آخر 10 مشاركات
|
| |||||||||||||
 |
| | LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
31-10-19, 08:48 PM
| #131 | |||||
| كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
|  اقتباس:
| |||||
|  |
|
31-10-19, 08:49 PM
| #132 | |||||
| كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| اقتباس:
تسلميلي يا قلبي سعيدة بكلماتك | |||||
|
| |
|
31-10-19, 08:51 PM
| #133 | |||||
| كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| اقتباس:
| |||||
|
| |
|
31-10-19, 08:53 PM
| #134 | |||||
| كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| اقتباس:
| |||||
|
| |
|
31-10-19, 08:54 PM
| #135 | |||||
| كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| اقتباس:
| |||||
|
| |
|
31-10-19, 08:56 PM
| #136 | |||||
| كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| اقتباس:
| |||||
|
| |
|
31-10-19, 08:58 PM
| #138 | ||||
| كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء
| الفصل الحادي عشر الفصل الحادي عشر: - سرااااااااااااااااااااااا ااج. تعالت صرخات جمال بإسم سراج و هو يقف على بوابة قصر آلـ حرب.. ركل البوابة الحديدية بقدمه و هو يرجها رجاً شديداً بقبضتيه بعد أن قام الحارس بإغلاقها عقب أن شهد ثورة جمال و هو بالتأكيد لن يرفع سلاحه في وجه جمال التهامي.. هرع الحارس للبوابة الداخلية يطرقها بتتابع متوتر حتى خرجت له روح و هي ترتجف هلعا: - فين سيدي جاسر و سيدي سراج بيه. اهتزت حدقتيها و قد حانت منها نظرة للهائج على البوابة الخارجية.. غصت ببكائها و هي تجيب الحارس: - ما فيش حد هنا غيري أنا و عمتي.. عمي و سراج خرجوا من بدري. ضرب الحارس الكف بالكف و هو لا يعلم التصرف بهذا الأمر ليقرر أن يهاتف سراج و يبلغه بالأمر و قد كان.. أخبر الحارس سراج بكلمات مقتضبة عن تهجم جمال على القصر ليشتم سراج و يلعن و هو يضرب مقود السيارة و يقول كلمته: - خمس دقايق و هاكون عندك إياك تخليه يدخل ابن الكلب ده. أقفل الحارس الهاتف مع سراج لتتهلل أساريره ما أن رأى الحاج عبدالعزيز و محمد التهامي مقبلين نحو جمال.. اقترب أكثر منهم لتبقى البوابة الحديدية حاجزا بينهم و هو يتابع الإثنان يعافران مع جمال كي يبعدوه عن المكان لكن الغلبة كانت للهائج و علامات الإجرام تنضح من نظراته و سبابه.. صاح جمال بالحارس معنفا: - خلي سيدك يخرجلي .. لو كان راجل خليه يخرجلي مش يفضل مستخبي جوا مع الحريم. - و الله يا جمال بيه ما هو هنا.. سراج بيه و جاسر بيه خرجوا من بدري و البيت ما فيهوش غير الحريم و الله ما يصح اللي بيوحصل ديه.. ديه عيبة بحقكوا يا جمال بيه. هذه المرة الصيحة كانت من نصيب الحاج عبدالعزيز موجها الحديث للحارس: - اكتم انت و ما تزيدش الطين بلة يا ولد المركوب. قاطعهم صوت صرير عجلات السيارة الخاصة بسراج و هي تحفر أثرها على الأرض.. خرج سراج من السيارة و ابتسامة شيطانية قد تشكلت على ثغره.. تقدم من الجمع و هو يطوي أكمام قميصه بعد أن كان قد خلع سترة بذلته في السيارة: - أنا جيتلك أهو يا ابن التهامية و النهردة يا قاتل يا قاتل.. و ما لكش دية عندي. احتقنت عينا جمال بلون الدم و تقدم يبتغي الهجوم عليه ليكون أخاه محمد بالمرصاد و هو يكبله من الخلف بينما تقدم الحاج عبدالعزيز من سراج الذي كان يناظر جمال بتسلية ليقول بمهاودة: - ما لوش لازمة الكلام ديه يا ابني.. ابننا احنا هناخده من اهنه و يا دار ما دخلك شر. حادت أنظار سراج نحو الحاج عبدالعزيز يزعق فيه دون اعتبار لسنه و مقامه: - أولا أنا ما يشرفنيش أكون ابنك.. أنا ليا أب و انتوا قتلتوه.. غير كده انتوا جايين تتهجموا على حرمة بيتي و عايزين تلموها.. طب ازاي!! كاد الحاج عبدالعزيز أن يجيبه لكن صراخ جمال أوقفه: - مش هاتكون ليك يا سراج.. الله في سماه إني هاكون قاتلك لو جبت سيرة جوازك منها تاني. الآن اتضحت الصورة.. الغبي الذي يتلوى بجسده يبتغي التحرر من قبضتي أخيه مدله في حب نور و من ثورته هذه يبدو أن الموافقة على مطلبه أضحت في متناول اليد.. رفع حاجباً واحداً وهو يبتسم باستفزاز قائلا: - روح يا شاطر من هنا.. الكلام في المواضيع دي يبقى بين الكبار مش العيال ( و التفت للحاج عبدالعزيز يطلب التأكيد ) و الا إيه يا حاج؟ مسح الحاج عبدالعزيز وجهه بكفه وهو يستغفر ربه قبل أن تندفع قذيفه من جانبه و التي ماكانت سوى جمال الذي أطاح بأخيه محمد و انقض على سراج ليلتحم الإثنان بقتال شرس.. يتلاكمان و يتراشقان بالألفاظ النابية.. و تارة تكون الغلبة لجمال و تارة لسراج.. لكن في النهاية استطاع سراج تثبيت جمال على الأرض و ركبته تتوسط صدره فبالرغم من بنية جمال القوية إلا أن لسراج الغلبة الجسدية ، في تلك اللحظة ظهر جاسر حرب يهرول نحوهم بعد عودته من جولته التفقدية للأراضي.. التفت ذراعي جاسر حول جذع سراج يجاهد لإزاحته دون جدوى.. كان سراج كما الطود الجاثم و هو يسدد اللكمات لجمال دون حتى أن يشعر بما حوله.. كأنه كان ينتظر هذه اللحظة منذ الأزل ليشفي غليله من أحد رجال عائلة التهامي، نفذت جعبة جاسر و هو يرى محمد يتلوى ألما بعد أن كان جمال قد ركله بمنطقة حساسة بينما كان الحاج عبدالعزيز منكساً رأسه بألم يوخز صدره.. فلم يتبقى لجاسر إلا الخيار الأخير، استل مسدسه من جيب جلبابه و رفعه عاليا ليطلق منه رصاصات متتابعة فيتجمد الجميع و من بينهم سراج الذي انسلخ من انغماسه بسكرة الغضب على صوت صيل الرصاص ليستغل جمال تلك الفرصة و يبعده عن جسده، تهالك جمال بعد أن حاول الاستقامة ليتقدم نحوه جده و أخيه المتجاسر على ألمه يعينانه على النهوض.. رمق جمال سراج بنظرة حقد ليردها إليه سراج بنظرة تحدي ليفترق الجمع أخيرا دون كلمة ختام للمشهد المخزي. ------------------------------------- - يعني إيه مش لاقيينه.. تغطس دلوقت و تجيبهولي من تحت طقاطيق الأرض. كانت تلك كلمات مصعب موجهة لإبنه محمد و قد أعيتهم السبل للتوصل إلى مكان جمال الذي لم يرتضي العودة مع جده و أخيه للمنزل بل قاد سيارته مسرعاً لمكان مجهول لهم حتى اللحظة.. أومأ محمد باستسلام و هو يخرج من البيت تشيعه نظرات رحمة المشفقة، كان سالم يطالع نور بنظرات متفحصة بصمت ليقطعه بعد أن انتبهت لتحديقه بها قائلا بهدوء: - انتي قد كلمتك اللي قلتيها يا بت اختي؟ ابتسمت نور بسخرية بداخلها من لفظ ( ابنة اختي ) و كأن بموافقتها على وأد ثأرهم بزواجها قد أضحت من صلبهم و ليست ابنة الخاطئة بنظرهم.. لعقت شفتيها و هي تشعر بجفاف يتملك منها: - أيوة يا خ.. ( بترت كلمة خالي حيث شعرت بثقلها على لسانها ) أيوة أنا قد كلمتي بس كمان حكيت إنه الزواج هايكون بشروطي. ضيق عينيه يحاول سبر أغوارها و إن كانت تتلاعب بهم ليسأل دون مواربة: - شروط إيه اياك؟ - هاتعرفوها لما ييجوا و يطلبوني رسمي. صمت و لم يعقب.. حانت منه التفاتة لمصعب الذي كان يذرع الصالة بتوتر و خوف على ولده جمال.. قلبه ينبؤه بأمر جلل ما كان بالحسبان و خيوط اللعبة قد التفت حول أعناقهم حتى كادت تخنقهم جميعا، استمرت الجدة بتلاوة الأذكار و هي تدعو ان يحفظ الله ولد ولدها بينما الجد كان قد وصل التأفف معه للذروة ليصيح بمصعب: - ما تقعد يا ولد خيلتنا و انت رايح جاي. أومئ مصعب جالسا و هو يفرك يديه بترقب للاتي لتصدح في تلك اللحظة أصوات صراخ و عويل آتية من بعيد.. قطب الجميع جبهاتهم باستغراب ليكون سالم أول من يهب عن مجلسه و يخرج ليستطلع الأمر. - استر يا رب استر يا رب.. قلبي مش مرتاح واصل. تحدثت الجدة برهبة و كلماتها تخرج راجفة من جوفها لتنتقل الرجفة تلقائيا لجسد نور و هي توقن الآن ان المصائب أبدا لا تاتي فرادى، استأذنت لترتحل لحجرتها حيث انفرادها بعبراتها التي تحكي إنهاكاً قد طغى على الجسد و وهناً قد بغى على الروح.. طالعت نفسها بالمرآة لتجد