آخر 10 مشاركات
عندما تنحني الجبال " متميزة " مكتملة ... (الكاتـب : blue me - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          فتاه ليل (الكاتـب : ندي محمد1 - )           »          والروح اذا جرحت (2) * مميزة ومكتملة * .. سلسلة في الميزان (الكاتـب : um soso - )           »          فتاة المكتبة(61)-قلوب النوفيلا-للكاتبة فاطمة الزهراء عزوز{مميزة}-[كاملة&الروابط] (الكاتـب : Fatima Zahrae Azouz - )           »          البحث عن الجذور ـ ريبيكا ستراتون ** (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          اختلاف متشابه * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : كلبهار - )           »          بريئة بين يديه (94) للكاتبة: لين غراهام *كاملة* الجزء الثاني من سلسلة العرائس الحوامل (الكاتـب : Gege86 - )           »          رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          الغيـرة العميـــاء (27) للكاتبة الرائعة: فـــــرح *مميزة & كاملة* (الكاتـب : فرح - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > مـنـتـدى قـلــوب أحـــلام > قـلـوب رومـانـسـيـة زائــرة

Like Tree28Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25-07-19, 10:09 PM   #91

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


سلام
اليكم الفصلين
الفصل السابع والعشرين والثامن والعشرين
.........................

من أين يأتيك الحزن ؟ من مسام جلدي.
محمود درويش
................
البصرة
..............
- اخبرتك وحذرتك اكثر من مرة .. جد حلاً ..... لا ..الحل كان موجوداً لكنك تجاهلته كالعادة وقابلته ببرود ولامبالاة !!

كان حيدر يتكلم بحدة وغضب بينما معاذ يجلس على مقعد الانتظار في المشفى ... يتكأ بمرفقيه على ركبتيه مطرق الرأس بجمود وصمت ليكمل حيدر هجومه بضراوة ..يتعمد جرحه واشعاره بالذنب ...
- نصحتك بأن تتزوجها ... تزوجها يا رجل وانهي هذه المهزلة .... لم تهتم ولم تبالي لنصيحتي ... تفضل ..انظر لما حدث بسببك انت ووالدتك !

اخترقت كلمة حيدر الأخيرة أذنه كالرصاصة الحارقة .... بسببه !! هل ما حصل لصغيرته كان بسببه ؟! اجل ربما حيدر محق .. ماجرى بسببه ..سابقاً عندما كان شقيقه وزوجته على قيد الحياة لم تكن مسؤولية ملك ملقاة على عاتقه لهذه الدرجة .. صحيح هي كانت متعلقة به اكثر من الجميع الا ان والدتها كانت موجودة في المنزل ..تهتم وتعتني بها !! لم يكن ليحمل هماً عند ذهابه للعمل ! وكذلك الحال بالنسبة لوالدته ايضاً ..كانت تهتم بأحفادها لكن ليس لهذه الدرجة !!
شرد بخياله وهو يتذكر عندما اتصلت والدته تولول وتبكي قائلة بهلع ان ملك هربت من المنزل لم يصدق ما سمعه ...خرج من المكتب ومعه حيدر الذي كان يستمع لكل ما يجري ليبدأن رحلة البحث عنها مباشرة ... لم يبقي شبراً ولا زقاقاً في البصرة الا وبحث فيه ..كما انه ذهب لأبلاغ الشرطة التي كالعادة لم تفعل شيئاً غير ان يطلبو منه بكل برود ولامبالاة الانتظار لمدة 24 ساعة ....
اربع وعشرون ساعة وملك مفقودة ! ومن المفترض ان يقف منتظراً مساعدتهم البائسة !!
حتى شباب المنطقة التي يسكن بها أيضا ساعدوه في البحث .. لكن بلا فائدة ..الطفلة كانت كفص ملح وذاب في باطن الأرض ...اصبح الوقت منتصف الليل عندما عاد خالي الوفاض ... بعد ان اتفق مع حيدر على ان يعاودوا البحث من جديد .. فالأخير ايضاً اراد الذهاب ليطمئن على اطفاله الثلاثة اللذين أمنهم عند شقيقته ...
عندما دلف لداخل المنزل لكي يغير قميصه الذي التصق بجسده المتعرق بغزارة ..شاهد والدته تجلس في الصالة تضرب فخذيها وتبكي بحرارة ... وما ان رأته حتى هرعت اليه قائلة
- الم تجدها يا معاذ !
هز رأسه بيأس وقال هامساً
- ليس بعد يا امي ..اعدك لن تشرق الشمس الا وملك معنا في المنزل ان شاءلله
اتجه الى الدرجات ليصعد لغرفته الا انها أوقفته قائلة
- اتصل بها يا معاذ ؟!
التفت ينظر لها مقطبا
- اتصل بمن ؟!!!
اجابت بحقد وغل وقد تحولت عيناها فجأة لقطعتي من الجليد
- من غيرها رأس البلاء ... رضاب ! لعلها ذهبت اليها !
هز معاذ رأسه مستنكراً وقال بتعجب
- كلا يا امي كيف تعقليها ! طفلة لم تتجاوز الخامسة تسافر من البصرة لأربيل !!!
عادت لتولول من جديد وهي تقول بهستيرية
- اذن اين هي ..اين ذهبت ... اااه ياربي منذ ظهور تلك الأفعى الساحرة بحياتنا ونحن لم نتذوق طعم الراحة ابداً
رمى ناحيتها نظرة فارغة وجوفاء ثم تركها وصعد لغرفته صامتاً متجهماً .. ليس له الوقت ولا الصبر للأخذ والعطاء مع والدته التي تكره رضاب كرهاً جماً ودون سبب مقنع !!!
دلف لغرفته وسارع بفتح قميصه المبلل بالعرق ليتوجه الى الدولاب ويفتحه ولكنه تسمر مكانه كالمشلول عندما رأى المنظر الذي امامه !!

- هذا ما تجيده ..الصمت والفرار .. لقد بدأت اسأم من تصرفاتك الصبيانية يا معاذ ... انت اناني ولا تحب الا نفسك !

عاد حيدر ليهمس بخفوت وبلهجة مؤنبة .لينتشله من ظلمات ذكرياته المؤلمة ... كان يريد ان يضرب الحديد وهو ساخن .... يجب ان يجعل ابن عمه يتحرك قليلا ... يكشف عن مكنونات قلبه ...اجل هو يعرف جيداً ان معاذ يحب تلك المرأة ...وهو يتخذ من ملك حجة لكي يذهب اليها .... ان كذب وادعى على الجميع وعلى نفسه فهو لن يستطيع ان يكذب عليه ..لانه وببساطة شديدة يحفظ معاذ كخطوط كفه .. يعرف متى يكون سعيداً ومتى يكون حزيناً ..ومتى يصبح عاشقاً .....
- لا افهم لماذا انت رافض الزواج منها ان كنت تريدها .... حسناً ان اصررت على النكران فتزوجها من اجل تلك اليتيمة .... اليوم وجدتها بأعجوبة وبعناية الآهية مختبئة في خزانتك والله ستر قبل فوات الاوآن .. من يعلم في المرة المقبلة اين ستختبئ .. ربما في خزان الماء الموجود في سطح المنزل .... صدقني ملك ستعيد الكرة مرة ومرتين وثلاث ....
هب معاذ واقفاً وكلمات ابن عمه تطرق رأسه كالمطارق الحديدية ليهمس من بين اسنانه المطبقة وهو يمسك بتلابيب حيدر بوحشية وشراسة
- يكفي يكفي يكفي ...اصمت يا حيدر ليس وقتك الان !!!
اجابه حيدر بتحدي واصرار ..غير مهتم لتعبيرات وجهه المظلمة
- بلا ..الان وقتي ...والان يجب ان تتخذ القرار !
نظر له معاذ بصمت وقد لانت ملامحه واتسعت حدقة عينان ... ليتركه ببطء وهدوء ... ثم التفت ينظر لوالدته التي لم تهدأ عن البكاء منذ دخولهم الى المشفى بل حتى قبل ذلك ..توجه نحوها بخطوات واسعة وصلبة ...جلس جانبها وقال بهدوء خطر
- اخبريني الصدق يا اماه مالذي فعلت لها لتهرب منك بهذا الشكل وتختبئ بالخزانة !!
التفتت والدته تنظر له بعينان حمراويتان وشفاه متيبسة ... لتجيبه بتلعثم طفيف جعل الشك يساوره
- مالذي تقصده بكلامك يا معاذ !!!!! اتقصد اني ضربتها او عنفتها !!!
لتكمل ينشيج خافت
- اقسم بالله اني لم المسها قط يا ولدي !
اجابها متنهداً وقد رق قلبه لها .... والدته تحب ملك ..للأن يتذكر دعواتها وتضرعها لله لكي تعود سالمة عندما كانت مفقودة في الشمال ...وايضاً بكائها الهستيري وصرخاتها التي رجت انحاء المنزل ما ان رأته يحمل ملك بين ذراعيه كالجثة الهامدة
- اذن ماسبب اختبائها وهروبها منك يا امي !!!!
مسحت دموعها بيدين مرتعشتين واعترفت مذعنة بعد ان احست انها محاصرة بين المطرقة والسندان .... معاذ لن يسكت ولن يهدأ الا ان عرف الحقيقة ...وهي والله يشهد تحب حفيدها ... رباه هي من رائحة ولدها الغالي كيف تمسها بسوء .... لكن كل ما في الامر انها تغار .... تغاااااار من حب وتعلق ملك بتلك المرأة الغريبة ...اصبحت تفضلها على جدتها ..... رغم انها تحاول بشتى الوسائل ان تنسيها ذكر رضاب ... تبذل ما بوسعها لأسعادها ومراضاتها ومجاراتها لعبها ونشاطها في المنزل رغم تعبها ومرضها وآلام مفاصلها التي لاتهدأ ابداً .... لكن ماحدث اليوم جعل غضبها يتصاعد لتنفجر بوجهها وتصرخ بحرقة وغيرة ..... همست بخفوت وكأنها طفلة مذنبة
- حسناً يا ولدي ... في الحقيقة ... اقصد ... كل مافي الأمر ..اني ..اني ... مزقت بضعة اوراق كانت مرمية جانبها ... لم تكن تحتاجها بل كانت تثير الفوضى في الصالة ..
رفع معاذ حاجبيه بعدم تصديق واجابها ببهوت
- فقط !!!! أهذا ما حصل فقط !!!
هزت رأسها وارادت ان تجيبه الا ان خروج الطبيب انقذها من استجواب معاذ لها وكأنها تتعرض لمحاكمة قاسية ...هرع الجميع ناحيته ليسألوه بلهفة فهو عندما ادخلها الى غرفة الفحص منع دخولهم منعاً باتاً ...
- طمئني دكتور كيف حالها !!
قالها معاذ بلهفة وذعر ليجيبه الطبيب قائلا ببرود
- اطمئنوا لاشيء يدعو للقلق هي الان بخير ...الظاهر انها لم تأكل منذ فترة طويلة لذلك حدث لها هبوط حاد في السكر !
قالت والدته ودموعها لم تهدأ عن الهطول
- هل لي ان ارى حفيدتي دكتور !!
اجابها وهو يحدجها بنظر متفحصة
- تستطيعين الدخول لها الان ! لكنها ستظل نائمة الى الصباح لا تحاولوا إيقاظها او ازعاجها !
اومأت بسرعة وهرولت بخطوات متعثرة لتدلف الى الغرفة ...باغت الطبيب معاذ قبل ان يتحرك من مكانه ليلحق بوالدته ... ليسأله بحدة
- هل لي ان اسأل اين والدتها !!!
اجابه معاذ بتجهم وعبوس
- متوفية !
قال الطبيب بلهجة هجومية مستجوبة كان يشوبها تهديد واضح
- وانت والدها ! ومن المفترض ان تهتم بها اكثر !!! كنت سأبلغ الشرطة بسبب اهمال هذه الطفلة وتعريضها لهذا الجوع المهلك ...كما انها كانت على وشك الاختناق ! وهي تعاني من سوء تغذية ! لكني الان فهمت القصة المعتادة ... بما ان والدتها متوفية فبالتأكيد هذا سيكون حالها !
لم يعقب معاذ على كلامه ولم يصحح له ويبين صلته بملك ..بل ظل وجهه مظلماً عابساً ... ليتركهم وهو يرغي ويزبد بكلام متذمر وحاد... جعل شعور معاذ بالذنب والغضب يتزايد ...
- ان لم تهتموا بأطفالكم لماذا تنجبوهم اذن ! آباء اخر زمن ! مستهترين وعديمي المسؤولية !

سوء تغذية !!! ملك تعاني من سوء تغذية ! اجل ولماذا يتعجب ..والدته شكت له اكثر من مرة قائلة ان ملك لا تأكل الطعام ولا الفاكهة ... وهي امرأة كبيرة في السن و تعبه ... لا طاقة لها لمجارتها والتوسل بها !!
همس حيدر قائلا بهدوء وتفهم
- لماذا لم تخبره بأنك عمها !!
حث معاذ خطاه ليجيبه بعبوس وتجهم وكأن طاقة صبره قد نفذت بالفعل
- لايهم يا حيدر لايهم !
.........................
....................................
محبوبتي , أنتِ الشجر أونا المطر
لولا جميل عناقنا ماكان في الدنيا ثمر
نحن بأحلى مكان وثالثنا الحنان
من أين يأتي النوم ؟
همسٌ يذيب الصدر ووسادة كالجمر
من أين يأتي النوم ؟
................
السليمانية
.....
يلمس وجنتها بإبهامه ...وجنتها كانت ناعمة جداً تنافس نعومة الحرير ... كانت تمرغ انفها بصدره وكأنها قطة التهمت للتو وجبه دسمة ... عينيها مغمضة بينما ابتسامتها تتسع مع كل حركة يقوم بها .... كل لمسة يلمس به جسدها كانت تمس جزءاً من روحها وقلبها ....
في اليومين السابقين اصبحت اكثر جراءة وحرية معه ...اختفى جدار الخجل الذي كان يفصل بينهما ... لكنها تعترف انها لاتزال محرجة من النظر مباشرة لوجهه ..خاصة بعد ان ينتهيا من اقترابهم الحميمي .... كانت لاتزال مسبلة الاهداب ..لا تقوى على رفع نظراتها ناحيته .. خاصة وانها كانت تبادله بخجل متردد كل لمسه وهمسه كان يقوم بها .... وكأنها طفل صغير يقلد والده ويتعلم منه !!
سمعت همسه الخشن وهو يقول
- وجنتاك ناعمة جداً يا غسق ....في بعض الأحيان اخشى ان اخدشهما بخشونه يدي
امسكت يده التي كانت لاتزال ترسم دوائر صغيرة على بشرتها لتقبل باطنها بعمق وعشق حقيقي ...رفعت نظراتها له هامسه
- احب ملمس يدك على جسدي يا وليد ...واحب كل شيء يخصك
ثم مررت يداها على لحيته وعيناه وخط شفتيه واخيراً ذلك الجرح المختبئ تحت لحيته المشذبه ...استقرت يدها هناك لتهمس متسائلة
- لم تخبرني ماسبب الندبة يا وليد ؟!
كان وليد بعالم اخر ...لمستها كانت تشبه البلسم الشافي لكل جروح روحه وقلبه ... وكأنها نسمات منعشة عطرة تشبه نسمات الهواء الباردة التي تهب في ايام شهر تموز الحارة ... تجاهل سؤالها الذي يحيي داخله ذكريات مؤلمة لايريد تذكرها ...او ربما هي عالقة في ذكرته للأن متشبثه بها بقوة لكنه يتجاهلها ويدعي نسيانها ... اجل يريد نسيان كل شيء مؤلم مر بحياته السابقة ... يريد ان يطوي صفحته القديمة ليفتح صفحة جديدة معها .....
احتضن خصرها الدقيق بساعديه وقلبها لتكون فوق جسده الساخن ...ليجبها هامساً بتسلية
- اذن ...فغسق فراشتي الذهبية طويلة اللسان تعرف كيف تقول كلام الحب والغزل ! لماذا كنت تحرميني من هذه الكلمات المنعشة يا ظالمة ؟!
قهقت بخفة ثم داعبت انفها بأنفه قائلة
- لاني كنت خجولة !!
نظر لها وهو يرفع حاجبيه بعدم تصديق ..لتهتف بأستنكار مصطنع
- اجل ..لاتنظر لي بهذا الشكل ! فعلا كنت خجولة ..كما ان حيائي كأنثى كان يمنعني !!
نظرت لوجهه القريب منها وهي ترفرف بأهدابها الطويلة ببرائة تامة لتمط شفتيها اخيراً قائلة بدلال
- ماذا !!! الا تصدقني !!!
احكم من احتضان خصرها هامسا بحشرجة قبل ان تلتف اصابعه القوية خلف رقبتها ليقربها منه اكثر
- بلا طبعا اصدقك غسقي ..
نظرت له بعينها التي يعشق التحديق بهما ...وكأنهما محيط واسع انعكست عليهما اشعة الشمس لتزيدها جمالا وعمقاً
- هل تحبني وليد ؟! اقصد متى احببتني ..لالا ..اقصد متى تأكدت انك تحبني !!
اجابها بأبتسامة جانبية وبنبرة صادقة بشوبها بحة خافته
- يشهد الله اني احبك ..وما عرف قلبي معنى الحب الا معك !!!
ليكمل متنهداً
- اما متى تأكدت من حبي لك !! ففي كل يوم كان يمضي وانا انظر لك من بعيد اتأكد اني احبك ...مع كل بسمة كنت تبتسميها بسعادة تأكدت انك هي فتاة احلامي ...ومع كل نفس يصعد وينزل في صدري اقتنعت واعترفت بأني ان لم اتزوجك فأني سأضرب عن الزواج نهائياً
همست بتأثر وهي تنحني لتقبل طرف شفته
- وليد ...لم اكن اعرف انك رومانسي وشاعري لهذه الدرجة
تأوه وهو يسحبها ليلتقط شفتيها بقبلة عميقة ... بينما يده الاخرى كانت تداعب جسدها بجرائة وحميمية ...كان شعرها منتشراً على صدره كشلال من العسل الحريري تماماً .... ابتعدت عنه شاهقة بقوة ..تحاول التقاط انفاسها التي سلبها اياه زوجها تواً ... قالت بأصرار
- هيا لودي ..ارجووووووك ..كيف حصلت عليها ؟!
اجابها مقطباً بتسائل وعلامات الأستنكار والاستهجان بانت على ملامحه الرجولية
- لودي ؟؟؟
رفعت كتفها قائلة بأبتسامة واسعة وطفولية
- بالنسبة لي اجل ... بيني وبينك فقط لودي .. اما امامهم انت وليد زوجي وحبيبي وتاج رأسي !
قهقه قليلاً بخفة ثم قال بخشونه وهو يبتسم ابتسامة صغيرة
- ما دام الامر كذلك .. انا موافق يا عسل !
عادت لتنظر له بتوسل وهي تعاود سؤالها مرة اخرى ...كانت تبدو وكأنها طفلة صغيرة جداً امام صدره القوي الواسع
- اخبرني سبب الندبه وليد ..ارجووووووك .. كيف اصبت بها ؟!
تنهد بحرارة ثم ابعدها عنه قليلا وهو يقول
- انت مصرة !
هزت رأسها بصمت وهي تحدق به بترقب تنتظر ان يكمل كلامه
زفر الهواء بقوة ثم نظر الى السقف وصندوق ذكرياته بدأ يطفو فوق بحر ماضيه البعيد ... ذلك الماضي الذي رغم ما يحتوية وما يتخلله من لحظات سعيدة تقابله ايضاً لحظات وومضات تعيسة ومؤلمة ... خاصة فيما يتعلق بوالده ... رغم حنانه وحبه الذي لا يشك به ولو بمقدار ذرة الا ان ذلك الحب كان يتخلله في بعض الاحيان قسوة وحزم ...
ربما سبب رزانته وهدوئة وتحكمه بغضبه ناتج عن تربيته الصارمة التي تلقاها في صغرة ... وربما كان ذلك في صالحة ..لكنه بمطلق الاحوال ان رزقه الله بأولاد لن يعاملهم ولن يربيهم بمثل طريقة والده ابداً ... بدأ كلامه بهدوء وهو لايزال يحدق امامه ... يركز بنقطة وهمية

- كنت في السابع عشر او ربما اكبر بقليل ... عندما بدأت اعاون والدي في اعمال المزرعة ... زهير كان لايزال صغيراً جداً ..لذلك الحمل الاكبر كان ملقى على كاهلي انا ..خاصة واننا بذلك الوقت لم نكن نملك الكثير من المزارعين والعمال ... كنت انهض مع صلاة الفجر واذهب مع والدي للمزرعة التي كانت في بادئ الامر تقتصر على بستان التفاح والبرتقال ... كان يجب علي تقليب الارض ..والبدأ في رمي البذور ومراقبة الزرع وسقيها يومياً بالاضافة للجولة التي يجب ان نقوم بها على حظيرة الابقار والماعز ... وفي مرة من المرات !
صمت وهو يقطب حاجبيه وكأنه لايستطيع الكلام او كأن الكلمات اختنقت في صدره ...همست غسق بفضول
- ماذا حصل !!! اكمل يا وليد ارجوك !
قلب شفته السفلى وابتلع ريقه قائلا بجمود
- كنت اعاني من الحمى ..الحقيقة كانت جسدي كله يؤلمني للغاية لدرجة ان عيناني كانت حمراء من شدة الحرارة التي عصفت بجسدي ...كالعادة ايقضني ابي مع صلاة الفجر ..اتذكر في حينها توسلته امي ان يتركني اليوم في المنزل لأني محموم .. توسلته كثيراً ..لكنه لم يوافق ..قال لها ان ولدي رجل .. ولن يؤثر عليه القليل من الحمى التي يصاب بها الاطفال الصغار .. انا لم اعارض ابداً
انقلب على جانبه ثم حدق بعينيها الزرقاء المتسعة ..وقد بان الالم والتعاطف بهما ليكمل بأبتسامة صغيرة
- منذ صغري تعلمت ان اطيع والدي لكن بالحق ... رغم انصياعي لأوامره الا انني كنت اتميز بأستقلالي في اتخاذ قراراتي ...لم يستطع احد على أجباري وارغامي لفعل شيء لا اريده ابداً ...
رفعت غسق اناملها واخذت تمررها على الندبة هامسة بتعاطف
- لم تخبرني كيف اصبت بها ؟!
رفع كتفه واجابها بهدوء واقتضاب .. كان يتكلم وكأن صوته يخرج من اعماق المحيط .. بل وكأن شفتيه هي فقط من تتحرك
- اغمى علي وانا اقلب التربة ...وقد صادف وجود محراث بالقرب مني ..فأنغرس في جانب وجهي كما ترين ... هذه كل القصة !
همست غسق بتأثر ... كانت غير قادرة على ان تواسيه ...الامر الذي تعرض له كان بشعاً .. مؤلماً ... شعرت ببعض الندم لأنها اجبرته على التذكر والكلام ..لكنها زوجته ...ويجب ان تشاركه ماضيه وحاضره ومستقبله
- ووالدك ..ماذا كانت ردة فعله ؟!!
تذكر وجه والده المتألم وعلامات الذنب والندم بادية على ملامحه ..وربما هذا ما جعله يشعر بالشفقة عليه ويسامحه في حينها
- حزن وتألم ..واعتذر لي !
لمح التعاطف والدموع تلوح بعمق عينيها المتلألئة ... غير دفة الحديث بمهارة ..فهو لم يكن يريد ان يرى الحزن والدموع مرتسمة بعينها الحبيبتان ..غسق لم تخلق للبكاء والألم بل يجب ان تعامل كأميرة متوجة على عرش قلبه وحياته .. لقد وعد نفسه وعاهدها على ان يسعدها طوال العمر ... ولن يكون وليد ان خالف وعده يوماً
- هيا انهضي وغيري ملابسك سنقوم بجولة ليلية في شوارع السليمانية الرائعة ...
قالت بتساؤل وتعجب
- لكن الساعة تجاوزت الثانية عشر ليلاً !!!
ليجيبها شارحاً بتفهم
- المحلات والمطاعم تظل مفتوحة للفجر ... ثم اننا بعد يومين سنعود الى اربيل ويجب ان نعوض ما فاتنا في اليوميين السابقين يا عسل !!
قبلت وجنته ونهضت بخفة وهي تقول بخيبة أمل
- اشعر بالحزن لأننا سنغادر السليمانية ..لقد احببها جداً
اجابها وهو يلتهم جسدها الغض الذي ظهرت منحنياته من خلال قميص نومها الاحمر ... عينيه الداكنتين الجريئتين تمشطانها بلهفة وجوع لاينتهي
- اعدك يا غسق ....سأحضرك الى هناك دائماً
ليكمل بوقاحة وهو يعض شفته السفلى
- هيا الان غيري ملابسك قبل ان اغير رأي ....
التفتت تنظر له مقهقة بينما يدها تفتح الخزنة ... لكن ضحكتها اختفت عندما لمحت معالم وجهه الجادة وهو يرفع حاجبيه بثقة .... ليكمل قائلا بتحدي
- وانا جاد فيما اقول قطتي !!!
لم تفهم ما يقصده اذا استدارت لتخرج لها ما ترتديه الا ان ذراعيه القويتان اللتان التفتا حول خصرها أنبئتها ووضحت لها مايريد ..اذ حملها بخفة الى السرير هامساً بصوت عميق وثقيل ...الرغبة الحارة كانت واضحة عليه جداً واستطاعت الشعور بها بكل سهولة
- لقد غيرت رأي بالفعل ...فأنا لم اشبع بعد من العسل يا عسل !!
تاهت غسق وغرقت بلجة بحور عينيه السوداء العميقة الداكنة ... وهي تشعر بأمواج عشقه وحنان التي ترفعها دائما الى السماء وتجعلها تسبح بين الغيوم والسحب الوردية قبل ان تعيدها برقة الى الارض مرة اخرى

...........................
.................................................
اربيل
...............
بعد جولة قصيرة وسريعة قامت بها تبارك في السوق ..اشترت القليل من الحجابات والإيشيربات الناعمة الحريرية لحبيبة .. لقد خرجت من المصرف قبل انتهاء العمل بساعة اي في الواحدة ظهراً .. كانت تتمنى لو انها خرجت بوقت ابكر من ذلك ..الا ان المدير لم يسمح بأعطائها اذن للخروج الا في الساعة الواحدة ... لابأس ان شاءلله في اليوميين القادمين ستفرغ نفسها لكي تاخذها بجولة اخرى وهذه المرة ستكون طويلة جداً ... تختار الملابس والفساتين بنفسها .... فأغلب ملابس حبيبة كان مقتصراً على بنطايل الجينز والقمصان الطويلة ...
السؤال المهم الان والذي راودها فجأة هو ... لماذا قادتها قدماها لذلك الشارع الذي يفتح به عبد العزيز عيادته ...هي بالعادة تأخذ شارعاً اخر اقل صخباً ...
ربما وجودها هنا ورغبتها بمشاهدة العيادة ناتجة عن شعورها بالسعادة لقرب عودته !!
تعلم انها تأخرت بأكتشاف حبها ومشاعرها الوليدة تجاه عبد العزيز ... لا هي اكتشف هذه المشاعر قبلا ...لكنها تجاهلته وكبحته بمهارة اعتادت عليها ...وربما لولا غيابه الطويل هذا ...و الذي امتد لأكثر من شهر هو السبب القوي الذي دفعها لكي تعترف بأهميته في حياتها واحتياجها اليه والى عاطفته وحنانه ورزانة اخلاقه وتصرفاته ..هي وعبد العزيز متقاربين بالميول وطريقة التفكير ....
تنهدت براحة وهي ترفع نظراتها ناحية العيادة ...لتتوقف عن السير وقد اتسعت عيناها باستغراب حقيقي بينما قلبها بدأ يخفق بشدة .... العيادة كانت مفتوحة ...والأقفاص الحديدية الخاصة بالحيوانات كانت متراصة على العارضة الزجاجية الخاصة بواجهة العيادة !!!!
تجمدت مكانها ...وكأنها تشاهد سراباً بعيداً كاذباً .... هل عاد ! متى عاد ! ولماذا لم تتصل بها رونق لتخبرها ! ظلت تحدق امامها ببهوت ..بينما السعادة وبعض التوتر والقلق تسللا داخلها ولا تعرف لماذا !!!
كم بقت واقفه لا تعرف حقاً ...ربما لبضع ثوانِ او عدة دقائق !!!
اخيراً وبعد جهد عادت لوعيها المغيب مرة اخرى ... ثم التفتت حولها لتنتبه انها لاتزال في الشارع ... ابتلعت رقها بخوف ثم اجبرت قدميها المتخشبتان لتسير ناحية العيادة كالمنومة ... ومع كل خطوة تقترب بها يزداد لهاثها المتزامن مع خفقاتها الصاخبة ... توقفت قليلا لترطب شفتيها الجافة وتأخذ نفساً عميقاً مرجفاً قبل ان تدلف الى الداخل ببطء وترقب ....
..............
البصرة
..........
يجلس جانبها على الفراش ..ينظر لوجهها الشاحب بحنان ...بينما يده تمسد على شعرها برقة ... مالذي كان ليحصل لو تأخر بأكتشاف مكانها ؟! رباه ..بالتأكيد كانت ...لالا هو حتى لايريد ان يتخيل مجرد تخيل ما يمكن ان يحصل لها !! منذ البارحة وهو يجلس على الكرسي يراقب تنفسها المنتظر ... صلى لله ركعتين حمداً وشكراً وامتناناً على سلامتها !
همس بخفوت قبل ان ينحني ليقبل جبينها الشاحب
- اسف اخي ..اسف ..لم احافظ على ابنتك ..لم احافظ على وعدي وعهدي لك !!
اعتدل بجلسته وهو متجهم الملامح لقد طلب من حيدر ان يقل والدته الى المنزل ..وبعد رحلة اقناع طويلة وافقت على المغادرة على ان تأخذ دوائها وتغير ملابسها وتعود مرة اخرى ....فهي الاخرى لم يغمض لها جفن الى الفجر ... بكل ثانية تقبل يدي ووجه ملك بلهفة وندم !

اشتدت قبضتيه وهو يتذكر ما اخبرته به .. كيف امكنها ان تكون قاسية لهذه الدرجة ..صحيح ان والدته دائما كانت ذات طبيعة قوية وصلبة ..الا انها ورغم ذلك كانت حنونة ... وعطوفة .... خاصة مع ملك ..ام ربما وجود زوجة شقيقه رحمها الله كان له الفضل الاكبر بعدم اظهار هذا الجانب الخفي منها !!!!
هز رأسه وهو يعاود النظر ناحية ملك ...ليتنهد بضياع وحيرة ..ماذا يفعل ...وكيف سيطمئن عليها في الايام القادمة !!!
بدأت ملك تتململ قليلا ثم فتحت عيناها ببطء شديد ...وما ان رأته حتى همست بابتسامتها الطفولية
- عمو مواذ !
اجابها بحنان ولهفة وهو ينحني قريباً منها
- ياعيون عمك يا ملاكي الصغير
همس بعتاب .. قلبه المذعور لم يترك له الفرصة لالتقاط انفاسه يجب ان يفهمها ويأخذ وعداً منها بعدم تكرار ماحصل مرة اخرى
- لماذا فعلت ذلك يا ملك ؟! لماذا هربت واختبأت في الخزانة !!!
اجابت بهمس وبكلمات طفولية متلعثمة
- انا ..اردت انتظارك عمو ...لكي تأخذني لأمي كما وعدتني
هز رأسه قائلا بعتاب وتأنيب
- لماذا لم تنتظريني مع جدتك او في غرفتك !
اجابت وهي تقلب شفتيها بطفولية
- جدتي صرخت علي ...ومزقت الرسمه !
قطب قائلا بتساؤل ونظراته تطوف حول وجهها الصغير بحيرة
- اية رسمه ؟!
اجابت بعيناها تغرق بالدموع وبلهجة طفولية متقطعة قطعت نياط قلبه معها
- الرسمه التي رسمتها لأمي ...ما ان رأتها جدتي حتى اخذتها مني ومزقتها بقوة وقالت اياك ان اسمعك تقولين امي رضاب ... مرة اخرى
قبل جبينها متنهداً بقلة حيلة ..اذن هذا ما فعلته والدته !!! كيف امكنها ان تخيفها بهذا الشكل !! كيف تنزل بعقلها الكبير الواعي لمستوى طفلة في الخامسة !!! حتى وان اردت ملك نسيان رضاب فأن تصرفات والدته تجبرها على التشبث بها اكثر ..لاعجب من انها تفضل صحبة رضاب على جدتها ...فهي ان وجدت الحب والحنان والاهتمام من جدتها لم تكن لتتعلق بتلك المرأة الغريبة لهذه الدرجة الكبيرة ابداً ... وبهذا الوقت القياسي ... همست ملك قائلة بدلال
- متى ستأخذني لماما !!!
اومأ وهو يرسم ابتسامة صغيرة لم تصل لعينيه
- قريباً طفلتي ..قريباً ان شاءلله سترينها وتشبعين منها !!!
اجابت ملك بأصرار وطفولية
- اذن اتصل بها اريد ان اتكلم معها ..ارجوووووك عموووو
اومأ بصمت ثم نظر لساعة يده ..كانت تشير الى الثانية ظهراً ... الطبيب امر بمراقبتها لمدة اربع وعشرين ساعة لكي يتأكدوا من سلامتها وبعد ان يطمئنوا عليها سيصرح لهم بالخروج ... قال بهدوء وبلهجة لينه وصبورة
- حسناً صغيرتي ..سأتصل بها ... لكن قبل ذلك عديني بأنك لن تكرري الهروب والاختباء ابداً ابداً ..اتفقنا !!
اومأت بسرعة وسعادة وعيناها الصغيرتان تلتمعان بشدة
- اتفقنا عمو
ليكمل بأبتسامة حنونة وهو يمسد شعرها المنكوش
- وايضاً عديني بأنك لن تخبريها عن وجودك في المشفى ولا عن اختبائك في الخزانة !! لقد اصبحت فتاة كبيرة والفتيات الكبيرات يحتفظن بالسر !!!
اومأت بسرعة وقالت بتلعثم
- اجل ..اجل ..انا كبيرة ولن اتكلم ابداً !!
اخرج هاتفه ثم اتصل بزهير واخبره برغبة ملك بالتحدث مع رضاب .. الامر بات محرجاً جداً بالنسبة له .... حقاً لا يعرف كيف يجد الحل لهذه المشكلة ...... همس بخفوت
- سأدعك تكلميها الان وكما اتفقنا لا تخبريها عما حصل !!! !!
كان ينظر لها بثقة وتاكيد لتجيبة وهي تحرك رأسها بسرعة وعيناها متسعة بقوة ... وكأنها ستحتفظ بسر خطير
- اتفقنا
لكن ما حصل بعد ذلك ..تحديدا ما ان وضعت ملك الهاتف في اذنها جعله يفغر فاهه بتعجب ولسان حالة يقول الأطفال لا يؤتمنون على سر ابدا !!!
- امي لست بخير ...انا مريضة .... ذهبت للمشفى وقد هربت ......
رباه ستخبرها كل شيء بلحظة واحده .... كانت ملك تتكلم وكأنها خرطوم ماء انفتح على اخره ... الكلمات تخرج من شفتيها بسرعة وتعلثم ..وجمل غير مترابطة ... التقط الهاتف من يدها وغطاه بكفه الضخمة وهو يهمس بتعجب وذهول
- يا الهي !! ملك اين الاتفاق الذي لم يمضي عليه دقائق !!
لتجيبه بذات الهمس وهي تنظر له ببراءة
-نسيت عمو !!!

هبط قلبها لقدميها وهي تستمع كلمة مشفى ...مريضة ....منذ البارحة وهي تشعر ان هناك خطب ما نار .. نار حارقة كانت تنشب بصدرها ودون سبب .. ارادت ان تطلب من زهير الأتصال بمعاذ إلا أنها تراجعت في اخر لحظة ..ماذا سيقول عنها وهي تطالبه الأتصال بشخص غريب !!
حتى لو كان الاتصال من اجل ملك والكل يعرف مدى اهتمامها وتعلقها بها !!!
ضاقت عليها جدران الغرفة فجأة وانفاسها اصبحت لاهثة .. اجابت بأختناق والكلمات تخرج من شفتيها بصعوبة
- اي مشفى واي مرض ..ماذا حصل طفلتي .. يقين ..اين ..انت ..لماذا صمتِ !!!
سمع صوتها المرتعب تنحنح بحرج ثم اجابها بصوت رجولي خشن
- مرحباً سيدة رضاب كيف حالك !
تجاهلت تحيته وقالت بسرعة ولهفة وذعر حقيقي
- مابها يقي.. اقصد ملك ..مالذي حدث !!
سارع يطمئنها قائلا وهو يوجه لملك نظرة مؤنبة
- لاتقلقي سيدتي ..هي فقط تعرضت ..اقصد حرارتها ارتفعت قليلا ..تعرفين فصل الصيف وهي تحب اللعب بالمسبح المطاطي في الحديقة ثم تذهب لتقف امام التبريد ... حرارة وبرودة ..حرارة وبرودة ... وهكذا تعرضت للزكام !!
همست بشك وقد هدأت انفاسها قليلا
- حقا !!!! ارجوك اخبرني الصدق هل هناك شيء ما !!
اجابها متنهداً يحاول ان لايبدي ارتباكه من لهجتها الناعمة
- صدقيني لايوجد شيء اخر فقط زكام بسيط !
قالت رضاب بحنان ورقة وبعفوية تامة ... الواضح انها لم تتقصد ان تنطق اسمه هكذا ... وكأنها تعرفه منذ فترة طويلة ... همسها الخافت بحروف اسمه ..جعل قلبه الضخم ينبض بعنف لم يسبق له مثيل
- ارجوك يا معاذ ... انتبه لملك جيداً ..هي طفلة رقيقة وحساسة ...تحتاج الى الرعاية والاهتمام المستمر فلا تهملها ابداً
لايعرف كيف انهى الاتصال معها .. ولا ما قاله لها ... حتى انه لم يركز بملك التي كانت تجر كم قميصه بأنزعاج وهي تقول
- عمو ..عمو ...لماذا اغلقت الهاتف ..كنت اريد التكلم معها اكثر !!!
عقله وفكره مشغولين بتلك المرأة الناعمة الحنونة ..كيف تهتم وتوصيه بملك وكأنها ابنتها فعلا ... مالذي يجذبه لها !!! مالذي وجده بها ليفكر بها هكذا ليلا ونهاراً !!! ربما هي تدابير القدر .. الله سبحانه وتعالى بمشيئته وقدرته ... جعل طرقهم تتلاقى ... هو بالبصرة وهي في اربيل ! كيف خط القدر طريق اللقاء !
تذكر لثانية واحدة ... كيف التقى بها ..كيف رأها اول مرة !!! كيف تلاقت نظراتهم للمرة الاولى !!
عينان بنيتان لامعتان حزينتان وجذابتان ! كانت تناديه بصمت ..تطلب العون منه بمجرد نظرة واحدة ! وكأنها غريقة تمد يدها له تناشدة وتصرخ بأسمه بألم ويأس ! هذا ما يحس به واحساسه ليس بيده !!
لقد اسرته وجعلت قلبه الفارغ يمتلئ بشيء لايعرف تفسيره ... بل يخاف ويرتعد من تفسيره !!! ا
اجل يا معاذ انت جبان وخائف من تفسير مشاعرك الواضحة ! والتي فسرها واكتشفها ابن عمك بسهولة !!
..........................
...............................
اربيل
..............
اليوم ومنذ الصباح الباكر قرر ان يفتح عيادته التي اشتاق لها كثيراً ...رغم المدة القصيرة التي تم افتتاحها الا انه ارتبط بكل ركن فيها .... التفت ينظر للحيوانات التي ما ان رأته حتى بدأت بإصدار اصوات صاخبة وكأنها كانت ترحب بقدومه هي الاخرى ...ابتسم براحة ...من الجيد انه اوصى صديق له بأن يهتم بها ريثما يعود من بغداد ...لولا ذلك لكانت هذه الحيوانات المسكينة ميته الان من الجوع والعطش والحر ....
تنهد وهو يتذكر نظرات كل من يصادفه سواءاً صديق ام غريب ...شعور بالألم داهمة مرة اخرى ... لكن هذه المرة الالم كان اقل وطئة .... ربما بسبب انه بدأ يعتاد على وجهه المشوه .... بل يجب عليه قبول الواقع ...قبول نفسه ...شكله الجديد ورغماً عنه !
انفجارات ..سيارات مفخخة ..احزمة ناسفة .... مقتل العشرات من العراقيين ... نفوس بريئة لا ذنب لها غير انها مجبرة على تحمل العيش في بلد عانى ويعاني من ويلات الحرب التي لا تنتهي ...لقد اصبح يشمئز من سماع الاخبار التي طالما كان يسارع لسماعها ... لكن الان مل وتعب من تكرار سيناريو الأنفجارات والأغتيالات والدمار ... منظر الجثث والدماء اصبحت تخنقه وتذكره بذلك الانفجار البشع !!!
في خضم افكاره السوداء ودواماته التي لاتنهي جاء صوتها المندهش المتعجب .. لتزيد الطين بلة ... انقبض قلبه ... واختنقت انفاسه ... مالذي اتى بها ! كيف عرفت برجوعه !!
اغمض عينه متألماً بينما تجمعت قطرات العرق على جبينه ...الان ليس وقتها ....ليس مستعداً للقائها ..ليس مستعداً على الاطلاق
- عبد العزيز !!!
بالمقابل كانت تبارك تتأرجح بين امرين محيرين وهي تحدق بظهره الذي تشنج ...وكتفيه التي تصلبت فجأة ... لماذا رونق لم تبلغها بوصوله ....ولماذا تشعر بأنه ليس سعيداً لرؤيتها ...اجل الامر واضح من خلال لغة جسده التي نفرت من مجرد سماع صوتها !!!
تقدمت لتدلف داخل العيادة وهي تبتلع ريقها بينما يتلون وجهها بحمرة الخجل والحرج وهي تقول
- حمدلله على سلامتك ..متى عدت ؟!
انتبهت للعصى الخشبية التي يمسكها بيده لتقطب بصمت ..كانت تنتظر ان يستدير ويبادلها التحية بحرارة وشوق يضاهي شوقها ... الا انه ظل واقفاً متخشباً في مكانه ....همست مرة اخرى
- اسفة لاني اقتحمت عيادتك لكني ....
بترت جملتها عندما استدار لها ببطء بينما نبضات قلبه كانت تدوي كطبول الحرب ... فلتراه وليحصل مايحصل .... لماذا يؤجل هذا اللقاء البائس ....
- اهلا آنسة تبارك ..سلمك الله ...
ما جرى بينهما كان شيئاً مختلفاً عما يشعران به في هذه اللحظة .... هو كان ينظر لها بعين مشتاقة ..متلهفة ...لكنها بذات الوقت كانت باردة وباهته ....وهي ..كانت تنظر له بصدمة ...عيناها السوداء اتسعت بقوة وملامحها باتت مبهوته وشاحبة .... الم ..رهيب بدأ ينخر الجزء الايسر من صدرها ....تحديداً بذلك التجويف النابض الذي يسمى قلب .....
الصمت ....الصمت المخجل المؤلم بالنسبة له ...والصمت الثقيل البشع بالنسبة لها ..امتد بينهما ... صمت اٌجبر عليه هما الاثنان ... استمر ... واستمر ... السكون كان يعم المكان ..لا يقطعه الا اصوات الحيوانات ورفرفة اجنحة الطيور .... تحرك عبد العزيز بصعوبة بالغة ..هذا ماكان يخشى منه ..نظراتها ...نظراتها التي لن يخطئها ابداً ....
تبارك ...تلك النسمة العذبة ....الماء الرقراق البارد ...عندما نظر لها احس وكأن الدنيا بيضاء نقية ...لايشوبها شائبة ... تبارك كانت واصبحت حلماً بعيد المنال ... جلس خلف المكتب ثم قال بصوت بارد وجدي
- هل من خدمة اقدمها لك !

كل شيء كان ضبابي ومشوش امامها ... مالذي جرى له !! متى وكيف اصيب ؟! لماذا لم تخبرها رونق ! لماذا جعلتها تنصدم بهذا الشكل المفاجأ !!!
تقدمت الى الداخل اكثر وهي تهمس بعينان تهددان بذرف الدموع التي كانت تكبحها بأستماته
- مالذي جرى لك عبد العزيز ؟!
لوهلة نسي تشوهه ...نسي عينه المفقوعة ..وكأنه شخص عادي ..عبد العزيز القديم ... لكن صوتها الهامس جعله يجفل ويفيق من غفلته الصغيرة هذه ... اجلى حنجرته ليجيبها بهدوء ... وهو يتجنب النظر مباشرة لوجهها الناعم ... كان يحاول ادعاء التماسك والثقة ..اخبرها واختصر الطريق بكلمتان معروفتان لدى العراقيين
- سيارة مفخخة !
غطت فمها بيدها المرتعش ثم اغمضت عيناها لتهبط دموعها بصمت ... ثم فتحتهما لتحدق به وكأنه خيال بعيد يتراءى امامها ... احتاجت لبضع ثوانِ لكي تستوعب ما قاله ... تعتاد على النظر لوجهه الحبيب ....فتحت فمها تريد اخراج حرف واحد الا انها عادت لتغلقه من جديد ... فجأة انتبهت وتذكرت فتور استقباله لها ...وكأنه كان يغتصب اخراج الكلمات ...بل وكأنه يقول لها اتمنى ان تخرجي وتدعيني بسلام ... همست مرة اخرى وهي تشعر بالألم يجتاحها وكأنها سهام حادة جارة تخترق روحها دون رحمة
- متى .... متى .. حدث ذلك !!
يجب عليه اخبراها ..يجب عليه ان يشاركها كل شيء ...اليست هي بحكم خطيبته !! ام ..ربما !! اخيراً وبعد عدة لحظات بائسة من وقوفها المحرج امامه .. ضربتها الحقيقة المرة وكأنها امواج بحر عاتية تضرب صخور الشاطئ مخلفة تصدعاً واحجاراً مكسرة ...بل وكأن سقف احلامها التي بدأت للتو قد سقطت متكسرة على رأسها بقوة .. قوة مؤلمة لكن حقيقية ... وجعلتها تدرك بشكل مثير للشفقة ان عبد العزيز لا يريدها .. لا يريدها في عيادته !
لكن لا ...ربما هي متوهمة ومخطئة بحكم مفاجئتها من اصابته البليغة هذه ...اجل لقد اصبح تفكيرها مشوشاً واصبح يصور لها امور لا مكان لها من الصحة !!
هز كتفيه وقال بذات البرود وهو ينظر لها كالغريبة التي يراها للمرة الاولى ...حواره معها كان رسمياً جداً ...بارد وقاسي جداً جداً ...لامبالاته هذه كانت اشد الماً من صدمتها بما اصابه
- عندما كنت في بغداد لشراء بعض المعدات الطبيبة .. والان ..هلا اخبرتني ماهو طلبك انستي ؟! ارجوك اخبريني بسرعة فأنا مشغول جداً !
بيد مرتعشة مسحت جبينها وهي حقاً لا تعرف ما عليها قوله ... لماذا يعاملها بكل هذه الرسمية والجفاء ... لماذا يقول لها آنستي ؟! كان يناديها تبارك بكل اريحية وتملك وهي التي كانت تناديه دكتور عبد العزيز !!! مالذي جرى الان وغيره !!!
همست بشحوب وهي تغتصب ابتسامة صغيرة
- اسفة على ازعاجك ... انا ..أنا ..اعتقد ..اني يجب ان ..اغادر.... الان !!
اومأ بصمت ثم احنى رأسه يحدق ببعض الأوراق امامه ...شعر بخروجها ...شعر بإحراجها من بروده معها ..وشعر لأول مرة بأنه ليس عبد العزيز الطيب البشوش الذي لايقوى على اذية نملة صغيرة فما بالك وهوي قوم بجرح اغلى واعز مخلوق له في الدنيا بعد اخته رونق !!!
انها تبارك نصفة الثاني وتؤم روحة ...
رفع رأسه يحدق بالباب الذي خرجت منه للتو ..هامساً بحزن
- آسف يا تبارك .. آسف يا مهجة الروح والقلب .. تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن .. وليس كل احلامنا تتحقق بسهولة ...
هذا ما ادركه الأن ...ادرك انه وتبارك خطان متوازيان لن يلتقيان ابداً !!!
...............................
.................................................

كان يقف في الحديقة ينظر الى الأعشاب والحشائش الخضراء بشرود .. لقد وعدها بأن يأخذها الى السوق من اجل ان يشتري لها الفساتين والحجابات و الإيشيربات الخاصة بالمحجبات .. اخيراً سيتخلص من بناطيل الجينز التي ترتديها حتى وان كانت ترتدي فوقه القمصان الفضفاضة الا انها رغم ذالك كانت جميلة وملفته !
القى نظرة على ساعة معصمه ..الساعة تشير الى السادسة عصراً .. الوقت ملائم جداً للخروج !
لقد طلب من رضاب ان تذهب وتطلب منها ان تتهيأ للخروج وتخبرها انه ينتظرها في الحديقة ... حسناً بغض النظر عن كونها لاتزال تتجنب الجلوس او الوقوف امامه الا انه يشعر بالراحة والسكينة ...وكأن جبلا من الهم قد انزاح من فوق ظهره ....
كم هو جميل عندما تتزوج من فتاة انت ترغب بها وتحبها ... خاصة وانه هو من ربى حبيبة على يديه .. الأمر يشبه زراعة نبته صغيرة .. وانتظارها ومراقبتها وهي تكبر امام عينيك يوماً بعد يوم ... لتجني اخيراً ثمار ما زرعته وسقيته بتعبك وجهدك !
عندما كان في الجامعة شاهد وسمع الكثير من الكلام عن الحب وعن مشاعر العشق التي يعيشها أصدقائه ... كان يتعجب .. يفكر بينه وبين نفسه ..هل يوجد حقاً شيء اسمه حب في الدنيا هذه !!
لم يمر بتلك التجربة ابداً ... تنهد بعمق وحرارة ...الظاهر ان قلبه اقسم على عدم فتحه الا لمن ملكته منذ الازل وهو كان كالأبلهة الغبي يظن ان ما يكنه لها ما هي الا مشاعر اخويه !!
صدرت منه ضحكة ساخرة قصيرة وخافته وهو يهمس
- اجل اجل اخويه ..اخويه جدا جداً يا غبي !
ليكتشف متأخراً انه غارق لأذنيه بحب تلك الفأرة الصغيرة !
بكل تأكيد الحياة الزوجية ستكون هادئة ومسالمة مع فتاة رقيقة وخجولة كحبيبة ... كلما يتذكر كيف جعل السعادة التي كانت امامه طوال الوقت تهرب من بين يديه ... يود لو ان يضرب رأسه بالحائط عدة مرات !
عملياً ونظرياً ومعنوياً قلبه الان يمكن ان يسمى اعذراً مذكر كلمة عذراء ... او بتولاً بما انه لم يجرب الحب قبلا !!
اجل حياته بدأت منذ اكتشاف حبه لحبيبة ...وكل ما كان قبلها كان مجرد رماد ذهب مع ادراج الريح ... ما ان تقع عيناه عليها يعود ثمانية اعوام الى الوراء ... يعود صبي في العشرين من عمره ... يراقب حبيبته .... ويحاول اسعادها بشتى الوسائل !!!
اه منك يا حبيبة كيف غيرتي زهير المؤدب الرزين وقلبتي موازينة مئة وثمانين درجة !!
تتدلل عليه وتبيع الثقل والغرور وهو يعشق ذلك ..ويعشق كل ما تفعله به !!

