آخر 10 مشاركات
أعاصير ملكية (57) للكاتبة: لوسى مونرو (الجزء الثاني من سلسلة العائلة الملكية) ×كاملة× (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          حب في عتمة الأكــــــاذيب " مميزة و مكتملة " (الكاتـب : Jάωђάrά49 - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          مرت من هنا (2) * مميزة *,*مكتملة*..سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          نقد مقال بوابات الجحيم التي فتحت فوق سيبيريا عام 1908 لغز الانفجار الكبير (الكاتـب : الحكم لله - )           »          صدمات ملكية (56) للكاتبة: لوسي مونرو (الجزء الأول من سلسلة العائلة الملكية) ×كــاملة× (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          [تحميل] مكيدة زواج ، للكاتبة / سلمى محمد "مصرية " ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          مـــا أصعب الإبتعاد عنها *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : عيون الرشا - )           »          حرمتني النوم يا جمان/بقلمي * متميزه و مكتملة * (الكاتـب : esra-soso - )           »          أحزان نجمة ( تريش جنسن ) 446 ـ عدد جديد (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree70Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-10-19, 11:48 PM   #141

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل السابع


الفصل السابع

يا صباح الخير يا اللي معانا يا اللي معانا...
الكروان غنى و صحانا و صحانا....
و الشمس أهي طالعة و ضحاها....
و الطير أهي سارحه في سماها...
يلا معاها يلا معاها ....
يا صباح الخير يا اللي معانا يا اللي معانا...

على ألحان أغنية أم كلثوم التي تداعب روحها و تشعرها بالحماس كل صباح... وقفت أمام مرآتها بزيها المدرسي و وجهها السعيد... دست دبوس الشعر داخل كعكتها الكبيرة في منتصف رأسها...ثم اتجهت إلى حقيبتها الثقيلة التي حضرتها من الأمس بسعادة كبيرة... عودتها للمدرسة و قبوله الغير مشروط بهذا أزاح حمل ثقيل من فوق صدرها... نظرت في ساعة الحائط لتجدها تؤشر على السادسة و النصف... ارتدت حذاء البيت الزحاف و هرولت للأسفل لتتناول الفطور الذي تدعو الله من ليلة أمس ألا يحتوي على أي لون أبيض!...

أنهى ربط رابطة عنقه بينما خطواتها الصغيرة الناعمة التي تقطع الممر بالخارج تلح عليه في رسم بسمة صغيرة فوق فمه... لقد تجهزت في الليل و تحولت مع أول خيط للصباح كفراشة رقيقة تحمل من النشاط ما يضاهي جمال أجنحتها اللامعة!...

التفت إلى الزوبعة الغاضية التي خرجت من الحمام للتو...وقف "مصطفى" ببنطاله القماشي و جزعه العاري يجفف شعره بنزق و كأنه يدفن وجهه في المنشفة... ألقاها بضجر فوق السرير ثم قال لأخيه الكبير بنبرة ناعسة:
(ما ذنبي أنا كي أفيق من فجر الله!!... كنت أمثل دوما أنني مريض كي توافق أمي بأن أتغيب من المدرسة حتى لا أفيق باكرا!...)

التقط "أحمد" ساعة معصمه من فوق الطاولة يرتديها قائلاً ببرود:
(في الاستيقاظ باكرا فوائد عديدة عليك التعود...)

جز "مصطفى" فوق أسنانه يقول بحنق:
(لا أريدهم اقسم بالله... دع أصحاب النشاط يحرزون هذه الفوائد و اتركني أنام ساعتين إضافيتين)

جذبه أخاه من ذراعه بقوة حتى استقام الأخير واقفا...قال "أحمد" يقر حقيقة:
(يا بني أفهم علينا الاستيقاظ باكرا معها كي لا تشعر بأنها غريبة أو وحيدة هنا...)

رفع "مصطفى" حاجبيه بدهشة ثم وضع يده في خصره العاري يقول بسخرية مازحة:
(من هذه التي تشعر بالوحدة هنا؟!... الفتاة ممتازة في التأقلم ألا تسمع صوت الست أم كلثوم يصدح منذ الفجر يجلجل في البيت كله؟!!!)

لاح شبح ابتسامة فوق ثغر "أحمد" فقال بصراحة:
(لقد اشتقت لصوت الراديو و فقرات الصباح التي تبدأ ببث القرآن الكريم و تنتهي بأغنية صباحية تنشر النشاط بنا...)

لوى "مصطفى" فمه و النعس يسأله أين السرير و لكنه تحامل على نفسه و ارتدى ملابسه يقول بمزاح:
( كانت أيام حلوة... العمل سلب منا الراحة للأسف)

ربت "أحمد" فوق كتف أخيه مؤكدا كلامه... رنين هاتف "مصطفى" جاء ليجلب معه تعجب "أحمد" ...لكن هذه البسمة المشاغبة الحلوة فوق فم أخيه الصغير أكدت له أن المتصل هي غصن الزيتون... لم تكف منذ الأمس عن إرسال الرسائل أو محاولة الاتصال... و هو يعيش دور الخطيب المجروح عاطفيا منها!... و في الواقع هذا الدور أعجبه بشدة...

وضع "أحمد" يديه في جيبي بنطاله يقول بتعجب:
(ألن تجيب على هاتفك؟!...)

سحبه "مصطفى" من ذراعه بعدما أنهى ملابسه يقول بمرح:
(لا ليس الآن... فما دام تم اجباري على الاستيقاظ باكرا لا بد من ملئ المعدة بالطعام و بعدها أفكر هل أجيب أم لا...)

بالأسفل خصيصا من غرفة في الدور الأرضي صدح صوت "محرم فؤاد" الرخيم ليجعلها تقف ثوان مشدوهة من هذه الأغنية الرائعة...

أجمل صباح عندي...
صباحك الوردي...
صباحك البسام...
من وردتين حالمين...
متفتحين ناديين...
و كلامهم الأنغام...
رايق و متندي...
بصباحك الوردي...

توقفت خطواتها الفضولية تجاه هذه الغرفة على صوت "مصطفى" العالي بصخب يخرم الآذان!...
(ما شاء الله... تبارك الله... البيت مزاجه رائق اليوم بطريقة تجعلني سعيداً...)

وقف أمامها مباشرة يبتسم بسمته الوسيمة...يلاعب حاجبيه بشقاوة قائلا بمزاح:
(نستيقظ على صوت كوكب الشرق ثم تطربنا "دولي" ب "محرم فؤاد" و من يدري السيدة "سوزان" لربما صاح المذياع في غرفتها بأغنية «يا حلو صبح... يا حلو طُل»)

تخضبت وجنتاها بخجل فوضعت عينيها أرضا تقول بصوت يكاد يُسمع:
(أعتذر لو كان صوت الأغنية عاليا... لكنني أستمد منها الحماس لبدء يوم مدرسي طويل...)

رفعت عينيها اللامعة من خلف نظارتها إليه لتوقف تفكيره عن السريان في مجراه لثوان ثم يعود مع كلماتها الهامسة بحرج...
(لقد أخبرتني بالأمس أن أتصرف و كأني لازلت في بيت أبي... لذا أعتذر عما بدر منيّ من ضوضاء في الصباح الباكر)

تقبضت يد "أحمد" بقوة داخل بنطاله... نظر لأخيه نظرة توبيخ جعلت الأخير يشعر بالذنب حقا تجاهها... نزل "أحمد" الدرجات المتبقية من السلم حتى وقف قبالتها يقول بهدوء:
(و لازال كلامي قائما... أنتِ هنا لكِ الحرية الكاملة لتعيشي حياتكِ المعتادة من قبل... و لا تلتفتي لحديث "مصطفى" فهو كثير المزاح)

عادت ترفع عينيها إلى "مصطفى" لتتأكد من كونه يمزح فقط... ابتسم لها بسمة كبيرة أظهرت أسنانه البيضاء فقال بمزاح:
(ما هذا يا فتاة؟!... بالأمس اعتقدت أنكِ كونتي خلفية عن شخصيتي المازحة!... لكن لا بأس عزيزتي فأنا أمزح طوال اليوم أي ثلاثة و عشرين ساعة مزاح متواصل)

عقدت حاجبيها بصورة طفولية لتسأل بعدها باستفسار:
(لكن اليوم أربعة و عشرين ساعة!!... )

ضحك بقوة ثم غمز لها يقول بمشاغبة:
(و هناك ساعة صيانة يرتاح بها جسدي المسكين و ينام...)

ابتسمت بسمة صغيرة عليه ... لاحظها "أحمد" المراقب لها منذ نزل... بدأت تتعامل معهم دون حرج... بسهولة و كأنها حقا تعتاد على العيش هنا... سرعة تأقلمها مبهرة و حقيقي تريح قلبه من الشعور بالذنب تجاهها... و هذه البسمة الصغيرة كانت كهدية صباحية تدفء قلبه و تقلل من شعوره نحوها و كأنه السبب فيما حدث لها!...

(صباح الخير يا أولاد...)

التفت ثلاثتهم إلى "دلال" التي ظهرت بعكازها و بسمتها المضيئة... راقبتها "رُبى" بشغف غريب...تحب كبار السن و وجوههم التي تعرج عليها خطوط الزمن لتبرهن بكم التجارب التي خاضوها...تعشق الشيب الأبيض في شعورهم...فقط النظر للعجائز بالنسبة لها متعة خفية... لقد حُرمت من رؤية أجدادها من كلا الطرفين بسبب ميلادها في وقت قد أختار كل الطيبين الرحيل فيه!...

لاحظت "دلال" نظرات الصغيرة لها و قد فطنت أنها مبهورة بها... ابتسمت بحنان ثم وقفت أمامها مباشرة تقول بصوت مرتعش:
(كيف حال الصغيرة اليوم؟...)

لا تعرف من أين أتى هذا الشعور بالحنين داخلها؟... لكنها تابعته و ابتسمت ملئ فمها ثم انحنت للأسفل حتى لامست شفتاها الناعمة كف "دلال" المستريح فوق العكاز....

لاح التعجب على الشابين بينما دب العطف قلب "دلال" بقوة... هذه الصغيرة تلعب على أوتار القلوب دون شعور منها... رفعت كفها الحر تربت فوق شعرها الناعم قائلة:
(رضى عنكِ الله حبيبتي...)

اعتدلت ببسمة صغيرة و قد طغى الحرج عليها من تسرعها... ابتعد الأخان حيث الطاولة و تبقت هي مع الجدة... ترددت قبل أن تقول بحرج:
(ما اسم الأغنية التي كنتِ تستمعين إليها؟... لقد أحببتها)

التفتت "دلال" إليها تقول بنظرة تقييمية:
(أنها أغنية ل "محرم فؤاد"...)

اومأت "رُبى" بسرعة تقول:
(أعرف لكنني أستمع لهذه الأغنية لأول مرة!)

ضيقت الجدة عينيها لتتضح خطوطها المتعرجة بقوة... قالت بشيء من عدم التصديق:
(هل تستمعين لمطربين قديمي العهد ? "محرم فؤاد"؟!)

زادت بسمة "رُبى" و لمعت عيناها بسعادة تقول بفخر و كأنه أهم انجاز في حياتها:
(نعم... أنا أحب هذا النوع من الموسيقى و الكلمات ، كما أن أصواتهم لن تعوض أبدا...)

شعرت الجدة بالسعادة لكون فتاة صغيرة مثلها تستمع لمثل هذا النوع من الفن... مبتعدة عن الموسيقى الصاخبة الحديثة و التي لا تناسب ذوق "دلال" مطلقاً!... رفعت كفها المجعد تمسح على وجهها الصغير تقول بنبرة حانية:
(يبدو أننا سنعقد جلسة صغيرة في غرفتي قريبا لنستمع لبعض أغاني الزمن الجميل يا صغيرة)

خفق قلب "رُبى" بشدة و في الواقع لا تعرف مما خفق!... أهو من سرعة تعودها عليهم!... أم من هذا الشعور بالانتماء لشخص ما!... أو هذه الطيبة التي تشع من وجه الجدة!... لكن في نهاية المطاف هي سعيدة جدا...

اومأت برأسها ببسمة عريضة ثم تأبطت ذراع الجدة بحرية إلى السفرة... رغم تفاجئ "دلال" بسرعة تأقلم الصغيرة إلا أنها تشعر نحوها بالحنان... و كأن بيتهم كان ينقص قطعة سكر صغيرة مثلها لتذوب فيه و يذوب معها بعض من تعبهم و خصوصا "أحمد"...

............................................

أثناء مرورهما في الصالة رأته يقف مع السيدة التي قابلتها أول يوم و أرشدتها حيث غرفتها الجديدة... من مجمل حديثهم فهمت أنها المربية... لاحظت نظرة عينيه الخاطفة لها قبل ثوان...شعرت بالحرج فتعمدت النظر أرضا حتى تصل إلى السفرة مع الجدة...

بعد دقائق كان الجميع متواجد لتناول الفطور في جو هادئ و مريح للأعصاب... مقارنة صغيرة طرأت بالها و هي بينهم... البساطة التي يتعاملون بها و بعض المرح الذي ينشره الأخ الصغير بين اللحظة و الأخرى... و بين بيتها و والدها وقواعده التي لا تنتهي... هناك فرق و فرق كبير تشعره بروحها التي ارتاحت لهم في وقت قياسي لم يكن في الحسبان!...

تقدمت "حنان" تضع الطعام فوق الطاولة... و قد انقلب فمها بحسرة بعدما ميزت اللون الأبيض الطاغي على المكان... نظرة صغيرة فلتت منه دون إرادته إليها جواره...رغبة ملحة ناغشت عقله بأن يرى رد فعلها بعد مشاهدة الطعام... بسمة صغيرة كبحها بعند كي لا يلحظ أحد ما يبتسم عليه...

زمت شفتيها ببؤس تحارب جوعها... وضعت خطة للهرب قبل أن يجبرها أحد على تناول هذا الطعام... تركت شوكتها بصمت و حركت كرسيها للخلف بحساب و قبل أن تتحرك من عليه وقفت "حنان" أمامها تضع بعض الأطباق التي كانت....ملونة!!!...

عيناها اتسعت و قد تلألأت النجوم بهما و هي ترى ما وضع أمامها... مُربى ، عسل أبيض ، بيض مقلي ، سلطة فواكه و أخيرا كوب عصير برتقال...
أهي في الجنة أم تحلم؟!... سال لعابها و الجوع قد خرج من حبسه ليضرب جدار معدتها بفأسه الكبير و يصدر الأصوات العالية...

