آخر 10 مشاركات
الضياع - بقلم الكاتبة ضي الشمس *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : قصص من وحي الاعضاء - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          178 - قيد الوفاء - سارة كريفن - روايات عبير القديمة(كامله)** (الكاتـب : أمل بيضون - )           »          على خطى مشاعرها * مميزة *,*مكتملة* (الكاتـب : واعدة - )           »          1001 - مهما كان الثمن - روزماري هاموند - د.ن ( إعادة تنزيل *) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          أحلام موؤدة - قلوب زائرة - بقلم المبدعة: Roqaya Sayeed Aqaisy *كاملة+الروابط* (الكاتـب : Roqaya Sayeed Aqaisy - )           »          458 - الحب السامي - د.م - حصريا (الكاتـب : OnLyG!Rl - )           »          خفقات هاربة -قلوب زائرة- للكاتبة الرائعة: Roqaya Sayeed * كاملة & الروابط* (الكاتـب : Roqaya Sayeed Aqaisy - )           »          بين أنياب الوحش(64) شرقية- للرائعة: منى لطفي(احكي ياشهرزاد)مميزة*كاملة&الروابط* (الكاتـب : منى لطفي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree2Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 31-07-18, 06:16 PM   #21

إبنة القمر
عضو موقوف

? العضوٌ??? » 428447
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 48
?  نُقآطِيْ » إبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond repute
افتراضي إبنة القمر



و اللّٰه حرااااااااام .... السؤال الوحيد الذي يفتك بدماغي الآن هو ماذا فعلت لرائف.... لماذا يكرهها بهذا الشكل القبيح؟! فصل في قمة الروعة رؤى و بدر قطعولي قلبي لما ودعوا والدتهما إلهام.. و الذي زاد من رعبي هو قول الدكتور نادر بأن رؤى خطيبته يا ويلس ماذا ستكون ردة فعل رائف مع أنني شبه متأكدة أنه لن يفعل شيء جنوني بعد الآن لأنني إستنتجت بأنه رغم وحشيته و قسوته و شراسته الكبيرة إلا أنه من الأشخاص المفكريين ثم المذبرين ثم المنتقمين....🙊🙊🙊🙊🙊 أتمنى أن تأخد الأحداث مجرى آخر على الأقل حتى تشفى رؤى من أزمتها النفسية.... في إنتظار التتمة اليوم 😘😘😘😘😘😘😘


إبنة القمر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-07-18, 06:27 PM   #22

إبنة القمر
عضو موقوف

? العضوٌ??? » 428447
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 48
?  نُقآطِيْ » إبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond repute
افتراضي إبنة القمر

وشيء اخر نسيم والدها أين هو .. شيء ما يخبرني أنه في مكان بعيد ولا يستطيع التواصل مع عائلته ربااااه ماذا حدث لهذه الأسرة الصغيرة ؟ 😣😣😣😣 و لماذا تشتت بهذه الطريقة؟ أنتظر الفلاش باك على أحر من الجمر كي تتوضح لي الصورة جيدا

إبنة القمر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-07-18, 06:34 PM   #23

إبنة القمر
عضو موقوف

? العضوٌ??? » 428447
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 48
?  نُقآطِيْ » إبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond reputeإبنة القمر has a reputation beyond repute
افتراضي إبنة القمر

الحمد لله ان الفصل اليوم ☺☺☺☺


إبنة القمر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-07-18, 06:48 PM   #24

يوجّين
 
الصورة الرمزية يوجّين

? العضوٌ??? » 410657
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 326
?  نُقآطِيْ » يوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Gigi.E Omar مشاهدة المشاركة
وااااااااو طريقتك في كتابة المقدمة روووووووعة ..... الابطال هما حروف اسم الرواية يغنوا و يرقصوا 😍😍😍


دخلتي في أول الفصول على الشر على طووول .... انتقااام وبطريقة فظيعةة جدااا .... يا ترى الانتقام بسبب صفعة فقط !!!!!!! و لا فيه اكتر من كدا ؟؟

ايه حكاية البسكويت اللي رائف جابوا لرؤى في أول الفصل ؟؟

رؤى عندها أمين!! ريهام و ندين ..... عرفت ان ندين امها الحقيقية طب سابتها ازااي و ريهام هي الي ربتها ؟؟؟

نسيم جوز ريهام عايش و لا ميت ؟؟؟

هو بدر ابن ريهام بردو ؟؟؟ ووهو ابنها عايش مع ندين ليه ؟؟

رائف و قصيل دوول مجاااااااااااااااااانين عايزين مستنشفى المجانين !!!! دول كانوا هيقتلوهم !!!!

واضح ان حياة رائف مش سهلة و ملياانة غمووض ....

رامي من ماضي رنيم قصته معاها ايه ؟؟؟

نادر قال ان رؤى خطيبته ...... يا ترى المجنون رائف هيسكت ....

في اخر الفصل الثاني رائف قال رؤى حسن اسماعيل !!!!!! هي رؤى مش بنت نسيم ؟؟!!!

طبعا الرواية من اولها غمووووووض و دا اللي بحبه جدااا و عجبتني جدااااا

متشوووقة جداا للجااااي 🤔😇



مرووورك الأروع حبيبتي.... أسعدني حقا انروايتي قد نالت اعجابك امممم و هل تظنين ان انتقام رائف الوحشي ذاك سببه صفعة واحدة فقط ابنة البحار رنيم قصتها قديمة مع رامي و سيتوضح كل شيء فصل هذا اليوم... اما رؤى فهي إبنة نسيم حقا و ساكشف عن مكان تواجده عما قريب عزيزتي انا ايضا اميل للغموض و بقوة لكن كل شيء سيتوضح في الفصول الأولى... ترقبي أحداث فصل هذه الليلة🌷🌷🌷🌷🌷🌷


يوجّين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-07-18, 06:52 PM   #25

يوجّين
 
الصورة الرمزية يوجّين

? العضوٌ??? » 410657
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 326
?  نُقآطِيْ » يوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond repute
افتراضي

[COLOR="Navy" أجل الحمد لله[/COLOR]
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إبنة القمر مشاهدة المشاركة
الحمد لله ان الفصل اليوم ☺☺☺☺


يوجّين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-07-18, 06:55 PM   #26

يوجّين
 
الصورة الرمزية يوجّين

? العضوٌ??? » 410657
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 326
?  نُقآطِيْ » يوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إبنة القمر مشاهدة المشاركة
وشيء اخر نسيم والدها أين هو .. شيء ما يخبرني أنه في مكان بعيد ولا يستطيع التواصل مع عائلته ربااااه ماذا حدث لهذه الأسرة الصغيرة ؟ 😣😣😣😣 و لماذا تشتت بهذه الطريقة؟ أنتظر الفلاش باك على أحر من الجمر كي تتوضح لي الصورة جيدا



لا تقلقي على نسيم ههه سوف تعرفين اين كان طوال احد عشر عاما


يوجّين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-07-18, 06:59 PM   #27

يوجّين
 
الصورة الرمزية يوجّين

? العضوٌ??? » 410657
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 326
?  نُقآطِيْ » يوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إبنة القمر مشاهدة المشاركة
و اللّٰه حرااااااااام .... السؤال الوحيد الذي يفتك بدماغي الآن هو ماذا فعلت لرائف.... لماذا يكرهها بهذا الشكل القبيح؟! فصل في قمة الروعة رؤى و بدر قطعولي قلبي لما ودعوا والدتهما إلهام.. و الذي زاد من رعبي هو قول الدكتور نادر بأن رؤى خطيبته يا ويلس ماذا ستكون ردة فعل رائف مع أنني شبه متأكدة أنه لن يفعل شيء جنوني بعد الآن لأنني إستنتجت بأنه رغم وحشيته و قسوته و شراسته الكبيرة إلا أنه من الأشخاص المفكريين ثم المذبرين ثم المنتقمين....🙊🙊🙊🙊🙊 أتمنى أن تأخد الأحداث مجرى آخر على الأقل حتى تشفى رؤى من أزمتها النفسية.... في إنتظار التتمة اليوم 😘😘😘😘😘😘😘


أانا أيضا حزنت كثيرا عندما كنت اكتب بارت وداعهم.... 😔😔😔 قد يكون تخمينك صحيح في أن رائف لا يفعل شيئا يؤدي رؤى مرة جديدة لكن ليس لوقت طويل..... شكرا عزيزيتي 💛💛💛


يوجّين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-07-18, 07:03 PM   #28

يوجّين
 
الصورة الرمزية يوجّين

? العضوٌ??? » 410657
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 326
?  نُقآطِيْ » يوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond repute
:sss4: إبنة القمر

لكل من يتابع معي روايتي شكرا على تعليقاتكم الجميلة المشجعة... أتمنى أن تكونو في الموعد إن شاء اللّٰه الليلة سينزل الفصل الثالث و هو قيد التدقيق الآن أحبكم 😌😌💛💛💛💛💛💛

يوجّين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-08-18, 02:52 AM   #29

يوجّين
 
الصورة الرمزية يوجّين

? العضوٌ??? » 410657
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 326
?  نُقآطِيْ » يوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond repute
افتراضي (.............سرايا رائف...............)

الفصل الثالث




بعد مرور شهر)


- أهلا و سهلا بدكتورتنا الحبيبة طال غيابك يا شقية!!..
قالتها سعاد بسعادة و هي تضم رؤى إليها في حب فهتفت هذه الأخيرة بفرح تداري به شوقها الكبير: يا حبيبتي إشتقت إليك كثيرا..!!.
ثم ضمت كفيها بحرارة و هي تتنهد في بأسف:آسفة لأنني لم أستطع أن أكون بجانبك في الآونة الأخيرة... كيف حالك و حال بدر بعد سفر والدتكما؟!..
وضعت رؤى كفها على شفتي سعاد هامسة بنبرة متحشرجة: كل الأمور بخير..!!.. و لا تقولي ذلك مجددا... أزمة و قد مرت بسلام و ها أنا ذا قد عدت لعملي من جديد.. أين رنيم؟!!
إبتسمت سعاد وسط إستطرادها المرح هاتفة: في المكتب لقد إنتظرتك طويلا..
فتوجهت إلى المكتب كفراشة تضم النسيم بجناحيها فوق السحاب ثم فتحت باب المكتب بقوة هاتفة: رنيم...!!...
إنتفضت رنيم إثر هتافها فإتسعت عيناها بفرح كبير و هي لا تصدق من يقف أمامها أخيرا..!!. تأملت رفيقة دربها لدقيقة كاملة و قد مر شريط تلك الأيام السوداء أمام ناظريها مجددا فإنقبضت روحها بقوة.. توجهت بخطوات مرتعشة و وقفت صوب رؤى و قد إمتلئت مقلتيها بالدموع قائلة بحشرجة بعدما ضمت خد رؤى بكفها الأيمن: هل أنت هنا حقا يا رؤى؟!!.. أنت هنا صحيح؟!! صديقتي العزيزة..
ضمتها رؤى بقوة تقول بهمس: ما الذي حدث؟! هل ظننت بأنني سأبقى قابعة وسط حزني و شجني مدى الدهر؟!! حمقاء!!... أنت حمقاء!!..
ضحكت رنيم وسط دموعها و هي تشعر بأن روحها قد عادت إليها من جديد بعودة رؤى للعيادة بعد طول غياب فقالت بدموع: كنت أنتظرك و ظللت أنتظرك كل يوم.. فأنا أعرف بأنك قوية و لا تستسلمين أبدا..
عادت تضمها رؤى بقوة كبيرة بعد هذا الفقذان المؤلم و هي تتأمل كل صغيرة و كبيرة في مكتبها الحبيب مستطردة بعد ذلك بوقت قصير: كفى بكاء!!.. كفى.. رنيم أوقفي هذه الدموع رجاء و دعينا ننسى.. لقد نسيت أنا.. و كل شيء أصبح من الماضي عزيزتي و اليوم..
توقفت تسترد أنفاسها المتحشرجة فتكمل مجددا بنبرة عميقة: أحس بأنني كتبت لي حياة جديدة.. أنا سعيدة جدا كوني عدت لعملي وعدت إليك و للعيادة.. أنتم حياتي!!..
إستنشقت رنيم عبير عطرها بإنتشاء بعد آخر ضمة فمسحت دموعها و الفرح عاد ليملأ كل خلايا جسمها الميتة: مرحبا بك.. شرفت العيادة يا دكتورة رؤى..
حدقت رؤى في طاولة المكتب عاقدة حاجبيها فتكلمت رنيم و قد فهمت مغزى نظراتها اليتيمة قائاة بصوت حنون: تبحثين عن صورة عائلتك؟!! إنها هناك.. فوق الكومود بجانب الكتاب..
تنهدت رؤى بإرتياح و هي تتجه نحو الكومود فأخدت الصورة بين كفيها و حدقت إليها طويلا.. صورة عائلتها الحبيبة..!!..ضمتها لصدرها تهمس لها بإبتسامة و كأنها تحادث شخصا أمامها: لا تتركي مكانك ثانية..!!.. مكانك بجانبي فوق المكتب.. بقربي يا أغلى من حياتي!..
ثم إلتفت نحو رنيم التي كانت تراقبها في سعادة غامرة و هي تردف من جديد كسجينة تحررت من جميع قيودها: لنخرج بعد قليل أريد أن نتمشى مع بعض بجانب البحر.. لم نفعلها منذ زمن أليس كذلك؟!!
فتنهدت رنيم بإرتياح و سرعان ما قالت بصوت حنون: أكيد.. لنتجول بعد الظهيرة و نتحدث قليلا...!!..

*******

-أيها الرجل!!.. إنتبه لما دهست قدماك..
صرخت بها العجوز ساخطة بصوتها الرخيم و عيناها قد إستقرتا على ظهر رائف المتخفز.. فإلتفت للوراء ينظر إليها بقنوط و هو يقول: هل كلمتني أيتها العجوز الحمقاء؟!..
بحلقت فيه العجوز بكره تتقدم متكأة على عصاها كي تقف بجسدها المحذب و قد أعياها الدهر قائلة بصراخ: من تحسب نفسك أيها الولد؟!! كيف تدهس لقمة عيشي و تسير كأنك لم تفعل شيئا؟!!... حثى أنك لم تعتذر أيها المتكبر.. و لكن أنتم الأغنياء لا تنظرون للفقراء أبدا.. تبا لعالمكم العفن!!
فتوقفت تسترد أنفاسها وسط نظرات رائف الجامدة ثم أكملت وابل شتائمها من جديد: لما لم تعتذر؟!! ألم تعلمك والدتك الإعتذار؟!! تبا لكم..
إقترب منها رائف بضع خطوات و أخرج مبلغا ماليا من جيب سترته و رماه في وجهها قائلا بقرف: هل تريدين المال أيتها العجوز الميتة؟! حسنا خديه و كفي عن الشتم.. هاهو!..
إشتعلت نظرات العجوز بشراسة بعدما ضربت الأرض بعصاها قائلة بقوة و عيناها تلتهمان الأخضر و اليابس في تلك اللحظة:من تحسب نفسك؟!! هل تضن بأن نقودكم العفنة سوف ترد لنا كرامتنا التي سلبتومها منا أيها المجرمون؟!! تبا لكم.. و سحقا لأمثالكم.. هيا ضع التفاح الذي أسقطتَه أنت في سلته و أغرب عن وجهي..
هنا نظر إليها رائف مطولا و جمود عينيه لم تزعزعه شتائم العجوز.. تأمل التجاعيد في وجهها بل إستطاع رؤية حث تجاعيد قلبها المسن.. فلم يحرك لها جفن و جل ما فعله هو الإنحناء و جمع التفاح المرمي على الأرض و وضعه في السلة بإنتظام ثم إقترب منها أكثر فتحدث ببطء شديد قائلا بقسوة: لم أنتبه..آسف منك أيتها العجوز الميتة.. لكن مرة أخرى لا تحكمي على الآخر من مظهره يا حكيمة و إلا...
فتوقف محدقا إليها لبرهة بينما هي كانت قد أشاحت بوجهها بعيدا عنه و هي لا تزال تشتم تحت أنفها ثم أكمل إستطراده القاسي جدا: و إلا قطعت لسانك يا إمرأة فأنا لن أتردد في فعل ذلك أبدا صدقني.. أحب أمثالك كثيرا و أعرف كيفية التصرف معهم..

********

نظر رائف صوب الشخص المتكئ على السيارة السوداء المركونة بجانب البحر فتقدم ببطء ثم إتكئ بدوره عليها متأملا البحر في سكون و بعد بضع دقائق كان يقول في جمود: ما الذي تفعله هنا؟!! لا تقل بأنك تنتظر مني تفسيرا..؟!
أشاح قصيل بوجهه عنه بالكامل فإستطرد بنبرة جافة: أردت البقاء وحدي قليلا لم أحسب أنني سوف ألتقيك أبدا.. غريب!!..
ثم نظر صوب مرآة السيارة لتجابهه صورة رائف المنعسكة كإنعكاس قوس المطر على النهر.. حدق إليها قليلا فأردف بنبرة ساخرة من جديد: لم أحسب أنك سوف تقول ذلك في الشركة هكذا إذن... لقد إنقلب السحر على الساحر..!!..
لم يصله أي رد من رائف الذي بدا له بأنه كان يغوص بنظراته في الأفق البعيد لا يستمع لحديثه أبدا فقال قصيل بصوت هادئ يملأه السخرية من كل جانب: كلامك هناك كان بمثابة أعيرة نارية يقع مسامعي.. الأمر غريب حقا أن أشعر بهكذا شعور...!!..أنك لم تعد ثتق في..!!..
ضيق رائف عينيه و قد قست نظراته بشراسة عريبة و هو يقول بعدما إستدار و حدق لعيناي قصيل مليا: لن تستطيع فعل ذلك مهما حاولت هذا ما قصدته في الشركة أنذاك.. قلت لا أثق فيك يعني أني لا أثق في قدراتك فتلك معركتي وحدي..!!
فأجابه قصيل بهمس: غير صحيح.. الذي قصدته كان واضحا يا رائف.. أنت لم تعد تثق في و لم تعد تعتبرني كأخ لك..!! هذا مؤسف حقا..!!..
إبتعد عنه رائف قليلا فنظر نحو البحر مرة جديدة جعل قصيل يقنط من جموده ذاك و لامبالاته إلا أنه أردف بعد ذلك بقوة أجفلت قصيل: لن تستطيع فعل ذلك.. لن تستطيع تهريب الأسلحة.. الأمر فيه خطر كبير..
فتكلم قصيل بتهكم و هو يقترب من رائف بعدما وثب خلفه: أذكر أن عمي كلفنا بالمهمة معا.. فأين هو الخطر حضرتك؟!! قل أنك مللت مغامرتنا معا.. و تريد الحصول على لقب البطل كما السابق..ظننتك قد تغيرت..
تحفزت جل عضلات رائف فهمس بهدوء و قد إتسع بؤبؤ عينيه بقسوة بعدما إستدار إلى قصيل و حدق إليه بشراسة: رائف لا و لن يتغير أبدا.. إحفظ هذا جيدا يا إبن عمي!!
إهتز جسد قصيل بإرتعاشة خفيفة فتبسم إبتسامة شاحبة وسط نظرات رائف الغير المفهومة المصوبة نحوه كسيف قاطع و هو يقول بغصب مكبوت: لن أنساه أبدا سوف أحفظه جيدا يا لا رائف عبد الناصر الوغد.!!..
توقف لحظة من الزمن ينظر لرائف كغريب
ثم أشاح بوجهه عنه كليا و قد تحفزت جميع عضلات فك إبن عمه مرة جديدة بعصبية فلم يكن له إلا أن إستدار فجأة و مضى بعيدا عنه و بعد لحظان كان يستشعر شبح قصيل يختفي من وراءه شيئا فشيئا و هو يكرم صمته بصرير سيارته المزعج التي إنطلق بها كالشعلة النارية..
في حين هو بقي يحدق للبحر و يهمس في هدوء قاس: أنت لا تفهم...!! أبي يريد توريطك لا غير و أنا.... أنا... تبا!!.. ما شأني بك يا قصيل الغبي فلتفعل ما تريد...!!

