آخر 10 مشاركات
ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          عانق اشواك ازهاري (2)*مميزة و مكتملة* .. سلسلة بيت الحكايا (الكاتـب : shymaa abou bakr - )           »          عشق من قلـب الصوارم * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : عاشقةديرتها - )           »          23 - امرأة تحت الصفر - راشيل ليندساى ( إعادة تنزيل ) (تم تجديد الرابط ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          93- الشمس والظلال - آن هامبسون - ع.ق ( نسخه أصلية بتصوير جديد ) (الكاتـب : angel08 - )           »          مرت من هنا (2) * مميزة *,*مكتملة*..سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          القليل من الحب (81) للكاتبة Joss Wood .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          القرار الصعب (ريما وعبد المحسن) / للكاتبة روح الشمالي ، مكتملة (الكاتـب : أمانى* - )           »          تائــهــة في عتمتـك (الكاتـب : نسريـن - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree29Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-10-19, 08:52 PM   #31

وفاء حمدان

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 435933
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 361
?  نُقآطِيْ » وفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عيون نملة مشاهدة المشاركة
شكرا ع الرواية اول مرة اقرأها
حبيبتي تسلميلي سعيدة انها نالت اعجابك


وفاء حمدان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-10-19, 08:55 PM   #32

وفاء حمدان

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 435933
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 361
?  نُقآطِيْ » وفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond repute
افتراضي

الجزء الأول لرواية صك غفران بعنوان " سهام عشق" للي ما قرأها
https://www.rewity.com/forum/t432532.html


وفاء حمدان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-10-19, 07:47 PM   #33

وفاء حمدان

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء


? العضوٌ??? » 435933
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 361
?  نُقآطِيْ » وفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond reputeوفاء حمدان has a reputation beyond repute
افتراضي الفصل الثالث

الفصل الثالث:
ممدداً جسده على السرير و جذعه العلوي يستند إلى ظهر السرير بأنفاس محسوبة و حدقتين مثبتتين على اللاشيء.. لا يعلم بما يفكر أو كيف يفكر.. بطاحونة الوهم التي كانت تقلِب حيواتهم طوال تلك السنين تسقي شجرة العائلة من نبع الخديعة، أم يفكر بعمته التي شقَت نفسها عن عباءة العائلة و العادات لترتحل تنشد حبها؟ هل لو لم يجبروها على الزواج بغية دحر الثأر ما كانت لتهرب؟ لا يعلم .. كيف له العلم بالمجهول.. بالماضي و لعناته.. يقر هو أنه لم تطاله اللعنة و لم تطل أياً من الجيل الجديد.. أجاد جده دفن الماضي و مواراته عنهم و الناس.. رباااه صداع عنيف يفتك برأسه يوشك أن يفجره ناثراً أشلاءه في المكان.
حادت أفكاره نحو ابنة عمته ليجد نفسه لأول مرة من صباح اليوم يبتسم.. سحقاً هل كان يجب أن تكون بهذا الجمال.. عيناها الزرقاوان كما المحيط يود لو يرتحل فيهما دون أن ينشد لنفسه مرسى.. ( أصبحت شاعرا يا جمال من لقاء واحد ) فكر متفكهاً.. بالنهاية هي ليس لها ذنب بندوب الماضي.. لا ناقة لها و لا جمل فيما حصل و ما تطلبه حقٌ لها لكنه حق مكلف و باهظ الثمن.. كيف سيفسر أهله للناس و لعائلة حرب بالخصوص وجودها بينهم على أنها ابنة سهام؟! و بالرغم من هذا السد يفكر أن يعاند عمه و يحقق أمنيتها.. هو بكل بساطة لن يستطيع أن يدير لها ظهره و هي من دمه و لحمه.. لا أخلاقه و لا مروءته تبيح له أن يكون من الممترين و لعلَ قلب جده العجوز يلين لمرآها و يثلج قلب جدته بعناقها.. أما عن نفسه فلتهنئ روحه بقربها المؤقت.

في صبيحة اليوم التالي كان جالسا إلى مكتبه في العمل و هو يقلب ورقة صغيرة بين أصابعه يناظرها بشرود قطعه بغتة و هو يستل هاتفه من جيبه و يطلب الأرقام المدونة على الورقة.. كان يطرق بسبابته على ظهر المكتب بتوتر حتى أتاه الصوت مرحباً ليقول دون سلام:
- دكتور أحمد انا محتاج أأقابل بنت عمتي من بعد إذنك؟
---------------------------
تشاركهم وجبة الفطور بفتور و مجاملة.. ليس الأمر بالغريب عليها فمذ أن كانت طفلة كلما توترت تنقبض معدتها و ترتجف لتزهد بالتغذية.. صدح رنين الهاتف النقال لأحمد لتنظر إليه بلهفة ممنيةً نفسها باحتمالية أن يكون ابن خالها.. نظر أحمد لشاشة الهاتف ليجد أن الرقم غريب.. قبِل الاتصال بالرغم من جهله لهوية المتصل متأملاً هو الآخر أن يكون المتصل هو جمال.. أجاب احمد بعملية معتادة:
- السلام عليكم ... مين معايا؟
فأتاه الصوت محتداً بعفوية يشوبها القلق:
- دكتور أحمد انا محتاج أأقابل بنت عمتي من بعد إذنك؟

هكذا دون سلام و لا ترحاب.. رفع أحمد انظاره سريعاً لنور التي اتسعت ابتسامتها فقد فطنت لهوية المتصل..
عرض عليها لقاءً ثنائياً في مقهى لترفض الاقتراح كونها لا تحبذ فكرة انفرادها و إياه و هي لا تعلم دواخله و نيته تجاهها بعد لكنها لم تصرح له بسبب الرفض بل زايدت على اقتراحه بأن يكون اجتماعهم في منزل الدكتور أحمد ليرسو الأمر بالنهاية على هذا.

