله لأن ابوك ما معه شيء يقدر يعطيني اياه
أقعد على عتبته ومعي دفتر وقلم من شنطتك اشوف لو قللت مصاريف البيت بيصفى شيء أقدر ادخل فيه
كنت اشوف حال عمانك كل يوم أحسن من اللي قبله
وأختي كل يوم في عز أكثر من اللي قبله
وحده أبوك بينهم فاضية جيوبه !
مو هذه الحياة اللي بغيتها يا ذياب
كل يوم مشكلة
وكل شهر فقر اكثر من الشهر اللي فات
صرت أنسانة قلقة وعصبية حتى عيالي ما أقدر احن عليهم من نفسيتي
وانا بعز شبابي ليه ؟ طلبت الطلاق
كنت ابي ابدأ صفحة جديدة من كل اللي عشته
حتى أهلي عفتهم مالي خاطر فيهم وهم اللي عشموني في خالد
والله العظيم قضيت أول سنتين أتعالج ياذياب والله أتعالج !
بعدها كملت حياتي حاولت أفتح لي مشروع ونجحت فيه وحققت لي حياةٍ كنت ابي اعيشها من زمان.
مستخسرين فيني 12 سنة اعوض فيها نفسي عن 17 سنة وهبتها من عمري لكم ؟
حتى يوم طلبت الطلاق
كنت مخططة أن مالي محل بين أهلي ومع ذلك شرطت على أبوك
ان عيالي بين أهلي وبينك لا تحرمهم منهم مهما صار
لأني ادري تحبون أهلي وتنبسطون بجمعتهم
ضحك ذياب بسخرية :
لا بصراحة خوش عذر
ابتسمت له غزل بهدوء :
انا مو قاعدة اعطيك عذر
انت سالتني وانا أعطيتك سبب.
ماراح أنتظرك تشوفه يستحق ولا لا يكفي أنا اللي عشته وشفته يستحق ولا لا مو انت اللي تقيمه لي
قاطعها ذياب بغضب :
راضية عن نفسك ؟
قاطعته غزل بغضب :
ايه وأتم الرضا ! لأني لو قعدت كنت بكون مجنونة صريحة وبطلع أنواع جنوني عليك أنت واختك واحط حرّة الظروف فيكم
وأنت أكثر واحد يا ذياب تذكرني بذيك الأيام كيف كنت
لا تتغابى وتفرغ غضبك باستحقار أعذاري
تحسبني رحت ناسيتكم يعني ؟
رح أسال ممرضات حضانة بنت أختك مين كان يوميًا بالليل ينومها
كانت تصيح من آلام بطنها ومحد حولها حتى الممرضات محقرينها وماغير يدي اللي شربتها يانسون وسهرت على رأسها
أختك يوم كانت بغيبوبتها إذا مشيت انت بداية الصبح لا تتوقع أنك تركتها لحالها
ترا كان الكرسي اللي جمب رأسها انا عليه
كفوف يدي عن علي رضي الله عنه قال :
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ألا أعلمك كلمات إذا قلتهن غفر الله لك وإن كنت مغفورًا لك ؟
قل :
لا إله إلا الله العلي العظيم ، لا إله إلا الله الحكيم الكريم ، لا إله إلا الله سبحان الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم ، الحمد لله رب العالمين.
-
طاحت وانا أصفق لك بمسيرة تخرجك ودموعي تسابق خطواتك
رح شف كم جمعية أبحاث وتجارب مشارك فيها أسمك وأدفع لهم شهريًا من اللي أقعد أتعب فيه شهر كامل وأنت ما تدري
إذا اقبلت على مؤتمر ولا وظيفة ترا ثلاثة ارباع التقدير والحفاوة لأنهم بحثوا عنك وشافوا مساهمتك اللي أنت بكبرك ماتدري عنها
والله ما كان عندي نية أنك تدري
بس عشان تدري شلون يهمني كل من على الأرض يشوفون ولدي أفضل طبيب
ما راح اعدد لك وش سويت وما سويت عشان تسامحني صح يعز علي زعلك يا ذياب
بس أدري فيك ما راح يغير في الموضوع شيء
لا تحسب أني ما جيت أخذك انت واختك بالأحضان عشان أني ما ابيكم بس مالي وجه اجيكم
ولا أقدر أجبركم علي لأني أدري مافيه شيء بيشفع لي
همس ذياب وهو يتوجه إلى الباب :
زين أنك تدرين .
/

\

/

\
كانت مستلقية على سريرها ، بجانب حصة تشاطرها السرير نايمة في سباتٍ عميق.
تنظر الى السقف متأملةً في حالها
تنهدت وهي تنظر الى ابنتها ، ستكبر بدون اخوان ولا خوات
بلا بيت يضم ام او اب
تعلم انها ليست مشكلة ، ولكن تريد لأبنتها حياة طبيعية جدًا لحياة طفلة.
غمضت عيونها وهي تذكر بيتها اللي انهد بسبب زميلتها !
زميلتها الذين هدمت بيتها ، وبيتها عامر
شتت عائلتها ، وعائلتها مُلتمة
حرمت ابنتها ابويها سويًا ، وابنها ينعم بهم
اخذ هاتفها وهي تنظر الى رقم زوج غادة
في آخر مرة حاولت ان تزور غادة من ورا قلبها لسببين اولًا تثير غيرتها بإنها تتدعي انها حامل. والثاني حتى تأخذ رقم زوجها من هاتفها
فتحت على الاستديو وهي تبحث عن صورة لغادة تصوروها في المطعم سويًا
يظهر على عنقها آثار قبلات تركي !
وجدتها ، لتلتقط الشاشة ليتضح برواز التاريخ والموقع. قصت الصورة بحيث لا يظهر الا غادة المبتسمة وتعمدت ان تترك أطراف باطن اظرافها على كتف غادة حتى تثير شكه
ارسلتها نصيًا الى زوجها الذي ينام مرابطًا على الحدود. لتكتب تعليقًا أسفل الصورة :
من واجب مواطن ينام هو واطفاله بأمان بسبب حمايتكم، ان يحمي سمعتك من خراب اخلاق زوجتك.
اغلقت عينيها لتأخذ نفسًا عميقًا ، نقرت بقوة على زر الإرسال وهذه اول خطوة جريئة اخذتها بحق نفسها من غادة !
وآتيًا يا تركي الدور خرجت ندى تاركة خلفها ثنيان وشذى وأفنان وحاتم
خلع حاتم بشته ليجلس على الكنبة ويبتسم للمصورة ليغمز لها بخفية :
تفضلي شوفي شغلك
لف ثنيان بدهشة على افنان
وهو يرى ان عمه لا نية له ان يتزحزح من مكانه
حاولت أفنان ان تبتلع ضحكتها على ملامح ثنيان
وأحراج شذى وبرود عمها. ابتسمت :
عمي حتى أنا ماشبعت من قعدتهم بس خلنا نترك المصورة تشوف شغلها
اعتدل حاتم بجلسته وهو يضع قدمًا على قدم بلا مبالاه :
لا ابدًا بالعكس
انا بستفيد لاني ناوي مشروع أستديو تصوير بحاول اخذ فكرة
ابتسمت المصورة وهي تتذكر المبلغ المالي التي زودها فيه
حتى لا تختار اي وضعية للتصوير فيها حركات لا يريدها حاتم :
لا بالعكس وجوده مناسب لاني ابغى صورة جماعية للمعاريس معه
وقف حاتم بقوة وهو يرتدي بشته مجددًا :
ابشري
دخل من بين ثنيان وشذى ليقف بينهم بإبتسامة :
صوري
ابتسم ثنيان على مضض
وهو يدعو بقلبه ان تنتهي هذه الصورة بسرعة
التقطت المصورة الصورة
لترفع راسها مجددًا :
لو سمحت ممكن تبعد عشان نصور صور حنونة اكثر
ابتسم ثنيان بقوة وهو يدفع بعمه بقوة جانبًا :
ايه صح لازم صورة حنونة عن إذنك عمي
تفضل هنا لين نصور
قاطعته المصورة :
لا عفوًا !
اقصدك انت. تعال هنا الى ان انتهي من صور العروس مع ابوها
/

\

/
اقتربت مجددًا من أمها بعد أن سلمت على ثنيان وشذى قبل أن يعيدون للتصوير بعد أن رأت الأغلبية اختفوا من حولهم همست بأذنها بوله :
يمه صحيح غزل ردّت ؟
لفت عليها أم سلطان بصدمة وهي تسمع ما تتفوه به ندى
ابتلعت ريقها وهي تحاول معها أن تبتلع دهشتها من معرفة ندى للموضوع
أتخذت من الصمت موقفًا دقائق طويلة لتردف :
وش قاعدة تقولين ؟
قاطعتها ندى بفرحة وهي تنهض من مكانها لتجلس على ركبتيها أمامها وتفرك كفيها ببعضها وعيناها دامعة :
يمه ليش للحين مابشرتوا أحد؟
ليه ما دخلت علي غزل معكم من هالباب عشان ألمها وأبرد حرة غياب السنين ونقصر عمر الحزن ونفتح للفرح باب واقول قرت عيني يا بعد كل من اللي حضر وغاب ليه ؟
بيطيح من فمي حكي أبي أصبه شوق ووله في أذنها. برد العافية لصدري اللي تعب يدور عطرها بين زوايا المطارات وجدران المحطات وفي كموم عيالها.
شهقت وهي تمسح طرف عينيها حتى لا يلطخ دمعها كحلها بحرقة مشتاق. يكاد أن يمزق فوق ثيابه لحم جلده ليقتلع من جسده ذلك القلب المتولع الذي يحرقه بضراوة. فالشوق يمارس عمله بأساليب يهودية شيطانية :
وينها أختي يا يمه وينها ؟
تملك عيني ندى الحزينة خاصية مغناطيسية جذبت معها دمع عيني أم سلطان حاولت أن تتمالك نفسها أمام ابنتها الهائجة وابئت نفسها
همست وهي تضع رأسها على عصاتها :
لا تحرقين قلبي ياندى على أختك أكثر من ماهو محروق أختك مالها رجعة من وين طرى لك هالطاري ؟
قاطعتها ندى بتأكيد :
يمه الخادمة بنفسها تقول غزل عندك بالبيت قبل طيحة أبو مقرن
هزت أم سلطان رأسها بالنفي وهي تخشى على أبنتها الأخرى الذي يفصل بينهم كيلوات الأمتار :
تتسذّب ! هي وش دراها بغزل ؟ وانتي من هبالك بأختك تصدقين حتى اللي مايدري وش أراضيه
ضربت ندى بكفوفها فخذيها بإصرار :
والله يايمه ماتكذب انتي اللي تكذبين ! تقول أسمها غزل و وصفت لي إياها أحسن من لو إني شايفتها بعيني – صرخت بحرقة وهي تضع كفيها على ركبتي أمها – لا تكذبين يمه لا تكذبين ! هي فيها شيء ؟ ليه تردينها للظلمة والعتمة وهي جت تركض لكم تدور عن نور ؟
ضربت عضد ندى بطرف عصاتها بخفة كنهي عن كلامها الغير لائق قوله
وهي تحاول أن تجد به مخرجًا عن قصة غزل :
لا تسذبين أمتس ياقليلة الحياء عشان كلام خادمة ! ما أنتي ندى بنتي اللي تحشمني قبل تفكر ترد على كلامي وتعصاني
طاري غزل بس عمل فيتس العمائل لو أنها صدز ردت لضلوعي تهقين بتلقى من سلطان نور ؟
لا تعشمين نفستس وانتي فاقدتها في غيبتها وان ردت بتفقدينها
خلي أختس ربي حافظها
لا تخلين الشيطان يجرتس على طاريها لين تجيبين أجلها تكفين ياندى خليني أموت مرتاحة ولا أشوف واحد من عيالي مدفون قبلي
قاطعتها ندى بصدمة وهي تبتلع ريقها :
خايفة يايمه عليها من سلطان ؟ مخبيتها تحت جناحك عشان سلطان ؟ حارمتنا كلنا الفرحة عشان سلطان ؟ تهقين شادن بتسامحك لا درت ؟ ولا ذ
قاطعها صوت مبتسم من خلفها :
أنا أسامح قبل أدري وش خطاها وانا اللي أتعذر منها وارتجي السموحة مو هي
ضحكت وهي تجلس بجانب جدتها لتضع رأسها على كتفها :
بس شنو الموضوع ؟
ناظرت ندى أمها بحرقة تتنهد بهمّ وتنهض من الأرض تاركتهم خلفها.
لفت أم سلطان على شادن بحنية التي لأول مرة منذ زمان الطفولة تتعامل معها بهذه الشفافية :
ياجعل ولد سلطان بالجنة. رضيتي عليه ورضيتي على الكل من بعده
قهقهت شادن وهي تذكر رسالة سياف الأخيرة لتبتسم بخجل :
الموضوع مو بس سياف يايمه
ترا بعد ماكنت انلام من اللي صار شيء طبيعي اتضايق منكم
هزت أم سلطان بندم على الايام التي لم تكن بجانبها حفيدتها :
الحمدلله أنها عدت يايمه المهم انتي بخير ومبسوطة الحين اللي راح راح
ماكان في شيء على رضانا بس حكمة ربتس يختبر عباده
همست شادن وهي تنتهد بإرتياح بعد سنوات من الهم والأبتلاء أتاها الفرج على طبق ٍأبهى من الذي أرادت ان تشبع به حزنها. اتاها على طبقًا سخيًا , ملئ قلبها وفاض حتى نمى علو جنتيها :
الحمدلله كل شيء عنده بحكمة. ما أخذ الا ليعطي وما اعطى الا ليكرم.
أخذت جوالها من حقيبتها الموضوعة على كرسيها وهي تبحث عن رقمه
اتصلت
ليجيب قبل ان يرن الهاتف بخضوع فرح :
حيّا الله أم مقرن
قاطعته ندى دون أن تجيب تحيته المحببّة على قلبها وكأن اقتران اسمه فيها ككنية غزًلا يليق بها :
وينك فيه ؟
عقد مقرن حاجبيه وهو ينزل من سيارته :
وجبت الرجاجيل وهذا أني جاي لأبوي لا يقعد لحاله
قاطعته دون أن يكمل بإستعجال وهي تذهب إلى قسم العبايات :
أخوك وينه ؟
رفع مقرن حاجبه من عجلة أمه :
كأني لمحته رايح مع سياف وذياب
بغيتي شيء يمه ؟
قاطعته ندى وهي تهم بإغلاق المكالمة :
أنتبه بس لأبوك.
لتتصل على جلوي مباشرة اتاها صوته بعد ثواني هادئًا محترما صمت ذياب :
سمي يمه ؟
مدت ندى رقمها
للعاملة الأجنبية لتأتي بعبائتها المُعلقة بأهتمام لتسلمها أفضل مما سلمتها وبأستعجال :
تعال مرّني أبيك بمشوار
ناظر جلوي الوقت المتأخر بإستغراب :
أنا توني طالع من بيت جدي
ما اتوقع بجي قبل ساعة ونص
سقطت العباءة من يدها بصدمة :
كنت في بيت جدك وش تسوي ؟ ومن شفت
صرخت دون أن تعطيه الفرصة أن يتكلم :
أرطن أخلص علي من شفت
رفع جلوي حاجبه بشك من أن امه لديها خبر عن خالته غزل
اجابها لينفي كل شكوكها. أن لم يأتيها الخبر لا يريد أن ياتيها منه ليجيب بكذب :
ايه كنت هناك مع العيال تكينا هناك شوي ومشينا الحين ندور عشاء
قاطعته ندى من طول إجابته التي لا تحتوي جزءًا تريده :
متأكد ماشفت أحد ؟ وطولت هناك ولا طلعت على طول ؟ ومشيت بالبيت ولا قاعد لين من دخلت الى طلعت ؟
قاطعها جلوي بدهشة :
يمه شوي شوي عشان أعرف أرد عليك
ايه لفيت بالبيت أدور شاحن وتكيت بالمطبخ اشوف لي شيء أكله ومريت على غرفة جداني أتاكد من علاجاتهم على طريقي. متاكد البيت مافيه أحد حتى يوم جينا كل شيء مقفل
حتى أنه سياف نط وفتح لنا الباب
لف عليه سياف بدهشة :
نصاب !
مسك جلوي فمه بيده بسرعة وهو يأشر له بالصمت
أغلقت امه الجوال في وجه بقهر وهي ترى أن امها ثبت كلامها وكذبت الخدامة !
ادخل جلوي جيبه في جواله بتنهيدة :
امي شكل عندها خبر
كانت تبيني أجيبها هنا عشان تشوفها بس أكدت لها أن مافيه أحد
همس ذياب :
ليه ؟ كان علمتهم بدل ماهي موسعة صدرها تسرح وتمرح
تنهد سياف :
أنت ماتاثرت من كلامها ؟
تراها زي ماهي مخطئة كلامها فيه من الصحة
ترا الزواج اذا كان فاشل يدمر حياتك مو بس نفسيتك حتى تفكيرك تصير تسوي أشياء ماكنت فيه عمرك تتخيل تسويها خصوصا في مجتمعنا الطلاق عندنا عيب وشق جيب ! تلقاها تتطلق ولا ترتاح من كلام الناس
تعيش بهم طول عمرها وكأن الطلاق لعنة مو شرع ربي
ماراح ألومك لأنك ماجربت تعيش تجربة زواج فاشل بس بحاول أفتح عيونك
أن زواجك اذا كان فاشل كل القرارات اللي تتأخذها تحت تأثيره انت أكثر واحد تتأذى منها لأنك ماتأذي نفسك وبس
تأذي حتى اللي حولك وانت تدري بس مابيدك حيلة شلون لو صار الناس يحاسبونك عليها ؟
قاطعه جلوي بغضب وهو يتقدم بصدره :
ممكن أفهم ليش متعاطف معها ؟
قاطعه سياف وهو يلف إليه بغضب أكبر :
لأني عشت شعورها
أعرف أنك متزوج عشان تعيش بحفرة من الجحيم بدال ماتعيش الحياة اللي كنت تحلم بها
انك تتخيل شيء وتنصدم بالواقع
تحس بخذلان من كل الاطراف من حياتك من أهلك من حظك وتحمل ضغينة لهم كلهم
وتحاول تأذيهم عشان يرأفون فيك بس تكتشف أنك تأّذي نفسك
ثلاثة ارباع أخطاء حياتي تحت تأثير تجربة زواج سيء
وللأسف ما كان زواج واحد كان زواجين وكل واحد فيهم آثر على الثاني
انا اكثر واحد واقف معها لأني عشت مثل موقفها
ما أقدر الومها وانا بيوم من الايام كنت زيها و واقف محلها وانتظركم زي ماهي تنتظركم تسامحونها
شعر بأختناق من تدافع الكلمات المنهمرة على مسامع جلوي
ليتوقف ويأخذ نفس عميق ولكن شيئًا أكبر يدك صدره لا يستطيع أن يتخلص منها
غمض عيونه يحاول ان يتنفس لعل استرداد نفسه، يعيد اليه صحته ولكن لا فائدة
أخرج من جيبه علبة سجائره ليخرج واحدة على أستعجال دون أن يغلق العلبة وتتناثر أخرياتها في حضنه
تحسس جيوبه باحثًا بفوضوية سريعة عن ولاعته. وجدها بجيبه الأيمن ليأخذها ويشعل سيجارته ويستنشقها بإندفاع وكأنه يفرغ معاقبًا غضبه وقهره بهذه الحركة
أستنشق تبغ سيجارته بكل ماؤتيا من قوة
حتى أنه كاد ان يلفظ صدره من طريقته الخاطئة
سقطت سيجارته من يده على فخذه
لم يشعر باحتراق ثوبه وطرفًا من فخذه. الحياة عنده الآن اغلى من ندبة تخلفها سيجارة
ضرب بكفيه صدره بقوة لينتبهون له وهو يكح بقوة
يحاول أن يتعارك مع مجرى النفس ليتنفس ولكن تأبى شعبه الهوائية أن تمده وكأنها تعاقبه
افلت ذياب المقود من يده وهو يلف عليه بخوف من وجهه سياف الذي تحول الى اللون الأسود ليضرب ظهره بقوة بصوت مرتفع يحاول به أن يسمعه سياف تحت تأثيرات كحته :
سييييييييييييييياف تنفس زين مو كذا
قاطعه جلوي وهو يتقدم بجسده كامل للأمام، وهو يحاول ان يصلب قامة سياف بهدوء رغم خوفه وبصوت متزن مرتفع، اكثر من ارتفاع صوت ذياب :
انت تسده ياسياف بدال ما تساعد نفسك
لا تنحني ، ايوه تعدل وتنفس بهدوء بتقدر بس بهدوء أنت تخوف نفسك ماراح تقدر
بالبداية بتحس انك تنكتم اكثر بس ماعليك أصلب وبترتاح
أتبع سياف تعليمات جلوي ببطئ وهو يشعر بمغادرة الروح جسده.
ليلتقط أنفاسه رويدًا رويدًا فتح عيونه ببطئ وهو ينظر الى وجوههم بجانبه وتسقط عيناه على الجانب الاخر ليصرخ صرخة سحبت كل أنفاسه مرة أخرى :
ذيييييييييييييييييييااااا اااااب السيييييييييييييييااااااا اارة
لفّ كلًا من ذياب وجلوي بإتجاه الذي يشير اليه سياف بعيونه
دفع بكفيه جلوي ليعود الى الخلف ويتمالك السيطرة على مقود السيارة
ولكن ذياب كان أسرع منه منذ ان صرخ وهو ممسك بكلتا كفيه بالمقود
عقد ذياب حاجبيه وهو يبحث بعينيه امامه
وينظر بالمرايا خلفه لا يوجد شيء !
همس جلوي وهو يراقب الطريق الخالي من اي مركبة، لا من خلفهم ولا من امامهم :
سياف مافيه سيارة !
بلع سياف ريقه بدهشة وهو ينظر معهم، الطريق مازال خالي الا من سيارة ذياب الذي يمشي بسرعة هادئة :
كانت فيه سيارة مقابلتنا من المسار الثاني
دخلت علينا منه
رفع ذياب حاجبه وهو ينظر اليه :
طيب وينها ؟ ناظر سياف مافيه شيء حولنا !
حتى قبل شوي عيني كانت عليك وعلى الطريق مافيه شيء مرّ
قاطعه سياف بغضب وكأنهم يكذبونه وهو رأها :
كانت مسرعة اكيد امداها تعدتنا واختفت
تلاقت عيني ذياب وجلوي بشكّ من رؤية سياف لشيءٍ غير موجود !
عاد ذياب ببصره تجاه الطريق وهو يفكر بحالة سياف ، وكأنّا شكٍ بداخله تيقن /

\

/

معتكفًا بين كراسي المكتبة المركزية، على اوراقه وكتبه يقرأ أحدث مقال نشر في " انتقال المعادن في الكيمياء الجزيئية "
يحاول ان ينجز مافاته في الايام السابقة بدايةً من قصة ريناد الى دخولها المستشفى. تنهد وهو يفرك بطرف سبابته عينيه المرهقة من القراءة من شاشة جهازه اللوحي
يجلس بجانبه فيصل صديق الغربة، لم يفارقه دراسيًا منذ ان اتى حتى عندما أنهى دراسته
خفض الإضاءة ، وتركه جانبًا وأخذ كتابًا يتكلم عن اساسيات العلوم المركزية ويقصد بها الكيمياء.
شعر بإهتزاز هاتفه في جيبه
تجاهله المرة الآولى، ليرن مجددًا المرة الثانية
تنهد بغضب من الذي يحاول ان يشتت تركيزه
وأخذ الهاتف من جيبه دون ان يقرأ الاسم :
نعم ؟
ابتسمت وهي تبعد السماعة عن إذنها بضحكة :
ياساتر ياساتر بسم الله
ابتسم كسار بسخرية وهو يسمع صوتها :
يعني انتي حتى لو تركتك ماتتركيني ؟
رفع ريناد حاجبها بإستنكار :
لا عاد لحد يسمعك يحسب اني مرة ميتة عليك
قاطعها كسار بغرور وهو يقلب صفحات الكتاب :
واضح من دون ماتعترفين
تأففت ريناد لتردف بجدية :
انت يوم تجيني البيت لما كنت طايحة وش كنت تبغى ؟
ضرب كسار جبينه بطرف كفه بدهشة وهو يغلق عينيه :
نسيييييت ! الله يقلع ابليس نساني وش كنت ابغى
تنهد وهو يرى الساعة الآن بالسعودية، تسبقهم بساعة الى ساعتين تقريبًا :
كان سياف مكلمني يبغى شادن تكلمك ، وأنتي ماتردين عليها
يحسبون فيك شيء جيت بخليك تكلمين سياف من جوالي عشان تكلمينها عاد وصار اللي صار ونسيته وهو معد ذكرني
آمالت ريناد طرف شفتها :
امم طيب انا ماعندي رقمه كيف بحاكيها ؟
قاطعها جسار بسخرية :
دقي عليها بلا غباء هم كانوا يحسبونك زعلانة بس صرتي راضية ياسنيوريتا دقي عليها وفكينا
قاطعته ريناد بجدية :
انت وش في أخلاقك تجارية ؟ تحسسني اني مشغلتك دايمًا وماخذة اثمن دقايق وقتك ؟
هز جسار راسه بإيجاب وهو يستند على الكرسي :
والله انتي فعلًا ماخذة اثمن وقتي ، تدرين اني ادرس وقاعدة تشغليني ؟
تنهدت ريناد وهي تقف، غمضت عيناها وهي تستجمع انفاسها :
طيب انا اسفة ماكنت ادري ، مع الس
قاطعها كسار قبل ان تودعه :
طيب انتي وش فيك حساسة ؟ وكل كلمة والثانية تزعلك ؟
جلست ريناد على اول كرسي قابلها :
انا مو زعلانة ، بس خلاص وش تبغاني اقول ؟ عرفت ليش جيتني ذاك اليوم وقلت لي انك تدرس ما ابغى أضيع وقتك وانا فعلًا ماعندي شيء
حك كسار طرف دقنه وهو عاقدًا حاجبيه بخبث :
تقولين لي ماعندك شيء اجل ؟
أومت ريناد رأسها ، لتنفلت من شفتيها صوتًا اردف الإيماء وكانه تؤكده
وضع ذراعه خلف عنقه وهو يستند عليه :
تعالي المكتبة عاونيني اجل ، عوضيني عن الايام اللي ضيعتيها لي بالمستشفى والدقائق اللي ضيعتها لي الحين تسولفين لي فيها
لفت ريناد برأسها للخلف وهي تنظر للمكتبة القريبة من موقعها :
المركزية ؟
قلدّها كسار بإصدار صوت الإيماءة
ضحكت وهي تفهم انه يقلدها ، لتكمل بإبتسامة طريقها نحو المكتبة :
بشرط ؟
ابتسم كسار وهو يهمّ بالإغلاق :
تعالي ياعمتي بعدين تشرطي
اغلق الهاتف وهو يضعه جانبًا ، انتبه الى عيني فيصل التي تنظر اليه بإستغراب
ابتسم كسار له :
وش فيك ؟
بادله فيصل الإبتسامة الهادئة :
سلامتك ، بس مستغرب اول مرة من جينا اشوفك محتك بأحد وبنت بعد !
ليردف بسخرية :
انت طيّب ولا مسخن ؟
هز كسار كتفيه بلا مبالاه :
مو احد غريب ، ريناد ماغيرها
اعتدل فيصل بجلسته وهو ينظر اليه بملامح خالية من التعابير :
نعم ! ريناد الكسار ؟
هز كسار رأسه بإيجاب متستغربًا
ليردف فيصل :
هي مارجعت السعودية ؟
هز كسار رأسه بالرفض ، ليعيد النظر الى كتابه بلا مبالاه
قاطعه حبل أفكاره الذي ربط بدايته في دماغه ونهايته في رقم الصفحة. صوت ريناد امامه :
ياساتر وش فيضان الكتب هذا ؟
بلعت ريقها وهي تنظر ان شخصًا آخر بصحبة كسار!
وليس اي شخص ، بل فيصل !
ابتسم فيصل بإبتسامة ذات معنى لاذع ، ليست ابتسامة سلام وكأنها كرة يرمي بها ريناد :
ماشاء الله مادريت ان لكسار اصحاب ، ومو اي اصحاب ريناد بعد !
قاطعته ريناد وهي تحاول ان توضح لفيصل حتى لا يفهمها بصورة خاطئة :
كسار قريبي ، وكان معنا يوم جوا اهلي حفل التخرج. وكنت مريضة قبل كم يوم وماقصر معي وطمن اختي و و
تلعثمت وهي لا تدري كيف تكمل ، للتو شعرت بسخافة علاقتها مع كسار ولكن مجبرة !
قاطعها فيصل وهو يهم بجمع اغراضه ، بلا مبالاه مصطنعة :
زين مع السلامة
ذهب بعيدًا تاركًا ريناد خلفه تتبعه بنظراتها الى ان غادر من البوابة
لفت لتجد كسار ينظر اليها بنظرة مستنكرة، مشككة، شبه غاضبة
عجزت ان تفهمها :
وانتي ليش شايلة همه وتبررين له ؟
تنهدت ريناد وهي تجلس بجانبه بعفوية :
فيصل كان زميلي لمدة خمس سنوات ياكسار فجاءة يتغير علي
حتى بتخرجي ماقال لي مبروك مستوعب كيف ماقال لي مبروك ؟
وهو يحب ابوي مرة ، وابوي يموت فيه لان يعرف خواله ولهم مشاريع مشتركة وأخلاقهم ماعليهم
ماجاء يسلم عليه ولا كأنه يشوفه
والحين يوم شافني كأنه مقروص ، نغزني وراح
رفع كسار حاجبه :
نغزك بإيش ؟
اردفت ريناد بعفوية كادت ان تسقط على رأسها :
اني صرت زميلة لك بعد
وانت من قبل ماتعجبني وإني شلون تنازلت عن مبادئي وتركت اصدقاء العمر وجلست مع واحد ماكان يناسبني
ضحك كسار بسخرية وهو يجمع اغراضه :
ماشاء الله على السطحية ، ربي جمع و وفق
ماقد عرفت فيصل بهالإنحطاط الفكري. يوم جاء معك صار انسان ثاني انا اقول راجعي نفسك
قاطعته ريناد بغضب :
سليط !
رفع راسه لها من كومة اغراضه بإستغراب :
ايش ؟
صرخت ريناد في وجهه وهي تقف :
سليط ! اول اقول لسانك سليط، صرت بكبرك متسلط
انت تكرهني ولا ادري ليش تكرهني ولا يهمني
عشان اول موقف صار بينا ؟ انت ماقصرت فينا لليوم ادفع ثمن هذا اليوم
عشاني بكاية ودلوعة ؟ هذه شخصيتي ولا لك حق تقلل من قدري عشان رايك فيني وبشخصيتي، ولازم اتغير عشان تقدر تحترمني كأي انسان اخر
المصيبة اني حاولت أجاريك، صرت أكابر دموعي عشان ما ابكي قدامك واضايقك وهذا الشيء يذبحني
حاولت أتقبل بذاءة لسانك و وقاحة اسلوبك، واقول هذه شخصيته واذا ابيه يرضى فيني زي ما انا ابي ارضى فيه زي ما هو بس ما اشوف هذا الشيء ينفع فيك الا كل يوم تعاملني اسوء من اللي قبله
المرة الاولى اللي حاولت فيها أتقدم معك خطوة للأمام ، عشان ما ارجع السعودية وتنتهي علاقتنا وماتذكرني الا بالخير
فتحت لك فيها قلبي. فضفضت لك عن همّ وليد اللحظة وش قابلتني فيه ؟ خليتني انا الغلط وكل الناس صح بس انا البلوة وانا السبب بكل اللي قاعد يصير
لما جاء طليق رغد شقتي وهي اللي كاذبة عليه، خليتني انا قليلة الشرف اللي مدخلة رجال بيتي
لما تورطت بهذه العصابة القذرة، خليتني انا السبب اني استفزيتك ولا انت بريئ ماسويت شيء بس ريناد هي السبب بكل شيء
لما اعجبتك شخصية اخوي مقرن، ماكفاك تبدي إعجابك الا لما تجرحني بإني حرام اكون اخته
لما فيصل قلبّ علي عشان تعاملي معك، انت خليتني انا السبب في استخراج اسوء مافي فيصل
انت مو شاطر في شيء !
انت بس شاطر تجرحني والله تجرحني
سقطت على الكرسي من خلفها وهي تبكي بحرّقة لم تهتم بما كان يريد عندما حملها للمستشفى، كانت تريد ان تسمع صوته
كانت خايفة من فيصل ان عرف انها اصبحت زميلة لكسار اكثر من قريبة، ان يخبره يفرق بينهم حتى لا تفشله معه اكثر
أخبرته انه كسار قريبها حتى يفقد الأمل بتفريقهم.
يالله انت خلقت هذا الرجل المتجبر امامي من طينٍ ام من حجر ؟
جلس بثقل جسده على بطة ساقه بهدوء امامها، اخرج من جيبه منديلًا هامسًا :
ريناد
لم تجيب ولم تكف عن ذلك النحيب ، او تكشف عن وجهها المختبئ خلف كفيها.
تنهد وهو يمد كفه حتى يبعد كفيها عن عينها، لم يترك كفها. مازال كفها في حضن كفه وهو قابضًا برقة عليه.
مسح بطرف المنديل دمع عينيها ، وهو يهمس :
انتي اللي تكرهين بكيك مو أنا
تكرهين دلعك لانه تشوفينه يضعفك قدامي لا تتعلثين فيني وتظلميني
انا احب فيك اللي ماتحبينه !
فتحت عيناها بدهشة وهي تسمع اعترافًا صريحًا من شفتي كسار!
همس وهو يشير الى الباب الذي خلفه من دون ان يراه :
اقدر اطلع من هالباب وأروح السفارة ويتدبرون موضوع العصابة، بس لو فكوني منهم شلون بشوفك مرة ثانية ؟
لما جاء طليق الخسيسة شقتك، كنت ابي أحرِّك دمك تطردينه لان دمي يفور ولا بيدي شيء وهو قاعد ورا باب مسكر معك
لما قلب فيصلوه عليك، غبنتيني! تهمك كلمة مبروك من لسانه بس ما اشوف همك هديةٍ تعنيت فيها لك ولا هي بقدرك
ابتسم وهو يمد أطراف اصابعه القابضة على كفها ، ويبعد طرف المعطف عن معصمها لتنكشف الأسوارة الذي أهداها اياه بتخرجها :
بس مادريت انها على يدك.
انا ما اجرحك ، انا أقاوم نفسي اخضع لك
وقف وهو يشير الى نفسه بجديّة :
معي شهادة جامعية بكالوريس والآن احضر للماجستير
اغلق الكتاب الذي كان منهمكًا في قرائته :
أكلمك وانا محاصر بخمس كتب
سحب جهازه اللوحي وهو يرميه امامه :
وتحت قبضة مئة مقال !
وللحين ما اعرف شلون اتعامل مع امرأة احبها
حتى الحب ما اعرف عنه الا اسمه، ماقريته في كتبي ولا أسهبوا فيه بمقالاتي وما تضمن اجتيازه حصولي على شهادتي
بس مالقيت تبرير للفوضى اللي تعم صدري بحضورك الا هو !
اغلق عيناه وهو يبتلع ريقه، يراها تنظر اليه بدهشة رغم ان ملامحها بلا تعابير واضحة غير شفتيٍ منفرجة عن بعضهما تريد ان تشهق / تتكلم ويعيد كلماتها دفع لسانها
همس وهو يحاول ان يبرر اندفاع مشاعره المفاجئ، غيرته من فيصل لم تتركه يحسّن التصرف. برر بما بررّ به بيسوا لحبيبته :
" لست متأكداً أنني أروق لكِ ، ولهذا السبب أقول لكِ "
وضع يده على قلبه وهو يشعر به يخفق بقوة، كجيوش معبوطة ‏" هذا الذي ماحركته أميرة بين النساء وإستطاعت امرأة بسيطة شرقية وفاتنة مثلها أن تلفته


هاجر جوده غير متواجد حالياً  
التوقيع
"وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم." ❤




رد مع اقتباس
قديم 04-04-20, 01:56 AM   #39

هاجر جوده

مشرفة منتدى الروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية هاجر جوده

? العضوٌ??? » 402726
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,915
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي tunis
?  نُقآطِيْ » هاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond repute
افتراضي

ألتزم الصمت، بمثل ما التزم هي به.
لا شيء يشغل مصدر ضجيج في هذه المحادثة حاليًا الا صوت انفاس كسار المضطربة، وصوت اصابع ريناد التي تفرك بأطرافها ركبتها من فوق البنطلون.
وقف كسار وهو يرجح الانسحاب من هذا الموقف الذي لم يتخيل ان يعيشه بحياته قط. وكأن لعنة باريس مدينة العاشقين، حلت عليه
لا يخرج منها وإلا ورُبط قلبه في أصفاد فتاة. وان كان رجلًا شرقيا، لا يهزم، لا يخضع، لا يحب.
هزم امام رِقتها، خضع امام دمعتها، حبّها بكل جوارحها.
والله لو كانت انثى غيرها، لما كان قلبه رهن قبضتها.
ولكن هذه ريناد ؟ وهل يجدها في المعاجم ؟ او تعرفها دواوين الحب ؟ او رصدتها أزقة الحياة لصةٍ للعواطف ؟
والله ماوجدتها انثى عادية، وجدتها وطنًا وانا اللاجئ. وجدتها " رقةٌ كالماء تجري وفتنةً للحب تغري ".
عزفت مبادئي عن استلطاف اقوى النساء وسيرتهم على مسامعي، وخرّت جيوشي مهزومة عند انثى رقيقة كقصبٍ يسهل كسرها.
استطاع لسانه أخبارها بما قال بيسوا، لانه اجنبي قلوبهم رهيفة تجاه الحب. وكأنه يقويه.
ولم يستطع ان يخبرها بما قال مساعد الرشيدي لانه شرقي، مغرورًا حد النخاع، متعجرفًا امام أنثاه، صامتًا عن كركبة فؤاده. تظنه يكره دمعها وهو يكره ان يراها تبكي! : " عبرتك منديلها قلبي وكمي ، ضحكتك نبض العروق ودمها ".
تظنه يتلذذ بجرحها، ويجعل من دمها في قدحًا يشرب على شرفه نخبًا وهو الذي برر له مساعد اسبابه : " لا تشتكين اللوم وانا هنا، انا هنا لاجل ما يلحقك لوم "
تظنه متعجرفًا، مغرورا، وانا الذي لم اكون قبلك املك ما أغتر به : " أحد ربي يحطك له حبيب ومايجيه غرور ؟ انا ليه التفت للناس وعيونك جماهيري "
كلماتك يامساعد، اثقل من ان يلفظها لساني. ليتك غربيًا مهووسًا تملك مخزونًا بالحب ضئيًلا ، ردئيًا يستطيع غروري لفظه امامها.
ولا شرقيًا جامحًا تملك قلمًا كعصا موسى، تكبل لساني ان يتفوه بدواوينك امامها.
رحمك الله في قبرٍك ، ورحم الله قلبي المكلوم خلف أسوار ضلوعي.
همّ بلمّ اغراضه من تلك الطاولة، تاركًا مشاعرها مبعثرة عند مواطئ قدمها.
خرج من الباب وقلبه مازال متشبثًا بطرف الأسوارة النائمة على معصمها.
/

\

/

\
تنظر الى كل شيءٍ من حولها، قد وضع بإتقان او عيناها لا تراه الا بالكمال.
المكاتب الخشبية التي وضعت بجانب بعضها البعض للمتدربين، على اليمين
النبتين التي وضعت على جانبين باب المصعد لتضيف حياةً للدور
وأمامها باب زجاجي ضخم يحمل أعلاه :
المحامي : فهد بن سلوم الفهد.
وعلى يسارها مكاتب خاصة زجاجية، مكشوفة وعلى كل باب يردف اسمًا
في نهايتهم الباب الاخير، مكتب مُغلق لا يحمل اسمًا.
همست وهاد وهي تمسك بكف لدن بتمني، تنظر اليه :
قولي امين! يارب السنة ماتدور الا وهالباب عليه اسمي
ابتسمت لدن وهي تتثاوب بنعاس، اليوم اول يوم تطبيق لوهاد في شركة المحاماة التي حلمت فيها منذ ان كانت طالبة رهينةُ في أسوار الثانوية العامة. تأخرت عن تحقيق حلمها كثيرًا بسبب تدني درجاتها واستطاعت اليوم ان تخطو العتبة الاولى من هذه الشركة :
اذا كان فيها خيرة ، ان شاء الله
قاطعتها وهاد بنفيٍ :
بخيرها وشرها ابغاها يا لدن
عقدت لدن حاجبيها بغضب :
استغفري ! لا يجيك منها شرٍ تتمنين العتق من هذه الشركة وبس
تجاهلت وهاد حديث لدن الغير محبب الى قلبها وهي تتأمل الشركة مجددًا، سياسة فهد في استقبال التطبيق تقتضي في مقابلة كل طالبة بمفردها مع ملفها. وكأنه عقد وظيفي لا تدريبي
اردفت لدن بتعب وهي تضع راسها على كتف وهاد :
انتي عندك دوام انا جاية معك وجايبة ملفي بعد ليه ؟
تنهدت وهاد وهي تنظر اليه بغضب :
يا اختي جمبنا مستوصف اهلي، قدمي يمكن يحتاجون أخصائية أشعة
همست وهاد وهي تقف :
انا احس اني متوترة ، بروح اغسل وجهي وبرجع قبل يجي
ذهبت وهاد منذ اليسار تجاه دورات المياه
لينفتح باب المصعد منذ المنتصف، متنحي جزءًا لليمين والآخر لليسار
يخرج من بينهم رجلٌ طويل القامة، عريض المنكبين، يكاد خيوط ثوبه الأسود ان تنفلت من زنده. يرمي بطرف غترته باللون السكري خلف رأسه وهو ينظر بإستغراب الى تلك الأنثى الجالسة بتمائل تنظر الى اسمه بملل على الكرسي المقابل مكتبه في هذا الوقت المبكر!
لم يصل أحدًا الى الشركة بعد
اقترب منها وهو يرأ ملفًا في حضنها :
عطيني
رفعت لدن رأسها بإستنكار :
شنو ؟
ابتسم فهد وهو يرى النعاس يكاد ان يشد جفنيها للأسفل :
ملفك
مدته بإستغراب له، ومن طلبه الغريب
اخذ نظرة سريعة لتسقط عيناه على الدورات وجد مايقارب ظ¢ظ¤ دورة بأغلب المجالات : دورة إسعافات أولية، نظام الجودة في المختبرات، الرعاية الصحية لذوي الاحتياجات الخاصة، نظام العمل في قسم الأشعة ، مهارات التواصل الفعال
توقف وهو ينتقل الى الخبرة، ولم يجد امامها شيئًا!
اردف وهو يعيد اليها ملفها :
ملفك رائع، عندك ساعات تطوعية في سجلك المهاري ، وعندك دورات ممتازة بتخصصك او غيره. ومعدلك امتياز
تنقصك خبرة والأفضل ماتتركينه فاضي، وتحاولين تتملقين شوي " اطمح ان اطور نفسي في العمل في شركة رائعة، ناجحة، وجودي فيها يضيف لي الكثير للتعلم .. ألخ "
وثانيًا كيفية احترام المكان اللي انتي فيه واولها تغيرين القعدة اللي قاعدة لي اياها.
وثالثًا دورة في قراءة العناوين الرئيسيّة لان لك ساعة تناظرين في الباب وما اكتشفتي ان جاية شركة محاماة وليس مستشفى
ناظرته لدن بهدوء لتبتسم :
شكرًا لك، من ذوقك بأخذهم بعين الأعتبار
ان شاء الله
الا شفت انه محامي مو دكتور، العتب مو على النظر
العتب عليك ماعرفت وش حاجتي هنا.
ابتلع ريقه وهو يرأها مازالت متزنة، هادئة، امام استفزازه لها بقلة التهذب في اسلوبه :
عفوًا ، المعذرة منك بس شفتك تنتظرين ومعك ملفك واليوم عندنا استقبال طالبات تدريب. فظنيت انك مضيعة
هزت راسها بالنفي. وعادت بإنظارها بكل ارجاء المكان بإستثناءه
تقدم الى مكتبه ليشعر بحركة من وراه
لف ليجد انثى اخر طبق الأصل من الجالسة بملل خلفه!
أقتربت منها وهي تأخذ من حقيبتها مرطب، بعد ماجففت يديها
خرجت السكرتيرة من خلفه ، من المصعد لتقترب منه بعجلة وهي تدخل المكتب :
متى يا أستاذ تبدأ تستقبلهم ؟ لأني اتوقع فيه طالبتين الآن موجودين
جلس فهد على الكرسي ، بعد ما أخذ قارورة الماء من ثلاجته الصغيرة :
اشوفهم ياريما، خمس دقايق ارتب فيها وضعي وخلي وحدة منهم تدخل
مرت تلك الدقائق سريعة، ليسمع ضربات على الباب لينفتح الباب وتدخل من خلفه وهاد بإبتسامة متوترة :
السلام عليكم
عقد فهد حاجبيه بتعجب! متى اذن لها بالدخول حتى تتقدم تجلس امامه ؟
تنهد وهو يتجاهلها، ويرد السلام :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اردف وهو يضع يده تحت دقنه :
صوتي واضح ؟
هزت وهاد رأسها بإيجاب، ليردف بتعقيب :
حلو ، طيب سمعتيني سمحت لك تدخلين ؟
هزت وهاد رأسها بالرفض!
ابتسم فهد وهو يستند :
طيب شلون قعدتي قدامي ؟
بلعت وهاد ريقها وهي تشعر بإنه رفع مستوى الأدرينالين في جسدها، حتى باتت تشعر انه يسمع صوت ضربات قلبها
رمشت رمشتين متتالية / قلقة من بدايتها السيئة معه :
اسفة
هز راسه وهو يأخذ ملفها من على الطاولة، بدأ بأسمها " وهاد بنت سلطان الجامح "
الجامح! وقع تلك العائلة على مسامعه ليس طيبًا او غريبًا
يعرف تلك العائلة جيدًا، وهو كرته الرابح في قضية من قضاياه
اغلق الملف وهو يضعه جانبًا :
شحيح ملفك يا آنسة وهاد ، شحيح جدًا!
ماعندك الا دورتين وإلكترونية بعد وماتتعدى ساعتين وماعندك ساعات تطوعية، ولا شايف شيء ثاني بالملف يملأه غير اسمك
بلعت وهاد ريقها وهي تحاول ان تبرر :
لاني طالبة ، وقتي كله رهن الدراسة
ابتسم فهد بسخرية وهو يقرأ معدلها مرة اخرى :
ياوهاد حتى معدلك ضعيف الى درجة اقدر اقول انه سيئ. يعني وقتك ما استفدتي منه شيء
لا درستي ولا خدمتي نفسك
وفوق هذا متأخرة كم ترم عن اقرانك
عطيني شيء واحد يأهلك تكونين عندي محامية ؟ وأتأمل فيك نجاح يضيف الى نفسك قبل شركتنا
غمضت وهاد عيونها بتوتر وهي تجاوب بصدق :
ان هذه الشركة هي طموحي
ضحك فهد بسخرية :
بس الطموح مو كل شيء اذا ماسعيتي عشانه
قاطعته وهاد
وهي تحاول أن تنقذ نفسها من شماتة فهد ليست بلسا مُكبل حتى تستمع لحقيقتها من فم فهد مزدريًا وتصمت :
أنا ممكن فاشلة دراسيًا بس معناها أنا ماشفت نفسي في الدراسة النظرية
أنا أشوف نفسي في الدراسة الميدانية
أنا مكاني كرسي أمام القاضي أمتحن معلوماتي
مو كرسي أختبار في قاعة جامعية تسمع اجاباتي ورقة
أبتسم فهد وهو يعيد بظهره إلى كرسيه المكتبي ليستند :
وهاد وش تقرب لك الطبيبة الجوهرة الجامح ؟
عقدت وهاد حاجبيها بدهشة من طاري الجوهرة! لتردف بإستنكار :
بنت أخوي
وأشر بطرف إبهامه وهو عاقدًا بقية اصابعه على باطن كفيه هامسا :
واللي معك برا ؟
رفعت وهاد حاجبيها :
أختي التؤام
عقد فهد حاجبيه
وضوّق عيناه ووضع كفه تحت دقنه وظل دقيقة يتأمل فيها وهاد ليردف بعدها بهدوء بعد أن زعزع آمانها :
أول ماقريت أسمك دعيت بكل جوارحي طامعًا بالإجابة بأنك ما تكونين تشبهين الجوهرة
غبية في حق تصرفاتها وكرت رابح للخصم !
وماتأخذين ملامحك من أختك وتكتفين
لو خذيتي سعيها لمستقبلها بعد كان مانقصك شيء وأحتمال من الآن أحنا نطلبك توقعين معنا عقد وظيفي
زفر نفسًا عميقا وهو يغلق ملفها ويعيده بإبتسامة :
دام طموحك شركتنا فأنتي وصلتي
ما أقدر أردك بالحقيقة ولكن للأسف بتكونين رهينة الأعمال الورقية
أنتي قلتي لي طموحي الشركة
وليس العمل ميدانيًا مع فريق الشركة عشان ما تأخذين موقف سلبي ضدّي
تفضلي ملفك ياوهاد
وخلك مع ريما تدلك
أخذت وهاد ملفها من بين كفيه
بكفيها المرتعشة
تستطيع أن تسمع صوت أحلامها تنحر تحت قدميها, تشعر برطوبة دمائها تتناثر متطايرة على خديها, تشتم رائحة جثة.
هذه أحلامها / طموحاتها
تحملت في سبيلها أيام كثيرة.
وأستسهلت أمامها الصعاب وطوت مسافات كثيرة.
رفعت رأسها بقوة تجاه فهد
تريد أن تقتلع تلك النظرة الساخرة من عيناه :
وين طريق الوصول لطموحي ؟
ناظرها فهد بجدية ليردف :
المسافة مابين طموحك والواقع ياوهاد أنك تفعلين
الطموح دايمًا لوحده مايكفي !
خليني أشوف منك شيء يشرف وانا بنفسي اللي بهيئ لك الفرص بس خليني أشوف شيء غير اللي شفته بملفك
أخذت وهاد ملفها
وهي تتوجه إلى الباب مسكت مقبضه ليردف فهد بهدوء :
وهاد خذيها نصيحة بيومك الأول
المحامي فارس الكلمة !
نربح ثلاثة ارباع قضايانا من الكلمة
يقولون كلمة عشان يستعطفونا أو يبررون موقفهم ونربح فيها القضية وأسالي الجوهرة تراها خير مثال
إذا ماتقدرين تنتقين كلامك
لدرجة أن تتعب خصمك يلقى عذاريبك بتكون محامي مو صعب ولكن غير ناجح
كلنا نقدر نوصل بس مو كلنا نقدر نكمل
انتي من قعدتي في هذه الخمس دقائق قدرت في كل جملة تقولينها أقلب الطاولة عليك
بس أنا ماراح أستخدم حيلي على موظفي المقابلة هذه وان كانت شكلية فقط
بمشوارك كله ماراح تنسينها لأنها بتصنع منك شخص جديد
هزت وهاد رأسها، وهي تغلق الباب خلفها
فزت لدن بفرح وهي تقترب منها، حتى باتت كتفيهما تحاذي بعضها :
بشريني ؟
بلعت وهاد ريقها، وهي تضوق عيناها حتى لا تكاد تنفرط من بينهما دمعة وتعلن خضوعها وتشير بها الى المصعد
اخذت لدن حقيبتها، وملفها وهي تمشي خلفها
دخلت وهاد المصعد ومن خلفها لدن. اغلقت المصعد لتوقفه
عقدت لدن حاجبيها بإستغراب وهي تمد سبابتها لتضغط على زر G :
ليش موقفتنا ؟ كان ضغط..
صرخت وهاد في وجهها، وهي تشدها من كتفيها لها حتى لا تصل كفها للأزرار :
ما اعرف اضغط زر ؟ ولا تعودتي انتي اللي تعرفين كل شيء ووهاد الله يرزقها لها عقل ؟
بلعت لدن ريقها بخوف من انفعال وهاد في وجهها، لتعود خطوتين للخلف دون ان تلمس اصابعها شيئًا :
وهاد هدّي كلها زر مافيه فرق بيني او بينك
قاطعتها وهاد وهي تصرخ بحرّقة في وجهها لتبكي، لتنفلت تلك الدموع
لتمارس حزنها بثقافة البكاء والنياح لتشير بأصابعها نحو الباب :
هم يشوفون في فرق بيني وبينك ! هم يشووووفووووون !
يشوفونك الأفضل والأنجح واللي ماشاءالله عليها
دخلت التخصص اللي تبيه وتخرجت أخصائية بإمتياز وملفها يخزي العين، وكل المستشفيات تتلاقطها
بس انا ما انشاف شيء !
وهاد الفاشلة اللي دخلت الجامعة من ابوها اللي مابقى احد ماكلمه لها، وحفرت بالجامعة سنين وبنين لأنها افشل من انها تعدي ترم بدون ماتحمل مادة مادتين
لانها لسانها طويل وقليلة ادب
دفعت لدن بقوة الى الخلف ، لتصتدم بزجاج مرآبا المصعد بحدّة :
انا مو قليلة ادب ولا لساني طويل بس هذه شخصيتي ولك شخصيتك
ليش لازم اكون زيك ولا بكون السيئة ؟
قلت نكبر وكل وحدة تشوف حياتها وبننفصل وبرتاح من هذه المقارنات البايخة
كبرت وماكبرت الا قرادة !
حتى شركة احلامي، الرجال الوحيد اللي شفته قدوتي وانام واقوم اتلهف أخبار نجاحاته ، مابغااااني !
بغاك انتي وانتي ماتعنيتي له
ماشدّني هالترم انجح والحق الناس الا انه ناب عن ابوه بالمكتب وياليتني مالحقت
سقطت على الارض بحرقة وهي تدفن بوجهها بين ركبتيها :
أكرهك والله أكرهك يالدن خلاص
انا اسوء ماقهرني فيه حظي يوم صرتي اختي
بلعت لدن ريقها وهي تشعر بدموعها تحرق باطن جفنيها
كلماتها علقم لا تقوى ان تبتلعها
اختها الآن كصبارٍ لا تقوى ان تحتضنه
دهشتها الآن كنارٍ لا تقوى ان تخمدها :
انا احبك والله ياوهاد احبك
هم يشوفوني ماشاء الله علي ومايدرون اني اتمنى اصير مثلك ياوهاد !
بليلة زواج ابوي صحت بحضن امي ابي اصير مثلك
هم يبغونك مثلي بس انا ابغى اصير مثلك
انتي مقتنعة بنفسك ومضايقك كلامكم
انا مو راضية بنفسي ويضايقني حزنك !
وقفت وهاد بمنتصف كلامها وهي تضغط بالزر بقوة، لتنتهي لدن من كلامها بفتح المصعد
همست وهاد وهي تنظر للمواقف دون ان تنظر لها :
روحي !
ما ابغى اشوفك عشان ماتسمعين شيء مني ما ابيك تسمعينه
/