*********

-أثار.. هل أنت بخير؟!..
نطق بها زيد بلطف و في نبرته خوف خفي و هو يطرق الباب برفق فتنهدت هذه الأخيرة بصمت ثم هتفت من الداخل: أنا بخير.. سوف أغسل وجهي و أخرج يا زيد لا تقلق علي..
إستشعر زيد إرتعاش صوتها فأجاب على الفور:إفتحي الآن يا أثار أعرف أنك تبكين في الداخل.. أنت لن مكشوفة..!!..
تكلمت بقنوط و هي تضم ركبتيها بقوة: قلت أنا بخير.. أنا لا أبكي إنتظر قليلا و سوف أخرج..
فرفعت رأسها بتثاقل بعدما حل عليها ذلك الصمت الغريب.. فتسائلت:هل حقا غادر؟!! هذا لا يعقل؟!!
ثم همست باكية:ليست عادتك يا زيد.. لما تركتني؟!!
حاولت النهوض بعد بكائها المرير فترنحت بعدما شعرت بالدوار يتملكها.. أمسكت بمقبض الباب إثر إسترجاعها لأنفاسها ففتحته لتتسع عيناها بإرتياع واضح لما وجدته لايزال واقفا ينظر إليها بنظرات يصعب تفسيرها.. فتحت فاها وسط دموعها الكثيفة فإبتسم زيد و هو يضم خدها بحنية قائلا:هل إنتهيت من البكاء؟!!.. لزلت تبكين كالصغار.. لم تتغيري أبدا.. أبدا يا أثار!!
نظرت إليه زوجته بنظرات باهتة فتألم في صميمه ثم إبتلع ريقه متأوها بعدما ضم رأسها لصدره و تكلم في أدنها هامسا: ماذا تريد حبيبتي؟!! قولي فقط..هل تريدين رنيم؟!! أخبريني ما تودينه و أعدك بتحقيقه في أقل من نصف ساعة..
هزت أثار رأسها رافضة و هي تقول: لن تقبل يا زيد.. إنها تكرهني.. رنيم إبنتي باتت تكرهني من صميم قلبها.. لم تعد تتحمل حتى رؤيتي..
فضربت على صدرها وهي تشعر بخفقات قلبها تصدح بقوة: أتدري ما قالته لي؟!! أنا السبب في موت والدها.. نعتتني بالقاتلة يا زيد..
كيف إستطاعت ذلك؟!! كيف يا زيد؟!! كيف؟!!
أكاد لا أصدق أنها تلفظت بذلك..
ثم إبتعدت تمسح دموعها و إلتفتت تحدق فيه بمقلتيها الدامعتين طويلا لتهمس بعد ذلك بحشرجة: هل حقا أنا السبب في موته؟!! هل إنتحر بسببي؟!! فليشهد اللّٰه أنني لم أخنه معك.. لم أخنه!!..
إتسعت عيناه بقسوة فإقترب منها و هزها من ذراعها و هو يكز على أسنانه بقوة: ما الذي تقولينه يا أثار؟!! أنت لم ترتبكي شيئا خاطئا في حقه.. هو الذي إنتحر نحن لم ندفعه لذلك.. ضعفه و قلة إيمانه هما ما دفعانه لفعل ذلك..
ثم زاد من شد ذراعيها فوجلت وسط نظراته القاسية و هو لا يزال يكمل: و كذلك قلة حبه.. لو كان يحبك لما طلقك و رماك لسهام الحياة القاسية..أقسم أنني أردت أن أعاقبه بأقصى الطرق لو تركتني أفعل ذلك عن طيب خاطر..هو ثام بإيداك كثيرا و أنا لن أسمح لأي مخلوق بأديتك من الآن فصاعدا.. حثى لو كانت إبنتك رنيم.. حثى لو كانت رنيم يا أثار..
تركها ببطء تتنفس الصعداء وحدها ثم خرج..إستند على باب الغرفة بحزن و قد عادت قذيفة من الذكريات المأساوية لحياته من جديد..

(........قبل عامين.......)

أشرقت الشمس من جديد..
فإلتمع قوس المطر بألوانه..
كفراشة خريف ذهبية..
تذكرت ذكريات الأمس..
وسط ضحكات الهمس..
- يا أبي!! هل هذه الكلمات لائقة لتقديم المسرحية؟!! لم أعد أفهم شيئا فقد نسيت معظم الحوار!!
قالتها رنيم بحزن فإلتفت والدها محدثا إياها بمشاكسة: معقول!!... إبنة البحار تنسى.؟.!!..
فرمت رنيم القلم ببؤس ثم نظرت للبحر بقلق و وي تهمس وسط نظرات والدها الغائرة: ما هذا يا؟!! لقد كبرنا على المسرحيات السخيفة كل هذا بسبب رؤى الحمقاء.. قال مسرحية أطفال قال.. ماذا أفعل الآن يا أبي؟!!
أجابها ضاحكا و هو يشوي السمك:لا تفعلي شيئا؟!! إسبحي إن أردت..
فغرت رنيم فاها ببطء فتكلمت ببرود و قد إختنقت من الدخان: يا إلهي!! أنت لا تُصدق أبدا أنا فين و أنت فين..سوف أجلب بعض الماء أتحتاج شيئا مني؟!!
تنهد قائلا بأريحية: لا يا نور عيني.. عودي بالسلامة فقط..
لمعت عيناها بشدة جواره فإبتسم محدثا إياها بسعادة قائلا: لم أصدق عيناي عندما رأيتك يا إبنة البحار المغامرة..!! أنت تحفة بحق..
لكزته رنيم بخفة في ذراعة ضاحكة و هي تقول و السعادة تقطر من ملامحها الشابة:و أنا أيضا أيها المتهور.. لماذا كنت تسبح في هذا البرد القارس..
أجابها رامي بمكر: ليتنا كنا نسبح معا.. كان الأمر سيكون ممتعا جدا
إشتعلت عينا رنيم بشراسة و هي تهتف وسط تورد خديها: أصمت!! أصمت أيها الوغد!!
ثم جرت من أمامه صائحة: سوف أرحل.. أنت لا تستحي أيها ال..
ضحك رامي و هو يتكئ على السيارة يتأملها عن بعد هاتفا و عيناه لا نحيدان عن جسدها الرقيق: أيها ال.. ماذا؟!! أكملي يا سيدة الحسن و الكمال.. ماذا قلت حتى تشتمينني؟!! ألهذه الدرجة كلامي أصبح سيئا.. متعجرفة!!
_ آنسة رنيم!!
إلتفتت رنيم للصوت الرجولي المؤدب ففغرت فاها للشخص الواقف وراءها ثم تكلمت مشيرة لنفسها: عفوا.. هل ناديتني؟!!
إبتسم السيد مطمئنا: إذن أنت هي.. لم يكذبوا في وصفك أبدا.. هل تتحدثين دوما في الطريق هكذا؟!!
نظرت رنيم بإرتباك لرامي فإرتعبت من نظرته الصقرية نحوهما و هو يجفف شعره بعيدا قائلة: لا.. كنت أتحدث مع رفيقي إنه هنااك..
ثم أشارت نحوه..توجه رامي نحوهما بخطوات بطيئة فنظر في عيناي رنيم مباشرة قائلا بهدوء:من يكون؟!!
تمهلت رنيم في الإجابة فأشاحت ببصرها عن رامي تحدق في عيناي الشخص بتمعن ثم قالت بنفس الهدوء: لا أعرفه.. لقد نادني للتو بإسمي فإلتفت كي أرى و يبدو أنني لن أُسر في هذا اليوم..
أجابها الشخص مطمئنا:هل لنا أن نتكلم على إنفراد آنستي!!
إتسعت عينا رامي بشراسة منتظرا إجابة رنيم كموج هائج فقطعت رنيم ذلك الصمت مردفة بنفس الطمأنينة: لنتحدث هنا أيها السيد ماذا تريد مني؟!!
أجابها مترددا: أنت إبنة أثار أليس كذلك؟! أنا أكون زوجها و إسمي زيد..
مد يده ينتظر مصافحتها فلم يجد إلا البرود يقطر من عينيها و كفها قد وضعتها في جيب سترتها.. نظرت إليه بعدما إتسعت عينا رامي فأجابته وقد إبتعدت خطوة للوراء وسط بشاشة ملامح وجهه الوسيمة قائلة بهدوء: و ماذا بعد؟!! هل جئت لتخبرني بهذا فقط أيها السيد المحترم؟!! هل هي من أرسلتك لتقابلني؟!!
فإبتسمت بفتور قائلة: أي وجه لكما تستطيعان الظهور به بعدما حطمتمونا؟!!
ثم كزت على أسنانها بشراسة ذئبيه قائلة و العنف صار يطل من جميع نوافد جسدها: أغرب عن وجهي.. أغربا عن حياتنا.. لقد حطمتمونا بما فيه الكفاية...!!
إنعقدا حاجبا زيد بحزن فقال: ليس هذا ما أراه يا رنيم! أما آن الآوان للقياك بها.. إنها بحاجة إليك و تريدك بجانبها هي لا تخبرني بشيء.. لكني كلما أنظر في عينيها أرى الألم و الحاجة.. إنها تتألم لأنك تكرهينها لقد تحملت الكثير.. أي أم كانت لن تستطيع التحمل مثل ما تحملت هي..
صرخت رنيم بقوة شاعرة بغصة في حلقها و عينين حمراوين: إذن بلغها سلامي و قل لها بأنها سوف تتحمل إلى ما لا نهاية يا سيد زيد!! لأني سوف أظل أكرهها طوال حياتي..
من ذلك اليوم المشؤوم الذي فضلتك على أبي و علي لم تعد تجمعني بها أي صلة..
ثم إستدارت بقوة لتتفاجئ لرؤية والدها أمامها نظرت إليه بخوف فإرتعبتت من منظره ثم تمتمت و هي توجه بصرها لرامي بقلق: أبي!!
رمى والدها شبكة الصيد بعنف فتجاوز كل من رامي و إبنته ثم أمسك بياقة زيد صارخا:ما الذي يفعله شخص حقير مثلك هنا؟! هيا أخبرني هل أرسلتك الخائنة لتأخد إبنتي مني؟!
تدخلا كل من رنيم و رامي كي يبعدانه بقوة فلم يفلحا..بكت رنيم بيتم بينما زيد نجح من الفكاك من قبضته الصلبة فدفعه عنه بقوة قائلا بغضب كبير: ما الذي تفعله أنت؟!! من أين أتيت بهذه الوحشية؟!!
فصرخ والد رنيم في صقيع الصباح المزكى بعطر البحر بقوة: أقتلع عينيك إذا إقتربت من إبنتي أفهمت؟!! أقتلع عينا كليكما إن تجاوزتما الحدود؟!
نظر إليه زيد بشراسة موازية لشراسته و هو يستطرد من دون شفقة: الآن عرفت لما إختارني أنا و لم تخترك أنت أيها الصياد الأعمى!!
تيبست رنيم في مكانها و كأن كلام زيد عرى كل شكوك رحيل أمها فتمتمت: إخرس إخرس..
فتوجه زيد بنظراته إليها فتمتم حزينا بدوره: صدقيني لم أكن أود هذا اللقاء بيننا يكون هكذا يا إبنة الصياد.. لم أرد أن تصير الأمور على هذا النحو..
ثم أعاد حدقتيه الصلبتين لوالدها و هو يكمل:أيها الصياد الغبي!! لا تنعت زوجتي بالخائنة ثانية و إلا أنا من سأقتلع حنجرتك من رقبتك و قلبك من صدرك و كل أعضائك أيها الأعمى!
زوجتي شريفة يا قليل البصر! لو كنت ترى و لو قليلا لكنت رأيت أنها لم تحبك و لا ثانية.. زواجكما كان خطيئة.. لكن لن أصب غضبي عليكما بل على عائلتيكما المريضة التي أودت بكما لهكذا مصير..
الآن لم يعد يتحمل الصياد قسوة كلام زيد فثار مجددا بعدما دفع رامي بقوة و تجاوز إبنته بقوة.. أمسكه مجددا و بدا بلكمه لكمة تلو الأخرى..فلم يعد يتحمل زيد ثم أمسك يده بقبضته و لوها بقوة فأسقطه أرضا هاتفا: أنت لا تفهم.. هي لم تخنك لم تخنك أيها الجاهل..ذلك اليوم إلتقيتها بالصدفة لكن لأكن صادقا معك هذه المرة..
سكت يسترد أنفاسه قليلا ثم كز على أسنانه بشراسة هامسا: طلبت منها الهروب معي.. لكنها أبت أتدري لماذا؟!! لأنها قالت أنها متزوجة و لا يمكنها ذلك..قالت هذا غير صائب يا زيد!!
أتردي بما أحسست أنداك؟! أحسست أنني فقدتها و إلى الأبد.. لكني حمدت اللّٰه أنك وجدتنا مع بعض و فهمت الأمر خطأ بعد ذلك..
تبسم زيد بسخرية و الجنون قد تملكه بقوة و هو لا يزال يكمل بصوته القاسي : بعد ذلك رميتها في الشارع يا لا شهامتك أيها الصياد! رميتها حثى من دون أن تسمعها و تمنحك تفسيرا لكل شيئا..
صاحت رنيم بقوة و قد تعلقت بعنق زيد تغرز فيه أضافرها باكية: أترك أبي.. لن أسمح لكم بأديته يا خونة!!
إستدار زيد ينظر إلى رنيم بألم قائلا بغصة مؤلمة: لن أسمح لك بالإقتراب من زوجتي منذ الآن..أنت مثل أبيك تماما.. عمياء!!
فنهض بعنف تاركا كل شيء وراءه ثم نظر إليه رامي بعدم إستيعاب و قد نطق: أنت زوج والدتها.. و أنا الغبي الذي صدق كذبة إبنتها..
بحلقت فيه رنيم غير مصدقة فهتفت: أصمت أيها الوغد!!
صرخ رامي بمثل قوتها: لما أخبرتني بأن والدتك قد ماتت يا كاذبة؟!!
أجابته و قد إشتعلت عيناها بشراسة كبيرة:هذا لأنها هجرتني و أنا صغيرة..
فزادت من وتيرة صراخها قائلة و هي تشير لزيد بكل حقد: هجرتني أنا و أبي من أجل هذا الشخص.. أنا أكرهها..
إستدار زيد مغادرا بعد أن تأملها بأسف غير آبه لدموعها و لا لجهلها...!! شعر في تلك اللحظة بأن صورة الماضي تحفر في دماغه بقوة و أنها لن تكف عن الحفر مدى الحياة...ظ
_ ما الأمر يا زيد؟!! فيما أنت شارد؟!!
إرتعش جسد زيد بخفة ففتح عينيه ليتوجه بحدقتيه نحو رائف المستند على إطار الباب قائلا بهدوء: رائف!! مند متى و أنت هنا؟!!
إلتفت نحوه رائف بملامح جامدة ليردف بنبرة لا تقل عنه هدوء: كنت هنا طويلا حثى أنني سمعتك تنعت أحدهم بالصياد..
ضحك زيد ضحكته المميزة دون رد بينما بقي رائف على هدوئه فإستأنف سيره: قصة طويلة أحكيها لك فيما بعد يا إبن لبيد..
- كنت أبحث عن قصيل هل ظهر لك؟!..
همس بها رائف بنبرة صلدة منغمسة بمرارة إستشعرها زيد سريعا..فأجابه و هو يلبس معطفه قائلا بغرابة: ذلك الولد لم يعد يروق لي طبعه أبدا يبدو أنه يحتاج بعض التأذيب مجددا لعله يعود للصراط السوي..
فإنقبض صدر رائف بشدة ثم إلتفت قائلا بحدة كالسيف: لماذ؟!.. فيما آذاك حضرتك؟!..
صمت زيد لحظة ليردف بعد ذلك بهدوء ثقيل جدا: تعال! لنتمشى سويا لم نفعلها منذ زمن.. منذ زمن طويل يا إبن لبيذ!!
صمت رائف قليلا دون رد فأكمل زيد و هو يبتلع صمته قائلا بسخرية: هل أنت خائف أم ماذا؟! لا تقلق إن لم تحب فكرتي فلا داعي لذلك..
_ جل العائلة مجنونة..
همس بها رائف و قد وثب أمامه فإبتسم زيد قائلا برزانة: لنغادر إذن!!..



_هل أجلب الشاي لكلينا؟!
هتفت بها رنيم و هي تغمس قدميها في مياه البحر بفرح فإبتسمت رؤى قائلة بوداعة: هل تريدين؟! إذا كنت تريدين ذلك فلا بأس؟! فأحاطت رنيم وجه رؤى بكفيها هامسة من جديد: حسنا لك ذلك..
ثم جرت على الرمال بسرور.. بينما بقيت رؤى تراقب البحر شاردة.. همست و قد تلاشت إبتسامة تغرها كليا:
"ها قد عدت وحيدة كما السابق يا إبنة نسيم"
شهقت رؤى بفزع و قد ترنحت من شدة الدوار المفاجئ فسقطت.. رفعت كفها تتحسس تغرها ببلاهة و مياه عينيها المالحة تشق طريقها نحو الأسفل بينما خفقان قلبها إزداد جنونا و هي تدرك ما خلف عبارتها.. تحشرج الصوت داخلها و تقطعت كل أوصال روحها فذرفت الدموع بلا سكن.. ترى كيف نطقت بها؟!! كيف طاوعتها نفسها أن تفعل ذلك؟!! كيف نسيت من تكون؟!!لا!!..هذا ليس خطأ عاديا!! لا لم تفعلها.. لم تنطق بذلك..
و بصدق حدسها في بقعة ضوء خفية تستتر خلف كل الظلام الذي تغلغل بروحها وجدت نفسها تقاوم ضعفها و إرتجافة جسدها لتهمس بيقين: لا.. لست كذلك بالمرة لست أبي.. أنا إبنة أمي فقط إبنة إلهام و لست إبنة أي أحد..
-هل أنت بخير يا آنسة؟!!
همس بها رامي بعد أن أحنى ركبتيه على الرمال فإستدارت رؤى عاقدة حاجبيها بخوف قائلة بتلعثم: أنا بخير شكرا..
إبتسم رامي مطمئنا قائلا بشيء من الفضول: كنت بعيدا عنك إلى أن رأيتك تترنحين و تحدثين نفسك.. كنت تبكين بغرابة..
فوقفت رؤى بصعوبة قائلة:شعرت بالدوار..آسفة إن أفزعتك...
ثم إستدار نحوها بجسده و إبتسم بطمأنينة و هو يمد لها كفه قائلا بنبرة سعيدة: إسمي رامي!!..
مدت كفها هي أيضا لترد بهدوء: تشرفنا..رؤى!!
إبتسم رامي شاعرا بإرتياح غريب بينما عاد يتأمل زرقة السماء.. توقف قلبه عن الخفقان بعد هتافها البعيد: ها قد جلبت الشاي يا رؤى!!
تصلبا كل من رامي و رنيم في مكانيهما فتحدث رؤى هاتفة بدورها : و أخيرا!!.. لما تأخرت؟!!
قطعت رنيم عبارة رؤى بعجز و صدرها يعلو و يهبط بفيض إحساس ذرفته دموع روحها بغزارة و هي تهمس: آسفة لأني تأخرت عليك
لكنه بدا و كأنه لا يهتم بكل هذا عندما تجمد مكانه كثمتال صخر مع قوله الثلجي:أنتم أصدقاء إذن لم أكن لأخمن ذلك أبدا.. لقد تعارفنا للتو أنا و رؤى..
شعرت رنيم في هذه اللحظة أن قلبها سوف يتوقف فإقتربت تقدم الشاي لرؤى بهدوء..
بينما هو يراقب كل حركة في جسدها و صرخات قلبه لضم قلبها من جديد لم يعد يتحملها أبدا فإستدار مشيحا عنها وجهه..
و لما رفعت رموشها كي تنظر إليه وجدته غارقا في صمته و قد خاب ظنها بأنه سوف يكون لايزال يراقبها.. هل حقا نساها؟!! هل عذبته لتلك الدرجة حتى بات الألم لا يحتمل فنساها؟!! لم تجد خلف قضبان جحوده أي جواب.. فإبتعدت ببصرها هي أيضا بينما تكلمت رؤى بعدما راقبت كل منهما على حدى قائلة: إذن أنتما أيضا تعرفان بعضكما.. يالا غرابة الموقف!!
تأوهت رنيم بخفوت و أفكارها الحيرى تكاد تلتهم الأخضر و اليابس في عقلها مع دقائق تفتك روحها قائلة بغصة في حلقها: أجل يا رؤى..أنا أعرف رامي منذ ما يقارب الثلاث سنوات..
كانت رؤى لا تزال تراقب خفوت كلام رنيم و نظرات رامي الباهتة لها فأردفت ببشاشة:إذن هو صديق عزيز..
صمت رامي للحظات بعدها مفكرا ثم إرتسمت على شفتيه إبتسامة متلاعبة قاسية مع قولهصديق!! لا!!.. ليس هكذا..
صمت بعدها قليلا ليردف بعد ذلك ببرة أشد قسوة:رنيم كانت خطيبتي في السابق و لم تعد كذلك قبل عامين..
إتسعت عينا رؤى بقوة فتلعثمت الحروف في جوفها بينما أغمضت رنيم عينيها بألم..هنا ظهرت على وجهه أمارات الظفر عندما قرأ الألم في عيني رنيم..فإتسعت إبتسامته القاسية ثم ضاقت عيناه بشراسة أكبر و قد توجه بحدقتيه نحو رؤى المصدومه قائلا:كنا نحب بعض فلم نعد كذلك فإفترقنا..
هنا لم تعد تتحمل رنيم قسوة الحديث فتراجعت خطوة للوراء وجلة.. بينما كتفت رؤى ساعديها دون ردو هي تحس بلفحه ريح باردة لطمت وجهها ما هو فقد بات يشعر و كأن سكينا يضرب رقبته الضربة تلو الأخرى.. فما كان عليه إلا أن يداري شوقه إليها بالمغادرة.. ولد إبتسامة شفافة على تغره قائلا بأدب:سوف أرحل الآن لقد تأخرت.. تشرفت بك آنسة رؤى..
إفترشت رؤى أيضا إبتسامة على خطي شفتيها قائلة: الشرف لي.. وداعا..!!..
لم تحسب رنيم أنها سوف تُختبر بهكذا شعور مر في حياتها..لم تحرك ساكنا في الرد عليه بينما هو لم يكلف وسعا في وداعها ولا حتى النظر في عينيها.. جموده أصابها في مقتل و حديثه البارد عرى كل أحاسيسها.. الآن باتت تدرك كم هو شخص مهم يجب الحفاظ عليه و إمتلاكه من جديد!! كم هو رائع و عزيز على قلبها!! تزعزعت روحها بعدما أحست بإشباح الموت تجوس حول جسدها النصف ميت..
فلم تعد تتمنى سوى الرحيل إلى جوار أبيها.. تريد لقياه و البكاء في دفئه لعلها تذحض كل يتمها و حزنها على صدره.. فما كان عليها إلا أن تمسح تلك الدمعة الحارقة و تتوجه بحدقتيها لعيني رؤى الحبيبتين و تطيل النظر فيهما.. فتحدثت بإبتسامة مصطنعة تداري بها إحساس مرارتها: لنشرب الشاي و نرحل نحن إيضا.. لقد حل المساء يا رؤى..
لتغتصب رؤى إبتسامة ميتة من جديد على شفتيها و تومئ في صمت..


