آخر 10 مشاركات
حب في عتمة الأكــــــاذيب " مميزة و مكتملة " (الكاتـب : Jάωђάrά49 - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          مرت من هنا (2) * مميزة *,*مكتملة*..سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          نقد مقال بوابات الجحيم التي فتحت فوق سيبيريا عام 1908 لغز الانفجار الكبير (الكاتـب : الحكم لله - )           »          صدمات ملكية (56) للكاتبة: لوسي مونرو (الجزء الأول من سلسلة العائلة الملكية) ×كــاملة× (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          [تحميل] مكيدة زواج ، للكاتبة / سلمى محمد "مصرية " ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          مـــا أصعب الإبتعاد عنها *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : عيون الرشا - )           »          حرمتني النوم يا جمان/بقلمي * متميزه و مكتملة * (الكاتـب : esra-soso - )           »          أحزان نجمة ( تريش جنسن ) 446 ـ عدد جديد (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          الوصية ـ ربيكا ونترز ـ 452 ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree277Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-06-20, 12:08 AM   #651

م ام زياد

مشرفة منتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية م ام زياد

? العضوٌ??? » 389344
?  التسِجيلٌ » Dec 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,607
?  نُقآطِيْ » م ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond reputeم ام زياد has a reputation beyond repute
افتراضي


وانا تسجيل حضوووور 😌😂😂

م ام زياد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-06-20, 12:16 AM   #652

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي


كل عام وأنتم بألف خير وعافية
عدنا .. هنا معا حيث الدفء الذي لا ينقطع مهما حدث بالعالم
فليحفظنا الله من الامراض والاوبئة ويديم الاعياد بأيامنا


البريق الرابع عشر

أرض الوادي .. دار الزِيِن

أسرعت إباء إلي غرفتها تلحقها غرام فترتمي على سريرها ودموعها تنهمر كأنها تنزفها من جوف قلبها
مجلس الرجال بمضيفة الدار يقررون مصيرها .. وبعد معرفتها برأي والدها أظلمت الدنيا بعينيها ، لكأن العائلة كلها اتحدت ضدها
تواسيها غرام وهى تميل عليها تمسح على ظهرها بالقول

" إباء .. إباء لا تبكي أختي "

يمزق القهر صدرها كأنه سكين بارد يذبح فيها وشهقاتها تعلو أكثر حتى سمعت صوت عماد حين دخل الغرفة

" إباء انهضي أريد أن أتحدث معكِ "

اعتدلت إباء قليلا لتخفي وجهها بكتفه وهو يجلس بجانبها تقول بحرقة القهر

" حُكِمَ عليّ بالموت يا عماد "

يحيطها بذراعيه مشيرا برأسه لغرام أن تخرج فتستجيب لأخيها وهو يرد

" لا حبيبتي اسمعيني "

حالما انغلق الباب خلف غرام انتظر عماد دقائق تفرغ شحنة بكائها بحضنه ثم يقول بهدوء

" مَن تريدينه لا يفكر بكِ إباء .. أنا كلمته واخبرته أن خطبتكِ ستكون قريبا لعله يصارحني إن كان في قلبه شيء لكِ لكنه لم يلمح بأي شيء أبدا "

صمت بكاؤها تدريجا تستوعب ما يقول فتبتعد دون النظر له تهمس بنبرة باكية مرتبكة

" ما الذي تقوله ؟!... عمَن تتكلم ؟! "

لامس عماد ذقنها يدير وجهها صحراوي الملامح نحوه يرد بالواقع

" اعلم أن قلبكِ مع محمود ابن عمنا الظاهر .. محمود في غربته منذ سنوات وظننتِ أنه قد يعود ليأخذكِ لكنه شرد عنا جميعا إباء .. لقد قالها لي .. محمود لن يعود "

قلبها طرق بألم شديد بمجرد ذكر اسمه وسيرته وذاك السكين ينغرس عميقا أكثر بخبر عدم عودته حتى شعرت بالخدر في كل أعضائها كأنه الموت
يشعر بوجعها الذي يعيشه يوميا بنظرة لوجهها الذي تجمد بشحوبه لكنه يواصل لعله يمنحها أملاً لن يمنحه أحد له

" أنا مَن تحدثت إلي عزت ولمحت له بأمركِ وأنكِ عروس سنفرح بكِ قريبا .. وقد صدق ظني .. جمع عزت أعمامنا وجاء بأهله لخطبتكِ قبل أن يسبق غيره .. عمكِ رضوان كان معه ولم يستطع القول أنه يريدكِ لشهري ابنه أمام الجميع وإلا كان سيتعدى الأصول .. وقد أُحرِج أبانا فلم يستطع الرفض وكل إخوته يباركون هذه الزيجة ويمدحون عزت "

تقبضت يداها بتشنج وصدمة مما فعله بها وهى تهتف بحرقة

" أنت السبب يا عماد ؟.. لماذا .. لماذا ؟ "

جاءها رده قاطعاً منطقياً

" لأني أريد لكِ الأفضل .. شهري لا يناسبكِ بأي حال وبنات الزِيِن لا يتزوجن من خارج العائلة .. وقد اخترت الأفضل لكِ حتى لا تصبحي لشهري أو لأي رجل من الزِيِن بالإجبار "

أخفضت إباء رأسها وهى تذكر نفسها أن كل الطرق إجبارا .. أي زواج سيكون إجبارا .. على الأقل الآن ليس عليها حكم الإعدام بشهري .. حكم عزت أشغال شاقة نعم لكنه أهون

صوت عماد يتداخل بعقلها يعكس أفكارها ليرسم صورة جديدة قائلا

" عزت ابن عمنا فاضل رجل .. صادق وشهم وحنون .. بنى نفسه بنفسه وكافح منذ كان صغيرا رغم أن عمي فاضل ميسور الحال ومعه ما يكفي ويزيد لكن عزت لم يرد أن يكبر من مال أبيه بل من حر ماله .. عزت به من عزة النفس ما سيبهركِ إباء .. صدقيني لقد اخترت لكِ رجلا بحق "

كلماته تتشكل على صورة وجه عزت الرجولي الأبي برأسها فتتذكر لطالما كان سندا قويا بالعائلة .. مؤثرا فيها كتفه بكتف الجميع وقت المحن وساعده يؤازر سواعدهم في دعم الشدائد
لكن محمود بالقلب يرويه بعذاب الغربة ويطعمه اليوم مرارة التجاهل .. وهذا القلب ينتبه لإشارة أخيها فتسأل بتشوش

" لماذا تحدثت إلي عزت بالذات ولمحت له ؟!.. ولماذا ... قلت أنه صدق ظنك ... ما هو ظنك ؟! "

تتخفى ابتسامة على شفتيه وهى تسأل عن عزت أخيرا فيناورها بسؤال لا إجابة

" اممم ظني ! ... وعزت بالذات لأنه .... برأيكِ لماذا جمع عزت رجال العائلة كلها لخطبتكِ بعد أن هاتفته بيوم واحد ؟! "

تجف دموع إباء على وجهها وتظل بعينيها تلمع بالحزن وهى تهمس

" لا افهم "

يمسح عماد على شعرها بحنان لا يريد أن يعطيها إجابة لتتفكر وتقاوم الألم فيمنحها إشارة أخرى

" رغم أني لا يجب أن أقول هذا عن أبي لكن ساخبركِ .. عزت كان ذكيا في جمعه لأعمامنا حتى لا يعطي أي فرصة للرفض من أبيكِ "

تزداد حيرتها وهى لا تفهم لمَ اتصل بعزت تحديدا وما هو ظنه الذي صدق .. أيعقل أن عزت ..... ؟!
تحاول السؤال مجددا

" نعم .. لكن .. لماذا .... "

قاطعها عماد بنبرة تحمل بعض الحزم لإنهاء النقاش

" لماذا ماذا ؟!.. هل تريدين السؤال عن شيء آخر إباء ؟ "

انغلقت إباء على نفسها تدير وجهها للجهة الأخرى بالقول الباهت

" لا يا أخي .. أدامك الله لنا "

ما دامت زيجة إجبارية بكل الأحوال إذاً جيد أنه خلصها من شهري غليظ القلب والوجه ..
بينما هى في أفكارها تبحث عن إجابة ومخرج من كل الألم الذي ينهشها .. كان عماد يبتسم سراً في قمة سعادته لأخته .. لم يشعر بهذه السعادة من فترة طويلة .. لم يشعر أنه أنجز شيئا حقيقيا صحيحا بإرادته دون إجبار الواجبات والالتزامات
كان يعلم أن عزت يريد إباء منذ زمن وانتظر حتى يصبح قادرا على فتح بيت والالتزام به .. اليوم يستطيع الاطمئنان على إباء وهو واثق أن عزت سيمنحها الجواب الذي تريد.



بعد ثلاثة أشهر

صيف أكثر حرارة مما توقعت .. الموسيقى الصاخبة تحت البناية تختلط بالزغاريد وسرور المهنئين وتصلها بوضوح من شرفة غرفتها حيث تجلس على سريرها مبتسمة بحنين وبيدها الهاتف تقلب فيما كان ينشر أكرم على مواقع التواصل قبل اعتقاله

ترى حريته بعينيها وتعلم أنه يحتاج لمَن يأخذ بيده لتلك الحرية مجددا ، لكن احتراماً لشريف وحتى لا يقال أنها تركته من أجل أكرم لم تتقدم خطوة واحدة إلي الآن .. لكن شريف كان أسرع في تقبل الأمر وجاء رد فعله على مستوى كبريائه و .. تزوج

دخل جمال يتكئ على عصاه عيناه بنظرتها الحزينة على الأنوار المعلقة بالحي من الشرفة المفتوحة فيجلس أمامها يعيد بصره إليها قائلا

" ربما كان هذا زفافكِ أنتِ دموع .. وارتدي بذلتي السوداء المركونة منذ زمن في خزانتي واسير وسط الناس والجميع يبارك لي .. كنت سارقص على ساق واحدة وساقي المبتورة تشاركني الرقص من مكانها حيث دُفِنُت يوم حرب ثلاثة وسبعين "

تتسع ابتسامتها وهى تميل للأمام تتمسك بيده بالقول المباشر الهادئ

" وأين اذهب من أكرم وهو داخلي ؟!.. ما فعلته كان تجربة .. تجربة أثبتت لي أنني لا استطيع أن اعيش مع غيره حتى لو وافق عقلي وأفكاري فإن قلبي سيرفض ... قبل شريف جربت رفض العقل وكنت أبحث عمَن يماثلني ... ومع شريف جربت رفض القلب وكم هو مؤلم "

تصمت قليلا وعيناها تحيد جانبها لهاتفها حيث صورة لأكرم أخذتها له يوما وهو يقف بالميدان فتواصل بحنين روحها

" أحيانا كان شريف يقول شيئا فاتساءل كيف كان سيقوله أكرم .. ما هو رأي أكرم في هذا أو هذا ؟!.. كثيرا كان يأتي ببالي فاستغفر الله أن تكون هذه خيانة لكن رغما عني تحدث المقارنة .. حتى حين أخذني لنرى أثاث شقتنا كنت اختار ذوق أكرم بلا وعي ... كل هذا أصبح واضحا لي في الشهور الماضية وأنا افكر بخطوتي القادمة "

الشارع يضج بأصوات الفرحة فيتحسر جمال داخله وهو يسأل بوجهه الواجم

" ومتى ستكون خطوتكِ القادمة ؟.. مع أني أرفض ألا تكون تلك الخطوة من أكرم "

تتراجع دموع ثم تقف تمس حواف الكتب الموضوعة جوار سريرها وقد أهداها أكرم معظمها تجيبه

" أكرم يحتاجني أبي .. أفهمتك لماذا يبتعد عني .. لكن أنا لن اتخلى عنه مرة أخرى "

يتساءل جمال باستنكار رافضا

" هل تظنين أن خطبتكِ لشريف كانت لتتخلي عن أكرم دموع ؟!.. تبخسين حقكِ وانتظاركِ له "

تتجه لشرفتها تجثو أمام صندوق السلحفاة تنظر لحركتها البطيئة بابتسامة وهى تفسر ما حدث ويحدث

" كانت استسلاما مني .. بمجرد أن قال أكرم لم أعد نفس الشخص حتى ذهبت ولم اسأله لماذا ؟!.. كان عليّ أن افهم أنه لو أراد تركي لأرسل لي مع ماسة أو والدته .. لكنه ظل متشبثا بي أبي رغم رفضه لرؤيتي .. كان يستلم خطاباتي كلها ويأخذ محاضراته التي اجهزها له بالسنة الأخيرة .. أكرم لم يتركني إلا لمصلحتي حسبما يرى هو .. لكن كان عليّ ألا اتركه واحاول أكثر إخراجه من حالته "

يده الاخرى تستند على عصاه ليميل بذقنه على كفيه على العصا يرد متنهدا

" اتخذتِ قراركِ دموع "

أخذت دموع السلحفاة تضمها لصدرها تلمس صدفتها وابتسامتها على شفتيها بنظرة لامعة بعينيها الواسعة العاشقة المتلألئة سعادة ثم تقول باقتناع

" بيني وبين أكرم عمر أبي .. هذا العمر هو عمري وعمره ودونه نحن لا شيء .. وأنا اتخذت قراري لاستعادة عمري "

يدير جمال رأسه ناظرا للأنوار مجددا تنعكس في عينيه بلا كلمة وقد انتهى ما يقال بالنسبة إليه.



صباح اليوم التالي .. مقهى المهندسين !

يدور أكرم بين الطاولات الخارجية تحت شمس الصيف يأخذ طلبات الزبائن ويذهب ليتعلم تحضيرها بنفسه ثم يقدمها لهم .. عملا ليس سيئا خاصة أن الكل يعمل بيده بما أنه مشروع شبابي ، وربما يدبر بعض المال ليشاركهم حتى لا تنكسر عينه وسطهم وهم اصدقائه
في المطبخ الداخلي للمقهى يعد القهوة لأحد الزبائن عندما سمع صوت أحد اصدقائه يقول لآخر بنبرة ذات مغزى

" أعد عصير البرتقال بسكر قليل يا ماجد .. دموع ذكرتني أنها لم تكن تحب الاشياء زائدة السكر منذ أيام الجامعة ! "

ينتبه أكرم للاسم المميز بينما يرد ماجد وهو يبدأ إعداد العصير وقد فهم تلميح صديقه

" دموع جاءتنا هنا في المقهى ! .. منذ أيام الكلية لم نرها إلا نادرا .. هل ما زالت تتذكرنا ؟! "

فارت القهوة خارج الدلة بصوت أجفل أكرم فاطفأ عليها مسرعا ويده ترتعش وهو يصبها في الفنجان ثم يعد كمية أخرى صغيرة كوجه للقهوة التي فقدت وجهها
يثرثرون جميعا عن دموع وقد كانوا زملاء بكلية الهندسة وهو يخرج بصينية القهوة شاعرا بانفصال تام عن أي ما يبعده عنها .. بعد انفصالها عن شريف وزواجه بالأمس وهو يشعر أن كل الحواجز بينهما تتساقط والمسافة تختفي ..
ومنذ يوم الحادث الإرهابي وهو يشعر بروحه مقلقلة في تمزق يشده من كل جهة ، ليس مرتاحا لهذه الحياة بلا هدف ولا ضمير يتحدث ويشارك ..
ويشعر أن جزءا منه ناقص .. جزءا منزوع من ضلعه والميل يؤثر في كل كيانه
يقدم القهوة وعيناه تبحث عنها على الطاولات حتى وجدها في زاوية مختفية ، تنظر بهاتفها والكمان على الكرسي المجاور
كم اشتاق لعزفها .. رآها وانفتحت بوابات عشقها داخله ولا صد لها بعد الآن .. هى فعلت ما عليها وتركت الدنيا لأجله
وجد ماجد جواره يناوله صينية عليها كأس البرتقال ويأخذ منه الصينية الفارغة قائلا بغمزة عينه

" طاولة رقم ثلاثة من فضلك يا أكرم "

بتلك اللحظة رفعت دموع عينيها وظل أكرم مكانه لحظات قبل أن يتقدم منها ببطء حتى وقف أمامها ثم وضع كأس العصير ونظراته تتأملها باشتياق
يده تهمد بالصينية الفارغة وملامحه تضعف لرؤيتها وقلبه يطرق بالهوى البعيد فتضعفه أكثر بهمسها

" اشتقت إليك "

ذلك البريق في عينيها يلاشي السراب وينسج المستقبل وهو يقاوم الاستجابة متسائلا بفتور

" ما الذي تفعلينه هنا دموع ؟ "

ابتسامة صغيرة على شفتيها ترد بحنان قلبها وحب الدنيا

" جئت لأراك يا أكرم "

تأسر عينيه بهذه النظرة وهى تلتف حول أضلعه تطرق قلبا كامنا في ركام بغيض ليفتح لاضوائها الحرة فيدير وجهه قائلا بخفوت

" ترين ماذا ؟!.. ترينني اعمل نادلا في مقهى ؟! "

لم تهتم بيأسه هذه المرة وهى تعد نفسها بعودة ثورية معه فتقولها مرة أخرى بصدق

" أرى أكرم زاهد رافع ... زميلي .. وابن الجيران .. و .. حبيبي "

ترتفع دقات القلب يخطفه صوتها بنبرتها العذبة وهى تهاجم كعادتها فتتضافر الرغبة والغيرة وهو يسأل

" لماذا تركتِ شريف ؟ "

تتوه في عينيه الصاخبتين بالحديث .. الآمرتين لامرأته .. تضمران غيرة رجل غاب عنها وعاد ضجيجاً
حين يتحدث إليها هكذا تجرب معه درباً آخر به الخجل وهى لم تخجل منه قبلاً .. نظراته الآن تلمسها تملكاً
وتعبر عما شعرته تماما وهى تواصل بنفس النبرة

" حين كنت في وسط الموت لم أرد غيرك أنت .... حين ضممتني لصدرك لم أرد غيرك أنت ... حين نظرت إلي عينيك رأيت نفسي فيك أنت ... أين اذهب منك ؟... أنا اهرب منك إليك "

تنعكس بعينيه أنثاه لافندرية العطر تسكر قلبه وليل شعرها ينساب بالنجوم لاسعا بين أصابعه فيقبض يده تائها ..

وشفتاها تقاومان ارتعاشة خفيفة يريد أن ترتعش بين شفتيه ..
أنفاسه ترتجف كأوتارها وصوته يلمسها بكلمات خوفه

" والمستقبل المجهول ؟ "

بنظرة عينيه البنية نارا وقوة هى سببهما .. وجليدا باردا مظلما داخله هم سببه
زرعوا بروحه الخوف كي لا تصله شعلة لهب أو قبس ضوء .. وهو قاوم الطرح الأسود للزرع المغبر ..
وهى تتمسك بالماضي والحاضر لتواجه المستقبل بصوتها العازم

" سنراه معاً "

يدوي رعـد عواصفها بسماء كونه وصوته يخفت بالمزيد المحترق

" وكلام الناس ؟ "

تراقب انفعاله واحتداد عينيه وملامحه تثور على الظلم .. لاهبة ملتهبة مشبعة بالثأر .. فترد بعزم أكبر

" سنتحمله معاً "

قصفٌ طائش داخله وصخر مؤازر يتشبث بروحه يغلفها بعد عري وقلبه يهرب كقلبها يسأل أكثر يذكرها بقولها عنه

" واستسلامي .. وضعفي ؟! "

مشتعلا بسطوة القسوة وخدش البلور المكسور .. لكنها ما زالت ترى نفسها بذاك البلور حتى لو بتشوش ستصلحه
تستند لظهر كرسيها بابتسامة ناعمة وهى ترد بلا تراجع

" راضية به وأمري لله "

عقد حاجبيه بشدة وهى تصر على قولها السابق فلا تغيره تتحداه بنظرة لينفض ذاك الضعف ثم تتساءل مداعبة وهى تأخذ الكأس تشرب قليلا من البرتقال

" هل أعددت العصير أم أعده ماجد ؟! "

لا يرد أكرم تاركا لعينيه حرية النظر لشفتيها وهى تهمسها بنظرة شقية بلا صوت

" أحبك "

اليوم بحروفها يقوى .. يقارع خوفه من كل ما سبق وهى تفتح له بوابات الحرية داخله
حرية وعشق يفيضان من الأبواب المغلقة التي تتكسر .. بلا رجعة.




يتبع....


نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 02-06-20, 12:18 AM   #653

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي




رفعت ألماسة هاتفها من المكتب الصغير الذي تشغله قي عملها الجديد ، مكتب الخدمات البترولية !.. أو هكذا المسمى الخادع على اللافتة ، حين جاءت المقابلة قابلت مديرا مريبا اخبرها أن المكتب يختص بتوريد المعدات والعمالة لشركات البترول .. لكن شيئا فشيئا اكتشفت أنه مجرد مكتب توظيف يأخذ المال من الشباب ويوهمهم بالعمل ثم يستردون نصف أموالهم بخيبة الأمل ويأخذ المكتب الباقي ظلما

لكنها صابرة فقط كي تجد غيره ، ذلك المدير المريب ينظر لها بطريقة منفرة كلما مر بها .. حتى كلماته بها دوماً جانب بذئ وإن كان مختفيا معها فإنه ظاهرا لغيرها
صارت تنتبه لكل تفصيل صغير في هذا المكتب .. عيناها بوسط رأسها حتى لا يمسها أحد بسوء .. أحيانا تدعو على فؤاد بالهلاك لأنه السبب في تشويه سمعتها المهنية .. بل والشخصية ، وأحيانا تتذكر منظره المريع على سرير ضعفه فتبدل الدعوة برحمة مشفقة

كتبت رسالة قصيرة ثم أرسلتها إلي الرقم المطلوب لتعيد قراءتها بتفكير

( ساخرج من عملي الآن بسنت .. هيا انزلي من البيت وستجدينني في المقهى الذي اتفقنا عليه )

وضعت نظارتها الشمسية ونهضت لتخرج من المكتب متجهة للمقهى القريب وفي الطريق تحت الشمس الحارقة للصيف ترددت أصابعها على هاتفها ككل فترة ثم اتخذت قرارها بفضول غريب يغلبها كل مرة لتتصل بالرقم الذي أخذته يوم زيارة المشفى
استمعت للرنين حتى جاءها صوت عماد

" مرحبا ألماسة كيف حالكِ ؟ "

ردت ألماسة باقتضاب

" بخير .. كيف حاله ؟ "

مرت ثانيتين قبل أن يرد عماد

" لا اعرف .. نرسل له أنا وإخوته ولا نعرف إن كان يقرأ رسائلنا أم لا .. طالت غيبته كثيرا هذه المرة لكني اعذره .. لطالما كان يختفي بعد كل كارثة تحدث بحياته .. لكن هذه المرة الكارثة تكسر الظهر "

لم تسأل يوماً عن الماضي ولا عن مرات موته الثلاث وما يغيظها أن فضولها يدفعها لتسأل لكنها تقاوم رغبتها لتقول بإيجاز

" نعم لقد اخبرتني هذا من قبل .. كنت اسأل إن كان هناك جديد "

عاد عماد يصمت قليلا ثم يتلاعب صوته قائلا

" لا ليس هناك جديد .. لكن أود أن اعلم لمَ تسألين عنه بعد كل ما فعله معكِ ؟!.. أنتِ تسألين عنه اسبوعيا تقريبا في نفس الموعد كأنه أصبح له موعد محدد بحياتكِ !! "

توقفت بطريقها وتجمدت ملامحها بحدة غاضبة وهى تسب نفسها سراً بلا سبب محدد .. ما تعلمه أنها شعرت بإهانة غريبة مبطنة جعلت صوتها أكثر برودا وهى ترد

" لا تعطه أهمية أكبر من حجمه .. أنا اسأل فقط لأن لنا حقاً عنده سآخذه منه مهما طال الزمن .. ومهما ابتعد لن اتركه "

شعرت بنبرته تتغير معها تماما وهو يرد بجفاء وصلابة

" حسنا .. مع إنها لم تكن الإجابة التي أظنها لكن عامةً شكرا لسؤالكِ .. المرة القادمة وفري هذا السؤال وإن كان هناك جديد أنا سأبلغكِ به .. مع السلامة "

أغلق الخط .. فنظرت ألماسة إلي الهاتف ثم عاودت السير بملامح تراخت قليلا عن برودها .. تفكر في الأسباب الحقيقية لسؤالها
لأنه كان أضعف مما توقعت وجراحه لن تبرأ بسهولة .. لأنه فقد ابنه الصغير الذي لم يتجاوز الثمانية أعوام كما عرفت .. لأنه اعترف لها أنه لم يلمسها وهو يبكي أمامها مقهورا مكسورا .. لأنه أدرك أهمية هذا الأمر لها أكثر من كل ما فعله بها فكأنه كان يلحق إخبارها به قبل أن يحدث له شيء وتظل هى بتلك النار

ولأنها تشعر أنه نال عقابه .. عقاب السماء كفّى ووفّى ولا شماتة فيه بل انتصار للحق بلا تكبر
ولأن كل إنسانيتها تتضافر للشفقة على ضعيف منكسر
لكنها لن تغفر أبداً .. لن تغفر يوماً مجيئه تحت بيتها بفضيحة كبرى .. لن تغفر تشويهه لسمعتها في عملها كأنه .. كأنه أرادها منبوذة من الجميع والمجتمع !!.. وكأنه لم يعرف في حياته سوى هذا اللعب الدنئ !

