أحبك لكن كبريائي أولى(106)-قلوب شرقية-للكاتبة ف.الزهراء عزوز *مميزة&كاملة&الروابط*

[زهرة الغردينيا]

السلام عليكم ورحمة اللة وبركاته
واضح ان الرحلة شارفت على النهاية...
لقد حققت حلمها ب نشر روايتها الأولى ...
شادي تغير ولكن بعد فوات الأوان فلقظ خسر
حبيبتة ب غباءة...
مالك علم ان قمر تحبة و طلبها للزواج....
رواية مليئة بالأحداث المشوقة
تسلم ايدك حبيبتى ❤❤❤❤

[Fatima Zahrae Azouz]

مساء أو صباح الخيرات حسب توقيت قراءتكم للمنشور....
لا زلت لا أصدق أن رحلتي معكم قد شارفت على الانتهاء (مع أنني أنهيت بالفعل كتابة الخاتمة ليلة أمس) و أتمنى من كل قلبي أن تنال إعجابكم هي و الفصل الأخير...و رغم سعادتي بإنهائي لكتابة الرواية على خير أشعر أنني سأفتقدكم إلى حين بداية الجزء الثاني أو كتابتي لشيء آخر بما أن الأفكار في بالي و الأعمال التي بدأتها لا تنتهي...
أحببت أن أهديكم اقتباسا صغيرا من الفصل الأخير، و كأنني أقدم لكم قطعة من كعكة في انتظاركم للالتهام الكعكة بأكملها يوم الثلاثاء بإذن الله و سأكون سعيدة بقراءة فرضياتكم و تخميناتكم لما بعد الاقتباس و ما قبله بالتأكيد
إليكم الاقتباس❤❤❤❤



دارت بكرسيها لتقابل وجهه ثم تقول بهدوء: "أجد عباراتك غريبة على مسامعي، لم أعهدك هكذا".
كان صوت يائس بداخله يهمس: "و لم أعهد نفسي هكذا"، لكنه ألغاه ليهمس لها: "بالتأكيد فلن أتغزل بزميلة الجامعة أو شريكتي بالعمل...أنت الآن زوجتي، انهدمت الحدود التي كانت بيننا منذ عقد قراننا".
سألته مباغتة: "و هل انهدمت حقا؟"
كان يعرف ما الذي يخفيه السؤال غير المتوقع، فأجابها بسؤال آخر: "هل انهدمت حصونك أنت؟ أم تراها ما زالت عالية؟ تفتح لي الباب لأعبر إلى قلبها ثم تدفعني إلى الخارج من جديد بعد أن سرت خطوات قليلة فقط بقلب القصر الذي يقع قلبها".
نظرت إليه بتعجب و شعورها يخبرها أن حديثه يدور حول كبريائها السامي و قلبها المحب...أتراه يعرف؟ اتسعت عيناها على وقع السؤال لكنها عادت لتطمئن نفسها أنه يراوغها فقط بطرح نفس السؤال حتى لا يجيبها...قررت مراوغته بقولها: "طريقة هدم بعض الحصون تكون أسهل بكثير مما نتوقع و بعضها..."
قاطعها و هو يهديها قبلة صغيرة جعلت نبضاتها الراكدة تصحو شاديةً على أنغامها...فتحت عينيها لتنظر إلى عمق عينيه و تتابع كلامها بنبرة مبحوحة: "و بعضها يكون صعبا، يحتاج لكلمة سر سحرية عند الهمس بها تنهار الحصون لوحدها ثم يتوج ملكا للقصر الذي يقع خلف تلك الحصون".
كان يدرك جيدا ما خلف تلميحاتها من كلام، و كانت تعرف أنه فهمها، لكن مع الأسف لا زال أمامهما الكثير من الوقت حتى يحبها كما تريد...
أطرقت بنظراتها متسائلة في نفسها إن كان القرار الذي اتخذته بعد أن أدارت حوارها مع شادي مرارا في عقلها سيكون صائبا؟ لتتحول ملامحها إلى ملامح حازمة و هي تقر أنها شجاعة بما يكفي لتدخل هذه المعركة بكامل كبريائها و ثقتها و تخرج منها بكامل كبريائها و ثقتها مهما كانت نتيجتها...
أتمنى لكم قراءة ممتعة و بانتظار قراءة توقعاتكم
تحياتي وودي❤

[Fatima Zahrae Azouz]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة زهرة الغردينيا

السلام عليكم ورحمة اللة وبركاته
واضح ان الرحلة شارفت على النهاية...
لقد حققت حلمها ب نشر روايتها الأولى ...
شادي تغير ولكن بعد فوات الأوان فلقظ خسر
حبيبتة ب غباءة...
مالك علم ان قمر تحبة و طلبها للزواج....
رواية مليئة بالأحداث المشوقة
تسلم ايدك حبيبتى ❤❤❤❤

تسلميلي يا قلبي
سعيدة برأيك و متابعتك للرواية
تحياتي لك غاليتي

[عشقي بيتي]

اقتباس حلو واحسه غامض توترت وانااقرأه خايفه قمر تغير من رأيهافي مالك ثتقدم كبرياءهاعلى قلبهاوحبهالمالك
انتي متألقه ومبدعه وبانتظارجديدك دائما
في انتظارك بشوق
موفقه باذن الله

[عشقي بيتي]

تسجيل حضور من الان
جااااااااااري الانتظار

[Fatima Zahrae Azouz]

أسعد الله يومكم
سيتم تنزيل الفصل العاشر بعد لحظات
قراءة ممتعة مسبقا
❤❤❤❤❤❤❤❤

[Fatima Zahrae Azouz]

الفصل العاشر و الأخير:
(أخافُ الأشياء التي تُلامس قلبي يا ميلينا، لذا أهرب منها دائمًا.. وأهرب منكِ"
رسائل كافكا إلى ميلينا
فرانز كافكا)

"يحكى أن...
في زمن غابر كانت تعيش فارسة جميلة، قوية، واثقة من نفسها...لم تلقب بالفارسة فقط لأنها تجيد ركوب الخيل، بل لأنها كانت مشهورة بكبريائها السامي بين سكان المنطقة التي تعيش فيها، كانوا دائما يرونها سعيدة راضية، لم يعرف أحد منهم ما تخفيه خلف واجهة تلك السعادة من ألم حب، من اشتياق لحبيب...لم يعرف أحدهم أن فارسة الكبرياء لعنت بعشق لا بداية له و لها نهاية، عشق لبحار عرف بوراثته للحكمة عن والده، فكانت حياته مخططة، كان يسير فيها على حبل رفيع...كان يحب أن يضع ألف سؤال للشيء الذي أمامه و يتفرد في استنتاج الجواب بين كل الفرضيات...عند تعارفهما كانت لغزه المستعصي، وضع فرضيات دون أن يجد لها إجابة...أو ربما كانت إجابته بعيدة كل البعد عن الحقيقة التي كانت أمامه لكنه كان مع الأسف أعمى عن رؤيتها...
يحكى أن...
أميرة عاشت في قصر كبير، كانت مدللته و محبوبته قبل أن تولد أختها، فيختفي الدلال من حياتها شيئا فشيئا حتى انعدم...بدأت تشعر بنفسها و كأنها جردت من كونها نبيلة، و كأنها مجرد سجينة في ذلك القصر، فثارت و تمردت و غادرت القصر في رحلة طويلة تبحث فيها عن الحب...
قابلت ساحرا في طريقها، ادعى أنه أمير، خدعها و أخبرها أنه يحبها...أغرقها بالمفاجآت فشعرت و كأنها تحبه، لينزع القناع ذات ليلة و تعرف حقيقته لكنها لم تبالي، لتعرف في ما بعد أنه كان طامعا في مكانتها و عندما لم يحصل على شيء منها تركها و مضى...
بكت على أطلاله، فلم تجد سندا لها غير ذلك الفارس المغوار الذي كان يراقبها دائما في الخفاء...أخذ بيدها ليمضي معها في طريق اكتشافها لذاتها قبل أن يخبرها بعشقه لها...
يحكى أن...
فتاة كانت تملك قلبا من زجاج، شرخ كثيرا قبل أن يتحطم و يحرق، لتقابل حبها الحقيقي الذي خلق قلبها من جديد من الرماد، فسار مشتعلا كطائر العنقاء...
يحكى أن الكبرياء و الحب تواجها من جديد بعد فراقهما...فكيف ستكون نهاية مواجهتهما؟ أسينهار الحب أم الكبرياء؟ أم أنهما سيجدان طريقة للمضي معا في نفس الطريق؟..."
-"هل تقبلين الزواج بي يا قمر؟"
صدمة مخفية عاشتها على وقع السؤال الذي لم تتوقع أن يصدر منه أبدا...نظرت إلى العلبة السوداء المفتوحة أمامها يتوسطها خاتم ماسي بديع...موسيقى مونامور تلفهما بسحرها الخلاب بينما يعيد مالك سؤاله على وقع إيقاعاتها: "أ تتزوجينني قمر؟"
أعين المتواجدين تعلقت عليهما بحماس منتظرين نهاية العرض غير المتوقع...رفعت عينيها ناحية والدها تشاوره فأومأ لها برأسه لتلتفت إلى مالك قلبها و تهمس بهدوء: "أنا موافقة".
تعالت التصفيقات الحارة و مالك يلبسها الخاتم ببطء و عيناه تأسران عينيها...قلبها يخفق بعنف حتى أن دمعة فرح سالت من عينيها...لقد كانت تحلم بهذا، عندما كانت صبية كانت تقول أن على شريك حياتها المستقبلي أن يطلب منها الزواج في حفل توقيع لروايتها...وقتها لم تكن تعرف مالك و لم تكن تتوقع أنها ستنشر رواية تحمل قصتها الحقيقية...قصتها التي أنهتها بحلم تحول فجأة إلى حقيقة...ابتسم لها بسحر قبل أن يميل و يهمس لها: "أنتظر منك تحديدا لموعد الخطبة".
ابتسمت له بدورها قبل أن تنهال عليهما التبريكات من المتواجدين، فتقبلاها بصدر رحب و نظرات سعيدة و كأن بارتباطهما امتلكا معا كل الوجود...
*********************************************
يتحرك ذهابا و إيابا أمام الحمام المغلق دون أن يغفل على ساعته بين كل دورة يقوم بها...تاه بين xxxxب الساعة و لم يعد يتذكر منذ متى و هي بالداخل، فطرق الباب و هو يقول بقلق: "ألم تظهر البعد النتيجة يا عائشة".
لم تجبه سوى شهقة بكاء فتعالى وجيب قلبه قلقا عليها و حزنا، و قبل أن تمتد يده لتفتح الباب كانت تفتحه هي...
كان منظرها و هي تخرج إلى الخارج ممزقا لقلبه...الدموع تسيل على وجنتيها بصمت بينما تعتصر قبضتها جهاز كشف الحمل...فتح لها ذراعيه فسارت ترتمي في حضنه و هي تتعلق بعنقه دون أن تتوقف دموعها عن السيلان...همس بصوت أجش و هو يشدد من احتضانها: "لا بأس، لا بأس حبيبتي، لا زال هناك أمل، لقد قالت الطبيبة ذلك عندما ذهبنا إليها قبل أسابيع".
همست عائشة بارتجاف: "لقد كان كلامها صحيحا...أنا لا أبكي بسبب الحزن، بل لأنني فرحة...أنا حامل يا نسيم".
أبعدها عن حضنه ينظر إليها بغير تصديق ثم همس باندهاش: "حامل؟"
أومأت برأسها و هي ترفع الجهاز المستطيل أمام نظراته فيرى الخطين الأحمرين...وجدت نفسها في أحضانه من جديد يضمها بقوة و هو يهمس: "الحمد لله...الحمد لله".
ثم تابع قائلا و هو يضم وجهها بيد بينما يمسح دموعها بيده الأخرى: "لم تبكين إذن؟ لقد سقط قلبي من مكانه و أنا أرى دموعك".
همست برقة: "أبكي من شدة الفرح".
قال بحنق مصطنع: "أنتن النساء ملكات الدراما، تبكين في الفرح و الحزن و كأن الضحكات غير موجودة".
همست بهدوء: "و نضحك في الحزن أيضا لنخفيه".
ابتعدت عنه لترتمي على السرير و هي تقول بسعادة بالغة: "يبدو أن اليوم هو يوم الأخبار السعيدة".
قال برقة: "أراك سعيدة بارتباط صديقتك أكثر من سعادتها هي".
-"قمر فقط لا تظهر مشاعرها...ستجد داخلها يرقص سعادة".
ضحك نسيم و هو يقول: "تستحق السعادة حقا مع شخص يحبها".
استقامت تنظر إليه لتتساءل باندهاش: "و من قال لك أن مالك يحبها؟"
قال بجدية: "بينهما كيمياء قوية لاحظتها عندما درستكم قبل سنوات...أتدرين لقد كنت أظنهما حبيبين وقتها".
-"لا، لم يكونا كذلك، فارسة الكبرياء لم تكن لتتخلى على كبريائها من أجل علاقة محرمة، فلندعو أن تتخلى عنه بعد الزواج".
قال مغيرا الموضوع: "هل سنظل نتحدث عن قمر و خطيبها طويلا؟"
قالت ببراءة: "هل لديك موضوع آخر نتحدث عنه؟"
سحبها من يدها و هو يقول بتسلي: "هناك فيلم رعب سيعرض بعد لحظات، ما رأيك أن نشاهده معا؟"
هتفت بصدمة: "مستحيل"...
-"هيا لا تكوني لئيمة، سأسمح لك باحتضاني كلما شعرت بالخوف"...
استسلمت لسحبه لها عارفة أنها لن تشعر بالخوف و هي معه، لأنه مصدر أمانها و سندها الوحيد في هذه الحياة...
*********************************************
دخلت أخيرا إلى غرفتها لتتجه بخطوات بطيئة إلى سريرها و تلقي نفسها عليه و هي تضم ركبتيها إلى صدرها...أغمضت عينيها تتذكر ما حدث هذا المساء: طلبه ليدها أمام الملأ، قبولها لطلبه، سعادتها الكبيرة و هي تنظر إلى الخاتم في بنصرها بين الفينة و الأخرى و كأنها لا تصدق بعد ما حصل...لم تشعر بسعادة كالتي شعرت بها و هو يهمس بالطلب السحري الذي لف القلب بدوامة من الدهشة و السعادة فوافق قبل أن يتشاور مع الكبرياء الذي بدا الآن و كأنه كان في غفوة ثم صحا ليسمع الأخبار الجديدة فصعق و صدم و لام حتى باتت تتساءل: "ترى هل قراري صحيح؟ أم أن موافقتي على الزواج منه يعني تخلي عن كبريائي؟"
لا، هي لم تتخلى...هي لم تعترف بحبها له، هو من طلب يدها بنفسه، لكن ما سبب طلبه في هذه الفترة؟ أتراه علم بالسر الذي تخفيه الرواية؟...
طرق على الباب أوقف أفكارها، فرفعت رأسها تنظر إلى أمها التي اقتحمت الغرفة...اعتدلت في جلستها بينما والدتها تجلس بجوارها و تقول برقة: "لم أتوقع أبدا عندما قررت أن أهديك قفطان زفافي أن يكون ارتباطك برجل بعد أسابيع و ربما يكون زواجكما بعد أشهر قليلة".
مَرَحَت ابتسامة هادئة على شفتي قمر...كانت ابتسامة شخص حزين مثقل بالهموم...أمسكت والدتها بيدها لتسحبها إلى حضنها فضمتها قمر بقوة في الوقت الذي همست فيه دون أن تبتعد عنها: "عند عودتنا قال والدي أن مالك فاتحه بموضوع ارتباطه بي منذ أيام، متى حدث ذلك بالضبط؟"
غمغمت والدتها و هي تمرر يدها على شعر ابنتها الطويل: "قبل أسبوعين أو أكثر...والدك لم يخبرني بالموضوع وقتها، أخبرني قبل أيام قليلة".
رفعت قمر رأسها لتهمس ببهجة: "حقا؟"
أومأت نجاة برأسها و هي تستغفر على كذبتها...حسنٌ لم تكن كذبة تماما، فكما قال مالك عند التقائه بوالدها ليحدثه عن الموضوع أنه كان يريد التقدم لها بالفعل و قد شاور والده في الأمر فوافق، لكن بسبب انشغاله في العمل أجل الأمر قليلا لتهديه قمر روايتها فيتفاجأ عندما قرأها أنه بطلها، فخاف أن ترفض طلبه ظنا منها أنه يريد الارتباط بها فقط لأنه عرف أنها تحبه، فكان كمال صريحا عندما أخبره أنه سيخبر ابنته أن مالك فاتحه في موضوع الزواج قبل نشر الرواية و بعد أن حصل على موافقة كمال خطط لعرض الزواج عليها...لقد وافقت على ما قام به زوجها و صهرها المستقبلي فقط لأنها تعرف حساسية ابنتها الزائدة و كبرياءها السامي الذي ترفض أن يكسر بسبب حب...
رن هاتف قمر الملقي بإهمال فوق السرير فلم تتحرك قمر من مكانها بينما امتدت يد والدتها لتحمله ثم تقول لابنتها: "مالك يتصل".
ابتعدت قمر عن حضن والدتها ثم أخذت الهاتف قبل أن تتكئ على حجرها كطفلة صغيرة و تجيب خطيبها بينما كانت نجاة تستمر بتمرير يدها على شعرها...
بهدوء و رقة كانت تهمس قمر: "مرحبا مالك".
ليجيبها مالك بعبارة جعلت وجنتيها تتورد بينما خفق قلبها إثارة: "أتدرين أنني اكتشفت مؤخرا أن لك طريقة مختلفة لنطق أحرف اسمي...أحب النغمة التي يصدرها عندما يغادر شفتيك".
همست قمر بهدوء: "هل أعتبر هذا إطراءً أم غزلا؟"
ارتفع حاجب والدتها و تساءلت في سرها عما قاله مالك لابنتها، بينما كان مالك يضحك قبل أن يجيبها: "إنها حقيقة فقط".
ثم تابع متسائلا: "هل تم تحديد موعد الخطبة؟"
أومأت قمر برأسها قبل أن تقول: "لقد وافقت أمي على مضض لأن تكون بعد ثلاثة أيام بدلا من أن تكون يوم غد كما أردت...أنت تعرف هناك تحضيرات كثيرة علينا القيام بها...سيكون حفلا عائليا يضم أفراد العائلة و أصدقاءنا المقربين...لا أريد احتفالا ضخما مبهرجا".
-"أحب ميلك للبساطة و كأنك تقرأين أفكاري".
أجابها بصوت أجش، فابتسمت قبل أن تتابع: "غدا مساءً سنلتقي من أجل شراء خواتم الخطبة...ستكون متفرغا، أليس كذلك؟"
رد عليها بنبرة أسرتها: "هناك مباراة كرة قدم أريد أن أتابعها...لكنها ليست أهم منك، غدا سأمر إلى بيتكم حتى نذهب معا...سترافقنا خالتي نجاة، أليس كذلك؟"
أجابته بالإيجاب، فأنهى المكالمة و هو يتمنى لها ليلة سعيدة...وضعت الهاتف ثم رفعت عينيها إلى أمها لتقول برقة: "أناملك لا زالت تملك مفعولها السحري يا أمي، أشعر أنني سأنام و أنا أحدثك".
ابتسمت نجاة ثم سألت بفضول عما قاله مالك لها حتى تسأله إن كان كلامه إطراءً أم غزلا، فأسبلت قمر أهدابها و غمغمت: "قال أنه يحب النغمة التي يصدرها صوتي عندما أهمس باسمه...بالتأكيد يجاملني كأي خطيب يجامل خطيبته".
ضحكت والدتها قبل أن تقول: "أو أنه معجب بك صغيرتي لهذا يغازلك بطريقة غير مباشرة...سأتركك الآن تنامين، لدينا أشياء كثيرة لنقوم بها غدا...تصبحين على خير".
غادرت نجاة الغرفة لتترك قمر تفكر فيما قالته...رفعت يدها اليمنى لتحدق بالخاتم الذي ببنصرها و هي تتساءل: "ترى ما الذي دفعك للارتباط بي يا مالك؟ أتراه قرار اتخذه عقلك لأنني زوجة مناسبة، أم أن قلبك هو المسؤول عنه؟ آه كم أتمنى أن يكون الجواب الثاني هو الصحيح رغم أنني أرى الأمر مستحيل"...
*********************************************

