أغدا ألقاك ؟ (1) *مميزة ومكتملة* .. سلسلة بين قلبي و عقلي

[نغم]

في الطريق شبه الخالي ، قاد ماهر سيارته و عبارة أمه الأخيرة في مكالمتها الهاتفية له منذ قليل تتردد داخل ذهنه :
" هل أخبرك شيئا يا بني ؟ المرأة التي تحب زوجها حقا ، التي تحبه فعلا ، لا تغصبه أبدا أن يفعل شيئا ضد طباعه ، شيئا يقلل من شأنه .
بالعكس المرأة التي تحب زوجها دائما ترفعه إلى فوق ، فوق يا ماهر "

أغلق هاتفه و هو يفكر كيف أنه من الغريب أن كل كلمة أو تصرف قامت به والدته لتبعده عنها قربها منه أكثر فأكثر .
لو تعلم أمه أي دور قامت به لتجعلها تلتصق بحياته و بأحاسيسه بتلك الطريقة لما سامحت نفسها .
وصل أخيرا إلى البيت الصيفي ، ركن سيارته أمامه ثم فتح الباب الخارجي و دخل .
شعور غريب بالراحة غمره و هو يسير في مَمْشَى الحديقة الصغيرة ، ربما لهذا السبب كانت كاميليا تفر إلى هنا .
أخرج المفاتيح ليفتح الباب الداخلي ليتفاجأ به غير مغلق بدورتين كما في العادة ، قطب جبينه ثم دخل ببطء.
تسارع ضخ الدم داخل شرايينه و هو يراها أمامه .
كانت نائمة ، يداها تغفوان على حجرها و شعرها يغفو على خديها .
ركع بجانبها و هو يتساءل بحيرة
أيهما عيناه يا ترى ؟
تلكما اللتان كانتا لا تميزانها بين مئات الوجوه الأخرى
أم هاتان اللتان صارتا لا تريان جمالا في سواها
مد يده يبعد خصلاتها بلطف عن وجنتها .
- ماهر ، نادته وهي تفتح عينيها نصف فتحة ، بصوت لم يستيقظ بعد .
كأنها لا تصدق وجوده
كأنها كانت تحلم به
غاص قلبه و هو يرى نظرة البعد التي تجسدت داخل عينيها .
اعتدلت ليلى في جلستها و هي ترتب فستانها و تراقبه من تحت رموشها يقف ببطء ، يتحرك قليلا داخل الغرفة ثم يعود ليواجهها ، وقفت بسرعة و قالت و هي تتجنب عينيه :
- أنا آسفة ، لم يخطر ببالي أنك قد تأتي إلى هنا في هذا الوقت من السنة ، آسفة على إزعاجك .
- هذا بيتك مثلما هو بيتي يا ليلى

رفعت إليه عينيها بعدم تصديق ثم عادت و خفضتهما بسرعة و هي تتنهد في سرها .
يطلب منها الطلاق في يوم ثم يتصرف كأنما لم يحدث شيء في يوم آخر و يغضب و يصفعها حين تقول له أنه غير طبيعي .
" بم تريدني أن أصفك إذن يا باشا ؟ " فكرت و هي تتناول سترتها و تبدأ في ارتدائها .
- ليلى ، أريد التحدث معك

تجاهلته بينما تكمل إقفال آخر أزرارها ثم التفتت لتقول له بوجه خال من التعبير:
- لن يكون حديثا بالضبط ، أحتاج فقط إلى كلمتين منك كي أستطيع أن أمضي في حياتي .
- أنا لم أنو و لو للحظة أن أطلقك يا ليلى ، أجابها بهدوء
- آسفة ، يبدو أني حلمت إذن بمكالمتك الأخيرة لي
- تلك المكالمة جاءت بعد مكالمة أخيك لي يطلب مني فيها أن أقوم بتطليقك فورا .
- سامح طلب منك ذلك ؟
- كلا ، شقيقك الآخر
- عصام ؟

توقفت قليلا لتحاول الفهم ثم قالت بفتور :
- عصام فعل ذلك بعد أن رأيناك معا في النادي مع خطيبتك الجديدة
- ليست لدي أي خطيبة يا ليلى
- شاهيندا قالت …
- دعك من الزفت شاهيندا ، قال بتوتر ، لماذا أحتاج إلى خطيبة و أنا لدي زوجة ؟