شبحا يشبهها.. لمعة عينيها قد انطفأت و تورد بشرتها قد ذبل.. تنهدت بأسى و هي تكفكف دموعها و تخطو ناحية النافذة لتفرق ستائرها.. احتبست انفاسها و تصنم بؤبؤيها بهلع و هي تتطلع إلى المشهد المهيب في الأفق.. نيران.. نيران تزحف و تأكل الأخضر و اليابس.. إحدى بوابات الجحيم قد شُرِعت و لفظت حممها على تلك الأرض. رمشت بأهدابها لأكثر من مرة و هي تدقق النظر لتشهق شهقة طويلة تبعها تهاوي ساقيها لترتكز على ركبها و هي تضرب حافة النافذة السفلية بقبضتها.. تلك هي أرض آلـ حرب و إن صدق حدسها فقد انتهى أمرهم إلى منتهى غير محمود. وصلها صوت خالها سالم يصيح بالجميع أن أرض عائلة حرب قد شبت فيها النيران و أن الغفر الذين كانوا يحرسوها أقروا أن جمال و زمرة من رجاله هم من أشعلوا النيران.. حاولت النهوض و لم تتمكن.. تكاثف دبيب الفزع في جسدها لتخر راكعة بعد أن خانها الصمود.. زحفت على ركبتيها و يديها حتى وصلت للباب و أقفلته بالمفتاح و جلست و قد أعطت ظهرها للباب و هي تضم ساقيها لصدرها لتنخرط حينها بنحيب يقطع نياط القلب.. بقيت تؤنب نفسها و تحملها الذنب.. ليتها ما أتت.. ليتها ما كانت قبل هذا.. فقط ليتها. كان يهيب بالرجال كي يسرعوا و يطفئوا النيران قبل أن تأكل جل محصول السنة.. تناسى حينها المتسبب و ركز على إطفاء النيران التي تلتهم أرضه دون هوادة او رحمة.. تناول الخرطوم من يد أحد الغفر و ركض به إلى داخل الأرض التي تحيطها النيران دون أن يعبأ بالأصوات التي ترجوه العودة.. تجمع عددٌ وفيرٌ من أهل البلدة يحاولون إطفاء النيران و إن كانت الأرض ليست بأرضهم لكن خيرها يعم على الجميع خاصة العاملين بها هم و ذويهم.. انضم إليهم رجال عائلة التهامي عدا جمال بالطبع و قد شمروا عن سواعدهم و استعانوا بخراطيم المياه خاصتهم و التي سبقتهم إلى أرض حرب ليهبوا منجدين، و بعد بضع ساعات كان الدخان الأسود يملأ المناخ من حولهم.. رمى سراج الخرطوم الذي كان بيده ليجول الأرض المتفحمة بأنظاره الآسية.. جثى بركبتيه على الأرض يتحسس التراب بيديه لتلسعه حرارته و لم يكترث.. قبض على حفنة من التراب و اعتصرها بين يديه و هو يرسل طرفه للبعيد ينطق بنذير شر: - و ديني و ما أعبد ما هارحمكوا يا ولاد التهامية. و على مشارف الأرض كان الشجار قد احتد بين رجال التهامية و جاسر حرب الذي ما أن رآهم حتى هرع إليهم لينقض على تلابيب سالم يصيح به: - تقتلوا القتيل و تمشوا بجنازته يا ولاد عبدالعزيز.. لكن المرة دي كفيتوا و وفيتوا.. فعلا ديل الكلب عمره ما ينعدل. نفض سالم يد جاسر عنه كاظما لغيظه و هو يعلم أنهم قد أهدروا الحق ليرد على كلامه الجارح: - ما خلاص يا جاسر.. عارفين ليك حق في كل اللي هاتقوله.. و الخساير كلها احنا هانشيلها.. ديه فورة دم شباب و انت اكبر من إنك تاخدنا بذنبها.. بكرا نتجمع حدا دوارالعمدة و كل طلباتكم مجابة إن شاء الله. - المرة دي وسعت منك قوي يا سالم لكن كيف ما قلت الصبح ليه عينين و الحساب يجمع. ------------------------- دخل مصعب إلى القصر كما الإعصار الهادر يسب و يلعن تربيته لإبنه.. تسمرت قدميه بغتة ليكز أسنانه و هو يرى جمال يجلس بأريحية على الكنبة يضع الساق فوق الساق يطالعه و عمه الذي أفل عقب والده بكل برود.. برود كان قناعا لنفس النيران التي شبها بأرض حرب.. شبَها بارضهم ليعلموا بحجم النار التي تموج بصدره، اندفع مصعب نحوه و دون أي كلام هوى على وجنته بصفعة كادت تفقأ طبلة أذنه.. عاد جمال بوجهه نحو أبيه بعد تلك الصفعة و هو يبتسم بقسوة.. صرخت الجدة ( ولدي ) لينهرها الحاج عبدالعزيز آمرا النساء بالتزام حجراتهم ليتحرك نحو مصعب و جمال يحث الخطى ليلكز مصعب بعصاه يبعده من أمام جمال ليحتل هو مكانه و يضع نهاية عصاه على صدره يضغط بها: - قولي بس فين كان مخك و انت بتعمل عملتك ديه.. كان ليهم عندنا حقين و دلوقت بقوا تلاتة يا وش الفقر. أزاح جمال العصا بذراعه لينهض يحرك ذراعه بطريقة