آخر 10 مشاركات
وَ بِكَ أَتَهَجَأْ .. أَبْجَدِيَتيِ * مميزة * (الكاتـب : حلمْ يُعآنقْ السمَآء - )           »          أمير ليلى -ج1 من سلسلة حكايا القلوب- للمبدعة: سُلافه الشرقاوي *كاملة & بالروابط* (الكاتـب : سلافه الشرقاوي - )           »          307 - اذا كنت تجرؤ ! - كارول مورتيمر (الكاتـب : سيرينا - )           »          طوق نجاة (4) .. سلسلة حكايا القلوب (الكاتـب : سلافه الشرقاوي - )           »          الهاجس الخفى (4) للكاتبة: Charlotte Lamb *كاملة+روابط* (الكاتـب : monaaa - )           »          94 - رجل في عينيها - بيني جوردان (الكاتـب : * سوار العسل * - )           »          عادات خادعة - قلوب أحلام زائرة - للكاتبة: Nor BLack(مكتملة&الروابط) (الكاتـب : Nor BLack - )           »          قيود العشق * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : pretty dede - )           »          7- جنة الحب - مارى فيراريللا .. روايات غادة (الكاتـب : سنو وايت - )           »          أطياف الغرام *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : rainy dream - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree3Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-05-20, 11:18 PM   #181

