شبكة روايتي الثقافية

شبكة روايتي الثقافية (https://www.rewity.com/forum/index.php)
-   منتدى روايات رومانسية متنوعة مكتوبة (https://www.rewity.com/forum/f494/)
-   -   32 - وداعاً للماضى _ شريف شوقى _ روايات زهور _كتابة*كاملة مع الروابط (https://www.rewity.com/forum/t433130.html)

MooNy87 09-12-18 04:37 AM

32 - وداعاً للماضى _ شريف شوقى _ روايات زهور _كتابة*كاملة مع الروابط
 
https://upload.rewity.com/uploads/154480945558021.gif


https://upload.3dlat.com/uploads/13849817142.gif

ومع رواية حصرية جديدة مكتوبة فى منتدى روايتى

من روايات زهور

وداعا للماضى

شريف شوقى


https://img17.dreamies.de/img/748/b/j9kfv0rwcvg.gif


الملخص

بين جراح الماضى وبسمة الحاضر , تتفتح آمال المستقبل ..
لقد أخفى حسين بين ضلوعه قلبا جريحا , أراد البعض أن ينكأ جراحه من جديد .. وأرادت مديحة أن تضم الماضى والحاضر والمستقبل معا ..
راحت سماح تتأرجح بين واجبها ومشاهرعا .. فماذا ادّخر القدر للجميع ؟



https://dl4.glitter-graphics.net/pub...rqy3bmnd1x.gif


روابط الفصول

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...940203c0e2.gif

الفصل الأول .. فى نفس الصفحة
الفصل الثانى .. فى نفس الصفحة
الفصل الثالث .. فى نفس الصفحة
الفصل الرابع .. فى نفس الصفحة
الفصل الخامس .. فى نفس الصفحة
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادى عشر
الفصل الثانى عشر


https://otvet.imgsmail.ru/download/4...ad7_i-6602.gif




MooNy87 09-12-18 06:02 AM


1 - لعبة الحب ..


https://d.top4top.net/p_487vl06u0.gif


أغمضت سماح عينيها متظاهرة بالنوم , فى محاولة لتجنب ثرثرة حكمت هانم التى لم تتوقف عن الحديث طوال ساعة كاملة منذ أقلعت بهما الطائرة من القاهرة وبصحبتهما مديحة ابنة حكمت هانم فى طريقها الى تونس وقد اضافت حكمت هانم الى حديثها القاء التعليمات لابنتها ولـ سماح على نحو متواصل وكأنهما مقبلتان على مهمة من نوع بالغ الخطورة ..
والواقع أنهما كانتا فى طريقهما الى تونس فى مهمة محدودة بالفعل على الرغم من التظاهر بأنها مجرد رحلة للسياحة والانسجام , ولم تكن سماح راضية عن المشاركة فى تلك المهمة اذ كان هناك شئ فى ضميرها , يجعلها تشعر بعدم الارتياح على الرغم من كل التبريرات والغايات النبيلة التى حاولت حكمت هانم اقناعها بها ..
شئ ما كان يملؤها شعورا بأنها تشارك فى لعبة رخيصة ..
ولقد فتحت عينيها بعد فترة واختلست النظر الى حكمت هانم وابنتها , ثم تنفست الصعداء عندكت وجدتهما قد استغرقتا فى النوم وأدهشها كيف أمكنهما ذلك وهما مقدمتان على خداع رجل , والتلاعب بمشاعره الجريحة ..
نعم .. لقد كان الهدف من هذه المرحلة هو الايقاع بذلك الشاب , ذى المشاعر المرهفة والأحاسيس المخلصة حسين , وكان الطُعم هو مديحة حبه القديم التى تخلت عنه يوما وتنكرت لحبه واخلاصه لها ثم عادت بتعليمات من أمها التى ظلت دوما ترسم خطواتها فى دقة منذ نعومة أظفارها ..
عادت لتعزف على وتر مشاعره القديمة وتسترد الحبيب الذى باعته يوما..
وتطلعت سماح الى وجه مديحة
كان وجهها جميلا بالفعل يعطى المرء انطباعا بالرقة والبراءة والرومانسية على عكس حقيقتها
وتعجبت سماح كيف يمكن أن ينطوى كل هذا الجمال على الجحود والغدر ؟ وعادت تردد لنفسها :
-لا .. لن أظلمها .. ربما هى ليست بهذا السوء , الذى تصورتها به , يوم تخلت عن حسين ويوم قررت التأثير عليه لاسترداده..
ولكن التأثير الحقيقى يعود الى الأم , وتأثيرها الشديد على ابنتها ودفعها دوما لتنفيذ ارادتها وان لك تكن تنجح فى ذلك لولا لم تكن مديحة مهيأة بطبيعتها لهذا الأسلوب ومستعدة للتجاوب مع أطماع ورغبات أمها ..
وحوّلت سماح وجهها عنها لتنظر من خلال نافذة الطائرة الى السحب الممتدة أمامها وهى تتساءل :
-ترى كيف يستقبل حسين مديحة بعد كل هذه السنوات التى مضت على فراقهما ؟
هل سيغفر لها ما ارتكبته فى حقه فى الماضى ؟ .. ولكن ربما يكون قد احب فتاة اخرى على الرغم من ان المعلومات التى جمعتها عنه حكمت هانم تؤكد انه لم يتزوج بعد او يرتبط بخطبة مع فتاة اخرى ولكن هذا لا يمنع من ارتباطه عاطفيا بفتاة ما , نسى معها حبه القديم لـ مديحة وخيانتها له .. ولكن لا .. ان الحب الكبير الذى أحبه لها لا يمكن أن يفارق قلبه بهذه السهولة فهى تعرف عمق مشاعره التى أعجبتها دوما ولا نزال تذكر كيف كانت تراه وهى فى السادسة عشرة من عمرها كأحد فرسان العصور الوسطى بقامته الممشوقة وابتسامته الأخاذة وان لم تسمح لمشاعرها هذه ابدا بتخطى حدود الاعجاب لما تراه من عاطفة قوية نبيلة تجمع بينه وبين ابنة خالتها مديحة منذ كانا زميلين فى الجامعة وجارين بحى المعادى ..
ولكن الأم وقفت فى سبيل تتويج تلك العاطفة بالزواج عندما توفى والد حسين وعلمت بحقيقة مركزه المالى وأن المصنع الذى يمتلكه لم يعد يكفى لسداد ما تراكم عليه من ديون وبالتالى فان ميراث حسين بعد وفاة الأب لم يتجاوز بضعة الاف من الجنيهات لا تكفى أطماع الأم وتطلعاتها بالنسبة لابنتها .. تلك التطلعات التى جعلتها تنظر الى كل امور الحياة كصفقة لا بد ان تكون رابحة الا ان الغريب هو استسلام مديحة لما طلبته منها امها , تخليها عن حسين , بحثا عن زوج اكثر ثراء ..
لقد عجزت هى ايامها - وحتى الآن - عن فهم ذلك ـ أو تقبّله ..
لقد كانت تتصور ان مديحة شديدة التعلق بـ حسين وأنها لن تتخلى عنه ابدا , مهما كانت الظروف , ولكنها فعلت ..
ولم يكن ذلك عجيبا بالنسبة لـ مديحة كما ادركت سماح فيما بعد
ربما كانت تحب حسين بالفعل ولكن ذلك الحب لم يكن يكفى لهزيمة حبها لتلك الحياة التى رسمتها لها امها وأنشأتها حالمة بها
حياة الأميرات ..
ولم ينمح من ذاكرة سماح ابدا ذبك المشهد المؤثر يوم سعى حسين خلفهم الى الاسكندرية بعد اسبوع واحد من رفض الام اقترانه بابنتها على ذلك النحو الجراح القاسى وهى تؤكد - دون حياء - أنه لك يعد يناسب ابنتها ماديا او اجتماعيا وانه من الافضل له ان يبحث عن زوجة اخرى اقل.
ولكن حسين ظل متشبثا بالأمل على الرغم من سفر الام وابنتها الى الاسكندرية فى محاولة لصهر مشاعر الابنة ومحوها فى بوتقة من الحفلات والسهرات الفاخرة ذات البذخ والرفاهية.
وعندما جاء حسين الى الاسكندرية كان مدفوعا بقناعته الى ان مديحة لن تتخلى عنه ابدا , وان ما سمعه من أمها لا يتعدى كونه رأيا شخصيا , ولقد وصل يوم أخلدت فيه الام وابنتها الى الراحة بعد ان قضيا يوما شاقا فى التسوق وقررت فيه سماح قضاء بعض وقتها فى شرفة الفندق العامة المطلة على البحر ..
وكانت تغادر المصعد فى طريقها الى الشرفة فوق بساط الفندق الاحمر عندما خاطبها موظف الاستقبال قائلا :
-آنسة سماح .. معذرة .. لقد طلبت حكمت هانم وابنتها عدم ازعاجهما , مهما كانت الاسباب , ولكن هناك شخص يلح على طلب مقابلة الانسة مديحة , ولقد حاولت اقناعه بالحضور فى وقت آخر , ولكنه ما زال يصر على مقابلتها و ..
قاطعه صوت حسين وهو يقول :
-أأنت سماح ابنة خالة مديحة ؟
التفتت اليه سماح ورأته فى هيئة رثة وقد نمت لحيته فأومأت برأسها ايجابا وقد تأثرت لرؤيته على هذا النحو وغمغمت :
-نعم .. أنا هى
قال فى صوت يشفّ عن حالة صاحبه :
-لا بد أنك تعرفيننى .. أليس كذلك ؟
غمغمت فى خجل ورثاء :
-بلى يا أستاذ حسين .. أعرفك.
بدا وكأن معرفتها له قد بعثت فى نفسه الارتياح فأسرع يقول فى رجاء:
-حسنا .. لا بد ان تساعدينى اذن .. أريد رؤية مديحة.
أجابته فى تلعثم :
-انها تستريح الان ولست أظنها ..
قاطعها متوسلا :
-أرجوك .. لن أعطلها كثيرا .. أريد أن ألتقى بها بضعة دقائق فحسب ..
هناك الكثير مما اريد قوله لها , ولكننى سأختصره .. أعدك بذلك .. فقط ساعدينى على مقابلتها .. أرجوك , ودون ان تشعر والدتها حتى لا تحول بينى وبينها.
ترددت وهى تخشى مصارحته بموقف مديحة , الا أنه تشبث بها متوسلا وهو يقول فى لهجة يصعب رفضها :
-أرجوك .. أنت لا تعرفين مقدار حبى لـ مديحة .. انا اعلم جيدا انها واقعة تحت تأثير امها ولن تتخلى عن حبنا بمثل هذه السهولة ولقد ادّخرت مبلغا من المال يمكننا ان نبدأ به حياة جديدة وان اختلفت صورتها عمّا رسمناه لها قديما ولكنها ساكون حياتنا وسنتزوج ونضع تلك الام القاسية امام الامر الواقع , فلن نستغنى عن بعضنا ابدا.
أشفقت سماح أن تخبره أن مديحة ليست من ذلك النوع الذى يضع عواطفه فوق مصالحه , كما يتصور ولكنها ابعدت اصابع حسين المتشبثة بذراعها فى رفق وهى تغمغم :
-سأحاول.
هتف فى امتنان وارتياح :
-شكرا لك .. شكرا .. سأنتظرك فى الشرفة.
اتجهت فى تردد الى حجرة ابنة خالتها ولكنها توقفت على الرغم منها - امام حجرة خالتها حكمت هانم , وهى تتساءل عمّا اذا كان من حقها ان تقوم بدور الوساطة بين حسين ومديحة دون ان تخبر خالتها بالأمر وهى التى تولت رعايتها منذ طفولتها بعد وفاة والديها ؟ .. لقد حذرتها خالتها مرارا من تشجيع مديحة على مقابلة حسين واخبرتها انها تعتبرها راعية ابنتها على الرغم من انها تصغرها بأربع سنوات ..
ولقد وعدتها هى بأن تفعل ..
فهل تفى بوعدها ؟
ان خالتها ومديحة تريان انه من الحماقة ان يتخلى المرء عن المال فى سبيل العاطفة فى حين ترى هى ان الحماقة الحقيقية هى ان يضحى المرء بتلك المشاعر الرائعة مهما كان الثمن ..
فهل من الخيانة ان تبلغ مديحة ؟
لا ..
الخيانة الحقيقية هى ان تخون ثقة أودعها ايّاها حسين ..
واسترجعت نظرات الرجاء والتوسل فى عينيه , وأدركت انها لا تملك سوى معاونته وتحقيق رغبته.
واتجهت الى حجرة مديحة ..


https://n4hr.com/up/uploads/1bf6b5f65a.gif



MooNy87 10-12-18 03:18 AM





2 - جرح فى قلبه ..



