آخر 10 مشاركات
أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          عروس أكوستا (133) للكاتبة:Maisey Yates (الجزء الأول من سلسلة ورثة قبل العهود) *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          اختلاف متشابه * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : كلبهار - )           »          رواية ناسينها ... خلينا نساعدكم [ أستفساراتكم وطلباتكم ] (الكاتـب : × غرور × - )           »          رواية: ثورة مواجِع من عُمق الورِيد (الكاتـب : القَصورهہ - )           »          الرغبة المظلمة (63) للكاتبة: جاكلين بيرد×كامله× (الكاتـب : cutebabi - )           »          304-صفقة زواج-بربارا بيكر - عبير جديدة -مركز دولي (الكاتـب : Just Faith - )           »          كوابيس قلـب وإرهاب حـب *مميزة و ومكتملة* (الكاتـب : دنيازادة - )           »          صقور تخشى الحب (1) *مميزة ومكتملة* سلسلة الوطن و الحب (الكاتـب : bella snow - )           »          انتقام النمر الأسود (13) للكاتبة: Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

Like Tree566Likes
موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-12-20, 10:22 PM   #261

may lu

كاتبة بمنتدى من وحي الاعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية may lu

? العضوٌ??? » 107341
?  التسِجيلٌ » Jan 2010
? مشَارَ?اتْي » 2,587
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » may lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


مساء الورد حبايبي
يا رب تكونوا بألف خير وسلام.
رجعت لكم بفصل طويل جدًا وملغم
إن شاء الله يعجبكم
هبدأ تنزيل الفصل حالًا .. الفصل مشاهده كتير فكملوا لحد ما تقابلوا جملة انتهى الفصل وقراءة ممتعة
إن شاء الله قراءة ممتعة فعلًا




may lu غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 06-12-20, 10:24 PM   #262

may lu

كاتبة بمنتدى من وحي الاعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية may lu

? العضوٌ??? » 107341
?  التسِجيلٌ » Jan 2010
? مشَارَ?اتْي » 2,587
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » may lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل التاسع عشر

الزغاريد التي ترددت في شقتهم الصغيرة كانت تشبه خناجر متتالية تراشقت منغرسة في قلب رواء التي جلست في فستان خطبة زادها تألقًا، لكنّها كانت أبعد ما تكون عن الشعور بأي سعادة كالتي ارتسمت على وجه شقيقتها الصغيرة الغافلة عن حقيقة ما يحدث .. نظرت لوجه أمها التي أطلقت زغرودة وهي تبتسم ابتسامة لم تصل عينيها .. سمراء التي تجلس في أحد الأركان صامتة، غير راضية عما يحدث ولا زالت حزينة منذ عرفت بقرارها وحاولت أن تجعلها ترجع عنه طيلة الأيام الماضية دون جدوى كما فعل والدها بالضبط حين حاول إقناعها أن تنتظر لتتأكد من تجاوز مشاعرها .. بحثت عنه بلهفة لتراه واقفًا في الزاوية يتحدث مع والد كامل وعيناه حادتا إليها .. كان حزينًا رغم الابتسامة التي ألصقها بوجهه، يقابل بها ضيوفه، ويدعي سعادته بخطبة ابنته الكبرى .. منذ تلك الليلة التي تركت فيها سالم وهي أصبحت تتحرك كآلة.
كان والدها متفهمًا كعادته رغم غضبه لكنّها في اليوم التالي أخبرته بما حدث وبرغبة سالم وبرفضها الانسياق خلف قراره المتهور .. وفي حضنه بكت تطلب منه أن يسامحها على تصرفها المندفع لأنّها لم تملك خيارًا وأرادت أن تواجه سالم وتبعده نهائيًا وقد نجحت .. هو أبّر بوعده ولم يظهر في طريقها مرة أخرى .. ظلت لأيام تترقب ظهوره عند الجامعة أو محاولة أخرى منه ليتعرض لها لكنّه لم يفعل .. اختفى كأنّه فصُ ملحٍ وذاب.
كان يجب أن تشعر بالراحة لكنّها تألمت أكثر ومع كل يمر كان البرود يغزو قلبها والبلادة تسيطر على تصرفاتها وأفكارها .. كانت في حاجة لهذا حتى يتوقف الألم عن ذبحها لكنّها تشتاق إليه بشدة .. قاومت حتى لا تفضحها مشاعرها وهي وسط هذا الجمع وجاهدت لترسم ابتسامة على شفتيها حين مال كامل ليهمس لها شيئًا لم تسمعه فهزت رأسها مدعية .. حانت منها نظرة إلى أم كامل الجالسة على مقربة ترمقهما بضيق .. منذ اللحظة الأولى وهي تشعر بكراهيتها لها، وتعرف أنّها ليست راضية عن الخطبة لكنّها مرغمة لأنّ ابنها من الواضح مدلهٌ في حبها ..
ليست مضطرة لمواجهتها كثيرًا فقد أخبرهم كامل أنّه حصل على عقد عمل في دولة خليجية وسيسافر قريبًا .. طلب أن تتم الخطبة الآن وبعد أشهر يتم عقد القران وهو في الخارج لتسافر إليه لكنّها أسرعت تتشبث بالفرصة وتخبرهم أنّها مستعدة للزواج في أقرب وقت ولا داعي للتأجيل .. شهر واحد أو اثنان كافيان للخطبة وبعدها يسافران وهما متزوجين ولا داعي لكل هذه العطلة.
كانت هذه نقطة خلاف أخرى مع والدها الذي أخبرها أنّها ترتكب خطأ .. كانت تعرف أنّها تفعل لكنّها كانت في حالة من البلادة بحيث ما عادت تأبه لأي نتيجة لقرارها .. كلما أسرعت بإنهاء الأمر كلما كانت أسرتها في أمان من تهديدات جد سالم الذي ظل يرسل لها يذكرها بوعدها.
سببٌ من أسباب عدم شعورها بالذنب تجاه كامل أنّها لا زالت تشك أنّه مدفوعٌ من ناحيته .. أنّ كل هذا الاهتمام والنظرات المليئة بالحب مجرد تمثيل .. جزءٌ منها كان يخبرها أنّها تخدع نفسها لتمنع إحساسها بالخيانة والذنب نحوه.
والدها قال أنّها سترتكب ذنبًا كبيرًا إن تزوجته وقلبها مع رجل غيره لكنّها أخبرته بإصرار أنّ قصة سالم قد انتهت وأنّها ستستغل فترة الخطبة لتتعرف عليه أكثر وتمنح نفسها الفرصة لتنسى سالم ولن تتم الزواج إلا وهي قد تخلصت من مشاعرها تمامًا وأخلصت لزوجها بقلبها.
زغرودة أخرى قرب أذنها جعلتها تنتفض ملتفتة لكامل الذي مد لها يده ... لم تنتبه أنّه على وشك أن يلبسها شبكّتها .. تخبط قلبها بين ضلوعها بجزع وهي تمد يدها بآلية .. لا تفعلي يا رواء .. سترتكبين خطأ عمركِ .. نظرت للدبلة الذهبية التي على وشك أن تربطها بذلك الغريب للأبد .. ماذا عن خاتم سالم؟ .. أين وضعته؟ .. كيف سترتدي خاتم رجل آخر؟ .. كادت تسحب يدها لكنّ نظرة واحدة لأفراد أسرتها الملتفين حولها وتذكرها لتهديدات جد سالم جعلتها ترسم أوسع ابتسامتها على شفتيها وتترك له يدها يضع فيها دبلته.
دخلت في إصبعها بسهولة لتقبض يدها وقلبها ينزف بمرارة .. منذ أسبوع واحد اختارتها والآن صارت واسعة على إصبعها .. هل فقدت وزنًا بهذه السرعة؟
"لو أردتِ يمكننا تعديل المقاس"
أخبرها كامل بحنان زادها اختناقًا لكنّها هزت رأسها
"لا بأس .. سأتصرف"
لم تفتها نظراته القلقة وكانت تعلم بالفعل أنّ وجهها صار أنحف وأكثر شحوبًا لكنّ أدوات الزينة أخفت عنه هذا الشحوب
"خالتي تبدو متضايقة"
قالت مشتتة إياه فنظر إلى أمه المتجهمة وقال معتذرًا
"أمي طيبة .. هي فقط .."
قاطعت تردده
"أعلم أنّها غير موافقة على الخطبة"
"لا تقلقي .. أنا واثقٌ أنّها ستحبكِ كما أحبكِ ابنها"
كلماته زادت اختناقها وشعورها بالذنب .. منحته ابتسامة مرتبكة ليسألها باهتمام قلق
"هل أنتِ سعيدة؟"
هل هي سعيدة؟ .. هل يُسأل المحكوم عليه بالإعدام إن كان سعيدًا؟ .. ألا يسألونه ما أمنيته الأخيرة؟ .. هذا السؤال أكثر دقة .. هي بالتأكيد ليست سعيدة وتبدو لها ذكرى ذلك الشعور المدعو سعادة ذكرى باهتة لا تستطيع استيعابها الآن.
ردت بابتسامة باهتة
"ما هذا السؤال الغريب؟ .. أي فتاة لن تكون سعيدة في خطبتها؟"
تأملها لثوان وخشيت أن يكتشف ما أسفل قناعها الكاذب
"سؤال سخيف فيما يبدو"
أخبرها ضاحكًا بتوتر ثم قال
"أعرف أنّ كل شيء حدث بسرعة ولم نجد الوقت لنتعرف على بعضنا لكن .."
"لا بأس .. أنا متأكدة أننا سنتعارف كفاية في فترة الخطبة"
أخبرته بهدوء ليواصل تأملها ثم ابتسم
"هل تعرفين؟ .. أشعر أنّ كل رجال العالم يحسدونني الآن لأنني وحدي حظيت بكِ"
اهتز قلبها لكلماته .. يا ربي .. لماذا يُصعب الأمور عليها؟ .. لماذا يُصر على أن يكون لطيفًا ومحترمًا؟ .. هل يخدعها فعلًا أم أنّه يحبها ويريد سعادتها؟ .. يقول أنّه أعجب بها عندما رآها تلك المرة في زيارتها للشركة .. تأوه قلبها بوجع .. نفس اليوم الذي رأت فيه سالم أول مرة ووقعت في حبه كالحمقاء .. هزت رأسها بسرعة توقف تفكيرها الخائن .. لا يصح .. هي تجلس مع خطيبها ولم تمض دقائق على ارتدائها دبلته .. لقد صارت تربطهما كلمة وبداية عهد .. ما عاد يصح أن تذكر سالم وأيامه .. صار محرمًا عليها كحرمة السعادة والراحة منذ تلك الليلة التي افترقا فيها.
عادت تنظر لوجه كامل وعينيه المتألقتين بالسعادة، وهمست لنفسها بحزم .. انسي يا رواء .. سالم أصبح ماضيكِ وكامل هو مستقبلكِ .. تقبلي هذا وامضي مع قدركِ حيث شاء .. انسي وارضي.
******************
تقلب سالم في الفراش بانزعاج وصوت الهاتف يرن بإلحاح بقربه
"سالم .. هاتفك يرن .. رد عليه أو أغلقه لا أستطيع النوم"
مد يده مغمضًا ليبحث عن الهاتف، أغلقه وعاد للنوم حين رن بإصرار مرة أخرى
"أوف .. ما هذا يا رجل؟ .. هل هذا وقت يتصل فيه أحد؟"
هتف نفس الصوت ليفتح سالم عينيه بتثاقل .. لمح خيال منير يغادر الغرفة متأففًا وتنبهت حواسه لينهض .. الصداع يضرب في رأسه بعنف ليزيده رنين الهاتف سوءًا .. التقطه وزفر بقوة وهو يغلقه ويلقيه خلف منير
"إنّه هاتفك أنت أيها الأحمق المسطول .. تبًا"
هتف وهو يرتمي على الفراش وحدق في السقف بخواء صار يلازمه منذ تركته رواء .. كل تمرده وصخب الأيام التي قضاها مسافرًا مع منير وشلته يجوبون طول البلاد وعرضها .. السهرات التي صار يقضيها برفقتهم والحل السحري الذي منحه إياه تلك الليلة لم يفلح شيء من هذا كله في ردم الهوة المخيفة التي تتوسع داخله وتوشك أن تلتهمه.
لا شيء يفلح في إبعاد خيالها عنه ولا ذكرى رحيلها ..
حاول منير أن يعرفه على أخريات، لكنّ خيالها كان يخسف بهن الأرض .. كن أقرب لمسوخٍ ملونة بزينتهن الصاخبة وملابسهن بينما خيال حبيبته بشعرها الطويل وملابسها المحتشمة الرقيقة وخجلها كان شيئًا من بعدٍ آخر .. ملائكيًا .. أكثر طهرًا وسموًا.
مجرد ذكرها يزيد شعوره بالقرف من نفسه ومن الطريق الذي يندفع إليه مصممًا على إهلاك نفسه فيه .. من يعاقب بالضبط؟ .. نفسه أم جده أم يعاقبها هي؟
ضغط على رأسه بكفيه علّه يوقف الصداع، ثم مال يأخذ سيجارة من التي تركها منير على الجارور .. أشعلها ودخنها بسرعة متوسلًا دخانها أن يسرقه من أفكاره والضجيج الذي يملأ رأسه.
يريد أن تصمت تلك الأصوات .. أن تختفي رواء بذكراها الملائكية .. لقد بر بوعده لها ولم يذهب لرؤيتها مرة أخرى رغم كل المرات التي ألح عليه قلبه أن يذهب إليها .. لم يتصل بها.
لكنه مشتاق ..
مشتاق بجنون ولا يعرف كيف سيحتمل قبل أن يهزمه الشوق ويجعله يحنث بقسمه لها.
آه يا رواء ماذا فعلتِ بي؟
همس وهو يراقب سحب الدخان المتكاثفة فوقه والتي بدأت تحيط عقله كغلاف سميك يسحبه عن واقعه المؤلم إلى أحلامه البعيدة حيث لا يوجد جده ولا أوامره ولا سعيه الطويل لإرضائه .. حيث لا يوجد إيهاب وغيرته ونقمته عليه لسبب لا يعرفه .. حيث لا توجد أمه تطالعه بنظراتها الحزينة في كل مرة يعود للسراي ليرى في عينيها كيف ترى انقلاب حاله من سيء لأسوأ ليهرب بعدها في رحلة أخرى لأيام تزيده ضياعًا .. حيث لا أسامة يطارده ليل صباح بنصائحه ويتوسله ألا يضيع حبه من بين يديه .. تبا يا أسامة لست مكاني لتحكم علي ..
من بين الغيوم تسلل إليه رنين مزعج فهتف بحنق دون أن ينهض من مرقده
"رد على هاتفك اللعين يا منير"
ظل الرنين يدوي معيدًا إليه صداعه فنهض متثاقلًا بينما الجرس الملح لا يتوقف ليدرك بعد برهة أنه جرس الباب لا الهاتف.
"حاضر .. أنا قادم .. ما هذا الإزعاج على بكرة الصبح؟"
حانت منه نظرة للساعة ليكتشف أنها تقترب من العصر .. فرك عينيه بإرهاق ولمح من طرف منير وهو متسطح على الأريكة في الصالة المبعثرة من أثر الحفل الصاخب الذي استمر للصباح حيث بقايا علب الطعام وأعقاب السجائر وزجاجات الشراب .. كان الوضع كارثيًا لكن ليس أسوأ من الفوضى داخله.
فتح الباب حين رن مجددًا وهتف بنزق
"نعم .. ماذا تر .."
توقف سؤاله حين طالعه وجه أسامة بقلق تحول إلى استنكار حين رأى حالته
"أسامة .. ما الذي أتى بك؟"
"ما الذي أتى بي؟"
سأله باستنكار ثم هتف وهو يدفعه في صدره بعنف
"بل ما الذي تفعله أنت هنا؟"
تراجع مترنحًا وتحسس صدره صائحًا
"ما الذي دهاك يا أسامة؟"
اندفع أخوه إلى الشقة وزاد حنقه وهو يرى الوضع داخلها
"ما الذي دهاك أنت يا سالم؟ .. هل تدرك ماذا تفعل؟"
أمسك جبينه الذي يكاد الصداع يفتك به
"أسامة دعني وشأني .. لقد سئمت من محاضراتك .. لم أترك السراي لتأتي خلفي وتسمعني إياها"
اندفع يمسك كتفيه وهزه
"ماذا أصابك بالضبط؟ .. ألا ترى حالتك؟"
"أنا بخير .. ليس بي شيء .. لم أكن يومًا بأفضل حال"
رد مكابرًا، بينما اقترب أسامة وحرك أنفه يشمه، ثم دفعه للخلف هاتفًا بغضب
"هل شربت خمرًا؟"
"لم أفعل"
رمقه متفحصًا ثم هتف
"أنت تتعاطى شيئا إذن"
"بالله عليك يا أسامة .. اذهب واتركني لحالي"
أخبره بنزق وتحرك مبتعدًا فأمسكه أسامة
"ما الذي تفعله بنفسك؟"
انتزع ذراعه صائحًا
"أنا لا أفعل شيئًا"
"أنت تهلك نفسك .. ألا ترى؟"
ابتعد خطوة مشوحًا بذراعه
"أنا بأفضل حال .. أنا الآن حر نفسي .. لقد سئمت من التصرف بمثالية .. لا أريد أن أكون حجر الشطرنج الذي يحركه سالم باشا كما يريد، ليبحث له عن دمية غيري يحركها ويأمرها ويجعلها مثالية لتناسب تطلعاته، أما أنا سئمت .. خلاص .. انتهى .. سالم المطيع المثالي انتهى .. اذهب وأخبره هذا"
صاح أسامة بالمقابل
"هل تعتقد أنك تعاقب جدي الآن؟ .. أنت أحمق .. أنت لا تهلك سوى نفسك ولا أحدد متضرر سواك"
واقترب يشده من كفه
"هيا معي لن أدعك تخرب حياتك أكثر"
شد يده بعناد
"ماذا هل سأتلقى منك الأوامر الآن"
"سالم أنت لا تعي ما تقول أو ما تفعل"
ضحك بمرارة ثم ردد
"اذهب يا أسامة .. لقد ضيعت أثر السيجارة من رأسي"
نظرة أسامة المتحسرة زادته ضيقًا ومرارة
"ما الذي حدث لك؟ .. كل هذا لأنها رفضت الذهاب معك؟ .. كنت تعرف أنها لا تستطيع فعل هذا بأهلها .. كيف .."
قاطعه بغضب
"لا أريد الحديث عنها"
"أنت تتصرف كطفل أحمق"
صرخ أسامة مخرسًا إياه وتابع
"أنت تعرف أنها ضحية مثلك .. هي لم تكن تريد تركك لكنّها لم تملك خيارًا .. تعرف أنها تركت الكرة في ملعبك .. انتظرت أن تواجه جدي وتحارب لأجلها وأنت ماذا فعلت؟ .. هربت كالأطفال وتخليت عنها"
"أسامة"
هتف اسمه بغضب فدفعه أسامة في كتفه
"بلا أسامة بلا زفت .. لقد تعبت من تكرار نفس الكلام .. أفق يا سالم قبل فوات الأوان"
قاطعه صوت يردد بثقل
"هدوء يا شباب .. ماذا؟ .. هل قامت القيامة؟"
التفت أسامة متجهمًا وأشار لمنير بغضب
"أنت تخرس تمامًا يا هذا"
هز منير كتفيه بلا مبالة فرمقه أسامة بنقمة وهو يلتقط سيجارة حشيش ويدخنها .. لن ينتظر ليدمر ذلك الأحمق أخاه .. التفت في الحال لأخيه وقبض على يده
"هيا تعال معي .. يجب أن نمنع تلك الكارثة قبل أن تقع"
انتزع يده هاتفا
"أي كارثة؟ .. أنا لن أذهب لـ .."
التفت له صائحا بحدة
"رواء ستتزوج اليوم أيها الأحمق، ويجب أن تمنعها قبل فوات الأوان"
توقف قلبه تمامًا وحدق فيه بغباء
"رو .. رواء من؟"
سأل بتحشرج فزفر أسامة
"رواء من يعني؟ .. رواء حبيبتك"
انفجر قلبه وقطب بألم محاولًا التركيز .. هل زاد من جرعة المخدر حتى أصبح يهذي الآن؟ .. مؤكد، فأسامة ليس هنا الآن يخبره أن حبيبته تتزوج اليوم.
"هيا يا سالم لا وقت نضيعه .. يجب أن نعود في الحال"
"ما الذي تتحدث عنه؟"
ردد بحشرجة تشبه الاحتضار، فرد أسامة بنفاذ صبر
"أقول لك رواء ستتزوج .. اللعنة يا سالم هل سمعتني؟ .. لقد عرفنا أمس فقط .. حاولنا الوصول لك بأي طريقة لكنك كنت فص ملح وذاب وهاتفك مغلق .. عرفنا مكانك بالصدفة البحتة و .."
قطع ثرثرته زافرًا بحدة
"على أية حال أخبرك بالتفاصيل لاحقًا .. الآن علينا الذهاب بسرعة لنوقف هذه المهزلة"
ردد وهو يشده خلفه
"لم أستطع الذهاب إلى بيتها لأمنعها .. حمدًا لله أنها لم تعقد القران بعد .. يبدو أنه سيتم في حفل الزفاف"
كان يتحرك معه مشوشًا وأفكاره تصفعه ذات اليمين وذات الشمال .. رواء ستتزوج .. متى خطبت أصلًا؟ .. متى تجاوزته بهذه السرعة لتخطب وتتزوج هكذا فجأة؟ .. كم مرة على فراقهما أساسًا؟ .. توقف فجأة لينتزع يده هاتفًا بشدة
"لن أذهب لأي مكان"
التفت له مصعوقًا
"ما الذي تقوله؟"
"كما سمعت"
رد ببرود وهو يتراجع
"هي اختارت"
"هل ستتركها بهذه البساطة؟ هل ستتخلى عنها هكذا؟"
هتف أسامة ذاهلًا فرد
"هي من تخلت .. لم يضربها أحد لتوافق"
كان يردد بعناد بينما قلبه ينزف بغزارة وعقله لا يريد التصديق .. وقف أسامة محدقًا فيه بصدمة قبل أن يهتف
"ستضيعها من يدك؟"
"لقد ضاعت وانتهى الأمر"
"أنت جبان أحمق"
صرخ بها أسامة فهتف فيه
"أنت لا تعرف شيئًا .. أنت لست مكاني لتتبجح بأحكامك عليّ"
اندفع أسامة ليلكمه بكل قوته
"ولا أريد أن أكون مكانك .. لا أريد أن أكون جبانًا وأترك الفتاة التي أحب تضيع من يدي"
"وماذا تريدني أن أفعل، هه؟ .. ماذا كان بيدي لأفعل أكثر مما فعلت؟"
صاح وهو يدفعه بالمقابل ثم ترنح شاعرًا بالدوار
"أنت لا تفهم شيئًا ولا تشعر بي .. أنت لا تعرف أي شيء .. اذهب يا أسامة واتركني لحالي .. لا أحد منكم يشعر بي .. اذهب ولا تضيع وقتك معي"
رمقه لثوان ثم اقترب ينظر في عينيه عن قرب
"أنت محق .. لن أضيع وقتي معك أكثر .. لماذا أحرق دمي من أجلك ما دمت أنت فضلت الهرب كالجبناء"
قطع سالم كلمته والتفت يرد له لكمته
"توقف عن نعتي بالجبان أيها الأحمق"
تراجع أسامة مدلكًا فكه ثم صاح
"لا أراك في هذه اللحظة سوى هكذا .. تمام يا سالم .. أنا سأذهب وابق أنت ابكي على حالك واترك رواء ليأخذها غيرك"
وحدجه بنظرة متحسرة
"ربما هو من يستحقها في النهاية"
واندفع مغادرًا وتركه خلفه يحدق بضياع .. حرقة قلبه شعرها في عينيه اللتين لمعتا بدموع منعتها كبرياؤه ولم يشعر باقتراب منير منه إلا حين لامس كتفه
"ما الأمر يا صاحبي؟"
مسح عينيه بقوة واندفع نحو الداخل
"لا شيء .. لا شيء يستحق"
اقترب منير مقطبًا
"ألا يستحق فعلًا يا سالم؟"
انتزع منه سيجارة الحشيش ودخنها بعصبية فتأمله منير للحظات قبل أن ينتزعها منه ويلقيها أرضًا ودهسها
"اسمع .. ربما أكون أسوأ شخص ينصحك في أمر النساء … أنا لا أرى امرأة تستحق أصلًا وعلاقتي بهن تقتصر على ... أنت تعرف"
ردد ملوحًا بيده وراقب سالم وهو يأخذ سيجارة أخرى فتأفف واقترب يلقيها ويلقي الطبق كله أرضًا
"أنا رأيت حالتك الفترة الماضية يا سالم .. أنت متعلقٌ بهذه الفتاة ومهما فعلت لا تريد نسيانها .. أنت لم تنظر لأي فتاة حاولت أن أعرفك عليها .. أنت تحبها فعلًا .. لا أعرف تفاصيل علاقتكما لكن كلام أسامة ربما يكون صحيحًا"
واقترب يجلس قربه على الفراش وربت على ساقه
"إن كنت لم تحتمل فراقكما وهي حرة ولديك أمل معها .. هل ستتحمل حقًا أن تتزوج غيرك؟ .. إن كان لن يفرق معك فـ .. تمام سأوافقك في ألا تلحق بها لكن إن كان العكس فصدقني أنت من ستندم إن لم تلحق بأسامة وتوقفها"
وصمت لحظات ثم ضحك هارشًا رأسه
"ما هذه الحماقات التي أرددها؟ .. أصبحت شاعريًا دون أن أدرك .. ربما عليّ أن أقدم برنامجًا إذاعيًا عن الحب وأقدم النصائح"
لم يبتسم سالم على دعابته فتنهد بقوة ثم نهض ضاربًا على كتفه
"لن أتهمك بالجبن مثل شقيقك .. فقط .. اسأل نفسك كما قلت لك .. هل ستحتمل أن تكون لغيرك؟"
ألقى سؤاله وغادر تاركًا إياه محاصرًا بنيرانه وآلامه والاختناق الذي اعتصر صدره وضاق مع كل لحظة تمر بينما السؤال يتكرر داخله
هل سيحتمل أن تكون لغيره؟
ظل يتكرر وصدره يضيق أكثر وأكثر حتى انتفض واقفًا وتسارعت أنفاسه وهو يهتف
"لا .. لن أحتمل .. لن أتحمل .. لا"
تفاجأ به منير يندفع خارجًا بعنف فهتف يناديه لكنّه لم يتوقف وانطلق مغادرًا وتفكيره كله منصبٌ على هدف واحد.
إيقاف الزواج بأي طريقة وبأي ثمن.
*******************