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الثامن والعشرون في الطريق

أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-05-20, 11:24 PM   #182

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثامن والعشرون
( ليست أرقام)
.................................................. ..
أرقامٌ تحمل ذكراي
قد كانت في يومٍ أغلى
قلبتها الدنيا للأسوء
فتمزق قلبي وتبعثر
زفرات تأخذ روحي
لترتل لحظات الوجع
أتقلب معها على مهلٍ
يحرقنى الشوق بآهاته
فيضاعف آلام الذكرى
دمعات العين لا تنضب
و أنين القلب لا يصمت
أشتاق حقاً .. لن أنكر
لكني ؛ أخشى من العودة
وأخاف حنيني يضعفني
لأعود من حيث أتيت
إنسانة من غير كرامة
لا الوصل أتاني بروية
ولا البعد خلصني بالقوة...
........................................
كيف يمكن لمجرد أرقام قلب حال إنسان وتعكير صفو ذاكرته ؟ ... إلا إن كانت تحمل بين طياتها ذكرى أثيرة لنفسه باتت مع الأيام مؤلمة ....
أمسكت هاتفها لتنظر للهاتف فأبصرت تاريخ اليوم الذي بات يشبه ماسبقه لكنه حمل أرقام لها ذكرى في حياتها , فاسترسلت دماعتها أكثر وأكثر وعينيها معلقة بالتاريخ المرفق أعلى شاشة الهاتف لتقول :
ــ لم أعد بداخل ذلك القفص ، لم أعد ، لم يعد لي به صلة .
" الثالث والعشرون من شهر يوليو" ، كتبت هذه العبارة على هيئة أرقام أعلى الشاشة , لتخبرها بذكرى زواجها , أغمضت عينيها لتعود بالذاكرة حيث أخذها آدم من قاعة الزفاف إلى بيته وعندما صعدا افترش سجادتين إحداهما تسبق الأخرى ثم اقترب منها , قبّل رأسها بحب مشيرًا إليها نحو السجادة الثانية حيث ستقف لتصلي خلفه ركعتين لاستهلال ليلتهما الأولى سويًا ... كان لطيفًا , جذابًا ، وصامتًا ، لم يتحدث كثيرًا , لطالما عهدته يحب الصمت لكن تعترف أنها أحبته كما هو , بلا كلام معسول أو مزح جيد، صكّت أسنانها لدى تذكرها لتفتح عينيها قائلة :
ــ كنت حمقاء، لا أعلم لماذا أحببته ؟ ... تقول ذلك وقلبها يتقلب على نار الشوق على مهل , فترتعد ذراتها ولهة بتلك الذكرى المميزة التي باتت أليمة .
حدثها عقلها قائلاً :
ــ ألن تفتحي هديته التي جلبها منذ مدة عندما أتى لوالدك ؟ ... قامت من مكانها قبل أن ترد عليه ثم توجهت مسرعة نحو غرفتها , فتحت الخزانة لتخرج منها ذلك الكيس وعادت للسرير، كانت قد دسته بين ملابسها القديمة لذا نسيته تماماً , أخذت تعبث بمحتواه لم تجد سوى علبة صغيرة من القطيفة , فتحتها لتجد قلادة ذهبية محفور عليها اسمه بالانجليزية, بحركة لا شعورية منها ضمتها لصدرها الذي بات يعلو ويهبط على إثر التصاق الاسم به هكذا , ذابت ذراتها في حنايا طيفه وهي تتخيله لتتساقطت دمعات مترقرقة على وجنتيها , قربتها نحو أنفهما تشتم رائحته فيها فوجدتها , ظلّت هكذا متيمة حتى أفاقها الكبرياء , ففتحت عينيها قائلة :
ــ كيف يحفر اسمه على قلادة ؟ أي جنون هذا ؟
اتجهت للمرآة ثم ارتدتها , فلمعت حروف اسمه على جيدها , ابتسمت متمتمة :
ــ ما أروعها ! .. لم تلحظ من كانت واقفة على باب الغرفة تطالعها بدفئ والبسمة على محياها , نظرت لها أمنية عبر المرآة والتوتر سرى في أوصالها لتقول :
ــ أمي .
اقتربت منها أمها ثم قالت :
ــ تليق بكِ كثيرًا ، مبارك عليك يا ابنتي ... احمر وجه أمنية لتسأل :
ــ منذ متى وأنتِ هنا ؟
ــ مذ كنتِ أمام المرآة ... تابعت بحنو : ذوقه جميل .
ــ سأخلعها ... قالتها أمنية و تحسست بأصابعها مكان القفل , فجذبت رغدة يديها قائلة :
ــ بالله عليكِ اتركيها .
نظرت أمنية للأرض بخجل , فتابعت رغدة :
ــ لأجل خاطري يا ابنتي .
هزّت رأسها موافقة ولم تعلق ، لكن رغدة كانت سعادتها لا توصف فقد شعرت أن بارتداء تلك القلادة سيتغير كل شيء، وسيكون الشرارة الناطقة بعودة الهناء لابنتها , اقتربت منها وضمتها بأمومية ثم قبّلتها قائلة :
ــ أسأل الله أن يريح بالك ويسعدك يا أمنيتي .
ران صمت لطيف بينهما قطعته رغدة قائلة :
ــ الليلة سيقام حفل خطبة أيمن ابن عمتك سيادة .
رفعت أمنية رأسها لتقول والبسمة تزين وجهها :
ــ مازن أخبرني ، أنا مسرورة جدًا لأجله .
أومأت رغدة بنعم ثم ابتعدت قليلاً لتجلس على الكرسي , قالت :
ــ لقد هاتفتني عمتك بالأمس لتؤكد علينا المجيء .
ــ وما شأني أنا ؟
ردت رغدة باقتضاب وقد بان الحرج على وجهها :
ــ هي تعلم أنكِ هنا ... اتسعت عينا أمنية في حزن لتقول :
ــ لماذا يا أمي ؟ لم يكن عليكِ إخبارها أبدًا .
ــ هي من سأل لأنها اتصلت على هاتفك كثيرًا؛ ووجدته مغلقًا ،عمتك تحبك يا أمنية ولن تتمنى لكِ السوء .
ــ ولو ... زفرت أمنية بضيق متابعة : حالي لا يسر العدو ولا الحبيب .
ــ الشر بعيد عنك يا ابنتي ، كل شيء سيكون على مايرام بإذن الله .. واصلت رغدة محفذة إياها : لن أذهب إلا معك ، ماذا قلتِ ؟
ابتسمت أمنية بمرارة قائلة :
ــ إذن؛ لا ذهاب للحفل .
ــ لماذا ؟ ستكون فرصة مناسبة لتبتهجي يا ابنتي .
هزت رأسها نافية لتصر على موقفها , لكنها تذكرت شيئًا فبادرت سائلة :
ــ من أي عائلة تلك الفتاة التي سيتزوجها أيمن ؟
ــ تقول عمتك أن اسمها رنا القاضي .
ــ القاضي ؟ .... حكّت أمنية رأسها في محاولة لتذكر ذلك الاسم الذي سمعته من قبل لكنها لم تفلح , تمتمت : أشعر أنني سمعت هذا الاسم من قبل .
.................................................. ...............................
ليس هناك شيء أكثر ألمًا من وجود طفل أضناه الشوق لأبيه وهو على قيد الحياة .
بإحدى الحدائق العامة حيث كان جالسًا ومعه الحلوى والألعاب في انتظار قدوم ولديه كما اتفق مع آدم , لمح طيفهما من بعيد رفقة جدتهما , ما إن رأياه حتى تملصا من قبضة زينب راكضين باتجاهه وهما يصيحان :
ــ أبي .
أحنى جذعه فاردًا ذراعيه والبسمة على فمه , ارتما الولدين بحضنه , ضمهما في دفىء أبوي ، وقد تبعثرت ذراته لمرأى حالة البؤس البادية عليهما بسبب غيابه وخاصة عمر الذي بكى بنحيب عالي .
ــ عمر... تابع محمود وهو يضغط على كتف ولده : أنت رجل , لا تبكِ أبدًا .
لم يسمعه الولد واستكمل نحيبه , فقطب علي جبينه قائلاً :
ــ إنه سيء يا أبي , أليس كذلك ؟
ــ لا ؛ بل رجل مميز , يحب أباه ويشتاقه .
أشار علي على نفسه ليردف بطريقته الطفولية :
ــ وهل أنا سيء لأنني لم أبكِ ؟
قرّبه محمود منه ثم طبع على جبينه قُبلة ليجيب :
ــ لا يا حبيبي ؛ أنت أيضًا رجل مميز .
اقتربت زينب منهم وهي تلهث رغم أنها كانت تمشي الهوينا , استقام محمود لدى رؤيتها ثم مد يده لمصافحتها , صافحته على مضض ثم اتجهت لعمر تسأله :
ــ لماذا تبكِ ؟ ألم تكن متلهف لتلك اللحظة ؟
كفكف عمر دموعه ثم قال :
ــ أريد الذهاب مع أبي ،لا أريد العودة معك .
شهقت زينب وعقدت حاجبيها في غيظ بينما انتقل محمود ببصره بينها وبين عمر وداخله يسأل ما الذي يحدث لولديّ عندكم ؟ ... تداركت زينب تلك النظرات قائلة : ــ كلنا نهتم بهما، ونقوم على رعايتهما , أليس كذلك يا علي ؟
أومأ الصغير بنعم , فصاح عمر :
ــ لكنني أريد العيش مع أبي .
ضمّه محمود لصدره بأبوية ليقول له وهو يربت على ظهره :
ــ اهدأ , عمر .
ــ لا ؛ لن أهدأ ... تابع عمر وهو يصرخ : لقد حُرمنا من بيتنا , حُرمنا منك وتريد مني أن أهدأ ؟
ــ بإمكانكم العودة للبيت ... قالها محمود وسط ذهول زينب .
ــ حقًا ؟ .. قالها عمر وعيناه معلقة بوالده .
أومأ محمود بنعم , فسألته زينب :
ــ ألن تقطن فيها مع زوجتك الثانية ؟
هزّ محمود رأسه نافيًا ليضيف :
ــ ستعيش في بيت العائلة حيث أمي و أخي .
ازدردت زينب ريقها وشعرت بغصة لدى تذكر أمنية و آدم , لم تتمكن من الرد أو حتى المباركة له وكيف تبارك وابنتها تضررت من تلك الزيجة .
ــ سأقوم بتسجيل البيت الجديد باسم نور ... تابع وهو ينظر لولديه : أظن هكذا سيمكنها العيش فيه وهي مطمئنة , و إن وافقت على الرجوع بدون تغيير شيء مما حدث لها ذلك .
انزوت ابتسامة مريرة على جانب فم زينب وعقلها يحدثها :
ــ ما الذي فعلته معك ابنتي لتهرب بهذا الشكل ؟ وما الذي قلته للأخرى لتقنعها بالمكوث معك كزوجة ثانية في بيت عائلة ؟
ــ أريد العيش معك في بيت العائلة يا أبي ... تابع عمر راجيًا وهو ممسك بمعصم محمود : سألعب مع بنات عمي , ولن أزعج زوجتك يا أبي .
احتضنه محمود ثم مسّد شعره قائلًا :
ــ والدتك تحتاجك ياعمر ، أنت الآن رجلها وسندها ، أيعقل أن تتهرب من مسؤليتك بهذه السهولة ؟
ــ لكنني أريد رؤيتك كل يوم .
ــ لك ذلك .
ــ حقاً ؟... قالها عمر وقد اتسعت ابتسامته .
أومأ محمود بنعم , ثم قدّم له هاتف ليقول :
ــ وسنتواصل أيضًا عبر الهاتف .
ــ هل هذا لي ؟ ... هزّ محمود رأسه , فصاح علي :
ــ وأنا؛ أليس لي هاتف ؟
جذبته زينب من ذراعه , فأشار لها محمود لتتركه ثم قال :
ــ أحضرت لك لعبة أفضل .
انتهت الزيارة بعدما أعطى محمود زينب نفقات الولدين مع بعض الألعاب و الحلوى والكثير الكثير من الحب الدافئ الذي نال رضا الصغيرين .
.................................................. ................................
كلمة أخوة لا تعني نسخ عدة من نفس الشخصية , علينا ألا ننسى أن اختلاف الطباع يبلور نمط الشخصية ويميزها ، ومع كل الفروق سنجد لكل منها شريك يميل لبضعة ميزت هذه عن تلك .
داخل غرفة الجلوس حيث اتخذ الجميع أماكنهم احتفالًا بالخطبة السعيدة مما جعل الغرفة مكتظة وكأنها على وشك الانفجار, والوجوه تعلوها البسمة و الزغاريد تتقافز بالأرجاء , كل شيء كان ملائمًا تمامًا لتلك المناسبة، ومع ذلك كانت شمس ممتعضة؛ لأن أختها رفضت استخدام الأغاني لإحياء تلك الليلة مما جعلها تشعر وكأنها باجتماع عائلي رتيب , كانت لاتزال بفترة النقاهة بعد التخلص مما أصابها.