https://d.top4top.net/p_487vl06u0.gif




فتحت سماح باب حجرة مديحة التى جلست تتزين امام مرآتها وقد ارتدت ذلك الثوب الجديد الذى ابتاعته لها والدتها هذا الصباح فغمغمت سماح :
-ظننتك نائمة
أجابتها مديحة دون ان تلتفت اليها :
-لم استطع مقاومة رغبتى فى ارتداء ثوبى الجديد .. ان ذوق امى رائع فى انتقاء الثياب .. أليس كذلك ؟
لم تجبها سماح على سؤالها فقد كانت تبحث عن وسيلة لنقل خبر وجود حسين فى الفندق اليها وتتساءل عمّا اذا كان ذلك سيثير شوقها اليه فتهرع نحوه فى لهفة حتى ولو بقى ذلك مجرد رد فعل وقتى , سرعان ما يذوب امام نهمها الى الحياة ..
انتزعها صوت مديحة من افكارها وهى تسألها :
-ألا يعجبك الثوب ؟
ابتسمت ابتسامة باهتة وهى تقول :
-انه رائع للغاية.
بدا كما لو ان مديحة قد انتبهت الى شئ ما فقد رسمت على وجهها نظرة اسف مفتعلة وهى تقول :
-معذرة يا سماح .. لقد نسينا ان نبتاع لك ثوبا جديدا , فقد كانت أمى متعجلة , و ...
قاطعتها سماح فى لهجة سريعة وكأنها تخشى التراجع :
-مديحة ... حسين ينتظرك فى شرفة الفندق.
بوغتت نديحة بالخبر فظلت صامتة برهة وقد ارتسم على وجهها تعبير غريب , هو مزيج من الدهشة والانزعاج وتلعثمت قائلة :
-حسين ؟! .. ما الذى جاء به الى هنا ؟
قالت سماح بنفس اللهجة السريعة :
-انه يريد مقابلتك ,ولقد توسل الىّ من اجل هذا
تطلعت اليها مديحة فى شحوب واختفت الابتسامة عن وجهها وعادت تدير عينيها الى مرآتها , وتصمت طويلا قبل أن ينطلق الرد القاسى من بين شفتيها وهى تصيح فى انفعال :
-لا .. لن يمكننى مقابلته.
وعلى الرغم من ان سماح لم تتوقع غير هذا , الا ان رد مديحة صدم شعورها شخصيا فاندفعت تقول فى حدة :
-ولكنه فى حالة سيئة للغاية , وهو لا يطالبك بأكثر من بضع دقائق للحديث.
هزت مديحة كتفيها دون أن تحول عينيها عن المرآة وكأنها تخشى أن تلتقى عيناها بعينى سماح وقالت:
-لا فائدة من الحديث , لقد انتهى ما بيننا , ولن نتجادل فى هذا الشأن.
قالت سماح :
-اجعلى القرار ينبع منك انت ولا تجعلى خالتى تقرر لك كل امورك.
أجابتها مديحة فى عصبية :
-ومن قال انه ليس قرارى ؟ .. ان قراراتى وقرارات أمى تتفق دوما , وهذا ليس عيبا .
غمغمت سماح :
-ولكنك كنت تحبين حسين , وكنتما تخططان لزواجكما , و ...
ارتسمت فى عينى مديحة نظرة تحار ما بين الألم والندم وهى تقاطعها فى ضعف :
-يبدو أننى لم أحبه بالقدر الكافى , والا فما تراجعت عن حبه فور اعتراض أمى عليه .. الواقع أننى أحب الحياة .. أحبها رغدى مرحة , مع ثياب فاخرة , وحفلات , ومتاع .. أريد شخصا يمنحنى كل هذا , ولم تعد ظروف حسين تسمح بذلك .. لست أنكر أننى أحببته , ولكن جزءا من هذا الحب كان يعود الى ثرائه الذى كان سيعزّز حبنا حتما , ويضمن له النمو والاستقرار .. أما بعد ظروفه الجديدة فستكون حياتنا شاقة مرهقة ولن أحتملها حتما ,مع تعارضها مع كل ما حلمت به طيلة عمرى .. ربما أكون مخطئة وربما بدوت فى نظرك أنانية مدللة , ولكن هكذا أنا .. انها طبيعتى ,ولن أخالفها ومن الأفضل - كما ترين - ألا يرتبط حسين بفتاة مثلى فهو شاب جاد مثالى العواطف يحاول ان يرسم لى دوما صورة خيالية وهذا يعذبنى فهو يثقل علىّ بتلك الصورة , التى تضعنى فى مصاف الملائكة , وتدفعنى دوما الى التظاهر بـ ..
ترددت لحظة ثم أضافت:
-لا .. ليس مجرد التظاهر .. لقد كنت أسعى بالفعل لأكون هذه الصورة التى تخيّلها عنى وكلما فشلت زاد شعورى بالذنب , وكان هذا يرهقنى ويعذبنى .. وأنا أريد أن أعيش كما أنا , وأن أكون ما أنا عليه بالفعل .. هل أدركت الآن أنه ليس قرار أمى ؟ .. ولا بسبب الظروف المادية وحدها .. أننى أختلف عن حسين .. أختلف عنه جذريا , وان كنت أعترف بوجود شئ من الحب فى قلبى تجاهه .. لقد عذبنى هذا طويلا حتى جاء اعتراض أمى ليحسم كل هذا العذاب والتردد فى أعماقى , وهذا أفضل .
قالت سماح فيما يشبه الرجاء :
-ألا يمكنك مقابلته بضع دقائق ؟ .. أسمعيه كلمات طيبة على الأقل .
اتخذ وجه مديحة قناعا باردا جامدا , وهى تقول فى لهجة جافة :
-لا .. لم يعد بيننا ما يمكن قوله ..
قالت سماح وصوتها يحمل رنة حزن :
-ولكنه يحبك كثيرا يا مديحة , وسيصدمه رفضك فى شدة.
نهضت مديحة من مقعدها وراحت تدور حول نفسها فى بطء , وهى تتأمل ثوبها الجديد فى المرآة , وتقول بلا مبالاة :
-الزمن كفيل بعلاج الصدمات , هيّا يا سماح .. اهبطى اليه وانصحيه بنسيان كل شئ والتعامل مع الواقع الجديد فهذا أفضل له .. ولكن عودى سريعا لتساعدينى فى انتقاء ثوب مناسب لسهرة الليلة.
تطلعت اليها سماح لحظات فى أسف , ثم انصرفت وقد تحوّل شعورها تجاهها الى مزيج من استياء وغضب , لم تعرفهما طيلة عمرها ..
وكان حسين جالسا فى أحد أركان الشرفة , يدخن سيجارته فى عصبية جعلته لا ينتبه الى مشهد البحر الساحر , وأمواجه المتلاطمة على كتل الصخور , التى تطل عليها شرفة الفندق ولكنه لك يكد يرى سماح حتى ألقى سيجارته , وهب يستقبلها فى لهفة وشوق , ولكنها شعرت بعجزها عن أن ترفع عينيها اليه , فأطرقت برأسها مغمغمة :
-لست أدرى ماذا اقول , ولكن .....
قاطعها فى شحوب :
-هل رفضت مقابلتى ؟
أومأت برأسها ايجابا فانهار فوق مقعده وأدار وجهه الى البحر متمتما فى مرارة:
-لا فائدة اذن .. لقد انتهى الأمر.
قالت سماح محاولة ان تطيّب خاطره :
-مديحة ابنة خالتى حقا ولكننى اقول لك وبمنتهى الصدق : انها لا تستحقك فهناك آلاف الفتيات غيرها يتمنيّن شابا مثلك.
بدا شاردا عما تقول وهو يردد فى حزن خافت:
-كنت أظنه تأثير أمها عليها , ولكن يبدو أن الأم والابنة لا تختلفان .. انها لم تكن تحبنى كما توهمت ,لقد كانت تحب تلك الغنيمة التى تصورت ان تحصل عليها بعد وفاة ابى .. أيعقل أن هذه هى مديحة التى أحببتها ؟ .. أيمكن أن يُخدع المرء فى انسانة كانت اقرب ما يمكن اليه هكذا ؟ .. لقد كانت طيلة علاقتنا كجزء منى .. أيمكن أن يخون الجزء الكل هكذا ؟ .. ايمكن أن ينفصل عنه بكل هذا الجحود ؟ !
تأثرت سماح بقوله حتى أوشكت على البكاء فأمسكت يده فى رفق وهى تقول :
-لا تندفع فى مشاعرك على هذا النحو .. ان مديحة تكن لك شيئا من الحب بالفعل ولكنه حب مبتور , يشاركك فيه حبها القوى لحياة الثراء والجاه , فقد نشأت وتربت منذ طفولتها على نحو أشبه بالأميرات , وغرست فيها خالتى الاحساس بأنها لم تُخلق الا لتحيا حياة رغدة , ولهذا نشأ حبها لك فقيرا لا يتساوى قط مع مشاعرك النبيلة نحوها.
بدا كما لو ان حسين قد شعر بوجودها لأول مرة , فتطلع اليها طويلا قبل أن يسألها :
-كم عمرك ؟
بدا لها سؤاله غريبا ولكنها أجابته :
-سبعة عشر عاما.
قال وقد ازداد تفرسا فى ملامحها:
-سبعة عشر عاما ؟ ! .. انك اصغر مما تصورت بكثير , وعلى الرغم من ذلك فأنت تملكين عقلا وقلبا أكثر رجاحة من الكثيرات.
تضرج وجهها بحمرة الخجل وخيّل اليها ان شيئا ما يسرى فى جسدها , أشبه برجفة لذيذة , لهذا الاطراء وهو يستطرد :
-انك تختلفين كثيرا عن ابنة خالتك ولكن من يدرى , كيف ستغيّرك الأيام ؟ وهل ستحتفظين بتلك الأشياء الجميلة ؟ أم سيكون شأنك شأن الأخريات , عندما تحين لحظة ارتباطك وزواجك , فتتبدل مشاعرك وتقسين على من يمنحونك الحب ؟
انقلبت نشوتها الى شعور بالمهانة لعبراته الأخيرة , وتحوّلت حمرة الخجل على وجنتيها الى احتقان غضب , الا أنها لم تلبث أن تمالكت نفسها مقدرة موقفه وهى تقول :
-لن اعاتبك على ما قلته الآن فأنا أقدر مشاعرك , ولكن كل ما أرجوه هو ألا يدفعك موقفك الشخصى الى اصدار أحكام عامة تجاه كل المشاعر الطيبة والقيم النبيلة التى ما تزال تزخر بها الدنيا ..
وصمتت لحظة وهى تتطلع الى الحيرة التى ملأت وجهه قبل أن تستطرد :
-قد يدهشك أن تصدر تلك الكلمات من ابنة السبعة عشر عاما , ولكن من أدراك أنها لم تخبر الحياة أكثر منك ؟ .. لقد توفى والدك منذ بضعة اشهر فحسب , وكنت تحيا وسط أسرة توفرت لها أسباب الثراء والرفاهية , ولم تختبر مثلى الحرمان المادى والمعنوى , ولم تعرف قسوة اليتم فى طفولتك ,والحياة فى كنف الآخرين , حتى ولو كانوا يمتّون لك بصلة القربى , ولكنهم يتعاملون وكأنهم يتفضّلون عليك بالعيش بينهم , ويدفعونك الى خشية مخالفة أمر من أوامرهم حتى لا تتهم بالجحود .. صحيح أنهم يدعون أمام الجميع أنهم يعاملوننى كفرد من اسرتهم , ولكن الحقيقة تختلف , فسأبقى بالنسبة اليهم دوما فى الدرجة الثانية , لا أتجاوزها بأى حال من الأحوال , والا وجدت نفسى فى الشارع .. هكذا تعلمت ابنة السبعة عشر عاما منذ طفولتها .. تعلمت ما يجب أن يُقال , وما لا ينبغى أن يُذكر .. تعلمت كيف لا تتجاوز الحدود المسموح بها , وكيف تتقى غضب الآخرين .. تعلمت كيف تحيا فى كنف خالة قاسية وابنة خالة مدللة .. لقد كان من الأجدى أن أحلم أنا بدور الأميرة لأننى حُرمت منه على الأقل , ولكن كل ما أحلم به هو قلب محب مخلص , يزخر بالحنان , وما زلت أجد ذلك نادرا فى عالمنا وزماننا.
تأملها فى اعجاب صامت بعض الوقت , ثم غمغم وهو يصافحها:
-كنت أتمنى أن ألتقى بك فى ظروف أخرى .. اشكرك على أية حال.
تعلقت بيده وقد عاودها شعورها بالأسى نحوه , وسألته :
-ولكن ماذا ستفعل الآن ؟
لم تنجح ابتسامته الباهتة ى اخفار مرارته , وهو يقول :
-سأحاول أن أنساها , وأبدأ من جديد .
استدار لينصرف الا أنه لم يلبث أن عاد اليها قائلا :
-أشكرك مرة أخرى , لقد خفف حديثك معى الكثير من جراحى .. لقد كنت أحتاج الى انسانة مثلك فى هذه اللحظات الأليمة.
رأت تلك الدموع المتصارعة فى مقلتيه , فخفق قلبها الما وأدركت أنه تلقّى بالفعل صدمة قاسية , وأنها قد انشغلت بالدفاع عن نفسها , متناسية انه رجل فقد على التو مكانه فى قلب الانسانة الوحيدة التى أحبها , وعتش يوقن من حبها له ..
رجل صُدم فى كبريائه وكرامته ..
وقبل أن تنطق بكلمة , كان قد استدار واسرع يغادر المكان فى خطوات واسعة , ربما لأنه خشى أن يعجز عن سجن نلك العبرات طويلا فى مقلتيه ..
العبرات التى لم يعد يملك سواها ..
وسوى كرامة جريحة ..