صمتت ليلى و هي تشعر أن مزيدا من الكلام يعني مزيدا من الاستنزاف .
- ليلى أنا مازلت أريدك في حياتي

" يريدها في حياته !! "
التفتت إليه تقول بحدة :
- تريدني في حياتك إلى أن يحصل أول موقف ، أول سوء تفاهم ليتفجر كل شيء من جديد في وجهي ، كلا شكرا ، وجع مرة و لا كل مرة .
و الآن من فضلك دعنا نستأنف ما قلته لي في تلك المكالمة
- صدقيني لم أقصد يا ليلى ، قال و هو يقترب منها أكثر ، أنت لا تعرفين كيف كلمني أخوك ، كيف…
- بالفعل لا أعرف ، قاطعته بقهر ، لكني أعرف جيدا كيف كلمتني أنت و أعرف ما الذي فعلته كلماتك بي .

أغمضت عينيها بقوة تطرد بقايا الألم من داخلها ثم أضافت بخفوت :
-صدقني كان شعورا لا أتمنى و لا أنوي تجربته مستقبلا لذلك من فضلك ،

تنفست بعمق و واصلت و هي تعطيه ظهرها و تضم ذراعيها إلى صدرها :
- من فضلك ماهر طلقني .
- أخبرتك أني لا أريد أن أطلقك يا ليلى
- الأمر لا يتعلق دائما بما تريده و ما لا تريده يا سيد ماهر ، قالت ببرود دون أن تلتفت إليه ، هناك أشخاص آخرون بوجهات نظر مختلفة يعيشون معك على نفس الكوكب ، كل ما عليك فعله هو أن تنظر حولك .

شعرت بيديه على كتفيها قبل أن يديرها ببطء لتواجهه ، للحظات طويلة ظل ينظر إلى ملامحها الجامدة قبل أن يضمها إليه بقوة ، يسكنها في صدره و بين ذراعيه ، صوته دافئ عميق و هو يقول :
- القسوة لا تليق بك يا ليلى

جاهدت كي لا تطوق عنقه بذراعيها و تتشبث به كما فعلت مرارا من قبل و كما تتمنى الآن أن تفعل .
بدل ذلك جذبت نفسها منه بقوة لترفع رأسها و تقول له بألم من خلال دموعها :
- ما الذي يليق بي إذن : الذل ، الخنوع ، المهانة ؟

أغرقها داخل صدره وأغرق وجهه داخل شعرها و هو يقول بصوت مشبوب :
- يليق بك الدفء يا ليلى ، الحب يا ليلى ، الحنان يا ليلى

احتضن وجهها بين كفيه و هو يقول بعتاب :
- كيف لشجار وحيد بيننا أن ينسيك جميع ما عشناه معا
كيف لسوء تفاهم واحد أن يجعلك تقررين الرحيل بلا عودة
- لم أرحل بسبب كلامك ولا حتى بسبب صفعتك لي يا ماهر ، همست و دموعها تبلل كلماتها ، أنا رحلت لأنك لم تعطني أبدا ما أنا بحاجة إليه منك .

وضع يدها على موضع قلبه و قال بصوت مختنق :
- كل هذا و لم أعطك
كل هذا و لم أعطك يا ليلى

اختنقت هي أيضا بدموعها و للحظات طويلة استسلمت له تماما قبل أن يأخذها من يدها و يجلسها بجانبه
- ما هي شروطك يا ليلى لتعودي إلي ؟
اذا كانت كلمة آسف هي ما تريدين سماعها مني فأنا آسف حبيبتي ، آسف بدل المرة ألف .
- لا أريد سماعها إن كنت تقولها و أنت تؤمن أنها تنزل من مقامك
- أنا أقولها لأن مقامك في قلبي عال يا ليلى ، أعلى مما تتصورين و مما كنت أنا نفسي أتصور ، أضاف بصدق .
و الآن أملي علي شروطك يا روحي لأنك ستعودين إلي شئت أم أبيت .

