آخر 10 مشاركات
[تحميل] انتقام أعمي ، للكاتبة/ عبير ضياء " مصريه " ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          مصابيح في حنايا الروح (2) سلسلة طعم البيوت *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : rontii - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          قلوب تحترق (15) للكاتبة الرائعة: واثقة الخطى *كاملة & مميزة* (الكاتـب : واثقة الخطى - )           »          الساعة الالماسية- قلوب قصيرة [حصريًّا] للكاتبة Hya SSin *مكتملة* (الكاتـب : Hya ssin - )           »          لا مفر من القدر - سارة كريفن (الكاتـب : بلا عنوان - )           »          شورت وفانلةولاب(80)-حصرية-ج5زهور الحب الزرقاء -للآخاذة: نرمين نحمدالله*كاملة& الروابط (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أنا وشهريار -ج4من سلسلة زهور الحب الزرقاء- للمبدعة: نرمين نحمدالله [زائرة] *كاملة* (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree277Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-07-20, 11:55 PM   #951

ميمو٧٧

? العضوٌ??? » 416015
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 700
?  نُقآطِيْ » ميمو٧٧ is on a distinguished road
افتراضي


يا جماعة في فصل ولا لأ

ميمو٧٧ غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 12:03 AM   #952

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي



البريق العشرون

( واحة الغروب )


خرجت الزهراء من غرفتها على صوت الضوضاء القادمة من البهو لتجد ألماسة تجهز الإفطار على المائدة .. ما زالت بطاقمها البيتي الرياضي وقد مضى موعد نزولها للعمل
اقتربت منها تسأل باستغراب قلق

" ألن تذهبي إلي عملكِ اليوم ؟! "

ابتسمت ألماسة لعينيها تقول بعتاب محبب

" صباح الخير أولاً ! "

نظرت الزهراء للأطباق ذات الطعام الفاخر نوعاً ما على إفطار عادي ثم قالت بقلق متزايد

" صباح الخير .. خير يا ماسة .. هل أخذتِ اليوم إجازة ؟! "

قالت ألماسة وهى تتجه إلي المطبخ

" لنفطر أولاً ثم نتكلم .. لدي ما اخبركما به "

مطت الزهراء شفتيها بلا فهم وهى تستدير لتجلس على الأريكة ثم تنظر نحو غرفة أكرم بغم وتسألها

" هل عرفتِ لمَ ترك أكرم عمله بالورشة منذ عقد القران ؟ "

وضعت ألماسة الطبق الأخير وهى ترد بجفاء

" لا .. على كل حال كان عملا لا يليق به "

طل الحزم بعيني الزهراء قائلة

" أخوكِ لديه مسؤولية وعليه الالتزام بفتح بيت ومراعاة ابنة الناس التي تزوجها ووعد أن يحافظ عليها .. لا يُفتَرض به أن يترك ذلك العمل قبل أن يجد الأفضل "

رفعت ألماسة عينيها تنظر لأمها جالسة بكل بهاء في عباءتها الصيفية الأنيقة وشعرها مجموعاً أسود مختلط بشعيرات بيضاء ناعمة كجمال ملامحها خفيفة التجاعيد .. تستحق الراحة بعد تعبها سنوات طويلة في تربيتهما وحدها .. بعيدة عن الجميع أو بمعنى أصح هاربة تحمل هماً بإخفاء الحقيقة بعد إعدام والدها
لان صوتها متنهدة مطمئنة

" الأفضل أصبح بين أيدينا أمي .. لا تقلقي "

قبل أن تسأل الزهراء عن قصدها تعالى رنين جرس الباب فاتجهت ألماسة إليه وطال اختفاؤها لثوان فعلا صوت الزهراء

" مَن يا ماسة ؟ "

ردت بصوت مشاغب

" ابنة الناس التي تزوجها ! "

ظهرت أمامها دموع لتسأل بتوجس

" ماذا يحدث ؟! "

عادت ألماسة للمائدة وهى تجيبها بابتسامة

" كنا في سيرتكِ وبالخير بالطبع .. هيا تعالي الزهراء تحبكِ .. لحقتِ الإفطار معنا "

دخلت دموع متحفزة تبحث بعينيها عنه قائلة بجدية متجهمة

" شكرا ألماسة سبقتكم وفطرت .. أين هو ؟ "

اقتربت ألماسة تمسك ذقن صديقتها تتفحص وجهها المستدير المكفهر متسائلة بشك

" لمَ تبدُ ملامحكِ بهذا الهجوم وصوتكِ عدائياً هكذا ؟! "

ترد دموع بغيظ

" لأن لدي مرارة واحدة وأخوكِ له تصرفات تجعلني أريد ضربه على رأسه حتى يفيق "

ابتعدت ألماسة ضاحكة تؤكد

" كلام منطقي ! "

وصلت إلي الأريكة حيث تجلس الزهراء فمالت تقبل خدها ليهدأ اندفاعها رغم سؤالها المباشر

" صباح الخير ماما زهراء .. هل يمكنني الدخول إلي أكرم ؟ "

ابتسمت الزهراء متسائلة بنظرة ذات مغزى

" ما رأيكِ إذا خرج هو إلينا ؟! "

عبر وجه دموع عن البراءة المُعذَبة والطفولة المُشرَدة التي تتذوقها متسائلة

" ومرارتي ؟! "

ضحكت ألماسة والزهراء معاً لتقول بنبرة أمومية محذرة

" ادخلي يا دموع ولا تطيلي البقاء "

عاد الهجوم يشعل مفرقعات بدمائها وهى ترد عليها متجهة لغرفته

" حسب وقت خلاصه من يدي يا ماما "

وقفت دموع تطرق على الباب بكفها بحدة ثم فتحته ودخلت بلا أمره مغلقة الباب خلفها فنظرت الزهراء إلي ألماسة مغتمة مهمومة بالقول

" هناك شيء في أخيكِ بالفعل "

اتجهت ألماسة للمطبخ ترد بغموض

" بعد الإفطار سيكون بأفضل حال ! "


نظرت دموع إليه لحظات وهى تعلم أن باله مشغول ونفسه تصارع قيودها ، دوماً حين يضيع في أفكاره يجلس أمام الشرفة هكذا .. أمام بابها .. لا بالداخل ولا بالخارج
وقتما يفكر يحب موازنة نفسه في المنتصف حتى يعلم بأي اتجاه سيسير طريقه

علمت من الزهراء أنه ترك عمله بالورشة في اليوم التالي لعقد قرانهما ولم تفهم السبب .. فسيادته لا يجيب ولا يريد رؤيتها حالياً لأنه مشغول كما أرسل لها رسالة باردة مثله

‏لكن الآن وهى تراه تشعر أن سيول من الارتياح قد جرفتها حيث يكون .. لا تريد سوى أن يتحرر من كل قيود روحه
‏اقتربت دموع حتى وقفت خلف كرسيه ثم انحنت تمد ذراعيها حول عنقه هامسة بأذنه

" اشتقت إليك "

أغمض أكرم عينيه مبعداً وجهه جانباً فشعرت بتشنجه لحظات قبل أن يسترخي فتعاتبه برقة

" هل ينفع ما تفعله معي هذا ؟!.. ما أمور المتزوجين التي لا افهمها تلك ؟!.. لا تجيب اتصالاتي ولا رسائلي .. هل فتر الحب بهذه السرعة ؟! "

لم يتحرك بينما ينعقد حاجباه بألم وضيق ونظرته تتعمق بعيدا وهى لا ترى إلا جانب وجهه المظلم فتقبل لحيته مواصلة

" كنت انتوي أن أريك ماذا تفعل الزوجات حقاً مع أزواجهن حين يفعلون ما تفعله لكن عندما رأيتك نسيت كل غضبي منك .. كما سامحتك على كل ما سبق يا عذابي "

بدا أكرم شارداً ويداه تنقبض على ذراعي الكرسي وملامحه جامدة متألمة حتى شعر بقبلتها الدافئة فمالت شفتاه في ابتسامة حزينة اختفت سريعا وهو يقول فجأة بخفوت شديد

" لم يسمحوا لي بالجلوس .. كانوا يملأون الزنزانة بالمياه كلما تجف كي أظل واقفاً على قدميّ ... وحين تعبت ... جلست على الماء البارد حتى اعتدت على ثيابي التي لا تجف أبدا وفقدت الشعور بجسمي "

ارتجفت دموع بصدمة كأنما ضربتها صاعقة وهى تسير آمنة لدرجة أن رأسها ارتج بعنف فدارت الدنيا بها قبل أن تسيطر على نفسها وهى تلف حوله تجلس على رجليه تتمسك بعنقه بقوة

دمعة وقعت من عينيها وهى لا تشعر فتضم رأسه لصدرها الخافق بوجعٍ قاسٍ وهو يهمس باختناق

" أنا خائف .... خائف دموع "

بأدوار تتزلزل في أعماقه .. لطالما كان كل ما هو جميل حتى استعمره الخوف .. كان الابن البار والطالب المتفوق والعاشق الصادق .. كان يضحي للوطن ويسمو للأخلاق ويهتم بالتفاصيل
ولا أقسى من أن يحتلك القهر وأنت داخل مساحة أمانك
ذراعاه تلتف حولها يقاوم وخز البكاء بعينيه فتربت على ظهره تطمئنه

" لا تخف .. أنت هنا الآن .. ببيتك .. وأنا معك .. لن يستطيع أحد الاقتراب منك هنا .. ولو ظللت هنا كل العمر فسأظل معك راضية "

رفع أكرم رأسه ينظر لوجهها الحزين بملامحه المعذبة قائلا

" وأخاف أكثر ألا أرضيكِ .. أن يضيع الحب في دوامات المسؤولية والأحمال الثقيلة والحياة "

ابتسمت دموع وهى تمسح ببنصرها دمعة أنيقة كنغمة صغيرة ، ثم مررت ظاهر أصابعها على خديه تقول بيقين

" لقد اختبرتنا الحياة بالفعل يا أكرم ونجحنا .. لا أصعب من انتظار ثمانية أعوام وكل منا يحفظ الآخر بقلبه ويراه بعين خياله فقط "

اقتربت تقبل جبهته وهى تلامس شعره البني الداكن بحنان تقول بعزفٍ جميل للكلمات

" لن يضيع حبنا أبدا .. فليكن الحب أماننا عند الخوف .. زادنا عند الاحتياج .. هواءنا عند الاختناق "

سكن وجه أكرم ناظرا إليها بصمت ثم أخفض بصره وكفه تمسح على ساقها بشرود ثم سأل

" هل تعرفين أن هناك مشكلة أصبحت بيننا دموع ؟ "

يداها تحب تلك اللمسات التي تمر بين شعره ووجهه باعتيادية وتسأل

" أي مشكلة ؟! "

ظل أكرم ينقل بصره بين وجهها وفراغ شرفته مترددا وهى تحثه على الكلام حتى قال بنبرة قاتمة

" أنتِ ما زلتِ تتحدثين إليّ كأنني أكرم القديم .. صلب ومندفع في الحق ومتمرد وعنيد .. تريدين أن انسى كل ما رأيت بضغطة زر وأن أتابع حياتي بلا يأس وبلا خوف .. مشكلتي معكِ الآن أنكِ تنظرين إلي المستقبل وتتجهين نحوه وتدفعينني له دون لحظات توقف التقط فيها أنفاسي لأعالج آثار ما أظلم بروحي .. أنا لست نفس الشخص دموع .. واضغط على نفسي لأجلكِ "

كل ما قال كان بكفة وجملته الأخيرة كانت بكفة وحدها .. انخفضت يداها وانطبقت شفتاها بلا تعبير محدقة بوجهه بنظرة جامدة ثم هزت رأسها متسائلة

" هل تعني إني لا افهمك ولا اشعر بك يا أكرم ؟!.. هل أصبحت مشكلة لك وعبئا عليك الآن لدرجة الضغط على نفسك معي بدلا من أن تكون على طبيعتك أمامي أنا وحدي ؟! "

زفر بضيق مصدرا صوتاً معترضا حائرا ليرد

" افهمي كلامي دموع .. حين كنت على طبيعتي معكِ قلتِ إني ضعيف يائس مستسلم .. لكن لم تدركي أن كل هذا مما أنا فيه الآن .. الكلام نفسه أصبح عبئا عليّ .. أريد مَن يفهمني دون كلام "

ارتفعا حاجباها تميل برأسها بملامح ذات مغزى مفهوم للأعمى ، بعد كل ما كان صارت لا تفهمه !!
بعد صمت طويل سألت دموع بنفس النبرة الجامدة

" كل هذا بسبب الضابط الذي رأيناه يوم عقد القران ؟ "

انقبضت يده على ركبتها شاعرا بندبات الكهرباء وجروح الأسواط في جسده تهتاج بالذكرى لتسحقه كلما قاوم
سمعت أنفاسه تعلو فنظرت ليده الحافرة على ركبتها تشعر بها رغم الجينز الثقيل ثم قالت

" أرأيت كيف افهمك دون كلام ! "

أخفض وجهه بلا رد فربتت على كتفه تقول بتفهم حقيقي

" لكن أنت معك حق .. أنا ما زلت أتعامل مع أكرم القديم الذي ينهض حين يقع .. لكن هذه المرة الوقعة أكبر من أن تنهض سريعا حال خروجك .. أنا اضغط عليك لتواجه الدنيا والناس وأنت الغائب عنهم لأعوام تغير فيها كل شيء "

نظر إليها يتأكد من جديتها فاستطردت صدقا

" أنا آسفة حقاً يا أكرم .. أنا كعادتي متسرعة ومندفعة مثلك .. لم انتبه أنك بحاجة للهدوء وترتيب أمورك من جديد وهذا سيأخذ وقتاً ولن يحدث بين ليلة وضحاها كما أدفعك "

أحاط أكرم وجهها قائلا بحرارة

" دموع .. دموع أنا لا اخبركِ لتغضبي أو يحزن قلبكِ مني حتى لو لم تظهري لي .. أنا اخبركِ لأنكِ نصفي الآخر .. تكملينني وتساعدينني .. أريد أن اخبركِ كل شيء اشعره دون أن افكر أولاً بالكلام أو احسب له "

هزت رأسها نفيا مبتسمة عيناها تدمعان لحنانه ترد

" أنا لست غاضبة يا أكرم .. أنا اتكلم حقاً .. أنا بالفعل اخطأت وتسرعت في دفعك لتنسى الماضي الذي هو لم يصبح ماضياً بعد .. لم تخرج إلا من عدة أشهر ووقفت أنا أطالبك بحبك ووعودك وقوتك وإقدامك على المستقبل دون حتى أن اسألك عما رأيت بالداخل "