https://n4hr.com/up/uploads/1bf6b5f65a.gif

MooNy87 11-12-18 05:40 AM


3 - لقاء مرفوض ..


https://d.top4top.net/p_487vl06u0.gif




انتبهت سماح على صوت مضيفة الطائرة وهى تهنئ الركاب بسلامة الوصول الى نطار تونس , وبدأ الركاب فى مغادرة الطائرة الى ردهة المطار وعادت خالتها الى القاء الأوامر والتعليمات وكأنها تتحدث الى سكرتيرتها الخاصة على حين راحت مديحة تخطو داخل الردهو الضخمة فى خطوات رشيقة وعلى وجهها ابتسامة مشرقة وقد بدت سعيدة واقفة من نفسها , ومن نجاحها فى تنفيذ الخطة التى رسمتها لها أمها ..
وبعد ساعة واحدة كانت حكمت هانم تقول لموظف الاستقبال فى ذلك الفندق الذى حجزت فيه الحجرات مسبقا , وهى تتحدق فى ارستقراطية :
-لقد تم حجز حجرتين هنا باسم حكمت هانم.
أجابها موظف الاستقبال وهو يبتسم :
-نعم يا سيدتى , هناك حجرتان محجوزتان باسم حكمت هانم فى الطابق الخامس لمدة أسبوع , ارجو أن تطيب لكن الاقامة هنا.
قالت حكمت هانم :
-ربما طالت اقامتنا أكثر من أسبوع.
ابتسم موظف الاستقبال وهو يشير الى حامل الحقائب ويناوله مفتاحى الحجرتين قائلا :
-سيكون هذا من دواعى سرورنا يا سيدتى.
راحت مديحة تدير عينيها فيما حولها , فى فضول واهتمام على حين بدت سماح غير مبتهجة على الرغم من جمال المكان وروعته وسألت حكمت هانم موظف الاستقبال فى لهجة ودود:
-هل تعرف فندق ( الأنوار ) ؟
تطلع اليها الموظف وقد أدهشه تواضعها المفاجئ , وسؤالها الذى بدا وكأنه محاولة للمقارنة بين الفندقين , وأجاب :
-انه يقع هناك , على الساحل الغربى , على مسافة مسيرة ساعتين من هنا بالسيارة.
سألته وهى تضغط حروف كلماتها:
-يقولون أن صاحبه مصرى .. أليس كذلك ؟
أجاب الرجل فى لهجة مهذبة :
-بلى .. أنه المليونير المصرى ( حسين وجدى ) .. لقد أصبح المالك الفعلى للفندق , بعد وفاة شريكه التونسى , وشرائه لكل الأسهم من ورثته.
ابتسمت حكمت فى سعادة وقد سرّها أنها لم تخطئ الهدف الذى جاءت من أجله وان حسين فد عاد زوجا مناسبا لابنتها , بعد ان حاز صفة المليونير التى وصفه بها موظف الفندق , فى حين تنبهت مديحة الى اللقب فهتفت مبهورة :
-مليونير ؟ ! .. هل أصبح حسين مليونيرا حقا ؟ !
أما سماح فقد شعرت بالسعادة والرضا لما سمعته , اذ رأت أن حسين قد حصل على ما يستحقه من تعويض , وأن اعجابها به يتزايد بعد ان نجح بكدّه وجدّه فى اعادة بناء نفسه , والتغلب على كارثة ضياع مصنع والده وصدمته فى حبه ..
والعجيب أنها شعرت فى تلك اللحظة بلهفة شديدة .. لهفة اليه ..



https://www.tapatalk.com/groups/snag.../mariposas.gif



MooNy87 11-12-18 05:43 AM

توقفت سيارة الأجرة امام فندق ( الأنوار ) , وهبطت منها حكمت هانم ومديحة وسماح , ووقفن بتطلعن الى الفندق مبهورات , فقد كان يقع على ربوة خضراء , تطل على ساحل البحر وقد أحاطت به أشجار النخيل وصفوف متراصة من شجيرات خضراء وارفة , فى مشهد رائع خلاب فتن مديحة وبهرها فهتفت مشدوهة :
-يا له من مكان رائع بديع يا أماه !! .. ايملكه حسين حقا ؟ !
أضافت الأم وهى تدير عينيها فى المكان فى نهم :
-لا تنسى أنه يمتلك أيضا مصنعا للملابس والأدوات الرياضية وما خفى كان أعظم.
قالت مديحة متهكمة:
-أهذا هو الشاب الذى رفضته زوجا لى يوما , ووصفته بأنه صعلوك ؟
أجابتها وهى تهندم ثوبها :
-ومن أدرانى أن الصعلوك سيصبح مليونيرا بهذه السرعة ؟ ولا تنسى انك لم تترددى لحظة فى رفضه آنذاك .. ولكن من الواضح أننا اخطأنا الحكم عليه , ومن الضرورى أن نعترف بذلك , فلقد أثبت انه لا يفتقر الى الذكاء أو الارادة , ويمتلك كل مقومات النجاح.
سألتها مديحة :
-لكن لماذا لم نأتِ لتقيم فى هذا الفندق مباشرة ؟ .. ألم يكن ذلك ليمنحنا فرصة افضل فى لقاء حسين ؟ خاصة وأنه كان من المحتمل أن يمنحنا هو اقامة مجانية.
رمقتها أمها بنظرة لوم وسخط وهى تقول :
-يا للعجب !! .. تبدين أحيانا من السذاجة ما يدفعنى للشك فى كونك ابنتى !! .. لقد أخبرتك أنه من الضرورى أن يبدو الأمر كما لو أننا نلتقى بـ حسين بمحض الصدفة , حتى لا يشعر - ولو لحظة واحدة - أننا نسعى خلفه طمعا فى ثروته , أو أن أحوالنا قد تدهورت فأتينا لنفرض أنفسنا عليه .. يجب أن نحافظ على اعتزازنا بأنفسنا أمامه , فلا ريب أنه يحمل لنا الكثير من الذكريات السيئة بعد رفضنا له قديما , ودورك هو أن تظهرى لهفتك وفرحتك برؤياه , وتخترعى المبررات والأسباب التى اضطرتك لرفضه , واللعب على أوتار مشاعره لايقاظها من جديد على ان يبدو ذلك طبيعيا غير مفتعل بحجة اننا قد اتينا تونس لقضاء اسبوع سياحى ثم علمنا بالمصادفة أنه يمتلك هذا الفندق فأتينا لزيارته كصديق , ومن الضرةرى أن تتوخى الحذر فى أسلوبك , فلو كشف أمرنا فقد يجدها فرصة للانتقام والتشفّى.
شعرت سماح باشمئزاز من أسلوب خالتها وتدخلت قائلة فى ضيق :
-حسين ليس غبيا كما تتصوران , ولن تنطلى عليه لعبتكما بهذه السهولة.
وخفت صوتها وهى تستطرد :
-وان كنت أظن أن حبه لـ مديحة سيكفى لينسى كل شئ , ويغفر لها , ويعود اليها .
سالتها خالتها فى دهشة :
-وما الذى يجعلك واثقة عكذا ؟
أجابت مديحة بدلا عنها :
-لقد كنت أقصّ عليها كل ما بينى وبينه , وهى تدرك شدة ارتباطه بى.
قالت الأم فى ضجر :
-حسنا .. دعونا لا نضيع الوقت , ولنبدأ خطتنا على الفور.
فى نفس اللحظة كان حسين يغادر الفندق من باب خاص فلمح حكمت وابنتها وسماح ولقد أدهشه ذلك فى البداية دهشة سمّرته فى مكانه , قبل أن ينادى أحد خدم الفندق , ويقول له فى حزم :
-اسمع يا صلاح .. أخبر موظف الاستقبال أن سيدة وفتاتين سيسألنه عنى فليخبرهن أننى غير موجود , وأننى قد غادرت تونس لمدة يومين أو ثلاثة , واذا حاولت السيدة استئجار حجرة بالفندق فليبلغها أن الحجرات كلها محجوزة لشهر على الأقل.
قال هذا وعاد ادراجه الى الفندق , فسأله الرجل فى حيرة :
-ما اسم السيدة يا سيدى ؟
أجابه حسين فى توتر ملحوظ , وهو يدلف الى المصعد:
-حكمت هانم.
ثم ألصق جبهته بجدار المصعد وهو يصعد به الى الطابق الذى يقيم به , وراح يردد فى اضطراب واضح والعرق يتصبّب على جبينه :
-لماذا عادت ؟ .. لماذا ؟ .. لقد نسيتها .. نسيتها .
ولكن اضطرابه كان يؤكد أنه لم يفعل .. ولم ينسها ابدا ..




https://n4hr.com/up/uploads/1bf6b5f65a.gif

MooNy87 14-12-18 05:30 AM



4 - مشاعر متناقضة ..



https://d.top4top.net/p_487vl06u0.gif




لم يكد حسين يلمح انصراف حكمت هانم والفتاتين , من نافذة جناحه الخاص حتى أسرع يهبط الى موظف الاستقبال ويسأله فى لهفة :
-ماذا حد ث ؟
أجابه الرجل:
-لقد سألتنى عنك السيدة , فأخبرتها أنك ستتغيّب ثلاثة ايان خارج تونس كما أمرت , فأبدت هى واحدى الآنستين أسفهما لذلد , وتركت لك الآنسة خطابا وقالت انها ستعود لرؤيتك بعد ثلاثة أيام.
اختطف حسين الخطاب من يد موظف الاستقبال فى لهفة , وفضّه ليقرأ ما كتبته مديحة.
" عزيزى حسين ..
حضرت الى تونس فى صحبة والدتى وابنة خالتى سماح لقضاء اسبوع للراحة والاستجمام بعد انقضاء فترة عصيبة من فترات حياتى ولقد اسعدنى للغاية أن أعلم انك قد أصبحت تمتلك فندقا هنا ,وحضرنا جميعا لمقابلتك وتهنئتك ولكننا وجدناك متغيبا للأسف ولكننى سأعود اليك بعد ثلاثة أيام فأنا أشعر بشوق شديد لرؤيتك , قبل عودتى الى القاهرة "
ملحوظة:
لو عدت قبل الأيام الثلاثة , فاحضر لزيارتنا فى فندق ( هيلتون ) , حيث نقيم ( مديحة )
زاغت عيناه وهو يعتصر الورقة بيده , ويلتقط نفسا عميقا , دون أن يتحرك من مكانه فسأله موظف الاستقبال فى قلق :
-أأنت بخير يا سيدى .. هل حدث شئ ما ؟
أجابه حسين فى صوت خافت تشوبه نبرة حزن:
-لا .. لا شئ .. مُر بصرف سيارتى وسائقى ,فلن اغادر الفندق اليوم , ولست أحب أن يزعجنى أحد , فأنا مريض , وأحتاج الى الراحة ..
وعندما صعد مرة اخرى الى جناحه , كان يعلم أنه حقا مريض ..
مريض بمرض الذكريات ..