\

/
خرجوا من المسجد قريبا من عمارة حاتم بعد ماسلموا من صلاة الفجر مع الجماعة. أنحنى جلوي وهو يرتدي حذائه :
أنا بمشي سيارتي قريبة من هنا
استقام ذياب وهو يعدل ياقة ثوبه :
أوصلك ؟
هز جلوي رأسه بالنفي :
قريب مايحتاج ماتقصر
مشى تاركًا خلفه ذياب المتوجه نحو سياف الواقف وينظر إلى هاتفه بملل منتظرًا. ليأتيه الفرج
وتجيب شادن بنعاس دون أن تعي من المتصل :
أممم
أبتسم سياف وهو يركب السيارة ساخرًا :
صباح الخير عمتي تو الناس ؟ من قبل الصلاة وانا ادق وراك ماتردين
تنهدت شادن وهي تنقبل إلى الجهة الآخرى بخمول مُنعسة :
يالله سياف والله ما أسمع شيء من التعب
شغل ذياب سيارته ليتوجه إلى منزلهم ليردف سياف :
طيب صحصحي وصليّ
مسافة الطريق وعندكم نرجع البيت وأشبعي نوم
هزت شادن رأسها بالنفي :
Nope!
أرجع معك اذا صحيت ان شاء الله
تنهد سياف متنرفزًا :
انا ماقلت لك قاومي ماراح أطول ؟
قاطعته شادن بغضب :
وش أسوي ؟ غيرت ملابسي ومسحت مكياجي وتسحبت وجاني النوم
حتى غنى يوم نجي وهي نايمة خليتها ما أبي أنكد عليها
ضحك سياف :
يعني منكد عليك الحين أنا ؟
قاطعه ذياب بسخرية :
انا وانا مصحصح تنكدت من حنتك
ليردف بجدية :
خلها تنام انت بعد حقنة
وأنت أمش نام عندنا
سمعت شادن اقتراح ذياب لتهمس وهي تهم بإغلاق السماعة :
ياليتك من قعدة اخوي معك تتعلم
ونام معه لو سمحت لا تجي غرفتي وتصحى البنت
اغلقت السماعة دون أن تنتظر رد سياف
ليلف بوجهه إلى ذياب بدهشة :
طيب أنا مابعد وافقت !
قهقه ذياب وهو يدخل حارة منزلهم :
و وصلنا بعد يعني أمرك محسوم
أمش نام عندي يا أبن الحلال
هز سياف رأسه بالنفي بمجاملة :
ماعليه بروح بيتي يا أبو خالد
البيت فيه عمتك ماراح تأخذ راحتها
ضحك ذياب وهو يسحب مفاتيحه :
والله مسكين هذا وجهي اذا شفت عمتي
وقابلني اذا قمت ولقيت حرمتك بعد
بتمسكها تمتر فيها شوارع الرياض
مايقرون اذا اجتمعوا امش بس واترك عنك الادب اللي مدري من وين جايبه
نزل سياف بصدمة مصطنعة وهو يغلق الباب خلفه :
نعنبو أبليسك أنت واختك مستعبديني أسمع كلامكم غصب ؟
يمكن أنا ما أبيكم طيب ؟ من وين لكم هالثقة
فتح ذياب باب الشارع ليشرعه لسياف ضاحكًا بهدوء :
يا أبني لا تبيني بس أنا أبيك
بتردني يعني ؟
دخل جناحه, أخذ جهاز التحكم وهو يشغل التكيف والأنارة والتلفزيون وأغلاق النوافذ
اعاده مكانه وهو يدخل غرفة الملابس ليخرج مرتديًا بدلة قطنية من ماركة رياضية
وبيده مشابهه لها
ليرميها بحضن سياف الذي ينظر إلى هاتفه :
متى بتداوم ؟
تنهد سياف وهو يرى الساعة تشير إلى 6 صباحًا :
بعد ساعتين إن شاء الله
بنام ساعة ونص واقوم. وأنت ماوراك شيء ؟
رمى ذياب جسده على سريره الذي يسع لشخصين ونصف :
بعد الظهر
عقد حاجبيه وهو يرى سياف غير ثوبه بالبدلة بمكانه من الإرهاق ليستلقي على الكنبة :
الله لا يشق بنا
ترا السرير يشيل شحومك أمش نمّ
وضع سياف ذراعه يغطي بها عينياه عن الإنارة هامسًا :
ماشاء الله أوعدك بسميك خفيف الدم
بس بنام هنا عشان أحس على نفسي إذا
طولت بالنومة لو نمت بالسرير عز الله ماداومت
عمّ الصمت دقائق طويلة
باتت الدقائق ربع ساعة ليهمس ذياب :
وش كنت تقصد بإن تجربتين للزواج كلها فاشلة ؟
لم يجيبه سياف لثواني الأولى
ليتنهد ذياب بهمّ أنه نام وتركه يتعارك مع كلامه بالسيارة
يحاول ان يجد بين كلماته طريقًا لو وعرًا يشفع لها عنده
ليقطع أفكاره وهو صوت سياف هامسًا :
ما أعرف وش مفهومك للفشل
بس الفشل اللي مريت فيه ضمّ أشياء كثيرة من دون ما أفصلها
لأن فشلي بكل الزواجين كل واحد له سبب
ومع ذلك كلهم أسميهم فشل
ربط ذياب بين فشل زواج والديه
وزواج سياف الثاني لمعرفته بزواجه الأول من اخته :
عدم الأتفاق ممكن سبب بس يتعالج ماينهي الزواج ياسياف
ابعد سياف ذراعه عن عيناه والعتمة تعيد له صور من ذكريات خدشت بسوئها رقة أيام زهر عمره ليردف بإندفاع:
الكلام سهل ينقال بس صعب يتطبق
ماتمسك حرمتك من أول يوم وتقول امم والله شكلها مو متفقين !
العشرة تكشف لك هذا الشيء
وماتكشفه إلا بعد موقف اللي انتهى بشكل سيء
انا وبنت خالتي ماكنّا متفقين
ما استوعبت هذا الشيء الا يوم غلطت أغلاط كثر شعر رأسي أغلاط ماتترقع
أعتدل ذياب بجلسته
لينظر إلى سياف بإستغراب وهو يتذكر :
ماقد قلت لي عن زواجك وعلاقتكم !
قاطعه سياف بلومّ :
زد عليها إني كنت مجبر على الزيجة
وأنت ماعطتيني فرصة أبرر لك وزعلت من رأسك
ليش أتزوج على أختك
تبيني أجل أسولف لك بعد ؟
قاطعه ذياب بغضب :
لأنك تغبن ! وش جبرتني أمي ؟ بنية أنت ؟ حتى البنات معد ينغصبون اليوم
ماتعرف توقف بوجيهم وتقول لي حرمة ؟
ضحك سياف وهو كفه تحت خده بسخرية :
إيه صح لي حرمة ما ادري عنها
وطفلة بخليها تكبر واجيبها وانتظريني يمه
أنت وش تحسب أمي ؟ ماجربتها ذياب لا تقيس عليك الموضوع
والله اني مطلقها ويدي على قلبي لا تدري أمي وش بتسوي فيني
رفع ذياب رأسه بدهشة :
طلقت ؟!
هز سياف رأسه بإيجابية ليهمس بحرقة وهو يجلس مثل ذياب :
حاولت أتقبلها من جديد وأخليها في بيتي بس ماقدرت
كل ماناظرتها تجدد فيني جرحٍ قديم البنت أذتني في عيشتي بداية زواجنا
كلامها كان سمّ دمر لي حياتي وقتها. بالبداية لا أنا ولا هي نبي بعض. تمر الأيام مانسمع من بعض كلمة
مسافرين نناظر للجدران والناس
كنت حاجز أسبوعين لأن بنت الناس مالها ذنب فيني, بس ماقدرت ورجعت بأول أسبوع
صارت تناقرني على كل شيء وكانها تبيني أتهاوش معها بس كنت اعطيها على جوها
واللي تبينه سمي وأبشري وتطلع مشكلة جديدد وتبدأها " لو أنت رجال مارضيت على نفسك وطلقتني "
وأنا اسوي اني ما أسمع
اللي فيني مكفيني
وكل كلمة أكبر من الثانية
فهمت بعدين أنها تبغاني اعصب واعافها واطلقها
بس مانفع أسلوبها معي. هي بنت خالتي مستحيل أخلي الناس يقولون طلقها من أول شهر
بس خلاص مافيني اتحمل أكثر, قررت أجيب شادن وأعلن زواجي وكلمتك
واذا تبيني بنت خالتي أطلقها طلقتها
ليلتها كنت جايب معي البيت جنى بنت اخوي حاتم عشان ابلغها بإني بأستقبلكم من المطار
ورمت علي كلمة سلختني من صبري ذيك الأيام كلها
والله لليوم أذكر كل كلمة كأنها أمس : " لو مايبقى ألا انت آخر رجال بالدنيا
مارضت فيك حرمة أبو لعيالها "
طلعت عشان ما أكفر فيها
حتى بنت اخوي تركتها معها
وجيت لكم وشفت شادن. تخيلت لو هي كلامها بعد مثل كلام منال
ومافيه وحدة بالدنيا بترضى فيني
وكلهم بلعنة ! ماهموني
بس مجرد ماتصورت أن شادن منهم مدري وش صار فيني ياذياب
سكت
يصعب عليه أختيار الكلمات المناسبة
مرت سنتان وسيكمل الثالثة على ليلة قربه من شادن
ولا زال الذكرى تحرقه وكأنها للتو بين أحضانه
يشعر بداخله " بحرٌ من الأشياء يتلاطم "
ليردف بهمس وهو ينظر بعيني ذياب، منكسرًا :
غفرت لمنال كل زلاتها
الا جرحها اللي نهش شادن ماقويت !
ماكان لها ميزان يحمل خطئيتها وبذاءة لسانها
كل كلمة تقولها أنا أستثمرتها لها بميزان حسناتها
الا كلمتها الأخيرة
رجحت كفتها على غيرها
تركت شادن ذيك الليلة
مالي وجه بعد اللي سويته
وبعدها صار الحادث
ومرت الأيام ورديتها بيت أهلها رغم اني عارف ان شادن رافضتني بعد اللي صار حتى وهي ام بنت، هذا الشيء ماشفع لي عندها.
تنهد سياف وهو يقف بعد ان الساعة تشير الى السابعة والربع :
قلت لك من حياتي الجزء اللي تبي تسمعه ياذياب ويهمك
اما غيره راح بخيره وشره
والباقي انت عشته معي وشفت تأثيره علي
ناظر الموضوع من منظور غير انك مظلوم بالقصة
بتشوف امك مظلومة معك
بس عالجت المشكلة بغلط
استلقى ذياب مجددًا
وهو ينظر اليه بدهشة ناسيًا موضوعه، وسبب سؤاله وهو يتسأل بداخله اي صلابة تلك التي تكتسيه ؟
ضرب الباب ثلاث ضربات متتالية
ليأتيه صوت أفنان الناعس مرتفعًا حتى يسمعها :
تعال
فتح ثنيان الباب
ليطل برأسه وهو ينظر اليهم بتساؤل :
نايمين ؟
فتح الباب كاملًا ليدخل ويغلقه خلفه، كانت لمى على سجادتها تصلي صلاة الظهر
وأفنان دخلت مفرشها بعد ان سلمت من صلاتها لتهمس خاملة وهي تضع رأسها على المخدة :
قمنا نصلي وبنرجع ننام ماشبعنا نوم من
نركض نركض الايام اللي فاتت كلها عشان ملكتك
ابتسم ثنيان وهو يجلس على طرف سريرها مقابلًا سرير لمى :
أردها لكم في عروسكم ان شاء الله
خلعت لمى الجلال وهي تجلس على سريرها بإستغراب :
وش جابك ؟ ليش ما انت نايم ولا في دوامك ؟
تنهد ثنيان وهو يتذكر تفاصيل ليلة امس المريبة :
جاي بسألكم عن اللي يسويه عمي حاتم
طبيعي ولا انا مستنكره ؟
ضحكت افنان وهي تتذكر حركاته في وقت التصوير :
موتني امس عمي حاتم
كأنه بزر ناط في كل صورة لهم كأنهم في مدرسة صورهم مو صور ملكة
لف ثنيان على افنان بإستنكار ليقاطعها :
انتي تدرين انه ماسكني ومامر على كتب الكتاب نص ساعة محذرني ما اقرب لشذى ولا ألمسها ؟ زوجتي ولا اختي ؟ امس يوم بست جبينها بغى يوقف قلبه
هزت لمى كتوفها بلا مبالاه :
ماتعرف عمي حاتم ؟
يخاف مرة على بناته ويمكن قصده توها صغيرة مايبيها تخاف من الزواج ولا شيء مع اني ما احس شذى من هذا النوع احسها واعية وفاهمة
بس عادي خوف اب لا اكثر
قاطعها ثنيان بغضب من تبريرات لمى الغبية لتصرفات عمه :
امنا بالله وقلنا يخاف على بنته يقدر يقوله بدال كلامه اللي كأني خاطف بنته مو مالك عليها
وضعت افنان كفها تحت خدها بحالمية وهي تتذكر امس ثنيان وشذى امام الكوشة :
وش شعورك ثنيان يوم شفت شذى ؟
بلع ثنيان ريقه وهو يحاول ان يحدد شعوره من الامس ، شعور غريب جدًا ليس كما يقوله اصدقاءه
اردفت لمى بتعقيب على سؤال اختها :
صراحة على حماسك قبل الملكة قلت بيسوي شيء ولا بينهبل اذا شافها بس انصدمت من برودك
ماعجبتك ياثنيان ؟
هز ثنيان رأسه بالنفي عاقدًا حاجبيه بضيقة :
البنت كاملة مافيها شيء
حتى احلى من توقعاتي
ولا لاحظت اللي تقوله امي بكلامها عنها ماوضحت انها تعرج امس بس ما ادري
عقدت لمى حاجبها بخوف من تعابير وجهه :
اجل وش فيك ضايق صدرك ؟
هز ثنيان كتوفه بحيرة وهو يحاول ان يعبر عما يشعر به. وهو الذي ليس من شخصيته ان يتفوه بداخله ولكن دهشته بنفسه أجبرته :
شعوري يوم كان ابوي يقول لي عنها ويوم الخطبة احلى من اللي عشته امس
ماقدرت احس ان هذه زوجتي وأم عيالي بكرة
نفس اللي احسه لا شفتك انتي وياها حسيته معها امس
حاولت العب على نفسي واقول لا قعدنا لحالنا بيتغير شعوري عشاني ماتعودت على بنات غير خواتي
بالعكس زاد شعوري اكثر وحتى غضبي على تصرفات عمي حاتم مو على وجوده معنا لانه مدري ماشكل عندي فارق
والحمدلله انه قعد معنا لو قاعد لحالي معها يمكن قمت وخليتها من زمان
اعتدلت افنان في جلستها بدهشة غاضبة
خائفة من تصرفات اخوها الحمقاء ان توقع بقلب شذى في جهنم أحزانها
لتمسك ذراعه وتهزها بقوة :
ياويلك من الله ياثنيان لو تقول ندمت
لا تجرح البنت وهي صغيرة بصبيانية تصرفاتك وانك ماقدرت تتأخذ قراراتك !
قاطعتها لمى وهي تتشبث بكفيها بكفه ، مترجية ثنيان ان ينفض الأفكار السوداوية عن دماغه :
رح لها اليوم واقعد معها لحالكم حاول تتعرف عليها وتفهمها
والله شذى تنحب ياثنيان والله
وزي ماكنت متحمس للملكة بتشوف اضعافه لزواجك
ابتسم ابتسامة صفراء لخواته بمجاملة
وهو يرى الإرهاق يرقد بين تفاصيلهم، والآن يسوده القلق
ماتعبوا فيه من اجله يكفيه لا يتعبهم بالتفكير بهمه ايضًا :
بكلم عمي حاتم ازورهم بعد العشاء ان شاء الله
تنهدت افنان بإرتياح وهي تعود بظهرها لتستند على السرير :
كرر في سجودك ياثنيان ان الله يألف بين قلوبكم وخذي معك باقة ورد او صينية شوكلاته وهدية
عقد ثنيان حاجبه بإستغراب :
ليه وش المناسبة ؟
فتحت لمى عيناها بدهشة وهي تضرب بأطراف اصابعها خدها :
ناوي تروح ويدينك فاضية ؟
هز ثنيان رأسه بسخرية :
اجل اروح ويديني مليانة تقل اكدّ عليهم ولا لاقي فلوسي بالشارع اخذ هديتين
لفت افنان على لمى بإسف :
هذا من زوجه ؟ حسبي الله ونعم الوكيل
هزت لمى رأسها بيأس ، متيقنة من وجود ايام تعليمية طويلة حول الذوق وأساليبه لثنيان :
ياحبيبي يا اخوي
الواحد اذا يبي يروح يسلم على زوجته بأول زيارة مو حلو يروح ويدينه فاضية
لازم يأخذ معه شيء
الهدية لزوجتك وانا اقول لا تاخذ باقة ورد خلها بالزيارات الجاية
خذ هذه المرة صينية شوكلاته لأهل البيت
فتح ثنيان عيونه بدهشة :
وان شاء الله كل مرة بروح اشوفها بأخذ هدية ؟
مأخذة ثنيان ولا بنك الراجحي ؟ مو كافي المهر قص ظهري حتى الحفلة ابوي قايم بنصها ويطالبني بها بعد
ترا انا فلوس البنزين امس لبيت عمي حاتم متسلفها من تركي ولد عمي
وبالرجعة خليت عمي حاتم يرجعني عشان اوفر البنزين للدوام
هزت لمى كتوفها بلا مبالاه وهي تدخل بمفرشها :
دامك ماجمعت ولا استعديت تفتح بيت
ليش طاق الصدر ومزعجنا الا تعرس بأسبوع الخطبة ؟
قام ثنيان وهو يتوجه الى الباب يتحلطم وهو يتحدث على نفسه :
ياليت اللي ناوي يعطيني عانية يقدمها ويعطيني اليوم عشان استر نفسي قبل اشحذ عند باب المسجد
رن هاتفه في جيبه معلنًا عن وصول رسالة
عقد حاجبيه بإستغراب وهو يقرأ الرقم الغريب :
من فاضي يرسل رسائل الظهر غير شركات الاتصالات وابوي ؟
توسعت عيناه على اتساعهم وهو يقرأ ختام الرسالة المقرون بإسم المُرسل !
اغلق جواله وهو يجلس على أقرب كنبة اعترضت طريقه ليجلس ويأخذ نفسًا عميقًا ويعيد قراءة الرسالة :
( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكم بخير
ظروف الايام نستني الأمانة المحفوظة في بيتي
مع عتبي عليك في طريقة تصرفك مع زوجي
ولكن " ردوا الأمانات الى اهلها "
الاوراق اللي تركتها في بيتي
محد يعرف بأمرها حتى عمك سياف مايدري عنها
حتى انا اللي حفظتها هذه الايام كلها بين يديني مافكرت بيوم اقرأها
بدلت بين الملف اللي عندك الان ( بأوراق بيضاء خالية ) بالملف اللي انت حطيته في بيتي
ظنًا مني انه يخص سياف وبدلت بينهم عشان اغيض سياف
لكن لما دخلت بيتي عرفت انها لك.
الاوراق أسفل الكرتون اللي فيه هدية زواجكم انت وشذى
من بنت عمك غنى.
- أم غنى بنت سياف )
ركض بخطوات سريعة بإتجاه غرفته وهو يتذكر امه التي أخبرته بإن هدية بيت عمه سياف موجودة في غرفته وتجاهلها بلا مبالاه
رمى الظرف الذهبي جانبًا وهو يخرج الزينة التي رفعت الظرف بشكل جمالي
ليجد تحته الملف نفس ماتركه
تنهد بإريحية وهو يتصفح صفحات ليجدها هي نفسها، اخرج هاتفه من جيبه وهو يبحث عن رقم جلوي
ليجيبه بعد دقايق قصيرة قبل ان ينقطع الاتصال بثواني
دون ان يلقي التحية، القى اوامره :
متى فاضي عشان اشوفك اليوم بخصوص الملف اللي كان في بيت اختك ؟
خرج ثنيان من منزلهم، في الدقيقة الذي هو دخل فيها بعد ماتأكد من ان عبدالله ونورة نائمين، والبنات على وشك الخلود مجددًا
صعد الدرج ليضع الكرتون امام غرفة أفنان & لمى
ضرب الباب ضربتين متتالية
أقترب من الدرج وهو يهم بالخروج على صوت افنان الغاضبة
تأففت افنان بغضب وهي تبعد المفرش عن جسدها :
يالله يالأدب اللي نزل فجاءة ياثنيان كل شوي بتقعد تطق الباب ؟
تراك بتدخل علينا مو على حرمتك
عقدت لمى حاجبيها وهي تنقلب للجهة الثانية المقابلة للباب :
لا مو أدب وبس شوفي الاحترام مادخل لانه ما أذنّا له
أبتسم بهدوء وهو يسمع صوت لمى ايضًا وجودها مع افنان هِبة حتى تهدأ من روعها
لينزل مجددًا بسرعة ويغادر بهدوء كما دخل .
وقفت افنان بقوة وهي تنوي ان تخرج وتدفن ثنيان حيًّا في مكانه ليلبسونه بشته بدلًا من زفافه الى جنازته
فتحت الباب ليصطدم بالباب بعنف
عقدت حاجبيها وهي ترى كرتون هدايا دائري الشكل ، أحمر اللون ، عالي العمق وكأن بداخله شيئًا كبير
دفعته برجلها الى داخل الغرفة ولكن كان خفيف الوزن
رفعته وهي تضعه على سريرها
اعتدلت لمى بجلستها وهي تنظر اليه بدهشة :
وشو هذا ؟
فتحت أفنان الغطاء لتشهق بصدمة !
ركضت بخطوات سريعة الى الشنطة التي كانت معهم في القاعة
فتحتها بقوة
وهي تنثر أغراضها يمينًا ويسارًا بلا مبالاه وهي تبحث عن فستانها
لفت على لمى بخوف وهي تبتلع ريقها :
فستاني !
بالقاعة لما خلصت الحفلة فصخته وحطيته بالشنطة وقفلتها اقسم بالله قفلتها
وش جابه بالكرتون ؟ فهمييينننيي !
اخذت لمى الفستان وهي تخرجه من الكرتون ، لتسقط منه ورقة
أخذتها وهي تقرأها على مسامع أفنان :

بوركت لكم افراحكم. تقديرًا وحبًا واحترامًا أجلت هذه الرسالة الى حين إنتهى زفافكم.
وأتمنى ان اجد الاحترام متبادلًا
والتقديرَ مشكورًا
وأما الحبَ ؟ عفوت لكِ عنه

عزيزتي وان لم تبادليني حبًا
صغيرتي مهما بلغتِ من العمر عتيًا
قطعةً من قلبي الذي يحترق لأجلك : أفنان

عندما نصفع كفكِ حتى لا تقتربين من الاشياء الخطرة
ليس تعنيفًا او ترهيبًا
انما خوفًا وحرصًا عليك

لا تمارسي عنادك لتتأكدي بنفسك انه امر سيء
بل استجيبي وابتعدي عنه

فستانك الذي أخذته واعدته وانت تنظرين اليه بغفلة

فرأسك الذين سيغتالونه، وجسدك الذي سيبيعونه، و روحك التي سيزهقونها والسبب جدالك في مواقع التواصل الاجتماعي ضدهم وتحذير الشباب منهم
كلها ستكون في ايديهم في حين غفلة منك!

عندما أخبرتك ابتعدي عنهم، لم تطيعيني وعدتي الى لعبة أكبر وأخطر
من أقاموا المنكر ، وشاع بينهم النكير ، وأيدوا انتكاس الفطرة
لن تعيقهم فتاة تخاف الله وتؤمن باليوم الآخر وان كان ربها غفور رحيم فهو ايضًا شديد العقاب.

اتمنى ان يكون هذا التحذير مجديًا معكِ.
تحياتي
ملاحظة : ذوقك في ثيابك رائع، لم استطع ان أعبث به. ختمت جملتها الاخيرة لمى، وقد خرت افنان منهارةً باكية بجوار أغراضها
رمت الورقة وهي تهرع الى اختها بخطوات سريعة
اغلقت الباب وهي تقفله بخوف، جلست بجانبها وهي تضمها
تهدئ من روعهم جميعهم. أين كان أوصل هذا الكرتون فهو احتمال لا يزال يتجول في بيتهم
يقتحم خصوصياتهم
يعرف تحركاتهم
دفنت أفنان رأسها في حضن لمى بقوة وهي ترجف من البكاء والخوف في آنٍ واحد :
بموت من الخوف بموووووت
احس عقلي طااااار يالمى طاااااار
وصلت فيهم يدخلون بيتي والى غرفتي ويعبثون بأغراضي
مين اللي تجرا ياخذ فستاني وانا اشوفه ولا حسيت
معقولة اللي يحذرني طول هذا الوقت واحد من اهلي ؟
وليش مايصير هو منهم ؟
خايف اني افضحه بإني قذر ويحرض على المثلية الجنسية وينشرها بين المسلمين
قام يمثل علي بإنه يحبني ويخاف علي
مسحت لمى على كتوفها والخوف يتبدد من كلام افنان الواقعي :
انت ماتقولين انك عطيتي رسائله وعنوانه عمي حاتم ؟ ماجاك منه خبر ؟
هزت افنان رأسها بالرفض !
لفت على الباب وهي تنظر اليه :
خلينا نروح نتأكد مافيه احد
مسكتها لمى بقوة ناهية عن تصرفات افنان المجنونة بغضب :
مستحيل افنان نتحرك من الغرفة لين يصحى ابوي
وقفت افنان بإصرار وهي تمسح بكفيها المتعرقتين خديها بقوة :
اذا هو مصر يحذرني او يحمي نفسه انا مصرة اعرفه بعد
فتحت الباب بكفيٍ صاحبها رجفان، وتعرق، وبطئ بالحركة الطبيعية
لفت على لمى التي تعود خطوات لا تذكر للخلف مع كل خطوة تتقدم فيها أفنان للباب
خرجت افنان وهي تبحث برأسها يمين وشمال
وقفت عند الدرج وهي تغمض عيناها لتأخذ نفس عميق وتزفره
فتحت عيناها لتخطو خطوتها الاولى بسرعة متوجهه للأسفل
ولكن ألتوت قدمها، ليلتف جسدها وتفقد السيطرة على نفسها لتسقط من مقدمة الدرجة الى آخره وهي تصرخ بألمٍ وخوف :
ااااااااااااااااااااااااا ااااااااهههههههههههه
صرخت لمى التي مازالت واقفة في مكانها، خوفًا من انه هو ورأته افنان حتى يسمعها ابيها :
ييييييببببببببهههه الحققققييننننننيييي
صوتينٍ حادين ، في آنٍ واحد
انطلقت ترددات اصواتهم المنتمية الى عائلة هيرتز بإنتظام محترمةً الطبيعة الفيزيائية
مخترقة الأبواب. ولم يردعها العوازل
ليفز عبدالله من سريره راكضًا الى الصالة العلوية ليجد لمى في غرفتها
مشرعةً بابها وتنظر اليه وهي تصرخ باكية
ولكن افنان سمع صوتها ولم يراها !
/

\

/

هالات تشق طريقها في تدرجات اللون البني تنصب خيامها تحت عينيه
النوم وضب حقائبه وشدّ رِحاله من عينيه
وباتت عيناه في تلك الساعات التي يتقلب فيها بالسرير معركة مع الإرهاق والتعب
لينتصر عليها الإرق وكوب شاهي بالحبق بين شفتيه يرتشفه غير مباليًا بإن الوقت ظهرًا وطقس الرياض جاف حارًا
على ذراعه الأيسر البالطو الطبي الأبيض. لم يكلف نفسه عناء ارتداه
وقف بمنتصف الإستقبال وهو ياخذ الجهاز ويبصم بسبابته.
لف بعنقه تجاه السبورة المعلقة بمنتصف الممر ليرى اي حالة استجدت في غيابه
قاطعه من خلف طبيب العظام وهو يقترب منه :
مسه بالخير يا كريم
لف عليه ذياب بإبتسامة مجاملة :
يالله حيّه
ابتسم وهو يمشي وبجانبه ذياب :
جيت وجابك الله ، عندي حالة ولكن احتاج دكتور اعصاب
حرك ذياب سبابته على طريقة العجلة وهو يرتشف شاهيه بمعنى " اسردها "
اكمل طبيب العظام :
فكت الجبيرة قبل وقتها ، والكسر ما انجبر والتوت وتضاعف الضرر
ولكن انا شاك بالإعصاب لاني شيعت الرجل كاملة وسليمة بإستثناء مكان الكسر وهي تشتكي من رجلها كاملة
فتح الطبيب له الباب ليدخل ذياب دون ان يلقي بنظرة على المريضة، وهو يرمي بالطوه ويضع كأسه بجانبه بعناية
ويسحب الكرسي الدائري بلا ظهر ليضعه امام السرير
ومن خلفه طبيب العظام يعرف به المريضة وأبيها
خجولًا من تصرف ذياب الأرعن وكأنه داخلًا على يهود ابتلع ريقه بإبتسامة مجاملة وهو يشير بكفه من خلف ذياب عليه :
هذا دكتور الأعصاب ذياب السليمان
ابتسم عبدالله بفرحة وهو يرى ذياب ليقترب منه بتودد :
حيّا الله ابو خالد
رفع ذياب راسه بإستنكار من الذي يعرف لقبه، ويبتلع استغرابه عندما رأى ابن خاله
صافحه بهدوء :
حياك الله يا ابو ثنيان
أعاد عبدالله نظره مجددًا لأفنان الجالسة على السرير ممدة اقدامها على طوله
وذياب يجلس بجانبها وهو على الجانب الآخر :
عسى ماشر يا اخوك ؟
ابتسم طبيب العظام وهو يرتدي قفازه مجددًا ليعيد الفحص تحت أنظار ذياب ليشخصون الحالة معًا، ان يطمنهم :
قدامها العافية ان شاء الله بس نبي نتأكد من سلامة الرجل كاملة قبل ان نجبرها مرة ثانية
هزت أفنان رأسها بالنفي غاضبة وهي تمسح كفيها المتعرق في فخذها حتى تتخلص من رطوبته المزعجة :
ما ابي تجبير انا فكيته لاني طفشت منه
ضحك طبيب العظام وهو يتحسس قدمها :
ليش هي العافية على الكيف ؟
لازم تصبرين قلنا لك شهر ونص وانتي ماخليتيه الا ثلاث اسابيع شيء طبيعي المدة ماكانت عافية يتلئم كسرك والحين طحتي عليها بعدها تضاعف عندك وأحمدي ربك عدّت سليمة
رفعت افنان حاجبها بإستنكار غاضبة وهي تمسح كفها مجددًا بطرف السرير هذه المرة :
تجبير من جديد وتقول سليمة ؟
همس ذياب بهدوء وهو يأخذ ملفها من طرف السرير ليقرأ الاسم :
( ولئن شكرتمٍ لأزيدنكم )
فضولًا انتابه عندما رأى عبدالله برفقة احدى بناته
يريد ان يعرف
هي نفسها تلك التي تسببت على امه بحسابها الذي انتحل شخصية أفنان ونشر كلامًا مسيئ عن والدته. وعندما اتى ليخبر ثنيان وعبدالله
كان ثنيان عذابًا وخيمًا ، عاصفةً هائجة ، سحابة مليئة بضررٍ لا تبقي ولا تذر
حتى انه لم يترك عظمة سليمة في جسدها حتى انكسرت
يريد ان يعرف هذا الكسر هو من تسبب له ؟
هذا الغضب ، والالم ، وليالي التعب هل هو قدمه لها على طبقٍ من ذهب ؟
عيني ابيها القلقة ، وكفيه الراجفة هل هو المتسبب عليها ؟
هاهي. افنان !

مرحبًا يا افنان ، مرحبًا ياتأنيب الضمير
مرحبًا ياسوطًا لضميري يجلدني في العشي والإبكار.
لستِ اهلًا وسهلًا ؛ يا اهلًا وحزنًا
لستِ مرّ حبًا ومسهلًا ؛ يا مرّ هَمٍ ومصعبًا
يا افنانًا لقد كُسرتِ بعصاي.
ولم اهبّ لكِ مني جبرًا او مرِهمًا ودواء
انما اقبليني الآن اتيتكٍ ب باقاتٍ وردٍ ومعطفًا ابيض بجيبه وصفة دواء يرجوكٍ اعتذار
رفع رأسها لتسقط عينيه في عيناها
لبتسم بهدوء وهذه هي الابتسامة الوحيدة الحقيقة الذي شهدتهُ شفتيه اليوم :
ممكن اشوف كفك
مدت كفها الأيمن، ليأخذه ويضعه على فخذه ويضع فوقه كفه ويمسك بها
أخذ السماعة من على صدره ليضعها في اذنه، وعلى صدرها من الجهة اليسرى
وجه ناظريه الى الارض عاقدًا حاجبيه
هز راسه بإيجاب وهو يخلع السماعة
عقد عبدالله حاجبه بإستنكار ليجاوب ذياب دون ان يرأه لانه شعر بها تحرقه من يد ابنته التي تحتضن كفه امامه :
مسحت كفيها مرتين في الدقيقة الوحدة
يدها تعرق بشكل مو طبيعي
رفع كفه ليضعه امامهم وهو يشير على اماكن المبتلة في القفاز :
ماكملت نصف دقيقة الا وتعرق القفاز من كفها
اعاد بناظريه لإفنان :
دقات قلبك سريعة ومن دخلت وانتي معصبة بشكل مبالغ فيه وتهزين جسمك
ويدك لما كانت في راحة كفي المفروض انك تسترخين لاني خففت عنك الضغط بس انتي مازلتي شادة اعصابك ومتوترة
رجلك سليمة يا افنان مافيها شيء باستثناء الكسر
المشكلة في اعصابك هذا توتر الاعصاب
مسح عبدالله على كتفها بإرتياح :
طيب وش العلاج يا دكتور ؟
ضحك ذياب وهو يعود بالكرسي للخلف ليستبدل قفازاته :
يوقا يمكن ؟ او مساج ؟ اللي يريحها
اي شيء قادر يرخي أعصابها ويريحها
أبسطها دقيقتين تنسدح فيها وتطرد كل الأفكار السلبية من راسها
لف ذياب على طبيب العظام ليغمز له بحركة سريعة. فهمها ليأخذ صور الأشعة ويوجهه كلام الى عبدالله :
أحتاجك بكلمة يا ابو افنان من فضلك
خرج عبدالله برفقة الطبيب
تاركًا افنان وذياب
اقترب ذياب بكرسيه مجددًا وهو يشبك كفيه مع بعض بإستناد ذراعيه على فخذه وهو ينظر اليها بهدوء :
افنان احترامًا لخصوصيتك قدام ابوك المشكلة مو في اعصابك ، تحديدًا فيك انتي
اخذ قلمه من جيبه وهو يمرره خلف رأس افنان :
تحسين برأس قلمي وينه فيه ؟
هزت رأسها بإيجاب ، وليكمل وهو يحرك القلم بنفس المنطقة :
هنا مكان " تحت المهاد " هذا اسمه علميًّا ، بس عندنا يا متخصصين الاعصاب له اسم خاص " برج التحكم " تدرين انه هو اللي متعبك ؟
هو مثل المدير المتسلط
يلقي الأوامر
والهرمونات مغلوبة على امرها تنفذ
يعني لا تزعلين من اعصابك
تراهم مساكين
هو اللي امر هرمونات التوتر انها تُفرز
ناظرته افنان بطرف عين من دافعه العجيب عن أعصابها :
طالبين منك تتوسط لهم ؟
ضحك ذياب وهو يكمل كلامه مجيبًا سؤالها :
لا بس كاسرين خاطري
تبين اكشف لك مخططات عمله ؟
اسمعي أنتي الحين لا دخلت عليكم دكتورة معصبة وش تقولون ؟
ناظرته افنان بنفس النظرة السابقة. صاحبها هذه المرة استحقارًا غاضبًا :
مسوي مدرك جو البنات ؟
ابتلع ذياب نفسيتها القلقة وهو يعرف ان هذا الغضب والقلق ليس بسلطتها ، ليضحك :
طيب انا بقولك من خبرتي كل مادخل علينا دكتور معصب ايام الجامعة قلنا حرمته مزعلته وجاي يحط الحرة فينا
تحت المهاد نفس الشيء
تجي تاثيرات خارجية تخليه يصدر هذه الأوامر
ومنها بعض المواقف النفسية ! أولها الخوف
ناظر افنان بجدية وهو يعيد قلمه مكانه :
انتي خايفة من شيء ؟
هزت برأسها بالنفي وهي تنظر بعينها بعيدًا خوفًا من ان يكتشفها
ابتسم :
صحيح اني مو دكتور نفسي ولكن ادري انك قاعدة تكذبين علي
افنان من حقك ماتقولين وتتحفظين
لو مكانك سويت نفس الشيء
شخص غريب حتى لو انه يقرب لي ودكتوري بنفس الوقت ويبيني اقوله موضوع خاص ؟
بس اذا محتاجة شخص تثقين فيه فإنتي وصلتي خير
الحرف الواحد ماراح يطلع مني لو ودك تتكلمين
ابشري باللي يشمر اكمامه لو ودك اخدمك
رفعت افنان حاجبها بإستنكار :
وماشاء الله ليش تقديم هذه الخدمات الانسانية كلها والشهامة ؟
ابتسم ذياب :
والله الخدمات هذه مقدمة من باب تأنيب ضمير على فعل سيئ سويته تجاهك مسبقًا
اما الشهامة هذه طبع الله يسلمك
تنهدت افنان بتعبٍ مرهقة وهي تغمض عيناها
أعصابها ارهقهتها ، وموضوعها استنزفها ، والالم يتغذى على عافيتها
ماكان ينقصها ذياب ابدًا :
الله يرزق باقي المسلمين من ثقتك هذه شوي
وقف ذياب وهو يأخذ البالطو وكوبه بلا مبالاه لاستحقارها :
ثقتي هذه مستمدة من ثقتك
والدليل كملنا اكثر من خمس دقايق من كلامنا والى الآن مامسحتِ يدك ولا مرة
لانك ارتحتي
غمز لها وهو يفتح الباب ويخرج ، ليعود سريعًا مجددًا وهو يطل برأسه من الباب :
سجلي رقمك بملفك مو رقم ابوك ، عشان مايشوفني داق عليه ويقص رقبتي
اغلق الباب مجددًا لتنفجر افنان ضحكًا بشكل هستري من هذا المعتوه.
/

\

/

<< قبل سبع ساعات من الآن >>
ابنته في حضنه ، تلعب في ساعته المركونة على معصمه.
وهو جالسًا بجانبها وهي متمددة على السرير
شعرها مبعثرًا على الوسادة
جفنها مرهق وثقيل ، انفاسها منتظمة وبطيئة
هل من الطبيعي ان تكون لذيذة هكذا ؟
أخذ كف غنى العابثة بساعته المشيرة الى 7 صباحًا ليغير وجهتها الى وجهها " هل بأمكاني أيقاضك الآن لأخبركِ انك تعبثين بعقلي بشكل كارثي ؟ بشكل لم أعهدهُ سابقاً "
" أعلم أنّ ثقل هذا العالم سيختفي من على أكتافي عندما تأتي. عندما تلمس أصابعي وتحتضنني "
كانت وجهتي من غرفة ذياب الى مقر عملي.
ولكن قادتني قدامي لك ياشادن.
خرجت الكلمات متقطعة من شفتيها العذبة. وابتسامةً كسولة خدرةً اعتلتها عندما تحسست حجم تلك اليد الصغيرة.
شعرت بشيء يداعب خديها
عقدت حاجبيها بإنزعاج من الأصوات واليد الصغيرة التي تضرب عينها
فتحت نصف عين لترى غنى تحاول ان تشد رموشها ، وسياف من خلفها يوجهها :
لا لا يا بابا هنا نتفي حواجبها
فزت شادن بغضب ، ليعود سياف بظهره للخلف خوفًا مصطنع من حركتها :
بسم الله الرحمن الرحيم
اخذت غنى بقوة من يديه
لتضعها في حضنها وتدفن وجهها في صدرها حتى تخفي عنها نور الشمس محاولةً ان تنام مجددًا بغضب :
انت ليش مارحت بيتكم ؟
ضحك سياف وهو يضع رأسه على فخذها :
بيتكم احلى من بيتنا
ناظرتها شادن بزعل وهي ترى غنى تبكي وتحاول ان تبتعد عنها :
صحصحت البنت كذا زين ؟
انا ماشبعت نوم ومانمت الا بعد الفجر وأمس مانمت عدل بضطر اقعد معها الحين ومافيه نوم غير بالليل
نفضت المفرش عن ساقيها وهي تحمل غنى بغضب :
امشي ياماما نغير ملابسك الله يسامح اللي صاحك
وضعت غنى على الارض وهي تخرج لها بنطلون وبلوزة وترميها على طرف السرير
اخذت لها بنطلون جينز وتي - شيرت ينتهي عند منتصف بطنها
بدلت سريعًا وهي تدخل دورات المياه تفرش اسنانها وتملي على سياف اوامرها متنرفزة :
لبسها دامك صحيتها طال عمرك
اخذ غنى وهو يفتح أزرار بجامة النوم مبتسمًا هامسًا في إذنها :
ياويلنا من ماما عصبت علينا يابنيتي
ضحكت غنى وهي تعيد خلفه بشقاوة :
ماما عصبت
خرجت شادن تاركة شعرها على كتفيها مسدًلا ، اخذت فرشة شعرها من التسريحة وهي تسددها بقوة لتصطدم بصدر سياف ليصرخ بآلم :
ااااه !
رمت نفسها على السرير بحقد وهي تأخذ جوالها من الطاولة التي بجانب راسها :
ازين !
استلقت على السرير ورأسها في محجره
رفع سياف حاجبه وهو يرى غنى في حضنه من اليسار وهذه متمركزة على صدره :
هماك زعلانة ؟ وراك جاية تتلزقين فيني
أجابت بدون نفس
غاضبةً حقًّا من تصرفات سياف الحمقاء، تكره ان يخرب أحدًا عليها نومها
هي تستمد طولة بالها من راحتها بالنوم ، وسياف كل ما غمضت عيناها ايقضها :
مو حبًا ، مشط شعري
مد سياف كفه وهو يقرص الجانب الايمن من بطنها العاري :
وريني مرة ثانية شلون تضربيني بالمشط
لتفز شادن من حضنه بصرخة متألمة :
اااااهههه !
ضحك سياف لينفجر ضحكًا وهو يرى غنى تضحك بشدة على شكل شادن
صرخت شادن في وجهه والدموع في عيناها. يضحكون عليها وهي غاضبة ومرهقة :
والله العظيم بزر ياسياف انت وبنتك ذي !
عمرك مابتكبر مبسوط عليها لان حركاتكم وحدة كلكم حركات بزران
ضحك سياف وهو يشير بسبابتها عليها لغنى :
شوفي ماما صاحت صاحت
اخذت شادن جوالها من المفرش بغضب. ودمعتين انفرطت من تراكم دموعها في محجري عيناها، لتغلب حنجرة صوتها المتزنة فترجف :
خلني اشوف شلون بتروح دوامك ابلش في بنتك وضحك معها للظهر
انا بروح انام في غرفة ابوي ولا اخوي
فز سياف من مكانه ليسحبها بقوة من ذراعها، فتسقط في حضنه فيحاوط خصريها بذراعيه. ابعد خصلات شعرها عن خدها ليقبله برّقة " يقبل بتمهل ، كمن يخيط جرحًا " دون ان يبتعد عنها هامسًا :
زعلتي يادلوعة ؟
حاولت شادن ان تبعد ذراعيه عن خصرها بغضب وهي تمسح بكفها الاخرى دموعها :
ابعد عني ياسياف ما ابي اقعد عندك يا اخي
زاد بقوة قبضته وهو يشدها الى صدره بإبتسامة معقبًا :
والله اخوك نايم هناك مادرى
اما انا اللي جاي اصحيك مشتاق مو اخوك
كفت شادن عن محاولاتها الفاشلة وهي تنظر الى اي شيء عدى سياف وغنى بسخرية :
الله يمحي شوقك المعتوه تنكد علي نومتي وتضحك علي وتقول مشتاق بزر انا تلعب علي بكلمتين ؟
هز سياف رأسها بالنفي وهو يلعب بظهر سبابته على بطنها بإبتسامة :
لا مو بزر
عندنا فائض مبزرة ؛ مايكفي انا وغنى بزران ؟
ضحكت شادن وهي ترأه يحاول ان يثبت كلامها عنه بإنه طفل ، حتى ترضى
مدت ذراعها وأخذت المشط من جانبها وهي تمده له :
مو عذر مشط شعري
تأفف سياف بغضب مصنطع وهو يرمي المشط جانبًا ليثير غضبها مجددًا :
هذا اللي ناقص رجاجيل يمشطون شعور حريمهم
لفت عليه شادن لتخزه بطرف عين كفيلة بإنه تجعله يمد يده وياخذ المشط من جديد بطاعة :
سمي ياقلبي وش التسريحة اللي تبغينها ؟
قهقهت شادن على حركته السخيفة بس كانت كفيلة بتعديل مزاجها المتعكر وهي تمد ذراعيها، لتحاوط خاصرته وتتنهد حبًا مردفة على نظرتها قبل قليل :
رجاجيل مايجون الا بالعين الحمراء
سيسطر في قائمة إنجازاته هذا العام ، ضحكتها الرنانة
بودّه لو يقول " آه " ليس ألمًا بل من فرط العذوبة.
قبل طرف شفتيها ليردف ساخرًا :
العين بالعين والبوسة ببوستين
فزت شادن وهي تضرب سياف بصدره بحياء :
والله انك ماتنعطى وجه لو اسايرك بتقعد عندي ماداومت ).
\

/

\
فتحت عيناها بإنزعاج وهي تسمع رنين صوت جوالها تأففت وهي تأخذه من قلة الذوق التي يتمتع فيها الشخص المتصل.
فتحت عيناها بدهشة وهي ترى " 34 اتصال فائت " من رقم مجهول !
ضربت بكفها جبينها وهي تتذكر انها لم تخرج من هاتفها الشريحة الجديدة التي استخرجتها حتى تتواصل مع ( زوج غادة )
كانت تنوي ان تخرجها وتتركه يغرق في شكّه. ولكن يبدو ان خطتها الأولى فشلت
وضعت وضع الطيران قليلًا حتى تتمكن من كتابة رسالة دون ان يزعجها بإتصالاته
كتبت بدايةً من مطلع الرسالة :
( رجاءًا لا تتصل علي
صحيح انا فاعلة خير وحبيت اوافيك بالجديد اللي انت ماتدري عنه في بيتك. ولكن مايعني اني برضى اكلم شخص مو محرم لي مثل ماتسوي زوجتك !
بنات الناس مو واحد )
ألغت وضع الطيران وارسلت الرسالة بسرعة. ليأتيها الرد مسرعًا وكانه ينتظرها
فتحت عيونها بصدمة وهي ترى ردًّا غير الذي توقعته!
أجابها ب : ( انا ابيك تردين اعلمك ياقذرة معد تخربين بيوت الناس. اذا ريحة أخلاقك فايحة لا تخيسين سمعة حرمتي بأكاذيبك ) بلعت أنفال ريقها وهي تحاول ان تلملم شتات ذهنها المتهول من ثقة زوجها العمياء
اي خبيئة تلك التي بينك وبين الله ياغادة ؟
خبيئة تجذب حتى زوجي لك دون ان اشعر بكم. خبيئة تجعل زوجك يصبّ عليك ثقةً تجعله يكذب عيناه ويصدق قلبه فيك !
والله انك جنيتي على نفسك ياغادة
يتعوذ مني الشيطان الرجيم عندما يتعدى على ملكيتي احد
وكان تركي الذي يتمتع بكم هائل من السوء والشغف بكل الأناث ولم يرضيه الا صديقة عمري - بيتي التي هدمتيه بدل ان الجئ اليك لترميمه - كرامتي التي امتحنيتها بإستغفالك وكذبك، منها.
لم تنهزم امام ثقته لتجيب :
( صابني فضول اعرف دامك كذبت الدليل اللي يضم صورتها
وصدقت ثقتك العمياء اللي بغير محلها.
بتصدق عيونك يا ترى ؟ )
اتاها الرد سريعًا متجاهلا سؤالها :
( بجيب اسمك برقمك ياخسيس
وقتها انا اللي بوريك مو انت اللي توريني )
عقدت حاجبها بشكٍ !
معقولة لم تساوره الشكوك ؟
طلعت شريحتها الجديدة وادخلت شريحتها القديمة لترسل الى أبنة خالتها
تلك اللي عرفت بصدفة ان زوجها مرابط مع زوج غادة عندما عادوا سويًا في اجازتهم :
( مساء الخير سمورة
بغيت اسالك صديقتي ودها تفاجئ زوجها
بس خايفة انه يطب عليها وتخرب لانها شاكة فيه بيرجع
تقدرين تساعديني وتعرفين من زوجك اذا عنده نية جية ولا لا ؟ )
اتاها الرد سريعًا مصحوبًا بضحكة بريئة منها مصدقة كذبة انفال المقنعة : ( ياعمري هي من حظها
تو زوجي يسولف لي انه طلب مع زوجها يومين اجازة
وبدلوا مع شباب معهم وبيوصلون اليوم لا تسوي شيء مايمديها )
ضحكت انفال بتشفي
وهي ترى ان الشك استعمره
كان يكذب على نفسه مايكذب عليها
تنهدت وهي تنهض من سريرها بإبتسامة سعيدة / نشيطة
وهي تتخيل لو تمّ على اكمل وجه ماتحلم به
بتأخذ حقها منهم بالطريقة التي تشفي غليلها وحرقتها منهم:
ماعليه ماعليه بتنور الرياض وبيبرد قلبي فيهم منك
وبتعرفون ان كأسي مرّ لاذع من يشربه مايحدر منه شرفة
/