[Fatima Zahrae Azouz]

بعد ثلاثة أيام:
استيقظت اليوم و تفاؤل غريب يلفها بسحره...لقد أقرت بعد تفكير أن جميع أمانيها الصغيرة معه تتحقق في النهاية مهما تأخرت، فها هي ستخطب إليه بعد أن استحالت حصول ذلك عندما علمت بارتباطه بشيماء...ذلك اليوم كانت تخطط لهمس أمنيتها بأن ترتبط به عند إطفائها لشموع كعكة عيد ميلادها، لتكون مفاجأتها خطبته لأخرى فتمنت من كثرة قهرها أن يساعدها الله في نسيانه...تمنت لو يقتلع الله قلبها من مكانه حتى لا ينبض من أجله... كانت قد سئمت من العذاب، لكن دعوتها لم تتحقق لأن القدر كان يخبئ لها مفاجأة أخرى...ابتسمت و هي تفكر أن الأمنية الوحيدة التي تمنتها و لم تتحقق أن يحبها بدوره...ربما لا زال أجل تحقيق الأمنية بعيدا لكنها ستظل متشبثة بأمل عيش تلك اللحظة في الوقت المناسب...
كانت قد تجهزت بمفردها من أجل الحفل رافضة بعناد الذهاب إلى مركز التجميل، لكنها قبلت على مضض اتصال أمها بصاحبته لتطلب منها إرسال أفضل عاملاتها...تأنقت في فستان أحمر بدا كإعلان صريح عن الحب لكنها لم تهتم بذلك فقد وقعت في غرامه هي و والدتها و ماجدة أثناء جولة تسوقهن من أجل الخطبة فاشترته ببساطة...صففت شعرها و تركته منسدلا على جانب واحد يزينه مشبك به وردة كبيرة حمراء اللون، بينما كانت زينتها ناعمة أضافت لبشرتها البيضاء وهجا ذهبيا زاد من رقتها و سحرها...
كان الضيوف قد وصلوا منذ مدة طويلة فتفرقوا في حديقة المنزل حيث يقام الحفل، تعلقت أنظارها بالخارج تنتظر وصوله فلمحت توقف سيارته أمام منزلهم...ابتسمت بسعادة ثم تركت مكانها لتنزل الدرج بسرعة و الفستان الأحمر يتطاير بنعومة و كأنه يرقص على إيقاعات خطواتها الصاخبة...توقفت أمام الباب الداخلي في الوقت الذي كان يدلف من الباب الخارجي لقلب منزلها...رآها أمامه فابتسم، فتسارع وجيب قلبها بينما تتحرك قدماها على إيقاع xxxxب اللهفة و الشوق... خطا ناحيتها ليتوقفا في منتصف الطريق الذي فصل بينهما و كأنهما تذكرا أهم قواعد الرياضيات و قررا تطبيقها على أرض الواقع...
لقد كانت نقطة لقاء مساراتهما التي اختلفت منذ سنوات...لقد كانت نقطة بداية لحياة جديدة تجمعهما معا...حياة ستملأها بالحب و السعادة...يكفي فقط أنه بجوارها...أنها ستثمل من النظر إلى عينيه و ابتسامته التي تعشقها...يكفيها فقط هذا لكي تكون أسعد أنثى على الأرض...
كان من قاطع ما تبوح به الأعين خفية عن العقل بقوله: "مساء الجوري الأحمر".
ابتسمت و هي تقول: "مساء النور، كيف الحال؟"
قال بصوت أجش: "كنت بخير، فتحول الخير إلى خيرين بعد أن رأيتك أمامي بصحة جيدة و ابتسامة مشرقة".
اتسعت ابتسامتها و بدلا من أن تجيب كانت تهمس: "لننضم إلى البقية...الجميع ينظر إلينا".
أومأ برأسه فرفعت فستانها الطويل قليلا لتسير محاذاته و هي ترفع رأسها بشموخ...كانت قد أصرت على والدتها بأن تكون الحفلة عادية و لا تكون محط أنظار الجميع و رفضت أن يتم وضع أريكة للعروسين، فكانا يتنقلان بين الضيوف يتلقيان التهاني و يتبادلان أطراف الحديث...ابتسمت لصديقتها تماضر التي حضرت رغم انشغالها بعرسها القريب و لوحت لعائشة و نسيم من بعيد قبل أن تسير ناحيتهما و تهنئهما مظهرة حماسا كبيرا للطفل القادم بعد أشهر...لحق بها مالك بعد أن كان يتحدث مع أحد معارف عائلته فابتسم لها و هو يتقبل التهاني من صديقتها و زوجها...
جاءت والدتها أخيرا تحمل حاملا من الفضة وضع فوقه علب خاتمهما، فألبس لقمر محبسها قبل أن تلبسه خاتمه فتتعالى تصفيقات الحضور قبل أن يقطعا كعكة خطوبتهما و يطعما بعضهما منها...قبل أن ينبعث صوت إحدى الأغنيات المشهورة فيجتمع الجميع للرقص على إيقاعاتها ساحبين الخطيبين حتى يشاركوهم الرقص الصاخب...
تناولوا العشاء في جو عائلي مبهج، حتى أن قمر تخلت عن كونها صاحبة الحفل و أجلست ابنة ماجدة على قدمها حتى تطعمها بينما أمها كانت تطعم أختها التوأم...كانت تناغش الصغيرة فتتعالى ضحكاتها الطفولية العذبة ليبتسم الجميع لها في حبور...
انصرف الأغلبية بعد ساعات لتبقى عائلة حبيبها فقط...اجتمعوا في البهو فقال السيد عبد العزيز -والد مالك- بهدوء: "كما تعلم يا كمال، ابني مالك و قمر يعرفان بعضهما منذ سنوات، لذا فكر مالك ألا تكون الخطبة طويلة و أن نبدأ الاستعدادات للزفاف ليكون بعد شهر إن وافقت عروسنا بالتأكيد".
تعلقت نظرات الجميع بقمر التي همست بهدوء بعد دقيقة صمت كاملة: "أنا موافقة".
هتفت والدتها باستنكار: "لكن يا قمر، كيف سنجهز كل شيء كما نريده في شهر...إننا في موسم الأعراس و صعب أن نجد حجزا لقاعة فخمة تكون شاغرة بعد شهر".
كان كمال من أجابها قائلا: "صديق لي مالك لفندق، سنحجز إحدى قاعاته الفخمة من أجل الحفل...حتى إنه يملك طقما كاملا يهتم بتجهيز حفلات الزفاف...يمكننا أن نلتقيه منذ الغد لنرتب معه ما نريده".
هتفت نجاة: "و ماذا عن الملابس؟ يصعب أن نجد ما يرضي ذوقنا جاهزا...تعرف أن خياطتها تشغل وقتا طويلا...كما أنهما لم يبحثا عن منزل أو شقة بعد، أين سيعيشان؟"
قال مالك بهدوء: "ابن عمي مقاول، لقد اتصلت به البارحة و أخبرته فأرسل إلي مجموعة من الأماكن حتى نراها، يمكننا أن نذهب معا يا قمر و أي منزل نال إعجابك سنشتريه ثم نهتم بتأثيثه".
أومأت قمر برأسها قبل أن تقول: "أمي، صديقتك مصممة و بالتأكيد سيكون لديها مجموعة قيمة من القفاطين الخاصة بالعرائس...سنختار منها و إن لم يعجبنا شيء نطلب منها تصميما على ذوقنا".
أومأت نجاة برأسها باستسلام، فزغردت نهى بطريقة جعلت الجميع ينفجر ضاحكا، فزمت شفتيها بغضب قبل أن تعود ملامحها إلى هدوئها و هي تقول: "قمر، لدي طلب منك قبل جلبة العرس حتى لا أنساه".
ابتسمت قمر و قالت: "تفضلي حبيبتي".
نظرت نهى باضطراب إلى نظرات الجميع المسلطة عليها فقالت: "سأخبرك لوحدك لأنه سر".
أومأت قمر برأسها، فهمست لها نهى بشيء لتتسع ابتسامتها ثم تضرب كفها و هي تقول: "اعتبري الأمر تم حبيبتي"...
بعد ساعات كانت جالسة على سريرها تحدق بشاشة حاسوبها المفتوحة تقلب بين صور فساتين الزفاف الخاصة بإحدى المتاجر الأمريكية الشهيرة...رن هاتفها فابتسمت و هي تلمح اسمه لتجيب على الاتصال قائلة: "ألم تنم بعد؟"
أجابها بمرح: "نمت و أنا أحدثك الآن من حلمي".
ضحكت برقة، فسألها قائلا باهتمام: "ما الذي يبقيك مستيقظة؟"
قالت بمراوغة: "سأخبرك إن أخبرتني...أنا من سألتك أولا".
-"كنت أتحايل على نهى حتى تخبرني بالسر العظيم الذي أخبرتك به سرا".
-"أنظر إلى مجموعة من فساتين الزفاف لأختار واحدا منها".
قال بنبرة حملت بين طياتها الترجي: "ألن تخبريني بما قالته نهى؟"
بهتت ابتسامتها و هي تتوقع أن يسألها عن فساتين الزفاف لكن ظنها قد خاب...رفضت بهدوء أن تخبره قبل أن تنهي الاتصال متعللة بالتعب فيتمنى لها ليلة سعيدة بعد أن أوصاها بالاعتناء بنفسها...
أغلقت الحاسوب و هي تتنهد بعمق ثم تعلقت نظراتها بالسقف فتتساءل عن سر تعامله المختلف معها؟ تارة يهتم بها و بمطالبها...يجعل الزفاف بعد مدة قصيرة و كأنه عرف أنها لا تريد أن تطيل في الخطبة، فيظهر أمامها و هو يحمل حلا لكل المشاكل...و تارة يتجاهل أهم شيء بالنسبة إليها، كفستان الزفاف...
أغمضت عينيها و هي تهمس: "لن أهتم، لن أحزن لعدم اهتمامه...سأشتري لنفسي أفضل فستان زفاف و لا أحتاج لرأيه أبدا".
و على وقع كلماتها العنيدة غطت في نوم عميق...
*********************************************
غادر حمامه ليقف أمام المرآة ينظر إلى انعكاسه بشرود...كان الإرهاق يبدو جليا عليه فلم يكن يستطيع النوم منذ أيام، و كيف كان بإمكانه النوم و هو يتذكر أن الأيام تمر و زفافها يقترب حتى أنه يجهز نفسه الآن من أجل حضور الزفاف لأنه لم يجد حجة ليغيب عنه...
صوت بداخله هتف ساخرا: "أ حقا لم تجد حجة، أم أنك أردت الحضور لتراها تزف إليه أمام عينيك؟"
سؤال يتركه بلا إجابة كالعادة، قبل أن يتحرك ليلتقط مجفف الشعر فينتبه أنه لم يكن وحده في الغرفة...التفت ليراها جالسة فوق سريره تحدق بجذعه العاري بدون الشعور بالخجل...هتف بحدة: "ما الذي تفعلينه هنا يا شيرين؟"
قامت من مكانها لتتحرك ناحيته ثم تتعلق بعنقه لتهمس بصوت مغو: "أنتظرك بالتأكيد حبيبي بما أنك كنت تستحم".
قال ببرود: "ابتعدي عني شيرين...حالا".
رمشت شيرين بعينيها قبل أن تقول: "لم؟ ألست زوجتك شادي؟"
انتزع نفسه منها ليعود إلى مكانه أمام المرآة، فيشغل مجفف الشعر و هو يهمس برفض قاطع للحقيقة المرة: "أنت خطيبتي فقط شيرين".
وقفت من خلفه تقول بعتاب رقيق: "لقد عقدنا قراننا يا شادي، لذا أنا زوجتك، فلا تقل لي يوما خطيبتي لأنني زوجتك شرعا و قانونا، و لا تعاتبني إن دخلت إلى غرفتك كلما جئت إلى منزلك لأنني زوجتك و إن وجدتني أعبث بحاجياتك لن تصرخ لأنني زوجتك، و إن أردت الارتماء في حضنك لن أحتاج إلى إذن منك لأنني زوج...."
قاطع ما تقوله بهتافه الساخط: "كفى، كفى، أيمكنك أن تتوقفي عن ترديد كلمة (زوجتك) بين كل جملة و أخرى، عرفنا أنك زوجتي، فغادري غرفتي الآن أريد أن أرتدي ملابسي، لا أريد أن أتأخر عن الزفاف".
تحركت من مكانها فزفر بارتياح لأنها قامت بشيء طلبه منها دون أن تعانده، لكنه تفاجأ عندما فتحت خزانة ملابسه لتخرج بذلة سوداء اشتراها قبل أيام من أجل المناسبة، ثم تفتح الباب الآخر فتخرج قميصا أبيضا من قمصانه المطوية...وضعت البذلة برفق قوق السرير و قبل أن تلحقها بالقميص كانت ترفعه إلى أنفها تشمه فقال بسخرية لاذعة: "هل كونك (زوجتي) يحتم عليك شم قمصاني ككلب بوليسي؟"
وضعت قميصه على السرير ثم صارت ناحيته لتقف أمامه و هي تقول: "لأنني أحبك شادي و أعشق رائحة عطرك و لا أخجل من التصريح بحبي أمامك حتى إن رفضته رغم أنني لا أدري سبب رفضك هذا".
أطفأ مجفف الشعر ثم مده لها و هو يقول بغلظة: "ضعيه مكانه و غادري شيرين و إياك و التجرؤ على الاقتراب من غرفتي من جديد".
أمسكت بالمجفف بكلتا يديها ثم قالت بقوة: "لن تمنعني عن شيء أريده شادي".
زفر بحنق و هو يسأل الله الصبر ثم قال بهدوء: "شيرين أرجوك، ابتعدي عني...رأسي يؤلمني و لا طاقة لي بجدالكِ".
رفعت يدها تتحسس جبينه، فتذكر أنه قام بذات الحركة ذات مرة عندما كان برفقة تماضر...لا يدري لم تعود الذكريات الآن بالضبط لتجلده...قبل قليل عندما همست بعشقها لرائحة عطره كان يتذكر همسا مماثلا له و هو يخبر تماضر أنه يثمل من رائحة عطرها، فتساءل في سره إن كان ابراهيم يشعر بنفس الشيء عندما يضمها؟ تراه تمنى أن تنصهر في حضنه عندما يضمها؟ أم أن الأمنية كانت تدور في خياله فقط كلما كان يغافلها و يقترب منها فتدفعه بعيدا عنها و هي تصرخ في وجهه ألا يكررها من جديد، فلا يشعر بطعم قربها منه...
بذهن شارد فيها، راقب ابتعاد شيرين عنه ليزفر بارتياح، لم يكن يعلم أنها قالت له أنها ستذهب لتحضر حبتين من المسكن ثم تعود...
كان ينوي ارتداء قميصه عندما دخلت من جديد، فنظر إلى المسكن في يدها ليقول بغلظة: "لماذا أحضرته؟"
-"ألم تقل أن رأسك يؤلمك...أحضرته لك حتى يخف الألم...أنت متعب شادي، لم لا تستريح و أنا سأهتم بك حبيبي...لا داعي للذهاب لزفاف قريبك ذاك".
قال ببرود: "لست في حاجة إلى اهتمامك، أو لمسكن".
تنهدت بعمق و وقفت أمامه لتزرر قميصه، فأسرت يده أصابعها بقوة حتى سمعت صوت فرقعتها فتأوهت بألم...أجفل على صوت تأوها فاضطرب و ترك أصابعها ليمسك برسغها و يرفع يدها إلى شفتيه يلثمها و هو يهمس: "آسف".
ابتسمت شيرين بارتجاف، ثم سارت لتلتقط السترة و ربطة عنقه فقال بهدوء: "تعرفين أنني أكره ربطات العنق".
ألقت بها على الكرسي ببساطة لتضم نفسها إليه و هي تقول: "أ تعرف كم تبدو وسيما بالملابس الرسمية؟"