https://vb.shbab7.com/shbbab/1399666496_944.gif

MooNy87 14-12-18 05:32 AM


شعور متناقض ذلك الذى ملأ نفس سماح منذ عودتها الى الفندق ..
لقد اسعدها عدم لقاء مديحة بـ حسين , لما كان سينطوى عليه من خداع وتلاعب بقلبه ومشاعره اللذين تحترمهما ,احزنها أنها لم تره ولم تلتقِ به على الرغم من شوقها لذلك ..
وكان ذلك التناقض يربكها ويزيد من شعورها بالضيق والتبرم , اللذين لازماها منذ بدأت الرجلة , حتى لقد تمنّت لو أنها لم تحضر الى تونس قط ..
وانتزعها من خواطرها وتوترها صوت مديحة وهى تقول :
-سماح .. ألا تسمعيننى ؟ .. أننى أتحدث اليك.
انتفضت سماح وهى تلتفت اليها قائلة :
-معذرة يا مديحة , يبدو أننى قد شردت قليلا.
سألتها مديحة :
-أخبرينى .. أتظنين أننا سننجح فى لقاء حسين , قبل عودتنا الى القاهرة ؟
-لو عاد بعد ثلاثة أيام كما أخبرنا موظف الاستقبال فى فندقه فسنلتقى به.
-ولكنه أصبح رجل أعمال ومثله لا يمكنهم التحكم فى أوقاتهم وقد يقتضى منه الأمر التغيّب خارج تونس لأكثر من ذلك
-اطمئنى .. ان خالتى مصرّة على اتمام ذلك اللقاء , حتى ولو اقتضى منها الأمر فضاء أسبوع آخر فى تونس.
-ولكن ذلك يرهق ميزانيتنا فأنت تعلمين أن الأمور لم نعد بالنسبة الينا كما كانت فى الماضى , والاقامة فى فندق كهذا تتطلب الكثير من المال.
-أليس من الأفضل اذم أن نعود الى القاهرة ؟! .. اننى اجد أنه لا مبرر للعب كل ذلك الدور واعداد كل تلك التدابير للظفر بقلب رجل رفضته يوما خاصة وأنك جميلة وسنجدين العشرات ممن يمكنهم منحك نفس ما سيمنحك حسين ايّاه بل أكثر منه مع ملاحظة أن كل ما يدفعك اليه هو الثراء وليس الحب.
أجابتها مديحة فى سخرية حزينة :
-أنسيت أننى قد اختبرت ذلك يوما ؟ .. لقد تزوجت عبد القادر الثرى المعروف المقامر السكّير العربيد , الذى لم اكن له سوى واجهة اجتماعية يتباهى بها أمام الآخرين , ثم كشفت بعد وفاته أنه كان متزوجا من أخرى باعها كل أملاكه وأنه قد سخر منى حيّا وميّتا .. لا .. لست مستعدة لتكرار تلك التجربة المؤلمة.
قالت سماح :
-ليس الجميع مثل زوجك السابق ,فبيس من الضرورة أن يكون كل ثرى مقامرا سكّيرا عربيدا ,ثم لا تنس أنه كان من اختيار أمك أيضا.
غمغمت مديحة :
-كان اسوأ اختيار قادتنى اليه.
-ومع ذلك فهانتذى تتبعين خياراتها مرة أخرى ,وترضين بلعب ذلك الدور اللاأخلاقى لاستعادة رجل أحبك يوما ورفضته أنت بكل قسوة.
-لا يا سماح .. الأمر يختلف بالنسبة لـ حسيت , فلست أطيع أمى لمجرد الطاعة هذه المرة .. أننى أحب حسين , وأنت تعلمين ذلك.
-أين كان ذلك الحب اذن هندما جاء يرجوك لضع دقائق فى الاسكندرية , فرفضت حتى مقابلته وجرحت كبرياءه ومشاعره ؟ .. هل عاد فقط بعد ان أصبح مليونيرا ؟
أشاحت مديحة بوجهها وهى تقول معترضة:
-كفاك تهكما .. اننى لم انكر حبى لـ حسين حينذاك , ولا حبى لذاتى , وللحياة الرغدة الناعمة .. لم أنكر حبى للثراء ومظاهر الرفاهية , ول كان حسين ثريا حينذاك ما رفضته ..
هتفت سماح فى انفعال :
-باى منطف تتحدثين ؟ .. انك تخلطين المشاعر بالماديات دون تمييز ,, ان الحب يأتى دوما فى المقام الأول , فكفى بالمرء شخصا يبادله حبا صادقا شريفا , ليلقى كل الماديات خلف ظهره .. ان الحب ثروة لا تعدلها ثروة , أما المزج بين الحب والمادة , والتضحية بالحبيب لو افتقر الى الثراء وعجز عن توفير الحياة الرغدة المرفهة , فهذا لا يعنى سوى أمر واحد وهو أنك تجهلين ما هو الحب , ولن يمكنك معرفته يوما لأنك لا تحبين سوى شخص واحد , هو نفسك .
صاحت مديحة فى غضب :
-كيف تتحدثين الىّ هكذا يا سماح ؟ .. أنسيت نفسك ؟
بدا وكأن القول أيقظ سماح , فأطرقت برأسها قائلة فى مرارة :
-معذرة .. يبدو أننى نسيت نفسى بالفعل .. نسيت أننى وعلى الرغم من كونى ابنة خالتك , وأقيم بنفسى فى حجرتك , أن دورى الحقيقى لا يعدو كونى خادمة أو وصيفة , وأنه ليس من حقى تجاوز حدودى خاصة وأن خالتى وزوجها لهما أفضال لا تُحصى , فقد أنقذانى من اليتم و الجوع والتشريد , و .....
قاطعتها مديحة فى ندم :
-سماح .. اننى لم ...
ولكن حكمت هانم دافت الى الحجرة فى هذه اللحظة , وهى تقول فى غطرسة :
-ماذا حدث ؟ .. لقد سمعتكما من حجرتى المجاورة تتجادلان فى صوت مرتفع.
أجابتها سماح ودموعها تترقرق فى عينيها :
-لاشئ .. لم يحدث شئ.
وعندما اندفعت خارج الحجرة , كانت عيونها تتفجر بالدموع ..
دموع القهر والمرارة ..




https://n4hr.com/up/uploads/1bf6b5f65a.gif

MooNy87 14-12-18 06:33 AM

https://f.top4top.net/p_4133fk2n0.gif

انتظرونى غدا بالفصل الخامس

MooNy87 15-12-18 03:21 AM

5 - لقاء مفاجئ


https://d.top4top.net/p_487vl06u0.gif




لم تدرِ سماح الى أين تقودها قدماها , منذ غادرت الفتدق غاضبة واستقلّت أول حافلة عامة , نقلتها بعد مسيرة نصف الساعة الى ميدان كبير , راحت تجوّل فيه على غير هدى حتى توقفت أمام واجهة أحد محال الثياب , وهزم فضولها ومشاعرها الغاضبة , وهى تستعرض الثياب النسائية الأنيقة والمبهرة ..
ودفعها الفضول الى دخول المحل , لمشاهدة تلك الثياب عن قُرب ما دامت لا تملك ما يكفى لاقتنائها , وراحت لتستمتع بمشاهدة الثياب فى الداخل , دون أن تجرؤ حتى على لمسها ..
وعلى الرغم مما سببته لها مديحة من شعور بالألم والمهانة , الا أن أول ما جال بخاطرها وهى تستعرض الثياب وبعفوية شديدة هو أن ترشدها الى ذلك المتجر , وقد تنايت كل ما حدث , وتذكرت فقط أن ابنة خالتها تهوى ذلك النوع من الثياب الفاخرة وأنها ستسعد حتما لو امتلكن أحدها وهى تسعد بدورها , عندما ترى سعادة مديحة , فهى لم تطمع يوما فى امتلاك ثوب فاخر , على الرغم من ان مديحة تتنازل لها من حين لآخر عن بعض ثيابها الغالية وكانت هى تكتفى برؤية الثوب الجديد على جسد مديحة , و .....
وفجأة ارتطمت بشخص ما وهى تتراجع الى الخلف لتأمل ثوب أنيق فاستدارت تغمغم فى ارتباك :
-معذرة .. اننى لم ....
لم تكتمل عبارتها وهفدت المفاجأة لسانها وهى تحدق فى وجه ذلك الشخص , قبل أن تهتف :
-أستاذ حسين ؟!
تطلع اليها فى دهشة وبدا وكأنه يبذل جهدا ليتذكرها قبل أن يهتف :
-يا الهى !! .. أنت ذات السبعة عشر ربيعا التى التقيت بها فى منزل حكمت هانم وراحت تتحدث بما يتجاوز عمرها .. أليس كذلك ؟
لم تجبه سماح وانما هتفت فى دهشة :
-ولكنهم أخبرونا أنك قد غادرت تونس !!
-من هؤلاء ؟
-أقصد موظف الاستقبال فى فندقك
-وهل ذهبت الى فندقى ؟
-نعم
-وحدك ؟
-بل مع خالتى ومديحة.
أطلق زفرة قصيرة عندما سمع اسم مديحة ثم تجاهل الأمر وهو يسألها :
-وما الذى طفعكم الى الذهاب الى فندقى ؟ .. بل ما الذى أتى بكم الى تونس ؟
ضايقها أنه يمطرها بالأسئلة منذ التقيا فسألته بدورها :
-وهل أزعجك هذا ؟
أجابها فى صراحة قاسية :
-لايمكننى أن أنكر هذا
ثم اردف متسائلا :
-ولكن لماذا اتيتم الى تونس ؟ . ومن أخبركم أننى أمتلك هذا الفندق ؟
صمتت برهة وهى تفكر .. أتخبره بالحقيقة أم لا ؟ . ووجدت نفسها تكرر ما سمعته من خالتها فى آلية :
-لقد جئنا للاستجمام والسياحة , فخالتى مريضة , وبقد نصحها الأطباء بالاستشفاء هنا ولقد علمنا من موظف فندقنا - بالمصادفة - أنك تمتلك فندقا فى تونس .
قالتها وهى تطرق بوجهها أرضا , وقد غمرها شعور عارم بالذنب , وانتظرت أن تتلقّى منه ردا الا أنه تحوّل عنها الى فتاة جميلة , أقبلت نحوه مرتدية ثوبا من الدانتيلا الزرقاء وهى تقول :
-ما رأيك ؟
أجابها فى هدوء :
-رائع .. دورى حول نفسك.
أطاعته الفتاة وهو يتأملها فى دقة ثم قال :
-حسنا , ستشاركين به فى عرض الأزياء الذى سيقام بفندقى يوم الأحد القادم , والآن اذهبى الى مدام ( سيمون ) واطلبى منها تضييق الخصر قليلا.
أطاعته الفتاة هذه المرة أيضا , وهى تُلقى اليه بقبلة فى الهواء فسألته سماح فى فضول :
-أهى صديقتك ؟
أطلق ضحكة قصيرة قبل أن يسألها :
-ما رأيك ؟
أجابته فى حرج :
-أنها جميلة جدا
تابع ضحكته وهو يقول :
-لست أتحدث عنها بل عن الثوب.
أجابته فى حماس :
-أنه رائع خلّاب.
-اترغبين فى اقتناء ثوب مثله ؟
-كل فتاة ترغب فى ذلك , ولكننى لا أمتلك ثمنه.
-لم أسألك عن الثمن , سألتك فقط عمّا اذا كنت ترغبين فى اقتناء ثوب مثله.
-لست اظنه يناسب فتاة مثلى.
ركز نظراته على وجهها وهو يقول :
-ولكنه يناسب فتاة مثل مديحة .. أليس كذلك ؟ .. انه يدخل ضمن الأشياء التى تعشقها , والتى تضحّى من أجلها بالكثير , وبعواطف رجل أحبّها بكل صدق واخلاص .



https://66.media.tumblr.com/tumblr_l...zh71ql1l0v.gif

MooNy87 15-12-18 03:22 AM


خُيّل اليها أن نظراته تحاصرها , كأنما هى المذنبة , فأدارت دفة الحديث قائلة:
-ولكن ماذا تقعل فى هذا المتجر ؟ .. أصديقتك هذه الفتاة أم خطيبتك ؟
ابتسم ابتسامة باهتة وهو يقول :
-أننى أمتلك هذا المتجر الى جوار الفندق ومصنع للملابس الرياضية و وهذه الفتاة ليست صديقتى أو خطيبتى , أنها عارضة ازياء تعمل لحسابى هنا , وفى عروض الأزياء التى أقيمها فى فندقى بين حين وآخر.
اكتسى وجهها بحمرة الخجل وهى تقول مبتسمة :
-ولكن تلك القُبلة , التى أرسلتها لك فى الهواء تفوق ذلك .
اتسعت ابتسامته وهو يقول :
-ما زال فهمك يتجاوز عمرك.
هتفت محتجّة :
-لم أعد صغيرة , اننى فى الثانية والعشرين من عمرى.
ضحك حسين قائلا :
-وعلى الرغم من ذلك , فما زالت معلوماتك قاصرة فى هذا المجال .. ان لى بعض الصديقات بالطبع , ولكن ليس على النحو الذى تتصوّرينه.
-ولكن الدنيا قد ابتسمت لك كما أرى , فأنت تمتلك فندقا ومحلا للأزياء ومصنعا للثياب الرياضية .. لقد صرت مليونيرا فى زمن قياسىّ.
-هذا صحيح , ولكن هذا لم يحدث دفعة واحدة .
-كيف حدث اذن ؟
-سأخبرك ولكن ليس هنا , فالمكان لا يصلح لذلك .
وأخبر مدير المتجر بأنه سيتغيّب بعض الوقت , ثم قال لـ سماح :
-هيّا .. سنذهب بسيارتى.
ولم تسأله عن المكان الذى سيذهب بها اليه ..
أنها حتى لم تحاول ..
لقد انساقت خلفه كالمسيّرة , وهى تشعر برغبة ملحّة فى معرفة قصته ..
وفى مرافقته ..