شعر بحركة ورائه ليستدير مبتسماً بسرعة لكن ابتسامته اختفت وحاجبيه الكثيفان التقيا بتقطيبه عميقة ومنزعجة وهو يقول باستغراب
- رضاب !!! اين حبيبة الم تخبريها بأني انتظر !!!
فركت رضاب يديها بتوتر وهي تبتسم له ابتسامة صغيرة وحرجة ..لتجيبه هامسة
- الحقيقة يا زهير حبيبة طلبت مني ان ابلغك انها لن تستطيع الخروج معك !
اعتدل بوقفته وقد تحفز جسده وتشنج ... ثم اجابها قائلا
- نعم نعم !! وهل الامر على مزاجها ؟!!
ليكمل بتوعد وهو يتوجه للطابق العلوي بسرعة وغضب ... متجاهل صوت رضاب وهي تناديه وتطلب منه ان يتمهل قليلا لتفهمه
- لم تعرف من هو زهير بعد ! حسناً حبيبة ..اصبحت عينك قوية جداً ولا تحترمين من هم اكبر منك سناً !
لحقته رضاب وهي تؤنب حبيبة بسرها على وضعها بهذا الموقف المحرج
............................
..........................................
كانت تجلس على فراشها وهي مستنزفة القوى كلياً ..منذ رجوعها اليوم وهي بعالم اخر ...الكل لاحظ شحوبها وتغيرها .....حتى ان والدتها لحقتها للغرفة وسألتها عن سبب عيونها الحمراء التي فضحت بكائها ... لتجيبها متعلله بأنها تعاني من ألم في بطنها ... والحمدلله انها صدقتها وتركتها وحدها لترتاح قليلا بعد ان أحضرت لها كوب من الحليب الدافئ .....
كانت تشعر ببشرتها السمراء توخزها كأنها دبابيس صغيرة ... بينما قلبها ينقبض بشدة مؤلمة ....لم يؤلمها رؤية وجه عبد العزيز الذي فقد القليل ..القليل جداً من وسامته التي كانت ولا تزال تراه بعينها اجمل من وجه اوسم رجل في العالم ... لكن ما ألمها حقاً هو ذلك القناع القاسي البارد الذي كان يرتديه والتي كانت تراه لاول مرة !!!!
ظلت طوال فترة الظهيرة والعصر جالسة بغرفتها ..تسترجع كل ثانية مرت معهما ..كل حركة قام بها ... وطريقة كلامه المتضايقة الباردة التي كان يتكلم بها !!!
ليست مستعدة بعد لكي تتصل برونق ...اليوم هي تعبه جداً ..حزينة جداً ومصدومة .... كان يقف قريباً منها في المكان لكن ما فصل بينهما كان بمثابة الالف الأميال او كعازل جداري سميك لا يمكن اختراقه ابداً ...
لكنها حتما ولابد من ان تتصل لتفهم كل ماجرى .... يجب ان تسكت ذلك الصوت الساخر البغيض الذي يصرخ داخلها ...وتخنق الهاجس الذي يراودها منذ لحظة خروجها من العيادة .... هاجس يخبرها بأن عبد العزيز تغير ..تغير كلياً !!!

في الجهة الاخرى كانت تقف تنظر من النافذة وهي تقضم شفتها السفلى بتوتر ... الحمدلله انها رفضت الذهاب معه ...هذا الذي ينقصها ان يأخذها زهير للسوق ويختار معها ملابسها ! هي تخجل من تبارك فكيف الحال مع زهير الذي قال لها بكل هدوء وثقة بأنه يحبها ويردها زوجة له !!
كما انها للأن تشعر كما لو انها متسولة علقة طفيلية تعيش بينهم خاصة عندما قطعت والدتها المبلغ المالي الذي كانت ترسلة للخالة سعاد .. صحيح ان خالتها طيبة وحنونة ولا تشتكي ابداً لاهي ولا وليد .. الا ان الامر ليس بيدها خاصة الان مع وجود رضاب ايضاً !!!!
في خضم افكارها المحرجة داهمها ذكرى والدتها كالخنجر المسموم الذي طعن قلبها بقوة .... هي لم تعد تتذكرها كالسابق ...ربما بسبب وجود رضاب جانبها او ربما بسبب تلك القسوة التي تغلف قلب والدتها التي لن ولم تبذل جهداً بالاتصال بهم او حتى الاطمئنان على رضاب المسكينة !!!
طرقات قوية جعلتها تجفل وتستدير بسرعة لتدلف رضاب قائلة
- زهير يرد التكلم معك !
قطبت جبينها وقالت بضيق
- الم تخبريه بأني ...
قاطعتها رضاب بسرعة وهي تحمل الوشاح وتتجه لها
- بلا بلا اخبرته ..لكنه رفض وثار ..خذي ارتدي وشاحك ولنرى مايرده
اخذت الوشاح من يدها وهي تزفر بتوتر ثم لفته حول رأسها ... ذهبت لتفتح الباب وهي تحاول ان تتسلح بالشجاعة الزائفة التي لا تمت لها بصلة
- نعم زهير ماذا هناك !
كان يقف متكئاً على اطار الباب وما ان فتح حتى اعتدل قائلا بغطرسة
- خمسة دقائق .. خمسة دقائق واراك جاهزة للخروج !
اجابت بتحدي وقوة
- وانا لا اريد الخروج معك زهير !!!
ليرد عليها بغيض وحدة
- وانا قلت ستأتين ورغماً عنك !
تدخلت رضاب قائلة بأبتسامة بلهاء ورقيقة
- انا يمكنني ان ارافقكم و ...
قاطعها ببرود وهو يركز نظراته العميقة على حبيبة الصامته التي كانت تزم شفتيها برفض
- ستأتي معي لوحدها ... و دون ان يرافقها احد !
ثم اكمل بأبتسامة شريرة وسمجة وهو يرفع حاجبيه بتحدي وغرور جعلها تود لو انها تفعل اي شيء ... اي شيء لتخفي عن وجهه هذه النظرات الواثقة
- سأنتظرك في الاسفل ان لم تأتي سأصعد وأأخذك هكذا بملابس المنزل
ثم جالت عيناه على ملابسها قائلا بوقاحة
- ملابسك محتشمة كما انك ترتدين الحجاب ولا بأس بالخروج وانت بهذا المنظر
وقبل ان تفتح فمها كان قد غادر المكان بسرعة سمعت صوت تبارك وهي تقول متدخلة لأول مرة .... ببهوت وفتور
- اذهبِ معه حبيبة ...هذا مجنون ويفعلها .. ارجوكِ اذهبِ ولا داعي لإثارة المشاكل !
.........................
...............................

صغيرة جنت وانت صغيرون
حبنا بدا بنظرات العيون
قالو ترى ذولة يحبون
من الصغر لما يكبرون
مثل نجمة والقمر
كبر حبنا وازدهر
بعيونك حبيبي
تبتدي دروب السفر
...............
كانت تستمع لتلك الأغنية التي ادارها زهير في السيارة ... لا تعرف أهو تعمد تشغيل هذه الاغنية تحديداً ام هي مجرد مصادفة !! لكن بكلا الحالتين فكلماتها كانت تجعل قلبها يخفق بقوة ... بينما السعادة تنشر اجنحتها الكبيرة لترفرف بها عالياً محلقة في السماء الواسعة بحرية وانطلاق .... ادعت اللامبالاة وهي تنظر لواجهات المحلات لكن عقلها كان مركزاً ومنتبها لذلك الرجل الذي يزفر الهواء كل دقيقة بضيق وانزعاج !!!!
بعد مرور عدة دقائق على خروجهم والصمت الثقيل المربك كان يلتف حول السيارة ... قطعه قائلا ببرود
- اذاً ..حبيبة ليس لديك اي تفسير لما حصل قبل قليل ؟!
التفتت تنظر له وهي مقطبة الحاجبين ...اجابت بعدم فهم ..فهي فعلا لم تفهم معنى كلامه ..عن ماذا يتحدث واي تفسير هذا الذي يطلبة ؟!
- تفسير لأجل ماذا ؟!
زفر بضيق واجابها وهو يركز على القيادة وعيناه مثبته على الطريق الممتد امامه
- لماذ رفضت الخروج معي ؟!
عضت باطن فمها بتوتر ... ماذا يفترض بها ان تقوله له الان !!! اتقول بأنها ومنذ اعترافه المسفر بحبه لها وهي مشتته ..هائمة لا تركز على ماتفعله ... دائماً شاردة بعالم اخر خيالي وحالم !!! حتى خالتها لاحظت تغيرها في اليومين السابقين !!! ام ربما تخبره بأمانيها وصلاتها ودعواتها الصامتة التي كانت تتلوها وتتضرع بها الى الله لكي يقرب لها الحلم المستحيل الذي كانت تحلم به طوال حياتها !! ام تخبره بخجلها منه وانها لا تستطيع الاختيار او الشراء وهو يقف جانبها بوسامته وحضوره القوي !!
ربما لو لم يعترف لها لما كانت شعرت بهذا الكم الهائل من الخجل والاحراج !!! ربما لو ظل يناغشها ويلمح لها بالكلام افضل مئة مرة من قذفه المباغت لكل تلك الحقائق المدمرة ...او ربما لو كان قد اعترف لها بعد الزواج ...لما احست بكل هذا التوتر والتشنج الذي يصيبها ما ان تسمع صوته يدلف لداخل المنزل !!!
طالبها بالحاح ليقطع عليها افكارها المتخبطة
- انتظر الجواب حبيبة !!!
اجلت حنجرتها ثم قالت بهدوء وهي تلتفت لتنظر الى واجهات المحلات من النافذة تدعي الهدوء بينما قلبها يخفق بشدة اكبر من السابق
- لاشيء عندي لأقوله زهير ..غير اني لم اشأ ازعاجك باللف والدوران معي من محل لأخر فأنا احب ان اشتري ملابسي على مهل وببطء دون استعجال !
رفع حاجبيه الكثيفين وكأنه لم يصدقها ...بالفعل هو لم يصدقها ...هي تشعر بالخجل منه ..وهذا واضح جداً ... لكن لابأس هو يحبها خجولة وناعمة ...لكن ليس لدرجة التهرب منه في كل دقيقة ...فهي وبعد تلك الليلة الرائعة اصبحت تتحاشاه بشكل مبالغ ... ليس مبالغاً فقط بل بشكل يدعو على الريبة والشك ! امن المعقول انه تسرع بأفصاح مشاعره الدفينة لها !!
اجابها بتعمد وبنبرة صلبة واثقة جعلت جسدها يرتعش بقوة
- لالا من الان وصاعداً انا مسئول عن اخذك للسوق وايضاً اختيار الملابس معك ...ثم يا خانم من قال لك اني انزعج من اللف والدوران في الأسواق !! بالعكس لاشيء احب لي من شراء الملابس ل
ثم التفت لينظر لها وقد انصهر العسل الذائب بعينيه الواسعتان ليكمل بنبرة ذات مغزى
- لزوجتي الجميلة التي ستلبسها لي بكل تأكيد !
كادت ان تفتح الشباك وتصرخ بصوت عالي من فرط خجلها وارتباكها .. هل يتعمد فعل هذا !!! لربما فعلا يتعمد ..يريد استفزازها ...لكن لا ..لن تبين له .... لأنها تعرف نفسها جيداً ... ان فتحت فمها الان ستتلعثم وتهذي بكلام غير مترابط ...
ربما ستعطيه موافقتها الفورية لو كانت حبيبة القديمة الخانعة الضعيفة ... لكنها لن تنطق بكلمة موافقة رغم انها تتمناه بيأس مثير للشفقة ...وتتمنى ان تغرق ببحيرتي عينيه العسليتان ... تتوسد هذا الصدر الواسع الصلب ... تحلم بجراءة ووقاحة ان تلمس اصابعها وتتبع عضلاته النافرة عضلة عضلة ... تحدق بوجهه الوسيم عن قرب وكأنها فنانة ترسم لوحه فنية لحبيبها وهي تحدق وتتبع ادق تفاصيل معالمه المثيرة ... تلثم شامته الصغيرة السوداء التي تزين اسفل عينه اليسار ... تستنشق عطره .. تغرق وجهه بقبلات محمومة كانت تتدخرها له طوال السنين الماضية ...
لكنها تظل احلام بعيدة لن تحصل ابداً ..حتى ان تزوجها هي لن تفعل ذلك ..بكل تأكيد خجلها سيمنعها ! عضت شفتها وهي تشعر بخروج الحرارة من وجهها ... همست بخجل شديد رباه حبيبة الى اين اخذتك افكارك المخجلة ! تماسكِ وظلِ قوية ! انت صبرتِ وتحملت الكثير !
عادت لتصبر نفسها وتبث داخلها القوة وهي تفكر بالماضي المؤلم الذي عاشته منذ صغرها .. للان لم تشفى جروحها القديمة التي خلفته لها سناء ورحلت ... اكثر من ثمانية عشر عاماً وهي تتحمل الألم ...القهر ..والوحدة ..تحمل فوق اكتافها ذنوباً ليس لها يداً فيها ...كتلعثمها بالكلام ..فشلها الدراسي .... وحبها الميئوس منه ....والذي بات الان شبه حقيقة بل هي الحقيقة بعينها ... أبعد ان تحملت كل هذه الصعاب تاتي الان لتستسلم بسهولة ... لا ...لن تكون حبيبة ان لم تدعه ينتظر ... لشهور الى ان ينال الرضى والموافقة .... فليتذوق لوعة الانتظار ومرارة الشك والخوف ....كما تذوقته هي واكتوت بنارها .... اجابته اخيراً بلامبالاة
- ومن قال بأني موافقة على الزواج منك !!!
التفت ناحيتها بسرعة وقال مقطباً
- وانا اخبرتك ...لا احتمالية للرفض ابداً ...فهمتِ ابداً !
اجابته بتحدي بينما السعادة تتخلل وتنتشر بكل حنايا جسدها ....ارادت ان تصرخ برعونة وتسرع هاتفة بصوت عالي ..اجل ..اجل..موافقة ..موافقة جداً جداً ....وابصم لك على موافقتي بالعشرة الا انها تماسكت ...وقررت أن تكون اكثر شجاعة وحكمة
- وانا لن اربط حياتي برجل مثلك !!!
ردد ورائها بتعجب وذهول
- رجل مثلي !!!!!
اجابت بقوة وثبات
- اجل مثلك يا زهير ..انت مطلق ...ومن المعروف ان المطلق الذي جرب الطلاق للمرة الأولى يمكن ان يطلق للمرة الثانية والثالثة بسهولة ودون ندم ...ثم ماادراني انا ..ربما انت للان تفكر بطليقتك !
وقبل ان تتم جملتها اوقف السيارة بقوة حتى كاد رأسها ان يرتطم بالزجاج الامامي ...بينما صوت اطاراتها تكاد تصم الأذن ليهتف بأنفعال وقوة وعيناه متسعة وحمراء للغاية ولدرجة مخيفة
- مالذي تهذين به يا فتاة !!!! أجننت !! عن اي طلاق تتحدثين !
لتجيبه بخوف وتلعثم وهي تنكمش على نفسها
- طلاقك من سلمى !
هز رأسه بعدم تصديق ثم مد يده ليمسك ذراعها ..يغرس اصابعه عميقاً بها
- لا شأن لك بمسألة طلاقي منها .. ثم ماذا تريني يا حبيبة !! ها اجيبي !! انت تعيشين معنا منذ الطفولة ..اخبريني ..هل شاهدتني او سمعتني يوماً أواعد الفتيات و اوهمهن بالزواج ! ثم اتركهن بنذالة !!! اجيبِ ! اجيبِ ! تباً !
ملامحه كانت مخيفة بالفعل الغضب الأسود عصف بوجهه ... عيناه كانت تحدق بها بحدة ...بدى لها وكأنه سيضربها لامحالة ...بحياتها لم تراه غاضباً بهذا الشكل ...أكان عليها ان تستفزه هكذا بالكلام ! همست بصوت مرتعش وهي تنظر له بخوف
- ز..هير ..اترك ذراعي ..انت تخيفني !!
ظل ينظر لها متجهماً عابساً ..ما قالته عن الطلاق آلمه كثيراً .. كما آلمه وطعنه نظراها الخائفة منه لكن مع ذلك هو يعذرها ...حبيبته لاتزال صغيرة وطائشة ...غداً عندما يتزوجان وتلمس مقدار حبه وعشقه لها ... ستغير تفكيرها ورأيها عنه بكل تأكيد ... تركها ببطء ثم تنفس عدة مرات ... نظر امامه بصمت لعدة ثوانِ .... ثم مرر اصابعه بشعره ساحباً نفساً عميقاً ... قبل ان يعاود النظر اليها ... يركز على عينيها الجميلة ... شفتيها المزمومة .... جسدها المرتعش
ليقول بلطف ونعومة .. وكأنه ليس ذلك الوحش الذي صرخ عليها وعنفها قبل قليل
- انت تخافين مني ! مني انا يا حبيبة من زهير ! زهير الذي رباكِ على يده ! زهير الذي لاهم له الا العناية بك والبحث عن سعادتك !
صمت قليلا ثم اكمل بهدوء وهو مصمم على افهامها وتوضيح وجهة نظره لها
- اسمعيني جيداً يا حبيبة! انا لم اطلق سلمى هكذا !
لوح بيده في الهواء وكأنه يبحث عن كلمات مناسبة ليكمل متنهداً بتعب
- لم انم واصحى صباحاً لأتخذ هكذا قرار كبير ومهم... كان هناك سبب قوي ومقنع جداً جداً صدقيني ..ربما سأخبرك به في المستقبل !
اذن هناك سبب مقنع وقوي ؟! حتى لو ... هولن ينكر انه تزوجها بإرادته الحرة ...
نظراته كانت متعبة ومعاتبة ... وكأنه كان يؤنبها ويعاتبها على ما تفوهت به قبل قليل ... لوهلة شعرت بالذنب والشفقة وكادت ان تعتذر له الا انها تماسكت وهي تبادله النظرات بصمت ليكمل بجدية وصوت عميق وواثق
- ثم لا تذكري اسم سلمى نهائياً امامي ...اسمعتِ نهااااائياً !!
هتفت بأنفعال وعيناها غرقت بدموع الغيرة البلهاء ..التي داهمتها من جديد ... وهي تكتف ذراعيها على صدرها اللاهث
- اذن انت لازلت تفكر ....
قاطعها بعنف وهو يستدير بجلسته لينظر لوجهها المحمر بوضوح اكثر ...
- سلمى صفحة سوداء وطويتها من حياتي ... انا لم اندم على شيء فعلته مثلما ندمت على الزواج منها !
همست بألم وقد استكانت وهدئت ثورتها الرعناء و غيرتها الأنثوية
- اذن لماذا تزوجها ...لماااااذا !
مسح وجهه بكفيه ثم استغفر بخفوت ... اخذ ينظر لها بعمق وصمت ... كان سيتجاهل الاجابة على سؤالها ...حبيبة امامه دائما كالطفلة الصغيرة ... التي يجب لا تتلوث بالخطايا والكره الموجود في الدنيا وبين قلوب اليشر ...يجب ان تبقى بيضاء ناصعة ... لكن ما رأه الان كان مختلفاً ...فهذا الاصرار الذي يقرائه بعينيها هو ليس اصرار وفضول الطفلة التي كانت عليها سابقاً بله هو اصرار حبيبة الشابة ...الكبيرة .... القوية بنعومة ....المتعالية ذات الكبرياء لكن بأنوثة ممزوجة بالرقة ....
هي تحتاج للفهم والتبرير ... وربما هذا من حقها ... وهو مضطر لأن يخبرها ويشرح لها وجهه نظرة للأمور سابقاً
- رباه حبيبة ...سبب زواجي منها كررته لعدة مرات .. مرة لوليد ..ومرة لوالدتي ..والان سأكرره لك ايضاً .... رغم اني اعتقد بل متاكد بأنك تعرفين كل ملابسات القصة وكيف تزوجت منها !!
تنفس بعمق ثم زفر الهواء بحرارة ليكمل
- أتذكرين كيف رفضها وليد !!! اتذكرين نظرات والدي المنكسرة !! انت كنت موجودة معنا حينها وتعرفين كيف تم الامر ! انا لم اكن لأدعه بموقف محرج ... كان علي التضحية .... زواجي كان امراً محتوماً وسلمى شأنها كشأن اي فتاة اخرى كانت امي ستخطبها لي فلما اعترض اذن !!! ثم انا في ذلك الوقت البائس ..لم اكن اعرف اني احبك ..... لا بل كنت احبك لكن ذلك الحب والاهتمام كنت اترجمة على انه اخوي بحت ..شأنك كشأن تبارك تماماً ...رباه حبيبة ارجوك افهميني ويكفي نبشاً وتنقيباً في الماضي الذي لا طائل منه الا الألم والوجع لكِ ولي !!!

صمتت تنظر له والدموع مترقرقة في عينها ..تتذكر كيف ابلغ والده موافقته ...وكأن سكيناً حاداً اخترق صدرها الان ...حتى بعد مضي كل تلك السنين القليلة .. لاتزال تذكر ماذا احست وكيف بكت بحرقة ولوعة لا احد يواسيها الا وسادتها الباردة المبتلة بدموعها
اكملا باقي الطريق بصمت ... كل منهما يغوص بافكاره الخاصة المتشابكة .... حبيبة تفكر بكلامه المنطقي والذي اقتنعت به جداً خاصة وانه كما قال ...كل شيء تم امامها في ذلك الوقت .... اما زهير فكانت افكاره حائرة ومتعبة ..الن يرتاح وينسى ذكر تلك المسمى زوجته ...الن يفتح صفحة جديدة وبيضاء مع حبيبة ..حبيبته التي اختارها بعد طول انتظار و عناء وتعب !!!
..............................
.....................................
- لم لا تدعها تختار ماتريده سيدي !
قالتها البائعة بضجر ونفاذ صبر ...فزهير كان يدور ويبحث بكل ركن في المحل ...يأمر حبيبة بارتداء الفساتين والحجابات التي اختار معظمها هو ... اجابها ببرود وهو يحمل فستاناً كريمي اللون يحتوي على تعرجات ناعمة عند الإرداف
- نشكر نصيحتك .. لكنها خطيبتي وارغب بأن اشاركها الاختيار
غمغمت البائعة بكلمات مستاءة ليلتفت وينظر لها قائلا ببرائة زائفة
- هل قلت شيئاً يا حاجة ؟!
احتقن وجه المرأة الثلاثينة بغضب حتى كاد الدخان ان يخرج من اذنيها لتوجه كلاما لحبيبة التي وقفت مرتبكة تنقل نظراتها ما بين الاثنين وهي لاتعرف ماعليها فعله اتضحك على تصرفات زهير الصبيانية ام تواسي الشابة وتعتذر لها عن وقاحته وجلافته
- انستي ان احتجتي لشيء نادي علي ... انا سأذهب لأساعد باقي الزبائن ومن الظاهر ان ..
ثم حدجت زهير بنظرة حاقدة و حادة لتكمل قائلة وهي لاتزال توجه الكلام لحبيبة
- انكم تحتاجون وقت اطول للأختيار
ما ان تركتهم وغادرت حتى همست حبيبة بخفوت وهي تؤنبه بنظراتها المعترضة
- لم يكن عليك قول ذلك
اجابها بلامبالاة
- لاتشغلي بالك بها ... امرأة مجنونة ومعقدة ... والان خذي اذهبِ لقياس هذا الفستان سيكون رائعا عليك !
همست قائلة بحرج وخجل شديد فقد اشترى لها الكثير من الفساتين وحتى اشترى لها ملابس منزلية ايضاً
- يكفي يا زهير لقد اشتريت الكثير !
لم يلقي بالا لما قالته بل أمرها بصرامة وهو يدفعها بلطف نحو غرفه قياس الملابس
- دون اي كلمة اذهبِ وقيسي الفستان ..الان هيا !!
اخذت منه بصمت وإذعان ثم ذهبت لغرفة الملابس ... على الرغم من انه اشترى لها الكثير ... الا ان كل المشتريات هو من اختاره لها ... لم يسمح لها بإبداء رأيها ابداً ... وهي بطبيعتها الخجولة لم تكن تستطيع ان تجادله امام الباعة خاصة وهو يتحدها ويصر على موقفه دون حتى ان يأخذ رأيها بعين الاعتبار ..لكن رغم ذلك هي مضطرة للاعتراف بأن زهير يمتلك ذوقاً راقياً ورائعاً ...
...................................
...........................................
الندم : هو أن تقف أمام الساعة , وتناشد xxxxبها بأن تعود للوراء
....................
بقدمين عاريتين باردتين صعدت فوق السرير لتقذف جسدها المتهالك على الأرض بقوة ... كانت تكررها مرة بعد مرة ..وفي كل مرة تشعر بمشاعر مختلفة
ندم ..ألم ..قهر ...خذلان ..ويأس
وكأنها تقف على حافة منحدر عميق ..وعالي جداً ... الوحدة والخوف من المجهول يأكل من روحها ويلتهمها ليلة بعد ليلة ...
تعاود الكرة بقوة اكبر وإصرار أكثر ... حبيبات العرق تجمعت على جبينها .... وخصلات شعرها تهدلت على أكتافها .... ومع قفزتها الأخيرة القوية شعرت بطعنة أسفل بطنها مع تدفق سائل دافئ بين فخذيها .... لتبتسم هامسة بألم قبل ان يلفها الظلام بقوة
- اخيراً ...تخلصت منه !!
................
نهاية الفصل








Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 25-07-19, 10:15 PM   #92

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثامن والعشرين
...................
يقف في مكتبه الذي انتقل اليه ما ان باشر عمله الجديد في المجمع السكني قبل بضعة اسابيع .... يراجع بعض التصاميم الهندسية ... بينما فكره شارد بما سيفعله اليوم ... اليوم ظهراً سيعود وليد من شهر العسل ...بالتالي هو سيفاتحه بموضوع زواجه .. يجب ان يستعجل لكي يأخذ راحته اكثر ...دائما يشعر وكأنه مكبل بقيود وسلاسل العادات والاصول التي تذكره بها والدته .... مثلما فعلت قبل يومين عندما علمت انه اخذ حبيبة لشراء الملابس لها ...
زفر بضيق وهو يهمس داخله بضجر ...وماذا في ذلك ...يكاد يقسم ان كل من في المنزل يعلم ان حبيبة بحكم خطيبته .. وحتى هي تعلم ذلك ومقرة وموافقة عليه ...لقد تأكد من ذلك عندما تعمد قائلاً امام البائعة انها خطيبته ...عندما نطق اسم خطيبتي نظر لحبيبة بطرف عينه ليرى رده فعلها ...ان كانت معترضة كانت لتعنفه وتنفي ما ادعاه ..لكنها سكتت وأحمرت بشدة اثلجت قلبه !
امسك المنقلة ووضعها على المخطط الهندسي الذي امامه على اللوح ... بينما ارتسمت ابتسامة على شفتيه ... العمل هنا ممتاز والراتب الشهري يفوق توقعاته ...وجه حبيبة كان خيراً عليه .... سينهي العمل الذي بيده ويعود مباشرة الى المنزل ....
كان لايزال يركز على التصميم عندما دلف كلا من .... كورشير و بهاء الى الداخل ... مهندسان تعرف عليهما فور استلامه للعمل وهما ايضاً يشاركانه غرفة المكتب التي وضع فيها ثلاث مكاتب فخمة ... بهاء مهندس انتقل حديثاً من بغداد وهو عربي القومية غير ان كورشير كان كردي وطيب المعشر جداً ... لم تكن اللغة الكردية تشكل عائقاً بينهم بما ان كورشير يتقن اللهجة العراقية بطلاقة ...معظم الاكراد يتقنون اللغتين العربية والكردية وان كان لسانهم بنطق بعض الحروف صعب جداً الا ان كلامهم كان مفهوماً
جلس بهاء خلف المكتب فيما تقدم كورشير ناحية زهير ينظر للتصميم بأعجاب واضح ثم قال ... مشيداً على عمله
- سلمت يداك التصميم رائع ... كنت متأكد من انك مهندس شاطر ومجتهد ... لم تخيب ظني بك !
ابتسم زهير ليجيه بفخر واعتزاز
- طبعا وهل كنت تشك بذلك !!
قهقه وهو يتوجه اليجلس خلف مكتبه
- الغرور يؤدي الى التهلكة على فكرة سيد زهير !!
اجابه زهير وهو يضع المنقله على المنضدة
- ليس غرور بل ثقة يا عزيزي
ثم نظر لبهاء قائلا بهدوء فرغم اندماج كورشير معه بالعمل الا انه بنى معه علاقة صداقة فورية على عكس بهاء المنطوي على الدوم لكنه رغم ذلك كان يحاول ان يشاركهم الكلام على قدر استطاعته
- هل ذهبت لتفقد المواقع يا بهاء
اومأ ليجيبه الأخير بهدوء ورزانة
- ان شاءلله سنذهب بعد قليل ..الن تأتي معنا .. اليوم موعد استلام المواد الأنشائية ويجب ان تكون حاضراً معنا ؟!
هز زهير رأسه واجاب قائلا
- لقد اخذت اذن للخروج مبكراً ..لدينا مناسبة عائلية خاصة !
اومأ صامتا ثم انشغل بعمله مرة اخرى .....
توجه زهير الى مكتبه ليبدأ بلملة بعض الأوراق المبعثرة ... يشعر بالتفائل ... قلبه يخبره ان الامور كلها ستكون على مايرام ..... عمله اصبح ممتازاً ...تصميماته نالت اعجاب جميع من يعمل في الشركة بمن فيهم المدير التنفيذي للمشروع ....وحبيبة ستكون زوجته خلال اسابيع قليلة ان شاءلله ...
سابقاً عندما فتح له وليد المكتب الخاص له كان يشعر بالخجل الشديد حتى وان لم يبين ذلك ... فهو لم يكن يريد ان يثقل عليه خاصة وهو يعرف الضائقة المالية التي كان تمر بها المزرعة انذاك .. حتى عندما تزوج سلمى ..كانت معظم تجيهزات الزواج ان لم تكن كلها ملقاة على عاتق وليد الذي لم يتذمر ابداً ... وكم ازعجة وضايقه الامر .. يعرف ومتأكد ان وليد يساعده بطيب خاطر واخوة صادقة وكان يقول له دائماً ... لا خجل بين الاخوة وانت ابني ولست اخي يا زهير ...
لكنه رغم ذلك يظل رجل شرقي ...حار الدماء ... يخجله ان يمد يده لأي شخص ..حتى ان كان هذا الشخص هو اخيه وسندة ...
فيما بعد اي بعد بضعة اشهر من افتتاح مكتبة الهندسي المتواضع ... اصبح عمله يدر عليه المال الا ان المال لم يكن كثيراً ... وهذا ما كان يضايق زوجته المصون ...
اما الان فقد تغير الوضع ..ان تزوج حبيبة ان شاءلله ...هو من سيتكفل بأموره الخاصة وحده ودون مساعدة احد ..صحيح هو لايزال في بداية مشواره العملي الا ان الأموال التي بحوزته كافية نوعاً ما ... كما انه يعرف حبيبة كم هي قنوعة ومتواضعة ....ستصبر عليه وتسانده و هو متأكد من ذلك ...

.................
...............................
استقبل العروسان بحفاوة شديدة .... كانت سعدية تنظر لأبنتها براحة تامة تشعر وكأن حملا ثقيلا قد انزاح عن كاهلها ... خاصة بعد ان اخبرتها غسق بخجل شديد ان كل شيء تم على مايرام ... السعادة كانت ظاهرة على كلا من غسق ووليد ... ولم تكن لتشك بما اخبرتها به ابنتها ... دعت الله بسرها ان يحفظهما ويرزقهما بالذرية الصالحة ... وان شاءلله ستكون جدة عن قريب وتمارس مهامها التي اعدت لها العدة منذ الان . ....
ذهبت غسق الى المطبخ مع حبيبة ورضاب وتبارك ... الاخيرة التي اجبرت نفسها على النزول ومشاركتهم سعادتهم بعودة وليد وغسق ... رغم انها للأن تشعر بالأنقباض والحزن .... الا انها تبذل جهدها لكي تتصرف بصورة طبيعية ....
بينما رضاب تغسل الخضراوات وهي تفكر بما قاله معاذ !! لقد قال بأن ملك تعرضت للزكام لأنها تلهو في المسبح ! اي مسبح وهم لايزالون في بداية شهر ابريل ..اي ان الجو تقريباً معتدل ..ولايزال الوقت مبكراً على اخراج المسابح المطاطية ..الا اذا ... انقبض قلبها بشده وهي تفكر بذعر ..الا اذ كانت ملك مهملة ..لا احد يعتني بها ! اجل ربما جدتها تتركها تعبث وتلعب في المنزل وحدها دون رقيب او اهتمام ..اه رباه ..قلبها انقبض اكثر ..معنى هذا ان طفلتها المسكينة تعاني الاهمال والامبالاة ! اجل هذا هو التفسير الوحيد والمنطقي لما حصل !!
زفرت بضيق وعدم راحة وهي تهمس داخلها ... يا الهي من اين تأتيني كل هذه المصائب .. هل ينقصها هماً اضافياً فوق همومها ..الان هي ستظل مشغولة البال على ابنتها والله اعلم ماذا تفعل الان ومع من هي !!!

كانت حبيبة تساعد الخالة سعدية بسكب الطعام في الاطباق منتبهة جيداً لعينيه اللتان تلاحقانها من مكان لمكان .. كلما التقت نظراتهما تجده يحدق بها ... ينظر لها بتحدي ووقاحة .. وقاحة تعشقها وتجعل نبضاتها تتسارع ... كانت تحاول ان تبدو هادئة ولامبالية قدر استطاعتها ...
رفعت سعدية رأسها وقالت
- هل تحتاج لشيء يا ولدي ؟!
اجابها بصوت حريري وناعم ..ناعم جداً ... وكأنها ذبذبات خافته تتسلل داخلها ... تدغدغ جسدها باعثة فيه شعور من عدم الراحة والترقب في وجوده وحضوره المستمر
- لا اريد شيئاً عمتي ...فقط كنت اطمئن ان كان الغداء جاهزاً ....او ربما ...تحتاجون للمساعدة !
رفعت سعدية حاجبيها وقالت متعجبة
- تساعدنا !!! وبماذا تريد ان تساعدنا !
اجابها قائلا بجدية ونظراته تتركزه على حبيبة وقد لاحظ ابتسامتها التي تحاول ان تكتمها
- اي شيء ...امممم تحضير السلطة مثلاً !!!
اومأت سعدية وهي تجيبه ببراءة
- بارك الله بك يا ولدي ...لكن شكراً لا نحتاج للمساعدة .... دقائق ويكون كل شيء جاهزاً
ظل واقفاً يراقب ما يجري بهدوء خارجي مفتعل ... شرارات التوتر المنحدرة داخله كانت تشبه تماما البندقية المستعدة لإطلاق وابل رصاصاتها ما ان يٌضغط على زنادها ....
زفر الهواء الحار من فتحتي انفه بقوة ..هامساً بجنون عاشق لم يعد يمتلك صبر الانتظار
- يجب ان ينتهي كل شيء اليوم ..والان حالاً
همسها وتوجه الى الصالة بسرعة وبخطوات واسعة ...
...............
.............................
كان وليد يجلس على الاريكة بجانب سعاد التي كانت تتكلم معه بحنان ... تنظر لوجهه بأشتياق وهي تهمس داخلها ...
" يا رب لا تريني في أهلي و أولادي وأحبتي أي مكروه ... لا حرمني الله منكم جميعاً "
الايام التي كان مسافراً فيها .... مكانه في المنزل كان خالياً وكأنه غاب عنها عشر سنوات وليس اسبوعاً واحداً .... كان يكلمها عن اشتياقه لهم وعن اهم الاماكن التي زاروها ..هي تسأل بلهفة ام سعيدة لسعادة ولدها وهو يجيبها بصبر وتفهم ... دون ملل او ضجر
جاء زهير ليجلس قربها متجهماً كطفل صغير .. اخذ يهز ساقه بتوتر ... كانت معالم الغضب مرسومة على ملامحه ... يجلس بعدم راحة وكأنه يجلس على صفيح ساخن جداً ...همس بأذن والدته قائلا
- هيا امي !
نظرت له سعاد بتعجب وبادلته الهمس قائلة
- ماذا يا ولدي !!!
اجابها بنفاذ صبر
- اخبريه ما اتفقنا عليه تلك الليلة ... بسرعة امااااه !!
قطبت قائلة بتفكير وهي تدعي النسيان ... هي فهمت ما قصد تماماً ..لكنها لم تظن انه مستعجل لهذه الدرجة
- ومالذي اتفقنا عليه !!
اجابها بتذمر
- اميييي الزواج ! زواجي انا وحبيبة !
اجابت بتفهم وصبر
- يا ولدي اصبر قليلا ودع اخيك يلتقط انفاسه ...هو لم يصل الا منذ بضعة ساعات !
ليجيبها مستنكراً من بين اسنانه المطبقة
- يلتقط انفاسه !!! لماذا هل كان مسافراً الى جزر القمر !!! لقد كان بشهر العسل يا امي ! شهر عسسسل !
وقبل ان ترد عليه .... هتف وليد وهو ينقل نظراته الحادة بينهما متعجباً
- خير ان شاءلله ..عن ماذا تتهامسان !!
ضحك زهير بسعادة وغباء وهو يلكز ذراع والدته قائلا
- كل خير اخي ..امي ستخبرك الان
ثم نظر لوالدته بتوسل مثير للشفقة
- هيا امي اخبريه !
هزت رأسها بقلة حيلة وكأنها تقول عليه العوض بولدي الذي اصبح يتصرف كالاطفال تماماً لتوجه كلامها لوليد قائلة
- حسناً الحقيقة ..زهير يريد ان يتقدم لخطبة حبيبة
رفع وليد حاجبية ثم ظهرت على وجهه ابتسامة واسعة وهو ينظر لزهير ...اذن فشقيقه كان جاداً بطلبه ! تنهد براحة وسعادة ! الحقيقة هو لم يكن يعجبه تصرفات شقيقه الاصغر التي كان يتصرفها مؤخراً مع حبيبة ولا نظراته الفاضحة التي يوجه لها ...وعندما فاتحه بموضوع الخطبة في ليلة زفافه ظن انه يمزح ..اوربما ما طلبه كان مجرد نزوة عابرة وتختفي سريعاً ... صحيح هو يثق به ثقة عمياء الا ان الشك كان يتسلل قليلا لقلبه ...خاصة وان حبيبة تعد بعهدته وهو المسئول عنها امام الله قبل ان يكون مسئولاً امام والدتها التي تركتها امانة لديه عندما سافرت ...بالاضافة لذلك هو لن يسمح لاي شخص مهماً كان بكسر قلبها ... حتى وان كان هذا الشخص هو شقيقه !!! وكذلك الحال مع رضاب ايضاً ....الاثنان لهما نفس المقدار من المعزة والاهتمام الأخوي والأبوي !

- حسنا امي .. وماذا في ذلك !! انا موافق طبعاً لكن قبل كل شيء اسأليها رأيها ان وافقت على بركة الله !
اومأت سعاد وهي تلتفت لزهير قائلة
- ارتحت الان !
هز رأسه بلا ... هو كان واثقاً ومتأكداً من موافقة وليد الا انه خائف من تلك القطة ... خائف من ان تتحداه وترفضه !!! قال بقلق بطفيف حاول ان يخفيه
- لن ارتاح الا حينما تسأليها وتأخذين الموافقة منها !
تدخل وليد قائلا يوافقه على كلامه ..مما جعل الابتسامة تتسلل لوجه زهير حتى كاد ان ينقض على وجه شقيقه بقبلات شاكرة وممتنة
- لا بأس امي تحدثي معها الليلة خير البر عاجله
.............................
البصرة ...
............
دلف من باب المطبخ بتعب ... الأيام السابقة كانت حاسمة وصعبة جداً عليه ... كلام حيدر كان يدور ويطحن في رأسه كما تدور وتطحن حبات القمح في الرحاة مراراً وتكراراً ... ليلا ونهاراً ...
وضع كل الاحتمالات والمعوقات في فكره ... اولا الفارق العمري الذي لايقل على اقل تقدير عن عشر او احد عشر سنة .... وضعها كمطلقة وموقف والدته الأكيد من ذلك ... اختلاف البيئة والعادات والتقاليد المتبعة بين الشمال والجنوب ... والذي ربما يكون هو المعوق الأكبر والرئيسي امامه ... او على الاغلب سيكون هو الفيصل في قرار زواجه منها ....
حدسه يقول له .... ان لا وليد ولا زهير من النوع المتعصبين المتشددين اللذين يدققون في اختلاف البيئة .. بدليل ان معاملتهما ظلت على ما هي عليه حتى بعد ان اكتشفا انه من المحافظات الجنوبية !
حسناً ... رغم هذا هو يريدها .. يحتاجها اولا من اجل ملك وثانيا من اجله ... لم تشغل امرأة في حياته قط كما شغلته رضاب ... يريد ان يتقرب منها اكثر ... يتعرف عليها .... يساعدها ... ثم انه قد اقر واعترف بضرورة زواجه ..خاصة بعد ما جرى لملك ...
على الرغم من ان والدته تستعين بفتاة شابة تأتيها اسبوعياً عندما يكون هو في العمل لكي تساعدها بتنظيف المنزل الا ان ذلك غير كافي نهائياً للأطمئنان على ملك وهي وحيدة ..الطفلة متعلقة بها ..تعلقاً كبيراً ...وهو ايضاً منجذب اليها بشدة رهيبة .. سيكون منافقاً وكاذباً ان نفى وانكر ذلك ... اذن لماذا لايتزوجها !!!
رضاب وحدها من تستحق ان تكون زوجة له ... الان هو فقط ينتظر الوقت المناسب لمفاتحة والدته .. اقناعها بالموافقة ان شاءلله سيكون سهلا عليه ..هو يعرف كيف سيقنعها بطريقة الخاصة حتى وان كانت تلك الطريقة ستجرح كبريائه وتطعن رجولته التي لا تشوبها شائبة ولا غبار عليها والله يشهد على ذلك ...

تفاجأ بوجود ملك وهي تقف على طاولة صغيرة امام الحوض .....تمسك بيدها الصغيرتين الصحن و اسفنجة مملوءة بالرغوة تحاول غسلها بصعوبة .... هتف بتعجب وهو يتقدم نحوها بسرعة
- مالذي تفعليه صغيرتي !
اجابت ببراءة تامة وهي تنظر له
- اغسل الصحون عموووو
كيف تسمح والدته لها بأن تغسل الصحون ... ماذا ان اوقعته ارضاً وجرحت نفسها ... في بعض الاحيان تفكير وتصرفات والدته تكاد ان تصيبه بالجنون والغضب ... هذه ليست المرة الاولى التي يرى فيها ابنة شقيقه تعمل في المنزل ... ففي مرة من المرات عاد وشاهدها تغسل الممشى ... ومرة تسقي مزروعات الحديقة ...ومرة تكنس ارض الصالة وعندما عاتب والدته وحذرها بأحترام اجابت قائلة بأن لا علم لها بذلك ووعدته بالانتباه لها اكثر .... لكن الى هنا وكفى ...كيف تتركها تقوم بهذا العمل الخطر !!!
قطب قائلا وهو يلتقط الصحن من يدها قبل ان توقعه ارضاً
- اتركي هذا من يدك واخبريني اين الجدة !
رفعت كتفها وقالت وهي تفرك يدها تلهو برغوة سائل الغسيل
- نائمة في الصالة لا تريد الاستيقاظ !
اجابها بقلق وهو يوجه نظراته لباب المطبخ المؤدي للصالة
- اغسلي يدك والحقيني هيا
........................................
اربيل
............
احلم والحلم يعتب
وامشي وخطوتي تعتب
يتـلاشي الـعتـب نبضات
ونــبضــات العتب تـعتب
چا شنهي البعد بالروح مـا يعتب
خل يعتب عشگنه شرايد شيعتب خل يعتب
............
تجلس بغرفتها منذ يوميين ... حتى انها لم تذهب الى المصرف .. لقد طلبت من صديقتها ان تقدم لها على اجازة مرضية لمدة يومين لأنها بالفعل تشعر بالمرض .... قلة الحماس والكآبة تسيطران عليها حتى عندما استقبلت وليد وغسق كانت بالكاد تتكلم ..تخرج الكلمات من شفتيها رغماً عنها

.... برودة وعدم تقبله لوجودها كان واضحاً جداً ... هي حزينة ومتألمة على ما اصابه فعلا ..لكن لماذا استقبلها بتلك الطريقة الصادمة .....
ربما يظن انها لا تهتم له ! اوربما يظنها تتشمت به !! اجل طريقة كلامه معها تبين لها صحة تفكيرها ! لكن لماذا يفكر بهذا الشكل ..هل بدر منها ما انبئه بذلك !! هي صحيح لم تعطه جوابها على طلبه قبل السفر لكنها ايضاً لم ترفضه رفضاً قاطعاً ! بدليل انها قالت لرونق عن نيتها بإعادة التفكير !!!!
ربما هي الملومة ...اجل لقد تمادت كثيراً ..وأطالت باتخاذ قرارها .. كم هي غبية ومترددة ! لكي هي ايضاً معذورة ..يجب عليها التريث والتأكد جيداً ... مجرد الموافقه على الزواج من اجل ان تحصل على لقب متزوجة واسكات الألسنة التي تقول عنها عانس ليس سبباً كافياً للاستعجال والموافقة !
لماذا لا احد يشعر بها .. الكل يراها تبارك الهادئة القوية الرزينة ...لكنهم لا يعلمون .... لا يعلمون انها تتألم بصمت ... رغم كل قوتها وتماسكها ..الا ان داخلها انثى ..انثى تحتاج للحب والاهتمام ...تحتاج لشخص يحبها لذاتها كعبد العزيز .... عبد العزيز الذي رأت في عمق عينيه الحنونتين حباً صادقاً لم تكن لتخطئه ابداً ..لكنها احتاجت للوقت ..فقط القليل من الوقت الذي يبدو انها ندمت على اهداره بالنهاية ...
كثيراً ما ترى النساء الحوامل ..او اللاتي يذهبن الى المتنزة مع اولادهن بسعادة ... وكم تتمنى ان تجرب هذا الشعور ...شعور الأمومة ...شعور ان يحتاجها طفل صغير يناديها امي !!! قسماً بالله هي لم تحسد احداً على سعادته ...لكنها انثى ..انثى ...ومهما ادعت وقالت انها تشبع امومتها بذهابها لدار الايتام ... الا ان هناك بقعة بعيدة داخل روحها تشتاق وتريد طفل لها ... يخصها هي ..وهذا ليس بيدها ليس بيدها ابداً !!
دفنت وجهها بين ساقيها التي تضمهما الى صدرها بقوة ... بينما دموعها نزلت ساخنة وحارقة على وجنتيها ...كانت تكتم انينها وصوتها الخافت .... تحاول ان تكون طبيعية امامهم وتبذل جهدها لذلك ! الله وحده هو القادر على اعانتها وتمديدها بالصبر على قضائه وحكمة
سمعت طرقات خافته على الباب ثم والدتها تدلف الى الداخل تنظر لها بفضول وانتباه ... رفعت تبارك رأسها بسرعة واعتدلت بجلسها صامته ... تقدمت سعاد لتجلس قبالتها على الفراش ثم قالت بهدوء
- لماذا تجلسين وحدك حبيبتي !
همست بصوت مختنق
- رأسي يؤلمني قليلا امي !
اومأت سعاد ثم تنهدت وقالت بابتسامة صغيرة
- اااه يا تبارك ...من متى لم نجلس ونتحدث كأم وابنتها !!!
ابتسمت تبارك واجابت بخفوت
- ليس لدي الشيء المهم لنتحدث عنه يا امي !
اجابت سعاد بطيبة وحنان
- كلا يا تبارك ..لا تقولي هذا الكلام .... كل ما يخصك هو مهم بالنسبة لي .. لكنني اعترف بأني كنت مشغولة في الفترة الأخيرة مع زهير ووليد بالاضافة لرضاب وحبيبة !
وبحنان وحب اكملت وهي تنظر لها بعينان مبتسمتان
- ربما انشغلت عنك لأنني متأكدة منك ومن اخلاقك ورزانتك .... لطالما كنت الفتاة الحنونة الصبورة يا تبارك ...لم تجعلني احمل همك يوماً .... رضي الله عنك واسعدك
سحبت نفساً عميقاً وقالت بهدوء
- والان لنرى ....مابك طفلتي ...لماذا انت حزينة ومتغيرة منذ يومين ..
همست بهدوء وهي تسبل اهدابها تعبث بطرف الشرشف بتوتر
- لاشيء امي ..صدقيني !
قطبت سعاد وكتفت ذراعيها على صدرها قائلة بأهتمام
- لا .... هناك شيء ما ! ان استطعت خداع الجميع الا انك لن تستطيعي خداعي !! اخبريني ..هل هناك ما يزعجك في العمل !!
رفعت تبارك عينيها ثم اخذت تنظر لوالدتها بحيرة وارتباك طفيف ... كيف ستجد منفذاً من محاصرة والدتها !!! هي تعرفها جيداً لن تتركها بسهولة ان لم تخبرها سبب مكوثها في المنزل !! فهي نادراً ما تأخذ اجازات من المصرف ... قالت بأرتباك وتعثر ..
- اشعر بالتعب امي ...كما ان ضغط العمل اصبح يرهقني كثيراً ...
اومأت سعاد وهي تتفرس بوجه تبارك الشاحب
- حسناً يا تبارك ..لا تخبري والدتك ..كما ترغبين يا ابنتي ..لكن تذكري ولا تنسي بأني موجودة دائماً من اجلك ان شاءلله متى ما اردت الكلام ثقي بذلك طفلتي
ابتسمت تبارك بضعف وهي تسبل اهدابها هامسة بكلمات موافقة ....
- اعدك امي ...ان احتجت للكلام والفضفضة سأتي اليك فوراً من لي غيرك يسمعني يا احن ام في الدنيا ...
انحنت سعاد واحتضنتها بقوة ..قوة كبيرة ... هناك شعور يداهمها ويخبرها ان ابنتها تعاني من خطب ما !!! اه لو بيدها ... لخبئتها داخل اضلعها .... تحميها وتغدق عليها بحنانها واهتمامها .... تبارك ابنتها الطيبة المرضية من الجميع ...من يراها يحبها ويعجب بأخلاقها فوراً لكن ماذا ستفعل ... حظها قليل في هذه الدنيا .... والزواج قسمة ونصيب ورزق من رب العباد ..... و آوان رزقها ونصيبها لم يأتي بعد ...
جل ما تتمناه ان ترى ابنتها مرتاحة وسعيدة مع زوج يقدرها ويحبها لطيبة قلبها وحنانها الكبير ....
رغم كل شيء هي موقنة ان الله سبحانه وتعالى سيكافئها على صبرها هذا وسيعوضها برجل يعادل حنانها وطيبتها اضعاف مضاعفة ..ألم يقل في كتابه الكريم ..
وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ ...