اعتدلت في كرسيها و سعادة تستوطن خلايا مخها الذي كاد أن يتوقف عن العمل بسبب الجوع!...
أخرجه من تأمله لها و تتبعه هذه الفرحة الطفولية جواره صوت والدته التي قالت بتعجب:
(ما هذا يا "حنان"؟!...)

احتل البؤس قلبها الصغير قبل أن تضع لقمة واحدة في جوفها... لكن صوته الذي صدر جوارها اراح قلبها و معدتها بشدة...
(أمي هي لا تحب نوعية الطعام الذي نتناوله على الفطور... لذا علينا مراعاة ما تريد و ما لا تريد)

نظرت والدته إليها تقول بدهشة:
(لماذا لم تخبرينا يا "رُبى" ؟... و كيف تناولتِ طعام الأمس؟)

تنحنحت بحرج كبير و قد هربت الكلمات منها... لكنه تدخل مجددا يوضح الصورة فقال:
(هي لم تتناول لقمة واحدة بالأمس يا أمي من الفطور...)

اتسعت عينا "سوزان" بشدة فقالت بنبرة توبيخ أمومية:
(تمزحين أليس كذلك؟... كان يجب أن توضحي الأمر لنا حبيبتي كما أنه لا يصح البقاء دون طعام)

نظرت إلى حماتها ببسمة ثم عادت تقول ل "رُبى" بمزاح:
(الجدة "دلال" و أنا لا نسامح أبدا من يترك طعامه...)

اومأت لها بخجل فقالت بتلعثم:
(آسفة و لكني لم أكن أعرفكم بعد لأطلب أي شيء!...)

ساد الصمت بينهم و كان معظمه محمل بالعطف عليها... أخرجهم "مصطفى" من حالتهم تلك حينما صاح بصوت عالٍ يقول:
(الله الله على كرم أخلاقكِ يا "حنان"... وضعتي للفتاة كل الأطباق التي حُرّمت علينا في الصباح منعا لزيادة معدل السكر أو الكوليسترول في الدم و نحن أصلا أصحاء و لا نعاني حتى من البرد!...)

ابتسمت "رُبى" و هي تراقب تذمره الحانق...غير هذه النظرة التي يرمق بها الطعام أمامها... انحنى بجزعه للأمام حتى وصلت كفه العريضة إلى طبق المُربى... سحبها بسرعة تحت أنظار المتواجدين... دقق فيها بجدية ثم قطع قطعة خبز و دسها بها و ألقاها داخل جوفه في لحظة... مضغها متمهلا ثم أغمض عينيه و شعور الاستمتاع يرتسم على وجهه... بعدها فتحهما على وسعهما يقول بحشرجة:
(ما هذا التسيب تضعين للفتاة مُربى مشمش بدلا من التين!!... )

همست "رُبى" ببسمتها الرائعة تقول بخفوت:
(لكنني لا أرفضها... لا مشكلة سواء مشمش أو تين)

تنحنح بحرج فأعاد الطبق مجددا أمامها يقول:
(كنت أفكر في مصلحتكِ... أنتِ لا تعرفين حلاوة و جمال مُربى التين)

كتمت ضحكتها بصعوبة و بعدها رمقت الجميع بنظرة جانبية... لتجدهم يتابعون ما يفعله "مصطفى" بنظرة تعجب تخفي ضحكة تود أن تفلت ...شعرت به يسحب طبقا آخر من أمامها فعادت تتابعه... اوقف طبق سلطة الفواكه أمامه ثم حمل شوكته يدسها به قائلا:
(هذه الفواكه موجودة في البراد من ثلاثة أيام... سأتأكد من سلامتها كي لا تُصابين بأي مرض)

فلتت ضحكتها العالية بعدما فشلت في كتمها لمرات... نفس الضحكة التي فلتت منها بالأمس و السبب كان أخاه ايضا... لقد توقف عقله لحظة فقط لحظة يستمع لها بكل كيانه... تبدو ضحكة أنثوية مغوية بفطرة و رغم ذلك تطغي الطفولة عليها... أي تركيبة هي هذه الفتاة؟!... أوقف كل هذا الهرج صوت "سوزان" الحازم الذي جعله يعيد أطباق المسكينة الصغيرة و يعاود أكل الجبن و البيض المسلوق بضجر...

بعد الفطور وقفت في الخارج حيث حديقة البيت... لأول مرة تراها بتدقيق... حينما أتت هنا كانت بالليل و لم تكن في مزاج يسمح لها بأن تدقق في شيء...تبدو جذابة بهذه الخضرة الرائعة المختلطة بالزهور الملونة و التي تبعث البهجة في النفوس... هناك توجد أرجوحة كبيرة خشبية أمامها طاولة مستطيلة الشكل تشعرك بالراحة... و في الخلف يبدو هذا حمام سباحة كبيرة و هذه الوسائد العريضة الموضوعة على الأرض تبدو ساحرة لجلسة سمر لا تنتهي حتى بلوغ الفجر... شعور بالأمل يدب في أوصالها شيئا فشيئا... هذا البيت الذي خشته من قبل يبدو سيكون ملاذها و مصدر سكينتها....

انتبهت لصوته الآتي من الخلف يقول بسرعة بعض الشيء:
(هيا كي لا نتأخر أصبحت السابعة و خمس دقائق)

سارت بجانبه دون رد و قد بلغ الحرج مبلغه منها... تحولت علاقتها به لشيء من التفاهم السريع و الذي يقلقها...لكنه شخص جيد و هذا كان انطباعها الأول عنه... دخلت السيارة في المقعد المجاور له و قد تربع هو فوق مقعد السائق يدير المحرك بسهولة و جاذبية... غمغمت في سرها بصوت خافت مع ابتسامة صغيرة:
(هناك فرق جبار بين عم "عادل" و بين "أحمد النجار"... )


انحنى ناحيتها فجأة دون سابق إنذار مما جعلها تجفل شاهقة بصوت مكتوم... ضيق عينيه بتعجب ثم ابتعد بناظريه عنها ليربط حزام الامان جيدا... ابتلعت ريقها بحرج ثم اعتدلت في المقعد تتمنى أن ينشق بها و يبتلعها بعدما سمعت صوته يقول برزانة:
(لا تجفلي هكذا مرة أخرى... تعرفين أننا متزوجان على الورق فقط)

هزت رأسها بعصبية توافقه الرأي و قد توردت وجنتاها من نوعية الحديث المتداول بينهما!... تنفست ببطء لتزيح عنها هذا التوتر فسمعته يسألها بعدما تحركت بهما السيارة:
(متى سيحين موعد الانصراف من المدرسة؟)

همست له بينما عيناها تتابع الشارع الخالي إلا من أعداد قليلة من الناس:
(عند الثانية و النصف ظهرا)

صمت قليلا ثم قال بلهجة عملية:
(سيكون لدي اجتماع في هذا الوقت و ايضا "مصطفى" سيكون معي!... )

استشفت من حديثه نيته في توصيلها للبيت عند العودة... صدر صوتها الواثق تقول بتأكيد:
(ليس ضروريا أن يأتي أحد ليقلّني... يمكنني العودة في الحافلة و أيضا الذهاب بها صباحا)

نظر لها بأعين ضيقة و حواجب معقودة فقال رافضا:
(لا حافلات مطلقا... هل كنتِ تركبينها في بيت والدكِ؟!)

هزت رأسها نفيا فعاد يعلو صوته الرافض بحزم يقول:
(و هل تعتقدين أنني سأجعلكِ تفعلينها لمرتكِ الأولى بعدما أصبحتِ في بيتي؟!!!)

قالت بعناد و صوت عالي قليلا:
(و لمَ لا؟... الضرورات تبيح المحظورات ، و أنتما لن تكونا متفرغين ليّ طوال الوقت فكيف سأذهب و أعود إلى المدرسة و قد بعدت مسافتها أكثر عن بيت أبي... هل أذهب مشيا أو بدراجة؟!)

اتسعت عيناه بصورة غير ملحوظة وهو يستقبل منها أول منازلة بينهما... فقال بتحكم:
(أخبرتكِ لا حافلات يعني لا حافلات... لا أحب تكرار كلمتي مرتين!)

ربعت يدها حول خصرها بحنق ...صاحت به بشكل طفولي متذمر و عنيد لأبعد حد:
(ما هذا التحكم في الرأي؟!... لا أعرف لماذا يحب الرجال فرض هيمانتهم دوما حتى لو كانوا على خطأ؟!!!)

حقا فاجأته بما يخرج من فمها الصغير الناعم... هل تقارعه و تقف له ندا؟!... لقد تخطت مرحلة التأقلم و دخلت في مرحلة الزوجة بسرعة كبيرة... توقف تفكيره يزن كلمة زوجة في قاموسه...هذه الصغيرة في زي المدرسة زوجته... إنها مزحة!
قال بينما يتخذ منحنى ليدخل شارع جانبي بصوت ساخر:
(أنه مجرد تعنت ذكوري ظالماً..)

همهمت بغضب واضح من ملامح وجهها الرقيق... هيئتها الجديدة و التي فاجأته جعلته يبتسم موجها وجهه ناحية النافذة كي لا تلمحه... "رُبى" الجديدة يبدو ستضيف لحياته الجامدة بعض المتعة!... تحفزت ملامحه و عاد يرمقها بطرف عينيه متفحصا... اسمها لم ينطقه سوى مرة أو مرتين ... كلما تذوقه لسانه شعر بشيء غريب ...شيء يدفعه لحمايتها و الدفاع عنها... عاد ينظر لنافذته يهمس مجددا و لكن بصوت خافت مبتسما:
("رُبى" العنيدة... )

..............................................

خرج من البيت قاطعا الحديقة حتى وصل إلى مرآب السيارات... أخرج مفتاحه الالكتروني يفتح سيارته من بُعد لكنه توقف بعدما وجدها تخرج من سيارة أجرة... ضاقت عيناه بقوة و قفز قلبه بخوف ... أسرع الخُطى إليها و اللهفة ترتسم على ملامح وجهه... وقف قبالتها بعدما تحرك السائق للخلف ليتركهما بمفردهما... صدرها الذي يعلو و يهبط و أنفها الأحمر بخلاف عينيها الغائمة بخيوط من دموع!... يا الله غصن الزيتون كانت تبكي!!!...

زاد رعبه فأمسكها من ذراعيها يقول بترقب و أعين متفحصة لهيئتها :
("ندى" ما بكِ حبيبتي؟!... هل حصل شيء سيء؟!)



كانت تتطلع في وجهه و خيط الدموع يزداد... قلبه توقف عن النبض و هو يتخيل كوارث قد حدثت و تسببت في بكائها!... هزها برفق يقول بخوف:
(الله يكرمكِ لا تصمتي هكذا قلبي سيقف من الرعب عليكِ!!)

و كأنه سحب فتيل قنبلة موقوتة لتنفجر دموعها و تزداد شهقاتها بقوة... كادت أن تقلع قلبه من الخوف فأسرع يضمها إليه كي تهدأ ويفهم ماذا حدث لكل هذا؟!... همس بجوار أذنها بحنان رغم ارتجاف صوته المرتعد عليها:
(حبيبتي ماذا حلَّ بكِ؟... أخبريني ما يؤلمكِ و لماذا أنتِ هكذا؟!... أريحي قلبي يا غصن الزيتون سأموت و الله و أنا أراكِ هكذا!!!)

خرجت من بين ذراعيه تنظر له بفيروزتها الغائمة بدموع تحرق قلبه عليها... صدر صوتها المتقطع ببكاء تقول بشكل أوجع قلبه:
(هل أنت حقا متضايق منيّ لدرجة تجعلك تتجاهل اتصالاتي بك و رسائلي؟... )

رغم تعجبه من سبب بكائها الهستيري هذا إلا أنه فضل أن يخفف عنها فقال بأسف حقيقي:
(آسف جدا حبيبتي عما حدث أمس... كنت أمزح معكِ و أتدلل عليكِ قليلا ، لكن يبدو غصن الزيتون لا تقوى على بعدي عنها!)

زاد بكاؤها مجددا و سقطت رأسها للأسفل بشكل أفزعه... شهقاتها العالية و حالتها أرعبته فمال يضم رأسها بين كفيه يرفعها بحنان مرتعد.... قال برجاء شديد:
("ندى" بالله عليكِ قولي ليّ ماذا هناك؟!)

سقطت دموعها بكثرة وهي تتفحص وجهه بشكل يثير الريبة... قالت ببكاء خائف:
(لقد حلمت... حلمت بك حلم سيء... سيء جدا يا "مصطفى" )

زفر نفسا مرتاحا من صدره الهائج بخوف عليها... لقد وضع مئات التحليلات لحالتها و التي صبت جميعها في أن مصيبة قد حصلت... ابتسم بسمة صغيرة قائلا:
(أهذا هو السبب يا غصن الزيتون؟... يا بنت أنا لا يؤثر بيّ شيئا... مثل الحصان أمامكِ أنظري جيدا)

هزت رأسها بعنف تقول:
(لا لا... لن أسافر هذه المرة قلبي غير مرتاح)

أن ترفض "ندى" السفر و خصوصا السفر في أمر متعلق بدراستها لهو شيء كبير جدا... هل حقا كان حلما مروعا لها لهذه الدرجة؟!... أم أن عقلها الباطن نسج لها من الأوهام ما يقلقها و قد زاد من قلقها دلاله عليها بالأمس؟!...

مال بجزعه حتى وصل لطولها ... نظر في عينيها الجميلة يقول بتأكيد:
(اسمعي جيدا يا ابنة "القاضي" بقاؤكِ هنا لهو أحب شيء على قلبي و لكني غير موافق على عدم سفركِ... لقد تعبتِ طيلة شهور كي تحرزي مركزا عاليا في بحثكِ و ها قد حصل ... لن أوافق أن تحرمي نفسكِ من لحظة تكريم أموت شوقا كي أكون معكِ بها و أهتف بعلو صوتي هذه حبيبتي أنا ... هذه غصن الزيتون)

ارتعشت شفتيها ببكاء أحزنه عليها... لكنه استقام فجأة يقول ببسمة مشاغبة و نظرة عين عابثة:
(آه يا بنت توقفي عن البكاء و الله هيئتكِ هذه تدفعني لأقبلكِ دون السؤال عن العواقب!)