' فؤاد رافع ' .. مجموعة اسئلة عن أصل الحمق والحقارة .. تُرى إلي أي درجة متأصلين فيه ؟!.. وهل بعد ما حدث ما زالا فيه ؟!.

وصلت إلي المقهى فوقفت تنظر حولها ثم اتجهت إلي طاولة تجلس عليها فتاة محجبة رقيقة الملامح فابتسمت وهى تجلس أمامها متسائلة

" كيف حالكِ بسنت ؟ "

تراجعت بسنت في كرسيها ونظراتها توحي بالاتهام كصوتها الفاتر

" لمَ تذكرتِني بعد كل ذلك الوقت ماسة ؟ "

ارتجفت شفتاها وداهمتها رغبة مؤلمة أن تبكي وهى تنظر لعيني أخته الشبيهة بعينيه الخضراوتين لترد بصوت منخفض

" أنا لم انس لأتذكر بسنت .. ماهر في بالي طوال الوقت .. معي ليلا ونهارا وفي كل خطوة اتخذها بحياتي افكر فيه "

أشاحت بسنت بوجهها جانبا وعيناها تدمعان ثم قالت بألم

" رحمه الله ... لكنكِ لم تسألي عنا منذ فترة طويلة "

اطلقت نفسا طويلا مرتجفا شاعرة ببداية غيبوبة السكري من شدة ضغط الذكريات فأخرجت دواءها الذي نسيته كالعادة لتأخذ منه قرصاً ثم أخذت أنفاسها قائلة بقلب موجوع

" لو عرفتِ ما مررت به لعذرتِني "

أشفقت بسنت عليها فقالت برفق ودموعها تهزمها

" أنا آسفة .. لم اقصد لكن ... الأمر ما زال صعباً علينا .. ماهر أخي الوحيد وبعده اشعر أني بلا سند "

تبسمت ألماسة بصعوبة تقاوم البكاء لا تسمح لأحد أن يراها ضعيفة حتى لو فتاة مثلها ثم قالت باختناق

" وصعباً عليّ أنا أيضا "

مسحت بسنت دموعها ثم طلبت النادل لتطلب شيئا تشربانه ثم شربت بعض الماء لتسأل

" لمَ طلبتِ مقابلتي اليوم ؟ "

حاولت التركيز في كلمات ماهر رغم مرور الأشهر ومحاولة إبعاد ألم الذكرى لتقول بوجه عابس ضائق

" لأسألكِ عن أشياء لا افهمها .. ماهر قبل ... قبل ما حدث كان يريد إخباري بشيء .. كنت اشعر أنه قلق ويخفي شيئا .. ولا استبعد إن كان هذا الشيء هو السبب "

تتساءل بسنت باهتمام

" شيء مثل ماذا ؟!.. ألم يخبركِ ولو مجرد تلميح ؟ "

تهز رأسها نفيا بكل الأسى ثم تسأل ما تفكر فيه

" هل بحثتم في غرفته بعدها ؟.. ألم تلاحظوا شيئا غريبا ؟ "

مررت بسنت أصابعها حول وجهها تحت حجابها ثم كتفت ذراعيها على الطاولة وأجابتها بتركيز

" لقد فتشت الشرطة البيت كله ضمن اجراءاتهم لكن عادي .. لا يوجد شيء "

انفعلت ألماسة داخليا وعقلها يعصر الأفكار الدائرة فيه فتتحدث بحدة صوتها المنخفض

" عادي !!.. عادي أن تُغلَق القضية بتلك السرعة وتصنف أنها جريمة سرقة والفاعل مجهول .. لقد ذهب ماهر ليلاً إلي الشقة التي تتخذها الشركة مقراً لها بلا سبب .. ثم وجدوا خزانة المال في مكتب سيد مدير الشركة مسروقة بالكامل .. تصورهم للجريمة أن ماهر أتى ليبحث عن شيء ووجد الشركة مفتوحة فدخل وجد لصا يسرق المال وحين شعر اللص بماهر قتله .. السؤال هنا كيف يجتمع ماهر وذلك اللص بنفس التوقيت في الشركة ؟!.. هل هى صدفة ؟!.. وما الذي جعل ماهر يذهب ليلاً حتى لو كان يريد البحث عن شيء ؟!.. هو يعرف أن الشركة ستكون مغلقة .. إلا إذا دعاه أحد ليأتي !! "

تعقدت ملامح بسنت وهى تفكر فتضيف ألماسة المزيد ووجهها يحمر بعصبية

" والسؤال الأهم .. لمَ يكسر اللص ( المُفتَرض ) باب الشركة الذي مؤكد أخذ وقتاً وأحدث صوتاً قد يعرضه لينكشف رغم أن الشركة كلها نوافذ وسيكون من الأسهل عليه التسلل منها عبر غرفة مواسير المياه مثلاً ؟!... إلا إذا ... كان يفتح لماهر نفسه !! "

لعقت بسنت شفتيها وصمتت لحظات ثم سألت همسا بحاجبين معقودين

" هل اخبرتِ المحققين كل هذا ؟! "

بسطت يدها على الطاولة ثم قبضتها بغضب لتقول من بين أسنانها

" لم أكن في وعيي .. الاسئلة أصبحت أكثر كلما فكرت وبمرور الوقت لا وقتها .... المشكلة أن الشركة ليس بها نظام مراقبة لأنها مجرد فرع وليست المقر الرئيسي .. حتى كاميرات المباني المجاورة لا تُظهِر شيئا غير عادي "

جاء النادل يضع الطلبات فأسندت بسنت ظهرها للخلف وتاهت عيناها نحو باب المقهى ثم قالت

" كلامكِ هاماً جدا يا ماسة لكنه اسئلة لا إجابات لها .. أنا لم أتوقف عن التفكير مثلكِ لكن لا أصل لشيء .. وأظن أن المحققين قد سألوا كل هذا وبحثوا في الأمر وحين لم يجدوا إجابات وضعوا تصوراً للأمر كسرقة وانهوا القضية ضد مجهول "

هدأت قليلا وما زالت تدور بدوامة أفكارها قائلة بوعد

" لن تضيع دماء ماهر هدرا يا بسنت .. سأصل لإجابات لكل اسئلتي ولأهم سؤال أيضاً "

عادت تنظر لها ثم تقترب منها على الطاولة بالسؤال

" وما هو الأهم ؟! "

شربت ألماسة من كوبها وتركيزها يزداد ووجهها يتوهج وهى ترد

" هم يتصورون أن مَن قتل ماهر لص لا يعرفه وكل هدفه كان السرقة .. لكن فلنفترض أن ماهر كان مقصودا بالفعل ليُقتَل .. لمَ لم يتم الأمر بالشارع مثلا ؟!.. سيارة مسرعة ويكون الأمر قضاءً وقدرا .. لمَ بالشركة تحديدا ؟! "

لم تفهم بسنت شيئا فتسأل

" ماذا تقصدين ؟! "

ضغطت ألماسة بأسنانها على شفتها السفلى ممررة أصابعها على ذقنها في حركة معتادة حين تغيب بتفكير عميق ثم رفعت سبابتها بالقول

" اقصد أن مَن فعلها بالغ في إبعاد الشبهات عنه لدرجة أنه فعلها في مكانه حتى لا يتوقع أحد أنه قد يرتكب جريمة حيث يعمل "

تتسع عينا بسنت لتهمس بذهول ما لم تفكر فيه

" تقصدين أن الفاعل من الشركة ؟!! "

ضاقت عيناها وردت بتفكير وهى تخبرها المهم

" لا اعلم ... مجرد احتمال جاء بعقلي ضمن احتمالات كثيرة ... المهم الآن يا بسنت .. أنا طلبت مقابلتكِ لتبحثي مجددا في غرفة ماهر .. في الأماكن التي من الممكن أن يخفي فيها شيئا .. تكلمي مع المقربين له ربما يكون قد اخبر أحدهم شيئا "

هزت بسنت رأسها ناظرة لها بإعجاب كما كانت تراها دوماً لائقة على ماهر ثم قالت بابتسامة حزينة

" حاضر يا ماسة سافعل "

أمسكت ألماسة يدها على الطاولة قائلة

" ساتعبكِ معي "

ردت بسنت بحرارة وصدق

" ما الذي تقولينه ؟!.. إنه أخي ومصابنا فيه عظيما .. لم أتصور ونحن نسمع عن جرائم القتل اليومية حولنا أن أحداً منا سيكون فيها "

اومأت ألماسة وهى تخفض عينيها وجسدها يبرد بإعياء من صحوة الحزن فيها فأضافت بسنت بوجوم

" لا تنسي ماهر يا ألماسة "

رفعت عينيها بنظرة متسعة حادة أغلقت ملامحها التي فاضت بحسرة مكتومة ثم قالت بجدية

" أنا لا انساه .. ولن انساه أبدا "


.........................

أنهت الزهراء كلامها حيث تجلس في شقة دموع ثم سألت بهدوء مبتسم

" ماذا قلت يا حاج جمال ؟ "

جاءت دموع من المطبخ تضع أمامهم صينية الشاي ثم تجلس جوار أختها روان تسمع والدها يرد

" مجيئكِ هنا على رأسي لكن أظن أنه يجب على أكرم أن يكون معكِ "

يعطيها جمال كوب الشاي بتقدير بينما يرتكز بيده الأخرى على عصاه فتأخذه منه ترد بهدوء وجهها البشوش

" اصبر على أكرم يا حاج .. أنت تعرفه جيدا لكن ما حدث له ليس سهلا ... إنه حتى لا يقول ماذا فعلوا به في السجن .. أكرم مكسورا ودموع هى قوته "

عينا جمال تحيد نحو دموع يتلقى ابتسامتها وإيماءة رأسها العازمة فيفكر قليلا ثم يتنهد قائلا

" على بركة الله "



ترتب دموع بعض التحف الصغيرة على منضدة التلفاز في شقة الزهراء بعد أن أصرت على إيصالها بعد خروجها من عندهم .. ابتسامتها تتسع وقلبها ينبض لدرجة أن كل جسدها ينبض معه .. لأول مرة تدخل شقتهم الجديدة فرأتها وحفظت تفاصيل غرفته وهى تنتظره

حين أحبت أكرم منذ سنوات لم تتوقع أن يأتي يوم وتتفق مع والدته لتأتي وتخطبها دون علمه وهو المتلهف لها دوماً .. أو كان كذلك
توقفت يداها على تحفة على شكل عروس فخفتت بسمتها تدريجا وعيناها تشرد فيما حدث لهما .. لقد أفلت عليهما الشمس وكل منهما على باب الثلاثين .. فهل إلي شروق من سبيل ؟!.

تنهي الزهراء مكالمتها مع ألماسة وهى تخرج من المطبخ بالقول

" حسنا يا ماسة لا تتأخري "

أغلقت الزهراء الخط وقد أخفت ألماسة عنها أنها كانت مع أخت ماهر فتقول ما قالته

" ألماسة كانت مع صديقتها وستأتي بعد قليل "

انتبهت دموع لكلامها فاستدارت متماسكة تعاود الابتسام وهى تسأل ممازحة

" وسبب عذابي متى سيأتي ؟! "

جلست الزهراء على أريكة الصالون وهى تضع طبقا من البسكويت البيتي على الطاولة وترد بحسرة وإحباط

" لن يتأخر .. إنه موعد عودته من المقهى ليستريح قليلا ثم ينزل لعمله الثاني بالورشة .. تعالي لتتذوقي البسكويت "

اقتربت دموع منها تجلس جوارها تحيط كتفيها ثم تقول باصرار

" سيكون كل شيء بخير لا تقلقي "

تأملت الزهراء وجه دموع المستدير وجماله الناعم كشعرها الطويل ، تعلم عن يقين أن أكرم يحب كل ما فيها لدرجة أنه تخلى عنها لأجلها ولا أسمى من تضحيةٍ لحب ، فتبتسم قائلة بصدق

" لست قلقة لأني ساتركه لكِ "

تقبل دموع كتفها ثم تحتضنها بذراعها الأخرى لترد بمرح

" وأعدكِ أني سأصون الأمانة .. ابنكِ حبيبي يا ماما زهراء "

ربتت الزهراء على ذراع دموع حول رقبتها ثم مالت للأمام تأخذ طبق البسكويت وتعطيها منه فتتناوله دموع ثم تسأل بتردد

" ألم تغضبي مني حين خُطِبت ؟ "

نهضت الزهراء تتجه للمطبخ وهى تجيبها بنبرة عادية

" بالعكس .. شريف رجل ابن حلال .. أسعده الله مع زوجته .. بالطبع كنت حزينة لأن أكرم يريدكِ ويبتعد عنكِ لكن كنت سعيدة لكِ كابنتي "

وقفت دموع تبعد خصلة منفلتة من شعرها المربوط بحدة لتقول بغضب داخلي

" ابنكِ السبب يا ماما .. أضاع منا كل ذلك الوقت وعذّب قلبي وأنا مع رجل آخر غيره .. لقد قال لي صراحةً أنه لم يعد يحبني "

أجفلت فجأة وصوت باب الشقة يُغلَق بقوة فاستدارت متفاجئة متسعة العينين تنظر لأكرم وهو يقف بطول الباب تقريبا قائلا بنظرة سوداء غاضبة

" أنا لم أقل هذا .. أنا قلت لم أعد نفس الشخص .. لكن يبدو أنكِ فهمتِ الكلام على مزاجكِ ووافقتِ على غيري "

خرجت الزهراء من المطبخ تنظر لوقفتهما المماثلة وكلاهما يشع غضبا مختلفا
أكرم يغار غيرة واضحة منفعلة بالظلم كأن خطبة دموع كانت ضمن ظلمه وسرقة عمره وحبيبته .. ودموع ترفض إتهام صوته ونظرته لها بعد أن أبعدها حقا واضطرها للسير في طريق آخر
كلاهما ينظر للآخر بغضب مشتاق ويريد أن يرتمي في حضن عمره
تطالع دموع عينيه البنية الظالمة نظرةً .. وحسناً .. فيهدأ غضبها مؤقتاً لتزفر نفسا بارداً .. وحاراً ! .. قائلة بجفاء

" كنت انتظرك "

ضاقت عينا أكرم وهو لا يشعر تنخفض لشفتيها الوردية مزدرداً ريقه بنظرة رأتها دموع فاستدارت سريعا تأخذ هاتفها من الطاولة ثم عادت تنظر إليه بتماسك تتابع بثبات

" أردت أن أبلغك بمواعيدي ... يوم الخميس عصرا سيكون مناسبا لشراء الخواتم وهو مناسب لأبي أيضا "

عيناها السوداء الواسعة تتسع أكثر بنظرة منه على ميل جسدها وهى تأخذ الهاتف .. المصيبة إنها عفوية !
بالماضي كان أكرم زميل الجامعة المحب ذو النظرات العاشقة .. لكن البريئة !.. اليوم نظرات رجل حارة .. لا براءة في نظرة ولا نبرة !
أنهت كلامها لتغادر تتجاوزه مغلقة باب الشقة خلفها لتهمس أمام الباب بارتباك

" تباً لك .. أمك واقفة ! "

ينظر أكرم للباب المغلق بذهول بلا فهم و.. خواتم الخميس !!
اقتربت الزهراء منه تربت على كتفه ترفع رأسها تسأله بحنان أم

" رايدها يا أكرم ؟ "

وتسأله يريدها !.. بعد عذاب السنين وحرقة القلب في ظلام الزنزانة
في ضيقها كانت دموع فضاءه .. في اختناقها كانت دموع نسيمه .. وفي ظلمها كانت دموع دموعه
أعاد عينيه الذابلتين لها ووجهه عن قصة شوق يحكي .. بين موت وموت تمنحه أمه حياة حقيقية

" أكرم ... أنا خطبت لك دموع اليوم "

لم يشعر يوماً أن جبلا انزاح عن كتفيه إلا اليوم .. جبلا من خوف وألم وفقدان ثقة ، فقدان ذات كاملة كُتِمَ صوتها وحُبِسَت أنفاسها .. اللحظة فقط شعر أنه لم يكن قادرا على هذه الخطوة إلا بالزهراء
مشاعره تتدافع على ملامحه ونفس طويل ينطلق مُحررا مغمضا عينيه وهى تدرك كل ما به فتحثه مبتسمة

" عليك أن تذهب لأبيها بنفسك "

لم يعرف كيف يعبر عن ضجيج المشاعر داخله إلا بأن يمسك كفيها ويحني رأسه يقبلهما بقوة .. بين مشاعر عشقه لدموعه ومشاعر عشقه لوالدته .. وكم الشكر والامتنان والفخر المتعاظمين بصدره.





بدلت دموع ملابسها بطاقم بيتي مريح وأطلقت شعرها من رباطه لتتفحص وجهها المشرق في المرآة .. منذ وقت طويل لم ترَ هذه الابتسامة في مرآتها
اعتادت الثورة وشعلة النيران في مقلتيها .. الحلم والأمل في ألحانها .. الإقدام والاصرار في قراراتها .. لكن هذه الابتسامة .. ابتسامة أكرم وحده

أدارت وجهها حيث تضع الكمان بأحد أركان الغرفة .. بخطوات عازمة اتجهت إليه ورفعته تضبطه على كتفها لتعزف .. تعزف لحناً كان يحبه ويغنيه
تعزف بأيدٍ ثابتة بعد ارتعاش .. بابتسامة بعد حزن .. بعودة بعد فراق
وتراهن على الساعات القادمة منتظرة رنين جرس الباب !.. أكرم لن ينتظر خوفا أن يتراجع .. سيأتي اليوم و...
رن جرس الباب !

لم تتوقف عن العزف بل اقتربت من باب غرفتها حتى يصل الصوت للخارج وهى تسمع أختها روان تصيح أنها ستفتح
فتحت روان ذات السبعة عشر عاماً الباب لتنظر لأكرم الذي سألها بمودة

" كيف حالكِ روان ؟.. وكيف دراستكِ ؟ "

هزت رأسها بإيماءة بسيطة ونظراتها تعاتبه لما فعله بأختها .. لطالما اعتبرته مثل أخيها أحمد رحمه الله .. لطالما أرادت أن تكون ثورية مثله ومثل أختها ، لكن تراجعه أحبطها وشتت أفكارها
لم يكن أكرم معها وهو ينظر تجاه غرفة دموع المغلقة حيث الصوت المنبعث منها بهذا اللحن تحديدا .. حتى انتبه إلي جمال وهو يقترب متسائلا

" مَن يا روان ؟ "

تحركت روان جانبا فينظر جمال إليه وهو يقف متوترا ثم يسأل بنبرة تحمل اعتذاراً عن كل شيء

" كيف هى صحتك يا عم جمال ؟ "

توقف صوت الموسيقى فجأة والجميع في حالة ترقب صامت وجمال يحدق في أكرم بلا رحمة وهو يتركه على بابه لحظات طويلة ثم قال

" تفضل يا أكرم "

انطلق نفس خفي من عمق صدره قبل أن يخطو خلف جمال لينتظره ليجلس ثم يجلس هو صامتا !.. تسللت دموع من غرفتها لتقف جوار جدار غرفة المعيشة تنتظر ما سيقولانه وأكرم يتكلم أخيرا

" اخبرتني أمي أنها جاءت إليك اليوم .. كانت الأصول أن احضر معها لكنها جاءت دون أن تخبرني "

ضغطت دموع أسنانها وهى تقبض يدها بملامح استياء ممتعضة تود تفجيره لما قال !
حادت عينا جمال نحو باب الغرفة وهو يعلم بوقوفها ثم كرر بعجب

" جاءت دون أن تخبرك !! "

ارتفع حاجبا أكرم وهو يدرك ما قال وقبل أن يصلحه تحدث جمال بصوته الجاد

" هل هذا معناه أنك جئت لتنفي طلبها وتنهي الأمر ؟! "

اعتدل أكرم بجلسته يواجهه قائلا

" لا لا .. بالطبع لا .. اقصد .... "

صمت فجأة مرتجف الأنفاس وإحدى ليالي العذاب تباغت عقله بالألم .. ليلة حالكة الظلام رأى فيها السواد وذل الأسر
راقب جمال شروده فضرب الأرض بعصاه فجأة لينتبه له أكرم وهو يقول بغضب داخلي

" آآآه .. دنيا !.. أين أكرم رافع الذي كان يعلو صوته بالشعارات الوطنية يرددها بل ويؤلفها بنفسه .. أين أكرم الذي كان تحت البناية هنا يخطب في الناس ليحموا بيوتهم أيام الثورة .. أين أكرم الذي كان يضع كفه على رقبته قائلا بكل ثقة دموع في عنقي وفي حمايتي لن يمسها أذى فلا تقلق .. وحينها كنت اتركها تنزل المظاهرات معك تدافعان عن الحق ؟!!.. اليوم أكرم يجلس أمامي لا يعرف كيف يتكلم !! "

وضعت دموع كفها على الجدار وهى تستمع وقلبها يخفق موجوعا عليه لكنها تعرف أن والدها سيوقظ فيه شيئا
يتطلع أكرم شاردا لصورة قديمة له بعيني جمال وكلماته تصل عميقا به تنير العتمة بخافت الضوء .. الثورة فكرة .. والفكرة شجاعة وصمود
وهو صمد طويلا حتى انهار رغما عنه .. هناك شيء به انكسر ولن يعود .. شيء احترق ببشاعة لن يتصورها أحد
زفر أكرم بضيق من نفسه مقتربا بوجهه من جمال قليلا ينظر لعينيه قائلا بنبرة تفيض صدقا وغضبا ومرارة

" حقك عليّ يا عم جمال .. سامحني إن خذلتك وخذلتها لكن لن تشعرا يوما بما مررت به حتى لو اخبرتكما عنه .. سماعنا عن غيرنا شيء .. وتجربة الأمر شيء آخر .. بشع ومؤلم لدرجة الموت "

قبضت دموع يدها تضرب بها الجدار ضربة مكتومة ثم تعض عليها بأسنانها عاقدة حاجبيها بقوة كره رهيبة لمَن أضعف أكرم هكذا
أشار جمال إلي الطرف الصناعي لرجله وهو يرد بجدية وقناعة