**********


-هل جئنا لكي نراقب النوارس؟!!.. ما الذي نفعله فوق الصخور يا زيد؟!!
ثحدث رائف بقنوط مستندا على الكرسي فنظر إليه زيد مبتسما قائلا بعد تنهيدة طويلة: هل وضعت السيف على رقبتك و أرغمتك بالمجيء إلى هنا يا رائف؟!!
ثم إتكئ بتعب على مقعده بعدما أوقف السيارة أمام منارة البحر مغمضا العينين قبل أن يهمس: إن أردت الرحيل فلن أمنعك.. لكن ما يطمأنني هو أنك لن تفعل..لن تغادر!!
إبتسم رائف إبتسامة خفيفة على تغره قائلا بهدوء غريب: و لما لن أفعل؟!! أستطيع ذلك يا زيد فلا تتعب نفسك بالفلسفة يا عزيزي..
ثم إستدار إليه كليا بجدعه و قد إختفت إبتسامته الشفافة و حلت محلها شراسة ذئبية:نحن لا نتشابه أبدا.. رائف لا يشبه أيا منكم..
في تلك اللحظة إلتفت إليه زيد رافعا إحدى حاجبيه و هو يقول بمكر شديد وسط نظرات رائف القاسية: و من قال أننا نتشابه يا إبن لبيذ؟!! أنت في الغرب و نحن في الشرق..!!! أنت تسير في الجحيم و نحن عكسك..!!..أنت وحيد أما نحن فلا..!!..أنت تحارب في أرض قاحلة..!... بينما نحن أحارب لأجلي عائلتنا رغم قحولة تلك الأرض..!!..
إلتمعت عيناه بشراسة أكبر قبل أن يقول بصوت غاضب مكبوث: أجل!!.. أنا أسير في الجحيم و سوف أمضي فيه مادمت حيا و وحيدا حتى النهاية.. سأظل أحارب لأجلي نفسي حتى الممات.. لن أحارب لأجل أي أحد..
لأنني خُلقت لنفسي.. إبن لبيذ خُلق لأجل ذاته فقط..و أهم شيء في قاموسي" أعاقب من يؤدي كبريائي"
هنا بالفعل.. نظر إليه زيد و قد إختفى الزمرد من عينيه كليا بعدما إكتستهما عاصفة قوية قائلا بهدوء لا يتنساب مع نظرات عينيه لرائف:أتدري ما الجيد في الأمر يا إبن لبيذ؟!!
ثم إقترب ليهمس جوار أذنه بعدما مال عليه بجدعه: الجيد في الأمر هو أنك لست إبني!!
لو كنت كذلك لمزقت هذا الكبرياء الطاغي كخرقة بالية..!!.. و صنعت منك رائفا آخر على يدي.!!... إحمد ربك أنك لست كذلك..
إبتعد عنه و هو يراقب كالصقر ردة فعله نظراته كانت ثلجية و هدوء أنفاسه الحارة أربك زيد..فتراجع بظهره قائلا بإبتسامة خفيفة و صوت مبحوح.. غريب عنه.. غريب عن جديته الصلبة و حديثه القوي: لم أكن أظن أن الرياح ستجري بما لا تشتهي السفن.. الصياد هزمني بعدما أحسست بأن القدر دثرني بحبها.. و إبنته إقتلعت سكينتي عندما وجدتها في المرأة التي أمتلكت...
لم يكد ينهي تنهيدته حتى سمع صوت صفق باب السيارة بجنون..فخرج زيد و قد إلتفت ينظر لرائف عن بعد الذي إتكئ على الصخرة بعدما أغمض عينيه لسكينة المساء وسط شفق السماء فوق البحر الهائج..
إستدار زيد و جرت قدميه بتثاقل إلى غير إتجاه.. نظر لمياه البحر وهي تضرب الصخور!!. فأحس بطعنة خنجر قد إنغرست في جوفه بعدما أعادته لحقبة الضياع و اللاهدوء.. متذكرا كل ما يجب أن يُنسى..!...
----------------------------------------------------------

_ لماذا أتيت بي إلى هنا؟!!
همست بها أثار بصوت مبحوح يكاد لا يسمع فأغمض وهران عينيه قائلا بألم دفين: أعرف أنني ظلمتك كثيرا؟!! لم أعرف أنه..
فقاطعته بنبرة حزينة: لا داعي لذلك يا وهران!!.. لقد نسيت كل شي منذ تلك الليلة البائسة.. و الآن إلم يكن لديك ما يُقال فسوف أرحل لأن زيد ينتظرني في السيارة..
إتجه وهران بحدقتيه نحوها فأصابته دموعها الصامتة في مقتل فإقترب بخطواته البطيئة و قد أحس بكثلة رمال تنزل عليه و تخنق أنفاسه ثم مسح عبراتها المنزلقة كحبات مطر بعدما وقف أمامها بهدوء قائلا و الحزن يكتسح كل ملامحه: أعرف أنني جرحتك كثيرا و آلمتك في الصميم.. أخدت منك قطعة من روحك ألا و هي رنيم.. لم أحسن إليك كما تجب الأصول يا إبنة عمي!! و لم أحبك بحق..
لم أسمع منك عندما وجب علي السمع و الإصغاء.. لم أفهمك و أقدر قيمتك الماسية..
أعرف ذلك يا أثار!! أنا بحار سيء.!!. سيء جدا..
كانت تتنفس بصعوبة و هي مغمضة العينين تصغي إليه.. تتمنى لو غابت عن الوعي و لا تسمع حديثه الذي أصابها بالألم الشديد في جوفها.. لكنها وجدت نفسها تهمس بصوت ميت مختلط بالدموع: و ماذا بعد؟!! ماذا بعد أيها البحار السيء؟!!
أمسك وهران وجهها بكلتا يديه الخشنتين قائلا بعدما أحس ببصيص أمل يخترق الظلام الذي يخنقه: أنا ظلمتك.. ألا تفهمين؟!! عاقبيني و لا تترددي..!!.. مزقيني و إقتليني إن أردت فلن أمنعك..!!..
هنا شعرت أثار بروحها تسحب ببطء و هي تجيل نظرها فوق الأرض باكية فتكلمت و قد إبتعدت عنه خطوة للوراء: لا لن أفعل.. أنا لست مثلك يا وهران!! هل تظن بأني أستطيع ذلك؟!! آسفة لأنني خيبت ظنك.. أتدري لما؟!! لأنه فات الآوان كثيرا.. لم يتبقى لنا شيء نحن الإثنان و لم يعد يجمعنا أي شيء منذ طردك لي من البيت في تلك الليلة!!..
قبل أي يجبر قدميه على التحرك أحس بأن عقله قد إمتلك جوابا ترفضه عيناه و قلبه أن يصدقاه فتأوه بخفوت.. بينما هي أكملت بحرقة باكية: طردتني من بيتك و قلبك لكنني لم أُطرد من بيت و قلب زيد رغم كل ما حدث.. أتدري..؟!.. ذلك الرجل الذي ينتظرني في السيارة من يكون؟!! هو نفسه من إلتقطني من الشارع عندما رميتيني أنت!! هو نفسه الذي وقف في وجه عائلته كلها من أجلي.. طُرد من رحمة أمه و أبيه من أجل من؟!!
ثم ضربت على صدرها بشراسة قائلة بدموع: من أجل أثار مبارك!! بالمختصر هجر كل عائلته من أجلي!! و أنت ماذا فعلت؟!! طردتني باكية من دون حتى أي ملابس.. و منعت عني إبنتي!!.. فلذة كبدي بعدما غسلت دماغها كليا و أخبرتها أنني أنا الخائنة!!
نظرت إليه بشراسة بعدما ضغطت على ذراعيه بكل قوة.. حتى سال الدم من شفتيها بغزارة و هي لا تزال تهتف بقسوة: أنا لن أسامحك على شيء واحد فقط.. هو أنك منعت عني إبنتي.. لن أسامحك يا وهران؟!!
تغضنت زوايا عينيه بفعل بكائها.. و إزداد ألم روحه قوة إثر هتافها الشرس فلم تكد تنهي هتافه حتى إختلطت دموعه بدموعها ثم همس: أنا آسف!! آسف جدا...
عقدت حاجبيها تنظر إليه بعدم إستيعاب.. و كأنها تتأكد بالفعل ما تحدث به توا فرددت: آسف..!!..
فاد صمت قصير و هي لا تزال تحس بمطر دموعه تهطل على خدودها قبل أن تصدر عنها ضحكة ساخرة.. قوية و قاسية: تتأسف!! ولما الأسف الآن؟!! فيما سينفع يا وهران مبارك؟!
كانت آخر صرخاتها أتبعتها بصفعة قوية حتى شعرت بالألم الشديد يغزو معصمها: أنت صياد قاسٍ.. لما لم تحس بي عندما طردتني في تلك الليلة؟!! لما لم تسمعني و تصغي إلي أنني لم أخنك أيها الجبار؟!! لما فعلت ذلك و دمرت كل شيء يا وهران؟!! لما.. لما..؟!!..
فبهتت ملامحه حتى بدت كالأموات و هو يرى خاتما جديدا في يدها اليسرى.. لاحظت أثار نظرته الباهتة فضمت يدها بقوة قائلة بإختناق و قد بان الألم في عينيها الآن بوضوح: لقد تأخرت جدا!! لو جئت قبل ساعة.. أقول قبل ساعة.. لكنت ربحتَ الرهان و عدت إليك..لكنك تأخرت يا وهران!! فأنا الآن زوجة زيد و لم يعد لك سلطان علي منذ هذه اللحظة..عقدت قراني في الصباح!!...
بعد كل تلك السنوات التي جمعته بها.. يشعر الآن أمامها بأنه عاري الروح.. لم تعد زوجته و لم يعد له سلطان عليها كما قالت.. صارت في ذمة رجل آخر غيره.. أحس بالألم الشديد يغزو كل ذرة من جسمه فتسائل في نفسه: هل حقا خسرها؟!! خسر زوجته و أم إبنته؟!..
اه..!.. لو أتى بها قبل ساعة لكانت الأمور أخدت مجرى آخر!!.. لو جاء بها قبل ساعة لسامحته و عادت إليه و لإبنته!!...اه لو!!..
إلى أن قالت أثار و هي تشدد على كل حرف يخرج من فمها يتيما: مشاعرك لم تعد لها قيمة يا إبن العم!!.. إدفن مشاعرك في قبر قلبك الميت فلم يعد لها داعي..
حدق وهران في عينيها طويلا.. ظل جامدا ككثلة صخرية بعد حديثها الصحيح فلم يستطع أن يداري شوقه إلا بإغماض عينيه لتنساب آخر دموع من مقلتيه اليتيمتين هامسا بصوت مختنق بعدما إستدار ينظر للبحر إثر مجيء زيد: حسنا.. كلامك صحيح الفراق أفظل لكلينا كما أن زيد..
فصمت لدقية كاملة و هو يشعر بقلبه يحرق في مدفأة روحه التي تيتمت للتو هامسا: كما أنا زيد يستحقك.. إهتمي بنفسك و برنيم جيدا.. تستطيعين المغادرة يا أثار..
ساد صمت مربك يحيط بثلاثتهم لكنها أخدت نفسا عميقا ثم قالت بخفوت مسبلة جفنيها بعدما أمسكت بكف زيد بقوة: لنذهب يا زيد!! لم يعد داع لوجوي الآن..
إرتعش ذقن وهران بقوة إثر جملتها الأخيرة و عيناها قد أُشيحت عن مقلتي زوجها الزمرديتين كي تنثب على جسد وهران غير أن زيد تحدث إليها مبتسما و هو يقول: هيا لنرحل إذن.. إن كنتما صفيتما حساباتكما..
وضعت أثار كفها اليمنى على صدره بعدما ضمها إليه بقوة..للحظة توقف عن المسير و سألها بنبرة لا تخلو من حزن و خوف من فقدانها مرة ثانية: هل أنت نادمة؟!! هل ندمت لأنك تزوجتني؟! أصدقيني القول بعد كل ما حدث!!..
حدقت إليه أثار طويلا فإبتسمت و قد ساد صمت مشحون بينهما للمرة الثانية قبل أن تقول بصوت أكثر صلابة: لست نادمة يا زيد!! كلانا وضعا النقاط على الحروف فقط..
عند هذا الحد تأوه زيد و هو يضم كفي أثار بقوة و قد تحول زمرد حدقتيه الباهت لزمرد أشد إخضرارا و أشد وهجا و هو يهمس بخفوت: زوجتي الحبيبة!! لو تعلمين ماذا يعني هذا لي.. أنت حبيبتي..!!..
إستدارت أثار فجأة و تصلبت ملامحها أكثر بعد مجيئ إبنتها في تلك اللحظة فهمست بخفوت: رنيم.... أهذه أنت؟!
جمدت رنيم كليا و هي ترى أمها لأول مرة بعد طردها من البيت ما يقارب العامين و النصف..
بكت أثار أنذاك بحرقة جراء جحود إبنتها فتأوهت قائلة بحنان: ما الأمر يا إبنتي؟!! ما الذي جرى في هذين العامين حتى تنظري إلي بهذه الطريقة؟!! ماذا أخبرك أباك عني؟!!
ظهر ألما مفاجئ في عيني رنيم.. ألما مقترنا بغضب سحيق.. لا يختفي أبدا.. بل يتراكم عليه الغيظ الكبير ليس إلا.. ففتحت رنيم شفتيها و همست بخفوت: لماذا جئت إلى مكان أبي؟!! هيا غادري و لا تعودي.. كما أن أبي لم يخبرني أي شيء!!..
ضاقت عينا زيد بخطورة بينما تحدثت أثار بحرقه أمٍ بعد مسحها لدموعها المنسابة: لا بأس يا رنيم.. لن أعود إلى هنا مجددا.. إرتاحي فقط مع والدك العزيز..
عند هذه النقطة سحبت أثار نفسا عميقا و غادرت ترتجف و هي تزيد من التشبت بذراعي زيد بينما رنيم أسرعت بخطاها حتى إختفت كليا عن ناظريهما.. أخد زيد يراقب ملامح أثار الشاحبة مليا فضمها لصدره متأوها.. نظرة واحدة لوجهها أعلمه بوضوح كم هي متألمة و طيب جراحها يحتاج وقتا كثيرا و صبرا كبيرا..
و في تلك الأثناء عندما ظنت أثار أن جل مشاكلها قد حلت.. و أنها فعلت عين الصواب..
و في إستكانة روحها على روح زيد..أتت تلك الصرخة من بعيد فقلبت كل الموازين..كانت صرخة رنيم كصرخة قط شرس فإنتفضت أثار فجأة بعنف و هتفت بقوة: رنيم.. إبنتي..!!.
ثم جرت عائدة لمكانها.. تستغيت ربها ألا يكون قد أصابها مكروه.. تريد الوصول سريعا و بالفعل لم تشعر بنفسها إلا و هي أمام إبنتها واقفة فتنفست الصعداء..بينما تحدث زيد عاقدا حاجبيه: ما الأمر يا رنيم؟!! لما صرخت؟!!
أفاقت أثار على صوت زيد فنظرت لرنيم بتيه قائلة: لماذا تجلسين هكذا على الحافة يا رنيم؟!! إبتعدي من هناك قد تسقطين على الصخور.. إبتعدي عن البحر سوف تشعرين بالدوار يا إبنتي!!
تحركت أثار بصعوبة نحو إبنتها ثم توقفت لتلتفت ناظرة لزيد الذي وقف جامدا في مكانه محدقا في الفراغ..أعادت النظر لرنيم فتحدثت بعدما جالت ببصرها و لم تجد إلا ثلاثتهم قائلة بغرابة: رنيم أين والدك؟!! أين ذهب وهران؟!! ألم تلتقيه هنا؟!! هل غادر قبل مجيئك؟!!
عادت تسألها و قد شعرت بالخواء في ركبتيها:
رنيم كلميني أنا أحدثك..
ساد صمت مرعب قبل أن تستدير رنيم و تصرخ بكل ما أوتيت من قوة و الشرر يتطاير من عينيها: ماذا تسألين؟!! كيف فعلت ذلك يا قاتلة؟!.. لا تسألي عن أبي منذ الآن.. لأنه لم يعد موجودا.. لم يعد.. لم يعد..!!.....
فنهضت و هي تتعثر في خطواتها متأوهة و صراخها يفتك بالأذن: هيا غادري.. لماذا عدت؟!! لقد تركناك و شأنك فلما لم تفعلي أنت بالمثل؟!! لما جعلته ينتحر يا قاتلة؟!! لماذا.. لماذا.. لماذا...؟!!...
حدقت إليها أثار بعدم إستيعاب لدقيقة كاملة
فهمست بعد ضحكتها الخافتة: من؟!!.. عن ماذا تتحدثين يا رنيم؟!! أين أبوك؟!! أي قتل.. و أي إنتحار تتكلمين عنه؟!!
نظرت إليها رنيم بملامح مخيفة زادها الظلام غموضا و ألما.. فرفعت سبابتها تشير بها لصدر والدتها مما جعل الدموع تتلاحق على وجهها بغزارة ثم همست بنحيب مختنق: إياك أن تريني وجهك مرة تانية!! أنت قاتلة..!! قاتلة... قاتلة..!!...
تكرار الكلمة في ذهنها جعلها تستوعب شيئا واحدا هو أن وهران غير موجود بينهم فإندفعت جارية نحو حافة الصخر بعدما دفعت رنيم بعيدا.. و قبل أن تصل للحافة أمسكها زيد بكل قوته هامسا: لا... لن أسمح لك بذلك يا أثار!! لن تري ذلك..
صرخت أثار بجنون و هي تتلوى بين ذراعيه: أتركني... لا هذا غير صحيح..!!..وهران ليس بهذا الضعف... منذ لحظة و نحن نتحدث.. هو لن يفعلها يا زيد.. أتركني أتأكد بنفسي.. دعني أرى أرجوك.. دعوني..!!!!...
صرخ زيد بالمثل و هي لا تزال تتلوى باكية فعضت يده اليسرى..و مع ذلك لم يتركها لكنها إستطاعت أن ترى ما أرعبها و شل حركتها تماما.. كان جسد وهران جثة مسجاة على الصخور و دمائه قد إختلطت بأمواج البحر المتلاطمة.. تباطئ هدير أنفاسها الصاخب بين ذراعي زيد شيئا فشيئا بينما إستطاعت أن ترى رنيم و قد إرتمت على الصخور باكية قبل أن تطبق جفنيها..عند تلك اللحظة لم تعد ترى أو تسمع شيئا..
----------------------------------------------------------

إستيقظ زيد من سبات أحزانه على خطوات رائف المتثاقلة المتجهة نحوه فهمس لنفسه بوجع دفين: كيف إستطعت أيها الصياد؟!! كيف إستطعت الإنتحار تاركا إياي أؤدي ضريبة إنتحارك اللّٰعينة..
فإنتفض على صوت رنيم البعيد و قد أصابه الذهول ثم تحركت قدماه بضع خطوات للأمام محدثا نفسه: رنيم!! و تلك الفتاة..
ظل يراقبها و قد إبتسمت ملامحه من جديد.. و بدأت تتباطئ نبضاته شيئا فشيئا حتى إستكانت.. شاعرا بهدوء و سكينة غريبة و هو يراقب كل تفصيلة من حركاتها.. إبتسامة ثغرها جذابة كإبتسامة زوجته الحبيبة..و كأنه ينظر لزوجته الآن...تأملها بتفحص..جسد نحيف يغري بالنظر..و ملامح رغم بساطتها تجذب..عينيها الواسعتين كفضاء بلا حدود..
يميزهما كحل أسود ككحل زوجته..تظللهما رموش كثيفة باهتة السواد..و لا يزال يبتسم لضحكاتها الرنانة و هو يرمقها بنظرات لا تحيد عن ملامحها أبدا فأطرق برأسه ليهمس بأسف:ماذا لو لم تكوني إبنة الصياد..؟!!.. لو كنت إبنتي أنا؟!! لكنت حلوة كحبة السكر..!.. نقية من كل ضغينة كقطرة المطر..!!.. لكنك و مع ذلك شقية عذبة..!!..
و بكل هدوء لا يقارن بكل ما يجيش بداخله إستدار زيد بمنتهى الوضوح ليتسمر مكانه فجأة بعدما ذُهل من وقفة رائف الشرسة.. و كأنه ذئب وحشي يراقب فريسته لينقض عليها في اللحظة المناسبة.. إشتعلت عينا رائف بوحشية و هو يراقب كل من رنيم و رؤى.. فإقترب منه زيد ببطء شديد حتى وقف بجانبه و إستطاع الإحساس بهدير أنفاسه الصاخبة الذئبية..لم يتخيل يوما أن يرى رائف بكل تلك الوحشية و هو يرى إتساع عينيه بإرتياع لكن تجاه أي واحدة منهما؟!! تجاه رؤى.!!.....فتسائل زيد مصدوما محدثا نفسه بعدما أعاد بصره لرؤى:ماذا فلعتِ حتى أيقظت الوحش داخله يا فتاة؟!!..
حاول التكلم في تلك اللحظة إلا أنه صعق من ضربة رائف على الصخر من دون رحمة.. كور كفه غير آبه للدماء المتناثرة على الأرض و لا للألم الشديد في يده المكسورة..فتح رائف عينيه ببطء بعدما إستند على الصخرة يهدئ من روعه.. شاعرا بخدر غريب في كل أنحاء جسده ثم إستدار حثى إصطدمت عيناه القاسيتين بعينين زيد الذي كان يراقبه بصمت فتحدث بنبرة صلدة شرسة نشرت الذعر في المكان: لنرحل من هذا المكان..!.. قبل أن أرتكب جريمة ثانية..
أومأ له زيد برأسه إيجابا في صمت مطبق تاركا إياه يجلس في السيارة قبله.. فتبعه بخطوات متثاقلة جدا بعد آخر نظرة لرنيم..