ابتسمت من وسط بكائها فزفر براحة و لو بسيطة... سمع رنين هاتفه فأخرجه يطالع الاسم عليه... عاد ببصره لها يقول بنبرة تمثيلية:
(والدكِ يتصل بيّ... هل كنتِ تسجلين ما يحدث بيننا و سمع نيتي في تقبيلكِ؟!... هل تبيعين خطيبكِ بهذه السهولة يا غصن الزيتون؟!)

همهمت بصوت متعلق بأوتاره البكاء:
(لقد خرجت في الصباح الباكر رافضة أن انتظر الصبر لبضع ساعات أو مجيئه معي)

لمعت عيناه بحبها فمد كفه يمسح ما بقى من دموع فوق وجهها الساحر... تنهد بقلق من حالتها هذه لكنه فتح الخط يجيب على والدها بصوت عاقل و رزين :
(مرحبا يا عمي... نعم معي الآن... بخير لا تقلق نعم أعرف... لقد أخبرتني بالفعل ... ربما هي مجرد ضغوط صاغها عقلها بشكل حلم سيء... لا بأس سأفعل... بالتأكيد سآتي قريبا لقد افتقدتكما ... حسنا إن شاء الله... إلى اللقاء)

أمسك يدها بعدما أغلق الخط مع والدها... ابتسم بسعادة يقول:
(لقد أخذت إذن والدكِ لتبقي معي بعض الوقت...)

قالت بصوت خافت من أثر البكاء:
(ألا يوجد لديك عمل اليوم؟!)

سحبها حيث سيارته يقول بسخرية:
(أنها السابعة و الربع صباحا ... عملي يبدأ من التاسعة)

عقدت حاجبيها بتعجب فقالت:
(و لماذا أنت مستيقظ باكرا هكذا؟... و إلى أين كنت تنوي الذهاب قبل أن آتي؟!)

التفت يقول لها بمزاح:
(البيت كله استيقظ باكرا استعدادا للمدرسة... فزوجة أخي الكبير عادت للمدرسة اليوم... و إلى أين كنت سأذهب الاجابة هي الشركة لدي بعض الملفات أنوي إنهائها)

زمت شفتيها بغضب فقالت:
(لماذا أنت تستيقظ باكرا من أجل زوجة أخيك؟)

رفع كفه فوق سقف السيارة يقول بموافقة حزينة:
(أقسم بالله أسألهم نفس السؤال من الصباح و الجميع يقول تضامنا معها ...كما أن الفتاة تبدو رقيقة المشاعر و يجب علينا احتوائها)

وضعت يدها في خصرها تقول بغضب :
(و ماذا أيضا يا أبا المساكين؟!!!)

ضحك ضحكته التي تخطف أنفاسها فقال بغمزة من عينيه:
(تغارين؟!...)

ابعدت يدها عن خصرها لتعتدل في وقفتها تقول بحنق:
(لست كذلك...)


ضحك مجددا و قد زادت وسامته في عينيها العاشقة له فقال:
(و الله تغارين يا غصن الزيتون... )

هتفت بعتاب خجل :
("مصطفى"!...)

لعب بحاجبيه يقول بمشاكسة:
(يا قلب "مصطفى"... )

ابتسمت بتورد تقول بخجل:
(اصمت... أنت تزيد من خجلي)

رفع كفه من فوق سطح السيارة يقول برضا عن خجلها الذي يدغدغ قلبه:
(و هذا ما أريده أن أرى الفراولة اللذيذة فوق وجنتيكِ الرائعة حتى يحين وقت تذوقها يا غصن الزيتون...)

صرخت به و قد بلغ خجلها مبلغه:
("مصطفى" سأرحل...)

تحرك حتى وقف أمامها يمسك يدها قائلا برقة:
(و هل يهون عليكِ المسكين ابن المساكين "مصطفى" الذي يذوب شوقا لرؤيتكِ و البقاء معكِ؟)

تلعثمت لمرات ثم قالت بتوتر:
(حسنا حسنا إلى أين ستأخذني ؟... يبدو أنك تناولت فطورك أم أنك تنوي تناوله مرة أخرى معي؟!)

ابتسم لها بفرحة ثم فتح سيارته لتجلس بها و التف حيث بابه يفتحه ويجلس على مقعد السائق قائلا بسعادة:
(لم أشرب قهوتي بعد... سنذهب إلى المطعم تتناولين فطوركِ و بعدها أوصلكِ للبيت لأن عمي قلق عليكِ و أذهب إلى الشركة)

اومأت له ببسمة عاشقة تذيب قلبه التواق لها...

.......................................

( لا أصدق أنكِ هنا بعد كل شيء!!!...)
صوت "رحمة" المندهش في فناء المدرسة جعلها تبتسم بحنين لها... لقد تغيبت أيام قليلة من المدرسة ولكنها تشعر بالحنين لكل شيء ... تنفست نفسا عميقا لتقول:
( و لا أنا أصدق ما حدث ليّ... قبل أيام كنت مجرد طالبة مثل الباقية بينما الآن أصبحت متزوجة!)

ربتت صديقتها فوق كتفها بحزن متعاطفة معها فقالت:
(لا تحزني فكما أخبرتني أنه مجبور مثلكِ على كل شيء)

نظرت لها "رُبى" نظرة طويلة متألمة فقالت:
(و هذا ما يفزعني كلما قابلته... أتخيل صوت نفسه الداخلي يسبني كلما رآني ، هذا شيء مرهق نفسيا جدا)

ضحكت "رحمة" بخجل ثم قالت نافية:
(لا أعتقد فمن حديثكِ يبدو شخص جيد و طيب القلب)

تنهدت "رُبى" بينما استندت بكفيها فوق المقعد الخشبي لتقول بصدق:
(أهل هذا البيت كلهم طيبين القلب... كلهم دون استثناء)

قفزت صديقتها تقول بفرحة حقيقية:
(الحمد لله لقد عوضكِ الله بهم بعد فترة خوف و ترقب)

سحبتها من يدها حتى استقامت "رُبى" ... هتفت "رحمة" بخجل مسيطر عليه السعادة:
(هيا تعالِ فهناك العديد من مسائل الرياضيات فاتتكِ في غيابكِ...)

اتسعت بسمة "رُبى" لتقول بحماس:
(أنا مشتاقة لهم كثيرا...)

تبادلا الضحكات بينما تقطعان الممر المؤدي لفصلهما... و قبل الوصول له اصطدمت "رُبى" بجسد أحد الطلاب الفتيان حتى سقطت منها علبة الطعام... انحنت تجمع ما سقط من محتويات العلبة على الأرض... و حين استقامت وقف زميلها يقول بأسف:
(آسف عما حدث لقد ظهرتي فجأة أمامي و لم أرَكِ)

ابتسمت له بلطفٍ قائلة:
(لا بأس أنها غلطتي أنا...)

أفسح لهما الطريق و عيناه لا تتركها ... ابتسم بسعادة ثم أكمل طريقه يغمغم بفرح:
(و أخيرا تحدثت معكِ ...)

........................................

خرج من الاجتماع ليسرع بالاتصال بها... لقد أرسل سائق الشركة لها قبل نصف ساعة كي يأخذها للبيت... فبعد اكتشاف قوة العناد عندها صباحا تملكه الخوف لو ركبت الحافلة كما نوت...

حينما صدح صوت السائق في الهاتف تكلم معه بلهفة:
(هل هي معك؟...)

أجابه السائق بتأكيد:
(نعم سيد "أحمد" معي...)

زفر الأخير براحة ثم سأله بفضول:
(كيف قابلتك ... هل تقبلت الموقف؟!)

أجاب السائق ببسمة صغيرة:
(في البداية ظننت أنها ستضربني بحقيبة مدرستها حينما عرفت هويتي... لكنها ركبت معي في النهاية دون مشاكل)

تذكر هيئتها بالصباح و ركبها على وصف السائق لتخرج له صورة مصغرة من فتاة جانحة من عصبة الفتيات المتمردات...ما تخيله أثار بداخله بسمة صغيرة جدا... أكمل يقول بهدوء:
(حسنا أعطها الهاتف من فضلك أريد محادثتها...)

انتظر صوتها بقلة صبر رغم أن الوقت التي أجابته فيه كان جزءً من الثانية!... انتبهت أذنه لإرهاقها و ضمور عنادها ...صوتها أجج مشاعر الحماية بداخله لها...يشعر أنها طفلة صغيرة أو أمانة يجب عليه الحفاظ عليها حالما يحين وقت إرجاعها!...

همس بخفوت متعاطف مع تعبها:
(كيف حالكِ؟...)

وصله صوتها المرهق تقول :
(بخير الحمد لله...لم يكن هناك داعٍ لسائق )

وصلها صوته الحازم يقول:
(بل هناك ألف داعٍ ... لا تحسبي ركوب الحافلات هينا فهناك يُعطى مجال لفعل أي شيء)

غمغمت بخفوت تقول:
(حسنا كما تريد...)

أجابها بهدوء مستمتع بطاعتها:
(جيد...)

أوشك على غلق الخط لكنها همست بصدق:
(شكرا على كل شيء...)

ابتسم يقول بحنان:
(لا شكر بيننا يا صغيرة... أراكِ في البيت)

أغلق الخط معها و قبل أن يعود إلى مكتبه دخلت "سارة" و التي لمحت بسمته نادرة الحدوث... عقدت حاجبيها بتعجب تقول:
(ما سر هذه البسمة يا تُرى؟...)

عادت ملامحه للجمود فقال بعملية:
(لا شيء... هل وقع العملاء على الصفقة كما أوضح لهم المدير العام أم تفاوضوا في الشرط الجزائي مجددا؟!)

شعور الانثى بداخلها يخبرها أن هناك شيئا ما يحدث من خلف ظهرها... شيء لا يريد هو أن تعرفه هي ... و قوة حدسها يخبرها بأن هناك مرأة وراء كل هذا... لكن لا بأس لتعطيه حرية التصرف حتى يلف الحبل حول رقبته وبعدها تظهر هي في الصورة لتوضح حقها به... نعم هو حقها الذي صبرت كثيرا كي تناله و ستكون حمقاء لو فرطت به!...

همست بصوت طبيعي عكس ما يشتعل بداخلها:
(نعم وقعوا دون مماطلة... فأخاك لا يسمح لأحد بأن يماطل)

هز رأسه بفخر من قوة أخيه في إدارة الشركة و التعامل مع العملاء... البذرة التي زرعها والده و مات قبل أن يسقيها فتولى هو رعايتها حتى كبرت و أصبحت شجرة ذات جذور صلبة قوية... شجرة حتى يحين الوقت المناسب سيركن عليها ليرتاح من عبء العمل و هو مطمئن...

اومأ برأسه لها فقال:
(هذا ممتاز... رجاءً حضري الملفات الخاصة بمشروع المدينة الساحلية الجديدة )

هزت رأسها بموافقة و كادت أن تتركه لكنها تذكرت شيئا هاما فقالت:
(صحيح اتصلوا من مكتب "الحسيني" يسألون عليك...)

عقد حاجبيه قائلا بصوت حاد قليلا:
(ماذا يريدون؟!...)

رفعت كتفيها للأعلى بلا أعرف و تركته و خرجت تحضر ما طلبه منها...

أمسك هاتفه يتصل بأخيه فبعد أن وصل الرد قال بعملية بحتة:
(شركة "هاشم الحسيني" اتصلت بيّ ... تابع الأمر رجاء فأنا لا أطيق الحديث معه...)

بعدما صمت يستلم الرد قال بهدوء مختلف عن نبرة صوته الماضية:
(لقد أبليت حسنا اليوم في إقناع الشركة الأجنبية بالموافقة دون تغيير أي بند من بنود العقد... )

لاحت بسمة صغير فوق فمه ثم قال:
(لا أنت تستحقها...هل ستعود على الغداء؟)

تقدم بجزعه من المكتب يقول باهتمام:
(ما بها "ندى"؟)

صمت يستمع لأخيه ثم قال بهدوء:
(لا تقلق فالنساء دوما يتصرفن بعاطفة... لا بأس أبقى معها اليوم حتى تهدأ )

دلك جبينه بإرهاق فقال بعدما استمع لحديث أخيه:
(لا أنا سأعود للبيت الآن ...)

وقف يرتدي سترته فقال باستعجال:
(هي على وصول ... لقد أرسلت لها سائق الشركة)

غمغم بينما يأخذ باب المكتب في يده يغلقه:
(اتفقنا ... سلم ليّ على السيد "عيسى القاضي" و زوجته)

أغلق هاتفه ثم اتجه نحو المصعد ليسرع في الوصول للبيت...يشعر أن طاقته نفذت وعليه اللجوء لغرفة أخيه مناشدا لقسط من الراحة...

........................................

عادت من مدرستها بجسد متهالك و معدة فارغة بعدما سقط طعامها و ضاع هباء... استقبلتها "حنان" ببسمة حانية تحمل منها حقيبتها الثقيلة تقول:
(مرحبا بعودتكِ ... كيف كان يومكِ؟)

نزعت حذائها بخفة تقول:
(الحمد لله كان جيدا...)

اومأت لها "حنان" ثم قالت بتشجيع:
(إن شاء الله ستمر هذه السنة و تتخرجين منها بدرجات عالية...)

بادلتها بسمة شاكرة حتى سمعتها تقول مجددا:
(هيا للأعلى بدلي ملابسكِ لنضع الغداء...)

هذه هي الجملة المنشودة التي تبحث عنها منذ خرجت من باب المدرسة... جائعة جدا و أنفها أصبح لا يعمل هنا... ربما من كثرة الجوع أو لاختلاف روائح الطعام... فأنفها شديد الحساسية من جهة الطعام... تذكرت "كريمة" و مناكفتها لها بعد عودتها من المدرسة... ابتسمت بحزن تتساءل بدهشة من موقف أهلها ...هل نسوها هنا؟!... لماذا لم يتصل بها أحد حتى الآن؟!... أم أنهم تخلصوا منها بعدما نجحت الصفقة؟!...

افاقت على صوته الذي سحبها بقوة من عالم تفكيرها الخاص... متى جاء؟!... هل شردت كل هذا الوقت أمام باب البيت؟!!...
(هل ستفسحين ليّ مجالا أم ماذا؟!...)


نظرت له بهيئته المرهقة بعد يوم طويل... يبدو مثلها تماما متعب و مستنزف القوى!... افسحت لها جانبا يمر به دون كلمة... نزع حذائه تحت انظارها المراقبة ثم اعتدل يقول بهدوء دون أن ينظر لها:
(متى وصلتي؟)

انتبهت لسؤاله فقالت:
(اعتقد من لحظات فقط...)