" وأنا ؟!.. انظر إلي ساقي المبتورة في الحرب .. إنه الثمن يا أكرم .. كل نصر له ضحايا .. كل فرحة بها حزن .. وكل استقرار يصاحبه عذاب .. هل ظننت أن النفوس كلها تحمل نور الإيمان وشهامة الوطنية وميثاق الحرية ؟!.. العالم كله شرقاً وغرباً وليس بلدنا فقط به أشخاص تحمل أنفسهم الشر خلاصةً خالصةً فأين نذهب منهم وهم مندسين في الخفاء ؟! "

اومأ أكرم مطرقا برأسه يقول بقتامة

" كان لدي أمل أن الوضع سيتغير "

يواصل جمال دفعه واختراقه بنفس النبرة التي تمس روحه

" مَن اعتاد الشر يصعب عليه الخير يا أكرم .. هل ظننت أنهم قبضوا عليك ليحتفلوا بعيد ميلادك ؟!!.. ألم تكن تحكي عما يحدث في المعتقلات هنا .. وليس هنا فقط .. معتقلات الوحشية الغير آدمية .. غوانتانامو وأمثاله في كل بلاد العالم .. شرقا وغربا ... هل أدنت بلدك ومجدت غيرها بعد ما رأيته في السجن ؟ "

تنتظر دموع إجابته كأنها تطمئن على عقله وثوابته .. رغم كل وجعها لكن شعورها بالراحة لحديث والدها معه يبعث الأمل بروحها سكينةً
والدها لم يكن يتحدث إلي شريف هكذا رغم العديد من المواضيع والاهتمامات المشتركة .. لكنه يعتبر أكرم من أهل بيته كابن له يحبه منذ زمن
ولم يُخيِب أكرم ظنهما وهو يجيب بنبرة عميقة حرة مهما أُسِرَت

" بالطبع لا ... ليس البلد السبب .. لم تمسك مصر السوط ولا النار .. لم أدنها ولن افعل .. وبالطبع لن أُمجِد غيرها كما يفعل الجهلاء وهم يضربون بهم الأمثلة وهم حالهم أكثر سادية ووحشية منا "

غطت دموع فمها بكفها وعيناها تتجمدان بالدموع وهى تنتبه لكل كلمة منه .. السوط والنار .. هل ... ؟!
شفتاها ترتعش بألم أوهن كل جسدها فعليا وهى تهمس

" يا حبيبي يا أكرم "

أخفض جمال رأسه وهو يعي الأمر بأسف شديد ثم ينظر إليه قائلا برفق

" بدأت اطمئن أن أفكارك ما زالت كما هى "

صمت أكرم لحظات لا يواجه عيني جمال .. اعتاد الضيق والقهر والخجل أن يعلم أحد ما مر به ..
لكنه اليوم تجاوز كل تلك المشاعر السلبية لأجل دموع فيعترف بتصميم من عمق قلب صادق

" صدقني أنا أحاول بكل قوتي أن أعود كما أنا يا عم جمال .. وما أبعدت دموع عني إلا لحمايتها أقسم لك بالله العظيم .. خفت عليها وعلى مستقبلها مني .. لكنها بقلبي وبروحي ولم أتوقف عن حبها لحظة واحدة "

استندت دموع بظهرها للجدار تضغط على قلبها النابض بقوة مغمضة عينيها وصوته يخترقها بلا دفاعات بالمزيد

" ورغم أي شيء حدث لي هآنا أقولها لك مجددا بكل ثقة .. دموع في عنقي وفي حمايتي لن يمسها أذى فلا تقلق "

سالت دموعها رغم جفنيها المطبقين وهى تبتسم بسعادة ثمانية أعوام شقاء ؤي.. هذه اللحظة فقط شعرت بقيمة انتظارها
تسمع والدها يسأله بالداخل

" إذاً .. ماذا تريد الآن ؟! "

جاء رد أكرم مباشرا قويا عازما

" أريد أن اطلب يد دموع على سنة الله ورسوله "

سمعت صوت عصا والدها على الأرض وهو يتحدث ثم ينادي فجأة

" ها هى تستمع إلينا منذ البداية ... دموووع "

أجفلت دموع فركضت مبتعدة حتى كادت التعثر في طاولة جانبية وروان تخرج من غرفتها تضحك عليها وهى تشتم همسا .. اعتدلت في وقفتها زافرة بامتعاض معدلة ملابسها ثم استدارت وهى ترسم ملامح الجدية العابسة بوجهها لتدخل الغرفة بالقول

" نعم "

تبسم جمال وهو يرى وجهها البارد ثم قال بتلاعب

" سمعتِ طلب أكرم .. هل أنتِ موافقة ؟! "

بعد كل تلك الأشهر ؟!.. بعد خطبتها لرجل آخر ؟!.. هل يسمعها بتلك السهولة ؟!
نظرت دموع لعيني أكرم طويلا فتنساب أفكارها منها إليه بعتاب واضح .. أمامه ملامحها لم تكن رسما بل حقيقة .. لأنه لا يدرك عذابها حين أبعدها
لا يدرك معنى ارتعاش يديها وهى تعزف .. لقد هزّ ثقتها في كل معاييرها ونفسها أولهم
ولا يدرك قيمة ثمانية أعوام من انتظار لتعرف فيما بعد أنه كان انتظارا فارغا وعمرا ضائعا
أشاحت بوجهها بجمود لتقول بلا تعبير

" سافكر "

رقت عينا أكرم وهو يقف مبتسما مدركا ما مرت به بسببه ليسأل بشقاوة خفية

" وبالنسبة لموعد الخواتم يوم الخميس ؟! "

ارتجفت لحظيا بصوته القديم وقلبها في خفقانه السريع يطير .. لكنها على الأرض قوية ترد بثبات

" لقد غيرت رأيي .. يوم الخميس سأكون منشغلة طوال اليوم في معهد الموسيقى "

تتسع ابتسامة أكرم بإعجاب وبلا تفكير يقرر

" جيد .. سآتي وآخذكِ من المعهد عصرا إذاً ونقابل عم جمال وماسة وأمي لنشتري الخواتم "

لن يخفت ذلك الإعجاب بها أبدا .. شيء غير العشق وكونها حبيبته .. إعجاب بثباتها وقوة روحها .. لا شيء يجبرها أو يحني رأسها
داخله يعلم أن دموع بإمكانها مواجهة طوفان الدنيا وكواسر الأزمات

دموع وهج ثورة لا يخمد ? علم حرية يرفرف في سماء دولة
بالماضي كانت تتشرب أفكاره وقيمه ثم تنتج أفكارها هى وقيمها هى .. كانت تتعاشق معه وفيه وكلمتها الخاصة بهما وحدهما أنهما .. قفل ومفتاحه !

رعدة متوترة سرت في جسده وهو ينظر إليها بتلك الفكرة وهى ترفض النظر له ليستدير لجمال ينحني ليقبل رأسه قائلا

" سلام يا عم جمال "

تحرك ليغادر فيمر جوارها عيناه بلا وعي تنحدر لاشتداد عنقها وهى تنظر جانبا فتشعر به يهمس بشيء ما ثم يخرج !
سمع جمال باب الشقة يُغلَق فاستند بذقنه على كفيه على العصا قائلا وهو ينظر أمامه بتفكير

" لقد قبّل رأسي كما كان يفعل قبلاً !.. لقد استعاد نفسه أمامكِ لدقائق لكن .. يا خوفي !! "
نظرت إليه دموع وهو يترك خوفه مُعلَقا لكنها لم تقلق للحظة .. لقد خطبها أكرم اليوم .. وكفى !.




يتبع ....



التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 02-06-20 الساعة 12:33 AM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 02-06-20, 12:20 AM   #654

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي




الجامعة الامريكية

أسرعت ألماسة وهى تنظر لساعتها نافخة ، اضطرت الحضور بعد لقاء بسنت رغم قرب المغيب لتأخذ ورقة هامة من إحدى زميلاتها بالدبلومة .. ورقة كانت ستتحير بعدها في استخراجها إن لم تأخذها اليوم
لكن اتضح أن ترابطها بتلك العائلة أقوى مما تظن .. توقفت مكانها وهى ترى رنوة الصغيرة في مقهى الجامعة .. ورغما عنها غلبتها شفقة مذنبة وهى ترى وجهها البرئ شارداً
نظرت لساعتها مجددا واتخذت قرارها سريعاً وهى تقترب منها متسائلة بابتسامة لطيفة تبدأ بها الحوار

" هل يمكنني الجلوس معكِ قليلا ؟ "

نظرت رنوة لمحدثتها ثم فزعت ملامحها بمبالغة وهى تقف تسأل باحتقار

" أنتِ ؟!.. ماذا تفعلين هنا ؟! "

نطقتها بطريقة بعيدة عنها تماما فانغلقت تعابير ألماسة وهى ترفع ذقنها تجيب بترفع

" أدرس دبلومة في إدارة الأعمال "

الظاهر كان أنها تظنها من فرع العائلة الفقير ولا قدرة لها على تحمل نفقات الجامعة .. لكن الحقيقة كانت أن تلك الليلة هى النقطة السوداء في حياة رنوة .. وبشكل ما تحمل ألماسة ذنب فقدانها للسيطرة مع راشد !
بعقل عنيد صغير جمعت رنوة أغراضها لتغادر فأوقفتها ألماسة بنبرة الأكبر قيمةً وسناً الصارمة

" انتظري رنوة .. أنا ابنة عمكِ ولا عداء بيننا "

فجأة اندفع لذاكرتها كل أحداث تلك الليلة وما بين الندم والشوق والغضب والخوف تهتف بتصلب أجفل ألماسة حرفيا

" أنتِ لا تعرفين فيمَ تسببتِ .. أنتِ دمرتِني ودمرتِ الصورة التي رسمتها لأبي ولأخي ولأمي أيضاً طوال عمري "

تزفر ألماسة صامتة متسعة العينين بدهشة من عدائية تلك الفتاة ثم تحاول معها بصدق

" لم أتعمد فعل ذلك .. أخاكِ هو مَن افترى عليّ وظلمني أنا وعائلتي وكنت أرد عليه لا أكثر "

تحركت رنوة بانفعال وجسدها كله يتشنج وهى تهتف بغضب

" وها هو أخي ابتعد عنا جميعا وليس عنكم فقط .. لقد كان بين الحياة والموت وخسر ابنه .. الآن ابتعدي أنتِ عني ولا تقولي ابنة عمكِ هذه مجددا "

تجاوزتها مغادرة تاركة ألماسة تنظر لظهرها بازدراء وذهول .. إنها چينات العائلة كلها .. قسوة وظلم وبرود !.





تطلعت رنوة حولها وهى تستمع إلي الموسيقى التي تعزفها فرقة المقهى حيث أتت .. تحب الموسيقى الحية وجعلته يحبها .. رغم أن مقابلاتهم كانت في عيادته معظم الوقت لكنها كانت تحب أن تخرج مع راشد ليلا
تحب الليل معه .. وخوفه عليها في الظلام وهمسه الغزلي المتمهل .. كأنه كل مرة كان يوقع قلبها ببطء وشغف كأول مرة

الحياة دونه لا معنى لها .. تقارب الدخول في حالة اكتئاب حقيقية .. طعامها قليلا وشرابها تقريبا انعدم .. كلامها صار معدودا بالكلمة
كانت تعرف أن هذه ستكون حالتها لكنها خافت عصيان أخيها .. حبها لراشد ليس مجرد تعلقاً ينتهي برحيله .. حبها لراشد أعمق شيء فيها ، لأن لا عمق لها سواه

رفعت أصابعها تمسح دمعاتها وتعابيرها ذابلة جامدة بشكل مخيف .. تغمض عينيها تقاوم اشياء غريبة مؤلمة تحدث لها هذه الفترة .. دوار وغثيان وألم شبه مستمر
تتنفس بتثاقل والموسيقى تعلو فتقلب الآلام بجسدها كما تقلب مشاعرها بعذاب .. شعورها بالموت غريب .. قريب !

أخرجت هاتفها بلا مقاومة وهى تشعر أنها ستموت إن لم تحدثه اللحظة فتضغط اتصال بلا تردد وتنتظر الرنين .. ولم يرد .. واتصال آخر .. ولم يرد
انفجر بكاؤها شهقات مكتومة بصدرها شديدة الوجع فتتصل مرة أخرى بلا مكابرة حتى فُتِحَ الخط وسمعت أنفاسه الصامتة .. صمت طويلا حتى وجدت صوتها لتهمس

" كيف حالك راشد ؟ "

ظل صامتاً لكنها تشعر بموجاته عبر الهاتف تسري بجسدها فترتجف وتتضاءل حتى أجابها ببرود

" بخير "

صوته عنيدا متباعدا .. صوت رجل أفلت أنثاه .. ليس صوت راشد وهمسه يوم كان معها

" لا تحسبيها رنوة .. عيشي لحظتنا هذه فقط وانسي غداً بين ذراعيّ "

ضغطت على عينيها بقوة والذكرى هنا .. حضنه هنا .. وما زالت فيه
يتحشرج صوتها وهى تسأله بعذاب

" هل ضايقك اتصالي بك ؟ "

انفعل راشد من مسكنة صوتها وهى تستعطفه بلا عمد فيهتف بعصبية

" نعم ضايقني .. ألم تقرري نسيان ما بيننا ومسحه تماما حتى لو زيفاً .. ألم ترفضيني وتختاري أخيكِ .. ماذا تريدين الآن ؟ "

تبكي رنوة وهى ترد بتقطع

" لقد قاطعتني منذ ذلك اليوم .. أردت فقط .. الاطمئنان عليك .. أنا .. كنت مريضة الفترة السابقة .. وقعت وفقدت وعيي .. اليوم صباحا رمزي أخذ مني عينة دم ليجري لي بعض التحاليل .. لكني اعرف أن السبب نفسياً وليس عضوياً "

يربط راشد على قلبه قابضا يده كقبض العشق الذي لم يحسب حسابه متسائلا

" هل نفذتِ ما بعقلكِ وأجريتِ تلك العملية ؟ "

هزت رنوة رأسها ثم نطقت باكية

" لا "

خافت أن يحدث لها شيء .. ولا تأمن أن تمتد يد عليها إلا راشد وحده

تتمالك نفسها لتضيف بعد لحظة

" ليس ... بعد "

سمعت صوتاً لشيء يقع كأنه رماه بعيدا ليصيح بغضب

" إذاً ما زلتِ تفكرين بذلك الأمر الخادع الدنئ ... تريدين مسح خطأ بخطأ ماكر أكبر منه سيؤثر على حياتكِ كلها "

تعود للبكاء وهى تتخيل حياتها تخدع آخر فكراً وجسداً وقلباً فتسأل بخزي

" هل ما زلت تهتم بحياتي ؟ "

تنهد راشد وصوته يهدأ قليلا

" لا تفعلي هذا رنوة .. اخرجي من رأسكِ تلك الفكرة المهينة "

شهقاتها تعلو وهى تأخذ حقيبتها واضعة ثمن مشروبها لتغادر المقهى هاتفة بعقل مغلق

" لا حل آخر أمامي "

أغلق راشد الخط لينغلق باب أخير في وجهها فتوقفت جوار أحد الجدران باكية بقوة .. لم تجرب في حياتها شعور أن تكون على وشك فضيحة ..
انزاح عنك الستر لتنكشف عارياً بخطاياك .. ولا أقسى من تمني الموت ساعتها.



.......................................


منزل عماد زين الدين

تغلق روينة التلفاز ثم تربت على كتف أختها تواسيها

" لا تبكي داليا "

تضرب أمهما كفا على كف في جلستها جوارهما ثم تتفحص رأس ابنتها داليا بخشونة قائلة بغضب

" منه لله فرج .. أخذه الله .. كان سيفتح لها رأسها "

تمسح داليا دموعها تعصر عينيها لتقول بمرارة

" منذ ضربه عماد لم يفعلها لكن بالأمس عاد مترنحا لا يدري بنفسه "

وقفت روينة منفعلة تتحرك بضيق ثم استدارت تنظر لأختها هاتفة

" أحرق الله المخدرات وكل مَن يأخذها .. تطلقي منه داليا "

ضربت أمها على صدرها تهتف بصوت أعلى

" بعيد الشر .. لا روينة لا تصل للطلاق .. كثير يحدث في البيوت والنساء تتحمل .. ظل رجل ولا ظل حائط "

تنظر روينة لأمها بغيظ وتشد شعرها منها على أفكارها البالية وقبل أن تتكلم سمعت المفتاح يدور في الباب ليدخل عماد يلقي السلام فتتفاجأ روينة بالقول

" عماد .. لمَ عدت مبكرا من عملك ؟!.. هل حدث شيء ؟ "

تقترب منه بلهفة وهو يهز رأسه نفيا لكنها ترتعب بأقل شيء كعادتها فتتحسس صدره باسئلتها المتلاحقة

" هل أنت بخير .. هل يؤلمك شيء .. هل تشتكي من شيء ؟ "

يتبسم عماد ويده على رأسها بين شعرها المنتفش فيقبل جبهتها هامسا

" أنا بخير .. والله بخير اهدئي "

يدخل معها للبهو ينظر لأمها وأختها فيعبس متسائلا

" لمَ تبكي داليا ؟ "

تسارع روينة بالقول وهى تدفعه برفق لغرفة نومهما لا تريد أن تزيد عليه

" تشاجرت مع فرج .. لا تشغل بالك أنت .. تعال لترتاح "

لكن أمها ترفع صوتها بنبرة أسى وهى تحرك شفتيها جانبا

" ضربها فرج مجددا قطع الله يده "

تبرق عينا روينة بالغضب ناظرة لأمها ثم تربت على صدر عماد قائلة

" عماد تعال لترتاح لا تشغل بالك "

يزفر عماد وهو يقترب قليلا ليقول بجدية ناظرا لداليا

" فرج هذا سأجد له حلا يبعده عنكِ داليا .. لا تبكي "

اتجه إلي غرفة نومه يغلق الباب بهدوء فتذهب روينة خلفه حين نادتها أمها

" روينة "

وقفت على الباب تستدير لأمها تهمس بغيظ

" ماذا ماذا ؟!! "

اقتربت المرأة منها بملابسها السوداء تسر لها همسا بما تريد

" افهمي زوجك .. لا يؤذي فرج في شيء حتى لا يُخرَب بيت أختكِ .. يكفي أن يفهمه أن لها ظهرا "

اتسعت عينا روينة وهى صامتة لحظات تشتعل داخلها ثم قالت بنبرة منخفضة شديدة الغضب

" وما دخل عماد بالأمر .. لمَ يتحمل همنا كلنا ؟!.. طالما ترضين أن تهان داليا هكذا فلتتصرفي أنتِ "

دخلت روينة وأغلقت الباب فتستدير المرأة نحو داليا تبسط كفيها وتلوح بهما علامة الخيبة قائلة

" هل رأيتِ أختكِ المعدولة ؟!.. مسحوبة خلف زوجها ولا يهمها أمرنا !!.. عشنا ورأينا !!!.. هيا لنذهب "

نهضت داليا وعيناها على الغرفة حيث اختفت أختها ولم تمنع الغيرة من التسلل لقلبها .. لطالما كانت روينة أكثر حيوية منها .. تنتقل من عمل إلي عمل وتجاهد لتساعد الجميع حتى أكرمها الله برجل مثل عماد
بينما هى ظلت في بيت أمها مستسلمة للمصير الذي سيأتيها حتى تخلصت أمها من حملها لأول خاطب.

جلس عماد على سريره يلقي سترته جواره ويفرد جذعه متأوها بتعب فتجلس روينة جواره تضغط على كتفه تمسده تسأل بحنان

" حياتي .. لمَ عدت من عملك مبكرا ؟ "

عيناه مظللة بإجهاد واضح والأيام تمر متشابهة منذ ابتعد عن صدفة .. استمع إلي كلامها لأجل سمعتها .. وابتعد
يشعر بخيبة الأمل كأنها موجة تدفعه وموجة تغرقه وبين الآمال الواهية لا سبيل لحل لهذه الحياة المشتتة فيتنهد يجيبها

" متعبا قليلا ... وأحتاجكِ "

تلمس روينة خده بنعومة قولها

" وأنا تحت أمرك "

يذوب التعب في كأس نعيمها وهو يميل نحوها يقبل تلك الشفاه التي تتحلى بالخمر ولذة العسل
تحيط روينة رقبته بكفها تمسح على جرحه القديم فتسمع صوت أمها بالخارج

" روينة سنغادر .. السلام عليكم "

لم تتحرك تاركة له حرية التمتع بها والتمتع معه لحظات وقد ابتعد فترة طويلة يأتي للبيت ولا يقربها
يبتعد عماد قليلا فتسأله بنبرة خافتة قلقة

" ما بك يا روح روينة ؟ "

يغمر أصابعه بشعرها وشفتاه تسرح على وجهها وعنقها ليجيبها برغبة بعد ابتعاد طال

" أحبكِ .. أحب طريقتكِ وحنانكِ "

يرى نظرة عينيها المشتاقة تستقبله بغرام العاشقين وقد غاب عن وصالها وهى صامتة تتحمل تقلباته وهفوات نفسه
بحمى جسدية مشتعلة يداه تتجرأ وكأسها العشقي تسكبه يلهبه أكثر

" يا عمري أنا .. أنت روحي يا عماد "

يرفع رأسه ينظر لوجهها الخمري يتأمل ملامحها بأنفاسهما الحارة ، يتوقف عند عينيها البندقية يرى دفق حب قلبها .. ثم شفتيها فتحلو بضمة شفتيه وقت شوق .. وقت حزن

تحركت يده يمسك ذراعها ليوقفها ثم يجلسها على رجليه .. بحضنه يعانق لوحته الخمرية مائلا بها .. وشفتاه تشعل ناراً تجردا لها من كل شيء .. لساعة غياب عن الواقع

واقع يذكره أنه لم يتزوج روينة لينقذها من أي شيء .. تزوجها لأنه أرادها كرجل ولم يكن يعلم بظروفها الصعبة
أفكاره تأخذه لليوم الذي قرر فيه طلب روينة ثم تراجع


‏دخل محل العطور الذي يزوره من آن لآخر فلم يجد فيه أحدا .. الرائحة العطرة تدخل أنفه تضبط مزاجه وهو يبحث بعينيه عنها
‏فتاة مشرقة خمرية بها أنوثة جذابة .. بعدما تعالجت وصال واختارت قرارها وأصرت عليه لن يوقف هو حياته
صوت جهوري لرجل غليظ يأتي من داخل مخزن صغير بركن المحل

" ابتسمي في وجهه ألا تفهمين ؟ "

سمع صوتها الذي يرحب به حين يدخل ثائرا عصبيا وشعبيا جاذبا

" أنا ابتسم في وجه كل مَن يدخل لكن هذا لا يستحق إلا حذائي فوق رأسه .. أنت خالي يجب أن تقف في صفي "

يبتسم عماد بالخارج يسمع الرجل المدعو خالها يرد بالقاعدة الأولى للمتاجر

" احترمي نفسكِ روينة .. الزبون دائما على حق "

سمعها تثرثر بصوت خافت ثم تخرج منفعلة وهى تلوح بيدها بلا اهتمام وتمسح دموعها باليد الأخرى
رفعت وجهها فقابلت عينيه لترسم ابتسامتها الدبلوماسية .. هذه المرة حزينة ضعيفة مهمومة
اقتربت منه بسؤالها الدائم

" أهلا بك .. هل تريد شيئا معينا ؟ "

ابتسم عماد لعينيها الواسعة متسائلا

" هل تبكين ؟ "

مسحت الباقي من دموعها وهزت رأسها نفيا
نظر عماد لها طويلا وأراد أن يضحك !!.. الأنثى الوحيدة التي شغلت أفكاره وأرادها زوجة بعد خيبة أمله في ليلة ووصال تكون هى نفسها ذات ظروف خاصة !
أخفض بصره وملامحه تنشغل بأفكار أخرى ليقول بجدية

" انتبهي لنفسكِ "

استدار ليرحل متراجعا عما فكر فيه وتركها لأول مرة تشعر باهتمام أحد بصدق.
.