كانت رنا جالسة على الكرسي المجاور لأيمن ترتدي فستانًا لونه ذهبي زادها ألق ، ولم تضع إلا القليل من المساحيق تحت ضغط شمس , يرفرف قلبها مع نظراته الدافئة فيتدفق الدم منه إلى خديها فيتلونا بالأحمر القاني فتزداد جمالًا ... صمتا فتحدثت عيونهما بالكثير مما عجز اللسان عن البوح به لكنها حادت ببصرها خجلًا من تحديقه فيها بهذا الشكل .
قامت سيادة من مكانها متجهة نحوهما ثم ناولت أيمن علبة مخملية حمراء , التقطها وأخذ منها خاتم رنا ثم مد يده لتقرب كفها الأيمن فيلبسها إياه لكنه اعترضت قائلة :
ــ هاته وأنا سأضعه بإصبعي وارتدِ أنت خاتمك .
رسم ابتسامة جذلى على فمه من حياءها الجم وهو يهمس :
ــ مبارك يا أجمل عروس .
ابتسمت وأشاحت ببصرها بعيدًا فقد كان الخجل ينهشها , أمّا شمس كانت تغلي من كم الغرابة التي بدا فيها الحفل وكأنها مدعوة لدى قبيلة عربية قديمة ، قامت من مكانها نحو الشرفة , ثم هاتفت رامي .
ــ أهلا شموسة ... ردت بامتعاض :
ــ ماذا تفعل ؟
ــ كنت بصدد جلسة عائلية لمناقشة الأمور المالية المتعلقة بارتباطنا الذي تعده أمي الحلم المنتظر باعتبار أني ولدها الوحيد وكأن قطار الزواج سيفوتني .. ضحك وحده فلم ترق لشمس مزحته ,ران عليهما بعض الصمت قطعه رامي سائلاً .. ماذا بكِ ؟
ــ لا شيء ، أشعر بالملل فقط .
ــ لماذا ؟ أيعقل أن تقول شموسة هذا الكلام ؟... تابع متهكمًا : ألا يفترض بكِ التواجد مع أختك بحفل خطبتها ؟
ضحكت شمس من كلامه ولان لسانها لتتحدث بأريحية عما يحصل بالداخل وكيف تبالغ أختها في التحفظ مع خاطبها ...كان رامي ينصت لها بكل جوارحه ولم يعلق , فهتفت به شمس :
ــ مارأيك فيما يحدث ؟
ــ وما شأني لأقول رأيي ؟
ــ أقصد ؛ألا يحق لي الملل ؟
ــ لو كان والدك وافق على أن تحدث خطبتنا معهما لما شعرتِ بالملل .
زمجرت شمس :
ــ راااامي .
ــ أنا حقًا متضايق جدًا ، لماذا يتم خطبة الصغرى قبل الكبرى ؟
ــ لا تكن سخيف ، مجرد أيام ونحتفل بخطبتنا نحن أيضًا .
تنهد رامي قائلاً :
ــ آه , لكم أتوق لذلك اليوم .
ــ لقد خرجت عن الموضوع يا رامي ولم تخبرني رأيك .
ــ هل تريدين رأيي بصراحة ؟
مطت شمس شفتيها قائلة :
ــ أشجني يا فصيح
ضحك رامي من كلامها ليرد :
ــ أنت حر مالم تضر ، فما بالك بمن تحب المحافظة؟ أظنّها مميزة يا شموسة أليس كذلك ؟
اشتعلت الغيرة بصدر شمس فصكت أسنانها بغيظ لتقول :
ــ مممممميزة ؟
فهم رامي ماحدث فحاول تدارك الأمر قائلًا :
ــ لم أقصد يا حبيبتي ، قصدت تصرفها صدقيني ، لا تسيئي فهمي يا حياتي .
لانت ملامحها قليلًا لتسأله :
ــ أنا لاأحب ذلك يا رامي ،أنا أحب الصخب والمرح و...
قاطعها قائلاً بنبرة دافئة :
ــ وأنا أحبك كما أنتِ ولم أطلب منكِ التغيير يا شموستي، وحتى من قبل ارتدائك للحجاب .
ــ حقًا ؟
ــ ألم تخبركِ عيناي ؟
صمتت شمس قليلاً فقد علا ضجيج قلبها وروحها تتراقص على أنغامه , تسللت عبرات الفرح عبر مقلتيها لتمسح معها أي ألم لاقته خلال الأيام السابقة مع أحد يفهمها ويحبها كما هي .
أنهت المكالمة مبتهجة على عكس حالها عندما استأنفتها كلماته كان لها تأثير السحر على نفسها , أخذت تدندن بأغنيتها المفضلة وتهز كتفيها بجذل مع طقطقة أصابعها كما لو أنها على مسرح لعرض المواهب الغنائية .
.................................................. ...............
يهفو القلب للعودة , لكن ماذا بعد ؟ ... غير تكرار ما اقترفته يداه من أخطاء ليعلن بعدها الندم ..
كان يجلس بالحديقة يتحدث بالهاتف كانت تتابعه والدته من الداخل مبتسمة رغم أنها لم تسمع شيء ظنت أنه يحدثها لأجل العودة، تحركت نحو إحدى الرفوف الخشبية الخارجة عن المكتبة التقطت دواءها ابتلعته ثم ذهب للمطبخ و قامت بإعداد الشاي ، عندما أنهى حواره ؛ خرجت ومعها كوب الشاي , وضعته على المنضدة ثم جلست أمامه , ابتسم لها قائلاً :
ــ شكرًا أمي .
ــ هل كنت تحدثها ؟ .. سألته وهي تنظر لعينيه .
ابتسم بمرارة قائلاً :
ــ لا ؛ كنت أتحدث مع والد كامل .
ــ لماذا ؟
ــ هناك مشروع سيجمع بيننا .
ــ أي مشروع ؟.. سألته باهتمام وقد ضيّقت عينيها .
ــ حالما أتدبر أمره ؛ سأخبركِ أمي .
طالعته بنظرات حانية ثم عادت بدفة الحديث إليها :
ــ ألم تقابلها ؟
هزّ رأسه نافيًا والتقط كوب الشاي يرشف منه , فقالت :
ــ دينا ستأتي غدًا لتذهب إليها .
رفع كتفيه غير عابئ بالنتيجة , فتابعت زينب :
ــ ألا تحبذ ذهابها ؟
ــ لن يجدي نفعًا ... تابع وهو يقلب في هاتفه : قصدي أن أمنية لن تأتي معها .
استأنفت وصلة البكاء لتقول وسط نهنهاتها :
ــ روحك منهكة يا ولدي ،ليتها روحي لتحيا أنت بسلام .
ــ اهدأي أمي أرجوكِ .
ــ كيف اهدأ ؟ واصلت بنشيج : أنا أموت كل لحظة وأنا أراك بهذا الحال .
ــ قدر الله وماشاء فعل ، أنا من ظلم نفسي يا أمي وعليّ تحمل العواقب .
ــ سأذهب مع دينا لأتحدث معها .
ــ كما تشائين أمي ... قالها و صمت، ظلّت تطالعه بحسرة على أيامه التي تمضي بلا أي تقدم بشأن عودة زوجته وابنته , كفكفت دموعها وهي تدعو الله أن يصلح حاله و حال أخته التي انعزلت بغرفتها كمن فُرض عليها حجر صحي كي لا تختلط بالبشر الطبيعيين، وقد ظنّت أن خبر تسجيل الشقة الجديدة باسمها سيسعدها , لكن شيئًا لم يكن لتظل مصممة على العزلة رافضة الرجوع لزوجها والبيت .
بتر صمتهما قائلاً :
ــ ستأتي أم بركة بعد دقائق لتنظيف شقتي .
ــ أم بركة ؟
ــ نعم؛ لقد سألت جارنا أن يساعدني بالوصول لإحداهن؛ لأن شقتي عمتها الفوضى ومن حسن الحظ أن المرأة لاتزال عندهم تنجز بعض الأعمال وحالما تنتهي ستأتِ .
قطبت زينب حاجبيها لتقول بنزق :
ــ هاتفه وأخبره أنك لست بحاجتها ،أنا سأنظفها يا آدم .
هزّ رأسه نافيًا ، وقبل أن يرد قاطعهما صوت جرس الباب ، قام من مكانه نحو الباب وما إن فتحه برقت عيناه لتلك الهزيلة الموكل إليها تنظيف الفوضى بالأعلى ... همس لعقله : إنها تحتاج لمن يساعدها , يا إلهي!
ابتسمت له أم بركة بود ثم ألقت السلام , فرد عليها آدم ثم دعاها للدخول , اتجهت زينب ناحيتها بفتور ثم نظرت لآدم قائلة :
ــ اذهب أنت حيثما تريد وأنا سأصعد معها .
كانت أم بركة تمشط المكان بعينيها المنكمشتين وكأنها تبحث عن أحد , رمقها آدم ببعض الريبة ثم سألها :
ــ هل هناك شيء ؟
ــ هل السيدة أمنية بخير ؟ ... قالتها أم بركة والبسمة لازالت على ثغرها فنظر آدم لوالدته يطالعها مستفهمًا، كيف تعرفت تلك المرأة على أمنية رغم أن والدته لا تحب جلب معاونات للمنزل , عاد إليها وقبل أن يتكلم ردت زينب بعصبية :
ــ نعم نعم ؛بخير ،هيا لنستأنف العمل .
ــ انتظري أمي ... تابع آدم بقليل من الهدوء وكأنه أراد التحدث مع المرأة بشأن ذاك الاسم الذي نطقت به منذ قليل :
ــ هلا أعددتي لها الشاي ؟
ــ شاي ! هل أتت لنضايفها أم لتنظف شقتك ؟
ازدردت المرأة ريقها في حرج ولم ترد , فقال آدم :
ــ أمي ، من فضلك .
ــ حسنًا ... قالتها زينب وهي تشيح بذراعيها منزعجة ثم انصرفت على مضض .
أشار آدم للمرأة بالتوجه رفقته نحو الحديقة ثم الجلوس , وما إن فعلت نظر لعينيها سائلاً :
ــ هل تعرفين أمنية؟
أومأت المرأة بنعم والبهجة كست ملامحها لترد :
ــ إنها أميرة البنات... تابعت مبتسمة : رأيتها مرتين , المرة الأولى عندما جئت هنا منذ فترة كبيرة لتقديم المساعدة ؛ لكنها أخبرتني أن والدتك لا تحب ذلك .
هزّ آدم رأسه ثم قال :
ــ والثانية ؟
ــ والثانية , أتتني هي في منزلي برفقة أخيها .
ــ برفقة أخيها !.. قالها آدم موسعًا عينيه فقد ظنّ آدم أنها زارتها بعد رحيلها فسألها : متى كان ذلك ؟
ــ منذ شهر تقريبًا أو أكثر ..تنحنحت المرأة متابعة : أنا لا أذكر جيدًا فقد باتت الذاكرة على المحك ياولدي .
شرد آدم في كلامها وهو يتمتم :
ــ إذن زارتها قبل رحيلها ، لماذا لم تخبرني ؟ كلما مرّ الوقت انكشفت لي دروب غامضة في علاقتنا يا أمنية ... قاطعته أم بركة سائلة :
ــ هل هناك شيء يا بني .
نظر آدم لعينيها سائلاً :
ــ لماذا زارتك ؟
نظرت المرأة للأرض وقد علا الحرج ملامحها لتضيف بصوت خفيض :
ــ لتساعدني ببعض المال .
شعر آدم بالغباء من طرح سؤال أي طفل يعلم إجابته , فأطبق الصمت إحكامه عليه لكن أم بركة سألته :
ــ أين هي ؟
ــ ليست هنا .
ــ كيف حالها ؟
ــ بخير .
ــ هنيئًا لك بها ... تابعت المرأة بلطف : إنها أطهر قلب رأيته في حياتي .
كانت كلماتها تنزل على قلبه كما السيوف لتمزقه إربًا ؛ لأنها علمت من مجرد مقابلتين ما لم يعلمه خلال ثلاث سنوات .
.................................................. ................
أي صبح يمكن أن يضيء من سار بإرادته في درب العتمة ؟ ستبصر العيون النور لكن القلوب ستظل كفيفة حتى تقررالروح العودة للمسار الصحيح ..
انتظرت بزوغ نور الصبح , لتخرج إلى الإدارة التعليمية من أجل إنجاز أوراق النقل لمدرسة أخرى حيث لا يعرفها أحد ولتبتعد عن أي بقعة تجمعها بطليقها ، خرجت كالسهم المحترق تمشي بخطى واسعة ومع ذلك تعرفت عليها إحداهن متدثرة بنقابها؛ كانت تعمل معها بالمدرسة كأخصائية نفسية , استوقفتها تسلم عليها , فرمقتها نور بغضب ولم ترد السلام .
ــ كيف حالك أستاذة نور ؟ لقد ألقيت السلام للتو ولم تردي هل أغضبتك في شيء ؟
ردت نور بغيظ :
ــ وما شأنك في التعرف لحالي وخبري ؟ أم أنني بت سيرة المجالس الآن ؟
شعرت المرأة بالحرج من ردود نور الوقحة وكأنها سكبت عليها دلو من الماء المثلج حد أن نقابها ابتل من فرط حرجها , لكنها مدركة تمامًا سبب هجومها ، لا سيما بعدما ذاع خبر طلاقها , فعذرتها لتقول :