عقد حاجبيه ثم نظر لها بتشكيك فقال:
(تعتقدين!!!)

اومأت له ثم قالت بينما تتجه مسرعة للأعلى:
(عليّ تبديل ملابسي استعدادا للغداء...)


بعد قليل على السفرة...
قد بدلا ملابسهما بملابس البيت المريحة و اجتمعوا بدون "مصطفى" هذه المرة على المائدة... قالت "سوزان" لحماتها بتعجب:
(لا أعرف هل تتحقق كل الأحلام أم هي مجرد صدفة؟!)

حدقت بها "دلال" فقالت برزانة:
(لا تقلقي الله كريم... ربما هي أضغاث أحلام)

تابعتهما "رُبى" بتدقيق علّها تفهم ما يحدث... مالت عليه جوارها تقول بهمس جعلها كطالبة متلصصة على مدرسها:
(ماذا تقول والدتك؟!)

مال بجانبه هو أيضا بعدما شعر بمرح ليجاري ما تفعله فقال بهمس مشابه لها:
(خطيبة أخي حلمت حلم سيء بشأنه و كانت حالتها سيئة في الصباح خوفا من الحلم...)

مالت إليه مجددا تقول بتأكيد:
(لا يجب أن تقص الحلم على أحد... كما أنه ليس من الضرورة أن تتحقق الأحلام)

عاد ليميل تجاهها يهمس بمرح يشعره في نفسه:
(هي تحب أخي جدا و متعلقة به لذا فإن رد فعلها طبيعي...)

عقدت حاجبيها بعدم فهم و زمت شفتيها بتفكير... مالت إليه تقول بتعجب:
(هل حقا يدفعنا الحب للشعور بالطرف الآخر بهذا الشكل؟!...)

صمت غير قادر على الإجابة... هل الحب يجعلنا نستشعر وجود الحبيب حتى لو لم يكن هنا؟!... هو لم يجرب الحب من قبل !... نعم مر بتجارب ككل الشباب في سن المراهقة لكنه كان حب مراهقة أي فترة عابرة من حياته... لكن الحب الذي تسأل عنه الصغيرة لم يجربه... يبدو أن صمته طال فسمعها تقول بحرج بالغ:
(آسفة لو تدخلت أكثر مما يجب.. )

حينما حاول أن يزيح عنها الحرج جاءت "حنان" لتضع الطعام فوق السفرة و تمنعه من الحديث... اتسعت عينا "رُبى" بقوة و تراقصت بها القلوب الحمراء حينما لمحت الطعام... إنه ورق العنب اللذيذ... لم يختلف حال "أحمد" عنها كثيرا حالما لمح الطعام... اليوم هو يوم سعيد جدا بالنسبة له...

صدح صوتهما في نفس اللحظة مما جعل الثلاث سيدات المتبقيات ينظرن لهما بدهشة...
(أريد الليمون...)

(أريد ليمونا ...)

التفت لها يقول باستفهام:
(هل تحبين ورق العنب؟...)

هزت رأسها بقوة وقالت بشغف طفولي:
(أعشقه...)

غامت عيناه بحنان و شعر برغبة في مد كفه يمسح به فوق رأسها ...لكنه اكتفى بنظرة طويلة لعينيها الشغوفة ثم عاد ليقول ل "حنان"...
(من فضلكِ يا "حنان" هاتِ الليمون لها و ليّ...)

تدخلت والدته تسألها بتعجب:
(هل تعصرين الليمون فوق محشو ورق العنب كما يفعل "أحمد"؟!... لا أصدق كيف تتذوقان طعمه مع الكثير من الحامض؟!)

أسرعت تجيب عليها بسرعة مستفيضة في الشرح:
(بالعكس تماما... محشو ورق العنب لاذع قليلا حينما نعصر عليه الليمون يمتزج اللاذع مع الحامض ليعطي احساس بالروعة داخل الفم... فقط جربي هذه الطريقة و لن تتخلي عنها...)

ضحكت "دلال" بصوتها المرتعش تقول:
(يا صغيرة تملكين روحا مرحة...)

تعجبت من نظراتهم لها فمالت عليه مجددا تسأله بعدم فهم:
(هل اخطأت في شيء؟!)

مال يجيبها بهمس:
(لا لكنهم يتعجبون من حبي لهذه الطريقة في تناول محشو ورق العنب...لذا ربما أصابتهما الدهشة من وجود من يفعلها مثلي)

اتسعت عيناها تقول بتأييد:
(أنها طريقة رائعة ... أنا أتفهمك جيدا )


رفع شوكته يحمل بعض أصابع المحشو يضعها في طبقها لتبدأ في تناول الطعام...
ساد جو من المرح الصامت بينهم... مختلف بالطبع عن وجود أخيه الصغير الذي ينشر البسمة و السعادة في كل وقت... لكن الجو الآن كان دافئا و رائعا بطريقة كبيرة...


بعد ساعات في غرفتها...
سمعت طرق على الباب فتوجهت تفتح الباب ليطل منه وجه "حنان" ... ابتسمت لها تقول بتساؤل:
(هل تريدين شيئا يا "حنان"؟)

زفرت "حنان" بشكل ملحوظ ثم نظرت لها بتعاطف تقول:
(تعالِ في الأسفل... والدتكِ تنتظركِ...)


غصة مريرة وقفت في حلقها بعدما عاد عقلها ليبرز أخر مشاهد عاشتها في بيت والدها... غامت عيناها بدموع حبيسة بقوة داخل مقلتيها... لسان حالها لا يتوقف عن السؤال ...

(هل حان وقت المواجهة بينها وبين والديها؟!)

(هل كانت تعرف والدتها عن مخطط والدها؟!)

شعور صعب باليتم تشعره لأول مرة... يتيمة و والداها على قيد الحياة!... نظرت للمربية بأعين مشتعلة و في نيتها شيء واحد فقط...ستثور من أجل الثأر لحياتها الماضية التي سلبوها منها عنوة... ستحرق الأخضر و اليابس و لا يهم ما سيحدث فيما بعد!...


أنتهى الفصل....
نُجدد اللقاء بعد نصف ساعة مع الفصل الثامن...
قراءة ممتعة....

noor elhuda and Jayb like this.

AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-10-19, 12:14 AM   #142

AyaYoussef

? العضوٌ??? » 451458
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 12
?  نُقآطِيْ » AyaYoussef is on a distinguished road
افتراضي

الله الله فصلين في نفس اليوم 😍😍😍
حلو عشان ده خلص منى بسرعة 😂😂
متألقة كالعادة حبيبتي ❤


AyaYoussef غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-10-19, 12:22 AM   #143

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الثامن

الفصل الثامن

زفرت هذا النفس المثخن بجراح الروح النازفة... تقبضت يدها الصغيرة بقوة و هي واقفة أمام باب غرفة الصالون المتواجدة بها والدتها... أغمضت عينيها و شعور بالألم ينسف قصور قوتها النفسية... بعد فترة ليست بقليل فتحتهما و قد التمع بهما شيء من حب الثأر... لا تعرف كيف ستفعلها و كيف ستنقلب على قلعتها الحصينة و التي احتمت بها دهرا من مصائب الزمن... أمها!...

أمسكت مقبض الباب و سرت رعشة في جسدها و لكنها تحاملت عليها لتفتحه بأعين تائهة رغم وصولها للبر... رغم رؤيتها لوالدتها التي هبت واقفة تبتسم لها بكل حنان تواجد في العالم... فاضت الحسرة من عينيها و لسان حالها يصرخ عاليا بسؤال يهشم روحها...
(لماذا فعلتم ما فعلتم بيّ؟!...)


وقفت "رباب" بأنفاس متسارعة و هي تراقب صغيرتها التي فقدتها قبل أيام للأبد... هاتان العينان البنيتان اللتان زارتا منامها في ليالٍ مضت... هذا الوجه الأبيض الناعم المشع برونق خاص تعشقه بها... هذا الشعر الطويل الأسود الذي مشطته لها مرار من قبل... هذه هي طفلتها الصغيرة التي أراد القدر أن يبعدها عنها قبل أن تُشبع أمومتها منها... تحركت و عيناها لا تزال ترمق صغيرتها بلهفة بادية على محياها... أزاحت كومة الأكياس الورقية الكثيرة التي جلبتها كهدية لأول زيارة لبيت ابنتها...لبيت العروس!...

في خطوات قليلة تفصل بين حنين أم و شوقها و بين جراح قلب ابنة و ألمها... خطوات تزينت بالورود تحت أقدام "رباب" و انغرست بالأشواك تحت أقدام "رُبى"... نفس المسافة الفاصلة و لكن شتان بين أقدامهما... هناك في قلبيهما فراغ تشعره كلتاهما رغم اختلاف كنهه!....


في غمضة عين سكنت أحضان والدتها المشتاقة... بين نفس الضلوع الحامية عادت لوطنها... لكن ما باله الوطن أصبح خراب و أرضه بور لا تصلح للعيش!...
("رُبى" صغيرتي... كيف حالكِ حبيبتي؟ ، طمئنيني...)

انعمت "رباب" أنفها بشم صغيرتها ... دفنت وجهها في رقبتها تتحسس كل نبض صادر منها لتُطمئن قلبها الملتاع عليها... آه كُتمت في صدرها كي لا تفزع صغيرتها من شعورها بالفقد... لكنها توقفت بعدما ادركت أن ابنتها صامتة بين أحضانها... حتى أنها لم تكلف نفسها لترفع ذراعيها تحيط بهما والدتها... ابتعدت "رباب" للخلف بحذر تراقب وجه ابنتها بترقب... التقت عيناهما و كم كانت عينا ابنتها جامدتين جمود أفزعها!... همست "رُبى" بصوت بارد لا حياة به:
(تأخرتِ كثيرا...)

التمعت الدموع في عيني والدتها... رفعت كفها تمسح فوق وجه ابنتها بحنان فقالت:
(آسفة حبيبتي... لو تعرفين ما حدث لعذرتي غيبتي... زوجة خالكِ مريضة و تحتاج إلى عملية جراحية لذا كان علينا الاطمئنان عليها )

انزوى فم "رُبى" للجانب لتتشكل بسمة صغيرة ساخرة عليه... تعمقت في عيني والدتها لتقول بصوت جامد:
(هذه ليست من شمات رجال الأعمال ... أن تترك البضاعة بعد البيع دون أن تعرف رأي المشتري بها!!)

عقدت "رباب" حاجبيها و التعجب يستولي على ملامحها بالكامل... قالت بتساؤل :
(أي بضاعة ؟... ماذا تقولين يا "رُبى"؟...)

خرج "أحمد" من غرفة المكتب بالطابق الأرضي متجها حيث غرفة أخيه... لكنه توقف حالما لمح ضوء غرفة الصالون فتقدم منها ليعرف من بها ... في طريقه إلى هناك صدح صوت رنين هاتفه فأخرجه ليجد أخاه هو المتصل... أكمل خطواته بينما يفتح الخط و يرفع الهاتف فوق أذنه... جاءه صوت "مصطفى" المتوتر يقول:
("أحمد" هل اتصل بك "هاشم الحسيني"؟!)

توقف للحظات يستمع له فقال بتريث:
(لا لم يفعل... ألم اوكلك الاتصال به بدلاً منيّ؟)

أسرع "مصطفى" يقول بصوت بدا مترقبا:
(نعم لقد فعلت و أخبرني هو أن زوجته تريد زيارة ابنتهما... لذا هل اتصل أحد منهم يؤكد الزيارة؟)

انقبضت يد "أحمد" فوق الهاتف و هو يتخيل شكل "رُبى" بعد رؤية أيًا منهما... أجاب أخاه بينما عيناه لا تترك غرفة الصالون :
(لا لم يفعل... متى اتصلت به؟)

جاء صوت أخيه يقول بتأكيد:
(قبل ساعتين... "أحمد" أنا متأكد من نية والدتها للزيارة اليوم ، فحديث "هاشم" كان مؤكدا لهذا!)

تقدم "أحمد" من باب غرفة الصالون ليستمع إلى صوتها الغريب عليه... صوت جامد لا روح به ، لا يعرف هل من خلاله تشكو حالها أم تقتل به من يقف أمامها.... أسرع يجيب على أخيه:
( يبدو أنها هنا بالفعل... يجب أن أغلق الخط الآن)

وصل صوت أخيه يقول برفق:
(حسنا... كن جوارها أخي الفتاة صغيرة على مثل هذه المواجهة)

غمغم "أحمد" ببعض الكلمات المؤيدة ثم أغلق الخط و وقف يستمع لصوت والدتها الذي بدا مصدوما لحد كبير ....

( حبيبتي ماذا تقولين؟... أي بضاعة هذه التي تتحدثين عنها؟)

نظرة عين "رُبى" كانت نارية رغم سكون مقلتيها بهدوء جليدي... رفعت كفها الصغير تؤشر به على نفسها ببسمة ساخرة مريرة تقول بصوت ميت:
(أنا يا أمي... أنا البضاعة التي باعها أبي)

اتسعت عينا "رباب" بذهول فتقدمت منها تمسكها من ذراعها تقول بترقب:
(ألا زلتِ حزينة على سرعة زواجكِ؟... تعرفين العريس طلبكِ من والدكِ و كان متعجل قليلاً... طمئنيني كيف حالكِ هنا ؟... هل يعاملونكِ بطريقة جيدة؟... كيف حال حماتكِ معكِ و أخوته أيضا؟... هل تأكلين جيداً ؟... أنتِ مرتاحة هنا أليس كذلك؟...)



فلتت ضحكة عصبية من فم "رُبى" لتبرز كم التوتر العصبي الذي تكبحه بداخلها... نظرت لوالدتها بدموع ترقرقت أخيرا في عينيها فقالت:
(سرعة زواجي!!... العريس متلهفا عليّ!!...)

تحركت من أمام والدتها لتقف جوارها تقول بصوت باكٍ:
(ماذا لو أخبرتكِ يا أمي أن زواجي كان إجباريا على العريس نفسه؟... ماذا ايضا لو عرفتي أنه لا يعرفني من الاساس كي يطلبني للزواج؟... هل سيرتاح بالكِ عندما أقول لكِ أنه تم رفضي في ليلتي الأولى هنا ... ما جئتِ لأجل الاطمئنان عليه لم يحدث يا أمي... )

وقفت تكبح هذه الدمعات الساخنة بقوة لتكمل:
(ماذا كان سؤالكِ الثالث ، آه تذكرت هل يعاملوني جيداً... تعرفين بقيت أول يوم في غرفة لم أعرفها بين جدران غريبة عليّ وحيدة ... بقيت وحيدة يا أمي لم يسأل عني أحد... لم أتناول الطعام ليومين متواصلين يا أمي... هل أرتاح قلبكِ على ابنتكِ العروس الآن؟...)