زفر شادي بعمق قبل أن يرفع يده و يمررها بين خصلات شعرها السوداء الطويلة...لقد كان كل شيء فيها مختلفا عن تماضر: ابتداءً من شعرها الأسود، بشرتها الذهبية الدافئة، عينيها السوداوين كليلة صيفية...لقد كانت جميلة جدا، بل فاتنة لكنها لم تكن تحرك فيه شيئا...لم؟ كم سأل نفسه هذا السؤال مئات المرات منذ أن خطبها، فلم يكن عقله يمنحه سوى جواب واحد: "لأنك لا تملك قلبا، فلو كنت تملكه لما حطمت قلب تماضر من قلبها".
رفعت وجهها إليه لتقول بحب خالص: "لنعجل الزفاف شادي".
أجفل من طلبها، لكنه استعاد ثباته ليقول لها: "ماذا عن دراستك؟ لا زالت أمامك سنتان قبل التخرج".
-"لا أهتم مثقال ذرة بالدراسة، لن يكون مستحيلا علي أن أدرس و أنا زوجتك...يكفي أن أكون بجوارك و أن تكون بجانبي".
كان ينظر إلى انعكاسهما في المرآة بجمود، فقالت برجاء: "عدني أن تفكر في الأمر شادي".
-"لكن والدك..."
قاطعته قائلة: "لا يهمني والدي، كما أنني لا أهتم بأمي فهي لا تزال رافضة لزواجي بابن المرأة التي سرقت منها زوجها -كما تقول- كل ما يهمني هو أنت...أنت فقط".
ابتلع ريقه ثم أبعد نظراته عنها و هو يتساءل: "كيف يرزقه الله بفتاة تحبه بهذا القدر بعد كل ما فعل؟"
أجفل على صوت طرق الباب قبل أن تفتحه نورا، فتبتسم لرؤيتهما معا قبل أن تقول: "هيا إننا ننتظركما...شيرين ألن تجهزي نفسك حبيبتي؟ الفستان لائق عليك جدا، لكن أفضل أن ترفعي شعرك في تسريحة أنيقة حتى تبدين أجمل".
قالت شيرين بهدوء: "أنا لن أذهب معكم خالة نورا، تعرفين أنني أكره حفلات الزفاف...كما أنني ارتديت الفستان من أجل شادي فقط".
قالتها و هي تنظر إليه بحب، فابتسم بشرود و هو ينظر إلى هيئتها بالفستان الأحمر القصير، ليهمس فجأة في أذنها: "لم أكن أسمح لك بالخروج به أصلا يا زوجتي".
ابتسمت بسعادة رغم نبرته الساخرة، ثم راقبت ابتعاده عنها ناحية الباب ليلتفت إليها من جديد و هو يقول: "أنا موافق".
بغباء كانت تسأله عن الشيء الذي وافق عليه، فقال بهدوء: "على تعجيل الزواج...أظننا نحتاج إلى هذا".
صرخت بسعادة و كأنها حصلت على لعبتها التي كانت تتمناها، فراقب سعادتها بابتسامة شاردة قبل أن ينصرف و هو يقر أنه بالتأكيد يحتاج إليها...فرغم أن ارتباطه بها كان قائما على مصلحة شراكته مع والدها -زوج أمه- إلا أنه يشعر بأن وجودها قريبا منه سيغير فيه الكثير...و ربما تكون ترياقه ليتوقف عن التفكير فيما فعله في تماضر كل لحظة و يشعر بتأنيب الضمير...
********************************************
على صوت الزغاريد كانت تنزل إلى حيث يقام الزفاف و هي تتأبط ذراعه...وجيب قلبها يتسارع في حماس و ترقب مع شيء من الخوف من حياتها الجديدة التي ستبتدئ بعد هذا الزفاف...ابتسمت لوالدتها التي كانت تزغرد بصوت عال بينما شاركتها في ذلك بعض المتواجدات كخالاتها و نسرين، ثم سارت برفقته ناحية أريكتهما البيضاء ليجلسا عليها و تبدأ طقوس حفل الزفاف الخلابة...صعدت في "العمارية" أكثر من مرة و شاركت صديقاتها و قريباتها في الرقص...كانت تخفي توترها بمرحها الزائد و شقاوتها لكن لم تستطع إخفاءه عنه فقد شعر به منذ أن تعانقت أصابعهما قبل نزولهما إلى الأسفل...
التقطت الصور معه و مع مختلف أفراد العائلة و بينما كانت غارقة في الغناء و الرقص مع صديقاتها القديمات و كانت قمر تصور شريط فيديو للذكرى توقفت عينيها فوق وجهه...اعتذرت من صديقاتها ثم سارت لتجلس بجوار زوجها فتهمس بين أسنانها و هي تشير بعينيها ناحيته: "ما الذي يفعله هنا؟"
ألقى ابراهيم نظرة عابرة على شادي قبل أن يقول بهدوء: "إنه ابن خالي في النهاية، و وجوده في زفافنا أمر طبيعي".
اتسعت عينا تماضر و هي تلمحه يقوم من مكانه ليتحرك ناحيتهما، فأمسكت بيد ابراهيم و كأنها تنشد دعمه...ربت على يدها و هو يقول: "لا تقلقي، لن يقوم بأي شيء يزعجك في وجودي و وجود الجميع".
صعد شادي الدرجتين ليلتفت أولا ناحية ابن عمته فيعانقه بود و هو يقول: "مبارك يا ابن العمة".
ابتسم ابراهيم بديبلوماسية و هو يشكره، فيتحرك شادي ليمد يده ناحية تماضر حتى يصافحها...فتعلقت عينيها بخاتم الفضة الذي يزين بنصره للحظات قبل أن تستوعب أخيرا أنه خطب...
أومأت له برأسها دون أن تصافحه، فأرجع يده إلى جيب بنطاله ليبارك لها ثم يتمنى لهما السعادة معا قبل أن يعود إلى مكانه...
بهدوء غمغمت تماضر متسائلة: "متى خطب شادي؟"
نظر إلى عمق عينيها فلم يفهم تلك النظرة المرتسمة فيهما، فضغط على قبضته و هو يهمس: "قبل ستة أشهر من خطبتها".
للحظة كانت تتمنى أن تسمع أنه ارتبط بعدها، فتدرك أنه شعر بالألم لأنه فقدها، لكنها كانت لحظة واحدة فقط، و لم تشعر بشيء بعد أن أجابها ابراهيم على سؤالها الذي ظهر على أنه مجرد لحظة فضول و حسب قبل أن تعود إلى حالتها السعيدة التي كانت عليها قبل رؤيتها له...
*********************************************
كانت قمر تشعر بالتوتر منذ أن رأت نظرات صديقتها ناحية شادي، بل كانت تشعر بالتوتر قبلها فقد كانت تتوقع أن يكون شادي متواجدا بالزفاف بما أنه قد غاب سابقا على عقد القران كما غاب عن اجتماعات العائلة كما قالت لها تماضر، لكنها زفرت بارتياح عندما لمحت خاتم الخطبة في يده أثناء ذهابها لمصافحة والده فاضطرت لتسلم عليه أيضا، ليعود توترها إلى أوجه عندما رأت النظرات التي تبادلاها كلاهما قبل أن يقوم من مكانه و يتحرك حيث جلس العروسين...للحظة كانت تريد التواجد معهما حتى لا تكون مشكلة لتتراجع و هي تقر أن نيته سليمة بالتأكيد، فالشاب ارتبط هو الآخر و لن يفتعل مشكلة أمام أفراد عائلته و في عرس ابن عمته...
زفرت بارتياح و هي تراه يعود إلى مكانه على الطاولة المجاورة للطاولة التي تجلس عليها هي و مالك، لكنه مال ليهمس لوالده بشيء فأومأ هذا الأخير برأسه ثم ربت على كتفه...لمحته يغادر قاعة الزفاف، فاعتذرت من خالة تماضر التي كانت تحدثها ثم قامت من مكانها لتلحق به...
لمحته واقفا أمام حوض السباحة الخالي من الناس في مثل هذا الوقت، كان يدخن سيجارته و هو ينظر إلى سطح الماء فهمست من خلفه: "أتذكر أنك كنت تدخن فقط لتثير حنق والدك".
التفت شادي مجفلا لينظر إليها ثم يبتسم قبل أن يلقي السيجارة التي كانت أصابعه تعانقها بحب ثم يدعسها بقدمه قبل أن يقول بهدوء: "ليتحول الأمر إلى إدمان فيما بعد".
تفوهت بجملتها التالية بصوتها الهادئ: "أراك تملك إرادة كافية لتتخلص من إدمانك يا شادي".
لا يدري لم شعر أنها تقصد شيئا آخر غير التدخين...شيء له علاقة بعلاقته الماضية مع تماضر...زفر بإنهاك و كأنه كان يجري في طريق طويل تحت أشعة شمس صيفية حارقة ثم قال بهدوء: "مبارك صدور روايتك الأولى و خطبتك".
قالت بنبرة تماثله هدوءا: "شكرا لك".
صمتا معا للحظات يحدقان بالماء أمامهما ليسألها شادي فجأة: "هل تحبينه؟"
رفعت عينيها إليه تسأله رغم أنها تعرف الجواب: "من؟"
-"أقصد خطيبك بالتأكيد...هل تحبينه؟"
لا تدري قمر لم التفتت تنظر خلفها؟ و كأنها تتأكد من خلو المكان من البشر قبل أن تقول له: "هل قرأت روايتي؟"
غمغم مجيبا بهدوء: "لم أقرأها بكاملها...كان تركيزي فقط على قصة فادي و هيام".
همست قمر بشرود و كأنها تتسامر مع صديق قريب لها: "إذن أظنك بالتأكيد قرأت بداية الرواية قبل أن تتعرف على فادي و هيام في أول مشهد لهما بالرواية".
حرك رأسه إيجابا، فتابعت بهدوء: "في المقدمة وصفت قلبا ظل أسيرا للكبرياء و لم يستطع أحد تحريره من قيوده لمدة طويلة قبل أن يأتي العقل و يحكم بينهما...قلبي يشبه ذلك القلب، ملعون بتحكم الكبرياء منذ أن خلق".
كان جوابه ابتسامة شاردة قبل أن يقول: "أنت شجاعة يا قمر رغم كبريائك...لطالما كنت شجاعة قوية، لذا عليك أن تكسري تلك القيود بنفسك".
تنهدت بعمق، فقال لها شادي بنبرة شاردة في حديثه مع شيرين قبل ساعات: "أحدهم أخبرني أن من لا يتحلى بالشجاعة ليعترف بحبه لا يحب ببساطة".
نظرت إليه باندهاش، فتابع شادي قائلا: "قد يكون كبرياؤك أسمى من كل شيء يا قمر...لكن عند دخول الحب في المعادلة شاء الكبرياء أو أبى سيأتي يوم يتغلب فيه الحب الحقيقي عليه فيهتف القلب بمشاعره جهرا...صدقيني لن ينقص شيء من كبريائك وقتها...من يحطم الكبرياء هو وهم الحب المليء بالألم، المثقل بالكذب... لا الحب الحقيقي و الارتباط القوي بين القلوب".
صمتت قمر و قد كان صمتها أبلغ رد على موافقتها على كلامه، لكنها حقا لا تملك شجاعة المجازفة، رفاهية البوح...تخاف أن تخسر مالك إن حدث و اعترفت له بكل شيء و هي مستعدة لكثم ما في قلبها إلى الأبد فقط كي لا تخسره...
*********************************************
كان يبحث عنها بعد أن عاد إلى داخل القاعة التي يقام فيها الزفاف فلم يجدها، ليعود أدراجه إلى حديقة الفندق...لمحها أخيرا تقف مع شاب ما، فتسارعت خطواته ناحيتهما و شعور غريب يحرق قلبه عند رؤيتهما معا رغم وقفتهما المتباعدة و نظراتهما الشاردة ليتوقف فجأة عن السير عندما هتف الشاب: "أقصد خطيبك بالتأكيد، هل تحبينه؟"
التفتت فاختبأ خلف جدع شجرة كان قريبا منه حتى لا تراه، ليسمع صوتها الناعم و هي تجيب الشاب الذي تعرف على ملامحه عندما اقترب منهما أكثر فتذكر أنه كان يدرس معها قبل سنوات...لقد توقع للحظة و هو يسمع سؤاله أنها ستنفي الأمر، لكنها لم تنفه بل أجابت بطريقة تحفظ كبرياءها...فجأة شعر بالغيرة لأنها باحت بحبها لشخص غريب بدلا من أن تخبره هو به...لم يكن يعرف أن ما قالته ليس بوحا لمشاعره، بل إنما فضفضة لشخص عانى المثل...دفعه خوفه بأن يتخلى عن الفتاة التي أحبته، كما يدفعها كبرياؤها للإخفاء حبها عن الشخص الذي تحبه...اندهش و هو يسمع جواب الشاب، لقد كان يحثها حثا على الاعتراف...فكر في سره كيف ستكون ردة فعله عندما يسمع تلك الكلمة تخرج من شفتيها؟ ليجيب نفسه أنه لا يهتم إن قالتها أم لا...يكفيها أن تكون معه...جزءا من حياته...شريكة حياته هذا يعني له الكثير...
غادر مخبأه بعد أن صمتا ثم تحرك ليناديها بهدوء: "قمر".
التفتا معا على صوته، فابتسمت له قبل أن تسير و تقف بجواره ثم تقول: "أعرفك على شادي ابن الدكتور زهير مفيد مالك مصحة الشفاء".
ثم تابعت موجهة كلامها لشادي: "مالك خطيبي".
تصافح الرجلان ثم بارك لهما شادي قبل أن يعودا معا إلى الحفل...كان ابراهيم و تماضر يستعدان لتقطيع كعكة العرس...ضحكت لمزاح صديقتها عندما أرادت أن تطعم زوجها من الكعكة لتبعد الشوكة فجأة و تأكل بنفسها قبل أن تطعمه من جديد...
اجتمعت الفتيات العازبات حولها حتى تلقي باقة الورد، فطلبت من موزع الموسيقى مكبر الصوت لتتنحنح قبل أن تقول: "مساء الخير جميعا...أولا أشكركم على حضوركم و مشاركتكم لفرحتنا جميعا".
تعالت التصفيقات الحارة من حولها قبل أن تتابع: "أعرف أن الكثيرات من ينتظرن الحصول على باقة العروس، لكن باقتي مع الأسف محجوزة لشخص واحد".
تعالت الهمهمات الساخطة فتابعت تماضر القول برقة: "صحيح أنها مخطوبة و ستزف إلى خطيبها قريبا، لكنني أحببت أن أهديها وردي مع خالص تمنياتي لها بحياة مليئة بالحب و السعادة...حياة تليق بفتاة تملك قلبا ذهبيا مثلها، مستعدة للقيام بأي شيء لأصدقائها...مهما تكلمت لن أوفيك حقك يا قمر أبدا".
تحركت قمر ناحية صديقتها لتتعانقا بحب و قمر تهمس: "ستجعلينني أبكي".
ضحكت تماضر قبل أن تمد لها الباقة و هي تقول: "أتمنى لك السعادة مع مالك حبيبتي".
-"و أنا أيضا أتمنى لك السعادة الأبدية مع ابراهيم".
صافحت زوج صديقتها قبل أن تبتعد عنهما، فتراقب مع الجميع انصرافهما من قاعة الزفاف إلى جناح العرائس الذي سيقضيان فيه ليلتهما الأولى...
*********************************************