https://n4hr.com/up/uploads/1bf6b5f65a.gif

MooNy87 16-12-18 08:11 PM

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...89feae4431.gif


6 - اللقاء المُرتقب ..


https://www.guardianangel.in/ga//upl...aborboleta.gif

امتد بصره الى الأفق المواجه للفندق وبدا شاردا وهو يقول :
-لقد حملت معى المبلغ الصغير الذى تبقّى من ثروة أبى وجئت الى هنا بعد لقائنا الأخير فى الاسكندرية , وكنت قد اتفقت مع صديق لوالدى على العمل كمدير لهذا الفندق الذى يمتلكه , ولقد وافق - وفاءً لأبى - على أن أسهم بنقودى القليلة فى رأس مال الفندق , وتعاملت أنا معه بكل كفاءة واخلاص , وكان هو يعتبرنى ابنه بعد وفاة ابنه الوحيد , فتنازل لى عن هذا الفندق قبل وفاته بيوم واحد ,وتحوّل الحب الفاشل والمشاعر الجريحة التى جئت بها الى هنا الى ارادة قوية وعزيمة لا تخمد واصرار لا يلين على النجاح والتفوّق , وهكذا حقق الفندق أرباحا ضخمة خلال سنوات قليلة , واضفت اليه مصتع الملابس الرياضية ومحل الأزياء.
سألته فى اهتمام :
-أيعنى هذا انك قد تغلّبت على مشاعرك نحو مديحة ؟
فرّ من السؤال بذكاء وهو يسألها :
-معذرة .. هذا يخجلنى ولكن ما اسمك ؟ .. انك لم تخبريننى به ولقد نسيته.
أجابته فى خيبة أمل :
-سماح.
هتف :
-آه !! تذكرت .. كيف يمكن أن ينسى المرء صفة رائعة كهذه.
حاولت أن تتكلم ولكنه قاطعها قائلا :
-سماح , أعتقد أنك قد تأخرت , وأظنهم سيقلقون بشأنك الآن , لذا اقترح أن أقوم بتوصيلك الى فندقك , ولنتابع حديثنا فيما بعد.
لم تجد سماح بدّا من الاستسلام لاقتراحه , وقد بدا عازفا عن خوض أى حديث آخر , وتركته بنطلق بها الى فندقها , حيث ودّعها أمامه قائلا :
-سماح .. اريد منك أن تعدينى بأمر ما , وهو ألا تبلغى مديحة بأننا قد تقابلنا , فلا أريد أن تعرف بوجودى فى تونس حتى الغد على الأقل , ولا تسألينى عن السبب.
أخفت دهشتها وهى تقول :
-أعدك بذلك.
ابتسم قائلا :
-وأنا واثق من أنك ستحفظين وعدك .. والآن , هل نلتقى غدا ؟
همّت بالاعتذار , ولكنه وضع اصبعه فوق شفتيها مشيرا اليها بعدم التحدث , وقائلا :
-لا .. لا أعذار .. ستأتين ,, يجب أن أراك , فما زالت لدىّ رغبة قوية فى التحدث اليك.
أجابته دون وعى :
-وأين سنلتقى ؟
-امام جامع ( القيروان ).
-ولكننى لم أذهب اليه قط.
-استقلى واحدة من سيارات الأجرة , واطلبى من سائقها توصيلك الى مدخل الجامع الرئيسى , وهناك ستجديننى فى انتظارك , فى العاشرة صباحا.
-سأحاول.
-أنا واثق من أنك ستفعلين.
هبطت من السيارة واتجهت نحو الفندق , ولكن صوته استوقفها:
-سماح.
التفتت اليه وخفق قلبها وهى ترى ابتسامته الأخّاذة التى افتقدتها طويلا وهو يقول :
-لقد سعدت حقا بصحبتك.
غمغمت فى حياء :
-وأنا أيضا.
ثم اسرعت تعدو نحو الفندق وقد أورثها خفقان قلبها خوفا مفاجئا ..
لم يكن ذلك التغيير المفاجئ الذى اعتراها , هو مصدر خوفها , وانما كان حسين ..
كانت تخشى لو توقفت أمامه لحظة واحدة أن يسمع دقات قلبها , وهى تزلزل ما بين جوانحها ..
وأدكت لحظتها أنها قد وقعت ..
وقعت فى هواه ..



https://i8.glitter-graphics.org/pub/...uvrnbxpc3m.gif

MooNy87 16-12-18 08:14 PM


هُرعت اليها خالتها فور رؤيتها , والقلق يرتسم على وجهها وهتفت بها :
-أين كنت يا سماح ؟ لقد أقلقتنا عليك كثيرا.
أجابتها سماح فى هدوء:
-معذرة يا خالتى .. لقد شعرت برغبتى فى استنشاق بعض الهواء فى الخارج.
قالت خالتها فى عتاب :
-لا تُقدمى على هذه الحماقة مرة أخرى , فلا يجوز أن تغادرينا الى جهة مجهولة , وتتركينا لكل هذا القلق , كلما نشب خلاف بسيط بينك وبين ابنة خالتك .
واندفعت مديحة تحتضنها عندما رأتها مقبلة مع أمها , وهى تقول :
-سماح .. انا آسفة حقا .. ربما بدوت فى بعض الأوقات متهوّرة , و ...
قاطعتها سماح :
-ليس هناك ما يستحق أن تعتذرى عنه.
-أين ذهبت ؟
-لقد جوّلت فى المدينة قليلا.
قالت خالتها :
-والآن عودا الى حجرتكما , فكلنا بحاجة الى الراحة بعد ذلك الارهاق العصبى , الذى تعرّضنا له بسببك يا سماح.
لم تجد سماح فى نفسها ميلا الى الغضب من لهجة خالتها الجافة , كما لم تكن تحتاج الى اعتذار مديحة , ولا الى التفكير فيما قالته , فقد كان هناك شئ واحد يقلقها , ألا وهو ذلك اللقاء , الذى دبّره القدر بينها وبين حسين ..
ظلّت شاردة وهى تستعيد وقائع ذلك اللقاء , وحديث حسين معها , وذلك الشعور الغريب الذى اعتراها وهى تودّعه ..
وبرغم احساسها بالذنب , لأنها اخفت على مديحة ما حدث الا أن ذلك كان يختلط فى أعماقها بلمحة من السعادة , لوجود سر صغير تتشارك فيه مع حسين , حيث أصبحت وحدها تعلم أنه لم يغادر تونس , ووحدها يمكنها مقابلته والاستماع اليه ..
وألقت رأسها على الوسادة وتركت مديحة تتحدث , دون أن تنصت اليها وعيناها تلتهمان عقربى الساعة المعلقة على الحائط , وهى تتعجّل لحظة اللقاء ..
لقاء حسين ..



https://i8.glitter-graphics.org/pub/...uvrnbxpc3m.gif

MooNy87 16-12-18 08:24 PM


استقبلت حكمت هانم وابنتها رغبة سماح فى التجوال فى المدينة بمفردها بدهشة بالغة , فهما لم تعرفا فيها ذلك الميل للجولات المنفردة , فقد كانت تميل دوما الى البقاء فى الفندق أو المنزل , وحاولت مديحة اقناعها بمرافقتها , الا أنها رفضت رفضا باتا متعللة بأنها تحتاج الى منح نفسها فرصة التفكير فى بعض الأمور بمفردها , فما كان من خالتها الا أن وافقت على خروجها شريطة ألا تتأخر عن الثالثة عصرا.
واستقلت سماح سيارة الأجرة الى ساحة مسجد ( القيروان ) , وراحت تتلفت حولها هناك بحثا عن حسين , ولكنها لم تجده وتنبهت الى أنها قد حضرت مبكرة عن الموعد بخمس دقائق , وشعرت بخطئها لهذا , وهى تتذكر قول مديحة بأنه يتعين على الفتاة أن تصل متأخرة عن أول موعد يجمعها بشاب , حتى تثير اهتمامه ولا تبدو أمامه متلهفة عليه الا أنها لم تلبث أن شعرت بالخجل من هذا , فهى لم تحضر الى موعد غرامى مع حسين , وانما جاءت لأنه أراد التحدث معها , ولأنه صديق قديم , وحبيب سابق لابنة خالتها , ولكن .. هل جاءت من أجل هذا فقط ؟ ..
راودها شعور مزدوج , من الحيرة والاضطراب , وبدا لها أنه من الخطأ أن تحضر للقاء حسين , وان تخفى الأمر عن خالتها ومديحة , وتساءلت عمّا اذا كان من الأفضل أن تعود الى الفندق , وتخبرهما , و ....
انتزعها من ترددها صوته وهو يقول :
-هل انتظرت طويلا ؟
لحظتها نسيت كل شئ , وخفق قلبها لرؤياه ..




https://img23.dreamies.de/img/401/b/a9tfc9a78r2.gif

MooNy87 18-12-18 01:06 AM

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...d2e49a45c7.gif


7 - احساس حائر ..

https://www.7lwthom.net/up/do.php?img=46597

طاف بها حسين ارجاء الساحة المحيطة بالجامع , ودعاها الى الدخول حيث رأت الفناء الذى يتوضأ فيه المصلون , والثريا الضخمة المتدلية فى أرجائه , وذلك السكون المهيب المخيم على المكان , برغم كثرة المصلين , وشعرت سماح بارتياح نفسىّ يغمرها وهى تنقل بصرها من جهة الى جهة أخرى وسألها حسين هامسا :
-ما رأيك فى المكان ؟
أجابته فى صوت خاشع :
-انه يشبه الجامع الأزهر عندنا , وفيه يشعر المرء بالصفاء والراحة.
تنهد وهو يقول :
-نعم .. هذا ما شعرت به فى اول مرة جئت فيها الى هنا , ولهذا قصدت أن آتى بك اليه , فلقد أتيت تونس حاملا قلبا محطّما بين ضلوعى , وجراح نفسى , التى سببتها لى مديحة أقوى من ارادتى على النجاح , ووجدت فى هذا المكان الراحة التى أفتقدها , والبلسم الشافى لجروحى , وغمرنى شعور عجيب لا يمكننى وصفه , دفعنى الى عدم الاستسلام , وشحذ من عزيمتى , فكان البداية لكل ما حققته من نجاح فيما بعد.

MooNy87 18-12-18 01:09 AM


كانت تستمع اليه فى صمت , وقد غمرها شعور داخلى بالسعادة انعكس أثره على وجهها فأشرق بابتسامة عريضة ونظر اليها حسين قائلا :
-لمَ تبتسمين ؟
هزت رأسها قائلة :
-لا شئ.
ولكنها كانت تدرك سر سعادتهاو ابتسامتها .
لقد أسعدها أن يأتى بها فى أول لقاء لهما , الى مكان يحبه ويرتاح اليه ..
لقد أراد أن تشاركه شيئا يحبه وكان هذا يكفيها ..
وسألها فجأة :
-ما رأيك فى تناول الخشاف , على الطريقة التونسية ؟
هزت رأسها موافقة فى صمت , فجذبها من يدها ليجتازا معا فناء الجامع الى الساحة المحيطة به , وركبا معا سيارته , التى انطلق بها الى أحد الميادين الجميلة , التى تظللها الأشجار الوارفة , حيث غادرا السيارة , واتجها نحو مقهى كبير فى أحد جوانب الميدان , وأسرع اليهما صاحب المقهى الذى بدا من الواضح أنه يعرف حسين , وهتف مرحبا :
-أهلا بالسيد حسين .. أهلا وسهلا .
صافحه حسين قائلا :
-أهلا بك يا شيخ صالح .. نريد اثنين من خشافك المثلج.
نظر الشيخ صالح الى سماح فى تخابث وهو يقول :
-كما تأمر .. سأعد وعاءً خاصا من الخشاف , من اجل عيون ست الحسن.
جلسا معا حول احدى الموائد , وحسين يقول :
أننى معتاد على المجئ الى هنا من آن لآخر , وعلى الرغم من أننى أمتلك فندقا به اشهى المأكولات , الا أنه لا شئ فى نظرى يعادل خشاف الشيخ صالح.
سألته سماح فى فضول :
-ترى كم ست حسن صحبتها الى هنا ؟
ابتسم حسين وهو يقول :
-أتصدقيننى لو قلت انك الوحيدة ؟
-ولكنك عرفت الكثيرات ولا شك.
-لقد اخبرتك من قبل أن لى عدة صديقات , وأننى لم أعش حياتى كراهب.
تملكها شعور مبهم بالغضب ازاء صراحته فقالت فى حدة :
-اننى لم أتوقع أن تعيش حياتك كراهب.
تطلع اليها فى دهشة لحدتها , وتنبهت هى الى ذلك , وشعرت بالخجل الا أن هذا الخجل لم يمنعها من أن تسأله فى همس :
-ألم تشغل احداهن مكانا فى قلبك ؟
سرت المرارة فى ابتسامته وهو يقول :
-لا أظن الحب سيجد طريقه الى قلبى مرة اخرى.