على الرغم من أنه عاش معها ما تقصه... لكنه آلمه أن يسمعه منها و بهذه النبرة تحديدا... صوتها الباكي المختنق يشعل به رغبة في التحطيم... تكورت يده و نفرت عروقه بصورة ملحوظة... نزعة الحماية الخاصة بها بداخله تشعل الرغبة فيه بأن يعربد و يكسر كل شيء يؤلمها... وصله صوت والدتها المرتعش تقول:
(ماذا... ماذا تقصدين؟... ألم يطلبكِ العريس من والدكِ؟... ماذا حدث أنا لا أفهم!)

تنهدت "رُبى" بألم يعتصر فؤادها... نظرت لهيئة أمها التي بدت كخرقة بالية غير قادرة على امتصاص أكثر من هذا صدمات... قالت بصوت خافت مصمم:
(يبدو أنكِ لا تعلمين أيضا ، فأبي حينما يقرر شيئا لا يثنيه عن تحقيقه سوى الموت... عودي يا أمي
إليه أخبريه أن البيت الذي فرضني عليه تفضل عليّ كرما بأن أبقى بينهم... يعاملونني معاملة جيدة رغم احتوائها على شفقة تعصف بكرامتي... و من تم إجباره عليّ حمدا لله فهو رجل طيب القلب...)

سحبت نفسا عميقا لتقول بتأثر موجوع:
(لكن دعيه يفكر و لو لمرة واحدة فقط... ماذا سيصبح مصيري لو قرر الرجل الذي فرضني عليه أن ينتقم منه فيّ؟!... كيف سيكون حاله لو عرف أنني اُعامل هنا بطريقة سيئة؟... هل سينام قرير العين لو جئتِ اليوم لتجديني أصارع لنيل العيش في بيت لا يطيقني به فردا واحدا؟...)

ارتمت "رباب" فوق الكرسي بدموع سائلة دون شعور وجسد متراخٍ لحد الهشاشة... ماذا يحدث و ماذا تقول صغيرتها؟... إنها تعيش في كابوس غزل خيوطه زوجها!!... "هاشم" لماذا دفعت بابنتك داخل هوة سوداء تسرق روحها؟!...


حال والدتها أشعرها بالعجز و الحزن... والدتها لا تعرف و هذا ما شكت به... مستحيل أن ترميها في وضع كهذا... لكن تسليمها لكل شيء يفعله والدها أودى بحياتها للهلاك... مسحت دموعها بقسوة ثم نظرت لها طويلا لتقول بصوت بدا هادئا عن قبل:
(آسفة أمي لكني لا أستطيع أن أُضيفكِ في بيت يستضيفني... بعد أذنكِ)

فتحت الباب بسرعة لتخرج منه إلى الغرفة الممنوحة لها... كل ما تحتاجه هو البقاء بمفردها و ربما ترك العنان لهذه الدموع كي تتحرر... وقفت قليلا لتعيد نظرها حيث والدتها التي لم تتحرك قيد أنملة من شدة الصدمة... آلمها قلبها بقوة عليها لكن ماذا تفعل؟... هل تكذب و تزور الحقائق كي تسعد قلبها؟!... و ماذا عن وجعها هي و شعورها بالذل هنا رغم حسن معاملة الجميع لها!!... قبضت على يديها بقوة ثم فلت منها صوت ممزق يعبر عن خوائها ... كتمته سريعا و أسرعت إلى غرفتها دون أن تبصر هذا الذي يراقب كل ما يحدث من مكانه جوار الغرفة....

قلبه يشفق عليها بطريقة تجعله ينبض بصورة مؤلمة... ما ذنبها أن تعيش ما تعيشه في سن من المفترض أن تتنعم فيه بحب الحياة؟!... وزع نظراته بينها و بين والدتها بقلة حيلة ... لا يعرف ماذا عليه أن يفعل ...

وصله صوت والدته الذي جاء متفاجأ بشدة:
(ماذا حدث يا "أحمد"؟!... صوت "رُبى" كان عالياً! ... هل ساء الأمر بينهما؟!)

اومأ لها رأسه بصمت أثقل عزمه... أمسك يدها يقول برجاء:
(أدخلي لها أمي رجاء... تبدو مصدومة بشكل كبير)

ربتت فوق كفه ثم تنفست ببطء استعدادا للموقف... فتحت الباب بتأني لتظهر لها سيدة تبدو أقل منها في العمر قليلا... تحمل نفس ملامح ابنتها بطريقة عجيبة... لكن الصدمة التي احتلت خلايا جسدها و تركتها متخشبة فوق كرسيها زادت من وهن ملامحها الكثير... تنحنحت بحرج مما جعلها ترفع بصرها التائه إليها... لمست صورتها هذه شغاف قلب "سوزان" فأسرعت تبتسم بترحيب غير لائق بالموقف تقول:
(مساء الخير انارتي بيتنا... عذرا على التأخير لكنني أردت ترك مساحة من الخصوصية لكِ و لابنتكِ)

ابتلعت "رباب" ريقها بصعوبة ثم استندت بضعف على الكرسي لتعتدل واقفة أمامها... عيناها المصدومة و رعشة جسدها الطفيفة و هذه الدموع الكثيفة في عينيها أكدوا ل "سوزان" أنها تحارب لتبقى قوية في موقف كهذا... همهمت ببعض الكلمات و التي التقطت منها "سوزان" سؤال واحد...
(هل ما قالته ابنتي صحيح؟!)

تنهدت ببطء ثم وزعت أنظارها في كل مكان تفكر في كلمات لا تجرح كرامتها وهي في بيتها...
(اسمعي سيدتي ما دار بينكِ و بين ابنتكِ هو الحقيقة للأسف... لكن ما حدث حدث و أنتهى الأمر...لا نملك سوى مسايرة الأحداث حتى يأذن الله بحدوث الجديد)

فلتت شهقة بكاء من "رباب" لم تستطع كبحها أكثر... توترت ملامح "سوزان" فأسرعت تسندها بحزن على حالها تقول:
(تماسكي رجاء... ابنتكِ قوية و تقبلت الموقف و صدقيني تحاول التعايش معنا هنا...)

جلست فوق الكرسي من جديد تبكي على حال صغيرتها... فجأة قبضت على يد "سوزان" بقوة و همست برجاءٍ باكٍ:
(أرجوكِ ابنتي لم تكن تعلم شيئا عن هذا كله... لقد أجبرناها على الزواج عنوة... رجاء تعاملوا معها بلطفٍ حتى أجد حلاً يخرجنا من هذه الفوضى... أتوسل لخالقكِ عاملوها بطريقة جيدة فهي....)

انخرطت في بكاء عالي مما جعل "سوزان" تشد على كفها بتضامن قائلة:
(لا توصيني فهي في مثابة ابنتي التي لم أنجبها أقسم لكِ... ابنتكِ في بيتها الثاني و هذا شيء أكيد)

كان يستمع لهما من خارج الغرفة... واقفا وسط نارين أولهما الصعود لها لمعرفة كيف حالها... و الثانية الدخول لهذه السيدة التي أصبحت حالتها سيئة بما عرفت... لعن بكل ما يعرفه في قاموسه من شتائم هذا الرجل الذي سعى لنيل مكاسب مادية و تناسى أن المكسب الحقيقي في أسرته و حمايتها... حسم أمره بأن يدخل لها يطيب خاطرها ببعض الكلمات المواسية..
لأنه ببساطة غير قادر على رؤية الصغيرة في وضع صعب كهذا متأكد من حالتها الحرجة فيه...

توقفت يده عند مقبض الباب بعدما فتحته والدته لتطل منه و معها والدة الصغيرة... هيئتها المزرية أشعرته بفداحة ما فعله بعد موافقته على الزواج... ليس لكونه ضحية هو ايضا أنه غير مذنب ... بل هو مذنب بأنه سار مع التيار دون سؤال إلى أين ستنتهى رحلته!... تصلبت عضلاته حينما رفعت عينيها إليه بكل هذه الدموع لتقول بصوت مس رجولته بقوة:
(أرجوك بني كن رؤوفا بها ... ابنتي لم تكن تعرف اقسم لك...)

تقبضت يده و قد جز على اسنانه بشدة ليقول بوعد رجولي:
(لا تخافي هي معي بأمان...)

غمغمت بصوت خافت فلم يلتقط سوى بعض كلمات أغلبها يسأله حسن معاملة الصغيرة... قبل أن تودع والدته عادت تنظر إليه مجددا ... ربما هي نظرة تقييمية من حماة و لكنها شملت التوسل الذي تحثه فيه... أمسكت يده بين كفيها النحيلتين لتقول بخفوت باكٍ:
(ابنتي أمانة لديك فلا تؤذها حتى يحين موعد إصلاح كل هذا...)

الصغيرة أمانة... هذا ما كان يشعره من البداية... أمانة بنية العينين ناعمة الرائحة و الهيئة... اومأ لها بشرود مؤكدا...
بعدما أوصلتها والدته حيث السيارة المنتظرة لها في الخارج... عادت تضرب كف بكف تقول بعدم تصديق:
(هذا الرجل لا يُعقل... هل من أجل السيطرة على السوق يفعل ما فعل بعائلته؟!... و المصيبة أن حديث زوجته يؤكد اقتناعه بأن ما حدث هو مصلحتهم!...)

أدخل "أحمد" كفيه في جيبي سرواله القطني ليقول بغضب مشتعل في مقلتيه:
(فقط لو تُتاح ليّ فرصة لقياه)

تحولت ملامح والدته بشكل مفاجئ لتقول بصوت حازم :
(لا مقابلة بينك وبينه على الأقل حتى تهدأ النفوس... أنا لا أضمن إلى أي حد سيصل غضبك و هذا سيؤذيك جدا)

زفر بقوة نيران ألهبت صدره المتألم... صورتها وهي تهرول فوق درجات السلم قبل قليل تستحوذ على عقله بشدة... همس لوالدته :
(رجاء لا تتركيها بمفردها الليلة ... حاولي التحدث معها)

نظرت حيث ينظر لأعلى السلم ثم قالت بهدوء:
(جدتك تريدها في غرفتها... منذ عرفت بقدوم والدتها سألت "حنان" أن تخبر "رُبى" بضرورة النزول لها الليلة)


شعور بالراحة تخلل لروحه ليُسّكن هذا الذنب... جدته الوحيدة القادرة على مساعدتها... يعرفها جيدا لديها أساليب خاصة لاستخلاص الألم من خبايا الروح و رميه لأبعد عمق اسود في النفس... عمق يجعلك تنسى من أي شيء كنت حزين... ربما هو سحر تؤديه جدته أو هي خبرة السنين التي عاشتها... لا يعرف لكن المهم أنها الشخص المناسب للصغيرة في هذا الوقت....

..........................................

لأ مش أنا اللي ابكي... و لا أنا اللي اشكي
لو جار عليا هواك...
و مش أنا اللي أجري... و أقول عشان خاطري
و ليا حق معاك.....
تبقى أنت هاجرني... و انت اللي ظالمني
و فاكرني حترجاك...
أنا قولتها كلمة... و كل شيء قسمة
و دي قسمتي وياك...

من قال أن الأغاني مجرد كلمات لها نفس الوزن و القافية... من يجرؤ على القول بأن الألحان مجرد ضرب فوق آلة موسيقية لتخرج صوت... بل الأغاني هي حديث النفس الخفي... و الألحان هي صوت آهاتها المستورة... بعدما فتحت باب غرفة الجدة استقبلتها هذه الأغنية... التي جاءت لتربت فوق جرحها بحنان و تجعلها تشد عودها في وجه الحياة... من يستحق البكاء عليه و من يستحق الرجاء ... لا أحد و هذا درس تعلمته في أيام ماضية... فقط أيام تستطيع عدها فوق أصابع يدها الرقيقة... لكنها كانت كفيلة لطمر كل ما هو مُضيء بداخلها و استبداله بالظلام...

أجفلت من شرودها على صوت الجدة الباسم... دخلت بعدما أشرت لها "دلال" ... وقفت قبالتها لتمسح الجدة فوق وجهها الصغير بحنو تقول:
(لا أستطيع النوم الآن... فأخبرت نفسي أن اتشارك معكِ سماع أغاني الزمن الجميل... ما رأيكِ في هذه الأغنية؟)

شمخت "رُبى" برأسها و كأن كلمات الأغنية المترددة تقويها... قالت ببسمة صغيرة:
(رائعة جدا...)

سحبتها "دلال" لتجلس معها فوق سريرها الكبير... أسندت عكازها جوار الطاولة الصغيرة ثم عادت تنظر لها ببسمة حانية قائلة:
(أتعرفين من يغني هذه الأغنية؟...)

اومأت "رُبى" بنفس البسمة الصغيرة تقول بخفوت:
(أنه "عبد الوهاب"... )

ضحكت الجدة بخفوت تقول بنبرة مشاغبة تشبه حفيدها الصغير:
(جيد يا صغيرة... أخبريني أي أغنية تحبينها له؟)

انتقلت ضحكة الجدة لا إراديا لها فقالت :
(أحب أغنية «هان الود»...)

ارتفع حاجب "دلال" بإعجاب فقالت:
(اختيار عظيم... لكن هل تفهمين معانيها في هذا السن؟)

اعتدلت "رُبى" في جلستها لتصبح داخل السرير تضع ساق داخل الأخرى فقالت:
(أنا لست صغيرة للحد الذي يجعلني أجهل معاني اللغة العربية... نحن ندرس الشعر و النثر و حتى أدب الجاهلية الذي يُعد من أصعب ما طرأ علينا يوماً...)

ضحكت "دلال" بصورة أكبر مما سبقتها... فزادت التعرجات المحيطة حول عينيها... بعدما هدأت قالت بصوت حنون:
(أعرف أعرف ... لكني لا أسأل عن فهم المعاني ، أنا أسأل عن فهم مضمون الأغنية... هناك أغاني تجعل روحكِ تهفو في عالم خيالي و ترسم ما بداخلكِ دون عناء منكِ لإيضاح الصورة... و هناك أغاني تؤازركِ في مصيبة ما ، و هناك ما يزيد حماسكِ ... الموضوع كله يكمن في مضمون و مشاعر الأغنية...)