[Fatima Zahrae Azouz]

أثناء سياقته للسيارة كانت عيناه تميلان للنظر إليها و هي على جلستها الشاردة بجواره تعبث بالباقة التي أعطتها لها صديقتها...قطع وصلة الصمت بصوته الأجش: "أراك شاردة".
رفعت عينيها إليه ثم قالت بهدوء: "لا أنا فقط صامتة...هل يزعجك صمتي؟"
قال بهدوء: "الصمت متعة خصوصا في حضرة سيدة جميلة مثلك".
أخفت ابتسامتها عن نظراته ثم قالت بهدوء: "الصمت أكثر إخلاصا لأحاسيسنا غير المرتبة".
غمغم موافقا بعد أن أدار جملتها في عقله: "معك حق".
أوقف السيارة بعد لحظات أمام منزل عائلتها، فالتفتت تقول له: "شكرا لأنك أوصلتني...تصبح على خير".
وضعت يدها على عتلة الباب ليوقفها قائلا: "قمر انتظري".
التفتت تنظر إليه باهتمام، فقال بهدوء: "هناك هدية لك في المقعد الخلفي".
التفتت لتلمح العلبة الكبيرة السوداء ثم عادت تنظر إليه باستغراب و هي تتساءل: "ما الذي يوجد في الداخل؟"
-"ستعرفين عندما تفتحينها".
أجابها و هو يترجل من السيارة ليفتح بابها الخلفي، فلحقت به ليقول لها: "سأحملها عنك إلى الداخل".
أومأت برأسها و هي تبتسم بامتنان ثم اتجهت لتفتح الباب ثم تفسح له المجال للمرور...سارا إلى الباب الآخر لتفتحه ثم تلتفت إليه و هي تقول بخفوت: "حسنٌ، سأحملها أنا عنك...شكرا لك".
ابتسم لها ثم قال: "أتمنى أن تعجبك هديتي".
تمنى لها ليلة سعيدة فتابعته بنظراتها حتى انصرف لتغلق الباب ثم تنزع حذاءها و تصعد الدرج بهدوء حتى لا توقظ النيام...دلفت غرفتها و غيرت ملابسها قبل أن تجلس على السرير و أمامها علبته...
أزالت الشرائط الحمراء لتفتح العلبة و تخرج الفستان الذهبي الذي كان بقلبها...ثم طرحة بنفس لونه...
اتسعت عيناها بانبهار، لقد اشترى لها فستان زفاف رغم أنها اشترت بنفسها واحدا لكن لم يكن يعرف ذلك...
و هي التي فسرت عدم تعليقه ذلك اليوم على ما قالته له قلة اهتمام...
رن هاتفها ففتحت الخط ليسألها: "هل أعجبك؟"
-"جدا، لكنني مع الأسف اشتريت فستانا أبيضا خلابا...كان عليك أن تخبرني".
قال بيأس: "كنت أريد مفاجأتك، لكن لا بأس، لن يضيع الفستان يمكننك ارتداؤه في أي مناسبة أخرى و ارتدي الأبيض يوم زفافنا".
التمع ذهنها بفكرة لتقول بسعادة: "بالتأكيد يمكن ذلك...أشكرك جدا على الهدية يا ح...."
توقفت فجأة بعد أن كادت مناداته بحبيبي، فتمنت له ليلة سعيدة قبل أن تعود لفستانها فتمرر أصابعها على قماشه الحريري و هي تبتسم قبل أن تضعه في مكانه و تستعد للنوم...
*********************************************
بعد أسابيع:
نظرت إلى انعكاسها على المرآة بانبهار، كانت تبدو كقطعة من قصة خيالية...كأميرة هاربة من قلب قصر و زمن يضج بالعراقة...تساءلت فجأة و هي تطالع نفسها بقفطان الحناء الأخضر الملكي عن السبب الذي جعلها لا ترتدي الملابس التقليدية في المناسبات إلا لماما، فكان الجواب أمامها، متجليا في هيئتها هذا المساء كملكة...تشعر أنها مميزة من رأسها إلى أخمص قدميها...ترى في قفطانها الملوكي و تاجها المرصع بالذهب الخالص و للأحجار الكريمة سحرا فاتنا لا يحق له التلبس به إلا في هاتين الليلتين المتميزتين: ليلة الحناء و ليلة عرسها مساء الغد...
أجفلت على شهقة من خلفها فاستدارت لتلمح صديقتها عائشة تنظر إليها بانبهار قبل أن تسيل دمعة من عينها أثناء همسها: "تبدين فاتنة يا قمر".
فابتسمت قمر و هي تستسلم لعناق صديقتها قبل أن تمسح دمعتها ثم تلمس بطنها الضامرة بحنو و هي تهمس برقة: "لقد أصبحت الماما حساسة جدا يا صغيري بسببك".
ضحكت عائشة بخلو بال قبل أن تقول: "بل قولي أنني صرت متذبذبة المزاج كدالة جيبية...مرات أكون بقمة المرح فينقلب مزاجي لحزن و نكد و عواصف و أمطارا من الدموع، لقد أصبحت كمدينة يمر عليها فصول السنة الأربع في يوم واحد".
لم تستطع قمر مسك نفسها فانهارت ضاحكة و هي تمسك ببطنها من شدة الضحك، فشاركتها صديقتها بالأمر قبل أن تسمعا صوت السيارات في زفتها الموسيقية و قد كانت إعلان لقدوم العريس...سارت قمر ناحية النافذة تراقبه من خلف الستائر بقلب خافق يترجل من السيارة مرتديا جلبابا أنيقا أبيض اللون مطرز بالذهبي كما جرت العادة...رفع عينيه فجأة إلى غرفتها، فسارعت للاتكاء على الحائط ناسية أنها هي الوحيدة التي يمكنها أن تراه من خلف زجاج نافذتها...عادت لتجلس أمام طاولة الزينة، فقامت "النݣافة" بوضع عقد من الذهب حول عنقها بينما هي غارقة في نشوى سعادتها التي لم يستطع كبرياؤها إخفاءها خلف أقنعته...
*********************************************
كطفل يستيقظ على تهليلات العيد، كان مالك يتحرك من مكانه على الأريكة الخضراء عند سماعه للزغاريد ليقف أسفل الدرج مراقبا نزولها الملوكي و الوصيفات تتبعانها...كأميرة حكايات الزمن الغابر مميزة و جميلة بلباسها التقليدي و التاج المرصع فوق رأسها...كقمر ترك مكانه في السماء ليذهل سكان الأرض بجماله، و قد كانت قمرا، أميرة تسحر الجميع بجمالها و رقة خطواتها أثناء نزولها الدرج...مد لها يده فحطت كفها فوقه برقة فراشة...قبل جبينها فابتسمت له لتترك ابتسامتها أثرا لا يمحى في ذاكرته...تساءل في سره و هو يتأبط ذراعها: "أترانا نتجاهل بعض التفاصيل طوال حياتنا لنقف أمامها فجأة و كأننا كنا نعاني من قصر في البصر قبل البصيرة؟ أم أن اللحظات الساحرة تصور لنا كل شيء بمنظور ساحر؟"
جلسا على أريكتهما فتعلقت أنظار قمر بوجوه المدعوات الضاحكات، ربما لكل ضحكة معنى...ربما بعضها نابع من القلب و بعضها مجرد واجهة زائفة لكنها لم تهتم، لا أحد سيقتل شيئا من السعادة التي تملأ قلبها...ابتسمت لجري الأطفال هنا و هناك و استمتاع المراهقات بوقتهن و هن يرقصن على إيقاع الموسيقى، ثم اتسعت ابتسامتها و هي تلمح ابنة إحدى قريبات أمها تقترب منها لتقول بصوتها الطفولي العذب: "أيتها الأميرة قمر، هل يمكن أن أضع الحناء معك أنا أيضا؟"
أومأت قمر برأسها ثم قالت: "بالتأكيد يا صغيرة، ستقوم "النَّقَاشَةُ" بوضع الحناء لجميع الفتيات بعد أن تنتهي من عملها معي".
صرخت الصغيرة بحماس ثم استدارت لتبتعد لكنها استدارت من جديد لتقول هذه المرة لمالك: "إذن أنت الأمير الذي خطف قلب الأميرة؟"
توهجت وجنتا قمر بينما تهمس باسم الصغيرة بتأنيب، بينما قال مالك: "أجل أنا من خطفت الأميرة".
نظرت إليه الصغيرة بتقييم قبل أن تقول و هي تنظر إلى عينيه: "هل عيناك حقيقيتان أم مجرد عدسات؟"
ضحك مالك قبل أن يقول لها: "حقيقيتان يا جميلة".
أومأت الفتاة برأسها قبل أن تقول: "حسنٌ، أتمنى أن تعيشا بسعادة سمو الأمير و الأميرة كما في القصص التي تحكيها لي الأميرة قمر عندما تزورنا...لن تحزنها أليس كذلك؟"
نظرت قمر إلى الصغيرة بتأثر قبل أن تتلاقى نظراتها هي و مالك الذي همس: "لن أحزنها بالتأكيد".
ابتسمت الفتاة لهما بسعادة قبل أن تهرول لتلعب مع قريناتها فغمغم مالك: "فتاة حلوة".
قالت قمر و ابتسامة رقيقة تزين ثغرها: "أحبها جدا و حتى هي متعلقة بي، كلما ذهبت مع أمي لمنزلهم تطلب مني أن أحكي لها حكاية أميرات حتى تصير مثلهن...تظن أنها إن عرفت كثيرا من الحكايا الخيالية ستصبح أميرة، لهذا تناديني الأميرة قمر لأنني أحكي لها حكاياتهن فتظن أنني واحدة منهن".
غمغم بشيء من الاندهاش: "لقد ظننت أنها نادتك أميرة فقط لأنك تبدين كذلك هذا المساء".
ثم تابع قائلا بصوت رخيم: "أتدرين أنني أندهش كلما اقتربت منك أكثر، و كأنني أقرأ كتابا مليئا بالأسرار، كلما اكتشفت سرا أحترق شوقا لمعرفة السر الذي يليه".
بتلهف غريب سألته عن أسرارها التي اكتشفها، ثم انتظرت جوابه بترقب للمعرفة فقال منهيا ثواني العذاب البطيئة بطء سلحفاة تسير الهوينا دون أن تأبه بمن تعيق طريقه: "فارسة، شجاعة، نبيلة، أميرة، ذات قلب كبير يسع الكون بأكمله، وفية، صديقة رائعة، شريكة عمل ذكية، قوية واثقة من نفسها و رقيقة، فما الذي تخفينه بعد يا من خلقت من تراب القمر و تزينت من نجوم السماء فتكون بين كل هؤلاء المتفردة و كأنها وحدها من تشغل السماء؟"
نبضات قلبها تعلو مع كل كلمة في أوركسترا صاخبة مليئة بالحب...أسبلت أهدابها قليلا ثم فتحت عينيها فتشمخ رموشها في كبرياء يميز كل تفاصيلها...همست متسائلة بهدوء: "و كأنك تغازلني؟"
مدت يدها اليمنى إلى المرأة التي جلست على جانبها الآخر لتبدأ في نقش الحناء على كفها، بينما قال مالك بهدوء: "ألست زوجتي و يحق لي مغازلتك؟"
-"بالتأكيد يحق...لكنني استغربت فقط من كلماتك و كأنها كلمات شاعر".
همس بهدوء بأذنها: "سحر اللحظة هو من جعلني أهمس بكل هذا".
أبعدت نظراتها عنه لتحدق في الحناء و هي تتمنى من كل قلبها أن يدوم هذا السحر...أن يصبح قويا حتى يحبها من أعماق قلبه، وقتها سأكون أسعد إنسانة في هذه الدنيا"...
كان حفل حنائها جميلا بتفاصيله، ساحرا بصخبه و عفويته...وجدت نفسها تشكر أمها التي أصرت على القيام بحناء منفصلة عن العرس بعد أن كانت تريد دمجهما معا في يوم واحد، لكن رفض أمها كان قاطعا و هي تعدها بتنظيم حفل حناء لا ينسى، و قد كان بالفعل لا ينسى...
في العشاء كانت ممتنة لأمها التي اقترحت عليهما الجلوس بمفردهما في الطابق العلوي حتى يتناولانه بدلا من مشاركة الضيوف في ذلك...جلسا في غرفة الجلوس التي يظلون فيها في الشتاء بينما وضعت إحدى عاملات طاقم الخدمة جميع أطباق عشاءهما قبل أن تنصرف...قال مالك بهدوء و هو ينظر إلى يديها: "ألن تنزعي الحناء حتى تتمكني من تناول طعامك؟"
قالت بمراوغة: "لم تجف بعد، أطعمني أنت".
كانت ترفرف بأهدابها و كأنها تترجاه بطريقتها الطفولية فضحك قبل أن يومئ لها برأسه و يطعمها ببساطة و هو يتناول طعامه...ابتسمت خفية عنه بتسلي و هي تنظر إلى يدها...لقد كان بإمكانها أن تنظف الحناء لأنها جفت لكنها لم ترغب بذلك فقط لأنها تريد أن تدلل عليه قليلا...تريد أن تكون قريبة منه...قريبة جدا، لو كان بإمكانها الانصهار في أحضانه لقبلت ذلك و بسرور...
تعالى طرق على الباب لتدلف والدتها و هي تقول: "تذكرت فجأة أنك لم تزيلي الحناء بعد يا قم..."