..........................
البصرة
.......
دلف الى الصالة ليجدها نائمة على الأريكة بهدوء ... تقدم ليجلس جانبها ثم ايقضها هامساً وهو يربت على كفها
- امي ..امي ...
فتحت هدى عيناها بتثاقل واجابت بتعب
- معاذ ..متى عدت ياولدي
ليجبها بلطف
- قبل قليل ...مابك امي لماذا انت نائمة هنا !!
جلست بتعب وقالت
- لا اعرف ما اصابني ... احسست بجسدي يرتجف والدوار يداهمني فجأة
اجابها باهتمام وخوف
- اليوم سأأخذك للطبيب
هزت رأسها وقالت مسرعة لتطمئنه
- لالا انا بخير ...ربما كان هبوط في السكر ...لقد اكلت القليل من الطعام وخلدت الى النوم ..وها انا اصبحت افضل الان
التفتت حولها بأهتمام وقالت
- اين ملك .. كانت تجلس قربي قبل قليل
ابتسم وقال وهو ينظر خلفه ناحية ملك التي جلست ارضاً تلعب بمكعباتها المبعثرة
- هاهي تجلس هناك ... كانت تغسل الصحون بالمطبخ !!
ثم عاود النظر لها قائلا بجدية وتقطيبه عميقة ترتسم على جبينه
- كيف تتركيها تعبث بالصحون وحدها امي !!
تنهدت والدته وقالت بعتاب وهي تدعي المسكنة تنظر له بنظرات منكسرة .... هي فعلا شعرت بالتعب ..لكن ليس ذلك التعب الذي يجعلها ترقد بهذا الشكل ...لقد تعمدت فعل ذلك ..وايضاً تعمدت ان تطلب من ملك ان تغسل الصحون لها مع اقتراب عودة معاذ من عمله .. الصحون كانت مجرد صحون ميلامين غير قابلة للكسر .. ليس الصحون فقط بل طوال الأسبوع الماضي كانت تطلب من ملك ان تساعدها ببعض الأعمال الخفيفة ... متزامناً مع عودة ولدها ...
- اااه يا طفلتي المسكينة .... ماذا افعل يا معاذ ..لا استطيع السيطرة عليها ومراقبتها بأستمرار .... والله قلبي يتقطع من اجلها ...دائما عقلي منشغل التفكير ...ماذا لو داهمتني غيبوبة السكر مرة اخرى وانت لست في المنزل ! ماذا ان آذت نفسها وانا لم انتبه لذلك !! ماذا سنفعل ان وقع الفأس في الرأس !!!

كان معاذ يستمع بصمت ... من الجيد ان والدته هي من بدأت فتح الموضوع معه ... كان مرتبك قليلا وحائر عن كيفية اخبارها بقراره ... خاصة ان عرفت من هي الفتاة التي يريدها !!
ربما الان هي افضل فرصة سانحة امامه ليخبرها بالامر !! اجل الان ماذا ان حدث بالفعل ما قاله حيدر ووجد ملك فعلا مختبئة في خزان الماء او هاربة الى خارج المنزل !!!
ماذا ان افاق من غبائه وعناده بعد فوات الاوان ! كما ان والدته اعترفت حالا وبنفسها انها لا تستطيع السيطرة ومراقبة ملك ! وهذه افضل حجة للزواج !
ثم هو يريدها وملك تحتاجها فلماذا اللف والدوران والمرواغة والمط والتطويل الكاذب !
فجأة وفي خضم افكاره القلقة ترأت امامه صورة عينان بنيتان حنونتان وحزينتان ... ابتسامة ناعمة ..صوت رقيق ... ووجه كالقمر ليلة تمامه !
ابتسم قائلا دون ارادة منه بينما اضاءت عيناه الزيتونيان بحماس لم ينتبه له
- امي ...لقد قررت ان اخطب !
اتسعت ابتسامة والدته المنتصرة الغير مصدقة وهبت جالسة برشاقة شابة في العشرين ... اخيراً جاءت مخططاتها وتكتيكاتها ثمارها ... اخيراً نطق الجوهرة من فمه ! لو لم تكن متأكده مما سمعته لقالت انها تعاني خطب ما في حاسة السمع !!
اخذت تطلق الزغاريد دون شعور منها ... السعادة استحلت روحها ..لم تصدق اذنيها ..ولدها قال بأنه سيتزوج !!! يتزوج !!! معاذ الذي كان مضرباً عن الزواج كل تلك السنوات يقول بأنه سيتزوج !!! ليتها كانت خططت منذ فترة طويلة ... لكن كيف ولم تكن هناك فرصة في السابق ...الان بسبب وجودها هي وملك وحيدتين في المنزل خدمها كثيراً وعزز موقفها وحججها امامه!
تقطعت انفاسها وهي تزغرد وتزغرد دون شعورٍ منها .. انفاسها اختلطت بملوحة دموعها ...
نسيت حتى موت ولدها الذي لم يمضي عليه الا عدة شهور قليلة ..نسيت كل شيء .... لو كانت تمتلك القوة لنهضت وتحزمت لترقص فرحاً وسعادة ... احتضنته بقوة ثم قبلت وجنتيه وكتفه العريضة ودموعها تهطل بغزارة...
بالمقابل كان معاذ يبتسم وهو سعيد لسعادة والدته ..قبل جبينها قائلا
- اهدئي امي ..اهدئي ...
اجابت بصوت مرتجف
- والله قلبي سيقف من شدة السعادة ... حماك الله لشبابك يا معاذ واطال الله بعمري لأرى اولادك !
تنهدت براحة وهي تمسح دموعها لتكمل بحماس وسعادة لا تضاهيها سعادة
- افكر ان اخطب لك ابنة خالتك زينب ... فتاة كاملة مكملة ... ربت بيت شاطرة وايضاً
قاطعها قائلا بجديه
- لا داعي للبحث اماه ... العروس موجودة !
اختفت ابتسامتها وتحولت نظراتها الحنونة السعيدة بثانية واحدة الى اخرى قاسية وجليدية ... الأن وصلنا لمربط الفرس ... ومصدر شكوكها ومخاوفها .... والأن سينكشف كل شيء ... لتجيبه قائلة ببرود
- اهااا ... حقاً ؟ ماشاءلله ... ومن هي سعيدة الحظ !
ليجيبها ببساطة تامة وهو يمد يده يحك مؤخرة رأسه بخجل طفيف وابتسامة وسيمة
- رضاب !!
وما ان نطق اسمها الذي كانت تشك به فعلا ... كانت متأكدة جداً بميل ولدها البكري لتلك الدخيلة ..لكنها غالطت ودعت ربها ان تكون مخطئة ....رضاب لم تكتفي بسرقة حفيدتها فقط بل وضعت عينها على ولدها ايضاً ..لن يحصل ذلك ابداً ... هتفت بأستنكار وهي تقف بقوة
- مطلقة !!!! تريد ان تتزوج من مطلقة !!
قالتها واخذت تفرك يديها بتوتر ... جسدها كان يرتجف بقوة .... توجهت لتجلس امامه على الأريكة المقابلة له وتعابير وجهها شرسة وقاسية ... التصميم بادٍ ومنعكس بلمعة عينها المتحدية ....
بينما ظل معاذ جالساً ينظر لها بجمود ... عيناه تتابع حركاتها المتوترة وهي تقف لتذهب وتجلس قبالته ... كانت جلستها متحفزة وكأنها تستعد للمشاجرة .... ردة فعلها كانت متوقعة هو بالفعل كان قد تهيئ وأعد العدة لمثل هذا الموقف .... اجل تهيئ رغم انه اتخذ قراره النهائي قبل عدة ايام ...الا ان عقله الباطن كان على علم ويقين ان رضاب ... استحلت جزء ليس بقليل من قلبه ... لايعرف اهو حب ام اعجاب ام شيء اخر يجهل كنته ! لكنه كان موقن بأن والدته سترفض كل المؤشرات كانت تقول وتؤكد ذلك ... وكلما رفضت هي زاد اصراره هو ...
وهو مصمم على الزواج منها ..اما رضاب او لن يتزوج ..هكذا... يريد تلك الفتاة ودون سبب ..قلبه ارتاح اليها ...جذبته وهذا ليس بيده الله وحده من يؤلف القلوب ويقربها من بعض ..ألم يقل رسول الله
( الأرواح جنود مجندة ..ما تعرف منها أأتلف وما تناكر منها اختلف )!
وروحه ارتاحت وتآلفت لرضاب .. ارتاحت لها جداً ولدرجة كبيرة ومثيرة للدهشة ... الله سبحانه وتعالى بجلاله وقدرته جعل قلبه المتعب يجد الراحة ويميل اليها ... كما تميل الزهور في فصل الشتاء لشعاع الشمس تناشد الدفء منها رغم ارادتها !
اتكأ على ذراع الاريكة واجابها بهدوء بينما معالم وجهه كانت هادئة ومبهمة
-ومابها المطلقة امي ؟!! أليست بشر مثلنا ويحق لها الزواج مرة اخرى !!!
قالت وهي تنظر له مقطبة بشراسة
- يحق لها الزواج طبعاً لكن ليس بشخص مثلك !
سحب نفساً عميقاً ثم قال بتساؤل وهدوء
- لم افهم ما تقصدين امي !!!
اندفعت الكلمات تخرج من فمها بحدة
- المطلقة تتزوج من رجل مطلق ...او ارمل ..تتزوج من مستواها
لتكمل وهي تحاول افهامه واقناعه بهدوء وصبر
- مالذي ينقصك يا ولدي لتتزوج من مطلقة !!! انت شاب وسيم ميسور الحال من عشيرة تحلف بها الجميع ... والدك من اعيان المحافظة ....وعمك الشيخ من المرشحين للبرلمان العراقي ... كلمة واحدة منك واجمل جميلات المحافظة ترتمي تحت قدميك ...
اجابها بذات الهدوء والبرود وكأن كل ما قالته لم تؤثر عليه قيد انمله
- وانا لا اريد اجمل الجميلات ..اريدها هي ..اما رضاب او اني لن اتزوج ..اساساً انا فكرت بالزواج ليس من اجلي بل من اجل ملك المتعلقة بها !
هزت والدته رأسها بعناد وهي ترفض المنطق او الحجة التي يتخذه ولدها ليصل لمبتغاه
- انت لست مجبراً لتقديم هذه التضحية .... ومن اجل من !! طفلة صغيرة يمكن ترويضها بصفعة واحدة لتعتدل وتكف عن التذمر والبكاء !!!
لتختم كلامها بصرخة مستنكرة وكأنها تعنف طفلا صغير
- تصوم تصوم ...وتفطر على مطلقة ! لن يحصل هذا مطلقا .. افهمت مطلقاً !!!!
اجابها معاذ بثقة وصلابة
- وانا قررت وانتهى ... لن اتزوج غيرها يا امي !!
اتسعت عيناها بصدمة وهمست قائلة بعدم تصديق
- اتريدها لهذه الدرجة !!!
لم ينفي ولم ينكر ... اجل اريدها لهذه الدرجة واكثر ...ارد ان يهتف بها الا انه صمت وحدق بها ؟؟؟ تقدمت ناحيته ثم امسكت ذراعه العضلية وهي تكمل بحقد وغل
- احببتها !!! انطق !!! هل احببتها !!! ماذا فعلت لك هذه الساحرة !!!
اجابها معاذ قائلا بضيق
- لاتنعتيها بالساحرة اماه ... ارجوكِ ... ثم اخبرتك بصراحة تامة ... زواجي منها سيكون من اجل ملك ... ملك فقط افهمي ذلك !
هتفت بقوة ووحشية
- كذب ..كل ما تقوله كذب ! ملك مجرد حجة !
رفع معاذ حاجبيه قائلا
- صدقيني اماه ..لولا ملك لم اكن لأفكر بالزواج ولو بعد مئة عام
هزت رأسها وقالت بذهول وعيناها قد اتسعت بقوة مخيفة
- وانا لن اوافق ان تكون كنتي مطلقة !!!
وقف معاذ ثم سحب نفساً عميقاً واجابها
- فكري جيداً امي ..فكري قبل ان تعطيني قراراً متسرعاً ..وتذكري ما ينعتوني به شباب العشيرة ! هذا ان كنت تريدين ان يظل ذلك اللقب الذي اعرفه انا كما تعرفيه انتِ ملتصقاً بي طوال العمر ..لأني ان لم اتزوجها هي لن اتزوج غيرها ! ولك حرية الاختيار !
تركها وغادر الصالة ... تركها بعد ان شعر بطعنه حارة تصيب رجولته وهو يذكر والدته بذلك اللقب السخيف ... لم يكن يرد ان تصل الامور بينهما لهذا الشكل .... لكن هي اضطرته ان يتفوه بما لايريد التفوه به ....
حسناً ... لابأس لاتوجد امامه الا هذه الطريقة ..علها تجيد نفعاً معها !
همست هدى بعينان دامعتان وفم مرتجف وهي تحدق بالباب حيث اختفى ورائه ولدها ... الذي رمى كلمته الاخيرة بمنتهى البرود واللامبالاة ..وكأنه يقول لها اختاري ..اما سمعتي ... .. او زواجي !
بينما السعادة التي شعرتها بها قبل قليل... تبخرت كلها بثانية واحد ليحل محلها الانقباض والحزن ... كانت تحس وتشعر ان رضاب لن تمر بحياتهم مرور الكرام !!
- لا تلوي ذراعي يا معاذ ..لا تلويها ارجوك !!!
............
.......................

عذبيني حبيبتي بدلالك
واطرحيني مقيداً بحبالك
لا تقولي : حرام الظلم إني
أتمناه فهو أحلى حلالك
زلزليني ببسمة الثغر تعطي
ألف عذر لخافقي باحتلالك
أنت والخلد توأمان وحبي
سوف يبقى مخلدا في ظلالك
فاستبدي ولا ترقي لئلا
يهلك القلب من رقيق اعتدلك
يا سعادي ويا سعادة عمري
كم أرى الكون باًسما من خلالك
بكِ تمتد في الحياة يميني
فخذيني كخاتم في شمالك

.........
الشاعر .. مانع سعيد العتيبه
..................
ينظر لها من شباك غرفته التي تطل على الممشى الاسمنتي الطويل الممتد من باب الشارع وصولا الى باب الصالة ... كانت اوراق العنب الخضراء تعيق نظرته الحادة المدققة بها ...
تترائي امامه تارة وتختفي تارة وهي تمسك خرطوم الماء بيد والماسحة ذات العصا الطويلة بيدها الاخرى ..تمسح الارض برشاقة وسرعة .... الساعة كانت تشير الى السابعة صباحاً ...دائما فتاته نشيطة وشاطرة بالاعمال المنزلية ...اه منك يا غزالتي ..لماذا تهوين تعذيبي بهذا الشكل القاسي المؤلم !!!

ها قد مر يومان ... يومان وهي للأن تقول افكر ... كل هذا تفكير .. ام ربما تريد بضعة ايام اخرى او اسابيع ... او ربما اشهر !!!
هذه الفتاة تتعمد اذلاله ... اجل تذله ولا يعرف السبب !!
للأن يتذكر كيف كان ينتظر اسفل الدرج على احر من الجمر ..حتى عند استلامه لنتيجة الثانوية العامة لم يكن قلقاً ولا متوتراً لهذه الدرجة ...مر تقريباً نصف ساعة ونزلت والدته ليستقبلها لاهثاً بلهفة
- هااا يا امي ماذا قالت !
اجابت بهدوء وهي تبتسم له ابتسامة متفهمة
- تقول انها تحتاج لبعض الوقت لتفكر !!!
هتف مستنكراً بحدة والغضب الاسود يغلي داخله ويفور
- وقت للتفكير !!!!!!
لتجيبه وهي تتوجه الى المطبخ
- اجل وقت للتفكير وهذا من حقها !
لحقها بسرعة وغضب وقال بصوت شبه صارخ
- وانت لما وافقتها !! لما لم ..
التفتت له وهي تفتح الثلاجة لتجيبه بهدوء كاد ان يفقده عقله ..هو يغلي من الغضب والقهر وهي تكلمه وتخبره عن ردها المستفز بكل بساطة
- اخبرتك قبلا وها انا اخبرك مرة اخرى ... انا لن اجبرها يا زهير ..فهمت لن اجبرها ..اما ان توافق او لا ..الامر يعود لها !
همس بصدمة وهو يحدق بوجه والدته وقد لاح الالم والخذلان على ملامحه الوسيمة
- لكني ..لكني ..اخبرتك اني ..احبها اماه ولا طاقة لي على الانتظار والصبر !
اجابت وهي تخرج صحن الفواكه وتغلق الثلاجة
- ان كنت تحبها ستصبر ... ستصبر وتنتظر
عاد من رحلة ذكرياته وهو للأن يشعر بالألم ينخر عظامه ... يصبر ! ألم يكفي تلك الشهور التي صبر بها وهو ينكوي ويحترق متأرجحاً بين نارين ... نار زوجته التي تورط بها ونار حبه الذي اكتشفه متأخراً ...حسنا حبيبتي ..اكثر ..افعلي اكثر ...فليقدرك الله وذلني اكثر ...اعدك كل هذا دين ..وسأسترده منك حبة حبة !!
بخطوات رشيقة خرج من غرفته متوجهاً الى الحديقة .. ... فتح باب الصالة وتوجه ناحيتها ببطء وثقة ..وقف قبالتها بالضبط ...كانت مطرقة الرأس تركز بما تفعله ..لكنها ما ان لمحت حذائه الجلدي الأسود حتى رفعت رأسها بسرعة ... عدلت حجابها واخذت تحدق به ..كان يرتدي قميص دخاني اللون ملتصق على جذعه العلوي بقوة مع بنطال من الجينز الازرق ... شرارات غضبه وصلتها واحست بها ....بل هي احست بها منذ ان فاتحتها خالتها بموضوع زهير ... وكم كان خجلها عظيماً وهي تستمع لكلماتها الحنونة وهي تخبرها بأنها تتمنى ان تراها كنتها وكم حلمت بذلك !! جاهدت واحتاجت للكثير من العزيمة والجرائة تجيب على طلب خالتها بأن تعطيها مهلة للتفكير ...
طوال الأيام الماضية شرارات غضبه كانت تخترق الجدران لتطير ناحيتها وتحوم حول رأسها تزيد من توترها وارتباكها !!!
كان يقف قبالتها بالضبط يكتف ذراعيه على صدره ... فمه مشدود بقوة حتى بدى كخط رفيع جداً .... اعتدلت بوقفتها وقالت بتعجب
- زهير !!!
اجابها وهو يلوي فمه بأبتسامة حملت الألم اكثر منها سخرية
- اجل زهير الذي تركتيه كالكلب يلهث ورائك ! زهير الذي ينتظر موافقتك الميمونة !
شعرت وكأنها تلقت ركلة قوية مزقت احشائها .... هربت الدماء من وجهها دفعة واحدة ... التصقت شفتيها ولم تصدر كلمة واحدة .... ظلت تحدق به صامته ....في الايام السابقة كانت تحاول عدم التواجد قربه او بالمكان الذي هو يكون موجوداً فيه ... كانت تعرف انه سيحاصرها و يضغط عليها ...
هي لم تجرم ولم تقترف اثماً .. فقط تريد وقت للتفكير أليس هذا من حقها ؟! حتى ان كانت تعشقه وتحبه بكل جوارحها ..لكن كرامتها ..كرامتها تأبى الموافقة الفورية ... وكأنها كانت تتحين الفرصة للموافقة والقبول المذل الذي يجعلها تشعر انها رخيصة بعين نفسها قبل ان تكون كذلك في عينه!!!
هتف مرة اخرى عيناه العسلية تلتمع بقوة ...كانت السنة نيران الغضب واضحة بهما
- انطقي با حبيبة ... اجيبني ...هل أكلت القطة لسانك !!
اكتسى وجهها اللون الاحمر ..لاتعلم حقاً هل هي خجلة منه ام غاضبه من اسلوبه الوقح المتملك هذا !!
كانت بالفعل تشعر بخيبة الامل والمرارة ... ربما هي درامية وتتصرف بطفولية ومراوغة لا داعي لها عندما طلبت الأنتظار ومهلة للتفكير .. لكن الان ومع ما يفعله تأكدت من صحة قرارها ... الصبر ليست من شيم زهير ..هو متسرع ومندفع ..ربما بالفعل بضعة اسابيع أخرى ستكون درساً مناسباً له لكي يتعلم على ان يصبر ويتحكم بمزاجه المتقلب الذي ينقلب بين ساعة واخرى كما ينقلب الجو في شهر فبراير ...
- لماذا تفعل هذا !!! لماذا !!!
همستها بخفوت .... قطب بعدم فهم ... ليجيبها قائلا ببهوت
- مالذي تقصديه يا حبيبة !! مالذي فعلته !!
اجابت بقوة ودموعها تترقرق في عميق عينيها البنيتين
- انت تضغط علي وتحاصرني يا زهير ..لقد تماديت كثيراً .. ثم انا لم اطلب اكثر من حقي ...و من ابسط حقوقي هو ان أأخذ وقتاً للتفكير ...
الصدمة ظهرت جلية على وجهه ... تفكير في ماذا ! وهي حرفياً قد عاشرته وعرفت طباعة واخلاقه جيداً ... الوقت والتفكير يحتاجونه الناس الغرباء ... لا من هم يسكنون مع بعض .. في المنزل والقلب والروح ... وهو اعترف لها بحبه وصدقه .. الم يكفها هذا !!!!
اجابها بيأس وخذلان
- اجل حبيبة ..من حقك ان تفكري .. خذي وقتك .. اتعلمين شيئاً !!! معك حق ..يجب ان تفكري الف مرة قبل ان تتخذي قرار الارتباط بشخص منحط مثلي !! اليس كذلك ؟!
هزت رأسها وهي عاجزة عن ايجاد طريقة لأفهامه
- لم اقصد هذا زهير ..لاتفسر الامور على هواك
اومأ قائلا بصوت ثقيل وهو يستعد للمغادرة
- تقصدين او لاتقصدين .. قلت ما تخبئيه داخل صدرك ..
نظراته المعاتبة وصلتها ..واستطاعت ان تجعل قلبها الغبي يرق له لوهلة ... اوقفته قائلة بتساؤل
- اريد فقط ان اعرف يا زهير مابك !! لما انت مستعجل لهذه الدرجة !!
التفت ينظر لها بصمت لتكمل قائلة وهي تبتلع ريقها بصعوبة ..تعرف ان الذي ستتفوه به الان صعب جداً عليها ... وربما ستندم عليه فيما بعد الا انها يجب ان تتكلم ..يجب ان تخبره كل ما في صدرها من مخاوف لايد لها فيها
- اعط لنفسك الفرصة زهير ..ربما ..ربما ...
حثها قائلا وهو يرمقها بحذر وترقب
- اجل ..اكملي ..ربما ماذا !!!
صدرت عنها تنهيدة صغيرة ... رمت الخرطوم من يدها ثم ذهبت لتغلق الحنفية تحت انظاره الضيقة الحادة لتستدير ناحيته قائلة وهي تعبث بأطراف اصابعها بأرتباك وتوتر
- ربما تندم فيما بعد ... انت .. اقصد .. الفرق بيننا واضح ... انت .. مهندس .وانا ..انا ...
رفعت عينانها المتألمتان لتهمس بخجل وحرج شديد ليس من نفسها ..بل من وضعها وما آلت اليه الامور ..هي ليست غبية ولا بليدة كما كانت تنعتها والدتها ... بل كانت ذكية ..ذكية جداً في مرحلة ما من حياتها ... تحديداً عندما كان والدها على قيد الحياة ..لكنه وبعد وفاته ..انتهى ..و انتهت حياتها معه ... لم يعد هناك من يأخذ بيدها لم يعد هناك من يسأل عنها ...حتى مع واقع وجودها المستمر في منزل خالتها ...فهي كانت تذهب اليهم منذ بداية العطلة الصيفية كل سنة ... تذهب اليهم وهي تحمل حقيبتها وتعود لمنزل والدها قبل فتح ابواب المدرسة بيومين او ثلاث !
- انا فاشلة ..اعدت السادس الأدبي لسنتين متتاليتين ..ولم ..لم ..
لم يدعها تكمل ... قاطعها بعنف وقهر وهو يتقدم ناحيتها قاطعاً المسافة التي تفصل بينهما بخطوتين واسعتين ... رباه كلماتها كانت تطعنه بقوة وألم لايضاهيه الم .. هو لم يهتم ولم يلتفت او يفكر يوماً بمستواها الدراسي ... ما يهمه هو حبيبة ..حبيبة فقط ... كيف امكن لها ان تفكر به بهذه الطريقة امسك كتفيها وعيناه تومضان بشراسة وصدق
- انا لم ولن اهتم ابداً بمستواك الدراسي اوتحصيلك العلمي ...ثم اخبرتك ووعدتك وعد شرف .. سأسجل لك في الامتحانات القادمة !
ثم اكمل بثقة وصلابة وهو يحدق بوجهها الشاحب
- ستقدمين على الامتحانات ..وستنجحين ... انا اثق بك حبيبة ..انت ذكية وذات ارادة قوية ...قوية جداً جداَ ... افهمت ...افهمت ما اقول !! انت قوية وذكية وستنجحين وتدخلين الجامعة ! ردديها ورائي !! هياا
نظرت له بعينان مشوشتان من الدموع التي ترقرقت بهما ... كم يزداد عشقها لهذا الرجل الماثل امامها ... وكم يمدها اهتمامه وصدقه بالطاقة والثقة .... اساساً نصف ان لم يكن كل ثقتها بنفسها التي تحمها الان كان مصدره زهير ...خاصة بعد ان بين اهتمامه بها مؤخراً ... واحاطها بغيرته العمياء وملاحقته المستمرة ... وهذا ما جعل قوتها وصلابتها تزداد ... اصبحت تشعر انها ملفته ... ومرئية بعد ان كانت شبه منسية .... ابتسمت هامسة
- فهمت يا زهير ...ان شاءلله س..سأنجح وادخل الجامعة !
تنهد وابتعد عنها قائلا بصوت مبحوح وصادق ..كان يستطيع ان يرى التصميم والقوة خلف بحر الدموع المترقرقة بحدقتيها الجميلتان
- والان نعود الى موضوعنا الاصلي والمهم !
مسحت حبيبه دموعها وقالت بسرعة وتعلثم وهي تبتسم له ابتسامة جعلت قلبه يرفرف بسعادة ...بينما شعور الاطمئنان والراحة تسلل الى روحه بسرعة قسوى اخمدت ثورته وغضبة ليتلاشى فوراً
- ارجوك زهير ... افهمني ..افهمني واعطني الفرصة والوقت ...ارجوووك
تنهد قائلا وقد لانت ملامحه واصبحت عيناه العسليتان فاتحتان ومتألقتان... اذن محبوبته الصغيرة تريد الدلال والثقل عليه ...اااه وهو يعشق الدلال والثقل ..اساساً هو يريدها هكذا تتغنج وتتدلل عليه دائماً ... لقد استطاعت ان تمتص غضبه بكلمتين ونظرة قطة آليفة وبريئة
- حسناً ..سأكون متفهماً ...ولطيفاً ..واعطيك الوقت لكن لا تتأخري كثيراً للصبر حدود ... للصبر حدود يا حبيبة على رأي الست ام كلثوم !
قالها بثقة وغرور وكأنه يمن عليها ... تصرفاته تجعلها تود ان تضحك بصوت عالي وبجنون .. اكتفت بأبتسامة صغيرة وخجولة .... ثم غمز لها بوقاحته المعتادة قبل ان يتركها ويدلف الى الداخل بهدوء
مسحت جبينها المتعرق ثم وضعت يدها على قلبها هامسة بخفوت وعشق
- وقح ومغرور لكني احبه !!!
...............................
...............................
البصرة صباحاً
.........
كانوا يجلسون حول المائدة في المطبخ يتناولون الافطار ...نظرت له والدته بصمت ...معاذ متغير منذ مشاجرتهم الاخيرة من اجل تلك الحقيرة الساحرة .... ماذا فعلت به وجعلته يتغير هكذا ! مالذي وجده بها لينكث وعدة ويتزوجها !!!!
كذب ..الأمر ليس محصوراً على ملك ...معاذ ابن بطنها وتعرفه جيداً ...تغيره لم يكن الان بل هو متغير منذ ان التقاها ..شارد .. يبتسم ببلاهة ... عندما تتكلم عنها بتعمد ينتفض ويتضايق ... ولدها يحب تلك المرأة ... تلك المرأة المطلقة المستهترة التي يعلم الله سبب طلاقها ومالذي فعلته بزوجها المسكين !!
التفكير كاد ان يفتك برأسها ... والقلق يعصف بكل ذره في جسدها !!!
صحيح هو يتكلم معها بصورة طبيعية الا انها تشعر بتغيره ... نظراته الداكنة الرافضة لرفضها .. سحبت نفساً عميقاً وبادرت بالكلام قائلة ... ان لم تبادر هي بالكلام فهو لن يتكلم ولو بعد مئة عام ولدها العنيد وتعرفه جيداً
- انت لم تغير رأيك !!!
رفع نظراته الزيتونية واجابها بتسائل
- بماذا امي ؟!
اومأت رأسها وقالت
- بالزواج من تلك المرأة !
اجابها بثبات وصلابة شعرت بها وجعلت الانزعاج والضيق يزحف لقلبها من جديد
- كلا طبعاً !
حدقت به يائسة ... رباه كيف السبيل لأقناعة وهو مصمم على الزواج منها لهذه الدرجة ! هي لم تصدق انه وافق وتنازل عن قراره المجحف الذي اتخذه قبل سنوات ...ان قال الكل عنه عاجز هي لن تصدق ..ولدها سليم ..قلبها يحدثها بهذا ... وهي ان كانت تصدق بأنه سليم ومعافاه كيف السبيل لأقناع المحيطين بهم دون ان يتزوج ....
ان رفضت ستظل التهمة ملتصقة به ...وان وافقت ستجبر على العيش مع تلك الدخيلة المطلقة التي كرهتها قبل ان تراها ... حيرة .. حيرة كبيرة ... ماذا ستفعل ....خاصة وهو يضغط عليها ويذكرها بعجزه !!!
لتكن صريحة مع نفسها وتعترف ان زواجه من تلك المطلقة سيعزز مكانته وهيبته امام الناس كما انه لن يحتاج لأخراج دليل عذريتها كما هو المتعارف عليه هنا ! فمن المعروف ان العذراء ما ان يدخل عليها زوجها ويتم الزواج الفعلي بينهم ... حتى يبدؤون شباب العشيرة بأطلاق الاعيرة النارية فخراً بولدهم !!! فلتفكر بهدوء وعقلانية وتقدم سعادة وهيبة ولدها على ما تكنه في قلبها لتلك المرأة
قالت بهدوء وبرود وهي تحدق بوجهه بعينان ضيقتان
- حسناً انت لم تفكر بالفرق الكبير بين معيشة تلك المرأة ومعيشتنا !!
صحح لها بأنزعاج وضيق
- اسمها رضاب امي ..رضاب ! ثم لا تقلقي لقد فكرت بكل شيء وكل الاحتمالات
تنهدت متجاهلة كلامه ... وقالت بيأس وحيرة ... كانت تدعي وتتضرع داخلها ان تحدث معجزة وتجعله يصرف النظر عن هذا الزواج الغير متكافئ
- لن تتعود وتتأقلم مع عاداتنا وتقاليدنا !
اجابها بأبتسامة صغيرة وكأنه كان يتوقع كلامها هذا ويسخر منه
- التأقلم يأتي من المعاشرة الطيبة والتعود يا اماه ..وانا متأكد من انها ستندمج معنا بسرعة وسترين !
بادرت وقالت بهجومية وحدة ... كانت تحاول ان تجد اي حجة او عثرة تضعها في طريقه ليبث داخله اليائس عله يتراجع عن قراره
- عمك لن يوافق !
ليجبها وكأن الرد موجود ومتهيئ على طرف لسانه
- رأي عمي لن يغير قراري أأوكد لك ذلك ... بالنهاية سأفعل ما اريده ... ثم لا تقلقي بشائنة بل ادعي ان توافق هي اولاً ...
شهقت بقوة واستنكار وهي تضرب صدرها
- نعم ..نعم !!! ولماذا لا توافق يانور عيني !! وهل تطول تلك المطلقة على ان تتزوج شاب مثلك
نظر لها معاذ متجهماً وقال
- لا داعي لهذا الكلام اماه ..رضاب فتاة طيبة وحسنة الخلق يتمناها اي شاب
لوت فمها يميناً ويساراً وهي تقول بسخرية وغيرة
- حسنة الخلق !!! وماذا عرفت عنها لتقول هذا الكلام وتدافع من اجلها بهذه القوة !!!
صمت وانزل نظراته يحدق ويعبث بطبق البيض الممزوج باللحم الذي وضع امامه ... تنهدت وقالت بملل
- نهاية الكلام الان ...متى تنوي السفر لست الحسن والجمال لكي تخطبها !!
قال بأبتسامة صغيرة وهو يحاول ان يهدء من نبضاته التي بدأت تتسارع
- انت موافقة اذن يا ام معاذ !!
رفعت حاجبيها بتهكم
ام معاذ !!! الان اصبحت ام معاذ يا ماكر !!! همستها مفكرة .... كانت تتمنى ان يقطع لسانها بسكين صدأ قبل ان تنطقها لكن ماذا ستفعل وكل الامور انقلبت ضدها ..وهي مضطرة ..مضطرة والله يشهد على ذلك ... ماذا كان سيحصل لو تزوج ابنة خالته !! لماذا حظها عاثر مع ولديها بهذا الشكل !! حتى ولدها المرحوم طه عندما اراد ان يتزوج ايضاً اختار زميلة له في الجامعة لكنها كانت من المحافظة رغم انها كانت متعجرفة ومغرورة الا انها استطاعت أن تسيطر عليها وتتفاهم معها .... لكن المشكلة الحقيقة بمعاذ وزوجته الغريبة هذه !!! خاصة وانها ليست من البصرة ولم تتربى على الحشمة والستر ....
الكل يعرف ان بنات العاصمة و شمال العراق تربيتهم منفتحة قليلا ... حتى ان بعضهن لا يلبسن الحجاب !! وغير ملتزمات به !!!!! حسناً لابأس ... هين ..هين يا رضاب الايام بيننا ! انت من جلبتي الصداع والمشاكل لنفسك اذن تحملي مسؤولية ما أخترتي !
والله سأجعلك تندمين على اليوم الذي سرقتي فيه حفيدتي ثم ابني
اجابته بأبتسامة باردة لم تصل لعينيها
- اجل .. موافقة .. من اجل خاطرك فقط !
تنهد براحة وقد شقت ابتسامة واسعة شفتيه لينحني ويقبل رأسها ثم يديها بالتناوب قائلا بسعادة لا يعرف سببها
- لا حرمني الله منك ابداً يا حنونة !
قالت بنبرة ضجرة ولامبالية
- والان اخبرني متى نويت السفر !
-غداُ ان شاء لله ! سنسافر انا وملك
صفقت ملك التي كانت تتابع مايجري بجهل وفضول لتهتف بسعادة
-هيييييييييي سنسافر لماما هييييي
حدجتها جدتها بنظرة نارية اخرستها في الحال وجعلتها تنكمش على نفسها ... وهي تقول بسرها كل ما يجري من تحت راسك انت يا ام لسانين ..ثم اجابت بعدم رضى
- بهذه السرعة !!
تنحنح قائلا بأرتباك طفيف وهو يفكر بسره هامساً ما بك معاذ !! اهدأ يا رجل وتماسك .. لماذا انت متلهف لهذه الدرجة اثقل قليلا ..ضاعت الهيبة !!
- من اجل ملك امي .. من اجل ملك طبعاً !
اجابته مؤكدة بسخرية واضحة لكنه تجاهلها بماهرة وبمزاجه
- اجل اجل فعلا من اجلك ملك ... وماذا قلت انا !!
هب وقفاً وهو يلتقط مفاتيح سيارته قائلا
- دعواتك اماه
ثم حمل حقيبة ملك الصغيرة
- هيا صغيرتي ..فلنذهب للروضة !!
راقبت خروجه وهي تتمتم ..والله ياولدي لو كان الامر بيدي لدعوت ان لاتتم هذه الزيجة لكن ماذا اقول قدر اخف من قدر ..المهم ان تتزوج وتقص ألسنتهم الحادة ... تتزوج مطلقة افضل من ان يقال عنك عاجز
...........................
.................................
اربيل مساءاً
دلف الى الغرفة وهو يضع منشفة على رقبته ينشف بها شعره المبلل بينما اكتفى بلبس البجاما فقط ... كانت غسق ترتب الملابس في الخزانة .... احست به يقف خلفها ... انفاسه الدافئه داعبت وجنتها قبل ان تقبلها بهدوء ... غلفتها واحاطت بها حرارة جسده الساخنة على الدوام ... همس بخفوت قائلا
- امممم شهية ومثيرة
قهقت بخفة واغلقت الخزانه ثم استدارات لتواجهه وهي تبتسم بنعومة كبل خصرها واخذ يحدق بها بجوع وشراهة ... بكل مرة ينظر اليها يشعر وكأنه يكتشف شيئاً جديداً ... الان انتبه على وجود شامة صغيرة جداً تكاد لاترى .. تقع قريبا من شفتها العليا ... انحنى ليقبل طرف انفها ... ثم اغمض عينيه واسند جبينه على جبينها ...يستنشق انفاسها بوله ...
اللحظة التي احاطت بهما كانت سحرية .. الزمن توقف حولهما .... تلاشى كل فكرة او منطق داخل عقلها ... كان كل ما فكرت به غسق هو دفئ وانفاس زوجها الذي وقف ملاصقاً بها .... المشاعر الساخنة المتدفقة كانت تنمو بكل تقارب حميمي بينهما ... كانت تنمو بصورة سريعة وقوية وحااارة جداً ... غرس اصابعه بشعرها ثم امال رأسها لينظر لزرقة عينيها الصافية ... اظلم وجهه وبدت الرغبة المتصاعدة المكثفة التي تركزت بعمق عيناه الداكنتان واضحة جداً ...
نظراته كانت تتسارع على تقاطيع وجهها بلهفة ... عيناها .. انفها .. لتتركز على شفتيها المنفرجة ... احنى رأسه واطبق عليهما ..يتذوقهما بشراهة وقوة شديدة وكأنه يريد اشباع الجوع الذي شعر به في تلك الساعات القليلة ... كانت ذراعاه تحتضن خصرها بقوة ..يقربها من جسده اكثر ..يطالبها ان تتجاوب معه ... وهي في الحقيقة لم تكن بحاجة لحافز اوتشجيع لتتجاوب معه ... طوقت رقبته وبادلته بحرارة تنافس حرارته ... ابتعد عنها قليلا ثم همس ووجهه لايبتعد عن وجهها الا انشات صغيرة لاتكاد تعد
- الم اقل لك ...شهية ..شهييييييية
رفعت كتفها الايسر بدلال ومررت اصابعها على صدره الاسمر بأغراء تعلمته منه هو ... سحبها قليلا لتقف امام المرآة الكبيرة ...تلاقت نظراتهما بصمت ولعدة ثوان اسند ذقنه على كتفها واحتضن خصرها قائلا بأبتسامة صغيرة وملتوية
- أتساءل دائماً .. كيف ستكون طفلتي المستقبلية ان شاءلله !! احاول ان اتخيلها بشعرها الذهبي الذي انعكست على خصلاته شمس كردستان الدافئة ... تركض بصخب وضحكات رنانة بين التلال وبساتين التفاح والعنب وهي حافية القدمين بملابس ملطخة بالطين المخلوط بمياه نهر دجلة !!!
تنفس بعمق مستمتعاً ومتلذذاً بعطرها الأنثوي الناعم ليكمل بهمس بعد ان طبع قبلة على رقبتها
- الشيء المتأكد منه انها ستمتلك لساناً طويلا كوالدتها تماماً
همست بتذمر وغنج
- انا لست طويلة اللسان وليد !
رفع حاجبيه وقال بمكر
- اهااا اولست كذلك فعلا !!!
استدارت ناحيته وهي لاتزال مكبلة بذراعيه العضليتان لتجيب
- اممممم ربما قليلا ..لا اذكر ..لكن انت السبب !
هتف وهو يرجع رأسه الى الوراء يدعي الاستنكار
- اناا !!!!
اومأت لتجيبه وهي ترسم دوائر وهمية على صدره الواسع
- اجل انت ... كنت مستبداً ومتغطرس وووو..وو
توقفت لتقطب وكأنها تذكرت شيئاً مهما رفعت نظراتها المعاتبة وهي تمد شفتيها بطفوليه ..لتقول
- لقد صفعتني !!! اتذكر !!! اتذكر كيف صفعتني !!
رفع يده واخذ يداعب وجنتها قائلا بجدية و ألم انعكس بلمعة عيناه
- ليت يدي قطعت قبل ان امدها عليك غسق
قاطعته مسرعة وهي تجيبه بصدق
- بعيد الشر عنك وليد .. حسناً ... في الحقيقة ... انا اعترف .. لقد استحقيتها بالفعل !
حكت شعرها قائلة بشقاوة
- كيف جننت ووافقت على رزكار !!!!
قطب واظلمت ملامحه قائلا بشراسة وغيرة ... كلما تذكر تلك الفترة يصيبه الانقباض والكآبة .... يا الهي لقد كاد ان ..ان يفقدها للأبد بسبب ذلك الغبي المعتوه ووالدته المجنونة
- لا تذكري اسم ذلك الوغد الاهبل ! تباً !! كدت ان اجن وانا اتخيلك !!!! ربااااااااااه لا تذكريني غسق .. فقط لا تذكريني
اتسعت ابتسامتها المتلذذة بغيرته لتجيبه قائلة بحب
- كان طيب القلب ..
ازدادت تقطيبته الغاضبة واحتدت نظراته اكثر ...بدى وكأنه طفل كبير غاضب ومتذمر ... لتكمل بسرعة وهي تحاول امتصاص غيرته وغضبه
- لكنك ستكون سعيداً يا حبيبي عندما تعرف بأني لم اكن له اية مشاعر ابداً ...... هل يرضيك هذا !!
لانت ملاحه واسترخى جسده المتشنج .... قبلها على شفتيها قائلا
- حسنا هذا يرضيني قليلا ... لكني لازلت غاضب يجب ان تصالحيني !
ابعدت يديه عن خصرها ثم توجهت الى السرير لتنحني وتلتقط ثوبها البيتي قائلة
- حسنا وليد سأفكر بمصالحتك بعد ان أأخذ حماماً سريعاً
اجابها بمكر وخبث
- صالحيني وارتدي قميص النوم الاحمر !
التفت له ضاحكة وهي تقول بتذمر
- الاحمر !! الم تمل منه ابداً !!
هز رأسه واتجه الى السرير ..ليرمي جسده المنهك عليه قائلا بتعب
- ابداً يا غسقي .....
ليكمل متنهداً بعمق وهو يستلقي الى جانبه ينظر لها بحنان
- غداً ان شاءلله يجب ان اباشر العمل في المزرعة لقد تركتها بما فيه الكفاية ! وانت ايضاً حبيبتي يجب ان تذهبِ الى الجامعة منذ بداية الاسبوع القادم
فهما بعد عوتهما ظلا يومين اخرين في المنزل كان وليد قد قرر المباشرة في عمله في بداية الاسبوع الجديد .... اومأت وهي تهمس بكلمات موافقه قبل ان تحمل ثوبها متوجه الى الباب لكنها توقفت فجأة ... لقد تذكرت الان شيئاً مهماً ..شيء لم يكن يخطر ببالها قبلا ....
سألت بشك
- هل يوجد عنصر نسائي ... اقصد موظفات في المزرعة !!
اجابها وهو يمسك هاتفه يقلب به بلامبالاة
- اممم يوجد مهندسة زراعية عينتها قبل فترة قصيرة
تغيرت ملامحها واخذت تنظر له ببرود ... اجراس الانذار بدأت تدوي داخل رأسها ... ليس لانها لاتثق بوليد كلا ..بل بسبب تلك المرأة ...من يدري ..ربما تحاول التقرب منه !
وكأن النار المتصاعدة داخل قلبها تحتاج الى صب المزيد من الزيت لتتأجج اكثر واكثر مما هي عليه ... في الجامعة شاهدت وعاصرت بنفسها كيف يتم الزحف المذل الجريء ... الذي يقمن به بعض الفتيات اللاتي لا يهمهن لا حياء ولا دين ولا عادات ... يلتصقن بالشباب ويلاحقوهم بوقاحة ودون كرامة !
عندما طال صمتها وهي واقفه وسط الغرفة تحدق به بغرابة ....نظر لها متسائلا ببرائة تامة
- مابك حبيبتي !!
هزت رأسها بأبتسامة شريرة وباردة تشبه ابتسامة ريا وسكينة تماماً .. قبل ان تقوما بالقضاء على ضحيتهم التالية
- لاشيء ..فقط كنت افكر ..هل هي جميلة ..متزوجة ... مخطوبة ؟!
رفع حاجبيه قائلا وقد لاحظ نظرات الغيرة الحارقة التي التمعت بعينيها
- لم انتبه الحقيقة ... ثم ما شاني بكل هذا حبي !!
قضمت شفتها ثم حدجته بنظرة ضيقة قبل ان تخرج من الغرفة .... ارجع وليد رأسه على الوسادة هامساً بعدم تصديق وهو يحدق في السقف
- رباااه هل تشعر بالغيرة ولم يمضي على زواجنا اكثر من عشرة ايام !!!
.................
............................
وقف امام المرأة يعدل ياقة قميصه الرمادي وهو يشعر بالحماس والسعادة التي استغربها هو شخصياً فقد استيقظ مع اول شعاع للشمس ... استعد وحضر حقيبة السفر بعد ان صلى الفجر ... ودعته والدته بوجه عابس ومتجهم ... بينما ملك تكاد تطير من السعادة ..حبيبة عمها قلبها يشعر بانه هو الاخر سعيد ومتحمس للذهاب ومنذ ليلة امس ... لم يتعب نفسه بالتفكير بموقف عمه ان وافق ام لا ... ففي كلا الحالتين اتخذ قراره ........ سيتزوجها وانتهى ... هو ليس مراهق صغير السن ولا شاب طائش لا يعرف كيف يتصرف لكي ينتظر الاذن والسماح من عمه ...كل انسان حر ...يعيش كما يريد ويتخذ قراراته كيفما يشاء مادام يحترم ما له وما عليه ... و مسألة زواجه لن تضر عمه بشيء ... بل بالعكس ربما يرتاح ويكف هو واولاده عن بث سمومهم ورميهم الكلام المبطن كلما راؤه ...

الان كل ما يهمه هو موافقة وليد ... والاهم من ذلك هو موافقتها هي ... رضاب .... تلك الفراشة الناعمة ... تنهد بعمق وهو يهمس بتمني ... هل ستكون فعلا زوجتي وتشاركني حياتي في البصرة !! تعيش معي بنفس المنزل !! اراها كل يوم امامي ... افتح عيني صباحاً واصطبح بوجهها البريء واغلق عيناي ليلا وهي تنام على ذراعي !!!
هز رأسه بأبتسامة صغيرة وهو يقول بصوت عالٍ ..مابك معاذ !!! ماهذه الافكار الغريبة التي بدأت تراودك !!!
ام ربما هي بسبب ما قاله حيدر ! بركاتك يا سيد حيدر ! قالها وهو يتذكر كلماته المتفكهة عندما اخبره عن نيه بالذهاب لخطبتها ...
- اخيراً اقتنعت ..ولو اني كنت متأكد من انها ستكون من نصيبك ! انت تحبها وغارق بحبها
ليجيبه معاذ وهو يتحاشى النظر ناحيته يحاول كتم حماسه بقوة واضحة
- اصمت يا حيدر وابتلع لسانك ...سأتزوجها من اجل ملك ..فقط ملك !
ليجيبه مبسما بتسلية وكأنه لم يسمع تقريع وتوبيخ معاذ له
- المهم انك ستتزوج ..ااه كم اتمنى ان ارى تلك الرضاب ..ترى كيف هو شكلها ...كيف استطاعت ان توقع هذا الاسد العنيد !
نظر له معاذ وهو يرفع حاجبيه ببرود بينما مشاعر الغيرة بدأت تنمو بصدره ...لا احد مسموح له ان يرى او يتحدث معها الا هو ..هو فقط ..ليكمل حيدر قائلا بشقاوة
- والله تستحق كتاب شكر وهدية !! عندما تأتي الى البصرة سأحضر لها هدية معتبرة !!
ثم اخذ يقهقه بقوة مستمتعاً برؤية معاذ وهو ينظر له بحدة وغضب وغيرة واضحة جدا جداً .... اخرجه من شروده صوت ملك .... تقول بسعادة وطفولية وهي تنظر و تمسد طيات فستانها الأزرق الجديد
- فستاني جميل عمو سيعجب ماما اليس كذلك ؟!
التفت ناحيتها ثم انحنى ليحملها بخفة ... اوقفها على الكرسي قائلا وقد بدأ بتمشيط شعرها الناعم
- بالتأكيد سيعجبها !
صمتت قليلا وقالت بعد تفكير قصير دام لثوانِ
- هل حقاً سنأخذ ماما معنا للمنزل !
تنهد بشرود فهو قد اخبرها في طريق السفر الى اربيل بأنه سوف يجعل والدتها رضاب تأتي لتعيش معهم في البصرة والى الابد ..... كان لايزال يمشط شعرها عندما أجابها قائلا
- ادعي ان توافق يا ملك ... ادعي وقولي يااارب
هتفت ملك بحماس طفولي وعيناها تلمعان بسعادة
-يارب ... اجعل ماما توافق على الذهاب معنا .....يارب
....................
..............................

نهاية الفصل الثامن والعشرين




قراءة ممتعة


Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 26-07-19, 10:02 PM   #93

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اللهم صل على محمد وآل محمد
الفصل التاسع والعشرين

.........................
علمني حبك ان أحزن
وأنا محتاج منذ عصور .. لامرأة تجعلني أحزن
لامرأة أبكي فوق ذراعيها مثل العصفور
لامرأة تجمع أجزائي .. كشظايا البلّور المكسور
................