may lu غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 06-12-20, 10:25 PM   #263

may lu

كاتبة بمنتدى من وحي الاعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية may lu

? العضوٌ??? » 107341
?  التسِجيلٌ » Jan 2010
? مشَارَ?اتْي » 2,587
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » may lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

لمسة ناعمة لامست خده كرفرفة فراشة فقطب محركًا رأسه .. تسللت لأذنيه ضحكة رقيقة وعادت الشفتان تلامسان عينيه فابتسم بنعاس، وصدره تحرر فجأة من كابوسه الجاثم على صدره والذي أعاده لذكرى خسارته الكبرى .. أسرع خياله يحرره من جحيم الذكرى إلى جنتها التي حُرم منها .. سِنة قصيرة من النوم أخذته مجددًا لكنّها كانت بعمر الأبدية .. رآها تقف أسفل شجرتهما الأثيرة وشعرها عاد طويلًا مفرودًا حولها يتطاير بسحر .. تقف بثوبٍ أبيض ناعم عاري الذراعين .. كانت فاتنة ككل أحلامه بها .. فاتنة كتلك الليلة التي لا زالت تعذبه بذكراها، تزيده عطشًا واحتراقًا و .. ندمًا.
طرد الذكرى قبل أن تفسد حلمه الرائع وركز على روائه التي فتحت ذراعيها وعلى شفتيها ارتسمت أجمل الابتسامات.
همست اسمه بحب خالصٍ، فاردة ذراعيها أكثر بدعوة لمعت في عينيها المليئتين بالعشق ... كم اشتاق وكم كان عطشًا إليها .. هل حان الوقت ليرتوي؟ .. هل أشفقت عليه أخيرًا وقررت أن تغفر ثم تسقيه من نهرها السلسبيل؟
قادته قدماه كالمسحور ولم تحد عيناه عن واحتيّ عينيها الريّتين، وابتسامتها الواعدة بنعيمٍ أبدي تتسع وتتسع حتى غمرت صدره السعادة وانشق عن روحه ذلك الغيام الثقيل الذي كبّلها لسنين.
"روايا"
همس وهو يرفع كفه يلامس خدها برهبة وقلبه يرتعد اشتياقًا وجنونًا .. خشي أن تتبخر لكنّها ظلت مكانها تأسره بعينيها وحين شعر أنّ قلبه يوشك أن ينفجر اقتربت لتحيط عنقه بذراعيه وتعانقه هامسة
"اشتقت لك"
مفرقعات نارية انفجرت بقلبه وروحه وظل ذراعاه معلقين بتردد يخشى أن يضمها بينهما فتتسرب ككل أحلامه لكنّه لم يصمد طويلًا أمام اشتياقه .. لف ذراعيه حولها وضمها بقوة ودفن وجهه في عنقها ليسمعها تهمس
"لا تتركني مرة أخرى"
"أبدًا"
هتفها بقوة وتملك ووعد أنّه لن يضيعها هذه المرة
"أبدًا لن أفعل روايا .. أبدًا"
واصل وهو يضمها أكثر وخذلته ساقاه فسقط على ركبتيه يشدها معه .. لم تبتعد بل ضمت جسدها إليه واستكانت فوق صدره ليسألها
"هل غفرتِ لي روايا؟"
رفعت عينيها وابتسامتها
"أنت نفسي يا سالم .. كيف لا أغفر لنفسي؟"
همستها وهي تداعب خده بأصابعها وابتسمت أكثر فأشرقت الشمس على روحه و ..

صفعت الشمس وجهه بإشراقها القوي فزم عينيه بألم ورفع كفه يحجب النور وحواسه تستيقظ .. اختفت رواء وابتسامتها وغادر حلمه بشعور من الحسرة رحل سريعًا ليحل محله شعورٌ رقيق من الأمل والتفاؤل وهو يستعيد شعوره بها .. لم تكن حلمًا .. كانت حقيقية جدًا .. لمسها وسمع صوتها وشعر دفء جسدها وابتسامتها.
"عمو .. هل لا زلت تحلم؟"
انتزعه السؤال قاطعًا آخر خيوط عالم الأحلام ففتح عينيه ليجد لي لي تقف بابتسامتها الشقية عند الشرفة ممسكة بستارتها التي شدتها لتدخل الشمس .. قطب بدهشة ثم نهض فاركًا عينيه
"لي لي .. ماذا تفعلين هنا؟ .. كيف دخلتِ؟"
"من الباب"
أخبرته ضاحكة كأنّه غبي لأنّه لم يدرك هذه الإجابة المنطقية .. ضاقت عيناه وهو يرمقها بتنمر مصطنع
"لماذا دخلتِ غرفتي يا بنت أسامة؟"
هزت كتفيها
"تيتا كانت ستأتي لتوقظك لأنّك ستتأخر على صلاة الجمعة لو ظللت نائمًا .. وأنا قلت لها أنني سأوقظك بنفسي"
وتحركت متقافزة نحوه وبقفزة أخيرة كانت جواره
"طرقت الباب على فكرة حتى لا تقول أنني غير مؤدبة"
حدجها بنظرة غير مصدقة فرددت ببراءة
"صدقني طرقته، لكن أنت لم تسمع ... انظر الوقت تأخر"
تنهد وعاد يستلقي بتعب فمالت نحوه قائلة بخبث
"سمعتك وأنت تحلم يا عمو .. كنت تقول .. روا"
فتح عينيه يرمقها بفزع بينما قلدته بتمثيل حزين
"لا تذهبي يا روا .. روا .. روا'
"ماذا تقولين يا بنت؟"
هتف بحنق، فحركت حاجبيها مغيظة
"وأنا سمعتك .. في الأول كنت عابسًا هكذا"
وقطبت حاجبيها تقلده ولم يعرف هل يضحك أم يتذكر كابوسه الأول ببؤس لكنّها تابعت ضاحكة
"ثم ابتسمت عندما قبلتك كما تفعل معي ماما عندما أحلم بكابوس"
رمقها بدهشة فعادت تقول مشيرة للشرفة
"لكن أنت ظللت نائمًا ففتحت للشمس حتى توقظك هي"
ضحك بقلة حيلة ثم تأملها بحنان ممتنًا لها أن انتزعته من كابوسه .. انتبه لها تتأمله بدورها بنظرات شقية ثم لامست شعره المشعث وضحكت بشدة
"شكلك غريب جدًا وأنت مستيقظ من النوم"
شدها من شعرها
"وأنتِ لا تكونين غريبة أول ما تستيقظين يا شقية؟"
هزت رأسها نفيًا ثم ارتمت على صدره تسأله بدلال
"هل ستأخذني معك غدًا يا عمو؟ .. أريد أن أرى طنط رواء"
خفق قلبه مع ذكرها وابتسم وهو يضم لي لي
"حقا؟ .. هل أحببتِها لي لي؟"
"نعم .. لكن سأحبها أكثر عندما تصالحك"
ابتسم بأسى ثم تذكر حلمه فعاوده الأمل
"إن شاء الله يا حبيبة عمو .. هل ستحبين أن تأتي لتعيش معنا؟"
ابتعدت نرمقه بعينين لامعتين
"هل ستأتي حقًا؟"
مط شفتيه مجيبًا
"أنا أحاول إقناعها .. ربما تأتي قريبًا عندما نتصالح .. هل ستحبين هذا؟"
"طبعًا .. تأتي لتعيش معنا وأيضًا بوب سيعود لأنه يحبني وسنعيش معًا كلنا في تبات ونبات، صحيح؟"
ابتسم لحلمها الجميل وهو يداعب شعرها لتهتف فجأة وهي تتعلق بعنقه بدلال
"عمو لو أخذتني معك سأجعلها توافق وتأتي فورًا لتعيش معنا"
ضحك وقرص وجنتها
"ستفعلين يا عفريتة؟"
أومأت بحماس فتنهد بحرارة وتذكر مهمته الصعبة في الغد ولقاءه ببدر العزايزي .. ظل يفكر في الاحتمالات وفيما سيقوله ولم يستطع النوم إلا بعد الفجر .. يشعر بتوتر وخوف شديد كأنّه مقبل على لحظة ربما تحدد مصيره .. طرد مخاوفه ليركز مع لي لي وأخبرها بحنان
"أعرف أنّكِ ستفعلين حبيبتي، لكن للأسف لن أذهب إليها غدًا .. ربما في يومٍ آخر سآخذكِ إليها، تمام؟"
"تمام"
غمغمت باستكانة حزينة فأسرع يدغدغها ليعيد إليها ضحكاتها التي صدحت سريعًا وابتسمت لها سمية التي كانت على وشك أن تدخل إليهما .. أطلت من الباب الموارب واتسعت ابتسامتها الحانية وهي تتأملهما قبل أن تتراجع وشفتاها تدعوان لهما ولكل أسرتها أن ينفرج همهم عن قريب.
*******************
تمايلت طيف على الموسيقى وهي تدندن مع الأغنية بينما تقوم بكي الملابس .. تترك المكواة لتهز كتفيها ويديها مواصلة الغناء لتسرع بعدها محركة المكواة قبل أن تحرق الثياب .. ظلت هكذا لدقائق حتى سمعت صوت أمها
"هل أنهيت كي الملابس يا طيف؟"
انتزعت السماعة من أذنها وهتفت
"كدت أنتهي يا ست الكل"
"إياكِ أن تكوني أحرقتِ شيئًا منها"
زفرت بقوة وصاحت وهي تواصل الكي
"لا ثقة في قدراتي على الإطلاق .. لا تقلقي يا جميلة هانم .. ثياب حبيبكِ بدر في أمان تام أنا أعرف أنّكِ تسألين من أجله"
"لمي لسانكِ يا مقصوفة الرقبة"
سمعت هتاف أمها فضحكت قبل أن تعود لتتمايل في رقصها وتواصل الكي .. كانت في آخر قطعة عندما رن هاتفها معلنًا وصول رسالة فالتقطته .. فتحت الرسالة وهي تمسك المكواة من جديد ولم تكد تضعها على البلوزة حتى جحظت عيناها وهي ترى ما على الشاشة .. كانت رسالة من ابن عمها المتسفز كالعادة لكنّ ما جعلها تشهق باستنكار كان صورة الحقيبة التي تشاجرت عليها مع نيروز وكادتا تقتلان بعضهما لأجلها .. نزلت عيناها على رسالته تقرأها
"كم تدفعين مقابلها يا ابنة عمي العزيزة؟"
وأسفلها وجه يخرج لسانه مغيظًا .. صرخت بقهر وهي تضرب على ساقها
"ذلك الحقير ابن الـ .."
هتاف أمها نبهها للبلوزة التي كادت تحترق .. رفعت المكواة ونظرت بهلع .. لم تحترق .. تقريبًا .. هذا أثر بسيط يمكن إخفاءه .. حمدًا لله أنّها بلوزتها وقديمة تقريبًا .. أسرعت تخفيها أسفل الأريكة قبل أن تدخل أمها فجأة
"لماذا تصرخين يا بنت؟"
"لا شيء .. آه . أنا .. لسعت يدي وأنا شاردة"
قالت وهي ترفع المكواة مبتسمة ببلاهة فزفرت جميلة بيأس
"ربنا يصبرني عليكِ يا آخرة صبري .. حتى الكي لا تفلحين فيه .. كيف ستفتحين بيتًا لا أفهم؟"
هتفت من خلفها
"سأتزوج مليونيرًا وسيحضر لي الخدم والحشم"
"مليونير؟ .. طيب يا بنت جميلة .. لنرى آخرها معكِ .. من سيأخذكِ ستكون أمه داعية عليه بقلب حار"
لوت شفتيها وصاحت
"لا تعرفون قيمتي في هذا البيت .. من سيأخذني سيقبل يديه وجهًا وظهرًا"
وصلتها ضحكة سمراء من الخارج
"هذا قبل أن يكتشف ما تورط فيه وسيهرع إلى أبي ويركع مقبلًا يديه ورجليه يتوسله أن ينقذه منكِ"
أطلقت ضحكة متقطعة وقالت
"ظريفة يا سمارا .. مضحكة للغاية"
وخفضت صوتها وهي تفصل المكواة من الكهرباء وتعيد فتح الرسالة تتأمل الحقيبة بغيظ .. لا بد أنّه كان يراقبها في ذلك اليوم ورأى المشاجرة دون أن تنتبه لوجوده ثم أرسل من يشتريها .. لقد كانت النسخة الوحيدة بالمحل.
"الوغد مستغل الفرص .. هل يظن أنه سيضغط عليّ بها؟"
لكنّها حقًا تعجبها وظلت تحلم أنّها قتلت نيروز وأخذتها .. لن يكون سيئًا أن تساومه عليها .. كادت ترد عليه لكنّها تراجعت بكبرياء، ثم لمعت بعقلها فكرة أخرى فأسرعت تحفظ الصورة على الهاتف وفتحت موقع التواصل لتبحث في صفحتيّ لبنى وشقيقتها عن حساب نيروز وابتسمت بانتصار ما أن وجدته .. أسرعت تفتح الرسائل وتضغط على إرسال الصورة ثم أرسلت لها نفس الوجه يخرج لها لسانه .. أطلقت ضحكة شريرة وهي تتخيل رد فعلها .. ستعتقد أنّها فازت بالحقيبة .. انتظرت بفارغ الصبر أن ترد عليها وحين كادت تيأس من أن تراها وجدتها ترسل لها صورة لوجه متوعد .. ابتسمت بخبث وضغطت لترسل لها ردًا مستفزًا حين وجدت التطبيق يخبرها أنّها لا تستطيع الرد على المحادثة .. قلبت في موقع التواصل قبل أن تهتف
"لقد حظرتني تلك السلعوة"
اختفى حنقها سريعًا وعادت ابتسامتها لتطلق نفس الضحكة .. لقد صدقت وربما تحترق الآن قهرًا وغيرة .. قبضت كفها وهزتها في الهواء صارخة
"أجل … هدف في بنت المنصوري .. وهدف وهدف .. الله عليكِ يا طيف الله عليكِ يا محترفة"
وقفزت حول نفسها صارخة بانتصار قبل أن يوقفها هتاف أمها
"أنتِ يا محترمة صوتكِ واصل للجيران"
انتزعت السماعات من الهاتف لتصدح موسيقى لأحد المهرجانات الشبابية وخرجت من الغرفة وهي تهز ذراعيها مواصلة الرقص احتفالًا بانتصارها، ووجدت سمراء تجلس على طاولة السفرة مبتسمة، بينما أتت أمها ورواء من ناحية المطبخ لتضحك الأخيرة بينما هتفت أمهن وهي تضع الأطباق على الطاولة
"عوض عليّ عوض الصابرين يا رب"
صدحت ضحكة سمراء متخيلة منظر شقيقتها الشقية التي اقتربت بخطواتها المتراقصة لتميل عليها وضربتها بكتفها ثم شدتها لتقف
"ماذا تفعلين يا طيف؟"
"بنت .. اتركي شقيقتكِ واعقلي قليلًا"
هتفت طيف وهي تشد سمراء بعيدًا عن الطاولة
"ماذا يا جوجو يا قمر؟ .. دعيني أُرقِصها قليلًا .. انظري كيف تورد وجهها وردت فيه الصحة"
هزت رواء رأسها وعادت للمطبخ بينما جميلة تواصل
"عرفت الآن بماذا ستفلحين في زواجكِ"
انفجرت رواء ضاحكة كما فعلت سمراء بينما هتفت طيف بغيظ
"أمي ماذا تقولين؟ .. هل تعتقدين أنني سأنزل لهذا المستوى؟"
"بلا أمي بلا خيبة .. هذا فقط ما أنتِ فالحة فيه"
لوت شفتيها بنزق قبل أن تضحك وتهز كتفيها
"هذا الرقص للغاليين فقط .. ارقصي يا سمارا .. ارقصي يا حبيبتي"
عادت جميلة تهتف بنفاذ صبر
"أنتِ يا أم وسط سائب .. أغلقي هذا الزفت وتعالي لتساعديني أنا وأختك قبل أن يعود والدك من الصلاة"
"حاضر حاضر .. آتية .. ما هذا؟ .. حتى انتصار صغير لا تدعوني أحتفل به"
سألتها سمراء وهي تتحسس الكرسي لتشده وتقعد عليه
"خيرًا؟ .. أي انتصار؟ .. من البائس الذي وقع ضحيتكِ؟"
أغلقت الأغنية وأسرعت تجلس جوارها وقالت بخبث
"السلعوة بنت المنصوري .. عملت فيها مقلبًا سيخرج من عينيها"
بهتت ابتسامة سمراء وهمست
"من؟ .. بنت المنصوري من؟"
"من يعني؟ .. تلك المغرورة نيروز .. لا بد أنّها تشتعل من الغيظ الآن"
جاهدت سمراء لتعيد ابتسامتها وقالت
"لا تحتكي بها يا طيف .. دعيها في حالها لا نريد مشاكل"
هزت كتفيها
"هي من تستفزني وتظهر لي في كل مكان كعفريت العلبة .. أنا مجرد رد فعل لا أكثر"
تنهدت سمراء وشردت قليلًا ثم قالت
"عامةً حاولي ألا تحتكي بها، تمام؟"
"تمام"
رددت بطاعة لم تصدقها سمراء التي اختفى مرحها وهي تفكر فيما عرفته منه رواء قبل أيام قليلة، حين ضبطها طيف تبتسم بشرود وسألتها بخبث عن سبب ابتسامتها الغريبة، لتخبرهما دون تفكير أنّ ابنة شقيق سالم أتت معه للمكتب والتقطت من صوت رواء كيف أحبت الطفلة حتى أنّها وصفتها أنّها كقطع السكر، ولم تتوقع هذا من رواء على قدر نفورها من ذكر سالم وعائلته .. قبل أن تنتبه فجأة للسؤال المهم الذي سبقتها طيف إليه
"هل يوسف متزوج ولديه طفلة؟"
"لا ..إنّه شقيقه الآخر .. أسامة"
سقط قلبها بين قدميها وقد عرفت إجابة سؤالها الذي قطعته طيف سابقًا .. استمعت باختناق غريب لرواء وهي ترد على أسئلة طيف الفضولية وتخبرها كل شيء عن الصغيرة وعن أمها التي لم تتوقف عن الحديث عنها طيلة وجودها معها في المكتب بعد أن أصرت على الالتصاق بها بينما سالم وعاصي ينهيان اجتماعهما .. لم تعرف لما أصابها الحزن .. كانت خيبة أمل بعد أن ظنت أنّها وجدت الإجابة عن حيرتها لتعود مرة أخرى لنقطة الصفر .. ليس أسامة .. ما دام متزوجًا لا يمكن أن يكون هو من كان يأتي ليراها من بعيد وهي في كشك زهورها .. لا بد أنّه يوسف فعلًا وقد اختلطت عليها الأمور بعد الحادث .. أو ربما هي من توهمت كل شيء كما ظنت من البداية .. ربما.
*******************


