12-12-20, 09:46 PM | #1379 | ||||
| البارت الأول بعد المائة ذنبي أنا 💔 " أجل علياء و أعتقد أنها ستحفظ كقضية انتحار " أنهى علي سرده ما حصل على مسامع شقيقته , التي اتصل بها ليفضفض بعض همومه لها . " آسفة أخي لكنني لا أشعر بأية شفقة ناحيتها , بعد ما فعلته مع ملك بسبب التخذير , و من ثم اتضح أنها لص الحاسوب , أعتقد أنها نالت ما استحقته , هي تلاعبت بمصائر الآخرين باستهزاء لمدة طويلة , و ها قد دفعت ثمن شرورها " عبرت علياء عن موقفها بكل صراحة , هي لا تحب النفاق و الزيف , و سارة لم تترك عملا وضيعا , الا و أقدمت على ارتكابه , هي أصلا كانت متحاملة عليها لأنها آذت من تحبهم , و لا يمكنها الا أن تحمد الله , لأن علي تخلص منها أخيرا دون التورط معها . " اممم أنت محقة , رغم ذلك لم أجد بدا , من اقامة مراسم دفنها , عائلتها لا تملك تكاليف نقلها الى بلدها , و حبيبها المزعوم ذاك اختفى في لمح البصر " " لا بأس أخي , اعتبرها أحد أعمالك الخيرية , أنت تفعل ذلك لوجه الله " " أكيد علياء , أكيد " وافقها علي على ما قالته , و استلقى على سريره ليضيف " لكنني اتخذت قرارا هاما , و أردت معرفة رأيك فيه " بعدها أفضى لها بما ينتوي فعله مع ملك , و كما توقع كانت شقيقته مؤيدة لقراراته " جيد أنك أدركت ما عليك فعله أخيرا أخي , كنت خائفة من تماديك في احتجازها , و تراهن بذلك على خسارتها نهائيا , هي ان اكتشفت أمر اخفائك براءتها عنها لن تسامحك أبدا , و كما أخبرتك اذا أردت شيئا بشدة أطلق سراحه , فان عاد اليك فهو ملكك الى الأبد , و ان لم يعد فلم يكن ملكك منذ البداية , و أنا لا زلت عند رأيي علي , أن ملك تحمل مشاعر اتجاهك , على الأقل تكن لك بعض الاحترام و الاعجاب , كما أنها بدأت تثق فيك , و هذه بداية جيدة بالنظر الى ظروف التقائكما , هي فقط مشوشة بكل ما حصل معها , و بوضعها الغريب و غير المستقر في بيتك , و عليك ألا تزيد الطين بلة باثارة شكوكها , متأكدة أنها ستراجع مشاعرها , بمجرد أن تستقر مجددا , و الدليل أنها طلبت رخصة للبقاء على اتصال مع رنا و مريم , و أنت عليك القيام بخطوات ايجابية , في الوقت المناسب حتى تستعيدها , يا الهي أخي أعرف مطلقين عادوا الى بعضهم , و أنت و ملك كنتما تعانيان , من سوء فهم لا أكثر " كعادتها علياء ثرثرت بكل عبارات , المواساة و التشجيع التي تعرفها , حال شقيقها في الأيام الماضية كانت بائسة , و بالكاد استطاع الخروج من اكتئابه , لذلك حاولت أن تسانده في قراره , معطية اياه بعض الثقة في مستقبل أفضل . و بالفعل ابتسم علي لحماس شقيقته اللامتناهي " شكرا ليلي , أنت سندي الذي أعتمد عليه دائما " " أكيد أخي , و أعدك أن أذهب لخطبتها معك بمجرد أن تقررا ذلك , و سأجر معي والدتي و فاطمة " ضحك علي بصوت عال , لأنه متأكد أن والدته , ستضربه على رأسه حينما تعلم بانفصالهما , و أكيد ستتذمر ألف مرة قبل الذهاب لارجاعها , لكن مجرد وجود بصيص أمل , في عودة ملك اليه يجعله يتسول رضاها , بأية طريقة لتذهب معه و تخطبها , رغم أنه يراه مستحيلا من الآن , فوالد ملك سيحرق البيت فوق رؤوسهم ان رآه هناك . أجلى علي تفكيره و سارع لتغيير الموضوع , لا يريد أن يصاب باليأس قبل الأوان " بالمناسبة علياء ما الذي يجري بين ملك و مريم ؟ " " ماذا تقصد أخي , أليستا متفقتين كالسابق ؟ " استفسرت علياء عن قصده , ليجيبها علي بكثير من الحيرة " بلى متفقتين جدا , لدرجة أن مريم أصيبت بالذعر , حينما أخبرتها أن ملك ستغادر , و توسلتني ارجاء اعلامها بضع أيام , لتفعل ماذا لا فكرة لدي " ساد صمت مريب الطرف الآخر من الاتصال , حرك وساوس علي الذي سارع لزجر أخته , التي بدت و كأنها تخفي عنه أمرا ما " علياء أعرف أنك تعرفين ما يحصل بينهما , تماما كما أنا متأكد أن مريم , تخطط لأمر ما يخص ملك , هيا أريد معرفة التفاصيل , لا أريد أسرارا قد تقضي , على ما تبقى من أمل لدي " أخذت علياء نفسا عميقا , قبل أن تجيبه بصدق " في الحقيقة مريم تخطط لجعل ملك تبقى , و تحل مكانها كأم لرنا " " ماذا ؟ منذ متى ؟ " صدم علي لسماع الأمر , فهذا آخر ما توقع سماعه , صحيح هو يرى بعينيه كم أن زوجتيه متفاهمتان , و لكنه أرجأ ذلك الى اطمئنان مريم , أن ملك لا تريد منه شيئا , لذلك هي لم تعد تشعر بالغيرة و الشك اتجاهها , أما أن تأتي و تريد ابقاءها هنا معهم , فهذا ما لم يخمنه في أفضل تكهناته , لتؤكد علياء ما قالته بوضوح أكبر " أجل مريم أخبرتني منذ مدة , أنها ستعمل جاهدة لتبقى ملك هنا , قالت بأنها تجيد التعامل مع وضع ابنتكما الخاص , ترافقها تعلمها و تصبر عليها كأم حقيقية , و هي تريدها أن تأخذ دورها كاملا , قامت بالفعل عدة مرات بمحاولة التأثير عليها , كاسناد بعض المهام الخاصة برنا لها لربطهما سويا , حتى أنها كانت تقترح بطريقة مبطنة , خروجكم و ظهوركم كعائلة واحدة حتى تتعود , لكن ملك تعرفها لم ترد يوما سرقة مكانها كما تقول , و كانت ترفض بلباقة في كل مرة " تنهد علي و قد عبس وجهه " يا الهي , لا عجب أنها بدت محبطة حينما أخبرتها " هو لم يعتقد أن تفكير مريم وصل الى هذه النقطة , و قاطعت علياء تفكيره " أجل أكيد ستشعر باكتئاب و أنت تخبرها , أن طوق نجاتها على وشك الرحيل " " لكن هل تتوقع منها , أن تبقى هنا فقط من أجل الطفلة ؟ " شعر علي بغرابة الموقف , صحيح ملك تحب رنا كثيرا , لكن ليس لدرجة التضحية بمستقبلها و حياتها من أجلها , هو نفسه لن يفعلها , من أجل طفل شخص آخر , اضافة الى أن عائلتها لن تقبل أبدا . لتزيل علياء التباساته سريعا " أكيد لا , هي تريدها زوجة لك و سيدة للبيت أيضا " " يا الهي علياء , لا تقولي أنها تعتقد أن بيننا علاقة ما " سألها بصوت عال و قد أصيب بالذعر فجأة , صحيح أن علي مقيد بمشاعره اتجاه ملك , لكن لا علاقة حقيقية بينهما الى حد اللحظة , هو ليس جبانا لانكار الأمر , و لو تجاوبت ملك معه , لكان أخبر مريم مباشرة , لكنه لن يقبل أن تشعر زوجته العاجزة بالمهانة , معتقدة أنه يخونها في الخفاء تحت سقف بيتها , مستغلا حالتها المرضية كرجل سافل . " هل هذا سبب سؤالها عن كوني أحبها ؟ يا الهي كانت تبدو واثقة جدا من افتراضها " تمتم علي بينه و بين نفسه بانزعاج , و قد جلس مكانه مجددا بتحفز , لكن علياء صدمته باجابتها " أيها الأحمق هي تتمنى أن تكون العلاقة حقيقية , كنت وفرت عليها عناء اقناع ملك و أرحت بالها و الآن بما قلته عن رحيلها الوشيك , هي صارت متأكدة من عدم وجود شيء بينكما , و بالتالي خابت آمالها بشدة , و بالمناسبة أخي مشاعرك مفضوحة جدا أمام مريم , هي فقط لا تجد طريقة حتى توصلها الى ملك , دون ارعابها و جرح كرامتها , و الا كانت باعتك لها منذ مدة " "...." حسنا هذا أكثر جنونا مما اعتقد . التزم علي الصمت لا يجد ما يقوله , لتحذره شقيقته بلهجة جدية " أخي لا أوصيك ألا تظهر أمامها أنك تعرف مخططها , هي تشعر بالاحراج كفاية , لا تزد همها و تورطني معها " حاولت علياء أخذ وعد من شقيقها , فقد أفشت سرا لا يخصها , و تعول عليه لحفظه كرجل عاقل . " أكيد علياء , صحيح أنني أحب ملك , لكن مريم شريكة حياتي و نقطة ضعفي , ابنتي التي ربيتها منذ صغرها , و التي أحفظها كما أحفظ اسمي , لا أحد سيأخذ مكانتها في قلبي , و لا بعد ألف سنة " قالها علي بكثير من الحنين و الألم , لأن مريم أكيد تعتقد الآن أنها حاجز , بينه و بين سعادته مع ملك , و مانع لحصول ابنتها على أم ثانية تحبها . لكنه سيحرص على أن يفهمها , أنها محور هذا البيت و أساسه , و لا شيء سيغير هذه الحقيقة , لأن ملك نفسها لن تقبل بتهميشها , حتى لو قبلت البقاء معه . " هيا أخي أعطني ملك قليلا , أريد أن أكلمها اشتقت اليها " " كنت هنا منذ أسبوع فقط أيتها الشقية " نهرها علي بابتسامة ساخرة , هو متأكد أنها ستفقد ملك عقلها , قبل أن توافق عليه . " حسنا لا بأس , لكن اياك أن تقولي شيئا مما أخبرتك اياه , أريد فعل ذلك بنفسي " " أكيد أخي سرك في بئر عميق , ثم أنا لا أريد افساد خططك الرومنسية للتأثير عليها " تهكمت علياء على قلة حيلته , و ابداعه العاطفي الذي يعاني جفافا , هو لم يبذل يوما جهدا , ليلفت انتباه أية امرأة في حياته , و لم يكن يطلب يوما اهتمام أي انسان , لذلك هي متأكدة أن مهمته , في الافصاح على مشاعره ستكون شبه مستحيلة , و هي تدفع نصف عمرها لترى ارتباكه , و هو يبوح بمشاعره أمام ملك , سيكون مشهدا بمليار دولار . " أيتها المجنونة " استمر علي في زجرها , و كما طلبت حمل هاتفه , و اتجه الى غرفة ملك في الطابق الأرضي , بمجرد أن فتحت له الباب , حتى مد يده أمام وجهها بهاتفه " علياء تريد أن تكلمك " و كما توقع ابتهجت ملامحها , و اختطفت الهاتف من يده , قبل أن تغلق الباب في وجهه , دون حتى أن تعلمه أو تطلب اذنه . حرك علي رأسه بيأس , و عاد الى غرفته بعدما تم نبذه , ليتمدد على فراشه و يجتر كل تلك المعلومات , التي أمدته بها علياء , و التي فاجأته كثيرا , دون أن ينكر أن موقف مريم أسعده كثيرا , فقد كان يحمل هم احزانها و كسر قلبها . . . بعد الكثير من السلامات و تبادل الأخبار , حاولت علياء استدراج ملك , لمعرفة نواياها المستقبلية " علي قال أنك طلبت منه السماح لك , بالاتصال برنا و مريم بعد مغادرتك " ارتبكت ملك قليلا , فلم تتوقع أن يتذكر علي الأمر , لدرجة تكراره على مسامع شقيقته , و قد اعتقدت أنه يعارض ذلك أساسا , لكنها أجابتها بنبرة مشاغبة " أجل و فاطمة , أما أنت فسأتصل بك دون استشارته , و أكيد سآتي لزيارتك في ألمانيا ان شاء الله " صرحت ملك بخططها الجهنمية لعلياء , و سرعان ما اعترى صوتها نبرة يائسة لتضيف " لماذا هل قال أنه لا يوافق ؟ " سألتها بحذر لأنها تعرف أن علياء , لا تبوح بأسرار علي مهما حصل , و التي سارعت الى استغلال الموقف " حسنا هو لن يرفض , لكن عليك المرور به اذا أردت الحديث معهما " قالت بنبرة خبيثة لترد عليها ملك بسذاجة " حسنا لا أمانع " هي فكرت أنها لن تحمل ضغينة أبدية , لهذه العائلة التي احتضنتها رغم الظروف , و سينظمون الى لائحة معارفها المقربين , بعدما ألغت كل قراراتها , التي تخص الانسلاخ عنهم دون عودة الى هنا , بعد أن تغلب الجانب الخير في شخصيتها , و هي تخمن منذ الآن شكل العلاقة مستقبلا , لكن وضع علي بالذات لا يزال مبهما . " يعني ستقبلين البقاء على اتصال معه حتى بعد عودتك ؟ " جست علياء نبضها مجددا , و عبست ملك أمام الشاشة , و قد تذكرت نفس السؤال من فم علي " ما الذي يجري هنا ؟ هل هو يريد التأكد من خروجها , من حياته دون رجعة للتخلص من ازعاجها , أو ما الذي يريده بالتحديد ؟ " سألت ملك نفسها بحيرة , و تنحنحت قبل أن تجيب علياء , التي تراقب تماوج الانفعالات على وجهها " حسنا اذا اقتصر الأمر على الاتصال فلا مانع لدي , لكن اذا فكرت في الزيارة , لا أعتقد أن الأمر سيكون ملائما , صراحة لم أحزم أمري بعد " أعطتها ملك نفس الجواب الذي قالته لعلي , لكن ملامحها و نبرتها كانت تقول الكثير , مجرد ترددها يعني أنها قد لا ترفض العلاقة , مما أعطى علياء أملا , في امكانية رأب الصدع بينهما , أكيد ملك تريد استشارة والديها في الأمر , و لم لا امكانية اجتماعها مع علي أسرع مما اعتقدت . " حسنا ملك يفعل الله خيرا , أعرف أن الوقت متأخر هناك , تصبحين على خير " " تصبحين على خير علياء " أغلقت ملك الخط و أخذت نفسا عميقا , و بدأت تفكر ما الذي قد يريده علي منها بعد رحيلها ؟ هو رجل صريح طوال الوقت , اذا لم يردها قريبة من ابنته و عائلته , أكيد سيقولها مباشرة في وجهها . حدقت ملك في الأرجاء لتكتشف , أن صاحب الهاتف اختفى , و قد نسيت أمره تماما , عادة هو يبقى بالقرب الى أن تنهي اتصالها , عادت ملك للتحديق الى الهاتف , و خطرت لها فكرة أشعلتها حماسا , فقامت بالاتصال على هاتف جدها , لكن لسوء حظها لا يزال خارج الخدمة . علي قام بالاتصال مرارا سابقا , لكن واضح أن جدها لم يغادر مركز العلاج ذاك بعد , هي لا تفهم لم لا يسمح لهم بالاتصال بالانترنت , لتتذكر أن من ضمن البرنامج أطباء نفسانيون , يحرصون على ضمان الراحة النفسية , و تخفيف التوتر عن المرضى , لأنها تؤثر سلبا على تطور أمراضهم , و أكيد أن استخدام الانترنت , واحدة من التأثيرات السلبية على الصحة النفسية , ان لم يكن أسوءها على الاطلاق , خاصة أن الشيخ يعاني , من بوادر أعراض مرض باركينسون , اضافة الى ارتفاع ضغط الدم و هشاشة العظام , و الذي يبقيه سرا عن معظم أفراد العائلة . و هذا بالذات ما دفعها الى تخفيف , حمل ما يحصل معها عنه , خاصة أنها لا تعرف مقدار ما يعرفه جدها عن أزمتها , لكن مادام الوضع مستقر هنا , و تحت سيطرة علي لا داعي لازعاجه , و بعد أن تعود ستحرص على اخباره كل التفاصيل . هي كانت تبكي كثيرا في البداية حينما تراه , لكنها اخترعت طريقة لمراسلته بكل هدوء , فهي تسجل فيديوهات تحدثه فيها , و هو يعيد الرد عليها بنفس الطريقة . لذلك قامت بتسجيل فيديو بثته فيه سلامها , و تحدثت عن الكثير من الأمور التي تبهج الرجل , ثم أرسلته الى هاتفه مع ابتسامة دافئة , جدها سيعيد مراسلتها بمجرد أن يراه . حملت بعدها ملك الهاتف , و اتجهت الى المكتب بحثا عن علي , لكنه لم يكن هناك كما توقعت . " غريب هل ذهب الى النوم تاركا هاتفه معي ؟ " عادة هو ينتظر هنا حتى تعيده له , فما كان منها الى أن اتجهت الى غرفته , للعثور عليه و تسليمه جهازه . دقت ملك الباب عدة مرات برفق دون رد , فما كان منها الا أن فتحته بحذر , و ألقت نظرة دون الدخول الى هناك , معتقدة أن علي مشغول , في متابعة أحد البرامج الاقتصادية , أو ربما يستخدم حاسوبه لانهاء بعض التقارير , و لم ترد تشتيت تركيزه بقدومها . لكنها تفاجأت بالصمت التام يلف الغرفة , التي كانت مضاءة بالكامل , و هناك على السرير يستلقي الرجل على جانبه , و يغط في نوم عميق متوسدا مرفقه , كان هناك كتاب ملقى أمامه , و المفاجأة أنه يضع نظارات رؤية على عينيه , فيما بدا واضحا أنه كان يقرأ قبل أن يغفو " منذ متى يملك هذا المجنون نظارات ؟ " سألت ملك نفسها بحيرة فلأول مرة تراها . لكن علي لا يضعها الا نادرا , الطبيب قال أنها مفيدة حينما يشعر بالانهاك , و عادة هو لا يستخدمها الا ليلا و في غرفته , لذلك لم يتسن لملك رؤيتها يوما . " علي " همست ملك اسمه مرتين بلطف , و هي تدنو من سريره بحذر , لكنه كان متعبا جدا و لم يستجب لها , لذلك قررت عدم ايقاظه . تقدمت ملك بهدوء , و وضعت الهاتف على الطاولة بمحاذاة سريره , لكن قبل انصرافها عادت و ألقت نظرة على وجهه , كانت ملامحه مسترخية و هادئة , دون تلك النظرة الحادة التي عرفته بها , و تقطيبة الجبين الملازمة لوجهه , الذي بدا مسالما جدا كطفل صغير , و من هذا القرب كان بامكانها معاينة تفاصيله . شعره اللامع الرطب حالك السواد , الذي تناثرت بضع خصل منه على جبينه , و قد استطال مؤخرا بعض الشيء , فهو لم يقصه منذ فترة , و الذي يعطيه منظرا مغريا , حينما يمرر أصابعه خلاله حينما يتوتر . حواجبه الكثيفة المنمقة طبيعيا , جفونه الواسعة التي تحتضن , تلك العينين السوداوين اللامعتين تحتها , و اللتين تخفيان أسرارا غامضة كثقبين أسودين , رموشه الكثة التي تغازل أعلى وجنتيه , أنفه الدقيق الذي يزيده هيبة و شموخا , و شفاهه الممتلئة المتباعدة التي تتذكر طعمها الشهي , من ذلك اليوم حينما قبلها في الرواق . بتذكر الأمر اتسعت عينا ملك عن آخرها , و شهقت شهقة خفيفة لتتراجع خطوة الى الوراء , بعدما اكتشفت أنها كانت تتجسس على الرجل , و تتحرش به بعينيها و هو نائم كامرأة مريضة . التهبت وجنتاها و ارتجفت أوصالها , فقد كانت مغيبة في تغزلها بتفاصيله , لدرجة كانت على وشك أن تمد يدها , و تلمس تفاحة آدم خاصته , و التي كانت تتراقص تحت أنظارها , بتناغم مع حركات تنفسه بطريقة مغرية . ما صدمها أكثر استرجاع ما حصل بينهما , دون أي نفور و انزعاج , و كأن أمر تقبيله لها صار مرغوبا و محببا فجأة , حتى أنها تذكرت الطعم من ذلك اليوم . " يا الهي ملك ما الذي دهاك ؟ منذ متى صرت منحرفة ؟ ثم ليست أول مرة ترين فيها رجلا نائما " نهرت ملك نفسها بصدمة , و هي تضرب وجهها لتخفيف حرجها , فيما كان قلبها على وشك اختراق قفصها الصدري , و القفز في حجر الرجل النائم , و قد أغرق عرق بارد جبينها . والدها هو الرجل الوحيد , الذي كانت تتغزل في عينيه و ملامحه طوال الوقت , تقبله و تخبره أنه أوسم رجل على الأرض , تغيظ والدتها و تخبرها أنها محظوظة , لأنها حصلت عليه و حرمت منه الكثيرات . أرادت ملك بعدها الانصراف من الغرفة , قبل أن تقدم على حماقة تذهب ماء وجهها , بعدما أدركت أن أمرا ما تلبسها لا تعرف ماهيته , يحثها على التصرف بانحلال , مع الرجل أمامها لأول مرة في حياتها . لكنها توقفت بعد خطوتين , و قد أشفقت على وضعية نومه غير المريحة , واضح أنه بلغ مبلغه من الانهاك , و الا كان استفاق بمجرد دخولها . " أستغفر الله العظيم " تمتمت ملك بخفوت و بلعت ريقها , قبل أن تعود الى جانب السرير بتأن , سحبت النظارة من عينيه برفق , لتطويها و تضعها الى جانب هاتفه , أتبعتها بالكتاب الذي استلته من يده بخفة , ثم مدت يدها الى غطائه , الذي يتكوم تحت رجليه لتضعه عليه . تململ علي قليلا و فتح عينيه فجأة , ليحدق بتشوش الى وجه المرأة , التي كانت تنحني عليه من قرب كبير , تحاول دس وسادة تحت رأسه لتعديل رقبته , تيبست حركة ملك و ارتجفت يداها , و لم تعرف ما عليها فعله , و قد راودها شعور عارم بالخوف , من أن يستفيق و يبدأ وصلة مريعة في تهجمه عليها , و قد يتهمها بالتحرش به صراحة , و هي حتى لا تملك وقتا للفرار من هنا . لكن علي تصرف بطريقة طبيعية جدا , حينما ابتسم لها بكل دفء , ليكمل اللوحة الفنية التي كانت تتأملها , باظهار صف اللؤلؤ الأبيض , ليخطف أنفاسها من هذا القرب , بينما ملك تحدق بتيه اليه , سحب علي يدها من تحت رأسه برفق , و قربها من فمه ليطبع قبلة حنونة عليها , قبل أن يستدير الى الجانب الآخر يحتضن الوسادة , و يغط في نوم عميق , و كأنه لم يفعل شيئا . صدمت ملك من ردة فعله , فلم تعرف ان كان مستيقظا , أو أن الحلم اختلط لديه مع الواقع , لكنها حمدت الله أنه لم ينهرها على تهورها , بعد أن استرجعت يدها من كفه سريعا , حدقت مليا الى أثر القبلة الندي , دون أن تفهم معنى ما حصل , و قد خالجتها مشاعر غريبة , أطلقت غابة فراشات في معدتها . تراجعت ملك الى الخلف بهدوء , ثم استدارت و غادرت الغرفة بعد اطفاء الأنوار , و فرت راكضة على الدرج , و كأن النيران شبت في ثوبها . استغرقها الأمر بعدها عدة ساعات , لتهدئة روعها و الخلود الى النوم . عند الفجر استيقظ علي و جلس مكانه , حدق الى الجانب بذهن مشوش , و قد استعاد ما حصل و اعتقده حلما , لكنه أصيب بصدمة حينما رأى مكان الكتاب و النظارة , و الى جانبهما هاتفه الذي كان متأكدا , أنه تركه لدى ملك ليلة البارحة . " يا الهي هل كانت هنا فعلا ؟ " سأل نفسه و قد اعتقد أن ما رآه حلما , خاصة أن هذا ما كانت تفعله والدته حينما كان صغيرا , كانت تلاحقه الى غرفته لتغطيه , و هو كان يقبل يدها تماما كما فعل البارحة , لكنه متأكد أن ملك من كانت هنا , فالأحلام لا تحمل عطورا برائحة الياسمين . ابتسم علي بفرح عارم , و لام نفسه لأنه لم يستقبلها حين قدومها هنا , كان عليه أن يبقى واعيا , لكن حينها لم يكن ليحظى , بموجة الحنان التي أغرقته فيها . مرر علي يده على جبينه ليستفيق , و راوده شعور عارم بالأمل , في