قرع جرس المنزل مساءً ليفتح الباب أحمد مرحباً به ترحيباً حارا خلافاً لسمة التوتر للقائهم الأسبق.. اقتاده أحمد لغرفة الضيوف و استأذن ليستدعي نور و قبل أن يغادر الغرفة استوقفه طلب جمال بالانفراد بابنة عمته ليوافقه بهزة من رأسه أعقبتها خطواته تجاه غرفة نور.
تهادت بخطواتها نحوه و عيناه تتابعانها لا تفارق محياها البهي.. قدهها كما غصن البان و عيناها المحروسة برموش كثيفة كلما رمشت بها أحس بنفسه يرتد للخلف من العاصفة التي خلفتها بوجدانه.. أجلى حنجرته ليرد تحيتها التي ألقتها ما أن استقرت بجلستها أمامه و ما أن هم بالحديث حتى قاطعته حركتها و هي تضع كتيب صغير باللون الأزرق على الطاولة أمامه.. التقى حاجبيه باستغراب لتجيب سؤاله غير المنطوق:
- توقعت إنك تأكدت من صحة الرواية اللي حكيتلك اياها و هلأ بدك تتأكد إذا أنا فعلا بنت سهام.. الدفتر هاد هو دفتر العائلة تاعنا و فيه كل بياناتي و بينات والدي و والدتي.
كان يطالعها مقطبا و هو يفكر أنها ليست بالأنثى السهلة و مضمار عقلها ليس باليسير الالتفاف حوله.. فهذا بالفعل كان الجزء الأول من سبب قدومه.. لم يعقب على كلامها فقط أكتفى ان التقط الدفتر ليقلب صفحاته فتخمد نيران شكوكه لتصبح رماداً نفثها بزفره لم يعلم أهي مرتاحة أم متوجسة مما هو قادم و قد ثبتت الرؤيا، أعاد الدفتر لمكانه و رفع أنظاره المتفحصة إليها لتزحف لبشرة وجهها حمرة طفيفة من تمعنه بقسماتها و خلجاتها..إلا أن نظراتها قد استحالت للجليد فجأة و هي تسأله:
- هلأ شو؟
رفع كفيه دلالة العاجز ليقول بمنطقية:
- أنا كلمت عمي سالم بالموضوع و هو رفض طلبك لكن أنا ناوي بإذن الله أساعدك و هاخدك لبيت العيلة في الصعيد و هتلاقيني بضهرك مهما كان ردهم بالنهاية إنتِ بنت عمتي و بما إنه ما فضلش حد من أهلك في الأردن فالأولى إنك تفضلي معانا.
ابتسمت بتفهم و هي تومئ برأسها.. هي أتت لأرض مصر متوقعة الرفض و ابن خالها قد قدم لها ما كانت تبتغي منذ البداية ألا و هو عنصر المباغتة و أضاف له الدعم و السند.