\

/

خرجت شادن من بيتها وهي تغلق الباب الخارجي خلفها وتقفله
بيدها شنطة ابنتها الصغيرة
تركتها برفقة صمود التي عادت للبيت في فترة الاستراحة من الدوام في مؤسسة اخيها.
أخذت غيارات لغنى
وبدلت ملابسها ببلوزة رسمية وبنطلون اسود تحسبًا للضيوف الذين لا ينقطعون هذه الايام من الزيارة لذعار ومفتاح سيارتها
ابتسمت بفرح وهي ترى باب الشارع يفتح لتدخل من خلفه وهاد
متشوقة لأخبار التي اليوم اول دوام في التدريب الجامعي لها
سرعان ماتلاشت تلك الإبتسامة
وهي تراها تلقي باغراضها في الطريق وتجلس في الجلسة الخارجية على الارض
تضم قدميها الى صدرها لتضع رأسها على ركبتيها وتنفجر باكية
فتحت عيناها بدهشة
لتنزل الشنطة على الأرض وتتوجه بخطوات سريعة نحوها
انحنت شادن وهي تمسح على شعرها بخوف :
خبصتي قلبي شنو فيج ؟
رفعت رأسها لتنظر إليها بعيني انتفخت من كثرة البكاء ، وأنف محمر
سحبت شادن بشدة من كتفيها لتحتضنها بقوة وهي تشهق بحرقة
شهقت شادن من ملامح وهاد المعدومة من البكاء وهي تحتضنها وتمسح على ظهرها بحنية بعفوية اقتحمتها لهجتها الأم
مهما اعتادت على لهجتهم :
وااااي وهاد مو من صجج من متى وانتي تبجين ؟ وليش تبجين اصلًا ؟
تخرج الكلمات مبتورة
تخرج جزء والجزء الآخر يأتي بعد شهقتين تردفها وهاد
لتأخذ نفسًا قبل ان تكتم من شدة البكاء
تدفن اطراف اصابعها في ظهر شادن
حتى كادت ان تنزع الحلم عن العظم
تحاول ان تخفف الحمل عن قلبها بتفريغ حرقتها بالبكاء ، واللمّة :
أحس الأرض ضيقة علي
حتى الهواء معد ياسع صدري
حتى هي عليّ معهم
تركتها دون ان تعيد عليها نفس السؤال
فهمت ان وهاد لا تسمعها جيدًا
وهاد غارقة في دوامة حزنها ذات العوازل
لا تكاد تسمع الا شهيقها
وهي ترجو من الأرض ان ترفق بها وتهبّ مايكفي لصدرها ان يمتلئ
اردفت وهاد وهي لا تشعر بأي شيء
لا شك لو سألتها من الذي انتي في محجره ؟ لن تعرف
يكفيها ذراعين تقف في صدّ / مواجهة الأرض عليها
وكأن لا يوجد على الخريطة بقعةً حنونة تحويها
الا صدر شادن :
في زحمة التكاثر اللي ابوي مسويها
عمري ماعشت جو الاسرة والحب والحنية!
جيت على ابوي بالوقت اللي هو فيه كره الدنيا والبزران وصجتهم
جيت واخواني قدّهم لهم عيال
جيت وهو شابع من العيال
واخواني اللي كانوا حوله ومبسوط انه متزوج صغير
جيته بعد خمس عيال
سديت حاجة عواطفي وبلعتها ولكن تفاقمت وانفجرت بسياف
عشت اسوء سنين عمري
في ازمة ابوي المالية اللي خلتني اربط مفرشي على بطني
عشان ما احس بالجوع وأحرجه وشفت وقتها سياف في اسوء حال
فقدت ابويين في وقت واحد
قمت انشغلت في نفسي ودراستي وأدور لي على شغف
هه تدرين ؟ حتى دراستي ما اخترتها
الناس اختاروها لي
انتي طويلة لسان وقليلة أدب وأخت ابليس تنفع لك المحاماة
ولدن اخ يالدن!
السمحة الطيبة اللي تقتبس من الغيمة طهر شوفي لك مجال طبي
خلي العليل يشوف فيك عافيته
دخلت قانون وقلت بشوف نفسي هنا
وبثبت لهم ان اخت ابليس
بتصير تخليكم تتمنون حظها ولا تحصلونه
ماشفت نفسي بالدراسة
ورجعت اسمع اني فاشلة وغبية حتى ان بنات الكلية يقولون اني داخلة واسطة !
كرهت الدراسة والجامعة واليوم الاسود
اللي أنسأل فيه عن معدلي وتبدأ سلسلة المقارنات بيني وبين لدن
قمت اشوف لي شيء تتوق له نفسي في ظل سقم كلامهم !
شيء يخليني اصحى الصباح عشان انجح
مو عشان افتح من كلامهم
لقيته!
محامي شاطر
من عائلة لها تاريخ بالمحاماة
رجل ذكي يمين ابوه رغم انه اصغر اخوانه
مايتؤكل بقضية الا وهي منتهية قبل تنرفع للمحكمة
اذا قالوا فهد الفهد ارتعد خصمه
ماله قضية الا ونبشت فيها
ماله جحر ضب مرّه الا ومريته معه
ربي لطف بي ولا تكسر جناحي وطبقت عنده
تخيلي بأول يوم شفته
تمنى ان لدن تكون مكاني
وهو غني عني
دفنت رأسها بقوة في صدر شادن
لتصرررررخ بقووووة
وهي تغرس أظافرها في ذراعيها
لتخفف وطأة المرّ، والحرقة ، والقهر عن نفسها :
ااااااااااهههههه اااااااااااااااههههههه
الوحيد اللي ماتربطه بأهلي صلة عشان يقارني فيهم ويحقر مني
ماتوقعته يبغى اختي وتؤامي وانا بلشان فيني
بعرف ليش صرنا تؤام ؟
صرنا عشان انذل ؟
غمضت شادن عينيها بقوة من صرخة وهاد!
لم تكن تصرخ
كانت هذه نداء استغاثة.
طلب رحمة.
مرجوةً عفو.
اي شيء بإمكانه زلزلة هذا الحزن يامرحبًا به
تكور من ملح عينيها
من نياح وهاد دمعتين لاذت بالفرار الى خديها
وانساب من كلامها نهرًا
شق طريقه من مدمعها الى نقطة مجهولة بعيدًا عن زحمة دمعيها
المتراكم في اعلى جفنها ورطوبة وجنتيها.
مسحت على شعرها وتسمي بأسم الله عليها
ليحميها من وطأة الحزن
ويرقيها من همّ الدنيا الفانية
ويغلفها رحمة وسكينة
تحترم جميع انواع الهموم
مهما استحقرها البشر
كانت بيوم من الأيام
تتلوئ همًّا ولم يفهمها أحد
همست وهي تقترب بشفتيها من اذن وهاد :
بتمر والله بتمر
بيجيك يومٍ ينسيك هالأيام كلها
رفعت رأسها وهاد بحرقة :
متى ؟
التقت عيناهم لتكررها شادن بإصرار :
اجلٍ غير معلوم في كتاب محفوظ ياوهاد
وان طالت وتأخرت
مصيرها تلتقي بك ليلة
من فرحتك ماتنامين بها
" فكُل منتظر آتٍ ، وإن غدًا لناظره قريب "
تركت رأسها على كتف شادن
وهي تهمس بصوتٍ بُح من البكاء
وارهق من الصراخ
وذبل من استرسلها بالكلام قبل قليل :
ماضنتي بيمديه يوصلني
احس بيومي قرب
بموت قبل يلقاني
قاطعها شادن بإبتسامة وذكرى مؤلمة مرتها، تذكرها وهاد بنفسها بيوم من الأيام :
حتى وان رحتي للموت برجلك
ما انتي بميتة قبل توفين تفاصيل حياتك كلها
ضحكت وهاد بسخرية :
مجربة ؟
عمّ الصمت طويلًا
جميعهم مستندين على ارجل الكراسي
ينظرون للفراغ الذي امامهم
اخذت وهاد نفسًا عميقًا ترتب به شتات نفسها وكأن مخزون الدمع نفذ
لفت بإستغراب وهي تسمع شادن تجيب بهمس :
ايه جربت
لفت على وهاد مبتسمة بهدوء :
كرهتي الجامعة عشان بس يعايرونك بمعدلك ؟
انا كرهت الجامعة
لأنها خلتني أصادف ناس تمنيت انهم يدرسونهم الأخلاق
قبل الرياضيات والإحصاء
شفت فيها ناس مايعرفون يقدرون ان الشخص اللي امامهم ممكن يعاني من ظروف قبل ينادونها بـ " الكئيبة "
والسبب ان غيابي كثير واذا داومت انعزلت بكتبي

ضحكت شادن بهسترية
وهي تتذكر الاعلان قبل حفل تخرجهم الرسمي. لتلفظ انفاسها وتلف على وهاد :
تدرين وحدة من البنات
لما حاست تبغى تعرف من خذت مرتبة الشرف الثانية
وعرفت انها انا وش سوت ؟
جت وتفلت في وجهي قدام الكل تصوري ؟
والسبب ؟
لاني بنظرها " ما استحق "
ابتسمت بهدوء وهي تتذكر موقفها مع سياف :
من شدّة حرقتي من الحركة
وكبتها في نفسي
مرة زعلني شخص بكلامه وتفلت في وجهه
لاني ادري الحركة تجرح
وقذرة
وتعور
انك تحس نفسك شيء دني وقذر
شعور مرة بشع
بإختصار عشت اسوء حياة
دوام محد يواطنك
ام تتركك
اخوك ينحاش الى ديرة ثانية يخنق نفسه بالدراسة
ابو يستغني عن كل شيء من جرح أمكم
وبعدها زوج يجرحك باكثر جرح يجرحه بني آدم
ضحكت بخجل وهي ترى نفسها متحفظة على الإجابة :
ما ابي اقولك وش هو
عشان مايطيح اخوك من عينك
بس بالنهاية صار كل شيء اكبر من قدرة تحملي جرّني ابليس
ونسيت ان " الله لا يكلف نفسًا الا وسعها "
لفت على وهاد مجددًا وبعفوية :
اقولك سر محد يدري عنه ؟
عقدت وهاد حاجبيها بإهتمام فضولي
وحديث شادن الأول الذي يجمعهم بهذه الشفافية
أنساها ماكانت تتجرعه قبل قليل :
وشو ؟
ضحكت شادن وهي تحك جبينها
بطرف أصبعها خجولة من تصرفها الأرعن :
قد جربت انتحر
شهقت وهاد بقوة وهي تنظر إليها بدهشة
ضربتها شادن بطرف كفها على كتفها بخوف :
عمى وش فيك ؟
شوفيني قدامك مافيني الا العافية
قاطعتها وهاد بخوف
وهي تحاول ان تستوعب الفكرة التي أكبر منها :
شلون و ليش ؟
تنهدت شادن وهي تسند رأسها
على مقعد الكرسي
تنظر الى السماء الصافية والشمس الدافئة في نهايات الشتاء
مرحبةً بفصل الصيف تشرق عليهم || < قبل سنة وظ© شهور من الآن > || وضعت يدها على فمها
وهي تشعر بآلمٍ حاد في أسفل بطنها
غمضت عيناها بقوة
وهي تشهق بشدّة محاولة ان تسترد انفاسها
تشعر بجسمها يتعرق من شدة الآلم
رفعت شعرها بإنزعاج
وهي تحاول ان تربطه لتبرد عن نفسها
صرخت صرخة
كادت ان تصمّ بسببها مسامعها
لتسقط الربطة من يدها
وتخر قدميها وتسقط على ركبتيها
وضعت كفوفها على الارض
وهي تحاول ان تقف
تبكي بصوتٍ عااااالي وتنبح
تعلم انه موعد المخاض !
هذه الآلم الفرعوني العذاب
ليس بهينٍ حتى تقول آلالام طبيعية
رطوبة اجتاحت فخذيها تبشر بقدوم مولودها
الساعة تشير الى الحادية مساءًا وهي من الرابعة عصرًا
تحاول ان تتقاوم الألم. وفكرة انها سويعات وستسمع بكاء غير بكاءها يقاسمها الغرفة
بكاءًا يتطورًا شهر بعد شهر ليصبح بعد شهرًا صوتًا ذا نعمة معروفة يناديها ب ( ماما )
سينضم فردًا جديد لمعاناتي
يُشاطرني همومي
ليكبر وهو يشتم اليوم الذي ولدَ فيه
لست مستعدة بعد. ارجوك عودي يا بنيتي
والله ان الحياة لا تستحق كل هذا الحماس لتغادري بطني
ستكبرين بعد 20 سنة
لتعلمين ان أردت لك حياة افضل ببطني
وفضلتي المجيء
لا تكرري غلطة امك مرة اخرى
حتى وان اردتي لن اسمح لك
وقفت شادن وهي تبكي بحرقة من الألم
فتحت باب البيت وهي تخرج بخطوات بطيئة وثقيلة الى الشارع
تجر امامها بطنًا
وقدمي ثقيلة
وعيني لا ترى بوضوح من شدة الدموع
سقطت عند الدرجة الثانية
لتقف مجددًا وهي تنظر الى بطنها وتصرخ وكأنها تسمعها :
بنموت انا وانتي ونرتاح تفهمين ؟
ماراح أجيبك
والله لا اموت قبل تجين والله لا اموت
سقطت مرة اخرى لتصرخ بحرقة من الجرح اللي خدش ساقها
يأست ان تستطيع ان تمشي مرة اخرى
بدت تزحف على الأرض وهي تهمس بلا وعي :
ماراح تجين بدنيا امك مريضة نفسية
وابوك عبد شهواته وحيوان بشري
وجدتك حقيرة هاربة
وصلت الى بوابة الشارع غمضت عيناها بألم
لم تعد تعاني من المخاض وحده
حتى ركبتيها من شدة الزحف باتت تنزف
تمسكت بحدائد الباب لتستند عليها همست وهي تحاول ان تمد نفسها بالطاقة المعنوية لتقف :
ماراح تجين وتكملين نسل التخلف والابتلاء اللي نعيشه والله لا أريحك قبل تجين
ابتسمت بفرحة وهي تبكي بألم
ترى انوار سيارة قادمة من بداية الشارع
هاهي تقترب
لم يتبقى شيء
ثواني تفصلني عن قبض روحي لترسلُ أروحنا يابنتي الى السماء
عند ربٍ رحيم ، ولا عبادٍ ظالمة
كان يرى السائق من جنسية اجنبية
الطريق خاليٍ
والشارع هادئ
والأمور على مايرام
صرخةً من كفيله الذي يجلس بالمقعد الجانبي تأمره بإني يتوقف
ليضغط على الفرامل بقوة ولكن فات الاوان!
اصطدمت السيارة بها
صرخت شادن بفرحة وهي ترى الفرج اقترب
لم يعد يفصل اقتراب السيارة من المرور امام الباب الا ثانية
استجمعت قواتها لتركض هذه المرة وتكمل السيارة المهمة عنها
ركضت ، ركضت بقدمين
طليقة / حرة / خفيفة
وكأنها لم تكن تزحف قبل ثواني من الآن من شدّة الألم
ولكن!
صرررررخت وهي تشعر بشيء لم تشعر به منذ العصر
تشعر بإني طفلتها باتت قريبة جدًا
اقرب من مرور السيارة فوق جسدها كما تتمنى
اغلقت ساقيها بقوة لتسقط على الارض
واصطدمت السيارة برأس شادن!
كانت جالسة بمنتصف الشارع
ومن اثر الضربة سقطت على الأرض برأسٍ نازف من اثر حادث مروري
وساقين نازفة من اثر الولادة ! )

شهقت وهاد وهي تحتضن شادن بشدّة هامسة :
يامتخلفة يامجنونة يامريضة صدق
الحمدلله رحمة من ربي انك طيبة
بس وش صار ؟
ضحكت شادن وهي تعلم انها من ورا قلبها. من خوفها :
ولا شيء
دخلت في غيبوبة لمدة شهر تقريبًا
الضربة أثرت على رأسي وقتها
صحيت بعدها وانا تافلة العافية
وكارهه الدنيا
وبس ابجي وكل مابجيت خدروني عشان انام يحسبونه من الألم
وانا ماكان من الالم انا كان من الحرقة ليش مامت ؟صحيت الصباح ومحد عندي وقتها ماتوقعوا اني بصحى لاني صحيت قبل الفجر وخدروني | << قبل سنة وظ¨ شهور من الآن >> |

فتحت عيناها ببطئ ، افتتح بصرها مهمته لهذا اليوم برؤية النافذة التي تعكس بزوغ يوم جديد
أغلقت عيناها مجددًا لتسقط دمعة عجزت ان ترضخ لفكرة " انها مازالت حيةً ترزق "
اقتحم سكينة الغرفة ، دخول الممرضة البشوشة وهي ترى شادن تبكي :
Good morning
تجاهلتها شادن كالعادة، لتردف وهي مقدرة حالتها مبتسمة :
do you want see your daughter ?
لفت عليها شادن بهدوء وهي تمسح بطرف كفها عيناها :
Is she a girl ?
ضحكت الممرضة بفرح وهذه اول استجابة لشادن منذ ان صحت :
Yes , She is beautiful girl
هزت شادن رأسها بالنفي
لتدخل ممرضة اخرى بهدوء مبتسمة عندما رأتها مستيقظة تاركة الباب خلفها مفتوح :
فيه هذا رجال من اول يوم انتي فيه غيبوبة هو موجود يبي يشوف انتي الحين
هزت شادن رأسها بلا مبالاه :
ما ابي اشوف احد ، أطلعوا كلكم
عادت برأسها لمخدتها لتستلقي. دخل وهو يجر بكفيه عجلات مقعده المتحرك ليلفظ بجدية :
المعذرة يا اخت شادن ماقعدت انتظرك شهر تقومين بالسلامة عشان ترفضين تشوفيني
عقدت شادن حاجبيها وهي مستنكرة هذا الصوت !
اعتدلت بجلستها وهي ترى رجلًا مقعد
تقدم بخطوات عجلاته وهو يبتسم :
الحمدلله على السلامة
همست شادن :
الله يسلمك
وضع باقة الورد على الطاولة القريبة من سريرها وهي يبتسم :
ماعرفتيني صح ؟
هزت شادن رأسها بالنفي ، ليجاوب بهدوء :
انا اللي دعمتج وبعبارة اصحّ - الدريول هو اللي دعمج - لاني زي ماتشوفين
ضحك وهو يشير الى قدميه :
ما اقدر اسوق
قاطعته شادن بقلة حيلة وهي تريده ان يخرج، مافيها للمجاملة ومقابلة الناس :
مسامحتك وحصل خير واي ضرر للسيارة كلم اخوي بيتكفل فيه ماراح يقصر
قاطعها الرجل بإستنكار :
هوب هوب هوب من قاص عليج اني جاي اعتذر ؟ كلهم مصدقين سالفة انج طلعتي تبين مساعدة ودعمناج
بس انا ما صدقت لاني قبل 9 سنوات
سويت نفس حركتج وقطيت نفسي على السيارة بس النتيجة انج بغيبوبة وانا مقعد طول عمري
فتحت شادن عيونها بدهشة وهي تسمع كلامه
ابتسم بهدوء وهو ينظر الى الشباك :
لو ينعاد فيني الزمن ماسويت حركتي هذه
رفع صوته وهو ينادي :
عبودي ، حمودي تعالوا
دخلوا طفلين في عمرين مختلفين ، يتراكضون لإحتضان ابيهم
ويجلسون في حجره
ابتسم بإنكسار وهو يقبل رؤوسهم :
لو دريت ان الله بيرزقني بأحلى صبيان بالدنيا مافكرت اكون لهم اب مينون بتصرفاته ونتيجة تصرفاته مقعد
اول يوم شفتهم فيه ياشادن عرفت ان الدنيا ماتسوى شيء
سمعت انه للحين ماشفتي بنتج والله لو شفتيها ان تبجين قد شعر راسج دم
ان فكرتيني تضحين بهذه اللحظة اللي تضمنيها لصدرج )

تنهدت شادن بحُب وهي تتذكر تلك اللحظة :
طلبت وقتها بنتي وشفتها ! اذكر ليلتها مانمت ثلاث ايّام
كنت ابكي اتخيل لو مت وماشفتها
لو مت وحرمت نفسي من اني اكون ام احلى وأرق وأبهى طفلة بالدنيا
كل ليلة اضمها قبل تنام
ماهو لاني مدلعتها
انا قاعده اشكر ربي وأذكر اني مهما كانت حياتي سيئة
بنتي تستاهل اني ما اعيشها نفس الحياة
لما اسافر او اداوم او اروح حتى لدورات المياة - عزك الله - وتبكي لانها فاقدتني ، ابكي معها
اتخيل لو مت وقتها وش بتسوي من دوني ؟
شلون بتنام بدون ماتشم ريحة صدري ؟
شلون بتصحى بدون ماتشد شعري لين مابقى الا شعرتين ؟
اتخيل لو مت قبل ما اسمع ماما
اتخيل لو مت قبل ما تشوفني
اتخيل لو مت وجلست طول عمرها تتخيلني
تعالجت عند طبيب نفسي مو عشاني لا عشانها!
تصالحت مع ابوها وغفرت اشياء ماتنغفر عشانها بالمقام الاول هي ثم انا
عشان انا حياتي جاها من الهم مايكفيها
خلاص راح من عمري مايكفي
ماعندي عمر زود اقضيه أعاتب وألوم واضيعه
ابي اعيش ماتبقى لي من حياتي مبسوطة واربي بنتي وبس
وأخلي الخلق للخالق
لاني دريت الدنيا تافهه! وبني آدم ضعيف
الموت يسلبه كل شيء
وعمره قصير وأيامه معدودة ليش قاعد يضيعها ؟
قمت على رجلي ورجعت شيدت بيتي وعزيت شهادتي وبتوظف قريب ان شاء الله !
خلاص ما بقى من العمر عشان نضيعه
وقفت شادن وهي تمد كفها الى وهاد بإبتسامة :
قومي وهاد قومي راح من عمرك نصفه
إعمارنا ماهي إعمار الأنبياء ولا الاولين السابقين اللي يعيشون ظ©ظ ظ سنة
احنا اطولنا عمر ابو ظ§ظ سنة
وقفت وهاد وهي تحتضن شادن بحب هامسة :
شكرًا لك وآسفة لو كنت من نن الايام سبب انك تكرهين الدنيا بسببي
ادري كان تصرفاتي معك تصرفات خاايسة
بس هذه انا والله ما اعرف أتصرف شوفي حتى لدن زعلتها
ضحكت شادن وهي تقبل خدها :
وش دعوة ؟ والله ماشلت بخاطري شيء اصلًا وراضي لدن تراها مسكينة ماتستاهل ولو ما اعجب فيك مديرك قلعته انتي ماراح تناسبينه انتي رحتي تبنين نفسك
اخذت شنطة غنى ، وشنطتها ومفتاح سيارتها لتخرج من هنا الى بيت خالتها ندى.
أقترب من الممرضة المسؤولة عن حالة أبيه ، بعد ان بحث عنها بإرجاء العناية ولم يجدها. تنهد بإرتياح وهو يجد ضالته اخيرًا ، ابتسم بمجاملة :
السلام عليكم
رفعت رأسها من كومة الملفات التي امامه ، تشرف اليوم على سبع حالات مختلفة من العناية المركزة. قُسم قلبها الى 7 جزء اجزاء وتركتهم أسفل سرير كل واحدٍ فيهم. بجدية :
وعليكم السلام ، تفضل دكتور ؟
حك جلوي طرف حاجبه بطرف سبابته بإحراج وهو يراها تتحدث معه بمهنية. لتتلاشى ابتسامته وهو يقتبس من جديتها :
بغيت اسألك عن الوالد ، هو أمس طلع ولا شيء ؟
ليردفها بكذبة مبررًا سبب سؤاله :
طبعًا امس كنت مو موجود ، واليوم مريته ولقيتهم صرفوه قلت اسالك مرة وحدة
هزت رأسها بإيجاب وهي تبتلع كذبة جلوي كطعم :
صحيح الوالد طلعناه اليوم قبل صلاة الظهر الحمدلله على سلامته. وفعلًا امس طلع على مسؤوليته ثلاث ساعات تقريبًا ورجع
أبتسم جلوي مجددًا بإمتنان وهو يهمّ بالمغادرة بعد انتهى دوامه :
يعطيك العافية
تجاوز مكتب الاستقبال
مركز تجمع الممرضات عادةً وهو يفكر بشك !
لما شاف امس سيارة والده تغادر الديرة ، لم يكن يتوهم او شاك
كان فعلًا والده هناك ، ولكن ماذا يفعل ؟
قاطع حبل افكاره اتصال ثنيان الذي آمره بالقدوم واتفقوا على الغداء بمطعم ومراجعة الأوراق
/

\

/
في غرفة ملابسه الذي ظن الجميع انه تنازل عنها، وتركها مغلقة طوال السنوات الفائتة
وحده هو من بحوزته المفتاح !
اي منطقي سيظن ان الغرفة باتت جزء من جناحه مهجور
ولكن اي مجنون كجنونه سيعلم انها مقر اتصالات وتحكم
لا يتجاوز قياس الغرفة 12x6 وتحمل شاشة تحكم - شاشة مراقبة - جهازين مكتبية تبرمجت على يديٍ فرعونية البرمجة. عميقة بما يكفي لزلزلة دول ومحاربة قارات
يعلم بقرارة نفسه انه يملك دماغ لا يملكه غيره على وجه الكرة الأرضية. وان وجد ؛ فلم يحسنوا استخدامه
لم تتوافق كتب الدراسة المتواضعة مع قدراته.
لم يرضي جموح شغفه اساليب الحياة التقليدية

فتح دفتر ذكرياته الموجود أسفل مكتبه ، ليدون التاريخ ومن بعده يسرد حديث افكاره.
يشك بإنه سيموت يوميوا وتبقى الغرفة رهينة ابيه وامه ليرثونه عتبًا على اخفاءه الحقيقة، لعلهم يجدون في ذكرياته مايشفع له :
فخورًا بإني عتقت نفسي من رهن التعليم ، هو فعلًا اسمه تعليم ولكن انه يشبه كل شيء في مقياس الجهل الا التعليم بحد ذاته.

لم اسرف ب 12 عامًا من عمري في اسوار مدرسة بدائية،
ينتابي الشك احيانًا ان كانت المدارس لتعليم الاطفال ام لتبجيل وتخليد العلماء ؟
لا اعلم حقًا ولكن اني رأيت شكوكي في رأيي الثاني واضحة.
لا املك الوقت الكافي صباحًا حتى اسمع كم قانونًا وهبنا نيوتن
او كم محاولة خاضها إديسون مع علمي التام بأنها سرقها من تسلا ولكن امعة الفيزياء يرفضون تنديس الصورة العبقرية لأبنهم المدلل.
او كيف انقذ فيثاغورس الرياضيات بقانونٍ واحد
بالمناسبة منهاجنا تخبر اطفالكم عن فيثاغورس ولم تخبرهم عن مؤسس علم الجبر والجندي المجهول ( ) لا اخفيكم فتحت القوس واغلقته مجددًا لان اسمه لا يحضرني بعكس الاستاذ " فيثاغورس "
لم استغرب من نفسي او مناهجنا لطالما ايقنت بتقديسنا لكل من هو اقل منا، فقط لانه غربي

نعود. او كيف آخر ارسطو العلم وسطر مندليف الجدول الدوري.
واوجهه تعازيي ايضًا الى لجاليلو وان اكل الدود جسده.
مت ولم تشاهد انتصاراتك في منهاجنا
يعز علي ان الوقت الذي سيخوضه معلمي الأحياء صاحب الكرش المؤقر في أخباري عن مندل وفاصوليته كم مرة اصبحت خضراء وكم مرة صفراء. استطيع في نصفه ان اخترق اسرار اشرس الدول
قهقه بخبثٍ وهو يعود الكرة مع قلمه ليكمل مابدأ :
والله لو علموا مابحوزتي يا اماه ، لا اصدروا مرسوم بإلغاء جميع الاجهزة الالكترونية من وجه الارض
وعادوا الى المحبرة والحبر والبرقيات خشيةً مني ومن امثالي - اشك بوجودهم -. اغلق دفتره وهو يعيده مكانه مبتسمًا. يملك افضل لوحات المفاتيح الذي لا يستطيع راتب شاب بعمره ان يبتاعها، ويرجح عليها قلمًا بتراب المال من زهد قيمته.
لانه يعلم ان هذه المفاتيح ليس لها آمان، والقلم كتومًا كما يجب.

استيقظ من وتيره افكاره مع نفسه، على صوت خليل روحه ( عبدالرحمن ) و موجات صوته تنبعث اثيرها من السماعة التي تعتلي رأسها وتغطي مسامعه :
هيه ياولد وين رحت ؟
خفض المايكروفون الى مستوى فمه ليجيب بهدوء :
وش عندك ؟
شبك عبدالرحمن كفيه ببعضهما ، بمقرٍ لا يقل عن مقر رفيقه بشيء :
ماقلتي لي وش صار مع بنت اخوك ؟ تركت هبالها ؟
تنهد ( يوسف ) بهمٍ وهو يمسح بكفوفه وجهه وكأنه يطبطب على نفسه :
صدمتني فيها ياعبدالرحمن! ماتوقعتها ولا ظ،ظ?طœ لحولة ومصرة كذا
ابتسم عبدالرحمن بإعجاب على تصرفات أفنان :
تحسب السكوت عن الحق طعمه حالي ؟
بعدين ماراحت بعدين عمها يوسف ولا نسينا وش موهق نفسك فيه عشان تكون معاون مع امن الدولة. وتنبهم بتصدي عن اي شيء غير محسوب له بمعنى اصح - غدرة -
قاطعه يوسف بغضب :
انا غير وهي غير
انا كل خطوة دارسها وحاسب لها. وشغلي سكاتي
اما هي بأسمها ، وبدون حماية الكترونية ، بنظام مفتوح واي طفل يقدر يخترقه ، وتجاكر ناس ماهي بقدهم
تنهد عبدالرحمن وهو يستند بقلق متسائل على ظهر كرسيه المكتبي :
ماتخاف انك تسرعت بردع افنان ؟
كل اللي تتكلم ضدهم، انك تخترقهم وتحاول تكون كل اذن بينهم. كل تهديداتهم ضدها للحين مجرد كلام وتخطيط
اما انت تحمست واخترقت حسابها وكذبت عليها بأنك انت ، هم
ونشرت كلام عن عمتك عشان تقنعها
فضحتها ، واخطيت بحق عمتكم ، وتدخلت بتصرفاتك بدال الناس المقصودة وكأنك انتقمت لهم منها على طبقٍ من ذهب
وهم للحين ماتقدموا خطوة وحدة
قاطعه يوسف بإصرار غاضب من برود عبدالرحمن ، وكأنه يطلب منه ان ينتظر حتى يصلبونها :
انت بعقلك ؟ اذا طاحت بيدهم وتقدموا خطوة وحدة. سلم عليها لأنك معدك شايفها
هذولي ناس قذرة ماعندهم ذمة ولا ضمير ولا خوف من الله
بعدين انا لعبت لعبة ذكية. قدمت تنازل واحد وهو اني شهرت اسم افنان ولكن كسبت اشياء كثيرة
اولها ان افنان انسحبت من الساحة موقتا حتى انهم نسوا موضوعها
ولما رجعت مرة ثانية ، انا تكفلت بالموضوع أمس ونقول يا رب هذه الثالثة ثابتة يرد عليها عقلها وتترك الهبال
عمّ الصمت دقايق طويلة لم تخلو من تنهيدة عميقة من يوسف
ونظر عبدالرحمن للفراغ وهو يحاول ان يستنجد بدماغه ليجدوا حلولًا اخرى
قاطع صمتهم رنين رسالة من جوال عبدالرحمن من المصرف تخبره بسحب مبلغٌ وقدره من حسابه في محل هدايا و ورد !
حسابًا بأسمه فقط. اما بالحقيقة هو تحت تصرف يوسف بالكامل ، واي مبلغ من أرباحهم في الانترنت يرفعه ليوسف في حسابه.
ضحك عبدالرحمن وهو يرفع حاجبه بخبث :
محل ورد وهدايا اجل ؟ والله طحت ومحد سمى عليك
ضمّ يوسف شفتيه للداخل ، ليمنع ابتسامةً تخرج من بينهم ويشعر بها عبدالرحمن
ليردف بحرج :
اقولك اذلف قال طحت قال
أنفجر عبدالرحمن ضحكًا من خجل يوسف العذري في الحب! شعر به من خلف السماعة
بيدفع مايملك لو ينام على بساط الفقر من اجل ان يرى يوسف الآن
ليردف بشاعرية مصطنعة ناغزًا يوسف :
حملتني فوق وسعي وأكبـر حلولي ( صمـود )
ويكمل بقية القصيدة غير مبالي بترتيب أبياتها :
‎وطحت كأني في مكاني شـي تافـه مايكود
‎حتى أرض ٍاحتوتني ماتحفت بركبي
ليكمل يوسف بهدوء مبتسمًا بإنكسار على نفسه ، خشيةً هذا الحب ان ينتهي قبل ان يبتدي :
وش يسوى كل مكسب دامك أنتي مكسبي ؟
وصدقيني لـو يحول الوقـت دونـك بالسدود
ما أنكر إنك يـوم رحتي طحت واثـق بركبي !
/

\
رفعت عيناها من شاشة التلفاز التي تشير على أغنية غنى المفضلة لهذا الشهر
الى الساعة الكبيرة على عرض الحائط لتحسب كم تبقى على انتهى استراحتها. وشادن لم تأتي بعد
اعادت عيناها الى الأسفل وهي ترى غنى تتعلق في ساقها لتغني وتمثل مع القردة المعروضة على التلفاز
تنهدت صمود بغضب مصطنع وهي تسدح غنى في الارض وتدغدغ بطنها :
على اخر عمري أقلد قرد عشان خاطر بنت شويدن
ضحكت غنى وهي تحاول ان تبعد رأس صمود عن بطنها :
ابببييي ميمي ابي
تنهدت صمود وهي تقف ضاحكة لتمثل انها سقطت من الطاولة :
آمري لله بعد
صرخت بكذب وهي تمسك رأسها بألم مصطنع وتغني لغنى المنهارة ضحكًا :
‏No more monkeys jumping on the bed
دخلت العاملة وفي يدها باقة وردٍ باللون الأحمر
تكاد ان تغطي جسدها بالكامل من كثرة الورود
اخرجت رأسها من خلف الباقة لتنظر بصدمة لهم. ابتلعتها وهي تردف بإستنكار :
مس صمود this for you !
لفت عليها صمود بإستغراب وهي ترى باقة الورد ، لتبشير الى نفسها بدهشة :
Me ?
هزت العاملة رأسها بإيجاب وهي تمدها لها. وتتوجه الى الطابق العلوي
اخذت صمود بإنبهار وهي لم تستطيع ان تحصي بعقلها كم وردةً تضم كفيها
سقط من كومة الورد المصفوفة بعناية ، كرت
انحنت لتلقطها من الأرض
اقتربت غنى بإنبهار وهي تمرر بكفها الصغيرة على كافة الورد :
واااااااااو ميمي
عضت صمود خدها بحب ، وهي تأخذ وردة من بينهم لتضعها خلف أذن غنى :
يااااعيون ميمي ، ياحظ الورد يااااحظه
ضحكت غنى بخجل وهي تحاول ان تأخذ وردة مثل مافعلت صمود :
انتي بعد
ضحكت صمود وهي تأخذ وردة وتضعها خلف إذنها مثل مافعلت مع غنى :
حلو ؟
قبلت غنى خدها وهي تتعلق بذراعيها بعنقها. ابتسمت صمود وهي تفتح الكرت
بحثت بعيناها عن اسم المرسل قبل ان تقرأ بقيته! ولكن كان الكرت خالي من عنوان / اسم. لا يحمل سوا : " وأكثر مايزيد الورد حسنًا ، بأن يهدى أيا قمري إليك
كأن الورد قبل لقيتك غصنٌ فيزهر حين تلمسه يديك "
ضحكت بخجل وهي تحاول ان تخمن من المرسل لتهمس :
معقولة ذياب ؟ او هذه حركات شادن ؟ معقولة خالد اخوي! بس مستحيل يكتب هذا الكلام
تركتها جانبًا بحيرة وهي تجلس غنى بحضنها، وتصورها معها من على جمب ليظهر الورد فقط وهيئتها
أبتسمت بإعجاب على الصورة التي نالت على رضاها من اول التقاطة
ولكن إشعار رسالة من الأعلى خطف ابتسامتها ، وزعزع فرحتها :
( ودع البرد وردٍ ضم يمناك ، صافح الود قلبه يوم جاك )
ارسلت بسرعة :
( مين ؟ )
لتعود رسالتها إلى كفوفها ولم ترسل ، لانه غادر الرقم المرسل ؛ الخدمة !
كانت بداخل سيارتها ، تضرب أعطت صمود - بوري / هرّن - حتى تخرج ابنتها مع العاملة
وعلى مسامعها هاتفها تستمع الى قصة ريناد
ضحكت شادن بدهشة وهي تمسك رأسها :
ياساتر هذا كله يطلع من كويسر اخو ابليس ؟
تنهدت ريناد بقلق وهي بأصابعها اطرافها :
طيب انتي شلون تأكدتي ان سياف يحبك ؟
ضحكت شادن مجددًا :
يابنتي المقارنة غلط ! سياف في وادي وكسار في وادي
مستحيل على شخص واحد تقيسين مدى جدية الحب
سياف مندفع بمشاعره
يصرح فيها كل زمان ومكان
يشوف مشاعره مثل ثيابه لازم تكون مكشوفة للعلن
بس كسار غييير عن سيااف غييييييير
قاطعتها ريناد بغضب وهي تبعد عينها عن الطرقات :
طيب شلون اتاكد ان كلامه صدق ؟
ضحكت شادن على ردة فعل ريناد بدهشة :
يابنتي وش فيك شايلة هم الموضوع اكثر منه ؟ اتركيه. هما هو يقول يحبك ؟ اللي يحب مايتخبى ، مصيره بيتأخذ ردة فعل تبين لك جديته مع اني ما اتوقع كسار من النوع اللي يقول الكلمة مايحسب حسابها
اشوفه من النوع الواعي
لو ماحلفتي لي اصلًا ماصدقت ان هذا هو الكلام ابدًا مو اسلوبه ولا شخصيته
لتردف بلهجة شامية وهي تتدلع على مسامع ريناد حتى تغيضها :
بس يئطع الحب شو بيزل ، طلع اسوء وأرق مافي الرجال
صرخت ريناد بغيض من برود شادن وكأن الموضوع كذبة ابريل :
شادن يامتخلفة ردي على جوابي زي ما ابي
رفعت شادن حاجبها بخبث ضاحكة :
انتي تدرين ومتأكدة انه يحبك ، لانك حسيتيه في صوته وشفتيه بعيونه!
بس انتي محتاجة انا بعد اثبت لك
أوكي ياماما اسمعي اللي تبغين تسمعينه. يغار يابنتي يغار ، واللي مايغار حمار . يوم حس فيه طرف ثاني بيكوش عليك تقدم خطوة لان كسار من النوع الاناني! يتملك بعنفوانية اذا حس ان فيه شخص ممكن يسلبه ملكه
عمّ الصمت دقايق طويلة من كلا الطرفين، لم يقطعها ركوب العاملة وغنى ولا مصافحة شادن لها والسؤال عن احوال ابنتها.
عادت لها شادن بإبتسامة حالمة مصنطعة :
وين وصلنا ؟
لتردف بجدية تامة ، ونبرةٍ صارمة بعد ان رأت ان الموضوع تعدى خطوط المزاح :
ريناد اياني وإياك تطاوعينه! ولا تسايرين مشاعره ولا تغيرين معاملتك ولا تحاولين تكتشفين بشعور داخلك ما انولد عشان تحسين بالراحة انك بعد تحبينه !
لا تخلقين شعور فيك ما انولد نصيحة !
انتي اللي بتتعبين بعدين !
قاطعتها ريناد بصدق وهي تتنهد بهمّ :
ما ادري شادن ما ادري ما اعرف الحب وشو ، ما ادري اذا اللي في قلبي هو حب او لا
مثلًا انا بس الحين قاعدة لحالي
حسيت اني فقدته لان تدرين بباريس كلها ماعندي غيره ؟ حتى اصدقاء معد عندي ، بس كسار وبس
قاطعتها شادن بتصيّد وهي تعقب على كلمة فلتت من لسانها :
هاه شفتي! انتي بنفسك قلتيها " اصدقاء " ، واذا تبين رأيي بعد
انتي وكسار ماجمعكم الا موضوع العصابة. انهيه وارجعي لنا واتركيه
هو اذا بغاك بيعرف يطق باب بيتكم
وترجعين معه باريس زوجة على ذمته ، على سنة الله ورسوله !
واذا لاعب وان شاء الله انه مو كذا. بتكونين وقتها كشفتيه وريحتي نفسك من عناء طريقٍ مافيه خير
قاطعتها ريناد بتنهيدة :
ان شاء الله ، يالله تبين شيء ولا أسكر ؟
ابتسمت شادن وهي تهم بإغلاق السماعة :
سلامتك ، واذا بغيتي شيء دقي علي
اغلقت شادن من أتصال ريناد من هنا. ليرن هاتفها بإتصال اخر من هنا
لتجيب بحب :
هلا يمه
قاطعتها ندى بإندفاع غاضبة :
ساعتين تقرقرين بالتليفون انتي ؟ من تكلمين هالوقت كله ؟
أبعدت شادن السماعة عن إذنها ، من صوت امها المرتفع حتى كاد ان يصم مسامعها. لتردف بعد ان انتهت بتبرير :
كنت اكلم ريناد
ما ابيها تحس بشيء وان ابوي فيه شيء ماله داعي تعرف دام الامور عدت على خير
تنهدت ندى وهي تتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لتهدأ غضبها وتردف بتساؤل :
قربتي من البيت ولا توك ؟
هزت شادن رأسها بالنفي وهي ترى انها مازالت لم تتعدى بيت ابيها بكثير :
مسافة الطريق ان شاء الله ، امريني ؟
تخصرت ندى بقلق وهي تبحث بشنطة أدوية ذعار. ولم تجد الوصفة الطبية بينهم
لا تعلم اي دواء تعطيه الآن او كمية الجرعة! تذكرت كل شيء حتى المنديل التي وضعوها لغرفة ذعار اخذتها احتياطًا خش ان يحتاجها بالبيت
ونست اهم شيء :
يمه طالبتك مري المستشفى وشوفي جناح ابوك قبل ينظفونه وصفة ادويته بتلقينها بدرج الطاولة السرير انا حاطتها هناك
انا ادري له دواء الحين بس مدري ايهم ودقيت على جلوي يجيبها بدربه ومايرد والمستشفى يقولون خلص دوامه
عقدت شادن حاجبيها بإستنكار وهي تغير طريقها الى المستشفى :
وش فايدة الممرضة اللي عنده ؟ اكيد هي تعرف
قاطعتها ندى بغضب :
بتصيرين افهم مني ؟ الممرضة بتبدأ تداوم اليوم من بعد المغرب والحين ابوك له دواء
نحط يدينا على خدنا وننتظر الممرضة تخرجنا من الظلمات الى النور ؟
خافت شادن ان تخرج امها من خلف شاشة الهاتف لتكسر راسها بالمقود وترتاح منها
حساسة امها جدًا من ناحية والدها. :
ابشرّي يمه
حتى لو مالقيتها بدرجه بخليهم يطبعون لي جديدة ولا يضيق صدرك وتشيلين هم
قريب المستشفى من بيت ابوي خالد
ماراح اتاخر عليكم ان شاء الله
اغلقت ندى السماعة دون ان تجيبها، لترمي شادن هاتفها بجانبها
وضعت أطراف اصابعها على إذنها وهي تفركها بهدوء متألمة من طول المكالمات التي أجرتها :
اه
لفت برأسها بإبتسامة :
بنزل شوي ماراح اطول
ابتسمت العاملة وهي ترفع رأسها لشادن بعد ان كانت عيناها تنتقل بين غنى في مقعد السيارة. جالسة بإحكام وبين هاتفها
نزلت وأغلقت السيارة ، واستودعتهم الله
دخلت المستشفى وهي تتوجه الى جناح ابيها سابقًا. فتحت الباب ودخلت
نقلت عيناها في ارجاء الغرفة
تنهدت بإحباط وهي ترى الغرفة مرتبة جدًا
تقدمت بأمل ان تجد الورقة ماتزال في مكانها
فتحت الدرج
لينفتح الباب في الوقت ذاته
تعدى الداخل غرفة الضيافة. ليدخل غرفة السرير
التفت ويدها ماتزال ممسكة بمقبض الدرج بعفوية وهي تشعر بتقدم الخطوات نحو الغرفة :
Plea...
انبترت كلمتها
وهي ترى طرف عباءة سوداء لا طرف سكراب ابيض !


اردفت بغضب وهي تهيأ لها في بالها. انها ندى لم تحتمل واتت تاخذ الوصفة بنفسها :
يمه ماقلت لك بجيـ..
بتر حديثها هذه المرة عينان لو تفقد ذاكرتها لم يستطعون سلبها منها
امراة تقف امامها بعباءة سوداء وطرحة بطرفها متلثمة!
كاشفة بها عيناها
التي تنظر بها الى شادن بدهشة
لفت بقوة متوجهة الى الباب
لتهرب بحقيقتها قبل ان تسألها شادن :
( من انتي ؟ )
شادن ابنة بطنها
من باتت في رحمها 9 أشهر
من كفكفتها بين ذراعيها 12 عامًا
تظن ان الـ 12 عامًا الفائتة كانت كفيلة بإن تنسي شادن التفاصيل.
فزت شادن من مكانها لتلحق بها بسرعة
وتمسكها من كفها
مسكتها بقوة!
وكأنها تمنعها هذه المرة من ان تفلت كفها وتذهب
مسكتها بقوة!
وكأنها تقيدها هذه المرة من ان تنهرها بغضب وترحل
مسكتها بقوة!
وكأنها تكبلها هذه المرة بدلاً من ان تكبلها هي في أسوار الكرسي

تشعر بإن المشهد يعاد امامها مجددًا.
أمنت بكل من يقول :
" التاريخ يعيد نفسه "
اختلاف الاماكن لم يكن عائق
من كراسي الانتظار الى سرير التنويم
من مطارٍ الى مستشفى
كف شادن الممسكة بمعصمها بقوة! كبِرت!
كانت كفها قبل 12 عامًا
لا تكاد تغطي معصم والدتها
واليوم كفها قادرة ان تغطي معصمها
وتشدّ بأصابعها عليها لتلتقي باطن أظافرها بظهر مكان النبض من بداية معصمها

قبل 12 عامًا من الآن || في مطار الملك خالد الدولي
بكلتها كفيها تمسك بكتفي شادن التي تمشي امامها
ومن خلفها ذياب يجر الحقائب
المحملة بأغلب اغراضهم من الكويت
بإستغراب لرحلتهم المفاجاة للسعودية
خرجوا بعد ان استلموا حقائبهم من بوابة الوصول
ليحاطوهم المنتظرون اهاليهم العائدون من السفر خلف الزجاج
ليهمس ذياب بإذن والدته بتساؤل
خشيةً ان احدهم من خواله مصاب :
يمه فيه احد ينتظرنا ؟
لم تجيب امه تساؤله
وهي تقف امام كراسي الانتظار
التي خلفها زجاج يفصل بينهم وبين انتظار السيارات
لفت على ذياب بصرامة
وهي تأخذ حقيبتها من يده من بين حقائبهم :
اقعد انت واختك هنا
رفع ذياب حاجبه بإستنكار
وهو يجلس ويأخذ يد شادن من حضن امه
ليجلسها بجانبه
وضعت شادن راسها على فخذ ذياب
لتغمض عيناها بنعاس
والساعة تشير الى 3 فجرًا
اخذت غزل الشنطة الكبيرة لشادن وكأنها مهاجرة
وعلى سيرها كان معطف لشادن التي تبرد بالطائرة
وضعته غزل على كتفيها بحرص
وهي تنظر الى ذياب :
أغراض اختك اللي تحتاجها كلها هنا
واذا وصلتوا لاهلي
لا تفتح المكيف على طول على البارد على اختك يلفحها براد
انتبه ياذياب اياني وإياك
ارفع برودته شوي شوي
رفع ذياب حاجبه :
ليه انتي وين بتروحين ؟
بلعت غزل ريقها بخوف
وهي تنفعل في وجهه بلا مبرر :
وين بروح يعني وين بروح ؟ معكم !
بس احتمال انتم بتنامون في بيت ندى وانا بنام عند اهلي
ولا العكس
انحنت على ركبتها وهي تقبل جبين شادن
فتحت شادن عيناها بإستنكار ناعس :
بنروح ؟
ابتسمت غزل بإنكسار وهي تمسح على شعرها
لفت على ذياب وهي تقبل رأسه
ابتعد ذياب عنها بإحراج خجول من الناس التي تنظر إليهم :
يمه شفيج الله يهديج!
ريال وش كبري وش عرضي تحبحبيني قدام الناس
ضحكت غزل ودمعة حارة انفرطت منها
اخذت شنطتها وهي تهم بالرحيل :
ذياب دقوا على سلطان يجي يأخذكم
ولا تنظروني
وقف ذياب وهو يشعر بجدية الآمر ، بحدّة :
يمه انتي شفيج ؟ وين بتروحين ؟
من اليوم توصيني توصيات غريبة!
والحين تقولين لا تترويني
مسكت غزل كف ذياب وهي تقبله بحنية لا تليق بشخصيتها :
برجع يايمه برجع بس مدري متى !
انا ادري اني بروح بس مدري متى برجع
والاكيد اني ابرجع لكم
طال الزمن ولا قصر
لم يفهم ذياب مغزى غزل العميق ليجاوب بسطحية :
نروح مع خالي سلطان وبتلحقينا هناك ؟
بس شلون ومع مين بتروحين تالي هالليل
يمه خليني اروح وياج تكفين
مسحت غزل دمعتها بقوة
وهي تأمر ذياب بحدّة بعد ان سمعت رنين هاتفها :
ذياب تراني عطيتك وجه!
خلك رجال مع اختك مو علي
انتبه لها وخل خالك يجيكم
انا قلت لكم برجع لكم بس شغلة اخلصها
مو قادر تترك امك شوي ؟ وش خليت للبزران ؟
جلس ذياب بقوة متنرفزًا من سلاطة لسان امه. وجبروتها
يحتار من يستطيع بهذه الدنيا ان يقواها ؟
لم يرغب بمحايلاتها اكثر بعد ان نعتته - بالطفل -
قامت شادن ليسقط جاكيتها على الارض
وتمسك بكفها الصغيرة معصم امها بترجي :
يمه تكفين خذيني وياج
لفت عليها غزل بغضب
وهي تسحب معصمها بقوة من كف شادن لتنهرها حتى تعود مكانها
وهاتفها مازال يرن بإصرار :
قلت لك خلك مع اخوك ! ماتفهمين انتي ؟
سحبت شنطتها بقوة
لتتوجه نحوه البوابة خارجة من المطار
ركضت شادن خلفها ، لتتعثر في جاكيتها وتسقط على الأرض بقوة
لتصرخ بألم :
يبييييييممممممممه
رفعت رأسها وفمها يلفظ كميات كبيرة من الدم
وصرخة ذياب بخوفٍ خلفها
ورجالٍ وحرمتين أتوا راكضين من جميع الجهات
عندما رأوها ساقطةٍ
ويكاد دمها ينفذ من شدة ماخرج من فمها لان سقوطها كسر بعضًا من اسنانها، واصاب فكها واحدث خدشًا
جميعهم أتوا لها مسرعين!
الا من سقطت لأجلها
لم تلفت حتى

راودت تلك الذكرى المميتة شادن
راودتها بعنفوان لدرجة انها شعرت بطعم الدم ذاته في فمها. سمعت صدى صرختها في إذنها
رأت خطوات العابرين نحوها.
ولكن ترأهم وهي ضحية ذلك اليوم بعد 12 عامًا !
لا ترأها وهي تلك الطفلة المتعثرة بالأرض
التي لا تريد ان تغادر والدتها. النازفة بكل قطرةٍ من جسدها ، حتى دمها وقتها لا يريدها عندما تخلت عنها.
جميعهم ابتعدوا سويًا.
قطع تلك الذكرى ، صوت غزل
لم يتغير بل زاد رقةً ، ونعومةً. كأن حنجرتها لم تعذبها حشرجة البكاء ، كأنها تغطي احبالها الصوتية كل ليلة بوردٍ حتى لا يجرحه خشونة الصوف :
لبيه ؟
مرت ثواني طويلة لتردف بتبرير ، دون ان تلتفت لها :
ناديتني " يمه " قبل 12 سنة. هاه انا قاعدة اقولك ( لبيه ) ؟
همست شادن وشكوكها تتأكد. تلك الرائحة العالقة في شعبها الصدرية لم تسعلها :
ناديتك يوم دمي ينزف ، يوم ضرسي يرقل ، يوم كنت بردانة وتعثرت في جاكيتي ولا ابي الا دفاك ، يوم كنتي امي !