بعد ان أنهى معاذ حديثة اخذ ينظر لوليد الذي كان يجلس جانبه على الأريكة العريضة في الصالة صامتاً مطرقاً رأسه بشرود ... علامات القلق والتوتر بدأت بالظهور على وجه معاذ .... والشك اخذ يساوره .....
ماذا الأن ؟! هل هناك احتمالية لرفضه !! ام ربما هو محرج من ان يقولها مباشرة امامه ؟!
هل تسرع باتخاذ هذه الخطوة !! هل كان عليه الانتظار اكثر !!! لكن لماذا ينتظر وهم يعرفونه منذ فترة ليست بقصيرة !!! عقد حاجبيه بتجهم ...ربما تلك الأسابيع كانت غير كافية بالنسبة لهم !! ربما ما قالته والدته صحيح !! ربما سيرفضونه من اجل الاسباب التي ذكرتها !!!! لكن لالا ...مستحيل وليد ليس هكذا ابداً .... هو يعرفه جيداً .... انسان ذو عقل واعٍ ومتفتح ....
سحب نفساً عميقاً وآثر الصمت منتظراً ومترقباً ما سيقوله بنفاذ صبر وخوف شديدين

كان تردد وليد وتفكيره منصب على رضاب ...وعلى حالتها النفسية .. ترى هل ستوافق على الزواج بعد تجربتها الفاشلة مع همام ! خاصة وان فترة طلاقها لم تتجاوز الخمسة اشهر او اقل بقليل ! هل سيكون هذا الوقت كافياً لها لاتخاذ قرارها بهدوء وتعقل !
للأن يتذكر انهيارها وبكائها الهستيري في المشفى وحتى بعد عودتهم لاربيل ظلت مشتته وهائمة .. معزولة في غرفتها ولا تخرج منه ابداً !! لولا تدخل تبارك واقتراحها بأن تأخذ رضاب الى ملجئ الأيتام لكي تتغير نفسيتها وترتاح قليلا ..ولولا التقائها بملك لما وصلت للهدوء والصفاء النفسي الذي هي عليه الان !!
رفع نظراته يحدق بوجه معاذ الذي اخذ يبادله النظرات بترقب ... معاذ شاب شهم يحمل دماء عراقية حارة وغيورة ...معدنه اصيل .. ذو نخوة و مرؤة ... اكتشفها ولمسها بتصرفاته العفوية الصادقة في الاسابيع السابقة .... وهو متأكد من انه سيصون ابنة خالته وسيكون لها نعم الزوج والسند ... لن يجد من رجلا يليق بها افضل منه .... لكنه بنفس الوقت لا يستطيع الموافقة مالم يتأكد منها هي ..صاحبة الشأن ... وهنا تكمن المشكلة الرئيسية !!!

قطع معاذ الصمت قائلا بهدوء ومعالم وجهه محرجة وقلقة
- ان كنت غير موافق يا وليد ..لابأس عليك انا متفهم الامر !!
ابتسم وليد ابتسامة صغيرة وقال بهدوء
- ولماذا تفكر بهذا الشكل يا معاذ ؟!
هز معاذ كتفه واجابه شارحاً
- ربما فكرت اني من الجنوب ومن المعروف ان طريقة حياتنا وتقاليدنا المتحفظة تختلف عن حياتكم وتقاليدكم في بغداد او في الشمال ! وايضا ربما بسبب .....
رفع وليد حاجبيه بتعجب ...فهو بالفعل لم يخطر في باله ما ذكره معاذ الان ...فبالرغم من ان هناك بعض الفروق البسيطة بين المحافظات الشمالية والجنوبية الا ان ذلك لم يؤثر على قراره ابداً ..... بالنهاية كلهم عراقيين ...وكلهم مجتمعون في بلد واحد تربط بينهم روابط الاخوة والاحترام والمودة على الرغم من كل المحاولات الفاشلة التي يتبعها ذوي النفوس الضعيفة للتفريق بين صفوفهم .... اجابه بهدوء
- الحقيقة انا لم يخطر في بالي هذا الامر مطلقاً صدقني يا معاذ ! لكني كنت افكر بشيء اخر مختلف تماماً
قطب معاذ وتساءل بأهتمام وقد اشتعلت داخله جذوة الامل من جديد ..فأذا كان وليد موافقاً ويقف الى صفه فموافقة رضاب حتماً ستكون مضمونة ولصالحة
- ماذا هناك ؟! ان كان الامر يتعلق ببعد المسافة فصدقني هذا لن ....
هز وليد رأسه وقاطعه بلطف
- ليس هذا الامر ايضاً ...
تنهد بعمق واكمل قائلا
- سأتكلم معك بصراحة ودون لف ودوران .... الحقيقة ...رضاب ومنذ طلاقها وهي منطوية على نفسها ومتباعدة عن الجميع .... في بداية الامر كانت مشتته ... حالتها النفسية متدهورة كثيراً .... عندما وصلت الى الشمال كانت تعاني انهياراً عصبياً حاداً .... كنا قد يأسنا من انها قد تعود لحياتها الطبيعية مرة اخرى ... مئات الكلمات لن تستطيع ان تعبر عن حالتها التي كانت تعيشها انذاك ... الى ان حدثت معجزة الاهية تجسدت بظهور ملك في حياتها ... وهذا ما حسن وضعها ونفسيتها المتأزمة كثيراً ...بالاضافة لهذا ...رضاب فتاة حساسة جداً ...وهشة ...لا اعرف كيف اشرح لك ... لكنها ربما سترفض الارتباط مرة اخرى ..وهذا احتمال وارد جداً !!

كان معاذ يستمع له بألم .... هامساً داخله بقهر وحرقة مالذي فعله بها ذلك البائس ليحطمها بهذا الشكل !! اي عذابٍ تكبدته ليوصلها لدرجة الانهيار العصبي !!!!
لقد كان يشعر بها ..يشعر بأنها تحتاج للمساعدة ..تحتاج لشخص يأخذ بيدها ... وصله حزنها ووحدتها من خلال نظراتها التائهة الحزينة ... وابتسامتها التي تحمل خلفها تعاسة لمست شغاف قلبه واستوطنت فيه .....
فقط لو توافق على الزواج منه سيفعل المستحيل من اجلها ...حتى لو تطلب الامر لأن يحارب الجميع ... بحياته لم يريد شيئاً لدرجة اليأس كما يريدها هي .....
هي متعبه وهو منهك ..وكلاهما سيكونان السند لبعضهما البعض ... سيكونان اسرة .. ستكون اماً لأطفاله .... اماً حنونة وعطوفة ... ستضيء بإشراقه وجهها البريء ظلمة روحه الخاوية ...وتنشر الدفئ في اروقة قلبه البارد ....... رضاب نصفه المفقود الذي وجده بعد عناء وطول انتظار ...هي وحدها من ستكمله ... هي المرأة المناسبة له والتي ستسعده وتعوضه عن السنين العجاف الخاوية التي مضت من حياته ...
اخيراً وبعد ان اكمل وليد كل ما في جعبته من مخاوف اجابه معاذ بتفهم ورجولة
- انت حاول ان تفتح معها الموضوع وانا سأنتظر ...لايهم الوقت الذي سيطول به انتظاري .... فأنا صدقاً ارغب برضاب زوجة لي تشاركني حياتي ومستقبلي
اومأ وليد موافقاً وقد استرخت ملامحه ...كل يوم يزداد اعجابه بمعاذ .... وهو فعلا سيكون الزوج المناسب لرضاب .... احساسه يخبره بذلك ....واحساسه دائما ما يكون صائباً .....اجابه موافقاً
- ان شاءلله لن تسمع الا الاخبار السارة يا معاذ
همس معاذ بسره وبرجاء صاااادق
اللهم امين ياارب

.......................
................................
تجلس على الارض قرب ملك المنهمكة باللعب في العابها التي تحرص رضاب على شرائه لها فقد خصص لها وليد مصرفاً شهرياً خاصاً لها ولشقيقتها ... كم شعرت بالخجل من لطفه وطيبته التي لا حدود لها ... ليس وليد فحسب ..بل كل العائلة كانت متفهمة وطيبة معها الى ابعد الحدود ....هذا الدفئ الذي لفها كالبطانية الناعمة في ليلة شتوية باردة كانت تجعلها ترى الأمور بمنظور اخر لم تكن تركز فيه قبلا .... اي عندما كان والدها على قيد الحياة ...ربما لو اكتشفت كل هذا الانتماء والحب والتعاطف او انتبهت له مبكراً لما كان حالها الان هكذا !!! كانت لتجد السند والعزوة الحقيقية لها بجانب وليد وزهير وخالتها سعاد !
ربما لو طلبت العون في حينها من وليد واحتمت به لم تكن لتتزوج من همام ابداً ! لكن هي تستحق كل ماجرى لها .... كانت سلبية وضعيفة ...
كما انها هي من انصاعت لرغبات والدتها وانسحبت من حياة شقيقتها ... لم تحاول ولو لمرة واحدة ان تتواصل مع ابناء خالتها .... فضلت السير خلف والدتها بأعين معصوبة وثقة مثيرة للسخرية !
عادت لتركز فيما تفعله ملك .... منذ وصولها قبل عدة ساعات وهي تتكلم وتهذي بكلام غير مترابط .... جدتها ..الخزانة ..المشفى .... مالذي يحصل بالضبط !!!! هناك امراً ما ومعاذ لم يخبرها به .... قلبها يحدثها بذلك والان زاد يقينها اكثر من ذي قبل !!!
همست بحب وهي تداعب شعر ملك التي كانت لاتزال مطرقة الرأس
- والان اعيدي علي ما قلته قبل قليل ..لماذا ذهبت الى المشفى !
رفعت ملك رأسها وهي تحمل اللعبة بين يدها لتجيبها بأنفاس لاهثة وسريعة
- مريضة !! كنت مريضة ماما ! وضعوا شيء في فمي وعمو مواذ قال ..قال ... لا تعيديها مرة اخرى !
تنهدت رضاب بحيرة وهي عاجزة عن ربط ما تقوله لها .... هاهي للمرة العاشرة وربما اكثر وملك تعيد هذه الكلمات ...لكن دون فائدة !!! فهي فعلا لا تفهم شيئاً !!!
اسندت مرفقها على حافة السرير ووضعت راحة يدها على خدها تحدق بها صامته .... المهم الان ان طفلتها معها وبصحة جيدة ..لكن نحولها وشحوب وجهها لم يعجبها ابداً ... عندما تزورها ملك شهيتها للطعام مفتوحة جداً ..تأكل بنهم ولا تشبع ابداً ...لو انها تعيش معها هنا متأكدة من انها ستكتسب الوزن المناسب في خلال شهر واحد فقط !!!
قضمت شفتها بتوتر .... واخذت تفكر بسرعة ... .. اين جدتها !! لماذا لاتهتم بها ! لولا انها متأكد من حب معاذ الواضح لملك لقالت انه هو الاخر قد اهمل مراقبتها ومتابعتها ! لكن ماذا هناك بحق الله ... هي لم تكن بهذا الشحوب عندما كانت في الملجئ مالذي جرى وغيرها هكذا!
قالت بحنان وهي تحدق برأس ملك المنحني
- اخبريني طفلتي كيف تقضين النهار بعد عودتك من الروضة ! ماذا تفعلين في المنزل ! هل لك صديقات يلعبن معكِ !
صمتت ملك قليلا وهي تفكر بشكل مضحك ثم قالت بدهاء وفطنة
- اانا ...لدي اصدقاء بهذا القدر
رفعت عدت اصابعها الصغيرة وبدت وكأنها تعدهم ببرائة لتكمل قائلة
- جدتي تقول اني اصبحت كبيرة ويجب ان اغسل الصحون
اتسعت عينا رضاب بقوة وذعر وقد اختفت ابتسامتها المتفكهه لتهمس بذهول
- ما..ماذا ..قلت !! تغسلين ماذا ؟!!
اجابتها ملك ببرائة وعفوية
- اغسل الصحون واسقي الزرع واكنس الارض ...و..و...
ابتلعت ريقها بصوت مسموع ثم اكملت بحماس
- و..و..امسح الغبار و...
هتفت رضاب بعينان دامعتان وقلبها يتلوى الماً
- يكفي ..يكفي يقين ..لا تكملي ..ايه جدة تملكين ..كيف تستطيع فعل ذلك بطفلة صغيرة يتيمة !! لا اصدق ..رباااه ..لا اصدق فعلا
رفعت ملك واجلستها في حجرها ثم دفنت وجهها بطيات شعرها الناعم تبكي بصمت وقهر ...ماذا بيدها ان تفعل !!! كيف السبيل للأحتفاظ بأبنتها ... كيف سـتأمن عليها بظل وجود امرأة قاسية القلب متحجرة المشاعر مثل جدتها !!! ومعاذ اين هو من كل هذا الهراء !!! كيف يسمح لها بفعل ذلك !!! عندما التقت به لمست لطفه وحنانه الذي وصل لقلبها مباشرةً ..اذن كيف ..كيف .... ستجن ..حتماً ستجن لامحالة !!
اخذت تبكي بنشيج خافت وبشهقات معذبة ...ابتعدت ملك تنظر لوجه رضاب الباكي لتمسح دموعها بيديها الصغيرتين هامسه بعطف وشفقة جعلت امعاء رضاب تتلوى قهراً وحزناً وسعادة بآن واحد
- لماذا تبكين ماما !! من اجل يقين !!! انا يقين ..لا تبكي ارجوك
تأوهت رضاب بصوت مسموع واحتضنتها بقوة ..قوة كبيرة ..حتى كادت ان تكسر عظامها ...كم تمنت لو كان بأمكانها ان تخفيها داخل اضلعها .... او ان تأخذها وتهرب الى جزيرة نائية لا يوجد بها الا هما الاثنان فقط !
ابتلعت ريقها وهي تهمس داخلها ..يارب ارحم بحالها وحالي ..هي ابنتي ..ابنتي واريدها ..اريدها الى جواري للأبد !!!
فتحت حبيبة الباب ثم ابتسمت بنعومة وهي تحدق بمنظرهما الجميل وكأنهما لوحة فنية مرسومة عنونها الأم وابنتها .... كم هي حنونة رضاب ..المسكينة لو ان طفلتها كانت قد ولدت ربما لم تكن لتتعلق بملك لهذه الدرجة ..سحبت نفساً عميقاً وقالت رغماً عنها فهي صدقاً لم تكن تريد ان تعكر صفو هذه السويعات القصيرة التي تجمع بينهما
- تعالي حبيبتي ملك .... عمك يريد المغادرة الان !!
احتضنتها رضاب اكثر وكأنها تستنكر ما قالته حبيبة وبالمقابل كانت ملك ايضاً تحتضنها لتهمس رضاب مختنقة
- أبهذه السرعة سيذهبون !!!
اجابت حبيبة بشفقة وهي تتقدم الى الأمام
- اجل عمها مستعجل جداً يريد العودة للبصرة اليوم !
ابتلعت رضاب ريقها بصعوبة وابعدت ملك عنها قليلا ثم احتضنت وجهها من الجهتين تحدق بملامحها البريئة الطفولية بعينان دامعتان ثم انحنت وقبلت جبينها هامسة بجدية
- اعتني بنفسك جيداً صغيرتي ..وان طلبت منك جدتك ان تنظفي المنزل ارفضي وقولي امي رضاب لا تسمح لي بذلك ..فهمتِ !!!
اومأت ملك بسرعه وهي تحدق بعيني رضاب ببراءة تامة ....انحنت حبيبة لتمسك يد ملك تحثها على النهوض ... ارتجفت شفتي رضاب وهي تراقبها تبتعد عنها رويداً رويداً الى اختفت تماما ... همست بصوت متألم وجريح ...يا الهي ..احفظها لي ...ليس لدي غيرها في هذه الدنيا !!

بعد مرور عدة دقائق سمعت صوت جلبه في الحديقة .... لتسارع بمسح دموعها ثم وقفت لتتجه نحو النافذة ... تنتظر خروجهم من خلف الستائر الخفيفة المخملية .... لتشاهده يخرج وهو يحمل ملك على كتفه ..خفق قلبها برعونة ... اقتربت من الستائر اكثر وعيناها لاتزال تذرف الدموع ... انفاسها تخرج متقطعه ... جسدها ارتجف بقوة وهي ترفع قبضتها لتعضها ونضغط عليها بين نواجذها .... وكأنها بذلك تمنع خروج نحيبها الذي حبسته في صدرها بشق الانفس .....
ليستدير معاذ فجأة ويرفع رأسه لثانية ..فقط ثانية واحدة جعلتها تحبس انفاسها وتتراجع الى الوراء ...وكأنه شاهدها او احس بوجودها تحدق به ... لكن سرعان ما استدار واكمل طريق الخروج بهدوء ...تاركاً خلفه ودون ان يعرف امرأة شبه محطمة ....مشتته واقفه على مفترق طريق لا تعرف الى اين تتجه وما يجب عليها فعله بالضبط !!!!!!
..........................
................................

كانت تستمع لخالتها سعاد التي ما ان اخبرها وليد بطلب معاذ حتى سارعت ودون اهدار الوقت بالتكلم معها ومفاتحتها بالامر ... راجية من الله ان يهدي ابن شقيقتها لتوافق على هذا الزواج ... فهي لن اتنكر بأنها احبت معاذ وكأنه ولد ثالث لها ... ارتاحت له وشعرت بشهامته وطيبته منذ الوهلة الاولى ... لو وافقت رضاب ستكون سعيدة معه قلبها يحدثها بذلك .... كما انها ستطمئن عليها ايضاً كما اطمئنت على حبيبة .... وان علمت سناء بخطبة ابنتيها فهي لن تستطيع الاعتراض لأنهما بلغتا السن القانونية لتقرير مصيرهما ... بالاضافة لوجود وليد الذي يعتبر حرفياً ولي امرهما والمسؤول عنهما اثناء غياب والدتهما التي لم توفر جهداً حتى برفع سماعة الهاتف والأتصال بهما !!
رفعت رضاب عينان دامعتان حمراويتان .... خطبها .. معاذ خطبها !!!
اغلقت عيناها بألم وقهر ...تحاول ان تتصور نفسها و هي تتزوج من جديد !! تعيد التجربة مرة اخرى !!
لماذا ..لماذا كلما تخطت الماضي قليلا وادعت النسيان يعود ليغزو مخيلتها ويفرض نفسه ساخراً متحدياً ارادتها مرة اخرى واخرى واخرى !
معاذ !!! ذلك الشاب الذي منذ التقته وهي لاتكف عن التفكير المستمر به !!! انسان طيب تستطيع ان تلمس طيبته وشهامته من ملامح وجهه وتصرفاته ...يكفي انه يسمح لها برؤية ملك كل عدة اسابيع ...يكفي انه يتصل بها ويسمح بأن تتكلم معها ... اي احد غيره لم يكن ليهتم ..لم يكن ليفكر بمشاعرها من الاساس ...ابسط تصرف من المفترض ان يتصرفه هو نسيانها الى الابد دون تأنيب للضمير او عناء يذكر !!
هل يستحق امرأة مثلها ... محطمة ...مبعثرة .... ماضيها المظلم يركض ورائها كوحش مخيف يحاول التهامها ... كل ليلة تستيقظ فزغة كالمجنونة وجسدها ينتفض بشدة ...
لولا ظهور ملك لكانت الان مجنونة بالفعل !!!! ماتت مشاعرها ..مات قلبها يوم خذلوه ... ومن الذي خذله وطعنه !! من ..من ...والدتها وزوجها ....
والدتها ..والدتها .... هل هناك شيء اشد خذلانً وقهراً وخيانةً من هذا !!!!!
عادت تنظر لخالتها التي كانت تراقب تعبيرات وجهها بدقة ...كانت سعاد تشعر بصراعها ..ترددها الظاهر على معالمها الشاحبة ... لكنها صمتت تنتظر جوابها ... لتهمس رضاب بصوت بالكاد يسمع
- لا استطيع الزواج خالتي ..انا ..انا ..لم اعد انفع لكي اصبح زوجة من .. جديد !!
امسكت سعاد يدها المرتجفة واحتضنتها بين كفيها المكتنزتان .... كانت متفهمة جداً ردة فعلها ... ما مرت به سابقاً لم يكن بالشيء الهين على الرغم من انها لم تعرف لحد الان سبب الطلاق ... لكن ما ان تتذكر حالتها السابقة وتقارنها بحالتها الان حتى تشكر الله الف مرة على تخطيها لتلك الظروف القاسية .... ابتسمت وهي تجيبها بلطف وتفهم

- لا يا رضاب ..لا تقولي هذا الكلام ..انت شابة جميلة ولطيفة وألف من يتمنى الارتباط بك ..وكون ان تجربتك الأولى كانت فاشلة فهذا لا يعني انك لم تعودي تنفعين لشيء ... لازلت ببداية شبابك ومن هن بمثل عمرك للأن لم يتزوجن !!!
تنهد بمرارة وهي تنظر لرأس رضاب المنحني وكتفيها المرتجفان والذي يدل على انها تبكي بصوت مكتوم
- والله يا ابنتي منذ اليوم الاول الذي رأيت فيه همام لم ارتح له ..لا اعرف ...أحسسته ماكر وخبيث ... كم نصحت والدتك بالتريث وعدم الاستعجال بزواجك الا انها كالعادة فعلت ما برأسها ولم تسمع لكلامي ! وماذا كانت النتيجة !!
بترت جملتها واطلقت تنهيدة حارة وهي تستغفرالله بخفوت واستسلام
مع كل كلمة تنطقها خالتها كانت وتيرة بكائها تتصاعد .. والذكريات تتدافع فيما بينها لتتجمع امام عينيها وكأنهم بسباق مرثوني يتنافسون من يظهر امامها اولا ...أهو اليوم الأول الذي رأته فيه ام ليلة زفافها المشئومة ..ام سخريته وكلامه المسموم الذي كان يلقيه على مسامعها دائماً ... ام ربما صورتهما معا وهما متعانقين عاريين في غرفة نومها وعلى سريرها !!!!!
طال صمت رضاب وطال التوتر والترقب حولهما .. اخذت سعاد نفساً عميقاً وقد قررت ان تتركها لتهدأ وتفكر براحة ودون ضغط
- اسمعيني رضاب ...اعطي لنفسك فرصة ..فكري مرة ومرتين وثلاث ...صلِ الاستخارة .... خذي وقتك حبيبتي وانا سأساندك مهما كان قرارك ثقي بذلك !
تركتها وغادرت وما ان اغلقت الباب حتى اندفعت الدموع تجري على خديها بغزارة لتهمس بوجع وضياع
- ليس لي ما اقدمه للأخرين ...لم يبقى داخلي سوى الحطام والأنقاض ... وهو لايستحق ..لايستحق ذلك ابداً
.........................
..................................
المزرعة عصراً
..............
يقف ينقل نظراته الحائرة بينهما وهو مكتف ذراعيه على صدره ... منذ الصباح وهو غير مطمئن لنظرات غسق الثاقبة التي كانت ترمقه بها .....
زوجته تبدو وكأنها دجاجة منفوشة الريش مستعدة للعراك تنظر للشابه الواقفه قبالتها بنظرات جليدية مع ابتسامة باردة ومفتعله .... تساءل داخله بنفاذ صبر ..هل هي جادة بغيرتها الواضحة هذه !!!! هل فعلا تفكر بأنه ممكن ان ينظر لأمراة اخرى سواها !!!
شعر بأنزعاج كبير جداً ليس من دخولها المفاجئ وكانها عاصفة رملية هبت على المزرعة وشرارات غضبها تكاد تتقفاز من عينيها ... ولا من طريقتها المستفزة الخالية من الذوق عندما القت السلام على المهندسة المسكينة التي كانت تقف جانبه تتناقش معه في امور تخص المزرعة .... لكن انزعاجه الحقيقي كان من عدم ثقتها به ...هي لو كانت تثق به حقاً لما جاءت هكذا فجأة وكأنها كانت تريد ان تتأكد من شيئاً ما !
عندما اعلن عن رغبته بطلب بمهندس زراعي او طبيب بيطري لم يخطر ببالة ان المتقدمة ستكون امرأة وليكن صريحاً مع نفسه هذا الامر لا يشكل اي فرق عنده ..المهم هو ان تؤدي عملها بأتقان وضمير ....وهو قد لاحظ وتأكد فعلا من ذكاء هذه المهندسة ونزاهتها ...
لكن الان يبدو انه يواجه مشكلة جديدة لم تخطر في باله ابداً الا وهي غيرة غسق العمياء والتي لم يحسب لها حساباً !!!!
مدت كلشان يدها وقالت ببشاشة
- اهلا وسهلا سيدة غسق ...انا كلشان سررت بالتعرف عليكِ
نظرت غسق ليدها الممدوة ثم رفعتها لتحدق بوجهها الجميل ..اجل كانت جميلة ...رغماً عنها اعترفت بكآبة وغيض ... عينان عسليتان ووجه ابيض مدور يكلله شعر نحاسي رائع الجمال ... طوال اليوم وهي تفكر بها ... حتى انها لم تركز جيداً في المحاضرات ... كانت تنتظر على احر من الجمر ان تعود للمنزل ثم تذهب مسرعة لرؤية تلك الفتاة التي باتت تعد تهديداً لأمنها الداخلي .... مدت يدها وصافحتها قائلة بغباء
- انا زوجة وليد
اتسعت ابتسامة كلشان وتفهمت جيداً غيرة هذه الزوجة الصغيرة لتجيبها قائلة
- تشرفت بمعرفتك ..اتمنى ان نكون صديقتين !!
صديقتين !!! همستها بصرخة مستنكرة داخل صدرها كادت ان تخرجها وتفضح ما بداخلها .... هذه الفتاة لن تكون صديقتها ابداً ابداً ولو بعد مئة عام خاصة وهي غير مرتبطة ... لقد انتبهت ليديها وهي بالفعل لا تضع خاتماً لا بيدها اليمين ولا اليسار !!!حسناً هي تعترف انها لطيفة وتبدو طيبة ...لكن رغم ذلك قلبها غير مطمئن ...اليوم ستطلب من وليد ان يطردها من المزرعة ويعين بدلا عنها مهندس ... متأكدة من ان لودي لن يرفض لها طلبها ابداً
بعد تبادل عدة كلمات متقتضبة وباردة استأذنت كلشان وخرجت من المكتب بهدوء .... توجه وليد ليغلق الباب ثم يتقدم نحوها مقطباً وهو يقول بضيق
- لماذا اتيت الى المزرعة ولم تخبريني غسق !!
تراجعت الى الوراء خطوة واحدة لتصطدم بالمكتب ...كتفت ذراعيها وقالت بتعجب
- ولماذا اعطيك خبراً هل سأستأذن لكي اتي لمزرعة زوجي !
رفع حاجبه وتقدم ناحيتها اكثر حتى بات شبه ملتصق بها ليجيبها مؤكداً
- كلا طبعاً ..لكني لا اريدك ان تأتي بمفردك ..حتى وان كانت المزرعة ملاصقة للمنزل !!
زمت شفتيها بغضب ثم رمقته بنظرات متضايقة ومنزعجة .وهي تكتف ذراعيها بعناد ..رفعها بخفه من خصرها واجلسها على حافة المكتب ثم انحنى ناحيتها قائلا بهمس
- لو كنا في المنزل لعرفت كيف اعاقبك لكي لا تعيديها مرة اخرى
اجابت بتحدي وهي تحدق بعينيه الفحميتان
- ومن قال اني لن اعيدها !! سأتي دائماً ومتى ما اردت زوجي العزيز !!!
قهقه بخفه .. وهو يفكر معترفاً ..ربما اعجبه وزاد من غروره غيرتها هذه ... القطة الصغيرة تغار فعلا مجنونة لا تعلم ان القلب لم يفتح بابه الا مرة واحدة فقط ... وهي وحدها من تربعت عليه وتوجت نفسها ملكة فيه ورغما عنه وعن ارادته !!
- حسنا غسق لك ذلك ..اعدك ..ان احضرك بنفسي متى ما اردت !!
ظلت تنظر اليه بنظرات منزعجة ومؤنبة وكأنها تخبره بعينيها عن رفضها لوجود تلك الدخيلة في مزرعتها ... اجل هي تعتبر مزرعة وليد مزرعتها ...ملكها هي كما ملكت صاحبها وستعرف كيف تحافظ عليه حتى لو تطلب الامر ان تأتي هنا ليلا ونهاراً
اقترب منها هامسا بلطف وهو يضع اصبعه على عقدة حاجبيها الرقيقان
- لما هذا العبوس الان !!!
اجابت بدلال وهي تمط شفتيها كأنها طفلة صغيرة
- غاضبه ومنزعجة !
رفع حاجبيه بتعجب ثم ابتسم قائلا وهو يلقي نظرة خاطفة نحونافذة المكتب قبل ان يعاود التحديق بها بخبث ومكر
- امممم غاضبة قلت لي !!!! عندما نعود للمنزل سأعرف كيف اصالحك !
تبع كلامه بغمزة وقحة جعلت وجهها يحتقن بقوة اعتدلت بجلستها وقالت وهي تكمتم ابتسامتها
- الافضل ان اغادر الان سيد وليد ...
انزلت قدميها ارضاً لكنه اوقفها قائلا بجدية
- انتظري هنا لعدة دقائق سأذهب و ألقي نظرة على حظيرة الأبقار ثم نعود سوياً
اجابت ببراءة
- لا حاجة لذلك وليد اسطي....
قاطعها بلهجة حاسمة لا تقبل الشك او المناقشة
- قلت اجلسي هنا ريثما اقوم بجولة سريعة لن ادعك تعودين وحدك الى المنزل انسي يا غسق !
وضعت حزام حقيبتها على كتفها وقالت بسرعة
- حسنا وليد سابقى لكن خذني معك لأتفرج ارجووووووك
اجابها قائلا وهو يبتعد عنها ليبدأ بلملمة بعض الاوراق المبعثرة على المكتب ثم وضعها بأحد الادراج الداخلية
- اجليها لمرة اخرى .... الجولة ستكون سريعة كما انك ستعطليني عن العمل !
ضربت قدمها ارضاً ... متاكدة من انه لا يريدها ان تلتقي بتلك المراة مرة اخرى ! اذن هناك امر خفي في الموضوع !
- وانا مصرة وليد .....ارجووووووووك ...اعدك سأظل صامته ولن اتفوه بحرف
تنهد بنفاذ صبر واجاب مستسلما
- حسناً ... غسق حسناً .. هيا بنا
...............................
..........................................

جلست سعاد قربها في الحديقة ... فقد ارسلها ولدها المجنون لكي تحاول ان تسحب موافقتها بحكمة وصبر ... عندما اقتحم غرفتها قبل قليل ظنت ان هناك زلزالا او امر طارئ قد حدث ... ليركع على ركبتيه فجأة جاثياً امام سريرها قائلا برجاء وتوسل
- اذهب اليها امي انها تجلس في الحديقة ...... ارجوك فقط فلتقل لك انها موافقة ... واتركي الباقي علي !!
حاولت ان تتملص من طلبه الا انه ظل يتوسل بصبيانية ودلال لترضخ لطلبه مرغمة .... كانت حبيبة تجلس على الارجوحة الحديدية تعبث بهاتفها شاردة عندما احست بقدوم خالتها لترفع راسها وتستقبلها بابتسامة واسعة
- اهلا خالتي ...
لتجيبها سعاد قائلة
- اهلا حبيبتي ..ماذا تفعلين !!
رفعت كتفها وقالت
- ابداً لاشيء ..اعبث بهاتفي فبعد خروج تبارك ورضاب شعرت بالملل !
ثم قالت بأنتباه وهي تهم بالوقوف
- هل تردين ان احضر لك شيئاً خالتي
امسكت سعاد يدها وقالت وهي تجلسها مرة اخرى
- لا اريد شيئاً طفلتي ..اجلسي اريد ان اتكلم معك قليلاً
اومأت حبيبة واخذت تنظر لخالتها بتركيز منتظرة اياها ان تتكلم
تنحنحت سعاد واخذت تبتسم برقة وهي تهمس داخلها ..سامحك الله زهير لماذا انت عديم الصبر هكذا !!
- حسناً ... حبيبتي ... اريدك ان تخبريني يا حبيبة ..لا تكذبي علي !! اجيبي دون مراوغة ... هل انت غير موافقة على الارتباط بزهير ؟!
فتحت حبيبها فمها لترد الا ان سعاد اوقفتها قائلة
- قبل ان تردي ... اريد ان اقول لك شيئاً مهماً ... لا تفكري او يخطر ببالك اني ممكن اغضب او اتغير ان رفضتيه ...صدقيني حبيبة ...الامر يخصك انت فقط ..هو قرارك وحدك .. انت ابنتي ..ابنتي افهمتِ ..والام لا تغضب من ابنتها ابداً ومهما كان السبب !
تنهدت حبيبة واسبلت اهدابها ...برقة ...اللون الوردي زحف ليغطي سائر وجهها .... الخجل تمكن منها لم تعرف كيف تخبر خالتها بموافقتها ... الحقيقة هي انها موافقة منذ البداية ..كيف ترفض وهي تحلم به ليلا ونهاراً ..كيف ترفض وزهير هو حب حياتها الوحيد ..لكنها ارادت بعض الوقت فقط من اجل كرامتها وكبريائها اولا ثم لتعلم زهير كيف يصبر قليلا بدل اندفاعه وتسرعه المستمر
قطبت سعاد وقالت بهدوء
- هل انت غير موافقة على الزواج وتخجلين من قولها لي ؟!
هزت رأسها وابتسمت بحرج وهي ترفرف بأهدابها هامسة
- اممم كلا خالتي انا ...حسناً ..انا ...
اتسعت ابتسامة سعاد وقالت بمكر
- انت ماذا حبيبة ....
اطرقت حبيبة رأسها وهي تفرك يدها بتوتر بينما اخذت تقضم شفتها السفلى ... لاتعرف كيف تخرج كلمة موافقة التي كانت تتأرجح على حافة لسانها .... تنهدت سعاد وهي تدعي الحزن وخيبة الامل ثم وقفت قائلة
- حسناً وصلني جوابك يا ابنتي انت غير موافقة !! س
امسكت حبيبة ذراع خالتها وقالت بسرعة ولهفة وهي تقف قبالتها
- انتظري خالتي ..انا ..انا ...موافقة ....موافقة على الزواج من زهير
اخيراً قالتها بأنفاس لاهثة وهي متسعة العينين ..لاتعرف كيف خرجت الكلمة من شفتيها ..... احتضنتها سعاد بقوة ثم قبلت وجنتيها وهي تقول بسعادة
- مبارك حبيبتي الف مبارك سأذهب لأبشره المسكين ينتظرني في الصالة وكأنه طالب ينتظر ظهور نتيجة الثانوية !!!
شيعتها حبيبة بنظراتها الخجولة وابتسامته واسعة ... قلبها كان يخفق بجنون وهي تتخيل ما سيفعله زهير عندما يعرف بموافقتها ... لاعبت أصابعها بتوتر ... والسعادة تكتنف حناياها ...همست بصوت خافت
- اااه يا زهير ... لا اصدق ان الحلم البعيد يكاد ان يتحقق اخيراً
.........................
- ماذا قلت !!
قالها زهير وكانه لم يسمع جيداً .... فهو كان يقف امام نافذة الصالة يراقبهما بفضول وترقب .... ملامح حبيبة الخجولة وهي مطرقة الرأس جعل الشك يساورة لوهلة غير ان قلبه بدأ يقفز بسعادة ما ان لمح والدته تحتضنها وتقبلها ...اذن وافقت ..وافقت ..... تنهد براحة واستقبل والدته بأبتسامة واسعة وسعيدة ...
- قلت حبيبة موافقة ..افرح يا زهير افرح
قبل يدي والدته و اجابها وهو يتوجه بخطوات سريعة الى باب الخروج
- لا حرمني الله منك امي ..
هتفت سعاد قائلة وهي تلاحقه بنظراتها الضاحكة
- الى اين يا ولد ..تعال هنا
التفت وهو يبتسم لها ابتسامة ماكرة وسعيدة
- دقائق واعود امي ..عندي مفاجأة !!
..........................
كانت تسير ببطء في الحظيرة بين أروقتها وهي مأخوذة بكل ما تقع عيناها عليه ... الماعز ...الأغنام ..والابقار كل منها لها مكان مخصص بها ... كان من الواضح جداً مقدار الاهتمام والاعتناء بها ...
اما وليد فقد كان يمشي امامها يتفقد المكان بخبرة وانتباه شديدين ... وكأنه بالفعل مهندس زراعي اوطبيب بيطري .... يعطي توجيهاته للعاملين برزانة ..هالة الهيبة والقوة تحيط به ...وكأنه ليس وليد العاشق العابث الذي ينقلب عليه ما ان يكونان وحدهما ! كما انه وسيم جداً بعينيها ... اوسم حتى من عارضي الازياء وممثلي السينما .... حتى وان كان ما يرتديه عبارة عن بنطال جينز قديم وباهت مع قميص رصاصي اللون ذو اكمام قصيرة ! اي شيء يرتديه يليق به ....
تغار عليه وتحبه وهذا ليس بيدها ...تريده لها وحدها .... لو كان الامر يعود لها لعلقت لافته على رقبته كتبت عليها
" هذا الشخص متزوج وممنوع النظر اليه "
هل هي مجنونة !!! هل هي انانية !! ام ربما متملكة ....لايهم ....مهما كان المسمى الذي يطلق على الحالة التي وصلت اليها فهي تعشقه بكل ذره في كيانها ...عشقاً ازلياً لن ينتهي الا بموتها !
استدار ناحيتها قائلا بأبتسامه صغيرة خصها لها فقط
- هل اعجبك المكان ؟!
تقدمت تجاهه بسرعة وامسكت ساعده قائلة بهمس
- ماشاءلله .... كل شيء هنا رائع جدا جداً انت تعتني بهم جيدا يا وليد !
اجابها بهدوء ومعالم الفخر والاعتزاز ظهرت على ملامحه الداكنة
- الحمدلله رب العالمين ... الله وفقني في عملي حتى بت اتقنه واعرف كل ما تحتاجه المزرعة والبستان من نظرة واحده ....
سارا معاً وهو يكمل كلامه قائلا
- يجب الحرص والحذر بكل ما يتعلق بها ..الحيوانات مخلوقات حساسة جداً ... مثلا قطيع الأغنام يجب ان تمنح لها درجات الحرارة والتهوية المناسبة ... لذلك لابد من مراعاة والانتباه لان تكون الحظيرة دافئة في الشتاء ومعتدلة خلال الصيف عند إنشائها .. التحكم التام في كيفية وكمية الأعلاف المقدمة كل يوم عبر بناء نظام علافات محكمة ليمنع ضياعها ... العناية بنظافة الحيوانات بشكل مستمر ...وايضا تعقيم الحظائر أمر مهم جدا على الاقل مرتين في السنة الواحدة

كانت تستمع له بأنتباه وتركيز لكنها توقفت عن السير عندما لفت نظرها منظر جعل قلبها يرتجف بسعادة وهي تصدر تأوه حالم وحنون عندما قالت
- اوووووه وليد تعال انظر ... رباااه ما اجملهم
كان المنظر عبارة عن نعجة ممدده على القش وقد تكور جانبها حملها الصغير .... المشهد زلزل كيانها وجعل قلبها ينبض بعنف .... الأمومة احساس فطري تشعر به كل انثى لا ارادياً ..... تخيلت نفسها وهي تحتضن طفلها الصغير هكذا ... يا الهي كم ستكون سعادتها مكتملة ورائعة ...تنهدت وهي تتقدم نحوهم ثم انحنت لتستند على السور الحديدي بذقنها ...تحدق مأخوذة بسحرهم .... احست بيد وليد على كتفها وهو يقول بتسلية
- البارحة فقط تم ولادتها !!
همست غسق بحب وحنان
- انهما رائعين يا وليد !!!
ضحك ضحكة صغيرة واجابها موافقاً وهو يحتضن كتفها ليقربها منه اكثر
- اجل بالفعل رائعين !
عم الصمت بينهما قليلا وهما لايزالان واقفين يحدقان بالأم ومولودها الجديد وكأنهما ينظران للوحة فنية رائعة وبديعة ... التفت ينظر لوجه زوجته المنبهر بتسلية وحنان ... يتلهم قسماتها الناعمة بلهفة ....وكأنه ينتهز كل ثانية تمر عليه معها لينهل من جمالها الذي لايشبع منه ابداً .... قطع وليد الصمت المطبق قائلا بصوت هامس
- اذا اردت يمكن ان تختاري له اسم !!
استدارت تنظر له بعينان متسعتان من شدة السعادة
- حقاً !!! استطيع ؟؟
اومأ لها بلطف وصمت مؤكداً على كلامه بأبتسامة مشجعة
استدارت تنظر لهما من جديد وهي لاتزال مختبئة تحت ذراع زوجها القوية ... تفكر وتفكر ...فجأة تذكرت صديقة لها في المدرسة الاعدادية كانت تدعى حنان .... كم كانت تحبها وتعتبرها اخت ثالثة لها ... لكنهم سافرو منذ بداية الاحداث الطائفية التي حدثت بالعراق .... منذ ذلك الحين وهي لم تنساها .... حتى مع تعرفها على صديقات اخريات بمراحل عمرها !هتفت قائلة
- حنان ..اسمها حنان على اسم صديقتي !!
حك وليد ذقنه مفكراً لعدة ثوانِ ثم اجابها قائلا
- هو اسم لطيف في الحقيقة ..لكني يا حبيبتي لا يجوز ان نسمي الحيوانات بأسماء البشر اولا هذا حرام ثانياً يعتبر تجريح لمن يحملون هذا الاسم !!
ثم رفع نظراته الفحمية يفهمها بصبر وسعة صدر جعلها تشعر بالخجل الشديد
- وانت فتاة عاقلة وكبيرة وذات عقل راجح لن تكوني سعيدة ان تسببت بجرح شخصاً ما حتى وان لم تتقصدي ذلك !! اليس كذلك زوجتي الذكية !!
هزت رأسها بقوة وثقة وكأنها طفلة مطيعة تسمع كلام والدها بأهتمام
- لالا طبعاً حاشا لله لا اريد جرح مخلق ابداً ..ومعك حق لا يجوز ان نسمي الحيوانات بأسماء البشر ..كانت قلة ذوق مني ....انا غبية حقاً !!
تمتمت مكملة وهي تركز على الحمل الصغير مرة اخرى
- امممممممم سأسميه توتو .. ما رأيك !!!
وافقها قائلا وهو يشدد من احتضان كتفها ويشاركها النظر لحملها الصغير
- احسنت ..هذا اسم جميل جداً احببته !!
دفنت وجهها بصدره ولفت ذراعيها حول خصره بقوة ثم استنشقت رائحته بعمق ووله ....هذا الرجل لها وحدها ..لقد جنت على نفسها كلشان وستعرف كيف تتخلص منها وبطريقتها الخاصة !!!
..........................
......................................

دعيني أقولُ بكلِّ اللغات التي تعرفينَ والتي لا تعرفينَ..
أُحبُّكِ أنتِ..
دعيني أفتّشُ عن مفرداتٍ..
تكون بحجم حنيني إليكِ..

الساعة كانت تمام السابعة مساءاً عندما كان زهير يسحب الشيخ من ذراعه يحثه على المشي قائلا بنفاذ صبر
- هيا شيخي ..هيا بسرعة
ليجيبه الاخير متنهداً بلهاث
- على مهلك يا ولدي ...الدنيا لم تطير ..اصبر قليلا
كان يرافقهم عبد العزيز الذي اضطر لتلبيه طلب زهير عندما وجده واقفاً بعتبه عيادته عندما كان يهم بإغلاقها ليتوجه بعدها للمنزل ...
عندما انتبه زهير لمعالم وجهه تسمر مكانه متسع العينين لا يطرف له جفن .... شعر عبد العزيز بالحرج من تحديقه المبالغ به ...أأأه نفس النظرات ...نفس تعبيرات الوجه ...نفس الصدمة التي يتلقاها من اي شخص يصادفه .... صديق كان ام غريب ..... عندما اطال زهير النظر لوجهه تنحنح عبد العزيز قائلا بصوت محرج
- اهلا زهير كيف حالك !!
عندها فقط افاق زهير من صدمته وتقدم ناحيته ماداً يده ليصافحه وهو لايزال يركز على ملامحه
- رباه ..عبد العزيز ..ماذا حصل لك ..وكيف ومتى !!!
سرد ما اصابه باختصار شديد .... القصة نفسها يرويها على مسامع كل من يصادفه الى ان اصبح يحفظ الكلمات عن ظهر قلب و يسردها دون روح او مشاعر .... محاولا قدر المستطاع ان يبدو امامه لامبالياً ...وكأن ما اصاب عينه ووجهه لم يؤثر على ثقته بشيء ...وعندما انتهى من كلامه هز زهير رأسه آسفاً ومتألماً
- اسف فعلا لما اصابك عبد العزيز ...ثق اني لم اعلم برجوعك الا الان وبالصدفة عندما مررت من امام عيادتك
ابتسم عبد العزيز وقال بلطف
- لابأس عليك زهير ... والان اخبرني ما سبب قدومك لعيادتي !!
تنحنح زهير محرجاً وقال
- لاشيء أنسى يا عزوز ... أنسى الامر وأسف مرة اخرى لإزعاجك !
اراد ان يستدير ليغادر الا ان عبد العزيز امسك ساعده قائلا بمزاح وتسلية
- تعال هنا ... لا تدعي الخجل يا رجل وتكلم ... ان جئت لكي تطلب المال مني .. فأبشرك لازلت للأن متورط بتسديد القرض الذي ادينه للمصرف ..اي انني حرفياً مفلس !

ثم قهقه بخفه ليبتسم زهير قائلا وقد زال بعض حرجة خاصة وان تصرفات عبد العزيز تبدو طبيعية جداً
- لا يا ذكي ..لا اريد المال ..حسنا .. كنت .. اريدك ان تكون شاهداً على عقد قراني !!
حينها خجل من الرفض ... لم يكن مستعداً لمواجه تبارك مرة أخرى ... لا يرد ان يلمح النظرات المصدومة المشفقة بعينها السوداء ابداً .... اومأ بالموافقة وأغلق عيادته ثم رافقه في الحال
عاد من شروده وهو ينظر للشيخ المسن قائلا بمزاح
- لا بأس شيخنا الرجل مستعجل جداً اعذره
ليؤكد زهير قائلا وقد وصلا لباب الصالة
- اجل اجل والله اني مستعجل اكثر مما تتصور شيخي
عندما دلف للصالة هب وليدو اقفاً بذهول وصدمة ....وهو يرى زهير يتقدم ممسكاً ذراع شيخ الجامع المسكين الذي كان يلهث بتعب....... فقد اتصل به زهير قبل نصف ساعة طالباً منه ان ينتظره في المنزل لأمر هام جداً وضروري لا يحتمل التأجيل .... لكن ذهوله وصدمته بعبد العزيز كان اكبر وأقوى ... تقدم بسرعة مرحباً بالضيفين ثم التفت ناحية عبد العزيز ينظر له بعدم تصديق قائلا وهو يهم باحتضانه
- عبد العزيز !!!!! خير ان شاء لله مالذي اصابك !!!
تنهد عبد العزيز قائلا بصوت منخفض
- الموضوع يطول شرحه يا وليد اخبرك به لاحقاً
اومأ وليد بتفهم وهو لازال يتفحص وجه صديقة النصف محروق وعينه المفقوعة بنظرات متعاطفة مشفقة ..... هو بالفعل كان يعرف بسفره ...لكنه لم يعلم متى عاد بالضبط حتى انه اتصل بهاتفه مراراً وتكراراً ولم يجد رداً فقد كان لايزال مغلقاً !
قال بصوت هامس
- لنا كلام طويل جدا معا يا عزيز لكن بعد ان نرى ما ينوي فعله هذا المجنون !
هتف زهير وهو يساعد الشيخ على الجلوس
- سأذهب لاعطي خبر لأمي لكي تتجهز
قطب وليد مستغرباً ما دخل والدته برجل الدين هذا ؟؟ تقدم ناحيته قائلا بعدم فهم
- تعال هنا وعلى رسلك قليلا دخلت المنزل كالعاصفة الهوجاء .... افهمني مالذي يجري هنا بالضبط !!!
سحبه زهير عدة خطوات وقال موضحاً بأقتضاب
- سأكتب كتابي على حبيبة ! وانت وعبد العزيز ستكونان شاهدين !!
ارجع وليد رسه الى الوراء وهتف مستنكراً
- الان ! تكتب كتابك الان وبهذه الطريقة !! الا تعير احتراماً لاحد في هذ المنزل!!!!!
اجابه زهير متنهداً وهو يهمس بضعف
- ارجوك وليد افهمني ..احبها وأريد ..ان ..ان ...انت تعرف اكون على راحتي معها لا استطيع الصبر لشهر او شهرين اخرين !!! على الاقل اعقد عليها الان ونتزوج على مهل
اجابه وليد بنفاذ صبر وهو ليقي نظرة على الضيفين الجالسين في الصالة
- ومن قال ان ابنة خالتك موافقة !!
اجابه زوهير بحماس وسعادة
- موافقة موافقة ..وهل كنت ساحضر الشيخ والشاهد الذي سيشهد على العقد معك دون ان املأ يدي من هذا الامر !! والان اتركني اذهب لاخبر امي ..... واذهب لكي تجلس معهم لايجوز تركهم هكذا !
تركه وغادر الصالة مسرعة تحت انظار وليد الذي هز رأسه بلا حول ولا قوة وهو مذهول من تصرفات شقيقة الطائشة المتهورة ! حتى وان عارض طريقه عقد القران هذا فالاعتراض لن يفيده بشيء فالشيخ والشاهد يجلسان في الصالة ! تنهد وعاد ليجلس مع ضيوفه وهو يشعر وكأنه قد حوصر بين المطرقة والسندان ..لقد وضعه زهير امام الامر الواقع ولا مناص من تنفيد رغبته !!!
...................
...................................
- ماذا !!!
همستها حبيبة بخفوت وعيناها البنية متسعة للغاية ...هذا المجنون ماذا فعل !! عندما اخبرت خالتها عن موافقتها لم تظن انه سيتصرف بهذا الشكل السريع وكأنه كان يقف يستمع لها خلف الباب !!!
اجابت سعاد متنهده .. وهي تتوجه الى الدولاب تختار لحبيبة فستان يليق ترتديه لهذه المناسبة
- مثل ما سمعتي ... زهير احضر الشيخ لكي يكتب الكتاب يرافقهم عبد العزيز ..هيا حبيبتي تعالي لكي اجهزك ...
ما ان سمعت اسمه حتى رفعت تبارك رأسها بسرعة واخذ قلبها بخفق بشدة ... لم تعرف كيف تتصرف ....اذن فهو موجود في الاسفل الان !!! اغمضت عينها وتنهدت بخفوت .... سمعت والدتها تأمرها بلطف
- هيا تبارك تجهزي ... وانت ايضاً رضاب وتعالا لتساعداني في اعداد العصير والحلويات للضيوف
لتكمل وهي تخرج فستان زيتوني اللون ضيق من الاعلى ومتسع من الاسفل مع حجاب تداخل به اللونين الزيتوني والكريمي ..تحت أنظار الفتيات الذهلات اللاتي كن يراقبن ما تفعله سعاد بأفواه مفتوحة
- لم ارغب ان يتم الامر بهذا الشكل السريع لكن ماذا اقول .... اخيك زهير مجنون ومتهور وضعنا امام الامر الواقع
ثم التفتت تنظر لحبيبة قائلة بفخر
- هيا حبيبة تجهزي اليوم هو يومك حبيبتي الف مبارك
وقبل ان تخرج مسرعة من الغرفة قالت
- ساعديها تبارك والحقا بي الى الاسفل
كانت مشاعر حبيبة متضاربة فهي سعيدة وغاضبة بنفس الوقت .... لكن مشاعر السعادة كانت هي الغالبة عليها .... فهي للأن لا تصدق انها اخيراً سترتبط بزهير ...ستكون زوجته .... شعرت وكأنها تعيش حلم جميل ... سيكون زوجها .... زهير اخيراً سيكون زوجها !!!!!!!
ساعدتها تبارك بوضع مستحضرات التجميل البسيطة .... كما لفت لها الحجاب بطريقة رائعة ... رضاب كانت تراقبهم بذهن شارد ووجه شاحب تفكر بما قالته لها الطبيبة .... فهي قد طلبت من تبارك ان تأخذها الى الطبيبة ... كانت تحتاج للتكلم معها ...تحتاج لا تفضي بمكنونات صدرها لأحد ما .... لم تستطع التكلم مع حبيبة ولا مع تبارك او غسق ... احتاجت الى شخص لا يعرفها ...شخص غريب عنها لكي تتحدث براحة وحرية ....
للأن هي حائرة حقاً لا تعرف ما عليها فعله ...منذ ان اخبرتها خالتها بشأن معاذ وهي لا تنفك عن التفكير .... متأرجحة بين القبول والرفض .... فهي ترغب بالموافقه من اجل ملك كما انها مترددة وخائفة من تجربه الزواج نفسها !!
تنهدت بضعف وهي تعاود النظر لحبيبة ...تحاول رسم ابتسامة صغيرة على شفتيها ... يجب ان تشارك شقيقتها سعادتها .... تضرعت الى الله في سرها ان يوفقها بحياتها القادمة مع زهير ويعطيها السعادة التي لم ولن تجدها هي وتحصل يوماً ابداً
..........................
.......................................
تم كل شيء بسرعة جنونية ... رددا خلف الشيخ الكلمات والجمل المتعارف عليها ... واصبحت له بالفعل ...عندما نطق الشيخ جملته الاخيرة " بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما بخير " تنهد براحة وكأن ثقل الجبال ازيل عن ظهره ....
ثم اخذ ينظر لها بمكر ...ينهل من جمال وجهها وهي ترتدي هذا الحجاب الذي عكس صفاء بشرتها المتوهجة احمراراً .... يعد الثواني لكي ينفرد بها ويمتلك هذه الشفتين اللتين سلبتا العقل منه .... ما ان سمع والدته تقول موافقة لم يكذب خبراً .... ذهب بسرعة البرق لكي يحضر الشيخ ...اليوم ستكون زوجته وليحدث ما يحدث .. الكل سيوافق ورغماً عنه ...وقد كان ....هاهي ورقة زواجهم يمسكها بيده ...و زوجته تقف امامه مرتبكة ...ياااسلام ..هل يوجد سعادة يمكن ان يحصل عليها اكثر من هذه ! الان هو مرتااااح البال .... وكأن قالب كبير من الثلج وضع فوق نيران قلبه التي كانت مشتعلة غيرة وعذاباً عليها .... الان هي زوجته وهو ولي امرها الوحيد ....
عاد يحدق بها وجهها كان يشع احمراراً وخجلا ... همس داخله متوعداً بمكر ... حسناً حبيبة لم تري شيء مني بعد لكي تصابي بالخجل ... فقط لو تعرفين ما انوي فعله معك لكنت اختفيتي من الخجل !
ذهبت حبيبة مع تبارك وغسق ورضاب الى الغرفة المجاورة وهي تحاول قدر استطاعتها ان تشغل نفسها عن التفكير بزهير وبما جرى قبل قليل .... عندما قال كلمه موافق شعرت وكأن الدماء تفور فوراناً بجسدها .... بل وكأن هناك قوة خفية ساحره التفت حولهما هي وزهير فقط .... نظراتهما تلاقت وكأنهما الوحيدان في الصالة ... عضت شفتها وهي تتذكر كيف كور شفتيه الشهوانيتين وبعث لها قبله هوائية صغير مع غمزة وقحة ومتوعدة ! الحمدلله لم ينتبه له احد ! منحرف ووقح ليس بيده !!!