may lu غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 06-12-20, 10:27 PM   #264

may lu

كاتبة بمنتدى من وحي الاعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية may lu

? العضوٌ??? » 107341
?  التسِجيلٌ » Jan 2010
? مشَارَ?اتْي » 2,587
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » may lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

وقّع أسامة على بعض الأوراق وأعادها للسكرتيرة وانتظر انصرافها ليتراجع مسترخيًا في مقعده بتعب .. لم يأت إيهاب ولا زال يغلق هاتفه، وكذلك سالم الذي أخبر سكرتيرته أن لديه مشوارًا هامًا وكلفها بتحويل أعماله إليه هو، ويوسف ذلك المستهتر لا زال في إجازته تلك وربما لا ينوي العودة قريبًا .. ماذا دهاهم جميعًا؟ .. هل ينوون ترك كل شيء على رأسه في أكثر وقت يحتاج فيه أن يختلي بذاته.
اعتدل مسندًا مرفقيه للمكتب وأطرق غارسًا أصابعه في شعره ... مع أول فرصة ينتهي فيها من ترتيب أفكاره وتفويض أعماله لهم سيسافر بعيدًا .. شهر، اثنان، أو أكثر ريثما تهدأ أعصابه ويعرف رأسه من قدميه.
لكن أين هم ليرمي عليهم كل شيء؟ .. اختفوا تمامًا .. لا أحد يشعر به ولا أحد منهم ...
توقف فجأة مع تلك الكلمات وغامت عيناه للحظات ثم ابتسم ساخرًا .. ذات يوم أخبره سالم بنفس الكلمات .. ذات يوم تبجح هو ونعته بالجبن والضعف .. تحولت ابتسامته لضحكة مريرة وهو يتذكر كلماته الحمقاء
"لا أريد أن أكون مكانك .. لن أكون جبانًا وأترك الفتاة التي أحب تضيع من يدي"
ضحك محدثًا نفسه
"هه .. هل أنت سعيد وأنت مكانه الآن؟ .. هل وجدت القوة لتدافع عن حقك كما كنت تتبجح؟ .. لم تترك حبيبتك لتضيع؟"
ليس من يده في الماء كمن يده في النار .. ألا يقولون هذا؟ .. يومها كان يتحدث من على البر، لا يدرك حجم مأساة أخيه .. لا يستوعب حجم معاناته والضغط الذي مارسه عليه جده .. الأذى الذي ألحقه بأسرة حبيبته ليفرقهما والتهديد الذي أخضع به سالم فلم يجد وقتها سوى حل وحيد .. الهرب معها.
أعادته الكلمات لذلك اليوم .. بل الأيام التي تغير فيها سالم وبدأ يبتعد رويدًا .. حاول التدخل لينصحه لكنّه فشل وسالم أخبره أنّ كل شيء انتهى تمامًا بينه وبين رواء لكنّه صمم على التدخل .. حاول الوصول إليها لكنّه لم يعد يرى سمراء وعرف أنّها انتقلت من مدرستها، ولم يستطع الذهاب إلى بيتها .. حين يأس وقرر التوقف أتى إيهاب مقتحمًا غرفته كالمجنون ذات يوم وأصابه بالفزع من هيئته متوقعًا حدوث مصيبة، ليخبره إيهاب أنّ رواء ستتزوج في الغد.
وقع الخبر عليه كالصاعقة ولم يصدق .. ظل لدقائق يحاول استيعاب الأمر، وحين انتبه سأل إيهاب بتوجس كيف عرف بالأمر فأخبره أنّه سمع جده يتحدث على الهاتف .. لم يتوقف كثيرًا ليستفسر منه ولم يمهله إيهاب وهو يهتف به أنّهم يجب أن يعثروا على سالم قبل فوات الأوان.
كان هذا أصعب ما في الأمر لأن سالم كان يختفي لأيام يغلق فيها هاتفه ولا يعرفون مكانه .. حاولا بشتى الطرق العثور عليه .. اتصلا بكل معارفهما وأصدقائه لكنّ أحدًا لم يعرف طريقه .. فكر في الذهاب إلى رواء لكنه تردد، وحين فقد الأمل في إيجاده وكاد يذهب فعلًا مخاطرًا بالتسبب في فضيحة لها ليوقف الزواج، أتى إيهاب ليخبره أنّه عثر عليه .. لم يضيعا الوقت وسافرا إليه .. قبض يده وهو يتذكر مواجهتهما … سالم كان في طريقه للضياع .. كان مصرًا على إهلاك نفسه في نوبة تمرد على جدهم .. نوبة تمرد جعلته يخسر كل شيء.
لا زالت مواجهتهما محفورة في عقله .. تزيد من سخريته من نفسه.
الآن عندما ينظر للخلف يعرف أي أحمق كان .. أي متعجرف كان وهو يتهم أخاه بالجبن والعجز عن المواجهة؟ .. لم يعرف أنّه بعد بضع سنوات سيكون في نفس مكانه .. عاجزًا عن المواجهة والحرب لأنّ الثمن سيكون حياة حبيبته .. ولا زال عاجزًا وجبانًا حتى اللحظة .. لا زال يخشى من الثمن الذي سيدفعه إن وقف أمام جده.
وقتها لم يعلم كل هذا .. تركه وهو يشتمه ويتهمه بالجبن ونزل إلى حيث كان إيهاب ينتظره عند السيارة وأسرع إليه بلهفة
"هه، هل وجدته؟ ماذا قال؟"
رمقه مقطبًا لثوان ثم طرد تساؤلاته ليقول بغضب وهو يتجه السيارة
"لن أشغل بالي به بعد الآن .. ليفعل ما يريد"
أمسك إيهاب مرفقه يوقفه وهتف بتوتر
"ماذا تعني بهذا؟ .. ألن يأتي معنا؟ هل سيتركها؟"
"لن يأتي .. هو لا يستحقها ذلك الجبان الأحمق"
هتف بغضب وانتزع مرفقه وركب السيارة، ولحقه إيهاب .. قاد بسرعة والغضب يسيطر عليه ليقول إيهاب
"لماذا تركته يا أسامة؟ .. كان يجب أن تجبره"
"أجبر من يا إيهاب؟ .. أنت لم تره .. دعه يفعل ما يريد ما دام مصرًا على تدمير نفسه"
"لكن يا أسامة .."
ردد إيهاب بتخاذل
"لا يوجد لكن .. أنا أخبرته كل شيء وهو مصمم على التمسك بعناده الأحمق"
"لكن ربما هو لا يعرف ما يفعله يا أسامة .. ربما الخبر صدمه .. عندما يفيق سيكون الأوان قد فات وسيتعذب"
التفت له هاتفًا بدهشة
"ومنذ متى يهمك أمره يا إيهاب؟ .. ما هذه العاطفة التي أصابتك فجأة؟"
قطب مشيحًا بوجهه
"أنا مشفق عليه لا أكثر، كما أن زوجة عمي ونيروز قلقتين عليه .. إن تزوجت حبيبته ربما يسوء حاله وهما ستحزنان أكثر .. ولا أريد لهما هذا"
ران الصمت قليلًا وهو يفكر في كلماته ثم التفت إيهاب له مردفًا
"دعك من سالم وفكر فيهما .. ما دام هو لن يأتي دعنا نحن نذهب ونوقف الزواج قبل أن يتم .. لن نخسر شيئًا إن حاولنا"
قطب مفكرًا وشعر إيهاب بهذا فواصل ليحثه
"لنذهب يا أسامة .. على الأقل نكون عملنا ما بوسعنا حتى لا نندم لا حقًا"
تمتم بعد برهة
"ربما أنت محق"
ارتخت ملامح إيهاب وضغط هو على دواسة الوقود مسرعًا في طريقه للمدينة وهما يسابقان الوقت .. حين وصلا أخيرًا إلى شارع رواء ونزلا مسرعين إلى بيتها أخبرهم بعض الجيران أن الأسرة كلها ذهبت إلى حفل الزفاف وبعد بعض البحث عرفا العنوان بإحدى المدن المجاورة فأسرعا إليها .. في الطريق رن الهاتف ليتفاجأ بسالم وأجابه بلهفة ليسمعه يقول
"أنا قادم في الطريق يا أسامة"
ابتسم مشيرًا لإيهاب أنّه قادم ثم أخبر سالم بسرعة
"لا تذهب للبيت كنا هناك حالًا .. لقد ذهبوا إلى مكان الزفاف"
استشعر صمته على الناحية الأخرى وأدرك ما يعتمل بصدره فردد
"لا تياس يا أخي .. ستلحقها إن شاء الله .. نحن في الطريق .. سنحاول إيقافها حتى تصل"
أخبره اسم المدينة ومكان قاعة الزفاف وأغلق معه ليعود مركزًا على الطريق يقود بأقصى سرعته وقلبه يخفق بجنون .. كانت حياة سالم وحياته هو أيضًا على المحك.
"هل لا زال أمامنا الكثير؟"
هتف إيهاب بتوتر شديد وهو ينظر في ساعته
"قاربنا على الوصول"
أخبره وهو يهدئ من سرعته قليلًا ليقترب من أحد المارة ويسأله عن الطريق وأسرع متتبعًا التعليمات .. وصلا القاعة بعد عذاب
"لم نعرف متى سيبدأ الحفل هل تأخرنا؟"
تساءل إيهاب بتوجس فهتف
"إن شاء الله لم نفعل .. العرائس دائمًا يتأخرن في صالون التجميل"
رمقه إيهاب بحاجب مرفوع فضحك بتوتر وبلاهة
"سمعت هذا"
زفر إيهاب وعاد ينظر للطريق بينما يقتربان وما أن وصلا حتى قفزا من السيارة وجريا إلى النادي الذي يضم قاعة أفراح بسيطة وصوت الموسيقى والأغاني وصل إليهما لينقبض قلبه وظل يدعو متوسلًا ألا تكون هي … ألا يكون قد تم عقد القران .. ادعيا أنّهما من أهل العروس ودخلا، كان يشعر بقلبه يوشك على التوقف، وهو يدعو أن تكون عروسًا أخرى التي لمحها من بعيد بفستانها الأبيض لكنّ قلبه توقف فعلًا حين وقعت عيناه على سمراء .. حبيبته كانت تقف على مسافة أقرب في فستان أنيق .. نسى لوهلة ماذا يفعل هنا وعيناه تتأملانها باشتياق، ولم يغفل مسحة الحزن الخفيف على ملامحها رغم كونها شقيقة العروس .. انتبه مصفوعًا للحقيقة .. هي هنا فعلًا لأنّ العروس شقيقتها.
"أسامة .. لقد تأخرنا"
سمع إيهاب يهمس بشحوب فردد برجاء
"ربما لا .. ربما عقد القران سيتم في منتصف أو نهاية الحفل"
والتفت لتواجهه نظرات إيهاب غير المصدقة فهتف
"حضرت حفلين أو ثلاث وحدث هذا"
زفر إيهاب وأخبره بتوتر
"نحتاج أن ندخل لنتأكد"
تحرك معه قبل أن يمسك ذراعه ويوقفه
"انتظر لحظة"
راقب سمراء وهي تتحرك لتغادر القاعة وتسارعت نبضاته
"ماذا هناك؟"
سأله إيهاب فأشار له بشرود
"ابق أنت هنا وابلغني إن حدث شيء .. أنا سأتأكد بطريقتي"
"ماذا ستفعل يا أسامة؟"
"انتظر فقط"
أخبره وأسرع بخطواته يتبعها .. لم تلمحه وهي تغادر القاعة وسار خلفها بسرعة، وخمن أنّها في طريقها لاستراحة السيدات .. هذه كانت فرصته الوحيدة .. نظر للمكان بتوتر منتظرًا خلوه من الناس ولم يكد يجد الفرصة حتى اندفع ليجذبها من يدها .. شهقت بفزع وكادت تصرخ لكنّه هتف
"إنّه أنا يا سمراء لا تخافي"
صاحت وهي تحاول شد يدها
"أنت؟ .. ماذا تفعل هنا؟ .. اترك يدي"
"تعالي معي أرجوكِ"
واصلت شد يدها بينما يسحبها بسرعة للطرقة الخالية وألقى نظرة حذرة ليتأكد من أنّ أحدًا لم يرهما .. عاد بعدها لينظر إليها وكعادته في حضرتها نسى ما أتى لأجله .. ضاع تفكيره وعيناه تقابلان غيوم عينيها وتراقص قلبه المشتاق .. كم يوم مر على رؤيته لها؟ .. أشهر .. سنين .. أبدية؟ .. رباه كم اشتاق لها .. وكم .. كم تبدو مذهلة بهذه الطلة الرقيقة وفستانها وحجابها الذي أسقطه عقله في ثوان ليرسم خيالها بموجات شعرها المجعدة الكثيفة .. كاد يقترب مدفوعًا بالشوق الذي يفتك بقلبه لكنّه توقف مكانه حين انتزعت يدها هاتفة بغضب
"ماذا تفعل هنا؟ .. لماذا أتيت؟"
قطب مستفيقًا وتذكر سبب وقوفه هنا بينما واصلت هي محاولة الابتعاد عن الحائط الذي ألصقها به دون أن يدرك
"هل أتى معك؟ .. أتيتما لتفسدا الزفاف؟"
"سمراء اهدأي"
ابتعدت عنه هاتفة بغضب
"لن أهدأ .. إن كنتما هنا لهذا السبب فقل لشقيقك أن يبتعد عن رواء ولا يسبب لها أي فضائح .. لقد تزوجت وانتهى الأمر"
تراجع بشحوب شديد
"تزوجت؟ .. متى .. أخبروني .. عقد القران لم يتم، صحيح؟"
سألها برجاء مكذبًا فالتفت هاتفة بضيق
"عقد القران تم في الحنة أمس"
"لا .. لا تقولي هذا"
رمقته بمرارة ثم رفعت رأسها وقالت بجمود
"أخبر شقيقك أن يبتعد عن رواء تمامًا .. كانت أمامه الفرصة وهو خسرها .. لا داعي لافتعال الفضائح الآن فهي من ستتأذى ولا أظنه يريد هذا لها"
قاطع طريقها هامسًا بتوسل
"سمراء انتظري أرجوكِ"
غامت عيناها قليلًا قبل أن تتمالك نفسها
"وأنت أيضًا ابتعد عنا .. أرجوكم ابتعدوا عنا يكفينا ما أصابنا بسببكم .. يكفي ما فعله جدك بنا ... يكفي"
قالتها بصوتٍ متحشرج يقارب البكاء وتحركت مسرعة .. كاد يلحق بها ويشدها إليه .. يضمها ليمحو ذلك الحزن عنها ويعدها أنّ كل شيء سيكون بخير، لكنّ قدماه تحجرتا في الأرض وراقبها بخذلان وهي تغادر .. بقى مكانه لثوان يتجرع مرارة الهزيمة والضياع ثم غادر عائدًا إلى إيهاب الذي كان لا يزال يراقب المكان والتفت له
"لم أر أي شيخ ولا .."
صمت عندما لمح وجهه واضطربت عيناه ليهمس بعدها
"ماذا حدث؟"
"انتهى الأمر .. لقد تزوجت بالفعل"
ردد بمرارة فاتسعت عينا إيهاب وتراجع بشحوب
"لا تقل هذا .. كيف .. أنت قلت"
"لا أعرف .. عقدوا القران أمس .. لقد انتهى الأمر يا إيهاب"
"ماذا سنفعل يا أسامة؟ .. ماذا عن سالم؟"
رمقه بعجز ومرارة بينما تراجع إيهاب ليجلس على إحدى الدرجات الحجرية خلفه مواصلًا
"انتهى كل شيء .. ماذا سنفعل؟"
قطب بتوجس وقلق واقترب منه هاتفًا وهو يراه يضع رأسه بين كفيه كمن فقد كل ماله وولده
"إيهاب ما بك؟"
قبل أن يجيبه لمحت عيناه سالم يندفع عبر الباب جريًا
"سالم .. لقد أتى سالم .. يا ربي ستحدث كارثة"
التفت إيهاب بجزع واندفع هو نحو سالم ليمسك كتفيه ويوقفه
"ماذا؟ .. ابتعد يا أسامة .. دعني أمر"
حاول دفعه للخلف وهو يقول
"دعنا نذهب يا سالم .. انتهى الأمر"
شعر به يتخشب لحظة قبل أن يهتف وهو يدفعه
"ماذا تعني؟ .. ماذا تعني انتهى؟ دعني أمر"
نظر حوله بتوتر وخشي من أن يلاحظ الناس أو يسبب سالم فضيحة فاقترب هامسًا برجاء
"لقد تزوجت يا سالم .. دعنا نذهب ولا تسبب أي فضيحة"
"لا .. لم تتزوج .. لا بد أنك مخطئ"
كاد يبكي وهو ينظر لوجهه الذي انسحب الدم منه وقبل أن يواسيه .. اندفع سالم يتجاوزه وأسرع هو خلفه بذعر ليتوقف عندما تجمد سالم على باب القاعة ينظر عبر ضيوف الحفل إلى رواء وعريسها .. نظرات أخيه الضائعة المصدومة زادت قلبه نزيفًا وحانت منه نظرة إلى داخل القاعة ليلمح سمراء .. كانت تنظر نحوهما بعينين متسعتين وقرأ فيهما رعبها من رد فعل أخيه وتوسلته بنظراتها أن يمنعه .. أسرع يسحبه للخلف فقاومه سالم
"دعني يا أسامة .. دعني أذهب إليها .. لن أدعها له"
كاد يهزمه لكنّه تفاجأ بذراع أخرى تمتد لتمسك به ونظر ليجد منير
"اهدأ يا سالم ولا تسبب فضيحة بالله عليك"
هتف منير وهو يشده بكل قوته ورغم كل شيء كان ممتنًا له في هذه اللحظة .. بحث بعينيه عن إيهاب فوجده لا زال جالسًا على الدرجات كالطفل الضائع فناداه ليلحق بهم بينما يسحبون سالم إلى خارج النادي وهو يواصل المقاومة .. ما كاد يصلون إلى السيارة حتى دفعهم سالم بكل قوته
"اتركوني"
وقف في طريقه هاتفًا بتوسل
"لا تتهور يا سالم .. لقد تزوجت رواء .. لا يمكنك أن تفعل شيئًا الآن .. إنّه النصيب يا أخي"
"لا تقل النصيب .. لم يحدث شيء .. أنتم تكذبون"
هتف وهو يدفعه
"رواء لم تتزوج .. لم تتركني .. هل تسمعون؟ .. لم تتركني"
"سالم أتوسل إليك يا أخي .. تمالك نفسك .. لا تتهور وتسبب لها مشكلة تندم عليها"
هز رأسه وكأنّه لم يسمعه
"لا يمكن أن يحدث هذا .. لن يأخذها مني .. لن يأخذها أحد مني .. مستحيل"
"سالم .. أفق لنفسك"
شعر بالرعب على حالته وهو يراه يتنفس بصعوبة كأنّه موشك على الموت قبل أن يتهالك على ركبتيه مواصلًا وهو يضرب بكفيه على رأسه
"لم تتزوج .. هي لم تتزوج .. رواء لم تتركني"
لمح إيهاب مستندًا للحائط بشحوب وعيناه الزائغتان مثبتتان على سالم بنظرات غريبة أقلقته، ومنير واقف بالقرب يرمق سالم بشفقة وحزن .. اقترب ليجلس قرب أخيه متمتمًا
"سالم .. تمالك نفسك أرجوك"
قبل أن يقترب ليحتضنه مواسيًا انتفض سالم واقفًا وهو يهتف بنبرة أقرب للجنون
"لن يأخذها مني .. أقسم بالله لن يفعل"
ناداه بفزع لكنّ سالم انطلق فجأة لاتجاه مخالف ولحقه منير بسرعة قبل أن يسمع صوت سيارة تنطلق بسرعة جنونية مبتعدة عن المكان ولمح فيها سالم ومنير .. تنهد بقوة .. على الأقل ابتعد عن هنا، ووجود منير معه سيمنعه من إيذاء نفسه .. التفت ناظرًا باختناق تجاه القاعة التي لا زالت الأغاني تصدح من داخلها .. انتهى كل شيء.
ظل يرددها وهو يعود مع إيهاب إلى السراي بعد أن ظلا لبعض الوقت ليطمئنا أنّ سالم لن يعود .. عادا بعدها كلٌ منهما غارقٌ في أفكاره، يلفهما صمت وهدوء مرير، لم يعلما أنّه كان الهدوء الذي يسبق الإعصار الذي يوشك أن يضرب عائلتهما بعد بضع ساعات حين عاد سالم لينفجر في جدهم بكل جنون وغضب، ثم يرحل في الصباح التالي مغادرًا حياتهم والبلاد كلها بلا رجعة.