ــ أعتذر عن إزعاجك أختي؛ لكنني وددت إعلامك بشيء .
ــ هاتِ ماعندك بسرعة ... قالتها نور بغضب .
ــ هناك فرصة عظيمة لتلقي العلوم الشرعية وأحكام التجويد لتلاوة القرآن , من خلال دورة تدريبية ستبدأ بعد أسبوعين بمصلى النساء الموجود بالطابق الثاني من مسجد الرحمة .
عوجت نور شفتيها وهي تحدج المرأة بنظرات تنذر باقتراب خطر محدق , فهتفت بها :
ــ ومن قال لكِ أنني أحتاج لذلك ؟ لعلكِ ظننتِ أنكِ ضمنتِ الجنة لأنكِ ترتدين تلك القماشة الموجودة على وجهك ؟
حاولت الأخصائية السيطرة على دموعها قدر المستطاع وهي قابضة على حقيبتها بقوة وكأنها تبثها توترها لترد بهدوء :
ــ لم يخطر ببالي كل ذلك , صدقيني ؛ كل ما في الأمر أن أختي ستكون من ضمن المعلمات وأنا أعلم قدرتها العظيمة واجتهادها لتوصيل المعلومة , كما أن المسجد يقع بجوار منزل والدتك، أرجو المعذرة , لم أقصد مضايقتك ... قالتها وانصرفت تاركة نور مستاءة من غباءها في التعامل مع إنسانة ودودة مثلها , هادئة امتصت كل غضبها بسعة صدر لم تعهدها على أحد قط .
سارت بخطوات متثاقلة تجر معها خيبات عدة , وكأن أوجاع الكون تجمعت في شخصها لتقطع روحها إربًا , بكى قلبها وعيناها لازالت جامدة حتى لا يشمت بها أحد من المارة , تمتمت : يارب ارحمني برحمتك ... لقد تعبت .. لو كان الموت أفضل لي أمتني يا إلهي لأرتاح من كل هذا العذاب .
.................................................. ............
لا شيء أكثر ملل من حصار النفس برتابة روتين العمل اليومي , ومع ذلك لن يجرؤ على تخطي ذلك إلا شخصين ؛ أحدهما اعتاد الوضع والآخر قرر الرحيل بشجاعة متجهًا لدربه الخاص ...
خرج لعمله بآلية , وحالما وصل اتجه لمديره ليصدق على قرار له شهر يأتي مكتبه ذهابًا و إيابًا لأجله ، ومع ذلك المدير مصمم على الرفض ،ألقى السلام , جلس على الكرسي المواجه لمديره ثم وضع على المكتب ورقة .
نظر له المدير الخمسيني من فوق عويناته المتدلية فوق أنفه الكبير ثم أشار بسبابته على الورقة , قائلًا :
ــ مجددًا .
رفع آدم حاجبيه و أومأ برأسه ... عقد المدير جبينه متابعًا :
ــ ألن تمل التلويح بتلك الورقة التي اهترأت من إلحاحك على تقديمها لي ؟
هزّ آدم رأسه نافيًا ، لاحظ الرجل أن الحدة لن تجدي ثمارها نفعًا , فقرر أن يلين ويستميله بطريقة ودية , فقال :
ــ إن أردت أخذ إجازة حتى تتأهل نفسيًا للعودة ؛ لك هذا يابني .
صمت آدم , فتابع الرجل سائلًا :
ــ هل ضايقك أحد الزملاء هنا ؟
ــ إطلاقًا، كلهم إخوة وأخوات ؛لكن ... صمت مسندًا مرفقه على سطح المكتب .
ــ أنا هنا مكان أبيك يا آدم ... خلع نظارته متابعًا بشيء من الجدية الدافئة :
ــ احكِ لي مايحدث معك بني .
هزّ آدم رأسه موافقًا على جعله مكان أبيه ؛ لكنه لن يفصح عن السبب الرئيسي , حاول بتر محاولاته العنيدة لاستمالته للرجوع عن قراره قائلًا وهو يشير بسبابته على الورقة :
ــ لو تعدني ابنك بالفعل ؛ امضِ على تلك الورقة .
تأفف الرجل بنفاذ صبر،طالت ثرثرتهما لكن بلا تغيير , فقد كان مصممًا على ما عزم عليه بلا رجعة , مما جعل مديره يستسلم لرغبته في النهاية .
اتجه لمكتبه؛ لأخذ كل مايخصه من أوراق , فرآها هناك بنفس زينتها , مزاحها الغريب مع رامي وباقي الزملاء لكن الفرق الوحيد هو وجود قطعة حرير على رأسها ، تبادلا النظرات للحظات ثم عاد كل منهما لما كان يفعله ، بعدها غادر الشركة في رحلة ذهاب بلا عودة مخلفًا ذكريات لا يريد تصنيفها ولا حتى تذكرها ، انطلق إلى البناية التي تقطن بحي راقي لكنه قصي بعض الشيء عن مكان منزله حيث اتخذ فيها مكان واسع لعمل مكتبه الجديد ؛لإدارة الفرع القاهري لشركة والد كامل ، كان العمال يعملون عليها لتكون جاهزة خلال أيام تحت إشرافه .
خرج للشرفة وقف أمام السور عاقدًا ذراعيه أعلاه يتجول بعينيه بين المباني الشاهقة , فلاحت أمامه لوحة تعلن عن مكتب xxxxي , تعلق بصره بتلك اللوحة لعدة دقائق , ليسأله عقله :
ــ ألم يحن الوقت ؟ .. مسح هاتفه بأصابعه ثم حفظ الأرقام المدونة على اللوحة وعاد لشروده مجددًا , لكن هذه المرة كان يفكر فيها , يشتاقها و يضنيه الحنين لبعدها , تحسس الجوال ليطلب رقم والدها يطمئن عليها ويأخذ موعد للقائها .
.................................................. ....................
مهما حاولت تلك البضعة النسوية التحفظ مبتعدة عن الحصار الذكوري ,سيأتي من يجعلها تعلن ضعفها على مرأى ومسمع من كبرياءها ضاربة بقوانينه عرض الحائط.
كانت مشغولة بترتيب المنزل بعد حفلة الأمس ووالدتها تساعدها , كلما تذكرته ابتسمت ونظرت للأرض بخجل , انتبهت أمها لحركاتها الطفولية فابتسمت بمرارة ثم اتجهت نحوها تسأل :
ــ لماذا وافقت عليه ؟
انتفضت جوارح رنا فبدت فزعة ؛ لأن أمها باغتتها بالسؤال على حين غفلة وهي شاردة .. نظرت لوالدتها والبسمة لاتزال على ثغرها ، فأعادت سعاد السؤال على مسامعها .
ــ ماهذا السؤال أمي ؟
جذبتها سعاد من ذراعها نحو الأريكة ثم جلستا متقاربتين , فبادرتها :
ــ ألا ترينه كبيرًا يا ابنتي؟
هزّت رنا رأسها نافية بعبوس , فواصلت سعاد :
ــ لازلتِ صغيرة والعمر أمامك لاختيار الرجل المناسب , لا تقترفي خطأي وتفعلي كما فعلت .
ــ لا يا أمي! ... تابعت وقد اتسعت عيناها معاتبة : أيمن غير أبي ولا يمت لشخصيته بصلة .
أطرقت سعاد رأسها في حسرة قائلة :
ــ تظنين ذلك يا مسكينة ؛لكنهم كلهم مجرد صور لنفس الرجل.
أومأت رنا برأسها نافية ثم قالت :
ــ وأنا أقول لكِ أيمن مختلف تمامًا .
ــ ومن أدراكِ ؟ ... تنهدت رنا قائلة :
ــ قلبي وعقلي .
نظرت لها سعاد بطرف عينيها متابعة :
ـ لكنكِ لازلتِ صغيرة، لماذا تورطين نفسك بمثل تلك المسؤلية ؟
تنحنحت رنا وهي تطالع الأرض لتقول :
ــ بصراحة ؛ أردت سند .
ــ ماذا ؟ ... قالتها سعاد وقد جحظت عيناها بجمود .
ــ أردت رجلًا في حياتي يدخل ويخرج بأريحية دون مبررات أمام الجيران .. تابعت بنبرة حزن : رجل يتفهم وضعي ووضعنا جميعًا في بيتنا النسوي هذا ،فيكون ابنًا لكِ أمي .
انتهت فوجدت أمها مسترسلة في البكاء , اقتربت منها ثم حاوطتها بذراعها بحنو لتسألها :
ــ لماذا تبكين يا أمي ؟ ... أجابتها وسط نشيجيها :
ــ ضحيتِ بنفسك لأجلنا ، حسبي الله عليك يا رجب ، أنت السبب في كل مايحدث .
ــ لا تقولي ذلك أرجوكِ ... قالتها رنا وهي تربت على ظهرها .
ــ ستقضين على مستقبلك بسبب تلك الزيجة ؛ وتطلبين منّي ألا أتكلم .
ــ إن بحت لكِ بالأسباب السابقة لإقدامي على مثل ذلك القرار ؛ فقد نسيت أمرًا آخر يا أمي .
التفتت لها تطالعها بعينها الحمراوين , سائلة :
ــ وماهو؟
تورد خدي رنا في خجل , ونظرت للأرض قائلة :
ــ أنني حقًا ارتحت لأيمن ، وخفق قلبي له .
عوجت سعاد فمها باستياء مما ظنته خبل تحاول الصغيرة نسجه ليكون دراميًا بلمحة رومانسية , قاطعهما رنين هاتف رنا , فاتجهت رنا نحوه مسرعة، وما إن رأت الاسم حتى احمر وجهها ، دخلت غرفتها و أغلقت عليها الباب لتتمكن من الرد ومع ذلك ستظل متحفظة .
ــ صباح الورد يا وردتي.... قالها أيمن بنبرته الدافئة .
صمتت رنا هنيهة ورسم العبوس ملامحها، فظن أيمن أنها لم تسمعه بسبب عيب في الشبكة , لكنها فاجئته قائلة باقتضاب :
ــ صباح الخير.
ــ هل أنتِ بخير؟
ــ نعم ؛ بخير ... تابعت برسمية : لا داعي للكلام المعسول خلال فترة الخطبة يا.... أيمن .
سكت مبتسمًا من براءتها وتحفظها المحببان لقلبه , فواصلت :
ــ أنا لا أحبذ أبدًا العلاقات القائمة على الغزل و...
قاطعها قائلاً :
ــ لكنها ليست غزل يا رنا، أنا أقول الحقيقة فأنتِ لخصت روعة الكون في شخصك.
ــ عدنا مجددًا ....
ضحك أيمن من طريقتها الطفولية للإعراض عنه , لكنه تفهم مايدور بخلدها فقال : ــ ماذا لو تم تعجيل موعد عقد القران ؟ هل ستغيري تعاملك معي ؟
ــ عقد القران ؟
ــ ألا تودين أخذ تلك الخطوة ؟
ــ أشعر بالخوف من تلك السرعة ؟
ــ معي ستكونين بأمان ؛ لا تقلقي ... ما إن قالها أيمن حتى زاد احمرار وجهها و أخذ صدرها يعلو ويهبط قاطعًا سبيل الأنفاس، فوضعت كفها على فمها حتى لا يصله مايحدث معها .
طال صمتها , فهتف أيمن :
ــ رنا .. هل أنتِ على ما يرام ؟
ــ لا ... قالتها بتهدج فوصله الشوق عبر ذبذبات الهاتف مما جعله يبتسم ... تابعت : أيمن .. راعي أنني حديثة عهد بالارتباط ولم ...
ــ أكملي ، أنا أسمعك بقلبي قبل أذني .
شهقت بابتسامة خجلى ثم قالت :
ــ لم يدق ال... قلبي قبل الآن .
ــ ما الذي لم يدق قلبك يا أميرة الكون .
ــ ال .... حب .
ــ يا إلهي ! .... تابع أيمن مناغشاً إياها : أنا أنصهر مع هذان الحرفان المحظوظان بخروجهما من بين شفتيك .
ــ يكفي أيمن أرجوك ، أرفق بي .. قالتها بحشرجة مقاومة خفقات القلب التي تتراقص بين جنباتها .
ــ لا أعلم من عليه أن يرفق بالآخر ... قالها ثم تتابعت ضحكاته الرجولية .
انتهت المكالمة ولازال قلبها يتراقص , رمت بنفسها على السرير ثم احتضنت الوسادة وهي تتنهد مغمضة عينيها لتستعيد كلماته الفتّاكة .. بينما كان أيمن شاردًا بها وهو جالس على مكتبه , يمسد ذقنه ويفكر بعقد القران، ثم تمتم :
ــ بل تعجيل الزفاف .
.................................................. ......................
كانت تتوسط سريرها عندما سمعت صوت الضجيج بالخارج , فضولها حفذها للخروج ومع ذلك التصقت بالفراش فلم يعد لديها الشغف للتحري عن أي شيء ، لكن والدتها قطعت عليها خلوتها لتطل برأسها من خلف الباب قائلة :
ــ هناك من ينتظرك بغرفة الجلوس يا أمنية ،هيا بدلي ثيابك والحقي بي .
عقدت أمنية حاجبيها ولم تتحرك , فحفذتها رغدة قائلة بطريقة صارمة :
ــ هيا انهضي .


أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-05-20, 11:26 PM   #183

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي

لم يتبق سوى الفصل القادم وهو الأخير، والخاتمة

أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-05-20, 11:29 PM   #184

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي

الفصل التاسع والعشرون في الطريق

أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-05-20, 11:29 PM   #185

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي

الفصل التاسع والعشرون (الأخير)
( هلا جدتِ بالوصل؟!)
.................................................. ........
طلبت الوصل ياعمري
وجئتك حاملًا قلبي ..
بين يدي..
طرقت الباب على عجلٍ
فهلا فتحتي أوصاده ؟
لأدخل للحنايا بسلام ..
فأمكث بين أضلعكِ
فيهتف باسمي نبضك
وأرشف عشقك بهيام
سألتك الغرام , أمنيتي
فهلا جدتِ يا حُبي
بما يسكن القلب والروح
فأواصل الحياة بهناء
ولسان القلب لا يطلب
سوى الوصل ياعمري
.................................................. .................
ابتعدت فآلمها الشوق و حاصرها الحنين , وعندما أتتها الفرصة للتفكير بالعودة , تمنعت وقالت بأعلى صوتها لاااا... هل هو تناقض ؟ أم مايدور برأسها لن يفهمه غيره ؟
كانت تتوسط سريرها عندما سمعت صوت الضجيج بالخارج , فضولها حفذها للخروج ومع ذلك التصقت بالفراش فلم يعد لديها الشغف للتحري عن أي شيء ... لكن والدتها قطعت عليها خلوتها لتطل برأسها من خلف الباب قائلة :
ــ هيا بدلي ثيابك والحقي بي لغرفة الجلوس .
قطبت أمنية حاجبيها ولم تتحرك , فهتفت بها رغدة :
ــ إنها حماتك ودينا يا ابنتي
ــ دينا ! ... قالتها واعتدلت في جلستها .
ــ هيا ؛ بدلي ملابسك واخرجي للقائهما ... قالتها رغدة ثم أغلقت الباب فما كان من أمنية إلا تنفيذ ما طلبته رغدة بكل أريحية بعدما سمعت اسم دينا .
داخل غرفة الجلوس كانتا تنتظرانها بتوجس خشية أن ترفض لقائهما كما فعلت مع آدم , كانت زينب محتضنة ريم لتهمس والدموع تترقرق من عينيها :
ــ لكم افتقدتك يا ريم .
دلفت أمنية وعلى إثرها رغدة بالعصير وقطع الكيك , قامت زينب ودينا تسلمان على أمنية باشتياق واحدة تلو الأخرى .
انهمرت الدموع بغزارة من مقلتي زينب فنظرت رغدة لأمنية التي قامت على الفور متجهة لحماتها , تربت على كتفها بود وقد هالها ضعفها فقد نحفت عن ذي قبل :
ــ لماذا تبكين ؟ اهدأي من فضلك .
غضّنت دينا جبينها لتردف :
ــ لقد أصيبت أمي بداء السكري يا أمنية .
طأطأت أمنية رأسها في أسف وكذا رغدة لتردا :
ــ سلامة الله عليها , شفاها الله وعافاها .
واصلت زينب نحيبها , فقالت دينا :
ــ بعد طلاق نور وتيه آدم لبعدك عنه نهشها المرض .
أشاحت أمنية بوجهها مستاءة من طريقة دينا التي يغلب عليها شجن التوسل , لا سيما أن قلبها تأثر بكلامها لكنها رفضت الخنوع لتقول :
ــ كل شيء قسمة ونصيب يا دينا .
علا نحيب زينب مما سبب الهلع لريم فقفزت من حجرها متجهة لرغدة التي قامت من فورها لتقدم للأولى مناديل ورقية , ثم ربتت على كتفها :
ــ وحدي الله يا أم آدم ، سيكون كل شيء على مايرام؛ لكن المسألة تحتاج وقت لا أكثر .
ــ لقد شارف الشهر الثاني على الانتهاء ولم يحدث جديد .. قالتها زينب وسط نهنهاتها .
نظرت رغدة لأمنية ثم عادت ببصرها لزينب لا تعلم كيف ترد عليها , فقالت دينا : ــ آدم يحتاجك يا أمنية , يتعذب كل لحظة ببعدك عنه .
توترت أمنية قليلًا ؛ لكنها حاولت السيطرة على انفعالاتها قائلة :
ــ في الأول فقط ؛ لكن مع الوقت سيعتاد لا تقلقي .
ــ وريم ؟
ــ سترونها وقتما شئتم لا تقلقوا ، فأنتم بالنهاية أهلها .
نظرت دينا لعينيها قائلة :
ــ لكنه يحبك يا أمنية .
ــ هه ؛ يحبني... زفرت أمنية بألم لتتابع : ضعي نفسك مكاني يا دينا , ماذا سيكون رد فعلك إن ضربك دكتور كامل ؟ كيف سيكون شعورك إن علمتِ أنه ينادي باسم أخرى بل ويهاديها ؟
ــ من تلك الأخرى ؟ ... قالتها دينا وقد ضيّقت عينيها ؛لأنها لا تعلم أي شيء وكذا زينب التي توقفت عن البكاء .
ــ زميلته بالعمل ... قالتها أمنية باقتضاب .
أشارت دينا بكفيها قائلة :
ــ هناك سوء فهم يا أمنية , يستحيل أن يفعل آدم كل ذلك .
رغم أن آدم شرح كل شيء لوالدها , لكنها أرادت التخلص من إلحاحهما بشأن العودة ... نظرت لدينا لتصيبها بسهم يسكتها :
ــ هل ستتغاضين عن ذلك يا دينا لو حدث معكِ أمر مشابه ؟
زمجرت رغدة وهي تتوعدها بنظراتها لتهتف :
ــ أمنية ... لكنها لم تهتز ولم تحرك ساكنًا من تلك النظرات؛ بل ظلّت معلقة بصرها بدينا .
ازدردت دينا ريقها ، وزاغ بصرها ساهمة من مجرد التخيل الذي سيقتلها إن حدث , فصمتت وهي تحدث عقلها :
ــ لكِ حق ، لكِ حق ، لقد عذبك أخي سامحه الله .
ــ مجيئكما على رأسي؛ لكنه لا يعني رضوخي لإلحاحكما بشأن العودة ... تابعت وهي تنقل بصرها بينهما : أنا آسفة، لقد انتهى كل شيء .
رفعت رغدة أحد حاجبيها وهي تحدث عقلها : لم أعد أفهمك أيتها المجنونة، ألم يفتك بكِ الحنين في الأيام الماضية ؟ لماذا تصرين على إدّعاء اللامبالاة ؟ .. نظرت لابنتها حتى تسكت ثم ابتسمت لزينب ودينا بحرج قائلة :
ــ لا تأخذا كلامها على محمل الجد ؛هي فقط متأزمة نفسيًا ،وحالما تكون بخير سيجتمع شملهما من جديد .
استشاطت أمنية غضبًا من كلام والدتها , فردت بغيظ :
ــ من فضلك أمي؛ أنا لا أمزح فيما أقول ،كلامي واضح ، كما أنني لست متأزمة نفسيًا .
كلماتها ألجمت رغدة رغم أنها تود صفعها , لكن وضعت الضيفتان بعين الاعتبار فصمتت لحين رحيلهما؛ فتوسع ابنتها توبيخ على عدم احترام كلمتها أمامهما.. قالت دينا :
ــ اعطِ نفسك فرصة أخرى ياحبيبتي .
لم ترد , فقالت زينب بصوتها الباكي :
ــ فكري مجددًا يا ابنتي .
ابتسمت أمنية لهما على مضض لتقول بشكل قاطع :
ــ أعتذر منكما ، وأرجو أن تضعا نفسيكما مكاني.
انتهت المقابلة لتعود المرأتين خاليتان الوفاض , فلم يحققا هدفهما المرجو؛ ليحاصرهما البؤس خاصة إن قابلاه فسألهما عما فعلاه لأجله .
.................................................. ...............
أعظم أحجية في العالم هي محاولة فك شفرات أفكار مبعثرة بعقل أحدهم , مهما اجتهدنا لحلها لن ننجح , وإلا لماذا يضطر لحفظها داخل رأسه من الأساس ؟
دلف المنزل ليجد والدته ودينا تبكيان بحرقة , اتجه لأقرب كرسي جلس عليه وظل يطالعهما وحاجباه مرفوعان دهشة , سأل :
ــ ما الذي يجري هنا ؟
نظرت زينب لدينا ثم عادا لآدم الذي زمّ شفتيه قائلًا :
ــ لا أظن المصيبة اليوم تخصني ؛ فلم يعد معي شيء أخسره .
علا نحيب زينب , فربتت دينا على ظهرها قائلة :
ــ اهدأي أمي أرجوكِ .
مطّ آدم شفتيه ليقول بامتعاض :
ــ ألن يخبرني أحد ؟ نظر حوله يبحث عن الوحيدة المخول لها تلك المهمة فسأل : ــ أين نور ؟
ــ خرجت مع ولديها للتنزه ... قالتها دينا ثم صمتت هنيهة وبعدها تكلمت : لقد ذهبنا لأمنية .
ــ حقًا !
هزّت رأسها موافقة , لكن الخيبة كست ملامحها الجميلة وقد زوت مابين حاجبيها في ألم ووالدتها تكفكف دمعاتها الساخنة وقد تورمت عيناها .
ــ لكن... قالتها دينا .
هتف بها آدم وقد نهشه القلق :
ــ لكن ماذا ؟ أليست بخير وريم ؟
ــ بلى ؛ بخير ، لكنها رفضت العودة .
زفر آدم بارتياح ليرد بكل برود :
ــ لا مشكلة .
تبادلت دينا وزينب نظرات الريبة ثم عادا لآدم وقد تسللت لهما الشكوك حول الموضوع الذي فتحته أمنية حول علاقته بزميلته , فقالت زينب بنشيج :
ــ إذن ما قالته عن زميلتك كان صحيح .
تأفف آدم وهو يشير بيديه :
ــ زميلة .. زميلة، وكأنها لعنة كلما اتجهت لمكان حاصرتني ، لاعلاقة لي بها ، كما أنني استقلت من الشركة .
شهقت زينب و ضربت صدرها قائلة :
ــ يا ويحك ! ... أما دينا كممت فمها بكفها مشدوهة من قراره الطائش .
ــ على رسلكما ، الأمر لا يستدعي ردود الأفعال المبالغ فيها تلك .
ــ بل يستدعي ... تابعت زينب وهي تصيح : من أين ستنفق على بيتك الأول و تتدبر أمر بيت جديد إن أردت الزواج بعد طلاق أم ريم ؟ هل فقدت عقلك ؟
ــ لن أتزوج و لن أطلق ... تابع وهو يحك رأسه : أما بخصوص العمل فلا تحملي همّه .
قطبت زينب جبينها غير مستوعبة ما يقوله وقبل أن تتكلم , قالت دينا :
ــ هو يعلم ما يفعله يا أمي , بالنهاية هي حياته ولا أحد يعلم ماينوي فعله غيره .
ــ بالضبط ، هذا تمامًا ما أريد سماعه يا دينا ... قالها آدم ثم قام من مكانه نحو الدرج ليصعد شقته تاركًا زينب تتميز من الغيظ على عدم فهم أحجية ابنها الغريبة .
.................................................. ..................
داخل القلب المتألم تموج كل الذكريات التي تنغزه لتدميه، وسيظل على حاله حتى يلقى من يفهمه ويحتويه , حينها سيرتمي بين أحضانه ولن يفعل سوى البكاء علّ الذكريات التي تضيره تخرج مع الدموع ..
طرقات على الباب متتابعة , جعلتهما ينظران لبعضهما باستغراب ويتسائلا :
ــ من ياترى ؟ لا سيما أن اختلاطهما بالجيران قليل ، اتجهت سحر لغرفتها لترتدي الحجاب ثم خرجت نحو باب الصالة , وما إن فتحت الباب؛ صرخت بصوتٍ عالي ، فهرولت أمها ومعها الصغير تتحامل على مرضها لتسير وقد تملكها الفزع من صرخة ابنتها .
قبل دقائق , عندما فتحت الباب وجدت من يمسك باقة زهور حمراء بيديه رفعها في مستوى رأسه ليخفي وجهه ثم قال :
ــ اشتقت لك .
صرخت بصوتٍ عالي ثم قفزت وهي تنادي :
ــ حسن ... ثم رمت نفسها عليه لتتساقط الدموع بغزارة للدرجة التي أفزعته , فضمها بقوة وهو يربت عليها قائلًا :
ــ أنتِ لست بخير أبدًا يا عزيزتي .
لم تسمعه , اندست داخل صدره والدموع تجري كالسيول حتى أن قميصه ابتل , شعر بالألم لأجلها ولم يتزحزح من مكانه منتظرًا إياها تهدأ , اتجهت نحوه أمها وهي مبتسمة، والصغير يهلل معها برؤية والده , ومع كل ذلك كانت سحر لاتزال مخدّرة غير واعية أن والدتها وابنها واقفان خلفها مباشرة .
طال البكاء و النحيب بصوتٍ أعلى ، فغضّنت والدتها جبينها حزينة على حال ابنتها التي ما إن وجدت زوجها انهارت كليًا هكذا تمتمت :
ــ حبيبتي يا سحر ؛ كل هذا الألم بداخلك و تدعين الهدوء , غادرت المكان برفقة محمد نحو غرفتها , أما حسن كان لايزال على وقفته وقلبه يتمزق مع كل دمعة ونهنهة تبوح بها زوجته ليقول :
ــ اطلقي سراح كل ما يوجعك حبيبتي ، لو أعلم أن الأمر هكذا لما تأخرت بالمجيء أبدًا يا عمري، ابكِ ولا تتوقفي حتى ترتاحي .
.................................................. ....................
الشيطان لا يحتاج لمعارك كي يفرق بين الناس , يكفي وجود جرح بالقلب ،وذكرى مؤلمة بالعقل؛ فتتقلب الأوجاع على مرأى ومسمع من الشيطان وهو ينفث دخان الغضب بعد مزجها بالذكرى؛ ليمسد الجرح من جديد فيعاود النزف ...
داخل منزل جمال , حيث تجمعت العائلة أمام التلفاز لمشاهدة إحدى المسرحيات المعاصرة التي تضفي مزيدًا من البهجة , يضحكون من قلبهم باستثناءها فقد شردت بعيدًا مع حالها كالمعلقة، وزوجها لايزال مصرًا على العودة رافضًا الطلاق ، والأيام لا تفعل شيء سوى الركض بسرعة للدرجة التي جعلتها لا تستوعب كيف سينتهي الشهر الثاني على قدومها وهي لا تزال على حالها .
كان مازن يتحدث عن خطبة أيمن الغريبة ومخطوبته الأكثر غرابة , وكيف رفضت أن يلبسها الخاتم , علق وهو يمط شفتيه :
ــ تبدو أصغر منه بكثير، لكنها منطوية وغريبة الأطوار بعض الشيء .
ــ هذا جيد ... تابعت أمنية بنصف ابتسامة : أظن ذلك مايبحث عنه أيمن
رفع مازن حاجبيه متعجبًا من رأي أخته وتعابير وجهها الذي بات حزينًا مؤخرًا, قال:
ــ لكن أختها أظنها مألوفة، أشعر أنني رأيتها من قبل .