.............................
.................................................. .

دلفت لغرفة نومه وهي تحمل صينيه صغيرة تضع عليها دواء للصداع مع كأس من الماء ... زفرت بضيق وهي تهمس داخلها متذمرة هل من الضروري ان أحضره له بنفسي !! فبعد ان غادر الضيوف وانتهى الاحتفال الصغير الذي قامت به خالتها والخالة سعدية بالتعاون مع الفتيات الثلات طلبت منها ان تاخذ الدواء لزهير ! من اين اتاه الصداع فجأة قبل قليل لم يكن يعاني من شيء فقد كان بوزع ابتساماته الواسعه هنا وهناك !!!
لولا الحاح خالتها لما اقدمت على ان تخطو داخل غرفته خطوة واحدة !
نظرت له بفضول ... كان ينام على الفراش منزلاً ساقيه على الارض ..يغطي عينيه بساعده .... الازرار الاولى من قميصه مفتوحه ...وانفاسه منتظمة ...ربما هو نائم الان !!! تمتمتها براحة وصوت منخفض وهي تنحني لتضع الصينيه على الطاولة القريبة من الباب ...الا ان صوته القوي اجفلها حتى كادت ان توقع الصينيه من يدها حين قال آمراً بغرور
- لالا ..لا تضعيها هناك لا استطيع الوقوف رأسي يؤلمني هاتيه هنا على هذه المنضدة
ثم اشار للمنضدة الموضوعه بجانب السرير ...اومأت قائلة بنفاذ صبر وارتباك
- حاضر
منذ انتهاء الحفلة وهي اختفت من امامه كلمح البصر .... لم يكن ليدع هذه الليلة تمضي على خير دون ان يتذوق شفتيها ...سيكون ملعوناً لو فعلها !! ذهب لوالدته التي كانت تقف امام المجلى وقال بتعب مصطنع وهو يمسد جبينه بأرهاق
- امي ..رأسي يؤلمني جداً .... أريد دواء للصداع مع فنجان من القهوة !
اجابت والدته ببراءة تامة وهي تلتفت لتنظر له بأهتمام
- تعال اجلس وحالا سأعدها لك !!
هتف بسرعة قائلا
- لالا ...انا سأذهب لغرفتي ولتحضره حبيبة لي ..ارجوك اماه !!
رفعت سعاد حاجبيها بتعجب وابتسامة ماكرة ارتسمت على شفتيها ربما عرفت ما يفكر به !! لكن لالا كيف لها ان تعرف بأنه ينوي الانتقام عشقاً من حبيبة !! اجابته بهدوء وقالت
- حاضر يا ولدي الان سأبعث القهوة ودواء الصداع مع حبيبة .... من عيوني !

تقدمت بخطوات مترددة تحت انظاره المنتبهه لها ...لتنحني وتضعها الى جانبه وما ان حاولت الاعتدال حتى امسك معصمها بقوة وكأنه نمر اقتنص فريسته المسكينة الساذجة .... مبتسماً ابتسامة ماكرة وواسعة وهو يقول بأنتصار
- اخيرااااااا امسكت بك ايتها الفأرة الهاربة الجبانة !!
حاولت سحب معصمها وهي تقول بخوف وخجل شديدين
- اتركني زهير .. اتركني والا ..والا ...
اعتدل جالساً وهو لايزال ممسكاً بها ليجيبها متهكماً من ضعفها بين يديه وكأنه عصفورة صغيرة مبلله وشهية
- والا ماذا حبيبة خانم !! ماذا ستفعلين !!! هل ستصرخين وتجعلين كل من في المنزل يأتي ليرى ما افعله معك !!!
لوت ذراعها بينما قلبها يخفق بشدة ... قالت بجراءة وشجاعة مزيفة
- اتركني زهير انت وقح وعديم الحياء لن ادخل غرفتك مرة اخرى ابداً
سحبها بسهولة شديدة ليجلسها على فخذه بينما ذراعه التفت حول خصرها بقوة ...وجهه كان قريباً من وجهها وهي تحاول الابتعاد عنه ودفع صدره بأستماته ليجيبها بخبث
- وهل دخول الحمام مثل خروجه يا نور عيني !!!
اتسعت عيناها بذهول وهي تشعر بالحيرة والارتباك ..ماذا دهاه هل جن هذا الرجل !! همست قائلة بصوت حاولت ان تجعله مؤنباً ومعاتباً عله يشعر بأفعاله المحرجة ويتركها تغادر بسلام
- مابك زهير مالذي جرى لك وغيرك !! انت لم تكن قليل الادب هكذا !!
سحب نفسا عميقا واجابها بصدق وهو يدعي الاسف بينما يده لم تهدأ من لمس مفاتنها بجراءة وبطء جعلها تشعر بالارتباك والتوتر
- لاني سابقاً لم اكن افكر بك كما افكر بك الان ..نظرتي لك تغيرت ...زهير المؤدب بح .. طار ذهب مع الريح ولن يعود ابداً !!!
فتحت فمها ورددت بغباء وعدم فهم وقد استكانت واخذت تحدق فيه مقطبة
- ماذا تقصد !! كيف تفكر بي زهير لم افهمك!!
اجابها وهو يطوق خصرها اكثر قبل ان يلتقط شفتيها بنهم
- الأفضل ان لا تفهمي لانك لو فهمتي سيخدش حيائك !!
وبحركة مباغته وسريعة قلبها على الفراش وهو لايزال يلتهم شفتيها بقوة ....دفعت صدره عنها وهي تحاول التقاط انفاسها المسلوبة بينما جسدها يرتجف وقلبها يخفق بعنف ....آنت بخفوت وهي تحرك راسها يميناً ويساراً ... كانت يداه تعبث بجسدها بحميمة بالغة ... ادخل أحدى يديه تحت قميص نومها العلوي الذي طبع عليه رسوم كارتونية مضحكة ... يلمس بشرة خصرها الدافئ ويصعد رويداً رويداً الى صدرها العارم ... يضغط عليه بقوة ولهفة .... تركها ليلتقط انفاسه وصدره يعلو ويهبط بسرعة وجنون .... همست بخفوت وخجل
- يكفي زهير ..اتركني اذهب ارجوك !!!
هز رأسه قائلا بعناد واصرار
- ليس بعد ...لم اشبع منك حبيبة ...ماذا فعلت بي لتجعليني جائع اليك بهذا الشكل المثير للشفقة !!!
همست بشفاه متورمة حمراء ومرتجفة
- لايجوز ماتفعله يا زهير !!!
ليجيبها مؤكدا بهمس مبحوح وهو يخرج يده ليبدأ بتمرير اصابعه على خط فكها وطرف شفتها السفلى ..
- بل يجوز يا حبيبة يجوز فعلا ...ورقة زواجنا هاهنا ..لاتزال طازجة في جيب سترتي ..اضعها بعيني كل من يقول حرام اختلائك بزوجتك ...اسمعت .. زوجتك ..زوجتك ..وانت الان زوجتي ...
لم تركز حقاً بما يفعله ..بل كان تركيزها منصباً على هذا الوجه الوسيم الآسر الذي طالما زار احلامها ...ليلا ونهاراً ...كيف هو قريب منها لهذا الدرجة ..كيف باتت تشعر بكل عضلة صلبة في جسده الضخم الجاثم فوقها تضغط عليها بحميمية ... كيف تستنشق هذه الرائحة الرجولية الممتزجة برائحة جسده القوي .... هل مايحدث الان هو حقيقي ام حلم !!!!!
عاد ليقبلها من جديد ..يقبل كل انش من وجهها ... مقدمة صدرها المكتنز الذي ظهر له بعد ان فتح السحاب من مقدمة قميصها المحتشم .... طار صوابه ... وهو غير مصدق الى ان تلك العصفورة الناعمة اصبحت ملكة يفعل بها ما يشاء ..ولا احد مطلقاً له الحق بالاعتراض او الرفض ... اجبرها جبراً على الاستجابه لمطالبة المشروعة .... اثملها وجعلها كالدائخة تنظر له بعينان ناعستان .... اطرافها مخدرة ...لاتقوى على دفعه .. بل كل مافيها اصبح يتحرك عكس ماتريد ....امسكت كتفه بأصابعها الرقيقة ودفنت وجهها بتجويف رقبته ..طبعت قبلة صغيرة هناك وياليتها لم تفعل فقد اخرجت بفعلتها تلك المارد النائم داخله وجعلته يتهور ويتمادى اكثر واكثر !!! كان يقبلها هامساً من بين قبلة واخرى ..احبك ..احبك ..اعشق صغيرتي ...فتح حجابها واخذ يقبل عنقها بحرية اكثر وهو يقول
- لماذا ترتدين الحجاب !!! لا اريد ان اراه منذ الان وصاعداً انا زوجك وكل مافيك اصبح لي

تقدمت سعاد ناحية غرفة زهير .... لقد اطالت حبيبة المكوث هناك !!! ااااخ منك يا زهير ..كانت تعرف أن رأسه لا يؤلمه ..هي فقط حجة اتخذها لينفرد بحبيبة .... وهذا من حقه ...فهي لاذت بالفرار ما ان انتهى الشيخ من عقد القران وجلست معهم طوال الوقت .... والظاهر ولدها متلهف للاختلاء بزوجته .... هي عذرته لكن يبدو انه سيتمادى كثيراً ويتعبها !!!!
طرقت الباب قائلة
- حبيبة هل انت موجودة هناك !!
نفس هذا المشهد تكرر عليها مرة اخرى ..اولا وليد والان زهير ...مالذي جرى لأبنائها ...وكأنها تكتشف جانب اخر منهما لم تكن تعرفه سابقاً ...لكنها لاتنكر سعادتها وراحتها وهي تلمس سعادتهم وراحتهم ....
فتح زهير الباب وهو يبتسم لوالدته ببراءة تامة بينما اصابعه تمشط شعره الكثيف من الجهتين
- كنت اتحدث معها عن مستلزمات الزواج امي !!!
اومأت وهي تنظر لحبيبة التي كانت محمرة الوجه تعدل حجابها بأرتباك شديد لتهمس بتعلثم وحرج
- ا..جل .خالتي ..كما قال بالضبط ... تحدثنا ...عن ..عن ...مستلزمات الزفاف !
اومأت سعاد وهي تنقل نظراتها بينهما بتفحص وتركيز
- حسناً حبيبتي اذهبِ لغرفتك الان الوقت تأخر
غمغمت حبيبة بتحية المساء وانطلقت مسرعة تخرج من الغرفة وكأن الاشباح تلاحقها ...تمطى زهير قائلا بنعاس بينما جسده للأن تتحكم به الرغبة لأمتلاك شفتيها ولمس جسدها من جديد
- وانا ايضاً اشعر بالنعاس ...تصبحين على خير يا حاجة !
قالت والدته توقفه
- تعال هنا لا تظنني غافله عما كنت تفعله بحبيبة !!
جلس على طرف الفراش وقال مدعياً عدم الفهم
- لا افهم ما تقصدين يا امي ؟!
تقدمت وهي تلوي شفتها بسخريه بينما كتفت ذراعيها على صدرها بأصرار
- لاتدعي البرائة زهير .... كلانا نعرف ما اقصده ... يا ولدي اصبر ..اصبر وان شاء لله سأزوجها لك نهاية هذا الشهر !
هتف باستنكار
- نهاية الشهر !!! وهل تريديني ان اصبر الى نهاية الشهر ؟!! ثم حبيبة زوجتي شرعاً استطيع الان امتلاكها دون ان .....
قاطعته والدته بصبر وهدوء
- اعرف انها زوجتك ...لكن ياولدي الزواج اشهار وانت لم تشهر زواجك بعد !!
اجابها بأريحية وقد ارتخت ولانت ملامحه وظهرت التسلية بعينيه الكحيلتان
- غداً سأحضر مكرفون وادور في الشوارع معلناً زواجي من حبيبة قد تم هل يرضيك ذلك !!
رفعت سعاد حاجبها وقالت
- انا لا امزح على فكرة !!!
ليجيبها وهو يتخلص من حذائه
- وانا ايضاً لا امزح ...اخبريني ما علي فعله وانا سأفعله حالاً ....
لينظر لها قائلا بجدية
- اريدها امي ...اريدها الى جانبي ولا طاقة لي للصبر والانتظار !!
تقدمت سعاد وربتت على كتفه قائلة بطيبة
- انتظر اسبوعان او ثلاث فقط ...البنت بحاجة الى جهاز وملابس والكثير من الأمور التي تجهلها انت ....ثم هي عروس ..ومن حقها ان تتجهز كما يجب !!! لا اريد ظلمها يا زهير البنت يتيمة وامانة في اعناقنا .... وانا لن اقصر معها ...حتى لو كان على حسابك ...
والدته محقة تماماً للأسف الشديد .... وهو ايضاً لايريد ظلمها ...بل جل مايريده هو ان تكون حبيبة سعيدة وان لاتشعر بالنقص او انها محرومة من شيء خاصة وان والدتها لم ترفع الهاتف لتسأل عنها وعن رضاب ولو لمرة واحدة خلال الأشهر الماضية ..وكأنها كانت تتحين الفرصة للتخلص منهم
- حسناً امي كما تريدين سأصبر اسبوعين فقط لاغير !!!
لتأمره والدته بلهجة صارمة
- ولن تنفرد بها بتاتاً وتحت اي ظرف !!!
هتف مستنكر بقوة
- ولماذا لا انفرد بها !! هل انا وحش سيلتهمها !!!!!
اجابته سعاد بسخرية
- كلا لست وحشاً لكنك متسرع ومندفع .... وانا لا اثق بتصرفاتك الطائشة التي بت لا اخمنها ابداً..والان عدني بأنك لن تنفرد بها اوتطلب منها الحضور لغرفتك ! والا طردتك الى شقتك تبقى هناك الى ان يتم الزفاف !!
هم ليجيبها معترضاً الا انها رفعت يدها لتوقفه قائلى بلهجة امرة
- عدني يا زهير !!!!
تنهد مقطباً بصبيانية وهو يزم شفتيه برفض وعدم قبول ...الا انه قال بعد صمت دام لثوانِ
- اعدك امي اعدك لكني لن اعدك بأبعاد يدي عنها او تقبيلها ان رأيتها في ارجاء المنزل !
ضيقت عينيها واخذت تنظر له ببرود وكأنها تقول ومالذي استفدته من وعدك !! وكأنه شعر بما يخالجها ليسارع بالتبرير والتوضيح
- قبلات بريئة ..بريئة جداً اقسم لك !
تنهدت باستسلام ...هي مرغمة على القبول خاصة وانها الان اصبحت زوجته شرعاً ... ابتسمت له ابتسامة ذات مخزى ثم ربتت على كتفه قائلة بتعمد وهي تشدد على كلامها
- بارك الله بك يا نور عيني ... انا متأكدة من انك ستكون حريصاً عليها اكثر منا جميعاً !
قطب حاجبيه وقال بثقة و رجولة
- بالتأكيد ..لاتشكي في هذا ابداً ..حبيبة شرفي وعرضي يا اماه ... ادافع عنها وافديها بروحي !
تنهدت براحة ...الان هي فعلا مطمئنة على حبيبة ... واصبحت على يقين بأن ولدها بات رجلا يعتمد عليه بصدق ..اجابت بحنان
- وانا اثق بك يا زهير ...تصبح على خير يا ولدي ...احلام سعيدة !

تابع خطوات والدته وهي تخرج من غرفته مغلقة الباب ورائها بهدوء
- ومن اين يأتيني الخير والاحلام السعيدة وحبيبة بعيدة عني !!! صبرني يارب !
...............................
عندما تقدمت وانحنت لتقدم له العصير سمع همسها الخافت وهي تلقي عليه السلام .... لم يستطع السيطرة على نظراته من ان تنجرف على وجهها برعونة ولهفة ...تبارك الناعمة ...قريبة منه وبعيدة عنه بنفس الوقت ...بعيدة بعد النجوم عن الارض ! كانت ترتدي فستان بلون الكرز وحجاب اسود لائم وجهها الخمري الناعم ! رباه كمبدت جميلة ورائعة ! ابتسم ساخراً وهويهمس بخوف ... اجل يا عبد العزيز ...جميلة ورائعة ومحرمة عليه !
هتف صوت قوي داخله ...انت من تجعلها محرمه عليك ... انت من تبعدها عنك بعنادك وبرودك ! هز رأسه وهو يجيب نفسه بخفوت ...كلا ..كلا لقد ابعدتها عني من اجلها هي ...قسماً بالله من اجلها هي !!
ثم هو تصرف بحكمة ...قبل ان يحرجها وتتركه مختلقه أعذار واهية هو يعرف انها غير حقيقية ....تركها لتجد نصيباً افضل ..مع رجل يستحقها ...يسعدها ويقدرها
الوقت بوجودها كان يسير ببطء شديد .... كان يشعر بها وهي تختلس ناحيته النظرات ....لم يعرف ان كانت نظرات مشفقة ام محبه ... ااه يا تبارك ... لا اعرف حقاً لما الدنيا تسرق مني كل ما احبه ...كنت ولازلت اغلى واجمل احلامي ....ظننت ان الحياة ابتسمت لي ...ظننت اني اخيراً سأجد الراحة معك .... لكني كان يجب ان لا اثق بالبدايات ...لأن النهايات دائما ما تكون صادمة !!!
عاد من شروده على صوت وليد الذي كان يقترب منه وهو يحمل صينيه وضعت عليها صحن من الحلويات والعصير
- والان اخبرني بكل ما جرى معك يا عبد العزيز ؟؟
قالها وهو يضع الصينيه على الطاولة الدائرية في الحديقة ثم تقدم ليجلس جانبه على الكرسي المقابل له ...تنهد عبد العزيز بتعب وانهاك نفسي مستنزف ليسرد له بالتفصل كل ما جرى .... كان يشعر بالاختناق مع كل كلمه ينطقها وكل مشهد يتذكره .... وكأن رائحة الدماء الممزوجة براحة البارود قد استوطنت رئتيه ....
عندما انهى كلامه عم الصمت بينهما .... صوت الحشرات الليلية كانت تتصاعد في الحديقة ... قطب وليد متجهماً غاضباً وكأنه اختار الصمت ليعبر عما يجيش في صدره من الم وقهر على حال بلاده وحال الشباب الابرياء الذين يرمون بأحضان الموت دون ذنب يرتكبوه ..... حقاً لم يجد الكلمات المناسبة التي ممكن ان يقولها ....
همس عبد العزيز بيأس
- ما ينهكني الان يا وليد هي نظرة الناس لي ...
قطب وليد متسائلا وهو يعتدل بجلسته
- مابها نظرت الناس ياعزيز ؟
- الشفقة يا وليد ...نظرات الشفقة تطعنني بالصميم .... ربما اكثر من نظرات الخوف والقرف ! بت اشعر بالخجل منها !!
هز وليد رأسه وقال بهدوء وحكمة
- هذه الجراح التي تحملها على وجهك يا عبد العزيز يجب ان تفخر بها ..فهي وسام شجاعة ورجولة تضعها على صدرك ...
كان عبد العزيز يستمع له بصمت مدقع ... عينه جامده على الارض ....كل كلمة قالها وليد لم تحرك ذرة واحدة من مشاعره المتعبة .... لماذا يصيبه هذا التلبد !! لماذا لم يعد هناك شيء يرضيه او يخفف عنه !! هل فقد جزء من مشاعره في ذلك الانفجار ! اكمل وليد كلامه المشجع الذي كان يثير داخله المزيد من السخرية والثراء على نفسه وما آلت اليه احواله
- انت لازلت شاباً يا عبد العزيز والحياة امامك طويلة ..انسى الماضي وابدأ في بناء مستقبلك من جديد ...تزوج وكون عائلة و ..
قاطعه عبد العزيز وهو يرفع نظراته المتهكمة قائلا بمرار
- عائلة ؟؟ أكون عائلة ؟؟
اومأ وليد مؤكداً كلامه بلطف بينما ينظر بتعجب واستغراب الى ملامح عبد العزيز الجامدة الساخرة ...ونظراته الباردة التي يكاد يقسم بأن برودته تشابه برودة محيط من الجليد
- اجل يا عبد العزيز ... تتزوج و تكون عائلة ... مابك ؟! الاتريد ان يكون لك اطفالاً يستقبلوك عند عودتك من العمل !!! زوجة محبة تشاطرك الحياة بحلوها ومرها تكون لك السند والرفيقة لبقية حياتك !!!!!
رفع عبد العزيز عينا المتألمة واجابه بنبرة مريرة تحمل بطياتها البؤس واليأس
- لنتكلم بصراحة يا وليد ..... من هي المرأة التي ستوافق على الزواج من شخص معوق ... ذو وجه نصف محترق مثلي !!!!
اجابه وليد وهو مقطب الحاجبين
- اية عائلة ستفخر وترحب بنسبك يا عبد العزيز لاتستهن بنفسك ... ابدا لم يقاس الرجال بأشكالهم ولا بأموالهم ولا الوانهم او مذاهبهم ...انما يقاسون بالرجولة والشهامة والشجاعة ...وجميع تلك الصفات تتوفر لديك يا صديقي ... فلا تبتئس وتفاءل للحياة !
ابتسم ساخراً من كلامه واخذ يحدق امامه صامتاً ...وهو يهمس داخله ..ترى يا وليد هل سيكون هذا ردك لو طلبت يد تبارك منك !!!!! هل ستوافق على زواج شقيقتك الوحيدة من رجل مشوه الوجه لا يملك الا قوت يومه ليعيش ويحيا به !!!! اشك بذلك .... الكلام سهل جداً .... لكن الفعل شيء اخر وهو من المستحيل ان يعرض نفسه للأهانة والاستصغار مهما بلغ مقدار حبه السري لتبارك !
.......................
...................................
كانت تقف ام ام المرأة تمشط شعرها وهي تبتسم ابتسامة ساحرة .... هذا النهار كان مليئاً بالمفاجآت السعيدة لا يعكره الا وجود المهندسة كلشان الان ستفاتح زوجها بأمر التخلص منها نهائياً واستبدالها بمهندس زراعي .... ووليد لن يرفض هي متأكدة !
حسناً فعلا تثق بوليد ثقه عمياء لكن غيرتها نابعه من عمق حبها له ... منذ ان رأتها والنار تنشب وتتصاعد داخل صدرها بقوة .... وليد يتصرف معها بطيبة واخوية وما ادراها ان شعور تلك المرأة سيكون اخوياً ايضاً !!!!!
لالا ...هي لن تستطيع العيش ودوامة الشك تبتلعها كل يوم .... يجب ان تضع حداً لقلقها المبكر هذا ...استئصال المرض وهو في بدايته افضل من الانتظار الخطر ....
دلف وليد الى الداخل بتعب وهو ينشف شعره المبلل بالمنشفة ... كان يرتدي بجامة سوداء مع ملابس داخليه علوية بيضاء اللون ... توجه ليجلس على طرف الفراش ... اسرعت غسق وجلست جانبه وهي تبتسم له بتوتر ... عيناها القلقتان أخبرته بأن هناك امرا ما يجول بخاطرها .... رمى المنشفة على الكرسي والتفت ينظر لها قائلا
- هل تريدين ان تقولي شيئاً ما يا غسق ؟!
ابتسمت بتوتر ثم شجعت نفسها وقالت بسرعة
- متى ستوقفها عن العمل !
قطب وهو ينظر لها بأهتمام وتساؤل
- ومن هي التي سأوقفها يا غسق ؟!
- المهندسة .... المهندسة التي تعمل بمزرعتك ...
اكتسى البرود معالم وجهه ...برود وجمود يماثل جبلا من الجليد ... اجابها قائلا بهدوء قاتل
- اممممم ولماذا اوقفها عن العمل ! مالذي فعلته بالضبط وانا لا علم لي !!!!!
قطبت وهي تعتدل بجلستها ثم وضعت خصله شاردة من شعرها خلف اذنها وقالت بتوتر
- لا اريدها في المزرعة وليد انا ..انا ...لست مطمئنة لوجودها هناك !!
وقف ثم توجه الى النافذة .... صمت مطرقاً لعدة دقائق ...رفعه راسه و شبك يديه خلف ظهره واجابها قائلا
- وهل هذا يعد سبباً كافياً لأطردها يا غسق !!!!!
رفعت عينيها الدامعة وهي تقول بهمس
- اجل ...فأنا اغار عليك يا وليد ..اغار عليك بجنون ...ارجوك ان كنت تحبني
رفع كفه واقفها قائلا بغضب
- يكفي تفاهات وكلاما طفوليا يا غسق ...قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق وانا لن اقطع رزقها بسبب اوهام تدور بعقلك انت فقط !!!!
- ليست اوهام يا وليد ...أرجوك ...اطردها من اجلي
تقدم نحوها وامسك كتفيها قائلا
- مابك غسق هل جننت ....لاااا بل انت مجنونة بالفعل ...كيف تريدين مني ان اطردها هكذا وبدون مبرر او سبب مقنع .... هل اقول لها زوجتي لا ترغب بوجودك هنا لأنها تشعر بالغيرة هل تريني عديم الشخصية والرجولة لهذه الدرجة !!!
اجابته بسرعة ورعونة ودموعها تتساقط من عينيها بغزارة
- ان لم تفعلها من اجلي فأنت فعلا عديم ال..........
توقفت عن الكلام ووضعت يدها على فمها وكأنها أحست بفداحة ما تفوهت به للتو ..ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تنظر لوجه وليد الذي اصبح مظلماً وجامداً برعب حقيقي ... هز رأسه وقال بهدوء مخيف
- حسنا غسق انا عديم الشخصية والرجولة ... شكرا لرأيك الصريح بشخصي !!
تركها وغادر الغرفة بخطوات هادئة ... شرارات الغضب تكاد تقفز من حوله ... تسمرت مكانها تراقب خروجه الحاد وهي تهمس بندم وخوف
- ربااااه مالذي فعلتيه يا غسق ....مالذي فعلتيه !!!!!!!!
.........................
.....................................
ممده على الفراش تنظر للسقف بشرود ... الغرفة كانت شبه مظلمة ... ضوء القمر الفضي يخترق اطراف الستائر ليلقي ظلاله على الحائط المقابل لها ... فروع الاشجار العالية كانت ترسم اشكال غريبة تتحرك تارة مع تحرك الهواء في الخارج ...وتستكين تارة اخرى
دموعها لم تكف عن الهطول ..تكتم انينها بشق الانفس .... تذكرت محادثتها اليوم مع الطبيبة وكيف انهارت بلحظة ضعف واخبرتها بكل شي حينما كانت تجلس امامها .....
انفجرت بعدها ببكاء حاااار ... شهقاتها كانت تدوي في الغرفة .....
في بادئ الامر كانت تبكي بسبب عرض الزواج الذي عرضه عليها معاذ ... كانت كلماتها متقطعة ...لا تعرف ماذا تقول او بماذا تبرر سبب رفضها وترددها ....هزت الطبيبة رأسها ثم هبت واقفه من خلف مكتبها لتتقدم وتجلس على المقعد المقابل لها ... هامسه بهدوء
- يكفي بكاءاً يا رضاب واخبريني ..... هل هناك من يجبرك على الزواج منه ؟!
هزت رضاب رأسها نفياً واجابت بصوت مهزوز
-ل..لا...احد يرغمني على فعل شيء لا اريده .... بالعكس خالتي ووليد متفهمان جدا ... حتى ..حتى ...ان خالتي أكدت لي ان وليد سيوافق على اي قرار اتخذه !!!
قطبت الطبيبة بأستفهام وقالت
- اذن ما المشكلة عزيزتي ...ان كنت لاتريده ارفضيه وكفى !!!!
وهنا لم تتمالك رضاب نفسها ...اخذت تبكي اكثر واكثر ... تبكي بقوة وقهر ..... فهنا مربط الفرس واساس المشكلة ...هي تريده وتشعر بالراحة معه ..لكنها بذات الوقت خائفة ومترددة ....فهي تشعر بأنها لن تسعده ...حياة معاذ معها ستكون مملة وكئيبة ....لم يعد لها شيئاً لتقدمه للأخرين ....
قواها خائره ومشاعرها مستنزفة ...... مخزون طاقتها للعطاء نفذت ...نفذت واختفت نهائياً
همست بصوت مبحوح
- هنا المشكلة دكتوره ..انا ..انا .....انا
مدت الطبيبة يدها ومسدت ركبه رضاب بأمومه وحنان وهي تحثها قائلة
- انت ماذا طفلتي تكلمي ....اعتبريني صديقتك المقربة !
رفعت رضاب عينان حمراويتان دامعتان ....كبحيرتان صافيتان متلألئتان
- انا ....حائرة ....مشوشة ..انا ....اريده واخاف ...اخاف من من ...
اومأت الطبيبة تحثها بصمت لتكمل رضاب بكأبة وحزن
- اخاف من الارتباط وتجربة ما عشته سابقاً مرة اخرى !!!
كتفت الطبيبة ذراعيها على صدرها وقالت بدهاء وفطنة وهي تنظر لها بتركيز بدت وكأنها تتعمد ان تستفزها
- هيا رضاب ...كوني شجاعة واعترفي انك لازلت تحبين زوجك السابق وتنتظرين اليوم الذي سيأتي به راكعاً امامك يطلب الصفح والغفران منك !!!!!
هزت رضاب رأسها بجنون وقالت تستنكر بسرعة وبأنفاس لاهثة
- لاااااااااااااا لااااااااااااااا ليس هذا .......
قاطعتها الطبية وهي تتعمد ان تشدد على كل كلمة تقولها ....كانت تحاول ان تستدرج رضاب لكي تخبرها بكل ما يعتمر بصدرها والذي للان ترفض ان تصرح وتعترف به امامها
- لما تطلقتي منه يا رضاب !!!! هل كان يضربك !
كانت رضاب تنظر لها بعينان متسعتان لايطرف لها جفن ودموعها تهطل على وجنتيها بغزارة لتكمل الطبية كلامها
- يشتمك !!!! يؤذيك عندما يأخذ حقوقه الزوجية منك ؟! ام ربما خانك !!!
ضيقت عينها وقالت بهدوء عندما لاحظت انفاسها التي اخذت تتصاعد بسرعة وجسدها الذي بدأ يرتجف بصورة واضحة جدا
- هل خانك يا رضاب ؟! ان كنت تحبيه لهذه الدرجة سامحيه !!! في وقتنا الحالي اصبحت الخيانة شيء عادي جداً خاصة بعد دخول النت ...مواقع التواصل الاجتماعي ... بعض النساء يسامحن ازواجهن بحجة المحافظة على بيتهن و أولادهن وبعضهن يسامحنهم عندما يقسمون بأن يتوبوا الى الله توبة نصوحة ... يتعهدون على عدم تكرار الخيانة مرة اخرى ...
كانت رضاب تهز رأسها بهذيان ودون ان تشعر بأي شيء اخر سوى القرف والاشمئزاز
- اخبريني رضاب مع من خانك !!! هل كانت صديقتك ؟! قريبه لك ؟! شخص تعرفينه ؟! زوجة صديقه ؟! او...
قاطعتها رضاب بألم ووجهها يتحول لكتله من الشحوب والاصفرار والعرق الغزير تجمع كالبلورات الصغيرة على جبينها وهي تهتف بوجع يدمي القوب
- كانت اميييييييييي ..امييييي ....لقد ..لقد ...خانني مع امي ..كلاهما ...كلامها قاما بقتلي ..كلاهما حطماني ....حطمانييييييي
انهارت وأخذت تبكي بهستيرية وصوت شهقاتها يكاد يخترق جداران الغرفة الصغيرة .... استكانت ملامح الطبيبة واخذت تنظر لرضاب بعينان حنونتان عطوفتان .... كانت على يقين بأن زوجها ووالدتها هما المسئولان عن هذا الغموض والانطواء الي يلف هذه الشابة ..... تقدمت من رضاب ومدت لها منديلا ورقيا وهي تقول بلطف وامومه
- امسحي دموعك يا رضاب ... وكفى بكاءا
التقطت رضاب المنديل واخذت تمسح دموعها التي لم تهدأ على النزول وهي تشعر وكأن السكين المغروس بصدرها تحرك من مكانه واخذ الجرح ينزف من جديد ..هدأت انفاسها ... السكينة حلت عليها وكأنها تخلصت من ثقل كبير كان يجثم على انفاسها ... اجل تكلمت .... تكلمت وارتاحت من هذا العبء ... سحبت نفساً مختنقاً ثم همست وهي لاتزال مطرقة أصابعها تتلاعب بتوتر وتشنج بالمنديل الذي كانت تمسكه بقوة
- دكتورة ...لا ..لا اريد لأي احد ان ..ان ...يعرف ما ...قلته لك الان ...انا ... انا لا استطيع
قاطعتها الطبيبة وهي تضغط على يد رضاب بلطف
- اي كلمة تقال هنا يا رضاب لا تخرج ابداً خارج نطاق هذه الجدران الاربعة ...كل المعلومات الخاصة بالمرضى سرية ...وستبقى سرية الى الأبد
اومأت بخنوع وعم الصمت المدقع في الغرفة لبضعة دقائق .... لتقطعه الطبيبة مرة اخرى وهي تقول بهدوء
- هل تثقين بي يا رضاب !
رفعت رضاب رأسها بدهشة وعيناها متورمتان من البكاء ... انفها شديد الاحمرار وشفتيها لاتزال ترتجف تهدد بموجة جديدة من البكاء .... كانت تنظر للطبية بحيرة وتشوش ...لتردف الطبيبة بأبتسامة ناعمة
- اجيبي هل تثقين بي ؟!
هزت رضاب رأسها بهذيان ودون أدنى إرادة
- اذن غداً صباحاً ان شاء لله سأمر لأخذك إلى مكان يجب ان تزوريه ومن ثم فكري بعرض الزواج بصورة جدية !!

عادت رضاب من رحلة أفكارها وهي تمسح دموعها المنهمرة بيدين باردتين مرتجفتين بينما عينيها لاتزال شاخصة على سقف الغرفة ... لتهمس بسرها
- ترى الى اين ستأخذني الطبيبة وما علاقته ذلك المكان بقرار زواجي من معاذ !!!!!
..................

نهاية الفصل








Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 26-07-19, 10:08 PM   #94

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثلاثون
...............
........................
جلس على الكرسي الخيزراني بتجهم ... غاضباً من تصرفات زوجته التي اصبحت لا تطاق .... لقد ظنها في بادئ الأمر تمزح معه مزاحاً بريئاً .... لكنها تمادت كثيراً .... وكثيراً جداً ... ليس وليد من يسلم زمام اموره لامرأة ... لم يفعلها سابقاً ليفعلها الان !!
هو مقدر ومتفهم غيرتها ...تلك الغيرة العفوية التي تشعر بها اي امرأة على زوجها ....لكن حتى وان كانت تغار هل هذا يعطيها الحق بأن تأمره على طرد انسانه خلوقة لم يرى منها الا كل احترام ونزاهة !!!!
لسانها بات طويلا جداً واصبحت ترد عليه الكلام ....هل لانه يحبها ويدللها ويراعي فرق السن بينهما واختلاف العقلية وطريقة التفكير ... يعطيها الحق بالوقاحة واللسان الطويل !!!!
غسق تحتاج الى بعض الصرامة في معاملته معها ...وهذا بالضبط ما سيفعله في الايام القادمة....
تنهد بتعب واسترخى مرجعاً ظهره على الكرسي ... رفع رأسه الى السماء يحدق الى النجوم البراقة التي كانت ظاهره بوضوح على غير العادة .....
عندما تزوج من غسق فكرة بدل المرة الف ...هل الفارق العمري بينهما سيشكل عائقاً في طريق زواجهما !!!!
حسناً هو ايقن انهما وكأي زوجين طبيعيين يجب ان يمرا ببعض المشاكل شأنهم كشائن اغلب المتزوجين حديثاً ...وقد توقع الصدام معها لكن ان يصل بها الامر الى عدم الاحترام وفرض رأيها بهذه الطريقة ...فهذا ما لن يسمح به اطلاقاً ... فهو ان وافقها الان على طلبها الغير منطقي ستتمادى اكثر واكثر !!
سحب نفساً عميقاً ثم مرر اصابعه بطيات شعره ..... يفكر بكيفيه التعامل الامثل مع زوجته المجنونة ...التي من الظاهر انها ستتعبه معها في الايام القادمه الى ان تتعود على طباعه
في خضم افكاره الهوجاء سمع صوتها الهامس وهي تقول بنبرة معتذرة
- وليد ...انا ..انا ..اسفة ...ارجوك لا تغضب مني

همستها وهي تنظر لرأسه المستند على الكرسي ...كان ينظر الى السماء بصمت .... ملامحه وجهه غير ظاهره لها .... عندما خرج من الغرفة ظنت بانه سيعود بعد بضع دقائق ...انتظرته جالسه على طرف الفراش بتوتر ..كانت تلعن نفسها على تسرعها واندفاعها .. كيف اغضبته ...كيف جرحته بهذا الشكل !!!! يا الهي كادت ان تقول له انت بلا شخصية ولا رجولة !!
مالذي جرى لها بالضبط لاتعرف ..كيف نطقت وتكلمت معه برعونة ووقاحة لا تعرف ايضاً ..كل ما تعرفه ومتأكدة منه هي انها تحبه بجنون وتغار عليه !! مشاعر الغيرة هذه ليست بيدها ابداً !!!
الساعة كانت تشير الى الثالثة والنصف صباحاً ووليد لم يعد بعد ... ارتدت رداءاً محتشماً ولفت الوشاح حول رأسها وقررت الذهاب اليه لكي تعتذر .....
بحثت عنه في الصالة والمطبخ ولم يكن موجوداً ... عندما لمحت باب المطبخ مفتوح قليلا علمت انه يجلس في الحديقة ..ابتلعت ريقها بخجل وحرج وخرجت لتتوجه ناحيته بخطوات مترددة .... ظلت واقفه لبعض الوقت تنظر لجسده المسترخي على الكرسي ..كان يبدو شارداً ينظر الى السماء .... رطبت شفتيها المتيبستين وهمست بخفوت بينما ضربات قلبها تدوي بخوف وحرج من موقفها وطفوليتها
-- وليد ...انا ..انا ..اسفة ...ارجوك لا تغضب مني
لم يرد عليها ولم يحرك ساكناً بل وكأنه لم يسمعها على الاطلاق ... بدى هادئاً جداً ...هادئ بصورة خطرة .... تقدمت ناحيته اكثر وقالت بحذر
- وليد ..ارجوك ... انا ..حقاً
قاطعها بجمود دون ان ينظر اليها او حتى يعتدل بجلسته
- اذهبِ الى الداخل ونامي غسق !
دمعت عيناها وهي تعض شفتها السفلى ...جثت امام ركبته وهمست
- اسفة وليد ..سامحني ارجوك ...انا ..اعرف بأني تصرفت معك بوقاحة ... لكني تصرفت هكذا لاني احبك واغار عليك ....اغار عليك حتى من نفسك وليييييييد ...افهمني ولا تغضب مني
اعاد ما قاله مرة اخرى ودون ان يهتم بما
- قلت اذهبِ الى الداخل ...الان ..هيااا
اختنقت انفاسها وشعرت بمزيج من القهر والخجل ... اومأت وهي تكتم شهقتها وهبت واقفه وهي تهمس باختناق
- تصبح على خير
غادرت المكان بخطوات متعثرة بينما التفت وليد ينظر لها وهو يتنهد بتعب .... اعرف بأني سأقسو عليك لكني افعل ذلك لمصلحتك انت اولا واخيراً حبيبي
.....................
المصحة النفسية في لندن
..................
تجلس على كرسي بعيد عن بقية المرضى ...تنظر لهم بهدوء .... وجهها شاحب بشدة والشعيرات الفضية متناثرة بين خصلات شعرها الاسود الكثيف .... والذي كان فيما مضى طويلا مسترسلا الى منصف ظهرها قبل ان يقصوه بسبب رفضها ومعاندتها لتمشيطه وغسله ....
تذكرت كيف قامت الممرضة قبل ايام بقصه في الحمام الخاص بغرفتها ....لم تهتم ....بل لم يؤثر بها ابداً ....كل ما حولها اصبح لا يجذب تركيزها .... تشعر وكأنها تائهه ..ضائعة .... اين كانت !!! واين هي الان !!! مالذي جرى لها !!

امتدت يدها لتلمس بطنها المتكور وهي تتذكر محاولتها الأخيرة لأجهاضه ...فهي قد حاولت اكثر من مرة ان تقتل هذا الطفل المشئوم ..الا انه كان يأبي النزول ...متشبث بها بصورة عجيبة .... وكأنه يتحداها ويسخر منها ...
اغمضت عينيها وهي تتذكر الايام والأسابيع الماضية التي قضتها هنا !!! كانت تصاب بحالات هستيريه قوية ...كل ما تريده هو الخروج من هنا بأي شكل ..الا انهم بكل مرة كانو يقيدون يديها ويحقنوها بأدوية تجعلها بعالم اخر ....عالم تنسى به ماضيها وحاضرها ....
الطفل بدأ يتحرك في احشائها ...وكأنه بذلك يثبت وجوده معها .... يذكرها بخطيئتها مع كل ركلة يركله في بطنها .... وكأنها طعنات حادة تطعن قلبها وروحها بقوة مؤلمة

رفعت نظراتها الذابلة الى شاشة التلفاز الكبيرة الموضوعة في القاعة الواسعة التي انتشر بها الطاولات والكراسي البيضاء .... صوت التلفاز اختلط مع صوت المرضى وهرجهم وصخبهم ....الا انها لم تسمع شيئاً مما يقولون ...كانت تفكر برضاب
ترى ماذا تفعل الان !!!! وكيف تقضي وقتها ؟! هل لازالت تتذكرها وتحن اليها ام ربما كرهتها ونسيتها !!!
وسعاد !! هل علمت بالذي حصل !!! اجل ربما اخبرتها رضاب وهي الان تتشمت بها .... خاصة بعد ان تحققت نبوئتها التي لطالما رددتها على مسامعها ..كانت تقول لها سيأتي يوم من الايام وتندمين اشد الندم على ظلمك وتجبرك على ابنتيك !!
وهاقد صدق حدسك يا سعاد ... انا نادمة ...نادمة ...لكن هل ينفع الندم الان وكل شيء بنته خلال سنوات وسنوات قد تهدم فوق رأسها وتحول الى حطام ودمار كلي !!
هل سيأتي اليوم الذي تستطيع فيه المواجهة والالتقاء مع ابنتها ..... هل سترفع عينيها وتضعها بعيني ابنتها دون أن تشعر بالدناءة والقذارة !!!
والاهم من ذلك هل ستسامحها هي وتبدأ معها صفحة جديدة وبيضاء !!
.................
........................................
اربيل \ صباحاً
...........
كانت تنظر الى الشوارع المكتضة بالسيارات والمشاة .... القصور الفارهة والمكاتب ذات الواجهات الزجاجية بالإضافة الى المراكز التجارية .... ساحات جميلة مليئة بالنافورات ... وأسواق ومحلات بيع مختلف المواد متواجدة فيها ....
المقاهي الشعبية التي تقدم الفطور صباحا ( القيمر واللبن والعسل والخبز الحار مع الشاي ) اضافة لمحلات بيع الملابس الشعبية الكردية

اناس يسيرون بسرعة وانتظام .. بعضهم يذهبون الى جامعاتهم وبعضهم يذهبون الى اعمالهم .... رغم التعب المرسوم على وجوههم الا انهم يبتسمون ببشاشة ...يستقبلون يومهم بالتفائل والامل .... ارجعت رأسها الى الوراء واسندته على ظهر المقعد .... ليتها تظل هكذا ....تنظر وتنظر دون ان تفكر بالغد ... دون ان تعصف بها ذكريات الماضي البشعة ..... لكن حتى وان نسيت في النهار عندما تكون مشغولة مع الاخرين فيكفي ان تضع رأسها ليلا على الوسادة وبمجرد ان تغمض عينيها لوهلة حتى يتراكض امامها الشريط السينمائي مرة اخرى ودون ارادة منها ...... مهما حاولت ان تشغل تفكيرها بأمور اخرى الا انها لاتستطيع ..لاتستطيع ...الامر ليس بيدها ....
صوت الطبيبة اعادها من شرودها حين قالت لها بلطف وهي تركز على القيادة
- اذن رضاب ..الم تخمني الى اين نحن ذاهبون ؟!!!
التفتت لها رضاب بسرعه واعتدلت بجلستها ... الساعة كانت العاشرة والربع تماما عندما جاءت الطبيبة لأخذها من المنزل ...في حينها خرجت خالتها لكي تفتح لها باب الشارع وقد تكلمتا قليلا وتبادلتا التحية ... خالتها كانت تعلم بأمر خروجها وهي في الحقيقة لم تمانع خاصة عندما اخبرتها الطبيبة بأن الامر ضروري ومرتبط بعلاجها النفسي !!
همست رضاب بخفوت
- لا اعرف دكتورة ....اممم ربما نحن ذاهبون الى المشفى !!
رفعت الطبيبة حاجبيها بتساؤل وهي تبتسم لها ابتسامة صغيرة
- ولماذا الى المشفى ؟!
هزت رضاب كتفها واجابت
- لا ادري مجرد تخمين !!!!
اجابتها الطبيبة بهدوء وهي لاتزال تركز على الطريق الممتد امامها ... كانوا قد بدؤوا يخرجون من مركز المحافظة واصبح الطريق اكثر هدوءاً
- نحن ذاهبون الى عنكاوة
قطبت رضاب حاجبيها بعدم فهم ...لماذا يذهبون الى هناك ياترى !! عنكاوة هي مدينة عراقية.. تقع ضمن منطقة إقليم كردستان ... تحديداً شمال غرب مدينة أربيل.... يبلغ تعداد سكانها حوالي 30 الف نسمة .... معظم سكانها كلدان و آشوريون من أتباع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية....
تتميز منطقة عنكاوة بوجود العديد من الكنائس الحديثة والقديمة كما تتميز بوجود مطاعم ومرافق سياحية أخرى... تحولت عنكاوة إلى مركز جذب للمهجرين المسيحيين من المناطق الساخنة بعد احتلال العراق عام 2003 وذلك للاستقرار النسبي الذي تتمتع به البلدة ولتركيبتها السكانية المتميزة ... حيث أن الغالبية العظمى من سكانها مسيحيون ....
هزت رضاب رأسها بصمت وعادت تنظر الى النافذة ... المدينة كانت جميلة جداً لا يقل جمالها عن مركز محافظة اربيل ...ابتعدت السيارة عن العمران شيئاً فشيئاً الى ان وصلوا لمنطقة هادئة تقريباً تحتوي على منازل متفرقة ... توقفوا امام منزل صغير يحيط به جدار منخفض نسبياً ... بوابتها الخارجية كانت خشبية مطلية باللون الابيض ....
ترجلا من السيارة بصمت ..رضاب كانت تمشي ورائها بهدوء واستسلام تام ... فتحت الطبيبة البوابة وكأنها تمتلك الصلاحية لفعل ما يحلو لها .... دلفت للداخل تتبعها رضاب بحذر وهي تلتفت حولها تنظر للحشائش القصيرة الخضراء .. واشجار النارنج والبرتقال العالية .... الحديقة تبدو وكأنها مزرعة مصغرة ..خاصة بعد ان لمحت الخضراوات المزروعه في الزاوية البعيدة من المنزل ...استطاعت ان تميز الطماطم الحمراء اللامعة ...والباذنجان الممتدة بين الوريقات الخضراء اضافة الى محاصيل اخرى متنوعة ....
اما اسراب الدجاج الملون فكانت منحسرة خلف سور حديدي يقع ملاصقاً للمنزل من الجهة اليمنى ... المنظر كان رائعاً وساحراً وكأنها بقعه من عالم السحر والخيال ....بعيدة عن تلوث المدينة وصخبها .... وضجيجها المزعج

طرقت الطبيبة الباب ثم انتظرت وهي تركز على وجه رضاب المرتبك وهي تطمئنها بهزة صغيرة من رأسها ... ملامح الطبيبة الاربعينيه التي كانت تنضح بالنورانية والصفاء كانت كفيلة لكي تبث داخلها الراحة والطمأنينة ....
بعد مرور بعض الدقائق سمعا صوتاً انثويا يصرخ بحنان امومي
- انتم يا اطفال الم تسمعوا صوت الباب وهو يطرق ! حسابي سيكون عسيراً معكم !!
فتح الباب لتطل عليهم فتاة شابة تبدو في منتصف العشرينيات او اكثر بقليل ...ما ان لمحت الطبيبة حتى هتفت بقوة وسعادة وهي تهم باحتضانها
- دكتورة نوال .... لا اصدق ...اهلا وسهلا بكِ ....اشتقت لك كثيراً سيدتي ...
كانت تقبل خديها بالتناوب وهي لاتكف عن الترحاب الحار بها ...ابتسمت الطبيبة وقالت بحنان
- كيف حالك ايفلين ..اشتقت لك يا صغيرة !
ابتعدت عنها ايفلين وقالت بينما يتحول لون وجهها الابيض المكتنز الى كتلة من الحمار
- اااوه سيدتي ....عن اي صغيرة تتكلمين لقد كبرت الان واصبحت اماً لأربعة قرود وعفاريت
التفتت تنظر لرضاب التي كانت تقف تراقبهم بابتسامة صغيرة
- اهلا انستي ... عذراً تفضلا الى الداخل ..هولاء الاطفال سيفقدوني صوابي في يوماً ما
اجابت الطبيبة ببشاشة وهي تحث رضاب على الدخول قبلها
- فليحميهم الرب لك عزيزتي ....كيف حال زوجك !
اجابت ايفلين وهي تحثهم على الدخول في المطبخ الواسع والذي احتوى على منضدة كبيرة بيضاوية الشكل ذات لون بني لامع وزع عليه خمسة كراسي كبيرة وواحدة صغيرة يجلس عليها طفل لم يتجاوز التسعة اشهر من عمره .... مكتنز الوجه بوجنتين حمراويتين وشعر اشقر كان يلعب بفتات المعكرونه الموضوعه امامه وهو يطلق كلمات غير مفهومة

- زوجي بخير الحمدلله .... تفضلا بالجلوس ...عذرا على الفوضى ... فالاولاد لا يتركون مكاناً نظيفاً في المنزل ان لم يضعوا لمستهم الفوضوية علية
جلست رضاب في مقعد مجاور للطفل وهي تنظر له بحب وحنان ...عيناها كانت لامعه ..تراقب كفيه الصغيران وهما تفركان فتات المعكرونه وتضعهما في فمه الوردي .... اااه طفلتي ...ربما كانت لتكون الان بعمر الشهر او الشهرين !!
متأكدة بأنها كانت ستشبه هذا الطفل الجميل الماثل امامها ... بمرحة وحيويته .... امتدت يدها الى بطنها المسطح واخذت تقبض عليه بقوة .... حن قلبها لتلك الركلات الخفيفة التي كانت تشعر بها في اواخر ايامها ..والتي لم تشبع منها بعد !