نظرت في عمق عينيه و هي تقول بصوت هامس :
- ليست لدي شروط
لكن ...
لدي أحلام
أحلم أن تحترمني كما أحترمك
أحلم أن تقدرني كما أقدرك
لن أقول أني أحلم أن تحبني كما أحبك لأنك أبدا لن تستطيع مهما حاولت
لكني أحلم بأن تحافظ على حبك لي و على حبي لك
من الدنيا ، من الزمن
من عيون الناس و من كلامهم
كل الناس يا ماهر ، كلهم ، كلهم دون أي استثناء
- ماهر فهمك تماما يا ليلى ، قال و هو يقبل باطن يدها بعمق ، ماهر ليست دماغه مقفلة إلى ذلك الحد.
و الآن تعالي عندي ، اشتقت لك حياتي .

قاومت جذبه لها و هي تقول بارتباك :
- انتظر يا ماهر ، تذكرت ، لدي شرط
- حلم آخر ؟
- كلا يا ماهر شرط ، ترددت قليلا ثم قالت بتصميم ، شاهيندا محرم عليها دخول بيتنا
- هذا ليس شرطا يا ليلى ، هذا من المسلمات و الآن اقتربي .

كانت على وشك الاستجابة عندما رن هاتفها و جدت نفسها تقاوم ذراعيه الحديديتين لها للمرة الثانية و هي تحاول أن تخاطب فيه صوت العقل :
- دعني على الأقل أرى اسم المتصل يا ماهر

تركها و هو يتأفف بصوت مسموع بينما احمر وجهها فورا و هي ترى اسم أبيها ،
ابتسمت بارتياح عندما تناول منها الهاتف و بدأ يكلمه :
- السلام عليكم و رحمة الله
- ……………..
-ليلى معي يا حاج مصطفى و لا داعي لأن تنتظروها لأني لن أعيدها إليكم

مرر أصابعه على خدها يداعب بشرتها برقة بينما يستمع بابتسامة مسترخية لوالدها :
- نعم اضطررت لخطفها يا حاج مصطفى ، قال ضاحكا ، أنت تعرف بنات هذه الأيام لا تنفع معهم سوى العين الحمراء

" و العين الزرقاء كذلك يا باشا " ، فكرت ليلى و هي تتظاهر بالبراءة ، " لا تستهن بها أبدا "
أسدلت جفنيها بكسل و رأسها مستندة على كتفه ، ما أجمله من شعور و ما أحلاه من غرور و هي تستمع لرجلي حياتها بينما يناقشان موضوعها المفضل : هي .

- فعلا بنات هذا الجيل متعبات جدا لكن دعني أهنئك يا حاج ، واحدة منهن فقط أرهقتني و أنت تحملت خمسة ، بطل و الحق يقال .
-……………..
- آه أولئك الرجال ليكن الله في عونهم ، واحدة و أتعبتني فما بالك بأربع
-……………..
- حقا تنصحني أن أجرب ؟

لكزته بكوعها و أشاحت عنه بغضب.
- عن إذنك يا حاج مصطفى كلامنا الأخير لم يعجبها و أنا لا أريدها أن تهرب ثانية .

أغلق المكالمة ثم أغلق الهاتف و أغلق عقله عن أي كلام .
- تعالي ، قالها بنبرة لا تحتمل النقاش.

………….

[نغم]

عادا متأخرين قليلا بعد عشاء مطول في الخارج يعوضان به جوع الأيام الماضية ، وهبته ابتسامة متألقة قبل أن تدخل إلى المطبخ تعد له بعض القهوة .
عندما عادت اختفت ابتسامتها فورا و هي تراه يمسك دفتر كاميليا بين يديه يتأمله بتعابير غامضة بعيدة .
رفع ماهر عينيه إليها في نفس اللحظة ، دفع أصابعه بين خصلاته ثم وقف و أعطاها ظهره .
طوال الوقت كانت هي الوحيدة التي تعرف مخبأ دفتر كاميليا و لم يخطر له أبدا أن يسألها و لم تكن لتجيبه حتى لو فعل .
و الآن ها هو الدفتر في متناول يديه أخيرا ، ماذا عليه أن يفعل ؟
هل يغلق صفحة الماضي إلى الأبد أم يكتشف السؤال الذي حيره دائما
هل أحبته كاميليا يوما ما ؟
بقلق راقبت ليلى ظهره يتصلب لبعض الوقت قبل أن تراه يسترخي و تسمعه يقول لها بهدوء دون أن يلتفت :
- سأذهب لأغير ملابسي
- ماهر انتظر ، ربما يجب أن ، بدأت تقول باضطراب .