********

_ عمتي الحبيبة..!!.. كيف حالك..؟!!..
رفعت رجاء عينيها عن الكتاب ذاهلة فإتسعت حدقتيها بسعادة جليلة لهذا الحدث الإستثنائي بينما شقت إبتسامة خفيفة طريقها لتظهر على تغرها الكرزي.. همست فاغرة فاها بصدمة غير مصدقة الشخص الذي يقف أمامها: رحيق...!!.. أهذه أنت حقا؟!..
هزت رحيق رأسها دامعة العينين بعدما تركت الحقيبة أرضا قائلة بلهفة: أجل.. هذه أنا..!.. رحيق الشاروني بلحمها و عظمها أمامك..مر زمن طويل يا عمتي!!..
جرت رجاء بسرعة تضمها لحضنها بعدما أمطرتها قبلا كثيرة هاتفة: لا أصدق عيناي!! أنت هنا..!! كيف حالك يا صغيرتي؟!! كيف حال دراستك؟!!..أين جهاد؟!! لما لم تأتي معك؟!! و أين أبوك؟!!
فعادت تحتضنها و قد شعرت بجزئها الضائع عاد لكي يستوطن روحها من جديد.. ثم قالت بإبتسامة: أجل لقد مر زمن طويل!!.. طويل جدا..!! إشتقت إليك كثيرا..!.. ما هذه المفاجأة السارة؟!!.. كيف حال ميثم و أختك إسمهان؟!!..
لما لم تتصلي و تخبرينا أنك آتية؟!!
تأبطت رحيق ذراعا رجاء هاتفة بنفس السعادة: الكل بخير.. يبلغونك سلامهم.. لم أشأ إتعابكم يا عمتي لقد كبرت و صرت راشدة..أين رائف؟!!.. لا أراه في البيت؟!!..
لتضحك رجاء في إشراق واضح: سوف يأتي بعد قليل.. آه منك يا شقية!! هل إشتقت لإبني فقط؟!! ماذا عني و عن ذمار و سادن؟!!
توقفت رحيق لتقبل كفها برقة و تقول برفق و قد ضمتها في حنان: ماذا تقولين يا عمتي؟!! أنت أكثر شخص يعرف كم أحبكم و أعزكم كلكم منذ الصغر.. أين ذمار الآن؟!! إشتقت إليه كثيرا.. و سادن أيضا أين تراه يكون؟!!..
فهزت رجاء رأسها متفهمة..ثم أردفت بحنانها القوي بعدما أمسكت بوجه رحيق: أعرف هذا جيدا يا رحيق!!..لا داعي لإخباري بذلك يا صغيرتي!!.. سادن و ذمار في الشركة.. أما رائف فقد إتصلت به توا و أخبرني أنه مع زيد.. سوف يأتون قريبا..
لتبتسم رحيق من جديد و هي تتلفت حولها كفراشة ربيعية قائلة بمرح:و أخيرا عدت إليكم!!.. عدت لملجأي و وطني الصغير..عدت لعائلتي و بيتي القديم!!.. عدت لغرفتي و حديقتي الصغيرة..!!.. عدت إليك يا بيت عبد الناصر..!!..
تنهدت رجاء في حرارة و هي واقفة في فناء البيت تراقب هتافها و قد إمتلئت روحها سعادة ليست بعدها سعادة فنادتها بمحبة: رحيق..!!
فإلتفتت رحيق و قد إحمرت وجنتاها خجلا قائلة بأدب:نعم عمتي..!!..
ثم إقتربت هذه الأخيرة و ملست على كفي رحيق قائلة بنفس الرقة: تصرفي و كأنك في منزلك.. لا تخجلي من أي شيء و أخبريني بكل ما تحتاجينة كي أجلبه لك.. لكن..!!
ثم إمتدت يدها تمسد خصلات رحيق الهاربة تبعدها عن وجهها بعدما نظرت في عينيها طويلا ثم قالت: إبتعدي عن رائف هذه المدة حبيبتي!! رائف لم يعد يحدث أحدا في الآونة الأخيرة.. لا أعرف ماذا جرى له؟!!.. أخاف أن يؤديك يا رحيق..!!! أفهمت؟!!...
لا تدري لماذا شعرت أن رجاء تحذرها من شيء..صوتها أتاها مرتعشا و متهدجا و هي تهمس..."" أخاف أن يؤديك يا رحيق""
تأملت رحيق وجه رجاء بمحبة فإستطردت متفهمة: لا تقلقي يا عمتي!!.. يبدو أن الأيام غيرت الكثير في شخصه.. لا داعي لتحذيري يا أم رائف..!!..
فربتت رجاء على كتفها للحظات بعدما تبادلا نظرات المحبة هامسة: إصعدي لغرفتك و إرتاحي قليلا..!.. تبدين متعبة من السفر حبيبتي..!!..



_لقد مرت السنوات سريعا و لم أرك أبدا.. لم نرى بعض منذ زمن طويل جدا..!!..
همست بها رؤى تستند على الزجاج بتعب فأغمضت عينيها بعدما أحست بغصة مؤلمة في حلقها أتبعتها بتنهيدة ميتة..تراقب هدوء الشارع في شيء من الحيرة..أغلقت الستائر و حملت مفاتيح سيارتها ثم غادرت...شغلت محرك السيارة و قد شعرت بالحنين لصغيرتها.. بينما رنين الهاتف لا يتوقف فردت قائلة بهدوء: مرحبا.. من معي؟!!
ساد سكونا غريبا و هي تنتظر إجابة المتصل إلا أنها لم تجد سوى عدم الرد فكررت في نفس الهدوء: عفوا.. هل لي أن أعرف من معي؟!!
لتصلها تنهيدة حارة و هدير أنفاس شرسة فخفق قلبها بقوة رهيبة لتمسك على صدرها و توقفت السيارة على جنب.. إتسعت عينيها بإرتياع قائلة بحقد يكاد ينهش مقود السيارة:رائف..!!... أهذا أنت أيها الحقير؟!!.. أيها الوغد!!.أنت أليس كذلك يا إبن لبيذ الكلب؟!!
فتبتسم بقسوة و هي تشد على كل حرف تقوله هامسة: ما الذي جرى حتى إتصلت بي أنت بنفسك؟!! و لم تدع كلابك يقومون بالواجب؟!! هل ظللت الطريق يا إبن لبيذ؟!!..
أم أنك أردت الإطمئنان على حياتي؟!! لا تخف لم أفقد عقلي على طبيبك المريض.. المختل عقليا..!!.. لازلت رؤى.. رؤى حسن إسماعيل..!!..
لم تهتز عضلة في وجهه المتبلد أبدا..و كأنه بدا كأنه لم يسمعها و هو يراقب السقف بشرود ثم لم يلبث أن ضحك عاليا و هو يدخن آخر سيجارة له.. ليهمس بعد ذلك بتسلية: الآن.. يبدو لي أنك فقدت عقلك كليا يا دكتورة!!.. ظننت أنني قمت بتربيتك سابقا على الكلام السيء و الفاسق..!.. لكن..
فقاطعته رؤى بشراسة قوية: أصمت..!!.. أصمت..!!.. أيها الوغد اللعين!!..! سوف تندم.. أقسم لك بأنك سوف تندم على كل ما فعلته بي!!.
ثم ضربت مقود السيارة غير آبهة لألم يدها اليمنى: كل شيء في آوانه.. لم أعد أخافك أو أهابك يا إبن الشيطان اللعين!!.. الآن.. أنت من يجب عليه الخوف مني.. أنت من يجب عليه الحذر و الإبتعاد عن طريقي!!..
فتظلمت عيناها بعدما تحول لونهما من الأسود إلى الأسود القاتم قائلة بنفس الشراسة: الإبتعاد..!!.. لا لا.. حتى و إن أردت الإبتعاد فلن أسمح لك.. سوف أرد لك الصاع صاعين..سوف يأتي ذلك اليوم فلا تقلق..!!..
إرتفع حاجبة متفاجئا من وقاحتها و عيناه قد برقتا بقسوة كبيرة بعدما نهض و وقف أمام المرآة مبتسما و هو يقول: حقا يا رؤى.. أرني مهارتك في اللعب إذن..
صمتت رؤى لدقيقة كاملة فأغمضت عينيها و عادت تفتحهما بقوة لتزين إبتسامة قاسية تغرها و تهمس بهدوء ذئبة: هذه المرة أنا من سيصفعك و يبزق في وجهك الشيطاني و ليست رنيم..حتى لو إقتدى الأمر إنتزاع نصف وجههك و حرقه أمام أعينك..
صمت رائف بدوره لحظة من الزمن و هو ينظر للمرآة متنمرا ثم تكلم: حسنا..!!.. لك حرية إختيار السلاح.. لكن إياك أن تخطئي التصويب..!!..
ليبعد عن أذنه الهاتف و قد تشنجت كل عضلاته و إزدادت ضخامة..ظل ينظر لصورته المنعسكة على المرآة بسخط بينما طرق باب جناحه لا يتوقف ففُتح فجأة و دخلت والدته ببطء قائلة: منذ مدة و أنا أطرق الباب.. ألم تسمعني؟!!
إستدار رائف فجأة و قام بإرتداء سترته قائلا بهدوء: لم أسمعك؟!!
للحظات ظل النظر بينهما ممتدا و كأن هناك حوارا طويلا بين أعينهما.. فتنهدت والدته و قد بانت عليها الحيرة: رائف..!!.. حبيبي هل هناك شيء لا تستطيع إخباري به؟!! منذ عدة أيام و أنت لا تتحدث مع أحد.. كما أنك تشاجرت مع سادن..
رد رائف قائلا بقوة و عدم إرتياح بعدما تجاوزها: لا شيء.. أنا بخير يا أمي!!.!!..
فأغلفت باب الغرفة هاتفة: لا لست كذلك!!.. كما أن رحيق هنا..!!.. لقد أتت وحدها صباحا..!! ألن تلتقيها؟!..
وقف فجأة و ساد صمت غريب بينهما و حين تكلم أخيرا.. وجد نفسه يقول بصوت قاتم:رحيق.. هنا؟!!.. لماذا أتت؟!!
رفعت رجاء عينيها و قد بدتا فارغتين بشكل غريب.. لكنها تكلمت بنفس هدوئها و بساطتها:أتت لأن هذا بيتها منذ الصغر يا رائف!!.. كيف تسأل هذا السؤال يا إبني؟!! هل أسمي كلامك البائس هذا ترحيبا؟!!..
زم رائف شفتيه بعدما هز كتفيه قائلا بنفس هدوء والدته: أين هي الآن؟! و لما لم تتصل بالسائق كي يأتي بها للبيت؟!!
فخطت والدته خطواتها في إتجاهه و وقفت بقربه ثم رفعت وجهها إليه و ملست على خده
تتأمل شروده الملفت في الفراغ قائلة بعد تفكير عميق: يبدو أن رحيق الورد قد كبرت و لم تعد صغيرة..لقد مرت السنوات بسرعة..!.. سوف تتفاجئ برؤيتها!!..
تنهد رائف ليغمغم بصوت غريب: لدي عمل مهم يا أمي!! سوف أقابلها في المساء...
ليستدير مغادرا غير آبه للمعة الحزن و الإحباط في مقلتي والدته..




توقفت بالسيارة أمام المقابر فتوجهت كالمسحورة بخطواتها نحو مكان مقبرتها..
أخدت نفسا عميقا تغالب به دموعها.. لكن هيهات!!! دموعها العزيزة أبت أن تستقر في مقلتيها فإنهمرت كجدول رقراق.. شاهيناز الحبيبة يهون لأجلها كل عزيز..هكذا رددت...
قرأت الفاتحة بخشوع أتبعتها بدعاء طويل لها .. لتتحسس بيدها شاهد القبر بعدما جثت على ركبتيها هامسة بإختناق: السلام عليك يا حبيبة الفؤاد و يا قلب رؤى الصغير و روحها..!!..سلاما إليك يا أختي العزيزة و سلاما لمن يحرسك و يحدثك و يبهجك..
دمعت عيناها بقوة و هي تتحدث بقهر جالسة على الأرض تحضن التراب بكفيها بينما إنسياب دموعها لا يتوقف...فأكملت باكية:إشتقت إليك كثيرا..!!. كثيرا يا أختي..!!..
و تتململ على التراب شاعرة و كأن قبضة حديدية تلف قلبها هامسة: ليتني بجانبك يا صغيرتي!!.. يا ليتني مت معك و لم أذق ما ذقتُه.!!.. لمن أشكي همي و حزني الآن.. لمن؟!! أنا الآن أشتاقك كثيرا.. أكثر من السابق يا شاهيناز!!.. أشتاق عطر طفولتك و عبق خصلاتك!!.. أشتاق حديثك البريء و شجارك معي عن الدمى!! أشتاق ضحكاتك و صوت همساتك... " بأختي الكبيرة رؤى " أنا أشتاقك يا كستنائي..!!
حاولت النهوض بجهد جهيد.. بينما الرؤيا كانت قد تضببت بفعل البكاء فتلاصقت بعض حبات التراب على شعرها..تأوهت هامسة لتشعر و كأن أختها جالسة أمامها.. دق قلبها بقوة رهيبة ففمسحت دموعها قائلة بإختناق ضاحك: أهذه أنت شاهي؟!!.. أنت أمامي حبيبتي!!
لتستدير و تنظر للقبر بقلب خافق.. و تعاود النظر أمامها و تجدها لا تزال تنظر إليها بإبتسامة بشوشة فإقتربت جاثية على ركبتيها و هي تقول: حبيبتي الصغيرة شاهي!!.! أنت أمامي.. أنا أنظر إليك..
ملست على خدها و إبتسامتها تزيد مع ضحكة صغيرتها.. لتنقشع الرؤيا و تختفي من أمامها و تحدق في الفراغ و العبرات قد هجرت مقلتيها ثم تستيقظ..وضعت كفيها على وجهها بجزع..متلفتتة حولها تبحث عن أي أثر لشاهيناز إلا أنها لم تجد سوى الفراغ فأعادت الهمس و قد إمتلئت عينيها بالدموع ثانية: شاهيناز..!! أختي..!!..
و لما لم تجد سوى صدى صوتها تيقنت بأنه لم يكن أحدا.. كانت تتوهم.. خيل إليها بأن صغيرتها التي لم تعد موجودة منذ أحد عشر عاما كانت تجلس بجوارها توا.. بل تشاركها ضحكة الطفولة..فأخدت تمسح دموعها و هي تتمتم: ليتك هنا شاهي!!.. لكان عمرك ستة عشرة أو أكثر.. لكنك رحلت!!.. غادرت هذا العالم العفن سريعا و تركتني وحيدة أستيقظ على ذكرى موتك كل يوم!! أتدرين..!! منذ يوم مماتك لم أرى والدنا.. لم نرى بعض و لم نشاهد بعض في هذه الإحدى عشر عاما إطلاقا!! لا أعرف كيف صار شكله يا حبيبتي..!! أنا أقول لك هذا ليس لأنني إريد لقياه.. بل
لتتوقف أنفاسها فجأة و تهمس بعد ذلك بعذاب سحيق: لا أريده لكني في نفس الوقت أريد أن أرى ملامحه.. أرى كيف غيره الزمن!!.. لكن هذا لن يتحقق على أرض الواقع..فكل واحد منا إختار مصيره منذ إحدى عشرة سنة..!!
حدقت في المقبرة طويلا فنهضت لتغادر و قد تمكن منها الألم لآخر نقطة بعدما قبلت التراب باكية.. فإستدارت تمشي بخطوات متثاقلة لتشعر بالأرض تميل بها فجأة.. ترنحت و كادت تسقط لولا الذراعين اللتان أمسكانها بإحكام..
أغمضت عينيها بقوة و فتحتهما ثم حدقت في الشخص بإعياء.. شابة في مقتبل العمر.. شقراء الشعر.. طولها مثل طول رؤى تماما.. ترتدي سترة جينز و نظارات شمسة...
تحدثت الفتاة برقة: هل أنت بخير؟!! هل كل شيء على مايرام؟!!
لتجيب رؤى و قد بدت تتوضح الصورة أمامها قائلة بهدوء: أجل.. أنا بخير!!.. شكرا لك..
إبتسمت الفتاة في إشراق بعدما نزعت نظاراتها قائلة و هي لا تزال تمسك برؤى: لقد أصبت بالدوار فجأة!!.. كدت تسقطين..!!.
فإبتسمت رؤى بجهد محدقة في الفتاه بحب و لمعة الدموع في عينيها..يبدو أنها ليست الباكية الوحيدة.. و ليست وحدها من جرب ألم الفقذان..بادلتها الشقراء نفس الإبتسامة قائلة بعد إبتعادها خطوة للوراء: يبدو أنك زرت شخصا عزيزا على قلبك.. كل مرة آتي فيها إلى هنا كنت أشعر بنفس شعورك.. لقد سمعتك تنادين شاهيناز عندما كنت أمر من هنا.. هل ظننت بأنها كانت بقربك؟!!
إستدارت رؤى تلقائيا إلى قبر أختها قائلة بعدما وضعت سبابتها على أنفها: لقد شعرت برائحتها هنا..!!.. شممت رائحة طفولتها في أنفي..
لتجيبها الفتاة في إستكانة تامة و لمعة الحزن قد إختلطت مع ضحكة شفافة قائلة بألم جاهدت على إخفائه: أعرف شعورك.. أنا أيضا كان ينتابني نفس إحساسك عندما كنت آتي إلى هنا!!..
مسحت رؤى عينيها بعدما أزالت الوشاح على رأسها هامسة بنفس ألم الفتاة: يبدو أنه شخص عزيز!!
لتعاود الفتاة الإبتسام من جديد قائلة بعد تنهيدة مرحة: أجل.. عزيز جداا..!!..
ثم مدت يدها قائلة بلطافة:إسمي.. رحيق..
فصافحتها رؤى بحب شاعرة بإستكانة غريبة و هي تحدق لعيناها النهرتين الهادئتين: رؤى... تشرفت بك...