توقفت فجأة و هي تلمح مالك يطعمها بنفسه، فابتسمت قبل أن تتراجع إلى الخلف لتغلق الباب من خلفها كما كان، فتغمغم قمر بعد لحظات: "شبعت، الحمد لله".
ثم تابعت و هي تنظر إلى يديها: "كما أن الحناء جفت سأذهب لأزيلها ثم أعود".
قرنت قولها بالفعل و هي تترك مكانها بجواره، فلحق بها ليفتح لها الباب فابتسمت له بامتنان قبل أن تتوجه إلى الخارج...جلس يتابع تناول طعامه لتدلف بعد وقت طويل و قد أزالت التاج من فوق رأسها بينما انسدلت خصلات شعرها التي كانت مرفوعة في تسريحة عرائسية و التمع جبينها المزين ب"خِيطْ الرِّيح" ذهبي مرصع بأحجار بلون قفطانها الأخضر...قالت بهدوء: "لقد تم تجهيز الحديقة من أجل التقاط الصور".
غمغم باندهاش: "أية صور؟ ألم نلتقط صورا طوال الحفل؟"
أومأت برأسها ثم قالت: "لكن أريد صورا أخرى، لوحدنا بعيدا عن الاحتفال...جلسة تصوير خاصة بنا معا".
قام من مكانه ليقول لها برقة: "سمعا و طاعة سيدتي، هيا بنا"...
كانت الحديقة الخلفية لمنزل عائلتها خلابة بالأضواء الموزعة بإتقان في المكان فبدت كنجوم تلألئها...سارا معا ليجلسا على الأرجوحة الكبيرة المزينة بالورد حتى يلتقطا الصور الأولى معا...صوت الأغاني القادمة من الحفل تجعل قمر تدندن معها بصوتها العذب أثناء التقاط المصورة للصور ...كانت سعيدة، مشعة و قد كانت سعادتها تضيف وهجا على الصور كابتسامته الرائعة و هو ينظر إليها و يشاركها في سعادتها و مرحها...بعد مرور وقت طويل كانت تقول للمصورة: "لقد تعبت حقا".
غمغمت المصورة: "أظن أن هذه الصور كافية...كلها جميلة كصور حفل الحناء و بالتأكيد ستكون صور العرس أجمل...بالمناسبة في أي وقت ستحضران من أجل جلسة التصوير الثانية؟"
قالت قمر بحماس: "اليوم الذي يلي الزفاف...لقد حجز والدي من أجل الأمر مكانا رائعا...سأرسل لك العنوان ليلا حتى تسبقينا إلى هناك".
أومأت الفتاة برأسها بينما يجمع مساعدها الأدوات التي استعملاها...تركاهما بمفردهما أخيرا، فجلست قمر على الأرجوحة ليقول مالك بعتاب رقيق: "أراك تخططين بدون علمي يا زوجتي العزيزة".
قالت قمر ببراءة: "أريد كثيرا من الصور لنا معا، هل يزعجك الأمر؟"
جلس بجوارها ثم رد عليها قائلا: "لا بالتأكيد...أفكارك راقية و جميلة تعجبني جدا".
ارتسمت على شفتيها ابتسامة رقيقة لتهمس فجأة بعد لحظات من الصمت: "مالك".
رد عليها و هو ينظر إليها: "نعم".
ظلت تحدق به دون أن تهمس بشيء، بعد أن رأى كبرياؤها أن الأمر الذي ستقوله لا يعني لها شيئا بينما يخبرها قلبها أن جوابه على السؤال الذي يدور في عقلها يعني لها الكثير...و بين صخب جدالهما تراجع الكبرياء متذمرا لتهمس شفتيها على لسان قلبها: "هل قرارك بأن يكون زواجنا بسرعة بسبب فسخ خطبتك الأولى؟ هل كنت تخطط لو لم تنفصلا أن يكون زواجكما في هذا الوقت؟"
اندهش مالك من سؤالها، لكنه أجابها بصوته الهادئ: "عندما خطبتها كان شرطي ألا نتمم الزواج قبل مرور عام على الخطبة حتى نتعرف أكثر، فوافقت"...
ليتابع بعد لحظات: "لو لم تكوني راضية على التعجل كان بإمكانك الاعتراض فوافقت على طلباتك، فطلبات القمر أوامر".
رسمت على شفتيها ابتسامة واسعة و كادت أن تهمس: "لم أرفض لأنني أكثر تلهفا منك"، لكنها قالت بدلا عن ذلك: "لم أرفض لأنني كنت أعرفك...لم أكن أحتاج لفترة خطبة طويلة".
ضم كفيها بيديه و أسند جبينه على جبينها ليقول بهمس: "كلانا لم يكن يحتاج إلى ذلك...أنت شريكة حياتي الوحيدة، لكنني كنت أعمى عن رؤية ذلك".
أغمضت قمر عينيها متمتعة بقربهما الأول...أنفاسه الدافئة تداعب عنقها برقة...تنهيدة ناعمة أفلتت من بين شفتيها قبل أن تكتمها قبلة ناعمة روت شرايين قلبها العاشق له، فتعالى وجيب قلبها و كأنه أعاد له الحياة...لا تدري هل كانت من تحررت منه أو هو من حررها؟ فهمست و وجنتاها مشتعلتان خجلا: "هل جننت يا مالك؟ ماذا إن رآنا أحد ما؟"
قال بهدوء: "لم أقم بحرام سيدتي، أنت زوجتي و ستزفين إلي يوم غد".
أنهى جملته بغمزة شقية زادتها خجلا، لتقوم من مكانها و تهرول بعيدا عنه إلى داخل المنزل لتتركه يحدق في إثرها و ابتسامة غريبة تزين شفتيه...
*********************************************
كانت ستدلف إلى غرفتها عندما أوقفتها عائشة بندائها، التفتت تنظر إلى صديقتها التي قالت بتسلي: "ما بك كنت تعدين كغزال يهرب من قبضة الأسد؟"
بلمحة بصر كانت قمر تستعيد ثباتها لتتمتم: "ليس بي شيء، فقط متعبة...سأزيل ملابسي و أخلد إلى النوم، هل بدأ الضيوف بالانصراف".
هتفت عائشة بعد أن حركت رأسها إيجابا: "بعضهم، حتى أنني لا أضمن إن كان أحدهم قد رأى المشهد الرومانسي بين العروس و العريس".
شهقت قمر بصدمة و هي تضع يدها فوق شفتيها للحظة و كأنها تداري ما حصل عن نظرات صديقتها، لتقول بانفعال: "أنت كاذبة، لقد كنا في الحديقة الخلفية بعيدا عن مسار الضيوف...ثم كيف رأيتنا يا متلصصة؟"
ضحكت عائشة مندهشة من انفعال صديقتها التي لم تراها يوما إلا هادئة...هدأتها بنبرتها الرقيقة: "جاء نسيم فأردت أن أسلم عليك قبل أن أذهب، فأخبرتني الخادمة أنك في الحديقة الخلفية مع مالك، فصادف وجودي هناك ما حصل بينكما".
هتفت قمر بين أسنانها: "عائشة أنا متعبة حقا، اذهبي إلى زوجك و اتركيني بحالي".
ضحكت عائشة قبل أن تقول: "حسنٌ، حسن يا خجولة ستصبحين على خير".
ابتعدت لتنزل الدرج بينما قمر دلفت إلى غرفتها لتتكئ على الباب واضعة يدها فوق قلبها الخافق، بينما الأخرى كانت تلمس شفتيها بشرود...غادرت من عالمها الخاص على صوت نغمة الرسائل فتحركت لتحمل هاتفها لتقرأ الرسالة التي وصلتها...كانت تعرف أنها منه قبل أن تقرأ الكلمتين المكتوبتين: "أنا آسف".
و يتأسف أيضا، أليس مراعيا لمشاعرها، كانت ستجيبه لكنها تراجعت عن ذلك لتزيل قفطان الحناء الأخضر، فيرن هاتفها معلنا عن وصول رسالة جديدة، فتحتها لتقرأ ما كتبه: "لقد حصل الأمر فجأة، لم أكن أريد أن أرغمك على شيء...أنا آسف حقا".
بحزم كانت تكتب له: "لا داعي للأسف"، لكنها مسحت الرسالة مجددا و ألقت الهاتف لترتدي منامتها ثم تطوي قفطانها و تضعه على أحد رفوف الخزانة قبل أن تتوجه ناحية سريرها لتندس فيه...
تعالى طرق على الباب قبل أن تدلف والدتها، كانت لا تزال ترتدي قفطانها و على وجهها أمارات التعب...جلست بجوارها و هي تهمس: "لقد انصرف طاقم الخدمة بعد أن نظفوا المكان بمساعدة من الخادمة".
ضمت قمر يد أمها و هي تقول: "أتعبتك ماما، أنا آسفة".
قالت والدتها بتأنيب: "أي تعب يا حبيبتي، لقد كان الإشراف على تجهيز كل شيء متعة بالنسبة لي...أنت ابنتي الوحيدة، قرة عيني الأولى و الأخيرة لا يليق بك سوى زفاف أميرة و حفل حناء فخم".
دمعت عينا قمر ، فهمست نجاة بشرود: "لا أصدق أن هذه الليلة ستكون ليلتك الأخيرة في هذا البيت".
ضحكت قمر بين دموعها ثم همست: "لا تقلقي يا أمي، سأقوم بحفل زفاف و ألتقط الصور بالفستان الأبيض ثم أعود إلى أحضانك".
جلجلت ضحكات أمها ثم قالت لها بمرح: "مالك نبيل جدا و سيكون سعيدا جدا بقرارك هذا، حتى أنه سيؤيده بشدة".
-"حتى أنا متأكدة من ذلك".
توقفت والدتها عن الضحك أخيرا لتقول بهدوء: "هيا سأترك تنامين حتى تستعيدين نشاطك...تصبحين على خير حبيبتي".
قبلت جبينها ثم غادرت الغرفة لتنزلق قمر بقلب السرير و هي تبتسم بانشراح قبل أن تسبل أهدابها و تغط في نوم عميق...
*********************************************
طرق كمال الباب بخفوت فلم يسمع ردها...فتحه بهدوء بعد أن توقع أنها نائمة ثم سار ناحية سريرها ليجلس على طرفه مربتا على كتفها بحنو و هو يناديها...استجابت قمر لندائه بعد دقائق و استيقظت لتراه أمامها، فتعتدل جالسة بينما تقول بصوت ناعس: "صباح الخير أبي".
قال والدها باسما: "صباح النور يا قمر والدها، هل نمت جيدا؟"
أومأت قمر برأسها فقال كمال: "جيد جدا، أتيت لأتحدث معك بعيدا عن جلبة الضيوف".
نظرت إليه قمر باهتمام فقال كمال بدون مقدمات: "أعرف أنك تحبين مالك".
أسلبت قمر أهدابها و غزا الأحمر وجنتيها، فقال والدها بهدوء: "لقد ابتدأ الأمر بشك قبل سنوات بعد الذي أخبرتني به أمك، لأنسى الأمر تماما حتى سفرنا معا إلى الجبل فيعود الشك إلي من جديد..."
قاطعته قمر قائلة: "ليتحول إلى يقين بعد أن قرأت روايتي".
غمغم كمال بهدوء: "أنظري إلي يا قمر".
رفعت قمر عينيها لتلتقي بشبيهتهما فقال والدها: "الحب ليس عيبا صغيرتي، بل هو شعور طبيعي يزرعه الله في أفئدة عباده و يرى طريقة تمتعهم بهذه الأمانة التي من الله عليهم بها: فيوجد من يستغلها في طريق محرم و يوجد من يتمتع بقرب حبيبه حلالا...لقد ربيتك أنا و والدتك و أحسنا في تربيتك حتى تدركي في عمر صغير الخطأ و الصواب، حتى تقومي بعد كل موقف و تساعدي كل من احتاج لسند في القيام...لقد نقلت للناس صورة عن التربية الصحيحة و التعامل الجيد مع الأبناء...لقد كانت روايتك رسالة لكل شخص حتى يعود عن أخطائه، حتى لا يتهور و إن حدث و تهور حتى يجد الطريق الصحيح من جديد...ربما لا يكون الكثيرون محظوظون بالوصول إليه، محظوظون بالتغيير لكن يكفي أنك قمت بشيء يجعلنا فخورين بكِ".
ابتسمت قمر بامتنان، فتابع والدها: "اليوم ستزفين إلى زوجك...اليوم ستبدئين حياة جديدة...حياة تشاركية مع شخص آخر غير والديك...أحببت أن أخبرك أن الشراكة يمكنها أن تدوم طويلا إن كللها الاحترام و المودة و حسن العشرة و المحبة...الحب ليس ضروريا لإنجاح زواج ما و ليس عاملا في فشله...ربما به يصير الارتباط أقوى و أعمق بين شخصين...لكن عدم وجوده لا يعني النهاية...
النهاية تكتب عندما تصير حياتنا مليئة بالألم، عندما نعجز على عدم التعايش مع ذلك الألم...مع العذاب، أو مع المشاكل...لكل إنسان قدرة على الصبر و تحمل الصعاب، و كما يوجد من يتحملها طويلا، هناك من لا يستطيع فعل ذلك...فإما أن تكون نهايته الرحيل و إما أن يظل سجينا لذلك الألم إلى الأبد بسبب الظروف التي تقف حائلا بينه و بين الابتعاد..."