رن هاتفه منتزعًا إياه من شروده والتقطه على أمل أن يكون إيهاب لكنّه لمح رقم والدته فرد بقلق
"أمي .. ماذا .."
تنهد حين سمع صوت ابنته وابتسم
"بابا هذه أنا لي لي"
"مرحبًا يا زنبقتي الحلوة .. هل اشتقت لي؟"
"اشتقت لك لكن لم أتصل لهذا السبب"
ضحك بيأس
"على الأقل جامليني يا مشاغبة"
"أنا أحبك يا بابا .. هل تحبني؟"
"طبعًا يا قلبي"
قالت بدلال
"إذن هات بوب معك"
"بوب لم يأت يا حبيبتي"
"مرة أخرى؟"
استشعر حزنها كما فعلت تلك المرة التي أتت فيها مع سالم ولم تجده .. أسرع يقول بحنان
"لكن أعدك سأذهب إلى شقته وأرى إن كان هناك وسأشده من أذنه وأخبره أنّكِ غاضبة منه وتريدينه أن يعود، تمام؟ .. هل أخبره هذا؟"
"جيد .. وقل له أنني لن أصالحه هذه المرة إلا بهدية كبيرة جدًا"
ضحك بقوة
"يا منتهزة الفرص"
"لا تنس أن تخبره يا بابا"
"حاضر يا زنبقتي لن أنسى"
"اتفقنا .. هيا سأغلق .. سلام يا حبيبي"
"سلام يا زنبقتي"
أخبرها بحنان قبل أن تغلق فتنهد بأسى ونظر لصورتها على المكتب قبل أن يهمس
"ماذا أفعل مع ذلك الأحمق يا لي لي؟ .. أين أجده وكيف أقنعه بالعودة أصلًا؟"
ردد مدركا أنّ إيهاب ربما فعل الشيء الوحيد الذي يحتاجه الآن والذي هو نفسه في حاجة إليه بصورة أشد .. الابتعاد.
******************


may lu غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 06-12-20, 10:29 PM   #265

may lu

كاتبة بمنتدى من وحي الاعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية may lu

? العضوٌ??? » 107341
?  التسِجيلٌ » Jan 2010
? مشَارَ?اتْي » 2,587
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » may lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