_أنا آتية.. ما الذي يحدث؟!! كيف تطرقون الباب بهذه الوحشية؟!!
صرخت بها رنيم و هي تسرع بخطواتها لتفتح الباب شاتمة تحت أنفها: ها قد فتحت الباب لسيادتكم؟!! ما الأمر هل هي الشرطة؟!!
لتصطدم بنظرات رامي المتنمرة.. فقالت ذاهلة:رامي!! أهذا أنت؟!! مابك.. هل أنت بخير؟!! لماذا تطرق الباب هكذا؟!! هل كل شيء على ما يرام؟!!..
هدأت أنفاسه و قد لانت ملامحه قليلا فتجاوزها معلنا الحرب الباردة بينهما غير آبه لصدمتها: أريد شايا بالزنجبيل.!!..أحضريه بسرعة..
أغلقت رنيم باب الشقة تدعي الهدوء و الصلابة..فإستطردت قائلة بسكون عكس الحريق الذي يلتهب داخلها: لقد حضرته لنفسي توا.. تستطيع شربه..إنه أمامك على الطاولة..!!..
فتوجه ببصره نحو فنجان الشاي و عاد ينظر إليها من جديد بحدقتين يصعب تفسير ما يجول فيهما.. ثم إستطردت هي بشيء من الفضول: رامي!! أظن أنني سألتك سؤالا بل عدة أسئلة؟!!..
شقت إبتسامة جانبية طريقها لشفتيه بعدما جلس على حافة الطاولة و عينيه لا تحيدان عن عينيها الوجلتين: في المرة القادمة لا تتأخري في فتح الباب و إلا عاقبتك.. ولا تدعي الهدوء و السكون أمامي هكذا و إلا نلت عقابا أشد من العقاب الأول..
لينهض و يقترب منها ببطء كي يبتسم بإدراك و يهمس خلف أذنها بقسوة: و الآن أخبريني من يكونون؟!! و إذا كذبت... سوف أستمتع بآخر العقاب الذي ستنالينه مني..!! و سوف يكون أشد قسوة من العقاب الثاني و الأول..
رمقته رنيم بسهام عينيها التي توهجت ببريق يناقض صوتها الضعيف فهمست: عن ماذا تتحدث؟!! أفصح أكثر.. كما أنني غير مجبرة على قول أي شيء يخصني لك..
لحظات مرت على لقاء عينهما لتدهشها القسوة الشديدة التي إلتمعت في حدقتيه فزاد من إقترابه أكثر قائلا بنفاد صبر: البارحة في الشاطئ.. رجلان.. أحدهما أربعيني و الآخر كان أقل منه سنا.. لنقل أنه إبنه.. الإبن كان يراقبكما أنت و رؤى!! كان يحدق إليكما كمارد!!!.. أنت لم تري نظرته الوحشية إليكما.. من أين تعرفينه؟!!
زمت شفتيها و أشاحت بوجهها عنه تحاول التركيز فيما يقوله.. فإستطردت بعدم إستيعاب: لا أدري عن ماذا تتحدث.. رجل و إبنه.. لا أعرف ما تقوله؟!!..
فإبتسم بسخرية مريرة و هو يقول بثبات:أحقا..!!.آنسة رنيم!!..
ليمسك ذراعها اليمنى و يلويها خلف خصرها غير آبه للآهة التي خرجت من تغرها قائلا بنفس التنمر: أخبريني الآن يا رنيم..!!.. أريد معرفة ما يحدث معك في الخفاء..
صرخت رنيم بشراسة قائلة: ما الذي تفعله؟!! أترك ذراعي الآن يا رامي؟!! أقول لك أتركها...لا شأن لك في... هذه حياتي الخاصة كيف تعاملني هكذا؟!!..
فهتف رامي بحدة قاسية و قد زادت نظراته شراسة: إذن أخبريني!!.. من يكونون؟!! لا تظني بأنني سوف أتساهل معك يا سيدة الحسن و الكمال!! صحيح أننا إفترقنا منذ عامين لكن هذا لا يعني أن تتصرفي بأريحية و على هواك الذي أمقته.. أفهمت؟!!
عقدت رنيم حاجبيها و شياطين الغضب كلها تتناقز على وجهها.. لا تكاد تصدق أن رامي من يتحدث معها بمثل هذه القسوة لتهتف مجددا:أترك ذراعي!! قلت أتركني!! لن أسمح لك بالتحكم في بمثل هذه الطريقة النكراء.. ماذا جرى لعقلك؟!! هل فقدته؟!!
أطرق رامي برأسه في إختناق.. فمنذ تلك الليلة العصيبة التي لن ينساها أبدا.. الليلة التي رفضته رنيم بكل قسوة و أنهت كل شيء بينهما و هو لا يستطيع بلع مرارتها مهما فعل..
نظر في عينيها مباشرة و هو يشد على كل حرف ينطقه: أنا لم أنسى ما فعلته بي منذ عامين و لن أنساه أبدا.!..حثى..
قاطعته هاتفة و قد تجمعت الدموع في مقلتيها: لماذا؟!! لماذا؟!.. لماذا تعذبني بهذا الشكل؟!! هل تريد قتلي؟!! هل تستمتع بذلك؟!! أنا لم أستطع حبك أكثر؟!! لم نكن لنليق ببعض أبدا!! لكن أنت لا تفهم!!.. لا تفهم!!... تبا لك..!!
إزدرد رامي ريقه ببطء و هو يقاوم شعوره نحوها تاركا ذراعها بعنف.. فتأوهت رنيم بألم..أخدت نفسا عميقا تغالب به دموعها لكن هيهات.. دموعها العزيزة التي لا يكاد يراها أحد تخذلها دوما أمامه.. تمزقت روحه إلى أشلاء عندما فطن لما فعله..فهمس و قد جرها إليه بنفس التنمر: يكفي..!!.كما أنني لا أعذب أحدا و لا أقتل أحدا...
لتحاول الإبتعاد بينما هو يلف خصرها قسرا حتى إرتطم جبينها بصدره هامسا بعدما أحكم إمساكها:إسمعيني جيدا..إذا صدق و وجدتك تعرفينهم و لم تخبريني.. هل تعلمين ما سأفعله بك حينئد؟!!..
عاد ببصره يتعلق بعينيها القاسيتين هامسا و قد شعر بحرارتها تلفحهه كليا:سوف أستعمل العقاب الثالث.. أفهمتني يا رنيم؟!!..قد أقتلع روحك بيدي آنذاك..
ثم إبتعد عنها بعدما ولها ضهره مغادرا.. ليهتف و قد إستدار مجددا و هو يفتح باب الشقة محدقا في معصمها بقسوة: أتمنى أن يكون معصمك قد شفي!!.. بلغي سلامي لمالك الساعة..
ثم يصفق الباب وراءه بعنف و تنزل آخر دمعة حارقة على خدها.. تأوهت في صمت فإستطردت قائلة بألم: يا إلهي..!! ماذا يحدث لي؟!! ما الذي أصابني؟!!..
نظرت لكأس الشاي أمامها و أدارت إصبعها على حوافه في حركة دائرية لتقودها ذكرياتها لأيام جاهدت على نسيانها فلم تقوى..
_ لن نستطيع أن نكون معا يا رامي!!.. لم أعد أستطيع خوض غمار هذه العلاقة على عاتقي..
همست بها رنيم بإختناق.. فنظر إليها رامي مطولا بصمت ثم قال بهدوء: لم أفهم.. هل تريدين إنهاء ما بيننا؟!!
إستندت رنيم على الحائط متألمة شاعرة و كأن العالم لم يعد يحتوي سواهما فنطقت بإنكسار: أجل!! بعد وفاة أبي.. تغيرت الكثير من الأمور و أدركت أشياء عديدة لم أكن أحسب لها حسبان.. صدقني نحن لا نليق ببعضنا يا رامي!! أعرف أن هذا صعب بالنسبة لك و صادما لدرجة كبيرة.. لكن هذا هو الصواب!! يجب على كل واحد منا أن يمضي في طريقه..
فنظر إليها بإستغراب بعدما ضحك بسخرية: هل أنت نفسها رنيم التي تتحدث..؟!! مستحيل أن تكون الفتاة التي أحب ضعيفة بهذا الشكل المزري!! إستيقظي من أوهامك يا آنسة!!
رفعت رأسها للأعلى و قالت بإبتسامة حزينة مغمضة العينين: أنا مستيقظة!! مستيقظة يا رامي!!
ليضرب يده على الطاولة صارخا بقوة:يكفي!! يكفي و إلا قسمت رأسك لقسمين!!.. لن أسمح لك بفعل هذا بي!!
تنهد بإختناق بعدما شد رأسه و الشرر يتطاير من عينيه هامسا بوحشية و هو يشير لرنيم بسبابته: أتحداك.. أتحداك يا رنيم أن تكرري ذلك مجددا.. أفهمت؟!!
لتعاود الصراخ من جديد قائلة بنفس وحشيته:بل أنت الذي يجب عليه أن يفهم!! لن نستطيع النجاح في هذه العلاقة أبدا.. لن نستطيع ذلك!! إفهم ذلك.!!..
أمسكها رامي من ذراعيها بقوة و مال عليها بجدعه محاولا الهدوء أقصى إستطاعته و جبينه على جبينيها: لما يا رنيم؟!! لما يا حبيبتي؟!! لماذا تحرقينني و تحرقين نفسك معي.. أعرف مدى حبك لي فلا تدعي غير ذلك!! كما أنني أحس بحزنك على موت والدك.. لكني أعدك بتجاوز هذا..سوف نتجاوزه معا..
بكت رنيم بحرقة شديدة..فنظرت لعينيه الباكيتين أيضا ثم همست: أريد أن أعود لنفسي كالسابق و هذا يحتاج الكثير من الوقت يا رامي!! لننفصل ولنرى ما تخبئه لنا الأيام.. أنا أرجوك!!.. لم أعد أتحمل!! لم أعد أستطيع!!
فنظر إليها طويلا غير مصدق..ما الذي تقوله هذه الحمقاء؟!! هل تعي ما ينطقه لسانها اللعين؟!! هل هي رنيم نفسها.. فتاته.. حبيبته القوية؟!! كيف صارت بهذا الضعف؟!!لا..!! هذه ليست رنيم!!..تستحق الضرب على رأسها اليابس لعلها تعود لصوابها!! بل أراد لو حطم عقلها بضربة واحدة كي تفقد الذاكرة و لا تقول ما قالته..!!.. الحمقاء لا تعلم المصيبة التي تتفوه بها!!.. تبا لعقلك!!. تبا لك يا رنيم!!.. تبا..!!هتف بها رامي بعدما أشاح بوجهه عنها.. فهمست بإختناق: أعلم أنك غاضب!!. لكن صدقا أريد الإختلاء بنفسي..آسفة!!
فقاطعها ضاحكا بسخرية: تريدين الإختلاء بنفسك لأيام أم..لأعوام!!..
هنا نظر لعينيها الذابليتين مليا بصمت..فإبتعد عنها بعدما شعر بالألم الشديد في قلبه ثم إستدار قائلا بنفس الألم الدفين: حسنا يا رنيم!!.. لك ذلك.. لك الهدوء و الراحة.. و لك الإختلاء و حتى..
فإنقطعت أنفاسه بعدما شعر بقبضة فولاذية تلف قلبه قائلا بعينين دمويتين: و حتى الرحيل!!.!! لكن صدقيني عودتك لي من جديد سوف يكون لها ثمن.. لن أسمح لدخولك نفس المكان في قلبي إلا بعد تذوقك لنفس العذاب التي سببته لي و أنت تغادرينه.. وداعا..!!..
لتشهق رنيم بعدما شعرت بغصة في قلبها و هي لاتزال شاردة في الفنجان: أكثر من هذا يا رامي؟!! أكثر من هذا العذاب.؟!!..
فأمسكت الهاتف و طقطقت الرقم لتجيبها رؤى: رنيم..!! حبيبتي كيف حالك..؟!!
إبتسمت رنيم بصعوبة..فقالت بحقد دفين بعدما إختفت إرتعاشة صوتها: أين أنت يا رؤى؟!! الحقير..!!.. لم و لن يتركنا و شأننا يا رؤى!!
ساد صمت بينهما فإستطردت رؤى بنفس الهدوء: أنا في المنزل الآن..!! أتقصدين..؟!!
شدت رنيم على كل حرف قائلة بشراسة: أجل..رائف يا رؤى.. رائف المجرم!!..
فتنهدت رؤى بعدما فكرت بعمق قائلة بنفس حقد رنيم: إسمعيني جيدا يا رنيم!!.. رائف أنا كابوسه و ليس أنت.. مشكلتك إنتهت مع قصيل فلتبتعدي عن الحرب هذه المدة و أنا متأكدة بأنهم لن يمسوك بأي أذى..
قاطعتها رنيم بقوة: مستحيل!!.. لن أسمح لك أن تخوضي هذه المعركة وحدك... مستحيل يا رؤى!!
لتجيبها رؤى في إستكانة تامة:و من قال أنني سوف أخوض معركتي وحدي.. أنا أيضا سوف أبتعد عن مدارهم هذه الفترة.. لكن ليس لوقت طويل.. سوف أرد لرائف الكلب الصاع صاعين.. دعينا نهدأ و بعدها نشن الهجوم!!..
هدأت رنيم من غضبها فجأة فقالت بعد ذلك بصوت عميق حاقد و إبتسامة شرسة: أموت في حرف النون لديك.. أموت في كلمة "نحن" أموت فيك يا ذئبتي الشرسة!!..

***********



_رؤى..!!.. فيما أنت شاردة؟!!
نطقت بها ندين جالسة بقرب إبنتها في الشرفة بعدما راقبت شرودها الملفث لوقت طويل فإلتفتت هذه الأخيرة قائلة: لا شيء.. أستمتع بهدوء المساء فقط..
ثم إبتسمت ندين و هي تمسد على شعر رؤى قائلة بحنان ممزوج مع عاطفة: إبنتي الحبيبة..هل كل شيء على ما يرام؟!!
لتجيبها رؤى بهدوء حزين و لمعة الدمع في عينيها قد ترقرقت: اليوم!! ذهبت لقبر أختي.. تحدثت معها قليلا.. و أحسست أنها بقربي كما أني شممت رائحة جسدها الطيبة في أنفي.. نمت على قبرها فتخيلتها أمامي.. كانت تضحك معي و تبتسم لي..
صمتت قليلا.. ثم عاد تغرها يبتسم عندما مسحت دموعها السائلة بسبابتها: غريب..!! ها قد مرت السنين الطويلة بسرعة البرق.. لقد مر على وفاة شاهي وقت طويل يا أمي!! لكني لا أزال أراها.. أراها أمامي في كل مكان.. ضحكاتها و ملامحها.. نظرة الطفولة المليئة بالأمل..أقسم إني أراها في كل مكان ألتجئ إليه..
لتنظر في عيني والدتها الباكيتين و تكمل: أبي لم يكن أبي مند الصغر.. لم أعد أنتظر شيئا من أحد..
أغمضت ندين عينيها بمرارة فهمست: لماذا تلقين اللوم على أبيك دائما؟!! ماذا جرى لك يا رؤى؟!! منذ متى لم يعد والدك.. أنت مخطئة في كثير من الأشياء أباك لم يفعل شيئا .. لوميني أنا و لا تلقي اللوم عليه هو يا إبنتي.. أنا التي ظهرت في حياتك و ما كان يجب علي الظهور.. لو لم أظهر لما حدثت الكثير من الأشياء..
فأمسكت بكفيها وجهها ثم أكملت: أما آن الآوان لفتح قلبك لي؟!! أما آن وقت الغفران يا رؤى؟!! لما تفعلين بنفسك هذا؟!! بعد عدة شهور سوف نلتقي بوالدك.. سوف يكون معنا.. هل سنلتقيه بهذا البرود و بهذه اللامبالاة؟!! أباك دفع الثمن غاليا.. دفع ثمن روحه بموت شاهي قبل ثمن وحدته القاسية.. كما أنه أبى أن يلتقينا..
إبتسمت رؤى و ملامحها خالية من التعبير قائلة و قد أشاحت ببصرها نحو السماء: أمي..!! لا داعي لإصلاح شيء إنكسر لسنوات فموضوع أبي إنتهى منذ أحد عشر عاما..كما أنني سوف أنتقل للعيش في الشقة الأخرى عندما يحين وقت دخوله لهذا البيت..
تنهدت ندين في أسى و هي تنظر للشفق الأحمر في السماء تدعو بصمت أن تكون الأمور كلها بخير..