اومأت لها "رُبى" و قد لمعت عيناها بقوة تستمع بكل جوارحها لحديث الجدة... همست بانشداه:
(هل أعترف لكِ بسر؟..)

قالت "دلال" بصوت مشجع:
(بالتأكيد... فأنا حاملة أسرار كل أفراد هذا البيت)

نظرت لها "رُبى" في عينيها التي حاوطها اللون الرمادي رغم كونها بعيدة كل البعد عنه... شعرها الأشيب الذي تراه كسلاسل فضية تزين الرأس... و استقرت عيناها على خطوط كفها المتعرج لتقول بصراحة طفولية:
(أنا أحب العجائز جدا... أحب النظر لكم و التمتع بحديثكم... أن أجلس معكِ الآن و نتبادل الحديث لهو شيء رائع بل أكثر من رائع...)

ابتسمت "دلال" على حديثها ثم مسحت فوق وجهها تقول:
(العجز ما هو سوى علامات ترتسم على جسد المرء لتوضح لنا كم التجارب التي خاضها... هكذا هي الدنيا ضعف ثم قوة و بعدها نعود للضعف مجددا... يخلقنا الله كائنات صغيرة ضعيفة تحتاج للحماية متساويين في طلبها ...و بعدها يشتد عودنا لنسير في الأرض بكل قوة و خيلاء بالنفس... فيكون منا الصالح و منا الطالح و بعدها نعود متساويين في الضعف مجددا... حكمة الله في خلقه و نحن آياته على الأرض التي يتعظ منها الجيل القادم...)

أمسكت يدها بين كفيها المرتعش لتقول بنبرة ذات مغزى:
(صراعات المرء في الدنيا تكون لهدف... أيًا كانت نيته فهو يسعى لتحقيقه... ربما حينما نرى المرء يسعى لشيء معين و في سبيل تحقيقه يدفع كل ما هو غالي ، نعتقد أنه شخص ظالم و جاهل حينما يضحي بما يملك من أجل ما لا يملك... لكن الحقيقة أنه سعى و حقق انجازه الذي يفتخر به طوال الوقت... ما يظهر لنا من الأمور يختلف تماما عن بواطنها يا صغيرة...)

تنهدت بضيق بعدما فهمت ما ترمي إليه الجدة... و قبل أن تشرد للبعيد سمعت صوت الجدة المرح تقول:
(ما رأيكِ أن تري الماضي من بلورتي السحرية؟..)


عقدت حاجبيها بتعجب و قد ارتسم الحماس فوق وجهها لتقول بترقب:
(هل تتحدثين بجدية؟...)
اومأت الجدة لها ثم قالت :
(أترين هذا الدولاب الخشبي القديم الذي لم يتغير منذ زمن بعيد... هو دولاب زواجي قبل ستين سنة... اذهبي إليه و افتحيه ستجدين صندوقا خشبيا مزين بنقشات أفرع الشجر الذهبية ... هاتِه و تعالِ)

أسرعت حيث الدولاب بحماس قد ظنت أنها فقدته بعد كل ما عاشته مؤخرا... وصلت للصندوق و التي اعترفت لنفسها بجماله و اتقان صناعته... وضعته بينها وبين الجدة فوق السرير ثم لمعت عيناها بقوة تأهبا لما سيحدث...

اتسعت بسمة "دلال" تقول بحماس مماثل لها:
(مستعدة يا صغيرة لجولة في الماضي؟...)


هزت رأسها بسرعة و ارتسمت بسمة سعيدة فوق وجهها... فتحت الجدة الصندوق لتخرج منه مُجلد صور قديم جدا... مسحت من عليه ذرات الغبار ثم فتحته لتنظر فيه بحنين دمعت لأجله عيناها... عكسته ليستقر أمام "رُبى" التي تابعت أصبع الجدة المؤشر على شابة شديدة الجمال رغم أن الصورة أبيض وأسود... أنيقة بشكل يسلب العقول ، مرتدية فستان زفاف راقي دون تكليف... عادت ببصرها المتسائل للجدة فضحكت "دلال" تقول :
(هذه الشابة هي العجوز التي أمامكِ... ما رأيكِ بيّ عندما عدنا للماضي؟)

فتحت "رُبى" فمها دون تصديق... هل هذه الفاتنة ذات الجمال الكلاسيكي هي الجدة؟!... هزت رأسها أكثر من مرة لتقول بصوتٍ مشدوهٍ:
(لا أصدق... تبدين جميلة جدا )

ضحكت الجدة على هيئة الصغيرة... فقالت بينما تسحب صورة اخرى:
(الزمن لا يحترم أحد يا صغيرة... هذا هو زوجي رحمه الله "إبراهيم"...)

تطلعت في صورة الرجل الذي بدا وسيما بشكل كبير... ما بال هؤلاء الناس في هذا الزمن؟... كانوا يمتلكون كل ما هو جميل... استمر الوضع لفترة طويلة لم تشعر بها أيًا منهما ... فقد غاصتا في رحلة للماضي البعيد جدا بالنسبة ل "رُبى"... و اخيرا أنتهى مُجلد الصور لتدخل الجدة في الثاني و هو لأبنها و احفادها....

سحبت الجدة صورة تطلعت لها طويلا ثم قبّلتها بشوق تقول:
(هذا ابني "علي" رحمه الله...)

لمعت عينا "رُبى" تأثرا فكم هو صعب أن يموت الابناء في حياة الآباء... امسكت الصورة لتتطلع لنسخة قديمة من ابنه الكبير و ابنه الصغير معا... عرضت الجدة عدة صور له في كل مراحل حياته... هذه الجدة شديدة النظام و الحرص على مقتنيات الماضي التي تصلنا بالغائبين عنا... وصلت ليدها هذه الصورة التي جعلتها تتعجب بشكل كبير...

"علي" يرتدي حلة العرس و جواره عروسه التي كانت سبب التعجب و الحيرة... إنها سيدة أخرى غير "سوزان"... هل كان متزوج قبلها مثلا؟!... بلعت فضولها بكأس من ماء حينما لمحت صورته هو بين الصور الكثيرة المتناثرة فوق السرير... كانت مخفية تحت أكثر من صورة لم يظهر منها سوى عينيه... و التي أوضحت لها انه كان في سن صغير... توقفت يدها الراغبة بشدة في سحب هذه الصورة تحديدا لأكثر من مرة بسبب تقديم صور أخرى لها من الجدة... معظمها كانت صور "مصطفى" و هو صغير... مرة في حمام السباحة و اخرى فوق حصان ما ... بدا مرحا مشاغبا و وسيما كما هو الآن... صبرها نفذ فنفضت كل ما بيدها و انتهزت فرصة انشغال الجدة ببعض الصور... مدت يدها بحذر حيث صورته و سحبتها...

اتسعت عيناها بقوة و هي تراه في سن المراهقة تقريبا... دون لحيته الخفيفة ، دون جمود ملامحه المعتاد ... يبتسم بمليء فمه حتى أن اسنانه البيضاء الناصعة ظاهرة في الصورة... و ما هذا أيضا... هل يمتلك واحدة منها؟!... صوت عقلها خرج مشدوها لتقول بنبرة عالية:
(هل يمتلك غمازة وجه... لا أصدق!!!!)

سحبت "دلال" منها الصورة لتعرف عمن تتحدث... بعدها ابتسمت بحنين تقول:
(نعم "أحمد" يمتلك واحدة على خده الأيمن...)

عقدت "رُبى" حاجبيها بدهشة تقول:
(لكنني لم أرها من قبل!!)

وضعت الجدة الصورة داخل كومة صور بين يدها ثم قالت:
(لأنه لم يعد يضحك كالماضي...)

رفعت حاجبها باستنكار فقالت:
(لكنه يبتسم و لم أرى شيء!...)

قالت الجدة بصوت حزين:
(هي تظهر فقط عندما يضحك من أعماق روحه... هذه الضحكة التي أثقلتها الهموم فحبستها في قرارة نفسه و لم تسمح لها بالطفو مجددا...)

تبدلت ملامح وجهها للحزن الذي جهلت مصدره... ربما هو تعاطف مع هذا الحزن في عيني الجدة... سمعتها تقول بصوت ناعس:
(هيا يا صغيرة لغرفتكِ لقد غلبني النوم ...)



ابتسمت لها "رُبى" بسعادة و اعتدلت من فوق السرير... ترددت لمرات و لكنها حسمت أمرها و قبّلت رأس "دلال" تقول:
(تصبحين على خير... جدتي)

اغلقت الباب خلفها دون أن تنظر للجدة حرجا مما فعلت و قالت... ضحكت "دلال" بخفوت تهمس لنفسها بإعجاب:
(هذه الفتاة أعجبتني جدا... جعلها الله سكينةً لك يا "أحمد" )

........................................

خرجت من غرفتها و هناك أكثر من سؤال يلح على عقلها الصغير... اولهم هل والدهما تزوج من قبل؟... و الثاني كيف سترى ضحكته التي تُظهر غمازة وجهه؟!... أم الثالث كيف لها أن تتأقلم بهذه السرعة هنا بل وتنسى ما حدث مع والدتها قبل ساعات؟!... تنهدت بتعب و بعدها لمحت ضوء المطبخ فاتجهت إليه و بداخلها أمنية أن يكون هو هناك!....
(مساء الخير يا "رُبى"... هل تحتاجين لشيء)

صوت "حنان" كسر امنيتها سريعا... ابتسمت لها بعدما هزت رأسها نفيا... كانت على وشك الذهاب و لكنها تراجعت لتجلس أمامها بينما الأخيرة تنهي بعض اعمال المطبخ... تنحنحت "رُبى" تقول بحرج:
(هل يمكنني سؤالكِ عن شيء؟...)

اومأت لها "حنان" بهدوء منتظرة سؤالها... همست "رُبى" بخفوت :
(هل أنتِ هنا منذ زمن؟... أقصد قبل ميلاد أيًا من الأخوين!)

اتسعت بسمة "حنان" و قد أخذها سؤال الصغيرة لسنين مضت و تقلبت فيهم حياتها بين مد و جذر...قالت بصوت مشتاق:
(نعم هنا من قبل زواج سيد "علي" حتى...)

التمعت عيناها عندما طرأت "حنان" لهذا الحديث... قالت بترقب:
(جيد ... لقد كنت في غرفة جدتي أقصد الجدة "دلال"... و رأيت صورة لوالدهما أقصد السيد "علي" ... كانت صورة حفل زفافه و لكن عروسه لم تكن والدتهما أقصد السيدة "سوزان"...)

وضعت "حنان" الكوب من يدها في مكانه ثم التفتت لها تقول بنبرة عادية:
(نعم أنها السيدة "فاتن" زوجته الأولى)

اتسعت عيناها و صدرت شهقة متفاجئة منها لتقول:
(هل كان له زوجة أولى؟... أين هي الآن ؟!...و هل يملك منها اولاد؟... )

جلست "حنان" على الكرسي المقابل لها تقول:
(لقد توفاها الله قبل سنين طويلة... و نعم أنجب منها)

وقفت من فوق كرسيها تقول بدهشة كبيرة:
(هل يملكان أخوة أخرين؟... أين هم إذًا؟)

أجابت "حنان" بصوت هادئ:
(هو ولد واحد فقط... و هو "أحمد"...)

لوهلة شعرت بالغباء... لماذا يكررون الاسم ما دام هناك من يحمله من الأبناء؟!... قالت بترقب مستفهم:
(هل هناك أخ ثالث يحمل نفس الاسم؟!...)

قالت "حنان" بتعجب ضاحك:
(من أين جاء هذا الثالث... أنا أتحدث عن زوجكِ)

ضيقت عينيها بتفكير لتقول:
(زوجي!... تقصدين أن "أحمد" هو نفس "أحمد" الذي توفت والدته؟!..)

اومأت لها "حنان" بوجه هادئ... جلست "رُبى" فوق كرسيها تقول بفضول :
(هلا أخبرتني عن التفاصيل؟...)

تنهدت "حنان" لتحملها الذكريات حيث تسعة و عشرين سنة مضت... فقالت بشرود:
(كنت في عمر الثانية عشر حينما تزوج السيد "علي" من السيدة "فاتن" رحمهما الله... كان زواج مبني على حب كبير... و قد رزقهم الله ب "أحمد" بعد عام واحد من الزواج... لكن أصيبت والدته بحمى النفاس بعد الولادة مباشرة و ماتت بسببها لأن جسدها كان ضعيفا جدا... تركت "أحمد" بعد ايام فقط من ولادته... خيم الحزن على هذا البيت و خصوصا السيد "علي"... و تُرك الصغير في أمانتي لأبقى معه لمدة أشهر حتى ظهرت السيدة "سوزان" في حياة والده... كانت صغيرة في السن و قوية الشخصية كما هي الآن... تعرف عليها السيد "علي" في إحدى جلساته مع شركاء العمل ، اعجب بها و تزوجها بعدما وافقت على وضعه كأرمل بطفل رضيع... بعد الزواج اكتشفوا أنها تعاني من مشاكل في الانجاب مؤقتة و التي دامت لثلاث سنوات... في تلك السنوات تأججت عاطفة الأمومة بداخلها تجاه "أحمد" حتى باتت تعامله كطفلها هي... و بعد فترة حملت في "مصطفى" ليأتي و يتشارك مع أخيه حبها الذي لم يتغير حتى الآن تجاه "أحمد"....)

لا تصدق ما تسمعه!... هذه السيدة ليست أمه الحقيقية ... أخاه ليس شقيقه... هو فقد والدته قبل أن يُبصرها... ما هذا كله الذي يدفع الدموع لتتزاحم في عينيها بكثرة؟!... حاربت رغبتها في البكاء لتقول بصوت مهزوز:
(و ماذا عنكِ أنتِ؟... هل بقيتي هنا لرعايته حتى بعد زواج والده؟!)

ابتسمت "حنان" بسمة راضية تقول:
( رغم أن الفارق العمري بيننا ليس بالكبير لكن شعوري تجاه "أحمد" هو شعور الأم تجاه طفلها... حينما رفضت الزواج بقيت معه لأرعاه...)

جذبت جملتها انتباه "رُبى" فقالت بتساؤل:
(هل رفضتي الزواج من أجله؟...)