أومأت برأسها موافقة على كلامه فأنهى والدها كلامه قائلا: "تذكري دائما أن والديك خلف ظهرك صغيرتي، سندعمك و نساندك في أي قرار اتخذته، يكفي أن تكوني راضية عليه".
قبل والدها جبينها، فدلفت والدتها فجأة ليلتفتا إليها... همست نجاة بهدوء خادع: "قمر هناك من ينتظرك في الأسفل، يود الحديث معك حبيبتي".
ارتفع حاجب قمر ثم سألت عن هوية الشخص المجهول فلم تقل والدتها غير أنه ينتظرها في الحديقة و هو على عجلة من أمره -كما أخبرها- ...
للحظة عند توجهها إلى الحديقة، كانت تتوقع أن ترى أمامها ندى بعد أن عرفت من وجه والدتها أن الزائر القادم لن يعجبها وجوده، لكنها تفاجأت تماما عندما رأت أمامها عدوتها اللدودة، خطيبة مالك السابقة: شيماء...
عقدت ساعديها أمام صدرها أثناء وقوفها قبالتها، فكانت شيماء أول من استهلت الحديث بعبارتها التي لا تحمل أي تعبير: "مبارك زواجكِ بمالك".
قالت قمر بسخرية: "أ قطعت كل هذه المسافة: من فرنسا إلى هنا حتى تباركين لي زواجي بمالك؟"
بهتت ابتسامة شيماء، لتستعيد ثباتها ثم تقول: "أتيت لزيارة جدتي لأنها مريضة و أرادت رؤيتي...و بما أن أقرب رحلة حجزت عليها كانت إلى العاصمة قلت آتي و أبارك لكِ".
بنفس النبرة المتهكمة كانت قمر تهمس: "هل تريدين مني تصديق إدعاءك بالنبالة و المجيء إلى باب زوجة خطيبك السابق حتى تباركين لها؟"
بهدوء كانت تجيبها شيماء بعد أن قامت بحركتها المشهورة التي تستفز قمر إلى أبعد حد: "لقد كان ارتباطي مع مالك أكبر خطأ قمت به في حياتي".
اندهشت قمر من تصريحها بينما شيماء تتابع: "أعترف أنني قمت بذلك فقط لأظهر أمامك بمظهر الفائزة...لقد كنت أغار منك و لا زلت أغار...و قد كانت غيرتي هذه من دفعتني لأقوم بما قمت به قبل سنوات، ثم أعاهد نفسي عندما قابلت مالك أن آخذه منك".
-"لم يكن لي حتى تأخذينه مني...كما أن ارتباطك به لم يكن تحديا بيننا...إلا إن كنت تتحدين نفسك أو تقتلين شعورا بالفشل ينمو بقلبك بنجاحك الذي لا أعتبره نجاحا".
لقد كان كلام قمر صفعة بالنسبة إليها...صفعة الحقيقة التي تعرفها جيدا، همست شيماء بارتجاف: "ربما معك حق في ما قلته في النهاية...لكنه بالفعل كان لك قمر، عندما أخبرتني عنه أدركت أنه حبا حقيقيا... لقد كنت ناضجة رغم عمرك الصغير...وفية إلى درجة لا تتصور...منذ أن كذبت بسبب الغيرة و اكتشفت كذبتي كنت أعرف أنك ستظلين وفية لحبك له...ربما حتى لو لم أنكشف و ظللتِ مذنبة ستظلين وفية له: بينك و بين نفسك كما كنت دائما".
غمغمت قمر: "نور الحق دائما يتلألأ في النهاية و يبدد ظلام الكذب شيماء".
ابتلعت شيماء ريقها و نكست رأسها للحظات قبل أن ترفعه و تقول بدون مقدمات: "سامحيني قمر...سامحيني لأنني كنت متهورة في الماضي و ظللت كذلك...منذ أن انفصل مالك عني و ضميري يؤنبني بعد ما فعلته...لقد كنت أجد لنفسي الحجج، ألقي اللوم على الغير حتى بت أعيش في وهم أن ظروفي الماضية هي سبب تصرفاتي لأدرك بعد تفكير عميق أنني من أتحكم في أنانيتي و غيرتي و أنني كنت مستمتعة تماما في العيش بقلبها"...
ظلت قمر صامتة للحظات قبل أن تقول أخيرا بهدوء: "قبل سنوات، فقدت صداقة كنت أظنها قوية لكنها كانت أهون من خيوط العنكبوت، كصداقتنا تماما...ما إن مر الكذب و النفاق على شباكها حتى انقطعت أوصالها...
الشيء الوحيد المختلف بينك و بين صديقتي السابقة أنك اعترفت بخطئك رغم أن سنوات طويلة مرت عليه بينما هي تجاهلته بتكبر و جعلت ظروفها شماعة لكل ما حدث بيننا...أقدر شجاعتك باعترافك بذنبك شيماء...فالاعتراف به فضيلة".
قالت شيماء بأمل: "هل يعني أن صداقتنا ستعود إلى عهدها القديم؟"
هزت قمر كتفيها ثم قالت بحزن: "مع الأسف الشيء المكسور لا يمكنه أن يصلح".
التفتت، فهتفت شيماء من خلف ظهرها: "يمكننا البدء من جديد و كأننا تعارفنا لأول مرة...أم أنكِ تخافين علي من زوجك؟"
استدارت قمر لتنظر إليها ثم قالت بثقة: "أنا لا أخاف عليه أبدا حتى إن كانت معجباته كثيرات، لأنني أدرك أن وفاءه سيكون لي وحدي...كما أنه يشبهني؛ فعندما يغادر شخصا حياته بصفة نهائية يطوي صفحته و يلتفت إلى الصفحة الموالية لينظر إلى إيقاعها و شخوصها".
ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها ثم لوحت لها قبل أن تدخل إلى المنزل تاركة فتاة تشعر بحزن عدم تجديد صداقتهما بقدر شعورها بسعادة الغفران الذي نالته منها...
*********************************************
كان واقفا أمام المرآة يعدل ربطة عنقه عندما دلفت أخته إلى غرفته بعد أن أذن لها...وقفت بجانبه تنظر إليه بالبذلة السوداء الرسمية ثم قالت بتأثر: "تبدو وسيما كالعادة".
ابتسم مالك ثم التفت إليها ليقول: "و أنت أيضا تبدين جميلة حبيبتي".
تعلقت عيناها بيده اليمنى التي تضم الخاتم ثم قالت بهدوء: "لقد أصبحت شخصا آخر منذ أن خطبتَ قمر".
اندهش و هو يعيد جملتها باستنكار، فأشارت لخاتمه و هي تقول: "عندما كنت مرتبطا بشيماء لم ترتدي خاتم خطبتك سوى مرتين...بينما لم تنزع خاتمك منذ أن ألبسته لك قمر في الخطبة".
نظر إلى خاتمه ثم قال بمراوغة: "ألهذا أصبحت شخصا آخر؟"
حركت رأسها إيجابا، فضحك مالك قبل أن يقول: "الخواتم مجرد رمز حبيبتي سواء ارتديناها أو نزعناها لن يتغير الواقع و لن يكسر رابط الزواج المقدس الذي يجمع بيني و بين قمر".
صمتت نهى و عقلها الذي اعتاد تحليل القضايا و الأخبار التي تجدها أمامها يحلل جملة شقيقها الغامضة، لتهتف فجأة: "مالك".
رد عليها بهدوء: "ماذا هناك صغيرتي؟"
سألته بصراحة: "هل تحب قمر؟"
تفاجأ من سؤالها الصريح، ليضع قنينة عطره فوق منضدة الزينة ثم يلتفت إليها و هو يغمغم: "هل تحاولين تحليلي نفسيا أم تحاولين تطبيق شخصيات رواياتك في الواقع؟"
زمت نهى شفتيها قبل أن تقول بعتاب: "كف عن إجابة عن سؤال بسؤال آخر...هناك احتمالان لجوابك اختر واحدا منهما بدون فلسفة يا نعم أم لا".
ترك ما بيده ليقف أمامها ثم يضع يده على كتفيها و يقول بحنو: "الحب ليس السبب الرئيسي في الزواج...يكفي أن يكون مبنيا على احترام و مودة و تشارك".
عبست نهى ثم قالت بغير رضا: "لكن قمر تستحق حبك كله".
قرر إنهاء النقاش بقوله: "ربما يحدث ذلك ذات يوم".
سألته بلهفة واضحة: "هل أنت معجب بها إذن؟"
ابتسم مالك بشرود قبل أن يغمغم قائلا: "و هل هناك من لا يعجب بالليدي قمر؟"
صفقت نهى بحماس و هي تقول: "إذن أضمن لك أنك ستقع في حبها رأسا على عقب و ستجعلني أغار عليك منها".
قهقه عاليا، فقاطعته نهى بقولها الجاد: "عاملها برقة مالك...فمهما كانت الأنثى قوية إلا أن بقلبها جانب حساس ناعم يحتاج إلى الرقة و التفهم و الكثير من الصبر...نحن كالورود رغم بسالة بعضها و تحديها للظروف إلا أننا لا يمكنها أن تنمو بدون اهتمام".
ابتسم لأخته ذات التفكير الوردي ثم قال بمرح: "هل تخليت عن الصحافة و تحولت إلى استشارية أسرية آنسة نهى؟"
زمت نهى شفتيها قبل أن تقول بغيظ: "أنت فظ، غليظ و لا تطاق...أعان الله المسكينة قمر عليك".
بدا مستمتعا بإغاظتها فجلجلت ضحكاته بينما ازدادت ملامحها عبوسا...استعاد هدوءه ثم قال مراضيا: "حسنٌ يا وردتي الجميلة، لا تقلقي على قمر لأنني سأطبق نصائحك هذه بحذافيرها"...
قاطع حديثهما دخول والدهما حاملا في يده علبة كبيرة، نظر مالك إلى الطرد باندهاش قبل أن يقول: "من أين أتى هذا؟"
قال والده: "من دبي...يبدو أنه مرسل من طرف قرينك زيد".
أخذه من يدي والده و هو يشكره ثم فتحه ليخرج هدية مغلفة عرف أنها هدية له و لقمر...وضعها جانبا ثم التقط القرص المدمج الذي كان يتواجد أسفل العلبة ليقول لنهى: "أحضري لي حاسوبك حبيبتي، لقد أخذت حاسوبي إلى شقتي".
أومأت برأسها ثم غادرت إلى غرفتها لتعود بعد لحظات و هي تحمل حاسوبها ثم انصرفت حتى لا ترى خصوصياته...
شغل مالك شريط الفيديو المتواجد في القرص ليلمح صديقه جالسا يعدل آلة التصوير قبل أن يلوح له و يقول: "مرحبا مالك، الوقت الذي ستتسلم فيه هذه الرسالة سيكون يوم زفافك مع قمر...أتمنى لكما حياة مليئة بالسعادة و الحب يا صديقي...
مع الأسف لا أستطيع الحضور، و ليس السبب عملي الذي أنشئه بل لأنني لا يمكن أن أكون هناك ببساطة...لا أستطيع أن أكون سوى كعماد الذي رحل عن الدنيا قبل زواج هيثم بشمس...صحيح أنني لم أرحل بعد، لكن يكفي أن أكون مغتربا بعيدا عن رؤيتها و هي تزف إليك...
أراهن أنك صدمت؟ أم تراك كنت ذكيا لتعرف الأمر من روايتها؟ أنا متيقن بأنك عرفت أنك هيثم لكنني أشك إن كنت تعرفت على عماد، عموما لقد أخبرتك بكل شيء الآن لأنني لن أطعن صديقي في ظهره، كما أنني سأنساها مع مرور الزمن...لقد حدثت قمر قبل رحيلي و أخبرتها أن تتجاوز الأمر و كأنها لم تكن تعلم به، سأطلب منك التجاوز أيضا لأنني سأحزن إن خسرت صديق عمري...و حتى إن رفضت فهذا من حقك، لكن ستظل دائما و أبدا أخي و صديقي...
مبارك لك مرة أخرى و أخبر قمر بمباركتي لها هي أيضا...
إلى لقاء قريب"...
أغلق مالك الحاسوب و هو يزفر بحنق و سؤال وحيد يلح في باله: كيف لم يعرف؟
كيف لم يعرف أن عماد هو زيد، لقد ظنه مجرد شخصية وهمية أضيفت للرواية، خصوصا أنها جعلته شقيقه الأكبر و قد كان أستاذا جامعيا درسهما و انتهى به الأمر في نهاية القصة متوفيا بعد أن كان مصابا بالسرطان...صحيح أن مرح الشخصية توازي مرح زيد، لكنه لم يتوقع أبدا أن يكون صديقه واقعا في غرامها...لقد كان يظن أن تصرفاته معها في الماضي بسبب عفويته في التعامل مع الآخرين...
شعور حارق انتابه و هو يفكر في الطريقة التي عرفت بها قمر مشاعره...ترى هل أخبرها أو أنها عرفت لوحدها؟ تساءل في سره قبل أن يخرج القرص المدمج و يكسره و يضع حاسوب أخته فوق سطح المكتب مقررا تجاهل هذا الموضوع حاليا فاليوم زفافه و عليه ألا يفكر في مثل هذه الأشياء...
فتحت نهى باب غرفته لتقول: "هيا مالك، ألن نذهب؟"
تدخل مناسب من أخته في الوقت المناسب، فقد قام من مكانه ليتحرك إلى الخارج نحو بدايته الجديدة برفقتها....
*********************************************