هوجاء و يصرخ بهم: - انتوا السبب.. قلتلكوا بحبها و عايز اتجوزها لكن انتوا مصرين تجوزوها لابن حرب. - و مين حكالك إني بحبك و رايديتك ! خرجت تلك الكلمات القاسية من فاه نور الواقفة اعلى درجات السلم.. هبطت السلالم لتقترب منه تتأمل نزف قلبه المنعكس على عينيه العاتبتين.. أخذت نفسا عميقا دون أن تشيح بنظرها عنه و قالت بنبرة أودعتها جل السكون: - يا جمال إنت ما سمعت ردي عليك لما اعترفتلي بحبك !! أنا ولا مرة لمحتلك إني حاسة بشي تجاهك غير الأخوة و ولا مرة أصلا حسيت فيك مشان يكون عندك علم.. إنت أخ يا جمال. ظغطت طواحينه على بعضها بشدة يحاول لجم دموعه.. دموع القهر على حبيبة أهدرت الحب و قذفت عطايا القلب في وجهه دون رأفة: - يعني مش رايداني؟ جاء سؤاله يقطر ألما و قسوة.. يسأل السؤال الذي يعلم أن إجابته ستجلده حتى حين..لتأتيه إجابتها تجهض آماله في حب ظنه الحياة: - صدقني يا جمال أنا لو في بقلبي ذرة حب لأي شخص ما كنت قبلت أتزوج سراج و أضحي بحبي.. و انت يا جمال بتستاهل أحسن مني.. بتستاهل وحدة تحبك من كل قلبها تكون إنت أول و آخر دنيتها و لو دورت حواليك صدقني ما هاتغلب و فوق كل شي بعد ما كان في احتمال واحد في المية انه هالزواج ما يتم إنت بعملتك هاي لغيت كل الفرص إني أتملص من هالزواج.. من الاخر يا جمال انت اللي كتبت الخاتمة. أطبقت بأسنانها على شفتيها من الداخل تهرب من نظراته الموجعة لكلاهما على حد سواء.. شعور سحيق بالذنب يغمرها.. لكن ما يشفع لها عند نفسها أنها لم ترمي للأمر و لم تعلم عنه من الأساس، كتمت شهقة ملتاعة و هي تتبع خطواته الراحلة عنهم جميعا و كلمات جدها الهادرة تلحق به: - وشك ما اشوفهوش هنا من تاني.. انت لا ولدنا و لا نعرفك. أغمضت عينيها لتسمح للدموع بالهطول.. فتحتهما لتوجههما نحو جدها الذي تركها نهبا لأفكارها السوداء و غادر نحو حجرته.. بينما انشغل سالم بمحادثة ابنه عبدالعزيز يأمره أن يغادر البلاد من فوره إذ أن وجوده بالقاهرة بعيدا عن الأحداث لم يعد يكفي ففورة الدم قد اشتعلت نيرانها الان و إن لم يكن دما الذي هُدر تبقى الأرض عند الرجال بثقل الدماء، لتنتهي تلك الليلة العصيبة على قصر التهامي و قد خيم عليها الحزن و الترقب لحساب الغد. بينما في قصر حرب كان سراج بهيئتة السوداء من فعل سخام النيران و التراب يطيح بكل ما تطاله يديه في حجرة المكتب.. غضب عظيم قد تملك منه و يود لو يطبق على حناجرهم يكسرها بيديه العاريتين و حتى حينها لن يشفى غليله.. قد دقت طبول الحرب من جديد بين العائلتين بعد الهدنة الطويلة و لن يصمتها سوى تضحية أعظم، تجنب جاسر ابن أخيه في ثورته فليس من التعقل التواجد في محيطه الآن.. صرف نساء بيته لمخادعهن و قد طمأنهن بكلمات مقتضبة أن الأمر سيضحي بخير رغم يقينه أنه بكاذب، ألقى نظرة أخيرة على باب غرفة المكتب قبل أن ينسحب هو الاخر لحجرته تاركاً سراج مع شياطينه لبعض الوقت قبل أن يحاول أن يستشف نيته تجاه ال التهامي إزاء ما أجرموا بحقهم. أتى الصباح الثقيل و الهواء ما زال مثقلا بفاجعة الأمس.. كان سراج ما زال حبيسا في غرفة المكتب.. يحرق لفافة تبغ تلو الأخرى و خيالاته تصور له دخان التبغ على أنه الدخان المتصاعد من فعل النيران التي تشب بأرض الـ التهامي.. شيطانه يتربع في عقله طروبا ينفث سموم وساوسه و هو يعلم أن الصيد هذه المرة يسير.. يحرضه على أن يقتلع حقه منهم تباعا لقانون العين بالعين.. و النار بالنار.. قطع سلسلة أفكاره المنبثقة من أتون الجحيم ولوج عمه للغرفة.. اقترب منه و وضع كفه على كتف سراج ليقول بحروف متلجلجة: - انت بخير يا ولدي؟ لم يأته أي رد.. كان سراج هادئا لكن ليس كهدوء الموتى بل هو هدوء الأسد الذي يتبرص بالفريسة قبيل لحظة الانقضاض فالافتراس.. هزه عمه من كتفه ليلتفت إليه بعينين كما الجمر المشتعل.. ازدرد جاسر ريقه بتوجس و هو يعلم أن مهادنة ابن أخيه لن تكون بالأمر اليسير المتاح.. لكنه لن ييأس.. - بلاش اللي بيدور براسك يا ولدي. فخرج صوت سراج كما أنه من قعر جب سحيق: - و ليه لاء.. هانفضل نسامح بحقنا لحد امتى يا عمي؟! ليرد العم بعقلانية: - ناخد حقنا بالعقل يا ولدي.. ما عاوزينش نقيدوها نار من تاني. - و عقلك بيقولك ايه يا عمي المرة دي كمان؟ التف جاسر ليصبح مقابل سراج فيقول: - نخليهم يعوضونا الخسارة و يصلحوا الخراب اللي بقى بالارض. و كأنه لم يستمع لمقترح عمه.. بل تاهت نظراته لقريب يتمناه: - أنا عايز احرقلهم ارضهم زي ما حرقوا ارضنا.. أنا لو اطول اولع فيهم هم كمان. هز العم رأسه بيأس ليصيح هذه المرة بغلظة و قد وجد أن الحسم في الحديث هو الاولى في هذا المقام: - هي كلمة و رد غطاها.. ما عاوزينش خراب اكتر من اكده.. ناخد حقنا بالمعروف و خلصت على اكده.. و ما تنساش انه هايكون بينا نسب يا ولدي و اللي حوصل باين انه فورة دم من جمال عشان موضوع جوازك من نور. ضيق سراج عينيه و قد انفتحت طاقة جديدة في جحيمه.. كيف تاهت عنه هذه الحقيقة.. بالطبع.. جمال يحب نور و لهذا تهجم عليه و أشعل النيران بأرضه.. العداء منبعه الآن هو جمال.. و لهذا أقسى طعنة و أعظم ضربة ستكون بفقدانه نور.. أغمض سراج عينيه و هو يرجع رأسه للخلف و ابتسامة متخابثة تحتل ثغره.. سيجاري عمه في مطلبه و يتغاضى عن الرد بمثل الفعل.. بهذا سيحظى باليد العليا عليهم.. و سيكون له الفضل عليهم بالعفو عنهم.. و فوق هذا سيشكل ما جرى أداة ضغط أخرى على الـ التهامي من أجل الموافقة على الزواج.. النصر أحيانا يكون متخفيا.. و نصره سيكون بإشعال النيران بقلب جمال حين يحظى بنوره. وصل رجال عائلة حرب لدوار العمدة و الذي كان على دراية مسبقة بالترتيب و جلسوا ينتظرون.. طال انتظارهم و زاد تأففهم.. يوقنون هم أن جاسر و سراج يريدون إذللالهم بأي طريقة كانت لكن يبقى الخوف من تخلفهم عن الاجتماع فهذا ليس له إلا معنى واحد لا يريدون حتى التطرق إليه بفكرهم.. تنفسوا الصعداء ما أن أطل عليه جاسر و يجاوره سراج الذي كانت عيناه تقذف صيلا من رصاص الكره، استهل العمدة بذكر بعض من آيات الذكر الحكيم عن الغفران و كظم الغيظ ليلتفت نحو آل حرب يسألهم: - إيه الترضية اللي عايزينها يا جاسر بيه؟ عاجل جاسر بالرد كي يقطع الفرصة على ابن أخيه إن حاد عن قراره الذي أفصح عنه مسبقا قائلاً: - طلبنا الأول هم عارفينه و التاني يدفعوا بدل المحصول اللي راح و الضرر اللي حصل على الأرض و المرة الجاية أي حد فيهم هايتعرض لأي حد فينا أو لحاجة من أملاكنا العوض هايكون بالدم. بقي سراج واجما و نيران جوفه تهدد بالطفق من مسام جلده فتذيب قناع الشمع الصامت الذي أسقطه على وجهه.. وقتها أومأ العمدة بتفهم ليحيد بوجهه نحو الحاج عبدالعزيز يستنطقه: - إيه رأيك يا حاج.. أظن انهم اكده عداهم العيب. نقر الحاج عبدالعزيز بعصاه لبضع مرات مطرقاً رأسه بتفكير ليرفعه أخيرا يقول موجها حديثه لجاسر: - كل اللي طلبتوه هانلبيه ( صمت برهة قبل أن يتابع ) بس بتنا اللي طلبتوا يدها ليها شروط عايزة تضمن حقها بيهم و من الاخر احنا ما نقدرش نغصب عليها لإنها مش من عيلة التهامية. ألقى سراج بدلو اعتراضه متحدثا بصراخ هائج: - شروط ايه دي اللي هاتحطوها علينا.. ده نسب عشان التار.. لو هي مش عايزة و انتوا مش ليكوا كلمة عليها يبقى نفضها سيرة و نروح للي بعده.. و اياكوا تكونوا فاكرين ان كنتوا خليتوا ابن سالم يهج من البلد اني مش هاعرف اوصله.. أنا اجيبه لو كان في آخر ما عمر ربنا. احتقنت وجوه الجمع من أسلوب سراج الهجومي و قد فطنوا أنه يأمل أن يأتيه الرفض بالزواج ليتمكن من حصاد ثأره كيفما ابتغى منذ بادئ الأمر.. و قبل أن يتفوه أحدهم بأي قول تدخل جاسر بلكزة من ذراعه لسراج متحدثاً بحكمة يحاول أن لا تتوسع النار التي تحيط بهم: - أنا بقول نقعد و اياها و نسمع طلباتها ( استعاض بالكلمة عن شروط ليخفف من وطأة الأمر على نفس ابن أخيه ) و بعدين نشوف إن كنا هانتفق. ليكون