هزت رأسها نفيا فقالت:
(ليس صحيحا بالكامل... لكن عندما تقدم ابن عمي للزواج بيّ شرط عليّ أن أعود للبلدة و أعيش هناك... و هذا ما جعلني أرفض لقد ولدت هنا و تربيت في هذا البيت لذا كان صعبا أن اوافق... و بعدها رفضت عريسا يلي الآخر حتى ما عاد في عمري بقية تسمح ليّ بالرفض)

شعرت "رُبى" بغصة مريرة تقف في حلقها... ما تسمعه اليوم يجعلها تريد البكاء... فقط تبكي لتزيح كل هذا!... ربتت فوق كفها فقالت بتعاطف:
(أعتذر لو ذكرتكِ بالماضي...)

ابتسمت "حنان" لها تقول بهدوء:
(لا بأس فالماضي جزء منا و نحن جزء منه لا يقوى أحدنا على سلخ نفسه من ماضيه حتى لو كرهه حد الموت...)

رغبة ملحة بداخلها تود السؤال أكثر عنه لكن هيئة "حنان" تمنعها في الاسترسال بشدة... تبدو متأثرة بهذه العودة بالذاكرة للماضي... على عكس الجدة تماما!... ابتسمت لها بهدوء تقول :
(سأصعد للغرفة ... تصبحين على خير)

بادلتها "حنان" التحية حتى اختفت من المكان... فور بقائها بمفردها فرت دمعة حبيسة من مقلتيها ... مسحتها بحزن تهمس بخفوت:
(تُرى يا "نعمان" هل نسيتني بعد رفضي لك؟... هل كنت فاشلة لدرجة أنني لم أظهر لك مشاعري وقتها يا ابن عمي؟!)

.............................................

ما أصعب أن تحمل أوزارك و تسير مكتوف الأيدي!... تتساقط من فوق كاهلك كحبات مطر امتزجت بأتربة الجو... لتتحول للون أسود يدنس ثوبك الأبيض الذي فُطرت عليه... صعبة أن تعيش لتحسب ما سيحدث غداً... حتى رغم تأكدك أن الغد لرب العالمين... تضحية تفرضها بقسوة على جزء منك و بعدها يعتصر فؤادك الخوف و ربما الندم!...

واقفا منتظرا عودتها من بيت ابنتهما في مكتبه و القلق يؤجج لهيب وحدته... تُرى كيف هي هناك؟... و هل أصاب حينما وجد بهذا الشاب رجلا جيدا يأتمنه على ابنته؟... سماع صوت السيارة أوقف تفكيره ليهديه بعض الراحة التي هربت منه من كثرة التفكير... نظر في نافذة المكتب ليرى زوجته تخرج من السيارة بهيئة أفزعته!... قلبه الذي يظن البعض أنه حجر قاسي أنقبض حينما صور له عقله أن ابنته أصابها مكروه!... خرج مسرعا من حجرة المكتب يهرول حيث باب البيت... لم ينتظر دخولها فخرج منه سريعا يستقبلها على عتبته... وقفا متواجهين بعدما وصل إليها... نظرتها له ذبحته ببطء ... بالكاد وجد أنفاسه ليقول بصدر يختض من الخوف:
(ابنتي بخير؟...)

سالت الدموع من عين زوجته لتسقط على قلبه كجمر مشتعل... تقدم منها برعب يقول بصوت بدا واهنًا:
(تكلمي يا "رباب"... ابنتنا بخير أليس كذلك؟)

ابتلعت ريقها ببطء و قد اقتنصت عينيه لترسل له كم الألم المرتسم في عينيها... رفعت يدها المرتعشة لتسكن فوق صدره ... قلبه النابض بجنون أسفلها يكاد يمزق حلته و يخرج متوسلا أن تطمئنه... صدر صوتها التائه تقول بتعجب:
(لديك قلب يشعر ... و أنا التي حسبت أنه مات بعد ما فعلت في ابنتي)

ضيق عينيه و صعوبة الفهم تحول بينه و بين ما تنطقه زوجته... عصر ذراعها دون شعور منه ليقول بخوف ظهر جلياً في نبرة صوته:
(ما بها ابنتنا يا "رباب"؟... هل آذاها أحد هناك؟)

ضحكت بصوت واهن خافت ساخر للغاية... رفعت بصرها له تقول :
(و لمَ سيؤذيها أهل زوجها الذي حارب لنيلها رغم سنها الصغير ها؟... لماذا يصيبها مكروه في بيت فتح لها ذراعيه بقبول حسن و أعتبرها زوجة ابنهم؟!...)

ضربته بحدة فوق صدره و قد علا بكاؤها تقول بمرار:
(أخبرني يا "هاشم" لماذا تعاني ابنتك؟!... هل دفعتها للزواج عنوة مثلا؟... هل فرضت عليها حياة لم تكن لها؟... هل خرجت من بيت والدها حزينة؟...)

مالت رأسها فوق صدره بتعب ... كتمت شهقاتها بين ضلوعه لتقول بصوت متقطع:
(لماذا فعلت ما فعلت بها؟... ابنتك قطعة من روحك يا "هاشم" تبيعها بثمن بخس!... لماذا تُصر أن ترى بناتك منك أسوء ما تملك ؟... ابنتاي يا "هاشم" ... ابنتاي تعانيان !... لا واحدة منهما مرتاحة فيما دفعناها لعيشه... أي ذنب اقترفنا يا "هاشم"... آه يا حسرة قلبي عليهما و يا وجع فراق أصغرهما ...تعيش بقلبٍ مكسور في بيت رأف بحالها و سمح لها بالبقاء فيه...)

شدد من قبضته على جسدها النحيل داخل ضلوعه... أغمض عينيه بشعور من الحزن... ردد الحمد أكثر من مرة أن ابنته بخير ولم يصبها مكروه... يعرف أن الأمر كان سينكشف و لكن بعدما تصبح زوجته في بيته... فكرته عن "أحمد" تؤكد له أنه سيحتوي ابنته كما فعل "معاذ"... همس بوهن مشابه لها:
(أقسم بالله يا "رباب" لا أزوجهما سوى لمن يحميهما و يقدرهما... لم أفرض عليهما حياة إلا لمعرفتي أنها ستكون جيدة لهما... "ريهام" كانت ستضيع لولا تدخل ابن خالها و مساعدته ليّ... و "رُبى" يعلم الله أنني لم أرميها أو أبيعها بل زوجتها لشخص يحمل من الصفات ما يُثلج قلب أي أب تجاه عريس ابنته... يمكن طريقة زواجهما كانت غريبة و بشكل جرح القلوب لكنها كانت الحل الأمثل لتحقيق ما أريد...)

رفعت وجهها له بسرعة البرق... استقرت عيناها على عينيه لتهمس بحرقة قلب أم فقدت طفلتها:
(ما تريد!!... هذا كل ما يهمك يا "هاشم" العمل ... أن تربح وتجني المزيد من الأموال... أن ترفع هامة شركتك لنجوم السماء ... ماذا عن طفلتيك ماذا عن مشاعرهما؟!!!... مصيبتي أصبحت أثنين يا "هاشم" و أنت السبب)

ضاق صدره بما تقول ففزع قلبه من شعور بالذنب ... أسرع يقول برفض:
(لا تقولي هذا يا "رباب"... و الله الذي لا اقسم به باطلا لم أفعلها سوى لمصلحتهما)

عادت تضربه فوق صدره ببكاء موجع تقول :
(أعرف... أعرف و من غيري يعرف؟... من غيري متأكد من صدق قولك و لكنك دوما تختار الطريق الأكثر إيلاما لهما... ربما يرشدك عقلك أنك تعودهما على صعوبة الحياة لكن ليس ضروريا أن ما عشته أنت ستعيشانه هما!...)

تنهد بتعب كبير فتقدم منها يضمها مجددا إليه... رفع عينيه للسماء يبحث عن راحته التي ضاعت بعدما كبرت ابنتاه... خوفه عليهما و شعوره بأنهما بلا سند سواه كان يقتله... عمل ليل نهار ليوفر لهما كل ما تحتاجان و لكنه جهل تماما أن حنانه و احتوائه لهما هو كل ما تريدانه بقوة... كاد أن يموت رعبا حينما عرف عن علاقة ابنته الكبرى بشاب خبيث نوى لها الشر... و بعدما تأكد من صدق مشاعر ابن خالها وكل له أمرها و قد كان كما توقع رجلا يعتمد عليه... أما الصغيرة هذه الزهرة التي أينعت بها أرضه بعد فترة طويلة من مولد "ريهام"... فترة قفزت به لعمر أكبر ظن أنه لن ينعم بالأبوة مرة ثانية... لكنها جاءت للحياة لتُعاصر فترة اهتمامه بالعمل أكثر من قبل... و تبني عنه صورة الأب القاسي الذي لا يعرف سوى العمل!... بعدما عرف عن أزمة "أحمد" صدحت في عقله فكرة ارتباطها به... رجل بكل ما في الكلمة من معانٍ ... سيحميها من الدنيا التي بدت تهدد بلفظه منها في أي وقت... أراد أن يموت مطمئن القلب عليهما و لكن ما نريده لا نحصل عليه إلا بعد عناء...

عاد ببصره حيث زوجته التي همست بإعياء:
(أعد ابنتي ليّ يا "هاشم"...)

ضيق عينيه قليلا ثم قال بتأني:
(كيف أعيدها لا أفهم؟!)

رفعت وجهها الباكي إليه تقول برجاء:
(أريد صغيرتي هنا في بيتها أرجوك)

سحب نفسًا كبيرًا يهدأ من رفضه البادي على ملامحه فقال:
(ما هذا الحديث "رباب"؟... لقد قبلها زوجها في بيته و هي ستتأقلم بالتأكيد ... لا تخربي عليها)

عادت تبكي مجددا بصوت عالٍ... ربت فوق كتفها بإرهاق ثم أخذها للداخل يهمس لها ببعض الكلمات الواعدة بمستقبل جيد لأبنتهما... لكن قلبها يشعر بناقوس الخطر يدق باب حياة صغيرتها... خطر لن تقوى في سنها هذا على تحمله و ربما تسقط كورقة شجر ذابلة تدهسها الأقدام!...

..........................................

حملت حقيبتها المدرسية و وقفت تنتظره في الحديقة كي يوصلها للمدرسة... بحثت عنه في كل مكان بعينيها قبل أن يخرج "أحمد" لكنه لم يظهر بعد... لعبت ببعض الحصى الصغيرة بقدمها حتى سمعت وقع أقدام آتية ناحيتها... رفعت بصرها إليه لتتسع بسمتها برضا كبير... جرت عليه تقول ببسمة:
(صباح الخير "مصطفى"...)

راقب وجهها الباسم و قد تأكد أن جدته لها مفعول السحر على القلوب... بادلها البسمة فقال بمرح:
(صباح الياسمين "رُبى"... ألم يخرج أخي بعد؟)

هزت رأسها نفيا ثم نظرت حولهما بترقب مما جعله يرفع حاجبيه بتعجب و ينظر مثلها... همس لها صوت خافت :
(هل يراقبنا أحد؟...)

تطلعت في عينيه تقول بخفوت مماثل:
(لا لكني أريد منك خدمة و لا أريد أن يعرف أحد...)

اعتدل في وقفته يضبط سترته بغرور قائلا:
(قولي يا فتاة جعلنا الله عونا لخدمة المساكين دائماً...)

تغاضت عن مزحه المعتاد لتقول بتردد :
(بالأمس كنت مع الجدة و شاهدت بعض الصور... بالصدفة عرفت أن ... أن أخاك و أنت لستما أشقاء)

تخلى عن كل الهرج و المزاح و احتلت الجدية وجهها فقال بهدوء:
(نعم...)

أكملت بفضول متلهف:
(هل متاح أن تقص ليّ بعض الاشياء عنه... تحديدا عن شخصيته)

عقد حاجبيه بتعجب و زم شفتيه بصورة مضحكة ليقول بعدها:
(لماذا؟!...)

توترت ملامحها و شعرت بالحرج... ماذا تقول له كي توضح شعورها بالحزن عليه... تريد أن تكتشف كيف عاش طفلا يتيما دون أمه الحقيقة... و كيف اختفت غمازة وجهه تلك؟!... همست بخجل:
(مجرد فضول...)

علا صوته المشاغب يقول :
(فضول....)

انحنى حتى وصل لوجهها الجميل يحرك حاجبيه بمرح قائلا:
(و نحن تحت أمر فضول الآنسة "رُبى"...)

ابتسمت بشكر له و لكن صوت "أحمد" المتعجل أخرجهما من حديثهما... جاء بخطوات سريعة يرفع يده بالمفتاح الالكتروني للسيارة ليفتحها... قال بصوت عملي:
(لقد تأخرنا... هيا أركبي السيارة )

همست لأخيه بخفوت سريع:
(سنعقد جلسة معا أليس كذلك؟..)

رفع "مصطفى" إبهامه كعلامة تأكيد قائلا:
(أنتِ تأمرين يا حلوة الوجه...)

شكرته بسرعة و اتجهت إلى السيارة جريا... وقف "مصطفى" بجسده كله أمام اخيه يقول بمرح:
(صباح الورد يا أخي...)

نظر له "أحمد" بتعجب يقول :
(ألم نتبادل تحيات الصباح بالداخل على الفطور؟!...)

ابتسم له بمشاغبة يقول :
(بلى لكني أقلد زوجة اخي الكبير... لقد أوقفتني تتبادل معي تحية الصباح للمرة الثانية)

رفع "أحمد" حاجبيه يقول بهدوء:
(و ما المشكلة في هذا؟...)

ضحك "مصطفى" بمراوغة يقول:
(ماذا فعلت للفتاة يا رجل كي تجمع الأدلة ضدك؟...)

تحرك "أحمد" من أمامه يقول بسرعة:
(ليس لدي وقت لمزحك فالوقت تأخر)

سد طريقه مجددا يقول بنبرة صادقة:
(أنا لا أمزح... زوجتك طلبت منيّ أن أحكي لها عن حياتك )

توقف "أحمد" يراقب السيارة التي قبعت بها و ينظر لأخيه بعدم فهم فقال:
(هل فعلت ؟... و لماذا لم تسألني؟)

حك "مصطفى" رأسه بحرج فقال:
(لقد عرفت أننا لسنا أشقاء ... ربما تشعر بالحرج من الحديث معك)

شعور غريب طرق باب قلبه في هذه اللحظة... لكنه تجاهله ليعيد النظر لها داخل سيارته... بدت جميلة اليوم أكثر من الأيام الماضية... هز رأسه باستنكار فيما يفكر هو!... ربت فوق كتف أخيه يقول بنبرة متعجلة:
(لا بأس قص عليها ما تريد... عليّ الذهاب الآن)

لوح له "مصطفى" بيده مبتسما... بعدما تحركت سيارة "أحمد" همس أخاه بأمنية لا ينفك عن تمنيها:
(رزقك الله بمن تقدر قلبك الذهبي يا أخي...)