شعرت بالذنب لأنها انتظرت انتظارا خاطئا .. أرادت أن يجمعهما بيت واحد أولا قبل أن تعرف ، لكنها اكتشفت الآن إنها اخطأت
عادت يدها تلمس لحيته الخفيفة هامسة

" أنا آسفة سامحني "

عصفت عينا أكرم بمشاعر عنيفة متداخلة وجذب وجهها أكثر حتى لامسه بأنفه ليقول

" لا .. لو لم تكوني هكذا لما أحببتكِ بهذا الشكل .. أنا أحميكِ بحياتي دموع لكن بنفس الوقت لدي يقين أنكِ في ظهري دعم وسند .. أحب قوتكِ وشجاعتكِ ومواجهتكِ لكل شيء .. لو لم تكوني هكذا لما عدت واقفاً على قدميّ لأجلكِ "

ابتسمت حتى شملت الابتسامة وجهها كله كأن كل ملامحها لها ابتسامة خاصة به تهمس

" لأجلي أنا ؟ "

تحركت يده على ظهرها يلامس شعرها حتى وصلت لرأسها وتخلله يشعر بنعومته وكثافته .. يده الأخرى تمر على ساقها لينهل من هذا الحب الصامد لسنوات .. يسطو على كل كلمة قيلت بين هذه الشفاه الدافئة
يهمسها باضطراب مدركا أنها هنا بحضنه

" أحبكِ "

أحاطت دموع عنقه بذراعيها مستسلمة للفاصل الممتع بعد تعب .. وحين بدأ يتمادى دفعته قليلا تحرر شفتيها منه تضحك قائلة

" توقف .. الآن فقط انتبهت أني جالسة على رجليك ! "

نهضت بصعوبة تركض نحو الباب فالتفت أكرم على كرسيه مبتسما آمرا

" دموع تعالي هنا "

هزت كتفها تهز سبابتها نفيا لترد بخبث

" قالت ماما زهراء ألا أطيل البقاء عندك ! "

وقف أكرم يمد يده بقوله الذي تعشقه

" تعالي "

تهز دموع رأسها نفياً بشقاوة تخرج له لسانها فيقترب منها وكفه ما زالت ممدودة لكن صوته يخفت هامساً

" تعالي "

أشارت بسبابتها محذرة بابتسامة

" قف مكانك ! "

ضحك أكرم بخفوت متناسيا كل ألمه معها قائلا

" اوقفيني ! "

مال أكرم ليمسك بها لكنها فتحت الباب لتخرج سريعا ضاحكة وأغلقته خلفها لتصطدم بنظرات الزهراء وألماسة
كتمت ضحكتها محاولة استعادة الوقار الضائع ففردت جذعها وسارت حتى وصلت جوار ألماسة لتهمس لها بمكر

" مهلاً على أخي دموع !.. إنه ليس بقدركِ ! "

ترفعت نظرة دموع بحركة كتفها المتعالية ترد عليها بخفوت

" أخوكِ سيد الرجال يا حبيبتي ! "

فتح أكرم باب غرفته ليخرج لهم فيعبس وهو يرى وقفتهما متسائلا

" ماذا يحدث ؟! "

علا صوت ألماسة وهى تتجه للمائدة

" تقول عنك سيد الرجال ! "

ابتسمت الزهراء تهز رأسها بأمومة متدفقة بينما شهقت دموع قائلة باندفاع

" أنا !.. بالطبع لا "

توقف أكرم جوارها ينظر لها بجدية زائفة ثم يميل برأسه مكررا بحاجب مرفوع

" لا !! "

ارتبكت دموع وهى ترمق الزهراء بحرج ثم تقول بصوت منخفض

" لا لا اقصد هذا .. اقصد .... "

تكتم ألماسة ضحكتها ودموع تنظر لها تريد قتلها ثم تحركت بالقول

" أنا ذاهبة "

يوقفها صوت الزهراء قائلة

" انتظري لتفطري معنا دموع "

ردت دموع وهى تعود إليها مقبلة خدها

" سبقتكم يا ماما .. أنا ساذهب للمعهد لدي عمل "

اعتدلت متجهة للباب قائلة بجدية

" أكرم لا تفوت التدريب مجددا .. اقترب موعد حفل الفرقة القادم "

أوصلها أكرم حتى الباب فاستدارت تنتظر رده لكنه لم يفعل سوى أن أخذ يدها يقبلها بنظرة ذنب يراضيها .. فابتسمت له بتسامح ثم تحركت هامسة

" سلام "

ارتفع صوت ألماسة من الداخل

" هيا لتفطر يا أكرم "

ساد صمت غريب على الإفطار أصبح هو السائد عليهم منذ سنوات غياب أكرم .. كئيب ومؤلم
اجتماعاتهم كانت السعادة والرضا فيها كالبحر الذي لا تهدأ أمواجه .. بين طموح أكرم وألماسة وما يحققانه في الواقع .. صارا مهندسين والحياة تمنحهما فرص النجاح حتى خُطِفَ أكرم في عامه الجامعي الأخير وبدأت التماسات إكمال دراسته في الأسر .. وبدأ معها الألم والكآبة

جلست الزهراء في مكانها المعتاد على الأريكة بعد صلاة الظهر حيث تنتظرها ألماسة جوار أكرم وهو يشاهد التلفاز .. متفرغاً نهاراً بعد ترك عمله بالورشة وينزل ليلا للعمل في مقهى اصدقائه

يفكر كثيرا في خطوته القادمة ولم يجد حلا سوى أن يكون حر نفسه ، لا أحد يسأله عن صحيفة جنائية أو يسأله كيف أصبح المهندس رد سجون ؟!

ظلت تنظر إليهما بوجوم قلقة عليهما ثم قالت

" كنتِ تريدين قول شيء لنا "

نظر أكرم إليها بلا فهم ثم إلي أخته متسائلا وهو يطفئ التلفاز فاعتدلت بجلستها لتخرج الملف من جوارها تضعه على الطاولة أمامهم قائلة بحذر

" فؤاد .. جاء لي في العمل بالأمس "

انفعل أكرم بلحظة سماع الاسم ليقف هادرا وقد نفد صبره ممَن يستضعفونهم

" ما الذي يريده ذلك الحيوان ؟.. ألن يرتاح حتى اقتله ؟.. هل يظن أنني نسيت ما فعله أو سأظل صامتاً كثيرا .. والله لولا ما حدث له لكان لي تصرفات أخرى تناسبه المزور الجبان .. لكن سيراني قريبا وأنا آخذ حقوقنا من عينيه "

فزعت الزهراء متراجعة بمقعدها خوفا مما قاله ليعلو صوت ألماسة

" اهدأ أكرم أنا لم أقل شيئا بعد "

جلس أكرم بحدة ضاربا بكفه على سطح طاولة الصالون الرخامية مائلا بجذعه للأمام يتنفس بقوة ثم قبض يديه معاً ليستند عليها منتظرا بعصبية

قابلت ألماسة نظرات أمها الجزعة لتربت على كفها الممسكة بذراع المقعد ثم تقول مشيرة للملف

" أعطاني هذه الأوراق "

تسأل الزهراء بنبرة قلقة

" ماذا بها ؟ "

هزت أكرم بمرفقها مداعبة لينتبه ثم أوضحت بنبرة انتصار

" هذا الملف به كل حقوقنا .. نصف المجموعة كلها بالإضافة إلي أرباح السنوات السابقة منذ أعاد فؤاد تشغيلها بعد سنوات من .. موت أبي ... وراسل "

اهتزت مشاعرها تذكرا لأبيها الذي عمل لمستقبلهما وانفعالا بما قرأت وانتصارا بعد صبر وكل مشاعرها امتزجت لتتوهج عيناها ويشرق جمال وجهها قائلة

" أنا فهمت كل شيء من قراءتي للملف .. تم إغلاق المجموعة لسنوات بعدما حدث حتى أعاد فؤاد فتحها وإدارتها .. أرقام الأرباح مهولة .. لم أتخيلها هكذا أبدا .. المفترض أن ننهي بعض الأوراق لتوضع النقود في حسابات بنكية باسمنا .. وعلينا الذهاب لاستلام نصيبنا "

نظرت إلي أكرم تضيف بتصميم

" أنا لن آخذ نصيبي فقط .. أنا ساعمل في المجموعة يا أكرم .. وأظن أن الصحيح أن تدير نصيب أبينا كما كان يتمنى مؤكد "

أخذ أكرم الملف يقرأ أوراقه بتأن واستغراب لكن الزهراء كل اهتمامها كان أن تسأل

" لمَ فعل فؤاد هذا ؟!.. كيف ؟!.. ربما يدبر شيئا "

وجهها شاحبا والزمن يجري بها للماضي وهى لم تعد تلحق به بتقدم العمر
لاحظتها ألماسة فألقت نظرة على أكرم ثم أجابت بخفوت

" لأنني ظللت معه في المشفى "

التفت أكرم إليها هاتفا

" ماذا ؟! "

اعتدلت قليلا تواجهه موضحة باختصار

" ذلك اليوم حين اخبرتك أمي أنني مع صديقتي بالمشفى .. كانت رنوة ابنة عمنا مريضة وأنا قابلتها في الجامعة وأخذتها للمشفى وجاء فؤاد يراها وفجأة وقع والطبيب قال ذبحة صدرية ولم استطع تركهما معاً في المشفى .. وأنا فعلت الصواب ولا تغضب مني ولا أريد سماع كلمة محاسبة لأني حقاً لم أعد احتمل "

أنهت كلامها لاهثة نافدة الصبر فظل صامتا جامدا ثم سأل بعتاب

" لماذا لم تخبريني على الأقل احتراما ؟.. منذ متى وأنا امنعكِ عن الصواب ؟ "

حركت شفتاها جانبا ثم ردت بصوت منخفض

" حين يتعلق الأمر بأولاد راسل وخاصة فؤاد يحكم الغضب تصرفاتك "

اعتدلت مجددا لتطالع أمها ثم نظرت أمامها وترددت بالقول ليخرج كلامها تدريجا بغل وغضب

" وهناك شيء آخر حدث بالأمس .. الزفاف الذي ذهبت إليه كان زفاف رنوة .. جاء فؤاد وأعطاني الملف وأعطاني دعوة الزفاف .. وبعدها ذهبت للمدير الكلب الذي كنت اعمل بمكتبه لاخبره أني ساترك العمل .. لكن الحقير أراد التهجم عليّ .. الحمد لله استطعت حبسه بالشرفة قبل أن يمسني واتصلت بفؤاد لأنه كان قد خرج منذ دقائق قليلة .... "

صمتت لحظات تسمع اسئلة أكرم الغاضبة وشهقات الزهراء المفجوعة ثم تابعت بنظرة راعدة

" جاء فؤاد وضرب هاني .. احضره لي تحت قدميّ وكاد أن يقتله لولا أوقفته "

وقف أكرم شاتما يكاد يقتلع شعره صارخا بوحشية

" قلت لكِ اعطني عنوان المكتب حالا "

صاحت ألماسة بقوة

" قلت لك كاد أن يقتله .. لقد جلب لي حقي وانتهينا .. هل تريد أن نخسرك مجددا ؟ "

توقفا عن الجدال حين سمعا بكاء الزهراء الخافت فنهضت ألماسة تجلس على ذراع مقعدها تحتضن كتفيها بالقول

" أنا بخير أمي .. لم يمد يده عليّ أبدا "

تربت الزهراء على ذراعي ألماسة حول عنقها بينما يقول أكرم بصرامة

" لن يأخذ فؤاد حق أختي وأنا صامت .. أما هذا الملف فجهزي نفسكِ لنذهب إليه "

اتجه لغرفته صافقا الباب فنفخت ألماسة وهى تميل برأسها على رأس أمها تهدئها فقالت الزهراء بحزن

" انتبهي يا ماسة وأنتما عنده .. وأريدكِ أن تعرفي شيئا مهما .. أبوكِ وضع كل ماله الحلال في هذا العمل .. أريدكِ أن تتأكدي لو خالطها فؤاد بالحرام "

عقدت ألماسة حاجبيها ببطء وضاقت عيناها بتركيز وعقلها يشتعل تفكيرا.


يتبع ....







نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 12:05 AM   #953

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي




سيوة

أشرقت الشمس على مهلها الدافئ باعثة لنفسه بعض الراحة ، إلي اليوم لا يصدق كل ما حدث لرنوة .. هل ماتت بالنسبة لهم ؟!.. أخته الصغيرة أضاعت نفسها وقدمها فؤاد إنتقاماً بارداً كعادته .. هل هذا ما وصلت إليه العائلة ؟!

خرج شهاب من العين الكبريتية باردة المياه التي سبح فيها لساعة تقريبا لتلمس قدماه الرمال المختلطة بالملح ثم وقف بمواجهة الشروق القريب

تلقب بـ ' واحة الغروب ' لأنك ترى فيها أجمل منظر للغروب عن قرب .. لكنها أيضاً واحة للشروق بكل معنى الكلمة

منذ قرار فؤاد بزواج رنوة من راشد وهو هنا يحاول تهدئة أعصابه حيث لا صخب كالمدينة يشوش عقله .. الماء يقطر من جسده ويجف بالهواء المعتدل وآشعة الشمس المراوغة .. إحساس ممتع في عفويته وبدائيته

اعتاد أن يعيش حياته مغامراً لا يهتم بشيء ولا يوقفه أحد عن متعة الترحال .. رحالة .. لم يحلم من الدنيا إلا بهذا اللقب
ما زال يخطط ليلف العالم مدوناً ما يراه من غرائب الدنيا .. حر .. لا تقيده أصفاد الروتين

تحرك شهاب ليرى أغراضه الموضوعة على الرمال ناظرا للساعة لينتبه إلي موعد استيقاظ الفوج السياحي الذي يرافقه .. قد سبقهم لبعض الوحدة والهدوء .. وليس أجمل من سيوة ليعيش هذا

ارتدى سترته فوق بنطال السباحة القصير ليعلق حقيبته على ظهره عائدا للفندق القريب غافلاً عن أعين استيقظت ترى الشروق .. فرأته !.