الاتفاق على سهرة جماعية بقيادة العمدة في قصر التهامي تحضرها العروس المتمنعة. عاد جاسر وحيدا لقصرهم حينما افترق عنه سراج متعذرا بمشوار قد أجله بما يكفي.. تنهد جاسر بقلة حيلة حين استقل سراج إحدى سيارات الحراسة التي أتت معهم ليمضى هو بعدها للقصر، و أمام أحد البيوت الاعتيادية المنتشرة في البلدة خطى سراج نحو الباب الخارجي ليهوي بقبضته على الباب بضربات متتابعة.. أتاه صوت رجولي من الداخل يناشد من بالباب بالصبر.. فتح الباب رجل خمسيني ليحتل الرعب وجهه ما أن طالع الطارق.. تجمدت الدماء في عروق صاحب البيت و قد استشف من فوره سر هذه الزيارة و المبتلى الذي ستأتي به.. ابتسم سراج بسخرية متلحفة بالقسوة و هو يزيح الرجل بظهر كفه ليلج للداخل يجوب المكان بأنظاره و هو يقول بعنجهية: - إيه يا جوز عمتي.. ما فيش اتفضل! تفصد جبين " تحسين " بالعرق و قال مرحبا بنبرة مهزوزة: - لاء إزاي.. يا اهلا و سهلا يا سراج بيه.. ديه بيتك برضك.. انت تنور البيت في أي وقت. أومأ سراج و هو يتخذ مجلسه على أحد المقاعد المتموضعة في المكان ليعقد ساقيه و يشعل لفافة تبغه ينفخ دخانها بتمهل مستفز و يقول و هو يحرك اللفافة بين السبابة و الوسطى متأملا إياها: - البيت ده كان بيتنا يا تحسين.. وقت ما كانت عمتي لسة على ذمتك.. قبل ما اتطلقها و تبعتهالنا كانها ما الهاش أهل يسألوا عليها. ابتلع تحسين ريقه بمشقة كمن يبتلع زقوما ليقول مبررا: - أنا ما اغلطتش يا سراج يا ابني.. أنا ما عملتش حاجة مش من شرع ربنا. ندَت قهقهة ساخرة من سراج ليقول و آثار الضحك الهزلي ما زالت متملكة من صوته: - صحيح إنت ما خالفتش شرع ربنا.. بس خالفت الأصول.. و أنا جايلك هنا عشان أعلمهالك.. زمان كنا بنفوتلك لما كنت بتزعلها و تيجينا غضبانة منك لإنها كانت بتحوشنا عنك.. و دلوقت أنا عرفت انه ده كان غلطنا اننا سمعنا ليها.. و بعدين يا راجل هو ينفع تطلق عمتى بنت محمد حرب اللي كل الناس لسة بتحلف براسه و تبعتها بيت أهلها من دون ما تيجي لرجالة عيلتها و تبلغهم بالأول ؟! استمرت قطرات العرق بالتساقط عن جبين تحسين المنكس لتلامس الأرض فتلوثها.. رفع رأسه بدرجة قليلة ليقول برهبة جسيمة: - صوح كلامك.. الحق و اياك أنا غلطت و منكم السماح.. كان لازم أجيلكوا و أفاتحكوا بالموضوع بالاول قبل ما أطلق. - شوف إنت لانك كنت جوز عمتي و أنا بني آدم ما بيخونش العشرة و كمان لإني مش عاوز الناس تقول ولاد حرب بيهينوا نسيبهم الشايب أنا هاسيبك.. و عايزك تعتبر اللي هايحصل قرصة ودن عشان مرة تانية تبقى تفتكر الأصول كويس يا ابن الأصول. انعقد جبين تحسين بحيرة من حديث سراج المبهم و قبل أن يستفهم عن مقصده كان سراج قد أشار من بعيد لرجاله المتمسمرين خارج البيت و خلال الدقائق التي تلت كان جمع الرجال الأشداء يهوون بالعصي و الهروات على كل ما تطاله أيديهم و تحط عليه أنظارهم.. ليتركوا محتويات البيت حطاما متهدما.. و قبل أن يخطو سراج لخارج البيت قال موجها الحديث الساخر بلذوعة لتحسين: - مبروك الجوازة يا نسيبنا السابق.. على الله توضيبنا للبيت يعجب العروسة. ليغادر بعدها جمع الرجال و من قبلهم سراج الذي غادر هو الآخر متجها نحو أرضهم كي يعاين الأضرار و يبدأ بالإصلاحات و أفكاره كلها تدور حول زرقاء العينين، كيف للإنسان أن يجمع بين الكره و الرغبة بالقرب في آن واحد !! عجيب لهو أمر الإنسان .. و الأعجب أمره هو.. بنظرة واحدة تمكنت تلك الساحرة أن تحيده عن ثأره.. لكم يود التخلص من سحرها عليه.. أن يشلع تلك التربة الخصبة التي تشكلت بإسمها في قلبه و روحه.. حينها فقط ستعود الأمور واضحة و سهلة.. و رغما عن قيد عقله هجمت صورة جمال الثائر في سبيل حبه لها.. الأعمى يرى أن جمال غارق حتى أذنيه في حب نور لكن ماذا عنها هي.. هل تبادله الحب؟ عند هذه النقطة امتقع وجهه و قبضته تشتد على المقود حتى ابيضت سلامياتها.. لا يعلم لما ! لكنه كاره لهذه الخلاصة.. يوسوس له شيطانه أن الأولى أن يكون سعيدا أنه سيختطف ( مجازيا ) من جمال محبوبته إلا أنه لا يستسيغ فكرة أن يراها أحد من ذاك المنظور.. يشعر أنها تخصه و لا يجوز أن تمر مرورا حتى لو كريما على ذهن أي رجل غيره.. هو ببساطة و بديهية " يغار ".. ضيق عينيه و هو يفكر هل من المعقول أن تكون نور قد تسللت إلى حكم قلبه بعد أن أطاحت بحكم العقل !! لا يعلم ما شكل الحياة بينهم ستكون إن صدق القول و وافقت على الزواج به.. من لقاءاتهم القلة يعلمها فرساً حرة أبية و ترويضها لن يكون بالأمر اليسير.. و لربما هو لا يريدها مروضة.. يريدها حرة برية شامخة و عصية. ---------------------------- - معقول كل هاد صار.. الله أكبر و الله كأنه فيلم هندي !! تحدثت بيان عبر الهاتف مع نور و الذهول هو السمة الطاغية على كلماتها.. تقدمت نور نحو فراشها تجلس عليه و ما زالت تتحدث على الهاتف: - أقسم بالله انا ما صدقت بس شفت النار قايدة.. دعيت من الله ما يكون جمال السبب لإنه هيك المشكلة هاتكبر و هيها كبرت الله يستر بس. ثم ترقرقت العبرات في مقلتيها لتردف بخفوت تتحكم به غصة بحلقها: - حاسة حالي إني السبب.. حاسة إنه زي ما بيحكوا اجيت و جبت الخراب معي بس و الله انا ما كان بدي شي غير أكون بين أهلي.. حرام يعني!! هل أنا كفرت لما قلت من حقي أكون بحضن أهلي حتى لو غصبن عنهم؟!! ليش كل شي بيعاندني. - استغفري ربك يا نور.. كل مصاب هو ابتلاء و الله عم بيمتحن صبرك و الفرج قريب ان شاء الله.. اسمعي أنا رحت على دكتور الشريعة و سألته عن موضوعك و حكيتله عن الحلم. تحفزت حواس نور بالكامل منتظرة حديث بيان بأتم الشوق لتكمل بيان قائلة بنبرة باترة: - أولا يا ستي العزيزة.. حرام تتزوجي بنية الطلاق.. ما دامك وافقتي على الزواج بدك تكملي فيه و أي نية عاطلة حرام.. و فوق هيك حرام تفكري تمنعي الحمل من دون علم زوجك.. كله حرام حرام حرام.. انبسطي. صمتت نور بوجوم و لم تعقب.. تهدمت القلعة التي كانت ستلجأ إليها و ما عاد للفرار من سبيل.. انتبهت لتتمة حديث بيان: - و آه صحيح حكالي احكي لصاحبتك ابشري خيرا.. و انه قد يكون الخير في طيات الشر.. و موضوع التاج على راس عريس الغفلة حكالي إنه اله دلالة جدا جميلة فوكلي أمرك لله و ما تخافي. ابتسمت.. قد كانت فارقتها الابتسامة لأيام عجاف لتبتسم الآن بأمل بالله.. فعلا هي طفقت تخطط و تحسب و تناست أنه حين يرمي العبد حموله على الله فالله لن يخذله أبدا: - معك حق.. و نعم بالله. - طب شو ناوية تعملي مع عمك نزار؟ ارتمت نور بظهرها على السرير و ساقيها تتدليان منه لتقول بحيرة: - ااااخ بس الله يستر.. ما هو مش بس عمي نزار في كمان عمو أحمد.. الله يستر و الله عمو نزار لو شم خبر يمكن يحرق البلد كلها. - و انتي فوقهم هههههه قالتها بيان ضاحكة لتنهرها نور بجدية: - انطمي و الله مو ناقصني خوف.. خلص طيري بدي أنام و انسى كل شي. - سلام يا حب. -------------------------------------- في حجرة الحاج عبدالعزيز كان يجلس على مقعده ساهما بتفكر و هو ما زال يحمل هاتفه المحمول بيده بعد أن أنهى مكالمة ما.. حك ذقنه بتفكير قبل ان يبتسم و يومئ لنفسه و هو يرفع هاتفه من جديد يطلب رقما بعينه ليقول ما أن أتاه صوت الطرف الآخر: - عايزك عندي دلوقت. و خلال دقائق كان مصعب يجلس مقابلا لأبيه و قد ظن أن والده يبتغي الحديث معه بخصوص جمال لتضمحل ظنونه ما أن نطق أبيه بـ : - شوف يا ولدي بت اختك اللي هاترمي بروحها للنار عشان تحمينا ليها برقابينا دين دلوقت لأنها مش مجبورة على اللي بتعمله ديه و احنا مش بايدينا حاجة بعد اللي انكشف و حصل غير اننا نساعدها و نحامي عليها و خصوصا بعد ما تبقى في بيت حرب. أومئ مصعب باتفاق و هو ما زال لا يفهم مغزى الحديث ليعلق: - بإذن الله يا ابوي احنا مش هانقصر و اياها بحاجة بكفاياها انها هاتقطع سلسال الدم بين العيلتين.. ديه قدر أمها هربت منيه لكن طلعت هي أوعى. تجاهل