استدار و تقدم منها ببطء ، طبع قبلة طويلة على جبينها ثم وضع يديه على كتفيها و قال بدفء :
- كلا يا ليلى لست بحاجة إلى أن أعرف أكثر
تعلمين يا ليلى ؟ كنت أعتقد دائما أن كاميليا هي المقصرة ، هي التي لم تعطني كفاية

احتضن وجهها بين كفيه ثم واصل بصدق :
- لكني تعلمت من الوقت الذي قضيته معك ، تعلمت منك يا ليلى
تعلمت أنني أنا الذي كنت أخاف أن أعطي
كاميليا لم تكن ملكي لأني لم أكن أبدا ملكها
لكني لا أريد أن أضيعك أنت أيضا يا ليلى
أنت فرصتي الثانية و الأخيرة .

...............
تمّ

[انجوانا]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نعم فرصه ثانيه واخيره لماهر
اخيرا فكر بعقلانيه ومنطقيه مع قليل من التنازل
والفهم وتحديد قرار ماذا يريد من ليلى مع الاصرار
على رجوعها ..
حبيت شرط ليلى الاحترام وهووالاساس لاي علاقه ..
سر كاميليا الحب الشريف الراقي كاميليا لم تشبع ماهر حب ولا اهتمام فروحها كانت بعيده جدا عنه ..
نهايه جميله..
رائع الروايه كلها جميله والحكايه واقعيه ممتعه
سلسه كان يجب ان تعرف على الاحداث لنكمل رحلتنا مع الجزء الثاني
يعطيك العافية بانتظااارك ان شا ءالله

[modyblue]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الله الله عل الجمال بجد ختامها مسك ابداااااااااااااااااااااا ااااااااع مش عارفة اعبر لك بالكلام يا ملكة الكلمات

حوار كاميليا وكلامها رهيييييييييب

ومات الاتنين

والاجمل انه ماهر اعترف لم يكن لها ليحاسبها والان سيحافظ عن من له
نهاية بجد فوق مستوي الكلمات انت موهبة فطرية وكلماتك ذات ابعاد وعمق تصل بسرعة القلب من القلب ل العقل احبببت اسلوبك
والمشكلة ال قدامي دلوقتي كيف اخج من الحالة الليلاوية الي الحالة الشاهية
كل انسان من حقه فرصة تانية وتالتة ورابعة ووووو ل الحياة طالما ينبض قلبه فمن نحن لنحاكم الاخرين والله عفو ويغفر بس الضعف الانساني ربنا معنا بقي
ام ماهر بلا قصد اوضحت له الصورة وجعلته يتمسك بها وتاسف لتسقط اخر معاقل الطاغية ههههههه
امام سلطان العشق

احييييييييك كتير

عارفة مش بس الشخصيات الحية لاول مرة شخصية ميته تكون مصدر اعجاب وانبهار وقدوة كامي عل الرغم من غيابها فهي البطلة الاولي بجدارة وده جزء مهم من ابداعك وتميزك وعل الرغم من مثاليتها الخييياليية هي بشر يخطئ ويصيب احببتها قووووووووووووووي
حتي سناء
اهتمامك والتزامك وردودك الجميلة سبب تميزك لدينا اتمني لك كل الخير

مااجمل ان تكون كلماتك سبب سعادة

نراك قريبا

استمتعت بتعليقات كل البنات الحلوين احساس دافئ كان بين صفحاتك ومتابعاتك الجميلات تحية لكم شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

[modyblue]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 12 ( الأعضاء 7 والزوار 5) ‏modyblue, ‏عشقي لديار الخير, ‏صابرة عابرة, ‏حروف ضائعة, ‏أسـتـر, ‏KoToK, ‏miss u both

[modyblue]

ف أخبرك إنك فرصتي الأخيرة للنجاة، وأن حبك قابعٌ بي، لانهاية له ... وكل أشيائي، وإن يديك حضن يحول بيني وبيِن أحزاني، ولامفنى منك إلا أنت .

[modyblue]

‏أنت
فرصتي
الأخيرة
إختياري
الصائب
وكل
من
أحببت

[modyblue]

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 13 ( الأعضاء 8 والزوار 5) ‏modyblue, ‏انجوانا+, ‏نغم الغروب, ‏موني جابر, ‏زهرة الحزن, ‏صابرة عابرة, ‏حروف ضائعة, ‏أسـتـر

[نغم]

خاتمة

قبل أشهر ، بعد تصالحهما بأسابيع ، وقفت ليلى خلف الأريكة التي يجلس عليها ماهر يشاهد الأخبار كعادته كل مساء ، أغمضت عينيه بكفيها و قالت بهمس :
- من أنا اليوم ؟
- اليوم وكل يوم أنت زوجتي ، روحي و كل حياتي ، قالها و هو يتناول يديها و يقبلهما الواحدة بعد الأخرى.