تحركت إحسان عبر الممر المؤدي إلى الجناح القديم للسراي والذي لا يقيم فيه سوى سيدة المنزل الكبيرة، هي وأصغر أبناء سالم الكبير والوحيدة منهم على قيد الحياة .. مرت على غرفة فلك المغلقة وتنهدت بشفقة وهي تدعو لها ككل مرة تمر عليها .. قلبها يتمزق على تلك البريئة التي لم تحصل على حنان أبويها، وفرض عليها والدها قيودًا قاسية خوفًا من أن تهرب من البيت كالبقية .. متى سيدرك أن القسوة هي ما جعلتهم جميعًا يهربون؟ .. قاومت غصتها ودموعها وهي تتذكرهم بحزن .. هل كان من الأفضل لهم لو احتملوا قسوة أبيهم؟ .. هل كانوا سيلاقون هذا المصير؟
"العمر واحد والرب واحد يا إحسان .. كان سيحين أجلهم في كل الأحوال"
وتنهدت وهي تقف عند باب غرفة سيدة السراي الحبيسة
"لكن ربما كانوا سيموتون ميتة أقل قسوة"
طردت أفكارها وفتحت الباب حاملة صينية الطعام ومسحت كل حزنها لترسم ابتسامة مشرقة حين رأت راقية المنصوري مستيقظة تجلس في فراشها ومطرقة تقرأ في مصحفها
"صباح الفل يا ست الكل"
قالت بصوت مشرق لتلفت لها بوجهها الساكن بحزن يؤلم قلبها كلما رأتها .. اقتربت تضع الصينية قربها وهي تواصل
"قلبي يخبرني أنك نمت بعمق وهناء ليلة أمس"
ابتسمت راقية بشحوب لكن ابتسامتها أسعدت إحسان وهي ترى تقدم حالتها منذ عودة حفيدها الأكبر .. أغلقت المصحف وقبلته قبل أن تضعه على الجارور المجاور برفق
"لماذا لا أفتح لكِ الشرفة وتتناولين فيها الغداء؟"
هزت رأسها بنفي وأشارت لها لتترك الصينية جانبًا ففعلت لترفع راقية يدها إلى شعرها بحركة تمشيط، فارتفع حاجباها وهتفت بعينين لامعتين
"تريدين أن أصفف لك شعرك؟"
أومأت بابتسامة باهتة فأسرعت إحسان إلى المرآة تحضر الأدوات بقلب منشرح وعادت إليها .. كم سنة مرت وسيدتها منعزلة عن الجميع؟ .. متى كانت آخر مرة صففت لها شعرها كما كانت تحب؟ .. كانت تخبرها دائما أن يديها تستحقان اللف في الحرير وأنها تملك موهبة كبيرة .. قاومت دموعها وأملها يزداد في أن تعود سيدتها لما كانت عليه قديمًا .. قديمًا جدًا قبل أن تتزوج ابن عمها وتظلم حياتها .. رغم كل شيء كانت منبهرة بصمودها وقوتها وتحديها له، لكنه انتصر في النهاية وانتزع منها الحياة رويدًا رويدًا لتنطفئ مع موت آخر أبنائها.
اعتدلت راقية المنصوري وأفسحت لها المكان لتجلس إحسان خلفها وقالت وهي تفك لها شعرها وتفرده على ظهرها
"بسم الله ما شاء الله .. هل ازداد طوله يا راقية هانم أم أنني أتخيل؟"
لمحت ابتسامتها في المرآة المقابلة لينشرح صدرها أكثر وبدأت تمرر المشط في شعرها الفضي الذي غزاه الشيب لكنه لا يزال جميلًا كما كان .. تذكرت بحنين انبهارها القديم بها وهي لا تزال طفلة صغيرة، حين أتت أمها لتخدم في هذا البيت، وكانت راقية المنصوري تأتي للزيارة مع والديها اللذين توفيا بعد فترة قصيرة فأتت للإقامة مع عمها وأسرته وانقلبت حياتها بعدها رأسًا على عقب .. كانت جميلة ومبهرة لا تتذكر إحسان أنها عرفت امرأة في مثل شخصيتها الخلابة وذكائها وثقافتها .. كانت امرأة يتمناها كل رجل لكنّ قدرها كتب لها أن تكون لابن عمها القاسي .. من بين الأشقاء الثلاثة ورث سالم المنصوري عن جده وأبيه كل قسوتهما وتحكمهما، لأنه كان هدف تربيتهما الصارمة، وعلى عكس شقيقه الثاني والد السيدة سمية وشقيقهما الأصغر اللذين كانا أقرب لأمهم .. لو كانت تزوجت من ابن عمها الآخر لربما كانت حياتها سارت في اتجاه مختلف تمامًا.
تنهدت وهي تواصل تصفيف شعرها برفق ثم ابتسمت وهي تنظر لانعكاسها في المرآة لتراها مغمضة باسترخاء
"يبدو أن عودة سالم بك من الخارج فرقت كثيرًا معكِ سيدتي"
فتحت عينيها وابتسمت بحنان
"قلبي انفتح والله واستبشرت خيرًا بعودته .. وها أنا أرى البشائر .. أنتِ وحتى الآنسة فلك"
صمتت فجأة ناظرة لها بارتباك لكنّ راقية أشارت لها تسأل عن حال ابنة زوجها بشفقة فتمتمت
"هي أيضًا لاحظت أنها بدأت تتجاوب معه ومع لي لي .. تلك العفريتة الصغيرة تسللت لغرفتها و"
انتبهت لدموعها المكتومة فتوقفت عن تمشيط شعرها
"آسفة يا راقية هانم، هل ضايقتك بحديثي؟"
هزت رأسها نفيًا ثم أشارت لها أن تكمل بينما تمسح دمعة خائنة .. تنهدت بأسى وعادت تكمل
"لي لي هذه قطعة سكر والله .. ليتكِ تسمحين لها بزيارتكِ .. هي تسأل عنكِ كثيرًا وأكثر من مرة حاولت التسلل هنا لكن سامحه الله سيدي سـ .."
عضت شفتها تمنع الكلمة لكن المحظور كان قد وقع وعرفت راقية ما تقصد .. عادت عيناها تغيمان وعقلها يشرد في ذكرياتها الحزينة وكادت إحسان تقول شيئًا حين طرق الباب وأتى صوت سمية تستأذن الدخول وانفتح الباب لتدخل
"أنتِ هنا يا إحسان؟ .. ظننت أمي وحدها؟"
"أحضرت لها الطعام لكنها طلبت أن أمشط شعرها"
أخبرتها مبتسمة فنظرت سمية لحماتها بدهشة ثم ابتسمت بتفاؤل
"تمام .. دعي لي هذه المهمة واذهبي أنتِ لتستعجلي البنات في المطبخ"
نهضت بإيماءة وتركت لها مكانها وقالت محدثة راقية
"سأذهب أنا يا سيدتي .. تحتاجين شيئًا؟"
هزت رأسها بابتسامة شاكرة وراقبتها وهي تغادر ثم التفتت لسمية ما أن رحلت إحسان وأشارت لها أن تترك شعرها وأمرتها أن تتحرك لتجلس أمامها .. نهضت سمية وتنهدت عندما سألتها راقية بإشارة صامتة عما أتت من أجله .. ابتسمت بشحوب
"لا زلتِ تعرفين كل شيء من نظرة"
وتنهدت بحرارة ثم أمسكت كفيها
"حتى متى تبقين هكذا أمي؟ .. أنا أحتاجكِ"
تحشرج صوتها لتردد باختناق
"والله تعبت .. قلت سالم عاد وسأرتاح قليلًا من قلقي عليهم لكن لم يتغير شيء .. عمي لا زال مصرًا على ما في رأسه .. لن يترك أولادي يعيشون حياتهم وأنا .. أنا لا أعرف ماذا أفعل لأجلهم"
دمعت عينا راقية بصمت وهي تتأملها بينما تنذكر أولادها الراحلين .. هي أيضًا حاربت لأجلهم لكنها خسرتهم .. هل كان عليها ألا تفعل؟ .. ألهذا تخشى أن تغادر عزلتها وتقف في مواجهته لتحمي أحفادها؟ .. تخشى أن تدفعهم لنفس مصير آباءهم؟
ربتت على كف سمية التي تابعت
"عمي يخطط لشيء .. يخص سالم تحديدًا قلبي يشعر بهذا .. بالتأكيد عرف أنه التقى الفتاة التي كان يحبها ومتمسك بها أكثر من الماضي .. أخشى أن أخسره مرة أخرى يا أمي"
هزت رأسها بنفي تطمئنها فرددت سمية
"لن يتوقف عمي وأنا أشعر أنه يخطط لمصيبة .. لقد غادر منذ قليل وملامحه لم تطمئنني .. ماذا سأفعل؟ .. وسالم يا أمي رغم كل شيء تغير من الداخل .. لم يعد ابني سالم الذي أعرفه .. في كل يوم أخاف من أن عمي سيحقق غرضه وسأصحو يومًا لأجده تحول إلى نسخة منه .. لو خسر رواء سيصبح هكذا أنا متأكدة"
أغمضت راقية عينيها متنفسة بقوة
"أخبريني ماذا أفعل؟ .. أنتِ كنت مثلي الأعلى .. أرجوكِ توقفي عن الهرب هكذا .. أنا أحتاجكِ أمي .. أنا وأحفادكِ .. كلنا نحتاجكِ"
نظرت لها بأسى ثم ربتت على كفها وأشارت لها لتفتح درج الجارور ففعلت .. أمرتها أن تخرج الدفتر والقلم .. قدمتهما إليها لتفتح صفحة بيضاء وبدأت تكتب وسمية تنظر لها بحيرة حتى انتهت وأعطتها إياها .. قرأت الكلمات بقلب خافق ثم رفعت لها عينيها مرددة
"هل تعتقدين هذا؟"
أومأت بثقة ثم أشارت لنفسها كأنما تؤكد لها كلامها ثم أشارت لصدر سمية لتهمس بخفوت
"لكن ماذا لو كانت نظريتكِ خاطئة يا أمي؟"
هزت رأسها لتطرق سمية وتقرأ الكلام من جديد وهي تتساءل بأمل .. هل يمكن أن تنجح في هذا؟ .. لكن من يضمن لها؟ .. عادت تنظر لحماتها التي تراجعت مسترخية في فراشها وعيناها تخبرانها في صمت أن تثق بكلماتها وتنفذ خطتها ثم تنتظر النتائج.
******************
أنّهت رواء عملها وتأكدت من وضع كل الملفات في مكانها قبل أن تنهض لتغادر .. التقطت حقيبتها وحانت منها نظرة إلى النافذة لتتنهد .. كان ينقصها أن يترك أثره في مكتبها أيضًا .. ها قد صارت مجبرة على تذكر تفاصيل لا ترغب في تذكرها وتعابير وجهه المستفزة ومحاولاته الماكرة ليتسلل من جديد عبر حصونها .. لكنّه واهمٌ إن ظن أنّها لا زالت نفس الحمقاء الضعيفة .. هزت رأسها بقوة تطرد ذكرياتها .. لن تعود لذلك مرة أخرى فلتتمالك نفسها.
غادرت الشركة وتحركت بهدوء على الرصيف الموازي .. ربما بعض المشي سيساعدها على الهدوء .. تنفست بعمق وهي تسير أسفل الأشجار الوارفة وتوقفت عيناها على أكبرها لتمر قشعريرة في جسدها وراودتها ذكرى شجرتها الأثيرة التي شهدت قصتها، وشهدت عهده لها .. ذلك العهد الذي لم يف به .. تبًا يا رواء .. هل ستظلين تدورين في تلك الدوائر؟ .. قلنا أننا انتهينا من الماضي .. هتفت في نفسها بسخط.
نعم انتهت ولن تسمح لمحاولاته المستفزة أن تسحبها لفخه من جديد ولا حتى إن استغل طفلة بريئة وحلوة كقطع السكر .. رغمًا عنها ابتسمت بحنان قبل أن تنمحي ابتسامتها .. حمقاء ..
اقشعر جسدها فجأة بشعور خطر حين مرت سيارة سوداء قربها ولوهلة أحست أنّها مرت بهذا من قبل .. قبل أن تطرد هاجسها كانت السيارة تتوقف على مسافة قصيرة وترجل سائقها بسرعة .. توقفت وقلبها انقبض بضيق مألوف .. لم يكن شعورًا .. هي مرت بهذا من قبل فعلًا .. توقف الرجل الذي بدا كحارس شخصي لا سائقًا عاديًا- قبل أن تبتعد وناداها
"آنسة رواء؟"
تراجعت مرددة بحذر
"من أنت؟ .. ماذا تريد؟"
رد بعملية جافة وهو يشير للسيارة
"آسف آنستي .. سالم بكِ يريد مقابلتكِ لأمر ضروري"
بالطبع لا يقصد سالمها .. أغمضت بحنق .. سالمها؟ .. تبا .. أي حماقة هذه؟ .. هل جُنت؟
"آسفة .. بلغه اعتذاري عن مقابلة سموه"
رددت بسخرية باردة وعادت تكمل طريقها ليقف أمامها
"أعتذر لكن الأوامر لديّ أن تذهبي معي"
هتفت بغضب
"ابتعد من طريقي يا هذا .. من تظنون أنفسكم؟ .. رجال مافيا .. اذهب لسيدك و .."
أوقف كلماتها المندفعة وهو يمد لها يده بالهاتف فتراجعت مجفلة
"سالم باشا على الهاتف .. يقول أنّه لمصلحتكِ يجب أن تردي عليه"
لعنت نفسها حين شعرت بالشعيرات الصغيرة في جسدها تتوقف، وللحظة عادت لتلك الصغيرة التي خضعت لتهديده يومًا .. نظرت للهاتف كأنّه قنبلة موقوتة ليردد بحزم
"لن نتحرك من هنا آنستي قبل أن ننفذ الأوامر"
ابتلعت ريقها بتوتر ومدت يدها لتأخذ الهاتف منه ورفعته لأذنها لتقول بخشونة
"ماذا تريد؟"
وصلها صوته البارد متهكمًا
"ألقي السلام على الأقل"
وضعت أقصى قدر من البرود في صوتها
"لا سلام بيننا يا سيد سالم، ولا وقت لديّ لأضيعه في مقابلتك ولا .."
قاطعها بصرامة
"ستركبين السيارة وتأتين يا رواء هانم .. لا خيار لكِ وأظنكِ تعرفين هذا جيدًا من آخر لقاء بيننا"
كزت على أسنانها بغضب هدد بالانفجار لكنّها استمعت له بجمود
"لا تظني أنّكِ وأسرتكِ لا زلتم في مأمنٍ مني .. كان بيننا اتفاقٌ قديم لكن من الواضح أنّ الأمور بدأت تتغير وأود التحدث معكِ بشأنه .. لذا لا تضيعي وقتي الثمين ووقتكِ أيضًا ورافقي الرجال إلى حيث انتظركِ"
فتحت فمها لتهتف بالرفض حين أكمل بنبرة قاطعة لا تقبل النقاش
"الأمر لمصلحتكِ أنتِ وأسرتكِ هذه المرة"
قطبت بتوجس وقبل أن تنطق كان قد أغلق الهاتف .. بقيت واقفة مكانها في دهشة أفاقها منها الحارس حين مد يده ليأخذ الهاتف
"تفضلي آنستي"
هكذا .. كأنّه متأكدٌ أنّها لن تستطيع الرفض .. اللعنة عليه هو وسيده .. يظنها لا تملك خيارًا .. بل هي تملك ولينتظر للأبد إن .. لكن .. قال أنّ الأمر لملصحتها هي وأسرتها .. ربما يخدعها .. ربما هذا تهديد مبطن كالسابق.
"تبًا يا سالم .. كنت أعرف أنّك ستجلب لي المصائب مرة أخرى"
همست بقهر وهي تنظر للحارس والسيارة بضيق ثم ابتعدت قليلًا
"تمام .. انتظر لحظة"
راقبها وهي تخرج هاتفها واتصلت بسرعة وهي تختلس النظر نحوه بضيق
"آلو سمراء"
رددت ما أن سمعت صوت شقيقتها
"أنتِ بمفردكِ؟ طيف أو أمي بجانبكِ؟"
"لا، أنا في غرفتي .. ما الأمر يا رواء؟"
سألتها بقلق فأسرعت تخبرها
"جيد .. اسمعي سمراء .. جد سالم طلب مقابلتي وأنا ذاهبة الآن لرؤيته"
"ماذا؟"
هتفت بدهشة فأسرعت رواء
"اخفضي صوتكِ لا أريد أن يعرف أبي أو أمي"
"رواء هل جُننتِ؟ كيف تذهبين إلى ذلك الرجل بقدميكِ؟ .. ماذا لو .."
قاطعتها بهدوء
"لا أعتقد أنّه سيفعل شيئًا ليؤذيني .. ماذا سيفعل أكثر مما أصابني؟"
أتبعت بسخرية مريرة ثم قالت
"عامةً اتصلت بكِ تحسبًا ليكون لديكِ خبر في حالة فقد عقله أخيرًا وقرر إزاحتي بالطرق غير السلميّة"
"رواء هل تمزحين؟"
هتفت سمراء ردًا على سخريتها لترد
"لا أمزح يا سمراء .. عليّ الذهاب سأسمع ما يريده ولأنهي هذه القصة تمامًا من جذورها"
تنهدت بقلق ثم تمتمت
"سأتصل بكِ كل فترة لأطمئن"
"لا داعي حبيبتي .. سأكون بخير أنا أخبرتكِ فقط للاحتياط .. هيا عليّ الذهاب"
"تمام .. خذي حذركِ وكوني بخير"
أخبرتها بتوتر لتقول قبل أن تغلق
"إن شاء الله"
وودعتها وأغلقت لتلتفت للرجل فوجدت شبه ابتسامة على شفتيه وقال وهو يفتح لها الباب
"لا تقلقي سنعيدكِ بأمان"
رمقته شذرًا وقالت وهي تركب
"عندما تتصرفون كرجال العصابات على المرء أن يأخذ احتياطاته"
أومأ مبتسمًا وأغلق الباب خلفها ثم استقل مقعده وانطلق بالسيارة، وجلست رواء صامتة بينما الأفكار تتصارع داخلها في معركة صاخبة .. هذا ما خشيته .. ما أن ظهر سالم في حياتها حتى عاد جده للواجهة حاملًا تهديداته لكنّه سيكون واهمًا هو الآخر إن ظن أنّها ستسمح له باللعب بمصيرها هي وأسرتها مرة أخرى.
تابعت الطريق بشرود وشريط ذكرياتها يمر أمامها .. هذه المرة لن تقاوم .. هذه المرة يجب أن تتذكر جيدًا لتمنع نفسها من الضعف .. لتواجهه بكل قوتها .. هذه المرة عليه أن يقابل رواء أخرى.
******************
تململ يوسف وهو يجلس في السيارة بجوار سالم وزفر بقوة وقد نفذ صبره أخيرًا ليلتفت إليه
"هل يمكن أن تخبرني حقيقة ما تسعى إليه يا سالم؟ … أنا تعبت من ضرب أخماس في أسداس"
رمقه بنظرة جانبية وواصل قيادته بهدوء
"أي حقيقة يا يوسف؟"
"لا تراوغ يا سالم .. أنا أشعر أنك تخطط لشيء .. منذ حادث تلك الفتاة وأنت تصر على جري معك في كل زيارة"
التفت له مرددًا بحزم
"تلك الفتاة لها اسم يا يوسف .. سمراء .. اسمها سمراء وأنت مسؤول عما حدث لها"
ضرب كفيه معًا بحنق
"استغفر الله العظيم .. وهل تنصلت من مسؤوليتي يا سالم لترميها في وجهي كل مرة نتحدث؟ .. قلت أنا مسؤول .. والله العظيم أنا أتحمل المسؤولية .. هل ارتحت الآن؟"
هتف بعصبية وأردف
"لماذا تعاملني كأنني صدمتها وهربت؟ .. كان حادثًا يا سالم وقلت مئة مرة هي ظهرت فجأة أمامي .. حسنًا أتحمل المسؤولية لكن ماذا أفعل أكثر من هذا؟ .. أخذتها للمشفى بسرعة وقمت باللازم .. تكلفت بكل شيء من مالي الخاص وإن احتاجوا أي شيء آخر أنا سأدفعه لكن بالله عليك لا تدخلني في حوارات أخرى"
رمقه سالم مليًا قبل أن يميل ليوقف السيارة جانبًا وقال
"لماذا تتعصب هكذا؟ .. ما الذي حدث؟"
"الذي حدث أنني سئمت .. أنا تعبت من تذكيري أنني السبب .. لا تظن أنني مرتاح وسعيد بما أصابها .. مشهد الحادث لا يفارق خيالي وصدق أو لا تصدق أنا أشعر بتأنيب الضمير لفقدانها بصرها"
صمت قليلًا ثم زفر هاتفًا
"وأنت مصر على أن تضغط أعصابي أكثر وأكثر .. لا يكفي ضغط جدي علي من أجل.."
قطع كلماته بسرعة فاعتدل سالم قائلًا
"أتينا لبيت القصيد .. جدي .. كل هذه العصبية لا علاقة لها بما أريده منك … بالطبع جدي وراء الأمر .. ماذا حدث أخبرني"
أشاح وجهه مقطبًا بضيق
"ما الأمر يا يوسف؟'
التفت له بعد ثوان وقال
"سالم .. بالله عليك اعفني من هذه الزيارة .. أنت لا تعرف كيف يضغط عليّ لأبلغه بأخبارك ولم يعد يصدق أي شيء مما أقوله"
"وأنت تخشى أن تقع بلسانك وتخبره بشيء لا يجب أن يعرفه، صحيح؟"
أشاح يوسف وجهه حتى لا تفضحه نظراته ويكتشف سالم أنه سقط بلسانه وانتهى الأمر
"على أية حال .. لا أعتقد أنه من الجيد أن أذهب معك لمقابلة بدر العزايزي .. ماذا لو سألني جدي ووقعت بلساني كما تقول؟ .. من الأفضل ألا أذهب .. كما أنني لا أرى أهمية لحضوري لقاءكما الخاص"
ردد سالم بهدوء
"أردتك معي فقط لتتعرف عليه وتطمئنه بنفس الكلام الذي أخبرتني إياه قبل قليل ويمكنك الذهاب بعدها وأنا سأكمل حديثي الخاص معه"
رمقه بشك ثم قال
"لماذا تصر على أمر لقائي به وتعرفي عليه لهذه الدرجة؟ .. ما يهم إن لم يرني أو حتى يطمئن لي؟ .. سالم .. هذه ليست أو لمرة تلمح في حديثك لكلام لا يعجبني"
مط سالم شفتيه ليواصل يوسف نظراته المتوجسة وعقله بدأ يجمع القطع سويًا ليقول بتوجس
"أكثر من مرة تلمح في كلامك عن سمراء وكنت تصر على أن أزورها معك والآن تصمم على مقابلتي لوالدها .. ما الذي تفكر فيه بالضبط؟"
قال بهدوء وهو يستعد ليدير السيارة
"لا شيء .. كل خير إن شاء الله"
أمسك بذراعه يمنعه من الانطلاق وضاقت عيناه بتوتر ليرمي أخيرًا الفكرة التي انفجرت في عقله
"سالم .. إياك .. إياك أن تقول أنّك تفكر في جمعي مع تلك الفتاة"
"سمراء"
أخبره بحزم فهتف يوسف ضاربًا تابلوه السيارة أمامه
"سمراء .. عرفت أنّها سمراء .. لا تقل أنّ كل تلميحاتك ومحاولاتك هذه لجمعي معها في النهاية؟ .. ماذا هل تنوي تعويضها عن خسارتها لبصرها بتزويجها مني؟"
التفت له بهدوء وقال
"ولو كان هذا ما أفكر فيه؟ .. هل الأمر سيء لهذه الدرجة؟"
حدّق فيه كأنّه مجنون قبل أن يهتف هازًا رأسه
"لا .. مؤكد أنت تمزح .. هل فقدت عقلك؟"
"يوسف .. تحدث بأدب"
فتح باب السيارة وغادرها صائحًا
"وهل تركت لي مجالًا للأدب يا سالم؟ .. ماذا تظنني؟ .. لا زالت طفلًا صغيرًا ستختار له حذاءه أو حقيبته؟ .. لقد كبرت يا سالم .. كبرت لكن يبدو أنّك لم تنتبه بعد كل السنين التي غبتها عنا"
غادر سالم السيارة وأشار له
"اركب السيارة يا يوسف ولا .."
قاطعه هاتفًا وهو يبتعد
"لن أركب ولن أذهب لأي مكان معك"
"يوسف"
ناداه بصرامة شديدة، فالتفت له يوسف وصفق بيديه هاتفًا
"رائع .. دعني أهنئك وأهنئ جدي بالمرة .. أنت لست في حاجة لأي تدريب أو تخطيط من ناحيته .. انظر إلى نفسك"
قطب سالم وهو يستمع إليه ليقترب يوسف مواصلًا
"انظر كيف بدأت تخطط وتدبر دون أن ترجع لي .. وربما لستُ الوحيد الذي اختصصته بهذا الشرف .. أنت تنوي التحكم في مصائرنا مثله تمامًا"
"يوسف ماذا تقول؟"
ضرب على سطح السيارة بحنق وهتف
"أقول أنّك لا تفرق شيئًا عن سالم باشا يا أخي الكبير .. أنت أيضًا تخطط وتقرر من نفسك وتنوي فرض إرادتك علينا بغض النظر عما نريده"
"يوسف لا داعي للانفعال هكذا .. أنا لن أفرض شيئًا عليك كانت مجرد فكرة"
ضحك ساخرًا وهتف غير مصدق
"نعم .. كانت مجرد فكرة .. وأنا لن أنتظر لتحولها لواقع يا سالم بك"
وابتعد خطوات ليصيح قبل أن يتركه ويعبر الطريق للجهة الأخرى
"لن أنتظر لتمارس عليّ دكتاتوريتك المستقبلية .. يكفيني ديكتاتور واحد في حياتي .. لقد سئمت .. أقسم بالله سئمت وتعبت"
تابعه باضطراب وهو يعبر الطريق دون أن يأبه للسيارات .. تنهد بارتياح حين وصل للجهة الأخرى بأمان وظل يراقبه حتى ركب السيارة وغادر .. تراجع بخطوات مهمومة وعقله يسترجع كلماته .. يوسف محق .. كل هذا الوقت كان يخطط ويدبر دون أن يفكر في مناقشة الأمر معه كأنّ موافقته أمر مفروغٌ منه .. خفق قلبه بتوجس .. هل يتحول إلى نسخة من جده فعلًا دون أن يشعر؟ .. هل كل ما يفكر فيه بشأن أسرته ويخطط له من أجلهم نوع من الديكتاتورية؟ .. لكنّه يفكر في مصلحتهم و .. توقف هامسًا لنفسه بمرارة .. جده أيضًا يقول أنّه يفعل كل شيء لمصلحتهم لكنّه يؤذيهم من حيث لا يدري أو لا يهتم.
هز رأسه بقوة .. لا .. هو ليس جده ولن يكون .. لن يصبح نسخة منه.
أسرع يركب السيارة وينطلق بها .. عليه أن يركز الآن على لقائه بوالد رواء وبعدها يفكر في هذه العقدة الجديدة ويعالجها قبل أن تستفحل.
******************


may lu غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 06-12-20, 11:24 PM   #266

may lu

كاتبة بمنتدى من وحي الاعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية may lu