[Fatima Zahrae Azouz]

-"أليس من الأفضل لو رفعت شعرك في تسريحة؟"
قالتها الوصيفة بعبوس فقالت قمر بهدوء: "لقد كان قراري واضحا بأن أترك شعري منسدلا و قد اخترت تاجا ناعما لأظهر بشكل رقيق كما أردت ما الذي اختلف الآن؟"
زمت المرأة شفتيها غير راضية على طلبات العروس، فأشارت لها والدتها لتبتعد ثم اقتربت من ابنتها لتقول بصوت مبحوح: "كم تبدين جميلة صغيرتي".
ابتسمت قمر بارتجاف بينما تنظر لنفسها في المرآة...تبدو هادئة ظاهريا بينما داخلها يعدو بصخب...أخذت أنفاسا متلاحقة و هي تغتصب ابتسامة على شفتيها لتتسع برقة فور أن سمعت طرقا على الباب يليه دخوله و هو يقول: "أيمكنني أن أرى عروسي؟"
ابتسمت نجاة و هي تدعوه للدخول قبل أن تشير للوصيفة و المزينة ليغادرا الغرفة المحجوزة في الفندق الذي يقام فيه حفل الزفاف من أجل استعدادات العروس...
سار مالك في اتجاهها ليقف أمامها و يهمس بصوت مبحوح: "من أي حكاية هربت؟"
ابتسمت له و قالت برقة لا تخلو من الثقة: "أنا لست هاربة من حكاية، بل أنا كاتبتها".
أمسك بيديها ليقول برقة: "تبدين جميلة لدرجة لا تتصور...أهذا وهج القمر المنير الذي انعكس عليك مضيفا سحر الليالي التي ينيرها؟"
قالت بمرح: "أنا دائما جميلة".
صارحها قائلا: "بالتأكيد...لكن اليوم بك سحر خاص يا أميرتي".
أسر قلبها بكلامه المعسول فأغمضت عينيها مستشعرة موسيقى خفقاته...اتسعت ابتسامتها الناعمة حتى تحولت إلى ضحكة خجولة قبل أن تهمس بمرح: "لعلني أعادل وسامتك سمو الأمير".
ابتسمت عيناه قبل أن تبتسم شفتاه ليقول بعد لحظات من الصمت: "هل أنت جاهزة؟"
أومأت برأسها و همست في سرها بلوعة: "لأي شيء معك حبيبي".
لكنها غمغمت متسائلة: "ماذا عنك؟"
قال بثقة: "بالتأكيد".
تشابكت أيديهما و هما يغادران الغرفة لتسبقهن الوصيفات و هن يصلين على رسول الله...كان تنزل خطوة خطوة...تتمتع بوقع الخطوات و هي ترفع قفطانها الطويل...نسج قلبها كلمات على وقع خطواتها:
"مجرد حلم همست به في ليلة من ليالي الاشتياق لأجده يتحقق أمامي
يدي بيدك و كله ما يتمناه قلبي أن تطول خطواتك و خطواتي
نبض قلبي يشدو فرحا متراقصا على أنغام زفافي
و كل أمنياته يا مالكه أن يصير قلبك ملكي
آه يا حبيبي كم أحبك و حبي لك دائي و دوائي
و كم أتمنى أن يتحقق حلمي الذي سأتلوه سرا كتراتيل في محراب عشقك يا سلطاني"...
التقت أعينهما فابتسما و هو يمسك بيدها بقوة و هو يهمس في سره: "أعدك أن أراعيك و أسعدك...و لا أكسر قلبك و كبرياءك...و أن أحميك من نفسي قبل الناس...أن أظل سندك و أنسك في كل وقت و آنِ"...
جلسا على مكانهما أخيرا فتعالت إحدى أغاني الأعراس المشهورة و بدأ الاحتفال...
*********************************************
بعد ساعات:
يسوق والدها بسلاسة في الطريق الخالي، بينما يجلسان بالمقعد الخلفي و أناملهما لا زالت متعانقة بقوة...
قطع مالك الصمت بقوله: "لم أتوقع أبدا أن يكون طلب أختي لك يوم الخطبة أن تقدمي لها باقة وردك".
ابتسمت بحلاوة ثم غمزته بشقاوة و هي تقول: "ها أنت عرفت".
قال مالك بحمائية: "لقد صرت أشك أن أحدا في حياتها".
قالت قمر بدون مقدمات: "حسام ابن خالك".
نظر إليها باندهاش، فقالت موضحة: "لقد أخبرتني أنها معجبة به و هو كذلك".
ارتفع حاجب مالك قبل أن يقول: "و أنا آخر من يعلم...يبدو أن أختي شكلت حلفا مع زوجتي و صرت أنا العدو".
ضحكت قمر برقة و شاركها والدها الضحك قبل أن تقول: "الشيء الجيد أنني سأحضر عرسا آخر قريبا...لقد صرت أحب الأعراس فجأة".
ابتسم لها بعذوبة بينما والدها يراقبهما معا أمام المرآة...مالك الهادئ تماما المستجيب لمزاح زوجته و قمره المتوترة و التي تخفي توترها خلف الكلام الكثير على غير عادتها...
أوقف السيارة أخيرا أمام البناية التي سيعيشان فيها، فترجل مالك أولا ليساعدها في النزول بينما ترجل والدها بدوره...
عانقت والدها بقوة و هي تمسك نفسها حتى لا تنهار باكية فقبل جبينها قبل أن يلتفت ناحية مالك و يقول: "لقد أعطيتك قمر لياليَّ و نصف قلبي، قرة عيني و ابنتي الوحيدة، فحافظ عليها و لا تجرحها".
نظر إلى قمر بعمق قبل أن يقول: "بالتأكيد لا تقلق عماه"...
لوحا له قبل أن يدخلا البناية فسارت أمامه بخطوات متهادية و هي ترفع ذيل فستانها الخلاب...توقفت أمام باب الشقة فالتفتت تنظر إليه مبتسمة بينما هو يخرج سلسلة المفاتيح ثم يفتح باب الشقة ليفسح لها المجال و هو يقول: "السيدات أولا".
أخفت جفونها عسليتيها عنه للحظتين قبل أن يرتفعا بشموخ فتلتقي عيناها الملتمعتان بسحر بعينيه ثم تهمس بمراوغة: "يبدو أنك نسيت شيئا".
تساءل مالك باهتمام: "أي شيء؟"
تقوست الشفتان الصغيرتان بحزن شديد و عبوس قبل أن توضح صاحبتهما ما تريده بنبرة متوترة: "العريس يحمل العروس في حضنه ليلة الزفاف".
قلدها ضاحكا: "يحملها في حضنه؟"
أومأت برأسها بجدية، فضحك مجددا قبل أن يقول: "طلباتك أوامر سمو الأميرة".
عبست و هي تهتف بحدة: "أنت تسخر مني؟"
كانت تنتظر جوابه فأجفلها و هو يحملها لتتعلق يداها بعنقه بينما التقت أعينهما في حديث بدون كلمات لينهي الصمت قائلا بصوت أجش: "لا، و لم سأسخر من القمر؟"
دلف إلى الداخل دافعا الباب بقدمه ليغلق فأوقفته و هي تقول: "دعني أساعدك، سأغلق الباب بالمفتاح".
قرنت قولها بالفعل بينما هو يراقب حركاتها الناعمة بنظرات ثاقبة: كيف تغلق الباب؟ ثم تعود يدها لتلتف حول عنقه من جديد ثم تبتسم له...سار بهدوء ليرتقي بها الدرج ثم يدلف لأول غرفة في الرواق فأنزلها أخيرا ببطء و كأنه يستمتع بقربها منه...ابتسمت له بامتنان ثم تحركت لتجلس على الأريكة، فجلس بجوارها ليسألها بدفء و هو يضم يدها: "هل تعبت؟"
رمشت بعينيها قبل أن تقول: "قليلا".
امتدت يده تزيل طرحة العروس المتبثة فوق رأسها، فغمغمت بشكر خافت ليجيبها بابتسامة قبل أن يهمس: "سأذهب لأسخن العشاء الذي تركته نهى في البراد، لا بد أنك تشعرين بالجوع لم تأكلي كثيرا في الحفل".
ابتسمت له بامتنان و فور أن غادر، حررت زفرة عميقة كانت تحبسها بقلبها قبل أن تقوم من مكانها و تقف أمام المرآة...
لقد كانت تشعر بالخوف...
كان شعورا غريبا يتملكها منذ صباح هذا اليوم...تخاف أن تنجرف خلف عواطفها هذه الليلة فتهمس بحبها له في وقت ما و هي لا تريد ذلك...أغمضت عينيها ثم وضعت يدها فوق قلبها الخافق تتوسله سرا أن يهدأ و لا يتوقف عن القفز كأرنب مذعور...أخذت أنفاسا متلاحقة قبل أن تستعيد ثقتها بنفسها و هي تطمئن نفسها أن كبرياءها لن يسمح لقلبها بأن ينجرف كثيرا...سيكون حاجزا لأي اعتراف يريد أن يخونها...تحركت ناحية الدولاب لتفتحه ثم تبحث بين الملابس عما ترتديه، فابتسمت و هي تخرج قميص نوم أبيض اختارته والدتها حتى ترتديه ليلة الزفاف...نزعت فستانها و ارتدته ثم جلست أمام طاولة الزينة لتزيل زينة الزفاف و تكتفي بوضع ملمع لشفتيها قبل أن تنهي الأمر برش عطرها و تضع فستانها بقلب الخزانة ثم تفتح الباب لتنزل إلى المطبخ...
اتكأت على إطار الباب تراقبه بحب و هو يفتح الفرن ليخرج البيتزا الساخنة ثم يضعها فوق طاولة المطبخ فيلمحها في وقفتها...ارتدت نظراتها قناع الهدوء قبل أن تخطو إلى الداخل لتجلس على الكرسي الذي سحبه لها ليجلس قبالتها و هو يقول: "عندما أخبرتني نهى أنها حضرت العشاء توقعت أن أرى شيئا آخر لأجد أمامي في النهاية بيتزا".
أخذت قمر قطعة منها ثم قضمتها بتلذذ قبل أن تقول: "لا عليك، أنا أحب تناول شيء خفيف في العشاء".
أومأ برأسه ثم صمت يتناول طعامه، فهمست بعد لحظات: "كان الزفاف رائعا".
ليجيبها بدفء: "كنت أجمل ما فيه...قمرا متفردا بين النجوم منيرا لظلمة السماء".
كان جوابها ابتسامة خلابة سرقت من قلبه نبضة...و كان رده ابتسامة ساحرة من ابتساماته رقص قلبها على إيقاعات سحرها بصخب...تعانقت أصابعهما من فوق الطاولة بنعومة بينما يتابعان طعامهما و تبادل الابتسامات و النظرات الدافئة قبل أن تتوقف قمر عن الأكل مغمغمة: "شبعت الحمد لله".
توقف بدوره ثم نظفا الطاولة معا و هما يتضاحكان...سارا ناحية غرفة الجلوس ليشغل مالك التلفاز و هو يقول: "أتدرين اليوم سيعاد الموسم الجديد من السلسلة البوليسية التي أخبرتني أنك تشاهدينها السنة الماضية، هل شاهدت فيلم هذا الموسم؟"
أومأت برأسها نفيا و هي تخبره أنه عرض البارحة وقت استعدادها لحفل الحناء، فقال لها: "حسن لنشاهده معا، أنا أيضا لم أشاهده".
ألقت نظرة عابرة على الساعة الحائطية فوجدتها تشير إلى الثانية صباحا، لكنها لم تهتم، لقد كانت متوترة و مشاهدتها لفيلم الآن هو أفضل شيء تقوم به...
اعتذرت منه لتذهب إلى المطبخ ثم تعود بعد لحظات و هي تحمل صحنا مليئا بالمكسرات، كان يستلقي براحة على الأريكة فاستلقت بجواره بعد أن رفضت بعناد طلب عقلها بأن تجلس على الأريكة الأخرى، بينما كان صحن المكسرات بينهما يطعمها منه و هما يشاهدان الفيلم بحماس كبير...يبتسم لها عندما تتعمق في تحليل الأحداث و وضع فرضيات حول الجريمة ليناغشها و هو يخبرها أنه لا يشاركها الرأي فتعبس في وجهه للحظة قبل أن يختفي عبوسها و هي تقول: "هل نتراهن على ذلك؟"
نظر إلى عينيها الملتمعتين بتحدٍ ثم أومأ برأسه فتقول: "إن فزت، ستقوم بكل ما أريده بعد استيقاظنا".
-"و إن فزت، ستذهبين غدا إلى الشركة لتعملي".
شهقت بصدمة و هي تقول: "هل أنت مجنون؟ أنا عروس و في إجازة لشهر عسل و لن يخرجني أحد من إجازتي هذه".
هدأها قائلا: "حسن عزيزتي، لا تغضبي، سأبحث عن شيء آخر أكثر منطقية".
لثم وجنتها بخفة يراضيها، فمالت لتتكئ على كتفه بينما يده كانت تعبث بخصلات شعرها الناعمة، تثآبت بعد وقت طويل ثم همست: "هذه الحركة تسبب لي النعاس دائما".
مال ليقبل أصابعها التي تغطي شفتيها برقة ثم همس في أذنها: "إن كنت نعسانة لأحملك إلى الأعلى".
توردت وجنتيها أثناء همسها: "لا عليك سأتابع مشاهدة الفيلم، لم يتبق كثير عن النهاية".
لم يكن ينظر إلى التلفاز، بل كانت نظراته تغرق في ملامح وجهها الناعمة و كأنه يراه لأول مرة...عنقها الطويل الأبيض الذي زاده خط من الشامات الصغيرة التي يراها لأول مرة جمالا...ببطء كانت شفتيه تلثم شامتها الأولى، فارتجفت قمر بين يديه كعصفور صغير سقط في بركة ماء فتبلل...فغمرها في أحضانه أكثر و قبله الرقيقة تداعب عنقها برقة فراشة تائهة فوق أوراق وردة يانعة، همست باسمه بلوعة فرفع عينيه ليلتقي بعينيها المتلألئتين كالنجوم ...تعلقت يداها برقبته و هي تقبله بكل حبها و رقتها، ثم تهمس باسمه بصوت أنثوي ناعم جعل حصونه تنهار أمام وقع نغمته التي أخفت من خلفها الكثير و الكثير من الكلمات، فحملها متعجلا إلى الأعلى ليروي قلبها العاشق له بأنهار عاطفته و يرتوي من الحب العظيم الذي يحمله هذا القلب الذي يضمه صدرها...
*********************************************
خطت بهدوء إلى المطبخ ثم أغلقت الباب خلفها ببطء حتى لا تزعج نومه عند استعمالها للأدوات الكهربائية...تحركت يدها تخرج ما تحتاجه من الثلاجة و الخزانة بينما تدندن بلحن مبهم...جهزت البيض لتخفقه و قبل أن تبدأ في عملها كانت لمحات من ليلة البارحة تغزو عقلها فتحمر خجلا و هي تغمض عينيها بينما لم تستطع لجم وجيب قلبها المتعالي...لقد كانت تحبه منذ تسع سنوات لتستيقظ صباحا و هي تحمل في قلبها حبا مضاعفا لما كان يحمله...تشعر و كأن قلبها سيتوقف بسبب خفقاته المجنونة و تضخم المشاعر بقلبه...تذكرت لحظة من ليلتهما الحالمة، لحظة همست باسمه فنظر إليها بعينه الملتمعتين فكادت أن تعترف له بحبها ببساطة...لكن الكلمة أعدمت بحلقها قبل أن تغادره بعد أن قبلها فنست ما كانت تريد أن تخبره...و قد كانت مدينة له لأنه كان السبب في تراجعها عما كان تريد أن تهمس به...
أنبت نفسها ثم اتجهت لتفتح الصنبور و ترشق وجهها بالماء البارد لعلها تستعيد وعيها و تتوقف عن هذيان عشقها الصباحي، ثم بحزم كانت تتجه لتبدأ عملها...
*********************************************
صوت مزعج أيقظه من عالم الأحلام لتمتد يده بعد أن عرف بأن هاتفه هو مصدر الصوت حتى يطفئه...استلقى على ظهره يحدق بالسقف الأبيض قبل أن يستدير لينظر إلى الجانب الآخر فيجده خاليا...بالتأكيد استيقظت، فكر في سره و هو ينظر إلى الساعة التي تشير إلى الحادية عشرة و النصف ثم قام من مكانه بخفة لينتعش ثم يرتدي ملابسه لينزل إلى الأسفل...اتجه إلى المطبخ فلمحها واقفة أمام النافذة الكبيرة تحدق بشرود في الشارع ثم ابتسم ليرتفع حاجبه و هو يتذكر ليلتهما المميزة معا و ما خلفته من أثار غريبة عليه...لقد بات يشعر أن قمر قطعة منه...
لقد كانت حواءه التي خلقت من ضلعه...زفر بحرارة و هو يتجه بهدوء ليضمها من الخلف فشهقت بفزع قبل أن تتعرف عليه فتقول بعتاب: "أخفتني يا مالك".