بعد وقت قصير تجمع الفوج بصحبته أمام الفندق متجهين إلي معبد آمون ليوضح شهاب بنبرة عملية يخفي بها كل مشاعره المضطربة

" هذا الوقت من العام هو الأفضل لزيارة معبد آمون بسيوة .. لأن المعبد يشهد ظاهرة فلكية تسمى الاعتدال الربيعي حيث يتعامد قرص الشمس عليه مرتين كل عام "

استقل الجميع حافلة الرحلة إلي المعبد .. وعلى الطابق الثاني للمعبد الأثري حيث أمكنهم رؤية الواحة بأكملها مليئة بأشجار الزيتون ونخيل التمور تحت آشعة الشمس ، وقف شهاب يكمل برنامج رحلتهم قائلا بجدية

" وجهتنا التالية ستكون جبل الموتى .. ويضم مجموعة من المقابر الأثرية .. وبعده إلي معبد أوراكل ثم إلي عيون المياه التي تنتشر في الواحة .. رغم وقوع سيوة وسط الصحراء إلا أن المياه العذبة تنتشر فيها في صورة عدد كبير من الآبار والعيون يصل إلي مائتي عين مائية .. أشهرهم عين كليوباترا "

استدار شهاب ينظر إليهم ثم يتابع بلا حماس

" عين كليوباترا .. هى المزار السياحي الأكثر شهرة في سيوة حيث تتدفق المياه الدافئة من الينابيع الحارة تحت الأرض إلي حوض السباحة .. يقال أن الملكة كليوباترا قد سبحت فيه بنفسها أثناء زيارتها لسيوة .. لكن المؤكد أنها زارت المكان .. وتتميز المياه بالنقاء الشديد لأنها تجدد نفسها تلقائياً وتحيطها الأشجار والنخيل "

صمت محدقاً في وجه رآه قبل اليوم في رحلة الفيوم لتلك الفتاة الحادة وهى تخلع قبعتها عن شعرها الأسود المتطاير ناظرة إليه بحاجب مرفوع مستفز !
أبعد عينيه نافخاً بضيق ليواصل

‏" لمَن يريد تجربة الاستشفاء بالرمال فستكون رمال سيوة هى خياره الأمثل .. حيث تشتهر سيوة بالسياحة العلاجية لتوافر العناصر الطبيعية برمالها لأغراض الطب البديل "

‏أنهى جملته مستغرباً من نفسه ومما قال !.. بدا له أنه يعيد عبارات مقروءة بلا إحساس ولا حيوية كعادته .. والحقيقة أنه لا يريد سوى أن يكون وحيدا بهذا المكان الساحر دون أن يشغل أفكاره بعبء عمل .. عبء !.. هل يشعر أن عمله الذي يحبه الآن عبئاً عليه ؟!
‏تقدمت تلك الفتاة ليعلو صوتها متسائلة

‏" لكن أظن أن رحلات السفاري في بحر الرمال ستكون أجمل وأكثر جنوناً .. ستكون هى التجربة التي لا تُنسَى .. أليس كذلك ؟! "

نظر إليها مبتسمة باستعلاء واضح ثم تجيب نفسها ناظرة إلي الفوج السياحي بلا انتظاره

" مؤكد روعة السفاري في بحر الرمال أجمل من الاستلقاء فيه للاستشفاء .. وبالأساس كل شيء نفعله في سيوة له جمال خاص .. سيوة كلها تصنف كمحمية طبيعية لما بها من تنوع وتراث طبيعي وثقافي .. بها حيوانات مهددة بالانقراض وطيور مهاجرة إليها .. قالت إحدى الصحف الألمانية أن واحة سيوة تعد بمثابة جنة صغيرة على أرض مصر .. فهى تحتضن مئات الآلاف من أشجار النخيل التي تنتج أفضل أنواع التمور .. كما تحتضن آلاف من أشجار الفاكهة التى تزدهر في العديد من الحدائق .. كما أن ..... "

ابتسم شهاب ساخراً وهو يراها هذه المرة تحفظ الكلام لا تقرأه من الأوراق كالمرة السابقة فقاطعها قائلا

" لم نكمل حديثنا عن عيون سيوة .. العيون المالحة هنا ترفع جسدك وحدها .. هى أحسن مكان تتعلم فيه السباحة .. تجاورها العيون الباردة .. ورغم أنها وسط الصحراء لكنها باردة طوال العام .. وجوارهم العيون الساخنة .. بإمكانكم السباحة في الثلاث في يوم واحد لقربهم من بعضهم "

عاد صوت الفتاة الحاد يعلو بنبرة ذات مغزى

" لكن ليس أجمل من السباحة فيهم وقت الشروق !.. تنظر للشمس تخرج للسماء وأنت تحت المياه !!.. إحساس مذهل "

نظر لها بحدة فيرى نظرتها الجانبية تخبره أنها رأته صباحاً لتتابع مبتسمة بدفء

" بين العيون تسير على الرمال .. تبدو حبيبات الملح المنثورة تحت قدميك كالألماس تخطف القلب .. هذا هو جمال سيوة .. بها عمق نابع من الأرض .. وغموض يشع من تحت الرمال "

عقد حاجبيه يطالع وقفتها وانتباه الناس إليها إلي أن اقتربت منه تهمس له بلؤم

" هذا ما يجب أن تقوله أنت لكن واضح أنك لست بخير .. أو أن سيوة لا تثير فيك ما أثارته الفيوم !! "

تضايق شهاب من ملاحظتها الصحيحة فأشار للفوج أن يتبعوه للخارج قائلا

" صحيح .. ملح سيوة ذو مقاييس عالمية ! "

انفلتت ضحكة ساخرة من تلك الفتاة فشتم شهاب غباءه في سره لعدم تركيزه في أي شيء حتى ركب الجميع الحافلة في طريقهم لجبل الموتى.

مر النهار سريعا وبعد العصر كانوا أمام إحدى العيون الباردة يجلسون في حلقة سمر نهارية ينتظرون طعام ( المردم ) الذي ينضج تحت الرمال بوضع الأرز والدجاج وفوقهم أخشاب من شجرة زيتون مشتعلة نيراناً هادئة .. طعام يتميز به أهل سيوة مثل مُربى الزيتون والباذنجان !!

يتنفس شهاب بعمق محاولا السيطرة على أفكاره ثم يقول بهدوء

" لم احدثكم عن سيوة كمجتمع .. سيوة ما زالت تحمل طيبة أهلها .. قابلت الكثير من الأجانب اختاروا الحياة هنا بإرادتهم .. المكان مكتفٍ ذاتيا ولديه زراعته ومياهه والحياة طبيعية .. الطعام نظيف والقدرات الچينية بالبشر قوية .. مجتمع سيوة مجتمع منغلق حافظ على تقاليده .. ما زالوا يبنون بأحجار الكرشيف وهو طين مختلط بالملح .. فنون التطريز والصناعات اليدوية من أكثر الحرف تميزا بالواحة .. ولأهل سيوة عيد خاص هو عيد الحصاد الذي يحتفلون به عند اكتمال القمر بالسماء في شهر أكتوبر من كل عام "

يرى تلك الفتاة تنظر له باستفزازها فيتنهد متابعاً

" والعبرة هنا ليست بإدخال التكنولوجيا لكل شيء .. بل لعنصر التميز نفسه .. الاختلاف .. سيوة تصنف عالمياً من التسع أماكن الأكثر عزلة بالعالم .. الأمان فيها تشعره حين تدخلها .. المكان ساحر في شروقه وغروبه .. نهاره وليله يختلفان براحة نفسية مختلفة "

نهض شهاب حين نضج الطعام وانشغل الجميع في تناوله .. ابتعد حيث وقف وحيدا ناظرا للسماء فوق المياه لتقترب منه تلك الفتاة قائلة

" أخر ما قلته هو ما كنا ننتظره في هذه الرحلة .. لكنك كنت تشبه الراديو تكرر كل ما هو معروف "

زفر شهاب يتمالك عصبيته النادرة متسائلا

" مَن أنتِ ؟ "

ردت الفتاة مبتسمة بثقة

" أنا دنيا الراوي "

التفت شهاب ناظراً لوجهها سائلا بجدية

" لمَ تتقصدينني منذ رحلة الفيوم ؟! "

تشير دنيا لصدرها قائلة باستغراب زائف

" أنا ؟!.. وجودي هنا صدفة .. لم أكن اعرف أنك مرشد هذه الرحلة أيضاً ! "

أغمض شهاب عينيه لحظة زافراً نفس طويل لامس وجهها ثم نظر إليها قائلا بنفاد صبر

" أنتِ تتعمدين مقاطعتي كل مرة بلا سبب "

انكمش وجه دنيا فجأة لترد بانفعال مكتوم

" أنا اكتب مقالات في مجلة الكلية .. وكان المفترض أن أكون مسؤولة عن رحلة الفيوم حتى أكون مسؤولة عن القسم السياحي بالمجلة .. لولا المرشد السياحي شهاب رافع الذي ظهر في حظي لتضيع مني الفرصة "

لم يكن في حالة تسمح له بأي نقاش فعلا صوته جاذباً الأنظار إليهما

" وما ذنبي أنا ؟! "

أجفلت دنيا قليلا من حدته لكنها جابهته بقوة

" أنت لا تعرف أهمية الأمر بالنسبة لي وستظل السبب الذي حرمني من ذلك "

كأنها ضغطت زراً فجر كل غضبه ليهدر بصوت أعلى

" اسمعي يا آنسة .. لست متفرغاً لهذا الكلام الفارغ .. الجامعة هى مَن أحضرتني لتلك الرحلة .. اذهبي واخرجي عقدكِ النفسية عليهم لا عليّ .. لا أريد سماع صوتكِ هذا في أي مكان أكون فيه "

اتسعت عيناها مصدومة بتعبير ضايقه من نفسه أكثر ليتركها وسط الهمهمات السائدة والمستنكرة مبتعدا .. للحظة شعر نفسه نسخة أخيه .. نسخة جديدة من الثعبان لكن جاءت متأخرة بحكم الموقف ..

ومن خلفه كانت رؤية دنيا تتشوش بالدموع حتى سالت بارتجافها لا تستطيع النطق ، لأن لا أحد صرخ فيها هكذا قبلا.







تلقى فؤاد المكالمة من سكرتيرته نوال ليبتسم بدهاء متراجعا على كرسيه قائلا بهدوء

" ادخليهما "

أغلق الهاتف وانتظر ثوانٍ قبل أن تدخل نوال بجديتها المبالغة وخلفها ابناء عمه .. أكرم وألماسة .. وصلة دم يتحدى بها ما فعله راسل ورفيع وزاهد نفسه حتى لو كان مظلوما

بإرادته .. لا بقضايا وأمر محاكم أعاد حقهم لأن المال أخر ما يهمه بالكون .. وربما أعاده فقط لكي يضمن أن يراها جواره كلما شاء !

عينا أكرم تكاد تقتله بقدر الكره بهما .. وعيناها هى بئرين جارفتين من مطر ليلي يغسل روحه كلما اقتربت منه

اعتدل فؤاد على كرسيه بكل هيبته مستندا بمرفقه على ذراع الكرسي ينتظرهما وملامحه صلبة لا تُقرَأ .. يطالع خطواتها متذكرا المرة الأولى التي دخلت فيها هنا ثم صارت لعنة دمائه

نظر أكرم حوله لفخامة المكتب وشعر بالغضب يندفع بأوردته من كل شيء .. من الزهراء أكثر لأنها أخفت عليهما الماضي فحرمتهما من هذه الحياة التي تعود عليها أولاد راسل ظلما
أما هى فقد التقت بعينيه في حوارها الدائم الثائر .. تخطو أمام نظراته التي تتأملها بحرية وهمجية بلا اهتمام بأي شيء

جلسا أمام مكتبه فنظر أكرم إليه واضعا الملف على طاولة صغيرة أمامهما ثم بدأ الحديث بنبرة واضحة سامية

" قبل أي شيء .. عرفنا ما فعلته مع ماسة في عملها .. لكن هذا لا يلغي كل ما فعلته معنا .. ما فعلته لا يغفره شيء طوال العمر حتى بمجيئك إلي شيخ المسجد .. فلنقل أنك اخطأت وأصلحت ما فعلته .. لكن إصلاح الخطأ لا ينفيه "

ظلت عيناه على أكرم ثابتة بلا تأثر واضح لكن ذلك العلو الروحي في أكرم رغم ظروفه أثار غضبه مقتاً بما رآه .. نفس السمو فيها هى أيضا كأن ابناء الزهراء لا يكسرهم كاسر

ألقى فؤاد نظرة على ألماسة الصامتة احتراما لأخيها ثم أعاد عينيه إلي أكرم قائلا ببرود ساخر

" تابع ! "

ابتسم أكرم ببرود مماثل قائلا بتحدٍ

" ساتابع لا تقلق ! "

أمسك الملف الذي يحوي حقوقهم ليضعه على المكتب وينقر عليه متابعا

" هذا الملف أعطيته إلي ماسة في عملها .. اظنك تعلم أنك تجاوزت الأصول .. الأصول كانت أن تأتي إليّ أنا يا .. ابن الأصول "

مسح فؤاد على لحيته لتتوقف أصابعه عند ذقنه كمثلث حاد الأضلاع مراقباً نقر أكرم البطئ المستفز ثم سأل بإهانة مبطنة

" لكن لمَ اشعر إنني لم أتجاوز شيئا ؟! "

ازدردت ألماسة ريقها بضيق ناظرة إلي أكرم الذي تغير وجهه للحظة .. كان قصد فؤاد مفهوما إنها المسؤولة عن الأسرة الفاعلة لكل شيء لا هو .. بينما يشبك فؤاد أصابعه على المكتب مضيفا

" ألم تكن أختك هى مَن أتت إلي بيتي تفتح القديم وتطالب بحقوقكم ؟!.. هآنا سلمتها حقوقكم في يدها ! "

تدارك أكرم غضبه يخفيه عميقا مع باقي الحطام ليرد محولا الإهانة إلي فؤاد

" لا مشكلة .. أنا وألماسة واحد .. كيان واحد وكل منا يكمل الآخر .. لكن المهم عندي أن اعلم ما هدفك ؟!.. ما هدفك حقاً ؟!.. الرجل الذي زوّر أوراقاً تثبت أمام المحكمة أنه مالك كل هذا فكيف يصحو من نومه فجأة ليعيد الحقوق لأصحابها ؟! "

ضاقت عينا فؤاد متربصاً بعيني أكرم ثم حادت نحو ألماسة فجأة فأربكتها قليلا .. هو اخبرها إنه ثمن وقفتها معه ومع رنوة .. مخفياً حقيقة إنه أقرب للموت من الحياة ، لكن لا يعلم ماذا قالت عن ليلة المشفى كي يجيب بنفس الإجابة
لذلك قال ساخرا بلا مبالاة