في اليوم التالي ودعت عمها أحمد و حوريته إيمان كما يلقبها دوما بعد أن رفضت و بإصرار أن يصطحبها هو لبلدة أهلها مع الوعد أن تحادثه كل حين ليطمئن عليها.. تريد أن تخوض غمار المعركة وحدها.. ليست بحاجة لحامٍ سوى الله و استحلفته بالله ان يتفهمها و ألا يخبر عمها نزار كي لا يأتي ( فارع دارع ) إلى مصر محطماً كل شيء في طريقه إليها.. قاد جمال السيارة بهما قاصدين إحدى قرى الصعيد المصري حيث توجد جذور عائلة التهامي.. الطريق كان طويلا و متعبا.. خلاله توقفا مرة ليبتاع جمال بعض العصائر المنعشة و المقرمشات لها و له لتشاركه أيضاً الشطائر التي أصرت إيمان أن تأخذها معها.
حين وصلا حدود البلدة كان الظهر قد شد رحاله و العصر قد أزف..تباطأت السيارة في المسير بسبب الطرق غير الممهدة لتشعر بمعدتها تختض من عسر الطريق إلى جانب توترها الذي دوما ما يفتك بمعدتها، شُرِعت أمام ناظريها أبواب قصر منيف أبهر عينيها و حبس أنفاسها و قد زين للناظرين.. لم تتوقع أن تتواجد مثل تلك القصور في هذه المناطق أو القرى للتخصيص و إن دلَ هذا على شيء فهو الثراء الفاحش الذي تتمتع به عائلة والدتها و الذي بالرغم منه لم يقبلوا أن ينتقلوا للمدينة و يهجروا مسقط رأسهم و الأرض التي تضرب بها جذورهم.. هذا كان استنتاجها.
أطفأ جمال محرك السيارة ليلتفت إليها قائلاً قوله العسير على روحها:
- يالله بينا.
ناظرته بتيه و قد غادر السيارة و خطى ليقف بجانب باب السيارة من جهتها بكامل هيبته الجلية للعيان يطالعها و ينتظر التحاقها به.. إلا أنها كانت قد تجمدت بمقعدها كما تجمدت الدماء في عروقها.. لا لم تتجمد دماؤها فها هي تنسل رويدا رويدا من صفحة وجهها لتتركها مصفرة كصورة احترافية تمثل الرعب.. لاحظ هو تلكؤها و رمشها البطيء لأهدابها فتيقن انها قد استوعبت الآن هول ما ينتظرها..زفر أنفاسه بإرهاق و هو يتقدم نحوها فيفتح باب السيارة و ينحني بهامته ينظر إليها و هي تنظر بتشتت للقصر.. وضع كفه على كتفها ينتشلها من غياهب الفزع الذي استسلمت له لتلفت له و هي تبتلع ريقها بمشقة و عبارة واحدة تتردد في ذهنها ( ما الذي أفعله هنا ؟! ).. تفهم هو جزعها فشد من ضغط يده على كتفها بمبادرة للمؤازرة و هو يقول برزانة يحاول بث الطمأنينة لنفسها:
- ما تخافيش.. انتِ ما الكيش ذنب في أي حاجة حصلت زمان.. انتي هنا عشان تشوفي أهلك و تديهم فرصة يعرفوكي و انا هاكون في ضهرك فخليكي مركزة في اللي قدامك.
ابتسمت له ابتسامة ممتنة و بوادر دموع تهدد بالتداعي من مقلتيها.. تحركت في مقعدها بغية المغادرة ليبتعد هو بجسده مفسحا لها المجال لتنزل من السيارة و يغلقها هو بالقفل الالكتروني و يسير نحو بوابة القصر و هي تتخلف عنه بخطوتين.
كانت تعيد السيناريوهات التي تجهزت لها.. تكرر المرافعات الدفاعية التي أعدتها.. تذكِر نفسها ألا تذرف دموعها حين يأتي النبذ.. و هي تعلم أن آت لا محالة، تخطو تجاه البوابة الداخلية للقصر كمن يخطو عبر البرزخ و لا يدري إلى أين ستوديه خطواته.. إلى النعيم أم إلى سعير الجحيم.. الله فقط من يعلم فلينزل بها رحمته، قرع جمال جرس الباب المهيب لينتظرا بضع ثوان كانت كما الدهر ليُفتح أخيرا و تطل عليهم فتاة صغيرة بالسن و التي ما أن رأت جمال هللت و رحبت بعودته لتقفز متراجعة للخلف و هي تهرول تبتغي إخطار كبير العائلة الحاج عبدالعزيز بقدومه.
قهقه جمال بخفة على تصرفات الخادمة الرعناء ليلتفت و هو يشير للجامدة خلفه بأن تلتحق به نحو غرفة المعيشة.. دقائق أمضتها و هي تدور في الغرفة تطالع الوجوه المتموضعة في الصور المنتشرة في الغرفة.. لم تجد لأمها أي أثر في صورهم و كم أسقط الأمر في نفسها حزنا، بينما هو كان يتأملها و يتابع التفاتة رأسها كل حين و زرقتيها التي كانت تتمعن بكل صورة تأتي عليها حتى أنه لاحظ وشحة حزن زينتهما دون أن يعلم لأي سبب من كثرتها.
- إزيك ياجمال وحشتنا قوي.. طب مش كنت تقول إنك جاي عشان نعمل الواجب.
أنهت صاحبة الصوت الانثوي الرقيق كلماتها بابتسامة جذلة خصتها لجمال الذي ابتسم بحنان و هو يرد عليها:
- معلش يا سمر جت حاجة كدة فجأة و كان لازم آجي و مش ضروري كل مرة تغلبوا نفسكوا بالمحمر و المشمر دا انا حتى بقيت ما احبش أجي عشان ما اغلبكوش.
كادت أن تجيبه بتدله أن تعبها لراحته لهو كمال الهناء لها غير أن التفاتة نور إليها بابتسامة مهذبة ارتسمت على شفتيها جعلها تبتلع كلماتها قبل أن تغادر فاهها.. حدقت بها باستغراب.. في البداية لم يكن استغرابا من هويتها و سبب وجودها بل استغرابا من سحر جمالها الذي جمدها و هي تناظرها بتفحص.. تحول بعدها الذهول لتساؤل عن هويتها و الذي قرأه جمال بعينيها ليقرر أن الإفصاح و البوح يجب أن يكون مبتدئا بوجود كبير العائلة فهو لا يريد أن يتكرر مشهد الصدمة لأكثر من مرة.. و من هذا المنطلق أتت كلماته تبتغي تشتيت انتباه سمر الواجمة عن تلك المبتسمة بما تعتقده تهذيب لكنه في الواقع بلاهة لمن يعي للعواصف التي تميج بداخلها:
- سمر معلش هاغلبك معايا ممكن تندهي على جدي و جدتي.. أنا شفت حسنية ( من استقبلتهم على الباب ) راحت تندهلهم بس معلش روحي أكدي عليهم اني عايز أأقابلهم ضروري و دلوقت.
اختض قلبها لطلبه و بوادر انهيار جسدها على أرضية الرخام قد لاحت في الأفق ليس لوعي أحد سواها.. السيناريو الوحيد الذي ضرب صميم عقلها أنه قد وجد نصفه الآخر..هل تحققت أحلك كوابيسها و أبشعها؟ هل هذه الهيفاء هي من اختارها قلبه مالكة له و من اختارها هو شريكة لحياته و قد أتى بها كي يعرفها بهم و يعرفهم بها؟!! لم تترجم مخاوفها لكلمات متسائلة ناشدة النفي بل اكتفت بهزة من رأسها يرافقها زيغان عينيها و هي تنسحب بتثاقل نحو الطابق الثاني ملبيةً مطلبه.
- ليش ما عرفتني عليها؟؟
خرج السؤال من نور متشككاً تناظره بعقدة ترتسم على جبينها.. ارتاح جمال في جلسته أكثر و هو يعيد ظهره للخلف مسنداً إياه لظهر الأريكة و ساقه تعانق الأخرى ليتحسس ذقنه بإبهامه و هو يجيبها بإيجاز:
- عايز المواجهة تكون مرة واحدة و مع جدي.
لم تعلق و لم يظهر عليها أي تعبير حركي.. قد أصاب برأيه.. إضرب الرأس يتهالك الجسد بأكمله و دعك من الأطراف.