ــ ألم تلتقط لهم صور بالحفل ؟ ... التفتت له أمنية سائلة .
ــ بلى .. قالها مازن وتحسس هاتفه ثم قلّب في الصور المحفوظة عليه , ليهتف :
ــ هاهي .. ثم ناولها الهاتف .
تمعنت أمنية في الصور جيدًا ،عقلها يقول خاطبة أيمن اسمها رنا القاضي , وأختها تشبه فتاة كانت لها يد في كسر قلبك , فصاحت :
ــ إنها شمس القاضي ..
ــ من تقصدين ؟ .. سألها مازن وقد ضيّق عينيه والفضول ينهشه .
ــ أقصد الفتاة التي لوحت بهدية آدم على الفيسبوك منذ مدة .
هزّ مازن رأسه نافيًا ليضيف :
ــ الأخرى غير محجبة ...مطت أمنية شفتيها ، ورفعت أحد حاجبيها قائلة :
ــ أنت سطحي يا هذا ، ويسهل خداعك .
صمت مازن للحظات يستوعب تخمين أمنية ثم أخذ منها الهاتف ليمعن في الصورة أكثر وهو يقول :
ــ حقًا , كلامك منطقي ...
شدّت منه الهاتف بعصبية , فزمجر قائلًا :
ــ لماذا فعلتِ ذلك ؟
ــ كي تغض بصرك يافتى، ماذا دهاك ؟ تحدق بها وكأنها تخصك ... قالتها ثم مسحت الصورة من جواله , فرفع صوته :
ــ من سمح لكِ بهذا ؟
ضحكت أمنية وعلى إثرها ضحك والداها بعدما تركوا المسرحية وانشغلوا بنظيرتها التي يمثلها مازن , فبلغته عدوى ضحكهم ليضحك هو الآخر متناسيًا مافعلته أخته .
هدأ الجميع , فالتفتت أمنية نحو أخيها تسأله :
ــ هل لاحظت ؛ أي محابس خطبة بيدها ؟
عقد مازن حاجبيه مبتسمًا بمشاكسة وهو ينظر لعيني أخته مجيبًا :
ــ لقد مسحتِ آخر دليل يوصلنا للحقيقة يا شيخنا الفاضل .
زمّت أمنية شفتيها وقد داعبها الاستفزاز لترد حانقة :
ــ أنا لا أمزح يا ظريف ، رد عليّ .
ــ على رسلك أختي ، يؤسفني قولي بأنني لم أنتبه على أصابع تلك الفتاة ال... "مثيرة" ... قالها وهو يغمز بعينه , فقذفته بوسادة صغيرة من الوسائد المصفوفة على الأريكة .
التقطها وتابع ضحكاته بينما كانت تتميز من الغيظ وعقلها يضخ الأفكار السلبية حول شمس وسبب ارتدائها للحجاب , تمتمت :
ــ لعله خطبها ، وأقنعها بالحجاب... كانت تمتمتها مسموعة للدرجة التي جعلت جمال ينتبه لها فيسأل :
ــ من ذلك الذي يخطبها و يقنعها ب... ؟
ــ أقصد آد... قاطعها انهمار دموعها فقامت رغدة من مكانها نحوها لتهدأها وكذا مازن الذي تعكر صفو قسماته وهو يتسائل :
ــ ماذا حدث ؟ كلما جاءت سيرتها استأنفتي البكاء ؟
أما جمال ظل مكانه ولم يحرك ساكنًا , راقب دموعها في صمت وانتظر حتى هدأت ثم سألها :
ــ هل يهمك أمره ؟ .. نظرت لعينيه ثم أشاحت ببصرها بعيدًا ولم ترد , فتابع جمال: ــ لو تعلمين مايفعله لأجلك؛ لسامحتيه على الفور يا ابنتي .
عقدت أمنية حاجبيها لترد :
ــ لم أفهمك يا أبي ... أما رغدة ومازن تبادلا نظرات مستفهمة عما سمعاه وعادا لجمال يسألاه أيضًا لكن بأعينهما , فهزّ رأسه نافيًا أن يعطيهم إجابة شافية وقال :
ــ ستعلمون كل شيء في وقته , وحينها أنا من سيقف في وجهك يا أمنية إن اعترضتِ .
كفكفت دموعها وحاولت الابتعاد عن ذاك الموضوع الذي يستنزفها , قالت :
ــ أريد التقديم للدراسات العليا , ستبدأ السنة الدراسية قريبًا , وددت الإنضمام لهم .
ــ لا مشكلة .. تابع جمال وهو مبتسم : لكن استشيري زوجك أولًا .
ردت ممتعضة :
ــ لكنك تعقد الأمر هكذا يا أبي... فوافقها مازن ... رفع جمال سبابته ليضيف :
ــ أنا فقط اتبع الأصول يا حبيبتي .
هزّت رغدة رأسها قائلة :
ــ والدك معه حق يا أمنية .
ــ حسنًا ... قالتها بقهر فتمزق قلبه لكنه أبدًا لن يتزحزح عما قاله ليبتر أي سبيل للفرار من الواقع ، وهو على علم بكل شيء يحدث حوله .
.................................................. ...............
تتعدد النعم والعطايا مؤكدة أن ما من باب يُغلق إلا ويُفتح غيره مصدرًا المزيد والمزيد من المنح , علّنا نتذكر العاطي الوهاب الذي يبعث لمجروحي القلوب من يربت على قلوبهم على هيئة شخص ناضج مهمته الاحتواء حتى الارتواء من نهر قلبه الذي لا ينضب ...
بإحدى القاعات الفخمة تلألأ حفل خطبة شمس , كان به من الصخب ما يجعل المارين بجوار القاعة يفترسهم الصداع, رقصت مع رامي على الأغاني وردداها بشكل احترافي متناغم جدًا مع تبادل العناق على مرأى ومسمع من الجميع , أما رنا جلست بركن قصي مع سعاد والخجل قد اتخذ منها مبلغًا، والحرج يقطر من عينيها أمام أيمن على حركات شمس التي وجدتها مبالغة لحد لا يُحتمل كان يطالعها بشغف , فيتورد خداها .
كان رجب يتابعهما شاردًا بكل ماحدث ولا زال يحدث من ابنتيه وزوجته, جلس مع زملاءه وأصدقاءه الذين تجمعوا على طاولات الصفوف الأولى , كلما تذكر كيف وافق رنا على عقد قرانها بتلك السرعة شعر بالغضب ... تمتم : أي أب غافل الذي يعقد قران ابنته التي لم تنهي دراستها بعد خطبتها بشهر ؟ وهاهي الكبرى مؤكد ستطلب تعجيل زواجها ؟ ... حدثه عقله : لكنه أفضل لك ولسعاد , فبعد زواجهما ستكون وحيدة ولن يكون أمامها خيار غير العودة .... عليّ أن أشكر أيمن و رامي على إسداء تلك الخدمة العظيمة ... عادت ابتسامته من جديد على ذلك الحديث الماتع والمحفذ من عقله ليعاود تلقي المباركات ممن حوله .
لم تجد رنا نفسها مرتاحة في هذا الحفل المليء بالضجيج , تأففت وأخذت تعبث بهاتفها فلمحها أيمن فربت على كفها بدفء مما جعلها تسحب يدها بسرعة وهي تنظر لوالدتها التي لم تلحظ ماحدث ثم عادت بنظرها له غاضبة ,
ــ فقال : مابالك ؛ لقد عقدنا قراننا منذ أيام ، أم أنكِ نسيتِ ؟
ــ لم أنس ؛ لكننا أمام الناس يا أيمن ... تابعت وقد احمر وجهها : لا يصح مافعلته أبدًا.
تتابعت ضحكاته ليقول مناغشًا إياها :
ــ سأصبر عليكِ هذا الشهر فقط .
عقدت رنا حاجبيها لتسأل :
ــ تصبر عليّ هذا الشهر ؟ ... غمز لها قائلاً :
ــ ألم نتفق على أن يكون الزفاف في الشهر القادم ؟
ــ لكنني لم أقرر بعد ، كما أنني ...
ــ ماذا ؟
ــ لم أنهي دراستي يا أيمن ... رقّص حاجبيه قائلاً بمشاكسة :
ــ سأساعدك في المذاكرة , لا تقلقي.
ــ أيمن... زمجرت متابعة : كف عن ذلك ... التفتت لوالدتها التي كانت تقاوم النعاس بكل ما أوتيت من قوة فأخذت تتثائب كل حين لتفتح جفنيها بعند حتى لا تنام ... قالت لها :
ــ ما رأيك أن نعود يا أمي ؟
ــ ياليت يا رنا ، يغلبني النعاس كثيرًا وأشعر بالصداع يفتك برأسي ... صمتت لبرهة ثم قالت وكأنها تذكرت شيء : لكن أختك وخاطبها سيذهبان لتناول العشاء وقد أكدت علي أن نشاركهما. ،
ــ يكفيها وجود أبي .
ــ لكنها ستحزن يا ابنتي ، لا يفترض بنا تركها في ليلة كهذه .
ــ ونحن لم نتركها بالفعل .. تابعت رنا وهي تضغط على ذراع والدتها محفذة : وها قد انتهى الحفل ، والعشاء خاص بالعروسين لذا من الأفضل أن نرحل .
صمتت سعاد و نظرت لرنا تسألها بعينيها :
ــ أحقًا شمس لن تحزن ؟ ... لكن رنا تركتها واتجهت لشمس التي كانت تتلقى المباركات من أصدقائها , أخبرتها برغبتهم في الرحيل وتركتها قبل أن تعلق على هذا عائدة نحو والدتها وأيمن .
ــ هيا بنا ... قالتها رنا ونظرت لأيمن الذي قام على الفور ليقلهما للبيت .
التفتت له سعاد قائلة :
لا تتعب نفسك يا بني ؛ سنستقل سيارة أجرة ... قبل أن يتفوه بكلمة , قالت رنا :
ــ نستقل سيارة أجرة وهو موجود ، تجرحين مروءته هكذا .
ابتسم أيمن قائلاً :
ــ معها حق خالتي .
عادوا للمنزل وحالما دلفوا توجهوا لغرفة الجلوس أما سعاد ذهبت لغرفة نومها بعدما استأذنت منهما قائلة لرنا :
ــ أعدي له العشاء يارنا , لا تجعلينه يغادر قبل أن يأكل .
قامت رنا من مكانها وقد تخللها التوتر عندما سمعت صوت غرفة والدتها يُغلق , همّت بالخروج لكنه لحق بها وأمسكها من ذراعها بحنو , فاستدرات له موسعة عينيها لتقول :
ــ سأعد لك العشاء .
ــ لا أريد عشاء ... قالها وهو ينظر لعينيها بوقاحة ,فاحمر وجهها ونظرت للأرض.
ــ ماذا تريد ؟ .. قالتها بصوتٍ خفيض به لمحة ارتباك .
ضمّها لصدره بقوة قائلًا :
ــ هذا تمامًا ما أريد؛ لكنك تمانعين رغم أنني الآن زوجك يارنا .
ــ أيمن... قالتها داخل أسره ثم ذابت كليًا من دفئه ، وانصهرت ذراتها منادية باسمه لتتوحد في ذراته فيصبح كياناهما عبارة عن مزيج لكيان واحد ، ارتجفت فأخذ يربت على ظهرها حتى هدأت , ظلا هكذا لدقائق كثيرة , تملصت من عناقه وعينيها بها عبرات حيية , كان وجهه يشع بابتسامته الودودة , مرر أصابعه على عينيها يمسح دمعاتها ثم اقترب من وجهها ليقبّلها بين عينيها قائلاً :
ــ لا تبكِ وأنتِ معي أبدًا .
أومأت بنعم , فاقترب من أذنها قائلًا :
ــ أحبكِ كثيرًا يارنا، وأريدك قوية لا تخشي شيء وأنا معك .
غادر مخلفًا مزيج من الحب والشوق مع بعض العشق تتقلب بهم على نار الشغف , رغمًا عنها استرسلت دمعاتها معبرة عن الفرح بظهور ذلك الإنسان المعبق بالرجولة في حياتها المقفرة , ودت لو تشكر القدر الذي جمعها به , وتحمد الإله الذي كافئها لتضمد جراح قلبها الذي سببها تفكك أسرتها , خرّت مكانها ساجدة والدموع تجري كالأنهار تتمتم : الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات .
بمجرد وصوله منزله هاتفها ليقضي ماتبقى من الليل رفقتها وطالت ثرثرتهما على وتيرة رومانسية هادئة وهذه المرة كانت تستجيب برقة ونعومة لغزله الصريح مما زاد سعادته ليطيل وقت المكالمة أكثر وأكثر حتى سمعت صوت غلق الباب الخارجي , حينها أدركت عودة أختها فاضطرت لإنهاء المكالمة.
تجولت شمس بالشقة وعندما لمحت ضوء غرفة رنا , انطلقت نحوها , دلفت بلا طرق على الباب لتجدها تبتسم وهي جالسة ممدة ساقيها على السرير , قالت :
ــ مبارك عليك يا شمس ، أسأل الله أن يتمم لكِ على خير.
ــ آمين .. آمين ... تابعت شمس وقد مطت شفتيها : لما لا تتبرآن مني أنتِ وسعاد بالمرة ؟
عقدت رنا حاجبيها مستفهمة , فواصلت شمس :
ــ لو كنتما بحفل أحد الجيران لتفاعلتما بشكل أفضل حتى العشاء تملصتما منه ... أشاحت بيديها في عصبية قائلة : جالستان وكأن على رأسيكما الطير كما لو أنني دعوتكما لمأتم ،لم يرقص معي غير زملائي بالعمل و أقارب رامي ،هل هذا يُعقل ؟
حاولت رنا إمتصاص غضبها لترد بهدوء :
ــ إهدأي , أيتها العروس الشقية ، من المفترض أنكِ تعلمين طبعينا أنا وأمي، ليس لنا في هذا الصخب ... تابعت مشاكسة : لا أعلم من أين جئتِ بكل تلك الصحة للرقص يا فتاة ، أضيفي على ذلك الغرة التي تبرأ منها حجابك الذي ليس له ضرورة فقد بدى وكأنه قبعة صغيرة ،كنت أود صفعك حينها .
ــ صفعي ؛ بل أنا من يود فعل ذلك الآن .
قامت رنا من مكانها لتقف أمام شمس ثم مدت عنقها تنغاشها قائلة :
ــ هيا افعلي ، أنتِ الليلة عروس وطلباتك أوامر .
اتسعت عينا شمس فقلدتها رنا بطريقة فكاهية مما جعلهما ينفجران بالضحك ، فعانقتها رنا وهي تبارك لها مجددًا وتضيف اعتذار عن رحيلهما باكرًا .
ــ حسنًا ، عفونا عنكِ يا صغيرة ... قالتها شمس بطريقة مسرحية .
زفرت رنا بارتياح , فباغتتها شمس قائلة :
ــ أوصلكما شكري سرحان ؟
ــ اسمه أيمن ياشمس ... ردت رنا باقتضاب .
ــ هل جاء إلى هنا ؟
ضيّقت رنا عينيها غير مستوعبة ماترمي إليه أختها ، ثم قالت :
ــ وما المشكلة ؟
ــ ومتى نامت سعاد ؟
ــ بعدما عدنا مباشرة ، هل أنا في تحقيق أم ماذا ؟
لوت شمس شفتيها وأشارت بيديها قائلة :
ــ نامت وتركتكما تصنعان المجد ، ياويحك يا سعاد !
احمر وجه رنا من تلميحات اختها المبطنة لترد :
ــ أنسيتِ أنه زوجي ؟
ــ اممم , إذن صنعتما الكثير في غيابي ، ها قولي لي ماذا فعلتما أيتها الشقية الصغيرة ؟ ... ردت رنا بانفعال :
ــ لم نفعل شيء ، عيبٌ عليكِ ياشمس .
أشارت شمس على وجه أختها قائلة :
ــ أووه هنا أثر قبلة يافتاة ؛ واضحة جداااا.
امتقع وجه رنا وأخذت تتحسس جبهتها وهي تقول :
ــ تقصدين هنا .
تتابعت ضحكات شمس بصوت عالي لترد :
