22-12-20, 10:24 PM | #1574 | ||||
| البارت السادس بعد المائة لست زوجتك 💔 جلست ملك مقابل علي تنتظر ما يود قوله , أطرق الرجل أمامها للحظات , قبل أن يبادرها بنبرة متأثرة , و قد رفع عينيه أخيرا ليحدق الى وجهها " أريد أن أعبر لك عن شكري لكل ما فعلته , من أجل مريم خلال مرضها و أثناء الجنازة , أنا ممتن جدا لك " " رحمها الله " تمتمت ملك بحزن واضح , ثم التزمت الصمت لبعض الوقت قبل أن تجيبه , و قد بدا صادقا جدا فيما قاله " لا داعي للشكر , المرحومة كانت أكثر من مجرد مريضة بالنسبة لي , أنا كنت أعتبرتها الأخت التي لم أحظ بها يوما كانت طيبة و روحها جميلة , لم تستحق الا كل خير رحمها الله " همست ملك آخر كلمتين , و قد بدت على وشك البكاء بعينيها الدامعتين , و لم يجد علي ما يقوله ردا عليها , حتى أنه نسي سبب رغبته في التحدث معها , و كل ما كان يريده الآن , أن يقف من مكانه يحتضنها لمواساتها , و يستمد منها بعض الدعم الروحي . سارعت ملك لتمالك نفسها , قبل أن تبادره بصوت فيه بحة " قلت أنك تريدني في موضوع هام , هل حصلت مشكلة ما ؟ " عاد علي الى أرض الواقع , و هز رأسه نافيا افتراضها , و قد انتبه الآن فقط أنهما لا يتفقان الا في المصائب " لا ليست مشكلة بالمعنى الحقيقي , لكن بقيت بضعة أيام , و تنتهي اجازة رنا المدرسية السنوية ، ستعود بعدها للدراسة بصفة عادية , طبعا و نظرا لوضعها النفسي الحديث , أريدها أن تسترخي لبعض الوقت قبل استئناف الدراسة " " طيب أمر جيد , أنا متأكدة أنها ستندمج بسرعة , رنا ذكية و ستتخطى مخاوفها سريعا " أجابته ملك بتفاؤل دون أن تفهم دائما , ما الذي يزعجه أو ما الذي يريدها أن تفعله ؟ و سارع علي لاجلاء ضبابية تفكيرها , و هو مستغرب كيف أن سقف آمالها دائما مرتفع , حينما يتعلق الأمر بابنته " أجل و طبيبتها النفسية أوصت بذلك أيضا ، قالت أن رنا دخلت مرحلة جديدة ، حيث حصل تغيير كلي في حياتها ، فقدت والدتها و استعادت النطق , لذلك أخبرتني أنها تريد تكثيف , الجلسات العلاجية قبل عودتها ، لأنها لا تزال هشة نفسيا ، و تخشى انتكاسة قريبة , تعيدها الى حالتها السابقة " عبست ملك من افتراضه , و وضعت يدها على صدرها جزعا " لا سمح الله " أضاف علي مختتما تقرير الطبيبة الذي وافته به " لذلك طلبت الطبيبة أمرا هاما منا " " ماذا ؟ " تأهبت ملك لسماع ما تريده المرأة , اذا كان ما ستطلبه , سيمنع تكرر المشكلة لدى الطفلة , فهي ستفعله بكل سرور " تريدك أن ترافقيها خلال الجلسات القادمة ، قالت بأن وجودك الى جانبها مهم جدا ، من أجل استقرارها نفسيا , في هذه المرحلة الحساسة ، أعتقد أن رنا تحدثت عنك بكثرة , معها خلال الفترة الماضية , و هي تريد مقابلتك و التحدث معك باسهاب " طبعا سبق للطبيبة أن قابلت ملك بطريقة عابرة , حينما كانت تصطحب رنا من و الى عيادتها , و هي رأتها يوم انهارت الطفلة بمعية علي , حينما كانت تحاول السيطرة على نوبة هلعها , سبق كذلك لعلي أن تحدث بشأنها خلال اتصاله بها , و رنا لم تكف يوما عن الاشارة لها بالصديقة الجميلة , لكنها لم تخض معها حديثا خاصا أبدا , لم تشأ أن تفعل , قبل طلب الاذن من علي , و اطلاعه على دورها المحتمل في جلسات ابنته , فملك لا علاقة رسمية لها بالطفلة , سوى أنها زوجة والدها , و طبيبتها لا تملك الحق بمناقشة وضعها الصحي معها , الا برخصة من علي نفسه . ابتسمت ملك لسماع طلبه و سارعت للقبول " أكيد علي لا مشكلة ، أفزعتني اعتقدت الموضوع خطيرا , سأرافقها لرؤية الطبيبة بكل تأكيد , إن كان هذا سيساعد , سأكون مسرورة لتنفيذه " ابتسم علي برضا لأن ملك لا تتردد , في فعل شيء من أجل صالح رنا ، و هذا شيء يدفئ قلبه بشدة . تردد قليلا قبل أن يضيف بنبرة متخوفة " يعني ستبقين من أجلها ؟ " قطبت ملك جبينها , فقد فاجأها بسؤاله و أجابته بتشوش " أكيد , قلت بأنني سأفعل , ثم أين سأذهب ؟ أنا عالقة هنا على كل حال " أخذ علي نفسا عميقا , و قد اعتبر نفسه أخذ موافقتها , على البقاء الى أن تستقر حالة ابنته , حتى لو لم يكن طلبه صريحا تماما من طرفه , الطبيبة قالت أنها تحتاج أربعة أسابيع فقط , لمراقبة الوضع و ايجاد حلول , بعدها يمكنه اقناع رنا , بأن ملك ستتغيب عنها لفترة محددة , سيطلعها بعدها على أمر عودتها , و قد يتمكن من احياء الخطة القديمة , بعرض مشاعره عليها , و محاولة معرفة رأيها في الارتباط به , فما حصل مؤخرا جعل الوقت غير مناسب بالمرة , مع كل الفوضى العاطفية التي يعيشونها . " لن يتغير شيء في الأمر صحيح ؟ هي ستبقى من أجل رنا على كل حال , بضعة أيام زيادة لن تغير في الوضع شيئا صح ؟ " تساءل علي بينه و بين نفسه , محاولا اجراء تنويم مغناطيسي لضميره , الذي يؤنبه دون رحمة , لأنه يؤخر مغادرة المرأة , التي يحب بتأثير من قلبه . و سرعان ما تنحنح لتصفية فكره , قبل أن يستفسر منها " و أنت ماذا تحتاجين ؟ " سألها باهتمام مشيرا اليها , و تذكرت ملك أخيرا ما جاءت من أجله " آه أجل , أردت أن أطلب منك أن تتصل بالمحامي , الذي قرأ الوصية أريد رؤيته " استغرب علي طلبها , و قطب جبينه ليسألها , يريد أن يفهم أسبابها الغامضة " لماذا ؟ " لتجيبه ملك بنبرة عادية " أريد أن أطلب منه اتخاذ الاجراءات المناسبة , لتحويل ما تركته المرحومة لي باسم رنا " تفاجأ علي بما قالته , و ظهر الاستياء على وجهه ليسألها مباشرة " لم تريدين فعل ذلك ؟ " كانت نبرته حانقة , لكن ملك فوتتها و سارعت لطرح أسبابها " لأنني لا أملك الحق في أخذه ، لذلك من الأفضل تمريره الى رنا " سارع علي للاعتراض , بلهجة مغتاضة لا تقبل النقاش " رنا ليست بحاجة اليه " انتبهت ملك أخيرا الى ردة فعله المعارضة , و ردت بتحفز تماما كما تعودت , حينما يدخلان في جدال مصيري " لم تتكلم نيابة عن الطفلة ؟ أنا أريد التنازل عن هذه الممتلكات من أجلها , لم تتدخل ؟ " " لأنها قاصر و أنا وليها الشرعي ، و أنا أقول لك أنني لا أريد هذا المال , لست بحاجة إليه " كعادته يضعها أمام الأمر الواقع بتسلطه , دون ابداء أسباب ترضي فضولها , امتعضت ملك بشكل واضح لتزمته المعهود ، هي لا تفهم لم يصعب عليها هذا الرجل , كل شيء ترغب في فعله ؟ و لم يفرض وصاية على قراراتها , و كأنها قاصر هي الأخرى ؟ " و أنا أيضا لست بحاجة اليه " ردت بثقة مصعدة من موقفها و مصرة عليه , و قد استفزتها غطرسته غير المبررة , و التي اعتقدت أنه تخلى عنها مؤخرا , و قد صارت شخصيته أكثر لينا . عبس علي فقد سئم سماع هذه الجملة , و كأن ملك تعاقبه بها عمدا في كل مرة ، رغم أن ما تركته مريم لها يعتبر ثروة , قد تغري أيا كان للحصول عليها ، إلا أنه متأكد أنها لن تأخذها مهما فعل . ليرد عليها مع شبه ابتسامة ساخرة على زاوية فمه " إذا انتظري حتى تبلغ رنا سن الرشد , و ناقشي معها الأمر شخصيا , بما أنك لا تقبلين بقراراتي كوصي عليها " كعادته يحشرها في الزاوية , بعقلانيته التي تفقدها صوابها . " سن الرشد ؟ " صدمت ملك لما قاله , يعني بعد عشرة سنوات على الأقل ، هل هذا الرجل مجنون ؟ هي لا يمكنها الاحتفاظ بذلك الميراث طوال هذه الفترة . نظرت اليه ملك باستياء و طلبت مجددا " لا , لا أريد الانتظار الى ذلك الوقت ، فقط صلني بالمحامي قريبا ، و أنا متأكدة من أن هناك طريقة ما " طبعا آخر شيء قد يفعله علي أن يصلها بالمحامي ، سينكشف أمر براءتها و استعادة جواز سفرها مباشرة ، فالرجل لا يعرف أن لا فكرة لديها عن الحكم , و هو لا يريدها أن تعرف من غيره , كما أنه غير مستعد بعد للتنازل عنها . " ليس لدى المحامي ما يفعله في أمر كهذا ، اذا كان صاحب الشأن , يرفض استلام ما تعرضينه , لن يساعدك وجوده في شيء , ثم لا تنسي أيتها الطبيبة الذكية ، أنت لا تملكين بطاقة هوية لاستكمال الاجراءات " ( عدا جواز سفرك الموجود في خزنتي منذ أيام ) أكمل علي بينه و بين نفسه , حسنا كذبة أخرى لتغطية الكذبات السابقة , يبدو أن سلسلة الخداع هذه , ستلتف على رقبته في الأخير لتخنقه . نظرت اليه ملك بحقد أكبر , و لامته بنبرة اتهام واضحة " و الفضل لمن في هذا ؟ " قالت تقصد تجريدها من جواز سفرها من الأساس , بسبب تلفيقه تلك التهمة لها . لدهشتها لم يرد علي على غضبها الا بابتسامة ، و عاد للتحديق في أوراقه متجاهلا إياها , متسببا في تراكم سخطها , من لا مبالاته بمشاعرها اتجاه الموضوع , و كأنه يتباهى هنا بما أقدم على فعله . زفرت ملك في وجهه بصوت مسموع , ثم قامت من مكانها و هاجمته مجددا " أتعرف أنا المخطئة ، لأنني أردت مناقشة هذا الأمر معك بكل تحضر ، اعتقدت أنك تغيرت و لو بمقدار ضئيل ، لكنك للأسف لا تزال متسلطا و دكتاتورا كما كنت دائما " قالت بكل غضب منتقدة موقفه , و غادرت المكتب بعد أن ألقت آخر كلماتها , تحت أنظار علي الذي لم يعد يجد ما يقوله لتهدئتها , و هو يفكر كيف أنها تبدو ظريفة جدا , و هي تنتقده و تزجره هكذا كطفل صغير . " أنا لا أحتاج رأيك , سأجد حلا بنفسي " أضافت بحنق و هي في طريق الخروج ، ثم تمتمت بينها و بين نفسها بغيظ " و أنا التي اعتقدت كالغبية , أنه يريد أمرا آخر مما يفعله ، و هو يعاملني بكل لطف و حمية , اتضح أنه لا يسمح للآخرين بازعاجي ، حتى يستمتع هو وحده بفعل ذلك , سادي مجنون متسلط " بسماع امتعاضها من معاملته , لم يملك علي الا أن يتنهد من أعماق روحه , و يحرك رأسه بسبب الشعور باليأس الذي يخالجه حاليا ، هو ربما كان يأمل أن يكون ارث مريم ، الرابط الأبدي بينه و بين ملك خاصة الأسهم ، لكنها لا تفكر إلا بطريقتها البسيطة ، و لا شيء من نواياه و مشاعره ، يلامس ذرة من قلب هذه العنيدة ، التي أصبحت متسلطة مثله تماما . يا الهي كل هذا النفور من كل ما يخصه , و هي لا تعرف بعد بمكنونات قلبه , هو متأكد أنها ستشتري سما خاصا لقتله , ان قال حرفا واحدا , عن طوفان المشاعر الذي يغرقه . " هل يعقل أن تراني يوما كرجل يستحق حبها ؟ " كان السؤال الذي صار يؤرقه كثيرا , دون أن يعرف أنه سيحصل على اجابته قريبا . . . . خرجت ملك من مكتب علي ترغو و تزبد , لتستوقفها فاطمة في الصالون " ما بك ابنتي ؟ لم تبدين غاضبة ؟ " " استغفر الله العظيم " همست ملك قبل أن تجيبها , محاولة السيطرة على استيائها الذي أثاره علي " الرجل المجنون الذي تعبت لتربيته , يكاد يفقدني صبري بتصرفاته " عبست فاطمة لتسألها بتوجس " ماذا فعل هذه المرة ؟ هل أزعجك بالكلام مجددا ؟ " هي تعرف أن علي سليط اللسان , لكنها اعتقدت أن ملك , دخلت القائمة الاستثنائية , للأشخاص الذين لا يجرؤ على اثارة غضبهم منذ مدة , و الا هي ستوقفه عند حده اذا لزم الأمر , فملك كابنة لها حاليا , تماما كما هو في مقام ابنها . تأففت ملك بملامح محبطة و أجابتها " هو لا يقبل أي شيء أطلبه , يصادر كل حقوقي في تقرير أي شيء , تصوري أردت أن أتنازل عن الميراث لرنا , لكنه يرفض دون حتى أن يكلف نفسه , عناء ابداء أسباب منطقية " ضحكت فاطمة بارتياح على تذمرها , فقد اعتقدت الأمر أخطر من هذا , حدقت ملك ناحيتها بنظرة مستنكرة , هي لم تتوقع أن تسخر المرأة منها . برؤية انزعاجها دنت فاطمة منها و طوقتها لتحتضنها , و تطيب خاطرها تماما كما تفعل مع رنا , ثم بادرتها بلهجة حنونة جدا " يا ابنتي لا تستمعي فقط لكلماته , علي حنون و طيب و يستحق ألا تسيئي فهمه , أنظري بقلبك الى ما يفعله و ما يقوله , لا تستخدمي عينيك و أذنيك فقط , فالمظاهر خادعة أحيانا " حدقت ملك ناحيتها باستفهام كبير , و هي لا تفهم لم صار الكل هنا , يتحدث بالألغاز في الفترة الأخيرة , لكنها سارعت لتشتيت الجو , فالمرأة أمامها تزكي الرجل الذي ربته طوال الوقت , و أكيد ستبدأ بعد قليل باقناعها , بأنه أفضل رجل على وجه الخليقة , و لا ينقصه الا جناحان ليطير كملاك . " هل نامت رنا ؟ " سألتها بعدما رأتها , تصطحبها الى الطابق الثاني , قبل دخولها مكتب علي " آوت الى فراشها , لكنها تنتظرك كما عودتها لتقرئي لها " أجابت فاطمة مع ابتسامة دافئة , هدأت غضب ملك فورا , و التي تنهدت و استدارت ناحية الطابق الثاني , من أجل مهمتها الليلية , مرافقة الطفلة حتى تنام . " حسنا تصبحين على خير " ألقت ملك التحية و غادرت , تاركة المرأة واقفة مكانها , و قد غزا وجهها الوجوم و الأسى " متى تتشجع أيها الشقي و تبوح لها ؟ ستفقدها قريبا ان استمريت , على هذا المنوال في اثارة حنقها " تذمرت فاطمة من موقف علي , و قررت قول كلمتين له , فلطالما كانت منبع نصائحه الثمينة , لذلك قصدت مكتبه , و بعد أن دقت الباب و دخلت بادرته " بني هل يمكن أن أقول شيئا ؟ " طلبت الاذن بالتحدث , و أشار لها علي بالايجاب , مشيرا لها للجلوس أمامه " بني أنت و ملك لستما طفلين , أنتما ناضجين و مرتبطين بالفعل " هز علي رأسه , دون أن يفهم سبب التصريح المفاجئ , لتضيف المرأة بنبرة أمومية يحبها , و قد كبر يستمع لها " ملك شابة بسيطة التفكير , أنت أكثر تجاربا منها , اذا أردتها أن تفهمك , قل ما تريده مباشرة في وجهها , لم تغامر في كل مرة بحدوث سوء فهم بينكما ؟ اذا تراكمت المشاعر السلبية في قلبها ناحيتك , سيكون صعبا عليك لاحقا محوها , عاملها برفق بني , و صارحها بما يعتمل في قلبك , بدل الغموض الذي تلف به علاقتكما , و أنا متأكدة أنها ستكون لك نعم الزوجة " "...." صدم علي لما قذفته فاطمة في وجهه , لم يعتقد أن ما يفعله , مفضوح الى هذه الدرجة , لكنه اكتفى بأن ابتسم لها و أومأ برأسه , موافقة على ما أسدته من نصائح " حاضر فاطمة , يفعل الله خيرا " أجابها بما كان يفكر فيه , منتظرا الوقت المناسب لتنفيذه , و اكتفت المرأة بحمل صينية الشاي من أمامه " أسعدك الله بني و جبر بخاطرك , تصبح على خير " دعت له من قلبها كما عودته , و غادرت تاركة اياه غارقا في ما يجب فعله , لانجاح مساعيه في امتلاك قلب تلك العنيدة . . . . " رنا هل نمت ؟ " أطلت ملك من الباب , و همست بخفوت خشية أن توقظها , لكن الطفلة رفعت رأسها , و انسحبت الى الجانب تاركة مكانا لها " لا لم أنم بعد , أنتظرك لتقرئي لي " ابتسمت ملك و دنت من سرير الطفلة , و جلست في المكان الذي أصبح باسمها , ستطلب من علي تغييره بآخر أكبر , حتى يتسنى لها البقاء معها وقتا أطول براحة . اندست الطفلة في حضنها كما عودتها , و ناولتها الكتاب الذي ترغب في قراءته معها , أزاحت ملك شعر رنا عن وجهها , لتحدثها قبل أن تبدآ فقرة المطالعة " لدي خبر جميل لك " اتسعت عينا الطفلة , و برقتا بحماس فياض قبل أن تسألها " هيا أخبريني أريد أن أعرف " استعجلتها لتضحك ملك من فضولها " والدك أخبرني أنني سأرافقك , ابتداءا من الغد في زيارتك لطبيبتك , ما رأيك ؟ " هتفت الطفلة بحماس كبير , و تعلقت برقبة ملك كقط على شجرة " هاي مرحى , أخيرا ستذهبين معي , و سيعرف الأطفال الآخرون , أن لدي ماما أنا أيضا " شعرت ملك بألم داهم يعصر قلبها , لم تعرف أن الطفلة ترغب بشدة , بظهور أم لها على الملأ , و سارعت لاحتضانها و هي تربت على ظهرها " أنت لديك أم منذ ولدت رنا , ماما مريم كانت تحبك كثيرا , حتى و ان لم يرها الآخرون , لكنها ستظل أمك " حاولت افهامها برفق . انسحبت رنا من حضنها , و قد علت ملامح الحزن وجهها لتجيبها " أعرف و أنا أيضا أحبها كثيرا جدا , لكنها لن تأتي بعد الآن كما قالت الطبيبة , و أنا أريد أن تظل لدي ماما دائما , لا أريد أن يعتقد الأطفال , أنني بت وحيدة بعد ذهابها , أنت ستبقين معي صح ؟ " قالت بنبرة متأملة لامست روح ملك , التي ارتجفت يداها للطلب الحميمي المفاجئ , و انعقد لسانها و لم تعرف بما ترد . " ماما ملك أنت لن تذهبي , و تتركيني أنت أيضا صح ؟ " سألتها رنا بنبرة مستعجلة شبه باكية , و قد بدت مرتعبة من فكرة رحيلها هي الأخرى , لتخرج ملك من شرودها , و هي تفكر في اجابة ملائمة , دون الكذب عليها أو تخييب ظنها " حبيبتي أنا الآن هنا معك , و سأرافقك ما دمت تريدين , أما المستقبل فهو في علم الغيب , لا يمكننا الا أن نقول ان شاء الله " هزت الطفلة رأسها و قد فهمت تقريبا , أن ملك لن تتركها الآن على الأقل , و هذا القدر من الوعود يكفيها , لذلك سارعت للاستلقاء تأهبا لسماع قصتها , و قبل أن تنهي ملك صفحتين , كانت قد غطت في نوم عميق , تاركة وراءها روحا معلقة و بالا مشغولا , عما سيحدث حينما سيحين وقت رحيلها , و قد صار الأمر مخيفا أكثر منه مبهجا . . . . في الغد بعد الافطار مباشرة , رافقت ملك رنا الى عيادة الطبيبة النفسية , بصحبة ابراهيم كما وعدت علي " مرحبا سيدتي , أنت اذا ملك الصديقة الجميلة ؟ " سألت الطبيبة بكل فضول , بعد استقبالها لها في مكتبها , و ابتسمت ملك بارتباك و هي تصافحها , فيما يبدو أن المرأة تعرفها بشكل جيد " أجل تشرفت دكتورة " أشارت لهما الطبيبة بالجلوس و استرسلت " رنا لا تتحدث الا عنك , تحبك كثيرا لدرجة أصبحت فيها متشوقة , لرؤيتك و تبادل الحديث معك " " فعلا ؟ و أنا أيضا أحبها كثيرا " قالت ملك و قد أحرجها الاطراء غير المتوقع , و هي تمسح على شعر الطفلة التي تلتصق بها . أضافت الطبيبة و كأنها تستعرض معلوماتها عنها " السيد علي قال أنك طبيبة أطفال , لا عجب أنك تجيدين التعامل معهم " تفاجأت ملك أن علي تحدث عنها , مع طبيبة ابنته الخاصة , هو لم يذكر الموضوع سابقا أمامها , هي اعتقدت أن رنا وحدها من يفعل ذلك , لذلك شعرت بالفضول لمعرفة التفاصيل , الا أنها خجلت أن تسأل مباشرة , رغم ذلك كان واضحا الانطباع الجيد الذي تركه علي , لدى الطبيبة عنها مما زاد استغرابها . " في الحقيقة رنا فتاة بسيطة و مرهفة الاحساس , لذلك لم أجد صعوبة في اكتساب ودها و صداقتها " ردت ملك بتواضعها المعتاد على كلام الطبيبة . لكن هذه الأخيرة عارضتها , بعد أن أشارت لمساعدتها باصطحاب رنا , الى غرفة الألعاب للتحدث بهدوء " اسمحي لي أن أعارضك سيدتي , بالنسبة لرنا هي صحيح فتاة حساسة جدا , و لكنها كانت محاطة بظروف صعبة لسنوات , لدرجة أنها كانت ترفض الحديث , حتى لوالدتها المرحومة و والدها , أن تتحدث الآن و تناديك ماما , أعتقد أن هذا انجاز تشكرين عليه , بالنسبة لي أنت وجدت , مفتاح الطريق الى قلبها , حينما بذلت مجهودا مضاعفا , لدخول عالمها الخاص بتعلم لغة الاشارة , و بالتالي رافقتها للخروج من أزمتها بسلاسة , فيما كان الجميع يكتفي بالوقوف على مسافة آمنة , ليجبرها على العودة وحدها الى التكلم مجددا , و هذا ما شكل الفرق معك " طبعا كل هذا أوصلته الطبيبة الى علي , و هو شعر بالامتنان الى أقصى الحدود , هو نفسه أهمل أمر التعامل مع رنا بلغتها , و منحها مساحة من الراحة و الوحدة , لتتعمق معها أزمتها دون قصد , لكن ملك فعلت ذلك بكل تلقائية . تبادلت ملك مع المرأة الودودة أطراف الحديث مطولا , قبل أن تخبرها بما تريده منها " في الحقيقة سيدتي , أنا أود أن تحضري مع رنا الجلسات الجماعية , و التي تعتبر مفيدة جدا للانخراط الاجتماعي , و التخلص من الانطواء و عدم الثقة في النفس , الذي يلازمها و يؤثر على حياتها , في السابق الطفلة كانت ترفضها لأنها خجولة جدا , و لأن باقي الأطفال يرافقهم أمهاتهم معظم الوقت , و هي كانت ستكون وحيدة , أما الآن فقد قبلت أخيرا المشاركة بشرط حضورك معها , آمل فعلا أن توافقي لأن الأمر مهم جدا " فهمت ملك أخيرا هدف الحوار , الذي أجرته البارحة مع علي , فهذا بالضبط ما طلبه منها تاركا التفاصيل للطبيبة , و هو ما جعل رنا تفرح لأنها قبلت العرض , بلعت ملك ريقها و قد انتبهت للتو , مدى تعمقها في حياة الطفلة , و للمرة الثانية تشعر بالقلق و الحزن , لأنها ستتركها و ترحل قريبا , أكيد سيؤثر ذلك على رنا سلبا , هي خمنت ذلك مسبقا , لكن يبدو بأن التأثير على حياتها هي , لن يكون أقل ضررا , لكنها لم تجد بدا من الموافقة على الاقتراح , حتى و ان كانت ستفعل ذلك لمدة بسيطة , لا بأس بالتجربة من أجل خاطر الطفلة , التي تحبها كابنة لها . استمرت بعدها الجلسة الفردية لساعتين , قبل أن تعود ملك و رنا الى البيت , بعد أن اتفقت مع الطبيبة , على برنامج الجلسات للفترة القادمة . . . . بعد الجدال الحاد بين علي و ملك , في المكتب بسبب موضوع الارث , توقف الاثنان عن التحدث مع بعضهما , و استمر الأمر لثلاثة أيام كاملة ، كانت ملك تخاصم علي بجدية , و لا تزال غاضبة من تسلطه , لا يلتقيان الا على طاولة الطعام , و حتى آنذاك كانت ملك تأكل بكل هدوء , و تتحاشى النظر ناحيته أو التحدث اليه , لكن علي لم يكن متضايقا , و كان يدعها على راحتها , فيما يبدو أن مستوى عنادهما صار متساويا , و لا أحد بينهما يفكر في التنازل قريبا . أمام ثبات موقف علي المعارض , و بعدما فكرت ملك مليا , قررت سلوك طريق آخر , فواضح أن الرجل لن يتراجع أبدا عن قراره , هي ستغادر بعد فترة بسيطة , و لا تريد أن يربطها شيء بهذا المكان , خصوصا أمور مادية بحجم ثروة , فامتلاكها لأسهم في شركة علي , يعني أنها ستكون مسؤولة بطريقة ما , عن اتخاذ قرارات بخصوص عمله , و أنها يجب أن تبقى على مقربة طوال الوقت , و هذا ما لا تضمن حدوثه مستقبلا , اضافة الى مانع نفسي , تضمره في نفسها و لا تبديه لأحد , يجعل أمر احتفاظها بدرهم واحد , مما ترك لها مستحيلا و مرفوضا . لذلك ترقبت ملك عودة علي , في المساء ككل يوم يصطحبه كريم , و اعترضت طريق الصنم للخروج " كريم هل يمكن أن أطلب منك خدمة ؟ " بادرت باستعجال خشية أن يقاطع علي حديثها معه . استغرب كريم الأمر , فحسب علمه علاقة ملك مع علي تحسنت كثيرا مؤخرا , و لا يعرف فيما تريد استخدامه , الا أنه لا يتردد أبدا في تلبية طلباتها " أكيد تفضلي سيدتي " ترددت ملك قليلا قبل أن تطلب ما تفكر فيه مباشرة " أريدك أن تخبر المحامي الخاص بالعائلة , أنني أريد التحدث اليه في أمر هام " تفاجأ كريم بما سمعه , فهذه أول مرة تتخطى فيها ملك علي , و تطلب مقابلة أحد من طرفه , المشكلة أنه لا يعرف ان كان علي فاتحها , في أمر مغادرتها من عدمه , و ان كان من المناسب وصلها بالمحامي , لذلك شعر بالاحراج بين قبول الطلب و رفضه , لكنه رد بتهذيب كعادته " سأرى ما يمكنني فعله سيدتي " " شكرا لك كريم " . . . في الغد صباحا في الشركة , كان كريم يشعر ببعض التردد , لمفاتحة علي في موضوع ملك ، هو كان قد فكر مطولا , في الطلب الذي تقدمت به , و شعر بقلة الحيلة في تنفيذه , فمن جهة هي وثقت به و التجأت اليه , و هو لا يريد خيانة هذه الثقة باخبار صديقه ، و من جهة أخرى هو أكثر من يدرك , خصوصية العلاقة بين هذين الاثنين , أية حركة خاطئة قد تهدم المعبد على رأس علي , كما أن تخطي صديقه لتقديم المحامي لزوجته , بدا أمرا غير لائق بالمرة , اذا فعلتها أسيل مع أحدهم سيشعر بالغضب و الخيانة . في النهاية حزم كريم أمره , و قرر اطلاع علي على الموضوع , فالعلاقة بينهما ملغمة أساسا و ليست عادية , و هو لن يساهم في توترها أكثر بتدخله . " علي هناك ما أريد اخبارك به " بادره كريم بمجرد أن أنهيا الاجتماع , و عادا الى مكتب المدير " ماذا لديك ؟ " أشار له علي بالاسترسال , و تردد كريم قليلا قبل أن يقول , ما يريده دفعة واحدة , و قد علت وجهه ملامح الأسف " السيدة ملك طلبت مني البارحة , أن أصلها بالمحامي لأمر هام " توقف علي عن الكتابة في أوراق أمامه , و رفع رأسه ناحية كريم , و قد قد صار وجهه أسود من الغضب , لكنه لم يقل كلمة واحدة , فقد فهم ما يقصده , وقف من مكانه اختطف سترته بعنف , و غادر المكتب على عجل , متجها مباشرة الى المنزل . بقي كريم واقفا مكانه , يشعر بالاستياء لما سيحصل بسبب ما قاله , لكن لم يكن بيده حيلة . بعد خروج علي رن هاتف كريم , و أخرجه من شروده " صباح الخير كريم , أين أنت ؟ " كانت أسيل على الطرف الآخر " في المكتب , أين أنت ؟ " " في مكاننا المعهود " أغلق كريم الخط , و خطا ناحية المصعد باتجاه المرآب ، بمجرد أن لمحته أسيل , التي كانت تقف الى جانب سيارته , حتى سارعت لاحتضانه و تقبيله " تعالي " ابتسم كريم لها و جرها من يدها متجاوزا سيارته " تفضلي " و أشار الى سيارة مركونة آخر الصف و فتح الأبواب ، تشوش تفكير أسيل و لم تفهم قصده " ما هذه ؟ " " سيارة اقتنيتها من أجلك , تعالي لنجربها " كانت اجابته مقتضبة كالعادة . وقفت أسيل مكانها مندهشة لدقائق , قبل أن تستفيق و تعترض " يا الهي كريم هذا كثير جدا ، لا أستطيع قبولها تبدو باهضة الثمن , ثم أنا سبق و أخبرتك أنني لا أجيد القيادة " قالت بصوت محرج , فالسيارة تبدو فارهة و حديثة الطراز , و هي متأكدة أنها كلفته ثروة . لكن كريم أمسك يدها بحنان , و خاطبها بهدوء يوفره لها وحدها " أولا هذه هدية خطوبتنا , التي غادرت في منتصفها و تركتك وحيدة , ثانيا لا شيء كثير من أجلك ، أنت تستحقين العالم و ما فيه , أخيرا هذه سيارة بعلبة أوتوماتيكية ، يعني لن تحتاجي سوى لاستعمال الدواسة , و كل شيء سيكون سهلا ، سأحرص على تدريبك عليها لا تقلقي " نظرت اليه أسيل بعينين مترددتين , كستهما لمحة من الامتنان و الحب , صمت كريم قليلا ثم أضاف لاقناعها " ثم أنا أفعل هذا من أجل راحة بالي ، أنا لا أستطيع مرافقتك الى كل مكان , و أكون قلقا لأنك تستقلين تاكسي طوال الوقت ، هكذا سأكون مطمئنا أكثر " قال باحراج و هو يحك رقبته , لأول مرة يلقي خطابا عاطفيا , بهذا الطول على أحدهم . ابتسمت أسيل فهي الشخص الوحيد , الذي يتحدث معه هذا الصنم , أكثر من جملتين متتاليتين , ناهيك عن محاولاته المستميتة لارضائها , و قبل أن يسمع ردها على عرضه , كانت تتعلق برقبته و تندس في حضنه " شكرا لك " قالت بنبرة متأثرة باكية , فكريم هو الشخص الوحيد , الذي يهتم بكل تفاصيل حياتها , قبل حتى أن تفكر هي نفسها فيها . طوق كريم خصرها النحيل مباشرة , و حملها من على الأرض كريشة , كما تعود أن يفعل دائما . بعد دقيقتين تكلم الرجل مجددا , بصوت أجش الى جانب أذنها , مرسلا رعشة اجتاحت كيانها " صولا حبيبتي , اذا بقيتي تتعلقين بي كعلقة هكذا , فسنصعد فورا الى الطابق الأخير , و لن أدعك تغادرين قبل شهر ، و سيضطر والدك لجلب الامام هنا , لعقد القران و إتمام الزواج , بعد يوم بدل سنة " قال يقصد شقته في البناية . أطلقت أسيل عنقه فورا , و تراجعت خطوتين الى الوراء , و قد احتقن وجهها مما قاله , و هي تحاول التجول بنظرها في كل مكان , متفادية عيني كريم التي تكاد تلتهمها وقوفا , هي تصبح جريئة معه بطريقة غريبة , و قلما تتحكم في ردات فعلها . ضحك هو بخفة من احراجها , ثم دنا منها مجددا و قبل شعرها , قبل أن يطلب مجددا " لنجربها , سأريك كيف تعمل " ركب الاثنان السيارة , و حاول كريم تبسيط الأمور من أجل أسيل , التي كانت سعيدة جدا بهديتها " يا الهي , هذه أبسط من السيارات العادية , شكرا لك كيمو ، هكذا بإمكاني الذهاب و العودة الى الورشة بكل راحة " تجمدت ابتسامة كريم , الذي سألها باستغراب حذر " أي ورشة ؟ " ارتبكت أسيل و اتسعت عيناها , و كأنها قالت شيئا ما كان عليها قوله , انتبه كريم للأمر لكنه لم يقل شيئا , و التزم الصمت منتظرا اجابتها لتضيف " أممم قبل فترة قدمت على طلب للتدرب , كمهندسة مبتدئة في عدة شركات " قالت مع ابتسامة محرجة , و هز كريم رأسه لمؤازرتها " جيد , لم لم تخبريني اذا ؟ " استفسر مع نفس النبرة المتوجسة , لكنه أبدى مزيدا من الصبر على غير عادته , لن يدع وساوسه و قلة ثقته في الاخرين , تقوده مع المرأة التي يحبها . " ها ؟ نسيت " أجابت أسيل بنفس الارتباك , مما أثار شكوك كريم " هي عادة تخبره بكل تفاصيل حياتها , فلم أخفت هذا عنه ؟ " لكنه لن يتصرف بهوس حتى يتأكد " أمم و هل حصلت على رد ؟ " " أجل قبل أسبوعين , جاءتني موافقة من احدى الشركات " ردت بصدق " أيها ؟ " سأل كريم بفضول , و عضت أسيل على شفتها السفلى , و كأنها مترددة أو خائفة من الاجابة لكنها تعرف أن هذا الرجل مركب للاستجواب , و سيعرف بالأمر سواءا قالته له أو لا , لذلك قررت مصارحته و ليكن ما يكون . برؤية ملامحها توتر كريم أكثر , قبل أن تتكلم أسيل مجددا و تزيد قلقه " سأخبرك لكن عدني أنك لن تغضب " حدق اليها كريم بتوجس , ثم ضيق عينيه و قد بدأ بالغضب فعلا " شركة والد حسام " كان صوته مستاءا يكز على أسنانه , و هو متأكد من أنها الاجابة الصحيحة , اتسعت عينا أسيل عن آخرها بسبب دهشتها , و سألت غير مصدقة صحة تخمينه " كيف عرفت ؟ " طبعا بمجرد التفكير في الأمر , بدا واضحا أن هذا هو الاحتمال الوحيد , لا أحد يثير غضب كريم , من جهة أسيل الا ذلك الوقح . لكن كريم أجاب بأمر آخر " و كنت تخططين لاخفاء الأمر عني ؟ " و سارعت أسيل للنفي " لا كنت سأخبرك " هي كانت فقط تفكر , في طريقة لاقناعه قبل الذهاب , لكن كريم لن يصدق أبدا " متى ؟ بعد أن توقعي العقد و تبدئي العمل بالفعل , أليس كذلك ؟ " تصاعد سخط كريم سريعا , فأكثر شيء يكرهه هو وضعه أمام الأمر الواقع , و سرعان ما أخذ نفسا عميقا , ثم قال جملة واحدة " الأمر مرفوض نهائيا " " لماذا ؟ " اعترضت أسيل باحباط واضح , و نظر اليها كريم باستغراب " فعلا ؟ ألا تعرفين لماذا ؟ لأنك ستكونين بقرب ذلك النذل طوال الوقت " هو لن ينسى أبدا زيارتها , ذلك اليوم الى الورشة مع والدها , و كيف التف حولها أولئك العمال , مع بدلتها الملونة تلك , و قبعتها الغريبة ذات اللون الزهري , لدرجة أنه اضطر لهشهم , من حولها كالذباب باستخدام سلطته هناك , و هو لا يتخيلها تتجول لساعات , بين رجال قد يستغلونها و يتحرشون بها , خصوصا في وجود ذلك المنحط حسام . " يا الهي كريم سيكون مكان عمل , مع الكثير من الموظفين و قد لا ألتقيه أبدا , ثم ألا تثق بي ؟ " عبس كريم لافتراضها و سارع للنفي " طبعا أنا أثق بك أسيل , لكنني لا أثق بذلك السافل عديم الأخلاق , ثم لو أنك أخبرتني أنك تريدين تدريبا , لكنت وفرت لك ذلك في أحد مشاريعنا , دون الحاجة لاجهاد نفسك " حينها سيحرص على أن يفقأ عين , أي شخص يحدق ناحيتها , فلن يجرؤ أحدهم على أن يدنو مما يخص الهرقل . غضبت أسيل هي الأخرى و احتقن وجهها " لهذا بالذات لم أخبرك , لا أريد أن يكون أول عمل لي في حياتي بالواسطة , لا أحب أن ينعتني الآخرون بالمستغلة و المتسلقة , ما فعلته من أجلي الى حد الآن كثير , لا أريد استغلالك أكثر " " آه و الموافقة على عملك هناك لم تكن بالواسطة , لو لم يكن ذلك الوغد يريد أمرا آخر , هل تعتقدين أنهم كانوا وافقوا على طلبك ؟ " اعترضت أسيل مجددا و قد جرحها بكلامه " هل تقصد أنني غير مؤهلة للعمل في أي مكان ؟ " تدارك كريم زلة لسانه فلم يكن هذا قصده " لا أنا متأكد أنك مهندسة كفؤة , لكن واضح أن معرفة حسام بك من جعلهم يوافقون , كنت سأؤيدك في كل الأحوال , لكن ليس و أنت تعملين , تحت يد رجل حاول استغلالك سابقا " حاولت أسيل مجاراته , فهو يلين حينما تترجاه و تحدثه بتعقل " حسنا صحيح أن والده صديق لوالدي , لكن أكيد وافق لأنه يحتاج متدربين , و هم متعودون على قبول مهندسين ناشئين , عكس شركتكم التي يعرف عنها , أنها لا تقبل هذا النوع من الطلبات , لم أرد أن أحرج نفسي أو أحرجك " رد كريم بحدة و قد علا صوته " شركتنا ترفض طلبات الآخرين , لكن زوجتي استثناء , أنا أملك أسهما هناك يعني ستعملين معي , ثم ما خطب استغلالك لي , أخبرتك أنني لا أمانع " " لكن أنا أمانع " " أيتها المجنونة أنت ستكونين زوجتي , اذا لم أساعدك من أساعد ؟ " احتدت بعدها المناقشة بينهما , حيث صعدت أسيل من موقفها , فيما تمسك كريم برفضه . " اذا تمسكت بهذا العمل , فلن تري وجهي مجددا " قال كريم منهيا النقاش بسخط , و فتح باب السيارة و نزل منها , تاركا أسيل تشتعل غضبا لردة فعله , فيما بدا أنه على وشك فقدان السيطرة و تحطيم المكان . لكن أسيل ما لبثت أن فتحت الباب , نزلت هي الأخرى و ركضت خلفه لخطوتين , قبل أن تتوقف و يعلو صوتها " أجل هكذا أدر ظهرك لي , ككل الأشخاص في حياتي , و غادر دون أن تنظر وراءك " أخذت بعدها أنفاسا متقطعة , قبل أن تتكلم مجددا , و قد تحول صوتها الى نبرة باكية " كم كنت مغفلة و غبية , حينما اعتقدت أنك مختلف عن الجميع , و اتضح لي الآن أنني دمية فقط بالنسبة لك أيضا , تتلقى الأوامر دون مناقشة , و عليها التنفيذ مباشرة , تماما كما كان يفعل والدي , دون أية فرصة للجدال أو ابداء الرأي , حتى لو كان الموضوع يخص حياتي و مستقبلي , لا يحق لي اتخاذ أي قرار " باكمال جملتها بدأت أسيل بالبكاء بالفعل , و قد شعرت بأن لا أحد يفهمها , و أن الجميع يحاول السيطرة على حياتها , مما حرك هواجسها القديمة , التي اختفت بدخول كريم حياتها . أمام التزام كريم الصمت , استدارت هي الأخرى لتغادر المرآب , فيما يبدو أنها حصلت على أول خصومة , مع كريم منذ بداية علاقتهما , هي تعرف أنه رجل صارم و لا يتراجع أبدا , لكنها لن تتوسله ليبقى معها أو يفهم ما تريد . هرولت أسيل تريد الابتعاد و قلبها يؤلمها , لكن بعد بضعة أمتار , طوقتها ذراعين قويتين من الخلف , و سحبتها ناحية صدر صلب دافئ , كان كريم يقف خلفها مباشرة , يدس وجهه في عنقها و قلبه يدق بجنون , فقد كان على وشك التهور , و فسخ العلاقة بسبب غيرته المجنونة . أخذ الرجل نفسا عميقا يستنشق عبيرها , و لم تحاول أسيل التملص من قبضته , لكنها لم تقل حرفا واحدا ردا على حركته , حتى تكلم هو أخيرا " أيتها المجنونة أنت لست دمية أحد , أنت حبيبتي وحدي , و ستكونين زوجتي و أم أطفالي قريبا " بقيت أسيل ساكنة , لا يسمع الا صوت أنفها , و هي تحاول السيطرة على دموعها , طبع كريم قبلة رقيقة على خدها قبل أن يضيف " أنا آسف لم أقصد تهديدك أو المغادرة , لكنني أفقد صوابي كلما تخيلتك بقرب ذلك الرجل , أردت بعض الهدوء لضبط أعصابي لا أكثر , لم أرد أن تتأذي من لحظات اهتياجي , أنا آسف لن أتركك أبدا " كريم يعرف أنه حينما يفقد السيطرة , على أعصابه يحرق الأخضر و اليابس , وحدها أسيل من يهدئ هذا الوحش فيه , لكنها حينما كانت تقف هناك , و تعانده بكل شراسة , خشي عليها من انفلات لفظي , قد يفقده اياها في لحظات جنون . أمام غياب أية ردة فعل , من طرف أسيل بالرفض أو الموافقة , أدارها كريم برفق لمواجهته , و بدأ بمسح وجهها الصغير بأصابعه الخشنة , قبل أن يراضيها ارضاءا لقلبه " صولا حبيبتي تذكري شيئا هاما , أنا لن أقف يوما في وجه طموحك , سأدعمك في كل قرار تتخذينه لأجل مستقبلك , لأن نجاحك سيكون نجاحي أنا أيضا , لكن ليس على حساب كرامتك و راحتك , ليس و أنا على قيد الحياة " صمت كريم قليلا ثم أضاف بتعقل " حسنا لن تتدربي في شركتنا , لن أجبرك على ذلك ما دمت لا تريدين , لكن هناك الكثير من الشركات الجيدة , التي تقبل بالمهندسين الشباب , ستقدمين طلبات جديدة لهم , و سأكون معك في كل خطوة , و أنا متأكد أنك ستجدين ما ترغبين بفعله " قال كريم يحاول مراضاتها , و ذاب قلب أسيل مما يقوله , هي تعرف أنه لا يجيد مسايرة الآخرين , لكنه يقف الآن يحاول تطييب خاطرها , فما كان منها الا أن هزت رأسها موافقة . هي نفسها لم تكن مرتاحة للذهاب الى هناك , و كانت تؤجل الموضوع في كل مرة , فآخر شيء ترغب فيه , هو مواجهة مع حسام البغيض , هي لن تنسى أبدا ما فعله مع ندى , و التي نفيت وحيدة الى ألمانيا , و بقي هو يتسكع هنا كرجل نذل , لكن لم يكن لديها الكثير من الوقت و الاختيارات , و لم تكن تستطيع الانتظار , للحصول على موافقة أخرى . لكنها الآن لا تريد احزان كريم و اثارة قلقه , بمعارضته فقط من أجل المعارضة , هو محق في مسألة حسام , لذلك قررت تقبل التسوية التي يعرضها . " اتفقنا ؟ " سأل كريم للتأكد من أنها لم تعد غاضبة , و هزت هي رأسها لطمأنته ابتسم كريم بعدها و طبع قبلة على جبينها , و أخرى على خدها قبل أن يغريها " هيا سنقصد محلا لشراء كعك شوكولا , و ستقودين في الطريق الى هناك , و توقفي عن البكاء , لا أريد التجول مع وجه المهرج هذا " قال مشيرا الى أنفها الأحمر و عينيها الدامعتين . ضحكت أسيل ضحكة عريضة , فهذا الرجل يعرف نقاط ضعفها و يجيد استخدامها . غادر بعدها الاثنان في السيارة الجديدة محاولين تجريبها , و قد نسيا بالفعل ما حصل قبل قليل . . . . في البيت بمجرد دخول علي من الباب , سأل فاطمة باستياء يعلو وجهه " أين ملك ؟ " " في غرفة المعيشة " قبل أن تكمل فاطمة جملتها , كان علي قد فتح باب الغرفة فعلا جفلت ملك من طريقة دخوله , فعادة هو يدق الباب كرجل مهذب , نهضت من مكانها بتأن , و هي تمسك أحد كتبها في يدها , لكن قبل أن تقول كلمة واحدة , بادرها هو بغضب عارم " ما الذي تفكرين فيه بالالتفاف خلف ظهري , و الطلب من كريم ايصالك بالمحامي ؟ ماذا هل ترغبين باحراجي ؟ " فهمت ملك أخيرا سبب دخوله الاستعراضي , لكنها أخذت نفسا عميقا و أجابت بهدوء " لأنك رفضت ذلك حينما طلبته منك " اغتاظ علي أكثر لشرحها المتفلسف و حاول زجرها " ألا تدركين اذا أنني اذا رفضت أمرا ما , فمعناه أن تتوقفي عن فعله , لا أن تجدي طريقة أخرى لتنفيذه ؟ " كان علي يحاول السيطرة على غضبه , لكنه كان مستاءا جدا , و أثار استياء ملك التي لم تعد قادرة على التهدئة أمام هجومه " لماذا يجب أن أفعل ذلك ؟ اذا أنت عارضت أمرا ما فأنت حر ، و أنا أيضا حرة لقبوله أو لا ، ليس علي أن أخضع لأوامرك و تعليماتك , لسنا في الجيش سيد علي , أو بالأحرى لست جارية هنا , عليها تنفيذ ما يملى عليها دون اعتراض , لم يخبرني أحد أنك اشتريتني من سوق العبيد " تفاجأ علي لردها المفحم و زاد سخطه " لم أنت عنيدة هكذا ؟ ما الذي يدور في عقلك المتحجر هذا ؟ مريم رحمها الله تركت لك بعض الأشياء , بكامل ارادتها و عن طيب خاطر , ألا يمكنك اكرامها قليلا بقبول أمنيتها الأخيرة ؟ لم يجب أن تتمردي على كل شيء ؟ لم يجب أن تعارضي كل ما يحدث ؟ لم يجب أن تتصرفي , و كأن هناك تهمة ألقيت على عاتقك ، و تحاولين التخلص منها بلهفة ؟ " باطلاقه هذه الكلمات على مسامعها , أصبح غضب ملك مساويا لغضب علي ، فهو لا يفهم ما الذي تفكر فيه ، و يسارع للاستنتاج بتسلطه المعهود , و قررت ألا توفر جهدا لرد ما قاله " لأن الأمر أشبه بقنبلة موقوتة بالفعل , بالنسبة لي هو أسوء حتى من اتهام بالقتل , لكن لم سأتوقع أن تفهم ذلك , فأنت لست مكاني و لن تكون أبدا ؟ لم سأخمن أن السيد علي المبجل المغتر بنفسه , يتنازل من عليائه ليفهم مشاعر امرأة في مقام محظية " أخذت ملك أنفاسا متسارعة , و هي تحاول ألا تستعيد الطريقة , التي وصلت بها الى هنا , و التي لا تزال تؤلم في أعماق روحها , لكن ما يحصل لا يساعد أبدا دنت منه خطوتين حذرتين , قبل أن تشير ناحيته بسبابتها , و كأنها تلقي عليه اتهاما بشعا " لم يجب أن تتفهم دوافعي ها ؟ أنت لست مجبرا على سماع همسات الآخرين , يقولون عنك متسلقا طماعا و مستغلا , و ينعتونك بأبشع صفات , يمكن أن تسمعها في حياتك , لست أنت من يقولون أنك أفعى , دخلت هذا المنزل بخبث ، و استولت على العائلة كلها ، حتى أنها أخذت نصيبا من الإرث , لذلك بامكاني اخبارك سيدي , بأن الأمر مؤلم حد الموت , و أنا لا أريد شيئا من كل هذا " علا صوت ملك و هي تشير الى نفسها , توقف علي عن الكلام , و حدق ناحيتها بتفحص , هو لم يعتقد أن هذا سبب اصرارها على الأمر . تنهد بعدها بعمق و مسح جبينه , الذي تعرق بسبب التوتر , ثم أجاب بهدوء أكبر " أنت لست جارية هنا , أنت تبقين معززة مكرمة في بيتي , كأي امراة تستحق الاحترام , و اذا كنت تقصدين عمتي و ما تعتقده , فلتقل ما تشاء هي لن ترضى , حتى لو تنازلت عن كل ما تملكين " و رد ملك كان سريعا و أكثر اندفاعا " ليست عمتك وحدها علي ، ليست وحدها التي تعتقد ذلك , هي الوحيدة فقط التي قالت ذلك بصوت عال ، لكنني أرى ذلك في عيون الجميع , و في نظراتهم لي ، كيف يراني الكل على أنني , مجرد امرأة جشعة خبيثة , تحاول الاستيلاء على عائلة امراة أخرى , قد تكون قتلتها بسبب غيرتها " حدقت ملك ناحية علي , بعينين دامعتين تخفيان عاصفة , تقتلع قلبها من مكانه كمدا , و عرف قبل حتى أن تنطق , أن ما ستقوله سيكون مؤلما مثل الجحيم " و لم نذهب بعيدا ؟ أنت نفسك قلت بأنني طماعة متسلقة ، أنت بلسانك قلت أنني , قد أبيع نفسي لمن يدفع أكثر , لدرجة جعلتني أحتقر كل ثانية من بقائي , تحت سقف بيتك هذا , كل شيء مادي يربطني بك , يشعرني بالقرف من نفسي , و احتفاظي بهذا الارث بالذات , يزيد من شعوري بالتلوث و قلة القيمة , و أنا لم أعد أتحمل علي , لم أعد أتحمل و وصلت حدي من التعقل ، و لم أعد أعرف فيما أذنبت ، أين خطئي لتلتصق بي تهمة , مثل هذه طوال الوقت ؟ " كان قلب ملك يدق بعنف , و قد احتقن وجهها , لكنها شعرت ببعض الراحة , لأنها أفضت ما تفكر به أخيرا . عبس علي بشدة و تجهم وجهه , و هو يعرف أن الذنب ذنبه هو , هو من قلل من احترامها , مرارا دون وجه حق , هو من ألقى عليها بالتهم البشعة , الواحدة تلو الأخرى دون دليل , لدرجة هز بها ثقتها في نفسها , لكنه لا يعرف كيف يخبرها , أنه غير رأيه منذ وقت طويل جدا , و أن كل ذلك كان مجرد سوء فهم , و هو حاليا مستعد لكتابة ثروته كلها باسمها , دون أن يرف له جفن , لذلك حاول تخفيف الأمر عنها " بالنسبة لما قلته أنا سابقا , أنا آسف و أعتذر بشدة , كان حينها وضعا خاصا و سيئا ، و أنا أعرف الآن جيدا من تكونين , لست بحاجة لاثبات أية وجهة نظر , أما بالنسبة للآخرين , فلست مجبرة على الاستماع اليهم , بإمكاني اخراس ألسنة الجميع , و لأرى من سيجرؤ على قول حرف واحد بحقك " حدقت ملك اليه بيأس , و أشارت الى نفسها مجددا , و قد تحولت نبرتها الى همس , و كأن قواها قد خارت في جدالها معه " المشكلة ليست في الآخرين فقط , المشكلة أنني أنا نفسي بدأت أصدق , أنني تسببت في موت مريم بأنانيتي , و أصبحت أكره نفسي و أحقد عليها " و نزلت دمعة من عينيها , أحرقت قلب علي و آلمت روحه , هو يعلم كم أن الأمر مؤلم بالنسبة لملك , و يدرك مدى الدور الذي لعبه , لايصالها الى هذه الحالة , و لكن لا شيء بيده يفعله , ليقلب الوضع و يعيده الى نقطة البداية , رغم أنه مستعد ليدفع حياته ثمنا لذلك " أخبرتك ألا تقولي عن نفسك ذلك , أنا و أنت أكثر اثنين نعرف , أن هذا غير صحيح و أنك لست كذلك " " ماذا أنا اذا ها ؟ هل يمكن أن تخبرني ؟ لأنني لم أعد أعرف شيئا , أنا منذ دخلت بيتك هذا , فقدت كل معالمي و يقيني " سألت ملك بصوت عال , مع استمرار دموعها بالنزول لتغرق وجهها , فقد وصلت حد الانهيار بالتحدث في الموضوع . و رد علي دون تردد , و كأن الأمر من المسلمات " أنت زوجتي و أموالي أموالك , ليست فقط الدراهم التي تركتها مريم , و انما كل شيء دون استثناء ، و من يرد أن يتدخل فليواجهني " صدمت الاجابة ملك التي تراجعت الى الوراء , و كأنها لا تصدق أذنيها , هي لم تتوقع من علي , قول ذلك مباشرة في وجهها , و لم تملك الا أن ترفض و بشدة " لا لست زوجتك , لست زوجتك و لم أكن يوما كذلك ، هذا الزواج مزيف و غير صحيح , و أنا أجبرت على البقاء هنا ضد ارادتي , عقد الزواج ذاك أنا لم أوقعه , و لا أعرف عنه شيئا ، ذلك عقد باطل لم يستوف أية شروط , أهمها رضاي و رضا والدي , علاقة لم يباركها الله حتى نباركها نحن بتجاهل , و أنا و أنت ندرك هذه الحقيقة , و لا شيء في العالم سيغيرها , و تكرارك للكلمة طوال الوقت و في كل مناسبة , لن تجعل من هذه العلاقة شرعية سيد علي , أنا هنا رغما عني , هذه الحقيقة الوحيدة في كل هذا , و سيكون من الظلم أن أتحمل ذنب , كل ما ينجر عن ذلك , ما بني على باطل فهو باطل أيها الرجل المتعلم " صرخت ملك في وجه علي , الذي لم يزد حرفا و بقي يقف هناك , يحدق بصدمة الى المرأة التي اعتقد , أنها قبلت مكانتها كسيدة لهذا البيت و كزوجة له , و ينتظر الفرصة المواتية لتصحيح الوضعية , و لكنها تفاجؤه بما قالته , و كأنها أعادته الى نقطة الصفر , يوم عقد معها الصفقة اللعينة في مكتبه , صفقة لم تنس ملك يوما أنها وقعتها بدمها , و لا يبدو أنها ستنسى أبدا . اكتشف علي للتو أن ملك , لا تقبل حتى هذه الصلة الاسمية الصورية بينهما , أكيد هي ستخرج من الباب دون رجعة , ان هو قال ما يشعر به بالفعل , هو يعرف أن ما بينهما زائف على الورق , لكنه كان يتأمل أن توثقه مشاعره الصادقة برؤية عينيها الجادة و المتألمة , و بسماع رفضها الواضح و القاطع , شعر علي أن أحدهم غرس سكينا في قلبه , و اجتثه من وسط صدره , شعر و كأن عالمه انقلب رأسا على عقب , فهو كان كمن يتقدم خطوة الى الأمام , ليتراجع عشرة الى الخلف , و قد اكتشف لتوه أنه كان , بصدد بناء قلعة على الرمال , أية موجة داهمة من الماضي , تهدمها دون رحمة و تحيلها الى أطلال . دون جدال أو اصدار أي صوت , استدار علي مباشرة و غادر منهيا النقاش , حينما أصبح أمام الباب توقف للحظات , و دون أن ينظر خلفه , خوفا من رؤية المنظر الذي يقتله , قال ما كتمه طوال هذه الفترة " مريم انتكست لأنني أخبرتها , أنك ستغادرين بعد فترة , لم تتحمل الأمر لأنها أرادتك أن تبقي , لذلك فالذنب ذنبي وحدي " كان صوته متأثرا جدا بتذكر مريم , لكنه استكمل سيره بخطا سريعة , و خرج عائدا الى الشركة . لم تصدق ملك ما سمعته , لم تعرف أن شعور علي بالذنب يفوق شعورها بمراحل , ما لا تدركه أنه يلوم نفسه كل ثانية , على ما حصل مع جميع من في هذا البيت , فالوحيد المخطئ بالنسبة له هو نفسه , بما فعله مع ملك و مريم , و أنه يستحق كل الألم الذي يشعر به الآن . عادت بعدها للجلوس على الأريكة , و دموعها تغسل حزنها و رثاءها , لما يحصل في حياتها لم يعد علي ليلتها الى المنزل , قصد مع كريم صالة رياضية , أراد بعض الوقت للتنفس بعيدا عن ضغط ملك , الذي يكاد يفقده عقله , ليس و كأنه يلومها , و لكن لأنه يدرك أنها محقة في معظم ما قالته , و كل ما كان يرجوه , أن يصفي ذهنه لاتخاذ قرارات مناسبة , لا تفقده سعادتهما معا . و لم تكن ملك هي بدورها تشعر بالارتياح , لم يسبق أن غادر علي غاضبا الى هذه الدرجة , حتى حينما كانا يتجادلان بشراسة سابقا , لم يكن يغيب عن البيت , لكنها لم يكن بإمكانها السؤال عنه , بأية صفة ستفعل ذلك . . . مر يومين على جدال ملك و علي , و استمر الرجل في التغيب على البيت , أراد بعض الوقت للتفكير و التخلص من التوتر , أغرق نفسه في العمل ، لكنه كان يطمئن على الجميع بالهاتف , كانت رنا تسأل عنه يوميا بإلحاح , و لكنها لا تكلمه لأكثر من خمس دقائق حتى تقفل الخط , و كانت ملك تستقي أخباره خفية منها , فقد كانت تشعر بثقل كبير ألقي على ضميرها , بعدما رأت تلك النظرة المجروحة يومها في عينيه , لكنها لم تكن نادمة أبدا , فالحقيقة تظل كما هي , مهما حاولنا اخفاءها و تحويرها , و مهما كان طعمها مرا . في اليوم الثالث , ورد اتصال من مدرسة رنا في العاشرة صباحا , و كانت فاطمة من رد عليه " ماذا هناك خالة فاطمة ؟ " سألت ملك باهتمام بعدما رأت قلقها . " لا أدري ابنتي , المشرفة في مدرسة رنا , قالت أنها تحتاج علي , لأمر هام يخص ابنته , و لكنها لم تتمكن من التواصل معه " كنت سأؤجل هذا البارت الى الغد , بسبب نوبة شقيقة سيئة داهمتني البارحة , و لم أستطع كتابة حرف واحد لكنني لم أرد احباطكم و قررت التنزيل , أرجو ان ينال اعجابكم 😘💞💞 ........ | ||||
22-12-20, 10:57 PM | #1576 | ||||
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 132 ( الأعضاء 46 والزوار 86) ملك علي, ebti, همس الضلال, rital00, أميرةالدموع, وردة الطيب, ج. ش. م, Aiosha, فله بنت احمد, بيكهيون, نوره ام عبدالمجيد, اسماء2008, شوق البلد, ام منار, رم سلمان, روجا جيجي, rowdym, منو6, ملوكه*, زمردة الاسلام, نوف كرسبي, الاوهام, هدوء الصمت222, إيثار سليم, هدى نور الدين, شيماء ستار, Alaa_lole, Normima, ام ارومة, Just give me a reason, amana 98, نادية الليل, توتا احمد غ, شهيناز21, NoOoShy, Berro_87, adeladel20100, Apink, أمنيات بريئة, الزنبقة الجميلة, Lazy4x, Jeyda, انجيليك, هانا مهدى, سنا القمر, Moon roro 💖💖💖💖💖💖💖💖💖🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺 | ||||
22-12-20, 11:10 PM | #1577 | ||||
| بارت رائع و مؤثر جدا سلمت يداك رغم تعبك انا اشعر بك جدا فألم الشقيقة لا يحتمل ويدمر اليوم بالكامل للاسف وبالرغم من ذلك قدمتى لنا كمية المشاعر الصادقة و ما يشبعه الصفعة لنستفيق على الحقيقة التى لم تغفلها ملك ولم تنساها ف فعلا ما بنى ع باطل فهو باطل ... بانتظار المزيد من المفاجأت من قلمك القوى ان شاء الله موفقة حبيبتى | ||||
22-12-20, 11:16 PM | #1580 | ||||
| بجد يسلمو ايدك و افكارك ... البارت طبعا تحفففففففه و الف سلامه عليكي يا جميل .. و ان شاء الله شفاء عاجل كل مدى يزيد احترامي و اعجابي بشخصيتك .. لاحترامك لقراءك و مواعيدك و يا رب دايما للافضل .. وفخورة اني من قراءك | ||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
ملك-علي ، تملك ، كره-حب ، زواج ، طبيبة ، سوء فهم, الجزائر-دبي ، |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|