_جهاد!!..أهذه أنت يا صبية؟!!..
هتف بها الشخص فاغرا فاه بصدمة.. فإبتسمت رحيق بإنتشاء بعدما إستدارت ثم إستطردت قائلة و يديها على خصرها: ألزلتx لا تستطيع التفريق بيننا يا ذمار؟!!..
لتتسع حدقتيه قليلا و تُفترش على ثغره إبتسامة خفيفة هامسا و كأنه يحدث نفسه: أنت..! رحيق..!! أنا لا أصدق عيناي؟.!!..x كيف حالك؟!!
ركضت إليه رحيق بخطواتها الرشيقة و قامت بضمهx بقوةx فهمست بحشرجة باكية: إشتقت إليك يا ذمار..!! لما لم تتصل بي ولو لمرة؟!! كيف طاوعك قلبك ألا تكلمني طوال هذه السنوات؟!! كيف؟!!.. كيف يا إبن عمتي؟!!
فمسد على خصلاتها بحنان مقبلا جبينها غير مصدق أنها بالفعل أمامه..ثم هتف ضاحكا: أنا لا أصدق أنك هنا يا رحيق..أنت في المنزل معنا يا صغيرتي!! أنت في بيت عبد الناصر حقا..!! متى أتيت؟!! و لما لم تخبرينا؟!!
ضحكت رحيق لضحكته الخافتة بينما تسلست نبرته الذافئة إلى روحها معلنة الإستوطان من جديد: أتيت إلى هنا صباحا.. أجل أنا هنا!! عدت لمنزلكم من جديد!!.. هل إفتقذتموني؟!!..
فتنهد تنهيدة حارقة و إنتابه حنين لا يوصف و هو يقول: أجل!!..إفتقذناك!!.. لقد عدتِ يا شقية!! عدت إلينا..!!. هل إلتقيت رائف و البقية؟!! أمي.. سادن!!
ثم شحب وجهها و ظهر الإرتباك جليا عليها فقالت له في هدوء:إلتقيت عمتي فقط.. و الخدم أيضا..
ليعاود هو الإبتسامx في وجههاx من جديد مسندا رأسها على صدره.. مقبلا خصلاتها الشقراء.. يسترجع أيام الصبا هامسا بهدوء:جيد يا رحيق الورد!!.. جيد أنك هنا..
تطلعت إليه رحيق بحنان و هي تلف خصره بذراعيها هامسة بدورها بشقاوة: لقد صرت وسيما أكثر من السابق!! كما أنك قصصت شعرك قليلا.. لا بأس إنه رائع هكذا!! و هذه اللحية الرائعة التي تزيدك وقارا و هيبة!! لكن طولك يسبب لي الإحراج.. فقد أصبحت قصيرة جدا يا ذمار!! ما به لون عينيك العسليتين إزداد قتامة؟!!
ليكتفي بالإبتسام فقط في ملامحها الهادئة.. بينما هي تعاود الحديث بقلب نابض: ما الأمر يا ذمار؟!! هل أنت بخير يا عزيزي؟!! لما أشعر أنك مريض؟!!
كان ذمار يسمع حديثها من دون أية كلمة..فيكفيه أنها بجانبه.. فتاته الصغيرة!! مسكرة روحه بعطرها الفاتن..!!x تارة يطيل النظر في عينيها و تارة يجول ببصره على ملامحها و هو يمسد على خدها في شرود.. لطالما عشقx هدوء ملامحها و ركود جداول عينيها.. و كذلك لون شعرها.. لتهمس روحه بألم و وجع يصعب شفائه.. لماذا تشبهينها؟!! لماذا تذكرينني بها عندما أحاول النسيان؟!!يا رب.. ساعدني على نسيانها!!.. ساعدني على محو ذكراها المؤلمة من روحي!!.
و على إثر تحديقة الشارد صرخت رحيق بجزع تخرجه من أفكاره و هي تتشبت به خائفة.. بعد كسر تلك الزجاجة على رأس سادن بكل شراسة... لم تعد تتحمل فحاوطت خصر ذمار بكل قوة وجلة.. بينما هوx ضيق عينيه هاتفا: سادن!! ما الذي يحدث؟!!
أمسك سادن على رأسه بقوة غارقا في دمائه المتناثرة على السجادة الطويلة..x فإقترب منهx ذمار و فكره قد تشتت تماما بينما رائف عاد ليمسك سادن من ياقته يصرخ في وجهه متنمرا: إبتعد عن طريقي... إبتعد عني!! ما دخلك في عملي؟!! هل علي أن أدخل كلامي في جمجمتك بأعيرة نارية؟!!
فصرخ ذمار بنفس وحشية رائف بعدما أبعد رحيق و هو يرىx تمزق قميص سادن: ما الذي دهاك تانية؟!! ماذا فعل لك حتى تكسر على رأسه زجاجة شرابك اللعينة؟!! أتركه يا رائف و حالا!!
وضعت رحيق كفيها على فمها تكتم شهقاتها.. و هي ترى وحشية رائف لأول مرة مع أخيه و جزء من قميص سادن الممزق معلقا بين قبضتيه.. طالع ذمار عينا رائف المتوحشتين فكز على أسنانه بسخط: لا تفتعل المشاكل هنا.. هذا البيت له حرمته يا سيد رائف!! إذهب و مارس وحشيتك هذه بعيدا عن هذا البيت.. مارسها على كلابك الضالة..المتوحشة مثلك..!!
حدق فيه رائف و عينيه القاسيتين لا تحيدان عن عيني أخيه.. فإقترب بخطوات متثاقلة و قام بإمساك ياقة ذمار بقبضتة الحديدية هامسا كمارد شيطاني: ماذ؟!!.. هيا أعد ما قلت!!x
لم يعد الأمر يحتملx أكثر.. فأمسك ذمار بدوره قبضةx رائف بكل قوته حتى إبيضت مفاصل كلا منهما.. ثم صرخ بعينينه العسليتين المتوهجتين: ذمار لا يكرر كلامه..أيها الوغد!!
صرخت رجاء بالمثل و هي تهرول نحوهما: ما الذي تفعلانه؟!! أجننتما؟!!x لماذا تتشاجران؟!!ما الذي يجري معكما؟!!
حاول رائف الصراخ إلا أن والدته قاطعته بوحشية: أصمت!! ولا كلمة يا رائف!! ولا كلمة..
و تحدق ببصرها نحو رحيق المتجمدة في مكانها..x قائلة بإرتعاش: رحيق!! إصعدي لغرفتك لو سمحت!! لا تخافي.. لم يحدث شيء!!
فتتوجه جميع الأنظار نحوها و تزيدها توتر.. نظر إليها سادن من خلف دمائه هامسا بألم:رحيق هنا!! متى جائت؟!!
بينما ضيق رائف عينيه بغرابة و هو يحدق إليها بعدم إستيعاب ثم أشاح ببصره عنها بعدما مرت بجانبه كالضوء..فصرخت رجاء ثانية و قد أحست بالألم يقطر مع عرقها: ما الذي يجري لعقلكم؟!! شجار!!.. شجار..!!. كل يوم شجار!!.. كل يوم مهزلة!!.. كل يوم عتاب!! .. كل يوم غضب و تكسير!!.. ما الذي يجري في هذا البيت بالله عليكم؟!!
ثم هدرت عيناها بعاصفة كاسحة و هي تقول بصرامة: كأنكم لستم أولادي!! كأنكم لستم جزء مني!! أهذا ما تكافئونني عليه؟!! أنا أنجبتكم لتكونو أخوة..!!. لتتحاموا و تنصهرو و يكون إنصهاركم في جسد واحد!! و ليس لكي تتفرقوا و تصيرو أعداء..لماذا يجب علي أن أخبركم بهذا كل يوم؟!!
إقترب ذمار من أمه ليقول في هدوء و رقة: أمي!! يكفي!!
لتهتف بوجع و قد أمسكت برأس سادنx و هي تنظر لرائف بوحشية: لا...!! لن أهدأ.. ليس وقت الهدوء يا ذمار!! بل وقت الحرب!! فبعضهم لا يفهمون بالتي هي أحسن.. بل يفهمون بالحرب و الذَّمار..!!
ثم إلتقت عينا رائف الصقريتين بعينيها فقال بصوت غريب بعدما طال صمته: حقا!! هذا يدل على أنه منذ صغري و أنتم تحاربونني..
توقفت هي الأخرى لتنظر إليهx عاقدة حاجبيها.. غير مصدقة لما تفوفت به شفتاه فتقدمت نحوه و قد أمسكت بياقته هاتفة بجنون لم تستطع التحكم فيه: أنا أريد إبني رائف أيها الأحمق..!! أريد رائف القديم.. و ليس كثلة الظلم و الحجر الذي يقف أمامي الآن..هيا رد إلي إبني..لماذا أخدت مني ولدي و خطفت منه براءته و طيبته؟!! ما الذي تفعله به أيها التافه المتكبر؟!!
لتتسع حدقتي ذمار بصدمة.. لأول مرة يصاب بالهلع على حالة أمهx فيبعدها صارخا: أخرج من هنا يا رائف!! حالا..!!
نظر إليه رائف بوحشية فإشتدت نظرات ذمار بوحشية مماثلة.. إلا أن سادن تكلم أخيرا بصوت دو نبرة مليئة بالحزن و الألم.. بنبرة ملؤهاx الإعياء و التعب الشديد بينما قميصه كان قد تلطخ بالدم كليا: أتركوا رائف و شأنه!! رائف لا دخل له في هذا الشجار أبدا!! أنا من إفتعلته.. أرجوكم كفى..!!
فتهدأ الأصوات قليلا..و يستدير رائف مغادرا إلا أنه توقف بعد خطوتين ثم إستطرد بصوت قاتم.. قاتم جدا: لآخر مرة... لا تتدخلوا في شؤوني أبدا.. أتركوني و شأني كما أترككم..و إلا لن يطيب خاطر أي منا..
x x x x x x x x x x x x xx



_رؤى أهذه أنت حقا؟!!
إبتسم الدكتور إبتسامة عريضة و هو يمد كفه اليمنى كي يصافحها فردت رؤى بإبتسامة مماثلة قائلة بهدوء: دكتور نادر!! أتأسف لمجيئي من دون موعد..لكني لن آخد الكثير من وقتك..
رفع الدكتور حاجبيه واضعا يده تحت ذقنه مستطردا بضحكته الآسرة:ما الذي تقولينه يا رؤى؟!! هل جئت لإزعاجي أم ماذا؟!!
فإحمرت وجناتها و هيx تبتسم بخجل: شكرا لك يا دكتور!! لقد جئت..
ليقاطعها فجأة و عينينه لا تحيدان عن عينيها الكحيلتين: من أجل والدتك صحيح!!
نظرت إليه رؤى بوجل فإطمأنت لملامحة الضاحكة ثم همست بحشرجة:لم أشأ أن أتحدث معها.. أعرف أنها تشتاق إلينا كثيرا..أردت أن أطمئن علىx علاجها و حسب..
إبتسم الدكتور بعدما إستند على الكرسي ثم قال أخيرا بخفوت: البارحة إتصلت بطبيبها.. أخبرني أنها بخير و أن مدة علاجها تكاد تنتهي.. كما أن المرض قد إختفى شبه كلي..
تهللت ملامح رؤى بسعادة كبيرة فهتفت: أتقصد أن كل الأمور بخير.. يعني أن جسدها يتكيف مع العلاج للمرة التانية..أليس هناك خطورة يا دكتور..؟!..
أومأ الطبيب برأسه إيجابا فزادت ضحكة رؤى صدوحا.. ليتأمل عينيها بمحبة غير آبه لخجلها و لا على إشاحة وجهها عنه كلما وجدته ينظر إليها..
x x x x x x x x x x *******
أشاحت رجاء بوجهها عنهما بوجع و هي تمسح بعضا من قطرات العرق المتصببة على جبينها.. فتأوه سادن بخفوت هامسا: اللعنة..!!.. إنك تؤلمني يا ذمار!!..
كز ذمار على أسنانه معلنا حربا رغم برودتها إستطاعت أن تلفح وجه سادن قائلا بهمس و عينيه لا تفارقانx جسد والدته المتعب: ماذا فعلت لرائف حتى جعلته يدميك بهذه الطريقة المتوحشة من دون شفقة أيها الأحمق؟!!
نظر إليه سادن مطولا ثم أشاح بوجهه ينظر لأمه التي تستند على الزجاج بعيدا.. مغمضة العينين.. بينما ذمار كان قد شد بقبضته على الزيف الذي كان يضمد به رأسه..فأبعد هذا الأخير قبضته بعنف.. و بعضا من الوحشية بدت تشق أمواج عينيه قائلا بنفس همس أخيه: هيا يا ذمار!!.. أكمل ما بدأه أخيك اللّٰعين.. تبا لكليكما..!!.. لم أعد أطيق العيش في هذا البيت المليء بالشر.. لم تخطئ أمي في نعته بكتلة الظلم.. حقا إنه كذلك..!!.
حدق فيه ذمار ببرود بعدما أنهى تعقيم جرحه ثم تكلم بهدوء عاصفة: ما الذي جرى بينكما؟!! ستخبرني هذه المرة بكل شيء و إلا سوف أحقق أمنيتك..ألا و هي تحطيم الجزء الأيسر من رأسك.. هيا يا سادن تكلم..!!
ثم تابع حركات أمه بقلق و أكمل بنفس البرود:ذقت ذرعا بتصرفاتكم المتوحشة.. أنت لا تبالي بما سوف تؤول إليه الأمور في النهاية.. و أخوك المتوحش لا يكف على جلب المشاكل لنفسه و لمن حوله..
نهض سادن و صرخ بعنف غير آبه للألم الذي يعصف برأسه: دائما رائف..!! رائف المتوحش!!.. رائف الشرس الغير المبالي بالآخرين!!.. رائف المتسلط.. الوغد!!.. الحقير!! هل جربتم يوما أن تنعتوه برائف فقط!! من دون ألقاب!! أن تنظروا في وجهه بحب.. أن تحترموا شخصه كيف ما كان!!.. أن تفهموه لماذا يتصرف بهذا النحو.. لا..لم تجربوا فعل ذلك يوما..!!.. تقبلوه كما هو و سوف ترون رائف آخر..
ليصمت ذمار و يتطلع إليه بنظرات مبهمة بينما رجاء لم تعد تتحمل الألم الفضيع الذي إكتسح جسدها فجلست على الأريكة ببطء.. ثم همست بألم: كفى!!.. كفوا عن الشجار رجاء..!! إبحثوا لي عن رائف!! أعيدوه للمنزل!!.. أريد إبني يا ذمار!!
تقدم ذمار بوجل نحو أمه هامسا: إهدأي يا أمي..!! حرارتك مرتفعة!!
ثم أمسك سادن كفيها بحنانx فنظرت إليه مطولا بينما ذمار قطع ذلك الصمت الموجع قائلا بإرتعاش: سوف أتصل بالدكتور لكي يأتي..
همست رجاء كأنها تهذي.. ممددة على الأريكة بإعياء: رائف ضاع يا ذمار!! ضاع مني إبني الذي لطالما فديته بروحي.. أريد رائف القديم..أريد إبني الهادئ المحب للخير..
شعر سادن بالخواء في روحه.. لأول مرة يحدث هذا مع والدته.. لطالما رآها شامخة و حنونة.!!..و ذو كبرياء..!!. لكن ما يراه الآن.. عكَس كل شيء في والدته.. عينيها لا تبوحان إلا بألم و وجع دفين لا يعرف ماهيته!!..
و ضمة شفتيها لشهقاتها تزرع الأسى في وجدانه و تحرق مضجعه.. مسد على خديها يينما أخوه يجري إتصالا..فتأوهت في صمت لتنساب بضع عبرات على كفه الباردة.. شعر بإلإختناق و هو يتذكر نظرتها إليه قبل قليل و هو يصرخ..نظرة تائهة و مبهمة..كأنها تنتظر تفسيرا منه لكل تصرفات رائف المتوحشة.. بل كانت تتوسله أن يطفئ هذاx الجحيم في داخلها.. جحيم رائف وحشيته..! فلم تستطع إلا أن تستدير و تغطي وجهها بكفيها و تتباطئ حركاتها حتى تسقط.. أفاق سادن من أفكاره هامسا: أمي!! أنا آسف لأنني فقدت أعصابي!! آسف جدا يا حبيبتي!!..
ثم نظرx لذمار الآتي بخطواته السريعة سائلا إياه و الخوف الكبير باد عليه: ماذا قال الطبيب؟!!
أجابه ذمار و عينيه لا تحيدان عن أمه: إنه آت!! ربع ساعة و يكون هنا.. لقد إنهارت كليا!!
بعد وقت قصير كانت رجاء ممددة كجثة مسجاة على سريرها.. راقب كل من سادن و ذمار قياس الطبيبx لنبض والدتهما..كانت مغمضة العينين و ساكنة..تألم سادن في صميمه.. سبب إنهيار والدته هو شجاره مع رائف.. ليتأوه داخل روحه المحترقة و تتوجه نظراته نحو باب الجناح الذي يُطرق بخفوت..
إتجه بخطوات متثاقلة ليلمحx بعضا من خصلاتها الشقراء فتنهد بحب وx هو يطل عليها بأروع إبتساماته قائلا: أهلا بأميرتنا الشقراء..!!
لم تتطلع إليه رحيق أبدا فضمت كفيها لحجرها في توثر.. ثم عاد يشاكسها و هو يلف إحدى خصلاتها الناعمة بإصبعه قائلا بخفوت: ما الأمر؟!! لما أنت صامتة؟!! و لما لم تتصلي بي عندما أتيت؟!!
إستفزته بنظراتها الباردة فإبتسمت روحه تلقائيا مقتربا منها إلا أنها إبتعدت خطوة للوراء.. إستند سادن بظهره على باب الجناحx بعدما أغلقه ببطء و ظل يحدق في ملامحها لأكثر من دقيقة.. فخفق قلبه بقوة رهيبة..
لقد مر زمن طويل منذ ذهبت من هذا البيت.. زمن لم يستطع محو أي شيء من ملامحها البريئة أبدا.. حدق في ثغرها الكرزي بشهوة.ثم إمتلأت عيناه بالكثير من الحب الذي كان يكنه لها سابقا و كذلك بحة صوتها المميزة التي لطالما عشقها تخرجه من نعيم أفكاره و هي تهمس: كيف حال عمتي؟!! هل هي بخير؟!!
طال صمته كثيرا هذه المرة.. إلى أن قال بهدوء يرحمها من الإرتباك البادي عليها: بخير... الدكتور و ذمار معها..لا تقلقي..!!
أشاحت عنهx بوجهها.. لا تريد التطلع في ملامحه أكثر.. لا تريد الإنجراف مع عاطفته مجددا..فقالت و هي تتقدم بخطواتهاx المتعثرة من دون أن تنظر لإتجاهه: حسنا.. سوف أراها لاحقا.. إن سألتك عني فأخبرها أنني بغرفتي..
تريد الخلاص بأي طريقة و الهروب منه و من عاطفته التي لا تريدها.. تريد الإنعزال و عدم رؤية ملامحه.. فنظراته الهائمة بها تربكها و تصتصغرها أمامه دوما.. إلا أن يده قد إمتدت و حاوطت خصرها بحب...أغمضت رحيق عينيها متجمدة من لمسة سادن الحنونة فهمست: سادن.. كفى!! قد يرانا أحد الخدم هنا.
أبعد سادن شعرها مقبلا رقبتها قبلا صغيرة ثم تكلم بنفس همسها: أنا لا أهتم بالغير يا رحيق.. كما أنني لا أصدق مجيئك المفاجئ هذا..
أحست بلهيب جسده المشتعل يحرق ظهرها الملتصق به.. بينما يده الحرة تلامس رقبتها فتزيدها جموحا..أدار وجهها إليه يتطلع في قسماته بعشق.. مسحورا في كل حرف من حروفه فمسح على تغرها متأوها.. بينماx هي تكلمت بعدما وجدت صوتها شبه متحسرج:سادن... توقف أنت لست في كامل عقلك..
ليرفع ذقنها إليه و تلتقي أمواجx بحره الهائجة بجداول عينيها الراكدة.. و يقترب مقبلا جانب ثغرها بعشق لم يعدx يستطيع السيطرة عليه..
إختلط هدير أنفاسهما المشتعلة.. فلم تعد تستطيع الوقوف أكثر فترنحت بين ذراعيه..
حدقت في وجهه و الدوار كان قد تمكن منها.. فهمست مبتعدة عنه: إ..إبتعد يا سادن.. هذا لا يليق!!.. لا يليق أبدا..
لتزين شفتيه إبتسامة شبه خفيفة و هو يتطلع لخطواتها الوجلة و خصلات شعرها الشقراء كفتاة غربية هامسا بعشق: لقد كبرت يا رحيق الورد المسكر!!... و صرت زهرة فاتنة لا يُضاهى جمالها بجمال أية زهرة..
و على إثر شروده و عشقه الصامت لم يكن ليلاحظ العينين الثلجيتين العسليتين اللتان كانتا تراقبان كل شيء خلف الباب في صمت مطبق منذ البداية..
يتبع


يوجّين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-08-18, 02:56 AM   #30

يوجّين
 
الصورة الرمزية يوجّين

? العضوٌ??? » 410657
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 326
?  نُقآطِيْ » يوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond reputeيوجّين has a reputation beyond repute
افتراضي التكملة