كانت الطبيبة تتبادل الكلام مع ايفلين المنهمكة بتقليب الطعام وهي تقف امام الموقد بينما تركز نظراتها على رضاب ..وملامح وجهها التي عكست ما تفكر به بالضبط ...
منذ اللحظة التي اخبرتها رضاب عن موضوع الخطبة علمت تماما ما عليها فعله ....رضاب بحاجة لحافز قوي يدفعها لاتخاذ قرارها ....هي تعلم ان ما تعرضت له من خيانه فادحة شي لا يمكن نسيانه بسهوله الا انها متاكدة بان هذه الشابة تمتلك عزيمة وقدرة على تخطي الماضي والمضي قدما لبناء مستقبلها ....
وهي ان لم تلمح اهتماما وبوادر حب مدفون داخل قلبها لمعاذ والتي اكتشفتها هي بخبرتها ونظرتها التي لا تخطئ ابداً لم تكن لتشجعها على القبول به مطلقاً ....لكنها معجبه به وتريده وهذا واضح جداً من الطريقة التي تتكلم بها عنه حتى قبل ان يتقدم لخطبتها
صبت ايفلين القهوة في عدة فناجين ثم عادت لتجلس امامها على الطاولة وهي تقول
- لم تعرفيني على الانسة الجميلة دكتورة نوال !!
ابتسمت نوال وقالت
- هذه رضاب صديقتي المقربه وهي بمثابة ابنة لي ..مررنا من هنا وفكرت بزيارتك
اومأت ايفلين وهي تنظر لرضاب قائلة
- اهلا وسهلا رضاب سعدت بالتعرف اليك
ارغمت رضاب نفسها على انتزاع نظراتها المعلقة بالطفل ثم همست بخجل
- اهلا بك سيدة ايفلين
اجابت ايفلين بمرح وتسلية
- لالا ...لاتقولي سيدة هذا يجعلني اشعر باني اصبحت كبيرة في السن .... قولي ايفلين فقط ....
ظلوا يتجاذبون اطراف الحديث ... عرفت رضاب بأن ايفلين متزوجة منذ سبعة اعوام وهي نازحة من الموصل بعد احداث التي مرت عليها منذ دخول داعش ...شعرت بالرحة والالفة معهم خاصة بعد ان خرج اطفالها الثلاث الاخرين وشاركوهم الجلوس في المطبخ ..حيث افترشوا الارض بالعابهم ومكعباتهم الملونه وهو منغمسون بالمزاح و الضجيج والضحكات .....
قالت الطبيبة لايفلين بهدوء
- حسنا ايفلين سأطلب منك طلباً وارجوا ان تلبيه لي !
ابتسمت ايفلين وقالت بطيبة
- طلباتك أوامر دكتورة ....لن انسى ابدا ما فعلتيه معي سابقاً ..جميلك ومعروفك لن انساه طوال حياتي !
ضربتها نوال على كتفها بمزاح وقالت
- عن اي جميل تتحديثين يا فتاة !!! انت ابنتي التي لم أحضا بها .... والان دعينا من هذا الكلام اخبريني ... هل يمكنك ان تقصي على رضاب ما مررت به في الموصل ابتدءاً من طفولتك و انتهاءاً بزواجك من راكان !
صمتت ايفلين وقد اختفت الابتسامة عن وجهها لتسارع نوال بالتبرير
- ان لم تريدي التكلم لابأس لست ......
هزت ايفلين رأسها وقالت بهدوء
- بالعكس دكتورة ... انا اقص حكايتي دائما على الفتيات في المشفى كلما سنحت لي الفرصة للذهاب هناك .... ارددها واحكيها لكي يستطعن المضي قدماً في حياتهن .... خاصة اللاتي يفتقدن للامل وحب الحياة مثل رضاب تماماً
اتسعت عينا رضاب بقوة وغرقت عيناها بالدموع وهي تنقل نظراتها بينهم بتشوش وقد شحب وجهها بقوة مخيفة ...... وكأنها تسألها كيف علمتي بامري !!
سارعت ايفلين للكي تبرر بصدق
- اتصدقين يا رضاب اني احسست بحزنك منذ دخولك ...لا اعلم ربما صرت امتلك حاسة سادسة تنبئني بخفايا البشر من نظرة واحدة الى وجوههم او ربما بسبب ما مررت به انا في حياتي منذ وجودي في الموصل مرورا الى وقتنا الحالي !!
اطرقت رضاب رأسها بصمت فيما وقفت نوال واتجهت الى الأطفال وهي تقول بلطف
- تعالوا معي احبائي فلنذهب في جولة لجمع البيض !
التفتت لرضاب وقالت بهدوء وهي تضع يدها على كتفها بحنان
- سأعود بعد قليل رضاب ...
وقف الاولاد بسرعة وهو يتراكضون امامها ويندفعون الى الخارج بصخب ..... امسكت ايفلين يد رضاب وهمست برقه ....
- لابأس عليك عزيزتي ...مهما يكن ما مررتي به ..لا تجعليه ينتصر عليك .... كوني قوية دائما
همست رضاب بخفوت
- انت لا تعرفين بماذا مررت يا ايفلين
هزت ايفلين راسها واجابت بقوة
- لن يكون اتعس مما مررت به انا .....
صمتت قليلا واكملت بهدوء ....
- بدأت حكايتي منذ السادسة عشر ... ولدت لأبوين كبيرين في السن ...ابي كان موظفاً في المحكمة العليا في الموصل ..وامي كانت استاذة جامعية .... تأخرا بالزواج وبالتالي تأخرا في الانجاب وقد يأسا فعلا من ان يكون لهما طفل يملئ عليهما حياتهما الفارغة ... لكن شاءت الاقدار ان تحمل والدتي بي في سن متاخر ...
ولدت مدلله لايرفض لي طلب نهائياً ...كبرت وترعرعت على الحب والحنان ... محاطة بأهتمام عائلتي .. والدي لم يكن يمتلك اقارب كثيرين ... اغلبهم يعيشون في الدول الاوربية ... لم يكن على تواصل معهم .... اما والدتي فقد كانت تمتلك شقيق واحد اصغر منها بعدة سنوات .... كان في بداية الثلاثينات انذاك .... كان يأتي لزيارتنا والمبيت معنا باستمرار ... وبحكم انه خالي ... تعلمين ..خالي ...اخ امي ...اي انه بمثابي ابي ... كنت انام جانبه ...وامزح معه باستمرار ....
ابتلعت ريقها وسحبت نفساً عميقاً ثم اكملت قائلة
- في البداية كان يتعمد لمسي ومداعبتي في اماكن معينة من جسدي ..لم اهتم ولم يخطر ببالي لحظة بأنه سيكون .. دنيء النفس هكذا ويطمع بابنه شقيقته ... والدي بحكم عملهما كانا يتاخران بالعودة الى المنزل ... وهو كان يقضي اغلب الوقت معنا .... اقسم لك يا رضاب باني كنت انظر للمساته واتخذها على محمل المزاح .... كنت طفلة في السادسة عشر فقط بريئة وعفوية ..لم اكن افكر بتلك الامور وافهمها ابداً .... الى ان كبرت وبدأت افهم واتقزز من لمساته .... انطويت على نفسي ..اصبحت اخاف التواجد معه في مكان واحد .... عندما اعود من المدرسة اقفل باب غرفتي وانزوي بها لحين عودة والدي ....
همست رضاب بذهول ... وهي متسعة العينين ...تريد أن تستوعب ما قالته ايفلين للتو
- لكن ...لكن ..لماذا لم تخبري والدتك بالأمر !!!
هزت ايفلين رأسها وقالت بندم
- اااااه يا رضااااب .... كنت غبية وجبانه ..... حقاً لا اعرف لماذا لم اعترف لها .... ربما ...لان امي كانت متباعدة عني .... انا لا انكر اهتمامها بملابسي واكلي وشربي .....اهتمامها بمستواي الدراسي .... تدليلها المفرط لي ....الا انها لم تكن تجلس معي ....لم تحدثني يوماً عن ....عن .... انت تعرفين ...اقصد ما يصيب الفتيات كالدورة الشهرية ... او التحرش ...او ان هناك مناطق محرمة من جسدي لا يجب لأي احد العبث به او لمسه غيري انا ....لم تفهمني ذلك ..للأسف ...كانت مشغولة بعملها في الجامعة ...اعتقدت ان عالمي منحسر بالملابس والمصوغات الذهبية فقط !!!
تنهدت بحسرة واكملت

- مرت السنوات وتزوج خالي وانقطعت زياراته عنا ... كنت في حينها في التاسعة عشر من عمري ....ظننت اني قد ارتحت من وجوده نهائيا لكن ما حصل كان اسوء ... ولم يكن في الحسبان ابداَ

نهضت والتقطت منديلا ورقياً ومسحت يدي طفلها بأرتباك وتوتر وكأنها تحاول السيطرة على ارتجاف جسدها الواضح ثم عادت تجلس من جديد تراقب طفلها الذي اخذ يعبث مرة اخرى بالطعام

- دخل الإرهابيون الى الموصل .... قتل ابي الحبيب على يدهم ..... كانت ايام عصيبة وصعبه علينا ....امي تركت العمل واصيبت بحالة اكتآب حاد ... اتفقنا مع بعض الجيران على الهرب خارج المحافظة ... لكن خالي اقترح على امي ان يقوم هو بهذه المهمة ...استطاع اقناعها بأن يأخذ كل واحده منا على حده تسهيلا للامر ولعدم اثارة الشك ...نسيت ان اخبرك ان خالي في ذلك الوقت كان قد طلق زوجته ... المهم هو انه استطاع فعلا ان يقنع والدتي رغم توسلي اليها ورجائي بها ان لا تتركني وحدي معه !!
اكملت بجمود
- اتذكر للأن كل كلمة نطقت بها وانا ابكي بحرقة وخوف .... اناشدها ان تاخذني معها ..... لكن للاسف ثقتها كانت عمياء بأخيها ... وانا لا الومها .... فمن هي التي ستشك بشقيقها المقرب !!
في بادئ الامر اخذ امي وبعد عدة ساعات قليلة عاد لياخذني ...لكن قبلها استفرد بي ...المنطقة كانت مهجورة ....خالية من السكان تقريباً لم يتبقى الا عوائل قليلة ومتباعدة .... للأن اتذكر نظراته الشيطانية المقززة ... كيف هجم علي واغتصبني بوحشية ...لم يهتم ببكائي ولا توسلاتي ....المهم هو اشباع غريزته الحيوانية .... ليت الامر اقتصر على هذا ...لقد ظل يغتصبني مراراً وتكراراً لعدة ايام ثم ..... ثم اخذني كالجثة الهامدة التي لاروح فيها ... وباعني ..لا اعلم لمن ... ربما لتجار الرقيق او ربما للإرهابيين ...اوربما لعصابات المافيا ... لا اعرف .... لا اعرف سوى شيء واحد هو انه باعني و قبض ثمن ابنه شقيقته ...
تعرضت لابشع المواقف .. ضرب ... قسوة .... واهانات بشعة .... اااه فترة عصيبة اتمنى أن تنمحي من حياتي .... الى ان استطعت الهروب ...اجل فتحت الباب وهربت ...ركضت باقسى سرعة ..كان الطريق صحراوياً مخيفاً ....لا اعلم كم المسافة التي قطعتها وانا اركض دون توقف ... كنت اشعر وكأني لو توقفت دقيقة فانهم سيجدونني ويلقون القبض علي ..... لم اخف من الظلام ولا من اصوات الحيوانات اوالأجنة .... اجل هكذا تخيلت ... وكأني اركض على حافة طريق محاط بالاشبح السوداء المخيفة ..... وجدت بعض سيارات الأجرة فأوقفت سيارة أجرة طلبت من سائقها أن يأخذني لأرى عمى المريض على الحدود التركية لست ادري من اين خطرت لي هذه الفكرة ... كانت انفاسي لاهثة ... شعري اشعث والكدمات تملئ جسدي وربما وجهي ... لا اتذكر ... لمحت نظرات العطف والشفقه بعيني السائق العجوز ... اقلني صامتاً ولكننا وجدنا لجنة تفتيش .... وعندما أوقفونا وسألوا السائق لماذا تركب معك امرأة بمفردها بدون رجل بالليل !! قال لهم إنها اضطرت للذهاب لرؤية عمها المريض فصدقوه وتركونا نكمل طريقنا

نظرت لرضاب التي كانت تبكي بصمت واختناق لتهمس بخفوت وهي تضغط على كفي رضاب بقوة وكأنها تشاركها ألمها ومصابها
- اعتقد انها الرعاية الالهية هي التي انقذتني من براثنهم واعمت بصيرتهم عني ......وصلت الى هنا ...اربيل مدينة الاحلام ... كنت تائهة ضائعة لا اعرف اين اتجه ....فقدت والدتي رغم محاولاتي للاتصال بها لكني لم اجدها ... حالتي كان يرثى لها ... خوف رعب اغتصاب كلها تجمعت حولي واخذتني بدوامة سوداء وابتلعتني دون رحمة ... عندما فتحت عيني كنت في المشفى .... شاحبة فاقدة للحياة ... شبة مجنونة .... نقلوني الى مشفى الإمراض النفسية والتي كانت تشرف على حالتي هي الدكتورة نوال ...رباه كم هي عطوفه ورحيمة .... احتضنتني واحتوت خوفي كانت معي باستمرار ..حتى انها اخذتني لمنزلها عدة مرات وبعد مرور عدة اشهر طويلة من الجلسات المكثفة والعلاج النفسي ... تحسنت حالتي كثيراً .... وصار بأمكاني الخروج من المشفى ... لكن الى اين اتجه والى من اذهب !!!
الدكتورة نوال كانت طوق النجاة لي ... وجدت لي عملا في احدى المنظمات الانسانية ..حيث رحبوا بي خاصة بعد ان اخبرتهم بقصتي كاملة .... عشت حياتي مرتاحة البال على الرغم من الكوابيس التي كانت تنتابني بين فترة واخرى ... كما ان والدتي اختفت تماماً .... اشك بانها قد قتلت وربما بتدبير من شقيقها الخسيس ... كنت اقص حكايتي على الفتيات في مركز التأهيل الخاص بالعلاج النفسي ... بكل مرة ارويها كنت اشعر بالقوة والثقة ... لا اخجل من ماضيي رضاب كنت استمد منه القوة والصلابة .... استمررت في عملي لعدة سنوات ومن ثم تعرفت الى راكان ... زوجي الحبيب .. كان يعمل سائقا لنقل البضائع والمئونات للمنظمة ... اخبرته بكل ما مررت به .... كان متفهما ...عطوفاً ... مراعياً لمشاعري ... بدأت علاقتنا بصداقة بريئة ... ليصارحني بعد ذلك بحبه وبطلبه الزواج مني ... على الرغم من الفارق العمري بيننا فهو في الأربعينات من عمره وانا كنت في بداية العشرين الا اني اشعر معه بالراحة .... اشعر وكأنه ابي و اخي عائلتي كلها ... الرب عوضني به بعد رحلة عذابي الطويلة يا رضاب .... وها انا اعيش حياتي معه ... لا استطيع النوم دون ان اضع راسي على صدره المتعب ... تركت العمل في المنظمة وتفرغت لخدمة عائلتي .... وانا سعيدة بذلك ... حتى اني صرت اعرف كيف اتعامل مع ابنتي الكبرى التي اصبحت الان في الاول الابتدائي ...احاول ان اتقرب منها وافهمها بطريقة غير مباشرة على ان لا تخفي عني ادق التفاصيل الصغيرة !

كانت رضاب تستمع لها والدموع تجري على وجنتيها .... شعرت بالخجل من نفسها .... من ضعفها واستسلامها .... ما مرت به ايفلين يعد نقطة ببحر ما مرت به هي !!!
همست ايفلين بحنان وهي تحتضن كف رضاب بأخوية صادقة
- انا لا اعرف ما هي قصتك ولا اريد ان اعرفها لكن صدقيني التفكير في الماضي والبكاء عليه لا يجدي نفعاً ...خذي العبرة منه ... لكن لا تجعليه ينتصر عليك .... عيشي حياتك ...ابني مستقبلك بأصرار وعزيمة .... الحياة لاتحب الضعفاء ولا تحميهم ....تدهسهم تحت اقدامها ...كوني قوية من اجل نفسك انتِ ....
اومات رضاب وهي تمسح دموعها وابتسامة صغيرة ارتسمت على شفتيها المرتجفتين وقالت لها بصدق
- انا تركت الماضي ايفلين لكن هو يابى ان يتركني صدقيني الامر ليس بيدي
- لا بل هو بيدك انت .... انسي .... النسيان هو الدواء الشافي .... تغلبي على ضعفك لاتجعليه يبتلعك وينتصر
حل الصمت بينهما لدقائق قبل ان يندفع باب المطبخ ويدخل الاولاد بضحكاتهم وهتافاتهم وهم يحومون حول والدتهم كل واحد منهم يريد ان يستأثر على انتباهها ... ظلا هنا بعض الوقت وشاركو ايفلين وأولادها وجبة الغداء ثم غادرا بعد ان اكدت عليهم ايفلين بإعادة الزيارة مرة اخرى

طوال الطريق كانت رضاب صامته ...تنظر الى الشوارع بذهن شارد ..تسترجع كل كلمة قالتها ايفلين .... لم تدرك انهم وصلوا للمنزل الا عندما توقف السيارة وقالت نوال بهدوء وهي تلتفت لتنظر لرضاب بتشجيع مؤازرة
- والان يا رضاب ....فكري جيداً ...وانا متأكدة من انك ستتخذين القرار الصائب .... ثقتي بك عالية جداً صغيرتي
بادلتها رضاب النظرات وهزت رأسها قبل ان تودعها بخفوت وتغادر السيارة وهي بحال مغايرة تماماً عن الحالة التي ذهب بها قبل ساعات قليلة
..................
.................................
هاهي تتصل بها للمرة الثالثة ولم ترد عليها !!! يا الهي اتراها قد خاصمتها !!! اجل ربما خاصمتها !! لكنها ارادت ان تستقر حالة عزوز لربما بعد مرور عدة اسابيع سيعود لوضعه السابق .. لم تكن تعرف بأنه سيذهب الى منزلهم !! عندما اخبرها بشأن زهير تجمدت مكانها وقد شعرت بفداحة ما فعلته ! كم هذا مخجل .... لماذا لم تتصل بها وتخبرها سابقاً !!!
يا الهي هي فقط كانت محرجة من اخبارها بقرار اخيها المحجف بألغاء فكرة الزواج نهائياً ....
فجأة سمعت صوت تبارك وهي تجيبها بنبرة معاتبة ومؤنبة
- اهلا رونق كيف حالك
اجابتها رونق بحرج وخجل شديدين
- اهلا تبارك انا بخير الحمدلله كيف حالك انتِ !!!
جلست تبارك على طرف الفراش وهمست قائلة بلهجة معاتبة
- بخير يا صديقتي الصدوقة ! التي لاخفي عني امراً ابداً!!
سارعت رونق مبررة وهي تتوجه الى الصالة
- اقسم بالله يا تبارك بأني كنت ساتصل بك في الوقت المناسب
اجابتها تبارك بكآبة
- ومتى هذا الوقت يا رونق !!! لماذا لم تخبريني بأن عبد العزيز قد عاد ... لماذا جعلتيني اصدم بهذا الشكل ...هل لك ان تتخيلي موقفي وانا ادخل لعيادته وارى ما اصابه فجأة ودون سابق انذار !!!!
اغمضت رونق عينها وهمست قائلة بيأس
- رباااه ذهبتِ الى العيادة !!!
اجابت تبارك بأختناق وقهر وكأنها على وشك البكاء بشكل مثير للشفقة
- اجل يا رونق ذهبت بالصدفة ....وياليتك تعلمين كيف استقبلني عبد العزيز ببرود ... كان على وشك ان يطردني !!
هزت رونق رأسها هامسة بسرها هذا ما كنت اخشى منه .... تنهدت واجابت بلهجة متأسفة وهي تشعر بالعجز وقلة الحيلة من اجل اخيها المسكين
- صدقيني يا تبارك ...كل ما اردته هو بعض الوقت الى ان تستقر حالته النفسيه ... عبد العزيز تغير يا تبارك .........تغير كثيراً ..... ماذا اقول لك ...لقد رفض موضوع الزواج رفضا قاطعا ...وانا فكرت بأنه ربما يمكن ان يتراجع عن قراره في الايام القادمة ... لكن حالته تزداد سوء وتفاقماً !
كانت تبارك تستمع لها وقد تحول وجهها الى اللون الاصفر .... احست وكأن البرودة تسري في جسدها كالمخدر ..... لماذا حظها عاثر لهذه الدرجة !! بعد ان وجدت الانسان الذي شعرت معه بالراحة والحب وبعد ان تعلقت به كالطفلة التي وجدت ملجئها اخيراً ...يضيع كل شيء منها بغمضة عين !!!
همست تبارك بخذلان وقهر وهي تزيغ حدقتيها في الفراغ
- اذن ....هو اخبرك ..انه ...انه ...لم يعد ...
قاطعتها رونق بقوة ولهفة
- تبارك ...ارجوك افهمي موقف عبد العزيز .... مايحصل له هو امر متوقع ....هو يشعر بأنك ربما ستشفقين عليه ان وافقتي به وهو بوضعه هذا !!!!
اجابت تبارك والدموع قد ترقرقت بعينيها المظلمتين
- وكيف لي ان اثبت له العكس يا رونق اخبريني كييييف !!!!!
اجابتها رونق وهي تتنهد براحة .... فهي قد تأكدت الان أن تبارك تحب عبد العزيز بصدق وهي متمسكة به بالفعل
- الصبر يا تبارك .... نصبر عليه قليلا لربما الايام كانت كفيلة بتغير رأيه ...ماحصل له ليس بالقليل ابداً ....
اومأت تبارك وهي تمسح ..... كانت تعلم ان الطريق مع عبد العزيز بات ملغماً ومملوء بالأشواك والعثرات .... مشاعره طبيعية جداً ...لقد احست به ....احست بقهره وصراعه الداخلي ..... اشتياقه لها كان واضحاً لها .....خاصة عندما كان يجلس في الصالة والتقت نظراتهم .....لوهلة احست ان الجالس امامها هو عزيز القديم الطيب لكن سرعان ما ادار وجهه الى الناحية الاخرى .....
هي تحبه جداً ومتأكدة بأنه لايزال يحبها رغم ما يحاول ادعائه .... كل ماعليها فعله الان هو الصبر كما قالت رونق ....عل الايام القادمة يكتشف ان الحب والتفاهم ليس له علاقه بالشكل الخارجي والرصيد المالي في البنوك !

....................
.................................
منذ تلك المشادة الكلامية القوية التي جرت بينهما قبل ثلاث ايام وهو يعاقبها بالصمت ... يتكلم معها امام الجميع بصورة طبيعية وما ان ينفردا .... حتى يتخذ جانبه ويتصفح هاتفه قليلا قبل ان ينام مديراً ظهره لها ...وكأنها مجرد قطة متشردة تنام جانبه على السرير .... حتى عندما تبادر هي وتتكور خلف ظهره وتحتضن خصره بذراعها ...ايضا لم يبدي اي تجاوب معها ولم يهتم لها !
تسحق ذلك وهي مقرة بهذا .... لكنه اطال كثيراً بهجرة وخصامه ... لماذا لا يريد ان يشعر بأنها تغار .....فقط تغاررررر!

لقد تعبت من هذا البرود واللامبالاة ...لم تصدق للأن ان هذا الرجل القاسي القلب هو نفسه وليد الذي يعشقها ولا يستطيع الاستغناء عنها ولا عن قبلاتها وهمساتها له كل ليلة
ماحدث بينهما كانت مجرد مشاجرة بسيطة ..مشاجرة بسيطة وكانت لتنقضي على خير لولا انها تجرأت وكادت ان تنطق بتلك الكلمات الجارحة في وجهه ...لا يا غسق لم تكن جارحة فقط بل مهينة و فضيعه ايضاً ..كيف طاوعها لسانها و تشاجرت معه هكذا دون تفكير !!!
رأته يتوجه الى الخزانة ليخرج له قميصاً يرتديه ... لتسارع هي بإمساك القميص من يده ومساعدته على ارتدائه ثم اخذت تغلق الأزرار وكأنه طفلها الصغير ..... اما هو فقد كان هادئاً وكأنه جدار صلب يقف امامها ..... لم يهتم ويلقي نظرة واحدة لهذا القميص الاسود الشفاف الذي ارتدته له البارحة !!
التقطت العطر الخاص به رشت القليل على راحة يدها ثم اخذت تمسح به لحيته لتنزل يديها الى صدره تمسد ببطء تلك العضلات الصلبة القوية وهي ترفع نظراتها المذنبة قائلة بهمس خافت ومترجي
- يكفي خصام يا وليد ..ارجوك سامحني .. سامحني وانسى ما قلته لك ..ارجوك ..
رفع وليد حاجبيه ووجهه لم يبدي اي تأثير ثم حدق بها وشرارات البرود والحدة تكاد تقفز من مقلتية السوداويتان ... انزل يدها بهدوء وخرج من الغرفه صامتاً ....تاركاً ايها بعينين دامعتين وقلب يخفق بألم وقهر وندم !!!!!
..........................
..................................
- الى اين سنذهب بهذا الوقت زهير ؟!
كانت الساعة تشير الى الواحدة والنصف ظهراً ..حيث اغلب الناس لاذو بالفرار داخل منازلهم من اشعة الشمس الحارة خاصة الان وهم في منتصف شهر آيار .... حتى وان كان الجو معتدلا في شمال العراق الا ان الحرارة كانت ترتفع بصورة ملحوظة في فترة الظهيرة ... عندما اتصل بها قبل لحظات وطلب منها ان تستعد للخروج بسرعة ..كانت تظن بأنه يمزح الا ان ملامحه كانت تنبئها بعكس ذلك فقد سحبها من ذراعها على عجل بعد ان اخبر والدته بأنهما سيخرجان لأمر ضروري ... الاخيرة التي ودعتهم بأبتسامة ماكرة وكأنها تعرف مايخبئه زهير لها !!!
وصلا الى الشارع المقابل للمنزل ...حيث وقفا امام سيارة فارهة وحديثة الطراز ... كانت تبدو باهظة الثمن جداً ... ذات لون اسود لامع انعكست عليه اشعة الشمس لتزيدها جمالا وروعة ... اتسعت عيناها بذهول واعجاب ... همست بأعجاب
- واووو زهير انها رائعة ... رائعة وجميلة جداً ؟ لمن هي ؟!
كتف ذراعيه واجابها بفخر وملامحه تعكس سعادة حقيقية
- لي طبعاً ..لقد اشتريتها اليوم !
رفعت حاجبيها والتفتت تنظر له بارتباك وشك ... هي تعرف ان حالة زهير المادية لا تسمح له بشراء سيارة جديدة ... خاصة ان كانت باهظة وثمينة كهذه السيارة ... قالت بتساؤل وحيرة
- لكنها تبدو غالية الثمن يا زهير ..وانت تمتلك سيارة بالفعل ؟!
اجابها قائلا بلامبالاة
- لا تهتمي ولا تفكري بثمنها ... الله فتح ابواب الرزق في وجهي والحمدلله واردت ان اجدد سيارتي القديمة بأخرى احدث منها ... والان اتركينا من هذا الكلام وخمني مالاسم الذي اطلقته عليها ؟!
اتسعت ابتسامتها ثم صدرت عنها ضحكة قصيرة وقطبت قائلة بأستغراب
- انت اخترت لها اسماً ؟؟؟؟
فتح باب السيارة ثم حثها على الجلوس في المقعد الامامي وهو يقول بمرح
- بكل تاكيد بسكوتتي الشهية !
اغلق الباب ثم استدار عبر السيارة تحت انظارها المحبة التي كانت تراقبه بشغف وعشق لاينتهي .. اتخذ مكانه خلف المقود ثم ادار المحرك قائلا
- يجب ان تعرفي يا حبيبة ... ثلاث اشخاص في حياتي لهم اهمية خاصة جدا جدا و هم ... اولا امي ..ثم انت ثم سيارتي ..
ضحكت بخفة وحاولت التحكم بأنفاسها التي خرجت مضطربة ولاهثة ... بينما ضربات قلبها اخذت تخفق بعنف وجنون ..كل مرة يقول لها احبك ....تشعر وكأنها تسمعها للمرة الاولى منه ... كلما يكرر ويعيد كلمة احبك يقولها بشكل مختلف ... يثبت لها صدقة وولائه بعدة طرق .. طرق لم تعرفها ابداً ولم تسلكها بحياتها الا معه .... ادعت اللامبالاة ثم قالت بلهجة مرحة وهي تكتف ذراعيها تنظر له بتسلية
- حسنا سيد زهير فهمت ... والان اخبرني ..ماذا اسميت سيارتك المدللة ؟!
التفت ليحدجها بنظرة عميقة وداكنة تراقصت وانعكست تراتيل عشقه بوضوح عبر بحيرتيه العسليتان ليجيبها بهدوء وجدية
- حبيبة ..اسميها حبيبة ...ليبقى اسمك محفوراً بقلبي وعلى لساني داخل المنزل وخارجه!

انفرجت شفتاها بشكل مضحك ....واخذت تحدق به بصمت ... يالله قلبها تضخم بحبه حتى باتت تشعر بانه لن يتحمل اكثر من ذلك ... تمنت ان تمتلك قلبين لتحبه فوق حبها وعشقها له مرتين .... أهذا حقاً زهير الهادئ الذي كان يعاملها بأخويه ولامبالاة فيما مضى من حياتها !! حياتها البائسة التي طوتها و نسيتها ... تركتها تتبخر وتندثر كحبات الرمال لتطير وتبتعد مع ادراج الريح المستقبلية الزاهية ....
ظلت صامته لم تنطق بحرف وهو ايضاً اتخذ الصمت حليفاً له .. لعله شعر وعرف بمدى أرتباكها وخجلها !! كيف لايشعر وهو من رباها منذ الصغر ... يحس بما تحس ... ويشعر بما تشعر ... من نظرة عينيها وملامحها الناعمة يعرف ماتريد دون ان تبذل مجهوداً لأخباره او حتى التلميح له ... يكفي ان تنظر له ليصله ذبذباتها بسرعة الضوء ...
بعد مرور بعض الوقت وصلا لمجمع تجاري كبير جداً وضخم ...ربما هو اضخم مجمع رأته في اربيل كلها .. يضم الكثير من المحلات والمطاعم الراقية ... ركن سيارته في المكان المخصص ثم ترجلا بصمت .... لم تفهم لماذا احضرها لهكذا مكان ... كل ما فيه لا ينتمي لعالمها البسيط الصغير المتواضع .... احست وكأنها غريبة او شاذة عنهم ... همست بتردد وهي تمسك ساعد زهير لتجبره على التوقف
- زهير ..انتظر من فضلك ..انا ..انا ..اعتقد ان من الافضل ان لا ادخل هناك !
نظر لها مقطباً بأنزعاج واستغراب ثم اجابها قائلا بعدم فهم
- ولماذا ؟!!!
ابتلعت ريقها وقالت بخفوت و خجل بينما زحف الاحمرار الطفيف لوجنتيها
- اعتقد ان .. ملابسي ..غير ملائمة .. المكان يبدو ..يبدو ... راقي ...و انا ...
قاطعها زهير بهدوء وصرامة ...بينما عيناه تجولت بأعجاب واضح على فستانها الصيفي الطويل ذو اللون الاصفر المطعم بورود بيضاء وسوداء صغيرة وزعت على الحاشية السفلى ثم صعدت تدريجياً و وببطء الى ملامح وجهها الناعمة البيضاء المحمرة التي لفت حولها حجاب قطني تداخل لونه هو الاخر بين الاصفر والابيض .. كانت حبيبة رغم بساطة ما ترتديه الا انها رائعة وانيقة وجميلة جداً جداً
- ما ترتدية رائع ومميز .... ثقي بذلك ... ثم ان لم يعجبهم ما ترتدين تبا لهم ... اخذك الى مطعم ارقى وافضل من هذا مليون مرة ...ثم انت
اكمل بغمزة وهو يقترب منها بخفة ومرح ليلكز كتفه بكتفها
- انت مع زهير هاااا .. زهير ... لاتنسي هذا ..ومع زهير لاتخشي ولا تخجلي من شيء ابدا ابدا فهمتي يا ... بسكوتتي الشهية !!!
اومأت بسعادة وابتسامة واسعة ومطمئنة .... دلفا الى المطعم معاً ... كانت تحتضن ذراع زهير بارتباك وتوتر ... استقبلهم النادل بأدب وكان مما يبدو وكأنه بأنتظارهم .... وقبل ان يتجهوا الى الطاولة الخاصة بهم اوقفه شاب بعمر زهير ترافقه فتاة حسناء وراقية جداً .... ثم اخذ يتحدث معهما بمرح ... كان يبدو انهما مهندسان ايضاً وزملاء له في الشركة التي يعمل بها ..... عرفهما عليها قائلا
- هذه خطيبتي حبيبة ...
ثم التفت ناحيتها مكملاً تعريفه
- هذا المهندس كورشير والمهندسة بهار زملائي في العمل
رحبا بها ببشاشة ... ثم ودعاه وغادرا المكان ... على الرغم من ان تصرفات زميلته وطريقة سلامها كانت عادية جداً الا انها لم تستطع التحكم بمشاعر الغيرة والنقص التي اجتاحت قلبها .... غيم وجهها بالحزن والخجل .... كانت خجلة من نفسها ... زهير مهندس وله مكانته وهيبته .ماذا وان حدث يوما وسألوه عن شهادة زوجته !!! هل سيقول لهم بانها لم تكمل السادس الادبي حتى !!! بل وفشلت فيه لسنتين متتاليتين !! خوفها من المستقبل لم تستطع منعه .... سيظل شعورها هذا يرافقها مدى الحياة مالم تثبت كيانها ونجاحها الخاص لنفسها اولاً ثم لزهير والمجتمع ثانياً !
ما ان جلسا على طاولتهم التي كانت تقع في ركن بعيد عن الاخرين حتى احس زهير بها وبحزنها ليقطب قائلا
- مابك حبيبة !!!
اطرقت رأسها واخذت تلاعب إصبعها بارتباك ....كيف تخبره عما يخالج قلبها من مخاوف وهي نفسها خجلة منها !!!
تعبت من نظرات العطف التي كانت تلاحقها ومازالت !! لكنها بحاجة للبوح ... بحاجة لان تفتح عينيه ...لربما يعيد النظر بمسأله ارتباطهم !!لربما اعجبته زميلة له في العمل ... مهندسة مثله .... يفتخر بها امام الناس !

نغزة حادة استقرت بقلبها وهي تتخيل بأنه ربما فعلا يشعر ولو شعور بسيط بأنها اقل مستوى منه او انه سيعجب ويميل قلبه لفتاة اخرى .... فتاة تجعله يشعر بانه تسرع بقرار زواجه منها !!!!
ان تضع الان النقط فوق الحروف افضل من ان تندم في المستقبل على تأجيل ذلك ... فهي ربما ستقتل نفسها ان حدث وان عيرها يوماً بمستواها الدراسي او فكر بأتخاذ زوجه اخرى له !
- هيا حبيبة لماذا الحزن المفاجأ هذا ؟!!!
ابتسمت له ابتسامه صغير ... بلعت ريقها وهمست قائلة باختناق
- لطيفة جداً زميلتك !
رفع حاجبيه وكأنه لم يكن يتوقع جوابها هذا ...ثم ما هو الرابط الذي يربط زميلته بالحزن الذي غيم وجهها !!! ارتخت ملامحه واخذت ينظر لها بمكر وهو يرفع حاجباً واحداً ...ربما حبيبة الصغيرة تغار !!!! اجل اجل انها الغيرة !!! ابتسم واجابها قائلا
- اجل لطيفة ومهذبة !
اومأت واطرقت رأسها بصمت ... اختفت ابتسامته المتفكه وظهرت الجدية على وجهه ثم قطب منزعجاً ... وهو يقول بتساؤل
- تكلمي حبيبة مابك ؟! ولماذا تسأليني عن زميلتي ما شأني بها !!
رفعت نظراتها واجابته بصدق ودون مراوغة
- زهير .... انت لن تندم على زواجك مني ! اليس كذلك ....ارجوك ...زهير ان كنت تستعر مني لاني لا املك شهادة تجعلك تفخر بي امام الناس .. فلننفصل منذ الان ...انا ... انا ...

قاطعها زهير متعجباً من ثورتها واحتقان وجهها وكأنها على وشك البكاء
- هيي هيي على رسلك ....مالداعي لكل هذا الكلام السخيف الذي لا معنى له
اجابته بأنزعاج وضيق
- كلامي ليس سخيفا زهير ... انا اخيرك لا داعي للعطف والشفقة
قال متعجباً وهو يهز رأسه ويحدق بها بتركيز
- ومن قال اني اعطف عليك حبيبة !!! ثم الم ننهي هذه المسألة وانت قررتي اكمال دراستك الثانوية
ثم اكمل بتعمد واستفزاز لكي يثير حماسها ويعزز ثقتها بقدراتها اكثر
- ام انك تراجعت عن قرارك !!
اجابت بأصرار وقوة .... وقد تبخرت ثورتها وانخمدت
- كلا لم اتراجع لكن
قاطعها بلطف وقال وهو يمد يده محتضناً كفها المتكور على الطاولة
- بدون لكن .... ازيلي تلك السخافات من رأسك ....انت ستدرسين وتنجحين من اجل نفسك انت وليس من اجلي انا او اي احد اخر ... انا وكما تعلمين لا انظر ولا اهتم للمستوى الدراسي ابداً
ثم ارجع ظهره الى الوراء واكمل متسلياً
- فلو كان الامر بيدي لحبستك داخل قارورة زجاجية وحبست نفسي معك لأشبع منك ليلا ونهاراً
اتسعت ابتسامتها الخجولة وهي تنظر له براحة ....أأه من هذا الرجل الذي يستطيع بكلمة واحد منه ان يزيل التوتر والخوف المزروع داخلها ....كلامه هذا جعلها تزداد اصراراً وعزيمة على التفوق والنجاح مهما كلفها الامر من ثمن !!!
اكمل زهير كلامه متفكها وابتسامة لعوب تزين شفتيه
- بعد زواجنا ان شاءلله سنبدأ بمراجعه الدروس ...صحيح انا اكره المواد الأدبية ..التاريخ ...الجغرافيا .... الاقتصاد والفلسفة ....لكن ... كل شيء يهون من اجلك جميلتي
اعقب كلامه وهو يرقص حاجبيه صعوداً وهبوطاً .... ليردف بمرح
- والان دعينا من هذا الكلام ولنركز بالمهم
اجابته ببراءة وقلبها يخفق بشدة
- وماهو المهم سيد زهير
انحنى بجذعه الى الامام وهمس بصوت اجش وهو يركز على عينها الجميلتين
- المهم هو ان في مثل هذا اليوم منذ عشرون عاماً بالضبط ولدت فتاة جميلة تمتلك اجمل عينين بنيتين وشعر طووووويل اتوق لأضيع فيه واجد نفسي هناك مرة اخرى .... مزروعاً بين خصلاته الناعمة ...
اتسعت عيناها وفغرت فاهها الوردي .... احتبست انفاسها .... واخذت تحدق فيه بذهول .... ثم غامت عيناها بدموع متلألئة شفافة كحبات المطر ...... عيد ميلادها !!!!! زهير تذكر ان اليوم عيد ميلادها !!!!!! هذه هي المرة الاولى التي يتذكر بها احد تاريخ ولادتها ....هي نفسها نسيت تذكره !!!!!!!!!
همست بصوت مثقل بالمشاعر المختلطة بين السعادة والتعجب والعشق الازلي لهذا الانسان الذي لا تعرف كيف تصفه
- لم يفعلها احد من قبل ابداً زهير
اجابها هامسا وهو يبتسم لها ابتسامة رجولية جذابة
- منذ اليوم وصاعدا كل ما يخصك يخصني حبيبة ....انا وانت روح واحدة وكيان واحد فهمتي !!!
لم ترد عليه بحرف فقط دموعها الشفافة المتاثرة كانت خير جواب له
- والان لنبدأ الاحتفال ...
رفع يده وشار لنادل الذي كان يقف بركن بعيد ليأتيه بكعكة صغيرة ... كتب عليها عبد ميلاد سعيد .... صحيح ان الاحتفال كان صغيراً وحميميا الا انه بنظرها اجمل احتفال حظيت به طوال حياتها على الاطلاق يكفي ان زهير هو من اقامه لها ....
ظل يتكلم معها بكلمات هامسه طالبا منها ان تتمنى امنية قبل ان تطفئ الشموع .... أغمضت عينها وتمنت بسرها وهي تبتسم بخجل ...وما ان اطفئت الشموع حتى سارع بالسؤال عن أمنيتها الا انها ابت ان تقول له ..
رفعت كتفها بدلال وغنج وهي تجيب
- لن اقولها الان ...عندما يتحقق ما تمنيت سأخبرك ...لك وعد مني بهذا زهير !
تنهد مستسلما وهو يدعي خيبة الامل ثم اخرج علبه حمراء اللون ووضعه امامها قائلا
- هديتك حبيبتي !
وضعت يدها على صدرها شاهقة بتعجب
- احضرت لي هديه ايضاً !!!
- بالتأكيد حلوتي هيا الان افتحيها لتري ذوقي الرفيع !
فتحت العلبه بيدين مرتجفتين وقلب يخفق بشدة .... ثم نظرت بتمعن واعجاب الى تلك السلسلة الذهبية الرقيقة الناعمة التي حفرت عليها اسم زهير بحروف انكليزية مزخرفة وواضحة .... كانت عبارة سلسلة متداخله الحلقات صيغت بطريقة متقنه ...اعجبتها مباشرة ما ان وقعت عيناها عليه .... وزاد اعجابها اكثر عندما لمحت حروف اسمه .... خفق قلبها بقوة .... لا يهمها قيمة الهدية بقدر ما يهمها انه تذكرها .... تنفست بعمق عدة مرات ثم نظرت له وهي تدعي البرود والأنزعاج بينما داخلها يتراقص فرحاً وسعادة .... كيف لا وحروف اسمه ستزين عنقها ليلا ونهاراً ..قالت وهي تمط شفتيها بعدم رضا مفتعل
- جميلة .. شكراً لك !
ارجع ظهره الى الوراء ونظر اليها بتمعن ثم قال بشك بعد برهة من الصمت
- ولما تقوليها هكذا دون نفس !! الم تعجبك السلسة ؟!!!!
رفعت كتفيها ثم تنهدت بحسرة وقالت وهي تدعي الاسف
- لا اعجبتني جداً ... لكن !!!!
قطب حاجبيه الكثيفين وحثها قائلا بأهتمام
- لكن ماذا !!
اجابت بطفولية وتذمر
- لكن لماذا وضعت اسمك عليها !! كنت اتمنى ان تحتوي على حروف اسم انا !! بالنهاية انا من سيرتديها اليس كذلك ؟!
رفع حاجبه الايمن بتعجرف وغرور ثم اجابها قائلا بجدية وهو يمعن النظر بتقاسيم وجهها العابس المتجهم
- ومابه اسمي حبيبه خانم !!! ثم كيف تريدين ان اكتب اسمك على السلسلة هكذا ببساطة !! لا طبعا مستحيل ...مستحييييل
اجابت بتذمر واصرار وهي متعجبه من رفضه الصريح هذا
- ولماذا مستحيل يا زهير !!!
اجابها بحدة وجدية
- اتريدين ان تعرفي السبب !! حسناً سأقول لك لماذا ....لان السلسلة ستكون ظاهرة للعيان اي بمعنى ان كل من هب ودب في الشارع سيعرف اسمك ...وهذا ما لن اقبله بتاتا ...بتاااتاً