ابتسمت بسعادة ثم ألصقت خدها بخده و قالت هامسة :
- اليوم أنا أسعد امرأة في العالم ، اليوم أنا أحمل طفلك بداخلي .

فتحت عينيها تتأمله عندما طال سكوته و شعرت باضمحلال سعادتها و هي ترى وجومه الغريب .
- حبيبي ما بك ؟ همست و قلبها يخفق بذعر
- تعرفين يا ليلى أن كاميليا فقدت رحمها بعد ولادة ميْ ؟
- نعم حبيبي أعرف لكنها لم تحدثني أبدا عن الأمر بالتفصيل
- إذن فأنت لا تعرفين أني أنا من أعطى الموافقة للطبيب على استئصاله

أغمض عينيه يحاول أن يهرب من هجوم الذكريات عليه ثم قال بشرود :
- كان أصعب قرار اتخذته في حياتي و لا تستطيعين تصور شعوري في تلك اللحظات و أنا أرى كل تلك الدماء تسيل من كاميليا و لا سبيل أمامي لإنقاذها سوى أن أسمح لهم بحرمانها إلى الأبد من أي طفل آخر .
أنت لا تعرفين يا ليلى كيف مرت علي تلك الفترة .
بعد أن أفاقت كاميليا من العملية لم أعد زوجها ، أصبحت في عينيها الرجل الذي وافق على استئصال رحمها .
تمنيت أن تغضب مني ، أن تصرخ ، أن تبكي على كتفي و لكنها دفعتني بعيدا ، بعيدا جدا كأنها كرهتني ، كأنها كانت تحتمل البقاء معي فقط كي تكون أما .

تنهد بعمق و واصل :
- لذلك يا ليلى عندما اخترت أن تخترعي خبر حملك في ذلك الوقت و بتلك الطريقة دستِ بقوة على الجرح .
أعدت إلى ذهني دفعة واحدة كل ما شعرت به في تلك الفترة المرة من حياتي .
و خفت أن أخسرك أنت أيضا يا ليلى .
أنا لا أتذكر ما قلته لك بالضبط لكني أذكر أني أردت أن أقول كلاما يجعلك لا تعيدين الكرة ثانية ، يجعلك تتوبين عن التفكير في الموضوع مرة أخرى .
- آسفة حبيبي ، همست و هي تجلس بجانبه ، شاهيندا استفزتني و أردت أن أخرسها للأبد ، أن أجبرها ألا تفكر فيك ثانية كزوجها المستقبلي .

ضغط على يدها و هو يشعر بدموعها تسيل دافئة على خده الملامس لخدها.
- آسفة حبيبي ، همست ثانية ، لو كنت أعرف كيف سيكون تأثير ذلك عليك كنت فكرت في كذبة أخرى .

ابتسمت و هي تتذكر كيف ضحك بصوت عال وقتها و هو ينظر إليها بعدم تصديق.
- لا حول و لا قوة إلا بالله ، لا تستطيعين العيش دون أن تكذبي أليس كذلك ؟
الآن فقط تأكدت أني أحبك فوق الحد لأني صدقيني أكثر شيء أبغضه في حياتي هو الكذب .
و معك أنت لا أجد نفسي أتعايش مع أكاذيبك فقط كلا بل و أستمتع بها أيضا .

عادت إلى الحاضر و هي تفكر كيف ستكون ردة فعله على كذبتها الأخيرة ، خفق قلبها و هي تسمع صوته خارجا يتكلم مع والده ، مررت أصابع مرتجفة سعيدة بين خصلاتها تحاول ترتيبها ثم رفعت وجهها تضع قلبها و روحها داخل نظراتها و هي تسمع صوت فتح الباب .
سار نحوها بلهفة قبل أن يقاطع وجهته صوت أمه و هي تقول ضاغطة على حروفها :
- الحمد لله على سلامتك يا حبيبي
توقف في منتصف الطريق و تقدم نحوها يحضنها و يقبل خديها و جبينها :
- آسف يا أمي لم أرك
- واضح بني ، واضح ، من يستطيع رؤية النجوم حين تسطع الشمس ؟
و الآن ، أضافت بحزم ، تعال أريك ابنك
- سآتي يا أمي دعيني أطمئن على ليلى أولا
- ماهر ...