_رؤى.. كيف حال السيدة إلهام عزيزتي؟!! لم تخبريني ماذا قال لك الدكتور نادر؟!؟ هل كل شيء على مايرام؟!!
قالتها رنيم و هي ترتشف من قهوتها القليل.. جالسة على حافة المكتب فإبتسمت رؤى في إشراق ثم هتفت كطفلة: أخبرني أنها بخير.. جسدها يتكيف مع العلاج للمرة الثانية.. سوف تعود إلينا قريبا.!!. لن تستطيعي تخيل حجم سعادتي بعودتها...
فنظرت إليها بمحبة ثم نهضت من على حافة المكتب و قامت بإمساك كفي رؤى هامسة:الحمد لله.. أتمنى أن تعود بأفظل حال!!.
تعلقت نظرات رؤى في مقلتيها الغائرتين الممتزجتين بقطرات ألم إستشعرته سريعا فهمست بود: إن شاء اللّٰه!! رنيم.. هل هناك شيء؟!! لماذا أراك حزينة في هذه الأيام؟!! منذ أن إلتقينا برامي على الشاطئ و أنت لست على طبيعتك.. مابالك تتألمين و أنت صامتة؟!! هيا شاركيني همومك و أحزانك..!! لا تدعي شيئا سيئا إلا و أخبريني به.. فضفضي لنصفك الثاني يا رفيقتي..!!..
تألمت رنيم في صمت..تنظر لعيني رؤى بإنكسار شديد فتأوهت و قد تلاشت قواها أخيرا في ردم كل الألم الذي كانت تكتمه.. ثم همست بحشرجة:لماذا.. يا رؤى؟!! لماذا نحن بالدات؟!! ماذا فعلنا حتى تعاقبنا الحياة بهذا الشكل الأليم؟!! هل فعلنا شيئا سيئا في حياتنا حتى تؤلمنا الأيام و تكسر صبرنا و تخنق مضاجعنا؟!!.. اه!!..!. يا رؤى.. لم أعد أحتمل.. و اللّٰه لم أعد أقوى على الصبر..!!..
ضمت رؤى كفيها ثم أغمضت عينيها بإنكسار مماثل.. هامسة وسط أعماق وجدانها.. تتسائل؟!! فعلا.. كيف تحاسبهم الحياة على الصغيرة و الكبيرة؟!!ماذا فعلوا؟!!. بينما حال بعض الناس علىx أحسن مايرام رغم مساوئ أعمالهم و أفعالهم..ففتحت عينيها بعد صراعات الألم في روحها.. ثم حدقت في ملامح رنيم.. ملامح جامدة و باردة.. هادئة و حنونة في نفس الوقت رغم شحوبها..ثم أكملت رنيم بإبتسمامة واهنة و قد أشاحت بوجهها نحو الصورة الموضوعة على المكتب بأناقة: أتدرين؟!! نحن متشابهات يا عزيزتي!! أعلم أنك تشعرين بنفس ألمي و حزني الدفين.. أحيانا أتسائل عن عائلاتنا!! ترى..!! لماذا كسرونا بهذا الشكل الأليم؟!! أبي لم يتحمل ضعفه و ألمه فإنتحر تاركا إياي أتخبط في ذكرى وفاته كل يوم.. أمي قامت بهجري بعد موته.. لم تقف إلى جانبي و كأنها كانت تنتظر مصير أبي على أحر من الجمر لترحل إلى حب حياتها الأبدي.. عشت وحيدة و لطالما أحسست بأني منعزلة و متباعدة عن الأخرين منذ الصغر..
تأوهت رؤى و هي تنظر بدورها للصورة..
آه يا رنيم..!! و كأنك تزيدينx إضرام الحريق داخلي!!.. كأني في جحيم أبدي.. أحترق و أموت و أتعذب عذابا شديدا.. أنت على الأقل قد عشت مع عائلتك و لو قليلا.. كنت وسط عائلة رغم مشاكلها كانت تبدو عائلة حقيقة.. لكن ماذا عني أنا..؟!!.. منذ وعيت على هذه الأرض و أنا أتسائل... من أنا؟!! حتى وجدت في الأخير ماهيتي و يا ليتيني لم أجدها!....
يا ليتيي بقيت تلك الطفلة الجاهلة..!! الغبية..!! الغير الآبهة للأمور حولها..!!
ثم همست في شرود: رنيم!! الأحزان لا تنفع.. و التحسر على الماضي كذلك لن ينفع.. بل يزيدنا هموما على هموم حبيبتي!!
سحبت رنيم كفيها ببطء ثم نظرت إلى عيني رؤىx قائلة بغرابة: معك حق!.. لنرى ما ستجلبه لنا الأيام.. سوف أغادر الآن.. وداعا حبيبتي..
غادرت و وقع خطواتها المتثاقلة يقع على أسماع رؤى كصاعقة.. ظلت هذه الأخيرة تنظر للباب المغلق بيأس.. فإبتسمت بسخرية:و ماذا سوف تجلبهx هذه الأيام؟!! سوى الألم العظيم..
و على إثر شرودها سمعت طرقات خفيفة على باب المكتب.. طرقات متباعدة لكف صغيرة على ما يبدو فردت رؤى بهدوء: تفظل..!!
فتح الباب فلمحت رؤى الخيال الصغير وراءه قبل أن تلمح الرجل الذي يحفز ذلك الملاك الصغير أن يدخل ثم قالت بإبتسامة بعدما إتخدت مجلسها على الكرسي: لا تخافي يا صغيرة!! مرحبا بك.. هيا أدخلي أنت و والدك..
حدقت الصغيرة في رؤى بتيه و هي تشد على كف والدها بإصرار.. و أخيرا دخلت بخطواتها الصغيرة الوجلة و جلست بأدب.. فتنهد الأب مبتسما و هو يجلس بدوره: ظننت بأنها لن تدلف..
ضحكت رؤى بحب و هي تمد كفها للصغيرة قائلة: هل أنت خائفة؟!!.. كم عمرك صغيرتي؟!!.
فأبعدت الطفلة خصلاتها الفحمية وراء أذنها هامسة بأدب: لا.. لم أخف... عمري خمس سنوات...
ثم أكملت و قد قوست شفتيها للأسفل وسط نظرات رؤى الحنونة: أرجوك لا تعطيني دواء مرا لأنني لن أشربه.. لقد أخبرتx أبي بهذا.. أكره الدواء المر بشدة...
شهقت رؤى ببراءة مماثلة فهتفت:حقا.. لكنك إلم تشربي الدواء قد تمرضين أكثر يا صغيرتي..
إتسعت عينا الصغيرة في إرتياع فتكومت بعض الدموع في مقلتيها ثم همست باكية: و قد أموت..!!
نظر إليها والدها بعدما جعلها تجلس على ركبتيه فمسد على خصلاتها الكحيلية قائلا بحب: لا.. ليس هذا ما قصدته الدكتورة يا ريم!! قالت إلم تشربي الدواء قد لا تستعيدين نشاطك وx بالتالي قد لا تذهبين إلى المسرح لأن صحتك سوف تتدهور أكثر..
فحدقت فيه الطفلة و هي تقبل كفه و تضمه لحضنها الصغير: و لن أستطيع رؤية أبي من جديد يا شمس!!..
رمشت رؤى بعينيها مرتين بعدم إستيعاب.. للتو ظنت بأن الصغيرةx مريضة فقط.. لكن الآن.. ماذا يحدث.. قبل قليل و هي تنادي الرجل يأبي.. فماذا يحدث لها؟!! هل لها أب آخر؟!!
حدق الشخص في شرودها فقال مبتسما:يبدو أنك إستغربت الأمر.. هذه ريم و هي ليست طفلتي .. إنها إبنة صديقي المقرب.. لقد أمنها لدي و هيx بمتابة إبنة لي أيضا..
فنظر للملاك الصغير الجالس بأدب ثم قال بنفس إبتسامته و هو يضم خدها: لقد إعتادتني حتى باتت تناديني بأبي...
لعنت رؤى أفكارها السخيفة.. فإستطردت ضاحكة: فهمت.. اللّٰه يدومها محبة..!! والأن.. ما الذي يحدث مع الملاك الصغير؟!! من ماذا تشتكين؟!!
إلتوت شفتا الصغيرة في إبتسامة يائسة فهمست بعدما وضعت كفها على بطنها: أنا أعيش بكلية واحدة فقط.!! إستئصلوا كليتي الأخرى منذ عام نتيجة حادث لكن في الأيام الأخيرة صرت أشعر بألم رهيب جدا في بطني و أنا أخاف أن..
فتوقفت تنظر لرؤى بخوف و أكملت ببراءة طفولية: لا أعرف هل سوف يستئصلون كليتي الثانية؟!! هل سوف أموت قبل أن أرى والدي؟!! أنا لا أريد..!!
هتف شمس و هو يقبل خدها بقوة: طفلتي الشجاعة التي لا تهاب شيئا!! لا تقلقي لن يحدث شيئا من هذا..!!
ثم حول نظره لرؤى الجامدة.. بادلته النظرات المشتتة.. كيف؟!! هذه الصغيرة تعيش بكلية واحدة؟!! تتكلم بهذا الوضوح!! هذه البراءة الأخادة..!!.. هذه الشهامة..!! فتتكلمت بعد نحنحة شمس و قد راقب جمودها لدقيقة كاملة بنبرة مشتتة مختلطة مع إبتسامة واهنة: و هذا ما سيحدث..!! الأمور كلها ستكون بخير فلا تقلقي!!
ثم نظرت له رؤى و قالت بهدوء: سوف أفحصها في الجوار.. ستطيع الإنتظار هنا!!..
إبتسم في وجهها بإرتعاشة فهمس هو الآخر بعدما وجد صوته يخرج متهدجا رغما عنه: حسنا..!! سوف أنتظر..
طال إنتظاره كثيرا.. فوقف بإرتباك و قد شعر بعدم الراحة.. تقدم بخطوات بطيئة نحو مكانهما.. بعدما عصف بركان من الأسئلة في رأسه.. هل كل الأمور بخير؟!!x لماذا تأخرت في فحصها؟!! أرجوك يا إلهي!! إحفظ صغيرتي!!..
أزاح الستار بيد مرتعشة.. فهاله ما رأى.!! فغر فاهx بصدمة فيهما.. ماذا يحدث هنا؟!! كيف؟!!x
شقت إبتسامة عابثة تغره وx هو متكئ على الجدار يراقبهما في صمت مطبق.. كانت رؤى جالسة على السرير و ريم متعلقة بها.. نائمة على صدرها و تمسد خدها في براءة.. بينما رؤى كانت تسند رأسها على رأس الصغيرة في سكينة و تلاعب بعض خصلاتها الكحيلية.. كلتاهما كانتا مغمضتا العينين.. في عالم آخر.. عالمها المشترك.. لوحة مثالية..!! و الشبه هو ما حير عقله.. فمنذ دخوله هو و ريمx أول ما أثار إنتباهه هو عيني الدكتورة.. كانتا كعيون ريم حقا..xx نفس العينين الواسعتين كفضاء فسيح.. كأم و إبنتها..!! كتم دهشته بشق الأنفس فلم يجد نفسه إلا و هو يهمس لنفسه بغرابة: ما هذا الشبه العظيم..!!
أفاقت رؤى فوجدت الطفلة تحدق فيها بعينيها الأخادتين في شرود.. فهمست و هي تقبل كلتا عيونها: هل إرتحت الآن..!! هل تشعرين بالتحسن؟!! أنستطيع الخروج لعند شمس؟!!
إبتسم الملاك الصغير أحلى إبتساماته.. فهتف بعد أن قبل وجنتي رؤى في إنتشاء: أكيد..!!..
تكلم شمس بصوت مرتجف رغم هدوئه: هل هي بخير...؟!! أرجوك أخبريني أن حالتها بخير.
تنهدت رؤى تنهيدة بائسة.. فأمسكت على جبينها بقوة ثم نظرت لريم و بعدها لشمس قائلة بهدوء: لا تقلق الأمر تحت السيطرة.. الأمر ليس خطيرا على الإطلاق لديها الزائدة الدودية و تحتاج الجراحة في أقرب وقت.. و حبذا لو أجريناها الآن!!
x x x x x x x x x x

_أريد التحدث معك.. سوف أنتظرك في المكتب..
قالها ذمار بصوت رزين و هادئ ينتظر ردة فعل أخيه الشرسة.. لكنه تفاجئ من بروده و إطراقه لرأسه و هو متكئ على الزجاج يراقب المارة.. فأعاد هتافه هذه المرة ببعض الحدة: هل أتكلم مع الحجر..؟!! الحجر أم الطامة؟!!
فاجئه رد رائف الساخر و هو يدخن سيجارته قائلا بجحود: ماذا هناك؟!! هل الأمر مهما لهذه الدرجة؟!! إذن..لنتحدث هنا..! رائف لا يدخل غير مكتبه و مكتب والده..
إستفزته عبارته الساخرة فصفق الباب وراءه بقوة.. ثم تقدم بخطوات سريعة نحوه قائلا و هو يكز على أية كلمة ينطقها لسانه: ما شأنك يتهريب الأموال و الأسلحة أيها الوغد؟!! ما شأنك.؟!! هل عدت لجنونك؟!! هل أنت مخبول؟!! فكر ما سيحدث إن أمسكتك الشرطة..؟!! سوف تمرغ نسبنا وإسم شركتنا في الوحل.. أهذا ما تريده؟!!
إتسعت عينا رائف في وحشية.. فقال و الشرر يتطاير من عينه: سادن من أخبرك.. أليس كذلك؟!! ذلك الوغد!!
فإبتعد صارخا و هو يضرب المكتب بكفيه الصلبتين:و ما شأنك أنت؟!! أغرب عن وجهي و إلا قسمت رأسك لنصفين و لن يهمني فارق العمر الذي بيننا أتفهم..؟!! إبتعدوا عني..
نظر إليه ذمار و قد قست ملامحه أكثر فصرخ بعينيه العسليتين القاتمتين: من أي معدن مصنوع أنت؟!! من أي معدن؟!!
فأشار بإصبعه نحوه غير قادر على التحكم في نفسه: إذا أردت المشاكل غادر!!.. سافر!!.. إبتعد عنا و إرحم والدتك التي تكبدت كل جرائمك و أفعالك الشيطانية بكل رحابة صدر... لكنني لن أسمح لك مجددا في قتل روحها النصف الميتة يا عديم الرجولة..
هنا تقافزت الشياطين على وجه رائف فأمسك بياقة ذمار صارخا بتنمر كبير فاق وحشية أخيه ألاف المرات: أعد ما قلت أيها ال..
ليهتف أخاه بالمثل و لم يعد يسعى إلا لقتله و سكف دمه الخبيث: ماذا...؟!! أكمل!! أكمل فلم يعد يهمني ما تنطقه أو تفعله... فقط إبتعد بمشاكلك عن مدارنا.. إبتعد.. إبتعد..!!
لتدوي الصرخة الأكثر شراسة و الأكثر رعبا من الرجل الواقف أمام الباب: ما الذي يجري هنا؟!!!
حدقا كليهما في وجه بعض.. لا يعرفان الإستسلام.. فقط الشرارات تتطاير من أعينهما و هما يمسكان ببعضهما بتلك الطريقة التي أدهشت والدها المصعوق..فعاد يصرخ و هو يصفق الباب:أتركوا بعضكم أيها الأوغاد... هل صارت الشركة حلبة مصارعة؟!! ذمار..!! رائف..!! يكفي..!! قلت يكفي!!
صرخته الثانية كانت كافية ببث الرعب في أوصالهم.. فنفض ذمار كفي رائف عنه بإشمئزاز و هو يقول بتنمر: إبنك الرائع.. الفد.. الحقير.. السافل.. المجرم.. يريد تهريب الأسلحة و الأموال..
هدأت أنفاس والدهم بعد فترة قصيرة.. فجلس على الكرسي و حدق ببصره في عيني رائف الدمويتين لوقت طويل ثم توجه ببصره نحو ذمار قائلا بصوت مزلزل:رائف رجل.. و هو يعي الخطأ من الصواب.. لسنا بحاجة لصده عن شيء يريده فكفى شجارا!!
تبادل ذمار نظراته المرتاعة مع نظرات والده الأكثر شراسة فقالx و هو يحدق لرائف بغيظ كبير: أنا لا يهمني أمره.. و لا أفعاله... ما أرجوه منه أن يبتعد عنا بجرائمه التي لا تكاد تنتهي..مللنا يا أبي!!
ثم خرج.. حدق رائف للباب المفتوح على مصراعيه فأمسك جاكيته و غادر بخطوات متثاقلة بعدما أوقفه كلام والده الغاضب: لا تهتم بأخيك ذمار.. إنس ما قاله لك و ركز على مهمتكx ففيها خطر كبير..

x x x x x x x x x x x x ********

إتكئ شمس على الحائط يتنفس بصعوبة.. لقد تأخروا..!! تأخروا كثيرا.. يريد أن يراها.. أن يحدق في قلب أنفها الصغير و عينيها الواسعتين كفضاء فسيح.. عينيها كعيني الريم حقا.. و لما لا.. حتى إسمها "ريم" إسم على مسمى..فأغمض عينيه بألم و هو يرد على الهاتف بقنوط: مرحبا..!!
جائه الرد متلهفا:أهي بخير يا شمس؟!! هل ريم بخير؟!!
هتف شمس بإظطراب بعدما ميز صوت صديقه المتحشرج: أين أنت؟!! لماذا لم تعد بعد.. إبنتك في العملية الآن.. لا أعرف لماذا تأخروا كل هذه المدة..؟!!
فإستطرد الشخص بنفس النبرة المتلهفة الممتزجة بخوف غير عادي: شمس.. إبق بجانبها.. إياك أن تغادر المستشفى و لو دقيقة.. أنا أرجوك .. سوف ألتقيك بعد بضعة أيام..
تنهد شمس في إرتباك.. لا يعرف لماذا لم يأتي صديقه و يكون بجانب إبنته الوحيدة فقال في هدوء: حسنا لا تقلق.. سوف أخبرك بكل ما يحدث.. إطمئن..!!
ثم عاد ببصره نحو غرفة العمليات و هو يهمس: يارب إحفظها.. يا رب إحفظها!!
لتتسع حدقتيه في خوف و هو يرى رؤى قد خرجت تتحدث مع بعض الممرضات.. تقدم بخطواته السريعة نحوها هامسا بعدما نظر لوجهها المتعب طويلا: دكتورة رؤى .. كيف جرت العملية؟!! كيف حال ريم؟!! أهي بخير.. طفلتي!!
إبتسمت رؤى في إشراق واضح قائلة:
_ أجل.. كل الأمور بخير.. تستطيع رؤيتها..
تنفس الصعداء و قد إرتاح لسماع ذلك.. فنظر لعيني رؤى بإمتنان: شكرا جزيلا!! سوف أراها الآن..
أومأت رؤى رأسها في هدوء و هي تراقب إنصرافه في إظطراب.. شيء ما يحدث معها و هي تنظر لعينيه الصافيتين..إحساس غريب!! همست بها و هي تغادر نحو مكتبها.. عقدت حاجبيها للورقة المعلقة على باب المكتب.. فإقتربتx ببطء و نزعت الورقة بشيء من الفضول و همت بقرائتها و إنعقاد حاجبيها يزيد في توتر.. رددت محتواها بدهشة:
" رذاذ المطر الذي تعشقينه صار كحبات ألم تتساقط على مرج القلب فتزيده وجع.. غادري خيمة الأحزان و أهجري مآسات الماضي فهي لم تعد تفيد تحرري من خوفك.. فالقادم أعظم"
ضيقت عينيها برهبة و شعرت بدقات قلبها تكاد تصدح في الجو.. ثم نظرت لرواق المستشفى الخالي.. لا يوجد أحد!! فمن صاحبها؟!! إستوطنت الشكوك رأسها.. فأمسكت على جبينها و هي تتأوه هامسة:
_الوهن و التعب يا إلهي!! و لا تنقصني إلا ملاحظات سخيفة!! ما هذا اللعب؟!!..