? العضوٌ??? » 107341
?  التسِجيلٌ » Jan 2010
? مشَارَ?اتْي » 2,587
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » may lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

حين اقتربت السيارة من وجهتها عاد الألم ليمحو في لحظة كل ما ظلت تردده على نفسها طيلة الطريق .. حين ظهرت المزرعة هبت عاصفة الذكرى لتضربها في مقتل .. قبل عشر سنوات أو يزيد أتت هنا .. كانت صغيرة وساذجة، كانت خائفة واستطاع تهديدها .. هل مر الوقت سريعًا هكذا؟ .. تحسست رقبتها وبصعوبة تنفست هامسة
"تذكري .. أنتِ ما عدتِ تلك الفتاة يا رواء .. أنتِ أقوى"
لم تستطع التحرك حين توقفت السيارة أخيرًا ... هي قوية لكنّها لا تريد استرجاع هذه اللحظات .. لا تريد تكرارها.
انتبهت على انفتاح الباب، وسمعت الحارس
"تفضلي آنسة رواء .. سالم باشا ينتظركِ بالداخل"
لا .. شتان ما بين الآن وتلك المرة .. يجب أن تواجه بحسم .. هذه المرة يجب أن تغلق صفحات الماضي نهائيًا وبلا رجعة.
غادرت السيارة ورفعت رأسها بتحد ناظرة للمبنى .. كانت تشعر أنّه يراقب دخولها كالمرة السابقة .. هي واثقة ولن تمنحه لذة رؤيتها مترددة وخائفة.
تحركت بخطوات واثقة وقد استجمعت كل قواها لتحتجز مشاعرها في ركن منزو من أعماقها واتبعت الرجل إلى الداخل وعيناها تلتقطان محيطها .. لم يتغير شيء كأنّما لم يمر الزمن من هنا لكن في داخلها كل شيء تغير.
"تفضلي من هنا"
سمعته يقول قبل أن يطرق باب المكتب وحين أتى صوته الصارم يأمر بالدخول انتابتها فجأة مشاعر مختلطة .. مزيجٌ من الكراهية والتمرد والغضب غذّته ذكرياتها والثمن الذي دفعته غاليًا .. لم تكن هي وسالم وحدهما المذنبين .. هذا الرجل يحمل الجانب الأكبر من الذنب.
بخطوات أكثر ثقة وبرأس مرفوع ونظراتٍ متحدية دخلت عبر الباب الذي أغلقه الرجل خلفها ليتركها بمفردها معه .. ابتسمت داخلها بتهكم حين رأته يقف عند النافذة يوليها ظهره، مكررًا نفس الموقف ربما هذه طريقته ليظهر استهانته بخصمه أو محاولة منه لوضعها في مكانها .. أيًا كان .. سيرى بنفسه أنّها لا تعبأ لشيءٍ مما يظن بها أو ينتويه.
"نلتقي مجددًا رواء عزايزي"
ردد أخيرًا وهو يلتفت ليواجهها ورغمًا عنها اهتز شيء داخلها قبل أن تضيق عيناها بدهشة .. ما به هذا الرجل؟ ألا يشيخ أبدًا؟ ... لا يبدو أنّه تغير كثيرًا عن آخر مرة رأته فيها .. كأنّه يتحدى الزمن أيضًا .. بل إنّها تشعر أنّ الزمن ما زاده إلا تسلطًا وقوة .. كيف تخيلت لوهلة أنّه قد ضعف ونالت منه السنون؟ .. لا زال كما هو.
كادت تبتسم بسخرية وهي تتذكر قصة قرأتها ذات مرة عن كيانٍ شرير يزداد قوة وشبابًا مع كل روح يمتص طاقتها ويستلذ بخوفها وضعفها .. هذا هو بالضبط .. يتحكم بالخوف ويزداد قوةً وجبروتًا مع كل لحظة يقضيها الآخرون في خوفهم منه.
"إن انتهيتِ من تأملي فربما نجلس لننتهي من حديثنا المهم"
انتزعها بعبارته الساخرة من شرودها فيه وشتمت نفسها بحنق لكنّها أسرعت تقول بتحد ساخر
"تذكرت شيئًا عندما رأيتك .. قصة عن شيطان يزداد قوة من امتصاصه لأرواح البشر ومشاعر خوفهم"
رمقها بنظرة قاسية للحظات ثم لدهشتها ابتسم وقال مشيرًا للمقعد
"ليتني أملك وقتًا لأستمع لقصتكِ المشوقة ولكن للأسف .. وقتي ثمين وفيما يبدو وقتكِ أيضًا"
جلس خلف المكتب وتحركت هي لتجلس
"أنت محق .. هات ما عندك"
قالت ببرود وتأملها هو مليًا لبرهة طويلة .. لم تهتز ملامحها ولا نظراتها وهي تواجهه
"هل الأمر صعب لهذه الدرجة؟"
سألته بسخرية وقد بدأت تشعر بالقوة تزداد بعروقها بينما رمقها ببرود
"هذا سيتحدد على مدى استيعابك لما سأقوله"
قطبت بتوجس وقالت
"اسمع يا سيد سالم .. أنا أتيت فقط لأخبرك أنني لا أهتم البتة لأي شيء تريد قوله .. لا نية لدي للتورط معك أو مع أي شخص من أفراد عائلتك .. أتيت لأخبرك أن تبتعد عن طريقي أنا وأسرتي"
استمع لها بهدوء لتردف
"كان بيننا اتفاقٌ قديم كما قلت وأظنني أديت جانبي من الاتفاق على أكمل وجه"
"والدليل أنكِ عدت حرة بعد أيام فقط من زواجكِ"
رد ساخرًا وقاومت هي الطعنة المؤلمة التي سببها تذكيره لها بجرحها الأكبر
"لا شأن لك بهذا .. لقد نفذت ما أردت وأبعدت سالم عني تمامًا"
قالت بجمود ليرمقها بنظرات لم تفهمها ثم يقول
"وأبعدتِه عن حياتنا جميعا"
قطبت بتوجس
"نعم؟ .. ماذا تـ .."
قاطعها بصرامة
"لم تعرفي أنه ترك البلاد وهاجر بعد ليلة زفافكِ؟"
اهتز قلبها بعنف .. سالم هاجر بعد .. أبعدت بصعوبة رهيبة ذكرى تلك الليلة حتى لا تنزف جروحها أمامه.
"وما شأني أنا بهذا؟ .. لقد نفذت جانبي من الاتفاق كما أردت .. أنت من لم تستطع الاحتفاظ بحفيدك إلى جانبك .. أبعدتني عنه ليكون لك كما أردت لكن من الواضح أنك لم تنجح"
رمقها بعينين مشتعلتين لكنها لم تسمح لنظراته بهزها .. صمت لثوان وهو يتلاعب بقلم في يده ألقاه بعد برهة ليقول
"لا تظني أنني فشلت كما تقولين .. أنا سمحت له بالابتعاد ريثما يتخلص من مشاعره الغبية نحوكِ"
كلماته المستحقرة زادت دمها غليانا لكنها حافظت على برود واجهتها بينما يردف
"وأنا من قرر إعادته في الوقت المناسب وهذه المرة لن أسمح لك بإفساد مخططاتي له"
تراجعت في المقعد ووضعت ساقا فوق أخرى وكم أسعدها رؤية ضيقه من تصرفها
"مرة أخرى سأقول وما شأني أنا بكل هذا؟"
"أنا أعرف أنكما عدتما تلتقيان"
أخبرها بقسوة لتبتسم ساخرة
"بالطبع تعرف .. على العموم يا سالم باشا أنا لا ألتقي أحدًا وإن كنت قلقًا لهذه الدرجة على حفيدك أخبره هو أن يتوقف عن اعتراض طريقي فقد انتهى شأني معه"
رمقها مطولًا ثم قال
"إذن أنتِ لا تنوين بأي حال العودة إليه؟"
مالت للأمام مرددة
"كلامي ليس واضحًا أم ماذا؟ .. قلت انتهينا ولا نية لدي للعودة"
"اعتدلي وأنت تتحدثين معي يا فتاة"
أخبرها بصرامة لتواجهه ببرود
"أنا معتدلة ولا أحتاج أن تأمرني .. لست من بقية عائلتك لتوجه إليّ الأوامر"
نظراته النارية لم تهزها وبادلته إياها بتحد
"يبدو أنّكِ تنوين تصعيب الأمور كثيرًا"
"أنا لا أنوي تصعيب شيء .. أخبرتك ما عندي .. سالم انتهى من حياتي ولا أنوي أصلًا السماح له بالاقتراب مني مهما فعل"
"حقًا؟ .. لماذا لا أصدقكِ؟"
"ماذا؟ .. هل تريد ضمانات؟ .. تريدني أن أتزوج مرة أخرى لتتأكد؟"
سألته بحنق ليردد بهدوء وهو يفتح الحاسوب أمامه ويشغل شيئًا عليه
"لا داعي لكل هذا .. سأحاول الثقة بكلامكِ لكن .. لا أثق في الأيام .. كما أن حفيدي العزيز مصممٌ ويبدو أنّه يخطط لشيء مع والدكِ"
خفق قلبها بجزع بينما يدير الشاشة نحوها .. حدقت فيها لثوان دون فهم قبل أن تدرك ما يعرضه .. كان فيديو لوالدها يجلس في مكان مفتوح يشبه مقهى وأمامه سالم ويبدوان منخرطين في حديث هام .. تسارعت نبضاتها بذعر بينما أغلق هو الحاسوب وتراجع في مقعده يتأملها بنظرات تشبه ذئبًا منتشيًا
"هه ما رأيكِ؟ .. هل أثق في كلامكِ؟ أم سأضطر للعودة للطرق القديمة؟"
رمقته بحقد وهتفت
"لست في حاجة للتهديد"
"ربما والدكِ في حاجة له .. لم أظن أنّه سيوافق على رؤية حفيدي بعد كل ما حدث"
عضت شفتها بمرارة وحنق فيما يردف مستحقرًا
"لا ألومه إن حاول أن يزوجكِ بعد ما حدث وربما ظن حفيدي من سيتكفل بتنظيف سمعتكِ الـ .."
نهضت صارخة وهي تضرب بكفيها على المكتب
"إياك أن تنطق بكلمة واحدة في حقي .. سمعتي هذه حفيدك هو من تسبب فيها .. هو من دمر حياتي وأساء لسمعتي"
تنفست بعمق تحاول استرجاع هدوءها ثم مالت نحوه مرددة
"لن اكرر كلامي يا سالم بك فاحفظه جيدًا .. سالم لم يعد له مكان في حياتي .. هل تريد ضمانًا أكبر؟ .. أنا لم أعد أحبه .. أنا الآن أكرهه .. أكرهه كما لم أكره أحدًا في حياتي ولن أسامحه مهما فعل"
لمعت عيناه بطريقة أخافتها بينما مال للأمام قائلًا
"جيد .. هكذا نتفق"
"ماذا تقصد؟"
سألته بتوجس ليرد آمرًا
"أريدكِ أن تستمري في هذا .. أريده أن يتأكد من استحالة عودتكِ له .. من كراهيتكِ له"
"وهل تعتقد أنّه سيتوقف هكذا؟"
رددت ساخرة فقال ببرود
"لا شأن لكِ بالباقي"
صمتت مفكرة ثم قالت
"وإن لم أستطع إبعاده؟"
"استمري في موقفكِ فقط وأنا سأتكفل بالباقي"
تأملته لبرهة ثم قالت لتنتزع منه انتصاره وتخبره أنّ الكلمة الأخيرة ليست له هو
"لا بأس .. لكنني سأفعل هذا لأنني أريده وليس لأنك طلبت .. لو أردت الرجوع لسالم لا يوجد قوة في الأرض تمنعني من هذا"
"حقًا؟ .. هل أتخيل أم أنّكِ توجهين لي تهديدًا مبطنًا؟"
أومأت قائلة وهي تضغط بكفيها على المكتب وتميل إليه بتحد
"افهمها كما تشاء .. رواء الصغيرة التي أحضرتها هنا قبل سنوات لتذلها لم تعد موجودة والفضل لك أنت وحفيدك .. رواء التي تقف أمامك الآن واحدة أخرى .. أسلوبك هذا وإحضاري كل مرة لتهددني لن يجدي معي .. أنا أتيت بإرادتي وسأفعل ما أريده لا تريده أنت"
رمقها رافعًا أحد حاجبيه
"لا تتحديني يا رواء فلديكِ الكثير لتخسريه"
تراجعت واقفة بجسد مشدود
"تؤ .. هذا ما تظنه أنت .. أنا أصبحت أفهم ألعابك جيدًا .. أنت تستغل الخوف وتستهدف نقاط ضعف خصمك .. ربما تظن أنّ أسرتي نقطة ضعفي لكنّك واهم .. كنت صغيرة وقتها ولم أفهم لكن الآن أنا أعرف .. الخوف هو أكبر عدو لي وأنا ما عدت أخاف يا سيد سالم"
وتحركت تغادر لتتوقف بعد خطوة والتفتت له مصرة على رد طعنته لها وإساءته
"وهل تعرف شيئًا؟ .. أنا ما عدت أخافك وحسب .. في الحقيقة أنا أشفق عليك كثيرًا"
قطب بشدة فابتسمت
"هل تذكر ما قلته عن أمي قديمًا ولم أستطع الرد وقتها؟ .. هل تتذكر إهانتك لها؟ .. هذا لأنّك بلا قلب، ولا حتى روح لتشعر بغيرك .. أنت لم تستطع النظر خلف الصورة النمطية والأحكام المسبقة .. أما أبي الذي تستحقره كان يملك قلبًا .. هو تجاوز كل هذا ورأى ما خلفه .. مد يده وانتزعها من مصير أسود كان ينتظرها في عالم يسكنه أمثالك .. هو رأى الإنسان والروح .. أبي أحبها رغم كل شيء وصنع منها إنسانة محترمة وأمًا عظيمة بحبه .. لأن أبي يملك قلبًا كبيرًا يسع أحبابه وأعداءه"
اقتربت من المكتب وعادت تميل إليه بعينين لامعتين
"أنت لن تعرف هذا أبدًا .. أنا أشفق عليك حقًا .. أنت لم تعرف الحب ولن تعرفه .. حتى أحفادك الذين تحكمهم بالخوف والقسوة لا أعتقد أنّك منحتهم الحب يومًا ولا نلت ذرة حب منهم ... لا أظنك أحببت حتى نفسك"
كز على أسنانه وعيناه تسودان بشدة لكنّها واصلت بابتسامة مشفقة
"لو كنت أحببت نفسك كنت أشفقت عليها من اليوم الذي سيأتي لا محالة .. أنا حقًا أشفق عليك لأنّه سيأتي عليك وتكتشف أنّك منبوذ خاسر .. ستموت وحيدًا محرومًا من عاطفة وحب أقرب الناس إليك .. لن يفتقدك أحد منهم وسيتنهدون ارتياحًا عندما ترحل .. ربما سيتذكرك أعداءك قليلًا ليصبوا لعناتهم خلفك، لكن لن يتذكرك أحد بالحب يا سالم بك، وستصبح نسيًا منسيًا في النهاية"
واعتدلت واقفة لترمقه بابتسامة أخيرة
"فكر في كلامي جيدًا ربما أنقذت نفسك قبل الأوان وتعلمت كيف تحبها"
تحركت لتغادر المكتب والتفت له متمتمة
"وداعًا يا سيد سالم .. أتمنى ألا نلتقي مرة أخرى أبدًا"
قالتها وغادرت تاركة إياه يحدق في إثر خيالها الراحل بعينين معتمتين وكفين مقبوضتين، بينما التقطت هي أنفاسها المحبوسة ما أن ركبت السيارة وتحسست قلبها المتسارع .. رباه .. لقد صمدت هناك بجدارة.
نظرت للطريق بعينين غائمتين وهي تستعيد كلماته المهينة التي فتحت جروحها العميقة، وقاومت بصبر حتى لا تنهار في السيارة، وما كادت تعود للبيت حتى دخلت لغرفتها بعد أن ألقت تحية هادئة على أمها التي رمقتها باستغراب فمنحتها ابتسامة مطمئنة كاذبة واختفت بالداخل.
أغلقت الباب بالمفتاح لتسمح لنفسها بالانهيار أخيرًا وتحطم حاجز تماسكها وعاد جرحها القاتل لينزف بينما تتحرر ذكريات تلك الليلة التي جاهدت لتنساه دون جدوى .. الليلة التي تحطم فيها كل شيء.
********************


may lu غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 06-12-20, 11:25 PM   #267

may lu

كاتبة بمنتدى من وحي الاعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية may lu

? العضوٌ??? » 107341
?  التسِجيلٌ » Jan 2010
? مشَارَ?اتْي » 2,587
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » may lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