" تخيل إنها حدثت بالفعل !.. صدق أو لا تصدق .. استيقظت من النوم فقررت إعادة حقوقكم فجأة .. بمزاجي ! "

ضحك أكرم بخفوت ليرد باصرار رجل لرجل

" بمزاجك !.. هذه هى .... لكن يجب أن تعرف إننا سنكون هنا مثلنا مثلك تماماً .. مع تقديري لمزاجك !! "

تراجع فؤاد على كرسيه يمرر إبهامه على فمه ثم يشير إليهما بسبابته متسائلا

" ستكونان هنا ؟!.. أنتما الاثنان ؟! "

ذلك الاصبع الذي تلكأ عندها قبل أن ينقبض أغاظها لتقول ألماسة بهدوء

" حقنا "

رد فؤاد بتقليل مستفز ناعم كالتفافات الثعابين

" صحيح لكن خبرتكما هنا صفر لذلك الأفضل أن تضعوا أموالكم بما فيها الزهراء بالطبع بالبنك وكل شهر سيوضع نصيبكم وسارسل لكم كشف حساب عن كل شيء ... يمكنكم تأسيس أي عمل تفهمون فيه "

هتف أكرم بعينين غاضبتين ما إن سمع اسم أمه مجردا

" زوجة عمك اسمها سيدة زهراء .. ثم إننا لا نثق بك من الأساس لنأتمنك .. بيننا نذالة ودم .. لا تنسى هذا "

مالت ألماسة تربت على ركبة أكرم تهدئه هامسة

" أكرم ! "

أشاح بوجهه يتمالك غضبه الذي لم يتفجر منذ خرج حراً لتنظر ألماسة إلي فؤاد لحظات وهو يبادلها النظر .. كانت تعلم أنه لا ألقاب لديه .. سمعت منه اسم راسل وزاهد وأمها أيضا مجردا .. بشكل ما تفهم أن رجلا مثله ما عليه من حاكم ليلقب أحدا .. الجميع يأتمرون بأمره لذلك تفهم أيضا أسبابه فيما قال .. مركز الرئيس الذي اعتاد عليه لا يحتمل أن يدير جواره احد
بسطت كفها على المكتب قائلة بجدية وتفهم

" يمكننا تقسيم المجموعة إذا أردت ألا يرأسها غيرك "

هبطت يد فؤاد على المكتب ليهتف بعنف

" لا .. تقسيم لا .. أنا لم اتعب فيها ليل نهار لتأتوا بالنهاية وتسقطوها بالتقسيم "

نظر أكرم إليه ليرد لكن أخته سبقته بهدوء

" جيد .. إذاً عليك تقبل أننا سنكون هنا .. وكما قال أكرم مثلنا مثلك تماماً .. الفرق فقط أنك كنت تدير كل شيء لسنوات .. أي فارق خبرة كما قلت أنت .. وهذه الخبرة سنكتسبها بالممارسة "

مال فؤاد يمينا نحو درج مكتبه ففتحه ليأخذ منه سيجارة من صنع يديه وضعها بفمه ليشعلها بقداحته الفضية ناظرا لها نظرة غريبة غامضة .. مرتاحة !
طيف ابتسامة على شفتيه وهو يعتدل ينفث الدخان قائلا .. بمزاجه

" توقعت هذا .. لكن لم يكن هناك ضرر من محاولة !! "

يدخن سيجارته بذاك الطيف ثم يشير لهما بها مواصلا بسلطة

" أمرتهم بتجهيز غرفتين لكما .. ومثل هذه الغرفة تماما لا تقلقا .. وهذا ليس لأجلكما بل لأجل المنظر العام للمدراء الجدد ! "

استفزهما بغروره وهو يخبرهما أنه علم خطوتهما مسبقا واستعد لها بل حاول إبعادهما زيفاً
هز أكرم رأسه يرد باستهزاء

" ما زلت تتحدث وكأنك المالك وحدك ! "

قال فؤاد بنفس النبرة العالية

" ليس من فراغ يا أكرم .. بوزن اسمي في السوق بعد كل تلك السنوات .. حتى لو علم الجميع أن أكرم رافع دخل المجموعة سيظل اسم فؤاد رافع هو الأساس "

نظر أكرم إليه قائلا بمقت

" سنرى حدودك بعد اليوم .. يجب أن يعرف كل منا حدوده منذ الآن "

اطفأ سيجارته مطمئنا باستفزازه له خاصة حين ينطق اسمه يرد

" اعرف حدودي .. اعرفها جيدا يا أكرم "

نهض أكرم بحدة ليسبقها للباب بالقول

" هيا ألماسة "

ما إن اختفى أكرم قبلها حتى قال فؤاد راسما حدود أخرى بينهما فقط

" سأظل على مجرد مسافة التذكير بالدواء وتلقي أي سقوط طارئ على صدري ! "

توقفت قدماها بمنتصف الغرفة لتعود عيناها لأعاصير المطر وهبوب التراب الأسود
نظرت إليه ترد بحزم

" ونحن أيضاً نعرف حدودنا .. لكن ليست نفس المسافة !.. ليست كل مرة ستكون ذراعي ممدودة حين تشتد الريح وتهز الجبال !! "

كم اشتاق لهذه الثورة بصوتها وهى صامتة اليوم لأن أخيها تولى الدفة ..
لكن الدفة أكثر أماناً بيدها هى .. مهما فعل - ولا أكثر وأقسى مما فعل - يعلم أنها ستكون هنا .. بضميرها لأجله .. جواره بذراع ممدودة وصدر رحب

ولن تعلم سر ابتسامته الغامضة حين قالا أنهما سيكونان هنا !.. هكذا رسم موقعها .. جواره !!

غادرت ألماسة من أمامه ليرتاح فؤاد على كرسيه هامسا

" وربما لن تقع الجبال إلا على صدركِ أنتِ فقط !! "



يتبع ....




التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 28-07-20 الساعة 12:21 AM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 12:07 AM   #954

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي




نزلت سارة من البناية التي أدت فيها خدمة لسيدة مسنة جاءتها المصلحة الحكومية التي تعمل بها ولم تستطع المجئ مجددا ، من الروتين القاتل كادت السيدة أن تموت تعباً وهى تلف على أوراق معاشها من مكان لآخر وكل موظف يرمي الأمر للموظف الذي يليه

سارت في الحي الشعبي الفقير وهى تحمد الله على مستواها رغم إنه متوسط وشقاء ونحت صخر إلا إنه أفضل بكثير من هنا

ويبقى الفرق الهائل بين الطبقات هو مشكلة مصر الكبرى
فوجئت برجل خشن الملامح مكدوم الوجه يسد طريقها ويبتسم بسماجة أثارت غثيانها متسائلا

" أول مرة أراكِ هنا يا حلوة .. ماذا تريدين ؟!.. أنا في الخدمة ! "

تضايقت ملامحها خاصة حين فاحت رائحته القميئة لأنفها جعلتها تريد التقيؤ فخطت جانباً لتتجاوزه إلي سيارة حارسها الشخصي القريبة ، لكنه سد طريقها مجددا وقبل أن تتكلم وجدت حاجزاً ضخماً يقف بينها وبين الرجل سائلا بجمود مخيف

" هل تريد شيئاً من السيدة ؟ "

تنهدت سارة بارتياح تحمد الله بسرها على وجود حارسها محمود والرجل يرفع رأسه يسأله ناظراً لعضلاته المفتولة

" وما دخلك أنت يا أخ ؟! "

أزاح محمود الرجل بذراعه آمرا بجدية

" ابتعد عن طريقها أفضل لك "

ثم استدار إلي سارة يفتح لها الطريق قائلا باحترام

" تفضلي "

تحركت سارة خطوتين فقط شاعرة بالأمان والامتنان لهذا الشاب المهذب دوماً الشهم بلا نهاية ..
فيما يقترب ذلك الرجل من محمود هاتفاً بغضب

" كيف تمد يدك هذه عليّ .. ألا تعرف مَن أنا ؟! "

سأل محمود باستخفاف

" مَن أنت ؟! "

لوح الرجل بذراعيه ليعلو صوته المتحشرج بوسط الشارع

" أنا رئيس جمهورية المكان .. أنت هنا في منطقتي وبإمكاني ألا أدعك تخرج منها على قدميك "

تجمهر الناس حولهم ينظرون إلي سارة الخائفة من حدوث مشكلة بينما بدأ غضب محمود يتصاعد ليدير الرجل من كتفيه ويدفعه ببعض العنف هاتفاً

" أهلا وسهلا .. توكل على الله الآن واذهب لحالك "

استدار الرجل متوازناً بصعوبة واشرست ملامحه ليشير برأسه نحو فتى قوي البنية فزمجر متهجماً على محمود الذي وقف أمام سارة يخفيها بجسده قائلا بصوت خافت متحفز

" اذهبي للسيارة فوراً "

تراجعت سارة بخوف وعيناها تهتز خلف نظارتها لتسرع بخطوات مرتجفة للسيارة القريبة فتركب بمقعدها الخلفي ترى ما يحدث وسط صراخ النساء وذعر الأطفال

تشاهد محمود وقد تضخم أكثر وكل مَن يقترب منه يقع أرضاً بعدما يتلقى ضربات قبضته .. رجال وفتيان تبدو آثار المخدرات على وجوههم السمراء

اشمأزت ملامحها ناظرة إليهم بازدراء .. هؤلاء هم سيئات البلد بأكملها ، لم تتصور أن تدخل منطقة يسيطر عليها هؤلاء ( البلطجية ) ، لكن للأسف ليست هذه المنطقة الوحيدة التي تعاني فساداً بهذا الشكل

شهقت فجأة وهى ترى ذلك الرجل يفتح سكينا أخرجه من جيبه متجهاً لمحمود الذي انتبه إليه فأمسك معصمه يأخذ السكين ليضربه عدة لكمات قوية ترنح بعدها وسقط أرضا

نظر محمود حوله بعينين غاضبتين وقد صمت هتاف الجميع وصراخهم ثم رأته سارة يمسح مقبض السكين جيدا بكنزته السوداء قبل أن يرميها بطول ذراعه بعيدا

تحرك نحو السيارة على الأرض المفروشة بأجساد الرجال ليركبها منطلقا بها بصمت لاهث.

خرجت السيارة من الحي فهدأ ارتجاف سارة لكن دموعها سالت بصعوبة الموقف عليها فخلعت نظارتها الطبية قائلة

" أنا آسفة محمود .. لم أتوقع حدوث ذلك .. ظننت أني افعل خيراً في المرأة المسكينة "

نقل محمود عينيه بين مرآة السيارة والطريق يرى وجهها الأحمر فيقول بتعاطف

" فعلتِ خيراً سيدة سارة .. ألم تستلم أوراق معاشها ؟ "

ردت بأسف وهى تمسح دموعها برقة

" نعم الحمد لله .. لكن ما حدث كان ... "

قاطعها بنبرته الجادة الداعمة

" لا عليكِ .. اعتدت على هذا خلال عملي كحارس شخصي "

حمدت الله في سرها طويلا ثم قالتها بصوتها الباكي

" الحمد لله أنك كنت معي اليوم "

أشفقت على نفسها أن تعرضت لموقف كهذا ، ألا قريب ساندها والغريب هو مَن وقف بظهرها
وجدت دموعها تنهمر بحرقة بلا قدرة على إيقافها رآها محمود بالمرآة فقال بصدق

" لا تقلقي من شيء سيدة سارة .. طالما إنني معكِ تأكدي إنني أفديكِ بروحي "

ابتسمت بحزن لترد بضحكة باهتة

" ليس لهذه الدرجة محمود .. أنت تحب عملك جدا ! "

التف على طريق البحر يرد بمودة

" وبدون عمل صدقيني .. أنتِ تستحقين كل الخير سيدة سارة "

حالما استنشقت هواء البحر هدأت روحها وجفت الدموع .. استندت لظهر مقعدها تنظر للأمواج الهادئة ثم همست

" هل يمكنك التوقف قليلاً ؟ "

عاد محمود ينظر لوجهها في المرآة .. باهت المشاعر حزين القلب لكن .. أبيض مشرق جماله ناعم .. رقيقة .. سارة أنثى كالبسكويتة يسهل كسرها .. وبنفس الوقت قوية داعمة تسند الظهر
فجأة نظر لطريقه بارتباك متمتما

" أمركِ "

نزلت سارة متجهة للسور الحجري للشاطئ لتقف أمامه تشعر برذاذ البحر الخفيف كل حين .. بفستانها الرمادي وحجابها الوردي بدت طالبة جامعية مكسورة .. لكنها كانت امرأة ناضجة وأم مسؤولة .. ومكسورة .. أكثر مما يتخيل أحد
ولن يدري أحد بما حدث يوم طلاقها وقسوته .. بعدما استجمعت نفسها من الصدمة ذهبت لوالديها تخبرهما أن رمزي طلقها لتسمع من العويل والبكاء ما يهد الجبال .. عويل حزن وبكاء حسرة وليس ضيق بها أو تحميلها مسؤولية هى بريئة منها ..
ثم أتتها ورقة طلاقها بعدها بيومين .. رمزي أرسل لها ورقة طلاقها على عملها كأنه يخبرها أن لا داعٍ للحرج من زملائكِ فقد تكفلت بالأمر بطريقتي الأنانية !!

عرف الجميع إنها صارت مطلقة .. وإلي اللحظة تشكر الله أن ألهمها الصبر والقوة أمام جميع الموظفين لتتماسك وتتعامل مع الأمر كأنها كانت بانتظار الورقة وكل شيء متفق عليه .. بمنتهى التحضر والرقي !!

