16-12-20, 10:51 PM | #1476 | ||||
| البارت الثالث بعد المائة ماما ملك 💞 " طلاق من و من ؟ " سألت علياء بنبرة مصدومة , مصرة على الوقوف أمام ملك لتفهم ما يحصل , و التي ارتبكت و قد شعرت بأنها قالت شيئا , ما كان عليها قوله هنا , هي اعتقدت أن تعرف علياء على هيا , معناه أنها تعرف بأمر زواجها من شقيقها , علي عادة لا يخفي عنها أموره الخاصة , اذا كان باح لها بسر علاقتهما منذ البداية , أكيد لن يتردد في اعلامها بخبر زواجه من هذه المرأة " أو ربما هي تعرف بالزواج , لكن لم تسمع بعد بالطلاق ؟ " همست ملك لنفسها , و هي تعض على شفتها بانزعاج , لتنهرها علياء مجددا بعدما فرغ صبرها " ملك عن أي طلاق كنت تتحدثين قبل لحظات ؟ " عبست ملك بطريقة واضحة , و قد أدركت أنها أفشت سرا غير معلن , و بدأت تشعر بالاستياء من نفسها , فهي لم تكن يوما واشية و نمامة , و لن تبدأ الآن مع علي و حياته التي مثل الأحجية . لذلك قررت الانسحاب بسرعة قبل البوح , بالمزيد من أسرار الرجل المجنون لأخته , و استدارت فورا للعودة الى المطبخ " عن اذنك " استأذنت من علياء بنبرة المذنب , لكن هذه الأخيرة كانت مصرة , على معرفة معنى ما قالته , و تسمرت مكانها رافضة الانسحاب و تركها تغادر " ملك سألتك ألم تسمعيني , طلاق من و من ؟ " بلعت ملك ريقها بعناء , و لم تجد مفرا من شرح الأمر لها " هذه الشابة و شقيقك , كانا متزوجين و تطلقا منذ أشهر " قالتها بصوت خافت و خاطف , و هي تدعو ألا تفهم علياء ما قالته , و تتوقف عن استجوابها قريبا لكن ردة فعل المرأة كانت أكثر حدة , و فاجأت ملك التي أجفلها صوتها المرتفع " يا الهي لا سمح الله , من قال أنهما تزوجا ؟ هذا مستحيل " بدت علياء و كأن حية لسعتها , فما كان من ملك الا أن أكدت ما قالته " لا أدري , علي من قال ذلك " أجابت بقلة حيلة فلا سبيل للتراجع الآن , لكنها كانت متأكدة أكثر من أي وقت مضى , أنها ارتكبت زلة لسان لا تغتفر , و سيكون من حق علي محاسبتها , على التدخل في شؤونه الخاصة . بقيت ملك تحدق الى علياء , التي تأففت بصوت مسموع , و قد بدا عليها الانزعاج , قبل أن تسألها بوجوم واضح " لا تقولي لي أنهما لعبا عليك هذه اللعبة السخيفة ؟ سأشد أذنيه ذلك الأحمق , و تلك البلهاء كيف تطاوعه ؟ " استغربت ملك من كلامها , فقد بدت علياء غاضبة على غير العادة , لكن ما قالته كان غامضا جدا " أية لعبة ؟ " و لم تجد بدا من استفسار الأمر منها . نظرت اليها علياء بتوتر , و كأنها لا تعرف ماذا تقول لشرح الأمر , مسحت جبينها بيدها لازالة تشوشها , قبل أن تجيبها بنبرة واثقة " علي لا يمكنه الزواج من هيا لأنها أخته " " ماذا ؟ " صعقت ملك لسماع الخبر و صرخت في وجهها علت ملامح تأسف وجه علياء , التي خمنت ما حصل بالفعل , و قد شعرت بالشفقة على ملك , لتسترسل في كلامها بهدوء أكبر " حسنا هيا ابنة خالتي , ولدت بعد علي بستة أشهر , بقيت والدتها في المستشفى , لوقت طويل بعد الولادة , بسبب بعض المضاعفات , أمي من كانت ترعاها خلال هذه الفترة , و قد رضعت مع علي لأشهر , قبل أن تستعيدها والدتها مجددا , العائلة كلها تعرف عن الأمر , كما تعلمين لا يجوز اخفاؤه " شعرت ملك بالتشوش قبل أن تسألها لتفهم أكثر " لكنها ذلك اليوم قالت بوضوح , أنها تنتظره من أجل الطلاق , أنا متأكدة " ملك تتذكر جيدا أن هذه المرأة , شكرت علي بطريقة حارة عن مساعدته لها , و قالت أنها تنتظر محاميه أمام المحكمة , في الغد من أجل اجراءات الطلاق , و علي لم يقل شيئا لنفي ما قالته . قصت بعدها ملك اختصارا , ما حدث يومها على مسامع علياء , حتى أنها لمحت الى ما حاول علي فعله حينها , و كيف انفجرت في وجهه و غادرت غاضبة , هي قررت التحدث في الموضوع أمامها , لذلك حرصت على أن تمدها بكافة التفاصيل , علها تغير رأيها و تزيل لبسها , كما أنها تثق أنها الوحيدة التي بامكانها انصافها . " اذا فقد قصدت طلاقها هي من زوجها و ليس من علي " أوضحت علياء بثقة , قاطعة على ملك تفكيرها , ثم صمتت قليلا قبل أن تضيف " في السابق كانت هيا , تبعد عن علي المتطفلات من النساء , بأن تمثل أنهما معا كثنائي , خاصة أنهما كانا يدرسان سويا لسنوات , كانت تفعل ذلك مقابل الحصول على بعض المزايا , كدعوات مجانية لحفلات أو بطاقات تسوق و غيرها , و كان علي يحرص دائما , على حل مشاكلها و تحمل مسؤوليتها , تماما كما كان يفعل معي , و مع مريم رحمها الله , ففي النهاية كانت أخته هي الأخرى , و لكنها كانت تقع في الكثير من الورطات , بسبب دلالها الزائد و تصرفاتها الرعناء , و أوقعته في مشاكل عدة مرات , أوصلته بها حد السخط بغبائها و تهورها , مما جعله يبقي نفسه بعيدا عنها منذ سنوات , تزوجت هيا ثلاث مرات و تطلقت , و في المرة الرابعة اشترط زوجها الطماع , أن تكتب له نصف دار الأزياء , التي تمتلكها حتى يطلقها , فلطالما كان اختيارها سيئا في الرجال , هي حاولت عدة مرات , اقناع علي بالتدخل لصالحها , كان الوحيد القادر على الوقوف أمام ذلك الرجل , و انقاذها من بين يديه دون خسائر , لكنه كان قد ضاق ذرعا بمشاكلها , و رفض ذلك بشكل قاطع " تنهدت علياء بغضب و عينين حانقتين لتستنتج أخيرا " الآن فقط فهمت كيف تطلقت بكل سهولة , أكيد قايضها علي بالتمثيل أمامك مقابل وساطته , و أنا كنت أتساءل كيف حصل الأمر بكل سلاسة ؟ سأريه ذلك المجنون المغرور , حتى لا يكرر الأمر مرة أخرى , اعتقدته كبر على هذه التمثيليات السخيفة " بدت علياء و كأنها تحدث نفسها , قبل أن تعود مجددا للتحدث مع ملك " لكن ما لا أفهمه لم فعل ذلك ؟ و أنت ملك كان عليك اخباري , ما كان عليك كتم الأمر " لم تعرف ملك بما ترد , و اكتفت بهز كتفيها و التزام الصمت , فلا فكرة لديها عما حصل حقيقة , تركتها بعدها علياء و عادت الى الصوان , تريد فهم ما حصل من هيا , و قد كانت تبدو مستاءة جدا . " هيا أريدك للحظات " قطعت علياء على ابنة خالتها , حديثها مع احدى النسوة , و اقتادتها ناحية أقرب شرفة في الصالون قبل أن تبادرها بنبرة متحفزة " أريد أن أفهم ما حصل مع ملك و علي , في الفندق ذلك اليوم " علياء تدرك أن شقيقها مجنون , و أكيد قام بأمر سخيف يومها , و الا ما كانت ملك ارتعبت بالطريقة التي وصفتها , يا الهي المسكينة قطعت نصف المدينة مشيا , هربا منه و من جبروته , لا عجب أنه واثق من أنها ستصده اذا قرر الاعتراف , فلا أحد يصدم شخصا يحبه بتلك الطريقة . ازدردت هيا ريقها بصعوبة , و قد أرعبتها ملامح علياء المستاءة , لتكتشف لتوها أنها أقدمت , على حماقة كبرى بكشف نفسها أمامها , و لم تجد بدا من البوح بكل ما تعرفه " حسنا علي اتصل بي يوما قبلها , قال أنه يقبل تقديم يد المساعدة لي , و أن رقبة طليقي في يده , بسبب بعض الملفات الوسخة , تعرفين هو كان سمسار xxxxات , مع الكثير من الصفقات المشبوهة " هزت علياء رأسها لتحثها على المواصلة , لتضيف المرأة بنبرة حذرة " قال أنه يحتاجني في المقابل أن أمثل دور رفيقته , تماما كما كنا نفعل سابقا , حينما سألته عمن يريد رسم الدور عليه , قال أنها خادمة تطارده في كل مكان , و تريد اغواءه و الايقاع به , سألته لم لا يفصلها و يريح باله , لكنه نهرني و أخبرني ألا صالح لي بالأمر , و علي تنفيذ دوري بمهارة ان أردت الخلاص " استرجعت هيا ما حصل حينها بذاكرة مترددة , غافلة عن الاستياء الذي علا وجه علياء " أتذكر أنني عرضت عليه , المجيء الى بيته لتنفيذ المهمة , أردت حينها رؤية مريم , أو حتى تدبر لقاء في مكتبه , لكنه رفض رفضا قاطعا , و قال أن مريم لا تستقبل زوارا , و أن علي أن أقصد جناحه في فندقه تلك الصبيحة , ان أردته راضيا عن دوري , و بالفعل بعد نصف ساعة من وصولي وصلت ملك , و لم أبق معهما لأكثر من ربع ساعة , تركتها هناك و غادرت , معتقدة دائما أنها مجرد خادمة " " كيف تصرفت ملك يومها ؟ " سألت علياء التي أشفقت على حالها , متخيلة اياها تموت رعبا , بسبب تهور شقيقها الأحمق " صراحة بدت متوترة و مهزوزة جدا , حتى أنني رثيت لحالها حينها , لكنني اعتقدت أنها كانت تشعر بالغيرة و الاحباط , بسبب فشل مساعيها للايقاع بعلي , لم أعرف أنها زوجته الا لاحقا من خالتي , و لأكون واضحة معك لحد الساعة , أنا لا أفهم ما كان مغزى ما حصل , رغبت في الاعتذار سابقا , لكنني تذكرت وعيد علي لي , ان أنا أفشيت سر ما حصل , لذلك انتهزت فرصة وجودي هنا لأعتذر منها , دون أن أتطرق لأية تفاصيل , أرجوك علياء علي ستثور ثائرته , ان فتحت معه أنت الموضوع , أنا لا أريد ان أكون محط غضبه " توسلتها هيا بشدة , فما كان من علياء الا الرضوخ لها , و اعطائها وعدا بترك الأمر " حسنا أنا لن أقول شيئا , بما أن الموضوع مضى عليه دهر , لكن لا أعدك أن زوجته , ستمرر الأمر على خير " قالت تقصد ملك , هي متأكدة أنها سترد له الصاع صاعين , لكن لا بأس هي لن تحذره , لأنه يستحق ما سيحصل معه وقفت ملك مكانها في مدخل الشرفة , بعدما لحقت بعلياء و قريبتها و سمعت حوارهما , تحاول استيعاب كل ما قالتاه " هل قصدا فعلا طلاقها من زوجها و ليس منه ؟ اذا كانت شقيقته من الرضاع كما قالت علياء , لم جعلني اذا أصدق أن بينهما علاقة مشبوهة ؟ لم قام بارعابي الى تلك الدرجة يومها ؟ حتى اعتقدت أنه يحاول الاعتداء علي ؟ و لم أوهمني أنهما قضيا ليلة حمراء , فيما لم تلبث تلك المرأة , أكثر من ساعة واحدة برفقته و كانت أخته ؟ " عادت علياء سريعا من الشرفة , لتجد ملك واقفة هناك , تحدق ناحيتها بنظرات مشوشة , ارتسمت على وجهها ملامح تعاطف , فقد كان واضحا أنها سمعت الحوار كله , و سارعت لمواساتها " أنا آسفة ملك , أعرف أن لا شيء يبرر ما فعله شقيقي , لكنني متأكدة أن له أسبابه , اذا أردت أفتح معه الموضوع و أحاسبه " رمشت ملك مرتين , و كأنها تحاول تحليل ما قالته , قبل أن تجيبها بنبرة مبحوحة " لا داعي , الوقت غير مناسب , ثم مر على الحادث الكثير من الوقت , سأفتح أنا معه الموضوع لاحقا , لا تقلقي " و منحتها ابتسامة باهتة قبل أن تستدير و تغادر , هي تعرضت الى كم كاف من الاذلال يومها , و لن تسمح لعلياء بفتح الجرح , الذي أرقها لليال طويلة , بنقاشها الأمر مع أخيها . اذا واتتها الفرصة لاحقا , ستفهم التفاصيل من علي نفسه , رغم أنها متأكدة أنه لن يشرح شيئا و لن ينالها الا المزيد من الاحراج . تشوشت أفكار ملك , و هي تعود الى الرواق , بقيت تتمسك بالصينية الفارغة , تحتضنها بشدة و تستند على عمود قريب , و استمرت رغما عنها , بالتفكير فيما قالته المرأة . كانت ملك تحدق في الفراغ , بشرود كبير تحاول تحليل ما حصل " هل اعتقدت خطأ ذلك اليوم أن بينهما علاقة ؟ صحيح أن الغرفة كانت مبعثرة , لكن لم يوحي أي واحد منهما , أنهما قضيا الليلة سويا , عدا القبلة الخفيفة التي طبعتها هيا , على خد علي قبل مغادرتها لا شيء , أنا وحدي استنتجت ذلك , بسبب فكرتي عن أن المجنون عربيد , و زير نساء منفلت أخلاقيا , و ذلك كان بسبب ما فعله معي , تهديده لي بالاعتداء و الحمل عنوة , و عرضه للزواج لليلة واحدة , لذلك اعتقدت أنه متعود , على فعل الأمر مع غيري , غير ذلك أنا لم أره يتعاط مع امرأة غير مريم , و طوال الأشهر الماضية كان يتصرف بكل تعفف , حتى سارة التي كانت تتودد له طوال الوقت , لم يكن يعطيها وجها , و طردها شر طردة لأنها حاولت ايذائي , و هذه المرأة التي اعتقدت أنها , احدى نسائه الكثيرات اتضح أنها أخته , فعلا ؟ اذا لم تكن هذه حقيقة شخصيته , لم جعلني أصدق اذا أنها زوجته ؟ و لم حاول استفزازي يومها و اثارة مشاعري ؟ لدرجة أنني صرخت في وجهه أنني أكرهه " استرجعت ملك ما حصل معها ذلك اليوم , و كيف كانت على حافة الانهيار , حتى أنها أصيبت بنوبة ذعر سيئة , و ألقت كل تلك الكلمات الحاقدة عن حياته في وجهه , لم تفهم ملك ما الذي حاول علي يومها فعله , أو دفعها لاعتقاده بما خطط له , و هي تعرف أنه لا يقوم بأي أمر جزافا , هو لا يضيع وقته في التسلية و التهريج أبدا , ثم أن رأيها به كان سيئا جدا بالفعل , ما كان يحتاج كل تلك المسرحية لتلطيخه أكثر , أكيد قصد شيئا ما من كل تلك التمثيلية , لكن ما هو ؟ هذا ما كان ينخر عقلها لاستيعابه . بوصولها الى طريق مسدودة , انتقلت ملك الى خبر صاعق آخر " ثم فندقه و جناحه الدائم ؟ فعلا ؟ ألهذا كان واثقا يومها , من أن الجناح هو له و طردني منه ؟ " تذكرت ملك أول مرة التقته هناك , و أصرت على أن الجناح حجز لها , و أنه هو من اقتحمه , فيما كان هو واثقا من أحقيته به . " يا الهي و أنا التي اعتقدت , أنه تعمد جري الى هناك في المرة الثانية , لاثارة مشاعري و استفزازي , اتضح أنه يقيم هناك منذ البداية " شعرت ملك بالذهول لاكتشاف ما حصل منذ أشهر , فلو لم تقل علياء ذلك لما عرفت مطلقا , و شعرت كم كانت غبية , و ساذجة منذ أول لقاء بينهما , لا عجب أن الجميع في تلك الليلة , انصاع لأوامره دون نقاش و أخرجوها من هناك , لا عجب أنه شعر بالغضب و ثارت ثائرته , بعدما وجدها في جناحه الخاص , و الآن لا يمكنها لومه بسبب سوء ظنه بها , بعدما اتضح أنها هي من اقتحمت , مكان اقامته و ليس هو . لكن لم لم يقل شيئا سابقا ؟ لم تركها تعتقد بأنه كان خطؤه بالكامل دون تبرير ؟ فيم ملك غارقة في أفكارها و شاردة الذهن , كان علي يودع أحد ضيوفه في الباب , و عائدا الى صوان الرجال , حينما لمح ملك تقف دون حراك في الرواق , غارقة في تفكيرها بعينين تائهتين , و كأنها انتقلت الى عالم آخر . جال علي بنظرته المحبة على هيئتها , كانت كعادتها ترتدي قميصا أسود , و سروالا بنفس اللون , و قد اختارتهما بدل ملابسها زاهية الألوان , و التي لا تناسب حالة الحداد , ترفع شعرها ذيل حصان , مع انسدال بعض الخصل المتمردة على جبينها و أذنيها , و قد أصبح أكثر طولا منذ وصولها , كان وجهها شاحبا جدا , و عينيها متورمتين بسبب البكاء , الا أن ذلك لم ينتقص من الرقة , التي كانت تنضح بها ملامحها , رغم ذلك كانت حالها تثير الشفقة , و هي تقف هناك تحدق في الفراغ . برؤية منظرها أصبحت النظرة , في عيني علي أكثر دفئا , فهذه المرأة الواقفة هناك , هي آخر شخص توقع المواساة و السند من طرفه , و لكنها تدهشه في كل مرة بطيبتها . هو لطالما حضر نفسه لفقدان مريم , في كل مرة تنتكس فيها و ما أكثرها , لطالما خاف من لحظة الفراق , و استعد مسبقا لرثاء نفسه وحيدا , فمن يرخي حصونه أمامهم قلة , والدته التي لا تجيد اظهار تعاطفها , علياء بمكالماتها المواسية عن بعد , و كريم الذي يبثه برودا بصمته أكثر مما يواسيه , لم يفكر علي يوما في حياته , أن أحدهم سيسيطر على مشاعره الى هذه الدرجة , و أنه سيستمد من انسان يوما كل هذه المؤازرة , و هو الذي اعتقد أنه في غنى عن مشاعر الآخرين , و أن بامكانه أن يداوي جراحه بنفسه , فلطالما كان الرجل الحديدي الذي لا يكسره شيء , هاهو يغرق الى أذنيه , في طوفان العاطفة الذي أحاطته به ملك . أخذ علي نفسا عميقا , بعدما استرجع كيف كانت ملاكه , تخفف عنه أحزانه في المشفى , كيف كانت تهتم لما يزعجه , تراعي طعامه نومه و راحته , حتى و هما يعانيان هناك , و كيف احتضنته و كانت أول من عزاه , لتنهار كل جبال الجليد , التي أحاط بها روحه لسنوات طويلة و يستسلم قلبه المتحجر لدفء حنانها , اكتشف علي لتوه أن كل ثانية قضتها ملك , في الأيام الماضية في العناية به و بمريم و رنا , قد حفرت عميقا في قلبه , و تركت أثرا لن يمحيه الا الموت . عبس وجه علي فجأة حينما تذكر , أنها كان عليها الرحيل منذ أيام , لكنه لم يستطع التنازل و ابعادها , أنانية قلبه تغلبت على تفكيره و عقلانيته , و جعلته يتجاهل الأمر تماما , و يطلب بعض الوقت زيادة , فقط بضعة أيام هذا كل ما يحتاجه , أو ربما أشهر أو العمر كله ؟ لا فكرة لديه حاليا فعقله مشوش , و كل ما يهمه أنها الآن هنا , تقف أمامه و يشعر بوجودها قربه , و سيحرص على التمتع بكل ذرة حب , تبثها الى قلبه قبل ارسالها بعيدا . تنهد علي بعمق قاطعا الطريق , على شعور بالذنب بدأ يجتاحه , و خطا بتأن ناحية ملك التائهة " ملك " نادى عليها بصوت خافت أكثر من مرة , لكنها لم تنتبه الا في المرة الثالثة , حينما أصبح مباشرة أمامها , قاطعا عليها تأملاتها العميقة , و قد احتل وجهه مجال رؤيتها . رفعت ملك رأسها لتتأمل وجهه المنهك , و كأنها تراه لأول مرة " ها ؟ " ردت مجيبة نداءه بنبرة هامسة " هل أنت بخير ؟ " سأل علي بنبرة عطوفة جدا , و هزت ملك رأسها بالايجاب دون قول شيء , فظهور علي أمامها لم يقطع حبل أفكارها تماما . " لم وجهك شاحب اذا ؟ " سأل مجددا بقلق غير مقتنع بالاجابة , فقد تعود عدم شكواها مهما بلغت معاناتها , و عليه التأكد بنفسه ان أراد الاطمئنان , مد علي يده و لمس جبينها , و أمسك بيده الأخرى يدها , و دنا منها أكثر حتى لم يعد بينهما أكثر من خطوة واحدة . " لم جبينك متعرق و يديك باردتين هكذا ؟ هل أنت بخير ؟ " أصبحت نبرته مستاءة بسبب حالها , تجهم وجهه و عينيه تجولان على صفحة وجهها , تدرسان كل تغير و لو طفيف في ملامحها , آخر شيء يريده أن تمرض ملك أيضا , هو لن يتحمل هذا القدر من المعاناة . لكن ملك أغمضت عينيها لبرهة ثم فتحتهما , و كأنها تصفي ذهنها و طمأنته كعادتها " أنا بخير , لا تقلق " قالت أخيرا بصوت خافت , و قد منعتها حالة التيه و الارتباك التي مرت بها , من ملاحظة موضع يديه للانسحاب ككل مرة . لكن علي لم يقتنع بجوابها , قطب جبينه ثم مد يده , و أخذ الصينية من يدها " أعطني هذه , قلت أن ليس عليك فعل ذلك , أخبرتك ألا تخدمي أحدا , أنت لست خادمة , و سبق و أخبرت فاطمة , اذا لم يكف طقم الخدم الذي أرسله الفندق , سيرسلون طقما آخر للدعم " وضع علي الصينية على الطاولة المحاذية بغل واضح , و هو يتمتم بسخط من اصرارها على التصرف بعناد , هو تركها على راحتها لتفعل ما يرضيها , لكن ليس و هي على وشك فقدان الوعي . ملك التي لم تكن ترد عليه , كانت تكتفي بالوقوف باستسلام , و مراقبة هذا الرجل البارد الصنم الذي يقف أمامها مهتما بأمرها , كما لم يفعل مع أحد يوما , فرغم كل انشغاله و أحزانه , يجد وقتا للسؤال عن حالها و الاستياء لانهاكها , و هو أكثر من يحتاج المواساة . " أيعقل أنها كانت تراه بطريقة أخرى , فقط لأنها تحقد عليه ؟ أيعقل أن علي الحقيقي , هو شخص آخر تماما , لا يمت بصلة للرجل الذي كرهته لمدة طويلة ؟ و أن ما كانت علياء فاطمة و مريم , تقولانه عنه هو الصورة الحقيقية , و ليست مجرد آراء أشخاص يحبونه " فيما هي تفكر و الأسئلة تلح على عقلها , انتبه علي أنها شردت مجددا , تحدق في عينيه بطريقة غريبة أذابت قلبه ليقطع عليها سجالها مع نفسها " هل أكلت ؟ " سأل باهتمام و هزت ملك رأسها " لا " هي حتى لم تجد وقتا لتفطر " يا الهي لم تهملين وجباتك ؟ " استاء علي أكثر , لأن الطبيبة طلبت أن تهتم بطعامها , حتى لا تسوء حالة الأنيميا التي تعاني منها , و أن تراعي تغذيتها بدقة , و هي لم تكن تأكل الكثير في الأيام الأخيرة . " هل كانت هاتين العينين دائما ساحرتين هكذا ؟ " سألت ملك نفسها , و قد تاهت في وجه الرجل أمامها , و كأنها تكتشفه لأول مرة في حياتها " و عطره ؟ لا أتذكر أنه كان جذابا الى هذه الدرجة , لطالما أشعرني بالغثيان , و الآن لا أرغب الا في الاقتراب أكثر , دس وجهي في حضنه و سرقة بعض عبيره " بالتفكير في كل هذا توردت وجنتاها , و هزت رأسها بعدما أخرجها صوته العذب , الذي صار يدغدغ مشاعرها من هيامها به . " هيا اذهبي و خذي قسطا من الراحة , سأجعل فاطمة تحمل لك بعض الأكل " قال و هو ينظر الى عينيها بحب , يعدل خصلة من شعرها من على جبينها محاولا تحسسه , و هو غافل عن ذوبان المرأة , أمام ما يفعله قربه بها , و فاجأته ملك بردها الهادئ " حاضر " لأول مرة تكون مطيعة جدا بهذه الطريقة , حتى أن علي استغرب الأمر , لكنه كان ممتنا لأنها سترتاح قليلا . استدارت بعدها ملك بارتباك لتغادر , ربما لأنها أرادت الفرار من الأفكار الغريبة , التي قفزت الى رأسها فجأة و زلزلت سكونها , و لكن علي استوقفها مجددا , بأن أمسك يدها بين أصابعه الدافئة " لحظة لا تذهبي الى غرفتك , هناك الكثير من الضوضاء في الفناء , لن تتمكني من الاستراحة , اذهبي الى غرفة رنا و استلق معها , هناك المكان أكثر هدوءا " حدقت ملك هذه المرة بتمعن , في عينيه السوداوين اللتين صارتا تغرقانها , و كأنها كانت تبحث عن شيء ما فيهما , كانا و كأنهما يبتلعان روحها , بغموضهما كثقبين أسودين , ثم حدقت الى يده التي تتمسك بها , و كأنها تلمس قلبها و تدفئ روحها , لكنها سرعان ما تمالكت نفسها , استعادت يدها برفق و أومأت برأسها , دون قول كلمة واحدة و قد انقرضت كلماتها , ثم اتجهت الى الطابق الثاني دون أية ممانعة , في محاولة منها لتفادي رؤية علي , الذي شوش ما يفعله تفكيرها أكثر . . . . فيما علي يتناقش مع ملك , بكل انسجام في الرواق , كان المشهد مراقبا من صوان النساء المقابل , سعاد التي كانت تنتحب على ابنتها , تأجج حقدها اتجاه ملك برؤيتها مع علي , و خاطبت ابنتها مروى التي تجلس بجانبها " أرأيت تلك الحية عديمة الحياء , كيف تقوم باغراء الرجل , و تتغازل معه أمام الجميع دون خجل , تقف و تلتصق به بكل وقاحة , لترينا من صاحبة البيت هنا حاليا , ألم تجد عباءة سوداء تلبسها , و تستر بها ذلك الجسم البغيض ؟ تحشر نفسها كالمراهقات في ذلك السروال , و تبدو كدمية قش سيئة الغزل , لم يكفها أنها أرسلت ابنتي الى حتفها , باحتلال بيتها و خطف زوجها , و الآن تقف هناك لتعلن للجميع أنها سيدة البيت حاليا , و أن الرجل تحت قدميها و كخاتم في أصبعها , علي الذي كان يضرب به المثل في رصانته , جعلته ينهار تحت تأثيرها كساحرة شمطاء , لم تنتظر حتى أن تبرد جثة ابنتي في قبرها , حتى تظهر وجهها الحقيقي هذه الأفعى السامة , كل ما أرغب به أن أجرها من شعرها , و أطفيء لهيب النار التي تأكلني " كانت سعاد تنوح و تضرب على صدرها , و هي تحدث ابنتها جاذبة أنظار النسوة حولها , و قد أثارت فضولهن بخصوص ملك , التي لا تعرفها معظمهن هنا . " أمي اهدئي , اذا فعلت شيئا ستكونين منحتها فرصة لاستفزازك , علي سيقف بجانبها أكيد و قد يسيء اليك " قالت مروى تحاول تهدئة والدتها دون جدوى " لا يمكنني أن أهدأ مروى لا يمكنني , كيف أهدأ و هناك نار مشتعلة في قلبي ؟ و لن تنطفيء الا برؤية هذه اللقيطة ميتة " استمرت بعدها سعاد في النحيب بصوت عال ، و ابنتها تحاول مواساتها و اسكاتها . . . . " أرأيت ؟ أخبرتك أنها اختطفت الرجل من زوجته , و والدتها المسكينة على وشك الانهيار عصبيا , تبدو بريئة و لطيفة جدا , لكنها تجيد التلاعب بمشاعر المسكين , يبدو متيما بها حد النخاع " علقت زوجة سالم متمتمة في أذن أسيل , تعقيبا على ما قالته سعاد , مكررة رأيها أن ملك , من شتت شمل العائلة هنا . كان سالم قد اصطحبهما بعدما وصله نبأ الوفاة , بما أنهم صاروا أنسباء تقريبا , فلم يرد تفويت فرصة تقديم العزاء له . لكن أسيل أصيبت بصداع , بسبب نميمة زوجة والدها دون انقطاع , و تعليقها على كل شاردة و واردة , بداية من الأبهة و الفخامة التي يغرق بها البيت , الذي يبدو مثل القصر , مرورا بنجوم المجتمع الذين اجتمعوا هنا للعزاء , وصولا الى نوعية الطعام و الأواني و الأثاث , دون أن تغفل في كل مرة تذكيرها , أنها تكبرت على هذه النعمة , و أنها لو طاوعت والدها , لكانت الآن مكان ملك , تصول و تجول كملكة هنا مجابة المطالب , لكنها منحوسة و بليدة كعادتها , لأنها فضلت الارتباط بذلك الرجل الآلي . حينما اكتفت أسيل من انتقاداتها اللاذعة , و لسانها الذي مثل السوط , وقفت مباشرة لتغادر " عن اذنك سأقصد الحمام " " طبعا اذهبي الى الحمام , فذلك المكان الوحيد الذي تفضلين البقاء فيه دائما " استغفرت أسيل في سرها , و قد قررت ألا ترد عليها هنا , و تثير فضيحة بسببها , لولا أن الأمر متعلق بكريم , ما كانت فكرت في مرافقتها الى أي مكان . . . . في الجانب كانت صفية و علياء يشهدان نفس الأمر , دنت صفية من أذن ابنتها , و همست لها باستياء واضح " ما الذي دهى شقيقك ؟ لم يتصرف بكل حميمية مع ملك أمام المعزين , متناسيا أنها جنازة زوجته ؟ هل فقد عقله أو ماذا ؟ " نظرت اليها علياء باستنكار " بالله عليك أمي , ما الذي فعله علي و ترينه غير ملائم ها ؟ هو يحاول الاطمئنان على ملك لا أكثر و لا أقل , ألا ترين كيف تبدو حالها شاحبة و متعبة ؟ ثم هي أيضا زوجته , ليست امرأة تحاول التودد له أو اغراءه , كما تقول عمتي و كأنها تلصق تهمة به " قاطعتها صفية بنبرة حادة " أعلم أنها زوجته لم أقل شيئا , لكن ألا يمكنه التحفظ قليلا أمام الآخرين ؟ يبدو و كأنه على وشك أخذها في حضنه , و تقبيلها هنا وسط الناس " " أتقصدين كل النسوة أم عمتي سعاد ؟ " ردت علياء بنفس الاستنكار , ثم أضافت بنبرة متحفزة " فاطمة أخبرتني أن ملك , لم تنم منذ ثلاثة أيام , كانت تعتني بمريم و رنا طوال الوقت , و اذا لم ينهر علي الى حد الآن , فلأنها قدمت له الدعم النفسي المناسب , فيما هي على وشك الاغماء , لذلك وقوفه هناك و اطمئنانه عليها , أقل شيء يفعله من أجلها " قالت علياء مدافعة عن موقف شقيقها , و حدقت صفية باستهجان الى ابنها , الذي لمس جبين ملك و يدها لتوه " أنظري علياء , لم أره يوما يفقد هيبته و رصانته , الا أمام هذه المرأة , و كأنها تلقي عليه تعويذة ما " بادرتها علياء بلهجة واثقة " لأنه يحبها أمي , لأنه يحبها و يهتم لأمرها , تماما كما كان يحبك والدي , ألا ترين نظرة الحنان في عينيه , و الدفء الذي يتصرف به حينما تكون بقربه ؟ أخي عانى كثيرا في حياته , و هو يستحق هذا القدر من السعادة , و ملك فتاة طيبة بروح جميلة , لن يجد أفضل منها ليكمل معها حياته , مريم رحمها الله نفسها أخبرتني , أنها تبحث عن طريقة لاقناعها بالبقاء هنا " تنهدت علياء بعمق و أضافت " ثم أنت لطالما اشتكيت أنه لا يريد الزواج , تكوين عائلة سوية و انجاب أطفال , لم تتذمرين الآن و قد وجد امرأة يحبها , و يتعامل معها بلطف و مراعاة ؟ " تنهدت صفية هي الأخرى , و حدقت ناحية سعاد بعينين متعاطفتين " ليس كذلك , طبعا أنا لا أحلم الا باليوم الذي سأحصل فيه على أحفاد , أنا فقط أريده أن يراعي مشاعر عمته و بناتها في تصرفاته " عبست علياء و سارعت للاعتراض " أعتقد بأن حزن ملك على المرحومة , يبدو أكثر من حزن شقيقاتها عليها , ثم عمتي سعاد عليها أن تشكر الله , لأن ما فعله أخي مع مريم و مع العائلة كلها , لم يفعله رجل في الدنيا , و كما قلت هذا دوره ليعيش حياته , ان تدخلت عمتي سعاد في علاقته مع ملك , و حاولت افساد سعادته بخبثها , أقسم أنا من سيقف في وجهها , هذه المرة عليها أن تواجهني أنا , لأنني سأحرص على وضعها في مكانها " صمتت صفية تماما بما سمعته , لأن ما تقوله علياء هو كلام العقل , فلا يحق لسعاد أن تتدخل في حياة علي بعد الآن , يكفي ما تسببت فيه من تعاسة لابنتها في حياتها . . . . بعد أن غادرت ملك , حدق علي في أثرها , غير مستوعب للحالة التي رآها عليها , تبدو و كأنها مغيبة الوعي و تتصرف بغرابة , و قرر أن يتحدث معها بهدوء لاحقا , فربما يؤلمها شيء و لا تخبره , و استدعى بعدها فاطمة سريعا " خذي طعاما لملك , انها تستريح في غرفة رنا " تنهدت المرأة بأسى واضح " جيد بني لأنك تمكنت من اقناعها بالأمر , لم تتناول حتى فطورها , رغم أنني طلبت منها أكثر من مرة , أن تذهب و تستريح , الا أنها أصرت على البقاء , و الله ملك ابنة حلال , و كأن المرحومة شقيقتها " قالت فاطمة بنبرة حزينة , و هز علي رأسه دون قول شيء , فقد اختصرت كلماتها الأمر بشكل جيد . قصدت ملك غرفة رنا , جلست الى جانب السرير قليلا , بقيت تحدق الى وجهها , و هي تمسح على شعرها بحنان , قبل أن تطبع قبلة دافئة على جبينها , كانت الطفلة تغط في نوم عميق , فقد اضطر الطبيب لاعطائها منوما مناسبا , بعدما بكت بحرقة , و كانت على حافة الانهيار بعد استيقاظها , قامت الطبيبة النفسية باجراء حوار مبسط معها , في حضور ملك و علي , الذي رفضت الطفلة ترك حضنه , و افهامها أن مريم الآن في سفر و في مكان أفضل , و أنها ستكون سعيدة جدا , حينما تراها تضحك و تلعب , و أن عليها جعلها فخورة بها لأنها بطلتها , حاولت الطبيبة تبسيط مفهوم الفراق , متفادية ذكر كلمة موت التي ترعب الطفلة , و التي لن تفهمها على كل حال , و بالفعل عادت للنوم بمجرد أن انصرفت المرأة . فكرت ملك أنها رغم تناوب الجميع , على الاعتناء بها و مواساتها , الا أن ذلك لم يخفف حزنها على فراق والدتها , و قد ذكرتها بحالها حينما وصلت الى هنا , رنا أكيد ستحتاج الكثير من الدعم و الشرح , لاستيعاب فكرة أنها لن تر مريم بعد الآن , و رغم أن الطبيبة النفسية أكدت , أن الأطفال يتخطون الأمر سريعا , لكن ملك متأكدة أن رنا , ستتأثر كثيرا بغياب والدتها , كيف لا و هي مؤنستها الوحيدة , في العالم الموحش الصامت الذي تعيش فيه . بتخيل الأمر غص حلقها , و نزلت دموعها مجددا , فلا يبدو أن رنا وحدها من ستتأثر لما حصل . بعد ربع ساعة , دخلت فاطمة تحمل صينية أكل , و وضعتها على الطاولة الى جانب السرير " ملك ابنتي , كلي شيئا ستمرضين ان بقيتي هكذا " " حاضر خالة فاطمة , سآكل الآن شكرا لك " أجابتها ملك بابتسامة عذبة رغم أنها لا تشعر بأية شهية , الا أنها لا تريد اقلاق الآخرين على حالها , يكفي الحزن و التوتر الذي يعيشه الجميع . تقدمت ملك من الطاولة , و تناولت بعض الحساء , ثم استلقت الى جانب رنا و ضمتها اليها , الا أن الأفكار لم تتوقف عن التوارد على ذهنها , بخصوص ما سمعته من علياء قبل قليل , باحثة عن السبب الذي دفع علي , للكذب عليها يومها بهذا الشكل , بحثت ملك بجد في ذاكرتها , و ساعدها الهدوء الذي يلف المكان , على التفكير بوضوح أكبر . هي تتذكر أن الأمر حصل مباشرة , قبل أن تبدأ الاعتناء بمريم , أو بالأحرى قبل أن تقايضه بذلك , مقابل التوقف عن ازعاجها و تكليفها بمهام قذرة . و قبل ذلك هي تتذكر جيدا , المواجهة الدامية التي تجادلا فيها , عن ملابسها غير الملائمة و عملها كخادمة , و هي تحدته لطردها و الغاء الاتفاق , هي تتذكر هذا اليوم بالذات , لأن والدته دخلت فجأة و حضرت عراكهما . عصرت ملك ذاكرتها أكثر , عما يمكن دفعه لفعل ذلك , فجأة تذكرت جزءا من كلامه يومها , و قد بدا غير واع لما قاله بسبب غضبه الشديد " ذلك الأحمق كادت عيناه تخرجان من رأسه و هو يحدق بك " " يعجبك التنقل بملابسك المكشوفة هذه , و الاستعراض بها أمام الضيوف صح ؟ " " تحبين أن ترسمي تلك الابتسامة الغبية , أمام الجميع لتنالي الاهتمام و الاعجاب ها ؟ " " اذا أعجبك عملك كخادمة , فما عليك الا أن ترتدي زي الخادمات " و في الفندق حينما اعترضت على ما يفعله , نهرها بالسخرية من كلامها " ماذا ؟ ألم يعد يعجبك عملك كخادمة ؟ كنت سعيدة جدا به قبل يومين " فجأة لمع ما قاله الرجل , الذي طرده علي من مكتبه , على الهاتف يومها , و هو يمر في الصالون , بعدما رمقها بنظرة انزعاج مقيتة " لا أدري عما يتحدث ذلك المهووس , أنا لم أتحرش بأحد , لم أر أيا من الحريم اللواتي يتحدث عنهن , و لم ألتق الا احدى خادماته , أنا متأكد أنه يعاني من انفصام في الشخصية " جلست ملك مكانها و قد أدركت فجأة , علاقة كل ما حصل ببعضه , حتى أن فاطمة سألتها بعدها صراحة , ان كان الرجل قال أو فعل شيئا مسيئا معها , أثار حفيظة علي و أشعل نار غضبه , و لكنها كانت غاضبة جدا منه يومها , لدرجة أنها لم تدرك معنى كل ما حدث . فهي كانت الخادمة الوحيدة التي دخلت المكتب , و هي الوحيدة التي أشار علي الى أن ملابسها سيئة الاختيار , و لمح الى تحرش ضيفه بها , " يا الهي هل كان اعفائي من عمل خادمة , و قبولي الاعتناء بمريم , هو هدفه من كل ما فعله ؟ " استنتجت ملك بصدمة , فلا شيء آخر يفسر كل ذلك , هو حتى لو كان على علاقة مع احداهن , لم سيأتي و يعرض ذلك عليها ؟ فما بالك باختلاق الوضع كله ؟ مما تعرفه عنه الآن , أنه لا يبالي برأي أي شخص فيه , فلم كلف نفسه عناء تمثيل ذلك المشهد هناك ؟ ثم هو كان يدرك رأيها السيء في تصرفاته , لم يحتاج أن يزيد الطين بلة ؟ استنتجت ملك سريعا , ما كان مغيبا عن فكرها , لتتذكر أنه كان يقف يومها في الفندق , على مقربة منها بطريقة مستفزة , و لكنه لم يفعل غير المراقبة دون رد , حتى حينما استفزته , بكل تلك الكلمات الجارحة , لم يقل كلمة واحدة لرد هجومها , هو لو أراد يومها الاعتداء عليها حقيقة , ما كان ردعه شيء و هو في جناحه و فندقه . تشوش ذهن ملك فجأة , بكل تلك الصور المتعاقبة , و شعرت أن أنفاسها تضيق و على وشك الاحتناق , و أن قلبها يدق بشدة , يكاد يخرج من غلافه . صحيح أن تفكيرها بسيط , هي ليست خبيثة و لكنها ليست غبية أيضا , مع ايضاح أمر هيا اليوم , أصبح بامكانها ربط الأمور ببعضها , هو أرعبها عنوة لدفعها الى طلب ما يريده , و الذي اتضح أنه الاعتناء بمريم , و التوقف عن العمل كخادمة , هي حتى لن تحتاج طلب تفسير منه الآن , فالأمر واضح وضوح الشمس . لكن السؤال الذي يطرح نفسه " لماذا ؟ هل أزعجه تحرش ذلك الرجل بها , لدرجة حبك كل تلك التمثيلية ؟ " ثم ما قاله كريم بعدما لاحقها الى الكورنيش " أن الأمور ليست دائما على ما تبدو عليه , و ما نراه ليس بالضرورة الحقيقة المجردة " هو أكيد يعرف من تكون هيا , و حاول تنبيهها دون كشف صديقه . لكن لم سيقبل علي أن تتشوه صورته أمامها أكثر ؟ فقط لأنه يريد حمايتها , من التعرض للاذلال و التحرش بسبب كونها خادمة ؟ بدا الأمر غريبا جدا , خاصة أنهما خلال تلك الأيام كانا كعدوين لدودين , كذئبين ينتظران الفرصة للانقضاض على بعضهما . " يا الهي " لم يكن بامكان ملك التصديق فهذا خيال بحت , هي تعلم كم أن علي رجل بتفكير كالمتاهة , لا يمكن فهمه معظم الوقت , خاصة أثناء تلك الفترة , لكن ألم يكن بامكانه , طلب الأمر منها مباشرة بكل بساطة ؟ " و هل كنت ستقبلين ؟ " سألت ملك نفسها , و حدقت الى وجهها في المرآة المقابلة , في تلك الأيام كان الجنون يعم العلاقة بينهما , و هي كانت تعاند كل ما يطلبه دون أدنى تفكير , و تفعل العكس مباشرة تحديا له . نهضت ملك من مكانها و فتحت النافذة , وقفت أمامها تريد بعض الهواء النقي , و هي لا تصدق ما اكتشفته مصادفة , فلولا جنازة مريم لما عرفت بهذا الأمر أبدا . شعرت ملك بأن شيئا أطبق على صدرها , و هي لا تعرف تفسيرا لما تشعر به الآن , و كأن قبضة حديدية تلف قلبها , بعدما أدركت مقدار الاهتمام , الذي حظيت به في ذلك الوقت , من طرف الرجل الذي اعتقدت أنه يحتقرها و يكرهها , ما حصل قيض يقينها , أن اهتمامه الحديث نابع فقط عن امتنانه , لما تفعله مع رنا و مريم , لكن واضح أن هناك أمورا خفية لا تعلم عنها شيئا , و التي بدأت تتوجس خيفة من اكتشافها . عادت ملك و استلقت الى جانب رنا مجددا , لم تنو النوم و لكنها غفت دون دراية منها , بعد بعض الوقت , راودها نفس الحلم الذي تراه منذ مدة , و بالضبط منذ قامت سارة بتخذيرها , و الذي صار ينافس الكابوس , الذي تنتهي فيه نازفة بين يدي علي , و هذه المرة أضيفت صور , للأصوات التي تسمعها عادة كانت ترى مكانا مظلما بشدة , و وسط الظلام كان هناك وجه أحدهم أمامها , كان مهموما و قلقا جدا , و هو يحدق اليها فيما يضمها بين ذراعيه , و كانت هي تناديه بصوت متألم " علي " ثم قام هو بتقبيلها على جبينها , و رد عليها بصوت حنون يلامس شغاف القلب " يا عيون علي " فتحت ملك عينيها فجأة , جلست مكانها بعد أن شهقت بصوت عال , و هي تحاول التقاط أنفاسها التي سرقت منها , كان وجهها ساخنا , و قلبها يدق بجنون مجددا , لم يسبق أن تأثرت بأحد يرد عليها , بهذا الشكل حتى في الحقيقة , ثم لم تبدو ملامح هذا الرجل في الحلم , مطابقة لملامح علي , أو أنه علي فعلا ؟ هي لا تتذكر أية تفاصيل من تلك الليلة , ساعات محيت بين جلوسها على سريرها , و فتحها عينيها في اليوم الموالي , و علي يجلس الى جانبها يحدق ناحيتها بقلق , عدا تلك اللمحات التي ليست متأكدة حتى , ان كانت هلاوس من وحي خيالها أو حقيقة , لا شيء يذكر من تلك الليلة الحالكة , بعدها كانت كلما رادوها هذا الحلم , اعتقدت أنها مجرد تهيؤات من عقلها الباطن , بسبب تأثير الxxxx عليها , و هي كانت شبه متأكدة , أن الرجل في الحلم هو والدها , لأنها كانت تشتاق له بشدة , و لا أحد عاملها في حياتها , بتلك الدرجة من الحنان سواه , لم تحول فجأة الى أكثر رجل لا تثق فيه ؟ و أكثر رجل لا يفكر في التودد لها ؟ " أستغفر الله العظيم " ربتت ملك على صدرها بيدها , محاولة تخفيف خفقان قلبها دون فائدة " ما الذي دهاك ملك ؟ هل أثرت المشاعر الحزينة , مؤخرا على تفكيرك و مشاعرك ؟ أو أن ما قالته مريم على فراش الموت , تغلغل الى عقلك الباطن , و صار يتحكم في أحلامك ؟ " عاتبت ملك نفسها بقسوة , و كأن الأمر مستحيل الحدوث , صحيح أن علي انسان جيد , صديق جيد و أب جيد , لكن الى هنا و ينتهي الأمر , حتى لو كان رجلا جيدا , فهو لغيرها و ليس لها , و حينما فكرت في مقارنته , مع أي رجل قد ترتبط به , فتلك كانت آخر حدوده " مجرد مثال جيد " لا يمكن أن يكون هو الفاعل الحقيقي في حياتها , فكيف تفكر في الرجل , الذي عانت بسببه بهذا الشكل الحميمي ؟ هي لن تكون أبدا ضحية " ستوكهولم ساندروم " توترت ملك بشدة لدرجة الارتجاف , فهي لا يمكنها انكار الشعور بالحماس , الذي اعتراها لثوان في الحلم , حينما لمحت عيني علي , تحدقان ناحيتها بحب و اهتمام ؟؟ كما لا يمكنها التغاضي , عن كل تلك الأحاسيس التي صارت تنتابها , بمجرد أن يلمسها ذاك الرجل أو يحدثها , يا الهي حتى نظراته الحنونة ناحيتها , صارت تغيب عقلها و كأنها تحت التخذير . حركت ملك رأسها لنفي الأمر مجددا , و قامت ناحية الحمام مسرعة , غسلت وجهها و هدأت روعها ، محاولة تناسي ما حصل معها " كل تلك مجرد هلوسات , ملك أنت لا تعنين شيئا لذلك الرجل , لا يمكنك أن تتأثري بما يفعله أو يقوله , لأنه يحاول التعويض لا أكثر " لامت ملك نفسها مجددا دون شفقة , بصوت عال أمام المرآة , و قد تحولت نظراتها الدافئة , الى أخرى قاسية و باردة هي اذا كانت واثقة من شيء واحد الآن , فهو استحالة حدوث أي شيء بينها و بين علي , يا الهي هو كان يحتقرها منذ أسابيع بسيطة , كيف فكرت بأنها قد تحمل مشاعر ناحيته أو العكس ؟ قررت ملك بعدها تشتيت انتباهها , بالنزول مجددا الى الصوان , حيث كان العزاء مستمرا , فوجودها وحدها مع أفكارها المستجدة هذه , يكاد يفقدها سلامة قواها العقلية . مع حلول المساء غادر الكثير من الضيوف , لكن آخرين كثرا قدموا , خاصة المعزين من أماكن بعيدة , جلسوا لأداء واجب العزاء و أخذوا ضيافتهم , قبل أن ينتقلوا الى الفندق , حيث قام كريم بعمل كل الاجراءات لاقامتهم براحة . كانت ملك لا تزال مشوشة التفكير , بسبب ما راودها من أفكار غريبة لأول مرة , الا أنها لم تتوقف للحظة , عن المساعدة في تقديم القهوة و الماء , و مساعدة فاطمة لخدمة الضيوف . فيما هي تقف أمام احدى المعزيات تناولها فنجان قهوة , سمعت صوتا قادما من مدخل الصوان " ماما ملك , أنا جائعة " . ملاحظة ستوكهولم ساندروم هو اعتلال عقلي يصيب الضحية , و يجعلها تتعلق بجلادها بطريقة مرضية , تتعاطف معه و تحبه بجنون , فيما يعاملها هو بكل سوء , و يحتاج الى علاج مكثف للتخلص منه سمي كذلك نسبة الى حادثة اختطاف , وقعت في مدينة ستوكهولم , و انتهت بتعاطف المختطفين مع خاطفهم , و رفضهم تحريرهم و اعتقاله 😘💞💞 ....... | ||||
16-12-20, 10:52 PM | #1477 | ||||||||||
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 109 ( الأعضاء 35 والزوار 74) أميرة الساموراي, houdadenguir, بيسان الفنانه, NoOoShy, the dream song, الق الزمرد, روجا جيجي, فله بنت احمد, rital00, توتا احمد غ, Kemojad, هدى الحسني, ام حاتم الطائي, ام ارومة, ظبية البان$, hapyhanan, lilwom, 3alloa, نرمين ممدوح, mOon liGht82, Just give me a reason, إيثار سليم, ملك علي, مروة عز, nora74, Rosey36, shadow fax, هدى نور الدين, موضى و راكان, Narimano, أم نسيم, هبه سمير, Berro_87, منيتي رضاك, ورد الشام وردة | ||||||||||
16-12-20, 11:12 PM | #1478 | ||||||||||
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 107 ( الأعضاء 36 والزوار 71) أميرة الساموراي, mOon liGht82, هانا مهدى, ملك علي, طربيزة, هدى الحسني, بيسان الفنانه, NoOoShy, the dream song, الق الزمرد, روجا جيجي, فله بنت احمد, rital00, توتا احمد غ, Kemojad, ام حاتم الطائي, ام ارومة, ظبية البان$, hapyhanan, lilwom, 3alloa, نرمين ممدوح, Just give me a reason, إيثار سليم, مروة عز, nora74, Rosey36, shadow fax, هدى نور الدين, موضى و راكان, Narimano, أم نسيم, هبه سمير, Berro_87, منيتي رضاك, ورد الشام وردة أدوات الموضوع | ||||||||||
16-12-20, 11:21 PM | #1480 | |||||
| اقتباس:
شكرا حبيبتي لك و لكل المتابعين 💖💖💖 طبعا بدأت معاناة ملك و تخبطها و بالتأكيد بدأ العد التنازلي للحظة الانهيار و الاستسلام 😔💘 | |||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
ملك-علي ، تملك ، كره-حب ، زواج ، طبيبة ، سوء فهم, الجزائر-دبي ، |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|