الحاج عبدالعزيز التعليق على كلمات إبنه التي تخص سهام المتوفاة عقب أن أعطاه نظرة زاجرة أخرسته.. ليشرح مقصده من قوله السابق: - بس احنا مش هانقدر نحميها و هي في بيتهم في حالنا ديه.. لكن ربك لما يريد.. الحل جالنا على طبق من دهب و انت اللي هاتنفذه. هوى مصعب بكفه على رقبته من الخلف قائلا بصلافة: - رقبتي سدادة يا ابوي بس انت أؤمر. ليتم الاتفاق بالرغم من بوادر امتعاض ظهرت على محيا مصعب إلا أن الأمر قد حسم من جهتهم و يبقى الفصال الأخير مع عائلة حرب. قبيل المساء دخلت رحمة و سمر حجرة نور المظلمة.. تحسست الفتاتان طريقهما نحو السرير لتوقظ رحمة نور برقة كي لا تفزعها.. رفرفت نور بأهدابها الطويلة قبل أن تفتح عينيها.. قطبت جبينها بحيرة و هي ترى رحمة و سمر يطلان عليها من عليَ و أمارات القلق تغزو صفحة وجهيهما: - شو في؟ تبادلت رحمة و سارة النظرات القلقة قبل أن تقول سمر بوجل: - مش تلحقي تجهزي نفسك يا نور.. كمان ساعة الجماعة هاييجوا. رغما عنها شعرت بحاجة للتقيؤ.. عادت لها أعراض ألم المعدة و اختضاضها حالما تتوتر.. أومأت باستسلام و هي تنسل من الفراش و تتجه للمرحاض لتتوضأ و تصلي فرضها و من بعدها صلاة الحاجة و في تلك الأثناء كانت الفتاتان تجلسان على السرير تتابعان تحركاتها بأسى جلي، انتهت نور و سلمت من صلاتها لتلتفت اليهن و تقول بتهكم: - مالكن قاعدات هيك تقول بعزا. لم تجب أي منهما بل طأطأن برأسهما حتى لا ترى نور نظرات الشفقة في عينيهما.. تنهدت نور و هي تنزع إسدال الصلاة عن جسدها و تتجه نحو منضدة الزينة تسرح شعرها و تبدأ بلف حجابها على رأسها.. اقتربت منها سمر لتقول بوجل: - نور أنا خايفة على جمال أوي. تأملتها نور مطولا و هي تفكر أنه صدق من قال "و من الحب ما ذل".. سمر تفكر و تخاف على جمال الذي جاهر بحبه لأخرى و أحرق الأخضر و اليابس من أجلها !! ابتسمت بوهن و هي تعطي سمر ربتة على كتفها لتقول بيقين: - لا تخافي على جمال.. هو زلمة قد حاله مش ولد صغير.. و أنا هاحكي مع جدي و اخوالي بموضوعه و هايرجع ان شاء الله بس انتي اثقليلك شوي. امتقع وجه سمر بخجل لربما من نفسها لتتدخل رحمة في تلك اللحظة مضيفة: - أنا سمعت محمد بيقول لجدتي انه دور عليه و لقاه في شقته في مصر.. بس كان متعصب قوي. هرعت إليها سمر تتعلق بذراعها و علامات الفرح زينت عينيها: - بجد محمد قال انه كويس.. الحمدلله يا رب. هزت نور رأسها للجانبين كمن فقد الأمل بهذه الفتاة لتخطو نحو حذائها فترتديه و تستقيم أخيرا تناظر الباب برهبة.. ارتجت ترقوتها و هي تشعر أنها ما أن تخرج من هذا الباب سيتلقفها الجحيم.. لم تعِ على نفسها إلا و الدموع تتسابق من مقلتيها.. أصبح التنفس عصياً عليها و حدقتيها تهتزان بهلع كأنما الآن استوعبت ما هي مقدمة عليه.. لأيام دربت نفسها على القوة التي لطالما عهدتها بنفسها لكنها تخونها في هذه اللحظة.. كورت قبضتيها تحاول بث بعض الثبات إلى جسدها المرتعد.. ذكرت الله أكثر من مرة و هي تمسح دموعها لتتلقفها أحضان الفتاتان و هم يدعون لها بالثبات.. و خطوة فالثانية و بعدها الثالثة كانت أمام الباب.. أدارت أكرته لتخرج و هي تشعر أن الروح تغادرها شيئا فشيئا كلما ابتعدت عن حجرتها و ملاذها..نزلت الدرجات وحدها لتجد جدتها تنتظرها في الأسفل.. عقدت حاجبيها بحيرة لتأتيها كلمات الجدة قوية الشكيمة: - أني هادخل و اياكي.. الليلة ليلة حريم التهامية.. إحنا اللي نتكلم و هم يقولوا ورانا آمين.. مش هاسيبك يا بتي كيف ما سبت أمك قبل اكده. ابتسمت نور و هي تحتضنها لتجد أن كل مخاوفها قد تحولت لرماد ما أن دخلت أحضان جدتها.. كم تمنت ألا تغادر هذا الحضن.. أن تعيش و تموت بين ذراعيها و يكفيها هذا من متاع الدنيا.. انسلخت عن حضن جدتها لتتجه الاثنتان لصالة استقبال الضيوف حيث اللقاء مع مصيرها المحتوم. | ||||
|
| |
|
| أدوات الموضوع | |
| انواع عرض الموضوع | |
|
|
29Likes
العرض العادي