مسحت دمعة نادمة كلما تذكرت ذهابها معه ذلك اليوم وهى تدرك نيته ، لكن نيتها هى كانت بقدر خير قلبها النقي .. تحمد الله أن تأكدت إنها ليست حامل مجددا

راقبها محمود تمسح دموعها وهو يستند على باب السيارة قريبا لحمايتها فاقترب متسائلا

" هل أنتِ بخير ؟.. هل ضايقكِ ما حدث ؟ "

انتبهت له فتهز رأسها نفيا تحاول تجاوز الألم بابتسامة مجيبة

" قليلاً .. لكن أنا بخير "

اقترب أكثر يقف جوارها فشعرت بطود عظيم يظلل عليها من الشمس الحارة ليبرد الهواء أكثر فتتسع ابتسامتها تسأله

" هل تعمل في الحراسات الشخصية منذ زمن ؟ "

استدار محمود مستندا بظهره للسور لرؤية أفضل لمَن يمر خلفها فيحميها من أي أذى وهو يرد

" لا .. أنا خريج كلية تجارة .. عملت كمحاسب لفترة في إحدى الشركات .. لكن كما ترين أحب الرياضة منذ كنت صغيرا .. ثم جاءتني فرصة العمل كحارس شخصي وبعدها ظللت في هذا العمل لإني أحببته "

لأول مرة تتأمله عن قرب .. جسده كتل من العضلات الطبيعية صلبة ومشدودة .. طويلا مفروداً كالطود حقاً .. ووجهه من جاذبيته الخشنة لاحظت نظرات المارة خلفها إليه ..
ملاحظة أنثوية عجيبة لم تكن بمحلها !.. فأعادت عينيها للبحر بقولها

" لكنه صعب جدا يا محمود "

عقد ساعديه فبرزت عضلاته أكثر مؤكدا

" صحيح .. لا أصعب من أن يأتمنك شخص على روحه .. يطمئن هو وأقلق أنا على حياته .. لكنني اعتدت على ذلك دائما "

نظرت سارة جانباً إليه .. تجمد وجهه بلا تعبير وعيناه تشرد بشقاءٍ أكبر منها متابعاً

" أنا .. أنا من أسرة بسيطة .. والدي توفى منذ كنت صغيراً .. مسؤول عن أمي وشقيقاتي الأربع .. الحمد لله تزوجت واحدة وخُطِبَت واحدة وأجهزها الآن للزواج "

ابتسمت سارة ملتفتة له قائلة بإعجاب عفوي

" ما شاء الله .. أعانك الله يا محمود "

للحظة ظلت عيناه بعينيها المنبهرة حين نظر لوجهها الذي أنار بذاك الإعجاب .. كأنها أنثى نقطة ضعفها هى قصص الكفاح .. أنثى لا تقدر إلا رجل يعاني بقدر رجولته
ابتسامة صغيرة منحها لها يتمتم بهدوء

" شكرا سيدة سارة "

تسأل سارة بملامحها المرتاحة وقد نسيت ما حدث اليوم

" هل نذهب لنحضر أحمد من التدريب بدلا من أن يأتي مع أمين ؟ "

اعتدل محمود بوقفته يبسط يده لتتقدمه مجيبا

" بالطبع سيحب هذا .. لقد اخبرني أنه يمل من أحاديث أمين "

ضحكت سارة ترد

" نعم .. يريدك أنت أن ترافقه وأنا يرافقني أمين "

فتح لها باب السيارة الخلفي قائلا

" أمين طيب لكن كثير الكلام "

هزت كتفها ضاحكة موافقة وهو يتجه حيث يتمرن أحمد الصغير في النادي القريب .. دقائق قليلة وكانا هناك يلحقان أحمد قبل ركوب سيارة الحراسة أمام البوابة فركض مباشرة إلي محمود الذي نزل من السيارة يحمله هاتفاً

" محمود .. محمود صاحبي أرجوك لا تتركني مع أمين مجددا .. لقد مللت من كثرة كلامه "

نزلت سارة من السيارة مندهشة من قوة علاقة أحمد بمحمود .. هى تعرف أنه يتكلم معه كثيرا وأحيانا ينزل ليقف معه تحت منزلهم أثناء حراسته لكن لم تدرك أن يكون صاحبه بهذه الدرجة !

يقترب رجل عضلي آخر يحييها مبتسما متسائلا

" أهلا سيدة سارة .. هل جئتِ لتأخذي أحمد ؟ "

ردت سارة تكتم ضحكتها ناظرة لأحمد الذي ينظر إليه كوحش سيفترسه

" نعم .. بإمكانك الذهاب يا أمين .. أنا وأحمد سنعود مع محمود "

اتسعت ابتسامته ليداعب شعر أحمد قائلا قبل أن يتجه لسيارة الحراسة مغادرا

" جيد .. سنكمل حديثنا فيما بعد يا أحمد .. سلام "

لف أحمد ذراعيه حول عنق محمود يخفي وجهه برقبته هاتفاً بملامح على وشك البكاء

" يا رب ارحمني "

ضحك محمود وسارة ليضرب أحمد بخفة على ذراعه يسأله

" أحمد ما رأيك لو ذهبنا لتناول المثلجات قبل أن نعود للبيت ؟ "

رفع أحمد رأسه يهتف بحماس

" نعم هيا بنا "

نظر محمود إلي سارة قائلا بابتسامة

" بعد إذنك بالطبع سيدة سارة "

اومأت سارة بابتسامة رقيقة فأنزل أحمد أرضاً ثم فتح لها باب السيارة وساعد أحمد للجلوس جواره ليتخذ مقعد القيادة متجهاً للحديقة القريبة

مر الوقت سريعاً بين لعب أحمد وركضه وضحكاته ومحمود يلعب معه ويتخذ لهما الصور ثم اشترى المثلجات كما وعده .. ذهب إلي سارة بمخروط الشيكولاتة فتقبلته منه قائلا

" تفضلي "

فتحت سارة حقيبتها تبحث فيها بيد واحدة بالقول

" لحظة واحدة "

أخرجت ثمن المثلجات تمده له بعفوية كلامها

" شكرا محمود "

اختفت ابتسامة محمود وانعقد حاجباه ناظراً للمال لحظات ثم سأل بخفوت

" ما هذا ؟ "

ردت سارة بنفس العفوية

" ثمن الـ... "

لم تكمل الكلمة التي وقفت بحلقها وهو يرفع عينيه السوداء الغاضبة لوجهها بنظرة جعلتها تخفض يدها بالمال وتفهم مباشرة .. قبل أن يستدير مبتعداً متجهماً ينادي

" أحمد "

رأته يكمل لعبه مع أحمد فتذكرت أنها ما رأت رمزي يلعب معه يوماً .. وما شعرت قبلاً إنها في حمى رجل .. رجل حقيقي كاليوم
قبضت يدها على المال وهى تدرك الحركة المهينة التي أصابت بها رجولته .. في مجتمع شرقي.





طُرِقَ باب مكتبها لتأمر بالدخول بصوتها الودود كالعادة ، منذ بدأت العمل هنا وهى كسبت الجميع بصفها ..

صارت السيدة العائدة ' ألماسة زاهد رافع '

‏فتح فؤاد الباب ليجد عينيها بانتظار الطارق .. لكن فارق كبير بين نظرتها الهجومية السابقة ونظرتها المتعجبة اليوم

‏أغلق الباب ليتجه نحوها يملأ المكان بإشعاعاته المهيبة المظلمة .. عيناه تضيق تدقق في ملامحها ككل يوم كأنه يتأكد أن كل تفاصيلها كما يحفظها ثائرة .. ‏شعرها مجموعا وغرتها حتى ذقنها كالقوس العريض يماثل سوادها قميصها الحريري
ويتأكد من جمال محدد لم يدركه إلا بها ، بهياً وعنيفاً .. أنثوياً وقوياً .. نداً له !

توقف أمام المكتب بجاذبية طلته متسائلا

" ماذا تخططين وحدكِ منذ أيام ؟! "

رفعت ألماسة رأسها لتجابه طوله هامسة بعجب

" ماذا ؟! "

تخيلت أن شفتيه انحنت بطيف باسم وهو يقول ساخرا

" منذ بدأتِ العمل لم تأتِ لتسأليني عن أي معلومة كأنني غير موجود ! "

عادت تنظر لأوراقها ترد بلا أدنى انفعال

" لا موجود .. لكنني لا احتاج أي اسئلة "

وضع فؤاد يديه بجيبيه يحرك لسانه داخل فمه مغتاظا ثم استدار يسير بمكتبها يرى اختياره لكل قطعة فيه متجاوزا لا مبالاتها قائلا بتهكم

" أكرم ما شاء الله يسأل في كل صغيرة وكبيرة وأحيانا يختلق المشاكل حتى بدأت أظن إنه سيرثني ! "

ظلت صامتة لحظات ليرمقها بنظرة سوداء ثم ينظر من النافذة لتتكرم بالرد

" وأكرم يخبرني .. ويستغرب أنك تخبره كل شيء ! "

هو مَن صمت هذه المرة ليقول بعدها بخفوت

" ولمَ لا ؟!.. إذا مت المرة القادمة لن يدير المجموعة أحد "

توقفت عما تفعل لتنظر إليه باستغراب وضوء ينير بعقلها لتفهم .. ربما هذا هو السبب الحقيقي لإعادة حقوقهم !

أغلقت الملف الذي كانت تفحصه لتنهض وتضعه في مكتبة جانبية فأدار فؤاد رأسه ليراها وعاد ذلك الطيف الباسم .. تبا لطولها المثير !.. من أين ورثت هذا الطول ؟!

يتابع ساقيها في بنطال رمادي كلاسيكي بداخله من الأمام قميصها الأسود الحرير لينسدل طويلا من الخلف يرف بكل نسمة هواء .. تعرف ما يناسبها تماما !

استدارت ألماسة لتقول فجأة

" أريد أن أرى جدتي بركة "

استغرب فؤاد طلبها يسأل

" لماذا ؟! "

ردت باقتضاب

" جدتي ومن حقي أن أراها بعد هذا العمر "

لم يقتنع بما قالت فهز رأسه متظاهرا بالتصديق ثم سار أمامها بتمهل يتفحص المكتب كأنه مكتبه
عيناها ترنو لخطواته على أرض المكتب فتنتبه لحذائه الأنيق .. أسود بلا ذرة غبار واحدة ، وابتسامة شاردة تمر بحزن على شفتيها تتذكر أحذية ماهر الرياضية البسيطة المغبرة من الطريق والمواصلات مهما قام بتنظيفها

لا تعلم لمَ تتذكر ، عيناها ترتفع لظهر فؤاد كأنها تلمس قماش سترته الثمين .. وخيوط النسيج الغالية تتداخل مع خيوط رخيصة الثمن لملابس ماهر لكنها أنيقة بقدر ما كان راتبه يستطيع .. راتبه الذي كان يحفظه لمصاريف زواجهما

أغمضت عينيها وروحها تسكن للألم عميقا دون أن يظهر عليها شيء .. إلي اليوم لا تصدق أن ماهر قُتِلَ في حادث سطو على شركة كما تسمع بأخبار الحوادث

‏أجفلها فؤاد لتفتح عينيها وهو يقف أمامها قائلا

" سأرى الوقت المناسب واخبركِ "

والعطر الذي ينتشر كرياح موسمية حولها .. ما تتذكر يوما إلا عطر لماهر يدوم لساعات قليلة ثم يختفي بنهاية اليوم
أما هو .. يشي به عطره قبل دخوله ، ويظل خلفه طويلا بعد رحيله

ما تعقد المقارنات أبداً .. لكنها تفاصيل رجولية من رجل تذكرها برجل آخر

الحنين حين يطرق القلوب لا يطرق الأبواب ، بل يطرق مواضع الألم والغربة

رأى بعينيها نظرة غريبة منطفئة ضايقته وجذبته بدقات قلب غريبة عليه .. لحظات ظل واقفا أمامها وهى شاردة عنه .. لا تلاحظ اشتعال عينيه بحرائق البدايات .. ولا إشعاعات الهيبة التي تتناثر جمراً تحيطها في دائرة حمايته هو

ازدرد فؤاد ريقه بحاجبيه المعقودين كجزء من ملامحه العنيفة ليستدير متجها للباب لتسأله فجأة

" فؤاد .. كل أوراق المجموعة سليمة .. هل كلها حقاً حلال ؟ "

بحياته لم يشعر بهذا الفيض المطري داخله .. تلك الأنثى .. وجودها يغسله من الداخل بطريقة غريبة لا يدرك ماهيتها

يده على مقبض الباب تشتد حتى كاد كسره ثم التفت لترى وجهه محتقنا قاسيا يرد بنبرة مكتومة شرسة

" كل قرش في هذه المجموعة حلال يا ألماس .. وأي شيء آخر سأكون مسؤولا عنه وحدي بعيدا عن هنا "

خرج مغلقا الباب وهى لا تفهم كل شيء لكن اطمأنت بحدسها أنه صادق .. و .. رنة جوهرة في أذنها همست لها .. قال ' ألماس ' !!.





يتبع.....





التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 28-07-20 الساعة 12:29 AM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 12:08 AM   #955

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي




أنهى فؤاد اخر ما كان يدرسه من أوراق المناقصة الجديدة التي تستعد مجموعة رافع لدخولها ثم استند بظهره لكرسيه يفكر قليلا ، عيناه الحادتان على باب المكتب بترقب
أمامه .. تسكن قريبا عاصفة .. حالياً هادئة !
وخلفه .. عمر ضائع لا يعرف سوى درجات الأسود .. ودموية الأحمر

بهذا التوقيت فقط أصبح يرى إمكانية الأحمر في صبغ معاطف تضم أجساد الحياة .. وقدرة الأسود على إحياء ليل مكامن الراحة بين خصلات الشعر المنسدلة
رفع سماعة هاتف المكتب الداخلي يطلب ( واحد واحد واحد ) وانتظر الرنين !.. ليأتيه صوتها المتحفز دوماً

" نعم "

ابتسم .. فقط ابتسامة حركت شفتيه بخفة خبيثة دون أن يعلم سبباً ثم سأل

" هل تريدين رؤية بركة ؟ "

ردت ألماسة باهتمام وهى تتخلى عن الحذر معه للحظة

" نعم .. اخبرتك إني أريد رؤيتها "

قال فؤاد بنبرته الآمرة الفطرية

" سانتظركِ في سيارتي في المرآب .. لا تتأخري "

لم يتصنع صوتاً .. يأمر كأن له حق أن يأمر
لم يتصنع جفاءً .. يجافي كأن له حق أن يجافي
ضايقها ذلك الأمر لكن بشكلٍ مختلف ، خاطرٌ اخبرها أنه لا يقصد أن يأمرها لكنها طبيعته وما تعود
لذلك عادت لتحفزها الهجومي متسائلة بامتعاض

" هل سأذهب معك أنت في سيارتك ؟! "

سأل فؤاد مباشرة بلا تفكير وبنبرة وقحة مفهومة

" تخافين مني أم ماذا ؟! "

يجزم إنه رأى وجهها بخياله وهى تهتف بصرامة

" أنا لا أخاف من مخلوق "

وجه مألوف بدرجة هو نفسه لا يفهمها .. كأنها تقف أمام الجانب الآخر من مرآته !.. كأنها وجه عملة هو وجهها الآخر !!.. كأنها موزونة على مقياسه !!!.. وما شعر يوماً بوجود النساء إلا بها
تذكر ما قالت قبلا في يوم يشعله غضباً حتى اللحظة فيكرر ساخراً

" آه نسيت .. أنتِ تعطين الأمان لأي شخص إلا أنا ! "

شعرت بنفس الألم والتحسر بصوته مثلما كان يتحدث عن أخته بالزفاف .. طبيعته أيضاً وما تعود .. لا أحد يعطيه أماناً حتى صار يصدق عن نفسه ما من أمان له
‏لان صوتها قليلا وهى ترد بجدية

" لقد ركبت معك سيارتك بعدها ! "

رد فؤاد بجفاء قبل أن يغلق الهاتف

" اعتبريها لن تكون المرة الأخيرة .. والآن هيا قبل أن تأخذ بركة أدويتها وتنام قبل أن نصل "

نظرت ألماسة للهاتف في يدها بحدة ثم وضعت السماعة قبل أن تنهض بغضب.