ــ يا فرحتي بهنا ، هذا آخركما أيها المؤدبان .
ــ وقحة ... صاحت بها رنا ثم دفعتها خارج الغرفة، ولازالت شمس تضحك وهي تتوسل لها أن تخبرها بما حدث لكن رنا أغلقت الباب على نفسها , وركضت نحو المرآة تنظر لوجهها الأحمر وتتحسس جبهتها بجذل ثم تنهدت قائلة :
ــ ليتها تركت أثر ؛ لأباري الكون بها ... استفاقت عندما أتاها صوت أختها من خلف الباب وهي تقول :
ــ أنا أسمعك .. فصاحت بها :
ــ يا قليلة الأدب .
.................................................. ..............
أي نعيم دنيوي أثير ذاك الذي يرتوي من قلب عاشق يجرع معشوقته الأمان مع العشق ؟ ... ليخبرها ألا تخشى شيء طالما أنفاسه تحيط بها وترعاها .
في حنايا منزل كامل حيث كانت دينا تنظر من نافذة غرفة نومها بشرود , تفكر في حال آدم وكيف رفضت زوجته العودة متناسية ريم تمامًا، أوجعها قلبها كثيرًا عندما تذكرت قولها "ضعي نفسك مكاني" ، أجفلت ولم تلحظ من حاوطها بذراعيه وهو يقف خلفها ثم أحنى جذعه مقبلًا رقبتها , متسائلاً :
ــ من أخذ عقلك غيري ؟
ابتسمت وهي تتلمس أصابعه المتشبثة بخصرها لترد بحشرجة :
ــ لن يأخذ عقلي وقلبي وكل كياني غيرك يامن كمّلت حياتي وجمّلتها بالنعيم .
ــ يا إلهي ! ما كل هذا الكلام ؟ .... تابع ممازحًا : يجدر بكِ الاتجاه للشعر .
ضحكت بمرارة , شعر بها فسحب يديه من خصرها ليمسك كتفيها ثم أدارها لتكون أمامه وجهًا لوجه , سألها :
ــ مابكِ دينا ؟ لكِ قرابة الشهرين وأنتِ تخفين عنّي شيئًا .
بلعت غصتها بصعوبة وهي تنظر لعينيه , حاولت السيطرة على دموعها لكنها لم تفلح , تساقطت العبرات على وجنتيها , فمرر أصابعه يمسحها بحنو وقد غضّن جبينه متأثرًا بها , عانقها وهو يربت على ظهرها حتى هدأت , جذبها من ذراعها نحو السرير , جلسا على طرفه ثم بادرها :
ــ احكِ لي مايشغلك .
ــ آدم ... نطقت بها رغم أنها كتمت عنه ما حدث معه ومع ذلك تمكن كامل من جعلها تبوح .
ــ ما به ؟
ــ أمنية ستتركه ولا تود الرجوع له ... قالتها بنشيج .
ــ لماذا ؟ .. قالها كامل وقد عقد جبينه
نظرت له بتوسل ترجوه :
ــ اعفني من ذكرها يا كامل , أرجوك .
ــ حسنًا ... قالها وأخذ يمسح على ظهرها لتهدأ
ــ أيمكن لهما العودة مجددًا؟... سألته وهي تنظر لعينيه تسألهما بث الأمل في نفسها.
ــ لو كانت حقًا تحبه؛ ستعود .... تابع بنبرة أكثر جدية : هي تحتاج فقط لوقت لتتجاوز ما أغضبها .
ــ حقًا ؟ ... أومأ بنعم ثم تابع :
ــ ماذا ستفعلي لو كنت مكانها ؟
انتفضت جوارحها و شخصت عينيها عليه بوجوم لترد :
ــ لا؛ لن أكون مكانها .
ابتسم كامل بحنو قائلاً :
ــ حبيبتي , قصدت أن تشعري بها ... ضيّق عنيه مكملاً : يبدو أن ما فعله أخوك عظيم ... رفعت كفيها قائلة :
ــ بدون التطرق لما فعله ، من فضلك .
ــ حسناً , هل ستسامحيني لو فعلت ما فعله ؟
انسالت الدموع وقد مزقها الألم من مجرد التخيل ولم تتمكن من الرد , فضمّها كامل لصدره مطمئنًا إياها :
ــ اهدأي أرجوكِ، ما قصدته أن الحب يستدعي الغفران يا دينا، وهذا لا يسوغ أبدًا فعلة أخيكِ أيًا كانت... تابع وهو يربت على ذراعها : زوجة أخيكِ ستعود طالما تحبه .
توقفت عن البكاء ثم رفعت رأسها تنظر له وقد احمر جفنيها :
ــ أنا أحبك كثيرًا، ولن أتحمل كسر قلبي يا كامل؛ سأموت إن فعلتها .
أعاد رأسها لصدره وهو يربت عليها قائلًا :
ــ لا عشت ولا كنت إن فعلتها يا حبيبتي ، وهل هناك من يكسر روحه ؟
هدأت نفسها كثيرًا، وتنهدت بارتياح مغمضة عينيها داخل تلك الجنة الدافئة التي يرويها كامل من حناياه .
.................................................. .......................
نظن أن كل الأبواب موصدة , فلا نبصر غير الظلام الذي يزداد قتامة مع بعد كل من ننتمي إليهم , حتى ينبثق شعاع أشبه بخيط من نور آتٍ من داخل القلب يخبرنا أننا ولأول مرة ربحنا أنفسنا ...
داخل منزل جابر , انتهت نور للتو من إطعام ولديها تاركة إياهما يلعبان بالحديقة ؛ ثم بدلت ملابسها وسط استغراب زينب التي لاحظت مؤخرًا سلامها النفسي الغير اعتيادي مع حالتها , انتظرت حتى خرجت من غرفتها مرتدية عباءة سوداء وعليها حجاب داكن اللون ومعها حقيبتها .... عقدت زينب حاجبيها سائلة :
ــ ماذا تفعلين هذه الأيام يانور ؟ لكِ فترة تخرجين في نفس الموعد وكلما سألتك غيرتي الموضوع .
لم تود إخبارها بالحقيقة ؛ فصمتت .. لكن زينب عزمت على معرفة مايجري , فقامت من مكانها معترضة طريقها لتقول :
ــ لن تذهبي حتى أعرف .
ــ اتركيني أمي .
مطت زينب شفتيها قائلة :
ــ هل اتجهتي للدروس الخاصة ؟ زوجك يدفع لنفقتكم مبلغ لا بأس به يا ابنتي .
هزّت نور رأسها نافية وداخلها صراع فهي لاتريد أن يعرف أحد أمرها , تخشى أن يقللوا منها إن علموا , أو يضعوها بركن المثالية الذي لم ولن تنتمي يومًا له , فبالرغم من ذهابها للمسجد لمرتين فقط ؛ إلا أنها تشعر بأن حالها كالسابق لم يتغير فيه شيء سوى بزوغ القليل من الرحمة التي انبثقت من قلبها ناحية ولديها قد تكون لحظية لتتلاشى حال وقوعهما بخطأ ما؛ لكن هذا أفضل من لا شيء , أما ماتضمره لمن تكرههم لم يتقهقر قيد أنملة .
ــ ستخبريني الآن بالحقيقة يانور.
عقدت نور حاجبيها وحدجت زينب بنظرات مغتاظة ولم تنبس ببنت شفة .
تأففت زينب وقد كاد صبرها ينفد , هتفت بها :
ــ لماذا تخرجين بدون ولديكِ ؟
زفرت نور بضيق من محاولات زينب المستميتة لمعرفة سرّها , قالت متذمرة :
ــ ألا يحق لي التنفس في وقت مستقطع لي وحدي بعيدًا عنهما ؟
ــ ولقبك الجديد ؟ ... تابعت زينب وهي تحاول استدعاء الهدوء بكل ما أوتيت من قوة : خروجك من البيت أصبح محسوبٌ عليكِ بنيتي .
اتسعت حدقتا نور منادية الدموع , ولم تتمكن من الرد فقد تبعثر كبرياءها مع التصاق اللقب بها , ألقت حقيبتها على الأرض وهي تصرخ :
ــ استريحي أمي ؛ لن أخرج ... اتجهت للكرسي حيث استوت عليه تقضم أظافرها وهي تحدث نفسها وسط تقطع أنفاسها ودموعها الحارة :
ــ الفشل أقسم على محاصرتي في كل شيء , كيف أتوقع نجاح ذلك الأمر ؟ أم أن بداخلي هدأ لأتطلع للتغيير ؟ إنها محض حماقة لا أكثر اتجهت لها طلبًا للراحة التي أقسمت على هجري .
.................................................. ...............
لا شيء يضاهي عناق قلبين متعاشقين كل منهما يستمد قوته من الآخر بشكل ما , متناسين نقاط الضعف التي خرجت من الماضي ليصفعاها فتعود أدراجها ...
طالت وقفتهما ولم يتذمر أو يبدي أي تعليق رغم أن قدميه تعبتا , أخرجت مابحوزتها من دموع ولازالت متوسدة صدره ؛ لكنها أخيرًا توقفت وهدأت لتستوعب مافعلته للتو فتشعر بالحرج ، وكم كانت سخيفة بفعلتها التي رأتها غبية , رفعت رأسها تنظر له بحرج وقد احمر جفنيها لتقول :
ــ اعتذر منك , لم يكن عليّ فعل ذلك .
ابتسم بحنو قائلًا :
ــ بل أنا من عليه الاعتذار لتركك تعانين وحدك كل هذه الأيام يا حياتي... اقترب من جبهتها طبع عليها قُبلة دافئة ليسألها : ماذا حدث معك في غيابي ياسحر ؟
ازدردت ريقها لترد :
ــ كل مافي الأمر أنني افتقدتك كثيرًا يا حسن .
ــ وأنا أيضًا حبيبتي .
تحركا معًا نحو غرفتها , التقطت منه حقيبة ملابسه ثم فتحتها , أخرجت منها منامة ثم وضعتها على السرير .
ــ لعلك متعب يا حبيبي، حمد لله على سلامتك .
ــ سلمكِ الله... قالها واتجه للسرير يجلس على طرفه , ثم طالعها بنظرات ودودة ليبصر جلبابها القصير الضيق الذي لا أكمام له وكأنه فستان مثير مبرزًا كل مفاتنها , راقت له كثيرًا هيئتها الأنثوية الفاتنة .
استدارت متجهة نحو الباب، ثم حادت برأسها ناحيته والبسمة على ثغرها المكتنز والمحمر من أثر البكاء , قالت :
ــ سأعد لك المائدة خلال تغيير ملابسك .
همّت بالمغادرة , لكنه قام مسرعًا ناحيتها جذبها من ذراعها قائلًا بمشاكسة :
ــ إلى أين ؟ ... قالها ثم أغلق الباب , فضحكت ملئ فيها على حركاته الصبيانية التي تعشقها .
ــ ألست جائع ؟
ــ بلى؛ ولكنّي أود التحدث معكِ قليلاً ... قالها و أوصد الباب بالمفتاح فتتابعت ضحكاتها على تلك النظرات الجريئة التي راقت لها .
.................................................. .............
العشق كلمة لن يعرف معناها إلا من أضناه البعد مخلفًا حنين لا يمكن لللسان البوح به ؛ لكن جوارحه سنتطق حالما يرى شطره الآخر .
مرور الأيام كفيل بتغيير الحال سواء كان للأفضل أو الأسوء ؛ إلا حالها الذي فضّل الركود لمدة شهرين لتبقى مكانها بلا جديد غير مهاتفته اليومية لوالدها و سماع صوت ريم وهي تنادي اسمه عبر الهاتف , وهي منغلقة على نفسها داخل الغرفة , كبرياءها تحكم فيها ليقيدها على درج العند فتغدو معلقة و بإرادتها ؛ لكن جمال كان له رأي آخر .
في صباح يومٍ لطيف رغم حرارته إلا أن به مسحة من أمل , كانت ترتب غرفتها بهدوء الترتيب اليومي المعهود , قاطعها صوت طرق رغدة على الباب ثم دخولها ، استدارت لها أمنية تسألها :
ــ هل هناك شيء أمي .
مدت رغدة يدها بقماشة هيئتها لمسح الأتربة , ثم قالت :
ــ اذهبي لغرفة الجلوس لتنظيفها .
ــ لكنني لازلت أرتب غرفتي أمي .
ــ أنا سأستكمل العمل فيها حبيبتي.. تابعت محفذة إياها : هيا يا أمنية ؛ قومي بما طلبته منك .
ــ حاضر ... قالتها والتقطت من أمها قماشة الأتربة ثم سارت نحو غرفة الجلوس , قامت بمسح الأتربة عن الأرائك بعناية لا سيما تلك الفجوات الموجودة داخل القطع الخشبية والتي افترشها الغبار؛ لأنها تتكاسل عن تنظيفها في كل مرة تنظف فيها الغرفة وتشعر بالملل من مجرد رؤية احتياجها للعناية ... تمتمت :
ــ لكِ حق أمي .
انتهت من الأرائك ثم نظرت للنافذة , أزاحت الستائر و صعدت على أحد الكراسي تمسحها , فسمعت صوت رنين الجرس الخارجي , عقدت جبينها سائلة : ــ من سيأتي في مثل هذا الوقت ؟ ... ضجيج بالخارج و ريم تنادي تهلل بصوتها الطفولي .
قبل لحظات ، فتحت رغدة الباب والحرج يعلو محياها ؛ لأن ابنتها لم تنتهي من تنظيف الغرفة، كما أنه جاء قبل موعده الذي اتفق بشأنه مع جمال , لم تكن تعلم أن الشوق أضناه للدرجة التي كادت تودي به وقد كان يود أن يبيت ليلة البارحة أمام بيتهم، رغم أنه اتفق مع جمال على مفاجئتها وعدم إخبارها بالأمر حتى لا تعترض كما تفعل في المعتاد ويقينه أنها ستستكين له فمؤكد أنها اشتاقت خلال هذين الشهرين كما فعل هو .
كان مبتسم ومعه علبة حلوى , قدمها لها فالتقطتها شاكرة ثم أحنى جذعة ليحمل ريم , احتضنها وانهال عليها بالقبلات الأبوية الودودة ... أشارت له رغدة ليدخل ثم أخذت منه ريم وهمست له :
ــ ستجدها في غرفة الجلوس ... تهللت أساريره وعقله يخمن كيف ستكون ردة فعلها إن رأته , حفذته رغدة وهي تشير للغرفة ثم أخذت ريم وابتعدت .
كانت معلقة على الكرسي مادة جذعها ليصل ذراعها أعلى الحائط تمسح عنه الغبار , لم تلحظ من وقف بجوار الباب يطالعها متعطشًا لنظرة ارتواء منها , يتفحص جسدها الذي امتلىء خلال تلك الفترة التي ابتعدت فيها لتخرج منحنياته عن طوع منامتها القطنية الزرقاء وشعرها المموج منسدل على ظهرها وقد ضمّه مشبك أحمر ... طالعها بعذاب وقد أرخى جفنيه يذوب في كل تفاصيلها , يزفر أنفاسًا حارة مع كل نظرة مصوبة ناحيتها، وقد أضناه الاشتياق لكل شيء جمعه بها وكان هو غافلًا عن قدرها ... حدثه عقله وسط المعمعمة المشتعلة داخله : اغلق الباب يارجل ، حتى تلحظ وجودك ... ففعل .
عندما سمعت صوت غلق الباب , قالت وهي منشغلة بعملها :
ــ هل تريدين منّي شيئًا، أمي؟
لم يرد , ظل محدقًا فيها بنظراته الملتهبة وقد وضع كفيه في جيبيّ بنطاله ليسيطر على ارتباكه , أعادت أمنية السؤال ولا مجيب , فالتفتت برأسها وما إن رأته شهقت قائلة :
ــ آدم .


أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-05-20, 09:26 PM   #186

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي

سبحان الله وبحمده

أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-05-20, 02:49 AM   #187

Soy yo
عضو جديد

? العضوٌ??? » 390429
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 483
?  نُقآطِيْ » Soy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond reputeSoy yo has a reputation beyond repute
افتراضي

قفلة نار قفلة مفصلية في كل رواية اضن ان شخصيات الرواية بدات تجد طريقها لصلح مع ذاتها......حقا ادام تغير كثيرا ونور ارى ان دروس الدينية ستفتح بصيرتها ......عيدكم مبارك ان ساء الله من عواده 🌷🌷🌷

Soy yo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-05-20, 04:13 PM   #188

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة soy yo مشاهدة المشاركة
قفلة نار قفلة مفصلية في كل رواية اضن ان شخصيات الرواية بدات تجد طريقها لصلح مع ذاتها......حقا ادام تغير كثيرا ونور ارى ان دروس الدينية ستفتح بصيرتها ......عيدكم مبارك ان ساء الله من عواده 🌷🌷🌷
يعطيك العافيه حبيبتي 🌹
موعد الختام ليلة الغد بإذن الله تعالى ويارب ينول الرضا
كل عام وأنتم بخير 😍😍


أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-05-20, 11:37 PM   #189

maryam ghaith

? العضوٌ??? » 457425
?  التسِجيلٌ » Nov 2019
? مشَارَ?اتْي » 116
?  نُقآطِيْ » maryam ghaith is on a distinguished road
افتراضي

جميله جدا جدا
هى الخاتمه هتنزل امتى


maryam ghaith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-05-20, 07:08 PM   #190

أمل بركات
 
الصورة الرمزية أمل بركات

? العضوٌ??? » 463957
?  التسِجيلٌ » Apr 2020
? مشَارَ?اتْي » 184
?  نُقآطِيْ » أمل بركات is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة maryam ghaith مشاهدة المشاركة
جميله جدا جدا
هى الخاتمه هتنزل امتى
تسلمي حبيبتي ربنا يسعدك
هنزلها دلوقتي، بعتذر عن التأخير، كان مفروض تنزل أمس


أمل بركات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:17 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.