بس جف دمي ، وطاح ضرسي ، وضفتني الدنيا ودفيت. ولقيت لي حضن ندى الدنيا وسعدّها. ماناديتك! بالعكس طبقت كلامك حتى اوفي اخر حق لك علي - لا تنتظروني -
تحملت ضيم الدنيا منك ، واحتسب فيه الاجر. لعله شفيع لي يوم ماينفع لا مالٌ ولا بنون ، ما ابي اخسر الجنة عشانك !
قاطعتها غزل وهي تلف لها ، وتكشف لثمتها. لتتضح ملامحها كاملة لشادن. لتبلع ريقها وهي ترى ملامح غنى تتجول بين ملامح والدتها :
قلت لا تنتظروني ، بس قلت برجع
فلتت شادن يدها من قبضتها لتصرخ بحرقة :
وقلتي لي خلك مع اخوك !
سوينا كل شيء بغيتيه
ما انتظرناك ، وانا مع ذياب ومبسوطين ومرتاحين بدوووونك
وتمينا تحت جناح خوالي زي مابغيتي
دفتها شادن بقوة من كتفيها ، للخلف وهي تسحب طرحتها من عنقها وتحاول ان تغطي وجهها لتخرجها :
اذلفي مكااااااان ماجيييتي منه ! وش رررررجعك ؟
هذه المرة انتي اللي سوي نبغااااه
مو على كيييييفك تروووحيييين متى ماتبببغييييين ونقعد بعدك نلملم الكركبة 12 سنة اللي سويتيها ويوم هدت فوضى نفوسنا ولقينا نفسنا في هذه الدنيا بعد ماسلبتيها منا تررررجعين !!!
فتحت ممرضة ذعار السعودية الباب التي كانت برفقة زياد قبل قليل بإستنكار من هذه الضجة! وهي متأكدة بنفسها من خلو الغرفة من اي مريض!
ومن خلفها ممرضتين من جنسيات مختلفة ركضوا تجاه الغرفة بمجرد ان ضج صوت شادن المرتفع بإرجاء الممر
لفت الممرضة الاولى بأمر على واحدة منهم. بعد ان رأت شادن وهي تعرفها جيدًا بعد ان كانت تناوب مع ذعار بإنها اخت لجلوي وذعار. وزوجة لواحد من أقاربهم يعمل في الادارة :
اتصلي على الدكتور ذياب بتلقينه في قسمه او في قسم الطوارئ وقولي له يجي التنويم ضروري عشان اخته !
اغلقت الباب وهي تشير للممرضة الثانية معها ان يمسكون بشادن ليبعدونها :
شادن تكفين هدّي لي نفسك
صرخت شادن وهي تدفع الممرضة بجنون عنها :
مالك دخل فيني انتي بعد !
اذا مرة مصرة تمارسين شغلك امسكي ذي - آشارت بعينها بغزل - تراها احق بالعلاج مني
تركتها الممرضة مثل ماتريد ، لتحاورها بهدوء :
انا مو قاعدة اعالجك شادن ولا بعالج احد
انا بس ابيك تهدين عشان نفسك
لفت على غزل بضيقة وهي ترى ان ذياب طوّل! :
لو سمحتي ممكن تطلعين ؟
انتم في مستشفى ، في التنويم يعني ناس تعبانة وتبغى ترتاح
مو مكان تصفية علاقات وفوضى !
انفتح الباب بقوة ليدخل من خلفه ذياب بسرعة!
بطئت خطواته وجمدت ملامحه وهو يرى غزل وشادن بنفس الوقت الغرفة!
فهم سبب النداء تقريبًا ، ناظر الممرضات بأمر :
لو سمحتوا اطلعوا برا ، الموضوع عندي
طلعوا ، ليقفل الباب بالمفتاح
قاطعت حركته شادن بغضب :
خلها تذلف! تقفل الباب لييييييه
قاطعها ذياب بغضب وهو يلف عليها ليضع سبابته على فمه وأنفه بإن واحد :
شاااادن انكتمي!!!!
لف على غزل بغضب ، لم يخلو من حدة نبرته وهو ينظر اليها بكرهه :
انتي طول عمرك فاضحتني! مايكفيك ؟ جاية اليوم يوم تخلصت من كل شيء يربط فيني سيرتك تفضحيني في دوامي بعد ؟
انا انحاش بدوامي من مشاكلكم تلحقوني هنا بعد ؟ بتفضحوني بين الدكاترة ؟ تبوني أصير بلسان كل ممرضة ومخلينهم يحضرون مشاكلكم العائلية لايع¤ بعد ؟
همست شادن بحرّقة وهي تسقط على الكرسي اللي خلفها ، ببكاء :
ما بغيت شيء ! ما ابغى أفضحك او أزعجك والله ما أبغى ذياب !
كل اللي ابغاه ان بنتي ماتدري ان لها جدّة مثلها. ابيها تعيش بكذبة ان جدتها ندى وجدتها ترف بس
خلها تكبر بهالكذبة البيضاء لانها اطهر كثير من الحقيقة
لف ذياب بحرّقة على شادن وهو يضرب بطرف سبابته على صدره :
طول عمري ياشادن احل مشاكلكم
ما اذكر من ذكريات عمري شيء
في طفولتي احل مشاكل امك وابوك ويوم خط شنبي احل مشاكلك
عمري ضاع بدون ما احزن على نفسي فيه يوم
حتى يوم ضاقت فيني الوسيعة وجافا النوم عيني يومين محدٍ درى فيني
غلطتي نسيت اعلمك تحلين مشاكلك لحالك
لاني انا وياك هذه المرة همنا واحد ولا ادري وشلون احله
لف على غزل بقهر وهو يردف :
همنا انك امنا والله لا يبارك فيه من هم !
صرخت غزل
وهي ترى انهم يأكلون فيها من دخلت
وهي صامتة ، تشرق بالكلمات ولا تستطيع ان تتفوه بها :
انا اليوم ندمانة ألف مرة اني عتبت عتبة المطار ذاك اليوم!
أنا اليوم صدري قاحل اللي ماربيتوا عليه
انا اليوم اللي احترق وانا اشوف لي حفيدة ماشفتها ولا هي تعرفني
انا اليوم اللي اموت وانا اشوف عيالي يبون اختي امهم ويتمنون موتي
انا اليوم ادفع ثمن كل يوم نمتوا فيه وانا مو معاكم تحت سقف واحد !
انا اليوم ابكي حرّقة وقهر على اللحظة اللي وزني فيها ابليس وتركتكم
ابتسمت شادن بهدوء وهي تاخذ حقيبتها والوصفة :
زين ، عشان نكون متعادلين
اقعدي بحسرتك وحرقتك
دام ربي توك يرزقك فيهم بعد
- سكتت قليلًا وهي لا تعلم كم عمر امها - مدري كم عمرك ولا يهمني. وتعالي بعد 12 سنة من الضيم والعذاب والجور والحزن نصفي الحسابات
وقبلها ما ابي عيني تلمحك !
اقتربت من ذياب القريب من الباب ، وهي تقبل رأسه بهمس :
اسفة
وينقص رأسي ياذياب قبل أفضحك بيوم وافشلك ! والله ماخلت فيني عقل شوفتها والله
فتح لها قفل ذياب الباب. ومن ثم فتحه لها لتخرج
وهي تحاول ان تقاوم بكائها امام الناس
تجبرت أمامها. حتى لا تضعف والله انها هشةً كعودٍ الآن لو تلفحها عاصفةً ، انكسرت !
ركبت السيارة لفت على ابنتها لتقبلها بخدها بقوة. تركت شفائفها على وجنتي غنى التي تنظر بإستغراب الى امها
امها الغالقة عينيها ، وتبكي بصمت وهي تحاول ان تشم رائحة غنى. علها تطرد رائحة غزل من صدرها
همست العاملة وهي تمسح على كتف شادن بحنية :
Madam you are okay ?
ابتسمت شادن بمجاملة وهي تمسح دموعها بحرّقة :
I seen my mom before minutes
عقدت العاملة حاجبيها بإستغراب :
Madam nada is here ? what the problem ?
ضحكت شادن بحزن وهي تضع رأسها على مسندة الرقبة، لمقعدها بإنكسار :
This is that problem
ابتسمت العاملة وهي تهز كتفيها بجهل. لم تفهم ماتقصد شادن تحديدًا ولكن اكتفت بالإيماء
رفعت شادن هاتفها وهي تتصل على سياف. ليأتيها صوته بإبتسامة هادئة :
حيّا الله شادن. تنازلت عن سموها واتصلت علينا
ليس بها شدّة على مداعبات سياف ، بالكاد تنتفس. همست وهي تعتدل بجلستها التي قطعت عنها انفاسها :
الله يحيك.
همس سياف بجدية وهو يلاحظ صعوبة تنفسها. وهو يترك القلم من يده :
حبيبي فيك شيء ؟
همست وهي تمسح بكفها وجهها. وصوتها بدأ يختنق :
تعالي لي تحت ، ما اقدر اسوق
همس وهو ينفض نفسه من مكتبه ويفتح الباب وبخطوات سريعة الى المصعد :
اي مواقف انتي ؟
همست شادن والصوت يخرج من شفتيها بصعوبة. لو كان بجانبها ماسمعها ، ولكن وجود السماعة قريبة من فمها ساعدها :
قسم التنويم
اغلق سياف السماعة وهو يضغط G ، اخذ نفس عميق وهو يرى المصعد ينزل ببطئ!
ضرب بكفه الأزرار ، ليتوقف المصعد ويفتح الباب
وينزل يركض بسرعة من السلالم!
/

\

/

\
يقف امام مكتب التوجيه للمنطقة. يستند على سيارة سائقها
ينتظرها من وقت الخروج ، منذ نصف ساعة.
بحث برقم السيارة التي اعطته اياها شذى ، الى ان وجد انها مسجلة بإسمها والسائق على كفالتها واتضح انها تسكن في منزل ابيها لوحدها بعد ان اخذ الله امانته.
بعد ان انتقل اخيها محمد الى الشرقية قبل سنوات ، اصبحت تعيش وحيدة
يفهم الآن هاجسها في البحث عن شذى. الوحدة طغت عليها
اعتدل في وقفته وهو يرأها تخرج وهي ترتدي نظارتها الشمسية
وقفت في مكانها وهي ترى زوله!
تعرفه جيدًا
بلعت ريقها ، ورجفت كفها بخوف
سمعت اليوم بالدوام خبر ملكة شذى!
بكت في دورات المياه أربع ساعات بحرقة. من تسلط وجبروت هذه العائلة
حتى انهم باتوا لا يفرقون بين حلال وحرام
اقترب منها حاتم وهو يبعد نظارته الشمسية عن عيناه، ليدخلها بجيب ثوبه العلوي.
همست الجازي وهي تبتعد عنه خطوات كبيرة متجهه الى سيارتها بحرقة. وعيناها تفيض من الدمع :
" حُرِّمَت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم "
كررتها وهي ترددّها بلا وعي : وعماتكم وعماتكم وعماتكم
رمت نفسها على باب السيارة لتبكي بحرّقة :
وعماتكم ياحاتم وعماتكم. شلون استسهلتوا زواج المحارم عشان تثبتون انكم صح وانا غلط
شلون تبون تكذبون قلب ام وتصدقون قلوبكم اللي نايم فيها ابليس
همس حاتم وهو يتجاهل كلامها. ليعيد سيرة أغلقت من 19 عامًا :
قال لي انك انتي اللي تركتيها. اقسم بمن احل القسم انه قال انك تركتيها. وان ماخذيتها بيتهنى بلحمها قطاوة الشارع
والله يالجازي ولا قد حلفت بربي كذب وانا بزر ما اني بحالف وانا ابو لثلاث!
غص بكلمته. وهو يعد شذى بنت من بنات ظهره ليعمّ الصمت دقايق طويلة بعد ان التمست الجازي الصدق بنبرته
ليردف بحرقة لا تقل عن حرّقة الجازي :
قال انحشتي وخليتها بدون غطاء يسترها ، بدون ماتسدين جوعها من حليبك!
تهاونتي التعب اللي بيبعدك عنها ، وطاعك قلبك تتركينها
وش تبين اقول ؟ اشوف بنتٍ محدٍ غسل دمها بين يدين ابوي اللي مايفكر ؟
اللي مستعد يرميها للقطاوة والكلاب ولا يصارح امي انه تزوج ويهدم بيته ، ولا انه يردها لوحدة تركتها ولا هان عليها تدفيها
صرخت الجازي وهي تركع على ركبتيها بصدمة بعد ان استنزف كذب سلطان منها استقامتها :
الله فوقي وفوقك ياسلطان !
الله فوقنا يشوووفك يالظالم يالمفتري يالكذاب الله لا يسامحك ولا يغفر لك ذنب يا سلطان
والله والله انه خذاها مني غصيبة ، ماجته عطية من بطني
قاطعها حاتم بتساؤل كالحاجز عند اتخاذه لقرارته. يفصلها كإنفصال الزيت عن الماء لعله يجد إجاباته :
خذها غصيبة صح يالجازي. بس شلون ظ،ظ© سنة ماخذتك رجولك لها ؟ بيت سلطان نفسه. وسلطان في محله
ماقد طاعتك نفسك مرة تشوفينها لو من بعيد !
توها تصير بنتك الحين ؟
انتحبت الجازي بقوة. نحبت ونشجت حتى كاد ينفطر قلب حاتم من صوت بكاءها :
خذاني سلطان مسيار من بيت ابوي ، بدون مهر ولا شوفة
ابوي كان على فراش المرض والموت. وخاف اموت وانا ما اعرست من لي بعد عينه ؟
استرخصني سلطان يوم شاف ابوي أكرمه !
ظن اني رخيصة لاني بدون مهر ، ما ادرك ان ابوي اشتراه واشترى قربه
ظن اني عبدة مملوكة لاني مسيار يحسبني في ملحق ويستخدمني للتفريغ ، ما ادرك ان ابوي استأمنه وعطاه امانه ماولاها عيالها عشان يعزها مايذلها
حملت ولا درى سلطان الا بشهوري الاخيرة حاول يسقطه بس كانت عايشة رغم محاولات سلطان لاني استودعها الله
شلون يقول اني ما ابيها ؟
حلف ماتشوف النعمة ، ولا تذوقها ولا يكسيها وبيعتبرها بنت من الشارع على قولته ماتزوج عشان يجيه عيال !
اشقشق من ثيابي واخيط لها ، شلون يقول اني ما غطيتها ؟
اول ماولدت دق على محمد اخوي ياخذني
وانهبل شلون تزوجت بدون علمه
خذاني وظن اني كذابة مو زوجي. رمى البزر على سلطان وخذاني لابوي
تطاق مع ابوي ومرض ودخل في غيبوبة. حبسني في البيت ظ،ظ سنين
بعدها جاب لي وظيفة عشان اصرف على بيت ابوي. وهو ياخذ حلاله
كان يوصلني ويرجعني وحرمته في الدوام تراقبني لين مات ابوي قبل سنتين
وخذ نصيبه ونصيبي وراح الشرقية وتركني اعيش لحالي وبديت ادور عن بنتي
كان ينظر اليه بصدمة!
هذه معانات انسانة حقيقة تقف بكامل استقامتها امامه ؟
ام حادثة بطلة سربت من رواية ؟ او سيناريو حلقة من مسلسل ؟ او نهاية تعيسة لفلم ؟
اسبوعان قضاها في هاجس فِراق شذى. مرت عليه كإبتلاع صبار
ماكانت أسبوعان بأيام. كان يظنها جحيم الدنيا.
انحنى حاتم بهدوء ، ليجلس على ركبة من ركبه امامها بصراحة :
اسمعي يابنت الناس !
شذى اغلى على نفسي من بناتي. كل شيء طاوعت ابوي فيه من خوفي لا أفقدها
ومو مستعد اخسرها باقي عمري الجاي بسبب ابوي وعناده القديم معك
انا وبنتي ماني راضي نروح ضحية عناد ومين اضعف ومين اقوى ! ومجاكرك انتي وابوي مين البنت له بدون ماتهتمون بالبنت نفسها
قاطعته الجازي بإصرار باكي :
وبنتي بعد ياحاتم بنتي !
حرمتوني اياها ، وحرمتوها اسمها الحقيقي ، وحرمتوني تكبر قدامي عيني ، حرمتوني اسمع " يمه " من شفاياها
بتحرموني انكم تنسبونها لي بعد ؟
همس حاتم وهو ينظر اليها ، بتفكيرٍ له مدى عميق :
يالجازي! انتم يهمك البنت ولا النسب ؟
رفعت رأسها الجازي بقل حيلة وهي تمسك ركبة حاتم بلا شعور بتجري. وحاتم حبل النجاة الوحيد وأملها :
تكفى ياحاتم !
والله رااااضية لو ينسبون اسمها لك مايهمني لو تكون بالأوراق بنت اللي تبون بس بالليل تنام بحضني تكفى ياحاتم نخيييييتك
بلع حاتم ريقه بخجل عذري!
لو ينتخيه رجلًا وهو في قمة لا اتاه ما نخاه لأجله على طبقٍ من ذهب. نخوة بطل.
كيف وهو يرى امراة تكاد ان تلاحم ساقيها الارض وتتشبث بقدمه حتى يعطيها حقها ناسيًا " ان الحقوق حقوق ، ليست منحة ولا عطيّة " :
قومي يا ام فرح قومي !
" والله ما احتزمتي الا بحزام السعد ، خذي الوعد من عصامي صدوق الوعد "
\
/
\
/
خرج من بوابة المواقف وهو يبحث بعيناه عن سيارتها
اقترب منها وهو يرأها تنزل من مقعد السائق لتركب مقعد الراكب
ركب مكانها ، ابتسم وهو يرى غنى مسح بظهر سبابته على خدها بحنيّة :
هلا يابابا
بكت غنى حتى يحررّها من كرسيها ويحملها
ضحك وهو يضعها في حضنه
ويبتسم للعاملة بهدوء :
Good afternoon
لف على شادن وهو يمد كفه
لتحتضن كفها يتمنى لو يأخذها بحضنها
لو يسرق من راحة انفاسه ويرويها
ولكن وجود العاملة خلفه. يجبره يتحفظ على حركاته
همس وهو يمسح بسبابته على كفها :
نرجع البيت ؟
هزت شادن رأسها بالنفي وهي تخرج الوصفة من الشنطة. ببحة :
لا امي تبي أدوية ابوي وتنتظرني. ودني لها
قاطعها وهو يأخذ الوصفة منها ويخرج هاتفه :
مانطق مشوار عشان ورقة
بصورها لها وهي تتصرف فيها
انتي وين تبين تروحين ؟
همست شادن وهي تأخذ كفه التي تغطي راحتها كفيها
في حضنها وتسند عليها رأسها وتغلق عيناها ببُكاء :
اي مكان معك
ترك يده اليمنى معها
ويده اليسرى على مقود السيارة
متوجهًا الى منزلهم
توقف عند الإشارة المشيرة باللون الأحمر
تمنع عبور السيارات من هذا المسار
كانت هذه الإشارة بمثابة التنهيدة لصدره
سند رأسه على مقعده وهو ينظر اليها
يسمع محاولاتها الفاشلة وهي تحاول ان تتنفس بشكل طبيعي. تظن انه لم ينتبه لها
وهو يحفظها منذ اليوم الاول من عودتها.
عندما تغضب وتحزن تفقد السيطرة على تنفسها
فقط تحتاج ان تهدأ حتى يعود كل شيء الى مكانه الصحيح.
لو ضجّ صوتها الذي سمعه قبل قليل في الهاتف في مكبرات الصوت على مدينة خصباء
لجدبّت محاصيلها
وقحطت أراضيها
ومنعت أمطارها
وجفت بحورها والمحيطات
تثيرين كل تساؤلاتي ياشادن! كيف لكِ وجهٌ بشوش وفلسفة حزينة ؟
اتسأل ان كان انتِ من تغنى فيك " تجمعين الضد في كل الامور. غامضة مرة ومرة مثل نور " ؟
وها انا اشهد انها ماكتبت في احد من قبلك
ادخل السيارة في مظلة بيت سلطان
طفى السيارة وفتح قفل البيبان
نزلت الخادمة وأعطاها غِنى لتدخل بها الى بيت اهله بدلًا من بيته
فتح باب بيتهم لتدخل شادن وهو من خلفها
دخلت غرفة نومهم لترمي عبائتها بجانبها وتجلس على السرير
سحب سياف كرسي التسريحة ليجلس امامها همس وهو يمسك كفوفها :
وش صاير ؟
رفعت شادن رأسها وهي تنظر إليه بصوتٍ بُح
بنفسٍ متقطع
بوجهٍ شاحب
بيأس من إيجاد الطريق الصحيح
بإحباط من سقط في فخ ظن انه تجاوزه
بِوَحشة من ترك في غابة لحالها في ليلة ظلماء :
صار إن اللي خايفة منه حصل
اكتشفت اني مو خايفة اني اشوفها !
أنا خايفة مني
خايفة اني ما اعرف وش المفروض اسوي
اخاف من اللي قاعدة أسويه الحين
رفع سياف حاجبه وهو يحاول ان يصل الى الاجابة من كلمة " اشوفها " يخاف ان يذكر غزل ويفتح على نفسه مغلق من قِبل شادن :
مين شفتي ؟ خليني اصير معك بالصورة بدل ما انا مثل الأطرش بالزفة
فرجت عن شفتيها
تحاول ان تنطق اسمها
او تذكر صلة القرابة ولم تستطع!
بدلًا من ان تخرج الحروف من شفتيها
دخل اليها الهواء من انفراج شفتيها الساكنة
بلعت ريقها وهي تنظر الى عينيه ليساعدها بإنكسار وعيني تفيض بالدمع :
من غيرها راح ؟
غمض سياف عينيه والله هو من كان يخشاه حدث!
لم يخف من غزل
خاف ان تفسد طمأنينته
لم يخف من مجيئها
خاف ان تسلب منه وجود شادن
فتح عيونه بهدوء :
وش رجعها ؟
قاطعته شادن بغضب وهي تبكي. انفجرت بالبكاء بالنحيب والصياح اخيرًا بعد ما تحجر في مدامعها مسافة الطريق :
مايهمني!
كان يهمني يوم ما انام الليل أبيها
كان يهمني يوم أمرض ولا ابغى أطيب لانه يهوجس لي طبفها
كان يهمني يوم جرحي ينزف
مايهمني الحين يوم جرحي برى
وغلبت الأرق والسهر
ونسيت المرض واسياب العيادات
ليش تتركني طفلة وترجعي لي أم ؟ وش حاجتي لها الحين
وقفت وهي تتجول بالغرفة لتصرخ بحرّقة :
وش حااااااجتي ؟؟؟
همس سياف وهو يقترب منها خطوات صغيرة ، بطيئة حتى يمسكها :
هدّي
صرخت وهي تدفعه بعيدًا عنها
وعيناها لم يعد يميز بؤبؤها من فرط احمرارها
واختفت معالم أنفها من كسوة الأحمرار عليهم
وخديها رطبة من شدّة ماببلتها دموعها تكاد ان تكون صالحة للزراعة وخير نعيم للفلاح :
لا تقيدون لي تصرفاتي
ظ،ظ¢ سنة تقولون لي اعقلي وانسي وتأقلمي واعذريها
لعبتوا فيني وفي عقلي
حتى يوم شفتها سويت اللي انتم تبونه مو انا اللي ابيه
كنت أبي اذبحها
لأن السن بالسن والعين بالعين والبادي اظلم!
هي ماكفها أنها ظلمتني
هي ذبحتني من جوا وانا ادري انها مافيها شيء من جوا يمكن يموت عشان ارد لي حقي
مالي الا اذبحها بس يوم شفتها وش سويت ؟ ماقدرت اسوي شيء
اكتشفت ان كل شيء خططت بسويه فيها
سويته في نفسي خلال هذه السنين لين بردت حرّة ظ،ظ¢ سنة !
حرتي لها اكثر من عشر سنين شابّة لين رمدّت
عودتني عليها ظ،ظ¢ سنة
ثم حرمتني منها ظ،ظ¢ سنة
وتبغاني اسامحها ؟ ليه ؟ عشان اذا تعودت عليها مرة ثانية
اصحى بعد ظ،ظ¢ سنة وألقاها راحت من جديد ؟
لعد تطلبون مني شيء يرحم لي والدينكم لحد يطلب مني شـ..
انبترت كلمتها
لتبتلعها وتشرق بها
وضعت يدها على صدرها وهي تحاول ان تلتقط انفاسها
نفسها متقطع وضعيف
استرسلت بالكلام والبكاء حتى فقدت السيطرة على نفسها
ضربت بيدها صدرها بقوة ولكن خارت قواها لتسقط ضعيفة
هزيلة
مستسلمة لأحضان الأرض
ولكن صدر سياف اقرب. ليرفعها إليه قبل ان تسقط.
صرخ بخوف وهو يضرب بأطراف اصابعه خدها :
شااااااااادن
اخذ ذراعها الايمن وهو يتحسس مكان النبض!
نبضًا ضعيف. وكأنه نداء استغاثة ان يسرع!
سدح شادن على السرير وهو يردد بقلقٍ :
يا رب يا رب !
لها بنتٍ ماتنام الا على صدرها
بلع ريقه وهو يغلق عيناه والحقيقة تحرر نفسها من شفتيه ليردف بهمس :
وانا مالي الا هي!
ماحلت لي الدنيا الا بقربها
لا تحرمني حلاوتها
شكلها قبل قليل مريع
وكأنها تنوي زيارة المقبرة قريبًا
باردة اطرافها وكأن الروح اقلعت من دقايق طويلة حازمة حقائبها
تتكلم بلغةٍ مودعة
تبكي بطريقةٍ انتحارية
تلفظ الكلمات وكأنها تريد ان يحملونها على التابوتِ خفيفة
غسلت جسدها بلتراتٍ دموعها مخففة عنهم عناء غسيلها غسيل الميت
بشعرٍ لا يتعدى كتفيها حتى لا تضيع وقتًا لهم في تظفيره
وضع شفتيه على شفتيها
وهو يعمل جديًّا على أمنيته بالسيارة
" ان يعطيها راحة انفاسه "
وهو يحاول ان يطبق التنفس الصناعي ولكن لا فائدة !
اخذ هاتفه وهو يتصل على جلوي
اول رقم صادفه بهاتفه
/

\

/

\
يجلس على طاولة المطعم المخصصة لشخصين. مقابل ثنيان ويملئ الطاولة كومة اوراق صفراء قديمة أكل عليها الزمن وملفات خضراء مهترية من رأها لأصر ان تكون في المتحف الوطني للتراث. وكوبين عصير برتقال وصحون من المقبلات يزاحمون الورق
هز جلوي كتفيه بإستغراب :
انا للحين مدري ليش مصر على الورق رغم كل للمصائب اللي جاتك من وراها
رفع ثنيان رأسه بإستغراب من لا مبالاته :
ليش انت ماعندك فضول تعرف قصتها ؟
ضحك جلوي وهو يأكل من السلطة :
كان عندي فضول
بس عقب اللي صار الله لا يعيده من فضول
ابتسم ثنيان وهو يهز كتفيه :
انا يوم شفت ابوي سلطان مافقدها ، ولا درى عنها شكيت بأهميتها
بس انا سامع يمه ترف قبل ترميها في سابع شارع من حارتنا. محرصه الخدامة ان ابوي سلطان مايدري لو درى بيطلقها وبيطرد الخدامة
والصندوق انت شفته معي يوم طلعنا من عزيمة الغداء اللي ببيت جداني
كان عتيييييييق ، وشف كم لنا واحنا نحاول نفتحه تحس ان فيه كنز مو ورق
فيه صندوق ترميه بالوادي ولا ينكسر ؟ لا بس صندوق ابوي سلطان
شرق جلوي بلقمته على طريقة وصف ثنيان ، ليرتشف من العصير وهو يشير بعينه على الورق اللي بيد ثنيان الآن :
طيب وش لقيت الحين ؟
هز ثنيان كتفيه وهو يقرأ :
مافيه شيء ، اوراق ثبوتية لعماني و اوراق تجارة وهذه عقد زوا...
انبترت كلمته وهو يقرأ اسم العروس !
ضحك جلوي وهو يأكل بلا مبالاه :
متزوج من سنة الطواعين ، وعنده قبيلة ومازال محتفظ بعقد الزواج ؟
رفع ثنيان رأسه بدهشة :
عقد زواجه من حرمة ثانية ! ماهو من امي ترف
ترك جلوي ملعقته وهو ينظر إليه بدهشة
اخذ الورقة بقوة من يده وهو يقرأه على مسامع ثنيان بصدمة :
الجازي حمد المحمد
سنة ظ،ظ¤ظ¢ظ
رفع رأسه بدهشة لجلوي :
الله متزوج من ظ¢ظ سنة !
شكلكم يا آل سلطان لكم تعداد سكاني لحالكم
الله هابوكم الحرمة الوحدة منها سبعة اجل الثانية وعينك على عمرها يعني صغيرة
فيه امل للتكاثر الى الآن ، كم لها من جدك ؟ مليون ؟
سدد ثنيان بملعقته صدره لجلوي ليردف بغضب :
اذكر ربك عمت عينك !
انا قلت الولد مصدوم من زواجه ، أثرك قاعد تحسب كم اعدادنا لا يكون تصرف علينا ولا تأكلنا ؟
ضحك جلوي بقهقهة وهو يعيد ضرب ثنيان بالملعقة. ليخطأ الهدف :
يا ابن الحلال خلني انظلكم لعلكم تخفون
الحين العالم خايف من الاحتباس الحراري ، وثقب الغلاف الجوي
والله لو يرسلونكم يا آل سلطان للمريخ ، ان تنحل نصف مشاكل الارض
نعنبوكم انتم لحالكم يبي لكم ابتدائية من كثركم
ياصبر الدولة عليكم كأنها تصرف عليكم وتعلمكم وتأكلكم
قاطعها ثنيان ، وهو يدخل من الطاولة ليسحب اذنه بغضب حقيقي :
اذكر ربك لا اله الا الله ! فتحت عيون اهل الارض علينا
هذا وانا مو متأكدين له عيال ولا لا. نظلنا
بعدين الدولة شاكية لك منا ؟ لا اجل انطم
تنهد جلوي وهو يأخذ ان يلتقط انفاسه من فرط ضحكه :
انا اخاف اقول لك شيّك على باقي الورق
ويطلع لكم حرمة رابعة لا فكنّا تكفى وقتها انا بطلع من الكرة الارضيّة وبخليها لكم
لاني قاعد احس اني داخل بيتكم مو ارض الله الواسعة
ضحك ثنيان ، وهو يقرأ بقية معلومات الورقة
اخذ جلوي قائمة الطعام. وهو يختار الاطباق الرئيسيّة :
انا اقول خلنا نتغدأ بعدها يحلها حلال ، انا جائع ولنت فاضي
ثنيان بلا مبالاه وهو يقرأ بتركيز :
عليك بالعافية انا مخربط بالدوام مالي نفس
رفع جلوي يده وهو يشير إلى النادل. اقترب منه النادل بإبتسامة مهنية
ليخفض جلوي عيناه وهو يشير الى الاطباق ، لتسقط عينه على ورقة من الأوراق! رفع حاجبه بشك
رفع راسه بهدوء الى ثنيان. ليدخل الورق في جيبه دون ان يثير انتباهه
ويكمل طلبه ، ابتسم للنادل بعد أنتهاه من الطلب. قاطعهم رنين جوال جلوي ليجيب بإستغراب لاتصال سياف :
هلا والله يا ابو غنى
قاطعه سياف بخوف وهو ينظر الى شادن :
قريب من بيتي ولا اتصل على الإسعاف ؟
فز جلوي من مكانه. وقلبه سقط من مكانه :
قريب قريب وش صاير ؟
/

\

/

\
كانت لدن مستلقية في حضن وِهاد. على سريرها ينظرون الى السقف بملل بعد ان اعتذرت وهاد الى لدن وبررت لها تصرفها، وطبقت نصيحة شادن
وتفهمت لدن موقفها
همست وِهاد وهي تنظر الى لدن :
والله يا فيني حرة ودي أطلعها في عريبوه
ضحكت لدن بإستنكار :
يابنت الحلال ماسوت شيء كافة خيرها وشرها. اتركيها في حالها وخلينا في حالنا
رفعت وهاد حاجبها بسخرية :
كل واحد يتكلم عن نفسه حبيبتي
انا للحين الحقيرة مانسيت كلامها عني وتحريضها لابوي علي عشان بغيت معلمة خصوصية
تنهدت بهمّ وهي تدخل يدها في شعرها :
ولو سويت لها شيء بيجلدني ابوي
صاير مايتحمل مني كلمة وحدة
فزت لدن من مكانها وفكرة لا بأس بها طرت على بالها. منها ترد حق وهاد ومنها توسع صدرها بعد ان ضاقت ذرعًا من فهد وقبلها ابوها وعريب :
واذا خليت ابوي بنفسه يأخذ لك حقها منها وش بتسوين ؟
فزت وهاد من مكانها بحماس وهي تمسك يد لدن بترجي :
والله لا احب رأسك بس وش نسوي ؟
سحبت لدن يدها
وفتحت باب غرفتهم وهم يركضون من الدرج الى المطبخ متجاهلين عريب الجالسة بالصالة تنظر اليه بإستنكار وهي تحمد الله ونشكره على نعمة العقل :
يتراكضون وهي كل وحدة كبر هالباب
تقل داخلين سباق هجن
ضحكت لدن وهي تغلق باب المطبخ وتشير الى الفرن لتصاب بخيبة! وتردف بحرّقة :
حسااافة امي ماسوت غداء !
يعني لو بنخرب غداها ماراح نلقى شيء نتغدأ عليه
فتحت وهاد عيناها بدهشة وهي تردف بغضب :
هي انتي يابطينية ! انا بطلب لك من اي مطعم تبغين بس شوفي لنا صرّفة نحرق فيها قلبها
ابتسمت لدن بخبث وهي تطل بقدر الرز :
لو لو خربنا رزها هذه جنية ! الدجاج بالفرن ، والسلطة بالثلاجة بتحطهم مع بعض وتلعب على ابوي انها مسوية غداء خفيف
ولو بخربهم كلهم بتشك فينا ، خصوصًا جايين نركض المطبخ يعني فينا بلاء
رفعت وهاد حاجبها بصدمة ، وهي تنتظر ان تنطق لدن حتى تنحرها :
نعم ! يعني مافيه شيء ؟ بنتغدأ معها زي البهائم لان مالنا عقول نفكر فيها بشيء يحرق قلبها ؟
ضحكت لدن وهي تخرج صينية كبيرة :
خذي السفرة والملاعق للصالة وخلي روزا الحقك باللبن ونادي ابوي ، خليه يحضر مشهد بعنوان " انهيار عريب العظيم " ويوسف بعد اذا ودك
ضحكت وهاد بنشوة وهي تركض الى درج السفرة. لتخرج واحدة وهي تنادي بصوت عالي :
روزا .. ياروزا
خرجت من المطبخ وهي تتوجه الى الصالة ، التي يشاطر يمينها طاولة الطعام وهي تفرش السفرة وبنبرة ضاحكة لعريب :
كثر الله خيرك يامرت ابوي ، كانك دااااارية اني جاية من المكتب جوعااااانة ويوم شميت ريحة طبخك ردت لي روحي
ناظرتها عريب بطرف عين. بإستنكار من مدح وهاد لاول مرة لها :
جعله بالعافية ، قلنا نرمّ عظمك دامه فلح بشيء وقدرتي تلحقين المركب اللي فاتك من سنة الطواعين وتتخرجين
ضحكت وهاد من قلب وشوق لشكل عريب اذا حدثت الطامة بعد قليل :
مافلحت بشيء الا يوم شفتك ياوجه الخير
دخل سلطان ومن خلفه يوسف :
السلام عليكم
ردوا السلام جميعًا :
وعليكم السلام
جلس سلطان على طاولة الطعام بإستنكار :
والله يا انتم عليكم حركات من تالي لازم الاكل على الطاولة
وش فيها الارض ؟ كانت سفرة الرسول والصحابة ، كان " البساط احمدي "
ضحكت وهاد بنشوة :
افرش لك يديني حرير على الارض يايبه
مو بس سفرة الاكل ماطلبت شيء
خل بس تغرف لدن الغداء واشيل السفرة للأرض
ابتسم سلطان برضا من اسلوبها
قطع سؤاله عن حالها دخول لدن وبيدها صينية كبيرة فيها صحن الرز والسلطة
فز يوسف ليعاونها بصدمة من حملها لهم كلهم في صحن واحد
صرخت لدن وهي تفلت الصينية من يدها لتسقط الصحون على الارض
سقط صحن الرز ليتناثر بأرجاء الصالة
والدجاجة مسحت الارضيّة بالزيت
وانكسر صحن السلطة لتصبح السلطة بالزجاج
صرخت لدن صرخة مُصطنعة وهي تضرب خديها بطرف كفيها :
اسفة والله اسفة بس كان ثقيل وانفرط من يدي الحين اسوي لكم غداء جديد
ركضت وهاد لها وهي تريد ان تحتضنها فرحًا لتصرخ بإصطناع :
بسم الله عليك بسم الله علييك
طاااح الشر من لامسته يدين الخير
الحمدلله اللي وقانا الشر اللي بغى يدخل أجسامنا
ضمت لدن بقوة وهي تهمس في إذنها :
احبك
صرخت عريب بحرقة وهي ترى ماوقفت على رجلينها من الصباح لصنعه ضاع هبًاء منثورًا :
ياليت طااح على راسك وحرقك يالسوسة مسوية حمامة سلام وانتي اردى من اختك
يالييت القزاز حفر جلودكم المسمومة يالكلاب
ياعلّ الشرّ تشربونه مع شربكم الماء يالحيوانات ياللي ماتخافون الله تلعبون بالنعمة عشان تغبنوني
سكرت وهاد إذنها :
تؤ تؤ وش هالالفاظ البذيئة ؟ انتي كيف بتجيبين لنا اخوان وهذه ألفاظك ؟ وتتهمين بدون وجه حق ؟
نهرّ سلطان لدن بغضب :
انتي غبية يوم انك تشيلينهم كلهم دفعة وحدة كل هذا عجز انك تروحين وترجعين للمطبخ ؟
ماعهدت هالرفالة منك
لفت عليه عريب بغضب وهي تصرخ بحرقة :
اقسم لك بالله انهم متعمدين
نزلوا يركضون من فوق وهو يتضاحكون وطلعتي لي تمدح طبخي وهي تضحك
والله انه ماجاء في بالي شيء وأحسنت النية وقلت عقلت وبنحسن علاقتنا
مادريت انها جنية هي وأختها يخططون على شيء
تذكر سلطان رضا وِهاد الغريب عليه قبل قليل ليردف بإستنكار غاضب وهو ينظر اليهم :
صحيح هذا الكلام ؟
اندفعت وهاد
وهي تستغل من صالحها انها ماتدري عن خطة لدن بالضبط :
والله يبه اني ما ادري انه بيطيح والله شف اني حلفت
لف سلطان على لدن بغضب :
وانتي ؟
هزت لدن كتوفها بكذب وهي تبتلع ريقها :
ما ادري انه بيطيح
لفت عليه عريب بغضب :
جب المصحف ياسلطان
خلها تحلف لك عليه انه مالها نية
وانا مستعدة احلف عليه انها متعمدة
تنهد سلطان من السالفة التي طالت بلا فائدة :
خلاص يابنت الحلال انكب الشر. لموا النعمة وطلعوها للقطاوة
ونجيب لكم من اي مطعم بخاري
صرخت عريب بغضب من بروده :
سلطان ماهمني الأكل !
همني لا يتصيدون لي ، اليوم كبّوا آكلي وتجرؤا قدام عينك
بكرة يكسرون عظامي ويقولون قضاء وقدر
لف سلطان وهو يريد إنهاء هذه السالفة :
جب المصحف يايوسف
لفت لدن عينيها بصدمة من وصول الموضوع الى الحلف على المصحف!
الموضوع أتفه من ان تكبره عريب الى هذه الدرجة. لمعت عيناها بخوف وهي تنظر الى وِهاد
لا تريد ان تصبح في عيني ابيها كذابة
لفت ليوسف تنظر اليه بترجي. تنهد يوسف وهو يمشي بخطوات بطيئة ليقطع دنو خطواته صوت جرس المنزل
تنهد سلطان وهو يقف بعد ان رأى يوسف عبر خطوتين من الدرج متوجهًا الى الاعلى ليفتح الباب
عاد يوسف بخطوات سريعة للأسفل وهو ينظر الى أخواته بأمر :
بسرعة انتي وياها فوق قبل يجي ابوي !
ولف على عريب بأستحقار :
وانتي كبري عقلك مرة ثانية ، لا تستغلين ابوي بصفك دايمًا
ترا ابوي مثل الموج ماتأمنين غدره. يوم صافي وهادئ وبكرة يبلعك
مشوا البنات امامه، ويوسف من خلفهم
جلست عريب مجددًا في مكانها بحرّة وهي تهز ساقها بغضب. كشّت على يوسف من خلفه وهي تهمس :
يقولون موب صاحي وهذا طول لسانه وخبثه من خبث خواته. انا اللي موب صاحية والله ان سكت لكم ياعيال سلطان!
كان يشعر بتمتمتها خلفهم ، ولكن لم يعرها اهتمامًا يمقت هذه الأدمية او عفوًا العفريتة المتشكلة في هيئة آدمية.
لم تفعل له شيء ولكن يكرهها لان ابيها اتأخذه حجةً ليتزوج على امه بهذه الآدمية
وقف على رأس الدرج وهو يعقب على تصرفهم بغضب :
اذا ناويين تهببّون مصائب مرة ثانية
هببّوا بذكاء عشان ماتصيرون انتم المصيبة وتتغدى فيكم قبل تتعشون فيها
حركت وهاد كفها مع المعصم بحركة راقصة معنى " روح " :
بالله يايوسف رح لمعسكرك مرة ثانية يالله افتكرنا منها وتجينا انت بعد ؟
هز يوسف رأسه بأسف، ليقاطع خطواته صوت لدن تناديه
لف ليجدها مبتسمة له بإمتنان :
شكرًا
هز كتفيه بجدية وهو يفتح باب غرفته :
ماسويت شيء
هزت كتوفها بلا مبالاه وهي تتحدث بصدق :
مو لازم تسوي شيء ، بس يكفيني أشكرك كل يوم لأنك اخوي
ابتسم بهدوء وهو يغلق الباب خلفه. يكاد ان يخرج من غرفته الى الخارج لان سقف غرفته ضيق جدًا على اتساع حبه لأخته. التي تبتلع بكل مرة قلبه بأحاديثها
دخل غرفته الآخرى. وهو يفتح شاشاته
ليجد عبدالرحمن متصلًا ، ومرفقًا رسالة :
" أودعت مبلغ أرباح هذا الشهر لجميعة الأمراض العقلية "
تنهد بأرتياح. أعماله الالكترونية اللي يمارسها، اغلب مدخولها بعد ان يغطي احتياجاته ينفقها كلها في هذه المصحات والجمعيات للأبحاث والادوية وتغطية تكاليف الأجهزة والأشعة
يريد ان يكفر ولو قليلًا عن كذبه لأهله.
/

\

/
فتح سلطان الباب ليندفع عليه من خلفه كالإعصار الهائج. جلوي وهو يبحث بعينيه بقلق :
ياخال وين مدخل بيت سياف ؟
آشار سلطان بسبابته على بيت سياف ليركض بخطوات سريعه نحو ما آشار له. تبعه سلطان بخوف من وجه جلوي
فتح جلوي الباب. ليصرخ بنداء وهو ينقل بناظريه مابين المطبخ والصالة :
سياااااف
صرخ سياف من غرفة نومه حتى يسمعه جلوي :
هنا
سقطت عيني جلوي على مصدر الصوت. الخارج من يمينه والباب مفتوح
مشى بخطوات سريعة وهو يقتحم الغرفة كفوجٍ من أطباء تمثلوا بواحد. وخلفه سلطان يبحث بعينيه عن شيء يطمئنه ولم يجد سوا شادن مستلقية على السرير بوجهٍ لا يشابهها !
وسياف بجانبها ممسكًا بيدها، وكأنه ينتظر ان يعزيه فيها احدهم.
سحبها جلوي الى الطرف. مد ذراعيه بشكل مستقيم ومدها في وضع عامودي وكفيه على منتصف صدرها
رفع عينيه الى ساعة الحائط وهو يحاول ان ينجزها ظ،ظ ظ مرة في الدقيقة وهو يصرخ بسياف :
متى صار الكلام ؟ كم دقيقة عدّت ؟
رفع سياف رأسه الى الساعة. تقديرًا للوقت القياسي الذي وصل به جلوي :
ماعدت غير 8 دقايق
انقبض قلب جلوي وهو يرى انه شادن تعدت اربع دقائق من الوقت المفروض
عدّت الدقيقة الاولى بلا أي فائدة
أخذ المنديل من الطاولة الصغيرة بجانب السرير بعد ان دلكها دلكة قلبية ظ£ظ مرة
وضعه على فمها ، ليضع فوقه فمه. اغلق فتحات انفها بأصبعيه
وبكفه الاخرى مسك فكها ليدفع بزفير هواءه مرة ، ومرتين ، وثالثة!
رفع سياف رأسه بترجي الى جلوي. عشعشت في الدقايق القصيرة هذه مليون ومليون آخر فكرة سوداء في باله، بات يشعر بإنه يزاحمهم في الأوكسجين. من شدة مايتنفس بقوة محاولة ان يتجلد بذاته القوية امامهم :
خلنا ندق على الإسعاف ، سويتها مية مرة قبلك مافيها فايدة
عاد جلوي الى وضعيته الاولى، مدّ ذراعيه وبدأ بالضغط على قفصها الصدري وبالتالي على عضلة القلب.
همس جلوي وهو ينظر بالساعة ويعد :
ظ¥ظ ، ظ¥ظ، ، ظ¥ظ¢ ..
انتهت الدقيقة وهو يصل الى المئة. لا ردّة فعل تبشر بالخير من شادن
لم يعد يطيق سياف الصبر
فز من سريره وهو يأخذ هاتفه ليتصل على 997 اعاد جلوي التنفس الصناعي عن طريق الفم مجددًا مستسلمًا لأقتراح سياف بعد ان يأس من نجاة دماغ شادن ، لعله جسدها ينجو
كان واقفًا سياف ملقيها ظهره، يصف موقعه بعجلة حتى تصلهم اقرب سيارة اسعاف
سقط الهاتف من يدّه وهو يسمع صوتها يحي الغرفة مجددًا !
في زفير جلوي الثاني الذي زفره بيأس. شهقت شااادن وهي تفز ويدها على صدرها
تنفس جلوي بإرتياح وهو يحتضنها بشدّة من الجانب :
يا رب لك الحمد ، الحمدلله يارب الحمدلله!
سقط رأس شادن على كتف جلوي بإرهاق وهي تنتفس بإرتياح
غمض سياف عينيه، وهو يحمد الله ويشكره مِرارًا وتكرارًا بداخله
اردف جلوي وهو يعبر عن قلقه الذي كتمه بداخله خشية ان يخيف سياف :
العادة الدماغ اذا قطع عنه الدم لمدة ظ¤-ظ¥ دقائق خلاياه تتلف وبالغالب تموت على طول
بس الحمدلله ان الحبيب سدحك على ظهرك ساعدك هذا الشيء
رفع رأسه لسيّاف بإبتسامة ساخرة :
اجل سويتها مية مرة ومانفعت ؟ انت سويتها
بس ما استمريت بالطريقة الصحيحة انك تدلك وتنفخ مابين وبين
بس الحمدلله ابسط الإيمان حركت الهواء في الرئيتين عطانا وقت إضافي نساعدها
لف سياف بإبتسامة هادئة الى شادن. ليغير جوها قليلًا :
عرفتي فايدة اخوانك دكاترة ؟
لم تجيبه. حتى لم تكلف نفسها عناء النظر اليه وكأنها في عالم آخر
اردف سلطان لشادن وهو يتنهد بإرتياح :
الحمدلله على سلامتك يايبه
رفع رأسه الى سياف بسخرية :
وراك توك تحس على دمك يوم بغت تروح من كيسنا وتفطن للإسعاف بدال ما انت قاعد تتحضن لي يديها ؟
بلع سياف ريقه وهو يضيع بناظريه بالغرفة. اي شيء عدا وجيهم بإحراج من تعرّي عاطفيته امامهم خصوصًا ابيه الذي تشبع من رومانسيته بكل مكان يرأه
قبلها بالمستشفى وهو في حضن شادن ، وآخرها الآن
رفع سلطان حاجبه بشك انهم لا يسمعونه. ولا شيء مما نطقه الآن احد اجابه :
وش اللي صاير بالبنت ؟
لف جلوي برأسه اليها بقهر :
مابيضيع صحتك الا ذا الزعل ياشادن! وش صاير هذه المرة بعد ؟
مو على اساس مرحلة الزعل اللي بيأثر على تنفسك تخطيناه ؟ والحمدلله شفنا نتايج تفرح ؟
همس سياف وهو يأشر بعيونه الى جلوي ب " لا " :
مو وقته ياجلوي ، المهم هي بخير
خلها ترتاح
رفعت رأسها الى سياف ببطئ هامس متعب :
ليش نسكت ؟ هو سرّ ؟ يوم انحاشت مابقى الا القوات الامريكية تدري
والحين يوم رجعت
قاطعهم سلطان بصدمة وهو يقترب منهم ، بعد ان كان بجانب الباب :
مين اللي رجع ؟
همس سياف وهو يتنهد ، كان يريد ان تهدأ الامور ويخبرون الجميع. قصة ان يعرفهم كل واحد فيهم على حدة ليست بطريقة صحيّة لنفسياتهم :
عمتي غزل
صرخ سلطان بحدّة. كانت ان تصمّ آذانهم ، صرخ وهو يقترب من سياف وعيناه تكاد ان تلتهمه. كان عيناها قصة رعب تروي نفسها على أنظارهم
اتسع البؤبؤ حتى يليق باتساع عينيه المندهشة. برزت العروق. وبانت من باطن جفنه ماكان خافي من الحُمرة :
لا تقوووول عمتي عمت عينك وانبّط قلبك !
مالكم بهالأسم عمة! الخسيسة اللي وطت رؤوسنا ماهي منّا
عاد سياف خطوتين للخلف بدهشة من غضب ابيه
ليبتلع ريقه وهو ينظر الى جلوي لا يعلم ماذا يفعل
لف سلطان بغضب على شادن. غضبًا لأول مرة تشهده
غضبًا اخرجها من دوامة حزنها. كأنها ترى أبواب الجحيم فتحت في محياه!
كأن الوعيد المحتوم ، بات قريبًا
تشعر بحرارته بأنه سيلتهم الأرض ومن عليها ليتخلص من غزل :
ويييييييييينها الكلبة فيه ؟
خاف سياف على شادن ، جميعهم بحالة لا تسمح ليردف بسرعة :
شافتها شادن في المستشفى
ولكن هي ساكنة في بيت ابوي العود في الديرة
خرج سلطان بخطوات سريعة وهو يصفق بالباب الحديدي خلفه بقوة مخيفة. وكأنها صوت صريرٍ رن من السماء
ليغلقوا عيونهم جميعًا بعفوية من صوته.
لف جلوي بشك على شادن :
وش كانت تسوي بالمستشفى ؟
هزت شادن كتفيها بجهل حقيقي. وهي تستلقي مجددًا بإرهاق :
ما ادري شفتها في جناح ابوي ، ولا يهمني
نظر جلوي الى الفراغ بإستنكار من وجود خالته في غرفة ابوه!
وبالأمس يشوف ابوه بالديرة ، التي هي نفسها خالته موجودة هناك لوحدها !
/