بعد دقائق كانت بالمرآب تسير بثبات نحو سيارته التي تعرف مكانها ثم ركبتها وصفقت الباب هاتفة بحدة

" ساعتبر أنها لن تكون المرة الأخيرة لأننا نعمل في مكان واحد وأنا وأنت أولاد عم رغماً عنا وعن الجميع ... لكن إياك أن تغلق الخط في وجهي مجددا .. أنا هنا مثلي مثلك وعليك تقبل هذا "

اشتدت عروقه بتشنج والدم في رأسه يخوض معركة مفاجئة ليقول بنبرته المتصلبة ناظراً أمامه

" وإياكِ أن تقولي إياك مجددا .. أنا افعل ما أريد وقتما أريد "

اعتدلت ألماسة بمقعدها ترفع رأسها لترد بحسم

" اتفقنا ! "

أدار السيارة بعبوس يخرج للطريق وينظر لها كيف امتصت غضبه واستفزته بآن واحد كأنه طلب مقابل طلب !

ما زالت ترتدي الألوان الداكنة بعد كل تلك الأشهر .. ما زالت ترتدي دبلتها وفوقها خاتم بسيط لا يليق ببريقها الملفت ..
ملفتة .. مثل سواد شعرها الذي يلمع كالليل يضم نجومه .. وعينيها العاصفة بتراب ما بعد المطر

فجأة التفتت له فعاد ينظر أمامه لتسأل بغرابة

" من أين تعرف هاني السماك ؟ "

سرعة السيارة ازدادت طائرة على الطريق السريع فتمر السيارات جوارها دون رؤيتها تماما وهو صامت متجهم بملامحه العنيفة بطبعها
لحيته تبدو الشيء الوحيد الآدمي فيه ، لأن وجهه وجسده يبدو كصخر الجبال منحوتاً .. ضخماً كغضبه يُصَب زلزالاً بلا سابق إنذار
ظنته لا يريد الإجابة حتى قال بلا تعبير

" لا اعرفه .. كانت المرة الأولى التي أراه وجهاً لوجه .. أحد العملاء حذرني من التعامل معه وأراني صورته من قبل "

خرج من بين شفتيها نفس طويل لتنظر من نافذتها بصمت ، ولا تعلم سبب الراحة التي انتابتها حين أكد لها أن لا علاقة بينهما
فسر فؤاد صمتها خطئا ليسألها

" هل يضايقكِ ما حدث إلي الآن ؟ "

ظلت تراقب الطريق البارق سريعاً وترد باحتقار وتعالٍ

" بالطبع لا .. لا هو ولا مائة مثله يستطيعون مضايقتي "

كانت قوية حد التصديق إنها أنثى لا يؤثر فيها شيء .. هدأت ملامح فؤاد بطيف الابتسامة العائد بثباتها ليغير الموضوع متسائلا

" لمَ تريدين رؤية بركة ؟ "

بنفس اللحظة كانت تفكر ببركة بالفعل وهى تلح على أفكارها من قبل انتحار رنوة ، تلح بصورتها القديمة التي كانت تخيف الطفلة .. ثم تتبدل الصورة لعجوزٍ ضئيلة مشعة العينين تناديها دون المزيد
ردت ألماسة تخفي تفكيرها بلا مبالاة

" قلت لك جدتي ومن حقي أراها بعد هذا العمر "

لم يصدق حرفاً لكنه اعتاد ألا يجادل في أي شيء يخص بركة لذلك اتسعت ابتسامته قليلا قائلا

" حقكِ "

استاءت ملامحها ببراءته الرجولية العظيمة فتتمتم بامتعاض

" ما شاء الله على ضميرك الذي انتابته موجة إعادة الحقوق فجأة !! "

ضاعت ابتسامته كما ضاعت عيناه في شرود عميق أسدل ظلامه بوضوح النهار.



بعد وقتٍ قصير وصلا إلي المنزل فترجلا من السيارة ليتقدمها فؤاد حتى الباب يفتحه وينتظر دخولها .. لأول مرة كانت ترى المنزل وفخامته خفية رغم مجيئها من قبل ، كل هذا بأموالهم المنهوبة لكن كل هذا سيتغير بعد اليوم

مرت ألماسة أمامه تدخل المنزل ليتشبع أنفها بعطره كالعادة .. كعبا حذائها يطرقان الأرض فوقفت تحية ترى مَن بالبهو لتصطدم نظراتهما القاتلة
أخذت لحظات تستوعب وقوف ابنة غريمتها ببيتها ثم علا صوتها بغضب

" ما الذي أحضر هذه إلي هنا ؟! "

تنظر إلي فؤاد خلفها لتقول بلا تصديق

" جاءت معك !.. هل جننت يا فؤاد ؟! "

صاح فؤاد فجأة بصوت مرعب

" نصرة "

التفتت ألماسة إليه مجفلة لترى وجهه الأحمر غضبا ونفور الدم الواضح برقبته بينما تهرول نحوه امرأة ممتلئة ترتدي السواد فيأمرها بنبرة خافتة مريبة وعيناه على تحية كالجمر

" خذي ألماسة لترى بركة "

تحركت تحية وهى تهتف بجنون

" لا .. ابنة خرابة البيوت هذه لن تدخل بيتي "

ثارت ألماسة لوالدتها فتقدمت خطوة لترد بإباء وصوت حر بوسط المنزل

" أنا لن أرد عليكِ بما يليق بكِ لأنني من بيت محترم "

كادت تحية تنفجر صارخة من الإهانة لولا صوت فؤاد الجهوري المخيف

" نصرة "

انتفضت المرأة مكانها بهدر صوته وبإشارة من عينيه المشتعلة تحركت نحو ألماسة تبسط كفها بالقول العاجل

" تفضلي "

ارتفع رأس ألماسة ظافرة فأشعلت غيظ تحية كياداً مدمراً .. حتى وصلت للدرج فألقت على فؤاد نظرة غريبة قبل أن تصعد خلف نصرة

كان ينظر إلي تحية والشياطين تتراقص برأسه وأمام عينيه يرى امرأة كالغراب إذا حلت بمكانٍ يكون خراباً
تقدم فؤاد منها ثم نظر حيث اختفت ألماسة مع نصرة ليعيد نيران عينيه إليها قائلا بصوت مريع قاسٍ محتد الأنفاس

" أنا أغلق كل دفاتر الماضي بعد واحد وعشرين عاماً .. يكفي ما فعلتِه بالزهراء وافترائكِ عليها أمامنا وإخفاء ما فعله راسل بها .. وما فعلتِه بي أنا .. واحد وعشرون عاماً أبحث عنهم لأنتقم من زاهد فيهم .. لأنتقم من كل ما رأيته مع رفيع .. والآن اعلم منهم أن راسل الظالم كالعادة وكنتِ تخفين عني أنتِ وقاسم ورفيع نفسه قبل موته .. لن اغفر تآمركم عليّ وسترون وجهي الآخر قريباً "

تراجعت تحية خائفة ولولا بقية عقل تمسكه عن أمه مهما فعلت لانقلب وجهه الآخر الآن .. لكنه ألجم شياطينه محذرا

" وأنا حر .. أدخل مَن اشاء لهذا البيت واخرج منه مَن اشاء .. ومَن لا يعجبه فليذهب إلي البلدة يقضي نهاية عمره في أملاكنا هناك "

وضعت تحية كفها على صدرها المختنق متسعة العينين تتنفس بخشونة ، إلي أن تحرك فؤاد بشرر جسده صاعداً إلي غرفته ثم سمعت الباب يُصفَق فاهتزت جدران البيت .. ثم سمعت باب عديلة يُغلَق بصوت مكتوم حيث كانت تراقب ما يحدث خفية !.



خطت ألماسة للغرفة خافتة الأضواء تنظر للأثاث الخشبي العتيق ، رغم عمره الجديد إلا إنه قديم الطراز .. رائحة بخور نفاذة تهدئ النفس وتتسلل إلي منتصف القلب بالسكون

بوسط الغرفة سرير عالٍ ذو أعمدة مشغولة بالنحاس ، وبمنتصفه جسد بركة الضئيل جالسة بجلباب رمادي شديد الاتساع
تقدمت ألماسة وهى تهمس لنصرة خلفها

" لماذا لا تضيئين الغرفة قليلا ؟ "

أجابت نصرة وهى واقفة مكانها عند الباب

" لا تحب النور الشديد "

كانت بركة منحنية للأمام قليلا شعيراتها البيضاء تظهر من تحت وشاح أسود شفاف على رأسها ، بيدها مسبحة ذات حبات زرقاء جميلة
وقفت ألماسة جوار السرير تسأل بصوت هادئ مراعٍ

" كيف حالكِ جدتي بركة ؟.. هل تعرفينني ؟ "

رفعت بركة رأسها قليلا ثم رفعت جفنيها لترى ألماسة عينيها المتوهجة برمادٍ عجيب تبدو للناظر من بعيد بيضاء مخيفة لكنها للقريب مكحلة فطرياً
ثبتت قدماها في الأرض وبركة تحدق بها بنظرة رهيبة ثم قالت بصوتها الضعيف ولهجة الوادي الثقيلة

" بنت وِلدي زاهد .. نـــور "

ابتلعت ألماسة ريقها شاعرة بقلبها يرتج نبضاً مفاجئاً ولسانها يتردد على غير عادتها

" اسمي ... ألماسة "

هزت بركة رأسها ويدها تشير لنصرة أن تخرج ثم أشارت يدها الأخرى للكرسي الخشبي المجاور للسرير فاقتربت ألماسة ببطء حتى جلست عليه وبمنتهى العجب استنشقت رائحة عطر فؤاد لدرجة إنها مالت برأسها لظهر الكرسي تتأكد لتجد العطر بالفعل كأن لا غيره يجلس هنا

يجذب صوت بركة انتباهها بنبرتها المؤثرة

" عرفتكِ .. جئتِ على قدرٍ .. ميعادكِ محسوباً "

سألت ألماسة برهبة

" أي ميعاد ؟! "

ردت بركة وعيناها بعينيها تمنعها أن تحيد بعيدا

" ميعادكِ .. ميعادكِ ولا أحد سواكِ "

كانت تتكلم كأنها تعلم تماماً ما تتحدث عنه ، لكن كلامها بدا كالطلاسم بلهجة نستها ألماسة منذ كانت صغيرة ..
وما اعتادت أن تشعر بهذا التشتت أمام أي مخلوق لكن لدهشتها لم يضايقها توترها أمام بركة لتقول ببسمة خافتة

" حلمت بكِ كثيرا الفترة الماضية "

اقتربت منها بوجهها قليلا تسر لها بالقول

" نعم .. كنت أناديكِ .. رأيتكِ "

تراقب تجاعيد وجهها خطوط عميقة تكاد تخفي ملامحها الطيبة متسائلة بدهشة

" رأيتِني أنا ؟! "

نظرت بركة أمامها تستعيد تفاصيل ما أنعم الله به عليها من إشارات لتقول وهى تحرك أصابعها بين الخيوط الضوئية في ذهنها

" رأيتكِ توقفين الدم وتغزلين النور "

مرت ارتجافة باردة بجسدها مألوفة منذ صغرها لبركة وحدها فتعتدل على الكرسي ترد بتوجس

" لا افهم "

توقفت بركة عن الحركة والكلام لحظات فنظرت ألماسة حولها بحذر لتقع عيناها على كومة الأدوية جوار السرير فتضاعف نبض قلبها يوترها أكثر ، ألقت نظرة عابرة على الباب لتجد هاتفاً من حماية داخلها يردد .. فؤاد هنا !!

اتسعت عيناها عاصفةً تقبض على زمام نفسها ألا تتأثر بحماية مؤقتة منحها لها ، ما كانت يوماً تابعاً لكن متبوعاً ولن تركن اليوم على قريب أو بعيد

قطعت بركة أفكارها مشيرة جوارها بالقول

" احضري العلبة النحاسية من داخل هذا الدرج "

نظرت إليها بقلق من هذا التحول العجيب لتحضر العلبة المقصودة تضعها على السرير هامسة

" تفضلي "

فتحت العلبة وظلت تبحث داخلها كالطفلة ويداها تلتف حول القلائد والأقراط والخلاخيل التي تلمع ذهبا أصفر خالصاً وعيناها تتوهج معها بكل ذكرى لهذه القطع إلي أن أخرجت قلادة فردتها على كفها العظمية قائلة بحزن

" هذه .. قلادة من الذهب والأحجار الكريمة .. جلبها زاهد لي وقت ولادتكِ .. هدية .. قلت له ستكون نصيبكِ حين تكبرين "

مالت للأمام تدقق بالقلادة الذهبية وأحجارها الزرقاء الداكنة على يد بركة بدت كأنها أعادت جمال كفها المجعدة لتمد يدها تلمسها وهى تقول بإعجاب حقيقي

" إنها جميلة "

ملمسها مصقولا بشكل مذهل متين كأن مَن صنعها وضع ضميره بصياغتها وروحه بجمالها .. بدت بركة شديدة التركيز فجأة وهى تشير لفجوة بالقلادة وتتحدث

" لكنها ناقصة حجر .. حجر واحد جعله الرافعين رمزهم منذ نشأتهم .. وقع منها ووعدني فؤاد أن يجلب لي غيره .. خذيها وذكريه يا ابنتي أن يحضر لكِ الحجر "

أخذت ألماسة القلادة وهى تتخيل والدها بشبابه يوزع الهدايا الثمينة فرحة بها ، تتذكره .. طولا وعرضا مثل الفارس المهيب جميل المحيا .. أكرم يشبهه و .. فؤاد أيضاً يشبهه !!