يتناهى لمسامعنا أحيانا عبارة ( سقط قلبي بين قدماي ) لم تستغها أبدا.. لم تستشعرها أبداً، لكن في هذه اللحظة قد شهدت لها و آمنت بها و هي تشعر أن قفصها الصدري قد انشق ليتهاوى قلبها للأسفل مخلفاً فجوة بحجمه تعبث بها رياح الهلع.. أصخت سمعها بتركيز لصوت دقات قوية على الرخام تأتي كما خيل لها من تلامس عصا بسطح الأرض.. مع كل دقة فلتت منها رمشة لتبصر أخيرا و كما توقعت العصا العاجية الغليظة و هي تدخل عليهم بشموخ غالباً بهت عليها من صاحبها الذي لم تجرؤ حتى اللحظة أن ترفع بصرها إليه.
نهض جمال مرحباً بجده باذخاً بعبارات الشوق ليرد له جده عبارات مثلها تحكي شوقه هو الآخر و عتبه لغيابه الذي استطال.. انحسرت الأصوات فجأة لتعلم بحدسها أن الأنظار قد حادت لتشملها.. لتدعو الله بسرها أن يمدها بالقوة قبل أن ترفع بصرها إليه.. جدها والد والدتها.. رجل بأواخر الثمانينات عبثت و حفرت السنين بأهوالها و عثراتها حكاياتها على صفحة وجهه المجعدة.. رجل كما سمعت انحنت و تنحني له هامات أعتى الرجال في بلدته.. رجل أغدق على طفلته بحبه و عطفه و ميزها بحظوة حنانه عن بقية أشقائها.. و ميزها أيضاً بجوره و ظلمه ليكون لها النصيب الأشد منه.. جدها الذي من المفترض أن تكون له أعز من ابنته.. و هل كانت ابنته عزيزة عليه؟ (فكرت متحيرة ).
لاحظ جمودها و تأملها الحثيث لجده.. لم يعلم هل ترغب هي بالتعريف عن نفسها أم أنها تترك له شرف المهمة الاستشهادية، لم يتبين منها أي رد فعل لنظراته التي تحثها على الإتيان بأي حركة أو قول و بالتالي استشف أنه قد نال شرف إطلاق الرصاصة الأولى في الحرب المرتقبة.. قاطع حديث نفسه صوت جده الجهوري و الذي برغم سنواته عمره الوفيرة إلا أنه لم يزل قوياً هادراً و هو يقول:
- مش هاتعرفنا عالضيفة يا ولدي؟!
حانت من جمال التفاتة لتلك المتصلبة جسداً و ذهناً تناظر جده دون أن ترمش ليفقد الأمل تماما من أن تفضي بكلمة أو حتى همسة.. أشاح بوجهه عنها و قابل جده بمواجهة تشكك لها الحاج عبدالعزيز فنظرات التصميم التي كان يبثها جمال لم تحد فراسته.. لينطق أخيراً و كل كلمة كانت تخرج كما الرصاصة تدوي بصوتها الهادر :
- الضيفة يا جدي تبقى نور أمجد الحسن.. بنت عمتي سهام.
كلمات وصلت لمسامع عبدالعزيز ليشعر بها كما الصفعة.. لا بل كما الزلزال الذي لا يبقي و لا يذر.. اهتز كيانه دون جسده.. امتقع وجهه و جحظت عيناه و قد استحالت مقلتيه للسواد الشيطاني.. و صمت صمت القبور.. قد عاد الصندوق الأسود الذي قذف به إلى البحر يبتلعه ليجد الآن و بعد ثمان و عشرون سنة أن البحر ما ابتلعه إلى ليحفظه داخل جوفه كأمانة ليمضي الدهر و ينسى الناس ما فات و حينها يلفظه البحر من رحمه ليتجلى كشبح من الماضي يستل سيفه مقسماً أن يطال السيف كل من نسي و تناسى.. ظلم و تجبر و غض الطرف تخاذلاً أو عجزاً.
كانت جالسة كما الصنم تكاد تختنق من جزعها.. تأتيها سهام نظراته الملتهبة لتثير النيران في صدرها فتشعر بروحها تحترق كما الشمع.. بداخل مضغة صغيرة بقلبها تأملت و استبشرت القبول.. الأحضان و دموع الفرح باللقاء.. لكن هيهات.. فتلك أماني ساذجة لا تليق بحلكة الواقع و شرور نفوس البشر.. لدى هذا الخاطر تصفحت نظراتها بالتحدي فجأة فتستقبل نظراته الحارقة بصلافة المقاتلين.. قد عادت لها قوتها و عزيمتها فلا يهمها إن أيقظت شياطين الأرض و ما تحتها كافة.. ستمشي بأرضهم تدقها دقاً دون أن يرف لها جفن حتى تحظى بغنيمتها فمن قال أن من صمت نجا كان واهم.. فإن من صمت هلك و هلك معه الحق فلتجهر بالحق حتى لو كان فيه فناءها و هي لها في هذا البيت حق، أفاقها من جريان أفكارها صوته و هو يرعد بجدران الحجرة و قابعيها موجهاً غضبه نحو جمال الذي كان يتابع و يرصد تبدل خلجات الاثنان دون تدخل:
- إيه اللي بتقوله ديه يا غراب البين انت؟!! أنا ما عنديش بنات غير أحلام.. و ديه ( قالها مشيرا لنور ) أكيد نصابة جاية تضحك علينا و مالهاش عندي غير الطرد.
كاد أن يجيبه جمال بأن دفاتر الماضي المندثر قد أعيد فتحها و تكشَف عن أسرارها لكن قاطعته حركتها من على مقعدها لتنهض بشموخ و تتجه بخطوات متئدة نحو جدها دون أن تحيد بعيناها عن عينيه بتحد صريح.. و ما أن أصبحت بمواجهته قالت بصوتها الرقيق بنبرة حازمة:
- أنا كنت متوقعة ردة الفعل هاي يا جدي.. و اسمحلي أحكيلك يا جدي حتى لو انت اعترضت.. لكن جزء صغير جواتي كان متأمل إنك تكون نسيت اللي فات و تفتح معي صفحة جديدة.. أنا بنت بنتك سهام اللي جرتوا عليها ( ظلمتوها ) و مع هيك لآخر نفس فيها كانت بتدعي إنكوا تسامحوها و ترضوا عنها.. و أنا مش جاي أطلب منكوا أي شي غير حقي فيكوا حقي بأهلي اللي مرت سنين عمري من دون ما أعرفهم.. حقي إني أعيش بينكم حتى لو كنتوا كارهين.. و إذا كنتوا ما بدكوا تشوفوني و لا تعرفوني فأنا بعتذر أنا جاية و مصرة على طلبي لإنه بالنهاية بطل عندي شي أخسره.. كنت حابة ألاقي أهلي و أدخل بحضنهم بعد ما الله اختار انه ما يضل إلي أهل غيركوا.. انتوا ظلمتو أمي بحياتها و هتكتوا حدود الله بانكوا تغصبوا بنتكوا على زواج هي ما بترضاه و اللي عملته هي كان رد فعل طبيعي و قاسي بنفس الوقت على الطرفين.. هي اختارت الحياة اللي الله أمرنا نعيشها بكرامة مش حياة الجواري.. و أنا هلأ جاييتك و فاتحيتلك ذراعاتي و بحكيلك حط الشرط اللي بيرضيك بس لا تحرمني من العزوة.
أخفض عبدالعزيز بصره بوجل و نطق بنبرة ساهمة بآخر شيء قد يأتي لخاطرهم و قد لمع بريق حزن خافت بعينيه و كأنه لم يستمع لشيء من خطبة نور العصماء سوى أن:
- سهام ماتت؟!
ابتسم جمال بتهكم لاعتراف جده الساهي و هو لا يعلم هل يشفق عليه أم على عمته أم على الزهرة التي انشقت من جوف الصخرة الصلبة.. لتجيب نور تساؤل جدها بنبرة اكتساها الحنان و الحزن:
- ماتت بعد ما جابتني بسنتين.. صابها السرطان و هي حامل فيني و رفضت تنزلني مشان تتعالج و بعد ما ولدتني كان الوقت فات و السرطان انتشر حتى مع الاستئصال للأسف و ما صمدت مع العلاج أكتر من سنتين.