قال ضاحكا: "آسف".
ثم ألقى تحية الصباح قبل أن يتساءل باهتمام: "منذ متى و أنت مستيقظة؟"
قالت بهدوء: "منذ ساعتين تقريبا...حضرت لنا إفطارا لذيذا".
-"ما كان عليك أن تتعبي نفسك جميلتي، كان بإمكاننا أن نحضره من الخارج".
و قد كانت تعلم ذلك، لكنها فضلت الطبخ حتى تشغل نفسها بشيء غير التفكير...قالت بهدوء: "أحببت أن أشغل نفسي، لا أحب الجلوس دون القيام بشيء".
كان سيجيبها لكن هاتفها رن...أخرجته من جيب بنطالها القصير ثم قالت له: "ماما تتصل".
-"أجيبيها إذن".
همس ببساطة، فردت عليه قائلة: "أتركني إذن".
غمغم بنبرة قاطعة: "لا، لن أترككِ".
ارتسمت على شفتيها ابتسامة رقيقة قبل أن ترد على الخط لتقول أمها: "صباح الخير صغيرتي، آسفة إن كنت أيقظتك من النوم".
تمتمت قمر مجيبة: "صباح النور أمي، لا لقد استيقظت منذ وقت طويل، كيف حالك؟"
-"البيت بدونك مظلم صغيرتي، رحلت بسرعة إلى بيتك بعد عودتك من ألمانيا، لم يكن علي أن أوافق على تعجلكم في الزفاف".
استدارت قمر لتضع أصابعها فوق شفتيه تكتم ضحكته بعد جملة أمها المتذمرة بينما تقول لوالدتها: "لم أهاجر من جديد ماما، عشر دقائق بالسيارة و تكونين أمام البناية التي أعيش فيها".
-"هل أحضر إذن و أجلب معي الإفطار؟"
سألتها نجاة باهتمام، فأجابتها قمر: "لقد حضرت الإفطار بنفسي أمي..."
ثم خصت مالك بقولها :"مالك أخرج الكعكة من الفرن أرجوك".
تركها على مضض ثم اتجه ليلبي ما أرادته في نفس الوقت الذي هتفت فيه والدتها بعتاب: "تحضرين الإفطار بنفسك صبيحة عرسك يا قمر، كان بإمكانكم أن تشتريا أي شيء جاهز".
هتفت قمر بتذمر و هي تتحرك من مكانها لتخرج العصير من البراد: "و ما الذي سيحدث إن أعددته أنا؟ استيقظت باكرا و قررت أن أسلي نفسي، ثم أنني أعددت مجرد أشياء بسيطة لم أعد وليمة لخمسين شخصا".
كان مالك يكتم قهقهاته بينما يخرج الكؤوس من مكانها و يضعها فوق الطاولة، بينما كانت قمر تخرج الكعكة من القالب و صوت أمها يتسرب إلى مسامعها هاتفا: "افعلي ما تريدينه قمر، أنا الملامة لأنني أفكر بك...سأتركك تتناولين إفطارك، تحياتي لمالك الذي تركك تعدين الإفطار صبيحة عرسك...قمة النبل و اللباقة".
ضحكت قمر و هي تغلق الخط ثم تتابع وضع الأشياء التي أعدتها فوق الطاولة...جلست أمامه فقال: "أراهن أن خالتي نجاة غاضبة مني و ربما تشتمني في سرها...بداية سيئة مع والدة زوجتي".
ضحكت قمر قبل أن تقول: "لا يوجد هناك سبب لتشتمك، أمي تبالغ في دلالي فقط...حتى عندما أطبخ في المنزل تهتف في وجهي: (لم تطبخين و سعيدة موجودة؟) و كأن طعامي يسبب لهم التسمم".
أرجع رأسه إلى الخلف ليضحك بصوت عال، فاستندت بيدها على الطاولة تراقب ضحكته الرائعة...اعتدل ليبتسم لتحديقها فيه بينما يقول بمرح: "حتى إن كان يسبب التسمم أنا راض بتناوله كنوع من التشجيع".
زمت شفتيها بغيظ، فاعتذر منها و هو يقبل كفها ليخبرها أن طعامها لذيذ جدا، ارتسمت على شفتيها ابتسامة شكر قبل أن تقول: "هيا أسرع، أمامنا مشوار علينا اللحاق به".
حرك رأسه ببساطة و هو يتابع تناول طعامه دون أن يتوقف عن جعلها تضحك من أعماق قلبها...
*********************************************
تسللت أشعة الشمس لتداعب جفونها المسبلة و تحثها على فتحهما، و قد كان هاتفها شريكا في جريمة إيقاظها فقد بدأ منبهه بالرنين حتى أصابها بالصداع...امتدت يدها توقف صوته المتعالي ثم تثاءبت مرتين قبل أن تلتفت إلى الجانب الذي يجاورها فتجده فارغا...اعتدلت جالسة و هي تنظر إلى الساعة الالكترونية التي تشير إلى التاسعة و النصف، فتعالى صوتها العالي مناديا: "مالك".
لكن لا مجيب، تركت مكانها ثم غادرت الغرفة لتنزل الدرج بحثا عنه فلم تجده...استغربت و هي تتساءل عن مكانه ثم عاودت الصعود إلى غرفتهما لتتصل به...فتح الخط بعد رنتين فقال بهدوء: "صباح الخير جميلتي".
-"صباح النور مالك، أين أنت؟"
تساءلت باهتمام، فأجابها قائلا: "يبدو أنك لم تري الملاحظة...عموما أنا في الشركة، لقد اتصل محمد صباحا و لم أشأ أن أوقظك...يقول أن هناك أمرا سيطلعنا عليه و يرغب بحضورنا...سيكون هنا في الحادية عشر صباحا، لديك الوقت لتجهيز نفسك".
قالت بعتاب: "لم ذهبت باكرا إذن؟"
قال ضاحكا: "لقد كان اتصاله كدعوة لعقلي ليتوجه إلى العمل...كما أن هناك أمور كثيرة علي حلها قبل سفرنا".
زفرت بضجر ثم قالت: "علي أن أقوم بشيء قبل حضوري...سأحاول أن أنهيه قبل الحادية عشرة إلى اللقاء".
أغلقت الهاتف و هي تمتم بحنق: "عمل بعد أسبوع من الزواج".
اتسعت ابتسامتها و هي تفكر أن عليها أن تشكر محمد، لأن اتصاله الذي دفع مالك للذهاب إلى العمل يخدمها حقا لتعد مفاجأة لزوجها...
تحركت بنشاط إلى المطبخ و بينما تأكل إفطارها كانت تعبث بمحتويات الثلاجة و الخزانة لتسجل ما ينقصها من حاجيات حتى تشتريها عند عودتها...
أنهت عملها، فنظرت إلى الساعة التي تشير إلى العاشرة و الربع ثم غمغمت: "خسارة كنت أود أن أصنع الحلوى الآن، لكن علي أن أجهز نفسي من أجل الذهاب فأنا عروس بالتأكيد و علي أن أبدو جميلة".
صعدت إلى غرفتها من جديد لتفتح خزانتها و تخرج أكثر من طقم قبل أن يقع اختيارها على واحد منهم...ارتدته ثم صففت شعرها لترفعه في كعكة أنيقة ثم ارتدت خاتم زواجها و عقد حجر القمر...تعلقت عيناها بسلساله الذي لم ترتديه منذ حفل الزفاف ثم فكرت بحزم أنها ستعود لارتدائه بعد هذه الليلة...أخذت حقيبتها ثم غادرت الشقة لتستقل سيارتها و تنطلق إلى العمل...عندما دلفت إلى الشركة كانت موظفة الاستقبال تحييها باحترام و هي تبارك لها فأومأت لها برأسها و هي تبتسم...استقلت المصعد إلى الطابق الرابع ثم توجهت ناحية مكتبها مشيرة لمساعدتها حتى تلحق بها...دلفت سلمى إلى الداخل فقالت قمر: "أريد تقرير ما حدث في غيابي أنا و مالك يا سلمى و أرسلي في طلب قهوتي أرجوك".
أومأت الفتاة برأسها قبل أن تغادر فتتقابل مع مالك عند الباب فتومئ له برأسها قبل أن تخفضه و تتجه نحو مكتبها الصغير...أغلق مالك الباب خلفه ثم تحرك برشاقة ليسير ناحيتها و يجلس فوق مكتبها فرفعت عينيها ناحيته لتقول باندهاش: "مالك، متى دخلت، لم أسمع فتح الباب؟"
-"عند خروج سلمى...لمحتك و أنت تصفين سيارتك بالخارج قبل قليل فأردت أن آتي لأتمنى لك صباحا سعيدا".
ابتسمت برقة و هو يقبل جبينها ثم يعيد إلقاء تحية الصباح عليها فأجابته بخفوت بينما يداهما تتشابكان، قال بدفء: "كم تبدين جميلة هذا الصباح...يليق بك الأبيض و الذهبي".
قالت قمر بهدوء و هي تنظر لعمق عينيه: "السماوي يضيف وهج البحر إلى عينيك".
أهداها إحدى ابتساماته التي يعشقها قلبها ثم قال: "اشتقت إلى البحر، ما رأيك أن نذهب معا مساءً؟"
قالت بغموض: "لنؤجل الأمر، لدي خطط أخرى هذا المساء".
قاطع خلوتهما طرق على الباب قبل أن تدلف سلمى إلى الداخل لتضع قهوتها على الطاولة ثم تقول: "لقد أرسلت لك تقرير جميع الأعمال التي جرت في غيابك دكتورة قمر".
قالت قمر بخفوت: "شكرا لك سلمى".
غادرت مساعدتها بينما مالك يحمل فنجانها ليرتشف منه ثم يقول: "ستجعلينني أعشق شرب قهوتك الحلوة ".
ابتسمت له بينما تفكر في سرها: "ليتك تعشقني أنا الأخرى سيكون أفضل شيء في حياتي".
نظرت إليه ثم قالت باستنكار: "هل ستتركني بدون قهوة؟"
رفع سماعة الهاتف و هو يقول: "سأطلبها لك حالا".
سلطت نظراتها على حاسوبها فسألها باهتمام: "لم تخبريني بخططك المسائية؟"
ارتفع حاجبها ثم قالت ببساطة: "لا تتحلى بالصبر أبدا".
ثم تابعت قائلة: "تعال و انظر معي إلى سير الأمور في فترة غيابنا".
قام من مكانه ليقف خلفها ثم ينحني قليلا ليصل إلى مستوى وجهها ثم يهمس في أذنها: "العمل يسير بشكل جيد بدوننا".
أومأت قمر برأسها ثم قالت: "جيد أنك عرفت ذلك حتى لا أجدك غدا صباحا من جديد بقلب مكتبك و لا أدري أي حجة تقوم بها لتذهب".
-"ألم تصدقي أن محمد من طلب رؤيتنا، يمكنك التأكد من هاتفك...زميلك القديم هو من يفسد شهر عسلنا لا أنا".
قال جملته بنبرة بريئة فغمغمت بسخرية: "أصدقك رغبتك بالجلوس في البيت سيد مالك".
همس في أذنها بصوت أجش: "تركك نائمة في الصباح بسلام كالأميرة النائمة كان من أصعب الأشياء التي قمت بها في حياتي".
دارت بكرسيها لتقابل وجهه ثم تقول بهدوء: "أجد عباراتك غريبة على مسامعي، لم أعهدك هكذا".
كان صوت يائس بداخله يهمس: "و لم أعهد نفسي هكذا"، لكنه ألغاه ليهمس لها: "بالتأكيد فلن أتغزل بزميلة الجامعة أو شريكتي بالعمل...أنت الآن زوجتي، انهدمت الحدود التي كانت بيننا منذ عقد قراننا".
سألته مباغتة: "و هل انهدمت حقا؟"
كان يعرف ما الذي يخفيه السؤال غير المتوقع، فأجابها بسؤال آخر: "هل انهدمت حصونك أنت؟ أم تراها ما زالت عالية؟ تفتح لي الباب لأعبر إلى قلبها ثم تدفعني إلى الخارج من جديد بعد أن سرت خطوات قليلة فقط بقلب القصر الذي يقع قلبها".
نظرت إليه بتعجب و شعورها يخبرها أن حديثه يدور حول كبريائها السامي و قلبها المحب...أتراه يعرف؟ اتسعت عيناها على وقع السؤال لكنها عادت لتطمئن نفسها أنه يراوغها فقط بطرح نفس السؤال حتى لا يجيبها...قررت مراوغته بقولها: "طريقة هدم بعض الحصون تكون أسهل بكثير مما نتوقع و بعضها..."
قاطعها و هو يهديها قبلة صغيرة جعلت نبضاتها الراكدة تصحو شاديةً على أنغامها...فتحت عينيها لتنظر إلى عمق عينيه و تتابع كلامها بنبرة مبحوحة: "و بعضها يكون صعبا، يحتاج لكلمة سر سحرية عند الهمس بها تنهار الحصون لوحدها ثم يتوج ملكا للقصر الذي يقع خلف تلك الحصون".
كان يدرك جيدا ما خلف تلميحاتها من كلام، و كانت تعرف أنه فهمها، لكن مع الأسف لا زال أمامهما الكثير من الوقت حتى يحبها كما تريد...
أطرقت بنظراتها متسائلة في نفسها إن كان القرار الذي اتخذته بعد أن أدارت حوارها مع شادي مرارا في عقلها سيكون صائبا؟ لتتحول ملامحها إلى ملامح حازمة و هي تقر أنها شجاعة بما يكفي لتدخل هذه المعركة بكامل كبريائها و ثقتها و تخرج منها بكامل كبريائها و ثقتها مهما كانت نتيجتها...ارتسمت على شفتيها ابتسامة حالمة و هي تهمس: "ستكون أمسية حالمة تحمل سحر قمر المرهف الذي لم يشهده أحد...السحر الذي غزلت بجزء منه روايتي، لكنه سيكون حقيقيا هذه المرة، لا مجرد شخبطات كتبت ساعات البوح بالاشتياق".
طرق على الباب جعلها تفتح عينيها لتلمح محمد الذي دلف و هو يقول بمرح: "مرحبا يا زوج الحمامة، آسف لأنني قاطعت إجازتكما برغبتي في رؤيتكما، لكن الأمر مهم و يجب علي أن أطلعكما عليه".
أشار له مالك للجلوس ثم ترك مكانه بجوار زوجته ليجلس قبالتها قبل أن يركزا مع ما يقوله المحامي المسؤول عن القسم القانوني في شركتهما...
*********************************************
دلف إلى مكتبها بعد ساعات ليجدها تعدل هندامها ثم تحمل حقيبتها لتتجه ناحية الباب...رأته فابتسمت فقال لها: "إلى أين تهربين؟"
-"أنهيت عملي، لن أسامح محمد لأنه جعلنا نأتي إلى هنا حتى يأخذ توقيعات لنا على أوراق قانونية تخص الشركة بينما كان بإمكانه أن برسلها لنا...وجودي بهذا المكتب جعلني أصاب بمتلازمة العمل فلم أتوقف عن العمل منذ مجيئي و أنا التي كنت أنوي أن أحضر الاجتماع فقط".
قال ضاحكا: "حسن لا داعي للتلميح أنني السبب، لكن أحببت أن ننضم الأمور قبل سفرنا".
قالت باستنكار مصطنع: "هل ستبقى هنا؟"
أومأ برأسه و هو يقول: "حوالي الساعة، ثم سأذهب لعند نهى...تحتاج لمن يوصلها إلى مكان بعيد و أبي غير موجود".
لم يكن يعرف أنها من اتصلت بنهى و طلبت منها أن تشغل شقيقها بأي شيء حتى لا تفسد مفاجأتها بحضوره غير المتوقع في أي وقت...
ابتسمت و هي ترفع يديها لتعدل ياقة سترته، فأسرها في حضنه قبل أن يهمس في أذنها بصوت أجش: "إلى اللقاء مساءً يا قمر".
لثم وجنتها، فابتسمت له ثم ابتعدت عنه لتأخذ حقيبتها و قبل أن تنصرف كانت تلتفت لتهديه قبلة طائرة ثم تلوح له...
مرت بجانب سلمى فأومأت لها برأسها لتبتسم بارتجاف و يدها تعبث بخاتمها...لقد كانت الفتاة واضحة عندما طلبت منها العمل معها بعد مجيء المساعدة الجديدة التي تناهز الأربعين عاما -و قد كانت بداية عملها تصادف فترة خطبتها هي و مالك-...كانت تحاول بتصرفها أن تظهر أنها لا تكن إعجابا لمالك كما أنها مخطوبة...
لم تكن تعلم أن قمر مدركة لإعجاب الكثيرات بزوجها، حتى مساعدته الأربعينية معجبة به، فغير وسامته التي تجعله شبيها بنجوم السينما كان يملك شخصية كاريزمية تسحر أي شخص أمامه: شابا كان أم فتاة...
وجدت نفسها أمام سيارتها أخيرا، فاستلقتها منطلقة إلى وجهتها الأولى دون أن تضيع وقتها في التفكير بأشياء غير مهمة بالنسبة لها في هذه اللحظة...
*********************************************