MooNy87 18-12-18 01:14 AM


العجيب أنها وجدت فى نفسها الخجول الجرأة لتسأله على نحو مباشر :
-أما زلت تحب مديحة ؟
أشاح بوجهه مغمغما :
-سأكون كاذبا لو أخبرتك أننى أعرف اجابة صادقة على هذا السؤال.
ثم عاد يلتفت اليها وقد بدا أن السؤال قد أهاج مشاعره واستطرد :
-لقد رأيتكم عندما حضرتم الى الفندق.
سألته فى دهشة :
-هل كنت موجودا هناك ؟
-نعم .. وعندما وقع بصرى على مديحة شعرت باضطراب شديد أعجزنى عن التصرف , وغمرنى احساس بالخوف عجزت عن السيطرة عليه , فطلبت من موظف الاستقبال أن يبلغكم أننى غير موجود , وهربت الى جناحى بالفندق , لأختبئ كطفل صغير أراقب رحيلكم من بعيد , ومن العجيب أنه فى هذه اللحظة بالذات , شعرت برغبة قوية فى أن أهرع اليكم وانادى مديحة , ولكن شيئا ما فى أعماقى جعلنى أخشى هذا اللقاء , وأركن الى الفرار الا أنه حتى محاولتى للفرار لم تكن حاسمة فقد جعلت موظف الاستقبال يخبركن أننى سأتغيب ثلاثة أيام فقط , فى حين كان يمكننى أن أدفعه الى ادّعاء أننى سأتغيب شهرا أو شهرين ,ضمانا لعدم لقائى بكن ابدا و وهذا يعنى أن عقلى الباطن يسعى الى لقاء مديحة , على الرغم من خشيتى لذلك وحتى لحظة مجيئكن الى الفندق , كنت أتصور اننى قد تخلصت من حبى لـ مديحة ,وأنها لم تعد بالنسبة لى أكثر من مجرد ذكرى أليمة , ولكن اضطرابى وشعورى المتناقض بين الرغبة والخوف , جعلنى أشك فى اننى قد طرحتها عن قلبى حقا.
تطلعت سماح الى وجهه بعينين ساهمتين وقد تغلغل فى نفسها شعور بالحزن والاحباط ثم لم تلبث أن قالت فى صوت أقرب الى الهمس :
-يا لك من مسكين !
أثارته عبارتها فحدّق فى وجهها قائلا :
-ماذا تعنين بهذه العبارة ؟
خفضت بصرها قائلة :
-انك ما زلت تحبها.
صمت لحظة قبل أن يهمس :
-أتظنين ذلك ؟
أجابته فى صوت يحمل رنة أسف:
-ما قلته لا يعنى سوى ذلك .. انك ما زلت تحبها , على الرغم من كل شئ فأنت تخشى لقاءها لأنك تعلم انك أضعف من أن تقاوم مشاعرك نحوها , وترغب فى عذا اللقاء لأنك - فى عقلك الباطن - كنت تتمناه دوما.
نكس رأسه مستسلما لتحليلها وهو يغمغم :
-لو أن ما تقولينه صحيحا , فمن الأفضل أن ترحلن سريعا عن تونس , لأننى أرفض الاستسلام لهذه العاطفة مرة أخرى , فالحب الغير متكافئ ضعف ومذلة.
غمرها فجأة احساس دافق بالحنان نحوه , فمسحت بيدها على شعره بطريقة عفوية , وكأنها - وهى التى تصغره بثمانى سنوات - قد صارت أمّا له , وهى تغمغم :
-لا بد أنك قد تعذبت كثيرا.
رفع عينيه اليها , متأثرا بتلك اللمحة الحنون فى صوتها وأناملها , ورفع يده فى آلية وأمسك يدها التى تمسح على شعره فى حنان , وتلاقت نظراتهما , و .....
وقطع الشيخ ( صالح ) تلك اللحظة العاطفية , وهو يضع أطباق الخشاف أمامهما , قائلا بمرحه المعهود :
-بالهناءة والشفاء,
وكما لو أن حضور الشيخ قد انتزعهما بغتة من هيامهما , سحبت سماح يدها من يد حسين فى اضطراب على حين اعاد هو يده الى جانبه , وران عليهما الصمت لحظة ثقيلة قبل أن يقول هو فى صوت حاول أن يغلّفه بالمرح :
-هيّا.
سألته فى صوت متحشرج مضطرب :
-هيّا ماذا ؟
اتسعت ابتسامته وهو يقول :
-هيّا نتناول الخشاف.
وشاركته الابتسام ..



https://1.bp.blogspot.com/-H6ZqhgRF9...s1600/gif6.gif

MooNy87 18-12-18 01:16 AM


أوقف حسين سيارته أمام الفندق , وهو يلتفت اليها قائلا:
-هل سنلتقى مرة أخرى ؟
أجابته وهى تغالب نفسها :
-من الأفضل الّا نلتقى مرة أخرى , الا اذا وجدناك فى فندقك غدا.
سألها فى اهتمام :
-هل ستأتين الى الفندق مرة أخرى ؟
صمتت برهة وهى تتساءل للمرة الألف , عما اذا كان ينبغى أن تذكر له الحقيقة , ثم لم تلبث أن تراجعت , قائلة :
-من المؤكد أن مديحة ستحضر لتحيتك غدا , فهو آخر الأيام الثلاثة التى حددتها لغيابك المزعوم , ولن أجد سببا لاثنائها عن ذلك , لذا فمن الأفضل ألا تتواجد , حتى يمكننى اقناع خالتى ومديحة بالعودة دون مقابلتك , الا اذا .....
ترددت لحظات , قبل أن تستطرد فى خفوت :
-الا اذا كنت ترغب فى لقاء مديحة.
صمت برهة بدوره ثم قال :
-لا .. أعتقد أنه من الأفضل - كما اتفقنا - ألا يتم هذا اللقاء.
ثم اردف فى اهتمام :
-ولكن أليس من العجيب أن تبدى مديحة ووالدتها كل هذا الاهتمام بلقائى , برغم رفضهما الجارح لى مسبقا ؟ .. لقد تصورت أنهما سيتحاشياننى شئ ما بقى من العمر , فما سر هذا التحوّل المفاجئ ؟
أشفقت سماح أن تخبره بأن السر يكمن فى ذلك التحوّل , الذى طرأ على أوضاعه المالية , وزواج مديحة الفاشل , وتدهور المركز المالى للأم ..
اشفقت عليه من أن يعلم أنهما قد جاءتا لاستغلال عواطفه نحو مديحة فى اصلاح أمورهما ..
واكتفت بأن قالت :
-ربما أصبح الماضى فى طىّ النسيان بالنسبة لـ مديحة , وربما هى تظن أنه كذلك بالنسبة لك أيضا , وهذا يعنى أنهما يسعيان للقاء صديق قديم , قد تفيدهما خبرته فى رحلتهما السياحية.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة حزينة وهو يقول فى مرارة:
-صديق قديم ؟! .. أهذا كل ما تبقّى لى فى قلب مديحة ؟
فتحت سماح باب السيارة قائلة :
-سأنصرف الآن.
مد لها يده مصافحا وهو يقول :
-سأفتقدك كثيرا.

MooNy87 18-12-18 01:17 AM


انتابها شعور بالاكتئاب , وهى تسحب يدها من يده قائلة :
-وأنا أيضا ..
-هل ستراسليننى , بعد عودتك الى مصر ؟
-نعم .. بالتأكيد.
خشيت ان يهزمها حزنها وهى تودعه , فافتعلت المرح وهى تقول :
-لقد كان الخشاف رائعا .. أظننى سأفتقده ايضا.
ثم شعرت بأنها تعجز عن رسم تلك الابتسامة الزائفة على شفتيها , فأسرعت تعدو عائدة الى الفندق , دون أن تلتفت اليه على حين ظل هو جالسا فى مكانه , وقد جثم شئ ثقيل على صدره ..
وعندما اجتازت بوابة الفندق توقفت تسأل نفسها فى حيرة :
-هل أردت ابعاده عن لقاء مديحة لأن ضميرى يأبى أن يشاركها وامها خطتهما لاستغلال عواطفه ؟ .. أم لأنه لا يستحق ذلك ؟ .. أم .. أم لأننى أشعر بالخوف والغيرة من هذا اللقاء ؟! ..

MooNy87 18-12-18 01:20 AM


ترى هل يحق لها أن تعترف بهذه الحقيقة , ولو بينها وبين نفسها ؟ ..
حقيقة أنها قد أحبّت حسين ..
نعم .. ان حبها له ليس وليد اليومين الماضيين , بل هو يرقد فى قلبها منذ سنوات مضت ..
كان هناك وهى بعد فى السادسة عشرة من عمرها , عندما كانت تراه كأحد فرسان القرون الوسطى ..
وشعرت بالذنب , وهى تعترف لنفسها بهذا الأمر , فصحيح أن مديحة أنانية وصولية مدللة , لا تعرف معنى الحب الحقيقى , ولكنها ابنة خالتها , وصديقة طفولتها , وهى تكنّ - ولا شك - بعض الحب لـ حسين , حتى ولو كان هذا الحب ضئيلا , أمام أطماعها وأهوائها ..
ولكن ما جدوى الاعتراف بحبها هى له ؟ .. ولماذا يؤنبها ضميرها على هذا ؟ .. لقد انتهى كل شئ , وهى لن تراه حتى بعد الآن ..
وفى مصعد الفندق انهمرت دموعها ..
انهمرت فى غزارة ..



https://steemitimages.com/DQmWMwrxHf...arador%204.gif

MooNy87 18-12-18 01:23 AM

انتهى الفصل السابع


https://n4hr.com/up/uploads/a25bbeed92.gif

MooNy87 20-12-18 04:07 AM

سوف أقوم بتنزيل الفصل الثامن بعد قليل

MooNy87 20-12-18 04:56 AM

https://upload.3dlat.com/uploads/3dl...4075981031.gif


8 - عيون حزينة ..


https://i8.glitter-graphics.org/pub/...jxhofyp63q.gif




ألقت سماح نفسها فوق فراشها , وأطلقت العنان لدموعها الحبيسة , دون ان تفطن الى ان ابنة خالتها مديحة ليست فى الحجرة , ولم تفطن الى ذلك الا عندما دخلت مديحة من الباب , فأسرعت تخفى دموعها , وان لم تنجح فى اخفاء حزنها وشجنها , وهى تقول :
-مديحة .. اين كنت ؟
أجابتها مديحة بنبرة جافة قاسية :
-بل أين كنت أنت ؟
سماح :
-لقد خرجت اجوّل فى المدينة , و ...
قاطعتها مديحة فى حدة :
-دعك من هذه الأكاذيب المصطنعة .. لقد رأيتك وانا أجلس فى بهو الفندق تغادرين تلك السيارة الفاخرة ودموعك تملأ عينيك , حتى أنك لم تلحظى وجودى .. لقد كان ذلك الرجل الذى فى السيارة هو حسين .. اليس كذلك ؟
خفق قلب سماح وهى تقول :
-مديحة .. أننى .. انه ..
ازداد انفعال مديحة وهى تقاطعها مرة أخرى فى عنف :
-ومتى قابلته ؟ .. لقد كان ذلك أمس , عندما تغيبت بالخارج .. أليس كذلك ؟ .. لماذا أخفيت الامر عنّا ؟
أجابتها سماح وهى ترتجف انفعالا :
-صدقينى .. لقد حدث ذلك مصادفة .. التقينا فى محل أزياء يملكه , وخرجنا معا ,, وهو الذى طلب منّى اخفاء أمر وجوده فى تونس عنك وعن خالتى.
هتفت مديحة :
-ولماذا يطلب منك ذلك ؟
أجابتها سماح فى حزن :
-لأنه ما زال يحبك.
قالت مديحة فى سخرية :
-يحبنى ؟ .. أيفر من لقائى لأنه يحبنى ؟ .. أى لغز هذا ؟
هتفت سماح :
-نعم .. أنه يحبك , ولكنه يرى أنك غير جديرة بهذا الحب , ولا تستحقينه , ويخشى اذا ما التقى بك أن ينكأ هذا جراحه , ويضعف أمام حبه لك , فتهون عليه كرامته مرة أخرى , كما هانت يوم أتى اليك يتسوّل لقاءك فى الاسكندرية فى محاولة أخيرة لانقاذ الحب الذى تنكّرت له ومخاطبة المشاعر التى تحجرت فى قلبك , فأبيت ان تلتقى به وتركته يرحل حاملا حبه مهزوما .. لقد بذل الكثير من الجهد لينساك , ويبدأ حياته من جديد , وهو يخشى أن يضيع كل هذا الجهد سدى.