\

/
نزل من سيارته وهو يغلق الباب خلفه. ويفتح باب المنزل لتوه خارجًا من دوامه
اصبح روتين يومه الصباح في الدوام وبقية اليوم نايمًا في بيت اهله.
لم تعد الحياة مغرية من بعد أنفال، كل شيء كان جميل فقد بعدها لونه و رونقه.
توقف وهو يرى والدته جالسة بالصالة قبل ان يصعد الدرج ، قبل رأسها بهدوء :
السلام عليكم
ابتسمت حصة بحنيّة ، وهي تمسك بيده ليجلس بجانبها :
وعليكم السلام ، اخيرًا يايمه شفتك
دايمًا جاي من دوامك تركض فوق تقل مقروص
اقعد خلنا نشوفك
أبعد تركي يد امه عن ذراعه :
ماعليه يمه ، وقت ثاني الحين فيني النوم
مسكت بكلتا كفيها ذراعه. وهي تحاول به ان يجلس بجانبها :
عشان خاطري يايمه ولا مالي خاطر عندك ؟
انت ولدي الوحيد وقرّة عيني. لا تحرميني شوفتك ثواني
انكسر خاطره على امه ليجلس بجانبها ، واضعًا يده تحت خده :
وهذه جلسة جمبك يا ام تركي جلسناها
تنهدت حصة وهي تلف بجسدها إليه ، تحاول ان تستغل الفرصة قبل ان يختفي ابنها مجددًا من امامها :
يايمه وش سالفتك انت وحرمتك ؟ كم لك من شهر ماطبيت بيتك ؟ كم لي من يوم ماشفت بنتك وحفيدتي الوحيدة ؟
همّ تركي بالوقوف بغضب :
يمه اذا هذا موضوعك ماعندي استعداد أناقشه
جلسته حصة بالإجبار مرةً اخرى بغضب :
ايه هذا موضوعي وغصبًا عن خشمك بتقعد وبتسمعني لين اخلص
حرمتك اذا في راسها حبّ تراه انطحن ، قمّ وجبها ورانا مواجيب وزواير طايح وجهي بين الحريم وكل مرة يسألوني عنها وما ادري وش ارد
واذا مافي إذنها ماء ولا هي بنيّة حرمة عاقل بترجع لبيتها وبنتها. ترا البنت بنتنا وابوها احق فيها
خذ بنتك والحرمة بدالها حرمة
والله لا أختار لك من بين البنات بنتٍ تخلي انفال تبوس رجلك تردّها ولعد عينك تشوفها شيء
قاطعها تركي بغضب :
يمه اذا مصرّة تتكلمين عن حرمتي قدامي
لا تجيبين طاري الطلاق ولا الزواج على غيرها
كرهت طاري الحريم من بعدها الله لا يربحهم خير! انا مالي بالحريم ولا ابغى لي منهم غير انفال. يا انفال يابحريقة الباقين عمري ما اعرست ولا رجعت افتح بيتي
ضربت حصة كفيها بفخذها بحسرّة :
ساحرتك! الا والله ساحرتك
انا ما عندي الا هالوليد وتبي تأخذ عقله بعد
حسبي الله عليك يا انفال كانك بتحسريني بوليدي
صرخ تركي ونار الحرة لم تترك به ولا تذر. مجرد ماسمع طاري الطلاق من امه
وزادت الطين بلّة عندما اتهمت امامه انفال، وهو الجاني عليها
تفهم طوال سنين زواجه ، غيرة امه عليه بما انها ابنها الوحيد
ولكن لم يستطيع ان يتبلع الغيبة في ظهر انفال وهي من صدت بخيرها وشرها :
لا تتحسبين عليها ! ماضرتك ولا ضرتني
فز من مكانه وهو يتوجه الى الدرج بغضب :
اعوذ بالله منك يا ابليس
فتح باب غرفته ليدخل ، ويغلقه خلفه بقوة
قاطع خلعه لثوبه رنين جواله
تأفف بغضب وهو يخرجه من جيبه
فتح عيناها بدهشة وهو يقرأ الاسم!
حنّ والله ان كاد ان ينفطر قلبي من الحنين!
رمى جواله على سريره وهو يأخذ نفسًا عميقًا ، ويمسح بفخذيه رطوبة كفيه
جلس على سريره وهو يقرأ اسمها مجددًا.
يشابه اسمها الأثمد !
يقرأه مرة ومرتين ويشعر بإنه عيناه تكحلت.
يشابه أسمها الماء !
يقرأه مرة ومرتين ويشعر بإنه لن يضمأ بعدها.
يشابه أسمها الحياة !
يقرأه مرة ومرتين ويشعر بأنه بات بالدنيا مُخلد.
يشابه أسمها تميمة !
يقرأه مرة ومرتين ويشعر بإنها نائمة على قلبه، تقيه من شر باطن الدنيا وماظهر.
يا انفالًا ، لم تتركي من اسمك معنى الا وجسدتيه ياغنيمةً بعد حربٍ، يازيادة في حبيٍ ، ياهبةً في عمري.
اجاب بخوفٍ ان تغلق السماعة ، خوفًا من انها بالخطأ متلهفٍ :
ياهلا والله
همست انفال وهي تشعر بالاشمئزاز من سماع صوته. تكاد ان تتقيأ لو ان ابعد السماعة عن مسامعها قليلًا ، لتعاود الرد مجددًا ويدها تحتضن معدتها :
مشغول ؟
اخذ نفسًا سريعًا تمنى به لو يغلق السماعة وتهبّه دقيقتين اخرى يحاول به ان يرتب الكركبة. الذي صنعتها في صدره بصوتها
ليجاوب بصدق :
حتى لو مشغول افضى لك
تنهدت انفال ، وتدخل بالموضوع مباشرةً :
ابو حصة ابغاك في موضوع
ابتسم تركي بحبّ. اولًا تتصل عليه ، والان تطلب منه يشعر بإن الحياة عادت راضيةً عليه :
" ياعروق قلبي سمي " ؟
تنهدت انفال بغضب ، يظن انه بهذه الطريقة تحن وترضى !
لا يعلم بإنها تتمنى ان تصمّ ولا تسمع هذه الأسطوانات الغزلية المكررّة. لم تأتي هذه البراعة الغزلية ياتركي من السماء او من الصبابة
كلها مكتسبة. اما حفظتها لغيري او غيري علمتك اياها
انا من يخط لي ابيات القصيد. لست من تأخذ من مكتبك القديمة قصيدة تجهل شاعرها لتلقيها على مسامعي :
لو سمحت يا ابو حصة! ياليت كلامنا مايتعدى الحدود اللي متصلة عشانها
عشان ما اندم مليون مرة اني اخترتك على غيرك
تنهدت وهي تراها يرضخ لأوامرها ويصمت. لتكمل :
انا الدورة لها كم شهر ماجتني ، وودي اروح للدكتورة بكرة أتأكد
بس ما ابي اروح لحالي. وابغاك معي
فز تركي بفرح ويدعي من قلبه بأن تكون حاملًا فعلًا لعله يجد سببًا لتبقى على ذمته ظ© شهور اخرى
وسبب غير حصة يجبرها ان لا تتخلى عنه بسهولة. مسؤولية طفلين ليست بأمرٍ هين يا انفال :
ابشرّي. متى تبيني بكرة امرّك ؟
قاطعته انفال وهي ترفض بحدّة :
جهاد لو درى اني شفتك ، راح يزعل علي
انا بجيك هناك وانت خلك بالعيادة
قاطعها تركي متنرفزًا وهو يرى اول خيوط الامل بأنهم يذهبون بعد العيادة الى مكان اخر يتصافون فيه ؛ يقص. :
انفال تراك للحين على ذمتي! وش يزعله ؟
قاطعته انفال بتبرير كاذب محاولةً إقناع تركي :
ترا لي كم شهر وانا احاول في جهاد يعجل موضوع طلاقي. تبيني اجيه الحين اقول والله بروح احلل معه ؟ توني أفطن على عمري اني شاكة بحملي ؟
مستحيل اطلع قدام اخوي بهذا المنظر البايخ!
صرخ تركي بغضب وهو يقاطعها :
انفال طاري الطلاق هذا لا تجيبينه! وانسيه حتى لو ما انتي بحامل طلاق ما راح اطلق
ضحكت انفال بسخرية وهي ترفع حاجبها بإستنكار :
ليش ؟ هو قرارك لحالك ؟
ولا المجتمع عطاك حقك تقرر متى تتزوج ومتى تطلق. وصرت تتوقع اني عبدة قراراتك ؟ وان اللي تقوله حتى لو ماكان برضاي لازم اخليه يمشي علي ؟
ضحك تركي بسخرية لم يخلو من التحدي :
اذا انا مانويت اطلق! ترا ما انتي معتوقة من ذمتي بالهيّن
حتى لو انحديتي تخلعيني ، ماتخلعيني وكفوفك خالية تردين لي مهرك ريالٍ ينطح ريال.
ان تركتيني بغير رضاي بتظلين معلقة. وان بغيتي الطلاق عز الله ما انتي واصلته. وان لجئتي للخلع الله يقويك تدورين لك خزينة دولة عشان تلقين فيها المهر بيوم وليلة!
بكل الحالات انتي خسرانة
ضحكت انفال بصوتٍ عالي. وكأن ما القاه تركي نكتة وليس حقيقة !
يالله كم انت طريف ياتركي وانت تظن اني ساذجة اجهل حقوقي! اميّةً في استغلال كيدي!
هذه الخاسرة بنظرك في جميع الحالات. ستربح يومًا ما بطريقة تجعلك تبكي للعتق من جحيمي ولا اعفو عنك!
طعم انتقامي لاذع ياتركي. ولاذع جدًا :
نرد لكم مالكم حتى لو حدني الوقت اتدينه
نخسر حرّ اموالنا ياولد ماجد لو مالقى خبزٍ نتعشاه ولا نخسر الكرامة !
قاطعها تركي وهو لا يريد ان يعوم بالموضوع اكثر. التحدي مع انفال هو خسارة في حق نفسه :
اي عيادة بتكشفين فيها ؟
تنهدت انفال وهي تهم بإغلاق السماعة :
نفس اللي كنت أراجع فيها بحصة.
/

\

/

\
أعطت لذعار جميع ادويته. أودعته امانة في ايدي الممرضة وربى زوجة ابنها، استودعته الله الذي لا تضيع ودائعه.
كانت تنوي زيارة بيت اهلها من قبل حادثة ذعار ولكن شائت الأقدار ان تتأجل الى اليوم!
قرئت آيات السكينة لثالث مرة بالطريق من توترها
لا تعلم بأي وجهٍ تلاقي غزل ، بأي ردة فعل تقابلها
بأي عتاب رقيق تضرب به على كفها ، لتخر بعدها متأسفة وتقبلها وتعانقها
ابتسم مقرن الذي اصر ان يوصل امه بنفسه وهو يرى انهم يقتربون من بيت جده :
يمه اول مرة تشوفين جداني ؟ من ركبتي وهي تفركين بكفوفك
تنهدت ندى بتوتر وهي تبتلع ريقها :
هذه المرة غير وانا امك
ضحك مقرن وهو يلاطف امه. ويلقي عليها بالدعابات :
لا يكون جدي ماخذ الثانية وانتي اللي بتصارحين جدتي ؟
همست ندى وهي تقترب بعنقها من الزجاج الأمامي تبحث بعينها عن باب بيتهم :
كان اهون على روحي يايمه كان اهون!
توقفت سيارة مقرن امام المنزل. ليطفئ السيارة وينزل ومن امامه امه سبقته بخطوات واسعة الى الباب
فتحت الباب بالمفاتيح لتدخل وخلفها مقرن اغلق الباب
دخلت وهي تبحث بعيناها بشوق لتروي ضمأ السنين العِجاف. هاهي تحصد سنينها الخضر
لتجد امامها امها تجلس على سجادتها بعد ان فرغت من صلاة المغرب
وبجانبها قهوة المغرب وفي وعاءٍ عميق تمرًا خرف للتو من نخيلهم بالبيت.
بلعت ريقها بدهشة وهي ترى ابنتها وابن ابنتها يدخلون عليها
لم يستعدون بعد لإستقبال اي زيارات قد تفتضح غزل
وقفت بقوة غير مبالية بآلالام فقرات ظهرها، ولا بآلم مفاصل ركبتها، وكأنها لم تبلغ من العمر عتيًا من شدة نشاطها كانت تحت تأثير خوفها
جعلها تتصرف من غير وعي :
وش جابكم ؟
عقد مقرن حاجبيه بإستنكار من ردة فعل جدته. التي العادة ترحب بهم بحفاوة والان تكاد ان تمسكه الباب :
مساك الله بالخير والرضا يايمه
قبّل رأسها وهو يمسكها من كتفيها ليجلسها :
وش أحوالك يايمه ؟
جلست الجدّة بخوف وهي تنظر الى ندى اللي تبحث بعينها عن غزل :
الحمدلله انت وش اخبارك وأخبار حرمتك وعيالك ؟
ابتسم مقرن وهو يحتضنها من كتفيها من الجانب :
والله يسرهم حالك. بيسلمون عليك قريب
اجل انتي جاية بكرة عشاء عمي سلطان لثنيان ؟
قاطعته الجدة بخوف وهي تفرك كفيها ، من ندى التي اختفت من امام عينها :
ابد مسموحين لحد يجيني
لفّ على القهوة وهو يسكب فنجالًا له ولجدته. وهو ياخذ من التمر ويعطي جدته :
ماشاء الله تمرٍ زين هذه السنة يايمه ، منصف يفتح النفس
لفت عليه جدته بتوتر ومقرن لا يكاد ان يصمت :
ياكثر بربرتك اليوم يايمه ، اقدع وانت ساكت
لا كلام على طعام
قهقه مقرن بشدّة وهو يشرق برشفة فنجانه :
ابشرّي ياجدة
اعاد ناظريه الى وعاء التمر وهو يتفحصه لحبّه وخبرته بالتمور
عقد حاجبيه وهو ينظر الى ساقٍ تغطيها بنطال بجامة باللون الأبيض
ويكسو أظافر قدميها طلاء الاظافر الأحمر
لا شعوريًّا رفع راسه ينظر الى الأنثى الغريبة في بيت خواله
ما زالت تلك الأنثى تبحلق فيه بدهشة. وهو ينظر اليه بجهلٍ يتلاشى رويدًا رويدًا
عرفت غزل انه استوعب الموقف عندما كسى وجهه تدريجيًّا اللون الأحمر القاتم حتى بات يصبح بلون حاجبيه ودقنه !
وقف مقرن بصدمة لتعود غزل خطوتين الى الخلف وهي تبتلع ريقها
قاطع لقاء اعينهم. ودعوات الجدّة بداخلها ان يمر هذا اللقاء بردًا وسلامًا
شهقة ندى بقوة
صعدت للأعلى تبحث عنها ولم تجدها. نزلت لتجدها امامها بالصالة
اقتربت منها ندى وهي تمسح بكفها عليها بحنيّة :
يابعد نظر عيني ياحيّ هالشوف
لفت عليها غزل وهي ترى اختها الكبرى. بكت بحرقة الحنين بمنتصف كلامها
تمسح على اطراف بكفيها وكأنها تتأكد انها حقيقة وليست حلم
تتأكد ان الـ ظ،ظ¢ عامًا من لوعة الحنين انقضت
ضمتها ندى بقوة بعد ان استوعبت انها الايام بُليت. والسنين تلتها. وهاهي الان ستنسى كل لوعات الحنين
وهي تدفن رأسها في كتفها باكية بنيّاح :
وش حالك ياغزل وش احوووواالك ؟
انا حالي مابلّ ريقه من بعدك ، ضمياااانة الروح لك ياغزل
قرّت عيني فيك يانظرها قرّت!
تكاد ان تنفرط ندى كعقدٍ من شدّة رقة مشاعرها في هذه اللحظة.
ذراعيها تحاوط كتفي غزل النحيلة ، تقف على رؤوس اصابع قدميها لطول غزل الفارغ.تدفن رأسها في عنقها لأن هذا أقصى ارتفاع استطاعت ندى ان تبلغه. ولو ان طاعتها ساقيها على التمدد لأنهمرت تقبل رأسها وتشتم رائحتها التي ظل صدرها فارغًا منها ظ،ظ¢ عامًا، رائحة الاخت التي لم تجدها بأبنائها ولا حفيدتها.
رغم ذلك التيار الجارف حبًا لم تزل غزل واقفة بجمود ، يديها مازالت تعانق جوانبها ولم تعانق ندى
مازال رأسها في إستقامة واحدة مع ناظريها، لم تكلف نفسها عناء الانحناء لتدفن رأسها في عنق ندى. ظلت تنظر للأمام بهامةٍ مرفوعة. لم اخضع للدنيا جبيني قط ياندى! فأنا اجهل لغة الحب التي تمتمين بها على مسامعي
قاطع اللقاء العقيم من طرف غزل، ولقاء غِذاء الحنين والشوق واللهفة من طرف ندى.
صوت باب الشارع الحديدي يغلق بقوةٍ كصوت رعدٍ
لِـ يليها صرخة حادة اتت بمجرد مابلغت موجات صوت الباب مسامعهم بمثابةٍ عاصفةٍ. بأسمها :
غغغغغغزززززززززززززززلللل لل
انزلقت قلوبهم من مقرها من خوفها
يشعرون بهم كما من يسحب بفلكٍ ليشعرون بجسدهم كُلِّه ينبض بقوةٍ خائفة
ظهر امامهم سلطان بوجههٍ لا يقل عن لون وجه مقرن الا اشدّ قتمة وعتمة! كبرقٍ صاعق لمحوه اخيرًا
مبشرًا بوجهه وصوته ، أيامًا لغزل بمثلها.
هاهو يقترب الى غزل بخطواتٍ واسعة. هاهي غزل تعود الى الخلف بخوفٍ
لتلف بسرعة وهي تركض الى الدرج
لم تكن لياقة ساقيها، بحجم غضب سلطان الذي يتحرك بسرعة الطوفان. ستغرق به غزل لا محالة
سحبها بقوة من شعرها المسدول على كتفيها بحرية. والآن بات جميعه بقبضة سلطان
قبل ان تخطؤ قدمها الخطوة الاولى على السلم
صرخت غزل بألم وهي تشعر به يشد شعرها بقوة يكاد ان يقتلع معه دماغها من محله
لتعود قريبة منه لا يفصل بينهم سِوى مجرى النفس


هاجر جوده غير متواجد حالياً  
التوقيع
"وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم." ❤




رد مع اقتباس
قديم 04-04-20, 01:59 AM   #40

هاجر جوده

مشرفة منتدى الروايات المنقولة

 
الصورة الرمزية هاجر جوده

? العضوٌ??? » 402726
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,915
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي tunis
?  نُقآطِيْ » هاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond reputeهاجر جوده has a reputation beyond repute
افتراضي


كشر سلطان عن انيابه وهو عاقدًا حاجبيه وينظر في وجه غزل إنفعال هائج. بإحتداد لو خطفت منه غزل نظرة لنزفت ناظريها
بغيظٍ وكأنه ينفخ بلفحة انفاسه الحارة تراب المقبرة. ليتطاير وبذلك حفر لها قبرًا
لا يوجد في قواميس الكلمات ، كلمة تعبر عن مدى سخطه.
لا يرى من المعاجم معجمًا يسعه الا معجم المرثيات. يريد ان يكتب بها مرثيةً على ان يضيع وقتًا بشتيمتها :
ياليت الدم والاسم ينقى
كان ماخليت الى اليوم دمٍ ربطني فيك
اسمنا وشرفنا اثقل من انك يالخسيسة تشيلينه لو علي تركتك بالخلا لانك حرام تندفنين بين المسلمين انتي ماتشرفين حتى الزريبة ! حتى الحيوانات ماتسوي سواتك وتترك محلها
ان هاجرت هاجرت بأهلها
رماها بقوةٍ من شعرها على الجدار. ليصدم رأسها به بقوة
صاحب صوت ارتطام رأسها بالجدار ، صرخة ندى والجدّة لتبكي بحرّقة وهي تترجاه :
ياسلطان اترك اختك
طلبتك يايمه لا تموت على يدك انا بأدبها لك بس لا تذبحها طالبتك يايمه
ركضت ندى وهي تحاول ان تبعد سلطان عن غزل. الذي لم يم يكتفي بجسدها الذي تمايل بقوة من شدة الضربة وكادت ان تفقد وعيها
ليشدها مع شعرها مجددًا ويضرب بطرف قدمه جمبها ، وبطنها ، ومنطقتها الحساسة.
يحاول ان لا يترك منطقةً من جسدها لا يمساها حذاها
ليرمي بطرف قدمه الثانية ندى بعيدًا صارخًا بغضب عليها :
ابعدي عني! هذه حرام حتى افصخ نعلتي
رجلي اطهر من اني اوصخها بهذه النجسة
لفت ندى بترجي وهي ساقطةً على الارض. تبكي بحرقة وهي تشك ان أختها ستعيش دقيقة اخرى من ضرب سلطان :
تكفى يامقرن يا يمه بعدّه عنها تكفى وانا اميمتك
كان ينظر مقرن برضا تام، وتشفّي الى سلطان الذي يبرد غليله بها. ليهمس الى امه وهو مازال جالسًا لم يحرك به المشهد ذرة احساس
لو عليه لخلع عقاله واعطاه سلطان ليلين به ظهرها واذا انتهى. شنقها فيه
لينال شرف الأرض انه خلصها من الدناءة :
خليها لأني لو قمت بتشوف سلطان لها رحمةٍ مني !
دامكم ماقدرتوا تربونها قبل 12 سنة. يمكن يقدر يربيها الحين
ضرب سلطان بكعب حذائه. فك آسنانها بقوة
لتصرخ غزل بآلم باكية
لتكح بقوة وهي تشرق في نزيف اسنانها التي انكسر منها ثلاثة تحسستهم بلسانها
انحنى وهو يجرّها من شعرها لتقف امامه مجددًا وهو يصرخ في وجهها :
من هو ابن الكلب اللي انحشتي عشانه ؟
صرخت غزل والآلم يتضاعف، وسلطان منتشيًا لصرخات عذابها، لا مفر الليلة من يده. لن تنهي هذه الليلة وهي مستسلمة :
ماااااااااالك دخل انا لو رحت رحت عشان انحاش منكم مو أنحاش لاحد
صرخ سلطان وهو يرميها على الأرض مجددًا. ليضع قدمها فوق صدرها ويضغط عليها بقوة وبكل ودنه وضغط جسده
حتى كاد ان يتهشم قفصها الصدري
صرخت غزل وهي تحاول بيديها ان تبعد يده ولكن هيهات هيهات
قوة سلطان لا شيء بالنسبة لها :
اردى واردى ياحقييييييييييرة
لو واحد قلنا لعب بعقلك
بس منحاشة تمارسين خرابك بلا حسيب ولا رقيب
اقترب منه مقرن وهو يشمر عن اكمامه. والصبر الذي يتجلد به من اليوم نفذ
عز الله انك الآمن ستمنين رقة ضرب سلطان، فضلًا عن سطوة لساني.
انا لا أضرب فقط ياغزل، انا اتفنن بتهشيمك قطعة قطعة
انا رفيق بقطط الشوارع ووليمتهم الليلة غنية من جسدك. ولكن مصير من أكلك الموت من تسمم جسدك القذر النتن!
شدّها من شعرها من الأرض. من إذنها قريبًا لفمه بهمس :
انا مو سلطان! تردين عليه ويسكت لك
انا لو تردين علي اطلع عيونك من مكانها
صرخت غزل بحرّقة من تفننهم بتعذيبها :
مابقى الا انت اللي امس في اللفة تمد يدك علي
سحب مفاتحه الحديدي من جيبه. بحدود وهو يضرب طرفه تحت أظفرها ليقتلعه بقوة وبهدوءٍ ظاهري :
وش قلتي ؟
صرخت غزل بصرخةٍ تضاعف صرخاتها قبل قليل. لتصرخ بلا وعي وهي تشتم مقرن وتلعنه بأبشع الالفاظ التي لا يسعني الذوق العام لذكرها
شدّها مقرن من شعرها الى المطبخ وقدميها تسحب بالأرض
شبّ عين من اعين الفرن وهو يأخذ ملعقة حديد من الدرج. ليحميها على النار
صرخت ندى من خلفه وهي تطفئ النار :
ياويلك من الله يامقرن! مايجوووووز وانت المصلي المسمي
لا يعذب بالنار الا رب النااااار
لا تخلي ابليس يجرك
سحب ندى سلطان بطريقةٍ بشعة لا تقل عن طريقة جره لغزل وهو يصرخ فيها بغضب :
اتركيييييييييييه
صرخت الجدّة من خلفهم وهي تبكي بحرّقة. ترى ابنتها امامها تلفظ انفاسها الاخيرة وقوتها لا تسعها
للنياح والترجي. وصلت الى المطبخ وهي تزحف على ركبتيها ولطخ طرف قميصها دماء ابنتها النازف على الأرض :
والله ما انتم بحلّ لو وطت جسمها النار والله ما اسامحكم ياعيال ابلييييييييس
لها ابوها وربها ما لكم دخل فيهااااااا
قربّ مقرن الملعقة من فمها بهدوء وهو يحرقها بنظراته هامسًا :
بتقولين اسم السربوت الحيوان اللي معك ؟ اللي يوم لعب فيك وشبع ردّك ؟ ولا أخليك تلفظينه غصب عنك ؟
ضحكت غزل بتشفي وهي تنظر اليه وهي تنفث بقايا دم اسنانها من فمها :
ابوووووك
وضع الملعقة بقوة على شفتيها لتصرررررخ من حرّة النااااااار التي حرق فيها مقرن شفتيها. نفضت نفسها من بين كفيه بقوّة وهي تحاول ان تحرر نفسها من قبضة مقرن ولكن ابت وهي ترى مقرن يضعها في حجره بقوة هامسًا بإذنها بحرّقة تنفي كل الهدوء الذي كان يتجلد به قبل قليل
وهو يظن ان غزل قالته لتغيضه فقط :
تخسين تذكرين تاج رأسك على لسانك !
\
/
\
/
سحب الفرامل بقوة وهو يقف أمام بيت خواله حتى رنتّ صوت كفرات سيارته في الشارع
قطع المسافات بسرعة جنونية وهو يدعي الله في داخله ان والدته لم تصل بعد منذ ان خرجت من المستشفى
او ان سلطان لم يسعه الوقت الى ان يصل قبله
اتصال سياف الذي اخبره ان سلطان عرف بأمر غزل وردة فعله وجلوي اللي عنده اخبره ان مقرن وأمه بالطريق ايضًا
جعلته يتحرك بسرعة البرق من عمله بلا وعي!
سلطان ومقرن عقوبتان
ان سخطت على امه لن تخرج حية
لا يأبهون بالعقل ولا المنطق ولا القرابة والقانون
يسيرون طوع شرقيتهم وشخصيتهم
سياف ليس وريث سلطان عندما برر لأفعال غزل عندما علم بعودتها.
وليس جلوي طبق الاصل من شخصية مقرن آلذي رغم غضبه على غزل بسبب ماحدث لابنائها لم يلقي بكلمة واحدة عليها احترامًا لهم وترك الامر بقبضتهم.
سلطان بارود ولا يثمن كلمة
ولا يخفض كفه اذا ارتفع ليصفع
ومقرن يتمتع بشخصية شرقية بحته
يريد حياةً كورقة بيضاء وتصرفاتً على المسطرة من شدة استقامتها
أتته غزل كنقطة سوداء في تاريخه
خلف ذلك الهدوء والبرود والاتزان طوفان سيجرف غزل لا محالة.
ضرب الباب بقوة بكفه وقدمه
وهو يسمع الصراخ يصله الى الخارج
ولكن لا حياة لمن تنادي في ظل هذه الفوضى
صعد على سيارته
وقفز منها على سور البيت ونزل منه الى داخل البيت
ترك معطفه ملطخًا بالغبار وهو يبحث بعيناه عن " جثة " امه المتوقعة
صرخ وهو يرى جده يسبقه الى الداخل بعد عودته من الصلاة مندهشًا من المجزرة التي حدثت ببيته
وجدته على الارض عند باب المطبخ تبكي
وندى متشبثة في أذرع سلطان الذي سدّ الباب
أين والدتي بينهم ؟ لا اسمع صوت صرخاتها
وجميعهم امام عيني
من الذي يتلذذ بتعذيبها وانا حيّ ؟
اقتحم ذياب حشد النياح
بخطوات سريعة ليصرخ بحدّة وهو يرى واحدًا لا يملك اي حق بمحاسبة والدته! :
مقررررررررررررن !
اقترب بسرعة دون ان ينتظر منه استجابة
وهو يسحب والدته من بين حِجره بقوة فاقت قوة مقرن
ليضعها خلف ظهره صارخًا في وجهه بغضب :
ممممن انننت تمد يدك علييييييها ؟؟ بأي ححقققق ؟
ابوها موجود
ولدها موجود
اخوها موجود
موقعك من الأعراب ويييييين ؟
ناظره مقرن بإستحقار وهو يرمي الملعقة بعيدًا :
يوم انحاشت الكلام مسنّا كلنا
مو بس اللي حددتهم حضرتك
لف ذياب وهو يشعر بوالدته تتهاوى خلف ظهره، فاقدةً وعيها
حملها بين ذراعيه وهو يصرخ بحرقة وملامحه امه لا يكاد يميزها مهما فعلت لن يسمح بأن يمسها اذى!
تحكموا بأخته 12 عامًا وكأنه ميّت
والآن يحددون مصير امه على غلطة هو ضحيتها لن يجلس بالمدرج يتفرج
هيهات هيهات :
والله وبالله وتالله انه مابقى شيء لي بهذه الدنيا خايفٍ اخسره!
اثنين بالدنيا لو مسهم طرف منكم امي واختي!
اقسم بأغلظ الإيمان انه ماينام الليلة الا بقبره والله!
اذا يدينكم طوويلة على محارمي
ترا يدي اطول منكم لا فرغت سلاحي في دماغ كل واحدٍ فيكم ويتمت عيالكم ورملت حرييمكم !!
تبون الدنيا سااايبة تراني فيها اردى منكم !
هز سلطان رأسه بأسف من دفاع ابن اخته عنها :
هذه ترميها بقبرها ماتاخذها بحضنك
بس وش نقول هذه تربية خالد!
ضحك ذياب بسخرية لاذعة وهو يرفع حاجبه :
اي صح انا تربية خالد!
بس اللي بين يديني هذه تربيتكم
اندفع سلطان تجاه ذياب الذي يعايرهم
ليضربه
ولكن يدين الجدّ ومقرن اسرع من اندفاعه ليمسكونه قبل ان ينفذ ذياب حلفه!
ابتلع ابو سلطان ريقه بحرّقة
ودمعه تطرف من عيناه على شكل ابنته الصغيرة بنظره رغم انها اصبحت جدة الان وظنون حفيده وابنه فيها تحرقه :
الله لا يوفقك ياسلطان!
قلت لك من ١٢ سنة البنت تحت عيني حتى لو انك ماتشوفها
ولا لك فيها دخل
وان تدخلت ولا سويت شيء تراك ما انت ولدي ولا اعرفه انا ماربيت قليل ذمة واصل يمد يده على حرمة
شلون لو صارت اخته ؟
انا بهيّت بنتي ؟ انا بخليها تسرح بين المتردية والنطيحة ؟
غزل حتى لما عصتكم ماعصتني!
يكون بعلمك ترا طول الـ ١٢ سنة هذه وهي تشوفني واشوفها
تراها ما أبعدت عنكم
تراها حولكم وحواليكم كانت في جدة عايشة تتعالج لان الدكتور وصى انها ماتعيش تحت الضغط النفسي
لو كنت ادري ان خالد السليمان طلقها والله لا أردها بيتها معززة مكرمة
بس مادريت الا من مبطي
ولا ادري ليش بنيتي كذبت علي بس انا واثق بتربيتي
هي لقت راحتها بعيد عنكم، خلوها
ولما جت
جت لمّي ماجتكم! باي حق تحاسبونها ؟
صرخ سلطان بحرقة وهو يلف على ابيه :
هذا اللي وطئ رؤوسنا يايبه انت !
دلعك وتربيتك المختلفة عن تربيتنا لها خربتها!
حتى انت يايبه تدري وساكت ؟
وين ابوي اللي يهابونه أقارم القوم
تسيرّه على مزاجها وحدةٍ مافقست من البيضة ؟ تسيره وحدة بنص عقل ؟
بأي وجه نقابل خالد السليمان وجماعته لا دروا ان بنتك وتربيتك ظالمته
باي وجه نبرر زواج سياف وشادن ؟
بأي وساعة وجه نبرر خوفنا من خالد وهو ماسوى شيء وكله من رأس بنتك ؟
ليش تكذب علي وكأني اصغر عيالك يايبه ماكأنط جد وخاطٍ لي شنبي ؟
ليش بالبداية يوم هجت تقول تحت عيني بس شوفوا لعيالها صرفة من خالد لا يدمرهم زي مادمر امهم
ليش يوم هجت وانتظرها سنتين يايبه وهي تقول مطولة مطولة
تقول لي بعدها ما ادري وينها
كل ماقلت لك يايبه خلنا نبلغ
يايبه خلنا نشوف بنتك في اي قرنة من هذه الارض
تقول لي ذعار مايقصر بيشغل معارفه لا تفضحنا في مجالس الرجاجيل ويدري خالد انّا نعرف مكانها وياخذها من بيتنا غصب لانها على ذمته
كأنها مافضحتنا وخلصت!
صرت طابخها مع غزيل وساكت ؟
12 سنة يايبه وانا بالع غصتي وسااااكت عشان خاطرك
سديت أذني عن معاير الرجاجيل ونقد الحريم ! ويوم لفضت الجمرة اللي كوتني سنين زعلت علي وبريئتها زي عادتك ؟
يبه هذه المريضة ؟ هذه التعبانة نفسيًا ؟ يبه هذه اصحى وأبهى من يوم لفتها امي بالمهد! ومن يوم عرسها !
انتظر لين بكرة تقول لي ان علاجها كذبة بعد ؟
١٢ سنة وانّا عايشين في كذبة من تأليف غزل وإنتاجك يايبه ؟
همس الجدّ وهو يجلس على أقرب كنبة بجانبه من كلام ابنه الذي بمحله :
مالي كلام معك ياسلطان بعد اللي سويته
اللي صار صار عاجبك اهلًا وسهلا ماعجبك طق برأسك اقرب جدار
صرخ سلطان بحرقة وهو يخرج من البيت :
قسم بالله ساحرتك! ما انت ابوي اللي اعرفه والله ما انت ابوي
انا ادري انها جنية وخبيثة وبنت ابليس بس ماهقيت انها تسير اربع رجاجيل بدون عقل
تاركة قروم الرجاجيل أسيرين كلمتها واشارة اصابعها
انت وخالد وذعار وذياب !
وتبيني اصير حمار زيكم وتسيرني ولا بتزعل علي ؟
زعلكم اللي بيرد لي كرامتي من هالخسيسة هو رضا بالنسبة لي
خرج من الباب وهو يردد بصوتٍ عالي دون ان يشعر بنفسه
من شدة غيضه متعجبًا من غزل التي عبثت بعقول رجاجيلٍ من أدهى وأمر الرجِال :
بكرة بتدرون انها زي ماسيرتكم
لعبت وانتم غافلين عنها. اللي مثلها ماتأمنون غدرها
اللي مثلها يسيرون الماء من تحتكم وانتم نايمين
بكرة بتبكون دم اني ماعقلتها
وجريتها من علباها من يوم تركت عيالها ومشت
" إن كييييييييييدهن عظيم " قسم بالله انه عظييييم! ماسلم منه نبي الله تبون تسلمون منه ياعباده مالكم حول ولا قوة ؟
ترك ذياب غزل على الارض ببطئ حتى لا يتأذى رأسها وهو يراقب انفاسها
اخذ منشفة رطبة بالماء وهو يمسح وجهها من اثار الدم حتى يميز الدم عن الكدمات وليدة اللحظة.
اخذ ماء بقبضة كفه وهو يرش به وجهها حتى تستيقظ
تحسس بيده رأسها حتى يتأكد انها لا تنزف او تأثر دماغها
لم يجد سوا كدمات تنهد وهو يتحدث على نفسه :
يا رب ماهي نزيف داخلي!
رأى غزل وهي تفتح عيناها ببطئ
من اثر الماء
مد لها ذياب كاس بالمأء مذوب به ملعقة ملح وهو يرى نزيف من داخل فمها :
تمضمضي فيه
بيوقف النزيف عشان اشوف تأذى الفك او الاسنان بس
لم تستجيب له غزل وهي تغلق عيناها مجددًا
لينقبض قلبه بخوف
صحيح غاضب عليها
ولكن لا يريدها ان تموت
خلع معطفه الأبيض وهو يستر به غزل التي ترتدي بجامة البيت وهو يخرج بها الى سيارته.
رافقته بخروجه دعوات ندى والجدّة
وتوصيات الجدّ بأن يطمنهم عليها
ودعوات مقرن بداخله بإن لا يسلم الله بها مغز ابرة!
/

\

/
وقف امام باب شقة عمه يحمل بيده صينية شوكلاته وبيده الاخرى باقة وردة
رغم اقتراحات لمى عليه بإن يأخذ هدية اما اسوارة الماس او جوال جديد
ولولا انه تعوذ من ابليس لأدخل صرافته في عينها من الدهشة!
اي عقل انه بكل مرة سيأتي اليها بهدية ثمينة ؟ وينتظره حفل زفاف وشهر عسل ومصاريف البيت وتأثيثه ؟
تعوذ بداخله من توافه الأمور التي تستلزم ان تكون نايمًا على مصرف
او ابيك وريث مال قارون
او انكم سطتوا على خزينة أموال الدولة!
لا يوجد شاب في مقتبل عمره
بوظيفة ثمان ساعات وراتب اخر الشهر
ان يفعل كل هذه الأمور دون ان يقع في فخ " الفقر "
اخذ نفس عميق وهو يضرب الجرس
ليأتيه صوت صغير من خلف الباب :
مييييين ؟
عرف بإنها جنى ابنة عمه الصغيرة. ليجيب بأمتغاض :
ثنيان
فتحت الباب وهي تنظر اليه بخبث ساخرة :
وين وجهك ما اشوفه ؟
ابعد الباقة قليلًا عن وجوه وهو يشتم جنى بداخله، ويحلف بأغلظ الإيمان انه لو يبيع جنى لم تأتي بقيمة هذه الباقة :
انت وين ابوك هاه ؟ بعدين شوفي لي درب للمجلس
تخصرت جنى وهي تفتح الباب كاملًا :
الناس يجون بموعد عشان يكون ابوي بإستقبالهم مايسألون عنه
انت استأذنت من ابوي قبل تجي ؟
فتح ثنيان عيناه بصدمة وهو يرى طفلة لم تتجاوز الثمان سنوات بلسانٍ اطول من لسانه!
ليجيب بصدمة :
انت اختك مثلك بعد ؟ كلكم السنتكم طويلة ؟
خرجت من المجلس بعد ان اخذت مبخرة الضيوف تبخر فيها شعرها رغم انها بخرت شعرها بمبخرتها قبل ثلاث مرات
استندت على الباب وهي تنظر اليه بإبتسامة عفوية :
ياساتر ماتوقعت هذه الطفرة الجينية - وهي تشير بعينها الى جنى - بتشوه سمعتي !
رفع رأسه الى مصدر الصوت، وهو يراها واقفة بنصف جسد مائل على الباب
تنظر اليه مبتسمة وشعرها سرحته بالويڤي. حتى يأخذ شكل كثيف وهي ناثرته على كتفيها
بفستانٍ حرير أصفر بسيور خفيفة. يخصر جسدها من صدرها الى منتصف خاصرتها ، لينساب بعدها بموديل - بليسيه -
وكعبٍ مرتفع ارتفاعه بسيطة. يغطي قدميها
يشعر أنه يود حملها، ليعيدها الى السماء مجددًا
هذه ليست بشرًا منا معاذ الله. هذه حمامةً سلام سقطت إلينا رحمةً وفتنة!
وجودها بكل هذا الجمال على الأرض قرارًا سيئًا بحق الأخريات.
همس وهو يقترب منها :
حاشاك!
صافحت كفه ، لتمد خدها إليه برقةٍ وهي تسلم عليه :
امزح معك ، اهلًا وسهلًا
عاد برأسه لوضعه ، بعد ان دنى ليسلم عليها. مبتسمًا وهو يمد اليها باقة الورد!
شهق بداخله وهو يشتم حظه
نسى ان يسال أخواته ماذا يقول لها ، او متى يعطيها!
اردفت شذى بإنبهار خجول بعفوية وهي تأخذه منه وكأنها أنقذته عندما لم تنتظر منه رد :
ياعمري! ليش كلفت على نفسك ؟
وضع الصينية على الطاولة، وهو يجلس
لتأخذ شذى الدلة وهي تصب له فنجانًا وهي تبرر غياب ابيها :
ماتوقعت ابوي ينسى موعدنا، بس اكيد ارتبط بعلمه
مدت الفنجان له :
سمّ
حمدّ الله ثنيان في قلبه على غياب عمه. ليأخذ الفنجان منها بهدوء وبيتًا شعريًّا صاخبًا يهيض رغبته بإن يمسك كفها تلك " الناعمة كالحرير، كم يتمنى أن يكون معطفًا تمسكه بها " ( ‏" هي عليها تصب لك فنجالها وتمدّه وانت كيفك تاخذ الفنجال ولا يدها " ) :
سمّ الله عدوك
شدعوة ما انا بغريب يرتبط فيني عمي انا بس كنت بسلم عليه لو انه قريب
دامه مشغول بحفظ الرحمن يا رب
عمّ الصمت دقايق طويلة
الفنجان يليه فنجان
وكادت شذى ان تخسر كيلوات من وزنها من فرط ماضيفته
رفع ثنيان رأسه وهو ينوي ان ينهي هذه المحادثة المملة
يبتكر حديثًا يستهويهم جميعًا
او تفاصيلًا تحتاج رأيهم معًا
اي شيء يجد نفسه وهي فيه
ولكن لم تفلح ذاكرته بتذكر شيء ليسأل بغباء :
كم مصروفك بالمدرسة ؟ اوه لا انتِ تخرجتي
كم بتحتاجين بالجامعة ؟
انفجرت شذى ضاحكة وكل ذلك الخجل والهدوء الذي كانت تتصفه به قبل قليل ذهب هباءًا منثورًا لتجاوب بضحكة :
ودّك تدور فكّة من الحين ؟
شتم ثنيان نفسه بداخله مئة مرة
تمنى لو انه استعد لهذه الزيارة اكثر وكنت يستعد لخوض اختبار
لم يتوقع ان تؤول بِه الطرق ليتمنى ان لمى بجانبه وتخبره ماذا عليه ان يفعل او يقول
متأكد ان بهذه اللقاءات تكمن صعوبة الزواج!
ابتسمت بعد ان ابتلعت ضحكتها تحاول ان تخفف الحرج عنه :
فهمتك كان ودك تستفسر عن الجامعة اكثر
بأذن الله قدمت وبتطلع الترشيح قريب
حمد الله ثنيان الف مرة رغم انتقاده لنفسه بإن هذه الطفلة التي تصغره باكثر من ٦ أعوام تستطيع ان تختار حديثها اكثر منه :
وش ناوية ؟
وضعت شذى يدها تحت خدها :
هندسة
عقد ثنيان حاجبه وبعفوية :
ورا تخصصاتكم يابنات عمي صعبة ؟
ضحكت شذى وهي تهز كتفها :
مايغرينا سهال الأمور
ابتسمت بلطفٍ لتعقب على كلامها بجدية :
مافيه شيء اسمه تخصص سهل او صعب
فيه تخصص تقدر تنجز فيه وتخصص ماتلقى نفسك فيه
الامر بالنهاية مايعود لتخصصك يعود عليك انت شخصيًا
يعني صعب تترك قرار مصيري مثل هذا بيد " مستقبله حلو " او عشان " اهلي يبون كذا " وبعد ماتفشل فيه
تقوم تشتم تخصصك اللي مشى فيه الآلاف الطلاب قبلك
هز ثنيان كتفه بلا مبالاه :
يالله ان شاء الله يفتحون لكم عسكرية وترتاحون
ضحكت شذى رافعةً حاجبها :
على اساس انك ضابط مرتاح ؟ ما اشوف العسكرية مريحة
بالعكس! لما تقرر تدخلها انت تقرر تتنازل عن روحك
صح مقابل شريف انك تدافع عن وطنك بس بنفس الوقت مو الكل يجرأ عليها
الموضوع مايبان في بدايته الموضوع يُبين اذا جت الصدقية مو الكل يصمل
ضحك ثنيان وهو يضرب بكفه صدره :
" العسكرية تبي شجعان، وانا شجاعٍ واتحداها "
رفعت شذى حاجبها بضحكة من غرور ثنيان وتعجرفه!
قطع حديثها دخول حاتم متوجهًا إلى ثنيان مبتسما : ياحيّا الله أبو عبدالله زارتنا البركة
فز ثنيان وهو يقبل رأسه تقديرًا لعمه :
الله يحيك ويبقيك يا أبو وصال
احتضنت شذى أبيها وهي تقبل رأسها بحنية :
فقدناك على الغداء اليوم
مسح حاتم على ظهرها بحب :
ما تفقدين غالي يا بابا
جلس مقابلهم, مانحهم بعض الخصوصية والراحة التي أستمدت إلى أرجاء قلبه القلق بالأمس. بعد عقد أتفاقًا مع الجازي :
وش أخبار الأهل ياثنيان ؟ عسى أبوك طيّب ؟
/
\
/
\
فتحت عيونها ببطئ بعد أن نامت فور مغادرة جلوي
عقدت حاجبيها وهي ترى العتمة تسود غرفتها. والغرفة باردة كما تحب. أخذت جوالها من جانب رأسها لترى الساعة المشيرة إلى 12 صباحًا. لا تسمع صوت لأبنتها ولا سياف بجانبها
أبعدت الغطاء عن قدميها وهي تنزل من سريرها
خرجت من غرفتها إلى غرفة غنى أبتسمت شادن بحنية وهي تمسح على رأسها عندما رأتها نايمة بسلام لم يخلو من تأنيب الضمير بأنها اليوم أنشغلت بنفسها ونستها
همست وهي تسمع صوتًا بالمطبخ :
يالله سياف وش قاعد تهبب ؟
خرجت غرفتها وهي تغلق الباب
دخلت المطبخ وهي ترى إنارة واحدة فقط مضيئة وسياف منحنيًا على رف البرتقال في الثلاجة. احتضنته من الخلف مبتسمة هامسة :
وش قاعد تسوي ؟
فز سياف بضحكة , فزعًا من استيقاضها :
بسم الله الرحمن الرحيم وش مصحيك الحين ؟
ضحكت على شكله بخمول وهي تلف بجسدها عندما شمت رائحة – البيتزا –
فتحت الكرتون وهي تجلس على الرف بشهيةٍ مفتوحة :
وااااو مرة جوعااانة سياف
أقتضمت قضمةً من وصلة بيتزا بتساؤل :
متى جبتها ؟
أبتسم سياف وهو يخرج العصارة بعد ماقطع 4 برتقالات إلى نصفين :
رحت أجيب العشاء بعد مانامت غِنى نمتي بدون ماتتغدين
هزت شادن كتفيها بلا مبالاه لمسألة أكلها وهي تفتح الكرتون الآخر لترى نوعها :
كان صحيتني معكم
صب سياف العصير في كأس وهو يضعه في الصينية التي تحمل السفرة وأخذ الكراتين وهو يغلقها ليضعها معهم :
خليك تشبعين نوم
ناوي بخلي لك عشاك بالفرن متى ماصحيتي تأكلين بس أم قليب حست وقامت على الموعد
ضحكت شادن وهي تقبل خده عندما وقف بجانبها ليأخذ الكراتين :
‏Thank you my husband
ابتسم سياف وهو يقبل خدها الآخر حاملًا الصينية :
‏welcome my wife يالله تعالي بالصالة
تعلقت شادن بعنقه بترجي وهي تشعر بخمول :
بليز سياف مافيني امشي شيلني
ناظرها سياف بطرف عين وهو يحاوط بذراعه خصرها :
ماتلاحظين انك من صحيتي وانتي تتدلعين ؟
ضحكت شادن وهي تضع رأسها على كتفه لتغني له هامسة :
صغير خله يتدلل !
همس سياف وهو يحملها بيده الثانية التي كنت مستقرة على خصرها مكملًا مقطع أغنيتها.وبيده الاخرى يحمل الصينية :
احبه ولازم اتحمل
صرخت شادن وهي تشهق من جدية سياف! الوضع مخيف يحملهم اثنينهم وكل واحد بثقلٍ على كفه وهي تحاول ان تنزل :
سياف والله امززززح نزلني لا اطيح انا ولا تطيح الصينية وتنكسر ترا فيها قزاز
ضحك سياف وهو ينزل الصينية على الطاولة ، وشادن على الكنبة :
مشكلتك ماتؤمنين بقوتي
مدّ لها عصير البرتقال ، وهو يأخذ علبة البيبسي
رفعت شادن حاجبها :
لا والله ؟
كتم سياف ضحكته متجاهلًا النظر اليها حتى لا يضحك على تعابيرها وهو يفتح التلفزيون :
ممنوع اليوم غازيات وانتي تعبانة
أخذته شادن من يده بسرعة وهي ترتشف من رشفة وتعيده ، ضاحكة بخبث طفولي :
احسن خلك شربت منه وخربت عليك مايمديك تشرب عقبي بس احسسسن اذا ماشربته انا انت ماتشبه
قهقه سياف ضاحكًا بصوت عالي ، ليلتقط انفاسه وهو يأخذه :
يعني على اساس اذا شربتيه بتعوفه نفسي ؟ الا بستلذه أكثر
كشت شادن عليه بغضبٍ خجول وهي تشرب من عصيرها :
مالت على حظي ، طحت بواحدٍ مايعوقه شيء
اكلت وصلةٌ آخرى بهدوء وببطئ
وهي تنظر الى سياف الذي ينظر الى الشاشة التي تنقل مباراة من الدوري الأجنبي بتركيز ؛ شاردة الذهن.
عقد سياف حاجبيه عندما سقطت عينه على السفرة وهو يستوعب انها لم تأكل شيء غير التي بيدها منذ ان بدؤا بالأكل
لف عليها ليجدها مازالت الا الآن لم تقضم سواء قضمة واحدة :
وش فيك ماتأكلين ؟
وضعت شادن القطعة على طرف السفرة وهي تأخذ منديل تمسح به فمها للتأكد انه خالي من بقايا الطحين :
الحمدلله شبعت
رفع سياف حاجبه وهو ينظر اليها بحدّة :
بالله شبعتي ؟ هذا اكل اللي قبل شوي بالمطبخ بغت تأكلني
رفعت راسها شادن متجاهلة سؤالها وهي تهمس :
وش صار عليهم ؟
رفع سياف حاجبه الأيسر بإستنكار من سؤالها المبهم :
من هم ؟
هزت شادن كتفيها وهي تنظر اليه. تحاول به ان يلتقط من عيناها إجابة سؤالها
تنهد وهو يفهمها ، حاول ان يتركها نائمة لتتناسى الموضوع لو قليلًا
طلب من ابيها خالد بإن يرسل لها رسالة ضرورية بدوامها من بكرة حتى تنشغل بالدوام عن التفكير
لكن الواضح انه لا جدوى!
همس وهو يقصر على صوت التلفزيون :
هماها ماتهمك ؟ خلاص ماعليك منها ومن أخبارها ، عيشي حياتك اللي انتِ عاجبتك ولا تعتبربينها موجودة لأني ما اتوقع تطول فيها كثير
لفت عليه شادن وهو تمسك كفه بترجي :
ابغى اعرف سياف وش صار! وش تقصد بأنها ماراح تطول ؟
تنهد سياف وهو يلف عليها :
كلمت ذياب ، هي عنده في شقته بعد ماوصلها المستشفى. مايبغاها في بيت ابوي العود عشان محد يشوفها
تعبانة شوي لأن امس شوفتها لابوي ماعدّت على خير
همست شادن وهي ترتشف من عصيرها، حتى تبرد من حرّتها :
احسن
\
/
\
/
\
كان يضرب مقرن الأرض بطرف قدميه من الحرقة!
طوال الطريق من ديرة اجداده الى هنا وأمه تبكي بالسيارة ولم تخلو شهقة باكية من دون ان تلفظها ب " حسبي الله ونعم الوكيل "! يعلم انها تقصده بكلامه، يعلم انها بخاطرها تتحسب عليه جراء فعلته بأختها ولكن لا يطاوعها قلبها ان تتحسب على ابرّ واحبّ ابناءها الى قلبها
يعلم بإن في خاطرها ان تصرخ وتعاتبه ولكن انها صامتة وتحرق في نفسها وتغص بالكلمة خوفًا من غضبه.
يريد ان يغادر الى بيته ولكن في قلبه كلام، يريد من انه تستغفر لله وتتفهم موقفه ولكن انه لا يجرأ
كيف يخبرها انه يرى نفسه الصح وهم الغلط ؟
لماذا لا احد يتجرع لوعة القهر الا هو وخاله سلطان ؟
خرج ذعار من غرفته وهو يستند على العصاة. وهذه اول مرة بحياته يضطر الى استخدامها من فرط تعبه الروحي لا الجسدي، يشعر بإن أعضاءه تقوم بعملها مُكرهه / ميسرةٍ لا مخيرة.
يشعر بداخله بفراغٍ كبير / يشعر بإن روحه تسبح بضياعٍ كأنها تسبح في فلكٍ
لا شيء واضح ، ولكن تسبح.
لا الهدف معلوم ، ولا الرؤية صائبة ، ولكن العمل قائم
العمل لمجرد العمل
خرج من غرفته يجر قدماه ، يسند ثقله على عصاةٍ خشبية.
هذه الهامة التي تسمو لسنواتٍ طويلة. هاهي تزعزع من فرط الصبابة.
لم تكن علاقته بالأدب جيدة، ولا يستطيع ان يذكر اكثر من ثلاث شعراء في الجاهلية!
ولم تكن ضمن اهتماماته حضور صالونات الشعر لأصحاب النفوذ والأثرياء. او اهتمامات رجل العرب التي اصبحت سمة لا تخلو من مجالسهم، ولم يكن رغم خيره ممن يكرمون الشعراء المتغنين بهم.
لم يعرف نظم قافية ولا بيتٍ في حياته. ولكن شيئًا ما اقتحمه
وكأن مخزونًا بداخله لهذه الايام الصعبة كان مستعدًّا ، اسعفته ذاكرته بلسان حاله من قصيدة للمتنبي والذي يتوقع ذعار انه الشاعر الوحيد المعروف في كومة أفكاره :
" جهدُ الصبابة ان تكون كما أرى. عينٌ مسهدةٌ وقلب يخفقُ "
اخ من صبابة غزل! نصيبك مني ياغزل في هذه الدنيا هي الصبابة. والصبابة اعلى مراحل العشق
عين مسهدةٌ والسهد هو الأرق! وانا ما انام الليل. خوفي انام وماتزويني حلمٍ
لم يكن يحفظ القصيدة كاملةً، ولكن كل الأبيات المحفوظة بطريقة مبعثرة لم يحفظ منها الا مايصف حاله وكأن الانسان يعلم بقرب اجلٍ فرحته! ليعيش في حداد حزنه ، وشِعره وقصائده ودواوينه هي ضمادة هذا الحزن !
" فعجبتُ كيف يموتُ من لا يعشقُ وعذرتهم وعرفتُ ذنبي أنني عيرتهمْ فلقيت منهم مالقوا "
نظر في وجيههم ليعقد حاجبه بصدمة وهو يرى وجه ندى يكاد ان ينفجر من شدّة بكائها ؛ انتفخ.
غادرته وهي تتفجر حياةً ، وحبًا ، وحنية. وعادت اليه وهي تشحذ ملامح وجهها القديم.
لأول مرة بحياته يراها بهذه الهيئة. اقترب منها بخوفٍ فطري ليجلس بجانبها :
يا ام مقرن وش صاير ؟
صرخت ندى بحرقة وهي تضع يدها على فم ذعار :
لا تقول ام مقرن!
انا ماني امٍ لغير جلوي وريناد لا تقول مقرن لا تجيب اسمه على لسانك وتربطه بأسمي
لف ذعار بغضب وهو يضرب بعصاه الأرض ، الى وجه مقرن الذي ينظر بصدمة الى امه!
امه التي كلما ندين ب " أم مقرن " قاطعتهم ب : " جعل يومي قبل يومه - جعلني ما ابكيه - ياجعل مقرن بالجنة " اليوم هي تتجرد حتى من اسمه! :
وش مزعل أمك فيه ؟ ماهقيت الغلطة تطلع منك يامقرن! والظاهر زعلة امك كايدة
آشار مقرن الى نفسه بصدمة من امه، وهو يتبلع ريقه هامسًا :
انا يمه تزعلين علي عشان وحدة مثل هذه ؟
صرخت ندى في وجهه وهي تضرب بصدرها
تشعر ان تربيتها ذهبت هباءًا منثورًا
تشعر بأن برّ ابنها فيها حسب الظرف والزمان
تشعر وتشعر وتشعر ولا تستطيع ان تعبر الا بصرختها :
زعلانة ان اللي سويته يطلع من ولدي!
زعلانة ان تربيتي لك على العدل والميل اللي طلعك قاضي تحكم بشرع الله وكتابه يوم جاء الصدق عصيته!
اللي خلاك تصير قاضي، لا تطبقه بالمحكمة وتطلع
طبقه في كل امور حياتك وما انت بضائع!
القاضي يتبع شرع الله وسنة رسوله وش ضره لو طبقه بحياته ؟ كسب الاجر أجرين
وانت اول ماتفرعنت تفرعنت على اهل بيتك
قاطعها مقرن بغضب على جملتها الأخيرة :
ما اهلي ولا من اهل بيتي!
قاطعهم ذعار بغضب :
طرطنقي بينكم ؟ وش صاير وانا ما ادري عنه!
انفجر مقرن وهو يسرد القصة كاملة لأبوه. من رؤية لأقدام غزل الى ان غادر بها ذياب
ليردف نهاية كلامه بحرقة :
ما انلام يايبه ما انلام
كان ينظر إليه بصدمة! رغم كل ماسببته غزل لم يتجرأ بإن يفعل نحوها شيء
وابنه بكل برود يحرقها ؟ ابنه يمارس أبشع الأفعال الاجرامية على خالته!
همس ذعار وهو يضع عينه في عين مقرن بدهشة غاضبة :
انقلع عن عيني!
فتح مقرن عينيه بدهشة بالأول جدته وامه بعدها ذياب وجده والآن ابيه
صرخ بحرقة وهو ينظر الى ابيه بدهشة :
انتم بكامل قواكم العقلية ولا عميان ؟ ماتشوفونها وش سوت ؟ تلوموني عشان تبرؤنها ؟
صرخ ذعار وهو يضربها بطرف عصاته :
طس عن عيني ياجعلك ماتربح! طالت وتشمخت يامقرن يدك جعلها القص تنمد على خالتك ؟ وبوجود امك وجدانك ؟ لا صرت تحترم ولا تحشم !
ضحك مقرن بسخرية مصدومة وهو يرفع حاجبه :
مفروض ما استغرب منكم شيء !
اصلًا الشرهه علي ماهي على احد. امي راعية قلبٍ طيب كلن يمشيه
وانت من شفتك معاون جدي عليها وانا غاسلٍ يدي
من متى ترضى بالغلط يايبه ؟
قاطعه ذعار بغضب :
لان مافيه غلط ! من متى صار العلاج غلط ؟ من متى اذا الوحدة اكتفت بأبوها صار غلط ؟