شهقة عالية قطعت عليهم الجو المشحون لتهرول صاحبتها ببنيتها الممتلئة و جسدها المتهدِم الذي مرَت عليه السنون و حرثت لتقبض على ذراعي نور و تتحدث بتشتت و وجهها قد أغرقته الدموع:
- انتي بت بتي؟؟ انتي بت سهام؟ سهام ماتت .. ماتت؟؟!!
افترشت الأرض و هي ما تزال متشبثة بذراعي نور التي انخفضت بجسدها تباعا و بادرت باحتضانها و دموعها قد سقطت هي الأخرى و قد هدأت ثورة روحها قليلا.. هي لم تراهن على جدها خيراً فهي تعلم بجبروته مما سمعته لكنها راهنت على جدتها مما وصلها عن حنانها و لوعتها على بُعد إبنتها، اجتمع أهل البيت على أصوات الصراخ و الجلبة في غرفة المعيشة ليفغروا أفواههم للمشهد الماثل أمامهم.. مصعب و ابنتيه.. أحلام و ابنتها و سمر و أبيها سالم الذي فطن لفحوى الأمر لتتركز نظراته التي تقطر حقداً و لوما على جمال و الذي كان بدوره يقابل نظراته بتحدي كأنما يقول ( ما أنا الذي يمر على الأمر مرور الجاحدين ).
أول من اخترق صوته أصوات المشهد هو مصعب الذي هرع نحو والدته يهدئ من روعها و يحاول أن يبعدها عن أحضان تلك الفتاة الغريبة دون جدوى.. فوالدته كانت كما المغيبة تنتحب و هي تشد من احتضان الفتاة كأنها تخاف ان تكون سراباً فيتسلل من بين ذراعيها فور ابتعادها ليرفع أنظاره لوالده الذي اسود وجهه و هو قابع على مقعده الذي تهالك عليه بعد أن انفرطت حبات العقد من بين يديه و أزيل الستار عن الغرفة المظلمة التي حرص أن تبقى مخفية طوال سنون ليتساءل مصعب بنبرة هلعة:
- في إيه يا ابوي؟؟ إيه اللي حوصل؟
و عندما لم يجد جوابا من والده وجه أنظاره المتشككة لإبنه ليعيد عليه السؤال بعينيه دون أن ينطق به ليجيبه جمال بإنهاك فالدقائق التي مرت قد استنزفتهم جميعا:
- اللي حصل يا ابوي إنه السر اللي دفنتوه من زمان انكشف.. و البنت دي ( قالها مشيرا لنور التي كانت تتطلع إليه بجمود و بقايا الدموع ما زالت تترقرق في مقلتيها ) تبقى بنت عمتي سهام اللي خبيتوا عنا حكايتها و نار التار اللي كنتوا عايزين ترموها فيها كقربان عشان تبقى رماد.
تصريح كان كما الصاعقة التي ضربت عقولهم فتركتهم في ذهول و غفلة لم يستفيقوا منها إلا على سالم الذي لم يشعروا باقترابه من جمال و هو يمسك بياقة قميصه يهزه و ينهره:
- عملتها و كسرت كلمتي.. جبتها حدانا عشان تفضحنا و تهد البيت على روسنا يا خسيس!!
نفض جمال قبضة عمه و هو يهدر بصوته غضباً:
- ما كنش ينفع أدير ضهري ليها.. دي بنت عمتي يعني عرضي و دمي و ان كنتم انتم مش عايزينها فأنا مش هاسيبها و اخبطوا راسكوا في الحيط.
ارتج الجمع على دوي الصفعة التي نزلت بوجنة جمال و قد كانت من الغلظة ان التف رأسه لها إلا أنه اعاد نظراته و قد اشتد سعير الجحيم فيها و هو يقبض على كفه يمنعها التطاول على عمه.. كانت العيون جاحظة و الألسنة قد ربط عليها.. ما القول و ما الفعل و هم لا يفتهمون..زوج من العيون كانت تذرف الدموع صمتاً بعد تصريح جمال الأخير فهي لم تستوعب بادئ الأمر إلا أن هذه الفتاة لم تكن مخطوبته كما توقعت ليرتاح قلبها و ينهرها عقلها على راحته و هناك مصاب جلل يتنزل بالعائلة .. لكن الآن و هو يعلنها صراحة أنه لن يتخلى عنها عادت تهاجمها الوساوس بشراسة أشد.. بينما بطلة المشهد ارتد رأسها للخلف من هول مشهد الصفعة و هي ما تزال تظن أنها تحتضن جدتها التي انسلت من بين ذراعيها لتنهض بثقل فرضه عليها عمرها المديد و هي تقول بهياج و صراخ:
- كله يحط لسانه في حلقه.. حرمتوني من بتي زمان و حرمتوني أجيب سيرتها أو حتى أبقى على صورة ليها أكحل عينيا بيها.. و دلوقت بعد ما لقيت ريحتها و حتة منيها عايزين تبعدوها عني تاني.. و الله لو فيها موتي و موتكوا كلاتكوا مش هاتبعدوها عني بعد ما بعدتوها عن حضني بالاول و دلوقت أعرف انه القبر خدها مني خالص ( ثم وجهت أنظارها المحتدة لزوجها و هي تنطق من بين أسنانها بغل ) بت بتي لو خرجت من إهنه أنا هاخرج و اياها.. و ما ليش عيش معاكوا واصل و أنا بقولهالكوا أهو أنا بايعاكوا كلاتكوا و اشتريت بتي.
ضرب عبدالعزيز الأرض بعصاه بغلظة و هو يهب على قدميه و قد قرر أن ينهي فقرة صمته فيصيح بزوجته ناهراً إياها:
- هي حصلت يا بت عمي.. بتتحديني و ترفعي صوتك في وشي؟! و الله عال تبيعينا عشان بتك الفلتانة اللي هربت مع عشيقها و حطت روسنا بالوحل.
- ما حصلش ( هدرت بها الأم و هي تحرك يديها بعصبية و أعقبت ) انتوا اللي عملتوا فيها اكده.. كنتوا عايزين تدبحوها بالحيا و انا كنت شايفة و ساكتة.. كنت خايفة منك بس خلاص زمن الخوف راح و اللي ما عملتوش زمان هاعمله دلوقت و زي ما قال ولدي جمال بتنا هاتفضل وسطينا و اللي مش عاجبه يخبط راسه في الحيط.
اقترب عبدالعزيز بخطواته المتهدلة نحو زوجته و قد بان الغضب جليا على محياه لتتقدم نور و تضع جسدها حاجزا بينهما و هي تتطلع إليه بحزن نافر من مقلتيها:
- معقول بعد كل هالسنين مش قادر تسامح و تغفر.. أمي سامحت و غفرت قبل موتها.. إنتوا غلطوا بحقها و هي قابلتكم بغلط ما كان في قدامها غيره.. مرات بتنحسر الخيارات لغلط و غلط اكبر منه و اللي بيفاضل بين الغلطين هو الإنسان نفسه.. مرات بفكر هل أمي غلطت؟ فكرت كتير لحد ما وصلت انه الطرفين غلطوا و الطرفين ظلموا بعض و بالنهاية ما في صلاح مطلق و لا شر مطلق.. دائما البريء إلا ما تشوب براءته بعض الشر اللي بيعكرها و الظالم ممكن تلاقي لظلمه سبب أكبر منه.. بالنهاية كلنا عايشين بالمنطقة الرمادية و بتمر علينا أوقات بنضطر نتصرف بغريزة البقاء و الحرية و هاد اللي صار بهاي الحكاية.. و الغفران مش موضوع سهل أنا عارفة لكن أنا شو ذنبي أعيش اللي باقي من عمري بدون أهل بالرغم إني إلي أهل و عزوة كبيرة؟!!
و ما ان أكملت كلماتها قاطعها عبدالعزيز بتشمت و استسخاف قائلاً:
- عايزة السماح و الغفران.. ( ليقهه باستهزاء قبل ان يكمل ) و ده ليه ان شاء الله مش احنا ظلمناها و احنا اللي جينا عليها.. يبقى ازاي احنا اللي نسامح ده احنا اللي المفروض نطلب السماح!
تجاهلت نبرة الاستهزاء بصوته الرخيم و نظرات الجمع المرتكزة عليها لتقول بإباء و براثن صداع تنشب برأسها تكاد تفتك به:
- ما بعرف مين الصح و مين الغلط.. مين الظالم و مين المظلوم! الحق تاه بينكم و بطل ينعرفله طريق بهالقصة و الله بس بيعرف طريقه.. و كل هاد ما بيهمني ( و أردفت و هي تشمل الجميع بنظراتها ) كل اللي بطلبه إنه ننسى و نفتح صفحة جديدة للعيلة و أنا اكون من حروفها.. معقول الزمن و الفراق و الدم اللي بيجمعنا ما يشفعلي و يشفع لأمي عندكوا.. و لا حتى قول الله ( فاعف عنهم و اصفح إن الله يحب المحسنين ).
تستجديهم.. نعم و لا بأس هي مستعدة لأن تتذلل و تقبل الأيادي فهؤلاء أهلها حتى لو نبذوها، شعرت بيد جدتها تزيحها من طريقها لتواجه زوجها قائلة:
- أنا عمري ما غضبت عليها.. زعلت عليها لكن قلبي رضيان عليها.. لكن إنت قلبك حجر يا عبدالعزيز و عمره ما حن.. مش دي سهام اللي كانت حبة القلب اللي ما ترفضلهاش طلب واصل ليه عملت فيها اكده؟ أنا من يومها و انا بقعد مع نفسي أسألها ليه عملت كده في بتك و ما قدرتش ألاقي جواب.
أشاح بوجهه غضباً و خطوات إحدى النساء المكلومات تتقدم نحو نور لتصبح قبالتها فترفع كفيها تتحسس بشرة وجهها و كتفيها نزولا لكفيها فتلتحم الأكفف.. لتقول بصوت متهدج و هي تقاوم سكب عينيها:
- هي قالتلك إنها سامحتني؟
عقدت نور بين حاجبيها لا تفتهم كأنما تطالب الاستفاضة بالحديث.. لتردف المرأة قائلة و هي تشير على صدرها بسبابتها:
- أنا اختها أحلام.. قالتلك إنها سامحتني؟ أنا جرت عليها كمان.. اخترت جوزي على خيتي.. بس ربنا خد حقها مني.. و جوزي اللي ضحيت بخيتي عشانه سابني و هج و راح اتجوز وحدة مصراوية عشان خلفة الصبيان.
قهقهت أحلام بسخرية تجلد نفسها التي سوَلت لها يوماً التضحية بأختها و هي تتابع كمن يهذي بتيه:
- أنا بدعي دايما بصلاتي انها تكون سامحتني..ذنبها محفور على رقبتي.. حتى لما هربت أنا وزيتهم يدوروا وراها و يجيبوها غصبن عنيها عشان أبو بناتي يعيش.
- سامحتك و سامحت الكل.
كانت تلك كلمات نور التي بثتها قدر ما استطاعت من الحنو.. لتنظر لها أحلام كمن يستجديها الصدق في القول ليأتيها التصديق بشكل إيماءة هادئة و ابتسامة دافئة من ابنة اختها، ربتت نور على كتف خالتها التي تجاهلت التربيتة و هي تسحبها نحوها بعناق ساحق لأضلعها.
الكل كان يتابع المشهد بين متأثر و حاقد و ناقم و حائر.. الكل حتى مصعب الذي عادت به الذكريات لتلك الفترة المشؤومة و هو من كان يرفع رأسه دوما زهوا و فخرا بين الخلائق انحنى رأسه حينها أو هكذا خيل إليه حتى لو لم يعلم الناس فعلم النفس تكفي.. نفسك هي الشاهد الأقوى و هي من تحرك عنفوانك للأعلى بزهو أو للأسفل بانكسار.. لم و لن يغفر لها حتى لو وارى التراب ثراها.. هي أجرمت بحقهم و ليس هو من يسامح، تحرك بخطوات بطيئة نحو نور التي كانت الآن تتوسط والدته و أخته الكبرى و هم يناظرونها بشوق لسهام التي تمثلت لهم الآن بابنتها الوقحة برأيه.. أبعد أخته بيده بغلظة ليقابل نور بنظرات مشمئزة و هو يقول:
- و جاية لوحدك ليه يا بت سهام؟ أمك و عرفنا انها غارت لكن أبوكي فين و سابك تيجينا برجليكي لوحدك ليه؟
تجهم وجهها و قد استحال للحمرة من شدة الغيظ فهو يذم والدتها في حضورها بكل صفاقة و يبدو أنه لم يكن قد استمع لجملتها العابرة و التي ألقتها على مسامع جدها بأن الله قد اختار أن لا يبقى لها أهل سواهم.. لتجيبه و هي تبتسم بتحدي بزاوية فمها:
- أبوي الله اختاره من سنتين الله يرحمه.. و جدي و جدتي كمان توفوا من سنين..
و قبل أن تكمل شرحها قاطعتها جدتها و هي تلطم على صدرها بلوعة و تقول:
- يعني وحدانية يا ضنايا؟ فضلتي وحدك سنتين و ليه ما جيتيش حدانا من وقتيها؟
تحولت نظراتها للرأفة و هي تلتفت لجدتها و تنطق:
- لحد ما طلعت من حالة الحزن على فراق أبوي و بعدها لما فكرت بموضوع جيتي هون بصراحة القرار كان صعب جدا.
لتأتيها كلمات خالها سالم المتهكمة بغل جلي و هو يقول:
- يا ريتها فضلت صعبة و ما استسهلتيهاش يا بت سهام.
قطبت حاجبيها بحيرة.. ليس من كرههم لها بل من اللقب الذي أطلقوه عليها " بت سهام " هي تفتخر بكونها ابنة سهام الأبية لكن رنة الحروف و هي تخرج من شفاههم تعلمها أنهم ما قالوها إلا ذماً.. هزت رأسها للجانبين بقنوط و قد أوشكت أن ترفع راية الاستسلام و هالة من الضعف تلبستها بعد أن استنزفت مشاعرها و قد جفت لتحيد نظراتها نحو جدها الذي عاد لجلسته على المقعد و هو يناظر الفراغ أمامه بحاجبين معقودين و كفيه تستقران أمامه فوق رأس عصاه و يبدو كأنه منفصلا عن المشهد ككل.. لتشيح بنظراتها و تنقلها لجدتها التي ما زالت دموعها تخضل وجنتيها و هي تبتسم لها كأنما تشحذها لخوض المعركة لنهايتها.. لا بأس فالمعارك فوز و خسارة و المهم هي الحرب و الحرب كر و فر، استقامت أكثر بوقفتها و هي تصلب كتفيها تشملهم جميعا بنظرة سريعة و هي تبتلع علقم نبذها بشموخ يحكي جلد كرامتها التي لا تنحني.. تهزء هي من نقضهم لدمائهم التي تجري بشرايينها فلا فصال هنا.. هي ابنتهم شاء من شاء و أبى من أبى.. لتقول كلمتها الأخيرة في هذه المعركة:
- مهما هجتوا و ثرتوا.. صرختوا و ضربتوا برجليكوا الأرض أنا راح أضل بنتكم و من دمكم و هاي حقيقة مستحيل تتغير..و إذا ما كنتوا بدكوا اياني ببيتكوا فانا راح أتأجر أي شقة هون بالبلد أسكن فيها لحتى الله يحلها من عنده و مش هاستسلم.. صدقوني ما تألمت و أنا بتخيل السيناريوهات اللي مرت ببالي زي ما تالمت هلأ.. أنا وحيدة الآن و ما الي عيلة تحضني فمشان هيك و من الآخر أنا ما هابعد عن ستي ( قالتها و هي تطالع جدتها ) طالما هي بدها اياني بحياتها و أي حدا بيرغب بوجودي بحياته انا راح أحارب أي حدا تاني بده يبعدني عنه.. أظن كلامي واضح.. مش راح أتخلى عن أنانيتي بحقي بالعائلة.