اتسعت ابتسامتها بغباء ...وهي تهمس داخلها بسعادة ... ربي لا تحرمني من اسدي الغيور ذو الدماء العراقية الحارة ...جعل الله روحي له فداء ..... بالرغم من ان كلامه تملكي وغير منطقي ابدا الا انها شعرت بالراحة والسعادة ....
- والان ان لم تعجبك سأرجعها للصائغ واستبدلها بواحدة اخرى لكن بدون اسماء !!!
سألها وهو يدعي الحزن والأسى ... اصبحت عيناه العسلية داكنه ولامعه ينظر لها نظرة قط يتيم فقط ابويه يستجدي الحنان والاهتمام ممن حوله ... ختم كلامه بتنهيدة عميقة وحارة جعلت قلبها يرق حزنا عليه وهي تلعن غبائها وتسرعها ... هل كان يجب عليها ان تمزح معه هذه المزحة السخيفة والسمجة !!!
هو يحبها وكل افعاله تدل على غيرته وتملكه الذي تعشقه دون ادنى شك ... لماذا جرحت مشاعره الحساسة بهذا الشكل ..اوف كم انت غبيه يا حبيبة ... همست وهي تمد يدها الصغيرة لتحتضن كفه السمراء التي كانت متكورة بقوة على الطاولة
- لا تستبدلها زهير ... كنت امزح معك ... لقد اعجبتني كثيراً
ارتخت ملامحه الماكرة العابسة واتسعت ابتسامته لتضيء وجهه الوسيم ...اجابها قائلا بأصرار وهو يدعي البرائة
- لا داعي للمجاملة حبيبتي ..انا ديمقراطي يمكنك ان تقولي رأيك بمنتهى الحرية وانا اعدك سأكون متفهماً ومراعياً ...
قاطعته بسرعة وقوة
- صدقا زهير لقد احببتها جداً ..يكفي انها تحمل حروف اسمك
تنهد براحة
- حسناً والان لنكمل احتفالنا في مكان اخر
اجابته متعجبة
- ماذا !!! مكان اخر
اجابها بثقة وهو يرفع حاجبيه
- امممم وهل كنت تظنين ان اليوم سينتهي بسرعة !!!! كلا جميلتي هناك مفاجآت اخرى بانتظارك
.............................
..........................
البصرة
..........
محتاجك حلم لو مر عليه الليل
محتاجك حزن لو غابت الدمعة
انا بدونك احسه العمر خلصان
وبس انت الوحيد التگدر اترجعة
......
يجلس بسيارته التي صفها بمحاذاة الرصيف المطل على شط العرب ... كان يريح رأسه على المقعد الجلدي نسمات الرياح الصيفية الرطبة الحارة تصفع صفحة وجهه بلسعاتها المحمومة .... لكنه لم يشعر بحرارتها ...فلهيب قلبه وانتظاره كان اكبر واكثر بكثير من لهيب الجو المستعر حوله ... حدق امامه بشرود يراقب قرص الشمس البرتقالي الذي كان على وشك الغروب .... يستمع لتلك الاغنية القديمة التي كانت تعرض في فترة التسعينات ( تسأليني ليش احبج )
كم كانت الحياة بسيطة وجميلة في ذلك الوقت ...قلوب البشر كانت نقية وبيضاء ...يعيشون على فطرتهم وعفويتهم ....لم يعرفو الكره ولا البغض ولا التفرقة في معاملتهم ..... رغم انه بذلك الوقت كان لايزال مراهقاً صغير الا انه يذكر كل التفاصيل الصغيرة الجميلة التي كان يعيشها مع اقرانه انذاك ... ليت تلك الايام تعود مرة اخرى ... ليت بلده يعود كما كان ....
فرك وجهه بيديه ثم قطب مفكراً وهو يعتدل بجلسته ليلتقط هاتفه النقال المرمي على المقعد المجاور له ... نظر لتلك الشاشة المطفئة الصامته بعينان ثاقبتان قلقتان .... متى سيرن ..متى سيصله جوابها !!!
هاقد مضى سبعة ...لا بل ثمانية ايام وستة عشر ساعة وخمس وعشرون ثانية ... وهو يعيش بحالة تشتت وعدم تركيز ... حتى عمله يقوم به بآلية وجمود ...كما ان سخرية والدته وكلماتها المبطنة التي باتت ترميه في وجهه كلما اجتمعا معاً اصبح يخنقه ويزعجه جداً ...
وكأنها تقول له بطريقة غير مباشرة ...هاهي الفتاة التي تحديت من اجلها والدتك قد رفضتك ...اشرب وتحمل نتيجة قرارك وانسلاخك عن عاداتنا وتقاليدنا !! للان يتذكر كيف تكلمت معه عندما كانو يجلسون في الصالة يأكلون طعام الغداء
- لم يردوا عليك للأن ؟!
رفع نظراته وهو يتوقف عن الأكل قائلا بهدوء
- كلا
مطت شفتيها ببرود وهي تقول باستفزاز
- اممممم ربما نسو الامر من الأساس !
ابتلع ريقه وهو يحدق بها مفكراً بأمكانية صحة كلامها !!! لا وليد لن يفعلها وينسى ابداً ...اجابها بجمود
- كلا امي لم ينسوا اطمئني ... فقط ادعي لي بالتوفيق !
هزت رأسها وقالت بهدوء قبل ان تعاود الاكل مرة اخرى
- ادعي لك يا ولدي ليلا ونهاراً ان يبعد الله عنك كل سوء و ينور بصيرتك وطريقك !
كلامها كان مكشوف له جداً ....لكنه تجاهل كالعادة ما قالته
عندما اتصلت بها ملك قبل عدة ايام اراد ان يخطف الهاتف من يدها ويكلمها بلهفة واشتياق... يستجدي الموافقة منها ان لزم الامر .... لكنه احكم السيطرة على انجرافه ورغبته .... مجبراً نفسه على التريث والصبر والانتظار .... لايهم الى متى سيطول انتظاره ... حتى لو انتظر لعدة اسابيع اخرى لايهم ...المهم ان توافق ... ان تكون بالنهاية له !! لكن مهلا ...ماذا سيفعل ان رفضته !! ربما هي رفضته فعلاً ووليد خجل من ان يبلغه قرارها ؟!!!
همس بصوت خافت ومتعب وهو يرجع رأسه مرة اخرى على المقعد ...هل حقاً رفضتي يا رضاب ؟! هل فعلا لا تريدين الاتباط بي ؟!
حتى لو كانت موافقتها تقتصر فقط من اجل ملك ..هو موافق ومرحب ...فقط فلتكون زوجته ... يكفي ان يراها تنتقل في ارجاء منزله ... امام ناظريه ... والله النظر لوجهها صباحاً سيكون اكثر من كافِ بالنسبة له ! لكن متى سيصله قرارها ..متى !!
خرج من السيارة وتوجه نحو السور الحديدي للجسر امسك به بقوة ثم رفع رأسه الى السماء هامساً بصوت يشوبه الحزن والهم
- ربي انت تعرف بأني لم انظر للحرام ابداً بحياتي .. ولعدة سنوات لم افكر بالارتباط ...قلبي خفق لها واختارها دوناً عن النساء كلهم .... يالله ...انت من زرعت حبها بقلبي ...فأجعلها من نصيبي يا ارحم الراحمين
.............................
اربيل مساءاً
..............
الوقت كان ليلا عندما وصلا الى جبل كورك والذي يقع ضمن الحدود الإدارية لأربيل .... يذهب اليه السياح من مختلف انحاء العالم .... خاصة في فصل الشتاء حيث يمكنهم ممارسة رياضة التزلج عليه
ذهبا الى قمة الجبل بواسطة المصعد الكهربائي (التلفريك) حيث يقع في قمته مطعم فخم والذي يعتبر المطعم الأعلى في العراق والمنطقة...... تناولا هناك وجبة العشاء ثم أخذها في جولة طويلة الى احد دور الاستراحات المنتشرة قرب الشلالات العملاقة .... حيث الحفلات والدبكات الكردية تضج في المكان الى ساعات متأخرة من الليل وكأنهم يقيمون كرنفالاً يومياً ....
كانت حبيبة تشعر وكأنها تسير فوق الغيوم .... تحيط بها وتدور حولها النجمات اللامعه من كل اتجاه ... كم هو رائع ان تسير الفتاة مع زوجها ...سندها .... حبيبها وهي مرفوعة الرأس ...تسير معه بالحلال دون خوف او خجل او تردد .....ذراعها تلتف حول ذراع زهير بقوة وتملك .... قلبها يتراقص من شدة السعادة
دلال زهير وعشقه الواضح بتصرفاته وهمساته كانت لها الاثر الكبير في زيادة ثقتها بنفسها ....بدت وكأنها فراشة خرجت للتو من شرنقتها الخجولة التي كانت تدفن نفسها بها لسنوات طويلة .... وكأنها تخشى السخرية والاختلاط بالناس
اجلسها زهير على احد الكراسي وهمس قائلا بمكر وتسلية
- اجلسي هنا وراقبي ما سأفعله
امسكت ذراعه وهي تلتفت حولها بحرج هامسه بخفوت
- انتظر زهير الى اين ستذهب وتتركني وحدييييي
غمز لها بتسلية واجبها وهو يبتعد عنها
- الان ستعرفين
راقبته كيف توجه الى المنصة الخاصة بالموسيقيين ... اخذ الميكروفون وهمس ببعض الكلمات مع احدهم قبل ان يهتف قائلا بفكاهة وجراءة لم تعرفه بها ابدا
- سيداتي سادتي اليوم سأغني لكم اغنية بصوتي المتواضع واهديها لخطيبتي الجميلة

احتبست انفاسها وقد تحول وجهها للون احمر ناري وهي تلتف حولها بارتباك ....الحمدلله انه لم يشير عليها او يذكر اسمها هذا المجنون المتهور .... رباااه مالذي يحاول فعله بالضبط !!!
عضت شفتها بقوة وهي تحاول كتم ضحكاتها وهي تستمع لصوته الخشن المضحك الذي بدأ بغناء اغنية باللغة الكردية

تعالي ايتها الجميلة ذات العيون الكحيلة
تعالي تعالي لأحضاني
ارجوك لاتهزي الشوارع بضحكتك
يكفي لا تحرقي قلوب الشباب بمشيتك
دلعك وحركة شفتيك وصوت كعب حذائك
سرقت قلبي بدلع وحيلة
على مهلك وبهدوء
وعلى اطراف اصابعك تمشين بشوارع المدينة
وتحرقين القلوب
تعالي تعالي ولا تفعلي هذا بي
ارجوكِ تعالي ولا تخجلي
يكفي لا تعذبيني
ارجوك لا تتدللي واعطني قبلة ... فقط قبلة صغيرة

كان يغنيها بانطلاق وسعادة وهو يرقص تارة فاتحاً ذراعيه وتاره يقف ويغمزلها ويحرك حواجبه بتسلية ...كانت تفهم بعض الكلمات العابرة فيزداد قلبها خفقاناً وسعادة ....والشيء المضحك ان الجميع شاركوه الغناء والرقص ....
بعد مرور فترة طويلة عادا الى المنزل والسعادة ترفرف فوق رأسيهما .... وما ان نزلا من السيارة حتى توقفت سيارة شرطة امام منزلهم بالضبط ...وكأنهم كانوا يترقبون وصولهم .... نزل شرطيان ضخمي الجثة قال احدهم بصوت باردة وحاد
- السيدة زهير اكرم ال.... ؟!!
اومأ زهير بفضول واجابهم بشك
- اجل سيدي انا زهير ماذا هناك ؟!
امسك الشرطي من ذراعه وقال بهدوء
- تفضل معنا الى المركز هناك امر باستدعائك
هبط قلب حبيبة الى قدميها والصدمة جعلتها كالمشوشة ... همست بصوت ينبئ عن موجه هستيرية من البكاء
- م..ما....ذا ...هناك زهير !!!!!!
التفت ينظر لها مقطباً حاجبيه بحدة وامرها بصوت حاد
- اذهبِ الى الداخل هيا
- لكن
قاطعها بقوة وحدة وقد اضلمت ملامحه الوسيمة
- قلت اذهبِ الى الداخل ... مجرد سوء فهم انا متأكد من هذا ...دقائق واعود ان شاءلله !
امسكت حبيبة ذراع زهير لتوقفه عندما لاحظت الشرطي يسحبه من ذراعه الاخرى بقسوة .. ثم قالت بصوت مرتجف ودموعها بدأت بالظهور بينما وجهها شاحب للغاية
- سيدي ...سيدي ارجوك اتركه هو لم يفعل شيئاً ارجوك
التفت لها زهير وقال بغضب
- قلت اذهب الى الداخل تبا حبيبة هييييييييييا
اومأت ودموعها بدأت بالهطول على وجنتيها بغزارة ....دلفت الى الداخل ونظراتها معلقه على الطريق الذي اختفت فيه السيارة خلف البيوت المنتشرة
................................

نهاية الفصل الثلاثون


Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 27-07-19, 02:02 AM   #95

bobosty2005

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية bobosty2005

? العضوٌ??? » 345060
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,798
?  نُقآطِيْ » bobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond reputebobosty2005 has a reputation beyond repute
افتراضي

الأحداث تزداد جمالا 👍فصل عن فصل وهناك جديد دائما 👏
رضاب محتارة و معاذ بالانتظار 💃

تبارك تتألم وعزوز منكسر 😒

غسق لسانها مؤذى و وليد مجروح ✋

حبيبه و زهير ربنا يستر من القفلة كانوا ماشيين فل الفل ولكن 🤔



والدة معاذ تحب فرض سيطرتها على من حولها انانيه يعنى هى كانت سحرت لزوجها قبل ذلك لتتهم رضاب عجيب أمرها 🙄
أما سناء فالجزاء من جنس العمل يمهل ولا يهمل 🙏



سعدت بمتابعتك عزيزتى 🤗 ما اجمل قلمك عاشت ايدج 😍 💖💖


bobosty2005 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-07-19, 08:55 PM   #96

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة bobosty2005 مشاهدة المشاركة
الأحداث تزداد جمالا 👍فصل عن فصل وهناك جديد دائما 👏
رضاب محتارة و معاذ بالانتظار 💃

تبارك تتألم وعزوز منكسر 😒

غسق لسانها مؤذى و وليد مجروح ✋

حبيبه و زهير ربنا يستر من القفلة كانوا ماشيين فل الفل ولكن 🤔



والدة معاذ تحب فرض سيطرتها على من حولها انانيه يعنى هى كانت سحرت لزوجها قبل ذلك لتتهم رضاب عجيب أمرها 🙄
أما سناء فالجزاء من جنس العمل يمهل ولا يهمل 🙏



سعدت بمتابعتك عزيزتى 🤗 ما اجمل قلمك عاشت ايدج 😍 💖💖


ردة فعل عزوز طبيعية لأن هو يفكر بـأن تبارك تستاهل شخص احسن منه وأن موافقتها على الارتباط به جاء نتيجة شعورها بالشفقة .... يحتاج دليل قوي وقاطع حتى يحسم أمره ويتاكد من حبها الصادق

غسق راح تظل مندفعة ولسانها طويل الصراحة ماحبيت شخصيتها ابدا رغم اني الكاتبة هههههههههههه
لا هذوله حبيبة وزهير انحسدو احنا حسدناهم على الحب والسعادة اكثر كبل مطنشين الدنيا ومقضيها حب وغرام ههههههههههههههههههههههه

تعرفين شنو مشكلة والدة معاذ ؟ المشكله انو هي تشعر بالغيرة من حب حفيدتها وولدها لرضاب الغريبة عنهم ...كيف استطاعت ان تحوز بحبهم واهتمامهم بهذه السرعة !
أما مشكلتها الثانية هو كيف ابنها البكري الشاب والي تتمناه اغلب البنات في البصرة يتزوج بنت مطلقة ؟ للاسف نظرة المجتمع العراقي خاصة والعربي عامة مجحفة جدا لفئة المطلقات وكأن السبب بالطلاق لازم ولابد ان يكون من الزوجة وليس من الزوج


سناء وهمام يستحقون كل مايحصل لهم
شكرا على متابعتج وشكرا على تعليقج الرائع نورتيني حبيبتي


Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 27-07-19, 10:01 PM   #97

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

سلام حبيباتي
اليكم الفصلين
الفصل الواحد والثلاثين
..............................
كلما اقتربت منك ابتعدت عني أميال
كلما دنوت بالجلوس بقربك تراجعت عني أميال وأميال
أصبحت كالموج لا يهدئ .. لا يكل و لا يمل ..
دائما يتراجع .. دائما هو الغامض .. هو المهلك
هو الجارح .. هو المبكي
.................

المسافة الفاصلة بين البوابة الخارجية للمنزل وباب الصالة كانت لا تقل عن بضعة امتار قليلة الا انها احست وكأنها تركض الان الآلاف الاميال التي لا تنتهتي ابداً ....
الدموع شوشت الرؤيا ...وضربات قلبها وصلت لعنان السماء .... المشاعر التي تعصف داخلها لا تستطيع ان تترجمها ملايين الكلمات ....... وكأن جسدها كان مخدراً ....قدميها ثقيلتان لا تستجيبان لأوامرها !!
دلفت الى الصالة اخيراً ...انفاسها لاهثة ..... لاهثة ليس من الركض السريع لا ...بل من الخوف والذعر والارتباك .... توجهت نحو وليد الذي كان يجلس قرب والدته تشاركهم الجلسة الخالة سعدية ..
ما ان رأوها بهذا الشكل ...حتى توثبت حواسهم جميعاً ... هب وليد وقفاُ وهو يقطب حاجبيه قائلا بتساؤل
- مابك حبيبة !! ماذا هناك !!
ظلت لدقائق تمتمت في الكلمات التي كانت تخرج من بين شفتيها متقطعة وغير مفهومة ... قال لها وليد وقد اخذ القلق منه مأخذه
- اهدئي قليلا واخبرني على مهل مابك ؟!
اجابت بأنفاس متقطعه وعيناها تذرف الدموع دون توقف
- الشرطة.....اخذ....ت ...ز... هير ... قبل ..قليل
هتف بقوة وقد اتسعت عيناه بدهشة وعدم تصديق
-ماذا !!!! الشرطة اخذت زهير ! لكن لماذا مالذي حصل !
- لا..لا ..ادريييييي ...
قالتها وهي تهز رأسها وتكتم شهقاتها بيدها بينما سعاد ضربت صدرها بقوة وهي تصرخ بذعر
- يا ويلتاه عليك يازهير ! مذا فعل ولدي ليأخذوه !!!!
انهارت على الارض تضرب صدرها وهي تبكي بهستيريه .... اسرع وليد اليها مهدئاً فيما دلفت كلا من غسق وتبارك ورضاب الى الصالة ... اخذت سعاد تبكي بنحيب يقطع القلوب وهي تقول
- اذهب الى اخيك يا وليد ..اذهب اليه بسرعة ...اعد لي ولدي !
اجابها وليد مطمئنا بهدوء
- اهدئي امي .... اهدئي بالتأكيد هناك سوء فهم ...الان فوراً سأذهب اليه ونعود معاً لا تقلقي !!
هتفت سعاد ببكاء حار تشاركها سعدية بكائها وقلقها
- كيف اهدأ ... والزمن قد تغير واصبح كل شيء في العراق مقلقاً ومخيفاً
جلست تبارك قرب والدتها وهي تهدئها بعينان دامعتان بينما قلبها يخفق بقوة وذعر
- ان شاءلله سيعود مع وليد يا امي فقط كفي عن البكاء ارجوكِ !
خرج وليد من المنزل ... جلست حبيبة قرب خالتها سعاد تشاركها البكاء الحار ... بينما اكتفى البقية بالصمت والحزن .... مكتفي الأيدي لا يستطيعون فعل شيء سوى الدعاء والتضرع
.......................
....................................
البصرة امام احد المقاهي المطلة على شط العرب
..................

يجلس في المقهى الشعبي المطل على جرف شط العرب ... يراقب تصرفات معاذ وهو يضع يده على خده ...لهم الان ما يقارب الساعة وهما يجلسان .. كل ما فهمه من كلام معاذ الغير مترابط والمرتبك بأنه يريد رؤية حبيبة قلبه التي قلبت كيان ابن عمه الرزين البارد ....
حسناً معاذ يبحث عن عذر لكي يسافر لأربيل وهو سيساعده بإيجاد المبرر المنطقي ...سيساعده كما تعود ان يفعلها في كل مرة
- لماذا لا تسافر اليهم ؟!
قالها حيدر وهو ينظر لوجه ابن عمه الفاضح ... اجل عشقه وحبه كان واضح امامه وضح الشمس في كبد السماء ... وهذا الامر اسعده جدا ... فالماضي المؤلم الذي عاشه معاذ جعل منه انسان بارد المشاعر .... صلب من الخارج لكنه وحيد ومتالم من الداخل .... ربما حاول ان يبين للناس انه يعيش برحة وسعادة وكل شيء على مايرام الا انه لن يستطيع ادعاء ذلك امامه ....
كل شيء كان مكشوفا له ومعاذ يعرف بهذا ... يعرف بانه لن يستطع الكتمان او الادعاء امام حيدر صديقة واخيه المخلص لذلك كان دائما يتكلم معه بصراحة مطلقة .... وهاهو الان يعرب امامه عن اشتياقه لها ...لكن بطريقه غير مباشرة ....
يجلس امامه كطفل صغير حائر لا يعرف ما عليه فعله !!
رفع معاذ نظراته الحائرة اليه وقال
- لكن كيف اذهب وانا للان لم اعرف جوابهم على طلبي !!!!
اجابه حيدر ببساطة تامة
- وما دخل سفرك بطلبك ليد المستور عليها !!!
- لم افهم
اجابه بنفاذ صبر وهو يعتدل بجلسته
- رباه معاذ اذهب اليهم ككل مرة تذهب بها بسبب ملك !
ضيق معاذ عينيه مفكر باقتراحه ... ربما حيدر معه حق ! يذهب بحجة ملك وهي بالفعل تلح عليه وتريد الذهاب اليها ..اذن فهو لم يكذب ! لكنه بنفس الوقت يخشى ان يسبب الاحراج لوليد ...فلربما ظن بأنه يضغط عليه او يضعه امام الامر الواقع !
اجابه معاذ بحيرة
- لكن ربما اسبب لهم الاحراج بذهابي قبل ...
قاطعه حيدر مبتسما له نصف ابتسامة متفهمة
- لايوجد احراج يا معاذ ... اليك ما ستفعله بالضبط ..... انت ستأخذ ملك اليهم ولن تفتح موضوع الخطبة ابداً ....
التفت معاذ ناحية ينظر ناحية شطر العرب الذي انعكست على سطحه أضواء المحلات الملونة ....منتشرة فوقه وكأنها عملات ذهبية ..... ليردف حيدر بمكر
- هيا معاذ ...اذهب واضرب عصفورين بحجر واحد ...ملك ستزور والدتها الروحية وانت تملئ عينيك من حبيبة القلب وزوجتك المستقبلية .....
ما ان نطق حيدر جملته الاخيرة حتى التفت معاذ ينظر له بلهفة لم يستطع اخفائها ....عيناه الزيتونية اصبحت فاتحة اللون للغاية .... ازاد ضخ الدماء الحارة في اوردته ....كلمة زوجتك ....كم هي رائعة ...وكم لمست مشاعره وعزفت مقطوعة موسيقية ناعمة على اوتار قلبه .... الدفئ تسلل لحناياه دفئ لذيذ ورائع يشبه دفئ عينيها البنية الجميلة .... همس بصوت اجش بينما اطرق بنظراته على الطاولة يحدق بأصابعه التي اخذت تعبث بطرف قدح الشاي الموضوع امامه
- اتظن ذلك !!!!!
سحب حيدر نفساً عميقاً مشبعاً بالهواء المنعش الذي اختلطت رائحتة بروائح الشاي المهيل المنتشر بالمقهى ... بينما شعر بالسعادة والاطمئنان ....الان هو متأكد بأن معاذ يحب تلك المرأة فعلا ...خاصة عندما لم يثور او يعلق على كلامه الاخير
- اجل يا صديقي ...اذهب وانت مطمئن الباااال !
...................
...............................
اربيل في مركز الشرطة
................
يجلس امام ضابط التحقيق وهو ينظر له بملامح مظلمة وعابسة .... وما ان انتهى من كلامه او بمعنى ادق انتهى من توجيهه لأصابع الاتهام اليه ... عندما جاء مع الشرطيان فكر بأن هناك خطأ او سوء فهم في الموضوع .... لكن ما يقوله هذا الضابط الان شيء لايصدقه عقل !!
هو متهم بأستبدال المواد الإنشائية بأخرى اقل جودة !!! من اين جاءتهم هذه الفكرة ومن له المصلحة باتهامه هكذا اتهام خطير !!
اجاب زهير بجمود
- وما علاقتي انا بكل ما قلته سيدي !
ارجع الضابط ظهره الى الوراء مسترخيا وقال ببرود
- علاقتك !!! حسناً علاقتك هو انك قمت بالتوقيع على فواتير استلام المواد على انها مطابقة للمواصفات والجودة وصالحة للبناء هذا بالإضافة لاختفاء بعضاً من مواد الحديد الصلب والخرسانات الخاصة بالمشروع !
اجابه زهير بهدوء بينما يشعر الان بأنه مغفل وغبي بكل ما تحمله الكلمتان من معنى ....
- لم اوقع على استلامها وحدي ... هناك مهندسان اخران يشاركاني في الاشراف على المشروع !
قال الضابط بلهجة ساخرة
- بالطبع الكل سيشرف للتحقيق معه لا تقلق ..
تنهد زهير بتعب ... كل الكلام الذي قاله ومبرراته ذهبت ادراج الريح .. هذا الضابط لا يصدق كلمة مما يقوله له ... قال بهدوء وجمود
- سيدي اقسم لك اني ....
قاطعه الضابط مسرعا وهو ينحني بجذعه الى الامام سانداً ذراعية على سطح المكتب
- دون اللجوء الى القسم لانها لن تجدي معك نفعاً ....انت وزميليك متهمين بالاشتراك في هذه القضية !!
صمت قليلا ثم سأله بحدة
- هل لك ان تخبرني من اين لك المبلغ لشراء سيارة فارهة وثمينة كسيارتك التي اشتريتها مؤخراً
نظر له زهير بتعجب وذهول ....الظاهر بأنهم مصرين على إلباس التهمة وإلصاقه به !! اخر ما فكر به هو انهم سيبحثون عن مصدر شرائه لسيارته ايضاً !
اجابه بقوة وهو يشعر فعلياً بأنه على وشك السقط داخل حفرة عميقة مظلمة لا قرار لها ..... مكبلا بخيوط عنكبوت سام احكم توثيق يديه وقدميه بقوة لا فكاك منها
- سيدي سيارتي اشتريتها من حر مالي ....
قال الضابط بلهجة باردة استجوابيه
- ومن اين لك هذا المال !
اجابه زهير بهدوء وهو جامد الملامح
- حسناً ...لقد قمت بمقايضة سيارتي القديمة ودفعت ربع ثمنها ..اما المبلغ المتبقي فقد اتفقت مع صاحب المعرض على دفعها بشكل اقساط ...وتستطيع التأكد بنفسك !
-بكل تأكيد سنتأكد من كل شيء سيد زهير
وجه كلامه للضابط الذي كان يدون كل ما يقوله زهير ..
- يحبس اربعة ايام على ذمة التحقيق
مهما قال ومهما تكلم لن يصدقوه ابداً ...امر الشرطي بأخراجه من غرفة التحقيق وما أن خرج حتى رأى وليد واقفاً ينتظره في الردهة الجانبية ...
اسرع اليه وليد قائلا بأهتمام بالغ وهو يلقي النظر على الشرطي الذي يمسكه من ذراعه بقوة
- مالذي جرى زهير !!!!
حكى له زهير القصة بكلمات مقتضبة وهو يسير مع الشرطي ثم ختم كلامه قائلا بثبات وثقة وهو يركز على وجه اخيه الشاحب
- اقسم لك يا وليد ...اقسم بالله العظيم بأني لم اسرق قرشاً واحداً ولم استبدل تلك المواد !
اجابه وليد مطمئنا
- لا حاجة للقسم يا زهير انا متأكد من ذلك دون ان تقسم لي اخي !
حثه الشرطي على السير قائلا
- هيا معي ايها المتهم لايجوز لك التكلم هذا مخالف للقوانين !
وقف وليد ينظر لاخيه الذي اخذ يبتعد عنه رويدا .... رويداً .... وهو حائراً لا يعرف ماعليه فعله ... لم يكن يظن ان الامور ستكون بهذا السوء !!! كيف حصل كل هذا !!! واين كان هو من حياة شقيقه ؟! هل هو من اهمله ويتحمل نصف مسؤولية ما حصل ؟! ام ان السبب من زهير
الذي بات في اخر فترة مبتعداً عنه .... وهو قد ظن بأن زهير لم يعد بحاجة له ولمشورته !!!
صرخ بصوت قوي وقد تسلل لقلبه اليأس وقلة الحيلة
- لا تقلق يا زهير ..سأوكل لك اشهر محامي في البلدة وستخرج ان شاءلله
......................
.................................
تجلس بغرفتها تبكي بهستيريه ...صوتها بات مبحوحاً ... وعينيها منتفختان وحمراويتان ...كانت تضم ساقيها الى صدرها بقوة ...منظره وهم يأخذوه لا يبارح مخيلتها ... دفنت وجهها في حجرها من جديد وعادت الى نوبه بكاء اخرى ...
مالذي حصل ! هل كانت متوهمة بأنها تعرف زهير جيداً ؟ هل خدعهم زهير ! هل التهمة الموجهة اليه حقيقية فعلا !!!!
عادت لتلوم نفسها بقسوة .... هامسه بسرها .... ربااااه حبيبة .... كيف تفكرين !!! كيف تشكين بزهير الذي عشت معه اغلب سنوات عمرك ؟!
انت الوحيدة التي من المفترض انك تعرفيه جيداً !! تفهميه من نظرة واحدة ! انت اقربهم اليه .... وهو بحاجة لك الان .... كيف تخذليه وتظنين به ظن السوء !
مستحيل ...مستحيل ...زهير بريء لن ولم يفعلها حتى وان مات جوعاً !!!

كانت تبارك تجلس امامها على السرير فيما اتخذت رضاب الجانب الاخر ....تحتضن كتف شقيقتها بحزن ....
- يكفي بكاء حبيبة ....زهير سيخرج من الحبس ان شاءلله
اجابت بأنكسار وهي لاتزال تضم رأسها بين ساقيها
- انتِ لا تشعرين بي يا تبارك ...لا احد منكم يشعر بالنار المشتعلة في صدرررررري !!!!
اجابت تبارك بلهجة معاتبة
- سامحك الله يا حبيبة ...أتعتقدين بأني لا اتألم من اجل اخي !!!!
رفعت حبيبة وجهها وهمست بينما الدموع تسيل على خديها بغزارة
- ليس هذا ما اقصده يا تبارك لكن ... انا ...انا ... فقط ... فقط ... اريد زهير ..اريده الان ...لا طاقه لي على مجرد التفكير بأنه محبوس بين اربعة جدران
انقلبت شفتيها كالاطفال وأكملت ببكاء حاار
- انا اموت يا تبارك ..امووووت ..
احتضنتها تبارك بقوة وهي تهدئها بكلمات مشجعة ومطمئنة ... لكن هي الاخرى قلقلة على اخيها وتكاد تموت ذعراً من اجله ...وبصفتها الاخت الكبرى يجب عليها ان تخفف عن الجميع ...تكتم وجعها وقلقها داخل اضلعها .... تبين قوتها لهم وهي من الداخل هشة وضعيفة تحتاج هي الاخرى الى الدعم والمساندة ايضاً !!
خاصة وان الدتها المسكينة التي رقدت في الفراش اثر ارتفاع مفاجئ في الضغط .... الخالة سعدية تجلس جانبها ولم تتركها ابداً ....
همست حبيبة بحرقة ولوعة
- لماذا كلما امسكت السعادة بيدي تعود لتتسرب من بين اصابعي مرة اخرى ...لماااااااذا ...لماذا يا تبارك فقط اخبريني لماااااذا
همست تبارك بعينان دامعتان وهي ترفع نظراتها لرضاب التي ظهر التأثر والحزن على ملامحها بينما شددت من احتضانها لحبيبة
- لاتقولي هذا الكلام حبيبة ....ادعيه له وتفاءلي بالخير وان شاءلله كل شيء سيكون على مايرام

.......................
.............
دلف وليد لغرفة والدته التي كانت تأن الماً وهي ممددة في فراشها ...تجلس جانبها العمة سعدية تواسيها بحزن لا يقل عنها .... ما انراته عمته حتى هتفت بلهفة
- ابشر يا ولدي ماهي الاخبار ؟!
جلس امام والدته ثم امسك يدها هامساً بتعب
- لايزال الوضع كما هو عليه عمتي !
اخذت سعاد تنوح ببكاء وهي تقول
- ماذا يعني هذا يا وليد ! هل سيظل زهير محبوساً خلف القضبان ونحن نقف نتفرج عليه مكتوفي الايدي ؟!!
اجابها وليد بهدوئه المعتاد رغم الالم الذي يعتصر قلبه عصراً من اجل شقيقه لكن حتى وان ثار واظهر تأثره هذا لن يفيدهم بشيء بل سيزيد وضع والدته سوءاً ....لذلك هو ملزم بتهدئتها وطمأنتها
- لا تقولي هذا الكلام اماه ...لقد وكلت له محامي شاطر جداً ان شاءلله سيتمكن من اخراجه بكفاله مالية مهما بلغ ثمنها ! فقط اصبري وادعي له
همست بصوت مرتجف ومتضرع وهي تكاد تموت من القهر والحزن متخيلة ولدها المدلل العزيز اخر العنقود محتجز خلف اربعة جدران .... ولا تعرف كيف هوحاله الان
- لك الله يا زهير ..لك الله ياولدي
...................
........................

وصل الى اربيل عصراً وتوجه مباشرة الى منزل وليد ....
والدته استقبلت خبر سفره ببرود وسخرية كانت تقف تراقبه وهو يمشط شعره امام المرآة وهي تكتف ذراعيها وتقول بعد رضا
- هل السفر الى اربيل امر ضروري لا يحتمل التأجيل ؟!!!!
التفت ينظر لها مجيباً بهدوء
- ملك تريد رؤية والدتها امي !
تمتمت بسخرية
- اجل ملك بالفعل !
ابتلع ريقه واجابها وهو يتحاشى النظر لوجهها
- ماذا يكون غير ذلك اماه ؟
هزت رأسها واجابت بقوة وحقد
- انت تتذل لها كثيراً يا ولدي ..اثقل قليلا هي لن تطير كما انها كلما رأتك متلهفا عليها بهذا الشكل كلما زاد تعززها ودلالها عليك !!!
قطب قائلا بضيق وانزعاج
- ماهذا الكلام الذي تقوليه امي ! رضاب ليست كذلك !
هزت رأسها وقالت بجمود وحدة وهي تضع يد فوق الاخرى بقلة حيلة
- والله انت ستصيبني بالجلطة بسبب تساهلك وغبائك ... هذا حالك وانتما لازلتما على البر كيف سيكون الوضع عندما تتزوجا !! لربما ستجلس على كتفيك وتدلدل قدميها ...وتطلب منك ان ترميني في مركز رعاية المسنين !
ثم اخذت تولول وكأنه فعلا فعل ذلك بها
- اااه يالك من قليلة الحظ يا هدى سيرميك ولدك الوحيد وسندك في دار رعاية للمسنين ... هذا هو آخرة سهري وتربيتي وتعبي عليك ....
ثم صرخت بقوة وهي تتوجه لتجلس على طرف السرير
- لقد رفضت الزواج من اجلك انت واخيك رحمه الله !
قطب معاذ حاجبيه الكثيفان وتوجه مسرعاً لها .... مستغفراً الله بسره .. متعجباً من المنحى الذي وصل اليه حديث والدته ... ركع على ركبته وقبل يديها قائلا بعطف وحنان
- كفي عن البكاء امي ..انت الخير والبركة وتاج رؤوسنا ..ماعاش من يهينك او يسبب بأنزال دمعه واحده من عينيك ... صدر البيت لك والعتبة لنا ...فقط ارضي عني انتِ !
مسحت دموعها وقالت بأبتسامة فخورة
- بارك الله فيك يا ولدي وحزام ظهري ... ورضي عنك يا نور عيني وابعد عنك كل سوء !

تصرفات والدته باتت تحيرة ... تتصرف وكأنها امرأة غيورة .... كل دقيقة تتذمر من امر جديد ... يحاول ارضائها بكل طريقة ...لكن جل ما يخشاه الان هو كيف ستكون حياة رضاب معها ... هو يعرف ان والدته طيبة القلب وحنونة ... وهي تحتاج لبعض الوقت لكي تكتشف معدن رضاب الطيب وهو متاكد من انها ستحبها وتتقبلها في النهاية ! الامر المهم هو قدرة تحمل رضاب وصبرها على مزاج والدته المتقلب !!!!

عاد من شروده على صوت ترحيب وليد له وهو يدلف الى الصالة ...كان يبدو مهموماً ومنزعجاً للغاية ...تسلل الارتباك داخله ...ربما هو يفكر بأنه جاء بغية الضغط عليه بشائن موضوع الزواج من رضاب !!!!
- اسف لمجيئي هكذا فجأة يا وليد لكن انت تعرف ملك متعلقه بالسيدة رضاب كثيراً و...
قاطعه وهو يجلس جانبه قائلا بلطف
- لا تعتذر معاذ ..انت مرحب بك في اي وقت !
اومأ وهو يتفحص وجة وليد المتعب ..كان يبدو عليه الشحوب والتوتر لم يستطع منع نفسه من الاستفسار متسائلا
- مابك وليد ..اشعر بأنك لست بخير !!
تنهد وليد بعمق ... معاذ اصبح اكثر من صديق بالنسبة له ..وهو بالفعل يحتاج لأن يتحدث ويفرغ مافي قلبه الى شخص مقرب ... في الايام الماضية كان يكبح لسانه من النطق امام والدته التي تزداد انهياراً وسوءاً كلما ذكر اسم زهير امامها
- انه زهير يا معاذ !
قطب معاذ بعدم فهم وقال بهدوء
- مابه زهير ؟!!
...................................
لندن
............
خرج من عيادته الخاصة وهو يحتضن كتف تلك الشقراء التي كانت تبادله الضحك والهمسات برقة هذه هي عشيقته الجديدة التي تعرف عليها مؤخراً بأحدى الحانات في لندن ... اصبح يجدد علاقاته النسائية كل يوم .... اول امس كان مع سمراء واليوم التالي مع صهباء ...والليلة اختار شقراء فاتنة ....
يحاول قدر استطاعته النسيان وادعاء ان كل شيء على مايرام ..... وان ما يصيبة في الفترة الاخيرة هي مجرد اعراض اجهاد يمر به موقتاً وستختفي ككل مرة ....
ارتجاف يديه بات يقلقه كثيراً ...خاصة يده اليمنى .... العملية الاخيرة التي كان يقوم بها كانت مفزعة بالنسبة له ...فما ان امسك المشرط بأصابعه ... حتى ارتجفت يده بقوة ولم يعد بأستطاعته ان يركز على الجزء الذي يفترض به اجراء العملية ....

اصبحت هذه الرعشة تؤثر بالنشاطات العامة والاساسية في حياته المنزلية والطبية ... في بادئ الامر كانت نوبة الرعشات تأتيه خفيفية وبأوقات متباعدة ... اما الان ....فالأن باتت يديه ترتعش بكثرة ...
لقد احضر خادمة الى منزلة لكي تقوم بأنجاز اموره التي اصبحت أكثر صعوبة عليه في الفترة الاخيرة ...
يا الهي هو حتى اصبح يأكل بصعوبة ايضاً .... الان كل ماعليه هو اخذ الاحتياطات الازمة اثناء العمل لتجنب الاصابات التي قد تحدث للمريض الذي يعالجه وله ايضاً ..
اعتقد في بادئ الامر ان مايصيبة هو بسبب القلق والتوتر النفسي لذلك عمد الى الاسترخاء .. واخذ اجازة طويلة من العمل ... لكن ايضا لا فائدة ؟؟؟؟
لذلك قرر الذهاب الى الطبيب الذي زيد قلقه وضاعفه اضعاف مضاعفة حين قال له بمنتهى الصراحة
- - نحن سنجري الفحوصات اللازمة ويمكن نقضي على هذا الارتعاش بالادوية الخاصة بهذا المرض اذا اكتشفنا مصدره ... اما ان كانت رجفة اليدين ناتجة عن الرعاش مجهول السبب فللأسف من غير الممكن ان يتم علاجه ... ولكن اطمئن يوجد بعض العلاجات التي تقلل من الاعراض المرتبطة بهذا المرض لكنها لن تشفيك نهائياً !!!

كلام الطبيب جعل الرعب يدب في قلبه ..... مستقبله المهني بات على المحك ...... هل من المعقول ان كل ما سعى اليه في الأعوام المنصرمة وكل النجاحات التي حققها ستنتهي هكذا بلحظة واحدة !!!!!!!
...............................
.........................................
اربيل صباحا
...............
احتضنت بطنها بقوة ودفنت وجهها في الوسادة ... تشعر بألم رهيب يقطع امعائها ...اه انه الم الدورة الشهرية ....الذي يصاحبها كل شهر ....
لكن ألمها الحقيقي كان روحيا اكثر منه جسدياً .... يؤلمها تجاهل وليد لها ...لم تكن تعرف انه يمتلك قلب قوي وقاسي بهذا الشكل .... فقط لو يعطيها فرصة ثانية ويسامحها والله لن تعيد ما فعلته مرة أخرى .... هي تعرف انها لحوحة جداً وحتى والدتها نصحتها بالتقليل من طبعها العنيد هذا ... الا انها لم تستطع التحكم بمشاعر الغيرة التي عصفت داخلها منذ رأت تلك المرأة !!
ها قد مر اليوم الثالث على التوالي وهو لايزال يتجاهلها ... صحيح هو مشغول البال بقضية زهير لكن هذا لا يمنع من ان يأخذها الى أحضانه ليلا ..تلك الأحضان الحانية التي حرمت منها لثلاث ليال ..... ثلاث ليال وهي تنام في جهة وهو في جهة اخرى كالغريبين .... الى متى هذا العقاب القاسي سيستمر !!!!
خرج وليد من الحمام ودلف الى الغرفة كالعادة صامتاً صلباً ...نظراته باردة وجليديه ....كان ينشف شعره بالمنشفة وهو يتعمد تجاهلها المستمر ...رغم رغبته المحرقة بالانقضاض عليها ما ان يراها ....
بدأ بارتداء ملابسه استعداداً للخروج و رؤية المحامي الخاص بقضية زهير عل وعسى ان يستطيع إخراجه بكفالة مالية ....مهما كانت قيمتها !!!
سمعها تان بألم .. تدفن نفسها بين طيات الأغطية .... في بادئ الأمر ظن بأنها حيلة تفتعلها لكي تؤثر عليه ..... الا ان أنينها لم يكن طبيعياً ...كانت تتألم بقوة تقدم نحوها بهدوء وجلس على طرف الفراش .... ادرا جسدها ناحيته وحدق بوجهها الشاحب بتركيز واهتمام
- مابك غسق ؟! مالذي يؤلمك ؟!
لم تصدق اذنيها عندما سمعت صوته ولمست اهتمامه ... رفعت نظراتها الدامعة هامسة بعتاب ولوم
- وهل يهمك أمري يا وليد ؟!
تنهد بتعب وارتخت ملامحه العابسة ...صمت لبرهة يحدق بعينيها الحمراويتين التي بدت زرقتهما فاتحة جداً ونقية جدا جدا وكأنها سماء صافية في يوم ربيعي مشمس .... أجابها هامساً بمراوغة و ابتسامة صغيرة ارتسمت على شفتيه
- وهل تحتاجين لإجابة لسؤلك الساذج هذا سيدة غسق ؟!!!!
تنهد وقالت بحزن وهي تسبل اهدابها
- اااه منك يا وليد ...بت لا أعرفك مؤخراً ...بل وكأني اكتشفت بك أنسانا جديداً يختلف عن وليد حبيبي الحنون الذي تزوجته وأحببته بكل ذرة من كياني !!!
قطب قائلا بتساؤل وقد تراقصت التسلية في عمق عينيه الداكنتين
- احببته !!!! أحببت فعل ماضي هل هذا يعني انك لم تعودي تفعلين الان !!!
رفعت عينها بسرعة ثم التقطت كفه الضخمة لتقبل باطنها بعمق ثم اراحت وجنتها على باطنها وهي تقول بصدق انعكس بنظراتها اللامعة
- بل احبك يا وليد ..احبك اليوم وغداً ... وطوال العمر ... ستظل انت من يسكن قلبي وعقلي واحلامي الى الأبد !
مرر ابهامه على وجنتها الناعمة وظل يحدق بها بصمت .... ربما الايام السابقة كانت كافية لمعاقبتها !!! نظراتها ودموعها وندمها الواضح جعل قلبه يرق لها كثيراً ..هي طفلته زوجته وحبيبته ....لكن مافعلته كان غير لائق ابداً ... ولا يليق بشابة في مثل عمرها ... همست بصوت متردد
- هل ...هل ..سامحتني يا وليد !
رفع حاجبيه وهو يدعي الاستسلام ثم تنهد قائلا بأبوة ...وكأنه اب يكلم ابنته الشقية
- وهل استطيع ان لا افعل ...
ارادت النهوض لكي تحتضنه بسعادة الا انه اوقفها قائلا بتحذير جاد
- عديني ان لا يتكرر ماحدث يا غسق ... انا اعرف انك تغارين لكن للغيرة حدود ...كما ان الغيرة مختلفة كل الاختلاف عن الشك ..وانت كنت تشكين بي !!
هزت رأسها ورمت وجهها على صدره بينما طوقت رقبته القوية بذراعيها المرمريتن وهي تهمس بخفوت وندم
- اعدك ..اعدك يا وليد .... لن اتدخل بعملك ابداً ابداً ... لكن لا تعاقبني بالهجر مرة اخرى ارجووووك
مرر اصابعه على شعرها الطويل بينما يده الاخرى كانت تحتضن خصرها بقوة
- بل اريدك ان تتدخلي حبيبتي لكن دون شك او غيرة لاني لا ارى في هذه الدنيا الا امرة واحدة واحدة فقط هي من ملكت قلبي وعقلي للابد
..........................
.................................
يجلس في الزنزانه المشبعة برائحة الرطوبة ينظر امامه بشرود .... مر على وجوده يومان لم يذق بهما طعماً للنوم الا لساعات متفرقة .... رأسه يكاد ينفجر من التفكير ... يسترجع كل موقف مر به في العمل عله يجد خيطاً او دليلا يعزز موقفه ويثبت برائته بها .... لكن للأسف لاشيء ... كل الامور في العمل كانت تسير بصورة طبيعية واعتيادية .... ليس هناك ما يثير للشك ابداً ...
التقى البارحة مع المحامي الذي وكله وليد ليمسك قضيته ..وقد اكد له بأنه سيسعى الى اخراجه بكفالة مالية .... ما ان تنتهي التحقيقات ...
اي بمعنى انه حتى وان خرج من السجن فالتهمه مازالت موجهه اليه !!!
جلس جانبه كورشير الذي كان يتأفف بضجر وقلة صبر بينما بهاء يجلس في الطرف المقابل لهم ....
همس كورشير بصوت هامس وهو يسرق النظرات نحو بهاء
- اقطع ذراعي ان لم يكن له يد فيما حصل !
التفت له زهير ينظر اليه بدهشة
- من تقصد ؟.
اجابه بغل وقهر من بين اسنانه المطبقة
- ومن غيره ..بهاء الغامض !
تنهد زهير واراح ظهره الى الوراء هامساً بتعب
- مالذي تهذي به يا كورشير !
ليجيبه الاخير بجزع
- الا تصدقني يا زهير !!!
اعتدل زهير بجلسته وثم بادله الهمس قائلا
- كيف تريد مني تصديقك وهو مسجون هنا معنا !!!
ضحك كورشير بتهكم وهو يرمي بهاء بنظرة خاطفة .... يكاد يجزم بأن لبهاء يد بكل ما جرى ... منذ ان تمتعينه في الشركة وهو لم يرتح له ولا لغموضه المثير للريبة ... كان بهاء دائم الانزواء عنهم ... غامض بصورة خطيرة ...قليل الكلام والاندماج معهم في الحديث ... يؤدي عمله بهدوء وخبث ... اقترب من رأس زهير هامساً بخفوت
- ببساطة لكي يخفي اثار فعلته النكراء !
هز زهير راسه ونظر لوجه بهاء اللامبالي .... منذ دخوله الى السجن وهو لم يوجه له كلمة واحدة .... جلس بركن بعيد عنهم ... وكأنه لا يعرفهم !!
هل من المعقول ان يكون له يد بما حصل ؟!!!
تنهد بضجر وعاد ليسند ظهره الى الحائط قائلا
- كلها تخمينات يا كورشير ...تخمينات لا فائدة منها !
صمت كورشير بضجر هو الاخر ....بينما زهير يفكر بما ينتظره في الأيام القادمة ...ماذا ان ثبتت التهمة عليهم !! ماا ان لم يجدوا الفاعل الحقيقي !!!!
هذا معناه ان مستقبله الذي تعب في بناءة سيتحطم وسمعته ستكون في الحضيض !!!!
هل سيظل محبوس هنا بين اربعة جدران ... ينتظر مصيره المجهول دون ان يفعل شيئاً !!!!
وماذا بيدك ان تفعل غير الانتظار ايها الغبي الابله !!!
تباً من هو الذي استبدل المواد الإنشائية ومن قام بالتلاعب في الأوراق الحسابية !!!!
راسه يكاد ينفجر من التفكير .... لا يعرف الان كيف هي احوال والدته المسكينة ...وحبيبة ...بالتأكيد قد جن جنونهم !
ما يقض مضجعه الان هو ماذا سيفعل ان صدقوا التهمة التي الصقت به بهتاناً وظلماً !!!!
..................................................
...................................
اربيل
.............