من متى اذا الام تشوف نفسها مو قد التربية بدون ابو العيال ولا هي اللي قادرة تعيش معه ، تنسحب وتسند المهم الى احد كفئ مثل امك غلط ؟
الغلط تقعد تمارس أمراضها على عيالها وعلى الناس
قاطع كلام ذعار
دخول جلوي مستنكرًا الضجة التي تعم منزلهم. واندفاع ابيه بالكلام والغضب بحالته الصحية هذه :
السلام عليكم
قاطعه مقرن وهو يلف إليه بغضبًا متغلفًا بصبرٍ يبتغي به تطبيق قول النبي " الحُلمُ بالتحلم " :
قل لي! الجلطة تأثر على المخ ؟
تخلي الانسان مو واعي باللي يقوله! يخبص ويحوس الدنيا ؟
ناظره جلوي بصدمة وهو يفهم انه يقصد ابوه
وهذه لاول مرة بحياته يرى اخيه يقل أدبه / خُلقه على ابيه!
كان مقرن مثاليًا دايمًا ، خير مثالا للابن البار ، حلم كل اب ، وفخر كل ام
لماذا استخرجت غزل اسوء مافيك يا اخي ؟
همس جلوي وهو يقترب منه :
تعوذ من أبليس
همس مقرن وهو مازال تحت تأثير الدهشة من كلام ابيه المتجرد من العقل والمنطق والعاطفة :
تكفى سكت ابوك لحد يسمعه
على الاقل اذا هذه افكاره الحقيقة خلها بينه وبين نفسه
ينافق فيها قدام الناس عشان مايهدم اسم ذعار اللي بناه سنين وبنين! لأن مافيه انسان عاقل بيرضون الناس يسلمونه ويشاركونه وهذه أفكاره اللي ماتمت للعقل والعادات والسلوم
رجالٍ مافيه من افعال الرجال ، رجالٍ مايرضى يعاون وحدة خسيسة مثل هذه ويفضلها على ولده
صرخ ذعار بغضبٍ من ان يكتشف ابنه ان ابيه خاضع وبقوةٍ تجاه غزل. انه يتجرد من نفسه ليصبح طفلًا لديها
اصبح يشعر بإن الكل يتشمته به حتى وان لم يعلمون الحقيقة ، يشعر بإن غزل حفرت اسمها في جبينه
وانكشفت رسمة عيناها في دماغه امام الأطباء وأخبروا جلوي بإن حسناء تستوطن مناطق التفكير في دماغ ابيك!
لا نستطيع استئصالها ، تجري مجرى الدم. ملتفة التفاف الشرايين. استئصالها يعني نهاية ابيك
المعذرة اخرجوها من عقله الى حضنه، تختبئ في محجره، تغفو على صدره.
هذأ رائينا كأطباء العشق، وجودها قريبة بشكل ابعد من وجودها في دماغه كفيل بعلاجه :
مابقى الا اللي صار رجالٍ من ظهري! ربته يمناي ، وكبرته كفوفي. وبنى اسمه وشد ظهره الا اسمي !
نسيت من اللي خلاك بدال مايعاملونك بأي مكان تأطاه رجلك حالك حال الرجاجيل. من يدرون انك مقرنٍ بن ذعار يكتفون ب " شلون ابوك ؟ " وأمورك منتهية. عزوتك لا من تعزويت ياقليل الاصل والمرؤة
تملي علي سواتي ؟
تناديني عند اخوك ب " شف ابوك " صرت ابوه لحاله ؟ الخسيس انت ماهي هي!
هي يوم أبعدت ، برّت بأبوها وماخلته يحزن عليها
وانت قدامي ، وعقيت بأبوك وخليته يتحسف على يومٍ سموك فيه اكبر عياله!
والله ماقد طرى في بالي تأقف قدامي وتشكك فيني اني مخرف! وتحط راسك براسي!
وتعصى كلمتي وتنقد فعايلي
انا رجالٍ ما رديت رجالٍ طلبني شلون لا صار جدكم ؟
تحطوني على رأسكم وتشكروني! ماتشككون في سلامتي ياعيال خيبة الرجا
غمض ذعار عيونه بقوة! وهو يضع يده على قلبه
يشعر بألمٍ يقتحم حجر غرفه الأربعة. يشعر بإن الحجر انفضت وتعطلت وهو الان مسؤول عن عملها ولكن انه عاجز
سقط على الكنبة من خلفه ، لتسقط عصاته الحديدة على الأرض مصدرةً ضجيجًا لم يفز منه الا ندى!
ندى ركضت من محلها رغم قربها لتصرخ بأسمه :
ذعار !
ظل مقرن في مكانه ينظر الى الأرض بلا ردة فعل ، شلّ فكره تمامًا من كلام ابيه من خذلانه ، من اسفه .. من كل ما استشفه من حكيه.
كان جلوي ينظر ببرود إلى ابيه! شيئًا خبيثًا / نتنًا / قذرًا / سافلًا اقتحم تفكيره
يكبل قدميه ان يهرع الى ابيه
تميت قلبه ان يتعاطف معه
تكتف يديه ان تحمله
والله انها الطامة لو صدقت يا ابي ! الطامة ستحل في هذا المنزل
لف برأسه عن ابيه والممرضة الذي اتت راكضة وتصرفت مع الوضع الحالي. تحت أنظار امه المصدومة من ردة فعل ابنها !
وابنها الآخر الذي غادر ولا تعلم الى أين.
خرج مقرن من ابيه الى الركن المركون بزاويته من قصر ذعار الكسار!
فتح الباب بقوة كادت ان تخلع بها الباب ، صرخ بحدّة وهو يغلق الباب خلفه بقوة. حتى رنت اصواتهم جميعًا محدثة فوضى / ضجيج :
ررررررررررررببببببببببببى
خرجت ربى من غرفة ألعاب اولادها بركضٍ خوفًا من صرخة مقرن خشية ان ابيه فيه شيء. نزلت من الدرج بسرعة وهي تقف بوجهه :
وش فيك ؟
كانت تنظر إليه وهو يفتح ازارير ثوبه مبتدئًا من الياقة. حتى يتنفس وصدره يرتفع ويهبط
ويلون وجهه اللون الأحمر القاتم من شدة غضبه!
ينظر الى نقطة واحدة امامه ، وكأنه في عالم آخر غير عالمهم.
همس وهو يصعد الى الأعلى :
خذي أغراضكم الاساسية ، اللي تكفيكم مدة اسبوع واتركي الباقي بعدين
عقدت ربى حاجبها بأستنكار مندهشة :
وين بنروح ؟ بنسافر ؟ ماقلت لي وبنروح بسيارتك ولا مع السائق للمطار ؟
صرخ مقرن بغضب وهو يخرج مفتاح سيارته من جيبه ويرميه بزاوية البيت :
ما أنا بماخذين شيء ابوي له به منة عليّ! أجهزوا وبطلب سيارة تاكسي
واطلعي السيارة انتي وعيالك الحين!
لفت عليه ربى بدهشة من تصرفات مقرن الغير متزنة وتظن انها من غضبه :
من جدك اطلع عيالي معك تلفلف فيهم بالسيارة ومعصب وماتدري وين توديهم ؟
عاد لها مقرن بخطوات واسعة من بداية الدرج بصرخة حادة وهو يضرب بسبابته في صدره :
عيالي بعد! عياااااااااالي
ادري وين اوديهم ما انا بحاجة حرصك الآن
غمضت ربى عيالها بخوف من غضبه. عادت خطوتين للخلف لتأخذ نفسًا عميقًا تتعوذ بالله من غضبه! لأول مرة ترى مقرن بهذا الإنفعال والغضب لتهمس :
ممكن لو سمحت تبعد عن الدرج عشان اجهز أغراضنا ؟
إنزاح مقرن لليمين خطوتين مبتعدًا عن طريقها ، وهو يخرج هاتفه من جيبه متصلًا بالرجل الذي بنسق حجوزات فنادقه للزوار والوفود.
/

\

/
سحب كرسي المرافق من السرير المجاور الى جانب سريرها بعد أن أنهى جميع عملياته اليوم. عيناها متورمة ومزرقة، انفها بأرنبة سوداء ، شفتيها يحيط بها اللون الأبيض من الجفاف ، خديها ككراسةٍ طفل عابث من كثرة الألوان المتلونة جوانب وجنتيها. لا يكاد يميز ملامحها من كثرة الكدمات
ويغطي رأسها شاش أبيض لإيقاف نزيف جروحها!
مررّ بظهر سبابته على يدها اليمنى الملفوفة بجبيرةٍ ونائمة في غطاء الجبيرة المتعلق في عنقها بعناية
وضع كوعيه على طرف السرير وذراعيه في حالة أفقية ودفن رأسه بين كفيه من الأرهاق والتعب والقلق
لم ينام منذ الأمس بسبب غضبه منها ، والآن من قلقه عليه
لم تستقيظ من وقت ماحدث بمنزل خواله!
كل الأعراض تشير الى انها في غيبوبة، ويرفض كل الرفض ان ينصاع الى توقعاتهم
يتذكر تلك الأيام المريرة بغيبوبة شادن
لا يريد ان تعاد مآسيه.
يتمنى لو امه مستيقظة الآن ، يفهم شعورها. يطبطب عليها. ليخبرها ان تتجبر وتتجلد وتتفرعن
لا يليق ذلك الضعف والانهزام عليها.
ليست تلك غزل المستلقية على السرير بغزلٍ أمه!
امه تنازع الجبالَا جبرواتًا لا تمايز الحصى تبعثرَا
تخرج امه من الحروب بغنائمًا لا إحصاء لها
لا تغادر رهينة جبيرةٍ وطريحة الفِراش.
لا شيء يدل ان غزل هي من تتوسد العناية المركزة حتى تتخطى مرحلة الخطر. سوا الرمز الشريطي الملصق على سوار يدها
رفع رأسه بتعجب وهو يسمع صوتًا ملفوفًا مستنكرًا :
د. ذياب ؟
فرك بكفوفه وجهه بتنهيدة وهو يرى الجوهرة :
سمي ؟ تحتاجين شيء ؟
هز رأسها بالنفي وهي تضع الجهاز اللوحي بيدها ، على يد المريضة بعد ان مررت الكاميرا على الرمز الشريطي لتظهر لها معلومات المريضة وتاريخها الطبي :
لا بس عندي جولة قبل أطلع. تحتاج شيء من المريضة بجلوسك هنا ؟ او شيء يستدعي اقعد معها ؟
رفعت عيناها بصدمة وهي تنظر الى ذياب الذي ينطر إليها ببرود وكأنه ينتظر منه ردة فعل حتى يغلق هذا الموضوع ليهمس :
ما احتاج منها شيء لأنها امي ، بس هي محتاجتني لاني ولدها !
بلعت الجوهرة ريقها متخبطة وهي تحاول ان تأخذ ردة فعل طبيعية / مهنية كادت ان تنجح :
ماكنت اعرف برجعتها ، الحمدلله على سلامتها
همس ذياب وهو يعيد بناظريه الى امه :
اقدر استأمن الموضوع عندك ؟
مدت الجوهرة شفتيها للأمام بتفكير وهي تنظر الى شاشة اللوحي :
على انها رجعت او النزيف الداخلي وانها ماقامت من يوم اغمى عليها ؟
تنهد ذياب وهو يستند بظهره على ظهر الكرسي. ينظر إلى امه بشعرٍ مبعثر ولكن يستره إلتمامه في ربطةٍ صغيرة
وضع اصابعها في راحة يده وكأنه يطمنها. ليهمس بهدوء إليها :
بخصوص رجعتها حاولي تتحفظين على محيط الجميع
أما النزيف الداخلي على مستوى عمك سيّاف وجدك سلطان
لأني قايل لعمك بأنها عندي بشقتي وجدك سلطان يحسبها مازالت بعافيتها ومشغول بالتفكير بإيش رجعها
همست الجوهرة خشية إزعاج بقية المرضى. او إثارة فوضى عارمة بإنعزال ذياب بأرتفاع صوتها
وهي تتكتف بحزن على حاله الواضح في نبرته
تستطيع ان تشعر بإنه حزينٌ عليها لا منها. محاولةً ان تنقذه بما يملئ عليها ضميرها :
ماتشوف لو عرفوا ممكن يرأفون فيها ؟
ضحك ذياب على جهل الجوهرة بأهلها وهو يتذكر شكل مقرن وسلطان
وجوههم الحاقدة وقتها متأكد انها لم تعرف الرأفة يومًا في عمرها! :
طالما هي بعيدة عنهم فهي بخير
ألتزمت الجوهرة الصمت وهي تتأمله، كان متحفظًا جدًا في كلامه
وان استرسل في جملة ، ابتلع الجملة التي تليها. تشعر بإن كلما حاول ان يتخلص من ثقل الكلمات التي تزاحم صدره يتذكر ان امامه الجوهرة تستقبلها ويبتلعها
لم تكن بينهم علاقة سوا بأسم القرابة، ومن اتخذت مجرى سيئ وتركوها مفتوحة للأيام
وهذه النتيجة الآن
هزت الجوهرة رأسها بإحترام وهي تغلق صفحة امه من الجهاز ، ملبيةً رغبته التي لم يعبر عنها :
الله يقومها بالسلامة
قاطع خطواتها الراحلة صوت ذياب منعقدًا حاجبيه وهو ينظر إليها لأول مرة منذ ان دخلت عندهم :
دكتورة الجوهرة
لفت عليه بأستغراب ، وهي تدخل يدها في جيب معطفها الأبيض :
هلا ؟
وضع يده خلف رأسه وهو يحك مقدمة رقبته ، مصنطعًا كذبة :
بالله عليك ممكن تشوفين لي أفنان بنت عبدالله ؟
رفعت الجوهرة حاجبها بحدّة من ذكر اسمها :
نعم !
ابتلع ذياب ريقه وهو يهز كتفيه بتبريرٍ كاذب ، داعيًا الله في قلبه ان لا تفضحه افنان امام الجوهرة ويخرج بمظهر الكاذب ويصغره بعينها :
البوم الصبح جت
واستأذنت لاني عندي حالة طارئة وطلبت منها تسجل لي معلومات تخص حالتها في ملفها وماسجلت شيء!
هزت الجوهرة رأسها وهي تتنهد بإرتياح :
مادريت والله ، بشوفها وانا بحطهم لك في ملفها
قاطعها ذياب برفضٍ قاطع وهو يفز من مكانه :
لا لا! المسؤول عن حالتها صاحبي
وماودي اني اخلي اي دكتور عنها ياخذ ملفات مرضاه بحجة الميانة بيني وبينه. هو مايتقبل هذا النوع ويشوفه حق من خصوصية المريض
رفعت الجوهرة حاجبها وهي تخرج هاتفها من جيبها. وتتصل بأفنان :
الحين بخليها تحاكيك ، وتشوفون لكم صرفة دامكم من البداية ماتبوني اتدخل
أجابت أفنان لتخبرها الجوهرة بسبب أتصالها ، تحت تعرق وقلقٍ من ذياب من أنكشاف كذبته!
تنهد بإرتياح وهو يأخذ الجوال من الجوهرة ، التي انصرفت تاركته على راحته. لتنهل عليه أفنان غاضبة دون ان تعطيه فرصة يبرر سبب طلبه من الجوهرة :
انت ماتستحي على وجهك ؟
لو أبيك تحاكيني كان حطيت رقمي!
بس ماحطيته وتروح تكذب على بنت عمي ؟ هذا وانا بنت ولد خالك من عرضك وثوبك اجل لو اني غريبة وش بتسوي ؟ بتلحقني بيتنا ؟
قاطعها ذياب بغضبٍ من انفعالها في وجهه :
ول ول ول ول مصيبة في حلجج عشرة يتكلمون ؟
بلعت أفنان ريقها بخجل لتتجرد منه مجبرة وهي تحاول ان لا تعطي مجالًا لذياب يسمح له بالتراخي بالحديث معها :
لأنك عرضت مساعدتك ، وانا مو بحاجتها
والحين تدور علي! يعني بتساعدني غضب ؟
تنهدت ذياب وهو يمسك بأطراف اصابعه جبينه من صداعه من أفنان :
يابنتي ممكن تعطيني فرصة اتكلم ؟
هفت أفنان بكفها أمام وجهها بخجل وهي تستوعب انه لم يتحدث الى الآن :
تفضل
اخذ ذياب نفسًا وهو يردف بجدية :
ماكنت انتظر منك " شكرًا " لأني شلت همك لأنه حق وواجب ، بعيدًا عن اني مدري وش مزعلك اليوم عشان تصيرين بهذه الحالة ترا ضايق خاطري مرتين عليك اليوم وعلى اني أذيتك
بس بنفس الوقت ماكنت انتظر منك ردة الفعل الهجومية هذه.
لعلمك والله الحين اني في همّ مايعلم فيه الا الله بس مانسيتك!
خفت عليك انك كنتي تحتاجيني وما امداك الوقت تسجلين رقمك.
بس دامك بخير وعافية تتوقعين بكره هذا الشيء ؟ بالعكس يابنت الناس الله يتممه عليك ويزيدك.
وانا اسف وحقك علي لثاني مرة واي شيء تبينه لا يردك الا لسانك والله انه الساعة المباركة اللي تأمريني فيها
اخذ نفسًا آخر يسترد به أنتظام انفاسه التي انقطعت من استرساله في كلامه. ليردف :
ثواني اشوف د.الجوهرة وينها وارد لها تليفونها
همست أفنان وهي تشعر بالخزي من أناقة حديثه ، ورثة اسلوبها
تشعر بالعار على التفاته لأمرها، وتجاهلها الحتمي له.
تشعر بالفصول تجاه همه ونبرة صوته المكسؤة بالحزن عكس البرود الذي يتمتع به الصبح ، وتكبلها العادات والتقاليد والشرع!
هرعت لتبرر له كلامها. ولكن صوت الجوهرة الذي طلّ على مسامعها رد الكلمات الى حنجرتها .
/

\

/

\
كان ينظر إليها بأستنكار من حالتها المتوترة
لم تفرح بقدومه !
لم تلقئ لشوقه بالًا
لم تنم بجانبه
لم تسأله عن أخباره ؟ او حتى مالذي عاد به ؟
تنظر إلى اي فارغٍ لا يحتويه ، وتقضم أظافرها!
هذه العادة الذميمة التي تأتيها عندما تصاب بنوبات الهلع ، لم يرأها طوال مدة زواجهم تقضم أظافرها الا قبل ولادتها عندما أتاها المخاض بأبتهم الوحيد وخافت من خوض تجربة الأمومة
همس وهو يجلس بجانبها بشك :
ياغادة ياحبيبي من جيت امس وانتي مو على بعضك ، صاير شيء ما ادري عنه ؟
لم تجيبيه لأنها بالحقيقة لم تسمع من مما قاله كلمة. وهي بشرود ذهني تام!
وضع كفه على فخذها لتفز غادة من مكانها. تاركة له مقعدها خاليًا وهي تبعد عنه بخطوات
عقد حاجبيه بغضبٍ من نفورها منه ، ليسألها :
مسوية غداء ؟
صرخت غادة بحرقة كردةٍ فعل ، رأى منها زوجها مبالغًا فيها :
مأخذ خدامة جاي من عمله يدور أكل بدال مايقول امشي نطلع اغديك وأعوضك ايام غيابي!
عقد حاجبيه بإستنكار وهو يقف متأففًا ، ليأخذ المفاتيح من مكتبة التلفاز :
عدلي نفسيتك الخايسة ثم أفكر نطلع سوا ننبسط بدلًا من ان نطلع عشان نتنكد
وضعت يدها على خصرها بغضب :
ويييين رااايح وتاركتني لحالي ؟
لف عليها بغضبٍ يشابه غضبها :
رايح اجيب لي ولولدي لقمة نأكلها !
قاطعتها وهي تأخذ جوالها من طاولة الجلسة :
بروح معك للمستوصف!
رفع حاجبه بإستغراب وهو يتفحصها محاولةً ان يرى بها علة واضحة :
عسى ماشر ؟
تنهدت غادة وهي تعيد شعرها خلف إذنها بغضبٍ منه. لتلفق الحقيقة :
بسيّر عليهم ! يعني وحدة محتاجة دكتورة اكيد عندها علّة
تأفف وهو يخرج صرافته البنكية الآخر غير التي كانت تحت تصرف غادة في غيابه :
الرمز 1203 لقيمة الكشف
انا بنتظرك تحت وجيبي ولدك نحطه عند امي
تأففت غادة بخوفٍ انه ينزل ويرى انفال. ويكتشف كذبتها وهي لن تخبره بأنها كاذبة بلحظة غضب وتصغر في عينه :
مايحتاج ! اقولك دكتورة يعني وش موقعك بينا ؟
تنهد وهو يهز رأسه بأسف من اخلاق غادة التجارية. هامسًا وهو ينزل من الدرج :
لا حول ولا قوة الا بالله
الله يصلحك يا رب ويفتح على قلبك
خرت غادة على ركبتيها
خرت باكية بحرقة وهي تدفن رأسها بين ركبتيها.
منذ ان أتصلت بها أنفال لتخبرها وهي تشعر انها تموت ببطئ
ضحكة أنفال السعيدة وهي تخبرها : " اشك اني حامل ياغادة! حااااامل! يعني لو حامل بتقوى علاقتي بتركي. بيربطني فيه بدل الطفل طفلين! "
ضربت غادة بقبضتها الأرض وهي تصرخ بغمةٍ ، ولوعةٍ ، وحرارة :
ماتستااااهلييييينه ماتستاااااهلييننننه

أرتبطت بزوجها كعادات الزواجات في بقعتهم الجغرافية. تعجب بها أمه وتجد بها صفات الجمال الكمالية لتهب ابنها أيقونة جمالية يكحل بها عينيه.
والمهارات المنزلية لضمان نظافة ولمعان منزل ابنها. لتخبر ابنها بإنها وجدت فتاة الأحلام
الفتاة الذي اثبتت جدارتها في طبق الغداء. هي من تستحق ان تمضي بقية حياتك معها !
هيا يابني لنقدم على خطبتها.
تلك الفتاة القابعة على وسادتها وآسيرة أحلامها الوردية التي لا تتخطى عتبة غرفتها، تكبل أحلامها العادات. وتخرسها التقاليد لتتجرد من ماتتمنى وتريد وتحلم وترغب وتأمل وتبغى
جميعها تتوارى خلف الباب ان فتحته لتلاقي العالم الخارجي
وكأنها عورة يجب سترها! يخبرها ابيها ان هذا هو الرجل المناسب فأبيه كريمٍ ابن كرام
وتخبرها امها ان هذا هو الاوآن حان لأن ابنة اختها تزوجت قبل شهرين
ويخبرها اخيها بأن ناديه الكروي اختيار لا بأس به فهو جيد للأنضمام الى عائلتنا
ويخبرها عمها بأنه سأل عنه جماعة المسجد ، فهو يصلي الصلاة بوقتها منذ ان خطبها. لا بأس الله الهادي سيكمل حرصه على الصلاة
هيا بنا لتخبرهم بإن ابنتنا باتت ايضًا ابنتهم!
انا من سأتزوج ورأيي مفقود ، هو من سيرتبط بي ولم يسأله احد
عائلته قررت وعائلتي نفذت
ونحن من اغلقت علينا باب الحجرة
انجبت منه طفلي الأول حتى لا يلحقني السوء من أهله، وتجاهلت ان اعيش معه كدميةٍ او كعاملة تؤدي عملها لتتقاضى الفايدة.
الفايدة الذي يرؤونها عائلتي ولا أراها
فائدتي عائلتي ان لا اعوذ مطلقة واخزيهم امام الناس !
لم تفلح معي كذبتهم : " بتحبينه مع الأيام "
مازلت بخانة مشاعر مفقودة امامه
لا احبه ولكن لا أكرهه !
لا يضايقني غيابه ، ولا يسرني وجوده
لكن قلبي لم يظل فارغًا الى ان اتجاوز المشيب معه
ويبدأ بالتفكير بالزواج من اخرى تجدد شبابه لاني اصبحت حاجة لم تعد تسد احتياجه الجسدي ، والمعنوي ، والتكاثري
اصاب رجلًا خلوة قلبي!
حاولت ان احترم صديقتي ، و أوقر زوجي ، وأعف بمشاعري!
ولكن الشيطان يبحث عن من هو ضعيفٌ مثلي. ليتمكن منه
انا اعلم ان تركي اكبر غلطة
ولكن انه غلطة لا يمكن الرجوع عنها
غلطة اغلطها وانا استلذها. غلطةً خطوتها و وجدت ذراعي تركي تستقبلني ليتفاقم الهوى الى الصبابة!
أصابني تركي ليتمكن من قلبٍ خاوي.
تلك العادات والتقاليد التي كبلوني بها وانا صغيرة
حررتها وانا كبيرة والخطأ يحسب عليَ بخطأين

وقفت غادة وهي تحاول ان تمسح دموعها حتى لا تتأخر على زوجها
تشعر بغصةٍ كلما حاولت ان تنسى تركي لتجد نفسها كمن أتكئ على مقلاع / نبيطة. يجذب الى الخلف ثم يعود منطلقًا الى الامام قويًا
لم تكن بخير منذ ان عرفت بحمل أنفال ، والآن تطلب منها ان تراجع معها. لتأخذ صور السونار الى تركي
والادهى والامر انا حجزت الموعد بأسم غادة احتياطًا لو اتى مع انفال اخيها او تركي لا تريد ان تخرب مفاجأتها !
أتت مع انفال لعلها تصدف وترأه. استوحشت غيابه منذ ان غير رقم هاتفه ونقل مكان دوامه وقطع اليه كل السبيل !
ضحكت غادة بسخرية :
مفروض الولد ولدي
والموعد موعدي
وهو رفيقي فيه مو انتِ يا أنفال
بس يالله هذه الدنيا حتى حلمي وهو حلمي تحقق لغيري !
/

\

/

فتح باب مكتبه حاملًا في يديه الأوراق التي تركها مهلمةً في مقعد الراكب من سيارته
رماها امامه على راحة المكتب ليتبعها جالسًا على الكرسي من خلفه أخذ من الطاولة الصغيرة المركونة في زاوية الغرفة
غلاية الماء بعد ان فاحت في ثواني قصيرة ليسكب الماء المغلي على قهوته بعد ان وضع منها ملعقتين في كوبه
اخذها ليضعها امامه ، أخذ نفسًا عميق وهو يتأمل بخار القهوة يتخبر امامه بدايةً من تحرره من سطح الكوب الواسع الى ان تختفي بالجو
كيف لسائل ذا لون ان يكون له القدرة على إصلاح ما افسده الدهر !
ياللعجب الذي يكمن في بُن!
والإعجاز الذي يولد من تذوب هذا البُن!
ارتشف رشفة مغمضًا عيناه ليمرر طرف لسانه على شفتيه بلذة
فتحها. ليفتح الأوراق
عقد حاجبيه وهو يحاول ان يقرأ الأحرف بتركيز
تنهد وهو يغمض عينيه مجددًا
ويحتضن بأطراف اصابعه جبينه ويضغط عليه
تبًا لمفعول القهوة لم يعمل بدماغه بعد!
أمرًا يتجاهله مازال يستوطن افكاره
أمرًا يتغافل عنه ومازال يتمايل أمام ناظريه
سحب ورقةً بيضاء وهو يأخذ قلم من جيب سكرابه
ليرسم دوائر متوسطة الحجم بترتيب عشوائي
كتب بأول دائرة
وهو يحاول ان يتخلص من الآمر بالكتابة عنه. لعله يسقط من ذهنه على بياض الورق :
( تعاون ابوي مع جدي ومعها طوال مدة غيابها بتبرير لها بدون ادنى استنكار )
ليرسم دائرة آخر وهو يربط بين أفكاره :
( غياب ابوي من المستشفى في لحظة انشغالنا عنه )
وهاهو يرسم الدائرة خلف الاخرى بتبرير :
( وغزل كانت تصارخ وتطرد شخص قبل جيتنا بالوقت اللي رجع ابوي فيه من الديرة )
ضرب بالقلم بعيدًا في الجدار بأسفٍ على حاله بأي حق سافلٍ عاق يفكر في ابيه هذا التفكير القذر
لماذا عقله الفطن لا ينصاع لقلبه الذي ينكر حقيقة الواقع ؟
رفع عيناه للسماء بحرقة هامسًا :
يا رب لا تفجعني بأبوي! الا ابوي يا رب
أخذ اوراق ثنيان مجددًا وهو يفتحها حتى يشغل تفكيره عن موضوع ابيه وغزل.
أخذ قلم التحديد العرض باللونٍ الأصفر حتى يعلم أي شيء يشككه
قرأ عقد زواج سلطان & الجازي. و الطلاق
لا شيء مثير للريبة، مجرد ارتباط ولم يستمر
أخذ بقية الأوراق مستنكرًا ان يكون مثل هذه الاوراق الخاصة بحاتم بحوزة سلطان!
أغلبها مواعيد عيادات نساء وولادة ، وعقم
تأفف وهو يقرأ التواريخ القديمة بهمسة ساخرة :
هذا وهي عندها ثلاثة تراجع بعيادات عقم
اجل لو ماعندها احد وش بتسوي ؟ بلقاها تشتري رحم جديد
وجد النسخة الاولى من بطاقة عائلة حاتم بولادة وِصال.
ثم نسخة ثانية من من بطاقة عائلة حاتم بولادة شذى.
رماها بلا مبالاه وهو يكمل مراجعة اوراق المواعيد بأهتمام بأسماء العيادات بفضول طبي لا عائلي. عقد حاجبه بإستنكار وهو يرأ موعد مرفق بنتيجة تحليل!
سحب النسخة الثانية من بطاقة العائلة وهو يقرأ تاريخ ولادة شذى ، ويقرأ تاريخ الموعد والنتيجة التي تدل بنفي وجود اي حمل!
والمفترض انها حامل بالشهر السابع! مافيه اي مجال للغلط والشك بإنها لم تكن حامل
بلع ريقه بتعجب وهو يقرأ تاريخ ميلاد شذى الذي كلن مألوف بالنسبة له ولكن لا يذكر أين قرأه!
سحب ورقة طلاق سلطان & الجازي بسرعة ليقرأه بصدمة!
نثر الاوراق وهو يبحث بينها عن صورة لحجز طيران لثلاثة أشخاص عادوا الى مصرٍ أربعة !
بنفس تاريخ ذلك اليوم!
رفع جلوي رأسه بصدمة وهو ينظر الى الجدار :
من وين جت هالشذى!
/

\

/
أخذ مكانه في طابور تقديم الطلبات وأستلامه لصغر حجم المقهى. خرج مبكرًا من شقته ليستوعب في منتصف طريقه في مركز المدينة أنه تبقى اكثر من ساعتين على بداية دوامه
قرر استغلال ساعات الانتظار بالإفطار عوضًا عن تأمل مباني الجامعة الذي كانت سببًا وجيهًا يدعو الى الأكتئاب
سيكمل هذا الترم الدراسي ومايزال لم يتأقلم وينسجم في محيط دراسته وجامعته. مجرد ان تخطو رجله الجامعة
لتبدأ رحلة الغربة الفعلية تستوطنه
يفتح ورقة وقلم ليحسب كم يوم مضى. وكم يوم تبقى على انتهى دراسته
ولا يعلم انه سيموت من الأكتئاب قبل ان ينهيها او سيبلغه الله ذلك اليوم.
الرجل الواقف امامه في الطابور ، انحنى عندما رن هاتفه ليخرج خارجًا
ليتقدم كسار لمكانه. وبقيَ فتاة واحدة امامه
لم يسعه الوقت ان يتأمل تفاصيلها من الخلف حتى لفت وبيدها كوب قهوة وقطعة كروسان
سقطت عيناها في عينيه بدهشة!
لم تتوقع ان ترأه ولم يخطط للقائها
بلعت ريقها وهي تحاول ان تكسر حاجز هذا الصمت. اللي تملل منه من يقف خلف محفظة النقود لتهمس بإبتسامة لطيفة حَرجة من مبادراتها بالكلام وجمود ملامح كسار :
صباح الخير
خرجت تلك الكلمات بعد ان سمت بالله مئة مرة ، وتوكلت عليه مئتين
لم تخطط بأي ثوبٍ من ثيابها ترتديه
ولا أي أبتسامةٍ ترحب بها فيه
لم تحفظ نصًّا لتخبره اياه ، ولم تتعلم اغنية تغنيها عن وصف حالها
اتى حضوره بشكلٍ مدهش / مفاجئ كهدية .. كقدر !
اتى وجوده صعبًا كأبتلاع قطعة مكسراتٍ دون مضغها
اتت ملامحه محيرة كمن اضاع الطريق وأمامه مفترقين
لم تأتي مرةً عاديا ياكسار. لم تأتي
أجابه وكأنه لم يسمع تصبحيتها ، وهو يشير بعينيه لما بين يديها بعد ان فاحت لأنفه رائحة القهوة المستخلصة :
لا يكون سامع الدكتور لحالي وهو يحذرك هذه الأيام من المنبهات ؟
هزت ريناد كتوفها بلا مبالاه وهي تهمس بعفوية وكأن الدكتور يختبئ خلفه :
الدكتور قاله صح بس مايعني اني اسويه!
بعدين الدكتور مو موجود
سحب الكوب من يدها وهو ينوي وميه بحاوية النفايات بجانبه ليتعوذ من أبليس وهو يتذكر انها نعمة ومحاسبين عليها! ليضعه في كفه بإبتسامة :
صح الدكتور مو فيه! بس انا فيه
لذلك اسف كوبك بيصير من نصيبي وانتي اختاري لك اي شيء بدون منبهات

فتحت ريناد عيناها بدهشة وهي تحاول ان تأخذ الكوب من يده. وهو يرفعه عاليًا بعيدًا عن متناول يديها :
بلا استهبال كسار عطني قهوتي!
عقد كسار حاجبيه بإستغراب :
اي استهبال ؟ من قالك اضحك معك ؟ أنا جاد! اختاري شيء ثاني انا أجيبه لك بس مايكون قهوة
تخصرت ريناد بسخرية :
ماشاء الله اجل وش اشرب على الصبح ؟ بيبسي ولا سفن ؟
هز كسار رأسه بالرفض بجدية :
حتى الغازيات ممنوع
وقفت ريناد على أطراف اصابعها مجددًا دون ان تيأس من المحاولة وهي تحاول ان تأخذ الكوب من يده :
والله خااااطري بشيء يفتح رأسي ويروقني لا تأخذها كسار
ضحك كسار على شكلها
دون ان يتكبد عناء كتم ضحكته وإبراز وجهه الأخر الذي كان يجب ان يتجلد به امام ريناد
بعد كلامه واعترافه الصريح لها. بات عاري المشاعر امامها، لن يتعب نفسه بالتمثيل مجددًا :
والله العظيم ماتذوقينه ياريناد شوفيني حلفت!
يومين عشان صحتك بتضرك ؟
عندك خيارات بديلة مو شرط قهوة اولها اذا حليب خليها تسخنه لك مع سكر
همست ريناد وهي تنظر له بتعجب رافعة حاجبها :
عشاني ماقدرت اطول يدك متوقعيني لسى بالمدرسة ؟ انا حتى ما اذكر متى اخر مرة شربت حليب لحاله غير ثالث ابتدائي!
ضحك كسار وهو يضع القهوة على الرف بعد ان لسعت يده حرارتها :
حلو! اشربيه الحين اجل مرة ثانية لسى مافاتك شيء مازلتي طفلة
ناظرتها ريناد بطرف عين لوهلة! لتضع كروسونها بجانب كوب القهوة وهي تهمس :
عليك بالعافية. وصباح الخير عليك مرة ثانية لاني ماراح واضح ماراح اشوفه
لفت بجسدها وهي تهم بالمغادرة. ليقف امامها كسار بدهشة :
زعلتي عشاني خايف على صحتك ؟
وضعت ريناد عيناها في عينيه. كانت تضئ كنجمٍ من لالألة دموعها :
لا تقول لي طفلة! انا ما احب احد يقول لي طفلة ولا بكاية ولا اي شيء ثاني تقولونه عني
غمض عيناه وهو يأخذ نفسًا عميقًا
نفسًا يكبح به رغبته تلك بتقبيلها
شهيةً جدًا تلك الفتاة البالغة بشهادات الميلاد أربع وعشرون عامًا وأمامي ماتزال تتسكع في أربعة أعوام !
تظن انه عندما يطلق عليها الألقاب فهو يسخر منها. وهو يطلق عليها الألقاب كمن يعدد على مسامعها مالذي شغفه بها حبًا
فتح عيناه مجددًا هامسًا بصدق وهو ينظر فيها :
والله العظيم طفلة بس حلوة
أعادت ريناد جملته بتعابير وجهها وكأنها تلقنه مايجب ان يقوله :
حلوة اوكي محد بيخالفك بس طفلة لا
اعاد كسار حديثه بنفس طريقتها ساخرًا :
حلوة وطفلة ومغرورة بعد
ضحكت ريناد لتردف بجدية وهي تقترب من الباب الذي يسد طريقه كسار :
طيب ممكن حضرة جنابك تزحزح شوي عشان امشي ؟
كسار بجدية وهو يشير بعيناه الى الأكل المتروك خلفها على الرف :
ماعليه ريناد كملي أكلك بعدين روحي وين مابخاطرك بحفظ الرحمن
رفعت ريناد حاجبها وهي تعيد طلبها بطريقة وكأن رضاها مقرون به :
أكلي يشمل القهوة ولا الكروسون لحاله ؟
تنهد كسار بهم عز عليه ان يكسر بخاطر طلبها، وبنفس الوقت صحتها اغلى من رضاها
ليعيد بناظريه لها بقل حيلة :
طيب انا حلفت. بتمشيها بالكروسون لحاله عشان خاطر حلفي ؟ ماهو عشاني ولا عشان صحتك لو ماتهمك
تنهدت ريناد وهي ترمي بشنطتها على أقرب طاولة. لتجلس وتضع قدمًا على الأخرى
لفت برأسها لكسار وهي تشير اليه بسبابتها :
ابي نعناع
ضحك كسار عندما يرأها تستمع لكلامه بطيب خاطر واضعًا سبابته على انفه وهو يخرج محفظته من جيبه :
على هالخشم
\