.....................
المشفى العام

يقف الطبيب في أحد العنابر المليئة بالأسِرة أمام سرير جدة صدفة بينما يخاطب المهدي قائلا

" لقد اخبرتك أنه كلما تأخرنا في إجراء الجراحة كلما انتشر الورم أكثر في المخ .. ولن أخفي أن الجراحة هذه المرة شديدة الخطورة "

ينظر المهدي لوالدته العجوز الراقدة بضعف وجوارها صدفة تحتضنها كأمها هى أيضاً فتتجعد ملامحه بالأسى وهو يرد بتعب

" نحن أجرينا هذه الجراحة من قبل في بلد عربي وقالوا إنها ستكون بخير "

يدون الطبيب في دفتر فحوصاته عن حالة أخرى تماما سيراها بعد قليل وهو يقول بعملية وتركيز في هذه الحالة

" مؤكد تعلم أن الأورام الخبيثة تكون خطرة والتعامل معها شائكا .. للأسف أفضل الجراحات الخاصة بهذه الحالة في امريكا وفرنسا "

أخفضت صدفة عينيها مثل نجية حتى لا يزيدا على المهدي عجزه وهو يرد

" هذا ما استطعنا تدبيره تلك الفترة "

تحرك الطبيب ليغادر قائلا وهو يعدل نظارته الطبية

" الآن قرروا ماذا ستفعلون معها لأن علاجنا الكيميائي انتهى وحان وقت التدخل الجراحي مجددا "

نظر المهدي إلي ظهر الطبيب شاعرا أن الدنيا كلها أدارت له ظهرها فجلس على حافة السرير يفكر بلا جدوى .. تابعت صدفة ملامحه بعينيها الغائمة ثم سألت بصوت منخفض

" ماذا سنفعل أبي ؟ "

شرد المهدي لثوانٍ ليتمتم بعدها

" لله الأمر من قبل ومن بعد "

اعتدلت نجية على السرير لتنهض بصعوبة وهى تقول بضيق

" لن تفعلا شيئا .. كفى .. أنا تعبت وتعبتكما .. كم تبقى في العمر لتفعلا كل هذا ؟... اتركاني .. لنذهب إلي البيت ونخرج من هذا المشفى "

وقف المهدي ليضع يديه على كتفيها يمنعها كصدفة قائلا

" لا تقولي هذا أماه .. إن وصل الأمر أن أبيع ملابسي سافعل وأعالجكِ .. كيف اترككِ بمرضكِ بعد تعبكِ معي ومع ابنتي ؟! "

تحاول نجية إبعاده وهى تقول بحدة واختناق المرض

" يا مهدي لا تتعبني أكثر .. قلت لن اجري أي عمليات جراحية مرة أخرى "

ربت على كتفها وهو يميل عليها أكثر بالقول المطمئن

" حسنا اهدئي ونامي قليلا الآن "

تعب جسدها من مقاومة المرض فأرجعت رأسها الشائب على الوسادة هامدا وصدفة تقبل جبينها حتى هدأت ونامت فخرجت من العنبر لترى والدها جالساً على مقعد جانبي بالممر لتتجه إليه متسائلة برفق

" بمَ تفكر أبي ؟ "

بعد دقائق من تفكير استنفذه تماما أجابها

" سآخذ المال من المعلم عفيفي واسدد له مع مال الشقة "

هتفت صدفة معترضة

" مجددا ؟!! "

لم يرد عليها فجلست جواره تقول بنبرة منخفضة غاضبة

" لقد أعطانا غرفتين فوق سطح بنايته بمسمى شقة وأخذ شقتنا المحترقة بتراب المال ومؤكد سيصلحها ويستفيد ببيعها .. وفوق هذا كله أدانك ببقية مال الغرفتين مدعيا أن ثمن الشقة لأنها محترقة أقل بكثير من ثمنهما !! "

أدار المهدي وجهه لها قائلا بوجوم

" لا تنسي أنه أعطانا تلك الشقة الصغيرة بأثاثها كاملا ولم نحتج أن نشتري شيئا فيها "

تلك الأيام التي تلت الحريق كانت أصعب أيامهم ، ما بين اللا مأوى ورقود نجية بالمشفى وقتها .. لكن الحل كان سريعا من المعلم عفيفي كأنه مجهز من قبل !!.. لم يحتاجوا إلا سلفة أخذها المهدي من عمله لشراء بعض الملابس القليلة بجانب راتب صدفة

رفض صدفة للأمر كان قاطعا وأشارت على والدها أن يعيدوا إصلاح الشقة لكن الشقة لم يكن منها شبر سليما وكانت تحتاج مبلغا طائلا لإعادتها .. وعفيفي قدّم الحل لهم .. شقة معطوبة مقابل شقة سليمة كاملة الأثاث وإن كانت أصغر وأغلى .. وبقية الثمن أخذ به عفيفي إيصال أمانة من المهدي

برق الغضب في عينيها كأمواج الشتاء وصوتها ينخفض أكثر من شدة حدته

" لكنه فعل هذا كله لتكون مدينا له .. أنا اعلم أنه ينتقم منا لرفضك طلب زواجه بي .. الآن ستأخذ منه مال العملية الجراحية ليزداد الدَين وربما يضغط به علينا يوماً "

وقف المهدي مهموما لا يطيق كلمة فيرد عليها نافخا

" لن يطول الأمر .. لقد تحدثت مع ابناء عمي في البلدة وقالوا سيدبرون أمرهم ويعطونني المال .. حينها ساسدد مال عفيفي وينتهي الأمر "

نفس ما قالوه حين حاول محاولة أخيرة أن يأخذ منهم مالا لإصلاح الشقة المحترقة بدلا من أن يصبح مدينا لعفيفي .. لكنهم ماطلوه حتى اضطر أن يقبل العرض حتى لا يظل هو ابنته في استضافة عفيفي أو في الشارع بعدها
وقفت معه لتقول بغير رضا

" وتكون مدينا لابناء عمك أبي "

تحرك المهدي مبتعدا بالقول

" لا بأس .. الدَين للقريب يكون مستورا .. لكن الدَين للغريب هماً ومشقة "

لوحت صدفة بيدها هاتفة بسخط

" إذا كان حقاً قريب ! "

التفت برأسه ينهي كلامها بصرامة

" انتهينا صدفة .. لا تزيدي الأمر عليّ "

ظلت تنظر لظهره ويدها تنقبض ثم رفعتها إلي فمها تضغطه بشدة من ثقل ما يمرون به هذه الفترة .. استدارت تنظر للممر الملئ بالممرضات والاطباء وهى تقف في منتصفه دامعة العينين
هى لديها حل !.. حل ابتعد منذ قالت له ابتعد .. وهذه المرة هى ستقترب !.



يتبع ...



التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 02-06-20 الساعة 12:39 AM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 02-06-20, 12:22 AM   #655

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي




نظرت فجر إلي الساعة التي تجاوزت منتصف الليل وهى جالسة بغرفة النوم على مكتبها الصغير تجهز محاضرة الغد .. رفعت نظارتها الطبية لتضغط على عينيها بإرهاق ثم استندت للكرسي لتريح رأسها دقائق من البحث

أمامها كوب من القهوة الداكنة لا ينفع في طرد النعاس تشرب منه قليلا ثم تميل لتعاود الكتابة

" الفن الفرعوني القديم .. معظم الفنون في عصور الفراعنة ارتبطت بالمعنى الديني الذي يهدف إلي التخليد من خلال الآثار .. وأيضا تصوير أحداث الحياة وانتصارات الملوك من خلال النقوش والرسومات على الجدران .. ومن أهم ما يميز الفن بذلك الوقت .. تنوعه بين السياسة والدين والبطولة والإنسانية مع الحفاظ على صدقه ورقيه .. وكان فن العمارة من أهم الفنون التي تجلت بجمال مميز في المباني والمعابد والأهرامات ودقة الصنع بنسب مدروسة "

تفرد فجر جسدها على الكرسي تجمع شعرها الذي يتجاوز كتفيها للخلف تتثاءب وهى تقرأ من حاسوبها المحمول بعض المعلومات ثم تدون النقطة التالية

" وعن فن التصوير أو الرسم .. فقد أثبت المصري القديم جدارته في التعبير عما يحيط به .. ويبدو ذلك واضحا في اللوحات الصخرية والتذكارية وعلى الأواني .. ومثال على ذلك في مقابر دير المدينة بالأقصر حيث نجد مناظر الحقول والأشجار وأعمال الحقل والطير وحفلات الصيد والطرب .. والأهم من ذلك تصوير المعارك الذي وصل إلينا بالتفصيل الدقيق .. والتصوير المذهل على الأعمدة والمسلات وفي المعابد والمقابر .. وبعضه بالألوان الثابتة إلي اليوم .. فقد تعجب البعض من الكنوز التي وُجِدَت في مقبرة توت عنخ آمون "

شربت بعضا من القهوة وهى تغلق الحاسوب وتتثاءب مجددا ثم تفتح كتابا تتصفحه لحظات ثم تكمل الكتابة

" أما عن فن النحت .. فإن كل أعمال المصري القديم تؤكد الوحدة بين النحت والعمارة .. وأغلب ما رأيناه من أعمال النحت يؤكد براعة الفنان المصري في إبراز خصائص الشخصيات في تماثيله مؤكدا على القيم الإنسانية .. ومثال على ذلك تمثال الملك خفرع الموجود بالمتحف المصري والذي صُنِعَ من حجر صلب وهو حجر الديورايت الأخضر .. ورغم صلابة الحجر استطاع صانعه أن يحتفظ بخصائص كتلة الحجر مع التكوين الفني للتمثال مع الزخارف البارزة على الكرسي الذي يجلس عليه الملك "

أغلقت فجر الكتاب ورتبت الأوراق لتنهض بعدما أنهت ذلك الجزء بكتابة

" والكثير من الفنون التطبيقية نجده في الأثاث والنسيج والحلي والخزف وآلات الطرب ونماذج السفن .. كأنها قامت على تصميم لا ينفصل عن الوجود الطبيعي ودقة النسب ووضوح القيم الابتكارية حتى لتبدو بعض الأعمال كأنها معجزة من معجزات الفن التطبيقي .. وأمثلة ذلك الأسِرة المذهبة والكراسي التي صُنِعَت أطرافها على أشكال رؤوس الحيوانات المتحفزة .. وأيضا الأواني المرمرية الشفافة في دقتها ورقتها .. أما الحلي كالقلائد والأساور فقد حُقِقَت فيه دقة الصياغة والتزيين بالأحجار الكريمة التي برع المصري في تشكيلها وصقلها "

اتجهت للباب تغلقه وتطفئ الضوء ليظل نور خافت جوار السرير الذي اتجهت إليه ترتمي عليه حرفيا .. انقلبت على ظهرها تطالع على الجدار صورة قديمة لوالديها

يبدو أن حياتها كلها مع القديم .. دراسة وعمل وحياة

لا جديد سوى انضمامها لفرقة ( ثورة ) لتكون سيدة الإلقاء بجدارة كما لقبها مصطفى قائد الفرقة
مصطفى .. طموح وشهم ورجل تتمناه الكثيرات لكن .. لا يحتاجها !

داخلها شعور عجيب يشترط عليها أن تحب مَن تشعره يحتاجها فقط .. مَن يتغير لها وبها .. مَن يعرف الجديد معها
رغم حياتها وحدها واحتياجها للسند إلا إنها تريد أن تستند على رجل .. يحتاجها .. لا يستطيع الحياة دونها لأنها هى الحياة إليه

لا تعرف أن تستند على رجل وجودها في حياته شيئا عاديا .. لا تعرف أن تستند على رجل مكتفيا بنفسه فيتركها في الطريق

ولن تكون هى إن لم تكن مؤثرة في حياة أحد فعليا

صوت أقدام مسرعة تتحرك على درج البناية بقوة أجفلها من شدته التي وصلت أذنها حتى غرفة النوم !
رفعت رأسها قليلا مستندة بمرفقيها خلف ظهرها على السرير وهى تفكر بحنق .. مؤكد هو زايد !
دائما ينزل ويصعد مسرعا بقوة مماثلة بجسده الضخم وأحذيته الأمريكية الأضخم !

عادت تضع رأسها على الوسادة ورغما عنها تبتسم وهى تمرر يدها بشعرها .. سؤال مر بعقلها جعل ابتسامتها تتلاشى بغرابة .. ألم يخبرها زايد يوما أنه يحتاجها ؟!
عيناه القاتمة الهائمة بحرية تتعمق كلما ينظر إليها بنظرات تجعل قلبها يخفق برهبة .. وصوته الخافت المغوي دوماً بلكنته المميزة بين العربية والانجليزية تتذكره يوم جاءها الجامعة


" أنا ليس لي أحد هنا ... إلا أنتِ "


ألم يكن احتياجاً .. أم هو خيالها فقط ؟!
ما الذي أحضر الفكرة لعقلها من الأساس ؟!

عبست متنهدة باستغراب ثم مدت ذراعها لتغلق النور لكن فجأة تعالت طرقات مفزعة على باب شقتها مع صوت يعلو بلهجة خليجية

" افتح الباب .. نعلم أنك بالداخل "

هبت فجر من سريرها وعيناها تتسع بذعر وصوت الأقدام المسرعة كلها شعرته أمام شقتها هى .. الطرقات تزداد عنفا مع الصوت الشرس

" افتح البااااااب "

تهدجت أنفاسها واضعة كفها على فمها تكتمها ثم تسير بخطوات ترتعش خوفا تخرج من الغرفة لتحاول التماسك وهى تسأل بصوت عالٍ صارم

" مَن أنتم ؟ "

شعرت بكتف أحدهم تدفع الباب بقوة صارخا

" افتحي الباااااب "

صرخت فجر صرخة مكتومة تنتظر أحدا من الجيران لينجدها وضربهم على الباب سيكسره بأي لحظة فيدب الرعب بقلبها وهى تصرخ بشجاعة زائفة

" مَن أنتم ؟.. ماذا تريدون مني ؟ "

لم يرد أحد والضربات تتكاثر بأيادي مختلفة فترتجف هلعا لتأتيها فكرة واحدة لم يسعفها عقلها لغيرها .. ركضت إلي غرفة النوم تأخذ هاتفها وتتصل برقم زايد لأنه الأقرب لها وهى تدعو أن يكون بشقته نائما أو يكون قريبا من البناية فتسمع الرنين وهى تهمس ودموعها بدأت تسيل بخوف

" يا رب يا رب .. زايد .. رد يا زايد .. يا رب يكون بشقته "

فجأة كُسِرَ الباب فصرخت فجر بارتياع والهاتف يقع من يدها ثم تقع هى جوار السرير تضم نفسها مرتعبة صارخة

" مَن أنتم ؟ "

رجال عدة دخلوا الشقة في فوضى مهولة وأقدامهم تدب في الأرض فينتقل الصدى لقلبها بخوف كاد يقضي عليها وهى تغمض عينيها متكومة في ركن تبكي باختضاض
يفتش الرجال المكان وهى لا حول لها ببكائها المذعور المرتعش وهم يصرخون فيها

" أين هو ؟ "

تعصر عينيها أكثر ولا تشعر إلا بالدنيا المتفجرة فيرتفع صوتها بمقاومة واهية

" عمَن تبحثون ؟ "

تجمع الرجال معا وأحدهم يهتف بغلظة

" لا يوجد أحد "

رد رجل آخر وهو يشير لهم بالمغادرة

" يبدو أنه لم يدخل هنا .. هيا بنا "

نظر أحد الرجال إليها بطاقمها البيتي الرياضي وشعرها البني المفرود ووجهها المدفون عند ركبتيها وهى تكوم نفسها كالفأرة المذعورة ثم تحرك مغادرا خلف الرجال تاركين باب الشقة مفتوحا بعدما انقلبت رأسا على عقب ولم يعد بها شيء مكانه

ساد الهدوء في الشقة عدا صوت بكائها الخائف وجسدها ينتفض بلا قوة .. رفعت رأسها تنظر للغرفة وأوراقها المنثورة أرضا ثم استندت على السرير لتحاول الوقوف على قدميها المرتجفتين وهى تحمد الله أنهم ذهبوا

خرجت إلي الصالة فسالت دموعها بحسرة وهى تقف وسط الخراب .. ترى الأثاث المقلوب والاشياء المكسورة .. كتمت شهقاتها الخافتة بكفها ثم انهارت على البساط بمنتصف الصالة تبكي
مصدومة من نفسها وضعفها الذي تجربه لأول مرة بحياتها .. تتذكر نفسها تركض في ميدان الثورة تواجه الموت بشجاعة حقيقية .. تواجه الإرهاب وتصمد مع الثكالى والمجروحين .. لكن اليوم خذلتها نفسها وخافت

تخيلت أنها ستموت وحيدة مقتولة .. وتعوذ بالله مما قد يحدث لها قبل قتل جائر
سمعت هتافا قلقا عند باب الشقة المفتوح

" فجر "

رفعت رأسها تنظر لزايد الذي دخل مسرعا ينخفض أرضا أمامها متسائلا باهتمام وخوف

" فجر أنتِ بخير ؟.. هل فعلوا لكِ شيئا ؟ "

أمسك ذراعها يتفحصها بعينيه يطمئن عليها فيتألم لارتعادها وهى تقول بصوت مبحوح وأنفاس لاهثة خوفا

" أنا ... أنا اتصلت بك ... و ... لم ترد "

ضعيفة مصدومة شاحبة والدموع تغطي وجهها فيمد كفه لخدها يمسح دموعها ثم يقول بصوت متهدج

" سامحيني فجر .. سامحيني "

لأول مرة يرى نظراتها غير ثابتة ، تذيب قلبه في ضعف عينيها الفرعونية المرسومة برسم الخالق سبحانه

توقفت دموعها ومن حيث لا تدري حلّ الأمان بوجوده لكن صدمتها كانت أقوى من الاستيعاب فتهمس وهى تنظر لعينيه

" اتصلت بك لتنجدني ... لم تكن في شقتك .. فكرت أنك الأقرب "

ساعدها على الوقوف يتعلق بعينيها وهى تتعلق به بلا وعي .. كلماتها الغير مقصودة تخترق قلبه وتلف كيانه العاصي وتشعل الحمية برجولته
قبض يده الأخرى وداخله نار لن تنطفئ إلا بأخذ حقها وحق الرعب الذي عاشته منهم فيهتف بصوته القوي

" أنا آسف فجر ... هذا لن يحدث مجددا .. أعدكِ "

أسندها لتسير حتى الأريكة الوحيدة المعتدلة في مكانها وهى تتمسك بذراعه العضلي فيأتيها شعور غريب أنها تستند على صلابة حية كالجبل لا مجرد شخص غريب
تشعر بألم في صدرها يتداخل بكل شيء فتسأل بنبرة فارغة مشوشة

" مَن هؤلاء ... ماذا أرادوا ؟ "

أجلسها زايد برفق وهى طائعة في يده كالهلام ثم ذهب مسرعا للمطبخ ليعود بكوب ماء يناوله لها قائلا

" اشربي فجر .. لا تفكري في شيء الآن "

شربت الماء محاولة السيطرة على ارتجافها وزايد ينظر حوله بغضب ثم قال

" أنا سأرتب كل شيء لا تقلقي "

استعادت فجر تماسكها فتضع يدها على شعرها ضاغطة شفتيها بشدة ثم تشير باصبعها بجانب الباب قائلة

" وشاحي يا زايد ... من فضلك "

بنبرة صوتها أدرك أنها صارت أفضل فاتجه حيث الوشاح المعلق جوار الباب يحضره إليها فتلفه فجر حول شعرها وهى تنظر أرضا بصمت قاتم

يراقبها زايد وهى تغطي شعرها عن عينيه لكنه لن ينسى يوما تلك الصورة .. بشعرها الناعم طبيعية ضعيفة تستنجد به .. صورة سكنت عقله قبل قلبه فيشعرها له .. صورة ملكه ومن حقه !
يبعد نظره عنها ليبدأ ترتيب الشقة ووضع الاشياء مكانها قدر الإمكان وكل حواسه التي صرخت يوما أن احمِ فجر .. تصرخ اليوم بقهر الرجال .. لم تحمِ فجر !

بعد قليل انتظمت أنفاس فجر وهى تعيد ترتيب أفكارها ناظرة لشقتها التي عادت منظمة وزايد يتحرك حولها دون أن ينظر إليها فتنظر إلي باب شقتها الذي يتركه مفتوحاً متسائلة بهدوء

" أنت .. متى أتيت ؟! .. هل رأيت ما حدث .. هل رأيتهم ؟ "

عدل زايد أحد الكراسي بجانب باب الشقة ثم قبض بيديه على ظهره بقوة مجيبا بنبرة غريبة دون أن يستدير لها

" نعم رأيتهم .. لكن وهم يخرجون للأسف "

تنهدت فجر بلا انتباه إليه ثم لوحت بيديها تتكلم بضيق ودهشة

" لم يقولوا شيئا ... لم يقولوا عمَن يبحثون ؟ "

توقف زايد لحظات وجسده يتشنج بالغضب من نفسه قبل الجميع ثم استدار ينظر لعينيها نظرة مظلمة لا تحمل دفئا قائلا بصوت قاتم

" يبحثون عني يا فجر "

رمشت فجر بلا استيعاب وشفتاها تفترقان دون القدرة على الكلام .. لقد رأت لوحاً زجاجيا من الثقة يتهشم .. من الأمان يتحطم
وكل أفكارها السابقة تتساقط دفعة واحدة صارخة .. لقد تركها لهم .. بعلمه !.