MooNy87 20-12-18 04:57 AM


سألتها مديحة فى قلق :
-هل أخبرته عن الغرض من مجيئنا الى هنا ؟
أجابتها سماح وعيناها تحملان نظرة ازدراء :
-ما كان يمكننى أن أخبره أننا قد جئنا الى تونس , لتعودى به زوجا , بعد أن أصبح مليونيرا , وأن حبك له لا يزال أنانيا وصوليا , لا مجال فيه للعواطف , ولا هدف من ورائه سوى استثمار قلبه المسكين.
انفعلت مديحة قائلة :
-ألن تكفى عن ترديد تلك المثاليات السخيفة ؟ .. ما معنى هذا الحديث عن الوصول واستثمار القلوب ؟ .. ان حسين يحبنى , ولن يمكنه أن ينتزع هذا الحب من قلبه , حتى ولو فرّ من لقائى .. أنا ايضا لم أنكر أننى أحمل له بعض الحب , ولكننى أكثر واقعية منك .. وأكثر فهما للحياة , كما علمتنى ايّاها أمى , ولهذا رفضت حسين فى الماضى ,وقبلته اليوم .. ان أى متحابين ينبغى أن يرتبطا بالزواج فى ظل حياة مادية مستقرة ومستقبل مامون , فما الضرر من هذا ؟ . ثم فى أى صف تقفين ؟ .. فى صف خالتك وابنتها , ام فى صف حسين ؟
-أننى أشفق على هذا المسكين.
-ممّاذا ؟
-من ان يتعذب مرة أخرى على يديك .. ان شخصا مثل حسين يحتاج الى عاطفة حقيقية , تتناسب مع أحاسيسه المرهفة , فهو ما يزال يحمل قلبا عطوفا شفوقا , حتى بعد أن اصبح مليونيرا ورجل أعمال , وفهمى الصحيح لك يجعلنى واثقة من أنه لن يجد لديك ما يحتاج اليه.
-لم لا تعلنينها فى صراحة ؟ .. قولى أنك تغارين من مجرد التفكير فى زواجى منه.

MooNy87 20-12-18 04:58 AM


انتفضت سماح قائلة :
-ماذا تقولين ؟
-ما سمعته يا سماح .. كيف لم ألحظ ذلك من قبل ؟ .. حديثك عنه , اعجابك به .. دفاعك المستمر عن شخصه , وأخيرا محاولة اخفاء وجوده فى تونس عنّا , والالتقاء به سرا , ومن غير المستبعد أن تكون علاقتكما قد بدأت من قبل ذلك , وأنك أنت تدبرين لفراره من لقائى.
-أنت مجنونة ولا شك.
-سأكون مجنونة حقا لو صدقتك ووثقت بك بعد ذلك .. كفاكِ تمثيلا لدور الفتاة المثالية , ذات المشاعر المرهفة ..
وفجأة فُتح الباب , ودخلت منه حكمت هانم هاتفة :
-لماذا أسمع صياحكما ؟ .. هل تشاجرتما مرة أخرى ؟
ولكن مديحة لم توقف انفعالها الغاضب هذه المرة وهى تهتف :
-تعالى لترى ابنة أختك الطيبة المسكينة , التى ذهبت للقاء حسين من خلف ظهرنا , وأوعزت له بأننا جئنا لخداعه واستغلاله.
احتقن وجه حكمت هانم وارتسم على وجهها انطباع قاسٍ وهى تتحول الى سماح قائلة :
-أهذا صحيح ؟
قالت سماح ودموعها تسيل على وجنتيها :
-اقسم لك يا خالتى ان هذا لم يحدث قط .. لقد قابلت حسين مصادفة , ولم أخبره الا بما طلبتما منى أن يعرفه.
-ولمَ لم تخبرينا بأنك قد التقيت به ؟
-هو طلب منى ألا أفعل , ولقد وعدته , فهو لا يريد الالتقاء بـ مديحة.
صرخت مديحة :
-أنت كاذبة.
هتفت سماح :
-بل أقسم لك أنها الحقيقة و وهو يستعد للسفر بالفعل الى مكان بعيد , حتى يتجنّب هذا اللقاء.
صاحت مديحة :
-لا ريب أنها فكرتك.

MooNy87 20-12-18 05:03 AM


هتفت حكمت هانم فى حزم :
-اصمتا .. لا أريد أن أسمع صوتكما.
ثم التفتت الى سماح مستطردة فى صرامة :
-اسمعى .. ايّاك أن تتصورى أننى سأظل أؤدى لك دور الخالة العطوف الى الأبد .. اننى اعرف منذ البداية افكارك وآراءك , بالنسبة الى موضوع ارتباط مديحة بـ حسين , ولكن ينبغى ان تعلمى أن ابنة خالتك قد أصبحت أرملة , وهذا يعنى ان فرصتها فى الزواج من شخص مناسب فد انخفضت كثيرا , خاصة وحالتنا المادية متدهورة الى هذا الحد , لذا فلم يعد أمامنا سوى حسين , ثم انه ومديحة مرتبطان برباط حب سابق , ولتعلمى ان هذه الزيجة ستكون لصالح الجميع ,وأولهم أنت , لأننى لم أعد أحتمل نفقات ايوائك فى منزلى , فى وضعنا المالى المتدهور هذا , ولهذا فمن الأفضل أنت تحتفظى بأرائك وأفكارك لنفسك , وألا تتدخلى فيما لا يعنيك , ما دمت لا ترغبين فى معاونتنا.
غمغمت سماح فى انكسار ومذلة :
-سأفعل ما تطلبانه منى.
-حسنا .. ستأتين معنا الى فندق حسين غدا , ومن الأفضل أن يكون هنا , والا تأكد لنا أنك قد خنتِ ثقتنا فيك بالفعل.
-ولكن .. لقد قال انه ..
ولكن حكمت هانم قاطعتها فى حزم :
-كفى .. لقد قلتها كلمة قاطعة .. أما أن نجد حسين فى الفندق غدا , أو ...
صمتت لحظة , ثم اضافت فى لهجة بالغة القسوة :
-أو تبحثى لنفسك عن مأوى آخر ..




https://i9.glitter-graphics.org/pub/...i490lq8ow6.gif

MooNy87 20-12-18 05:06 AM

انتهى الفصل الثامن


https://image.dek-d.com/15/1087823/14457822

MooNy87 20-12-18 12:09 PM

https://upload.3dlat.com/uploads/13894464949.gif

بالفصل التاسع

MooNy87 20-12-18 12:23 PM

https://forum.mn66.com/imgcache2/818560.gif



9 - لقاء مع الماضى ..

https://faylyukle.com/sh/narxozfoto/...9_85f9b2a9.gif



شعرت سماح مسبقا بذلك الغضب . الذى ستصبّه عليها خالتها وبالخوف من نظرات الشك والحقد , التى ستمطرها بها مديحة , عندما يكشفان عدم وجود حسين فى الفندق , مما سيؤكد صدق ما اتهماها به فى الليلة الماضية , وراحت تترقب وصول السيارة التى تقلهن الى الفندق فى توتر واضطراب , وعلى الرغم من ذلك , كانت مرتاحة الضمير فهى لم تخن ثقة خالتها ومديحة بها , ولم تخبر حسين بالسبب الذى جاءا من أجله الى تونس , كما استطاعت اقناعه فى الوقت ذاته بألا يخوض تجربة اللقاء مع مديحة , حتى لا يسقط أسير المشاعر الزائفة ..
نعم .. لقد أراحت ضميرها بالتوفيق بين الأمرين , أيّا ما كانت النتائج والعواقب ..
وتساءلت بينها وبين نفسها :
-أيمكن أن يكون ما قالته مديحة أمس صحيحا ؟ .. هل شعرت حقا بالغيرة منها , مما دفعها الى تأييد عدم حدوث اللقاء بينهما ؟
نفضت بسرعة ذلك الخاطر المزعج عن نفسها , وهى تردد:
-لا .. ربما أن مشاعرى نحو حسين قد تجاوزت حدود الاعجاب حقا , وربما أن تلك الأحاسيس , التى انتابتنى نحوه أمس , أكثر من مجرد تعاطف مع صدق مشاعره.

MooNy87 20-12-18 12:24 PM


ولكن أيّا ما كانت مشاعرها وأحاسيسها , فهى لن تتحول أبدا الى انسانة أنانية ,تلعب كل الأدوار لصالحها , على حساب ابنة خالتها , فلو انها كانت واثقة من ان حب مديحة لـ حسين صادق , وانها لا تبغى استغلال عواطفه لمصالحها , لكانت قد بذلت كل جهدها للجمع بينهما , واصلاح ما فسد حتما , حتى ولو كان ذلك على حساب مشاعرها المبهمة نحوه , ولكن المشكلة هى أنها تعرف حقيقة خطة حكمت هانم وابنتها , التى لا مجال فيها للعواطف , ولا هدف لها سوى الاستفادة من ثراء حسين , الذى تشعر بأنه لا يستحق ما يخطّطانه له ..
أرخت رأسها فوق مسند مقعد السيارة , وهى تحدّق الى الطريق فى شرود , وراحت تردد فى أعماقها :
-فليكن ما يكون .. ربما عدنا غدا الى مصر , وربما طردتنى خالتى من منزلها , وتركتنى شريدة , بلا مأوى أو ملاذ أو معين , وهى لن تتورع عن ذلك , خاصة وأن مديحة لن تغفر لى حرمانها من صيدها أبدا , ولكننى لست نادمة .. الشئ الوحيد الذى سأندم عليه , هو أننى لن أرى حسين بعدها.

MooNy87 20-12-18 12:26 PM


تنهدت وهى تتذكره , وأعادت اليها ذكراه بعض البهجة ونزعت الكثير من الحزن المطل من عينيها ..
لقد أخبرها حسين أنه يمكنها أن تراسله على عنوانه بالفندق ..
نعم .. ان علاقتها به لن تنقطع , فهى تستطيع مراسلته وتعرّف أخباره عن طريق المراسلة ..
ستلتقى به عبر كلمات الخطابات , وسيبقى هناك ما يربطها به , وفى هذا ما يثلج صدرها , ويخفف عنها أحزانها لفراقه ..
أفاقت من أفكارها وشرودها على صوت مديحة وهى تهمس فى أذنها بحدة :
-اننى احدثك .. ألا تسمعيننى ؟
التفتت اليها قائلة :
-معذرة .. كنت شاردة بعض الشئ .
قالت مديحة فى عصبية واضحة :
-فيمَ تفكرين ؟
ردت سماح قائلة :
-أأنا مدينة ايضا بضرورة اعلان ما يجول بخاطرى ؟
-كفاكِ تحدّثا بهذه اللهجة السقيمة , وأخبرينى بمَ حدثك به حسين عنى.
-أنه يحمل لك فى أعماقه ذكرى مريرة.

MooNy87 20-12-18 12:28 PM


قالت مديحة وقد اهتزت ثقتها بعض الشئ :
-ولكنه ما زال يحبنى .. أنا واثقة من ذلك.
قالت سماح فى عدوء:
-أتخشين ان يفلت منك قلبه مرة أخرى ؟ . أم أن ما يقلقك هو ماله ؟
أجابتها مديحة فى تعالٍ:
-ان قلبه ما يزال ملكا لى , ولست بحاجة الى البحث عنه.
قالت سماح بنفس الهدوء :
-الشئ الوحيد الذى يثبت ذلك هو مقابلته لك , فلو أنه يحبك حقا , فلن يغادر الفندق , وهو يعلم انك فى طريقك اليه.
عادت ثقة مديحة فى نفسها تهتز مرة أخرى وهى تسألها فى قلق :
-هل أخبرك حقا أنه سيغادر المكان , حتى لا يقابلنى ؟
-نعم .. لقد كانت هذه رغبته.
-ولكننى أعرف حسين جيدا .. لقد كان يحبنى فى شدة , وهذا النوع من العواطف لا يندثر فى سهولة , انه لم يكن يطيق التخلّف عن موعده معى , مهما كانت الأسباب ؟؟ اننى اذكر ذلك اليوم الذى جاء ليلتقى بى فى الكلية , وحرارته تبلغ الأربعين درجة مئوية , وعندما عاتبته على اهماله لصحته , قال انه لن يتخلّف عن موعد معى حتى ولو مان يحتضر.
وراحت تقول وكأنما تحاول اقناع نفسها :
-لا .. انا واثقة من أنه سيكون موجودا .. انه ما زال يحبنى , وسيذوب كل مابيننا عندما نلتقى .. سترين ذلك.