في السيارة كانت كلعبة مطاطية تقفز فوق كرسيها بصورة متكررة... عقد حاجبيه بترقب لحالتها الغريبة ... تنظر له كل ثانيتين ثم تعود تتأمل الطريق... تميل للأمام ثم تعود تستقر في جلستها... هل تبحث في وجهه عن المعلومات التي تريد جمعها عنه؟!!... نظر للنافذة يخفي بسمة مُلحة من الظهور... هذه الصغيرة جواره بما طلبته من اخيه اليوم يشعره بالرضا... لا يعرف لماذا يطرق هذا الشعور قلبه لكنه شعور لذيذ!... ربما لأنها تجاوبت مع الحياة الجديدة في بيته بسرعة وهذا يريحه... أو لأنها تجمع صفات مختلفة و رائعة في نفس الوقت معا... إنها جميلة ناعمة و عطرة برائحة تسكن الروح... تدفعه لمعرفتها أكثر و التوغل في تفكيرها الناضج اكثر و اكثر... بالتأكيد لحمايتها لأنها أمانة لديه!...

ستموت فضولا لرؤية غمازة وجهه... لو فقط تعرف "رحمة" أنه يملك واحدة ربما لفقدت عقلها و التقطت له العديد من الصور... الرجال بغمازة الوجه يبدون وسيمين بطريقة أكثر من الرجال العاديين... لكن لسوء حظها هذه الضحكة الآتية من الروح التي أخبرتها بها الجدة من الواضح أنها لن تأتي أبدا... هل تدغدغه ليضحك أو تلقي النكات مثلا لتراها؟!...

عقدت حاجبيها بتعجب من حالها و لسان عقلها يوبخها بشدة...لكنها همست له بما يدور في خُلدها...
(فقط أشعر بالتضامن معه بعدما عرفت قصته... أنه يتيم و يبدو كآلة للعمل طوال الوقت... أريد فقط أن أساعده ليفرح كما ساعدني هو وتقبلني في بيته...)

أخرجها من شرودها صوته الذي جاء حازما بعض الشيء:
(هل هناك شيء تودين معرفته؟...)

نظرت له بترقب تقول :
(لا أبدا...)

اومأ برأسه لها ثم قال بهدوء:
(إذًا لماذا كثرة الحركة هذه؟... هل المقعد غير مريح؟)

توردت بحرج فقالت بسرعة:
(مطلقاً إنه ككل يوم... )

اومأ مجددا يقول بلهجة بدت لها مرحة:
(بماذا كنتي تتحدثين مع أخي؟)


شعورها بالحرج زاد بطريقة جعلته يشفق عليها... قالت بعد فترة بصوت مهتز:
(لا شيء... فقط أعاني من فهم بعض المسائل الرياضية و هو سيساعدني)

عاد برأسه للخلف قليلا ليقول بتعجب:
(حقا!!!... جيد)

همهمت بتأنيب بعدما صمت هو:
(لقد أصبح شكلي أمامه سيء... لا تنظري مجددا له "رُبى الحسيني")

بعد قليل وقف بسيارته عند باب مدرستها فقال بهدوء:
(اليوم يمكنني المجيء لأخذكِ... متى ستخرجين؟)

همست بخفوت بينما تزيح حزام الأمان:
(الثانية و النصف كالعادة...)

نظر ليدها الرقيقة التي تحاول نزع الحزام فرفع يده إليها لينزعه لها... دون قصد منه لمس كفها الذي اتضح له أنه ناعم جدا كبشرة طفل حديث الولادة... زاد الشعور نفسه الذي شعر به في حديقة البيت بعدما اخبره أخاه بنيتها في معرفة معلومات عنه... شعور غريب عليه... رفعت يدها بسرعة تعتذر منه بصوتها الناعم ... نظر لها و هي تحمل حقيبتها و تفتح الباب لتنزل أمام عينيه المتفحصة لها... لوحت له ثم اتجهت إلى باب المدرسة... نظر في كفه الذي لمسها للحظات... و لسان حاله يتساءل ما هو هذا الشعور؟!... مختلف تماما عن كونها أمانة لديه أو أنها صغيرة يشفق عليها!... نفض من عقله هذا التفكير العجيب ثم أدار محرك السيارة ليذهب... نظرة فلتت منه عبر المرآة الامامية ليراها تقف مع فتى في زي مماثل لزيها المدرسي... زاد هذا الشعور بل تفاقم بداخله بصورة كبيرة...




قبل أن تدخل باب المدرسة سمعت صوت أحدهم ينادي لها... التفتت لتواجه نفس الفتى الذي أسقط منها علبة الطعام... ابتسم لها قائلا:
(صباح الخير كيف حالكِ؟)

اومأت له ببسمة عادية تقول:
(الحمد لله... )

تنحنح بحرج يقترب منها قائلا:
(كنت أود طلب المساعدة منكِ...)

عقدت حاجبيها بتعجب فقالت:
(أي مساعدة؟)

اتسعت بسمته ليقول بصوت فرح:
(أريد اقتراض كتابكِ لأنني تغيبت عن حصة الآنسة "زينب" الماضية)

تفهمت موقفه فنزعت ذراع الحقيبة لتفتحها بينما توليه جانبها... اقترب منها مختلسا بعض النظرات المعجبة بها... هذه الفتاة تحديدا سعى كثيرا ليتحدث معها... يشعر بأنه منجذب لها بقوة و ما يوقفه هو كونهما لا يزالا في المدرسة... انحنى برأسه ناحية شعرها دون أن تلحظ... سحب نفسًا عميقًا متنعما بهذا العطر الرائع الذي تضعه... اغمض عينيه بسعادة لقربه منها و شم رائحتها العطرة...

اشتعلت عين "أحمد" و تطاير منها الشرار... ما يراه أمامه عبر المرآة يجعله فاقدا للتركيز... الأمانة التي في حوزته طالتها يد غريبة... تنعمت برائحتها السالبة للعقول... انهالت من حقه بها حق الحماية التابعة لها... هي تحت حمايته تحمل اسمه فكيف يحق لغيره فعل ما فعله هذا الغر الصغير؟!... نزع حزام الأمان بقسوة ثم امتدت يده حيث قفل الباب ليدوس عليه بقوة كادت أن تحطمه... تحطيم كالذي يلمع في عقله ليناله هذا الغبي الذي فكر أن يتطاول و يشم رائحتها....


أنتهى الفصل....
ألقاكم الفصل القادم....

Jayb likes this.

AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-10-19, 12:36 AM   #144

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ayayoussef مشاهدة المشاركة
الله الله فصلين في نفس اليوم 😍😍😍
حلو عشان ده خلص منى بسرعة 😂😂
متألقة كالعادة حبيبتي ❤
حبيبتي يا يوي 💕⁦❤️⁩
تسلميلي 💞😍


AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-10-19, 12:39 AM   #145

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

تسجيل حضور ياجميل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 43 ( الأعضاء 20 والزوار 23)
‏ام زياد محمود, ‏باسم محمد ابراهيم, ‏حلا المشاعر, ‏AyahAhmed, ‏Mona eed, ‏Betos, ‏chiraz10, ‏زهراء ش, ‏Saro7272, ‏Eman Hassanein, ‏houda4, ‏Wejdan1385, ‏ema imy, ‏AyaYoussef, ‏الغفار, ‏@جار القمر@, ‏موضى و راكان, ‏الغيد 11, ‏سمية احمد, ‏سوووما العسولة




ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 25-10-19, 12:58 AM   #146

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام زياد محمود مشاهدة المشاركة
تسجيل حضور ياجميل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 43 ( الأعضاء 20 والزوار 23)
‏ام زياد محمود, ‏باسم محمد ابراهيم, ‏حلا المشاعر, ‏ayahahmed, ‏mona eed, ‏betos, ‏chiraz10, ‏زهراء ش, ‏saro7272, ‏eman hassanein, ‏houda4, ‏wejdan1385, ‏ema imy, ‏ayayoussef, ‏الغفار, ‏@جار القمر@, ‏موضى و راكان, ‏الغيد 11, ‏سمية احمد, ‏سوووما العسولة


احلى حضور و الله⁦❤️⁩⁦❤️⁩


AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-10-19, 01:34 AM   #147

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

الفصل السابع
ليه بقي القلق دا ياغصن الزيتون تخلينا نقلق علي مصطفي بسبب الحلم اللي مش عايزين نعرفه
دايما وجود مصطفي مبهج وبيعمل اختلاف من مشاغباته وهو عايز يغير الفطار عشان كدا بيدعي تزوقه لفطار ربي لدلاله علي ندي عشان تحس بالذنب لبعدها وسفرها الدائم
بحب جدا العلاقة بين احمد ومصطفي واعتماد احمد وثقته في اخوه الصغير اللي رباه علي ايديه بعد وفاة والدهم
التشابه اللي بدأ يظهر بين احمد وربى وبداية التفاهم شكل فيه مرتفعات غير مرغوب في وجودها بالنسبة للطرفين
احمد وبداية شك سارة فيه وثقتها القويه في انها ليها حق فيه
روبي وشخص مجهول ما صدق اخيرا انه اصطدم بيها وواضح ان لسه القادم اصعب
ربي بدأت تتأقلم وتلاقي اللي افتقدته وما شعرت بيه في بيت ابوها واهمها روح الجده في البيت
الفصل روعه لي عودة بعد قرأت الفصل الثامن



ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 25-10-19, 01:59 AM   #148

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام زياد محمود مشاهدة المشاركة
الفصل السابع
ليه بقي القلق دا ياغصن الزيتون تخلينا نقلق علي مصطفي بسبب الحلم اللي مش عايزين نعرفه
دايما وجود مصطفي مبهج وبيعمل اختلاف من مشاغباته وهو عايز يغير الفطار عشان كدا بيدعي تزوقه لفطار ربي لدلاله علي ندي عشان تحس بالذنب لبعدها وسفرها الدائم
بحب جدا العلاقة بين احمد ومصطفي واعتماد احمد وثقته في اخوه الصغير اللي رباه علي ايديه بعد وفاة والدهم
التشابه اللي بدأ يظهر بين احمد وربى وبداية التفاهم شكل فيه مرتفعات غير مرغوب في وجودها بالنسبة للطرفين
احمد وبداية شك سارة فيه وثقتها القويه في انها ليها حق فيه
روبي وشخص مجهول ما صدق اخيرا انه اصطدم بيها وواضح ان لسه القادم اصعب
ربي بدأت تتأقلم وتلاقي اللي افتقدته وما شعرت بيه في بيت ابوها واهمها روح الجده في البيت
الفصل روعه لي عودة بعد قرأت الفصل الثامن


يسعدني أن الفصل عجبك يا أم زياد😍😍
هستنى رأيك عن التامن 💞
مشكورة⁦❤️⁩


AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-10-19, 02:51 AM   #149

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

الفصل الثامن
ياختااااااي ورجعنا للضرب من تحت الحزام والقفلات الصعبة
بالرغم من رفضي لأسلوب هاشم في تسيير حياة بناته الا ان تربيته الصعبه وحيد بيحفر في الصخر عشان يقدر يعيش ويكون ثروة لدرجة ان العمر جري بيه وكان اخر اهتماماته تكوين بيت واسرة
اتفاجأ انه كبر وانه عنده بنتين محتاجين الحماية من غدر الايام بيهم عشان كدا قرر ونفذ لوحده بدون اخد رأي او نقاش او محايله كان لازم يلاقي لبناته اللي هيخاف عليهم ويحميهم مش طمعا في اموالهم
بس للأسف طريقته غلط وعملت فجوة بينه وبين بناته صعب عليا جدا من قلقه علي بنته وخوفه من العيلة اللي دخلها فيها عنوه
رباب عارفه كل خبايا زوجها وطريقة تفكيره صحيح اتصدمت باللي حصل لربي انما هي عارفه هاشم وعارفه انه عمل كدا خوف عليهم حتي لو كانت الطريقة غلط
احمد مش ابن سوزان بس هي امه اللي ربته وبتخاف عليه وواضح جدا حبها ليه زيه زي مصطفي
اللقاءات الممتعه بين الجدة وروبي اللي كشفت الماضي واججت فضول ربي ناحية احمد وخلتها تطلب من مصطفي معلومات عنه
الفصلين روووعه تسلم ايدك ياحبيبتي



ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 25-10-19, 08:05 AM   #150

AyahAhmed

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 451462
?  التسِجيلٌ » Aug 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,566
?  نُقآطِيْ » AyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond reputeAyahAhmed has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام زياد محمود مشاهدة المشاركة
الفصل الثامن
ياختااااااي ورجعنا للضرب من تحت الحزام والقفلات الصعبة
بالرغم من رفضي لأسلوب هاشم في تسيير حياة بناته الا ان تربيته الصعبه وحيد بيحفر في الصخر عشان يقدر يعيش ويكون ثروة لدرجة ان العمر جري بيه وكان اخر اهتماماته تكوين بيت واسرة
اتفاجأ انه كبر وانه عنده بنتين محتاجين الحماية من غدر الايام بيهم عشان كدا قرر ونفذ لوحده بدون اخد رأي او نقاش او محايله كان لازم يلاقي لبناته اللي هيخاف عليهم ويحميهم مش طمعا في اموالهم
بس للأسف طريقته غلط وعملت فجوة بينه وبين بناته صعب عليا جدا من قلقه علي بنته وخوفه من العيلة اللي دخلها فيها عنوه
رباب عارفه كل خبايا زوجها وطريقة تفكيره صحيح اتصدمت باللي حصل لربي انما هي عارفه هاشم وعارفه انه عمل كدا خوف عليهم حتي لو كانت الطريقة غلط
احمد مش ابن سوزان بس هي امه اللي ربته وبتخاف عليه وواضح جدا حبها ليه زيه زي مصطفي
اللقاءات الممتعه بين الجدة وروبي اللي كشفت الماضي واججت فضول ربي ناحية احمد وخلتها تطلب من مصطفي معلومات عنه
الفصلين روووعه تسلم ايدك ياحبيبتي

تسلميلي يا أم زياد جدا 💕😍
مشكورة حبيبتي على الريڤيو ⁦❤️⁩💞


AyahAhmed غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:27 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.