منزل ' راسل رافع '

انفتح الباب على مصراعيه ليدخل رمزي هائجاً كما لم يروه من قبل يصرخ

" رنوة "

فزع كل مَن بالمنزل وتحية تنهض من أريكتها تركض نحوه هاتفة بهلع

" لمَ تصرخ هكذا يا رمزي ؟! "

يزداد رمزي عنفا وجسده كله يتفجر بالغضب صائحا بصوت ارتجت له الجدران كالأبدان

" رنوة .. أين أنتِ يا فاجرة ؟ "

ضربت تحية على صدرها شاهقة تصرخ

" رمـــزي ماذا تقول ؟! "

ركضت عديلة من غرفتها ككل الموجودين بالمنزل وهو يلتفت لأمه بوجهه الأسود والشيطان أمام عينيه يفجر صوته تفجيرا

'' ابنتكِ فاجرة .. أخذت منها عينة الدم لأجري لها فحصا شاملا واطمئن عليها لتأتيني النتيجة أنها حامل .. حااااامل "

شهقت رنوة من مكانها على أخر الدرج متسعة العينين وجسدها يشل تماما ورمزي يستدير يقترب منها هاتفا بوحشية

" تعالي هنا "

امتدت قبضته يجرها من شعرها بعنف لتلكمها يده الأخرى بوجهها تحت عينها وهو يصرخ بشراسة

" حامل يا عديمة التربية .. يا عديمة الأخلاق يا تربية الكبير الفاجر مثلكِ .. أنا ساجهضكِ .. ساجهضكِ بيديّ هاتين "

تختض رنوة بين يديه شاعرة بألم حارق وهو يصفعها بلا توقف حتى اقتربت تحية وعديلة تخلصانها منه وعديلة تصيح

" كفى يا رمزي .. كفى ستموت بيديك "

لكنه يقاومهما بقسوة وشعيراتها الخفيفة تُقتَلع في يده وهو يضربها بحذائه في بطنها بكل قوته فتتأوه رنوة باكية بوجع مميت متسائلا بغضب أعمى

" مَن هو .. مَن الذي مرغتِ شرفنا في الأرض معه ؟ "

وقعت رنوة أرضا تتكوم على نفسها محيطة بطنها بذراعيها تبكي بحرقة صارخة بوجه بلون الدم

" لقد طلبني .. طلبني للزواج وفؤاد رفض "

جنّ رمزي أكثر وهو يبعد أمه وخالته وعيناه تجحظان كالمجرمين مندفعا نحو رنوة باهتياج أوقع نظارته الطبية أرضا ليركلها بقدمه يصرخ بعنف

" مَن هو الذي طلبكِ بعدما فعل فعلته ؟.. الحقير الذي لم يهتم أن لكِ ثلاثة إخوة رجالاً .. كيف تفعلين هذا بنفسكِ ؟ "

تختض رنوة على الأرض القاسية متأوهة تضم نفسها أكثر تغطي بطنها ووجهها من حذائه الذي يصيبها بلا رحمة وهى تجيبه بضعف توشك أن تفقد وعيها

" أنت تعرفه .. تعرفه .. إنه .... راشــ .. راشد الصيفي "

ثبت رمزي مكانه مصدوما وصدره يعلو ويهبط متمتما بلا تصديق

" راشد الصيفي !!.. الدكتور ؟! "

خفت بكاء رنوة وأنفاسها تضعف ورمزي يضرب على رأسه ثم يهجم عليها يضربها بيديه وقدميه وتحية وعديلة تتشبثان به لإبعاده وهو يصيح بصوته الجهوري

" راشد الصيفي !!.. إنه في سن أبيها !.. يا للمصيبة "

أغمضت رنوة عينيها على نحيبها الموجوع وهى تتلقى الضربات بألم لم تجربه في حياتها .. جسدها كله يحترق باللسعات كأنها في النار

لكنها تراه .. بقلبها وروحها .. غير أي شيء .. غير كل العالم

يد لمستها بحنان الكون .. حضن أخفاها بحلم العمر .. عرفته مبكرا ليصير رحلة الحياة ويوم رأته .. كان انبهارها الأول

يوم انتظرت ابنته في منزلهم فوقف معها خمس دقائق .. خمس دقائق صامتة كانت بداية قصة


عيناها تسرق النظر نحوه وهو يجلس ببهو منزله يقرأ .. واضعا ساق فوق الأخرى بهيبة الملوك .. سترته الرياضية تحدد عضلات جسده المذهلة كأب .. أب حسدت تقى عليه لكن .. لم تحسدها على أبوته لها بل على وجوده في حياتها .. كرجل

ملامحه تجذب العين لرمادية عينيه مميزة النظرات .. وشعره الأسود ذو الخصلات الفضية كالذنب الذي ستكرره اليد إن لامسته مرة

رفع راشد عينيه فجأة مبتسما فأبعدت نظرها سريعا بارتجاف عجيب نحو باب المنزل الذي تقف جواره ليخفض عينيه لكتابه وابتسامته تتسع أكثر .. في المرات القليلة التي أتت فيها رنوة هنا لم تستطع إخفاء ذلك الانبهار بعينيها الصغيرة

انبهار يلقى صدى في قلبه فيقاوم رغبة تغيير جديد في حياته المستقرة .. ونبضة مجنونة تدق على استحياء عمره ومركزه
أغلق راشد الكتاب فارتجفت رنوة مكانها وهى تراه بطرف عينيها ينهض ويتجه نحوها .. أو نحو الباب !

أخذت نفسا عميقا وقلبها ينبض بسرعة رهيبة فانشدهت ملامحها مع كل خطوة يخطوها تدرك أنها تشعره .. كرجل
وضع راشد يده على مقبض الباب فلا تعرف لمَ ثبتت عيناها بكل جنون على يده وعروقها المشتدة .. ثم ظل مكانه شاعرة بعينيه عليها !

رأسها أمام صدره بفارق طول أدركته لأول مرة مع رجل .. أدركته بأنوثتها !
كل شيء فيها كان يتفتح ببطء كأنه يعطيها الفرصة لتفهم الفرق بين مشاعر المراهقة ومشاعر الأنثى .. بل لتفهم إنها أنثى

رفعت رنوة عينيها لوجهه بنظرة فهمها راشد بسهولة .. لكنها مبهمة لها لأول مرة تحل على عينيها
شفتاها مفترقتين قليلا وشعور مخيف من البرد والنقص والاحتياج جعلها ترتعش بلا وعي فيسألها راشد بقلق

" أنتِ بخير رنوة ؟ "

كانت تنحدر .. تشعر إنها تنزلق ورأسها يدور بضربة مطرقة مختلفة .. مطرقة أكثر لذة وأمانا من أي مقاومة

أخفضت عينيها وهى تومئ بصمت مبتعدة خطوة تتلفت حولها بارتباك ثم وضعت كفها الصغيرة تستند على الباب وراشد لا يتحرك .. ينظر إليها وهى تنظر أرضا .. ثم خرج وأغلق الباب بهدوء.


فانغلقت الدنيا بوجهها وغابت عن الكون .. واخر صوت ميزته كان صوت أمها وهى تصرخ

" رنــــــــوة .. يا إلهي .. إنها تنزف يا رمزي كفــــى .. ابنتي .. رنـــــوة "





ألمانيا

يقف في شرفة منزل استأجره منذ شهرين ونصف بعد خروجه من المشفى .. تذكرة طيران كانت جاهزة ليخرج من المشفى إلي المطار
رافضا رؤية أي شخص من عالمه عدا الأنقى منهم .. رنوة وشهاب وعماد .. كانوا الأصدق في وجه محنته

محنته .. إن جاز تسمية الفاجعة التي حلت عليه
رؤية ابنه يحترق أمام عينيه
منظر لا يفارقه في صحو ولا منام .. سيارة تنفجر وداخلها مستقبله تشب فيه النيران

ملامحه ثابتة هادئة كأنفاسه التي خلت من الغضب والانتقام .. كل شيء هادئ حد الموت
كل ما فيه اعتزل الحياة

طرقات خافتة على الباب اعتادها يوميا بنفس الموعد ثم الخطوات الناعمة
ممرضة مركز علاج الحروق .. هنا بألمانيا أفضل علاج للحروق بأوروبا
صوتها الرفيع يتحدث بانجليزية متقنة

" Mr. Fouad … Your back ointment "

ظل فؤاد مكانه طويلا ربما لم يسمعها لتكرر نداءها في موعد دهان حروق ظهره الباقية
استدار فؤاد مشوش الذهن لا ينتبه لكثير من التفاصيل حوله إلا بروتين علاجي معتاد منذ جاء هنا
يتجه ليجلس على أريكة بمنتصف الغرفة يفك أزرار قميصه ويخلعه عن كتفيه لينتظر اليد الغريبة التي لا يعرف شكل صاحبتها رغم مكوثه معها شهرين ونصف

تضع الفتاة الشقراء الصينية التي تحملها على الطاولة أمامه ثم تأخذ منها مرهم ظهره وتبدأ في دهان الحروق على ظهره وكتفيه
تحسنت حالته الصحية وصار لون الحروق بنيا فاتحا يقارب خمرية بشرته الطبيعية .. وما كان علاجه هنا إلا ابتعادا عن الناس والدنيا وليس رغبة في الحياة من جديد

عضلاته الصخرية تشتد مجددا بقوة جسده ورسم الثعبان على ذراعه اختفى تماما تاركا مكانه بقايا حرق
انتهت الممرضة من عملها لتنهض وتأخذ الصينية معها واعتدل فؤاد على الأريكة ناظرا أمامه

جامدا وحيدا .. خرج من موته الرابع
وما أصعب أن يكاد المرء يلامس الموت حتى خطوة واحدة ثم .. يصحو ليكمل أجله
يصحو محملا بالذنوب والخطايا وأثقال النفس
يشعر أنه مُختَرق حتى أبعد أعماقه
ضعيف .. مجرد نقطة ماء في محيط الدنيا الواسع
يشعر أنه .. لا شيء
نفحة نار قضت على أهله .. وعليه
وصورة كريم الصغير لا تفارقه .. ضاحكاً .. ومرحوماً .. رحمه الله من أب مثله
والذكريات .. عواصف من وجع يطحن القلب الذي حدث وصدق ولو مرة



" هذه المرة صادق معكِ .. أريد بيتا وأسرة مستقرة .. أريد أن نسافر معاً اسما .. سانقل عملي كله للخارج ونرحل أنا وأنتِ وكريم "



نظراته الميتة تدور حوله ككل يوم يستوعب جزءا من وجوده .. من عودته

يقرب حاسوبه المحمول على الطاولة يفتحه ليطالع بريده الالكتروني كل فترة

رسائل عمل .. رسائل من عماد يطمئن عليه .. من رنوة .. من شهاب .. وحتى رمزي لم ينسه
لا يرد على أحد وهو يطالع باقي الرسائل بلا اهتمام حتى رسالة أخيرة من شهاب
قرأها أكثر من مرة وعيناه تتعمق بالنظر لحروفها والغضب ينفخ فيه لينهض من جديد .. غضب .. غضب يندفع بكل أوردته



( فؤاد لابد أن ترد علينا نحن جميعا في مصيبة .. لم أرد إخبارك لكن لابد أن تعلم .. رمزي سيقتل رنوة .. رنوة حامل )



انتهى الفصل الرابع عشر ويتبع بالخامس عشر



التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 02-06-20 الساعة 12:45 AM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 02-06-20, 12:23 AM   #656

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي




البريق الخامس عشر

تمهلت خطواتها حين أبصرت سيارته حيث اتفقت معه في طريق بعيد عن البحر حتى لا يغمرها الحنين ، ما كانت يوماً تنتظره دائما ما يكون هو بانتظارها .. عيناه تبحث عنها ببطء لكنها تشعر تلهف روحه للسقيا من حضورها

بعد غياب أشهر لجأت إليه مجددا ولا تعرف هل تحتاج إليه حقاً أم تختلق الحجج كي تظل مرتبطة بوجوده في حياتها ؟!
كل ما تعرفه أنه الوحيد الذي يخطر ببالها في كل أزمة .. كل مشكلة هو حلها .. كل عسير هو يسيره

توقفت مكانها على الرصيف خلف شجرة تخفي وجودها عنه تتأمل ملامح وجهه التي اشتاقتها .. لم تغب عنها كثيرا إلا بوجود مادي بينما خيالها ثرياً بطلة رجولته .. وجمال بدوية لهجته
أخذت صدفة أنفاساً طويلة تحاول تهدئة قلبها الثائر ثم اتجهت نحو السيارة وتلقائيا ارتدى وجهها قناعه البارد الصلب

تلاقت أعينهما .. وسرى تيار صاعق كأنه يتنقل بينهما بلا توقف ، بينما بدت بعينيه نظرة غريبة .. مريضة حزن وصريعة هوى
وصلت صدفة للسيارة وترددت كفها على بابها وهى تنظر أرضا شاعرة بنظراته المحاصرة ، ثم فتحت الباب لتتخذ مقعدها .. وطال الصمت !

كان يشتاق تلكما العينين ولا يصدق أنها طلبته وها هى تجلس جواره .. في سيارته التي ما كانت تركبها أبدا
قلبه يطرق بقوة في ذهول سعيد يلف كيانه بوجودها معه مجددا فيقولها بحنين

" أول مرة تركبين سيارتي "

رمشت بارتباك يُعجِز الكلمات على لسانها كأنها أول مرة تقابله أيضا فترد بنبرة مرتجفة

" كل الطرق تؤدي بي إليك "

اعتدل عماد بجسده نحوها فأصبح كله يواجهها وليس وجهه فقط وذراعه تستند على المقود قائلا بثقة

" لأني الحاجة الوحيدة لكِ .. تحتاجينني بكل تلك الطرق وتكابرين "

ارتجف جسدها بأكمله مع حركته ثم تشنج بغرابة
كانت تشعر بحالة عجيبة من التوتر والسقوط .. هى مكانها لكنها تسقط !.. يهوي تصميمها وإرادتها ويخذلها قلبها بغدر مؤلم
لأول مرة أيضا تشم عطره منتشرا بهذا الجموح .. نفس العطر لكنها تشعره يدخل عميقاً فيها !
عيناها الموجية بين مد العشق وجزر الفراق وهى تقاوم تأثيره المهلك لعزمها لتقول بصلابة

" لا تلعب على هذا الوتر ... الاحتياج "

امتدت يده يلمس طرف حجابها الأزرق الذي يبرز جمال عينيها بلا تكلف فالتفتت إليه بحدة مبتعدة وحينها ابتسم لوجهها الموجه له أخيرا قائلا بهدوء صادق

" لا أقصد مالاً يا قدر "

تأملت ملامحه الصحراوية عن قرب فلا تتشبع عيناها ولا يشبع القلب .. ثم أبعدت عيناها لتسقط على صدره الواسع تتشرب أناقة حلته الرمادية .. ربطة عنقه مفتوحة وزرين مفتوحين من قميصه الأبيض .. تتشرب فوضويته

أدارت وجهها نحو نافذتها واسم قدر منه يوهن كل قواها وهو يقوله بهذه الطريقة .. بهذه النبرة
كم اشتاقت لذلك الاسم .. مشكلتها أنها أحبته قبل أن تعرف خداعه .. ربما لو علمت أنه متزوج لما سمحت له بدخول حياتها .. الآن الأمر ليس زراً ستضغطه لتنسى .. الآن الأمر مثل حريق قلبها الذي يشتعل هذه اللحظة

ظل عماد ينظر إليها وقد اختفت ابتسامته ليحل الألم على ملامحه فيمسح وجهه بكفه متنهدا بالقول

" أنا تعبت صدفة "

بقيت ساكنة وعيناها تتعمق بوجع رهيب يجتاحها وينسيها ما جاءت لأجله .. بينما تحولت ملامحه لرمادية باهتة فاقدة للحياة وتابع بصوت يخترق أعماق روحها

" تعبت من ابتعادكِ وعودتكِ .. كل مرة تبتعدين أحاول أن اسيطر على رغبة البحث عنكِ والتعود على فراقكِ ثم تعودين بأمل جديد وفجأة تسحبينه بكل قسوة وكأنكِ تستمتعين بتعذيبي أو تنتقمين مني .. ما هذا العذاب ؟ "

أنهى عماد كلامه شاعرا أن قلبه صار معتلا ، وتلك النظرة المريضة تعاود عينيه التي تلونت بقتامة متزايدة
كانت صدفة تستمع إليه مطرقة الرأس بلا أي تعبير يكشف جرحها النازف عذابا حتى نست حقا ما جاءت بسببه .. كان محقا لدرجة أنها خافت أن تكون قد أهانت كرامتها بلا قصد ..
لكنها عادت تتذكر أنها أبعدته كثيرا ومرض جدتها فقط جعلها تلجأ إليه مرة .. واليوم
فسألت بصوت بارد ساخر لم تمح الألم منه وهى تتوه معه بنفس طريقهما الشائك

" هل تحبني حقاً لتتعذب لهذه الدرجة ؟! "

أطبق عماد أسنانه بعنف وتلك الثورة التي شعرها لها كثيرا تفور داخله تهدد بهدم كل شيء ليكون معها .. هى فقط ..
خطف يدها سريعا فأجفلت وتصلبت في كفه بصوتها المعترض لكنه سحبها إجبارا حتى وضعها بقوة على قلبه لتشعر نبضاته الصارخة عشقا .. ألماً ..
وكان هذا أقصى ما يستطيع فعله هذه اللحظة داخل سيارة مغلقة في طريق عام !!

تحاول صدفة إبعاد يدها وهو يثبتها على صدره وصوتها يعلو بغيرة هادرة

" اتركني .. هل يدق قلبك هكذا للثلاثة الأخريات ؟! "

كان قلبه تحت يدها ينتفض فعليا كأنه يسابق جيوشا من ابتعاد ومقاومة وحواجز بينهما
ملامحه مشتعلة كصحراء نارية الرمال صاخبة كأن صبره انتهى على كل شيء ثم رد بنبرة مشحونة صارمة

" واحدة فقط .. أنا زوج واحدة فقط والاثنتان الباقيتان تحملان اسمي فقط .. قلت لكِ أنني أُجبِرت على هذا الوضع لكنكِ لم تعطني فرصة لأوضح لكِ "

سكنت صدفة بعدم استيعاب وحاجباها ينعقدان ببطء وعيناها ترمش فيتعمق أزرقها الموجي وهى صامتة حتى تابع بنفس الخفوت الشرس

" روينة .. أظنكِ سمعتِ مني هذا الاسم من قبل .. تزوجتها منذ ستة أعوام بعد زواجي بليلة ابنة خالتي التي رأيتِها ذلك اليوم .. وزوجتي الثانية وصال "

لم تهتم بالاسماء بل بكلمات معينة تراشقت في أفكارها كالسهام فتتساءل بلا فهم

" ماذا تعني أنهما تحملان اسمك فقط ؟! "

خف ضغط يده على يدها وأصابعه تتحسس ظاهرها فسحبتها صدفة سريعا تضمها بكفها الأخرى لصدرها وهو يقول مشددا على كلماته

" أعني تحملان اسمي فقط "

بادلته النظر وإدراكها يتصاعد بما يقول شاعرة بحجر مدبب يتكوم بحلقها فازدردت ريقها بصعوبة وفكرة واحدة تسيطر عليها بتلك الغيرة التي تنهشها .. ألا يـ... ؟!

لم تكمل السؤال بعقلها الذي دخل درب جنون يسمى ( ممكن ) إذا كان مجبرا !!

اعتدل عماد ينظر للطريق وهو يكشف كل أوراق حياته لها

" تزوجت ليلة منذ سبعة أعوام بسبب ظروف عائلية لم أستطع تركها .. بعدها بأشهر وضع القدر وصال في طريقي .. كانت بحالة صعبة .. لن اخبركِ إلا أنني لم أستطع تركها خلفي هى الأخرى "

لم يكن يروي بحذر رغم أنه لن يخبرها شيئا عنهما إلا أن صدره يتفتح ببعض الأمل ( الممكن )
يده تقبض على المقود بقوة حتى برزت عروقها وهو يتابع بضيق

" ارتضيت الأمر والوضع الذي أصبحت فيه .. وبعد عام .. كانت حياتي مجرد تنقل من بيت لآخر .. مسؤوليات والتزامات فقط .. فقررت أن أتزوج حقاً هذه المرة طالما قلبي لن يحب مجددا .. واخترت روينة "

مجددا !!.. انتبهت للكلمة فضاقت عيناها بتساؤل كاد أن يخرج على لسانها لولا أن نظر إليها فصمتت .. نظرة مطولة شديدة العمق والقتامة كظلام أسدل ستائره عليه
يدعو أن تتفكر بما يقول ، لم يكن مضطرا إلي قول هذا سابقا لروينة وإلي اليوم روينة تظن أن حياته مع ليلة ووصال طبيعية ..
لكن لابد أن تعرف صدفة احتراماً لما بينهما ولتعلم أنه لا يخونها بالغيب مستمتعاً بما يملك غير مبالٍ بفراقها
صدفة كالنار التي أمسكت فيه وتأبى انطفاءً إلا بهلاكه
قلبه يتلوى بتلك النار الكاوية متابعا بصوت خافت رقيق بجمال الذكرى

" ثم قابلتكِ بعد ثلاث سنوات .. رغماً عني أحببتكِ وكرهت كل ما يقف بيني وبينكِ .. عشت معكِ سنة من أجمل سنوات حياتي .. لتختفي بعدها سنتين وأنا أبحث كالمجنون في أي مكان قد يوصلني إليكِ "

يعلم الله أنها تقاوم !.. مقاومة شديدة الصعوبة لما تراه في عينيه .. تذكر نفسها بما يمكن أن يقال لو قبلت بوضعه .. لكن قلبها لا يذكر إلا تلك السنة التي ظنت فيها أنها أميرة الدنيا وليست أميرة الأمواج فقط
حاولت التقاط أنفاسها المخطوفة ثم قالت بلا حياة

" سنة من الكذب والخداع "

أظلمت عيناه بعتاب مخيف وهو يتباعد عنها صدره يعلو ويهبط بيأس غاضب من إصرارها أنه خدعها .. لتتحول ملامحه فجأة لقسمات حجرية لا رفق بها وهو يسأل بجفاء

" لماذا طلبتِ مقابلتي صدفة ؟ "

ارتجفت شفتاها واهتزاز عينيها كاد يكشف ضعفها إليه لكن سؤاله ذكرها فجأة بما جاءت لأجله
ظلت صامتة لحظات وهى تعيد التفكير في الأمر كي تغادر دون حرج لكنها عادت تدرك أن لا حل إلا عماد .. إما عماد إما عفيفي !.. فهل هناك خيار ؟!
كرامتها تئن تريد الرحيل والكلام بالغ الصعوبة ليخرج منها بعجز واحتياج حتى رأت يده تنقر على المقود بنفاذ صبر وهو ينتظر فقالت بصوت ميت مرغم

" جدتي تحتاج إلي .. عملية جراحية .. وأبي يريد أن يأخذ المال من ذلك الرجل الذي مكثنا في بيته يوم حريق الشقة .. لكن أنا أخاف منه .. أخاف أن يفعل شيئا لأبي لينتقم منه لأنه رفض ... رفض ... "

تعثرت الكلمة بين شفتيها منكمشة قليلا وهى تنظر له بطرف عينها ثم همست بحذر

" زواجه ... بي "

ارتد رأس عماد إليها بحدة وعيناه تتسع كالرسم المرعب هاتفا

" نعم ؟! "

انكمشت صدفة أكثر ناظرة له بتوجس ووجهه كله أصبح أسود بغضب مفاجئ وهو يصرخ فيها

" رفضتِ أن تأخذي مفتاح شقتي الفارغة يوم الحريق لتظلي في بيت رجل طلبكِ للزواج !! "

أجفلها صوته بشدة حتى نظرت حولها تتأكد أن لا أحد على هذا الجانب من الطريق إلا السيارات المسرعة ثم التفتت إليه قلبها يقرع بعنف تقول بنبرة منخفضة

" أبي رفضه ثم إني لم أعرف كيف اتصرف ذلك اليوم "

قبض عماد يده وقد فاض الكيل وصدره يفيض معه بغضب مهول فيضرب على المقود بقبضته صارخا

" كيف يتجرأ ذلك الثور ليطلبكِ للزواج أصلاً ؟ "

اشتدت زرقة عينيها وبرقت بعنفوان قاس فجأة وصوته العالي يخنقها فيقصف صوتها بقوة وهى تضرب على حقيبتها هى الأخرى

" كما تجرأت أنت لتطلبني زوجة رابعة هو تجرأ ليطلبني زوجة ثانية .. كأني مغناطيس للرجال المتزوجين !! "

ساد صمت طويل خانق بعد انفجارهما فمد عماد ذراعه الأخرى على المقود وأطرق برأسه مستندا عليه .. أنفاسهما بأصوات ألسنة النار الملتهبة تحرقهما معا
ما أغضبه لذلك الحد إدراك أنها ستضيع منه ، إن لم تكن هذه المرة فستكون مرة قادمة .. بل هى مغناطيس لكل الرجال

يكفي أن ينظر أي رجل لسحر عينيها ويخر صريعا لهواها
ماذا يفعل ؟!.. ألا يوجد حل بالكون ليصبح معها دون أن يُظلَم أحد ؟
أدار رأسه قليلا يسأل بنبرة وعيد محاولا التحكم بخوفه من فقدانها

" هل ضايقكِ .. فعل لكِ أي شيء ؟ "

هزت رأسها نفيا متنهدة باختناق وإجهاد أضعفها أكثر من كل مرة فانحنى رأسها مغمضة عينيها .. ويبدو أنه انتبه لذلك حين هدأ صوته وهو يرفع رأسه يسأل

" كم تتكلف العملية ؟ "

عاد داخلها ينتفض بعجز بغيض فتشعر لأول مرة بإحساس والدها حين يغلبه اليأس ونقص الحاجة
بأصابع مرتعشة فتحت حقيبتها لتخرج منها ورقة المشفى بها تفاصيل كل شيء
طالع عماد الورقة لحظات وهى ترمقه بعينين دامعتين بقلة الحيلة .. تشعر أن الأرض تُخسَف تحتها من مقدار الإهانة التي طالتها ..