ليختم المشهد جمال و الذي كان للمفارقة مبتسماً طوال الوقت يتأمل تفاصيلها و خلجاتها التي تتبدل بوقت قياسي من التشنج للحنو للتحدي.. ليقترب منها بشموخ ورثه عن رجال عائلته الأشداء و يقول بصوت عال ليسمع الجمع:
- مش هاتتحركي خطوة من هنا يا بنت عمتي.. ما جبتكيش هنا عشان أخلي بيكي.. انتي مكانك هنا بينا و مش اي مكان تاني.
حانت منه التفاتة لجدته ليجدها ما زالت تذرف الدموع على فقيدتها التي لم يتسن لها تشييعها ولا وداعها:
- و الا إيه يا جدتي؟
لتخرج من شرودها الأليم و هي تقول بقوة مؤكدة:
- طبعا ما الهاش مكان غير بيت أهلها.. و أنا هاجهزلها أوضة سهام تعيش فيها بينا و وسطينا و اللي عاجبه يا أهلا و اللي مش عاجبه أهو الباب عنديه يفوت جمل.
لتخطو بثقل تجاه نور المبتسمة لها و تقبض على كفها توجهها لأعلى السلم تجاه غرفة والدتها حيث ذكريات طفولتها و صباها و أخيرا قهرها.