لكنها اضطرت أن تصمت و هي تراه يصل إلى سرير زوجته و ينحني عليها يقبل رأسها و يدها :
- كيف حالك ؟ سألها بحنان
- بخير حبيبي لا تقلق ، بادلته النظرات بحب قبل أن تواصل بحرج :
-آسفة لأني قلت لك أني سألد بعد عودتك من السفر

داعب خدها بلطف و هو يقول بدفء :
- تعودت عليك يا ليلى ، ثم إني أصبحت أفهم أنك غالبا ما تكذبين من أجل الآخرين
و الآن طمئنيني هل أنت متأكدة أنك بخير ؟ ألا تشعرين بأي شيء غير طبيعي ؟

همست بصوت خافت جدا :
- بلى ، أشعر بأن أمك ستنقض علي إن لم تبتعد فورا .

ضحك و هو يلتفت لأمه ليراها تنحني على المهد و يسمعها تقول بصوت آمر :
- ماهر تعال حالا ، تعال لترى مهدي قبل أن يعود للنوم ثانية
.
..
…

بعد ساعة جلس ماهر يراقب بعين راضية زوجته و ابنته التي اتكأت بجانبها تحمل أخاها الصغير بين ذراعيها ، تأملهم طويلا و هو لا يعرف كيف يشعر ، لا يعرف ما الذي فعله حتى استحق كل هذه السعادة ، كل هذه النعم.
- الحمد لله يا حبيبي ، هذا تعويض على صبرك بني ، على رضاك بقدر الله
- لن توجد أبدا من تفهمني مثلك يا ثريا ، قال و هو يرفع يدها إلى شفتيه و يطبع عليها قبلة دافئة طويلة
- ولد ، لا تحاول أن تأكل عقلي بكلامك ، قالت و هي بالكاد تخفي ابتسامتها

رفع رأسه قليلا و هو يسمع صوت أخته مهى تلقي سلامها الأوروبي عليهم ، وقفت أمامه و هي تقول بابتسامة مترددة :
- هل تسمح لي بحمل ولي العهد يا ماهر ؟

نظر إليها قليلا بصمت ثم قال ببرود و هو يشير بذقنه إلى ليلى :
- استأذني ممن حملته داخلها لمدة تسعة أشهر

تأملها وهي تهز كتفيها هزة خفيفة ثم تتجه باستسلام إلى ليلى .
- ماهر ، بني ، لا أحب أن أراك تعامل أختك الصغرى بهذا البرود ، بهذه القسوة
لا تنس أنك أنت من سميتها يا حبيبي
لا تدع زوجتك تنسيك أختك بني
- لا أحد بإمكانه أن ينسيني أحدا آخر يا أمي ، رد بصوت قاطع ، لكن عندما تنسى مهى أن تتصرف بذوق فيجب علي أن أذكرها به .
.
..
…
أيام كثيرة مرت ، أمضياها ما بين تلقي هدايا و مباركات.
- أستغفر الله ، تمتم ماهر في يوم و هو يشعر بضيق في صدره
- خيرا حبيبي ، سألته ليلى بقلق

هز رأسه بحزن غلف كلماته و هو يجيبها :
- في غمرة سعادتنا جميعنا نسينا كاميليا
الله عوضنا في هذه الدنيا و هي رحلت عنا و جراحها مفتوحة .
لا تستحق منا أن نكافئها بالنسيان ، لا تستحق أن تختفي من وجودنا بهذه الطريقة .

شبكت أصابعه بأصابعها و رفعت يده إلى فمها ترسم عليها قبلة رقيقة ثم قالت و هي تضع يدها على قلبه :
- بإذن الله ، لن أسمح لك و لن أسمح لنفسي بأن ننساها
أبدا يا ماهر ، أبدا
.
..
...
....
بعد أشهر


وُلدت كاميليا ولن تعود الدنيا بعدها أبدا كما كانت .

تمت بحمد الله

[modyblue]

قررت أع ـيش كما أنا.. وأدفن كل الماضي .. وسط قلب ينبض لك وفآء