ثم وضعها جوارها وبهدوء أدار محرك السيارة لينطلق بها
افترقت شفتا صدفة لتحاول السؤال ثم عادت وأطبقتهما بإرهاق نفسي مريع مرجعة رأسها للخلف للمقعد المريح وأغمضت عينيها على دمعة منكسرة

ألقى عماد نظرة عليها وقلبه يرق بالنبض لهشاشتها الأنثوية .. فخفف سرعة السيارة وأغلق زجاج نافذتها مشغلا مكيف السيارة وتابع طريقه صمتاً.


بعد ساعة إلا ربع تقريبا أوقف عماد السيارة في شارع جانبي قريب من الشارع حيث شقة وصال .. أدار وجهه ينظر إلي صدفة التي ضاعت في سبات عميق
ابتسامة باهتة لاحت على شفتيه وهو يتنعم بتلك اللحظات الهادئة معها .. ‏مجرد نومها هكذا يعني أنها تشعر بالأمان معه وهذا يتخطى أي حواجز فرضتها ظروفه عليهما

ليس متضايقا لأنها طلبته لأجل مال احتاجته .. فحين لا تجد سواه لتطلب منه يعني أنه الأقرب لها والجدير بثقتها رغم إنكارها
ظل ينظر إليها ثم أخرج نفسا طويلا من لهيب رئتيه قبل أن ينزل من السيارة بحذر مغلقا بابها بحذر أكبر ثم أغلق عليها السيارة بجهاز التحكم وتوجه لبيت وصال.


مرت دقائق قليلة واستيقظت صدفة تنظر حولها للشارع الغريب وحين لم تجد عماد حاولت فتح باب السيارة لكنه لم يفتح بعد عدة محاولات
أخذت تتلفت بقلق ثم أخرجت هاتفها لتتصل به .. استمر الرنين حتى فصل عماد المكالمة فازداد توترها

همدت يدها بالهاتف على حقيبتها وهى تفكر في كل ما دار بينهما .. على الأقل ما عرفته اليوم رفع عنه ذنب الاعتقاد أنه يتزوج لشهوة أو تملك .. لكنه فتح طاقة اسئلة أكبر .. ما الظروف التي جعلته يتزوج تلك الـ .. روينة .. ولا يحاول الاستقرار مع الأولى أو الثانية ؟!.. هل كان الأمر مستحيلا ؟!

فتح عماد السيارة بجهاز التحكم فأجفلها ثم ركب جوارها ومد لها مظروفا منتفخا علمت أنه المال .. ترددت يداها بحرج وهو ينتظر بصبر وتفهم حتى أخذته وضعته على حقيبتها دون النظر فيه ثم سألت بخفوت

" أين نحن ؟ "

لم يجبها أنه قريبا من بيته الثاني حيث أحضر المال ليرد بسؤال هادئ معاتب

" ألن تخبريني أين تسكنون الآن وماذا فعلتم الفترة السابقة ؟ "

نست صدفة سؤالها بالفعل وهى تجيبه بجفاء

" قلت لك لا أريد أن اخبرك عندما سألتني على الهاتف ... "

صمتت لحظة ثم اشتعلت داخلها نار غريبة مفاجئة لتتابع ببعض الحدة

" إلا إذا أردت أن تعرف لتضمن حقك ونقودك "

كان يعرف أن كرامتها مجروحة لأنها لجأت إليه بعد رفضها له .. لكنها لا تستوعب أن هذا هو الطبيعي والمنطقي بالنسبة له مهما اختلفا ..
بينما هى كانت تعاني من البساطة التي فعل بها كل شئ وسرعته ودون مناقشة أو انتظار كأنه مصباحها السحري .. وتشعر بالخزي لأنها احتاجته .. وتشعر بالألم أنها تريده وتعشق كل ما يتعلق به .. والآن .. تشعر أنها تعشق حياته وطريقة إدارته للأمور

وكل مشاعرها أشعلت بداخلها تلك النار لأنها غير قادرة على أن تكون جزءا من هذه الحياة .. وبسببه

تضايقت ملامحها باختناق وهو يتأملها برغبة هائجة ليضمها وهى غاضبة هذه اللحظة ليقول بنبرة غامضة

" معنى الحقوق يختلف كثيرا بيني وبينكِ صدفة ... لكن لا بأس .. أنا ساعرف "

تشنجت أصابعها على مظروف المال وهو الحق عندها .. بينما – هى – الحق عنده
نظرت جانبا للشارع تريد الهرب سريعا وقلبها يشتد ألمه فأخرجت ورقة صغيرة من حقيبتها وضعتها له جوار ذراع السرعة قائلة

" سنرد المال لك قريبا .. هذا ضمان باسمي لذلك "

نظر عماد إلي إيصال الأمانة وضاقت عيناه بغضب وتعمقت خطوط متشنجة حول فمه ثم رفع عينيه إليها بنظرة خطيرة أخرست أي كلمة أخرى من فمها .. ليأخذ الإيصال يقطعه نصفين ثم يهتف بصرامة

" انزلي من السيارة "

تراجعت صدفة للنافذة قليلا وهى لا تفهم فهدر بغضب أكبر

" انزلي "

عقدت حاجبيها رفضا ووجهها يرتفع بقوة ثم فتحت الباب لتنزل فوجدته ينزل هو الآخر ويلتف حول السيارة يسد طريقها ثم يشير لسيارة أجرة يفتح بابها ويدفعها داخلها .. ورغم كل غضبه فقد دفعها برفق لكنها لم تستطع النطق هذه اللحظة
صفق عماد بابها فانتفض جسدها ثم أعطى للسائق ورقة نقدية قائلا بحزم

" أوصلها إلي حيث تريد "

تحرك السائق فالتفتت صدفة للخلف تنظر لوقفته المتحفزة وهو يراقب ابتعادها .. ترى بعينيه غضب غريب لم تفهمه ولم تفهم ماذا حدث ؟!.



يتبع ...





التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 02-06-20 الساعة 12:51 AM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 02-06-20, 12:23 AM   #657

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي



بهو المنزل الكبير الذي بناه ' راسل رافع ' .. فيه كل شيء يشهد على كارثة حلت .. أو ذنب ارتُكِب
الجدران تقاوم نفسها حتى لا تسقط على ساكنيها
سكان كل منهم في حال ولا رابط بينهم .. أواصرهم مقطوعة وروابطهم ممنوعة
بهو تجلس فيه سيدة المنزل وأختها كأنهما خُشُبٌ مُسنَّدَة

منافقتان .. لا خير منهما كصورتان مكررتان بلا عقل .. لكن المصيبة هذه المرة تهدم جبالهم وتطمس نجومهم
فُتِحَ باب المنزل بيده بعد ثلاثة أشهر ابتعاد لتعيده تلك المصيبة إلي جحره .. ثعبان الرافعين الذي نفد سمه
باللحظة التي دخل فيها المنزل هبت تحية واقفة تهتف

" فــؤاد "

كان كما كان .. واقفا على قدميه شامخا صلبا لا يظهر عليه انكساره .. كان بكل قوته واعتداده بنفسه .. كان كبيرا لهم كما تركهم
اتجهت تحية إليه تربت على صدره وتطمئن على جسده من آثار الحروق بلهفة أم

" حمدا لله على سلامتك يا فؤاد "

لكنه لم يكن يراها .. وجهه متصلبا بشدة وعروقه نافرة من هول غضبه .. نظراته مرعبة وهو يتجه للدرج مباشرة فتصيح تحية بصوت مفجوع خائف

" انتظر يا فؤاد .. لا تؤذها .. رمزي يحبسها في غرفتها بلا طعام ولا شراب ويصر على إجهاضها .. رنوة ستضيع منا يا فؤاد .. لقد نزفت من ضرب رمزي لها لكن أسعفناها قبل أن يحدث شيء "

أبعدها عنه ليصعد الدرج وهى تضرب على صدرها بالبهو وعديلة تتصل بشهاب ورمزي تبلغهما بعودته ثم تقترب من أختها قائلة

" اصعدي خلفه .. سيقتل البنت "

تبكي تحية بمصيبتها وهى تتمسك بسور الدرج لتصعد لكنها ترنحت للخلف فأمسكتها عديلة وهى على وشك فقدان الوعي لتهتف

" إيزارا .. أحضري دواء السكري "

لكأنه انتقام منها هى لأنها افترت على الزهراء وكتمت شهادة الحق .. واليوم لا ندم يشفع ولا بكاء ينفع.



وبالأعلى فتح فؤاد باب غرفتها الذي يغلقه رمزي بالمفتاح من الخارج ثم تراجع خطوة ليضرب الباب بقدمه بكل قوته لينضرب الباب بالحائط وتفزع رنوة على سريرها وهى تواجه موتاً .. أقسى
تواجهه .. بملامحه الخشنة المتشنجة بنظرات شرسة لم يوجهها لها يوماً .. كانت تسمع أنفاسه الغليظة رغم أن لا صوت لها .. لكن من شدة رعبها بدا لها كل شيء متضخما أكثر

ويواجهها .. شديدة الذبول والانطفاء .. وجهها الشاحب به بقعة زرقاء محمرة تحت عينها إثر لكمة رمزي ، وعلامات أصابعه الحمراء صارت أكثر وضوحا وتورما من صفعاته .. وعلامات ضرب عنيف تغطي ذراعيها ، غير المخفي بجسدها

ضاعت ملامح أخته الوردة الرقيقة .. لم تعد وردته أبدا .. لكن كل هذا لا يكفيه

تقدم منها فؤاد ببطء يقتل أنفاسها فتراجعت على سريرها منكمشة بخوف أثلج أطرافها .. تضم رنوة قبضتها لصدرها وهى ترتجف بشدة تتوسله أن يجعلها تتكلم لكن حتى التوسل لا يخرج من شفتيها المكدومتين المتيبستين

اقترب فؤاد من سريرها بعينيه الحمراوتين المخيفتين ينظر لحالها نظرة مريبة والدموع تسيل من عينيها المتورمة .. وفجأة مال بجذعه يشدها إليه من شعرها بطول ذراعه ثم يصفعها بكفه الأخرى صفعة فاق ألمها كل ما نالته من رمزي .. ثم ألقاها على سريرها باحتقار

همد جسد رنوة وأنفاسها تتباطأ وهى تشعر بدوار أعمى عينيها لكنها شعرت بجسده وهو يجلس جوارها منحنيا واضعا كفيه على رأسه وسمعت صوته متحشرجا مجروحا

" كسرتِني يا رنوة "

اختنقت بقوة لتضغط على صدرها المتألم وذراعها الأخرى تلف بطنها حيث جنين لا ذنب له ظل معها حتى بعد نزيفها وهو يتابع بنفس النبرة

" لم يكسرني شيء في الدنيا إلا أنتِ "

تبكي رنوة بنشيج خافت مقهور وفؤاد يمسح وجهه ليجد أثر دموع سالت من عينيه بلا وعي ليقول بألم

" حتى موت ابني الذي لم افرح به لم اشعر فيه كما اشعر الآن "

استدار بجذعه فجأة وعيناه تبرق بالشر صارخا فيها

" بمَ قصرت معكِ لتضعي رقبتي تحت قدم رجل بعمر أبيكِ ؟ "

تغطي رنوة أذنيها وهى تهز وجهها الممتقع بالدم نفيا ليقبض فؤاد على شعرها يكاد يقتلعه صائحا بغلظة

" هل تظنين أني سامنع رمزي عنكِ مثل كل مرة ؟.. لأول مرة في حياتي ساستمع لكلامه واجعله يجهضكِ بنفسي .. وساقتل راشد الصيفي أمام عينيكِ .. ساجعلكِ ترين جثته وتتمرغين بدمه "

شهقت رنوة بقوة وهى تتخيل المنظر فتعصر عينيها من حريق الدموع فتزيد جنون عينيه ليلقي رأسها يضربها بوسادتها فتشعر بوجع حاد في بطنها لتربت عليها بذراعيها كأنها تواسي ابنها وإحساسه بألمها
بعد قليل علا صوت رمزي من الأسفل بصراخ عنيف

" وصل .. ماذا سيفعل الآن .. هل سيحضن ويدلل كعادته ؟ "

يسمع فؤاد صوت شهاب وهو يمنعه

" كفى يا رمزي أخفض صوتك لنرى ماذا سنفعل ؟"

يصرخ رمزي بصوت أعلى

" اتركني يا شهاب .. تركتها لكبيركم لوثت اسمنا في التراب .. أخت الدكتور رمزي رافع فاجرة "

نهض فؤاد بتحفز شرس وداخله وحش يتوق ليتحرر بعد أشهر الوجيعة ليجد رمزي يدخل الغرفة صارخا

" هل رأيت نتيجة تربيتك يا كبير ؟.. والله إن وقفت لي فيما سافعله ساجعل أعمامها يأتون ويقتلونها ونرتاح منها "

دفعه فؤاد في صدره وهو يرد عليه بصوت غضوب هز جدران الغرفة

" وأين كنت أنت ؟.. الآن تحاكمني ! "

همّ رمزي أن يضربه فانكمشت رنوة تضم نفسها على السرير وهى تصرخ بلا صوت فخطفت قلب شهاب رغما عنه ليعلو صوته وهو يقف بينهما

" كفى .. كفى صراخا .. تفعلان هذا بدلا من أن نجد حلا !!.. هذه أختنا الصغيرة التي تتعازمان على قتلها وإجهاضها "

نظر فؤاد إلي رنوة التي تبكي بحرقة ثم أزاح شهاب عن طريقه ليخرج بخطوات مجنونة .. وذراعه يشتاق لرسم الثعبان !.






أنهى راشد فحص أخر مريض ليخرج من العيادة يستقل سيارته بنفس اللحظة التي وصل بها فؤاد أمام العيادة فلم ينزل من سيارته ليتبع راشد
سرعة سيارته تزداد كل دقيقة كأنه يعاود صخب ما تركه .. وفاة ولده أضعفته لدرجة أنه حين اتصل بشهاب بعد رسالة البريد الالكتروني كادت الأخبار أن تقتله مكانه من مقدار الألم الذي شعره .. اليوم يحتاج لأن يعيد قوته مهما كان انكساره أقوى

يريد أن يمحو الدمع الذي سال على وجهه اليوم حين رأى أخته الصغيرة .. في بطنها جنين من حرام

هل هو ذنبه ؟
ذنب بَهَار التي رفض ابنه منها حتى ولو كانت دنيئة ؟

ذنب نجوان ابنة عمه رفيع التي أخذ أرضها وكل حقوقها ؟

ذنب اسما التي خدعها ببراعة شيطان ؟

ذنب ولده كريم بمجيئه من حرام ؟

وغيرهم ممَن ظلم وتجبر عليهم

أم هو ذنب .. عائلة عمه زاهد بعد تزويره لأوراق البيع من زاهد إلي راسل حتى يخسروا القضية ويأخذ حقهم ؟

أم ذنب .. ابنة عمه ألماسة وحدها ؟.. شوّه سمعتها وطردها من عملها وفضحها ظلما أمام بيتها وفي النهاية .. جاءته المشفى

لن تعلم يوماً أثر مجيئها عليه .. لقد رآها في غيبوبته .. رأى نفسه في النار يحترق وهى تشاهده ضاحكة .. وحين فتح عينيه ورآها .. انطفأت النار.


توقف راشد أمام مقهى حديث لم يعرفه إلا معها .. رنوة كانت تحب سماع الموسيقى الحية وليس الأغاني المسجلة .. وهنا تأتي فرقة موسيقية تعزف حتى منتصف الليل
كلما كان يطلب منها المغادرة كانت تحايله أن تبقى قليلا حتى يأتي أقصى موعد تستطيع فيه البقاء خارج البيت وتغادر خوفا من أخيها

نزل من السيارة ودخل لتهل عليه نغمات الموسيقى .. توجه للطاولة التي كان يجلس عليها معها وطلب قهوته

ينظر للعازفين وهو يتذكرها هنا معه .. شقية وخجولة .. جريئة وخائفة .. بهية ومنطفئة .. كانت بكل حالاتها فتاة تخلع رداءها السطحي معه لتظل بعمقها الحقيقي
وتلك الليلة المُعذِبة له وهى بين يديه تتفتح عينيها على دنيا أكبر منها

ليتها استمعت إليه وجاءته .. لكان أجبر أهلها على الموافقة على زواجهما رغم اعتراض تقى ابنته .. لكنها فضلتهم عليه وتركته

فجأة وجد كفاً تهبط أمامه على الطاولة ليرفع رأسه يواجه عينين مرسومتين بالشر بلون الدم
لم يجفل راشد للحظة بل أخذ يشرب من قهوته بهدوء ثم سأل

" هل رأيتني صدفة أم جئت لي ؟! "

ظل فؤاد صامتا ثم اندفعت قبضته بوجه راشد ليهدر بغضب أعمى

" هل تظن أن ما فعلته مع رنوة سيمر هكذا ؟!.. وبكل تبجح جئت تطلبها مني ! "

وقع راشد عن كرسيه فوقفت الموسيقى وانتبه الجميع ليعتدل واقفا بغضب يمسح الدم السائل من أنفه قائلا ببرود

" لقد قلت لك أني فعلت ما عليّ وأن الصورة عندك ناقصة وزواياك مهزوزة !!... وأنك حين تأتي إليّ بقدميك ساطردك طردة الـ... "

قطع كلامه بابتسامة ساخرة فأمسك فؤاد مقدمة قميصه والدم يغلي في عروقه يسبه هادرا

" ستدفع ثمن شرفي يا ابن الـ... "

ضغط راشد على أسنانه ملتفتا حوله ممسكا بمعصمي فؤاد يبعدهما عنه قائلا بقوة وجدية

" أخفض صوتك ولا تنطق كلمة أخرى .. الجميع هنا يعرف أني كنت أحضر مع رنوة .. وسمعتها تهمني أكثر منك .. إذا أردت أن تتكلم معي هيا لنخرج من هنا "

دفعه فؤاد بقوة جعلته يترنح مكانه وهو يرد بشراسة وعيناه تنطق وعيدا دموياً قبل أن يندفع خارجاً

" لن اتكلم بعد الآن ... القادم دم "


يتبع...



التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 02-06-20 الساعة 12:54 AM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 02-06-20, 12:24 AM   #658

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي




دخل المهدي محل الجزارة في الموعد المتفق عليه .. خطواته بطيئة كارهة كأنه مربوط بسلاسل تجره
حالما رآه عفيفي جحظت عيناه وتوقف عن تدخين الأرجيلة ووقف عن كرسيه يصيح بسماجة

" أهلا أهلا حاج مهدي .. النقود جاهزة كما طلبتها "

نظر المهدي إلي كيس النقود الأسود الذي أشار إليه عفيفي جواره على الأرض ليرد بتعب ونبرة مثقلة بالهموم

" شكرا يا معلم عفيفي "

أشار عفيفي بيده الممتلئة إلي صبيه الذي جاء يقف جواره فناوله قلماً وعدة أوراق أعطاها للمهدي قائلا

" وقع هنا على هذه الإيصالات يا حاج "

أطرق برأسه مترددا وعيناه تهتز نظراتها على إيصالات الأمانة شاعرا بحبل خشن يلتف حول رقبته ويراقبه عفيفي ليحثه بالقول

" لا تغضب مني يا أخي .. ( إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ) "

جفّ حلقه والأمر يصعب عليه أكثر وأكثر .. لقد فاجأته صدفة وأحضرت النقود من ذلك السيد عماد منذ عدة أيام وأكدت له أنهما سيتشاركان في سداده ولو بعد حين ..
لكنه لن يسمح أن تكون ابنته مُدانة وتحت رحمة أحد ربما يؤذيها .. لذلك أخذ الإيصالات وأمسك القلم بارتجاف وأنفاسه تنحشر بحلقه وهو يراجعها

ستكون إيصالات إضافية لإيصال الشقة الذي وقعه لعفيفي منذ أشهر .. كأنه يضع اصبعه تحت ضرسه أكثر ليطحنه متى شاء
تنهد المهدي شاعرا بألم يوخز صدره وكتفه كأنها بداية جلطة .. لكنه قاوم الألم وهو يقترب من حاجز رخامي خلف عفيفي يقول بأنفاس مجهدة

" صدق الله العظيم .. حقك يا معلم ... حقك "

يوقع الإيصالات وعفيفي يبتسم ابتسامة عريضة غامزا إلي الصبي ممتعض الملامح
أنهى المهدي توقيعهم ويده ترتجف بشدة وهو يعطيهم إلي عفيفي ثم ينحني ليأخذ كيس المال ويخرج دون القدرة على إلقاء السلام.

ظل عفيفي ينظر إلي الإيصالات ويلوح بهم بتباهٍ قائلا

" كان إيصالا واحدا حرقت لهم شقتهم للحصول عليه لكن هذه المرة حصلت على هؤلاء دون أي تخطيط مني "

يهز الصبي رأسه بغير رضا وقد هدده عفيفي إن فتح فمه بكلمة عن إحراقه لشقة المهدي سيؤذي أهله البسطاء
نظر عفيفي للصبي ثم استاءت ملامحه بقوله

" افرد وجهك يا ولد .. العجول في أرضي تضحك أكثر منك .. لماذا أنت صامت هكذا ؟! "

ظلت عينا الصبي على الإيصالات بشفقة على الرجل المسكين ثم سأل بوجوم

" لماذا لم تجعل هذا المال مهر تلك الفتاة التي تريدها يا معلم ؟ .. بدلا من أن تأخذ على والدها إيصالات أمانة تهدده بها كنت اخبره أن مال علاج أمه مقابل زواجك من ابنته وننهي الأمر "

وكزه عفيفي في جانب خصره فتأوه الصبي مستمعا للصوت الغليظ المتحشرج بالدخان

" لم يكن ليوافق يا غبي .. كان سيقترض المال من شخص آخر لكن الآن .. أنا أملك ضده ما سيلتوي به ذراعه "






الخميس .. عصراً

بمعهد الموسيقى حيث ملاذهم الدافئ وملجأ قلوبهم الذي يوحدهم مهما تفرقت الاتجاهات ، لكنه يربطهم كنقطة تمركز لا يغيبون عنها

الجميع مع آلته التي اختار أن يعزف عليها .. التي أحب ألحانها بأصابعه وشعر أن نغماتها تعبر عنه
فجر وحدها كانت في عالم آخر من الغضب والإهانة .. والصدمة من نفسها ما زالت تؤثر فيها .. لم تظن يوما أنها ضعيفة تخاف إلي هذا الحد إلا حين صارت بقلب الحدث المخيف .. وهذا أضعف ثقتها بنفسها لدرجة أنها لم تستطع إلقاء أي قصيدة اليوم .. لم يخرج صوتها .. لكنها جاءت لتقاوم ذلك الضعف والتأثر المهين .. كما تراه !