/

\
واضعًا ذراعه خلف عنقه وهو يتصفح جواله بتملل من إنتظار غادة
خفض نظره وهو يرى ساعة سيارته
مرر ساعة ونصف من نزول غادة ، والى الآن لم تنتهي
سقطت عينيه على طرف محفظته البارزة من درج السيارة تحت المكيف والراديو
فتح عينيه بدهشة وهو يرى طرف البطاقة بارزًا من المحفظة
ضرب بكفه جبينه بلوم :
عطيتيها البطاقة الفاضية!
سحب البطاقة التي بها رصيد ، وهو ينزل بسرعة من السيارة
لعل غادة في مأزق بسبب مشكلة الدفع وآخر موقف حدث بينهم لم يعطيها الجرأة بأن تتنازل وتتصل عليه وتطلبه
وقف عند الأستقبال وهو يمد البطاقة الى الموظفة :
من فضلك عندي موعد بأسم غادة الـ- وأبي اسدد قيمته زوجتي جتكم بالأنتظار بس ما اتوقع دفعت لأن البطاقة فاضية
هزت الموظفة رأسها وهي ترى حالة الدفع في شاشة الجهاز :
المعذرة منك اخوي ولكن كل شيء عندي سليم و زوجتك دافعة قيمة الموعد من وقت الحجز
عقد حاجبيه بإستغراب :
طيب ممكن تشوفين لي اسم الدكتورة ؟ ابي اشوف زوجتي
أخذ اسم الدكتورة ورقم مكتبها
ليقطع سيره رنين هاتفه بوصول رسالة
أبتسم وهو يظنها غادة
يجهل نصها ولا يستطيع تخمينه ولكن لم يزر باله سواها
فتح الرسالة مبتسما مترجيا من الله ان يذيب مافي نفسها بينهم
لتتلاشى ابتسامته
ويتقلص اتساع عيناه وهو يحاول أن يتأكد من نص الرسالة
أحمرت عيناه وأسود وجهه وكاد ان يتحطم الهاتف من قبضة كفه عليه :
" محد بيردك دامك مصر تشوف بعيونك
شوف زوجتك وش جاية عشانه ياواثق بأهل بيته "
مازال ذلك المجهول يستنفذ طاقته وصبره!
ولكن أخبره قبل ان يصل الى الرياض بأنه سوف يثبت له ولكن ماذا يقصد !
فعلًا زوجته لديها موعد
مشى بخطوات سريعة نحو المكتب وهو يريد ان يرى بعينه ويرتاح من وسواسيس الشيطان وذلك المجهول ||
كان واقفا عند الباب وبيده باقة ورد
يعلم ان لا الوقت ولا المكان يسمح ولكن هذه فرصته الوحيدة مع أنفال!
خفض ناظريه وهو يرى xxxxب ساعته الفضية المتشبثة على معصمه تشير إلى الساعة المتفق عليها لموعد أنفال. وهاهو أمامه الباب الذي يحمل نفس أسم الطبيبة التي أخبرته به أنفال
طرق الباب طرقتين متتالية. ليدخل والدكتورة والممرضة وامرأة على كرسي بإنتظاره!
كانت تتسارع خطواته بإرتباك دون أن يلقي عليها نظرة وهو يضع باقة الورد على الطاولة الصغيرة التي تفصل بين الكرسيين
رفع رأسه بإبتسامة عفوية لم تفارق شفتيه منذ دخوله. رفع عينيه بشوقٍ حسب الساعات وثواني الدقائق للقاء
رفع عينيه مشغوفًا حبها. منتشيًا لوعة الحنين. تلاشت أبتسامته وتبخرت مشاعره لتتجمد ملامحه بدهشة مصدومًا وهو يرى سبب حزنه وخراب بيته جالسةً امامه تنظر إليه بدهشةٍ لا تقل عن دهشته
همس تركي بصدمةٍ سرعان ماتحولت إلى غضب وهو ينفجر في وجهها :
أنتي وش تسوين هنا بعد ؟
أبتسمت الدكتورة وهي تقرأ الملف دون أن تنتبه للمشاعر المشحونة التي غزت جو مكتبها :
هذا جوزك ياغادة وانتي بتؤلي لي بنتظر رفئتي!
توجهت الممرضة إلى الباب وهي تسمع طرقات متتالية على الباب حتى أصبحت بشكلٍ مزعج وهي متوقعةً أنها سيدة عجلة كعادة بعض السيدات بزوار العيادة تظن أنها الوحيدة من أتت مريضة والبقيات من السيدات الجالسات بالإنتظار أتوا لصلة الرحم مع الدكتورة!
فتحت الباب لتجد أمامها رجلًا بلع ريقه وهو يقرأ أسم زوجته على الباب تحت أسم الدكتورة بما يعني أنه دورها :
لو سمحت هنا دور زوجتي. ممكن أدخل ؟
عقدت الممرضة حاجبها بإستنكار بلغةٍ عربية عرجاء وعكازها الأنجليزية :
‏â€?Sorry sir! هذا مريضة هيا فيه زوج. أنتظر your wife‬
ضرب بسبابته تحت أسم غادة بحدّة وهو يحاول أن يختلس النظر لمن خلف الباب :
هذا أسم زوجتي! يعني دورها! إذا هي داخل فأنا بدخل
دفع الباب بقوةٍ دون مبالاةً بالممرضة ولا محاولتها بالحفاظ على خصوصية المريضة
خُرست مسامعه عن تعليمات الممرضة ولم يعد يرى أمام ناظريه الا رسالة ذلك الغريب بمعاونة الشيطان الرجيم ليؤسؤس في نواياه. أنبترت خطواته وأرتخت دوافعه وأستلمت عظامه التي كانت في عراك مع الممرضة وعرض الباب وشلّ تفكيره وأبتلع لسانه وهو يسمع الدكتورة وهي تذكر سبب الزيارة :
بدك تشوفي ياغادة إذا انتي حامل ولا لا بما أن الدورة على كلامك للممرضة لما حجزتِ موعد بإنها منئطعة من ثلاث ش..
رفعوا رأسهم جميعًا وهم يشعرون بإندفاع الباب بقوة تجاه المتطفل للدكتورة والمجهول لتركي والعاقبة لغادة
أردفت الدكتورة بغضبٍ :
يا اخي أنت بمكان محترم! لكل شيء قواعد ونظام. مش في حضيرة مشان تدخل هيك
وقف تركي بلا مبالاةً فيه وغير منتبهًا لدموع غادة المنسابة بغزارة وهي تشعر بقرب آجلها
لم يعد الخافيًا أكثر من الظاهرًا. كل شيء بات واضحًا
دفع برجله باقة الورد التي سقطت من الطاولة وبعفويةٍ انخفضت عيناه لمستواها
ينظر إليها زوجها بصدمة / بمرارةٍ / بجهالة كأن لم يكن بالوجود سِواها! كأن لم يخلق الله عِداها. لم تكن متفردةً بقلبه فقط حتى عيناه لم تعد ترى غيرها
في منزله لم يتحرر شعرها من عقدة ربطتها والآن تجلس أمامها بشعر يداعب كتفيها
في منزله كمن أخرجها من مقبرة بشفتيٍ مبيضة والآن يرى شفتيها بلونًا لم يرأه الا ليلة زفافهم
في منزله كانت وهنا صارت! كان يرأها بكل الأحوال مذهلة / مبهرة / ملفتة! ان أرتدت أحلى الحُلي أو اعتنقت السواد ستظل حورًا
سقطت عينيه هو يرى عيناها لم ترتفع له ولم تبالي بسوى ذلك الجالس أمامها بتعجرفًا !
تنظر إليه كمن نزل من السماء هدية من الرحمن
يفصل بينهم باقة وردًا أعرض منه! وخلفهم دكتورة تخبرها بإن هذا زوجها والموعد لتحليل الحمل
أغمض عيناه للمرة الألف وهو يفتحها ليتأكد أن الجالسة زوجته هو وليست حلال للجالس أمامها!
فتحها في المرة الأخيرة ليرى غادة تنظر إليه بخوف برهن كل شكوكه
لا شعوريًا يكاد أن يتقيأ قلبه. صرخ متوجهًا إليه
لا يريد أن يسمع شيطانه وهو يتشمت به ولا ضميره وهو يلومه ولا قلبه وهو يخونه
يريد أن يتغذى دمه. يريد أن يمغضه لحمه يريد أخماد كل تلك الثورات المشتعلة بداخله على جثته
كش جسد تركي من الدهشة وهو يشعر بكفي تلك الرجل تدفعه للخلف حتى أصطدم بالجدار ومن ثم ثبته من كتفيه لاهثًا من شدة غضبه ولا يكاد يميز بؤبؤ عيناه من شدة من أحمرارها ووجه من سواده بات بلون دِقنه. ليصرخ بحرقة وهو متأملا مجددًا انه مخطئ وأن أبليس غرّه :
ميييييييييييييييييييييييي ييين أنت يا أبن الكلـ* ؟
دفعه تركي بيده بغضبًا وهو يسمعه يشتم أبيه :
الكلـ* اللي رباك تتطاول على الناس
سحبه زوج غادة من رقبته ليحاول تركي أن يبعدها قبل ان يخنقه من شدة قبضته وهو يشير برأسه إلى غادة بصرخة طغت على صراخ الممرضة وتهديدات الدكتورة. مازالا متسمرا في طرح الأسئلة لعله يجد بينهم ضالته فهو لا يقاوى مواجهة الحقيقة القذرة لا يريد أن يشعر بأنه الطرف المغلوب في اللعبة :
أنطططططق من ويييييين تعرفها ؟
سدد له تركي بركبته في بطنه حتى يعود خطوتين للخلف وهو يدرف بغضب من تهجم هذا الغريب وغضبه من أستغفال أنفال ألتهم مواطن الذكاء والتفكير في عقله :
نفس ماعرفتها! بعدين انت مين ؟ وش دخلك ؟
ضرب زوجها بسبابته على صدره بلا وعي وهو يصرخ بحرقة دون ان يشعر بنفسه انه يفضفض لخصمه / وغريمه :
انا اللي خذها على شرع الله ماعرفتها! انا اللي طقيت الباب ماجيت من الشباك لان معدني طيّب!
قالوا لي حرمةٍ بتصون بيتك وتحفظ اسمك وتوفي حقك ( والطيبون للطيبات ) !
ضحك بسخرية وهو يقترب من تركي بهمس :
لأن صدقني لو أعرفها ماخذيتها !
اما من أنا ، أنا أشرف من أني أعرف بنفسي مرتبط فيها. أنا اللي يوم كنت أنت تلعب بشرف بيوت الناس أنا كنت على الحد أحمي جدران بيوتهم
علموني أنطق الشهادة وأكتب الوصية قبل الرماية ما علموني أن البيوت لا أنطعن جواها ما عاد يفيد عمار جدرانها!
كان يتشفى بتركي لأنه يضمن من وراه تحت قبضته. أما هالسافل لو فلت منه لا يضمن وجوده مجددًا!
أقتحم آمن العيادة المكتب قبل أن يتهجم زوجها مجددًا على تركي بعد ان سحبت تعليقة ستارة سرير الكشف. وهم يكتفونه ويجرونها خارجًا تحت أنظار الناس
رفع زوجها سبابته بعد أن بصق على تركي الواقف بصدمة من وجوده مع زوجها في بقعةٍ واحدة. لا يفصل بينهم سوا سنتيميترات ومازاد – الطين بله – حديثه الذي جعله يستصغر نفسه :
واللي رفع سبع السموات ، واللي نفخ الروح وبيده يردها! أن ماتروح مني وأنا رأسي يشم الهواء. والله أن غلطان لو تحسب تطول بيتي وتفلت
أعرف أفرغ برأسك سلاحي زي ما أعرف أسمي. ولكن يدي مسخرها للوطن وأي شيء لديرتي طاهر ومايسمه دنس! الوطن اللي رسلني عشان أحميك أنا برسله يتلك من أقصاك ويربيك
والله خلقني واقفٍ قدامك في شرعه مايقص رقبتك
لف على غادة ليصرخ بغضب والآمن يسحبه إلى خارج العيادة :
تعالي!
أخذت غادة شنطتها وهي تركض بخوفٍ باكية خلفه. كمن يركض إلى قبره
رموه الآمن خارج العيادة. لتقف غادة عند الباب وهي تحتضن شنطتها بخوفٍ وتشهق من شدة النياح
جرها زوجها من رقبتها وهو يضع رأسها بين صدره وبطنه. كاد أن يقتلع رقبتها من شدة قبضتها
لتصرخ غادة بآلم :
والله أنك فاهم غلط والله انه كان موعد لصديقتي وهذا زووجهااا
صرخ وهو يضرب برأسها زجاج السيارة ، ثم يفتح الباب وهو يدخلها بالإجبار :
الحين صار يعورك ؟ الحين صار يخووووف ؟ الحين صرت فااااهم غلط ؟ يوم أنك خايفة تحملين منه ماكان يخووف ؟؟ يوم أنك جالسة معه وكاشفة لك اللي ماكشفتيه لي ماكااان غلط ؟؟
أنتي كذا أردى وأخس! أنتي ماخنتيني وبس أنتي خاااينة صديقتك بعد! هذا طبعك يالخسييييسة صار طبببببببببببعك
أنتبه وهي تحاول أن تنزل من السيارة مجرد ماتركها، وذهب ليركب من جهته
جرها بشدة من طرحتها حتى أقتربت رقبتها من كفه ومسكها منه. جرها تحت أنظار الناس على أقدامها وركبها من جهته ليدفعها بقوة إلى جهتها، ومن ثم ركب
أغلق الأبواب وسحب رقبتها ليضعها تحت ذراعه على " التكاية " ليحكم قبضتها قبل أن تفر من السيارة
صرخ مجددًا وكأنه يجلد ذاته بينما كان يحاول أن يستوعب الحقيقة بتكرارها :
وش قصرت معك فيه يوم أنك تخونيني ؟ وش اللي مالقيتيه فيني ؟ ألقي لي عذر بس عذر وبعذرك فييييييييييه ! ركبيني الغلط وبصدقك ، بس لا تخليني أحس أني غبي وحيييييوان وبهيييييييمة!
مافكرتي بالرجال اللي تنامين في بيته ، وتشربين من حلاله ، وأسمك في بطاقاته ، ومحسوبة عليه زوجة وأم لعياله ؟ أسالك بالله فكرتي تسوينها في بيت أبوك ؟
صمت تاركًا لمساحة إجابتها لعله فيها مايدمح خطأها ، يخفف وطأة ناره ، يجد سببًا لعقابها بخيانته
صرخ وهو يتعذب بثواني إنتظارها يضرب برأسها درج السيارة :
فككررررررتي تسوييينها ؟
صرخت غادة من شدة الألم وهي تلعق نزيف أنفها الذي أنكسر من شدة ضربه :
لا والله لااا
أنفرطت دمعة حارقة من غبنته في زوجته ، في حبيبته ، في أم أبنه ، في غبائه ، في عماه! من حرقته على نفسه!
بإجابتها كأنها تؤكد أنها لم تتجرأ فعلتها في بيت أبيها، لأن خلفها رجال. لم ترأه شيئا يستحق ان يحترم حتى تحترمه وتصونه!
قبض بقوة على رقبتها وهو يخنقها بآلمٍ يحترق به جوفه :
ليش ماخنتي إلا اللي صانك ؟ ليييييييييييييييش ؟
همست غادة وهي تبكي بندمٍ ، بحسرة :
كنت بعيد وهي تسولف لي عنه! يناقض طبعك الجاف من كلامها لقيت فيه اللي بغيته. واحد يغرقني غزل ، مايستحي من قول " أحبك "
صرخ فيها بحرارةٍ ، بأسى وهي تذكره أمامه بجرأة , وكأن ذنبه طبعه! :
فوق أنك حقيرة تافهه! حتى أعذارك أقذر منك! تحبين اللي يرخصك ، أما اللي بكل أفعاله قال لك أحبك بغض بصره عن حرمة غيرك بالحرام، بإكتفائه فيك زوجة وحدة حتى والشرع محلل له أربع ، بأختيارك أم لعياله ، باللي خلاك وجه وشرفه قدام الناس ماشفتي فيه " أحبك "!
أبتلع ريقه وهو يأخذ نفسًا عميقًا وفي باله قرار واحد لا رجعة فيه. حلف وقسم مازال معلقًا تنفيذه في العيادة ليقطعه :
وش أسمه ؟
صرخ وهو يرى عامود إنارة أمامه ، ليترك المقود ويدوس على البنزين :
قسم بالله مرخص روحي و روحك بتراب! بتنطقين ولا أدخل فيه ؟
صرخت غادة بخوف وهي ترى لم يعد يفصل بينهم وبين العامود الا خطوات :
تركي بن ماجد بن سلطان الجامح!
في اللحظة الأخيرة أمسك بالمقود ليلف يمينًا ويعود عاكسًا للطريق
ولكن قبل أن يدخل بشكل كامل في الطريق، كانت خلفهم شاحنة قادمة لم يفصل بينهم الا مؤطى قدم لتدخل بالسيارة من جهة اليمين!
/
\
/
\
فتح عيونه ببطئ من أشعة الشمس التي بدت تشد حرارتها شيئ فشيئ بما أن الشتاء حزم حقائبه مغادرًا وأتبعه الربيع وهاهو مغادرًا ليأتي الصيف
أخذ نفسًا عميقًا وهو يتحسس ماكان يستند عليه رأسه!
انتبه لها وهي تتأملها ، بينما كان نايمًا في حضنها
أبتسمت شادن بعذوبة وهي تدخل كفها في شعرها، وتسند ذراعها على ظهر الكنبة :
ياصباح الخير
مسح بكفوفه على كفيها التي كانت على صدره ليهمس وهو ينظر إليها بنفس مكانه. المكان الذي كان من شهور يبيع روحه من اجل قضاء ثانية فيه والآن ينام ويصبح عليه :
حي الله صباحٍ كان منوة!
مررت شادن ظهر سبابتها على تفاصيل ملامحه وهي تغني بوتيرة هادئة مكسوة بحُب من الاغنية التي اخذ منها سياف شطرًا وغناها لها :
رقص من شوفتك قلبي، بلا ميعاد ياحبي تلاقى دربي ودربك !
رفع سياف جسده بعد أن رأى عقرب ساعة الحائط تشير إلى 7 صباحًا وهو يلف عليها ، فرك عيناه بإنزعاج هامسًا بإستنكار بعد ان استوعب بإن ثقل جسده كان طوال الفجر على جسدها :
ليه مخليتني من الليل نايم على رجلك ؟! مستصغرتني ؟ بهدّ لك عظامك
وقفت شادن وهي تأخذ هاتفها حتى تتجهز الى دوامها الجديد الذي يبدأ اليوم ، انحنت وهي تنظر الى عيناه :
شكيت لك الحال ؟
هز رأسه بالنفي، لتقبل خده هامسة :
اجل مالك صلاح بينا ، انا وعظامي متفاهمين ومبسوطين بعد
أبتسم وهو يقف معها ليدخل دورة المياه يستحم، وهي دخلت غرفة الملابس لتلبس ثم ذهبت للمطبخ وسكبت الماء على كوبين قهوة مع شطائر وكوب حليب لغنى وضعتها بالصالة ثم
دخلت غرفتها وهي تفتح الستائر ، وتغلق التكييف وهي تناديها :
غنى .. غِنى ماما يالله!
انحنت وهي تمسح على كتفها بحنية ، بقلبٍ مكسور انها سترافقها هذا الصباح بأكمله لأول مرة :
ياعيون ماما يالله
فتحت غنى عيونها بإنزعاج ، وهي تتمدد بنعاس
حملتها شادن الى دورة المياه وهي تغسل وجها ومن ثم بدلت ملابسها دون اي ردة فعل من غنى الخاملة
جلست غنى بجانبها ، وهي تشير الى الصحن بتخيير :
تبين جبنة ولا مربى ؟
آشارت غنى بسبابتها على المربى
لتأخذها شادن وتقطعها لها قطعًا صغيرة حتى تأكلها بنفسها دون ان تتسخ ملابسها
خرج سياف من الغرفة بعد ان ارتدى ثوبه ونسف شِماغه ورائحته عطره تسبقه الى الصالة ، واغلق أزرار ياقته وكبكه
فزت غنى وهي تقف على قدميها على الكنبة :
بااااابا
عقدت شادن حاجبيها بغضب :
الحين انا اللي اصحيك وألبسك وأكلك ومكشرة بوجهي من اليوم! وابوك طالع يتمخطر حتى مالقاك نظرة رايحة تدورينه ؟
قهقه سياف وهو ينحني ليحملها :
ياليل الغيورة هذه! روحي لأبوك لا تدخليني انا وبنتي في عواطفك اللي يبي لها تهذيب عشان تحترمين شوق بنيتي
رفعت شادن حاجبها وهي تضع كفها تحت فكها :
صدق والله ؟ صرت الحين غيورة وأروح لابوي وعواطفي يبي لها تهذيب ؟
كتم سياف ضحكته حتى يغيضها وهو يأخذ كوب قهوته :
مين قال صرتي ؟ بالعكس أنا قاعد اعلمك حقيقتك مو شيء مستحدث
وقفت شادن وهي تذهب الى غرفتها لتكمل تسريح شعرها :
ياثقل دمك على هالصباح
خرجت بعد عشر دقائق ، بعد ان رفعت مقدمة شعرها وتركته منثورًا على اكتافها. بمكياج خفيف لائقًا صباحًا.
وضعت هاتفها في حقيبتها وهي تبحث عن مفاتيحه سيارتها بإنزعاج
عقد سياف حاجبيه وهو يرى عراكها مع الإدراج :
وش تدورين ؟
تنهدت شادن بغضب وهي تغلق الدرج الاخيرة بقوة :
مفتاح سيارتي! مختفي مالقيته
رفع سياف حاجبيه بشكٍ من ذاكرتها. هل تتجاهل متعمدة ام نست حقًّا ؟ :
بسم الله عليك! سيارتك للحين بالمستشفى عقب أمس
ضربت شادن بكفها جبينها بحسرة وهي تتذكر :
يالله!
اخرجت هاتفها وهي تبحث عن صمود بترجي :
يا رب صمود ماحركت
وقف سياف وهو يأخذ الهاتف من يدها ويعيده شنطتها، ليستند على الكرسي رافعًا حاجبه :
بنت انا مامليت عينك ؟ وين رحت يومك تكلمين غيري ؟
تنهدت شادن وهي تتخصر :
اول شيء كنت بوصل غنى لأمي! ثانيا دوامي وين ودوامك وين مو حول بعض بتقدر توصلنا اثنينا وانت ثالثنا ؟
تخصر سياف وهو يقلدها بسخرية :
واثنينكم ما انتم أهلي وبيتي ؟
ليتعدل بجدية عاقدًا حاجبيه :
بعدين انتي متوقعة اني بخليك تروحين لحالك بأول يوم لك ؟
أبتسمت شادن وهي تستند على الكرسي ، لتنظر اليه :
أجل ؟
ابتسم سياف مقتربًا منها، وهو يحتضن بكفه كفها وكفه الآخرى تلعب شعرها :
لا عزيزتي
عرضي لك بأول يوم دوام نشرب قهوة الصباح سوا. وهذا الشرط أخليت فيه لاني شربت قهوتي قبلك ، ثاني شرط أوصلك بنفسي ، وثالث شرط أخذك من دوامك بنفسي بعد
ضحكت شادن وهي تقترب من خده لتقبله ، ليبتعد سياف بجسده للخلف وعيناه على حمرة شفتيها :
حاسبي لا تحوسيني وراي دوام!
رفع شادن حاجبيه وهي مازالت بنفس القرب، وعيناها في عيناه :
ايوه! واذا وراك دوام ؟
ضحك سياف وهو يستغل شكها فرصة ليغيضها :
وانتي تحسبين لا حستيني للدوام شيء هيّن ؟ ترا ذنب القلوب اللي بتنصهر من الغيرة في رقبتك!
مسكت شادن فكه بعنف وهي تقبله بخده بقوة. لتبتعد منتصرة وهي تأخذ حقيبتها :
يالله توكل لهم، ودي تثقل رقبتي ذنوبهم
شهق سياف بضحكة وهو يرى خده في شاشة جواله ، حاول فركه بمناديل ورقية ولم يفلح الامر سحبها مع يدها بقوة الى غرفة النوم :
والله ياشادن اني ما امزح! ان تمسحينه الحين وبسرعة! وش هالبلية اللي عيّا يروح بالمنديل
رفعت شادن حاجبها بخبث ، وهي تنظر الى خده الذي لم يتأثر من فركه :
والله ما امسحه لك ياسياف لو تطير السماء وتوقع واااحسسسن اذا ماتدري ياقلبي هذا حتى بالموية مايروح! بعدين ورني شلون مسوي تغاريني هم اني الصبح كنت الغيورة اللي يبي لي اهذب عواطفي ؟
خلني اثبت كلامك - لتقلده بسخرية عندما حاول إغاضتها - ما اتحمل ذنب كذبك في رقبتك
كانت تتحدث وسياف الواقف امام المرآيا. ينظر إليه بطرف عين ليردف بعد انتهت من كلامها بحدة وهو يشير إلى نفسه :
أنا اللي أطير للسماء وأوقع عشان تنفذين لي طلب ؟
لم تجيبه شادن وظلت تتأمل طلاء أظافرها وهي تشعر بنظراته تحرقها
ولكن لم يصل لحرقة جوفها من الغيرة وهي تتذكر عندما كانت معه بالمستشفى وانحنى على الموظفة حتى يصلح جهازها. هذا وهي امامه لم يبالي لها! كيف لو كان لوحده
تركها وهو يخرج ، ليعود مجددًا وهو يرمي بحضنها المفتاح بأسلوب خالي من اي ردة فعل :
خذي المفتاح و روحي السيارة انتي وبنتك
خرجت قبل ان يذهب هامسة :
بالمزيل الأخضر على التسريحة بيروح
عقد سياف حاجبيه بسخرية وهو يقلد بنفس اسلوبها :
توكلي على السيارة أقول
خرج من بيته بأكمله الى بيت اهله ، ليعود بعد دقائق طويلة بخدٍ نظيف ويركب السيارة
مشى بعد ان فتح بوابة بيت اهله ومسك طريق منزل بيت خالته ندى، التي كانت الخادمة بإنتظارهم وأخذت غنى
تنهد سياف وهو يمسك طريق دوامه ، بجديةٍ تميل الى الحدة :
لعد تصيرين طوع مشاعرك مرة ثانية! واي شيء اقوله تصدقينه
تجاهلته شادن وهي تضع قهوتها التي بردت بجانبها، مسك يدها قبل ان تأخذها مجددًا الى حضنها :
تسمعيني ؟
لفت عليه شادن رافعةً حاجبها :
لعد تستخف دمك على حساب مشاعري! الموضوع يعصبني حتى لو مزح لاني قد شفته بعيني وانا ما انسى!
عقد حاجبيه مستنكرًا جملتها الاخيرة :
وش شفتي ؟
قاطعته شادن وهي تحاول ان تتمالك أعصابها لا تنفرط من غيرتها :
اتمنى لانه موقف عابر نسيت ، لانه لو اسلوب وظيفي بالنسبة لك يمكن أنهبل!
قاطعها سياف بحدة :
انطقي وش تقصدين ؟
لفت عليه شادن بغضب :
سياف ناسي لما شفتك بالمستشفى وموظفة جهازها تعطل وانت انحنيت عليها ، وهي صايرة بحضنك!! بغت تذوب من الحياء وانت ولا على بالك مستمر تعدل بجهازها
ناظرها سياف بطرف عين ضاحكًا، بعد ان فهم انها لم تتقبل المزحة بسبب موقفًا رسخ في ذهنها :
ماشاء الله انتي للحين مانسيتي ؟
عادت شادن الى وضعها السليم، بهدوء. جربت ان يكون سياف بمرة رهنًا لأمراة غيرها. جربت مرارة الغيرة الحقيقة!
اصبح خوفها من امراة غيرها تقتحم حياته هاجسًا لها
اخذ سياف كفها من حضنها، وهو يقبله برقة هادئًا :
كان قصدي الرجال، فشلة يشوفوني كذا ياشادن. والله لان الموضوع مايعني لي شيء ماتذكرته مثل ماتتذكرينه! حتى اني انصدمت وش يزعلك من مزحي وانتي متعودة عليه ؟ لو ماقلتي لي انك متأذية من ذاك الموقف للحين ولا كان استنكرتك
ابتسمت شادن وهي لا تريد ان يتعكر صباحهم بموضوعٍ له تسربات في الماضي :
زين على الأقل أدبتك
هز سياف راسه بأسف كاتمًا ضحكته :
والله العظيم ماتتأدب هذه البنت ماتتأدب
ضحكت شادن وهي تضع كفه المحتضنة كفها في حضنه. عقد ذياب حاجبيه وهو يسمع ضرب عكاز خشبي في الأرض من خلفه
لف برأسه وهو يرى طرف العكاز يقف خلفه
فتح عينيه بدهشة وهو يرأها تقف امامه مستندة على عكازها وتنظر إلى اي شيء خلفه ؛ عداه
همست وهي تفرك كفيها بتوتر :
صباح الخير
لم يتوقع ان يرأها مجددًا بعد مكالمتها معه ، همس وهي يغلق الملف اللي بيده :
ياصباح النور
آشار بعينه الى قدميها محاولا بدء محادثة، تنهي هذا التوتر اللي شعر به منتشرًا في الجو :
وش أخبار رجلك وأعصابك ؟ تعودتي على الجبيرة ؟
هزت أفنان رأسها بإيجاب :
الحمدلله احسن بكثير ، تضايقني شوي بس وش اسوي
تنهد ذياب وهو يضع الملف جانبًا ، ويتكتف :
فترة وتعدي يابنتي ، دامها هذه الفترة معلومة لك وتدرين انه بهذا اليوم تحديدًا بتنفرج فيه فإنتي بنعمة عظيمة
رفعت افنان حاجبها بعفوية :
" بنتي " ؟ ليش كم عمرك انت ؟
ضحك ذياب وهو يحك ذقنه بإحراج :
عفوية لا تدققين ، مابيني وبينك شيء
جلست أفنان على الكرسي من خلفها ، بعد ان أرهقها الوقوف بفضول فطري من طبيعة شخصيتها نست به خجلها وتوترها :
بس انت ما تدري كم عمري
وضع ذياب كفه تحت دقنه بتصنعٍ متفاجئ :
ليش يأم 23 سنة امداك تكبرين في يومين ؟
قاطعتها أفنان بإعتراضٍ غاضب وهي تتجرد من كل تلك المعايير اللي كانت تضعها لنفسها لمواجهة رجلٌ غريب :
والله مايصير كذا انت تعرف عمري بدون أذني وانا ما اعرف عمرك
ضحك ذياب بدهشة :
مزعلك عمر ؟ تراني كبر عمك سياف ، لو تشغلين مخك شوي بتعرفين عمري
مدت افنان شفتيها بزعلٍ حتى وهو يحاول بها ان تتذاكى فشلت :
شرهتك على اللي تعرف عمر عمها
قهقه ذياب ، ليلتقط انفاسه ويجيبها :
أكبر منك بست سنين. وقريب بدش الـ 30 سنة ان شاء الله ، ارتحتي خلاص صرنا متعادلين ؟
فتحت أفنان عيناها بدهشة وهي تتذكر انه يقول انها قريبة من عمرها! :
الحين انا توني قايلة بسم الله بالعشرين وانت بتودعها وتقول لي أعمارنا حول بعض ؟ تحسب شلون انت ؟
هز ذياب رأسه بإسف هامسًا :
والله حرمة ماراحت ولا جت ، ياويلك تكبرها
سمعته أفنان لتهز رأسها بإستهزاء وهي تقلده :
" ياويلك تكبرها " مدري مين اللي بغى يوقف قلبه لين قال عمره كم
لتكمل بجدية وهي تكمل سلسلة إرضاء فضولها بعد ان نست سبب مجيئها او ماذا تريد. او حتى ان كان ذياب متفرغًا او لا :
بعدين شفيك شايل الدنيا على ظهرك ؟
عقد ذياب حاجبيه بإستنكار كاذب :
مين قال ؟
ضحكت أفنان بسخرية وهي تضع كفها تحت دقنها بمثل حركته :
ترا المكسورة رجلي مو رأسي
لما كنت تتكلم عن موعد فك الجبيرة كنت انت قاعد تغبطني ماكنت قاعد تواسيني!
أبتسم ذياب بهدوء وهي يحاول ان يتجلد بالسعادة، ويقاوم حزنه. او ابسط الإيمان ان يخفيه دقايق معدودة حتى تختفي من أمامه ويعود ويرتديه :
يابنتي انتي مكسرة من رأسك لين ساسك وجاية على حيلك عشان تسأليني وش فيني ؟ يا رب لك الحمد بأوج نِعمه اتمتع. بس انتي يبغى لك تركدين وتقرين محلك لين ينجبر كسرك ويرمّ عظمك!
تنهدت أفنان ، لتردف :
دكتور ذياب!
هز رأسه مبتسمًا :
سمي مريضة أفنان
فهمت انه يسخر منها على سالفة الألقاب اللي تسبق الأسماء ، ولكن لا تتجرأ ان تعري اسمه وتنطقه مجردًا. لتتنهد متجاهلته وتكمل :
لما كلمتني انا كانت اعصابي تلفانة ومايخفيك هذا الشيء بما أنك طبيبي
وكنت محتاجة اي شيء قدامي افرغ غضبي فيه
واساسًا ماكانت الصورة عندي كاملة لما اتصلت علي
انا فسرت الموضوع من كيفي قبل حتى ماتتكلم انت
وتكلمت بناء على افكاري بدون ما اتاكد من صحتها وهذا الشيء مايرضيني من نفسي!
فأنا جيت عشان اعتذر
لأن بالنسبة لي الجوال مايسد اعتذاري
كان ذياب مازال يقف امامها بإبتسامته ، هادئًا ، مستمع جيدًا :
اعتذارك ما أقدر اقبله!
لأني انا ماخذيت بخاطري منك ومقدر موقفك ومتوقع اساسًا
اتصالي كان خطأ انتي لو كنتي بحاجتي كنتي بتوصلين لي بأي طريقة. فما فيه شيء تعتذرين عليه
المفروض مني اعتذر منك على تصرفي
كان تصرف طائش يحتسب ضدي مو لي
هزت أفنان كتفيها بجدية :
ما اشوفه طائش بقدر ماهو حرص كريم تخجلني فيه
ولو تبي الحقيقة انا اشوفه دين ملزومة اوفيك اياه!
رفع ذياب حاجبه بإستنكار لتحتد نبرته :
ماهو دين! انا سألتك اني اخدمك وانتي امتنعتي. وانتهى الموضوع
يابنت الناس اسمعيني
انا ما ابي احس اني في مجلس رجاجيل اليوم اعشي واحد وأكرمه واليوم الثاني يعشيني! ويصير الموضوع تحدي مين يوجب الثاني اكثر
قاطعته أفنان وهي تقف بعد ان شدت اليها عكازها بإندفاع من فهم ذياب الخاطئ :
من قال ان الموضوع تحدي عشاني قلت دين ؟
انا كل شخص يحسن لي لو أعطيه عيوني ماوفيته حقه!
انت تحسب لما شخص يهتم بأمرك ؛ شيء هيّن ؟ انا يعني لي كثيييييير !
شخص يهتم بأمري بدون مايعرفني ولا وش مزعلني ويحرص انه يتابع موضوعي عشان يتأكد ان دروبي ميسره لو احتجت له ؛ شيء هين ؟
همست أفنان وهي تشير بسبابتها على صدرها :
عندي صديقاتي بس محد يسألني وش فيني مثلك!
عندي اخوي بس مالحقني يومين عشان يتطمن اني بخير مثلك!
عندي اهلي وعماني بس محد يفكر يشوفني انا بخير بقد ماهم يفكرون بموضوعي اللي صار من فترة واني مفشلتهم !
لتنفرط دمعة حارقة وهي تستوعب أن حياتها الاجتماعية اللي كانت تتفاخر بها ، عندما سقطت لما يسندها أحد سوا عكازها وسؤالٍ من رجلًا مجهول :
انت الوحيد اللي فكرت فيني وهذا الشيء اللي يخليك مو عادي !
يخليني اوقف لك رغم كسري
يخليني اجيك رغم أن عكازي يضعفني مايقويني لانك قلت امس " انك في هم مايعلم فيه الا الله "
أنا من امس الوم نفسي على اسلوبي الهمجي! كيف لا صار معك عاد ؟
وانت بالش خلقة في عمرك ومع ذلك ماخلاك تنساني وفكرت فيني ؟
انا لما اتأسف لك مو عشان ترضى
انا اتأسف عشان نفسي تقدر تحط عينها بعينك بدون ما أحس بفشيلة مني!
ضحكت أفنان وهي تمسح دمعتها بطرف كفها ، محاولة ان تغير ذلك الحزن الذي ساد اجواهم :
تعادلنا المرة الأولى
خلنا نتعادل هذه المرة بعد والوجه من الوجه أبيض
خفض ذياب ناظريه الى الأرض وهو يفكر بهدنتها ! يحتاج إليها اكثر مما تحتاج إليه الان
لو رفضها هو الذي يخسر وليست هي
هو الآن من يحتاجها عكاز ، هو المكسور قلبًا. هي اتكأه
همس وهو يرفع رأسه :
لو تخدميني الحين انتي بتغفرين ذنبٍ قديم بيني وبينك!
بصير وقتها عمري كله رهن عنقك!
وضعت أفنان عيناها في عينيه بجدية :
صار!
رفع ذياب حاجبه بدهشة من تسرعها :
بس انتي ماتدرين وشو!
قاطعته أفنان بصرامة :
مايهمني أعرف وشو ، لاني انا ماسويته عشانه يناسبني ولا مايناسبني
انا مو قاعدة أنقي لي.
انا بسويه لأني ابي اسوي لك!
أبتسم ذياب وهو يرأها امامه جامحةٍ بروحها لم يعيقها كسر جزءًا من جسدها
كان يظن ان كل شخصٍ يأخذ من اسمه نصيب ، ولكن شذت من قاعدته وهو يراها الآن تتجرد من اسمها
اسمها الذي يعني ( غصن / فرع الشجرة )
لم تكن تستند امامه على شجرةٍ. بل هاهي امامه تركض نحوه عاديةً كعدو الخيول في غزوةٍ هم جنودها بلا عدو سوا الحزن.
لم يعيقها عكازٍ وجبيرةً ، هاهي تكاد مواريها ان تقدح من شدة همتها!
جموحٍ انتي لا أفنان!
صهيلًا همتك انتي لا دين!
خيلًا عربية أصيلة انتي لا فتاةٍ من ضلعٍ أعوج!
/

\

/
دخل سلطان منزله بعد ان خرج من صلاة العشاء ، وقف عند الباب ليرفع صوته عاليًا مناديا بعد ان رأى أنوار مجلس النساء مُنيره ورائحة البخور باتت تتجول بمجرى الهواء في الأرجاء
صاحبها رائحة القهوة العربية ، كانت روائح بيته وأنواره في صخبٍ من الفخامة والرُقي من أجل ضيوف هذه الليلة :
أم ماجد .. يا أم ماجد
خرجت ترف من المجلس بإستنكار من طلب سلطان لها ، وهي من بعد زواجه بعريب لم يحدث بينهم اي محادثة. ويناديها بوجود عريب التي كانت تحرقها بنظراتها
همس سلطان وهو يشير بعينيه الى المجلس :
امي جت ؟
هزت ترف رأسها بالنفي!
تنهد سلطان وهو يضع كفه على خاصرته بقلقٍ وهو يفكر ليرفع راسه مجددًا :
طيب ماقالت لك انها معتذرة ولا شيء ؟ وانتي دقيتي اليوم عليها تلزمين وتأكدين ؟
عقدت ترف حاجبيها بإستنكار " لماذا خالتها تعتذر ؟ " :
لا والله مادقيت ولا هي دقت ، على اساس على موعدنا
مسك سلطان رأسه بهمٍ خوفًا من ان موضوع غزل ، يفسد علاقته بأمه وأبيه. يعز عليه زعل والدته خصيصًا :
دقي وقولي لها ماراح نصب قهوتنا الا وانتي موجودة ! وقولي لها لا تجين عشان خاطرنا تجي عشان خاطر عيال أحفادها اللي مالهم ذنب
اساسًا العزيمة على شرف ملكة شذى وثنيان. الحق لهم ماهو لنا لو جت
رفع ترف حاجبها بخوف :
هي خالتي زعلانة ؟ صاير شيء ما ادري عنه ياسلطان ؟ ترا خالتي غالية وتعز علي
هز سلطان رأسها بإسف :
تعز علينا كلنا ، ولكن حسبي الله ونعم الوكيل
سوي اللي قلت لك عليه. وان شاء الله الامور طيبة
خرج من هنا سلطان ، ليدخل سياف من هنا وهو يرتدي ثوبه الأبيض لحرارة الجو الليلة وناسفًا شماغه مقبلًا رأس والدته :
حيّا الله أم سياف
ابتسمت ترف وهي تمسح بكفها على كتفه :
الله يحيك يا أبو غنى
اخذ سياف كفها وهو يدور فيها بإنبهارٍ محاولةً ان يخجل امه :
والله أنك تزاحمين القمر الليلة يازينة ، وش خليتي لبقية العذارى الليلة يأم سياف ؟ كل عذراء اليوم من زينك يايمه تغار ! ماهقيتك أنانية فوق انك سلبتيهم الزين ، سلبتيهم قلوبهم اللي احترقت من الغيرة
ضحكت ترف بخجلٍ فطري وهي تضرب بكفها كفه :
والله انك عيار ياوليدي ، هذا انا اليوم نفس امس وقبله
شهق سياف وهو ينظر إليه بعينٍ متفحصة :
كذب من يقول ؟ بكل يومٍ تحلوين أكثر
انتي من خليتي للزين عمر ! ولا هو من قبلك طايحٍ سوقه
خرجت لدن من المجلس وهي تبحث عن أمها ، لتأخذها من حضن سياف بسخرية :
مافيه كذاب الليلة غيره يايمه لا تصدقينه
والله انه قايل لي هالكلام العصر وتلقينه قبل يجي قايله لشادن حافظ كلمتين ويمشي ويوزعها
لف سياف على امه بتنهيدة كاذبة :
شايفة يايمه زينك خلى لك عواذل حتى من بناتك ؟
ضحكت ترف عليه ، وهي تمسك بكفه بحنية :
تعال يايمه سلّم ماهنا غريب عليك للحين مابعد جوا
دخل سياف مع امه مبتسمًا :
السلام عليكـ..
ليبتلع ريقه بصدمة وهو يرى خالته مناير ( أم منال ) زوجته سابقًا ، وطليقته الآن تجلس في صدر المجلس بجانب مكان امه!
ابتسم مجاملًا وهو يحاول ان يبتلع دهشته مع ريقه وهو يقبل رأسها :
خالتي هنا وانا ماعندي خبر!
ياحيا الله خالة مناير تو ماتبارك المجلس ونور
رفعت مناير حاجبها بزعلٍ وهي تلف برأسها عنه دون ان تبادله السلام :
لو لك خالة تهمك كان مريتها تسلم عليها ، ماكأنك اقرب اخوانك واربطك وصلٍ فيني وانت لك في بيتي حرمة
فتح سياف عينيه بدهشة وهو يرى انها مازالت لم تعلم بطلاقه لمنال!
اغلق عينيه وهو يأخذ نفسًا عميقًا حبسه بصدره ، لا المكان ولا الزمان المناسب ليخبرها ان ذلك الوصل بات قديمًا وانقطع
ابتسم وهو يلف برأسه بهدوء :
حق و واجب ياخالتي بس ظروف الله ييسرها
سحبته مناير من ذراعه لتجلسه بجانبه وهي تهمس بحنية مندفعةً بالموضوع بلا مقدمات ، لعل الله ينفع بها وتجمع شتاتهم :
ياوليدي يا سياف الظرف اللي عشانه رديتها من بيتك لبيتي ، تراه ولى زمانه !
قلت لي البنت صغيرة وها هي كبرت وعلى هامة زين البنات تربعت شيختهم ياسياف !
ماطلبتك من قبل تردها لأني قلت هو رجال وادرى بصلاح بيته بس ياوليدي مايصير
البنت في بيت وانت في بيت
جلستها أن طالت في بيت أبوها و على ذمتك ماهي بزينة قدام الناس
لا تشمت العذال في بنتي وأنت رجال قادر تسد حلوقهم
همس سياف وهو يمسح يكفه على فخذ خالته بهدوء ، ليرفع رأسه مبتسمًا وهو يحاول بألطف طريقة أن يقطع خطيوط الآمل بقلب خالته :
ماعاش من يحكي فيها وانا حي وتستاهل بنت الخالة الطيب! و ياعسى نصيبها بالجاي يكون جنةٍ ؛ لا مال بختها ولا طاح
رفعت مناير حاجبها بشك من دعوة سياف ، وكأنه يدعي لعذراء بحسن النصيب وليس لزوجته :
أنت جنتها ياسياف! ما لمنال غيرك نصيب ، انت الحاضر والماضي والجاي!
غمض سياف عيناه وهو يأخذ نفسًا عميقًا ، â€?اليوم عشاء‬ على شرف ملكة ثنيان & شذى. من والدته ، وهي تكاد تتشقق فرحًا بفرحة أحفادها و وجود أختها معها تشهد فرحتها .. مستحيل يكون سببًا بأن يجعل خالتها تستأثر وتهيج هذه الليلة وتنكد على أمه فرحتها أمامهم الآن ، سيتركها هذه الليلة ومن ثم سيضعها أمام الآمر الواقع
أنقذه صوت وِهاد التي تقف بآخر المجلس وقريبة من الباب وهي تناديه بفرحة :
سياف شوف!
لف برأسه عليها ، بعد أن فتح عيناه :
وش فيه ؟
ما أن سمعت صوته وهي واقفة عند الباب ، حتى فلتت ذراعيها من كف أمها لتركض بخطواتٍ غير متزنة إلى المجلس
ركضت غِنى من بداية المجلس
إلى أحضان أبيها لينهض من محله ويجلس على ركبتيه بالأرض لترمي نفسها في حضنه بضحكة إنجاز وهذه أول تقطع هذه المسافة شبه طويلة من بيت سياف & شادن إلى المجلس ركضًا ، متزنة ، دون أن تتعثر
ضحك المجلس كله على فرحتها ، بأستثناء مناير التي كانت تنظر بدهشة إلى غنى وهذه أول مرة ترى أبنته
تحت ضحكات ترف بفرحة حقيقة هذه الليلة ، كل شيء هذه الليلة مثالي! بُلغت بأول حفيدًا / وأول فرحة عريس. كيف لو كانت من نصيبه حفيدتها أيضًا ؟ زواج سلطان بأمراة آخرى الذي كسر ظهرها على كِبر بات أمرًا يقوي عزمها بأنها أنسانة مهما بلغت من العمر عتيا مازالت تملك كيان ، وحياة ليست تتمحور حول زوج ، وحق بأن تعيش سعيدة لأن سعادتها ليست رهنُ بخاتم أصبعه. ولسانها الذي أبتهل سنينًا عِجاف بأن تقر عين أبنها بسعادته وأن يجبر الله خاطره وخافقه جبرًا يتعجب منه أهل السموات والأرض. رأت آثر دعواتها وهي تراه يكاد أن يشرق بفرحته وهو يرى أبنته تركض الى حضنه بفرحة أنها تستطيع أن تحتضنه دون أن تعيقها المسافات أو تبطئها العثرات. كانت تصفق بحب متدفقًا من بين أنغام غِنائها لحفيدتها مستشعرةً " ما أغلى من الولد ، الا ولد الولد " :
هدا ، هدا .. شر وغدا ، غنى اسم الله عليها بدت تمشي بدت!
خطوة خطوة لبابا
ليهمس سياف وهو يقبل خديي غنى بحبٍ ، دافنًا رأسه في عنقها " طفقت كل ذرة في كيانه تعرف نشيد الفرحة ":
خطوة ، خطوة لا تطيح! ولا تعبت غنى خل تستريح
فتح عيناه ليجد شادن تقف عند الباب ، بفستانٍ أحمر ينتهي عند نهاية ركبتيها تقف وتنظر إليه بأبتسامة عذبة كأنها خرجت من بين سلسلة قصصٍ وحكايات. شيء خيالي على هذه الأرض التي لم تحمل على متنها يومًا حورية!
يؤمن ان جميع ما اصابها هو لأن الأرض ومن عليها لم يتعلموا كيف يتعاملون مع الحوريات، جل مايعرفونه ان الحور ليس من نصيبهم! واتت شادن مبعثرة لكل مسلماتهم.
وقف وهو يحاول ان يبتلع دهشة إعجابه، دون ان يغص بها امام خالته
" والله إن فستانك الأحمر شتات شتّت الحساد وزود قهرها "
تقدم الى الباب في اثناء سلام شادن على الحضور
وقفت عند خالته وهي تمد يدها بنفس الأبتسامة التي لم تفارق شفتيها وهي مازالت تحت تأثير حلاوة الموقف. خالته التي لم تمد يدها ومازالت تحتضنها
تجاهلت شادن وهي تقبل رأسها تقديرًا لسنها وهي تحاول بذاكرتها ان تسعفها :" من هذه ؟ "
لفت على سياف الذي آشار لها بعينيه :" تعالي "
لحقت به على حين غفلةٍ منهم، بأستثناء خالته التي كانت تتفحصها وتبحث بين ملامح سمرتها :" مالذي أثمل فيها ابن اختها ؟"
أقتربت منه لينزل غنى الى الأرض ويأخذها في حضنه بأبتسامة :
ياحيّا الله لباس الحمر!
ضحكت حتى مالت على كتفه وهي تضع كفها على يده لتتزن :
الله يحيك ويحبك
لف خصلة من شعرها حول سبابته وهو يهمس وجل تركيزه على دورة شعرها مع إصبعه :
وين صورة اليوم ؟ نسيتيها ؟
تبادلوا الأدوار وهي تحاوط بذراعيها عنقه، لتحتضنه أمام المرآة الطويلة القريبة منهم
كانت ذات حضنٍ خصب جدًا ، خصبًا بما يكفي حتى يتورد ويزهو في حضنها وبين ذراعيها
فتحت كاميرا الجوال وهي تمارس سنة سنتها في عاداتهم، في كل مناسبة عائلية / موعد اتفقوا عليه سويًا / عشاء يتبادلون فيه الأحاديث. يوثقونه في صورة ليجمعونها في ألبوم وتحت كل صورة ذكر المناسبة :
مانسيتها ، بس لما لبست جيت ادورك مالقيتك
قرصت خاصرته بتساؤل :
وش منحشك مني بدري ؟
اعاد لها الحركة ليقرص خاصرتها، وتصرخ بضحكة وهي تكتم صوتها بكفها بسرعة لا يسمعها احد :
انتي اللي وش مأخرك علي ؟
أبتسمت شادن ابتسامة واسعة، وهي تنظر الى المرآه :
يالله ياسياااااف cheese
ضحك سياف على طريقة التقاطها
الصور بتعليمات يرآها طفولية على ان يعمل بها
امآل رأسه لينظر إلى الصورة لتخبئها شادن خلف ظهرها لتهمس بدهشة مُصطنعة :
نعم ؟ نعم ؟
رفع سياف حاجبه بإستنكار :
ياشيخة!
ضحكت شادن وهي تعطيه ظهرها لتقلل من اضاءة الشاشة حتى لا يختلس سياف النظر :
والله سياف ماراح اوريك اياها الحين! يالله روح بعدين تشوفها وعد
تنهد سياف، ليردف بجدية :
شادن اسمعيني
لفت عليه شادن بقلقٍ من تحول نبرته فجاءة، هي من نادها وهي تعلم انه ليس بخير. ولكن تناست الموضوع عندما فتحوا موضوع الصور :
لبيه ؟
آشار سياف بعينيه الى المجلس :
عرفتِ مين اللي سلمتي عليها ؟
هزت شادن رأسها ب ( لا )
بلل سياف بطرف لسانه شفتيه، عارمًا به القلق خشية ان تتفوه خالته بكلمة تثير حطب شادن لتشتعل نارًا لا تبقي ولا تذر وهو الذي ستبتلعه النيران :
خالتي! وماعندي الا خالة وحدة
هي خالتي ام منال ياشادن
ليردف بسرعة عندما رأى وجهها ينقلب مصفرًا بدهشة :
تراها مسكينة للحين ماتدري بطلاق بنتها! وتراها زي ماقلت لك شادن اخاف تشوش على امي ولا تشيشها
عشان كذا تعمدت ما اعلمها هذه الليلة عشان امي مو عشان خاطر احد
سكتت شادن لثواني طويلة، لتردف بعدها بهدوء :
وش المطلوب الحين ؟
هز سياف كتفيه بحيرة :
ما ادري! هي من دخلتي عينها عليك. ما استبعد ترمي عليك كلمة يمين ولا يسار بس طنشي مو لأني اطلب منك انك تحترمينها ، مو انا اللي اعلمك انتي تعرفين توجبين وتكرمين وتشبعين من دون وصاة
وحاشا لله اعلمك وش تسوين ماتسوين بس انا ما ابيها تنكد عليك هذه الليلة
اي شيء تقوله اسمعيه من هنا وطلعيه من هنا
عشان خاطر صدرك اللي يهمني! وغيره في ستين داهية
آشارت شادن بسبابتها على عينيها اليمين، ثم اليسار من دون تتفوه بكلمةٍ واحدة منذ ان شرح لها سياف الوضع بالمستشفى وهي متفهمة
لينحني سياف مقبلًا عينيها بحُب هامسًا :
لا خلا ولا عدم!
خرج سياف وهو يردد بداخله : ‏"من قسوة الوقت والناس وبلاويها ‏خايف عليك بـ شكل ماهو بيتصوّر ‏الناس لو تنجرح مالي شغل فيها ‏بس أنت لو تنجرح .. أنا اللي أتعوّر "
وعادت شادن الى المجلس، ليصادفه يوسف خارجًا من مجلس الرجال متوجهًا الى مجلس الحريم
وقف يوسف عند الباب وهو ينادي بصوتٍ هادئ لم يتجرد منه خشونة حنجرته، ولا هيبة حضوره. كان كاملًا رغم عين النقص اللي ترمش بها عيونهم عندما يسمعونه.. ولكن كل شيء يكسوه الكمال عند رؤيته :
يمه
فزت ترف وهي تسمع صوت يوسف بقلبها، لا بمسامعها خارجةً له :
ياعيون امك ، سمّ يبه وش بغيت ؟
أبتسم يوسف من الحب المرسوم مع كحلها، الحب الذي تلفظه شفتيها مع كل حرف يترنم منها، الحب الذي لا اتى معه بمجرد ولادته. الحب لأنه ابنها
لانه نمى بين أحشاءها وضيق رحمها ولكن كان وجوده بداخلها هو السِعة.
لأنه ولد من العتمة، ولكن كانت هي " حصص النور الموزعة على الأكوان ".
قبل رأسها بكل رقة، وبطئ خشية ان لا يوفي هذا الرأس حقه من التقدير والحب والإجلال :
مابغيت الا رضا خاطرك يايمه
ضحك وهو يردف :
لا يزعلونه ضيوفك ترا ماعندي مانع اشتري خاطرك لو انه من دم قص رقبتي
ضربته ترف بطرف كفها على كتفه، خوفًا من طاري الموت :
بسم الله على رقبتك جعلك تشيلني عليها
قاطعها يوسف حتى لا تلفظ طاري الموت، وتمنيه قبل ان تتوفاهم المنية :
اشيلك عليها حاج ومعتمر ! وألف بك الأرض وانتِ حية طيبة
ابتلع ريقه وهو يحاول أن يسأل امه منتهزًا الفرصة قبل ان يتغير الموضوع :
الا يمه بشري ضيوفك كاملين ؟ عشان أستعجل بالطباخ لا نبطي على الغرب
عقدت ترف حاجبها بإستنكار :
مامن غرب يايمه ، خل الرجال على راحته متى مابغينا نحطه بدق عليك تخليهم يوصلونه
رفع يوسف حاجبه بخوفٍ من ان امه مانفذت ما وصاها به :
ليش يمه ؟ انتِ اهل مرت سياف ماناديتهم ؟
ترف بإستغراب :
اَهلها ردوا للكويت منذ مبطي يابوي! مابقى الا عمتها هنا مع ابوها
كاد ان يخرج قلبه محلقًا من قفص صدره من طاري " عمتها "
يالله يا امي كيف يمر ذكرها على لسانك ببساطة وانا تبعثر حتى إتزان أفكاري!
تتوالد الأفكار والألقاب فيني لتجردها من كل الذي تلفظونه، تخبريني انها عمتها وانا والله أراها إهانة في حقها. يلزمني احترامي لهذه الأنثى المبهرة التي استمد من اسمها صمودي امام آية الحسن التي تعتليها، الثقيلًا على قلبي ان يحمله
يلزمني كياني أن يخضع كاضم بأغنياته، ثم اخر أنا عاشقًا هزيلًا
مرحبًا بها بـ :" أيّتها الوردة والرّيحانة والياقوتة والسّلطانة والشعبية والشّرعية بين جميع الملكات " :
ايه عمتها ، وعمتها مو أهل ؟
مدت ترف كفها حتى تمنع يوسف من أن يكمل كلامه :
بس بس! الا أهل وناديتها وجاية ان شاء الله
لتكمل بأمتنان :
ماتقصر بنت الاجاويد ماترد لي دعوة الله يسعدها ويرزقها ولد الحلال
ابتلع ريقه بمراره وهو يسمع من امه الدعوة التي بترت خيوط الآمل! ولد الحلال!
هل ممكن بيوم تتزوج ؟ وانا ؟ مين بيرضى فيني وانا كذا! هي وش ناقصها عشان تأخذني انا الناقص
رفع رأسه الى امه بترجي هامسًا ان تحتضنه بقبول عذره :
بدري يايمه!
فتحت امه عيناها بدهشة وهي تحسب بكفوفها سنوات عمرها :
من عمرك ياوليدي! قدها قد شادن وشادن هذه اعرست ولها بنت
لف يوسف عن امه بوجهٍ أسود وهي ايقضت افكار نائمة
لم يخطر في باله حتى مجرد إحتمال ان ترتبط برجُلٍ غيره!
هو الذي يحب ، وغيره الذي يأخذ!
حتى لو لم يأخذها احد، ومازالت آمانة في أحضان اخيها .. لن تكون له!
لن يقبل خالد برجلٍ لم ينمو عقله
لن يظلم اخته بقبول رجل بالأسم
رجالٌ بنصف عقل!
ولكن والله ماسلبني عقلي الا اختك!
رجاحة عقلي لم تنفعني بأن انتبه لمثل هذه الغلطة الفادحة
اللي ارتبكتها بحق عشقي!
هاه انا الآن ادفع اول ثمن عواقب الكذبة! بأن احرم منها
قطع حبل افكاره وهو يرأها تشق طريقها بإتجاه المجلس ومن امامها الخادمة تدلها طريقها
ابتسمت صمود دون ان تنتبه لتلك الهامة اليوسفية التي تقف امامها، تقتبس من ملامحها تريقًا لجرحه :
شكرًا لج انا ادله!
هزت الخادمة رأسها بإتمام وهي تتركها لتذهب الى المطبخ
رفعت صمود رأسها بدهشة وهي تسمعه يتنحنح بغضبٍ :
طريق ياولد!
انزاحت عن طريقه ، مستنكره غضبه! ليمر بسرعةٍ ذهب بها. تاركًا جزئيات عطره منتشرة بالهواء وتقتحم أنف صمود لتعرف أن هذه الرائحة له!
/