تبقى وحدك أنت
من يرتعش لك القلب
وتستكين عنده الروح بصمت
حتى النبض يصبح ملكك
لا أتنفس سـوى هواك
وليس في السماء قمراً ســواك....
..............
له الان يومان في اربيل يحاول بشتى الطرق ان يقدم يد المساعد لوليد وزهير لكنه بنفس الوقت لا يريد ان يتدخل في امورهم الشخصية ... خاصة وانه يعتبر للأن غريباً عنهم ...
كما انه لا يعرف حقاً ما عليه ان يفعله ... وقد فاجئه وليد اليوم عندما قاله له بلطف وكأنه احس بحيرته وحرجة
- عد الى البصرة يا معاذ انا اقدر اهتمامك بمصابنا لكن انت ايضاً مشغول بمصالحك ووالدتك حفظها الله لك
اجابه معاذ برجولة واخوه مثيرة للاعجاب
- أن احتجت لاي شيء يا وليد لا تتردد بالاتصال بي ...
سيعود الى البصرة اليوم حارصاً على عدم ذكر ما حدث امام والدته التي يعرف جيداً بأنها ستتخذ قضية زهير حجه لها للضغط عليه لكي يعدل عن قرار ارتباطه برضاب ...
الباب الخارجي كان موارباً ...اراد ان يضغط على الجرس الا ان يده تجمدت عندما لمحها تجلس في الحديقة .... على الارجوحة الحديدية المطلية باللون الابيض .... تتلاعب بشعر ملك التي نامت على حجرها وهي تثني ركبتيها ...تمسك بيدها قلماً ملوناً ودفتراً صغيرة ....
ترسم شيئاً ما بينما رضاب تبتسم لها وهي منحنية قليلا تتكلم معها بهدوء .... بدأ قلبه يدوي بسرعة قصوى ...عضلات جسده تشنجت وتحفزت ولا يعرف السبب ... هذه الفتاة اصبحت تتحكم بضربات قلبه وكأنها باتت تمسك خيوطه بيدها هي وحدها فقط تحركه كيفما تشاء ...وهذا يسعده جداً
يعلم ان ما سيفعله غير لائق لكنه اراد رؤيتها عن قرب ...فقط يراها ويشبع عينيه منها والله يشهد على ذلك ... دفع الباب بهدوء ودلف الى الداخل بخطوات حذرة ... وقف امام الأرجوحة وقال بهدوء
- كيف حالك رضاب ؟!!
رفعت راسها بسرعة واخذت تحدق به وهي ترمش بعينها مرتبكة .... متى دخل ؟! وكيف لم تشعر به ؟!
التقت نظراتها بصمت .... نظراته الزيتونية اخترقت دفاعات قلبها ....غلفتها بدفئ غريب .... دفئ لا تشعر به الا عندما ينظر لها !!!
خوفها ونفورها الذي يداهمها ما ان يقترب منها اي رجل غريب تلاشى بقربه ....
معه شعرت بالامان والراحة ..... اااه الراحة التي لم تعرفها ابداً بحياتها الماضية كلها !!
همست وهي تسبل اهدابها واصابعها لاتزال تعبث بشعر ملك التي كانت منغمسة بالرسم ....
- الحمدلله ..
ثم اردفت ووجهها يتحول للون زهري محبب ...جعل نبضاته تتسارع اكثر
- ك..يف ..كيف ..حالك انت معاذ !!
سحب نفساً عميقاً مشبعاً برائحة العشب الممتزج بالماء واجابها بصوت اجش خشن رجولي
- الحمدلله ..الان انا بأحس حال
لم تعرف ما قصده بكلامه هذا ... لكن صوته جعل نبضاتها تتبعثر بين اضلعها ....رائحة عطره النفاذه تسربت إلى خياشيمها وملئت رئتيها .... الصمت الكثيف امتد بينهما ... لم تعرف ما عليها فعله .... تريد البقاء معه اطول فترة ممكنه لكنها بنفس الوقت تشعر بالخجل منه ...
كلما تصل لقرار يحسم امرها تعود لتتذكر زواجها الفاشل !!! ذلك الزواج الذي انتهى نهاية مؤلمة بشعة ليس لها القدرة لكي تحكي عن سبب انتهائة وفشله حتى لاقرب الناس لها
ربما لو لم تنهار ذلك اليوم في العيادة لم تكن لتفصح ما بداخلها حتى لطبيبتها الخاصة !!!
رباه هي حتى تخجل من النظر لوجهه الرجولي ..ذو المعالم الوسيمة .... كيف ستستطيع ان تنام لجانبه وتبقى معه في غرفة واحدة !!!
يا الهي هي تفكر به وكأنه فعلا اصبح زوجها هل هذا معناه انها ستوافق ؟!!!!
لماذا هي لاتزال متردده رغم راحتها النفسية التي تشعر بها معه !!!
رفعت نظراتها المترددة ناحيته مرة اخرى وليتها لم تفعل ....عيناه الزيتونيتان العميقتان كانتا تبادلها النظرات بحنان وشيء اخر ...شيء اقوى واعمق واشد تعقيداً ..... كانت نظرات ...محبة ....متفهمة ...ومطمئنة
قطع هو الصمت وهو يلاحق حركاتها الناعمة بلهفة وكأنه يريد الاحتفاظ بتفاصيلها الصغيرة داخل روحه وقلبه لكي تصبره على احتمال فراقها في الايام المقبله ....
ترى ان سألها الان عن قرارها ماذا سيكون جوابها !!!
همس قائلا بصوت اجش مبحوح
-رضاب اريد ان اسألك عن ..عن....
تعالت ضربات قلبها بعنف وقوة .... منتظرة ما سيقوله ..... همست داخلها بتضرع ...رباه لا تدعه يسألني عن موضوع الزواج .....
هي حقاً لاتعرف ما عليها قوله له ..... للأن لم تحسم امرها ...... لازالت مترددة .... لكنها اقسمت بسرها أن تصلي اليوم صلاة الاستخارة ..... وبعدها ستبلغ قرارها النهائي لخالتها ..... اااه يال حظك التعس يا معاذ ..... ربما ستتعب بزواجك مني ...خاصة ان عرفت الشروط التي افكر بها في حال اصبح هناك نصيب بيننا .....
........................
نهاية الفصل الواحد والثلاثين




Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 27-07-19, 10:15 PM   #98

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي





الفصل الثاني والثلاثين

........
ترى ماذا سيكون ردها ان فاتحها بموضوع الزواج !! ماذا سيحدث أن سألها الان حالاً ؟!
هل توافقين على الزواج مني ؟!
يقولها هكذا سريعاً ودون مراوغة او تردد ... حتى وان كانت هذه التصرفات الطائشة المتسرعة ليست من طباعة ابداً ..... لطالما احتفظ بمشاعره حبيسه داخل متاهات عقله الباطن ... حتى تلك التجربة الوحيدة والفاشلة التي مر بها سابقاً لم يعرف بها احد ولم يشك بأمرها احد الا حيدر .. الذي كان من الصعب عليه اخفاء اي شيء يخصه عنه ... فهو كان يكشف دواخله دائماً وبمهارة ...
راقب ملامحها الحمراء جيداً
يبدو وكأنها احست بما يدور في خاطرة ... الامر واضح جداً من ارتباكها وحركة اصابعها المرتجفة وهي تعبث بشعر ملك .... كما انها تحاول النظر لأي مكان عدا المكان الذي يقف فيه هو .... سحب نفساً عميقاً ... بمحاولة منه لكي يهدأ قليلا من
تلك الخفقات المجنونة التي تكتسح صدره بقوة ... ابتسم لها ابتسامة صغيرة لم تصل لعينيه وهو يقول بصوت اجش مثخن بالمشاعر الغامضة
- هلا ...جهزتي ملك ...اريد السفر الى البصرة الان !
كم انت جبان يا معاذ .... عندما تجمعت الكلمات على طرف لسانك تراجعت مسرعاً خائفاً من الفشل
اجل هو خائف من ردها ....ان يبقى يحترق ويتلوع بنار الانتظار افضل مليون مرة
من الرفض الحاسم الذي قد ترميه في وجهه ! وهو غير مستعد الان لتلقي تلك الصدمة ابداً

رمشت عدة مرات وهي تطلق نفساً محبوساً في صدرها .... اومأت بصمت متجاهلة قدر
الأمكان تلك الاضطرابات التي تعصف داخلها وتتقاذفها دون رحمة
امسكت ملك من يدها ... ثم قالت هامسه وهي تطرق رأسها بخجل فطري
- ثانية واحده وتكون جاهزة ...عن اذنك
وتوجهت نحو الداخل بخطوات صغيرة .... بعينان حنونتان تتبع خطواتها ... يراقبها كيف تسير امامه الهوينى وكأنها تسير بين اروقة روحه الهائمة في حبها حد النخاع ....
ليتها فقط تعلم ما تفعله به بخجلها وبرائتها هذه ....والتي سلبت لبه واطارت النوم من عينه دون سابق انذار !!!!!!!
....................
.......................
يخلى سبيله بضمان مكان اقامته !
بهذه الكلمات تم اخلاء سبيل زهير وزميليه .... عندما غادر مع وليد المخفر ...احس
وكأنه طائر تحرر من الأسر ... الحرية ... يالها من كلمة رائعة ...كلمه تجعل الانسان يشعر بالانطلاق والسعادة ..... الايام الماضية التي قضاها في السجن كانت من اتعس وابشع الايام
التي مرت بحياته كلها ... استنشق الهواء الصيفي المعتدل الذي يداعب وجهه المتعب من نافذه السيارة ....
لكن حتى وان تم اخلاء سبيله الان ...التهمة لازالت تحوم حوله الى ان يجدوا السارق الحقيقي
وهذا ما يخشاه بالفعل .... يخشى ان يطول الامر ... بطبيعة الحال هو لن يعود للعمل ....حتى وان ظهرت براءته ايضاً ...... نفسيته لم تعد تتحمل العمل في مكان كان فيه موضع شك واتهام ....
عصر ذاكرته ربما للمرة الالف ... يحاول اكتشاف ان كان هناك من يكن له العداوة لكن حتى وان
كان المقصود هو لماذا توزعت التهمة على كلٍ من كورشير و بهاء !! لماذا لم يتم القبض عليه هو
فقط !!!
كورشير اخبره البارحة بأنه سيجري تحريات عن الموضوع بطريقته الخاصة وان توصل لشيء مهم يخدم قضيتهم سيقوم بإبلاغه على الفور !!!
دوامه مهلكة ومعقدة تلك التي تدور حوله وتحاول ابتلاعه ....لكنه لن يستسلم ويتراجع ... الاستسلام والتخاذل ليس من شيم زهير ابداً .....
كان وليد يقود السيارة بتركيز ...سعادته بخروج زهير ظاهره على ملامحه المسترخية المبتسمة ببشاشة .... القى نظرة خاطفة نحو اخيه الشارد بأفكاره ثم قال
- حمدلله على سلامتك اخي انرت الدنيا بخروجك
التفت اليه واجابه بهدوء ورزانة لا تليق ابداً بزهير المتفكه
- سلمك الله يا وليد
ملامح زهير الجدية العابسة بينت له ان شقيقه لايزال متأثراً بما حدث له وهذا من حقه طبعا
تنحنح قليلا ثم قال بمرح
- اذن اخي ...مالذي تنوي فعله في الأيام المقبلة ؟!!
مط زهير شفتيها وهو يحدق امامه بشرود ثم اجابه
- لا ادري ....لم افكر بعد .... لكني بكل تأكيد لن اعود للعمل في ذلك المشروع مرة اخرى !
هز وليد رأسه وهو يوافق اخيه قائلا
- اجل معك حق ..... انا اقترح ان تسترح لعدة ايام ثم تعود لفتح مكتبك السابق .. ما رأيك ؟!
كتف زهير ذراعيه واجابه مقطباً وكأنه يفكر بما قاله وليد
- لا ادري ...ربما افعل ذلك !
عاد الصمت يحوم حولهم في السيارة ...احترم وليد رغبة اخيه بأن يظل صامتاً شارداً بعالم خاص به وحده .... بالتالي اخذت الافكار تعصف في عقله ....ربما من لفق التهمه لزهير هي فتاة حاقدة عليه ....او ربما إحدى معجباته اللاتي لا تنتهي قائمتهن ابداً ...هو يعرف حق المعرفة ان شقيقه له من المعجبات عدد لا يستهان به ابداً ..... فهو مهندس ووسيم ولازال في العشرينيات من عمره ...كما ان له خفت دم توقع اجمل الجميلات بحبه ودون عناء يذكر منه !
زفر الهواء بضيق وحرارة ...حسناً حتى وان كان ما يفكر به صحيحاً ...اذن ما دخل زميلية في هذه التهمة !!! الامر محير ...ولابد وان هناك تفسيراً منطقياً لكل ما يحدث !
...................
............................
كانت تنتقل في المطبخ من مكان لمكان والسعادة تكاد تقفز من مقلتيها الضاحكتان ....والتي انتبه لها كل من في المنزل .... كيف لا تفرح وزهير سيصل للمنزل بعد قليل !!! حتى الخالة سعاد
وتبارك وكل افراد العائلة كانوا يشاركوها سعادتها هذه بل واكثر بكثير منها .....
اعدت الخالة سعاد كل الاطباق التي يحبها زهير ...وعلى رأس القائمة محشي ورق العنب ...
بكل ثانية تمر عليها كانت تمتد يدها بعفوية لتلمس سلسلتها الذهبية ... التي منذ ان اهداه لها
وهي لم تخلعه ابدا ....
غسق وتبارك لم تكفا عن رميها بالكلمات الماكرة المتفكهة .... كانت تستقبل كلامهم بأبتسامة خجولة وصغيرة .... لم تعارض او تغضب منهما ابداً .... لماذا قد تفعل ذلك وقد بات كل من بالمنزل على دراية ويقين من حبها الفاضح له !!!!
تكاد تقسم بأنهم يعلمون بتلك النار التي يؤججها عشق زهير في حنياها وداخل وتين قلبها النابض بأسمه على الدوم ..... حبها لزهير تعدى وتخطى حدود الحب ...ليصل الى اقصى درجة من درجات العشق الأزلي .... الذي جذوته لم ولن تنطفئ مدى الحياة
منذ ان اتصل وليد وابلغهم برجوع زهير عصراً وهي ...حائرة مرتبكة ... لاتعرف ما عليها فعله بالضبط ...استحمت لمرتين ... وكل دقيقة تتوجه الى المرآة تتأكد من زينتها البسيطة وحجابها ....
تفكر بجنون ...كيف ستقابله ..كيف ستنظر لوجهه ...ماذا ستقول له .....
بعد مرور نصف ساعة لاحقة كانت سيارة وليد تقف امام مدخل المنزل .... خرج الجميع لأستقباله الا هي ... قلبها كان يخفق بقوة مؤلمة .... عضت على شفتيها وظلت متسمرة في مكانها بلا حراك
سمعت صوته الرجولي الخشن وهو يبادلهم التحيه فخفق قلبها برعونة .... وكأنها مراهقة صغيرة
ومشتته ..... ادمعت عيناها فرحاً وتأثراً وهي تحمد الله بسرها وتشكره مراراً ومراراً

دلفت رضاب الى المطبخ لتفاجئ بشقيقتها تقف متكأه على الطاوله تحدق في الارضية بشرود ...
اقتربت منها مبتسمة ثم قالت بهدوء ورقة
- حبيبة !!! لما تقفين هنا هكذا !!
رفعت رأسها مجفلة واجابت بهمس وتلعثم
- اا...امم .. لا ..اعرف ماعلي فعله !!!
رفعت رضاب حاجبيها متعجبة ...اليست هي من كانت قبل قليل تملئ المنزل بصخبها وحماسها لاستقبال زهير !!!
ابتسمت برقة .... شقيقتها الصغيرة ..اصبحت الان متزوجة ... لقد كبرت وستصبح عما قريب مسئوله عن زوج واطفال واسرة !!! هي تستحق السعادة والراحة ...
حبيبة هي من نالت الجزء الاكبر من اهمال والدتها ....لكن مع ذلك هذا كان افضل لها
لقد تربت في كنف اطهر واحن امرأة على وجه الارض ... من يدري كيف كانت لتكون حالتها
لو ان سناء اولتها اهتماما مشابها لاهتمامها بها !!!!
هي حتى لا تريد التفكير بذلك .... زهير رجل محترم وحنون ... يحمل من الغيرة والشرف ما يجعلها مطمئنة على مستقبل حبيبة .... و فوق كل هذا فهو يحبها بشدة وهذا واضح جدا بتصرفاته
تقدمت رضاب ناحبتها اكثر ووضعت يدها على كتف شقيقتها بحنان وقالت
- اذهب وتحمدي لزوجك على سلامته حبيبتي .... هو ينتظرك !
اتسعت عينا حبيبة واصبح وجهها اشد احمرارا وهي تسألها بلهفة
- هل ..هل ..سأل عني ؟!
اجابتها رضاب ببساطة
- لا لكنه يبحث عنك بعيناه بين الوجوه .. هيا اذهب يا فتاة !!
رطبت حبيبة شفتيها وهزت رأسها بصمت ثم خرجت من المطبخ وكأنها كانت بحاجة لسماع
هذه الكلمات التشجيعية من شقيقتها ..... توجهت نحو الصالة بخطوات متثاقلة ووجه يشع احمراراً وسعادة ... على الرغم من حماسها منذ ساعات لاستقباله الا ان الخجل
والارتباك خيم عليها فجأة !!! ولولا كلام رضاب ... لما خرجت اليه ابداً

دخل زهير الى الصالة متعباً وما ان شاهد والدته التي سارعت اليه مهرولة حتى غادر وجهه التجهم والانزعاج وانبسطت اساريره .... خاصة وهو يلمس حب وسعادة عائلته واستقبالهم الحافل برجوعه ..... عيناه كانت تبحث عنها بكل ركن ... لقد اشتاق لها .... اشتاق لخجلها ولحمرة خديها
اين ذهبت تلك الماكرة الصغيرة وحرمته منها وهو في اشد الحاجة اليها !!!
فجأة ووسط صخب الجميع لمحها تقف عند باب الصالة تلاعب اصابعها بتوتر وهي تسترق اليه
النظرات اللامعة ..... اااه حبيبته الصغيرة تخجل من القاء السلام عليه امامهم ....تذكر ما كانت
تفعله معه في الاسابيع السابقة ...وكيف كانت تدعي القوة والغرور امامه ...اتعبت قلبه الى نطقت بكلمة موافقة ....لكنها مهما ادعت فهي تبقى للأبد حبيبة الخجولة الهشة الرقيقة .... التقت نظراته العسلية الغامقة مع نظراتها البنية ....رفع حاجبيه بمكر واشار لها بيده ان تأتي اليه ... دون ان يهتم بوجود الاخرين حوله ....
بلعت ريقها وتقدمت ناحيته وهي ترسم ابتسامة ناعمة على شفتيها ... مسبله اهدابها ...محمرة الخدين ....
ما ان وصلت قربه حتى سحبها من معصمها واحتضنها بين ذراعيه بقوة ....دافناً وجهه بين طيات حجابها الذي يفوح براحتها المميزة .... هامساً بصوت خافت اجش لم يسمعه غيرها
- اشتقت لك ايتها الخجولة !
استكانت وهدات نبضاتها المتسارعة الضائعة بين ذراعيه ... بعد ان عاد اليها رجلها وحبيبها .... رجع اليها من كانت تبحث عنه بين الظلام الذي كان يحاوط احلامها كل ليلة ومنذ ابتعاده عنها ...
وجهها مزروع بين جنبات صدره الصلب الواسع .... دفئ انفاسه انتقلت اليها ..وكـأنها الان برجوعه عادت الى الحياة من جديد !!!
بعد مرور عدة دقائق ..انتبهت الى الصمت المطبق الذي عم في المكان ...ابتعدت عن ذراعيه وهي تنظر حولها بأرتباك ... كانت كلا من تبارك وغسق محمرتا الوجه تحاولان كتم ضحكاتهما الصاخبة على منظر وجهها المرتبك ..... عضت شفتها وهي تبادلهم النظرات بعبس طفولي .... بينما حمدت الله بسرها لأن وليد غير موجود في الصالة ربما كانت لتموت خجلا منه لو شاهد بالفعل ما فعله زهير قبل لحظات ...
هتفت سعاد ببهجة
- اذهب وخذ حماماً دافئاً يا ولدي واسترح قليلا ريثما اجهز العشاء لك
بينما نهرت سعدية كلا من تبارك وغسق قائلة بلهجة موبخة
- علامَ تضحكان انتما الاثنان !!! تعلا معي الى المطبخ هيااا
غادرو الصالة بسرعة ولم يبقى الا زهير وسعاد وحبيبة ... اجلى زهير حنجرته وقال
- احم ...حبيبة هلا جهزتي لي الحمام
رمشت حبيبة بعينيها عدة مرات وهي تنظر الى خالتها التي كانت تبتسم لهما بحب وحنان ... وكأنها تطلب الاذن منها الاخيرة التي قالت بتفهم
- اذهب وافعلي ما قاله لك زوجك يا ابنتي

.......................
..........................

بالله اقسم اني بهواكِ مُغرم
فلا غير عينيكِ يقتل
ولا غير صوتكِ بالانفاس يكتُم
...............
كانت تجلس على طرف السرير ... تفرك يديها بتوتر .... تقضم شفتها السفلى تارة وتعضها تارة اخرى .... مالذي يرده منها زهير فهي ما ان اعدت الحمام واستعدت للمغادرة حتى امرها قائلا بلهجته الخشنة التي اشتاقت لها كثيرا
- حبيبة انتظريني في غرفتي لدي ما اقوله لك ... فقط اتخلص من الجراثيم الي تملئ جسدي والحق بك فوراً !
ابتسمت برقة وهي تتذكر ما حدث في الصالة قبل دقائق قليلة ...كيف احتضنها بقوة ... بقوة كادت ان تكسر عظامها الرقيقة ... وكأنه يحاول اخفائها بين اضلعه .... سحبت نفساً عميقاً وهي تشعر بالراحة .... اخيراً عادت الابتسامة والسعادة الى المنزل بعودته الميمونة !
رباااه كم اشتاقت له وكأنها فارقته لعدت سنوات وليس لأيام معدودة .... ربي احفظ لي من كل سوء
حياتي لا معنى لها دون وجوده فيها !
عادت من شرودها على صوت باب الغرفة التي اغلقها زهير بقوة ... رفعت نظراتها اليه ....
كان يرتدي بجامة منزلية سوداء اللون مع ( تي- شيرت ) ازرق ... ملتصق بجسده القوي ...مبرزاً عضلات صدره القوية .... على الرغم من شحوب وجهه الملحوظ وفقدانه لبعض الوزن ... الا انه لايزال جذاباً .... وسيماً بصورة مؤلمة لقلبها المقيد بحبائل حبه الازلي .....
رائحة عطره النفاثة الممتزوجة مع رائحة غسول الاستحمام اثملت رئتيها ...وجعلت نبضاتها تتسارع اكثر ...بينما تصاعدت الحرارة والدماء كلها لتتجمع وتتزاحم على وجهها المحرج ...
تقدم ناحيتها بخطوات هادئة وكأنه فهد يتربص لصيد غزالة صغيرة .... يلتهم يجوع تفاصيلها الصغيرة .....
منذ خروجه اليوم وهو يفكر بما سيقوله لها مراراً وتكراراً .... ربما ما ستقوله الان حبيبة سيتوقف عليه امور كثيره اولها
هي مدى تمسكها وثقتها به ... وثانيا مدى ايمانها واقتناعها ببراءته ... ربما رأيها هي بالذات ما يهمه الان اكثر من رأي اي شخص اخر .... حبيبة ليست ابنة خالته وحبيبته فقط ... بل هي النفس الذي يدخل الى رئتيه ..والنور الذي ينير له حياته كلها ....
جلس قربها بهدوء فابتعدت عنه قليلا وهي تقول بارتياك وتوتر
- ما..ماذا اردت مني زهير ؟!
تنهد مقتربا منها مرة اخرى وبأصرار
- اشتقت لزوجتي !!! هل لديك مانع !
اردف مكملا بتعب
- اااه يا حبيبة لو تعرفين كيف قضيت تلك الايام وانا بعيد عنك .... كدت ان اموت فعلا !
اجابت بلهفة ورعب
- بعيد الشر عنك !
ابتسم لها برجولة ومكر ...وهو يمسك انامها المرتجفة ليحتضنها بقوة
- تخافين علي !!!
همست بخجل بعض الهمهمات الغير مفهومة وهي تطرق رأسها ارضاً .... عم الصمت بينهما وزهير لايزال يحتضن اناملها المرتجفة في سجن كفه الضخم ... حدق بها متأملا حجابها واحتشامها المبالغ به ..وكأنه ليس زوجها وحلالها ... هذه الفتاة ستصيبه بنوبة قلبيه بسبب خجلها المفرط منه
حسناً الان سيركز الموضوع الذي يجب ان يسألها عنه .... ربما هذا ليس وقته ...الا انه بحاجة لان يعرف ويطمئن .... همس بصوت خافت واجش
- حبيبة ...ارفعي رأسك ودعيني اراك واشبع عيني منك !
فعلت ما قاله بأبتسامه ناعمة وهي تزيغ حدقتيها البريئتان على معالم وجه .... الدفئ الذي انبعث منهما اخترق جسدها وتوغل داخله ليستقر داخل قلبها الذي كان يخفق بجنون .... طال الصمت بينهما ... كان صمتاً مربكاً ومحرجاً بالنسبة لها ... اسبلت اهدابها برقة ...بينما اصابع زهير تحوم بلمسات مثيرة على باطن كفها المستريح على فخذه
تنهد بتعب وقال بصوت مرهق لكن جدي بنفس الوقت
- سأسألك سؤالاً واحداً فقط واريدك ان تجيبي على سؤالي بصدق وصراحة .... عديني بذلك !
رفعت نظراتها المتعجبة المندهشة لما قاله ...لكنها لم تعقب ولم تعارض ....فقط قالت بهمس
- اعدك زهير !
ابتلع ريقه وقال بصوت باهت
- هل ...هل صدقت التهمة التي وجهت لي !
رفعت رأسها بسرعة وهي ترمش بعينها عدة مرات ...مجفلة من سؤاله المباغت هذا ! ظلت صامته ... الصدمة تمكنت منها ... لم تتوقع فعلا ان يسألها زهير هذا السؤال ابداً
- هل الاجابة صعبه لهذه الدرجة ؟!!!
هزت رأسها بلا واجابت هامسة بقوة وثقة
- ابداً ..ابداً لم اكن لأصدق ذلك ..... حتى لو اثبتوا التهمة عليك ..... قلبي وعقلي وروحي كلهم متفقين و متأكدين من برائتك ..... انا ...انا ...احفظ كل تفاصيلك ....اعرف متى تكذب ومتى تكون صادقاً يا زهير !!
لاح التأثر بعينيه وهو يستمع لكلماتها الصادقة .... وجهها المحتقن وهي تدافع عنه بهذا الشكل الشرس وكأنها لبوة ثائرة تدافع عن صغارها .....
اما هي فقد استطاعت ان تشعر بأرتجاف جسده واضطراب انفاسه السريعة .... بدا وكأنه يحاول السيطرة على نفسه .... عيناه غامت ببريق لامع اخاذ جعلها تبادله النظرات كالمسحورة .... ولانت ملامحه المتشنجة ...
رفع كفه واحتضن جانب وجهها وهمس بصوت مثخن بالعواطف الجياشة
- الم تتسألي عن مصدر الاموال التي اشتريت بها سيارتي ؟!
ابتسمت بعينان دامعتان وهي تضع يدها الصغيرة فوق يده التي لاتزال تحتضن جانب وجهها ثم اجابت برقة
- ثقتي بك عالية جدا زهير .... اسير خلفك وانا مغمضة العينين !!
تأوه بتأثر وهو ينحني ساحباً اياها نحوه .... ليفعل ما رغب بفعله منذ دخوله للصالة .... التقط شفتيها الشهيتين بقبلة عبر من خلالها عن مدى اشتياقه وتلهفه عليها ... لتبادله قبلته هي الاخرى بشوق يظاهي شوقه ... حباً بالله ..لماذا قد تعترض على قبلته وهي متلهفة عليها اكثر منه .... تتوق وتنتظر مبادرته .. تريد ان تشعر بأنفاسه تداعب انفاسها .. كل ما كانت تريده هو قربه منها فحسب !!!
.....................
...........

دلف الى المصرف بثقة وهمية كان يدعيها .... يرتدي حله رسمية سوداء مع قميص ابيض
دون ربطة عنق ..... يعرف جيداً ان ما يفعله الان هو عذاب بطيء بالنسبة له .... اجل ..ان
يراها لو لدقائق معدودة او حتى عندما تذكرها رونق في بعض الاحيان ودون قصد منها
لهو العذاب والموت البطيء بالنسبة له .....
على من تدعي يا عبد العزيز ؟! انت ان ادعيت نسيانها ومحوها من قاموس حياتك امام رونق
وامام نفسك ...الا انك تعلم جيداً انك كاذب فاااشل ..... تبارك للان تعشش في عقلك ...تغزو احلامك .....
فيما مضى من سنوات عمره السابقة كان شخص قوي الارادة ..متحكم برغبته ومشاعره ... اكمل دراسته .... وزاول عمله ...وهو بعيد كل البعد ...لا بل كان حريص على ان لا ينغمس بعلاقة غرامية .... يكون هو الطرف الضعيف فيها .... حصن قلبه بأرادته .... بنى سور عالي حول نفسه .... لا احد مسموح له بعبورهذا السور الا رونق فقط .....
وعندما التقى بتبارك .... تحطم السور .... واندحر حصنه المنيع ... احبها بصدق وعاطفة نقية ومندفعة .... من الصعب عليه ان يتجاهل وينسى بسهولة ....رغم انه يعلم جيداً بأنها لن تكون له ابداً ..... للأن يتخيل ما قد يشعر به عندما يراها تتزوج من شخص اخر .... رجل كامل ..... رجل يليق بها .....
مجرد التخيل بمنظرها وهي ترتدي الفستان الابيض يجعل الحمم البركانية تفور في قلبه بقوة ..تاركة خلفها لسعات عميقة ومؤلمة من الصعب شفائها او تضميدها !!
وصل الى باب مكتبها وتجمد في مكانه لوهلة .....اتسعت عينه بقوة وهو يشاهد هذا المنظر الذي امامه .... وكأنه يشاهد خيبته تتجسد على شكل مشهد صغير بالابيض والاسود ..... لكنه مشهد جميل ومتكامل ....
تبارك تجلس خلف مكتبها وهي تتوهج جمالاً وشباباً وانوثة ...بينما تمد يدها ببضعه اوراق .. تتناقش مع رجل يجلس قبالتها على المكتب ...اقل ما يقال عنه بأنه وسيم وجذاب .... ربما كان في اواسط الثلاثنيات من عمره .... يكفي ابتسامته الساحرة التي يوجه لها .... تلك الابتسامة التي تجعل الفتيات هائمات يدرن حوله ببلاهة !!!
ليس هذا المشهد فحسب ما جعل قلبه ينبض بعنف مسموع ..... بل النظرات الدافئة التي كان يوجهها الرجل لتبارك ..... الاخيرة التي كانت منغمسه بكلامها وشرحها !!!
كور قبضتيه بقوة ...ضاغطاً على فكه ... كان يسيطر على اعصابه الثائرة بأعجوبه يحسد عليها
لماذا هو متعجب و غاضب !!! اليس زواج تبارك هو امر محتوم وطبيعي ؟! بالاضافة لذلك فهو من اقصى تبارك عن حياته ....تباً لقد طردها تقريباً من عيادته ...ليس هذا فحسب بل وابلغ رونق بأنه لم يعد يرغب بالزواج لا من تبارك ولا من غيرها !!
اذن تعود يا عبد العزيز ... هذا ما سيحصل قريباً ويجب ان تتحكم اكثر بمشاعرك المتذبذبه !!
سحب نفساً عميقاً ثم تقدم بخطوات ثابته وهو يركز على وجه تبارك المشرق المبتسم ....المكتب كان فارغاً لا يوجد به غيرهما فقط .... مما جعل الدماء الحارة تصعد لرأسه مباشرة .... طرق الباب المفتوح قائلا بخشونه وهدوء
- صباح الخير !
...........................
.....................................
فتحت عينيها ببطئ ....ركزت نظراتها الضاحكة على شباك الغرفة .... تحديداً على عصفور صغير ينقر حافة الزجاج وكأنه يبحث عن فتات الطعام هناك!
ارتسمت ابتسامة واسعة وسعيدة على شفتيها وهي تسترجع الرؤيا التي حلمت بها ليلة امس بعد ان صلت صلاة الاستخارة .... هذه الرؤيا كانت مشابه لرؤيا حلمت به قبلاً ..لكن بتفاصيل مختلفه قليلا ....
اغمضت عينيها وهي تتذكر ذلك البستان الواسع الذي كانت تجلس فيه بفستانها الابيض المزركش بدانتيل مطرز على حاشيته ...الفستان كان يشبه الفساتين التي انتشرت في القرن الثامن عشر ... تحديداً بين نبلاء اوربا .... من النوع المنفوش ....
تجلس تحت الشجرة تقرأ كتاباً بينما ملك كانت تركض بحماس خلف فراشة ملونه ...وهي ترتدي فستان يشبه فستانها تماماً ...فجأة حدثت عاصفة هوجاء .... انقلب كل شيء حولها ....حتى ملك اختفت ..ظلت تبحث عنها هنا وهناك وهي تناديها بخوف وفزع .... لكنها كانت قد اختفت بلمح البصر
ظلت تركض وتركض وهي تتعثر ... تلتفت حولها بخوف ..تبحث عن مكان آمن تلوذ اليه فجأة وقعت في حفرة عميقة او كادت ان تقع ....لكنها تشبثت بطرف جذع جاف كان متدلياً ... حاولت ان تتمسك به بيديها وبكل ما اوتيت من قوة .... لكنها لم تستطع ...اصابعها كانت تنزلق بليونه ....اغمضت عينها مستسلمة لمصيرها الاسود المجهول ...
كانت على شفير ان تسقط فعلا في تلك الهوة العميقة لكن صوت ملك وهي تنادي ...
- لقد وجدتها عمو انها هنا !!
لمحت رضاب في وسط الظلمة التي تحيط بها يد ممدودة ...امسكت بها وكأنها طوق نجاة انتشلها من موت محتم .... رفعت رأسها ونظرت لذلك الوجه المألوف ...العينان الحنونتان ...والابتسامة الدافئة .... لتكتشف ان اليد القوية التي منعتها وانقذتها من السقوط .... لم تكن سوى يد معاذ !! كان منحني وهو يمسك يدها بقوة قائلا بحنان
- انا معك لاتخافي !!!
عادت من شرودها وابعدت الغطاء عنها ... الساعة كانت تشير الى التاسعة والنصف ....ذهبت الى الحمام ...غسلت وجهها عدة مرات ثم رفعت رأسها ونظرت لأنعكاسها في المرآة ...
كان وجهها مورد على غيرالعادة ...وعيناها ضاحكتان .... تشعر براحة غريبة تسللت لحنايا قلبها ...توجهت الى المطبخ ولم تجد احدأ ... سمعت صوت خالتها وهي تتبادل الكلمات مع العمة سعدية ..يصلها من جهة الحديقة الامامية .... خرجت مسرعة ...كانت خالتها تمسك خرطوم الماء ..تقوم بسقي المزروعات .... اختلطت رئحة الماء مع رائحة الاوراق المبللة والطين .... فأثارت داخلها النشاط والحيوية ..... التفتت سعاد لها مبتسمة ووجهها يشع نوراً
- صباح الخير يا وجه الخير
تقدمت رضاب هامسه بخفوت
- صباح النور خالتي
عادت سعاد تكمل عملها قائلة
- تأخرتي بالاستيقاظ كثيراً اليوم حبيبتي ... ولم اشأ ازعاجك ... قلت لنفسي.....
قاطعتها رضاب قائلة دون ارادة منها
- خالتي ..دعي وليد يتصل بمعاذ ويبلغه موافقتي على الزواج منه !!!!
.......................
..................................
متى ستعرف كم أهواك يا رجلا
أبيع من أجله الدنيا وما فيها
يا من تحديت في حبي له مدنا
بحالها وسأمضي في تحديها
أنا أحبك فوق الغيم أكتبها
وللعصافير والأشجار أحكيها
أنا أحبك فوق الماء أنقشها
وللعناقيد والأقداح أسقيها
أنا أحبك يا سيفا أسال دمي
يا قصة لست أدري ما أسميها
أنا أحبك حاول أن تساعدني
فإن من بدأ المأساة ينهيها
وإن من فتح الأبواب يغلقها
وإن من أشعل النيران يطفيها
.................
كانت تتكلم مع احد العملاء اللذين يترددون دائما على المصرف ....والذي يعد اهم عميل لديهم
السيد فاروق المهيب ... من كبار رجال الاعمال وأثراهم في اربيل .. كانا يجلسان بمفردهما بثينه ذهبت الى المدير العام بينما ريم كانت قد قدمت على اجازة طويلة لأقترب موعد زفافها ....

لن تنكر انزعاجها من نظراته المتفحصة لها على الدوام .... كما انه اصبح يتردد باستمرار على مكتبها هي شخصياً ...اي انه يتعمد الجلوس معها ومناقشتها بما يخص عمله ...خاصة بعد المدح والثناء الذي تلقته امامه من مدير المصرف ..... وكأنه اصبح يتحجج بأي شيء لكي يزورها !!!
صحيح هو يكلمها بلطف ونعومة ...يخصها بنظرات عميقة ومتفحصة الا انه لم يتجاوز حدود الادب والاحترام معها ابداً ... وهي ايضاً بالمقابل كانت تتعمد ان تحدثه برسمية وعملية .... حتى لا يسرح بخياله بعيداً .... ليست على استعداد لدخول علاقات عاطفية وتحت اي ظرف .... خاصة وانها للأن متعلقة بحبائل الامل بالنسبة لذلك الرجل البارد القاسي الذي يدعي اللامبالاة معها الا ان
نظراته كانت تحكي قصة اخرى مخالفة تماما لما يحاول ادعائه !!!
- صباح الخير
رفعا رأسيهما هي وفاروق بأن واحد ...ردد فاروق السلام بهدوء ولامبالاة ..بينما ردت تبارك بصوت هامس وهي تلتهم وجهه بنظراتها المشتاقه رغماً عنها ...تداركت نفسها عندما شعرت انها
قد اطالت النظر اليه وقالت وهي تتنحنح
- تفضل دكتور عبد العزيز
تقدم وهو يفتح ازرار سترته قبل ان يجلس بأريحيه قبالة ذلك الرجل الذي يعد الان من اشرس والد اعدائه
- اسف ان جئت بوقت غير مناسب لكني اردت ان اتناقش معك بشأن القرض
هزت تبارك رأسها بسرعة وتفهم وهي تنقل نظراتها بينه وبين الاخير الذي كتف ذراعيه يراقب بصمت
- ااه ..اجل ..القرض ....... اهلا بك دكتور ارجوا ان تنتظر لدقائق ريثما انهي عملي مع السيد فاروق !
وضع عبد العزيز ساق فوق الاخرى وتكلم بأريحية وهو يعيد ظهره الى الوراء قائلا
- خذي وقتك انا لست مستعجل ابداً
امسكت تبارك القلم بين اصابعها التي اصبحت ترتجف بقوة ...بينما قلبها يخفق بعنف ...رباااه كم تحب هذا الرجل العنيد .... الم يشعر الى الان بحبها الصامت له !كيف يستطيع ان يتجاهل هذه الكيمياء والأنجذاب الواضح بينهما .. كيف !
وقف فاروق قائلا بلطف وهو يعدل سترته
- حسناً يمكننا اكمال العمل في وقت اخر !
وقفت وهي تقول بحرج طفيف
- يمكننا اكماله الان سيد فاروق !!
اجابها بهدوء وهو يلقي نظرة سريعة نحوعبد العزيز قبل ان يعاود التركيز على وجهها الناعم
- لا بأس انسة تبارك ....الظاهر انك ستنشغلين طويلا ... كما اني مستعجل بالفعل فقد تذكرت موعداً مهمه قد نسيته !
اومأت موافقة بصمت .. غادر فاروق المكتب بعد ان القى التحيه عليهما ... عادت تبارك للجلوس قائلا
- اهلا عبد العزيز كيف حالك ؟!
كانت تحاول ان تتحدث معه بهدوء ورزانة ... تدعي اللامبالاة مثل مايفعل هو بالضبط .....لكن ما يحصل داخل قلبها كان عبارة عن قفزات مهولة آلمت اضلعها ..... نبضاتها كانت تخفق بعنف من شدة قوتها ... شكت بأنه ربما سيستطيع سماعها لامحاله !!!!
-الحمدلله كيف حالك انت ؟!
وقبل ان ترد اردف بتهكم
- اعتقد بأني لست بحاجة لمعرفة الاجابة ! فأنت مما يبدو لي بخير وباحسن حال !
قالت بهدوء وهي تنظر له بعينيها الداكنتان الفحميتان
- الحمدلله على كل حال عبد العزيز !
اجابها بجفاف وهو يستند على جانب المكتب بمرفقه
- هلا بدأت بأجراءات الدفعة الاولى من القرض !
اومأت بألم وقهر وهي تنظر له بحزن .... متألمة على الحالة التي وصل اليها بسبب اوهامه وعناده الذي لامبرر منه ولاطائل .....
كان يراقب حركاتها بأشتياق .... يتمعن النظر لوجهها الأسمر الصافي .... رقتها وهدوئها ....تذكر ذلك الرجل ....شعر بنار تنشب بصدره مرة اخرى ... ترى هل يوجد بينهما شيء ما !!!!
ان لم يكن هناك مشاعر متبادلة من جهة تبارك فمشاعر واعجاب ذلك الرجل واضحة جداً ...حتى هو استطاع ان يلمح هذا الاعجاب وهو بعين واحدة فقط !!!
خرجت الكلمة من فمه بأندفاع وغيرة واضحة جعلت بصيص الامل يدب في اوصالها
- لطيف جداً السيد فاروق !!!!!
ابتسمت بهدوء ونظرت له بصمت لبضعة ثوان قبل ان تجيب موافقة بتعمد
- اجل معك حق
- ووسيم ايضاً! وهذا يجعله زوج مثالي تتمناه اغلب الفتيات !!
اتسعت عينيها بصدمة ...زوج مثالي !!!! الى ما يرمي اليه عبد العزيز .... رباه هو يعتقد بانهما ربما .... لالا هي حتى لا تريد ان تتخيل ما قد يجول بفكره !!!
سحبت نفساً عميقاً لكي تهدأ قليلا من ثورتها الداخليه .... ثم اجابت وهي تنتقي كلماتها بحذر وتعمد
- عندما تختار المرأة الزوج المثالي فأنها لا تفكر بوسامته يا عبد العزيز .... وابدا لم تقاس رجولة وغيرة الرجال بوسامتهم !
اجابها بسخرية طفيفة
- الوسامة ركن لا يتجزأ من اركان احلام اي فتاة تفكر بشكل سوي يا انسة تبارك !
عقد حاجبيها بعجز .... ربااه كم هو عنيد ...غبي ...ذو رأس حجري ... لايريد ان يفهم الى ما ترمي اليه ..... قالت بعناد وقوة وجراءة تفعلها لاول مرة
- الفتاة عندما تبحث عن شريك حياتها .... تبحث عن رجل بحق ... رجل يحتويها ... يحبها لشخصها .... فهي لا تريد حب المراهقين ...ولا تريد منه ان يتصل بها كل ليلة ليسمعها كلام الحب و الغزل ... ولا ان يكتب لها اشعار العشق والهيام ... هي فقط تريده هو ... برجولته .. بغيرته ... بحنانه ... تريده قريباً منها كقرب الوتين ... يفرح لفرحها ويحزن لحزنها ...يشاركها حياتها ... يمسك يدها بقوة ...يمسكها ليكملا طريقهما معاً .. والى الابد

ساد الصمت الثقيل بينهما .... تكاد تقسم بأنها لمحت دموعاً لامعه في عمق عينه الداكنة ....
كان عبد العزيز يتنفس بتثاقل ... وكأنه يحاول التقاط انفاسه المحتبسه من تحت الماء ... لم ينطق بحرف .... ام ربما هو لايجد ما يقوله لها ..... هي تخبره بطريقة مباشرة وصريحة جداً ..
بأنها تريده هو لشخصه .... لماذا قد تفعل ذلك !!!! أهي جادة بكلامها ...ام ربما هذا نوع اخر من الشفقة !!
كور قبضته بقوة .... ماذا قد يقدم لها رجل معوق ..محطم ..معقد مثله !!!! حتى وان ارادته فعلا فهو لن يخطو هذه الخطوة المجهولة النهاية .....
صده ورفضه لها هو لمصلحتها هي .... لانه يحبها لايريدها ان تتورط مع رجال لم يتبقى منه سوى حطام .... لن يدخلها لقلبه المهجور الذي لايحتوي سوى على اشباح مخيفة تدور في اروقته بضياع ... سيتعذب هو ويعذبها معه .... وقبل ان ينطق بحرف دلفت الى المكتب موظفة اخرى ..توجهت الى مكتب مقابل لمكتب تبارك .... انتهز الفرصة وكأنه يحاول الهروب من الاجابة ووقف قائلا بجمود
- حسناً انسة تبارك نلتقي في نهاية الشهر القادم مع الدفعة الثانية من القرض ...شكرا على المساعدة
تركها وغادر بهدوء كما جاء بهدوء .... راقبته هامس في سرها بحيرة وعذاب وهي تجاهد لكي تحبس الدموع التي تجمعت بعينها
- اه منك ايها الحبيب العنيد ..... ماذا افعل بعد كي تفهم وتستيقظ من غيبوبتك الوهمية ! بأي طريقة يمكنني ان اشرح لك بأني اريدك انت ..احبك انت ...ولن يحتل قلبي رجلُ سواك !!

..........................
....................................
البصرة عصراً
............
يجلس في مضيف عمه الشيخ راشد بهدوء ....ينتظر دخوله على احر من الجمر ....كل ما يريده الان ابلاغة بشأن خطبته وكفى .... سواءاً وافق او لم يوافق ..هذا لايشكل فرقاً عنده
المهم ان يحضا بها ...للأن هو غير مصدق بأنها وافقت ...وافقت على الزواج منه .....
منذ ان اتصل به وليد ظهراً وهو يشعر وكأنه يسبح فوق الغيوم .... رغم انها اطالت التفكير الى ان اتخذت قرارها ....لكن لاباس يحق لها الدلال ..... تلك هي رضاب التي ستصبح زوجته وشريكة حياته !!!
استقبلت والدته الخبر بفتور وبرود .... حسناً هو لايهمه ذلك .... يعرف والدته جيداً .. هي طيبة القلب .... رغم ما تدعيه من صلابة .... وهو متأكد كل التأكيد بأنهما ستكونان كالأم وابنتها .....
فقط فلتتعرف على رضاب عن قرب وتلمس رقتها وطيبتها ونقاء قلبها الصافي .... وهي ستقع بحبها دون ادنى شك ... تماما كما وقع ابنها على رقبته وانتهى به الامر هائماً بهواها كالمراهق الأبله !!!
تذكر ماحصل اليوم ظهراً ... كان يشرف على العمال في المصنع عندما رن هاتفه المحمول .... اعطى عدة توجيهات قبل ان يخرجه من جيب بنطالة ينظر الى المتصل بلامبالاة .... لكنه ما ان لمح اسم وليد حتى تجمد الدم بعروقة ... لماذا قد يتصل به الان .... فهو في الايام السابقة كان يحرص على الأتصال والسؤال عن زهير ..كما انه بارك له عندما خرج من الحبس وهنئه هاتفياً
اذن الامر يتعلق برضاب لامحالة !!!! سحب نفساً عميقاً ثم اجاب بهدوء بينما ضربات قلبه تدوي بصخب
- السلام عليكم ....اهلا وليد ...
صمت قليلا يستمع لما يقوله بحرص وترقب .... ملامحه المتحفزة المتشنجة انفرجت ...وارتسمت ابتسامة واسعة على ثغرة ...بينما أضاءت عيناه والتمعت بقوة ..... اطلق نفسه المحتبس براحة ثم اجابه بفرحة وحماس بينما يحاول قدر استطاعته تمالك لهفته
- سلمك الله يا وليد ....شكرا لك كثيرا .... اعدك وعد شرف بأني سأكون عند حسن ظنك .... لن تندم ابداً ثق بذلك
اغلق هاتفه بعد ان ودعه بحرارة ووعده بأن يأتي لزيارتهم محضراً معه والدته ليتم كل شيء بشكل رسمي وحسب الاصول .....
عاد من شروده على صوت عمه وهو يسعل بخشونه ... كان كالعادة يرتدي الزي العربي ... الذي يزيده هيبة ووقاراً ... هب معاذ واقفاً يستقبله بأدب واحترام .... ثم مد يده ليصافحه وهو يبادله التحية .... جلسا على الاريكة العريضة المذهبة ...بدأ عمه الكلام معاتباً
- كيف حالك يا ولدي ...لما لم تعد تأتي لزيارتي كالسابق ؟
ابتسم معاذ ببشاشة واجابه بهدوء
- معك كل الحق عمي ..اعتذر على تقصيري .. لكنك تعرف التنقل مابين المكتب والمعمل ومراقبة العمال لهو شيء متعب جداً !
اومأ عمه قائلا
- اعانك الله يا معاذ ! والان اخبرني ماسبب هذه الزيارة الغير متوقعة !
شعر معاذ بالحرج من عمه ...فهو بالفعل كان مقصراً بزيارته في الفترة الاخيرة .... لكنه لم يكذب قط ...فهو بالفعل كان مشغولا بالعمل كما ان ظهور رضاب وكذلك سفره المستمر الى اربيل زاد من انشغاله وتباعده عن الجميع ......
اجاب معاذ قائلا
- الحقيقة يا عمي ...ودون لف ودوران ....لقد قررت ان اتزوج
تهللت اسارير عمه واتسعت ابتسامته السعيدة وهو يقول مستبشراً
- ماشاءلله ... ماشاءلله ... اخيراً ستفعلها وتتزوج يا ولد ...لقد افرحتني جداً بهذا الخبر مبارك لك يا معاذ
اجابه معاذ بأبتسامة صغيرة
- سلمك الله عمي ..
اومأ عمه وهو يسبح بمسبحته قائلا بأهتمام
- والان لنرى من هي سعيدة الحظ ....بكل تأكيد هي واحدة من بنات العشيرة اليس كذلك ؟!
اجابه معاذ قائلا بهدوء وثقة
- لا ... ليست من العشيرة !
اختفت ابتسامة الشيخ راشد واجابه قائلا بجمود
- ماذا اذان غير ذلك ؟!!!!!
- هي من بغداد لكنها تعيش حاليا في اربيل ! شاهدتها بأحدى المرات واعجبت بها وباخلاقها ... وقد اخترتها زوجة لي !
ارجع عمه ظهره الى الوراء وقال بأنتباه
- اهااااا! اكمل لماذا توقفت !
نظر معاذ لعمه قائلا
- لم يعد هناك ما اخبرك به عمي ....
- اذن انت قررت ان تخطبها وانتهى الامر
اوما معاذ قائلا
- اجل عمي وقد اخذت الموافقة المبدئية من عائلتها !
اجاب عمه بجمود وبرود
- وان قلت لك بأني غير موافق ؟!
تنهد معاذ بعمق وهو يفكر ...هاقد بدأنا الحرب ...ابتسم واجابه بصبر
- مع احترامي الشديد لك عماه .... انا قررت الزواج منها وانتهى .... واتمنى فعلا ان توافق .... لانك ان وافقت او لا ..فأنا بكلا الحالتين سأتزوجها ! قراري هذا نهائي ولا رجعة فيه ! ابدا !
اجابه عمه بابتسامة صفراء
- انت تعرف بأننا لا نزوج بناتنا من الغرباء ولا نأخذ لأبنائنا الا من نساء العشيرة !
- وانا اسف عماه ...انا وكما اخبرتك منذ قليل اتخذت قراري وانتهى ...اتمنى فعلا ان تفهمني وتوافق ...ثق بأني ساكون سعيداً جدا بمباركتك لهذا الزواج !
قال جملته الاخير ثم وقف مستأذناً وقبل ان يخرج اردف بهدوء
- غداً سأسافر الى اربيل يا عمي وسأكون اكثر من سعيد ان رافقتني لتخطبها لي بنفسك فأنت بمثابة ابي ...عن اذنك .....
تركه وغادر بينما عمه راشد ظل يحدق بأثره متجهماً ....وهو يهمس يغيض ... هل سيعيد التاريخ نفسه !!! هل سيدع معاذ يفعل ما فعله شقيقة من قبل !! بعد خروج معاذ بدقائق دلف ولده زاهي الى الداخل وهو ينظر لوالده بفضول
- مالذي اراده منك معاذ وجعلك متجهماً هكذا ابي !!
اجابه والده قائلا بجمود
- تعال اجلس وسأحكي لك كل شيء بالتفصيل !
ما ان جلس قرب والده حتى اخذ الاخير بسرد كل ما قاله معاذ بينما زاهي يستمع لوالده مفكراً بتركيز ..... وما ان انتهى راشد من كلامه حتى قال زاهي بهدوء
- دعه يتزوج ابي !
هتف والده بأستنكار وقوة
- أجننت !!! كيف تقول هذا انت تعلم بأ.....
قاطعه زاهي قائلا بدهاء وفطنة
- دعه يتزوج ابي ..... زواجه هذا سيعود علينا بالفائدة ... و سنضرب عصفورين بحجر واحد !
ارتخت ملامح الشيخ راشد وردد خلفه متسائلا بعدم فهم
- سيعود علينا بالفائدة !!! وكيف ذلك ايها العبقري ؟!!!
- الان سأخبرك واشرح لك ابي
.......................
...............................
نهاية الفصل الثاني والثلاثين



















............................



Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 27-07-19, 10:17 PM   #99

Roqaya Sayeed Aqaisy

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وراوي القلوب

 
الصورة الرمزية Roqaya Sayeed Aqaisy

? العضوٌ??? » 345099
?  التسِجيلٌ » May 2015
? مشَارَ?اتْي » 3,439
? دولتي » دولتي Iraq
?  نُقآطِيْ » Roqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond reputeRoqaya Sayeed Aqaisy has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

قراءة ممتعة اتمناها لكم

Roqaya Sayeed Aqaisy غير متواجد حالياً  
التوقيع







رد مع اقتباس
قديم 28-07-19, 10:49 AM   #100

الأسيرة بأفكارها

مشرفة سابقة بمنتدى قلوب أحلام وافتح قلبك، نجم روايتي، حارسة وأسطورة سراديب الحكايات

alkap ~
 
الصورة الرمزية الأسيرة بأفكارها

? العضوٌ??? » 336028
?  التسِجيلٌ » Jan 2015
? مشَارَ?اتْي » 23,577
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » الأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond reputeالأسيرة بأفكارها has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
افتراضي



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
صباحكم سعادة أعزائي...
هنا ستجدون كل ما تريدون...

مكتبة كاتبات _وروايات _قلوب أحلام_ ستجدون كل ما بكل الأقسام(متجدد)







الأسيرة بأفكارها غير متواجد حالياً  
التوقيع


"كن متفائلاً ولا تدع لليأس طريقاً إلى قلبك.."




رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:08 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.