MooNy87 20-12-18 12:29 PM


كانت حكمت هانم تجلس الى جوار سائق السيارة , فى المقعد الأمامى , وقد ألقت رأسها على مسند المقعد متظاهرة بالنوم , ولكنها لم تكن تستمع - فى الوقت ذاته - الى ذلك الحوار الدائر بين ابنتها وسماح , وانما كان تظاهرها بالنوم لتتيح لنفسها فرصة التفكير فى كل المشاكل والأزمات التى تنتظرها لو لم تفلح فى اتمام زيجة ابنتها و حسين ..
لقد تراكمت عليها الديون بصورة لا تُحتمل , وحتى ذلك المنزل الذى تمتلكه أصبح مرهونا , بل انها قد اقترضت تكاليف هذه الرحلة , اعتمادا على ما أكّدته لها مديحة من ثقتها فى استعادة حسين ..
وعضت شفتيها فى ندم وهى تقول فى أعماقها:
-لقد كنت غبية عندما رفضت زواجها من هذا الشاب , وحرضتها على اقتلاعه من قلبها , فلو لم أفعل ما احتجنا الى بذل كل هذا الجهد لحل مشاكلنا.
ولكنها لم تلبث أن نفضت عن عقلها ذلك الشعور بالندم , مستطردة :
-لا .. من المؤكد أننى ما كنت أستطيع قبوله وقتها , فلم يكن - حينذاك - بالشخص المناسب لابنتى , وما كنت لأتنبأ بكل ما وصل اليه , وكل ما حققه من ثراء فى سنوات قصيرة .. ولم أكن آنذاك مخطئة فالظروف المحيطة بأى شخص هى التى تجعل منه زوجا مناسبا أو لا ..
توقفت أفكارها , مع توقف السيارة امام الفندق , فغادرتها مع الفتاتين وقالت لابنتها , وهى تتجه معها الى الفندق :
-سأنتظرك مع سماح فى الكافيتيريا , فمن الأفضل أن تسألى عنه وتلتقى به بمفردك , فسيكون هذا أفضل.

MooNy87 20-12-18 12:30 PM


ترددت مديحة فى البداية , ثم لم تلبث أن استعادت ثقتها بنفسها , فاتجهت نحو موظف الاستقبال , على حين ذهبت أمها وسماح الى الكافيتيريا وسألت هى الموظف فى حياء :
-هل عاد السيد حسين من رحلته بالخارج ؟
ابتسم موظف الاستقبال وهو يقول :
-آه !! أنت الآنسة التى جاءت للسؤال عنه من قبل .. أليس كذلك ؟
ضايقتها تلك المقدمة التى لا معنى لها , فهى تريد اجابة سريعة ومحدودة , تنتزع منها هذا التوتر , ولقد بدا لها موظف الاستقبال بطيئا وهو يقول :
-فى الواقع , ان السيد حسين .....
قبل أن يكمل عبارته , رقض قلبها طربا , على صوت يهتف :
-مديحة ؟!
التفتت تتطلع الى حسين , وملأت الفرحة قلبها ووجهها ..
لم تكن فرحتها العارمة لرؤيته , وانما لأن وجوده قد أعاد اليها ثقتها فى انوثتها وفتنتها , وهى كونه أضعف من أن يقاوم حبه لها ..
وبأداء تمثيلى رائع لا يُقاوم , اندفعت تتناول يده بين يديها هاتفة :
-حسين !! .. لست أصدق نفسى ! .. بعد كل هذه السنوات !! .. كم افتقدتك.

MooNy87 20-12-18 12:31 PM


ولكن حسين بدا أكثر رصانة وتماسكا , وتحكما فى مشاعره , وهو يقول :
-وأنا ايضا .. لقد أخبرونى أنك قد حضرت للسؤال عنى من قبل.
رمقته بنظرة عتاب ودلال وهى تقول :
-هذا صحيح , ولقد قيل لنا انك قد غادرت تونس.
أجابها فى هدوء :
-نعم .. كانت لدى بعض الأعمال فى الخارج.
زاد العتاب والدلال فى نظراتها وهى تقول :
-ليس هناك ما يدعوك الى الكذب .. فأنا أعلم أنك لم تغادر تونس قط , وأنها كانت محاولة منك لتجنب مقابلتى.
بدا الغضب فى ملامحه وهو يقول :
-من أخبرك بذلك ؟
أجابته فى دلال :
-لم يخبرنى أحد .. لقد رأيت سماح تغادر سيارتك أمام فندقنا.
انفرجت أساريره , ودوت فى أعماقه صيحة :
-ما دامت سماح لم تخن ثقتك , فلا يهم ما اذا كانت مديحة قد عرفت بوجودك أم لا ..
وقالت هى , وكانها تضع الجواب على لسانه خشية أن يصدمها جواب آخر :
-سأحبرك انا لماذا خشيت مقايلتى .. لأنك ناقم علىَ , وتتصور أننى قد غدرت بك , وخنت حبنا , ولك كل الحق , لو كان هذا شعورك نحوى.

MooNy87 20-12-18 12:33 PM


حسين :
-ليس هناك ما يدعو لمثل هذا القول .
مديحة :
-بل لا بد أن تمنحنى فرصة شرح موقفى.
رمقها بنظرة تجمع ما بين السخرية والمرارة وهو يقول :
-أى موقف ؟ .. موقفك عندما تخلّيت عن حبنا , وانصعت فى سلاسة لقرار أمك , أم موقفك عندما جئتك فى الاسكندرية , متوسلا أن تمنحينى دقائق من وقتك , مناشدا قلبك ألا يتخلى عن حبنا الكبير , الذى تعاهدنا فيه على الاخلاص والوفاء , فرفضت بكل غطرسة أن تلتقى بى , وارسلت مع ابنة خالتك ردا قصيرا , تنهى به كل شئ فى لحظة , وتقولين فيه انك ترفضين مجرد مقابلتى.
امتزج الغضب بالسخرية والمرارة فى صوته وهو يستطرد :
-انك لا تدركين حجم الاحباط والمرارة والمهانة , التى شعرت بها فى ذلك اليوم.
لم تجد مديحة أمامها سوى أن تلجأ الى أشهر وأقوى أسلحة المرأة , فترقرقت فى عينيها دموع زائفة وهى تقول:
-حسين .. اننى .......
ولكنه قاطعها دون أن يبدى لمحة تأثر:
-لا تبريرات جديدة يا مديحة .. لقد كان التبرير أيامها واضحا , فلقد خسر حسين , ابن الثرى المعروف - آنذاك - تلك التركة المتخمة . وتلك الثروة والاموال والعـقارات , عشيّة وفاة ابيه , عندما تبيّن له أنها تركة مثقلة بالديون , ووجد نفسه بين ليلة وضحاها فقيرا , لا يملك سوى قدر من المال لا يشبع الهانم وابنتها , وهكذا لم يعد حسين زوجا مناسبا للأميرة الصغيرة , فوداعا اذن لكل عهود الوفاء والاخلاص , وليذهب الحب الى الجحيم.
وأضاف فى سخرية :
-الحب الذى لم تعرفيه أبدا.

MooNy87 20-12-18 12:39 PM


بكت بدموع التماسيح وهى تقول :
-لا تظلمنى يا حسين , اننى لم احب يوما سواك.
-هذا واضح .. بدليل أنك قد تزوجت بعد رحيلى الى تونس بشهر واحد.
-كنت مرغمة على ذلك , فلقد كانت أمى مريضة , وتعرضت لعدة أزمات قلبية بعد وفاة ابى , الذى بدد ثروته كلها فى مشروع فاشل قبل وفاته , وأصبح الفقر يهددنا بعد حياة البذخ والثراء , ولو أن الأمر بيدى لتساوى الفقر والثراء , ما دمت سأحيا فى كنف رجل أحبه , ولكن كيف أتخلّى عن أمى فى مثل هذه الظروف , وأتركها للفقر والمرض , وهى التى ذاقت طعم الرفاهية يوما ؟ . وهكذا التقت أسوأ ظروفنا .. كنت أنا أقف عقبة فى طريق طموحك , ,ارفض أن احملك عبء فتاة فقيرة وأم مريضة , لذا فقد ضحيت بحبى لك فى سبيل أمى , وفى سبيل أن أحقق لك ما تحتاج اليه من الحرية والانطلاق لتحقيق نجاحك .. هل عرفت الآن لماذا رفضاك أمى , ولماذا رفضت أنا مقابلتك فى الاسكندرية ؟ .. لقد خشيت أن أضعف أمامك , وأتخلّى عن قرارى وتضحيتى .. ولعلك تدرك الآن لماذا وافقت على الزواج من رجل ثرى .. وليتنى ما فعلت , فلم اذق من هذه الزيجة سوى البؤس والعذاب.
-وما الذى تغيّر الآن ؟
-لا شئ .. لم آتِ هنا لأذرف الدمع أمامك , بل جئت فقط لرؤيتك وتحيتك , ولأطلب الصفح منك , ثم أنصرف على الفور , وسماح وأمى ينتظراننى فى الكافيتيريا , لننصرف معا ..
لم يدرِ لحظتها أيصدقها أم لا , ولكنه قرر أن يستسلم مؤقتا ..
يستسلم لها ..



https://vb.shbab7.com/shbbab/shbbab....118410_478.gif

MooNy87 20-12-18 12:44 PM

انتهى الفصل التاسع


https://4.bp.blogspot.com/_VhZ7jUbyn...hsca425103.gif

MooNy87 20-12-18 12:57 PM

https://uploads.mumyazh.com/imagehos...1494803393.gif

مع الفصل العاشر

MooNy87 22-12-18 04:11 AM


10 - أسير الحب ..

https://www.pedalizam.com/resimler/kenar-susu-3.gif



جلست سماح مع خالتها حول احدى موائد كافيتيريا الفندق المطلة على الحديقة , وعيناها معلقتان بمدخلها , ولم تكد ترى مديحة مقبلة مع حسين , حتى هبّت واقفة فى حركة لا شعورية , وخفق قلبها فى قوة ..
انه لم يغادر الفندق اذن ! ..
لم يستطع مقاومة فكرة لقاء مديحة ! ..
ما يزال يحبها ! ..
ولم تدرِ .. أتشعر بالسعادة لرؤيته مرة أخرى ؟ أم بالغيرة والتعاسة , لأنها تأكدت من كونه لا يزال محبا لـ مديحة ؟ . أم بالشفقة عليه لأن مديحة لا تستحق هذا الحب ؟ ..
لقد تصورته أقوى من ذلك , ولكن مشاعره التى هزمها , طيلة سنوات الفراق , عادت تهزمه عند أول لقاء ..
واقترب حسين من المائدة , وصافح حكمت هانم قائلا :
-يسعدنى أن ألتقى بك فى فندقى يا حكمت هانم
لم تكن الأم اقل براعة من ابنتها فى فن التمثيل , فلقد رسمت على وجهها ابتسامة ودودا , وهى تصافحه قائلة:
-لقد اسعدنى كثيرا أن اعلم بوجودك فى تونس يا حسين , وقررت ألا ننهى رحلتنا قبل أن نلتقى بك , خاصة وأن هذه رغبة مديحة.

MooNy87 22-12-18 04:15 AM


قال حسين بأسلوب أقرب الى الرسمية:
-أشكركن على أنكن لم تحرمننى من هذه الزيارة , خاصة وانها زيارتكن الأولى لـ تونس.
ثم صافح سماح وهو يتجنب نظرة الحيرة فى عينيها , قائلا :
-أهلا بك يا آنسة سماح .
ودعاهن الى مائدة خاصة , تحتل موقعا متميزا , واختار لنفسه مقعدا الى جوار مديحة وهو يقول :
-هل تناولتن شيئا ؟
أجابته حكمت هانم :
-عصير البرتقال ..
قال فى هدوء :
-سأدعوكن الى بعض مشروباتنا الخاصة اذن , حتى يحين موعد الغداء.
-لا داعى .. لقد أتينا لتحيتك فحسب , وسنتناول الغداء فى فندقنا.
-هذا لا يصح , أنتن ضيفاتى .. كم تبقّى لكن فى تونس ؟
-يومان فحسب.
-سأرسل من يحضر حقائبكن اذن , وسأخصص لكن جناحى الحاص , لتقمن فيه هذين اليومين.
تظاهرت حكمت بالاعتراض وهى تقول :
-لا يمكننا قبول ذلك .. اننا لم نتخذ الترتيبات لذلك.
أجابها فى هدوء:
-كل شئ يمكن ترتيبه .. أرجوك يا حكمت هانم , لا تحرمينى من شرف اقامتكن بفندقى , خلال اليومين المتبقيين لكن فى تونس.
تظاهرت بالرضوخ وهى تبذل أقصى جهدها لاخفاء فرحتها قائلة :
-لست ادرى ماذا اقول , ولكنك تحرجنا كثيرا بهذه المعاملة , خاصة وأن ......



https://i.imgur.com/U6Y86Aw.gif


الساعة الآن 02:39 PM

Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.