عادت تعبس بضيق عدم التحكم بأفكارها فتناولها بركة خاتماً قائلة بلهجة قوية كالأمر

" وهذا الخاتم أعطيه لأخيكِ .. كبيركم "

أخذت الخاتم الفضي ذو الحجر الأزرق الداكن المنقوش برسم خاص .. اسم رافع محاطاً بالسيف .. رسم الرافعين

أطبقت قبضتها على الخاتم المماثل لخاتم فؤاد كجزء من حقهم بالعائلة لتسأل بغضب الماضي

" هذا كان لأبي أيضاً ؟ "

هزت بركة رأسها إيجاباً لتمد يدها تنتظر يد ألماسة وحين لمستها تمسكت بها بقوة وهى تلقنها جذور عائلتها

" رافع رحمه الله أحضر لكل ولد من أولاده خاتماً مثله .. زاهد .. وراسل .. وقاسم .. ورفيع .. وصالح .. إرث لأولادهم ليكونوا الكبار .. حماة الرافعين يا ابنتي "

أخفضت ألماسة عينيها ليد بركة التي تشتد على يدها كامرأة قوية وشعرت إنها دخلت عالماً آخر .. ساحرا غامضا .. وجاذباً برهبة
طاقة مشعة من عيني بركة تملأ المكان وتخترقها حتى ملامسة عظامها فيعتصر عقلها المكان والوقت تحاول التذكر وتسأل باهتمام

" عمي صالح هو أكبرهم أليس كذلك ؟ "

شمخت بركة برأسها لترد بقوة روح قاطعة

" صالح ولدي كبير الكل .. كلمته سيف على الرقاب .. وبعده الأولاد .. كل ولد من صلب أبيه هو كبير عائلته .. فؤاد .. وأكرم .. وخالد وِلد قاسم .. وجسور وِلد صالح "

تسحب ألماسة يدها فما تدعها بركة وهى تضيف بتباعد

" وما رزق الله رفيع بالذكور .. لديه ابنة واحدة اسمها نجوان .. جميلة جمالاً ... سبحاااان الخالق فيما صور "

النبض بقلبها يتسارع شاعرة بالدماء تنتفض بعروقها نداءً لذاك السمو الذي حُرِمَت منه وتتسارع معه أنفاسها هامسة

" نجوان .. نعم أتذكر "

تركت بركة يدها لتتحرك إلي منتصف السرير الكبير وهى تقول بنبرة بدت كالوصية

" لا تتركيها يا ابنتي .. اسعي لحقها وستجلبينه بإذن الله "

دوامات تاهت فيها أفكارها فتمسح جبهتها تقول بحيرة

" لا افهم جدتي .. لا افهم شيئا .. أين رأيتِني .. وأي نور .. وأي حق ساجلبه لنجوان ؟!.. أنا جئت لأتأكد أنكِ لم تغضبي مني بعدما فُتِحَ الماضي بتلك الطريقة "

فجأة لوحت بركة بذراعها وهى تنام على جانبها متذمرة بنزق

" لا تتحدثي في الماضي يا فتاة .. اذهبي أريد أن أنام .. هل ستتكلمين طوال الليل ؟! "

ليل !.. ضوء النهار يتسلل من بين شقي الستار السميك !!

وقفت ألماسة باستغراب تنظر إلي جفنيها المغلقين لحظات وقد انتظمت أنفاسها بالفعل ونامت بعمق ، فتحركت بهدوء للخارج حتى أمسكت مقبض الباب ثم انتفضت فجأة على صوت بركة الآمر بحزم

" لا تنسي أن تأخذي الحجر من فؤاد "

التفتت ألماسة إليها لتجدها نامت مجددا فزفرت بقوة ثم اعتدلت لتخرج مرفوعة الرأس .. ما أجفلها فؤاد بكل عنفه لتفعلها بركة بغرابتها !

نزلت الدرج إلي البهو ولحسن حظها لم تجد إلا فتاة سمراء تبدو إفريقية تنظف المكان وحين رأتها ابتسمت لها بتهذيب .. اومأت برأسها مسرعة إلي الخارج ولا طاقة لديها لترى أحداً اليوم.







يتبع .....



التعديل الأخير تم بواسطة نورهان عبدالحميد ; 28-07-20 الساعة 12:36 AM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 12:12 AM   #956

نورهان عبدالحميد

نجم روايتي وكاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص من وحي الاعضاءوألتراس المنتدى الأدبي وبطلة اتقابلنافين؟وشاعرةوقلم ألماسي برسائل آدم ومُحيي عبق روايتي الأصيل وقاصة هالوين

 
الصورة الرمزية نورهان عبدالحميد

? العضوٌ??? » 300969
?  التسِجيلٌ » Jul 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,663
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond reputeنورهان عبدالحميد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
ليعي البشر السر العظيم... فان أرادوا حياة ...فليفسحوا في قلوبهم مجرى ...لنهر من الحب .
افتراضي




أنهى عماد طعامه شاردا ووصال ترمقه باهتمام ثم نهضت لترفع الأطباق عن المائدة فانتبه إليها قائلا

" سلمت يداكِ وصال "

ترد وصال ثم توجه كلامها ليحيى

" بالهناء والشفاء .. هيا يحيى لتغسل يديك "

نزل يحيى عن كرسيه يتجه للحمام ثم خرج واتجه للمطبخ حيث كانت وصال تنهي ما فيه فشد سترتها متسائلا

" أمي هل يمكننا الخروج قليلا ؟ "

نظرت جوارها بالأسفل لتسأله

" إلي أين ؟! "

قال يحيى محتارا مسكينا

" أي مكان .. منذ أخذت الإجازة ونحن لم نخرج "

تضحك على تعابيره الطفولية اللعوب ثم تقول

" اخبر عماد وإذا وافق خرجنا "

خرج يحيى راكضا ليصطدم بعماد وهو يخرج من الحمام فيقول بنفس المسكنة

" أبي .. نحن لم نخرج معا منذ بدأت الإجازة "

حمله عماد متجها إلي البهو ليجلسه على رجليه على الأريكة سائلا بابتسامة

" ألم نخرج بعدما ظهرت نتيجة الامتحانات ونجحت ولعبنا طوال اليوم على الدراجة كما وعدتك ؟! "

تذمرت ملامح الصبي ببياضها المنير كأمه قائلا

" هل سنقضي كل الإجازة بذلك اليوم فقط ؟! "

ضحك عماد مداعبا شعره الأسود الناعم يفهم حركاته ليرد

" يا ولد !.. أنت تخرج كل يومين لتدريب الچودو فلا تدعي الاختناق ! "

أطرق يحيى ببراءة تأسر القلب يجيد رسمها ليقول بحزن مصطنع

" حسناً .. سأظل مختنقاً ولن اقول "

جاءت وصال بصينية الشاي ثم وقفت تراقب ولدها وتضع كفاً على أخرى تجاريه بالقول

" يا عيني يا ابني مسكين .. سجين لدينا هنا ! "

يضحك عماد من قلبه ثم يتنهد قائلا بقلة حيلة واقتناع مزيف

" لا يا سيدي .. لا تختنق !.. غدا نخرج نتناول العشاء معاً .. والجمعة القادمة نخرج منذ الصباح ونقضي اليوم بالخارج "

رفع يحيى وجهه صائحاً يحضن رقبة عماد هاتفا بسعادة

" أبي حبيبي أدامك الله لي "

يعانقه عماد ثم تدغدغه يداه حتى مال به على الأريكة وصوت ضحكات يحيى يتعالى بفرحة ثم يجلسه عماد مربتا على صدره برفق حتى يهدأ ولا يجهد قلبه بالضحك

تراهما وصال بعينين دامعتين لكنها تمسح تلك الدموع بقسوة قبل أن تنزل
اليوم ذكرى سوداء تقاومها كل عام بشراسة وعزيمة .. اليوم منذ سنوات حملت بيحيى من جريمة يهتز لبشاعتها الكون وما فيه .. الألم حي رغم الوقت والعلاج وعودة الحق بإعدام المجرم
لكن سيظل بداخلها جرح ستموت به .. كسر ووجع ونقص سيلازمونها طوال العمر

جلست على الكرسي المقابل تبتسم كلما ضحك يحيى ضحكته الجميلة وعماد يحاوره في كل شيء وأي شيء
تتذكر يوم ولادته الصعب بعد أن كادت تفقده في غرفة العمليات وللأسف وقتها هذا ما كانت تتمناه



بعدما استيقظت من أثر المخدر متعبة وجسدها يتمزق في ألم رهيب وهى ابنة الثمانية عشر عاماً حتى إنها ظلت فترة تأخذ مسكنات للألم
دخل عماد غرفة المشفى يحمل يحيى .. أول مَن حمله .. قبلها وقبل أبيها طاهر .. لفة بيضاء صغيرة مندسة في حضنه أجفلتها فأدارت وجهها للناحية الأخرى ترفض النظر إليه
ناداها عماد برفق حازم وهو يجلس على حافة سريرها

" وصال .. حمدا لله على سلامتكِ وسلامته "

أخفضت عينيها تقاوم اشتداد الألم بتصلب جسدها .. صارت تتقبل وجود عماد كفرد من أسرتهما الصغيرة هى ووالدها .. لم يتركهما طوال أشهر الحمل ومع علاجها النفسي صارت أفضل
يسألها عماد ملاحظاً انكماشها وعدم سؤالها عن ولدها منذ وعت

" هل اخترتِ له اسماً ؟ "

تكلمت مع طبيبتها عن هذه اللحظة فاخبرتها إنها ما إن تحمله ستشعر إنه قطعة منها يستحق الرعاية لأنه مظلوم مثلها .. لكنها ليست جاهزة بعد
ارتجفت أنفاسها بقلب يخفق مُزيداً آلامها النفسية والجسدية لترد بصعوبة

" اختر أنت "

نظر عماد للطفل على ذراعه يفكر .. قطعة وردية حمراء خطفت قلبه

ولأنه لا يريد تبني محرم
ولأن شرعاً ابن الزنا لا يُنسَب إلي والده الزاني بل إلي أمه .. فالمرأة إذا كانت حاملة من الزنا فإن حملها مشوباً بنطفة لا تُنسَب للزاني ولا لغيره بل يُنسَب لأمه .. وإن كانت متزوجة فقول النبي صل الله عليه وسلم ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) .. وإلا اختلت الموازيين بالاعتراف بالزنا كوسيلة للتكاثر
وإن كانت المرأة ليست لفراش أحدهم وتعذرت نسبة ولد الزنا إلي أمه .. فإنه يُنسَب إلي اسم غير حقيقي مُعبَد لله تعالى كابن عبد الله أو عبد الرحمن

حسم عماد أمره ناظرا للطفل النائم على ذراعه فقال مبتسما

" يحيى .. يحيى عبد الله زين الدين .. سامنحه لقب عائلتي "

نظرت وصال إليهما أخيرا ما إن سمعته وسالت دموعها بعجز .. تحمد الله على رحمة دينها الذي منع نسبة هذا الطفل بهذه الحالة إلي الجاني وإلا كانت عاشت طوال عمرها بعذاب اسمه الذي عرفته من القضية حين كشفته كاميرات مراقبة مكان الحادث وقبضوا عليه
هزت رأسها موافقة لتهمس برضا متألم

" كيف ستكون له شهادة ميلاد دون وثيقة زواج ؟ "

رد عماد وابتسامته تتسع وهو يرى يحيى يكور فمه الأحمر بجمال بديع

" لا تقلقي .. كل شيء له حل "

رفع عينيه إليها ليقربه منها فتراجعت لظهر السرير الحديدي هاتفة بنفور

" لا ... لا أريد رؤيته "

ظل عماد مقتربا منها بالطفل ليشجعها أن تتخطى خوفها ورفضها قائلا

" تعمدت أن احضره أنا بنفسي لكِ .. أريدكِ أن تحمليه وصال .. طفل يحمل دماءكِ لا ذنب له "

أغمضت وصال عينيها بتشنج حتى تجعد جفنيها لا تتمالك مشاعرها لتنهار دموعها أكثر من خلف جفنيها المنطبقين .. وجهها أحمر وأنفاسها تتسارع وهى ترتجف بوضوح
تخاف أن تلمسه فترى ما حدث لها فيه .. لكنها أخذت تهدئ نفسها كما علمتها طبيبتها وتذكر نفسها إنه مظلوم .. مظلوم ..
حتى فتحت عينيها ببطء وعضت على شفتيها بقوة توقف اصطكاك أسنانها ثم مدت يديها تطلبه
وضعه عماد برفق بين ذراعيها قائلا بحنان

" يحيى .. سيحيا معنا وترين الأمل بوجهه كلما نظرتِ إليه .. سترين أن الحياة تستمر وعلينا أن نعيش حتى لو كنا نعاني "

شعرت وصال بالثقل الخفيف والدفء الذي سرى لكامل جسدها فاستكانت تنظر له بلا استيعاب .. تمس يده المغلقة الطرية فتجف دموعها وحدها وهى تستعيد حبها للأطفال لكن أن يكون هذا الطفل ملكها كان أمراً مذهلا
فغرت شفتيها تتنفس من بينهما متسعة العينين ثم نظرت إلي عماد تبهره بوهج عينيها الأخضر الزمردي تهمس

" رؤيتي له ستذكرني أن القدر منحني فرصة الحياة بعد أن أردت الموت .. هذه الفرصة هى .. أنت يا عماد "

ابتسم متأملاً وجهها الحليبي طفلة تحمل طفلا لكنها تجذب شبابه وتستدعي حماية رجولته لها دون رغبة حسية فقط
عيناه تنظر لها بهدوء مطمئن حتى لا تنفر .. ما زالت تنفر من كل الرجال إلا هو ، يوم بعد يوم يؤكد لها أنه لن يبادر ولا يريد إلا حمايتها من الهرب
عازما على ما يريد يسألها بنبرة مستريحة رقيقة

" قالت طبيبتكِ النفسية أنكِ أفضل .. ما رأيكِ لو تزوجنا بعد شهرين ؟.. تكونين أفضل وتنهين علاجكِ تماماً "