قبل عشر سنوات
ليلة زفاف رواء وكامل

كان قلبها يطرق بعنف طيلة الطريق إلى بيتها الجديد وحين أصبحا بمفردهما - بعد أن رحلت أسرتها وأبواه اللذان كانا آخر المنصرفين - تضاعفت نبضاته حتى كاد يتوقف .. لا تعرف كيف احتملت ساعات الحفل ولا كيف استطاعت الحفاظ على الابتسامة الكاذبة التي ألصقتها بشفتيها .. من الداخل كانت تحتضر ولا تعرف إن كان ضيوف الحفل قد انتبهوا للتعاسة الساكنة في عينيها والألم الذي يشق روحها نصفين.
خطوات كامل المقترب منها جعلتها تتشنج وبدأت تدرك برعب أي مصيبة أقدمت عليها وأي ذنب ارتكبته في حقها وحقه .. انتفض قلبها حين شعرت بكفيه تمسكان ذراعيها ليديرها إليه، وتحركت عيناه اللامعتان عليها بسعادة زادتها ندمًا وحسرة، يتأملها بفستانها الأبيض وزينتها .. أغمضت بأنفاس مختنقة حين مال ليقبل جبينها هامسًا
"مبارك لي فوزي بكِ … مبارك لنا رواء"
عضت شفتها تقاوم مشاعرها .. لو استسلمت لدفعته بعيدًا وهربت .. ماذا فعلتِ بنفسكِ يا رواء؟ .. همس اسمها قائلًا برفق
"رواء .. انظري إليّ"
بصعوبة استجابت للأمر وليتها ما فعلت .. ما رأته في عينيه جعلها تكاد تموت .. ندمًا .. رفضًا .. رعبًا من القادم .. ربما لكل هذه الأسباب مجتمعة .. لماذا لا تموت الآن وترتاح؟ ... نظراته ضاقت وهو ينظر لعينيها .. لا بد أنّهما فضحتا كل مشاعرها
"لا تخافي يا رواء .. لن أؤذيكِ"
بدأت تشعر بحرقة الدموع في عينيها بينما ابتسم كأنّما فهم ما يعتمل داخلها
"أعرف أنّكِ لم تجدي الوقت لتتعودي عليّ لكن .. أمامنا الحياة كلها لنفعل"
لا تريد هذه الحياة .. لن تحتمل .. كيف تحيا مع هذا الغريب؟ .. اقشعر جسدها حين مال يقبل جبينها مرة أخرى برقة أكبر
"أعدكِ أنني سأفعل كل شيء لأجعلكِ أسعد امرأة في العالم"
لم تقاوم الدموع هذه المرة فسالت دمعتان مسحهما بإبهاميه بحنان ونظر في عينيها لبرهة، لتتسعا حين وجدته يميل مقتربًا من شفتيها وقبل أن يمسهما وجدت نفسها تدفعه وتتراجع بأنفاس متسارعة .. رمقها بدهشة ثم ابتسم مفتهمًا حين قالت بارتباك
"أ .. ألن نصلي أولًا؟"
اتسعت ابتسامته ورد
"طبعًا .. خذي راحتكِ سأبدل ثيابي في الغرفة الأخرى"
أومأت بسرعة وهي تتوسله داخلها أن يذهب سريعًا قبل أن تنهار .. تحرك إلى الباب والتفت ما أن وصله ليغمز لها بمرح
"إن احتجتِ أي مساعدة لا تخجلي في طلبها"
مزاحه لم يخفف عنها كما اعتقد بل زاد من سرعة انهيارها الذي استولى عليها ما أن غادر .. أسرعت تغلق الباب خلفه لتنهار أرضًا .. أحاطت وجنتيها بكفيها مرددة
"ماذا فعلتِ يا رواء؟ .. ماذا فعلتِ؟"
كتمت فمها حتى لا يسمع بكاءها وظلت مكانها ترتجف .. كيف ستتعامل معه؟ .. كيف ستسمح له بالاقتراب منها؟ .. لم تحتمل قبلته ولا حتى لمسته العابرة لها .. أين كان عقلها حين أصرت على الموافقة؟ .. الكلام شيء والفعل، والواقع شيء آخر .. هي لا يمكنها أن تجعله يقربها .. لا يمكنها أن تكون لرجل سوى سـ .. أوقفت اسمه في عقلها بكل قوتها .. لا
"لا تذكريه"
هتفت في نفسها بتوسل .. لا تذكريه .. ما عاد من حقكِ .. لا تخوني ولو بعقلكِ يا رواء .. واصلت توسل نفسها وبكاؤها يزداد قبل أن تقفز بفزع على صوت طرقات
"رواء .. هل انتهيتِ؟ِ"
انتبهت لمرور الوقت وجلوسها كما هي بفستانها … نهضت بسرعة ومسحت دموعها هاتفة بتحشرج
"بضع دقائق أرجوك"
"تمام حبيبتي"
كلمته اعتصرت قلبها بعنف، فعادت تهتف في نفسها .. أصبح زوجكِ .. هو حاضركِ ومستقبلكِ .. توقفي عن هذا وارضي بقدركِ واختياركِ .. أنتِ اخترتِ فتحملي النتائج.
تحركت وهي تواصل ترديد الكلمات داخلها لتستمد منها القوة على القادم .. ليس من حقها أن تمنعه حقه .. ليس من حقها أن تفكر في غيره .. عليها أن تقتل كل تفكير لها في .. عضت لسانها تمنعه من الهمس باسمه مجددًا ..
نظرت لصورتها التعيسة في المرآة وزينة وجهها التي أفسدتها الدموع .. إن كان هناك لوحة في العالم تستحق أن تحمل اسم التعاسة فسيكون انعكاسها هذا .. مدت يدًا مرتجفة تفك عنها ثوبها وتركته يسقط أرضًا، اتجهت بعدها للحمام لتغتسل وتزيل عنها كل هذه الأقنعة وترتدي قناع الزوجة المخلصة .. محتضرة القلب والروح لكنّها ستخلص رغم هذا.
خلال دقائق كانت تقف بقميص نومها الطويل بحمالاته الرفيعة وصدره المكشوف الذي لم يزده الروب المخرم احتشامًا .. نظرت لانعكاسها بعينين خائفتين .. لا زالت لا تعرف كيف ستقف أمامه هكذا وكيف ستسمح له بلمسها.
"هذا حقه يا رواء"
همست وهي تمسح دموعها المنهمرة بينما تركل خيال سالم بعيدًا للمرة الألف
"رواء"
أتاها صوته فأسرعت تجري لترتدي إسدال الصلاة
"لقد انتهيت .. لحظة"
اتجهت بعدها لتفتح الباب وأطل هو وقد أبدل ثيابه .. اختفت لمعة عينيه وبهتت بسمته بإحباط لرؤية ما ترتديه لتردد بارتباك
"سنصلي؟"
"بالتأكيد"
ردد بابتسامة شاحبة وهو يتقدم حيث فرشت السجادتين وبدآ الصلاة .. تعرف أنّه من الخطأ أن تدعو على نفسها بالموت لكنّها في كل لحظة كانت تفكر فيه وتتوسله أن يأتي ليرحمها مما سيحدث بعد قليل .. لم تستجب دعواتها … وانتهت الصلاة ليلتفت لها كامل مبتسمًا وابتسامته شقت أخدودًا أعمق من الألم في روحها.
لماذا لم تمت؟
ارتجفت حين وضع يده على رأسها يردد الدعاء وعضت شفتها حتى لا تبكي .. نهض بعدها ممسكًا بعضديها ليرفعها معه، وقبّل جبينها لترتجف بعنف ازداد حين خلع وشاح الاسدال كاشفًا عن رأسها .. لم تكن محجبة أصلًا، لكنّها شعرت في تلك اللحظة أنّها تعرت أمامه .. أصبحت عارية أمام الغريب الذي سيمتلكها بعقد زواجه منها.
"زواجكِ الذي وافقتِ عليه بإرادتكِ"
همست داخلها بمرارة تذكر نفسها، عازمة على دفع ثمن خطأها للنهاية .. أغمضت وقررت الاستسلام لمصيرها .. ليتها فقط توقف رجفتها وشعور الاختناق الذي يكاد يتحول لغثيان مميت مع كل لحظة.
رنين هاتف أتى من بعيد ليوقف رجفتها .. فتحت عينيها كغريق وجد قشة فتمسك بها متلهفًا لكنّها عادت للخوف حين تجاهله كامل مصرًا على إزاحة إسدالها المستفز في نظره .. عاد الهاتف يرن بإلحاح لتهمس باختناق
"هاتفك يرن .. ربما مكالمة مهمة"
"لا شيء أهم منكِ الليلة رواء"
عضت شفتها، وكادت تبكي بينما عاد الهاتف يرن لمرة ثالثة فزفر بضيق
"الأمر هام فيما يبدو"
أخبرته بتوتر، فاضطر للابتعاد، لتتنفس هي بقوة كسمكة أعيدت للماء بعد وقتٍ مميت على اليابسة
"ماذا؟ .. ما الذي تقوله؟ .. من معي؟"
انتبهت على هتافه الجزع والتفتت لتجد وجهه شديد الاضطراب .. أغلق الهاتف ليتصل بأحدهم وانتظر الرد ليزداد اضطرابًا .. أغلق بعد عدة محاولات فاشلة واندفع إلى الدولاب ليأخذ ثيابه
"ماذا حدث؟"
هتف بتوتر شديد
"سيارة أبي وأمي تعرضت لحادث وهما في المشفى .. كان يجب أن أجعلهما يذهبان مع بقية الضيوف"
شهقت بجزع
"كيف؟ .. هل .. هل هما بخير؟"
"لا أعرف .. قال المسعف أنّهما في المشفى في حالة سيئة ويريدان رؤيتي"
"إن شاء الله خير .. سأغير ثيابي وآتي معك"
أمسك بذراعها قائلًا
"لا داعي .. ابقي وأنا سأطمئنكِ عندما أصل"
أومأت باضطراب وأسرع هو يغادر بعد أن بدل ثيابه وران الصمت على الشقة بعد أن رحل .. ظلت واقفة مكانها بسكون غير مصدقة أنّها نجت مؤقتًا من حكم الإعدام .. سقطت على حافة الفراش بأنفاس لاهثة
"لا بأس يا رواء .. عندما يعود وتطمئني أنّ أهله بخير تحدثي معه"
رددت وهي تتحسس عنقها باختناق
"كامل طيب ولم يظهر منه إلا كل خير .. سيتفهمكِ وينتظر حتى تعتادي عليه"
حاولت إقناع نفسها لكنّها لم تصدق حتى كلماتها .. هل ستعتاده حقًا بعد أن يمر الوقت؟ .. ربما الحب يولد مع العشرة كما يقولون .. ربما تستطيع أن تنسى وتحب من جديد .. ابتسمت بمرارة
"وإن لم تحبي ما المشكلة؟ .. يكفي العشرة الطيبة يا رواء .. ماذا أخذتِ من الحب غير الألم والمرارة؟"
نهضت بعد ثوان لتخلع الإسدال وعلّقته جانبًا واتجهت للدولاب لتخرج بيجامة محتشمة مقررة تنفيذ قرارها بعد عودة كامل .. ستحاول إقناعه بأي طريقة … لا .. ربما الأفضل أن تنام لتهرب من المواجهة وغدًا يحلها الحلّال .. توقفت حين لمحت خيالها العابر أمام المرآة ونظرت للمرأة الغريبة أمامها متنهدة بحرارة
"ربما يومًا ما تستطيعين مواجهته هكذا .. لكن ليس الليلة ولا .."
صمتت حين سمعت باب الشقة ينفتح ثم يغلق .. هل عاد بهذه السرعة؟ .. لم تمض بضع دقائق على .. انفتح باب الغرفة لتلتفت بدهشة متناسية كيف تبدو.
"كامل، لماذا عدت سريـ …"
ماتت الكلمات على شفتيها وعيناها تجحظان بذهول مرعب بينما تحدق في الشخص الواقف مقابلها .. إنّها تحلم .. لا يمكن أنّها تراه الآن .. سالم ليس واقفًا في شقتها .. على باب غرفة نومها .. لا .. هو ليس هنا الآن.
"سالم"
همست اسمه بتهدج في ذهول وصدمة وعيناها تعلقتا بعينيه المشتعلتين بجنون، صدره يرتفع وينخفض بسرعة ويداه مقبوضتان إلى جانبيه .. ارتعدت شفتاها وهما تتحركان باسمه مجددًا وشعرت بالدوار يكتنفها .. هذا كابوس .. لا يمكن أن يكون سوى كابوس .. لكنّه كان مجسدًا .. في قامته الطويلة وعينيه المشتعلتين اللتين تحركتا فوقها لتتسارع أنفاسه وتزداد نار عينيه .. لحظتها فقط انتبهت أنّها تقف أمامه شبه عارية .. تراجعت شاهقة وهي تحيط جسدها بذراعيها وهتفت
"ماذا تفعل هنا؟ .. هل جُننت؟ اخرج"
لم تعرف هل تندفع لتغلق الباب لتحول بين نظراته التي التهمتها وجعلتها ترغب في أن تشق الأرض وتبتلعها، أم تجري إلى إسدالها لترتديه وتستر نفسها عن عينيه .. كان الأخير أقرب إليها فجرت وهي تواصل هتافها
"كيف تأتي هنا؟ … أنت جُنـ .."
لم تصل للإسدال ولم تكمل جملتها التي انقطعت بشهقة مرتعبة حين قطع المسافة بينهما بسرعة خاطفة .. قبض على رسغها يشدها إليه هاتفًا
"أنا من جننت؟ .. ماذا عنكِ؟ .. ماذا عما فعلتِه؟"
طفرت الدموع من عينيها وحاولت شد رسغها منه
"دعني يا سالم .. دعني .. ماذا تفعل؟"
ضاقت قبضته عليها فتلوت من الألم الساحق وشعرت بعظامها تكاد تنكسر تحت ضغطه .. رفعت كفها الأخرى لتضربه في صدره بينما رعبها يزداد من المصيبة التي تراها من الآن .. سيعود زوجها في أي لحظة وستحدث مصيبة .. لن يتفاهم .. سيقتلهما دون سؤال .. هذا أقل ما يفعله.
"اتركني يا سالم .. أنت تؤلمني .. دعني"
صاحت باكية وهي تواصل ضربه ليزيد من قبضته الساحقة
"لماذا أدعكِ يا رواء؟ .. لتكملي جريمتكِ في حقي؟ .. لتمنحي حقي لذلك الوغد الذي يريد سرقتكِ مني؟"
ولم يمهلها أكثر وقبض على كفها الآخر يأسره مواصلا بنبرة شرسة
"أفضل الموت على أن أدعه يلمسكِ يا رواء"
اتسعت عيناها وازداد الألم في معصميها وفي روحها فتوسلته بحرقة وهي تنفجر في البكاء
"أنت لست بوعيك يا سالم .. لا يصح ما تفعله .. أنا الآن زوجـ .."
صرخ بشراسة وهو يهزها
"إياكِ أن تنطقيها .. أنتِ لست لأحد .. سأقتله قبل أن يأخذكِ مني، سمعتِ؟ .. سأقتله"
تجمدت دموعها وهي تنظر لعينيها العاصفتين بجنون خالص .. أدركت أنّه ليس بوعيه أبدًا .. زاد رعبها وعادت تتوسله
"أتوسل إليك يا سالم لا تفضحني .. لا تفعل هذا بي .. أنت لا تعرف ماذا تفعل"
ترك كفيها ليمسك عضديها بقبضتين لا تقلان قسوة
"أنتِ التي لا تعرفين .. أنتِ التي جلبتِ هذا علينا يا رواء وعليك مواجهة النتائج"
دفعها فجأة فكادت تفقد توازنها لولا أن أمسك كفها وشدها بقوة
"هيا .. ستأتين معي"
"ماذا تقول؟"
صاحت برعب وهي تشد يدها تمنعه من جذبها خلفه
"هل جُننت؟ .. لن أذهب معك لأي مكان ... اذهب من هنا قبل أن أصرخ باعلى صوتي وأنادي الجيران"
التفت ليشدها من كتفيها نحوه وسقط قلبها برعب حين وجدت نفسها ملتصقة به وعيناها تحدقان في عينيه اللتين لم تجدهما أشد رعبًا من هذه اللحظة ولفحتها أنفاسه غريبة الرائحة .. قطبت بتوجس لتصدمها الفكرة بارتياع .. هل هو ..
قطع أفكارها وهو يقترب أكثر مرددًا بقسوة كادت ترديها ميتة
"اصرخي يا رواء .. اصرخي وسببي الفضيحة التي تريدينها .. ستقدمين لي معروفًا كبيرًا .. عندما يلقيكِ ذلك الحقير لن تجدي غيري .. ستعودين لي بأي طريقة يا رواء .. أعجبكِ أم لا سينتهي كل شيء الليلة وذلك الملعون سيطلقكِ"
"لا .. لا يا سالم أتوسل إليك"
توسلته ببكاء أحر من الجمر وهي تدفعه بكفيها، لكنّها شعرت أنّها تدفع حائطًا من الصُلب .. لم يتحرك إنشًا
"أقبل يديك يا سالم .. اذهب واتركني .. لا تفعل هذا بي .. إن كنت أحببتني بحق لا .."
قاطعها هازًا إياها بعنف حتى شعرت بعينيها ستخرجان من محجريهما
"إن كنت؟ .. اللعنة عليكِ يا رواء .. أنا أحببتكِ .. عشقتكِ ولم أرد أحدًا غيركِ وأنتِ ماذا فعلتِ رواء؟"
أطرقت بأنين حارق بينما يواصل هزها
"أنتِ خنتِني .. ما كدت أبعد ناظريّ عنكِ حتى طعنتِني في ظهري .. بعتِني يا رواء وتخليت عني"
"أنت أيضًا بعتني وتخليت"
وجدت نفسها تهتف دون أن تمنع نفسها
"ما صدقت أن قلت لك ابتعد وابتعدت .. أنت تركتني ولم تعد لتدافع عن حقك .. أنت جبان"
صرخت بها وقد نسيت كل شيء عن وضعهما الكارثي.
"أنت جبان ولا تستحق حبي لك .. أنت فضلت الهرب بكل جبن"
كلماتها صفعته تذكره بكلمات أسامة لكنّ الجنون الذي تملكه من أثر المخدر الذي لم يفعل شيئًا ليقلل من الحريق والألم داخله، الجنون الذي التهمه بينما يراها تقف في انتظار ذلك السارق لتمنحه حقه .. تقف متألقة بفتنة تنافس أشد أحلامه إثارة وجنونًا .. إن لم يفقد عقله الآن وهو يراها هكذا فمتى يفقده .. إن لم تكن هناك مصيبة أكبر من مصيبته هذه اللحظة فأي مصيبة أكبر.
"لذا عد لهروبك واتركني لحالي"
انتبه على هتافها الأخير بينما كانت تدفعه بكل قوتها في صدره وتشتته اللحظي منحها الفرصة لتتحرر .. ابتعدت سريعًا وضمت نفسها بذراعيها تحاول الاحتماء عن عينيه .. شعرها الطويل المتناثر بجنون وانفعالها الذي لون بشرتها البيضاء المكشوفة أمام عينيه الجائعتين لها .. احتبست أنفاسه أكثر وهو يستوعب من جديد صورتها .. إنّها حبيبته .. امرأته هو .. مهما حاولت الإنكار .. مهما قال الجميع، ومهما ادعوا أنّ آخرًا نال حقه فيها لن يصدق .. لن يؤمن سوى بحقيقة واحدة .. رواء امرأته وهو لن يتركها لسارق ملعون يظن أنّ ورقة ما ستمنحه الحق في سرقتها منه.
بدا أنّها رأت في عينيه كل أفكاره فتراجعت للوراء مرددة بارتجاف
"اذهب قبل أن يأتي زوجي"
كلمتها أشعلت مارد غضبه فانفجر دون رجعة ودون حدود .. كان كالسيل .. كحمم بركانية اندفعت لتسحق كل ما أمامها وتشعله .. اقترب منها بخطوات أرعبتها
"لماذا أذهب؟ .. لا زالت الليلة في أولها رواء .. سننتهي من كل هذا قبل أن يعود زو .."
قطع الكلمة باشمئزاز، وبصق مردفًا
"عامة لا تقلقي .. لقد تأكدت أنّه لن يعود قبل أن أنتهي مما أتيت لأجله"
سقط قلبها بين قدميها وهتفت بارتياع
"ما .. ماذا تقصد؟ .. ماذا فعلت له؟"
"ما كان ينبغي أن أفعله روايا"
ردد وهو يقترب ببطء حيوان مفترس وتراجعت هي كفريسة مرتجفة
"لا .. لا تتهور يا سالم .. لا تجعلني أكرهك .. أرجوك بحق ما كان بيننا .. بحق غلاوتي عندكِ اذهب واتركني .. لا تفضحني أتوسل إليك"
واصل اقترابه وواصلت تراجعها تكاد تنهار
"لماذا يا رواء؟ .. لماذا أترككِ وأذهب؟ .. لتنتظريه كما كنتِ قبل قليل؟ .. ليعود ويراكِ هكذا؟"
انهمرت دموعها أكثر وارتجفت شفتاها بتوسل بينما تحركت عيناه بحرقة على جسدها الذي لم يفعل الروب شيئًا لإخفاء فتنته عن عينيه
"ليعود ويراكِ وقد تزينتِ لأجله؟ .. تنتظرينه ليلمسكِ يا رواء .. ليملكك؟"
كانت كلماته تزداد شراسة وجنونًا وعقله يتراجع خلف غيامات الغضب والتملك .. الغيرة التي تلتهمه وتعميه، والقهر الذي يسحق روحه دون رحمة .. كان يتألم كما لم يشعر من قبل لكنّ الألم كان يزيد نار جنونه استعارًا
"تنتظرينه لتمنحيه حقي فيكِ يا رواء؟"
صرخ بجملته وهو يركل مقعد المرأة بعنف جعلها تنتفض شاهقة
"هل تعتقدين أنني سأنتظر ليحدث كل هذا؟ .. لا تظني أن الأوان قد فات"
عند هذه الكلمة ولم تنتظر وقد أخبرتها كل خلية في جسدها أنّها يجب أن تهرب .. سالم ليس في وعيه وسيؤذيها .. سيندم عندما يفيق وهي لن تسامحه .. ستكرهه بكل ذرة منها .. يجب أن تهرب قبل أن يحدث هذا .. يجب أن ...
أطلقت ساقيها للريح واندفعت هاربة تنوي الوصول لباب الشقة لتهرب إلى الشارع .. لم تهتم لثيابها المكشوفة ولا للوقت المتأخر .. الفضيحة ستحدث في كل الأحوال لكنّها ستكون أهون من ..
توقف اندفاع جسدها وصرخت عندما ارتفعت قدماها عن الأرض، وانفجرت الدموع من عينيها حين شعرت بذراعه تحيط خصرها رافعًا إياها بسهولة .. ركلت في الهواء صارخة برفض وأظافرها تنغرس في ذراعيه تحاول فكهما عنها
"لا .. اتركني يا سالم .. دعني"
تركها فجأة لتفقد توازنها واستندت للحائط لحظة قبل أن تعود لتندفع إلى الباب برعب، فأسرع يقطع الطريق مغلقًا الباب بقوة لترتج جدران الغرفة .. تراجعت بعينين جاحظتين رعبًا وقبل أن تهرب مرة أخرى كان يقبض على كفها يوقف حركتها ودفعها لتلتصق بالحائط
"سالم .. أقبل يديك .. أفق .. أنت لا تعي ما تفعل يا سالم .. أتوسل إليك"
توسلته بحرقة ولم تحتمل ساقاها فسقطت على ركبتيها أسفله ورعبها جعلها تمسك يده وتنحني لتغرقها بدموعها
"أقبل يديك لا تفعل هذا بي .. أتوسل إليك"
قلبه المحتضر كاد يجعله يركع هو الآخر أمامها، لكن غضبه وألمه جعلاه يدوس قلبه بقسوة .. مال يمسكها ويرفعها إليه .. دموعها المنهمرة لم تجعله يشفق أو يتوقف .. اقترب ليحاصرها بجسده مغمغمًا بقسوة يريدها أن تشعر بألمه .. يريد أن يعاقبها على خيانتها .. يريد أن يختم جسدها وروحها به ولا يترك مكانًا لرجلٍ آخر .. ذكر ذلك الآخر زاد سعيره وتذكر لحظات مراقبته للزفاف وازدادت رغبته العنيفة بقتله .. ربما لاحقًا .. بعد أن ينهي ما يريده الآن.
"تتوسلينني أن أترككِ يا رواء؟"
مال نحوها مرددا بأنفاس لافحة كاللهب
"أنت لست في وعيك يا سالم .. أرجوك"
ضرب الحائط بجوار رأسها مسببًا انتفاضة أشد عنفًا في جسدها
"بل أنا واعٍ تمامًا رواء .. واعٍ وأعرف ما أفعله جيدًا .. أخبرتكِ .. ستكونين لي ولن يقف بيننا شيء"
حدقت فيه بارتياع وهو يردف بتملك ساحق
"قلت لكِ لو لزم الأمر سأختطفكِ رغمًا عنكِ .. وسأفعل، لكن الاختطاف سينتظر قليلًا ريثما آخذ حقي فيكِ"
"لا .. أ .. أنت تهذي .. أنت لن تفعل هذا بي"
رددت بارتجاف وهي تحاول التحرر منه لكنّه اقترب أكثر حتى التصق بها وجحظت عيناها برعب أشد
"سأتأكد من أن ذلك الوغد لن ينال منكِ شيئًا رواء .. سأتأكد من جعلكِ مجبرة على الذهاب معي .. لن يكون هناك غيري .. لم يكن ولن يكون يا رواء"
"لا تفعل .. سأكرهك يا سالم .. إن آذيتني سأكرهك .. أقسم أنني سأفعل"
أمسك ذقنها بقسوة لمعت في عينيه
"يمكنني التعايش مع كراهيتكِ يا رواء لكنني سأموت إن أخذكِ أحدهم مني"
مرت لحظاتهما وذكرياتهما الماضية أمام عينيها كقطارٍ سريع وشعرت بالموت يقترب منها فهمست بمحاولة أخيرة وهي تدفعه في صدره
"وأنا سأموت إن فعلت ما تريد يا سالم .. لم يعد لك حق بي"
انتفض جسدها حين أحاط عنقها بكفه ومال نحوها هامسًا
"أنتِ كلكِ حقي يا رواء .. كلكِ ملكي .. كل نفس من أنفاسكِ .. كل نبضة في قلبكِ .. كل خلية من جسدكِ"
كانت عيناها تزدادن اتساعًا مع كلماته
"روحك ونفسكِ وكل شيء يا رواء ملكي أنا .. حقي أنا .. لن يأخذه غيري"
تلوت في قبضته ودموعها تسيل
"لا حق لك يا سالم .. حرام ما تفعله .. لا يحق لك أو لي"
استعرت نظراته أكثر وزاد من ضغط جسده عليه وقبضته تنغرس في حرير شعرها فصرخت ألمًا
"ومن يحق له يا رواء؟ .. ذلك الـ"
قاطعته صارخة بالمقابل
"نعم .. الآن هو وحده له الحق وأنت لا حق لك .. هو زو …"
لم يدعها تكمل كلمتها القاتلة، وانحنى يقتنصها بشفتيه دون تفكير .. شهقة عنيفة ترددت داخلها وعيناها تجحظان بعنف وجسدها اختض .. لا .. لا يمكن ما يفعله .. لا يمكن .. انفجرت دموعها ودفعت بكل قوتها في كفيها لتبعده، أنت عضلاتها بضعف، وازدادت ارتجافًا وخوفًا .. قبضتاها الضعيفتان واصلتا ضربه بينما تشعر به ينتهكها بقبلته القاسية .. يبتلع توسلاتها المكتومة ودموعها الغزيرة .. ينتهك براءتها وحرمتها .. ضاقت أنفاسها التي حرمها إياها وقبضته على شعرها تزداد شدة ليقربها أكثر وأكثر، يعاقبها، ويصب من حريق روحه عليها ليحرقها كما أحرقته، بينما يده الأخرى تمادت لتهتك المزيد من الحدود بينهما وتعيث بجسدها فسادًا.
زاد دوارها وجسدها لا يفعل شيئًا سوى الارتجاف في ذهول وحين كادت تموت اختناقًا حررها .. لهثت الهواء بعنف كما فعل هو .. نظر لعينيها الغارقتين بالدموع ولم تر نظراته المعتمة ولا سمعت ما قاله .. جسدها لا يتوقف عن الارتجاف وعقلها توقف عن العمل .. تقف مصدومة ضائعة منتهكة وقبل أن تتحرك خلية منها كان جسده ينهار فوقها .. وجهه مدفون في عنقها وذراعاه التفتا حولها ثم شعرت بجسده يهتز بنشيج مؤلم ودموعه الحارة تساقطت على عنقها كمطر ساخن.
حدقت بضياع من فوق كتفه بينما ذراعاه تشتدان حولها وجسده يزداد ارتجافًا مع شدة نحيبه .. تخاذلت ساقاه فسقط على ركبتيه وأخذها معه .. كانت في عالم آخر .. عاجزة عن استيعاب ما يحدث .. عاجزة عن الحركة لتخرج من هذا الكابوس.
"ماذا فعلتِ بنا يا رواء؟ .. ماذا فعلتِ؟"
سمعته بتشوش يردد بشهقاته المكتومة في عنقه وصوته استجلب دموعها فانهمرت بحرقة واهتز جسدها بالبكاء .. بكت كطفلة تائهة .. تحتاج أبويها لينقذاها .. كانت تائهة وسط الضباب الكثيف، لا تشعر سوى بسالم يحتضنها ويبكي معها .. لم يعد هناك سواهما في العالم .. تريد الخروج من هذه المتاهة ولا ترى نورًا في نهاية النفق .. شعرت به يحرك وجهه في عنقها مواصلًا وهو يشتبث بها أكثر
"قلبي سيتوقف يا رواء .. ماذا فعلتِ بنا؟ .. أريد أن أموت"
انقبض قلبها مع كلماته واختنقت بالمثل وأغمضت مستمرة في البكاء وقد شُل جسدها تمامًا فلم تشعر بحركة شفتيه على عنقها ولا وجهه الذي رفعه لينظر لعينيها المغمضتين وسمعت همسه من بعيد
"سأموت إن أصبحتِ لغيري رواء .. سأموت"
همس كلماته وهو يقترب ليغرق وجهها وعنقها بقبلات محمومة ولم ينتفض فيها سوى قلبها .. نبضاته المارثونية كاد توقفه فاستسلمت للموت بترحاب لكنّه لم يأت .. توسلته أن يأتي بينما تشعر بتلك الأخرى تتحرر داخلها .. تلك التي لم تعرفها قبلًا تحررت لتتولى زمام الأمور .. الأخرى التي تسكنها .. تلك التي تستجيب له الآن بضعف ورغبة و .. هلاك تام.
"افتحي عينيكِ رواء"
سمعته يناديها ففتحتهما بضياع .. لم تعرف متى أمالها ليستقر ظهرها على السجادة ولا متى توقف سيل قبلاته التي كانت تسقط كاللهب على بشرتها .. نظرت لوجهه المطل عليها وأنفاسه الحارة لفحتها، وعواصف عينيه المهلكة هزت الأرض من أسفلها، لتدرك أنّها لم تكن في متاهة .. كانت على شفا جرفٍ توشك أن تسقط في هوة سحيقة .. فتحت فمها لتهمس شيئًا لم تعرف ما يكون حين مال سالم قائلًا بتملك وهو يفرد خصلاتها بافتتان
"انظري إليّ رواء .. انظري لي حبيبتي واعرفي لمن تكونين .. من يملككِ روايا"
همست اسمه تتوسل النجاة لكنّها دون أن تدري استعجلت الهلاك ليميل هو مستمرًا في غزوه
"قوليها رواء .. قوليها حبيبتي .. قولي أنّك لي وحدي .. ملكي"
سالت دموعها بعجز بينما عقلها يصارع الأخرى .. تلك التي لا تريدها داخلها لكنّها عاجزة عن دفعها .. عاجزة عن إيقافها .. تلك الأخرى التي رفعت يديها الآن لتحتضن وجهه وسالت دموعها وهي تهمس باستسلام وضياع
"أنا لك يا سالم .. ملكك وحدك"
وحين مال ليأسر كلماتها مجددًا بشفتيه انهارت الأرض الرخوة أسفلها وانهار الجرف أخيرًا .. وهوت.
*******************
انتهى الفصل التاسع عشر
إن شاء الله ينال إعجابكم
قراءة ممتعة