x x x x x x x x xx *****

_فيما أنت شاردة يا رؤى؟!! هل أصابك الدوار ثانية؟!! أم هو حزن فقدان الأحبة؟!!
قالتها رحيق و هي تقترب من رؤى ببطء مبتسمة.. فرفعت هذه الأخيرة رأسها في شرود ثم همست بتفاجئ:أنت..!!
نزعت رحيق نظاراتها فإلتمع سطح جداول عينيها الراكدة مع الخيوط الذهبية لشمس الغروب.. ثم إقتربت بخطواتها المتثاقلة أكثر..
قائلة بنفس الإبتسامة: أردت التجول قليلا.. فرأيتك من بعيد تقفين وحدك.. في البداية ظننتك تنتظرين سيارة أجرى.. لكن لا يبدو ذلك لي..
أبعدت رؤى خصلاتها الفحمية وراء أذنها ثم قالت بإبتسامة هادئة و هي تعاود النظر للشارع: لا.. لدي سيارتي الخاصة.. لكنني أردت أن أقف هكذا لبعض الوقت وحدي..
فإلتفتت من جديد نحو رحيق الواقفة أمامها بنفس هدوئها قائلة: و أنت!! أي رياح عصفت و أتت بك إلى هنا؟!! هل أمورك بخير..؟!!
نظرت إليها رحيق بإنتشاء فهتفت و هي تمسك بكفي رؤى براحة: دعينا ننسى!! فكلانا ليس بخير.. لنتمشى أمام البحر يا رؤى.. أحب البحر عندما يحين الغروب..
بادلتهاx رؤى الإبتسامة بإرتباك فهمست بتلعثم: دعيها ليوم آخر يا رحيق!! الآن..
_ ماذا؟!! أعرف أنك تهربين من الآخرين.. تريدن الإنفراد بنفسك طوال الوقت.. إلى متى يا رؤى؟!! إلى متى؟!! أعرف أنني أتجاوز حدودي معك.. لكنني عندما رأيتك لأول مرة..رأيت نفسي فيك.. رأيت ألمي و حزني و ماضي فيك.. إرتحت إليك كثيرا.. لا أعرف كيف أو متى؟!! لكنني أؤمن أن الصداقة التي سوف تبنى بيننا سوف تكون صداقة متينة..
حدقت فيها رؤى بغرابة فإبتسمت و قالت و هي تفرد كفها اليمنى بسعادة كي تطرد الإرتباك بعيدا: أمسكي يدي.. و لنتمشى على رمالx البحر.. سوف أعرفك برنيم!! أقرب صديقة لي.. إنها رائعة و سوف تحبينها كثيرا!!
_ لا داعي لذلك.. أنا هنا!!
قالتها رنيم بعدما أركنت سيارتها بالقرب منهما فلوحت بيديها لرؤى هاتفة و هي تطالع رحيق من رأسها لأخمص قدميها: أين كنت ذاهبة من دوني؟!.. من هذه الفتاة؟!!
ضحكت رحيق و هي تجر رؤى بعيدا هاتفة بمكر: لنبتعد.. أنا صديقة رؤى الجديدة يا آنسة رنيم و أنت القديمة!! و الجديد يساوي الكثير!!
إتسعت حدقتا رنيم في إرتياع فهمست لنفسها و هي تراهما يبتعدان ضاحكتان: من هذه المخبولة؟!! لا عجب فيك يا رؤى... تلتقين مع المجانين فقط!!
_لنسبح!!
قالتها رحيق و هي تضم كفي كل من رؤى و رنيم فقالت هذه الأخيرة و هي تلتقط أنفاسها بعدما جتث على الرمال و كفها الحرة تعانق مياة البحر الصافي: أنت مخبولة!! لم أسابق فتاة مثلك في حياتي.. أنت سريعة جدا.. و تريدين أن نسبح في الغروب يا مجنونة!!
فضحكت رحيق كطفلة و عبق شعرها الأشقر يختلط بنسيم البحر هاتفة:أجل يا رنيم..!! أنا مجنونة بالبحر.. أحبه كثيرا.. لنسبح.. أنا أرجوكما!! كنت أسبح مع صديقة عمري دائما في ساعة الغروب..
ضحكت رؤى بالمثل.. فهبت مسرعة تغمس قدميها في المياه صارخة بقوة و قد نزعت ضفيرة شعرها فتطايرت خصلاتها مع الرياح و هي تدور كعصفور خجول على بركة مياه:سوف أسبح.. لم أفعلها منذ زمن يا رحيق.. أريد أن أكون تحت هذه المياه الباردة.. تلامس بشرتي و ألامس برودتها.. أريد.. أريد....!!
_ إنتظراني... أنا أيضا أريد..!!
صرخت بها رنيم و هي تنزع الشال من على رقبتها.. تراقب كل من رؤى و رحيق يبتعدان في البحر..
_ ما الأمر لماذا تبكين.؟!!
هتفت بها رؤى تداري برودة مياه البحر التي وصلت لرقبتها فأجابتها رحيق ضاكحة و هي تبتعد عنها كسمكة شرسة: تذكرت رفيقتي..آصال!! كانت سباحة ماهرة.. لم أكن ألحقها أبدا...
_ لن تكون مثلي..!!
صرخت بها رنيم بعيدا فإتسعت عينا كلاهما في إرتياع ثم هتفت رحيق و أمواج البحر تلطم وجهها بقوة:متى وصلت إلى هناك!! رنيم عودي إلينا.. لا تبتعدي!!! البحر هائج..
لمعت عينا رؤى من جديد فهمست و هي تتوسد البحر بكامل جسدها النحيل قائلة بسعادة: لا تقلقي عليها.. إبنة البحار لا تغرق.. إنها سباحة ماهرة.. قد تكون أكثر مني و منك..
ثم سبحت رحيق حول جسد رؤى و هي تعبثx بخصلاتهاx تارة تحت المياه وتارة فوقها فتباطئت حركتها حتى جعلت كامل جسمها فوق المياه بموزاة رؤى فهمست و هي تتطلع للسماء في إنتشاء:إنه إحساس رائع أليس كذلك..؟! فأنا أحس بسعادة كبيرة يا رؤى و لا أعرف السبب..
أجابتها رؤى و قد بدأت السباحة من جديد: أنا أيضا.. لم أشعر بهذا الشعور منذ زمن!! هيا تعالي نتسابق..
ضربت رحيق البحر بقدميها و هي تتسابق مع رؤى نحو رنيم التي إبتعدت كثيرا.. وقف الثلاثة أمام بعضهم فهمست رنيم بإرتعاش من برودة المياة:x لقد جمدتx المياه الباردة جسدي!! لم أعد أشعر بجسمي..
فضحكت رؤى و هي تمسك كفى رنيم و كف رحيق قائلة وسط الأمواج التي تتلاعب بهم كقطع خشب مجزئة:لنصنع دائرة..!!
شاركتها رحيق ضحكتها فصرخت بجنون:أين عشيقك يا رؤى؟!! و أنت يا رنيم.. أين هو حبيبك؟!!
إتسعت عينا الإثنتين بإرتياع لجنون هذه المخبولة فصرخت رنيم بجنون أكبر و هي تدور في المياه: مدفون في البحر بعيدا.. بعيدا جدا عني..!!
لتتسع عيناها شيئا فشيئا للنقطة السوداء الآتيه نحوهم.. في البداية ظنت أنها لا شيء.. لكن عندما بدأت تقترب ثم تقترب ناحيتها... حينئد شعرت رنيم بدقات قلبها تسبح بدورها في البحر بجنون..ظلت تحدق للشعر المتموج بفعل الرياح.. و الذراعين القويين اللذان يضربان المياه بعناد حتى تبينت ملامحه الغاضبة و نظراته المتمردة الحنونة..أيعقل أن يكون هو؟!! ثم همست لنفسها بينما شعرت بجسمها يتضائل تحت المياه شيئا فشيئا:مستحيل..!! كيف؟!! لا تأتي.. لا تأتي أنا أرجوك.
هتفت رؤى بصدمة و هي ترى رامي يسبح نحوهم:رامي..!! هل هو يا رنيم؟!!
فإستدارت رحيق هامسة بمكر:لقد تركته حورية البحر أخيرا فلم يعد مدفونا فيه.. ما هذه الوسامة يا سيد رامي؟!!
نفض رامي رأسه بغضب و عيناه المبللتين بالمياه لا تحيدان عن عيني رنيم هامسا: ماذا تفعلون في البحر في مثل هذا الوقت؟!! كما أنكم تجاوزتم خطوط الأمان..إنه المساء و البحر هائج!! كيف تغامرون بأنفسكم؟!..
إستدارت رحيقx فإستطردت بصوت ناهج: يا إلهي!! لقد إبتعدنا كثيرا!!x أشعر بالتعب.. رؤى رنيم أتستطيعان العودة؟!!
فعادت تنظر لرنيم بقلق: رنيم أتستطيعين ذلك لقد سبحت كثيرا.. أنت متعبة..
أومأت رؤى برأسها و كذلك رنيم.. فقالت رؤى بعدما غطست بكامل جسدها تحت الماء: سوف نسبقكما أنا و رحيق.. هيا لا تتأخروا..
خرجت شهقتها مرتجفة بغريزة الجسد نحو الهواء و هي تراه يقترب أكثر..
_ هل أنت مجنونة؟!! كيف تسبحين في مثل هذا الجو؟!!
قالها رامي بموزاة مع رنيم و هو يرجع خصلات شعره المبلل للوراه فأجابته و هي تبتعد عنه بإستفزاز: أردت السباحة!! هذا فقط.. و أنت ماذا تفعل حضرتك الآن؟!!
لكنها تراخت جميع عضلات جسدها فجأة و صارت تتضائل أمامه.. هب رامي ليمسكها من خصرها بذراعه تحت الماء.. كانت قطرات المياه تتسلل من خصلاته القصيرة لتمر من جديد ببطء فوق حنايا وجهه.. عينيه.. شفتيه.. همس و هو يقربها إليه أكثر بينما جسدها يرتعش و لا يعرف سبب إرتعاشه.. هل بسبب المياه الباردة.. أم بسبب قربه؟!!
_رنيم.. مابك؟!! هل تعب جسدك لهذه الدرجة.. منذ متى لم تسبحي أيتها الجاهلة؟!!
إرتعدت بين ذراعيه مغمضة العينين و قد أسدل الليل ظلامه فأعاد همسه بعدما جعل نصف جسدها يلتصق به و ذراعها اليسرى تلف رقبته: منذ متى يا رنيم!! لقد إبتعدت كثيرا.. كثيرا يا حمقاء!!..
لتجيبه و هي تستند على صدره فوق الماء بحشرجة: منذ زمن طويل.. عندما سبحنا أنا و أنت آخر مرة..
كز على أسنانه سابحا و هو يتخبط بين مشاعره التي إجتاحتهx تلك اللحظة و بين برودة البحر المجمدة قائلا بتهديد: أصمتي..!! أصمتي!!.. فلنا حساب عندما نخرج من هذا البحر!!
_من علمك السباحة أيتها الماكرة؟!! كنت كقرش صغير.. لم تتعبي أبدا..
قالتها رؤى بإرتعاد و هي تجفف شعرها بقميصها القطني فأجابتها رحيق بإبتسامة: إنه أخي..!! أخي من علمني.. إنه سباح متفوق..
فسألتها:
_ و أنت يا كحيلة الشعر و العين..
إحمر وجهها للتشبيه الجميل لكن سرعان ما إكتسحت موجة من الحزن عينيها فأجابت في هدوء: لا أحد.. تعلمتهاx وحدي..
حدقت فيها رحيق بفضول قائلة: حقا.. كيف فعلت ذلك؟!! أنا كنت أخاف البحر كثيرا.. لكن رائف أخرج ذلك الخوف من داخلي بقوة.. لولاه لما كنت أعرف السباحة يا رؤى!!
تراجعت رؤى خطوة للوراء جزعة.. حتى كادت أن تسقط.. رائف!! قالت رائف أخوها!! يا إلهي أيعقل أن يكون هو؟!! شعرت بقلبها يصدح بقوة.. و إرتعاشة جسدها تزيد وسط نظرات رحيق المتسائلة فتمتمت رؤى بصوت متحشرج: ما هو نسبك يا رحيق؟!! هل هو..
أجابتها رحيق بحذر: الشاروني.. نسبي هو الشاروني.. لما؟!! سبق و تعارفنا أنا و أنت بجانب المقبرة ياx رؤى.. هل أنت بخير؟!! ما الذي يجري معك؟!! لما ترتعشين بهذا الشكل.. رؤى ماذا بك؟!!
تنفست رؤى الصعداء بعدما إستدارت بسرعة تضم جسدها النحيل بقوة و تغرس أظافرها في ذراعيها.. لما شعرت بالخوف لمجرد ذكر إسمه؟!! إسمه فقط عندما سمعته كاد يغمى عليها.. ليس هو.. ليس هو.. يا إلهي!!! كيف شككت في الأمر بهذه الطريقة؟!! تسائلت فهمست: لا شيء.. أشعر بالبرد فقط يا رحيق!! هيا لنعد..
ثم قالت رحيق و هي تعاود نظرها للبحر بحيرة: ماذا بشأن رنيم؟!! هل سوف تكون بخير مع ذلك الشاب؟!!
أومأت رؤى برأسها في تأكيد فجرت هي و رحيق تغادران المكان.. بينما هتفت هذه الأخيرة بسعادة: لن أنسى هذا اليوم ما حييت!! كان يوما رائعا يا رؤى.. لنلتقي مجددا يا عزيزتي!!
شعرت رؤى بنفس سعادتهاx و هي تجوب الشارع بفرح كبير: أجل.. بالتأكيد سوف نلتقي يا عزيزتي!! كنت رائعة و مرحة و مجنونة..
ثم أجابتها و قد شعرت بوجنتيها تحترقان خجلا: لقد وصلت لسيارتك.. سيارتي بالجانب الآخر .. هيا تصبحين على خير...
قبلتها رؤى قبلة في الهواء و هي تشغل محرك السيارة و تلوح بكفها كي تغادر...

x x x x x x x x x x

_ لا تكرريها ثانية يا رنيم!! أفهمت؟!!
قالها رامي بجمود و هو يتكئ على الجدار بجسده المبلل و ذراعيه المضمومتين لصدره.. نظرت إليه رنيم بتعب إستطاعت جاهدة أن تخفيه لكن سرعان ما إقترب منها و إستطرد بإبتسامة ظافره: لا داعي لذلك.. أستطيع لمح تعبك هذا الذي تريدين إخفائه عني بسهولة كبيرة يا سيدة الحسن و الكمال..
لتقسو ملامحة فجأة و يهتف من تحت أنفه: لم تسبحي منذ عامين.. و اليوم تخاطرين بحياتك بمثل ذلك الجنون.. هل أنت حمقاء أم ماذا؟!! كيف تفعلين ذلك؟!!
أشاحت رنيم بوجهها عنه صامتة.. فعاد يكمل بحدة أكبر: هل أصبت بالصمم؟!! مع من أتحدث أنا؟!! مع الجدران أليس كذلك..
شقت إبتسامة خط ثغرها و هي تحاول إخفائها لكنها إستطردت هذه المرة بهدوء: إستحم أنت أولا.. سوف أصنع الشاي لكلينا بعدها نتحدث..
لمح جانب وجهها المبتسم فخفق قلبه بجنون يريد ضمها.. يريد تقبيلها و إستشعار عبقها الحر..لكنه تراجع و قال بقسوة: لا داعي لذلك!! أستحم في شقتي.. وداعا..
أجابته بنفس إبتسامتها الهادئة بعدما إستطردت بغرابة:كم سيطول سفرك؟!!
إتسعت عيناه في صدمة و هو يعود ببصره نحوها.. نظر لكفيها المضمومتين لحجرها و لحدقتيها الضاحكتين.. فتسائل في أسى..هل هي سعيدة لرحيله؟!! ألهذه الدرجة يا رنيم؟!! ألهذه الدرجة تريدين رحيلي؟!
فقال في هدوء و هو يعاود الإقتراب منها بخطوات متثاقلة:
_كيف علمت بشأن سفري؟!! من أخبرك ؟!..
حدقت فيه و قد لاحت قناع الضحك بعيدا و بدلته جمودا فعقد حاجبيه بضيق هاتفا:رنيم!!!
إستدارت عنه ببطء تمشي بتثاقل.. حدقت في ظلام الليل من النافدة المفتوحة.. تنفست بعمق و قد شعرت بالضيق الكبير يحتل خلاياها.. إستكانت رعشاتها شيئا فشئيا و نسيم الريح لا يزيدها إلا عطشا.. في حين هو كان يراقبها بجنون.. بعدما لم يعد يتحمل كمية المشاعر الكبيرة المتضخمة في صدره.. فتقدم نحوها و أمسك بمرفقها و أدارها إليه بلطف.. تجمد لنظرات مقلتيها الشاخصتين في الفراغ فمسد على خدها ثم رفع ذقنها إليه.. لم ترمش و لم تتحرك حتى أنها لم تثر و لم تبتعد كعادتها..و إستسلامها هذا في حضرته لا يزيده إلا جنونا فوق جنون.. فإستطرد بحشرجة: ماذا يحدث معك.. لست على طبيعتك؟!!
قالت ببساطة كالمخبولين: إذا طلبت منك شيئا فهل ستحققه لي؟!!
تنهد رامي تنهيذه حارقة و رفع رأسه للسقف.. و داخل روحه يحترق كالجحيم.. يكفي أن تطلبي!!.. أطلبي فقط يا حبيبتي!!.. أقدم روحي قربانا لك يا سيدتي!!.. فلم أعد أقوى على إبتعادك.. لم أعد أقدر..!
فعاد يهمس عاقدا حاجبيه:ماذا تريدين؟!!.. تكلمي!!
إبتسمت بلطفx و هي تضم رقبته بكفيها الحنونتين قائلةلا ترحل إذن.. لا تسافر!! لا أريدك أن تبتعد عني ثانية و تتركني!!..
تطلع فيها بخوف.. لا.. هذه الفتاة ليست على ما يرام.. ماذا تقول هذه الحمقاء؟!! هل جنت؟!!x و تلامس رقبتي بكل وقاحة؟!! لا لا هذه لسيت رنيم التي أعرف.. يا إلهي!!x ماذا يحدث لهذه المجنونة؟!!
تجاهل بركان الأسئلة الذي كان يعصف بدماغه فأبعد كفيها الحنونتين ببطء و هو يشعر بغصة في قلبه.. قائلا بقسوة متجاهلا خوف عينيها الذي يقرأه بسهولة: و من الأول فينا الذي غادر و إبتعد يا سيدة الحسن و الكمال.. أنا أم أنت؟!!
تطلعت إليه بألمx و قسوة حديثه تهوي عليها كالسياط.. لكن جفائه معها و جحوده لم يزدها إلا إثارة.. مشاعر كثيرة إنتابتها.. مشاعر تحتاج أن تتقاسمها مع شخص واحد.. واحد فقط!! شخص يقف أمامها بكل برود و هي على درايه بالحريق الذي يكويه و يلتهم مضجعه..
رفعت يديها لياقة سترتها المبللة وسط نظراته المرتاعة و قبل أن تفتح أول زر منها أمسك رامي يديها بقوة هامسا بإختناق: لا تفعلي!! سوف تندمين فيما بعد..
ثم إبتعد عنها خطوتين و هو يشد على رأسه بقوة.. بينما هي تقدمت بخطواتx مرتعشة و مشاعرها تخنق الكلمات في صدرها.. و صلت إليه و حاوطت خصره بذراعيها بقوة.. حتى شعرت بالألم فيهما..صوته أصبح مبحوحا و هو يقول: إبتعدي يا رنيم!! لا تثيري جنوني في هذا الليل.. أعرف أنك لست على طبيعتك.. لن ينفعنا وقت ندمك فيما بعد..
إلا أنها لم تكن تعي ما يقوله و هي تشق ياقة قميصه باكية.. بينما هو يحترق بلمساتها المثيرة فهمس بشراسةx و هو يطبق على كفيها اللتان تضمان صدره بقوة: إذا لم تبتعدي عني قبل أن أستدير..أقسم بالله إذا تراجعت بعد ذلك سوف أقتلك..
أجابت و ضمة اناملها لصدره تزداد بقوة أكبر:إستدر إذن!! إستدر و سوف نرى..
إستدار ببطء و هو يطلق أنفاسه الحارة في وجهها..أخد ينظر في عينيها بألم فقال بلوم حار و هو يرفع يده لكتفها المكشوف: عامين يا قاسية!! عامين و أنا أنتظرك.. كيف إستطعت العيش من دوني بينما أنا كنت أحترق في الليلة آلاف المرات..
إرتعشت من لمسة يده الذافئة بل الحارة.. فترنحت قليلا بينما هو أمسكها من خصرها و سحبها بكلتا ذراعيه ليقبلها قائلا بجنون: ليس الآن!! لا تراجع الآن فأنت من بدأ..
ثم إحتواها بجسده و قال بعاطفة جياشة: سوف أحرقك هذه اللية كما أحرقتني في العامين الماضيين يا مستبدة!!..
قالت بأنفاس متسارعة و قد صارت تعي خطورة الأمر أكثر:مهلا.. مهلا يا رامي.. كنت..
أغلق فهمها بكفه فأخد يقبل رقبتها بجوع و هو يهمس: لا تتكلمي.. أصمتي.. أصمتي فقط..
ليرفع وجهه المحموم إليها و يقول بلهجة متسارعة و مهددة متوعدة: سوف أجعلك تدفعين الثمن باهظا على إبتعادك عني..
ثم عاد إليها بنهم أكبر و هو يجردها من ملابسها بحميمة بينما كانت هي تتأوه من لمساته حتى بات إستسلامها وشيكا فلم تعد تشعر إلا و هي مرفوعة عن الأرض تحضنه و يحضنها..

x x x x x x x xx **********

_ رؤى العشاء جاهز يا إبنتي!...
قالتها ندين و هي تطرق باب غرفة رؤى بطرقات خافتة..فأجابتهامن الداخل بخفوت:حسنا..!! سوف آتي..
نائمة على السرير.. تحدق في السقف بشرود.. و صورة الملاك الصغير لا تفارق دماغها.. تذكرتها فإبتسمت.. تذكرت بشرتها الرطبة.. و شعرها الفحمي كشعرها.. عينيها الواسعتين كعيون الريم.. هي حقا ريم!! إبتسامتها العذبة..x و تلك الرائحة.. رائحة المسك في جسمها.. أين شمتها؟!!x أين؟!!x إنها طفلة كباقي الأطفال!! فلماذا أحست بذلك الشعور..؟!! عندما مسدت على خدها بأناملها الصغيرة.. إرتعشت و خافت من لمستها.. إلا أن نظرة من عينيها أتلفت كل خوفها و إظطرابها.. تلك النظرة التي لن تنساها أبدا.. كأنها وجدت فيها عزاء روحها و ملاذها الأخير.. شعور غريب.. كالحنين.. و ها هي الآن تحن لحضنها من جديد.. للمسها و ضمها لصدرها..
رفعت يدها تتحسس تلك الدموع التي تنزل من مقلتيها دون توقف.. عندما أمسكت يدها بكفها الصغيرة ونادتها.. ب" دكتورة رؤى" حينئد أحست بخفقان قلبها يصدح بقوة و هي تسمع إسمها ينطق بتلك الطريقة المتوسلة من طفلة صغيرة.. ليزيد إظطرابها و هي تسمع تلك النبرة المتوسلة من جديد و هي تقول.." ضميني إليك أرجوك"
هنا أفاقت رؤى من شرودها و هي تتمتم بأسى دفين:ليتك كنت لتتصلح غلطة عمري البائسة.. ليتني أستطيع رؤيتك و لو مرة!!لو كنت هنا.. بجانبي.!!.. اه..لو!!

_ هل أنت متعبة؟!! لما أنت شاحبة بهذه الطريقة يا رؤى؟!!
تمتمت بها ندين بقلق.. و هي ترى شحوب رؤى الملفث لا يبشر بالخير.. فأجابت هذه الأخيرة بإبتسامة ذابلة: لا شيء.. أين بدر؟!! إني لا أراه هنا..!!
ردت والدتها بإبتسامة مماثلة و هي تضع الأطباق على الطاولة:في غرفته.. سوف أناديه.. إجلسي أنت..
نظرت رؤى تجاه باب الشقة الذي كان يطرق بخفة.. فتسائلت: هل تنتظرين أحدا أمي؟!!x أهي جارتك؟!!
هزت ندين رأسها نافية.. فتقدمت رؤى لتفتح الباب.. نظرت للشخص الواقف أمامها بإستغراب.. فقال بهدوء: مرحبا..!! هل أنت الآنسة رؤى؟!!
أجابته رؤى بإيمائة من رأسها.. فإستطرد: هذا الظرف لك آنستي!!..
أمسكت رؤى الظرف قائلة بإستغراب: لي.. أنا؟!!
إلا أن الرجل تجاهل سؤالها قائلا من جديد: لو سمحت وقعي هنا..!!
أغلقت رؤى الباب ورائها.. فقلبت الظرف بين يديها لتقع عينيها على الإسم المكتوب بقلم أسود.. إتسعت عيناها بإرتياعx بعدما رددت الإسم بمرارة و قلب خافق بجنون.. و كأن حروف إسمه عقدت في لسانها فلم تقوى إلا عن نطقه حرفا حرفا:ن..نس..نسيم..حسن إسماعيل..
حينها أسندت رأسها على الباب تمسح العرق و تهدئ أنفاسها السريعة..لتتهاوى على الأرض جاثية.. كي تهمس بغرابة: هذا الضرف.. من أبي..!!
إنتهى الفصل الثالث.. قراءة ممتعة أحبائي


يوجّين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:31 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.