نقاش دائر بين أمجد وذلك الشاب أخ الضابط مجددا فيراقب الجميع احتداده على مهل دون تدخل حتى اللحظة

يقول أمجد كلمة فيرد الآخر عليه حتى علا صوتهما فتدخل مصطفى قائد الفرقة بنبرة جادة تحذيرية

" كفى .. كفى .. هذا الانقسام سيقتلنا نحن قبل البلد .. ألا تستطيعان الاتفاق على شيء لمصلحة هذا البلد أم المعارضة للمعارضة وإثبات الشخصية ؟! "

رفع أمجد آلة العود التي يعزف عليها عن كرسيه ليجلس ويستند عليها قائلا بعناد

" حسنا مصطفى .. لكنني مقتنع أن الدولة لن تكون دولة إلا حين نحكم بالحكم الاسلامي "

ابتعد الشاب الآخر ناظرا لمصطفى وهو يمرر أصابعه بشعره الكثيف مستديرا للنافذة بملل فترد دموع بتفهم

" أمجد .. نحن نعيش جميعا مسلمين ومسيحيين في سلام .. لكن المهم ألا نستخدم الدين وسيلة لنصل لكراسي الحكم .. ألا نتاجر بالدين .. وأظن أن هذا هو ما حدث في فتره سابقة "

هبّ الحماس في دماء أمجد ليشير بسبابته مؤكدا بالقول

" اتفق معكِ في هذا .. لكن أنا اتكلم عن القادم .. مَن قال أن الذي سيأتي مستقبلا سيتاجر بالدين مثل غيره ؟ "

انطلق صوت فجر كما لم يعهدوه يوماً وهى توليهم ظهرها ناظرة من النافذة الأخرى .. صوتاً جامدا شاردا مشحونا بالغضب

" لأن السياسة لعبة .. لعبة رغماً عنك ستنزلق وأنت داخلها .. وهذا ليس تعميماً للجميع لكن هذا الشائع .. ولذلك مَن يضمن أن القادم لن يتاجر بالدين إذا اخترناه على هذا الأساس ؟! "

اتجهت أنظارهم إليها ثم ينظرون إلي بعضهم بتوجس قبل أن تقول دموع باقتناع صادق

" الجيد أننا لن ننخدع مجددا بشعارات يرددها أيا كان أو خططاً يخبروننا بها .. واكرر مجددا أنا لست مع فئة ضد فئة ولا انتمي لأي تيار .. أنا انتمي لمصلحة بلدي .. أنا مجرد إنسانة تحب هذا الوطن وتتمنى له الأفضل .. مستعدة للموت لأجل ترابه حرفيا وليس كذباً "

أشرقت ابتساماتهم بروح جميلة متفقة معها فيستدير مصطفى حين هدأ الجميع قائلا بصوته الجاد

" العقل .. أيا كان القادم سيحكمنا العقل والفكر الصحيح ذو الأصل الثابت لا المنحرف "

ضربت فجر بيدها على إطار النافذة وهى تقول بنفس النبرة وغضبها من نفسها يتصاعد

" كلنا ضد أي تيار يستغل الاسلام للوصول للحكم والسلطة .. هؤلاء لا عقل أو قلب لديهم لنأتمنهم .. مَن يهون عليه دينه ويستغله بذلك الشكل فلا عزيز عليه أبدا "

عدل أمجد العود على رجليه ليمرر أصابعه بخفة على الأوتار مصدرا نغمات رقيقة ثم يشاكسها كالمعتاد

" دائما ما تعارضينني يا فجر ! "

ابتسامة مداعبة على شفتيه لا يقصد بها شيئا إلا صداقتهم الودودة جميعاً معاً رآها مصطفى فاندفع الدم بأوردته غضبا قائلا بنبرة قوية

" نحن لا نعارض انتماءً شخصياً يا أمجد .. على أن يظل شخصيا "

صمت الجميع بتوتر وحتى الهمس وهم يفهمون ما حدث فتستدير فجر بجمودها الرهيب تطالع مصطفى وهو يرد عنها مقترباً من أمجد بنظرة ترسم حدود الجميع بالنسبة لفجر

" بمعنى .. أن وقت الجد وعند خروج الكلمة .. تخرج فقط الكلمة التي تعي بمصلحة البلد بدون أن نساند جماعةً أو حزباً أو تياراً أو فرداً أياً كانت هويته "

حادت عينا أمجد نحو فجر التي تنظر لمصطفى بلا تعبير معين ثم ابتسم وهو يهز رأسه متفهما موافقا .. على كلام مصطفى ربما !!

عادت ملامح مصطفى لجديتها العادية منهيا النقاش

" وكما قلت .. بالعقل سندرك الخطأ من الصواب "

انبعث من عند الباب صوت لم يسمعه أحد منهم قبلا عدا واحدة فقط ارتج قلبها بعنف

" وإن غابت عقولنا لفترة طويلة ؟!.. لم يعد ما يهمنا هو مصلحة بلد ورفعة وطن .. أصبح ما يهمنا أن ننصر حزبا أو نقف مع تيار ضد آخر .. حالة مؤسفة ! "

اتجهت عينا دموع كالجميع نحو الباب ولمعت بنجمٍ خاطف سرى في روحها لتشعر بالنبض يرفع قدميها عن الأرض وهو يدخل قائلا بابتسامته الهادئة

" آسف أنني سمعت حديثكم .. أحب أولا أن اعرفكم بنفسي .. أنا أكرم رافع .. انضممت اليوم لقسم الأصوات بالمعهد .. وهذا التعريف للناس جميعها "

عيناه في عينيها ترسل مراسيل الهوى القديم والخطى التي توحدت يوما متعاشقة

لأجل صوته تعلمت العزف .. ولأجل ألحانها عاد صوته

تلك التي كانت تتنفس المطر .. تسربل حرارة الصيف موسماً دائماً بعروقه

يقترب أكرم منها والجميع ينظر إليه منتظراً حتى وقف أمامها لحظة عابرة .. ثم استدار ليكون جوارها متابعاً بصوته الواثق

" لكن لكم أنتم .. أنا أكرم رافع .. أحد الذين اعتُقِلوا في ثورة الخامس والعشرين من يناير وأنا ادافع عن صديق لي مات على كتفي .. اعتقالي وساماً على صدري وفخراً اعتز به حتى مماتي "

تنفست دموع بارتجاف وكلها ينبض في سماء تتدافع فيها شهب العشق تحطم الخوف والأسر
كم اشتاقت لتلك النبرة بصوته .. ثمانية أعوام تحفظها .. بداخل ذاكرتها سجنتها .. وداخل عينيه السجينة سُجِنَت معه

اشتاقت لكل ما فيه .. طريقه .. خطاه .. عطره .. نظرته .. اشتاقت السكن فيه

نهض أمجد يتقدم منه بود مرحبا يُعرِف نفسه

" أهلا بك .. أمجد جلال .. عازف عود بالفرقة "

اقترب مصطفى منه نظراته تبتسم بالاحترام لشخصه فيمد يده مصافحاً بالقول

" مصطفى منصور .. عازف بيانو "

تقدمت فتاة رقيقة يشع منها حب الحياة لتقول بابتسامة بسيطة

" ندى المحمدي .. تشيللو "

صافحها أكرم مبتسما بلباقة فأشاحت دموع بوجهها بامتعاض وهى تهبط على الأرض بغيرة لتجده ينظر إليها جانبا متسائلا بنبرة مغيظة

" وحضرتك ؟! "

نفس طويل كان مكتوماً بصدرها زفرته مجيبة ببرود دون النظر إليه

" دموع جمال "

أخفض أكرم عينيه لحظة واختفت ابتسامته وهو يحاول مجددا

" ماذا ؟!!.. عفوا لم اسمعك "

أدارت وجهها نحوه فطرق قلبه بقوة عينيها وهى تعيد اسمها كما قالته بتحدٍ

" دموع جمال ... عازفة كمان بالفرقة "

طالما هو نسى وتغير فلتنسى هى أيضاً .. يوما قال لها إياكِ ذكر اسمكِ إلا كاملا .. اذكريه بفخر وإدراك لمعناه

اليوم ذكرته ثنائيا لتعاتبه به .. في حالة السحر التي تهيم فيها بحبه يجب أن توقظه لنفسه ولا تتركه ليأسه مرة أخرى .. ورغم محاولاته منذ أيام لكنها لن تغفر بسهولة

نظر أكرم أمامه بملامح غاربة الحياة ليحاول مجددا استعادة نفسه وكلامه وكل نظرة منها سهم يخترق إحدى سنوات العذاب يدمرها

" لا بأس أن نفقد حريتنا لأجل حرية بلدنا .. العيب كل العيب أن نختبيء خلف الأبواب ندعي الجهل بمقولة لا شأن لنا بما يحدث بالخارج طالما ببيتنا قوت يومنا .. قوت يومك سينتهي وستضطر مرغما على النزول لإحضار غيره وحينها ستكون أمام شيئين .. إما أن تسير بوطن حر تشعر فيه بكرامتك .. إما ستصطدم بالذل والإهانة وترضى بهما "

تتوقف دموع على حواف الانتظار وهى تترقب المزيد فعلا لا قولا .. تحتاج أن تسكب أقداح الخوف من روحها

تحتاج المزيد من معالم اطمئنان المستقبل المجهول ليمطر الغيم غيثاً لا غرقاً .. تحتاج أبجدية تواجه بها ضعف نفوس ستحكي حقداً وجهلاً

تحتاج ضلعه .. الذي رسمت منه كيانها بقطرات نجوم قطبية بعيدة المنال إلا لها

لانت ملامحها قليلا وهى تركز فيما يقول وهو يتابع بنبرته الرزينة بلا قدرة على التوقف

" ما زلنا نحاول وسنظل نحاول لاخر أنفاسنا كما سيخرج من الجيل القادم مَن يحاول أكثر منا .. لن نيأس او نستسلم .. لن نتوقف كما يريدون .. النظام والسلطة يخدمون الوطن ويخدمون الشعب .. والشعب يخدم وطنه فقط لا النظام والسلطة "

روحه تنتفض ودماؤه تثور بمشاعر مألوفة صارخة لتتحرر .. تجري الكلمات على لسانه معروفة شاهدة على وقفة ميدان

لم يعد الأمر دموع وحدها وهو يثبت لها أنه يحاول العودة .. الأمر صار هو وضميره وسباته الكريه

سلاسل يشدها بذراعيه وصوته يدوي رعداً يصعق القيود وهو يواصل من أعماق روحه بصوته العاقل الخبير

" فلنتوقف عن خوف يعيق أصواتنا ونتكلم .. فلنقل كل ما نخفيه بلا قمع .. سأحكي لكم يوما عما عانيته في السجون وأنتم احكوا عما ترونه كل يوم في شوارع وأحياء البلد .. بل الوطن العربي كله .. اللاجئين .. سأحضر بعضهم هنا ليتكلم ونستمع إليه .. ولنتوقف عن التعميم الأعمى لكل شيء .. ضد أو مع لا يهم .. الوطن هو الباقي .. مصر الباقية محفوظة برعاية الله أبد الدهر "

رسالتها المنتَظرَة .. ابتسامتها تتسع وأنفاسها تتهدج وهى تدير رأسها تنظر إليه بشوق الوصال القريب .. لقد طال انتظارها أعواماً لتلقي رأسها على صدره الآسر

ترى أنظار الجميع عليه بتقدير ، اتجاهه واضحا نال استحسان أفكارهم المتشابهة ، والأهم من ذلك أنه ما زال يستطيع أن يتكلم أمام الناس ويؤثر فيهم حجة وبلاغة .. لم يصمته قمع

نعم .. ما زال ' أكرم رافع ' كما كان

اقترب مصطفى منه وهو يتلقى منهم إشارات مفهومة ليسأل بتقدير رجل لرجل

" ألن تسمعنا صوتك بعد كل هذا ؟! "

نظر أكرم لعينيّ دموع ورقت ملامحه بالغرام .. لقد كانت تحمل فخراً به فاق كل سنوات عمره
والإجابة تأتيه عن سؤاله الماضي .. نعم .. ما زالت عيناها تدفئ وتمطر وتحمل الحياة
فكر لحظات قليلة ثم تحرك لمنتصف الغرفة حيث يراها أمامه ليشدو لحناً معزوف الكلمات


لا تهتمي في إيقاع الوقت واسماء السنوات
‏أنتِ امرأةٌ تبقى امرأةً في كل الأوقات
‏أنتِ امرأةٌ لا أحسبها بالساعاتِ وبالأيام
‏أنتِ امرأةٌ تسكن جسدي قبل ملايين الأعوام
‏أنتِ امرأةٌ صُنِعَت من فاكهة الحب ومن ذهب الأحلام
‏يا سيدتي .. ليس هنالك شيء يملأ عيني
‏لا الأضواء .. ولا الزينات .. ولا أجراس العيد .. ولا شجر الميلاد
‏لا أتذَكّر إلا وجهكِ أنتِ .. لا أتذَكّر إلا صوتكِ أنتِ
‏تعالي .. هاتي يدكِ اليمنى كي أتخبّأ فيها
‏تعالي .. ‏هاتي يدكِ اليسرى كي استوطن فيها
‏قولي أي عبارة حب حتى تبتدئ الأعياد
‏سوف يظل حنيني أقوى مما كان .. وأعنف مما كان
‏أنتِ امرأةٌ لا تتكرر في تاريخ الشعر .. وفي ذاكرة الزنبق والريحان


جلست دموع تستمع لصوته الذي غاب طويلا وكل كلمة يناديها فيها .. هى فاكهة حبه .. وذهب أحلامه

يا سيدة الطريق .. الضلوع .. الدموع

نبض الذاكرة أقوى من نبض قلوبنا .. الذاكرة تحملنا نحن .. أنا وأنتِ .. وعمرٍ كامل

أنتِ ضلعي الناقص منذ رحلت .. وأرض الوطن الذي عشقت .. ورائحة الزهر الذي منه ثمِلت

أنتِ دمي هذا .. أترين أوردة خطواتكِ يا ثورية ؟

ترفقي بين الشرايين ذبحاً بنكهة لاڤندر عطركِ .. ومذاق قمر وجهكِ

ما إن انتهى من الغناء حتى ارتفعت أياديهم تصفيقا حارا بذهول جمال صوته
ذابت نظرات دموع في عينيه الدافئة المبتسمة ليقطع مصطفى اتجاه رؤيتها وهو يأخذ منهم إشارات أخرى نهائية ثم يقف أمام أكرم يمد يده بالقول

" أهلا بك في فرقة ثورة يا أكرم "

صافحه أكرم متسائلا باستغراب

" بهذه السرعة ؟! "

أشار مصطفى نحو باب القاعة قائلا بثقة

" هل ترى هذا الباب حيث نتدرب هنا ؟!.. الأستاذ عبد الخالق مدير المعهد لا يسمح بدخول أحد يقطع تدريبنا إلا إذا كان موثوقاً فيه ويرشحه لنا "

اومأ أكرم بتفهم ناظرا لدموع من خلف كتف مصطفى فتطرق برأسها مبتسمة ووجهها يتورد بجمال أنوثتها .. أخيرا !

كتم ضحكة كانت ستفهمها مؤكد ضاغطا على عينيه ثم يسمع أمجد قائلا

" لنبدأ الجزء الثاني من التدريب .. وسيبدأ معنا أكرم اليوم "

بدقائق كان كل منهم يتخذ مكانه ضابطاً آلته الموسيقية ليبدأ التدريب .. بأنغام فاكهة الحب على كمان الدموع.


مرت ساعة أسرع مما توقع أحد .. عيناها تفيضان بالمشاعر وأهمها راحة القلب بعد تشتت
أدخلت دموع الكمان في حقيبته الجلدية وحملتها على ظهرها لتتجه إلي حيث يقف أكرم .. مع ندى !

ذكرتها وقفته بأيام الجامعة حين كان يلتف حوله الطلبة وعيناه تنتبه عليها رغم كل تركيزه معهم
رباااه .. كم كانت مشتاقة لحياتها معه .. لصوته وهو يغني لعينيها

وقفت دموع جواره رغما عن ثقتها تغار لكنها تعلن ملكيتها له بلا حدود .. لم يخبرهم بعد أنه أكرمها لكنهما سيعلنان الأمر عقب الخطبة القريبة .. واليوم تفضل أنه دخل الفرقة بجمال صوته لا بواسطتها

ظلت واقفة لدقيقة كاملة تنتظر سيادته أن ينهي محادثته الشيقة مع ندى وهى بطيبة قلبها تشعر بالأسى لما حدث له !!

نظر أكرم إليها أخيرا ليسأل وهو يعقد حاجبيه بغرابة

" عفواً يا آنسة ماذا كان اسمكِ مجددا ؟! .. آسف جداً أني نسيته فهو ليس منتشراً هنا "

كانت تشعر بانتظاره وأهمية الأمر عنده ..

هل عادت تسير على خطه ؟

هل صدقت محاولات عودته ؟

هل ستغفر له إبعادها وأياما كانت فيها مع غيره .. بسببه ؟

كانت تغفر نعم .. على مهل !

تألقت عيناها بنظرة خاصة وهى تعطيه إجابات اسئلته بفخر صوتها

" دموع جمال عبد الناصر "

باسمها فقط .. حروف من ثورة تزهر الربيع العربي حوله .. لا يجب أن يُخفَى أبداً

اسمها .. رمز الزعامة والفخامة .. رجولة وشهامة .. قيادة بحب الشعب .. وباسم الشعب .. وللشعب

اسمها .. قدره .. أن يكون خطاً يتوازى مع خطه .. كلما خفتت ناره أشعلت ميدانه

تتعلق عيناه بعينيها في حوار كرامة طويل وهو يتذوق اسمها مبتسما

" دموع جمال عبد الناصر "

اسم كفّى .. ووفّى

تطالعهما ندى باستغراب وتجزم أنهما يعرفان بعضهما فيما تسأل دموع بأناقة

" هل لدى حضرتك مانع ؟! "

يرد أكرم بنبرته التمثيلية المغيظة

" ‏لا إطلاقاً .. بعد إذنك "

تحرك مغادرا فلحقته عند الباب تنادي بدفء

" أكرم "

التفت إليها مستندا بكفه على إطار الباب يرد

" نعم يا آنسة دموع "

تستاء ملامح دموع مكررة بسخرية

" آنسة ! "

ألقى أكرم نظرة جانبية على الفرقة ثم يميل عليها بجذعه هامسا بخبث

" ألستِ آنسة ؟!.. اذكر أنني لم اتجاوز حدودي لهذا الحد !! "

ابتعدت خطوة تهتف بعينين واسعتين

" أكرم ! "

تراجع رافعا يده على الإطار بأريحية يسأل بصلف زائف

" ما الذي تريدينه ؟! "

تأملت وقفته رافعة رأسها تواجه طوله الممشوق .. عرض صدره الزائد لعينيها عما اعتادته للطالب الجامعي .. عضلات كتفيه وذراعيه نافرتي العروق .. وتضمها !
أنزل أكرم يده يبتسم بحنان ورغبة عينيه ترجف جسدها .. يفهم نظراتها الراغبة إليه .. لقد كبرا حقاً على الخجل القديم
رمشت دموع حين طال صمتها وخيالاتها تأخذها لصدره حالياً !.. فابتعدت خطوة أخرى وهى تسعل لتركز ثم تسأله بعبوس

" ما الذي أحضرك إلي هنا ؟! "

خيالاته أبعد منها بكثير مشتاقا نافد الصبر يحتاجها بقوة غير طبيعية لكنه يرد بهدوء عابسا مثلها

" وطني بحاجة لعودتي ! "

اقتربت دموع وهو يتمادى لا يجيبها تهتف

" أنا وطنك "

ابتسم أكرم رغم عبوسه وهو يخرج من القاعة دون رد فتخرج خلفه تقول بحاجبٍ مرفوع غيظا

" أنت تتبع أن خير وسيلة للدفاع هى الهجوم إذاً ! "

توقف أكرم ناظرا للسقف ليرد بملل مصطنع

" هل هجمت عليكِ ؟!.. أنتِ مَن جاءت خلفي "

صاحت دموع بامتعاض

" يا رجل !! "

ضحك أكرم وهو يرى باقي أعضاء الفرقة ينظرون إليها بدهشة فيميل عليها قائلا باصرار

" أنتِ جئت ورائي للمقهى .. فجئت ورائكِ للمعهد "

ظلت تحدق بوجهه لحظات ثم استدارت لتسير أمامه بقولها

" هيا .. أبي وأمك وأختك بانتظارنا "

سار أكرم وراءها حتى أمسك يدها بكفه ليسيرا معا كأيامٍ معهودة .. بطريقهما إلي محل ذهب واحد تمنت منذ زمن أن تشتري شبكتها منه .. فهل ستتذكر ؟!

تذكرت !.. رغم جميع مَن حولها لم تكن ترى سواه .. فرحة يتشاركها الجميع وهى تنتقي الذهب لكنه هو .. أكرم وحده .. فرحتها.



يتبع....



التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 02-06-20 الساعة 01:01 AM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 02-06-20, 12:26 AM   #659

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي




خرجت فجر من المعهد بخطوات متحفزة تقطع طريقها لسيارتها الصغيرة دون أن تنتبه لأحد .. لم تسمع نداء مصطفى ولم تره منذ جاءت من الأساس

كل ما يدور بعقلها فكرة واحدة تقتل أي مشاعر أو أفكار أخرى .. زايد خان ثقتها

وصلت بالقرب من سيارتها فتوقفت قدماها وهى تراه مستندا عليها ينتظرها .. ثم أسرعت باهتياج لتقترب منه هاتفة بأنفاس لاهثة غضبا

" ابتعد عن طريقي .. ألم اخبرك أني لا أريد رؤية وجهك ؟! "

اعتدل زايد وهو يحدق بوجهها الذي لم يرَ ثورته هكذا من قبل يقول بخفوت متوتر

" أرجوكِ فجر اسمعيني .. منذ أيام أحاول الحديث معكِ وترفضين .. من فضلكِ "

لم يدرك أنه بدأ يستخدم مصطلحاتها .. أرجوك ومن فضلك .. بداخله بداية مشاعر لم يختبرها يوماً .. يخاف عليها ويتطبع بها
وهى كان بداخلها نفس البداية فتقتلها في مهدها قائلة بتحذير صارخ مشهرة سبابتها بوجهه

" قلت لك لا أريد أن أراك قريبا مني ولو رأيتني صدفة إياك أن تكلمني كلمة واحدة "

قالت كل شيء يبعدهما بعدما قال لها أن هؤلاء الرجال كانوا يبحثون عنه وبعدها طردته من شقتها صافقة الباب بوجهه كأنها تغلق كل فرص الحياة أمامه
تتردد الكلمات على شفتيه لكنه يقترب منها قائلا برجاء صريح

" أرجوكِ فجر .. هناك شيء بيننا يحدث وأنتِ تدركينه جيدا .. لا تنهيه في بدايته .. دعينا نتفاهم "

نبضة تاهت من قلبها أوجعتها بشدة .. أوجعتها لدرجة وخز بكاء القهر بعينيها

سمع صوت أنفاسها وهى تحبسها بعمق وتطلقها ملتهبة كالنار

وجهها يشتد وعيناها تبرقان بمشاعر صاخبة وهى تتسع على ملامحه وشعره الطويل لتهز رأسها قائلة بقوة

" لا أريد أن أرى وجهك "

مسح زايد بكفيه على شعره ثم عقد ذراعيه خلف رأسه متنهدا وهو يراقبها تركب سيارتها مبتعدة ..
لم يعد ينفع أن يتركها الآن .. لقد صارت نقطة ضعف .. قلبه !.



.............................................