may lu غير متواجد حالياً  
التوقيع
قديم 07-12-20, 05:27 AM   #268

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,578
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا.لتوى انتهيت من سديم عشق .صدقا الجزء الأول والثاني من أجمل ما قرأت لكاتبة متمكنة من ادواتها وابداعها الفكرى واضح للعيان وقدرتها علي إدارة كل هؤلاء الابطال علي مسرح الأحداث وتصوير الصراع بين أشخاص أسر متعددة نشأوا في قلب صراع بين الماضي بكل أقسامه وقسوة ذكرياته بكل الألم والقسوة
وبين الحاضر وصراعا آخر بين مشاعر حب يعرقلها جيلا من الاكاذيب والخداع راح ضحيته الكثير من الأشخاص كما راح معه سلاما نفسيا للكثيرين عاشوا يقتاتوا علي تغذية احساسهم بالظلم ورغبتهم في الانتقام مع تمام العلم بأن قضيتهم خاسرة لان الحق ليس له وجهان ولابد أن يكشف النقاب يوما عن كل الباطل لن اطيل عليكي فقد علقت علي الجزأين بالتفصيل من قبل وانما هي تذكرة ببزوغ نجم لامع في سماء الأدب اسمه مي محفوظ.قرات المقدمة والفصل الأول وكنت قد خمنت من قبل عمن سيدور حوله فبعد أن حللت مشكلة معظم
ابطال الجزأين السابقين لم يبق سوى عائلة المنصورى وعائلة العزايزى وما تبقي من معضلة شاهيناز وريناد. وما زالت العائلتين يتحكم بهما الجدين بتلك العقلية الجامدة والتي لا تعطي فرصة للنقاش وتصدر اوامرها بكل صلف دون النظر لتطورات العصر أو ما يجول في قلوب احفادهم وما عانوه وما زالوا يتحملون تبعاته عكس الجد رفعت الهاشمي بكل سعة عقله بكل مشاعر الحب والتفهم التي تملأ قلبه وتسع كونا بحاله بحكمته ونفاذ بصيرته التي أسهمت في حل الكثير من مشاكل أحفاده وغيرهم بنظرة منزهة عن الأنانية اوسوء الفهم.وما زال الحفيدين الأكثر رعونة كما هما شاهد ويوسف كلا منهما يخطئ ويلملم جرائمهم شقيقيها الأكبر سالم وشهاب وكلا الشقيقين افسدا حياة شقيقتين لا ذنب لها الأولي سمراء بذلك الحادث الذى تسبب فيه يوسف وهي تبعد راندا عن مجال سيارته المسرعة وطيف غير رواءوالتي دمر الجد أحلامها ووقف أمام حبها هي وسالم فخلق منه ذلك الشخص الجامد المحيا بارد المشاعر الهارب من اهله للخارج سنين وبعد عودته نراه لا يدرى ما الم باسرته خاصة شقيقته الذاهلة لا ندرى ما فعل بها الجد والاسرة كلها في حالة من الشقاق والمعاناة كلا علي حسب مشكلته ودور الجد بها.والعزايزى يريد أن برغم بنات العم بالموافقة علي زيجتيهنا دون رضاهما طمعا في الأرض باستغلال مرض ابنه وكأنه لا يكفيه مالا.البداية مشوقة ورائعة وزاخرة كما عادتك بالابطال والأحداث وأن كانت خلت أخيرا من الصراع بين الماضي والحاضر والذى ميز الجزأين السابقين.بمتابعة الفصول ليس لي سوى الإشادة مرة أخرى بروعة ما خطته أناملك المبدعة ورسالة من قلب وجدانك وضميرك بأن طريق الشر لابد مدحورا وأن نور الحق و الخير لن تسده اصابع مرتعشة فوق عيون الحقيقة بسلاح تحمله اليد الأخرى فالحق امضي من أى سلاح.دمتى بخير غاليتي.


shezo متواجد حالياً  
قديم 07-12-20, 06:59 AM   #269

مهاف
 
الصورة الرمزية مهاف

? العضوٌ??? » 94921
?  التسِجيلٌ » Jun 2009
? مشَارَ?اتْي » 784
?  نُقآطِيْ » مهاف is on a distinguished road
افتراضي

موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .

مهاف غير متواجد حالياً  
قديم 09-12-20, 01:40 PM   #270

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,578
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا."قلبا أم جلمود صخر؟".بعد قراءة الفصلين الثاني والثالث بدأت الرؤية تتضح أكثر لعائلة المنصورى تلك التي يتحكم بها سالم المنصورى الجدذلك الذي انطبق عليه وصف سالم الحفيد بالفعل بأنه ليس له قلبا فالرجل بالفعل حول قصره إلي سجنا ومقبرة يحيا من بقي فيها بعد موت أولاده اجسادا موؤدة الروح لا ترى خلاصا لها من جبروته وقسوته سوي في الموت أو الصمت الذى اختارته الجدة والابنة فلك مهربا لهم والذى لم يتضح الآن سبب ما تمر به والرجل بدون أدنى خجل يساوم حفيده علي حريتها من محبسها ومصير الجميع بأن يتحكم في خياره مرة أخرى بفرض من لا يريد زوجة له بعد أن أضاع من عمره عشر سنوات هاربا منهم جميعا وأن كنت أرى أنه أخطأ في هذا فبعده لم يحل مشكلته ولا مشكلة أسرته التي تشرزمت بشكل يحتاج معجزة لعلاجه فكلا منهم بشكل أو بآخر خربت حياته بسبب الجد أو اجبر علي ما لا يريد فأي حياة تلك وأى انسان هذا الذي لا يتأثر بأنات كل من حوله؟.فهل سيستطيع سالم أن ينتشل أسرته من تلك الهوة أم سيغرق معهم؟.وها هي رواء الأمل المنشود لا تريد النظر لوجهه ولا استعادة أي شعور تجاهه نظرا لما عانته هي الأخرى وتلك ضحيةأخرى يضاف لها رويدا والتي كان صريحا معها وانه مرحلة في حياته فقط وهي تتعرض للخطر من ذلك الصديق شاهين والذى لم تتبين اسبابه بعد وهو يعتقد خاطئا أنه يحبها فاخذها رهينة انتقامه وكله يصب في النهاية في نقطة واحدة مصدرها شخص واحد وهو الجد
ويظل أيضا أحفاد الجد المتعنت الآخر العزايزى ومحاولة بسط سطوته علي حفيداته والذى انكرهم عمرا ويأتي حادث سمراء ليزيد الأمر سوءابالضغوط عليهم خاصة مع مرض والدهم فهل يصمدون أمام هذا المصير أم ستضطرهم الظروف للخضوع؟
الفصلان مبهران كعادتك بالموضوعات المثارة والربط بين الماضي والحاضربشكل سلس مثيرا للانتباه وجاذبا القارئ.دمتي مبدعة تستحقين وسام التميز وأكثر.


shezo متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:18 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.