noor elhuda likes this.

وفاء حمدان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-10-19, 11:42 PM   #34

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

فصل مؤلم جدا ابكتينى بالمواجهة المرهقة دى

نور الشجاعه القوية انا حبيتها جدا وحبيت دفاعها عن حقها فى ان يكون ليها عيلة تتحامى فيها

للأسف ان اللى فتحوا دراعاتهم ليها غير جمال طبعا هما جدتها وخالتها الطرفين الاضعف فى العيلة وخدوا الموقف اللى المفروض يجى من رجال العيلة اللى كل همهم سمعتهم وشكلهم قدام الناس

ونسيوا ان نور بنت وسهل جدا انها تستغل من ناس حقيرة والمفروض يحموا عرضهم المتمثل فيها

ياترى سمر هتقبل وجودها وهى خايفه منها على جمال

وجدها واخوالها هيفضلوا على غبائهم وتعنتهم فى رفض وجودها

تسلم ايدك الفصل روعه


ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 01:18 AM   #35

زهرة الغردينيا

نجم روايتي


? العضوٌ??? » 377544
?  التسِجيلٌ » Jul 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,778
?  نُقآطِيْ » زهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond reputeزهرة الغردينيا has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ورحمة اللة وبركاته
بداية مشوقة ....
نور لم يعد لديها احد من عائلتها بعد وفاة والدها
لقد قررت السفر الى مصر لكى تتعرف
على عائلة والدتها ...
لقد اعتقدت انهم سوف يرحبون بها
لكنهم رفضوا وجودها معهم....
وحدة جمال ابن عمها هو من دافع عنها
وجدتها قررت ان تكون قوية وتدافع عن حقها
ب حفيدتها بعد ان حرموها من ابنتها...
تسلم ايدك حبيبتي ❤❤❤❤
بانتظار القادم بشوق


زهرة الغردينيا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 07:38 AM   #36

modyblue

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية modyblue

? العضوٌ??? » 321414
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 19,073
?  نُقآطِيْ » modyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond repute
افتراضي

حينما يتعارض الخوف مع الأمل.. على الأمل أن ينتصر و يمضي و على الخوف أن يتقهقر و يذوي.

modyblue غير متواجد حالياً  
التوقيع
[imgr]https://scontent.cdninstagram.com/t51.2885-15/e35/13381174_1031484333594500_1155395635_n.jpg?ig_cach e_key=MTI3NDU2NTI5NjAzNjMwNzM2OQ%3D%3D.2[/imgr]

رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 08:19 AM   #37

modyblue

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية modyblue

? العضوٌ??? » 321414
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 19,073
?  نُقآطِيْ » modyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond repute
افتراضي

فارع دارع. عو يقال لمن يخرج بدون لباس كامل بسبب السرعه. فارع: مكشوف الرأس، دارع: مكشوف الصدر. س. المعنى: أنه قد يسمع صوت مشاجرة فيخرج

modyblue غير متواجد حالياً  
التوقيع
[imgr]https://scontent.cdninstagram.com/t51.2885-15/e35/13381174_1031484333594500_1155395635_n.jpg?ig_cach e_key=MTI3NDU2NTI5NjAzNjMwNzM2OQ%3D%3D.2[/imgr]

رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 08:19 AM   #38

modyblue

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية modyblue

? العضوٌ??? » 321414
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 19,073
?  نُقآطِيْ » modyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond repute
افتراضي

عيناها الزرقاوان كما المحيط يود لو يرتحل فيهما دون أن ينشد لنفسه مرسى

modyblue غير متواجد حالياً  
التوقيع
[imgr]https://scontent.cdninstagram.com/t51.2885-15/e35/13381174_1031484333594500_1155395635_n.jpg?ig_cach e_key=MTI3NDU2NTI5NjAzNjMwNzM2OQ%3D%3D.2[/imgr]

رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 08:28 AM   #39

modyblue

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية modyblue

? العضوٌ??? » 321414
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 19,073
?  نُقآطِيْ » modyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond repute
افتراضي

إضرب الرأس يتهالك الجسد بأكمله و دعك من الأطراف.

modyblue غير متواجد حالياً  
التوقيع
[imgr]https://scontent.cdninstagram.com/t51.2885-15/e35/13381174_1031484333594500_1155395635_n.jpg?ig_cach e_key=MTI3NDU2NTI5NjAzNjMwNzM2OQ%3D%3D.2[/imgr]

رد مع اقتباس
قديم 14-10-19, 08:35 AM   #40

modyblue

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية modyblue

? العضوٌ??? » 321414
?  التسِجيلٌ » Jun 2014
? مشَارَ?اتْي » 19,073
?  نُقآطِيْ » modyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond reputemodyblue has a reputation beyond repute
افتراضي

فمن قال أن من صمت نجا كان واهم.. فإن من صمت هلك و هلك معه الحق فلتجهر بالحق حتى لو كان فيه فناءها

modyblue غير متواجد حالياً  
التوقيع
[imgr]https://scontent.cdninstagram.com/t51.2885-15/e35/13381174_1031484333594500_1155395635_n.jpg?ig_cach e_key=MTI3NDU2NTI5NjAzNjMwNzM2OQ%3D%3D.2[/imgr]

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:49 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.