\

/
دخل ذياب متأخرًا بعد ان انهى عمله، وذهب بيتهم واغتسل وارتداء ثوبه وغترته
أدخل هاتفه في جيبه وهو يدخل المشب ويلقي التحية
قبل رأس خاله سلطان، وصافح الكبار من ابناءه
ثم جلس بصفة الشباب
رفع سياف حاجبه وهو يخفض هاتفه بتعقيب على حركته :
لا يكون مانصلي ونصوم مع المسلمين يوم انك ماتسلم علينا ؟
اردف تركي بسخرية لسياف وهو ينظر الى ذياب بطرف عين :
شيك يارجال لا يكون سارقين شيء من حلال ابوه
ضحك ذياب وهو يمد يده الى سياف ليقبلها :
الحق لي تسلم علي! انا خال عيالك
مد سياف رأسه لذياب حتى يقبله :
الحق مايتعداني! انا ابو عيال اختك
رمى ثنيان هاتفه على جمب وهو يضع ساقًا على ساق :
انا اقترح ان هالاشكال معد يجون معنا في قروب المرتبطين!
لان بالنسبة لي انا معد اقعد مع عزاب
خلاص صرت انسان مرتبط ومسؤول و وجود اشخاص مثل شاكلة الأخ الطائش الدكتور تأثر على مستوى إنتاجيتي تجاه اسرتي
كشر سياف بمقاطعة :
لا تكفى حتى احنا ما نبيك
قهقهة ذياب بتشفي في ثنيان الغاضب الذي كان يشتم سياف الذي تجاهله ببرود وهو يفكر
ليردف جلوي لذياب وهو يلعب بحاجبيه ليغيض ثنيان :
ياليت تصفى عليك ويوسف وعلي لحالنا
خصوصًا هالعاهات - آشر بسبابته تجاه ثنيان - يخربون اخلاقي
ابتسم يوسف بخبث، هادئ كعادته :
تبين احرقه في محله ؟
عض ذياب طرف شفته بإعجاب وهو يضرب بخفة صدره كحركة تشفي :
والله ذيب سووها واحب رأسك!
لف يوسف ليصوت بصوتٍ مرتفع بالمجلس :
يا أبو وصال
لف عليه حاتم الذي كان يتحدث مع اخيه :
سمّ ؟
ابتسم له يوسف وهو يحك دقنه بضحكة :
سم الله عدوك وكفاك شر نسيبك
ضحك حاتم من فرط ارتياحه، ضحك من الطاري الذي كان يشيد حزنه بات يشابه المزحة، لو نطق بوسف بالكلمة في وقتٍ قبل ان يتكلم مع الجازي لا كاد ان ينصهر غضبًا وغيضًا في محله. ولكن سبحانه الذي يدبر الآمر في السماء وانت تبكي
لينزله عليك عوضًا وجبرًا وانت تصارع حزنك، لتستريح.
هو يلتف بجسده عليهم :
افااااا !
فتح ثنيان عينيه بدهشة وهو يرى يوسف سينطق! بخجلٍ من ان يخبر يوسف حاتم بما تلفظ، ان يسمع عمه وأب زوجته ألفاظه. اللي كان ماتتعدى مجلس الشباب
ناظره يوسف بطرف عين وهو يضحك على تقلب وجهه :
والله ياعليه الفاظ! لو اني منك معد اسلم عليه مو بس ما اعطيه بنتي
فتح حاتم عينيه بدهشة مصطنعة :
افا! تراني في وجهك يايوسف ان شفت شيء ثاني علمني مادام اني على البر. ترا يوم صارت الصدقية كأنه عز علي فراق بنيتي
لف ثنيان بعفويةٍ غاضب على يوسف وهو يلتمس الجدية في نبرة حاتم رغم ملامحه الضاحكة :
الله لا يوفقك يايوسف كأنك بتدمر بيتي اللي مابعد جاء!
اردف حاتم بجدية وهو ينظر الى مقرن :
محدٍ يرد النصيب عنك! لو ربي كاتبها لك لو تسعى الأرض تشتت بينكم ولله مايضر بيتك شتاتهم الا عمار!
وان ماكتبها ربي لك ، ولله لو تزحف دروبها دربٍ درب. ماهي بلك!
لف مقرن على يوسف بغضب حقيقي، خائف من كلام عمه المفاجئ :
شفه هون صدق الله ياخذك
هز جوال سياف، منبهًا بورود رسالة جديدة
لم يكبح جماح اتساع ابتسامته وهو يرى صورته مع شادن اللي قبل قليل
طرف فستانها يداعب ساقيه ، وراسها يتسند بضحكةٍ على كتفه
متشبثة بذراعه وكأنه انتصارها الوحيد من هذه الدنيا. جسدها يختبئ بين حضنه وذراعه
وتحتها ارفقت تعليق من قصيدة :
" كيف التجات الى زنديه ؟ خبأت رأسي عنده
كأنني طفل اعادوه الى ابويه حتى فساتيني التي اهملتها فَرِحت به.. رقصت على قدميه "
يعرف قصيدة نزار هذه! كيف يجهلها ؟
كانت تصف حالهم هذه القصيدة! لم تكن قصيدة غزلية فحسب، التي بدأت بـ :
" انا لا افكر بالرجوع اليه!
اليوم عاد كأن شيئاً لم يكن
وبراءه الاطفال فى عينيه ليقول لي اني رفيقة دربه
أنني الحب الوحيد لديه "
مازالت شادن تضربه بكلماتها من تحت الحزام
ان مازال حركته الأولى معه، لم تتجاوزها!
لم يرتكب " الاغتصاب الزوجي " رغم انه كان ليلتها برضاها على علمه بإنه جريمة، الا ان شادن تراه هكذا
ترا ان الاغتصاب لا ينتهي بجسدها، بل بسلب حياتها وروحها ليذهب بكل بساطة! يعاملها كأنها عاهر..
لم يستطع ان يلفظ الكلمة مازالت تعذبه بمجرد التفكير
لم يلومها على اي شيء مجرد ماعرف انها ترا نفسها بكل هذه الدناءة بسببه.
كيف يخبرها انه يحقر نفسه اكثر منها ؟ عندما اكتشف انه جبان، انه لا يستطيع ان يعيش بين امراتين، وبمجرد ان اغضبته الثانية عاد للاولى ليكسبها بعد ان اكتشف انه ايام عمره سراب بدونها!
عذرٌ اقبح من ذنب.
تجاهل المعنى المبطن، ليلتقط فقط النص التي ارسلته ليجيب بـ :
" ماني نبي الله أقاوم حسن خصرك لا انهصر
أنا بشر عبدٍ ضعيف وكل برقٍ يجذبه. حتى عيونك السود تحدني استرجع تاريخ حزني الطويل ، أنا اللي في داخلي سنوات من الوحل والهلع والرصاص "
/

\

/
أخفضت هاتفها متوردة، متلئلئة، لا تنكر انها تريد ثأرها ولكن لا يعني انها تدفن / تفرط / تبيع لحظاتها السعيدة، بتستمثر اي لحظة بقربه قادر انه يسعدها فيها، عانت بما فيه الكفاية. مابقى بعمرها كثر ماراح لأجل يضيع بالشقا
اللي فيها لسياف أكبر من حب
بينهم روابط وثيقة تخلي اهلها اهله
تخلي بينهم بنتٍ تشيل دمه ودمها
مافيه ذكرى مرت بحياتها ماتشيل سياف
ان تحاوزته يعني تتجاوز حياتها كلها
سياف مثل النفس، ان عافته هي الخاسر الأكبر
يكفيها انه يشعر بالألم مثلها، لم يخرج من دوامه حزنهم خالي الوفاض
خرج بأنه كلما نظر اليها عادت له ايامه المريعة، كل لحظة بمفرده تعيد عليه شريط حياته بدونها.
شيئًا يخبره ان : " جهنم شادن، ولا جنة فراقها "
تلاشت تلك الابتسامة تدريجيًا وهي تسمع خالته، التي كانت تنظر الى غِنى بحسرة!
تنظر الى طفلة يفترض انها طفلة ابنتها
تنظر الى طفلة اتت رغم طول المسافات الفاصلة بينهم
وابنتها لم يقفل عليها غرفة لوحدها مع سياف
لفظت مناير كلماتها من فرط حرارة ماتشعر به :
الا غريبة شلون سديتوا حلوق كل هالناس!
عقدت ترف حاجبيها بإستغراب :
نسدها عن وش ؟
رفعت مناير رأسها من غنى التي تلعب بالأرض مع لدن ، الى شادن بإستحقار :
من يوم عزيمتك ياترف الى ملكة شذى امس والناس كل يوم يرمون كلمة اكبر من اللي قبلها ، انا اللي قاعدة في بيتي وصلني الكلام
شلون ماوصلكم ؟ ولا كالعادة مالكم وجه ؟
بلعت ترف ريقها بإحراج وهي تفهم مقصد مناير بإن العادة هي عندما هربت غزل لم يعلموا ماذا يخبرون الناس والآن تقصد شادن وسياف ، كلام من الخطأ ان ينطق عند اهلها زوجها :
ماهو وقته يامناير ، واللي يتكلم خله يتكلم ملائكته ماهي بغافلة عنه
قاطعتها مناير بإنفعال وهي تشير الى لدن ووهاد :
ياعزتي لكم يابنات وخيتي! ماوقف نصيبكم الا سمعة اهلكم
وزاد الطين بلة بلوة اخوكم! اللي فرحان وهو يوصي الرجال ينادونه ابو غنى
اي غنى ؟ الا والله فقرٍ وعيب وشق جيب!
قاطعتها وهاد بإنفعال غاضب من كلام خالتها الغير موزون ، يمس اهلها وعلى راسهم اغلى اخوانها :
اللي مايرضى بأهلي ويمشي بين الناس رافعٍ راسه انه مناسب الجامح انا ما اتشرف به توطى رجله عتبة بيت ابوي !
اللي ياخذني يبوس يده ويسجد لله ويشكره ان الجامح رضوا فيه! احنا نعيب ماننعاب ياخالتي!
احنا عاليين المقام ، كلام الناس مايتجرأ يوصلنا لان محد يقدر يتكلم بوجهينا داريين ان كلامهم غلط
لفت شادن على مناير

بإبتسامة :
وش هالكلام اللي محدٍ سمعه الا انتي ؟ نورينا، يمكن انك سامعة غلط نصحح لك
ضحكت مناير بسخرية وهي ترأها تلتف بكل ثقة وبرود. ثم تبتسم بفخر برد وهاد ثم تعود بعنقها تنظر اليها بهدوء حتى كلامها عن بنتها لم يهز بها شعرة وكأنها لا تسمعها :
لا تلعبين على نفسك! كلنٍ مستغرب من زواج سياف المفاجئ لا وعليه بنت بعد! من مين ؟ من بنت عمته اللي مايندري وين ارض عمته من سماها
فجاءة تطلع بنتها من العدم ويصير لها بنت من ولد خالها المتزوج زواج علني من بنت خالته ؟
تبين تقعنيني محد شك بهذا الزواج اللي حتى خواته مايدرون فيه ؟
كانت تتكلم وشادن عينيها بالأرض تستمع اليها بإنصات
ما ان انتهت حتى رفعت شادن عينيها لتضع قدمًا على قدم وتبتسم بإتزان وتشبك كفوفها لتردف :
ماشاء الله تعرفين عن حياتي وكلام عذالي عني اكثر مني ؟ ماهقيت اني اهم احد لهذه الدرجة غير زوجي! اشكر لك حرصك ولكن فعلًا ماكنت ادري عن هذا الكلام كله لاني
لتضرب مناير مع اليد اللي تعورها :
عايشة في بيتي بين زوجي واهلي وبنتي! عايشة حياةٍ كل اللي حكوا فيني ودهم فيها لنفسهم قبل عيالهم. مشغولة في سعادتي .. والحمدلله اللي اشغلني بنفسي ورزقني حتى ارضاني. ولا اشغلني في اعراض الناس! ربي ساق لي الخير بدون علمي لدرجة حتى ذنوبي اهداه اياهم وعطاني على طبقٍ من ذهب اجرهم
قاطعتها مناير بإنفعال غاضب ومبتغى شادن بإن تحرقها صاب! لدرجة انها وقفت متوجهه اليها و عادت بظهرها تلقائيًا من اندفاعها
امسكوها من ذراعها رنا ، ووصال قبل ان تنهش عظام شادن وهي تصرخ بحرقة أم بعد ان فهمت انها تقصدها و ابنتها :
ترا كذبة انه زواج عائلي ولا اشهروه عشان حالة امك المريضة
ويوم تحسنت اعلنوا واضحة وضوح الشمس كلنٍ يدري ان غزل ماتدرون عنها وماهي تعبانة نفسيتها من طلاقها ويخافون عليها يطلعونها للناس
كلنٍ يدري ان جدتك ماتت من حرقتها على ابوك! كلن يدري ان امك باعتكم وابوك عافكم! والله يعلم ليش !!
وقفت شادن بوجهها بحرقة لتصرخ بقوة كادت ان تهز به اركان جدرانهم
لم تستطع ان تقف بوجهها من البداية لأن كل كلامها صحيح ولكن ان تمس شرف امها هنا تقف! :
وققصصصصصص!!
ينقص لساااانك قبل يمس شرررف امييييييي !!
من اليوم تطعنين بشرفي واضحك بوجهك عشان خاطر اللي موصيني برا ما اشره عليك وخاطر اني ببيت اختك اللي وجهها طاح عند رجلها من فشلتها فيك بس تقربين لامي والله اقطعك بضروسي ما احشم فيك احد
روحي انشغلي في بييييتك وبنتك المطلقة من شهر وانتي ياغافلين لكم الله
الماء يمشي من بين رجولك وانتي نايمة! ذلك الجو المشحون في المجلس، ساد عليه الاستغراب والصدمة بمحاولةً استيعاب كلام شادن! لينتهي وعلى رؤوسهم جميعًا علامة استفهام اولهم مناير التي تراجعت خطوتين للخلف، ومنذ ان سمعت " بنتك المطلقة " كلمة لفظتها بعدها بدا لها كلامها كشفرة لا تستقبلها ولا تستوعبها. بان عليها الشحوب
طارت عيناها في ملامحها شادن الغاضبة
بهتت! اي طلاق ؟
بنتي فقط معلقة!
همست ترف بقلق وهي تفرك كفيها خشية ماتخاشه حدث. انقبض قلبها وهي ترى شادن مازالت مصرة على رأيها وتنظر بغضبٍ في ملامح مناير
والله ان النار ستضرمهم لا محالة
ولكن لعلها اشد وطأة في غياب شادن :
روحي لبنتك شوفيها طلعت
ترا سيارات الرجاجيل جوا
مسكتها مناير بقوة مع ذراعها قبل ان تغادر :
مين تقصدين بالمطلقة ؟
همست شادن وهي تنظر بعينيها بسخرية :
ليش كم بنت عندك متزوجة ؟
همست مناير وهي تفلت ذراعها بقوة :
خذوني لبيتي!
صرخت بحرقة :
الحين
اتى صوتًا عاليًا من عند الباب :
اوصلك أنا ياخالة! انتظرك بالسيارة تراها جوا
أنقبض قلب شادن وهي تسمع صوت سياف!!
هل يعقل ان سمع كلامها ؟
وانها افشت سره ونكدت ليلة امه وعدمت سهرة اهله ؟
أتت لدن من المدخل وهي تحمل عباية خالتها في يدها ومدتها بهدوء :
سمي
لبستها مناير بإهمال مُسرعة
لتخرج تحت انظار الجميع وعيني شادن تتبعها عندما جلس الجميع وهم يتعوذون من أبليس!
اقتربت ندى وهي تمسح على كتف شادن
الذي مازالت تنظر في الفارغ من بعد خلو المكان من مناير هامسة بإرتياح، لا لحاجة. بل لأنها كبلت قلبها بالعدالة الربانية
منذ ان وكلت كل امورها للِه
وأستودعته ماتخشاه لإن ودائع الله لا تضيع
ودعت بأن يكون عليها بردًا وسلاما
كما كانت النار بردًا وسلاما على ابراهيم
لم تخشى بعدها في الناس حرفًا يحرقها
لأنها مؤمنة بإن الملائكة ليست بغافلة
والله يسمع ويعلم ولكن ( صبرًا جميل ).
عاشت كل سنين غياب اختها في ظل همز ولمز الناس
مطمئنة، قريرة البال وكأن الله يمسح على قلبها
بـ ( ولا تحسبن الله بغافلاً عما يعمل الظالمون ) :
( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم )
طردوا من رحمة الله ارحم الراحمين
وش تبين جزاء يعاقبون عليه اكبر من كذا ؟
كلنا من دون رحمة الله مانسوى شيء وهم خسروها
امشي يمه نشوف بنتك وانا منادية ذياب ابغاه
توجهت ندى وشادن للباب
وخلفهم فهدة وأفنان المتكئة عليها و على العكاز ناظرتهم شادن بطرف عين
لتردف افنان قبل ان تعقب على مجيئهم :
تكفين من شفت السكوتر وأنا اتحقرص ابي اركب
ورجلي مكسورة وجبت لي عون تعاوني كله لخاطر ألعب
ارحموا عزيز قومٍ مكسورة رجله
ضحكت شادن بصدق على حماسها وترجيها قبل ان تتفوه بشيء :
لحد يسمعك يحسب اني انا اللي كاسرة رجلك
بعدين تفداك ماقلت شيء حللوا قيمتها على الأقل
صار كبير على غِنى ماتعرف تتحكم فيها ناوية اعطيها جنو تستفيد منها
ضحكت أفنان بحماسة وهي ترفع يدها عاليا كحركة إحتفال :
‏Yeeessss!!
مسكينة والله ان عجبتني ان معد تشوفينها
حتى لو أضطر اخطف جنى معه
ضربتها فهدة بخفة على كتفها :
ياوجه أستح بنت عمها جمبك !!
باست أفنان رأس فهدة بترجي :
تكفين تكفين يلا خلينا نروح
مدت فهدة يدها بخبث مغرور :
بوسي يدي بعد
أخذت أفنان يدها لتضعها بقوة عنيفة، لتصرخ فهدة بآلم وهي تسحب يدها بقوة وأسنان أفنان علمت في ذراعها لتحلف بأعلظ الأيمان ان لا تمر مرور الكِرام
ضحكت شادن وهي تجلس على درجتين المدخل
وهي تتأمل ابنتها ومن خلفها جليسة الأطفال التي لا تفارقها لصغر سنها بين الأطفال
وبنفس الوقت بسبب حرص شادن ان تندمج مع الأطفال، ولا تقيدها معها عند النساء
كانت تلعب مع جنى وحصة بنت تركي التي أتت مع عماتها في غياب أمها بدون تبرير من أم تركي على غياب أنفال، وندى أبنة مقرن وذعار أخيها قائد إدارة اللعبة
ذهبت ندى يمينًا بإتجاه خيمة الرجال
والبنات يسارا بإتجاه بيت سياف
أدخل ذياب جواله في جيبه وهو يرى خالته تقبل عليه،ليبتسم بحب :
ياحيّا الله أم ذياب
ضحكت ندى بحب غمره الحنية، وهي ترأه يناديها بأسمه :
تو مازان اسمي ، الله يحييك
أبتسم ذياب وهو يغمر تلك التجاعيد نتيجة مرور السنين صيبًا لعله يكن نافعًا وينبت جنائن ورد :
آمري تدللي وش بغيتيني فيه ؟
تبين الشمس ولا القمر ؟ ولا أقطف لك من السماء نجمة ؟ ولا أغزل لك من السحب فستان ؟
ضربته ندى على كتفه بحياء من إفراط ذياب بتدليلها
بالطريقة الحنونة التي تميزه بها
لا ذعار يخيرها هكذا ولا مقرن يسرف بمشاعره على هيئة حروف مثله
ولا جلوي يجيد اصطفاف الكلمات .. فقط يفعلها ابنها الثالث الذي لم يحمله بطنها وحمله قلبها :
وفر كلامك لحرمتك بكرة لو أنك صادق
ضحك ذياب :
لا والله تبطي ماوصلتك
أنتِ لك دلع خاص ماشافه أحدٍ قبلك
تنهدت ندى وهي تقطع هذه المحادثة الودية بالاطمنئان :
شخبارها أمك ؟
والله انه ماغمضت لي عين ولا طاوعتني رجلي ألبي سلطان الا عشان اشوفك
تنهد ذياب وهو يمسح بكفه وجهه بهدوء، دار برأسه حوله ليتأكد من خلو المكان ليهمس :
أدعي لها تكفين اطلبي الله عشانها انتِ مصلية مسمية تخافينه! أنا خوفي ذنوب أمي تعذبها
وضعت ندى كفها على فمها لتبتلع شهقتها من مقدمة ذياب بخوف لتذرف دمعة من فرط قلقها :
وش فيها ؟ أسالك بالله ماتكذب علي بحرف والله ما أنت بحِل قدام ربي
أخذها ذياب بحضنه وهو يذكر أسم الله عليها
لا يقف قلبها أو يحلق عقلها أو تلاقي مصرعها من خوفها :
طيبة ان شاء الله طيبة
بس مانقدر نجزم الا لما تصحى من الغيبوبة
لتنفرط نبرته القلقة ، الشاكية.
وهو يجد بين المخاليق مخلوق يشاركه خوفه وهمه هامسًا متجردًا من قوته :
وشكلها مطولة يايمه ، أمي معد تبينا
حتى وهي بين يديني وتحت عيني مايحول بيني وبينها آدمي أمي عيّت تقوم وتلمني !
وش خطأنا اللي تعاقبنا أمي فيه ؟
والله لا ادمحه بس خلها تأشر لي
هدتنا سنوات الغربة معد فينا شدة نجاري سنواتٍ مقبلة
مسحت ندى على ظهره
وكل كلمة يلفظها ذياب تردفها نهرًا تنحى من الخريطة وأنهمر على خديها بعتاب :
ليش خليتها لحالها ؟
ليش جيت تصافح سلطان كأنك تبارك لك إنجازه ؟
همس ذياب وحشرجة الحزن تسلبه إتزان حنجرته، كل تلك الترانيم المنقمة تبرئت منه، وكأنها لم تخرج منه بيوم :
ماجيك ابارك له ولا جيت أعزيه !
أنا جيت ما ابيه يحس انه فيها شيء
مابي يدري ببلاوتها ويدعي عليها
كافيها اللي فيها !
12 سنةً بعيدة وبخير مافيه حتى جرح
ومن أول ساعة شافتهم دخلت المستشفى ونزيف داخلي ومافيها عظم ولا ضلع سالم والحين لا هي ميتة ولا هي حية. يبون بعد يرفعون الموضوع من أهل الأرض إلى قاضي السماء ؟
قبلت ندى كتفه بترجي وهي تتشبث بذراعه :
تكفى لو ما اخاف ان مقرن يعرف ارضها
ولا ماكان تركت يراعها غيري
انتبه لها ولحدٍ يدري
وطمني عليها عسى ربي يعطيك حتى يرضيك
كانت دعوة ، ولكن كانت كما ترياق لجرحه
امتصت كل الحزن المستعمر ملامحه. ليبتسم بهدوء :
آميـ ..
قاطعه صراخ من جانبه
لفوا تلقائيًا لمصدر الصوت ليرى حشدًا من الأطفال يركضون بصراخ وخطوات اقدامهم تقرع الأرض قرع الطبول
يتبعون شيئا ما
سرعان ماميزها وهو يرأها تركب - سكوتر - متبشثة في مقوده بقوة
وطفلًا متمسكًا على خاصرتها يدفعها بسبب رجلها المصابة
صرخ بخوف وهو يميز هذه المرأة التي لا تكبر أبدًا :
ياااااابنت رجلك !!
لف على خالته بغضب :
تكفين يايمه تليها مع رقبتها
عشان ماتنسدح بكرة جمب أمي
ضحكت ندى وهي ترفع ذراعيها بإستسلام عائدة للداخل :
اتل لك البنات كلهم الا أفنان
الله يكفيني شرها
تنهد وهو يتخصر بقلق!
حالة قدمها فعلا مزرية وهي مهملة من الدرجة الأولى والآن بتتسبب بكسر آخر لقدمها بلا مبالاة
اخرج هاتفه من جيبه وهو يتصل بشادن التي أجابت بسرعة ليقاطعها :
تعالي خدي ألعاب بنتك الياهل من الياهل العودة
ضحكت شادن وهي تفهم إلى ماذا يرمي :
بغت تخليها قضية وهي تترجاني أعطيها إياه شلون لو خذيته ؟ والله ان تشهر فيني
همس ذياب وهو يحك ذقنه بحدة :
إذا كفخت بنتهم بيشرهون علي ؟
ضحكت شادن وهي تهم بإغلاق السماعة :
هذا إذا لقيت شيء تكفخه بالمسكينة مو مكسور
وضع هاتفه في جيبه، وهو يقترب منهم
ركضت فهدة الى داخل البيت بمجرد ان رأت ذياب يقترب، تاركة أفنان بعكازها بين كومة ذرِيَتهم
خرت قوى قدميها وهي تراه يقترب عيناه بالأرض ، محترمًا حرمة جسدها بِلباس السهرة ومع ذلك لم يخفى عليها عقدة حاجبيه وتدعي على فهدة بداخلها بكل ماخطر على بالها من دعواتٍ مميتة
وقف ذياب على مسافة فاصلة بصوتٍ يصل الى مسامعها :
انتي متحسفة بعظمٍ لك باقي فيه رجاء ؟
همست افنان وهي تسحب ذعار لتضعه امامه ، تستر اللي باقي ما انفضخ لها وبداخلها تكاد ان تنهار من ظهور ذياب اليوم امامها اكثر من المرات التي رأت اهلها فيها :
والله العظيم انا وعظامي متصالحين
ضحك ذياب بعفوية. كأنما وصمت بأنها فتاة تستثير كل رغباته بإن يضحك ويبتسم :
ترا فيه فرق بين الصلح ، والإستعمار
الصلح رِضا الطرفين، والاستعمار هو سيطرة القوي على الضعيف.
رفعت افنان حاجبها بعفوية :
تلمح ؟
ضوق عيناه وهو يتفق مع سؤالها :
تقريبًا ولا ماكان شكت لي منك عظامك
حاولت ان تستقيم بعكازها ولكن عجزت ان ترفع جسدها من الارض وفي خضم محاولاتها اردفت :
والله عظامي بريئة منك
لا تتقول عليها على اساس انك دكتور ترا عظامي هي اللي شايلتني وانا ادرى فيها
أبتسم ذياب بخبث وهو يرى محاولاتها الفاشلة :
ما اختلف معك فعلًا عظامك لو راضية عليك شالتك والدليل انك الحين تبينها تصلبك وعيّت
افلتت أفنان عكازها بقوة غاضبة من فشلها ، وتلميحاته وكأنه مستمتع على فشلها :
شكرًا صرت صح واثبت جدارتك كدكتور
ممكن تروح عشان يجي احد ويقوم بدور عظامي
آشار بهدوء لذعار ان يأتي بعكازها
وضعها على الارض مثل ماكانت وهو يرفع ثوبه ويربطه حول خاصرته
جلس مثل جلستها بالضبط وهي تنظر اليه بدهشة
مسك العكاز بهدوء وهو يخفض طوله ويشرح لها :
نزليه عشان يصير على مستواك ثم امسكي الاثنين كلهم تحت يدك
بيعورك شوي بس تحملي لين تقومين وارفعي بجسمك فوق ثم يرفع لك احد من تحت طول العكاز للطول المناسب
آشر لذعار بإن يأتي وهو يثق فيه بإن طفل المهمات الصعبة :
شفتني وانا ارفعه ؟ سو نفس اللي سويته
رفعه ذعار ليتأكد ذياب انه يعرف واتقنه
ربت على كتفه بحنية :
شاطر ابوي يلا عطاها
وقف وهو يهم بالمغادرة هامسًا :
امسحيها بوجهي لو ثقلت دمي
حقك علي
همست بمقاطعة قبل ان يذهب وهي تشير الى اللبس الداخلي تحت الثوب :
توصخ من قعدة الأرض
ابتسم وهو ينزل ثوبه فوقه بلا مبالاه :
فدا
اكمل طريقه للمجلس وهو يسمعها تصرخ بغضب خجول بأسم فهدة التي اتت ضاحكة بقهقهة قوية يسمعها
عرف انها لم تهرب فقط وقفت عند المدخل كانوا في طريقهم، لم يعد يفصل بينهم وبين المنزل الا دقايق معدودة ومازال الصمت سيد الموقف
هو كان يعتصر مقود السيارة بكفه من حرارة الموقف التي وضعته فيه شادن ولم يكن مستعدًا له
وهي! كانت في حالة مزرية
تتابعت عليها الصدمات حتى ألجمتها كانت تتقوى بأحاديث ترف بإن علاقة سياف & شادن
مشتتة، مضطربة، وكلها سويعات حتى ترتحل من قائمة مسؤولياته! وتعود الى سابق عهدها ( ابنة عمته ) فقط. انصدمت بأن لم يصح اي شيء مما قالته ترف!
ترا الولع في عينيه، كان يظن عندما دخلت شادن المجلس انهُ يوهمهم بلعبه مع ابنته
ولكن خالته الوحيدة التي رأت عيناه تتبعها وهي تسلم على الحضور وهو يتنهد بحرقةٍ ان الكفوف التي تحتضن كفها ليست كفه.
بعدها أختها التي وقفت مع الدخيلة عليها، وبعدها صدمتها بطلاق ابنتها!
سقطت عيناها على سياف الذي يجلس بيسارها
ينظر الى طريقه بهدوء ينبأها بصحة ماتفوهت به شادن!
هدوئه مريب جدًا، هدوء لا يليق بالإنكار
همست مناير بلا وعي من فرط حسرتها :
كيف طاوعك قلبك تضحك بوجهي وانت تكذب علي ؟
صرخت بحرقة وهي تضرب بكفوفها فخذيها :
ليش يوم قلت لك خذها لا تشمت الناس ببنتي
سكت واثرك انت الشمات الأول!
ليش ماقلت صارت تحرم علي ؟
وامسحيها بوجهي ياخالة
شمتهم فيها يوم انها معلقة
والحين بشمتهم فيها مطلقة
رفع سياف رأسه يكسيه الوقار والهدوء، يخفي بداخله ذلك الرجل الذي يرجو الله الخَلاص من الطوفان
المتمثل بعتاب خالته
والعتق من النِيران المتمثل في تبعات هذا الطلاق :
حدتيني! لو ادري ياخالة وعندي ذرة إيمان
بأنك بتتفهمين أن زواجنا ( قسمة ونصيب )
كان جاك الخبر قبل تطب رجولي المحكمة
كان قلت لك وانا على عتبة بيتك
يوم رديت لك منال وقتها
انها ماهي لي ولا انا لها !
الموقف اللي حطيتي نفسك اليوم فيه ياخالتي
تراه فعايل يدينك!
أردف بعد ان امسك طرف شاربه بسبابته والإبهام بإندفاع :
والله شنبي مو على رجال
لو اني راضي انك تنحطين بالموقف اللي انحطيتي فيه اليوم! قدرك أكبر مهما صار ياخالتي
انك تدرين من الناس بحالة بنتك
صرخت مناير بحرقة
وهي تسحب يده بقوة وتضرب بأطراف اصابعها خده :
احلقه!
لا تشوه سمعته ياسياف
وانت مخلي حرمتك تتشمت بين الناس
بخالتك ، امك الثانية ، ام حرمتك ، اللي عرفتها قبل تعرف حرمتك وانت تشوف وراضي
ومسمي نفسك رجال ترا لحية الرجاجيل تدسم افعالهم
الا انت لحيتك عيت تستر حتى فعايلك!
غمض سياف عيناه بهدوء
وهو يتعوذ من ابليس، مازالت خالته تحت تأثير الموقف
ولم تستوعب كلامه
مازالت كل محاولاتها بإن تدنس موقف شادن
وليس شناعة خبر طلاق أبنتها
بغضها لشادن يعمي عينيها عن لب الموضوع مسك كفي خالته بيده
وهو يقبلهم بإحترام محاولةً ان يمتص غضبها :
والله ياخالتي لا تظن اني راضي تراني بين نارين!
ما ادري أنا مخطي ان حرمتي عندها خبر
عشان أحافظ على بيتي وياها
بدال ما اهدم بيتين بيتها وبيت بنتك!
ولا الخطأ انك ماتركتي لي فرصة
اقدر اواجهك فيها ياخالة
تنهد وهو يكمل رغم انه تردد
ولكن كان الكلمة تكويه بقلبه. لفظها حتى يخمد ناره :
زوجتي الخبر عندها منذ مبطي ولا نطقت
ولكن وطيتي النار ياخالة!
والنار تحرق رجل واطيها
رفعت مناير رأسها بصدمة
وهي تشير بطرف اصبعها الى نفسها :
الحين صرت انا الغلطانة وحرمتك الصح ؟
حسبي الله عليها كأنها بتفرق بيني وبينكم
ولد أختي يغلطني
وبنت اختي توقف في وجهي وتراددني
واختي اطلع من بيتها بدون ماتلزم علي
قاطعها سياف بحدة، والأمور تمشي وِفق ماخطط له
كان ينوي ان يستسمح خالته من غِلطته
ويلقيها جزا غلطتها، وخالته تساعده كثيرًا بردة فعلها :
ماقلت ان حرمتي صح!
بس حرمتي ماطعنت أمك بشرفها
حرمتي ماوقفت وقالت لك ترا احتمال انكم عيال حرام
حرمتي ماوقفت وقالت ترا زواجك بولد أختي مشبوه
وبنتكم نتيجة غلطة
حرمتي غلطتها الوحيدة انها قالت لك الصدق
اللي انا ماتجرأت اقوله لك!
قالت لك الصدق بطريقة خطأ وبمكان خطأ
حرمتي ماراح تفرق بينا ياخالة
ولا بعد جابته امه اللي يخلينا انا وخواتي نقطع صلة رحمنا
ولكن كلنا مانرضى على انفسنا بالغلط!
تبين امي تلزمك بمقعدها وانتي قاذفة ولدها وحفيدتها ؟
تبين اختي تقول سمعًا وطاعة وانتي تقولين لها نسبكم مايشرف ؟
تبين حرمتي تدخل رأسها بالأرض تقل نعامة وانتم تقذفون في امها ؟
وقف بسيارته بقوة امام منزلها
همس وهو يلف برأسه عنها للجهة الآخرى بحدة غاضبة :
انتِ اللي فرقتي بينا ياخالة!
انتي بنفسك خسرتي عيال اختك
الوجه من الوجه أبيض
غلطتي علينا في مقعدنا وشرفنا وحريمنا وعفونا عنك لوجه مانبي نتقابل يوم الدين امام العزيز الجبار!
تبين خواتي وامي، هذا قرار راجع لهم
لكن انا وحرمتي وبنتي
همس وهو يفتح لها باب السيارة :
أعفيني من صلة رحمك
خلي يطيح عني ذنبي يوم اني عفيت عنك وطيحت لك ذنبك
وانسي ان لك ولد اخت اسمه سياف!
الشنب اللي بغيتيني احلقه
تراه مايرضى على نفسه واهل بيته بالشينة
نفسي عزيزة! وكرامتي فوق كل شيء
صرخت مناير بحرقة مصدومة بإن الامور آلت الى هنا!
ان يبري نفسه منها
ان يقطع كل الحبل الواصلة بينهم :
حسبي الله ونعم الوكيل فيها كأنها حرمتني ولد اخوي!
والله ماتضيع من حوبتي والله
والله ان تطيح بكرة على بابي تبوس رجلي اسامحها والله ماغفر لها
حسبي الله فيك قبلها ياسياف اللي خليت حرمة تفرق بين اهلك!
نزلت من السيارة بهسترية غير واعية ومدركة لتصرفاتها بأنها بالشارع وامام الجيران رغم ان كل واحدٍ منهم في منزله :
رح ياعبد حرمتك! رح يا رخمة ! رح علمها بأفعالك البطولية بخالتك خلها تتصدق عليك بكلمتين يمكن ترجع تربيك رجال
رح بشر ابوك انه جاب كلب حرمته ماجاب رجال تهابه الرجاجيل مو بس حرمته
كانت تثرثر وهو يكاد ان ينصهر من شدة غضبه من كلامها!
لو كانت في قلبه ذرة تأنيب على قطع صلة رحمه، الآن بعد كلامها طارت في مهب الريح!
مازالت ترى نفسها لم تغلط ، مازالت تلومهم ، لم تعتذر! لم يرى فيها شيء واحد يساعده ان يتراجع عن قراره
لم يصل الى مرحلة المثالية حتى ان يراها تهتك عرضه ويقول صلة الرحم اولى!
يقولها وبصريح العبارة وبلغة شوارعية جدًا :" طز !"
الله يمحي صلة الرحم اللي تخليني ارضى بالذل والمهانة، الا على عز نفسي لا تساومني!
داس بقوةٍ ليمشي بسرعة هائلة بالنسبة الى حارة، تاركًا الباب الايمن مفتوح
يريد فقط ان يتجاوز خالته قبل ان يفجر بنفسه او فيها
انحنى على اليمين ليمد ذراعه ويغلق الباب، ويفتح درج سيارته ويخرج علبة سجائره والولاعة. بعد ان حاول ان يقطعها تدريجيًا عشان شادن ونفسه، ولكن بداخله لهيبًا تكاد ان تبتلعه من كلام خالته لا يعرف طريقة اخرى يستطيع ان يفرغ بها غضبه غير التدخين وان يضع ثقل جسده كله على الدواسة. مرت ذكرى سريعة اقتحمت افكاره!
عندما خرج من شادن بليلة الفندق، وكاد ان يشتعل غضبًا من نفسه
سيجارته الاولى في حياته بين اصابعه، واقدامه تضغط بكل ماؤتيت من قوة على الوقود
فجاءة!
كان بين الأجهزة، وطاقم طبي فوق رأسه ينظرون إليه بتمعن ، وعصا تمتد الى جانبه في فمه تمنعه من التنفس!
هز رأسه بقوة لطرد تلك الذكرى، وهو يردد بنفسه بهمس وكأن شادن امامه :
المرة الأولى اللي زعلتك فيها من نفسي، كان الثمن حياتي!
والمرة الثانية اللي زعلوك اهلي فيها، كان الثمن علاقتي فيهم!
وش بقى لي عشان ما اخاف منه المرة الثالثة مايجرحك ؟
ليردد بعدها بهدوء بعد ان حبس دخان سيجارته في فمه لثواني طويلة حتى يبرد، ليزفره بهدوء :
" أبيع الناس واشريها ، شجاع لأجلها ما أهاب
أهين اللي يكدرها ، أهين الناس ، أهين أشناب "
/

\

/
لفت فهدة على البنات الجالسين بجانب بعض بطرف المجلس حوالي بعضهم البعض ، بعد ان عادت المياه الى مجاريها وعمّ الهدوء تجاه الموضوع واندمجوا وانطلقوا في ماراثون الاحاديث النسائية التي كل قصة تجر آخرى الى مالا نهاية، بخبث وهي تنظر إلى أفنان التي عادت من الخارج غاضبة وشتمتها الى ان برد قهرها بفهدة :
وش رأيكم نروح مخازن ابوي سلطان ؟
لفت عليها أفنان بغضب وهي تنتبه ان طريق المخازن، يلزم المرور من خيمة الرجال :
تخسين وتهبين قرّي محلك محد يبي يروح معك
ضحكت وصال على إنفعالها وهي تعود بظهرها للخلف من أفنان المنفعلة بجانبها :
ياساتر مين اللي داعية عليه امه وزعلك ؟
ضحكت فهدة وهي تميل الى وصال وتساسرها في إذنها وعيناهم على افنان التي مدت عكازها وضربت وصال في بطنها بقوة غاضبة :
وش قالت لك الكذابة هذه ؟
ضحكت فهدة بقوة وهي تبتعد عن عكازها حتى لا يصلها :
وش دراك اني كذابة وانتي ماتدرين وش قلت لها ؟
لفت وِصال على شادن التي كانت تسولف مع لمى بعيدًا :
الحمدلله انها بعيدة ولا وين نودي وجيهنا من البنت
فتحت أفنان عيناها بقوة وهي تشير الى صمود الجالسة بينهم
ضحكت وِصال وهي تغمز لها :
فدا
رمت أفنان العكازة على فهدة بغضب :
حسبي الله عليك
امسكت فهدة بالعكاز قبل ان يصيبها وهي تضحك ، لتكمل بجدية بعد ان اقتربوا شادن ولمى وعادت شذى من المطبخ وبيدها قارورة ماء اتت بها واصبحوا كاملين :
بنات صدق خلونا نروح من يوم عرفت نفسنا وابوي سلطان مقفله! شدعوة وش حاطين فيه
ضربت وِهاد كفها في كف فهدة بحماس :
تكفين انبح حلقي وانا اقول للدن خلينا نروح نشوف وتعيي خايفة تقول لو درى ابوي ذبحنا
أيدتها وِصال بحمس وهي تقف :
الحين هو لاهي بالرجاجيل تكفون وش دراه ؟
واذا شافنا ولا شيء بنقول كنّا نتمشى ووصلنا هناك ماشفنا شيء ولا درينا عن شيء
ويادار مادخلك شر
وقفت وِهاد وهي تريد ان تقبل رأس وصال التي رفضت بمزح :
لا تحرجيني ياعمتي!
رفعت الجوهرة يديها بهدوء :
انا ما راح اروح
وضعت لدن رأسها على كتف الجوهرة وهي تحتضنها من كتفيها :
حتى انا ماراح اروح معكم بقعد مع بنت اخوي العاقلة
ابتسمت شادن وهي تنسدح على لدن :
حتى انا مالي خلق روحوا وانتبهوا لعمتي لا يتعبها الغبار بعدين يقولون اهل السعودية امرضوها
كشرت فهدة بملامحها بغضب :
ييع ياكرهي للبنات العاقلين! لحد يسمعكم بس يحسب اننّا رايحين نحرر فلسطين اقصاها مخزن نشوفه ونرجع
لمى وهي تأخذ معها بيالة شاهي :
طيب اخاف انه مقفل
تعرفون وين مفاتيحه ؟
قاطعتها وهاد بحماس وهي تأخذ العكازات :
قد شفت قفله قديم مرة بطقتين بينكسر مايحتاج مفتاح
قاطعتهم أفنان بغضب :
شاطرين حبايبي كملوا خططوا اذا خلصتوا علموني اصفق لكم!
سحبت عكازها بقوة من يدين وِهاد :
ناويين بتروحون بأغراضي وانا وين اروح ؟
ابتسمت فهدة بغباء :
تووحين معنا
ضحكت افنان بسخرية :
ماشاء الله على الذكاء! وشلون وانا مافيني عظم صاحي ولا اعتمد عليك زي قبل شوي عشان تتركيني وتروحين ؟
غمزت لها وصال بخبث :
حتى لو تركناك ورحنا لا تخافين ماراح تضيعين
رمتها افنان بكلتا عكازيها بغضب خجول :
ياشين البزر لا قالوا لها سالفة
رمت عكازها عليهم بزعل وهي تنظم إلى مجموعة الباقيات :
روحوا لحالكم
أخذت وِهاد العكازات وسحبت فهدة التي كانت ستعود لتراضيها :
إذا رجعنا راضيها اما الحين بنروح قبل ماتصفى علي لحالي
خرجوا كلهم بعد أن أخذوا احتياطاتهم لمواجهة أي شاب بالخارج

بجهةِ آخرى | كان مجلس الرِجال
يضج بالحديث والتخطيط والسؤال عن زواج ثنيان & شذى
رغم تكتم حاتم التام وإعتزاله حديثهم لينظر الى الأرض بهدوء وكأن الموضوع لا يعنيه
كان حماس ثنيان الطاغي عتم على إعراض حاتم
لينسجم الكل معه بإستثناء سياف
الذي عاد بأبنته للداخل حتى يحرص شادن ان تثقل ملابسها بعد ان هبّ هواء بارد والاطفال بالخارج
لف سلطان بحرص على ذياب الذي نهض مع جلوي حتى يعودون الى دواماتهم
خجولًا من كرم والده في ملكة ثنيان
لم يصافح سلطان ولم يعبر احدًا منهم ولكن اكرم ثنيان وتبادل الحديث مع سياف على امتضاض. لن يلومه
بل " عدّاه العيب " اكرم و وجب وعمل بأصله رغم ماحدث ، تنهد بداخله بحسرة :
ماجاك منا طيب
يوم ان الطيب لغيرك حرام!
اردف بصوتٍ جهوري :
ياذياب قبل يتحدد العرس وقبل ندعي الجماعة
حرص على ابوك يكون اول الحضور
تراه ألزم ماعلي من الحاضرين
وغير اني بجي بنفسي انا وحاتم وثنيان نبلغه الدعوة والدعوة بتوصله وبتوصل اهلك القريب والبعيد
ولا يتغيب من الكويت احد
ان جوا ولا جيت بنفسي اجيبهم
ضحكت ذياب بسخرية وهو يهم بالخروج بلا مبالاه لكل تقدير سلطان :
تعزمونه يشهد فرحتكم بعرس بنتكم اللي حرمتوا ابوي طعمها ؟ ياقو وجيهكم
خرج ذياب لاحقًا بجلوي الذي سبقه من فترة بخطوات سريعة بعد ان استدعوه
والجميع على وجهه علامات الدهشة والصدمة من رد ذياب!
باستثناء سلطان الذي تنهد بهدوء
وهو يتذكر عودة اخته وتعامل ذياب الجاف معه
حتى سلامه معه كان مصافحة حتى لا يثير انتباههم دون ان يقبل رأسه :
معذور !

مروا البنات من المدخل إلى خلف الخيمة ومن بعدها فيي سيب طويل إلى المخازن ليوقفهم صوتًا مرحبًا
وهو يرى صمود التي كانت بطرفهم منشغلة بهاتفها
لإلتقاط صورة إلتفاف الغيم حول القمر بعد أن خرج من الخيمة :
حيّا الله عمة!
ضحكت صمود وهي تحتضنه بحب :
حيّا الله قلب عمة! وينك يالقاطع ؟
قاطع إجابة ذياب صوتًا من مجموعة البنات المتقدمة بمسافة عن صمود
بنبرة ساخرة أردفت فهدة متنرفزة من تردده اليوم اكثر من مرة :
ماشاء الله ياذياب اليوم وظيفتك مرابط في هالحوش
مامن تمر وحدة الا وتليتها
ضحك ذياب وهو يعرفها من صوتها دون أن يعرف أسمها
والسبب علاقته المتشتتة مع أحفاد خالته خصوصًا البنات
ليردف بخبث وهو ينغزها :
موجود بالخدمة
خوفي ينجحد مسكين وينرمى رمية والله ماينرماها يهودي
حشرت فهدة نفسها بين البنات بإحراج لتخفي نفسها عنه وهي تفهمه تحت إستغرابهم من كلامه
بأنه يلومه على حركتها مع أفنان
أكمل كلامه بجدية بعد أن اخبرته صمود أن شذى معهم :
بالمبارك ياشذى
هنيّ حظك طحتي بثنيان والنعم ماشاء الله!
الله يتمم لكم على خير
فركت شذى كفيها ببعض بخجل بصوتٍ منخفض :
الله يبارك فيك واللهم آمين
عقبالك بخيرةٍ البنات
لتردف وهاد بإبتسامة مجاملة حتى تقتطع الحِوار الرسمي :
ماتنشاف الا بالسنة حسنة
ويوم جيت لا اللي قعدت مع الرجال ولا اللي يوم شفتنا سلمت
ضحك ذياب وعيناها تنظر إلى صمود
يتحاشى النظر إليهم :
والله يا أنك تمونين انتي ولكن مين أنتي ؟
لتقاطعه وِهاد بجرأة :
والله من القطاعة
حتى بنت خالك ماتدري ميـ..
قاطعها ذياب بجدية وهو يسد أذنه بتمثيل على أنها مزعجة :
اوص اوص! والله اني أدري انك وهاد
بس قلت لعل وعسى تخيب ظنوني وماتصير ام لسان وش طوله هي
أبتسمت وهاد بإبتسامة إنتصار :
أدري! المعروف لا يعرف
لتقرصها لمى بغضب وهي تهمس بإذنها :
والله مبسوطة بدون لدن عشان تفكينها مع الرجال!
والله لأعلمها ياقليلة الحياء
هز ذياب رأسه بأسف بمُزاح
ليردف بجدية بعد أن شعر بتأنيب الضمير من عِتابها :
المعذرة إن بدر مني قصور
ولكن الظروف تقواني يابنات خالي يالله ألقى وقت أوجب
ولكن إن بغيتو خدمة ترا رقبتي سدادة هذا عمتي عندكم واختي حولكم كلموها توصل لي وابشروا
ولا تخفاني اخباركم ياوهاد عشان اسال
أنا تهمني حتى لو ماشفتكم
أبتسم وهو يتذكر أن سياف أخبره عن
مقر تطبيق وهاد ليرى سمعة فهد ومهنية عمله :
وترا فهد الفهد ونعم الرجل!
تنهد وهو يتذكر أنه مسك قضية وبيده عليهم دليل بسبب دِفاع الجوهرة الذي كان غير محله :
رغم بينا ظروف سيئة تخليه يوقف ضد شغلنا ولكن إنسان أصله يبيض الوجه رائع مهنيًا ومتفاني
اسمه بينفعك كثير بعد التخرج ووصيته عليك
بس الظروف ماتخليني اشوف الا الجوهرة بحكم العمل وافنان بحكم انها مريضتي يافهدة!
لفوا كلهم على فهدة بتعجب بأستثناء وِصال التي كتمت فمها بيدها لا تضحك
مشى ذياب ليكملون طريقهم
تسحب وهاد أذن فهدة بإستنكار :
وش مهببة عند الرجال فضحيتنا ؟
ضحكت فهدة وهي تسحب أذنها بألم من كفها :
والله لو ما ادري ان فضايحك بتغطي على فضايحي ماكنت قلت شيء
ضحكت صمود وهي ترفع شعرها للأعلى وتربطه بطرف خصلتها :
ترا والله ولد اخوي على ويهه خنت حيلي
لو شلون ماياخذ بخاطره ولا ينقد عليكم
ضربت وهاد بطرف العكاز مرة ومرتين والثالثة كانت بقوة!
كانت الضربات المتتالية بقوة تزداد ؛ تمحق قوة الحديد
التي غطاه الصدأ حتى سقط عند اقدامها بقوة مصدرًا ضجة
دفعت طرف الباب بقدمها ليصدر صوت صريرًا وهو يعود للخلف ببطئ
دخلوا جميعًا


هاجر جوده غير متواجد حالياً  
التوقيع
"وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم." ❤




رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:08 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.