مرت شهور العلاج مثمرة بنسبة كبيرة وكان الانتظار شرعاً .. فالحامل لا يجوز العقد عليها لقول الله تعالى بسورة الطلاق ( وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ )
فإذا كانت المرأة حاملاً من المطلِق أو الميت أو الزنا أو سبب آخر فليس لها أن تتزوج حتى تضع الحمل وتطهر بعد فترة النفاس

أخفضت وصال بصرها ورأى وجهها يتورد لكن ليس حياءا بل انفعالا وبعض الرفض ما زال داخلها كلما اقترب الأمر فتسأل همساً

" متأكد ؟ "

الغريب إنها تنسى أحيانا أنه متزوج من ابنة خالته حتى صارت موقنة بوجود خطب ما بتلك الزيجة .. سمعته مرة يقول لوالدها أنه تزوجها لظروف عائلية ولأنه ابن القبيلة فلن يكون زواجه الثاني مشكلة بل سيكون مرحباً به رغبة في العزوة والعائلة الكبيرة

الأغرب أنها تتقبل زواجه حتى لو رافضة أن تكون زوجة ثانية .. ما من خيارٍ لها .. في كل الأحوال انتهى مستقبلها وعلى يديها طفل لن تسلم من كلام الناس .. ولن يستطيع والدها التكفل بنفقاتهما إلا بصعوبة شديدة
عماد نجدتها الوحيدة حالياً خاصة وهو وافق على ألا يمسها إلا بإرادتها وإن طال الوقت
تخللت كلماته المصرة شباك عقلها الحزين

" جداً .. أريد أن ألحق يحيى وهو صغير هكذا "

ترددت وصال قليلا ثم اومأت برأسها ناظرة لصغيرها يحيى حين تحركت أطرافه يحاول أن يفردها .. عيناه لا تنفتح وفمه شبيه بقطرة وردية

حاول التحرك مجددا فضمته لصدرها أكثر خوفا عليه مما جعلها تنذهل حين خفق قلبها بإحساس عجيب ممتع ودافئ فتحادث نفسها همساً

" ما هذا الإحساس ؟! "

وقف عماد ليترك لها المجال مع طفلها بعد أن اطمئن أنها تقبلته قائلا بصوت عميق تداخل مع غيوم روحها يلاشيها

" الأمومة يا وصال .. ستنسيكِ أي قسوة بداخلكِ "


" أمي .. جدي طاهر يريد أن يكلمكِ "

عادت وصال من شرودها على صوت يحيى وهو يمد لها هاتفها .. وجدت نفسها تحيط وجنته لتقبله على خده الآخر ثم تضمه لصدرها بحب

ما زالت تتذكر ذاك الإحساس المنعش لكل خلاياها لحظة حملته أول مرة .. كأن الله وضع في قلبها محبته ليس بإحساس الأمومة العادي بل أعمق بكثير ليكون يحيى حياة كاملة لها

ابتسمت له ثم أخذت الهاتف لتنهض مبتعدة ترد

" نعم أبي .. الحمد لله بخير .. كيف حالك أنت ؟.. بخير والله نعم .. نعم ..... "

ظلت تستمع إليه وهو يكلمها بحذر خوفا من تأثير هذا اليوم عليها .. عماد أيضا يراعيها بلا حدود اليوم .. وما أجمل أن تكون تحت وصية رجلين بحق.

أنهت وصال المكالمة وعادت لتجد عماد ويحيى جالسين أرضا يلعبان ( الدومينو ) فجلست تراقبهما وتشرب كوب الشاي بارتياح

بينما كان عماد شاردا في ذكرى مختلفة .. هذا يوم التقاها لتعصف بنبضات قلبه بأمواج عينيها

كان يسرع لينهي عمله ويذهب إلي وصال حتى لا تكون اليوم بمفردها .. لكن مديره ' كامل العامري ' طلب منه أن ينتظر توقيع وثائق تأمين الموظفين الجدد ، ليقابل موظفة شركة التأمين

قدر .. هى قدر لا صدفة

تعالت خفقاته لتلامس كفه الأرض فيشعرها ترتجف مع قلبه .. يشتاق لنظرتها الصافية وحركة أهدابها .. والشوق قتال يا ابن القبائل

أمسك هاتفه يكتب لحظات بلا تردد ثم أرسل الرسالة بنظرة عذاب.





وصلت صدفة إلي الجهة الأخرى من محل الجزارة .. توقفت على رصيف الشارع الضيق تتمسك بجذع شجرة ويدها الأخرى ترتجف على فمها تقاوم البكاء قهراً

منذ قُبِضَ على والدها وهى تائهة لا تعرف كيف تتصرف حتى استشارتها للمحامي الذي ذهبت إليه لم تأتِ بفائدة .. المحامي قال لها حرفياً وجدوا المخدرات ببيته إذاً التهمة ثابتة ثابتة
والحل الأخير لديها هنا

عيناها الزرقاء الموجية ملبدة بالغيوم الرمادية وستمطر منتظرة إشارة هطول .. الحزن على وجهها لوحة
عبرت الشارع بخطى مرتجفة بطيئة لتتوقف عند باب المحل فصاح صوت عفيفي بلا تصديق

" ما هذا ؟!.. أهلا يا برنسيسة تفضلي ... أنرتِ المحل "

شعرت صدفة بمعدتها تنقلب ودفع الغثيان يؤلم صدرها فتصنعت بعض القوة لتسأل مباشرة

" ما الذي تريده من أبي لتفعل فيه كل ذلك ؟ "

وقف صبي المعلم عفيفي خلفه يهز رأسه بتعاطف بينما ينظر عفيفي حوله ثم يرد

" أنا لم افعل فيه أي شيء !.. ما هذا البلاء الذي يُلقى علينا ونحن في أمان الله ؟! "

اندفع الدم بوجهها غضبا لتهتف

" رأيت أحد رجالك في النيابة وهو مَن قدم البلاغ .. ما الذي تريده ؟ "

ضرب عفيفي كفاً بكف قائلا بصوتٍ عال

" لا حول ولا قوة إلا بالله .. الدنيا ليس فيها أمان ! "

ازدادت شراسة عينيها باستفزازه وهى تنظر له بنظرات كرهٍ قاتلة ثم سألت باحتقار

" هل تفعل كل هذا لأنه رفض طلبك للزواج ؟ "

غلظ صوته المتحشرج أكثر ليقلد قول والدها

" يقول لي اتق الله إنها بعمر بناتك "

كسا الازدراء ملامح صدفة وهو يلوح بطول ذراعه صائحا بغلظة

" والله أنكِ أكبر من كل بناتي ! "

برقت عينا صدفة وجسدها يرتجف من شدة النفور لتكرر بجنون من بين أسنانها

" كيف تفعل فيه ذلك لمجرد رفضه طلب زواج ؟!.. تدخله السجن بجريمة مخدرات !.. أنت ... أنت ... "

لم تسعفها الكلمات وهى تشعر بدمائها تنتفض ورغبة قتل وحشية يصورها لها عقلها وهى ترى السكاكين حولها وآثار دماء اللحوم تتلف أعصابها أكثر

ربت عفيفي على بطنه الكبيرة مبتسما بنهم متطلعا إليها وهى تلمع بنظافة لم يعتدها فيمَن يعرف من نساء .. ثم اعترف ساخرا

" أنا كنت ساستخدم إيصالات الأمانة التي وقعها لي لكن اكتشفت أن الموضوع سيأخذ وقتاً .. لذلك كانت المخدرات أسرع .. سامحيني يا عروس ! "

‏هزت رأسها بتقزز من انعدام الرجولة والنخوة ثم قالت بصوت منخفض نافر

" والحل ؟.. طالما أنك فعلتها إذاً لديك حلها "

رد عفيفي ببساطة مسرعاً

" بسيط !.. توافقين على الزواج لأضع أصابعي في عينيّ أبيكِ .. وبنفس اليوم يشهد ذلك الرجل الذي قدم البلاغ إنه بلاغ كيدي وهو مَن وضع المخدرات في شقتكم .. اقصد غرفتكم التي هى بالأساس ملكي ! "

شعرت بصفعة أعمت رؤيتها ليشحب وجهها وتبهت نظرتها وتنهار أي قوة زائفة هامسة

" زواج !! "

وهى التي ظنت إنه انتقام من أبيها سينتهي بأن يجردهم من كل شيء
عادت الدنيا تتوه منها باختناق مقيت للحظات طويلة ثم سألت بضياع

" وما الذي يضمن لي ؟ "

يرد عفيفي كأنه حضر كل كلامه مسبقا

" ساعطيكِ إيصالات الأمانة التي وقعها والدكِ لي كمهركِ في يدكِ قبل أن نعقد القران .. بإمكانكِ تمزيقها قبل أن ينطق المأذون بحرف .. سيكون هذا دليلا على حسن نيتي .. بالنهاية أنا لن استفيد من سجن أبيكِ شيئا ! "

ثبتت صدفة مكانها كأنما جمدها الجليد ناظرة للفراغ .. كل نفس يخرج من بين شفتيها يخرج ميتا .. والقهر والألم داخلها يحفر ندبات عميقة
حين طال صمتها ضحك عفيفي وهو يرمقها بتسلية شريرة ثم يسأل

" ماذا قلتِ يا عروس ؟!.. فكري كما تريدين .. أبوكِ ينتظر قراركِ مثلي ! "

دار الكون من حولها حتى أوشكت على الانهيار ولا تعرف كيف خرجت الحروف المقتولة على لسانها

" مـ .... مـوافقة "

اتسعت عينا عفيفي بشراهة سوداوية عنيفة وأسنانه الصفراء تظهر بابتسامته ليضرب الصبي خلفه بمرفقه في جانبه ويعلو صوته بشيطانية

" موافقة !.. قالت موافقة يا ولد ... وصلنا !! "

استدارت صدفة لتغادر فهتف عفيفي بصوت سمج مزعج

" يا عروس .. إلي أين ؟!.. لم نتفق على كل شيء "

خرجت تشعر بدوارها يزداد والأرض تنتفض تحت قدميها وهى تنتفض معها لا تشعر بشيء من سرعة الاهتزازات التي ترجها

سارت جوار الجدار الحجري منهارة تسيل دموعها لتسمع صوت رسالة فأخذت وقتا حتى استوعبت أنها له وأخرجت الهاتف لتراها فتوقفت فجأة تقرأ رسالة عماد


( الأرض تحت كفي ترتجف كأنها
اشتاقت لسحر الموجِ بين أهدابها
ما جئت اليوم عذاباً أو بركاناً فاضت أبخرتي
جئت اليوم بسلامٍ عابر وتحيةٍ من الذاكرةِ
إن كنتِ تذكرين حطامي فهذا يوم جمعنا مهما هربتِ
إن كنتِ تحيين رفاتي فترفقي بالأطلالِ إذا شئتِ
فالأرض تحت كفي تذرف دموعها كأنها
تسأل الفراقَ لمَ اختارها وما ذنبها ؟ )


استندت صدفة للجدار يدها تتشنج على أحجاره شاهقة طلباً للهواء .. للنجاة .. كأنما غُرِسَ بمنتصف صدرها نصل سام وهى مكبلة بأصفاد كل حرف من حروف الموافقة التي نطقتها.



انتهى





التعديل الأخير تم بواسطة rontii ; 28-07-20 الساعة 10:16 AM
نورهان عبدالحميد غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 12:43 AM   #957

ام زياد محمود
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية ام زياد محمود

? العضوٌ??? » 371798
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 5,462
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » ام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond reputeام زياد محمود has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
¬» قناتك nicklodeon
?? ??? ~
اللهم ان كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو إثم اقترفناه أو وزر جنيناه او ظلم ظلمناه أو فرض تركناه او نفل ضيعناه او عصيان فعلناه او نهي أتيناه أو بصر أطلقناه، فإنا تائبون إليك فتب علينا يارب ولا تطل علينا مداه
افتراضي

تسجيل حضور وكل سنه وانتى طيبة ياقمر


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 151 ( الأعضاء 57 والزوار 94)

ام زياد محمود, ‏ليليا سهام, ‏Nana96, ‏دينا نبيل, ‏ارج هاجر, ‏ماري ماري, ‏مروه شرف, ‏mango20103, ‏الجوزاء●°, ‏abirAbirou, ‏سلمى ياسمين, ‏Samah Abu ghazala, ‏Yasmin yousef, ‏Moon roro, ‏هدى دوش, ‏silviia, ‏ام معتوق, ‏Noor Alzahraa, ‏bobosty2005, ‏almoucha, ‏mayna123, ‏rasha emade, ‏rokaya, ‏وسام عبد السميع, ‏شوشو العالم, ‏Lazy4x, ‏Just give me a reason, ‏temoony, ‏hadeer22, ‏Ektimal yasine, ‏اويكو, ‏بيبوبن, ‏نور المعز, ‏ريامي, ‏Solo~, ‏أميرةالدموع, ‏dorra24, ‏Amanykassab, ‏leria255, ‏Meem*, ‏رسوو1435, ‏ايمان حمادة, ‏Suzi arar, ‏همس البدر, ‏هامة المجد, ‏حارس الليل, ‏alyanore, ‏هِمِـسًـهِ, ‏hafodha, ‏الزمردة البيضاء, ‏Hala yehia, ‏MerasNihal, ‏جنون امراه, ‏Areej abdo, ‏محمد 20

amira fetyan likes this.

ام زياد محمود غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 01:31 AM   #958

Mummum

? العضوٌ??? » 441364
?  التسِجيلٌ » Feb 2019
? مشَارَ?اتْي » 462
?  نُقآطِيْ » Mummum is on a distinguished road
افتراضي Mummum123456789123456789

تسلم ايدك ساندي فصل روعة كالعادة حبيبتي مبدعة

Mummum غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 01:46 AM   #959

Zozaaaaa

? العضوٌ??? » 427865
?  التسِجيلٌ » Jul 2018
? مشَارَ?اتْي » 80
?  نُقآطِيْ » Zozaaaaa is on a distinguished road
افتراضي

تسلم ايديكى كل ما تكتبيه رائع 💖💖💖💖💖💖💖💖💖

Zozaaaaa غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-07-20, 02:00 AM   #960

dodo dodp

? العضوٌ??? » 317128
?  التسِجيلٌ » Apr 2014
? مشَارَ?اتْي » 1,778
?  نُقآطِيْ » dodo dodp is on a distinguished road
افتراضي

ليست كل مرة ستكون ذراعي ممدودة حين تشتد الريح وتهز الجبال !! "
بجد من اجمل الجمل ليها وقع قوى
تسلم الانامل


dodo dodp غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:04 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.