عبر المهدي بوابة المشفى يبحث بعينيه عن عماد الذي نزل من سيارته حين رآه أمام البوابة فاتجه إليه ليبادره المهدي معتذرا

" لا تؤاخذني يا بني إن أخذت رقمك من ابنتي وطلبت مقابلتك ولكن الأمر هام "

لم ينتبه عماد لنبرته وهو يرد بعفوية

" خير يا حاج مهدي أنت تأمر "

أخفض وجهه ناظرا لكيس المال في يده ثم أعطاه إياه قائلا

" لا يأمرك عدو يا بني .. تفضل "

أخذ عماد اللفة السوداء متسائلا

" ما هذا ؟! "

رد المهدي وهو ينظر له بعينين قويتين رغم ما يشعره من انكسار ضيق الحال

" النقود التي أخذتها صدفة منك ودفعتها للعملية الجراحية ومعها نقود المشفى حين دفعت التكاليف المرة السابقة .. شكرا لمساعدتك ووقفتك معنا وأنت لا تعرفنا "

لا يعرفهم !.. إنهم الأقرب له بصلة روحية من كل هذا العالم

حدق عماد في الكيس الأسود بيده وشبت النار بصدره وحدسه يخبره أنه مال ذلك الثور فيتساءل بلا تعبير

" هذا مال العملية الجراحية يا حاج .. كيف ترده الآن ؟! "

اومأ برأسه ليرد بخفوت

" لقد فرجها الله من مكان آخر "

حاول عماد معه بطريق آخر ليرفع عنه قلق الدَين

" يا حاج مهدي أنا مثل ابنك ولن أطالبك بهذا المال .. اعتبر أجل استرداده مفتوحاً لكن لا تورط نفسك بشيء آخر لترد لي النقود "

أجابه المهدي بنبرة جادة متحملا مسؤولية أهله كاملة دون شكوى

" اعذرني يا بني .. هناك فارق كبير بين أن اقترض أنا المال وبين أن تقترضه ابنتي .. وابنتي لن تكون مُدانة لأي أحد وأنا على قيد الحياة "

قرّب عماد المال منه وهو يحايله بصبر وتفهم

" لا بأس .. خذه أنت مني إذاً ولا دخل لابنتك بالأمر "

رفع المهدي كفه بحزم ورأسه يشمخ بحركة ذكرته بصدفة لينهي الأمر بقول جاد مثابر بالامتنان

" شكرا سيد عماد .. كثر خيرك .. أنت نعم السند بني .. لقد ربى والدك رجلاً .. جزاك الله خيرا لما فعلت "

واستدار يعود لداخل المشفى فهبطت يد عماد بالمال .. وأمل جديد كالعادة انقطع !.





...........................................



لا يعرف ماذا يفعل هنا ؟!

لكن يعرف أن عقله يذكره بديونه كثيرا مؤخرا ..

الماضي بذنوبه يتصارع داخله كوحش يعربد بأظافره يخدشه بلا توقف حتى اعتاد الألم والنزف

لقد انكسر حقاً .. لأول مرة يشعر كم هى ثقيلة تلك الآثام .. ولها عواقبها التي لن تتأخر في الدنيا .. والعذاب الأكبر في الآخرة

يقف بسيارته في الحي الذي جاءه مرة واحدة ليرتكب ذنباً لم يرتكبه يوماً لكن جنونه كان أقوى منه ذلك اليوم

حين شعر بنبض غريب على قلبه .. حين فتحت ذاكرته باباً لكل ما جمعهما .. قرر بلحظة واحدة أن يقتل كل هذا قتلا لا رحمة فيه .. بأدنى الطرق

رفع فؤاد عينيه للسماء التي بالكاد تظهر من البنايات العالية وهو يستمع إلي صوت شيخ المسجد في صلاة العشاء

آية توقف صوت الشيخ عندها متأثرا ثم أعادها كأنه يعلم أن هناك مَن يتوجع بها هذه اللحظة


( فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )


أغمض عينيه بقوة وكل مشاعره تئن بالألم وروحه تصرخ في هذا الاحتراق منذ موت ابنه .. لكن كسرة رنوة كانت قاصمة للظهر

كانت حاصبا .. فأُهلِكَت نفسه العاصية

كانت صيحة .. فخُسِفَت به الأرض

وما ظلمه الله ولكنه كان لنفسه ظالما

ملامحه جامدة شاحبة كرماد الغبار ترسم للعذاب لوحة فائضة الوجع .. وقلبه يصارع أشواك مدببة تنغرس كلما تنفس

هل صارت حتى الأنفاس عبئا على النفْس ؟

يدور بمتاهة عقله الصاخبة بالذنوب .. يرى نفسه من بعيد وقد صار حطاماً .. أما زال بالعمر بقية بعد الموت الرابع ؟

قلبه ينقبض ينزف بالجرح .. أما آن للروح أن تتحرر من تلك الآثام القاتلة ؟

فتح فؤاد عينيه يرى المصلين يخرجون من المسجد بعد انتهاء الصلاة .. ثم يرفع عينيه نحو شرفة بعيدة له فيها ذنب

لطالما سأل نفسه لمَ جاءته المشفى ، ولم يجد إجابة طوال الأشهر الماضية .. ليزيد عماد حيرته وهو يخبره أنها تسأل عنه باستمرار !!

هل هى بهذا الأصل لتسأل عنه حقاً أم أن في نفسها حاجة ؟!.. ربما – تخاف – أن يموت وهو لم يعطهم حقهم بعد .. وربما – تريد – أن يموت لترتاح من وجوده بالدنيا

لا يفهم .. ولا يدري أي احتمال هو الأقرب لكن .. لمَ لا يكون الاحتمال الأول .. أليس أصلها من كرم الرافعين ؟!

عاد ينتبه للمسجد حيث خرج أخر شخص منه فعزم على ما ينتويه ونزل من السيارة .. أطرق برأسه يحاول إخفاء وجهه حتى لا يتعرف عليه أحد من الحي حتى وصل للمسجد

توقف قليلا برهبة متمسكا بإطار باب بيت الله وروحه تناجي خالقها دون إرادته .. تسأله الراحة وتستغيثه من شقاء النفس وقهر القلب

انحنى ليخلع حذاءه ثم دخل .. وجد بعض المصلين ما زالوا في صلاتهم فتباطأت خطاه وهو يقترب من إمام المسجد حيث يصلي جوار المنبر مرتديا زيه الأزهري .. فتوقف خلفه منتظرا

لم تكن المرة الأولى ليدخل المسجد لكن أول مرة يدخله بهذه الحالة

عيناه تدور تلتمس ذلك الدفء المشع في المكان وقلبه تتسارع نبضاته أكثر كأنها صحوة للحياة
أنهى الإمام صلاته ليستدير بجلسته يسبح الله على مسبحته ثم رفع عينيه يرى الواقف بانتظاره فتجهمت ملامحه مشيحا بوجهه جانبا بالقول

" أنت ! "

شعر فؤاد بحجر يتضخم بحلقه ويجثم على صدره فجلس أمامه ببطء يسأل بتحشرج

" هل .. رأيتني .. ذلك اليوم ؟ "

هز الشيخ رأسه محوقلا ليرد بغير رضا

" لا حول ولا قوة إلا بالله .. نعم .. وأتذكرك جيدا .. ما فعلته في الحي لا يُنسَى "

لم يستغرب فؤاد كثيرا فقد سمع كل أهل الحي صوته ومَن لم يكن موجودا مؤكد وصلته الأخبار
لذلك أخفض رأسه بملامح مشتدة وثقل الأمر عليه يوهنه ويضايقه قائلا بجمود

" أظن أنني نلت عقابي "

يحرك الشيخ مسبحته هامسا بالاستغفار وما زال لا ينظر إليه ثم يقول بيقين

" عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة إلا مَن تاب إلي الله "

بلحظة كان الغضب يفور في عروقه كالعادة .. وباللحظة التالية خفت الغضب باختناق الخزي وهو يقبض كفه بشدة صاغرا

انتبه الشيخ ليده التي ابيضت من شدة الضغط فرفع عينيه إلي وجهه يدقق بملامحه ثم أخذ يتلو بهدوء

" ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ) صدق الله العظيم "

خُسِفَت به الأرض أكثر حتى شعر أنه يهوي رغم جلوسه والدنيا تميد به ورأسه يدور معها بشدة
بسط كفه الأخرى على بساط الأرض الأحمر يدعم نفسه فيقول ما جاء لأجله مسرعا عله يتخلص من هذا الشعور القاتل فخرج صوته بصعوبة ثقيلاً ميتاً

" لقد جئت إليك لأبرئ .. ألماسة مما قلته عنها .. واعترف أني ظلمتها .. و... لم أجد طريقة ليعرف بها جميع مَن بالشارع إلا عن طريقك .. جميعهم يجتمعون بالمسجد كل صلاة .. أريدك أن تبرأها أمام الجميع "

ظل الشيخ صامتا لحظات حتى رفع فؤاد عينيه الفاقدة للحياة له فلانت ملامحه قليلا وشبه ابتسامة تلوح بالأمل على شفتيه وهو يتلو من آيات الذكر الحكيم كأبلغ رد

" ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) "

كأنه فطن لكل ألمه .. فحين قرأها عليه هبطت السكينة على صدر فؤاد فخف ثقل الحجر الجاثم عليه .. وفي أعماق قلبه خيوط تتضافر من الاطمئنان وبعض الراحة أنه رفع عن كتفه ذنباً
مد الإمام يده المجعدة يربت على ركبة فؤاد مؤكدا أنه سيفعل بالقول

" صدق الله العظيم .. الله المُستعان "






صباح اليوم التالي .. الجمعة

دخل أكرم الشقة بعد صلاة الجمعة واضعا مفاتيحه على طاولة جانبية جوار هاتفه ثم أخذ الهاتف يتفحصه إن جاءه جديد وهو يصلي
وجد رسالة منذ دقيقة واحدة من دموع فيقرأ

( تقبل الله )

تبسم بنفس عميق دخل رئتيه وهى بدأت تحيطه كالسابق .. لم تنس ما كانت تفعله معه منذ أيام الجامعة .. يوم الجمعة تستمع إلي خطبة الجمعة في شرفتها وتتابع خروجه من المسجد بعد الصلاة
وقبل الصلاة استيقظ اليوم على رنين متواصل وحين رأى مَن يتصل وجد رسالة مختصرة منها

( هيا قم للصلاة )

صارت تتعامل معه بالرسائل منذ طلب يدها وحتى بالأمس في محلات الذهب تحاشت كلامه المباشر بعد كل محاولاتها .. ومحاولاته بالمعهد
يعلم أنها مكسورة الخاطر منه ، بداخلها عتاب طويل وقاسٍ تريد أن تفرغه على صدره لكنها تصبر .. فعندها .. هو أولاً.


تلفت حوله في الشقة الهادئة وعفويا توجه للشرفة فوجدها كما توقع ليقول وهو يستند على إطار بابها المفتوح

" توقعت أنكِ في الشرفة منذ الخُطبة "

تقف ألماسة واضعة يديها المبسوطتين بلا مبالاة على سور الشرفة رافعة رأسها .. عيناها ثابتتين صلبتين .. جسدها منتصبا يحمل عزته وشموخه بلا انحناء أبداً .. ملامحها تحاكي كبرياءها وغلو كرامتها .. والترفع عن سفهاء البشر وكلامهم الفارغ

تنظر في أعين الناس التي ترفع نظرها نحو شرفتها لترى رد فعلها على ما قيل في خُطبة الجمعة من إمام المسجد
التفتت برأسها قليلا تبتسم بقوة إرادتها لترد بكبرياء

" الجميع بالشارع يرفعون رؤوسهم وينظرون نحوي .. النساء بالشرفات يتهامسن عني فكان لابد أن أقف وأواجه الجميع "

كتف أكرم ذراعيه وهو يراقب أخته التي كبرت وصارت تشرف وترفع الرأس .. اليوم صار أكثر فخراً بها رغم أنه لم يصدق أحد ما قيل عنها لكنها اليوم بريئة بالاعتراف

اليوم أُثلِج صدره من ذلك الحقد الذي كان يحمله لفؤاد .. كلما انتوى على وضع حدٍ له يقف شيء بطريقه .. مرة ألماسة .. ومرة الانفجار الذي أخذ ابنه فجعله يشفق عليه ولو قليلا ..

رغم أن بداخله شعورا ينازعه وينعته بالعجز لأن الحقيقة جاءت من فؤاد نفسه وليس هو مَن أجبره على ذلك آخذاً حق أخته ..

لكنه يعود ويُذكِر نفسه أن حقها جاء من فوق سبع سماوات .. وليس أفضل من انتقام الجبار المنتقم من الظالمين
اقترب منها يقف جوارها قائلا بنبرته العاقلة

" اليوم الوضع مختلف .. أنتِ اليوم بريئة بشهادة مَن رماكِ بالباطل يوماً وليس بشهادة أخلاقكِ فقط .. كما سمعتِ بالخُطبة من شيخ المسجد أن فؤاد جاءه معترفا بخطئه وظلمه لكِ "

التوت أصابعها على سور الشرفة في جمود تلقائي .. لا تعرف شعورها تحديدا نحو ثاني فعل يرفع عنها ظلمه .. الأول كان بالمشفى يوم اخبرها أنه لم يمسها .. والثاني .. لا تستوعبه !!

هل أصبح أفضل حقاً ؟!.. هل تعلّم من اقترابه من الموت ؟!.. هل سيعود كما كان بظلمه وتجبره كما عاد بعد كل اقتراب من الموت ؟!
لكن السؤال الأهم .. لماذا فكر فيها رغم كل ألمه لفقد ولده ؟!

نظر أكرم إليها نظرة غريبة والحيرة على ملامحه يتساءل بدهشة

" أنا لا أصدق .. ما الذي جعله يفعل هذا ؟! "

لم تجب ألماسة بشيء لدقائق انشغلا بنظرات الناس نحوهما ثم قالت فجأة بشرود

" يبدو أن عقابه لم يكن هيناً أبدا "

مال أكرم بجذعه يستند بمرفقيه على السور متسائلا

" هل تظنين أنه قد يعطينا حقنا بعد كل هذا ؟! "

برق ذهنها بالأفكار فور سؤاله منتبهة لاهتمامه بالأمر بعد أن كان لا يهتم بشيء .. نظرت إلي عينيه الذابلتين وقد قلّ ذلك الذبول ليلوح بعض الأمل فيهما منذ عودته لدموع

ابتسمت وهى تقترب منه بوجهها لتقول باصرار هادئ

" حتى لو لم يعطنا بنفسه لن نتركه .. وما ضاع حق وراءه مطالب "

ضاقت عيناه مدققا بها حيث لا حقد بعينيها هى الأخرى .. أو ربما اختفى عن السطح فقط .. كأن فؤاد بما فعله قد كسب عندها بعض التفهم
ويبدو أنها فهمت ما يفكر فيه فأخفضت عينيها وهى تستدير لتدخل بقولها

" تعال ندخل لأمي .. منذ سمعت الخُطبة وهى تبكي "

دخل أكرم خلفها يتوجها لغرفة الزهراء التي كانت جالسة على سريرها وبجوارها الهاتف الأرضي والنقال .. وجهها أحمر مشبعا بالدموع التي تمزج كل نقيضين .. الحزن والفرح .. الهزيمة والانتصار .. الانكسار وجبر الخاطر

تضحك ألماسة برقة متسائلة بشجن

" ألم تتوقفي عن البكاء بعد ؟! "

مسحت الزهراء وجهها ثم ابتسمت بصدر منشرح قائلة برضا

" الحمد لله الحمد لله .. لا شيء في الدنيا يعادل الستر والسمعة الطيبة .. لم تتوقف اتصالات أهل الحي يساندونني ويعتذرون لي عن أي سوء مسنا بعد عشرتنا الطويلة معهم "

اقترب أكرم منها يقف بجانبها يميل ليقبل رأسها قائلا بحنان

" لا تبكي أمي "

لكن دموعها عادت لتنهمر وهى تحمد الله أكثر أنه سبحانه دبر الأمر وهدى فؤاد ليفعلها فتقولها بصوتها الباكي

" سبحان مَن جعله يعترف بذنبه .. للمرة الأولى يفعل فؤاد في حياته شيئا جيدا "

أحاط أكرم كتفيها يضمها لجسده يهمس لها بشئ بينما تحركت ألماسة نحو النافذة فأزاحت الستار قليلا لتنظر للبعيد هامسة

" بل للمرة الثانية "

وهناك .. حيث ذلك البعيد .. يقف بسيارته من قبل الصلاة ليستمع إلي كلام الشيخ عنه ...

لقد خلط عملا صالحا بقائمة أعماله السيئة.




.......................................


أسرعت رنوة خطواتها لتعبر بوابة الجامعة ثم توقفت تنظر حولها .. تغطي عينيها بالنظارة الشمسية السوداء حتى لا يلاحظ أحد تورمها الأزرق .. وجهها شاحبا باليا تكاد تقع من شدة ضعفها

تلهث بضغط نفسي وبدني ينال من البقية الباقية منها .. اليوم تسللت من المنزل لتأتي إلي هنا تحتمي بالجدران العالية والناس المنتشرة
ولا تعرف أما زالت على قيد الحياة حقا ؟

هل الحياة أن نتنفس ويدق القلب برتابة العيش .. أم الحياة كما كانت مع راشد .. أحلاماً للمستقبل ونبضات صارخة بالشغف ؟

لطالما كانت ضعيفة .. لا حيلة لها في شيء إلا هو .. اختاره قلبها بإرادتها هى
اليوم وصلت حد اليأس .. اكتئاب حاد قضى عليها في أيام قليلة
اليوم تتمنى لو أنها لم تعرف تقى يوماً ولم ترَ راشد ولم تجرب حبه
اليوم لا يمكنها تجاوز ذلك الشعور الذي ينهك فيها بمقتلٍ .. شعور أن الحياة انتهت وهى في عداد الأموات

تسير مجهدة متورمة الجسد معدومة الحياة حتى وصلت لركن منعزل وجلست على قوالب الطوب المتراصة في سور جميل المنظر .. لكن عينيها تائهة زائغة النظرات عن كل شيء
تظللها الأشجار ويداعبها نسيم الظل ليجعلها آسفة على تلك الليلة .. ذلك الخطأ الذي لن يُغتَفر .. تتأسف لنفسها .. لأحلامها .. لقلبها المجروح .. ولجنينها الذي لن يرى النور !
ليته مضى مع نزيفها السابق .. لكنه ظل ليشهد عذابها من رمزي كل يوم .. واحتقار كل مَن بالبيت لها

لا يمكنها أن تذهب لراشد بعد كل ما كان .. لن تعيش منبوذة من أهلها حتى لو تقبلها راشد
لا فرح في نهاية طريقها .. ولا نور بعد ظلام خطيئتها
والندم .. ساحقاً لا حواجز له .. فياضاً كمحيط مصمم للغرق فقط
معذرةً للدنيا .. لقد آن أوان الموت !

فتحت رنوة هاتفها لينقض عليها سيل من المكالمات الفائتة والرسائل من أمها .. غالبا لم تخبر أحدا من إخوتها إنها هربت حتى الآن

ستخبرهم إدارة الجامعة .. تدعو فقط أن يسامحوها

نظرت للساعة التي تشير إلي عصر يوم السبت لتموت نظرتها وهى ترى تاريخ موتها

ثم وضعت الهاتف بحقيبتها لتخرج منها زجاجة أقراص دوائية صغيرة

نظرت إلي بطنها وبسمة صغيرة باهتة تلوح على شفتيها المتشققة لتهمس لطفل راشد داخلها

" سامحني إنك ابن حرام .. أنت ابن عشق رأيته مختلفا عن كل العالم حولي .. لكنني اخطأت ولم أعد احتمل .. صدقني أنا أضعف من أن احتمل ضربة أخرى .. وأضعف من أن احتمل إجهاضك وأنا حية كما يريدون "

سالت دموعها وضغطها ينخفض حتى أوشكت على فقدان وعيها من التعب فأسرعت تفرغ الأقراص في كفها بارتعاش أوقع الزجاجة أرضا ثم تضعهم جميعهم بفمها لتخرج زجاجة مياه صغيرة من حقيبتها وتشرب منها حتى ابتلعت الأقراص كلها

انتظرت بهدوء في جلستها الساكنة وهى تنظر للمارة من الطلبة والأساتذة

تشعر بأطرافها تثلج رغم قطرات العرق التي تجمعت على جسدها .. وجع رهيب ينتقل من معدتها يشل جسدها ببطء كأن الحياة تنسحب منها
لا بأس .. لا بأس بالموت .. كل شيء يموت
انتبهت فجأة على صوت مألوف يناديها

" رنوة .. كيف حالكِ ؟ "

رفعت رأسها لتطالع وجه ألماسة من خلف نظارتها السوداء فلا يتحرك لسانها إلا بأحرف ثقيلة

" أنتِ "

تنهدت ألماسة وهى تجلس جوارها قائلة

" اسمعي .. لم أحدثكِ لأضايقكِ وكنت سابتعد حين رأيتكِ لكن جئت إليكِ لأخبركِ أني أقدر موقفكِ من كرهي ورغبتكِ في ابتعادي .. لكن أريد منكِ شيئا واعتبريه لوجه الله "

تتشوش رؤية رنوة شاعرة بالثلج يزحف لجسدها كله ثم بدأت بالارتجاف وألماسة تواصل بلا انتباه

" أريد منكِ أن تساعديني لأرى جدتي بركة .. لقد حلمت بها ثلاث مرات في أسبوع واحد .. تنادي اسمي وترحل .. ساعديني أن أراها لأجلها لا لأجلي "

لا تدرك رنوة ما حولها والدنيا تدور بها وتتلاشى فلم تسمع إلا كلمة ترددها همسا بتثاقل

" بر...كة "

أدارت ألماسة وجهها تنظر لرنوة بغرابة وهى جالسة جوارها لكنها تترنح بوجه كالأموات .. أمسكت ذراعها بحذر مضيقة عينيها بتفحص تسأل

" ما بكِ ؟!.. رنوة "

فجأة ارتمى جسد رنوة عليها فتمسك ألماسة يدها فتُصدَم ببرودتها الشديدة .. نظرت لوجهها بلهفة لتخلع نظارتها تأخذ الصدمة الثانية وهى ترى آثار اللكمة والصفعات ومباشرة اخبرها عقلها بغضب مُحتقِر أن فؤاد الفاعل !

ضربت على وجه رنوة بخفة وهى تظنها فاقدة للوعي لكن تثاقل جسدها انبأها بخطر أكبر ..

بلحظة ما نظرت جوار قدميّ رنوة لتجد زجاجة دوائية صغيرة فاشتعل حدسها !

عيناها تتسعان تبرقان بحدة وهى لا تعرف كيف أدركت الأمر وصوتها يعلو بصدمة

" رنــــــوة !!! "




انتهى



التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 02-06-20 الساعة 01:09 AM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 02-06-20, 12:33 AM   #660

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

حمدا لله على السلامه يانور



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 101 ( الأعضاء 35 والزوار 66)

ام زياد محمود, ‏نوره صانع, ‏Reem salama, ‏rontii+, ‏Msamo, ‏ام جواد+, ‏Hya ssin, ‏Tankosha, ‏بشري كمال, ‏ندى بدر, ‏حنان الرزقي, ‏ام عبدالرحمن وجوري, ‏blue fox, ‏ايمان حمادة, ‏Solly m, ‏rasha emade, ‏bassma rg, ‏NON1995, ‏Manar saif, ‏الرسول قدوتى, ‏Roza zain, ‏bobosty2005, ‏ام الارات, ‏وردة الفرح, ‏~~عنود ـ الصيد~~, ‏Ramroma3, ‏hadeer22, ‏Waafa, ‏الزمردة البيضاء, ‏Safo85, ‏amira bacha, ‏غرام العيون, ‏زهرة الحب85, ‏بيبوبن


ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:22 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.