تحسن الأحوال بينهما , فواضح أن ملك باتت تتخلص تدريجيا , من كل العقبات التي تفرقهما . نهض بعدها باتجاه الحمام للتوضؤ و الصلاة , و ليدعو الله أن يسهل أموره مع تلك العنيدة . . . . على مائدة الفطور , كان علي يرسل نظرات خبيثة , و ابتسامات مبهمة ناحية ملك , و التي كانت تدس رأسها في طبقها , متظاهرة بأنها تتضور جوعا , لم تكن تريده أن يسأل , عن ما حصل ليلة البارحة , هي تعرف بأنها لا تجيد الكذب أمامه , و أكيد سيكتشف المجنون الأمر , و سيسمعها كلاما ساخرا ليحرجها . " ملك متى أعدت الهاتف الى غرفتي ؟ " سألها مدعيا البراءة , لكنه كان مستمتعا جدا , بحبة الطماطم الجالسة أمامه , و ما لبثت ملك أن رفعت وجهها ناحيته , رمشت مرتين قبل أن تخبره الكذبة التي جهزتها " سلمته الى خالة فاطمة , و هي أوصلته الى غرفتك " قالت بنبرة مرتجفة و عادت لارتشاف حليبها , لن تخبره أبدا عن زيارتها و لو قتلها . اتسعت ابتسامة علي أكثر , فهذه المرأة لا تتردد في الكذب عليه , دون أن تدرك أن لديه طرقه لمراقبة البيت . لم يضف علي حرفا حتى أنهى فطوره , قام بعدها من مكانه و استدعى فاطمة , ليعطيها تعليماته التي حطمت قلب ملك رعبا " فاطمة لا تغيري غطاء سريري , اكتشفت صباحا أنه معطر برائحة الياسمين " كان تلميحا واضحا جدا من طرفه , و لم تملك ملك الا أن تعض على شفتها , و قد اكتشف كذبتها بكل سهولة , مما أشعرها بحرج شديد , وصل به توردها الى أذنيها و رقبتها . " يا الهي ما أغباني " نهرت ملك نفسها , لكنها لم ترفع رأسها لثانية واحدة لمواجهته , فهذه المرة كان خطأها بالكامل , لو لم تذهب برجليها الى هناك , لما وجد فرصة لالقاء استفزازه الصبياني هنا . " حاضر " ردت فاطمة عليه دون أن تفهم قصده , و عادت الى المطبخ لاستكمال واجباتها . تفادى علي بعدها الاستمرار في شغبه , لأنها ستمتنع عن الصعود الى غرفته مستقبلا , و هو يأمل في أن تنتقل الى هناك نهائيا في أقرب فرصة , دنا من رنا المنهمكة في التهام كعكتها بهدوء , قبلها على رأسها كعادته , تقدم بعدها ناحية ملك بخفة , ليقبلها هي الأخرى على شعرها , مستغلا وضع النعامة الذي تتخذه منذ الصباح . حدقت ملك ناحيته أخيرا بنظرات مستنكرة , و قبل أن تنطق بحرف واحد , كان علي قد خطا بسرعة ناحية الباب , و غادر الى عمله بطاقة ايجابية هائلة . . . . في الطريق الى الشركة , لم يتوقف علي عن الابتسام لحظة واحدة , و هو يراقب التسجيل على هاتفه , تلك الكاميرات نعمة حقيقية , لولاها لبقي يهيم في شكه , لكنه الآن يجلس بكل راحة و سعادة , و يراقب ملك التي دخلت غرفته خلسة , و بدأت في تأمله عن قرب كبير , قبل أن تقوم بتعديل مكان نومه , راقب علي ارتباك ملك , و هي تلوم نفسها على أمر ما , يبيع نصف عمره ليعرف ما هو , ثم جرأتها الجديدة لاقتحام حيزه الخاص , و ما فعله هو بعدها دون وعي منه , يا الهي تلك القبلة التي تركها على يدها أرعبتها , يبدو أنه يعشق تقبيلها حتى و هو نائم , لكن جيد أنه لم يستفق تماما , و الا كانت مجبرة على تفاديه لبضعة أيام , و هو لا يملك الكثير من الوقت لتضييعه . تنهد علي حينما تذكر خطته التي وضعها من أجلها , فقد قرر اصطحابها الى عشاء رومانسي , بعد انتهاء مراسم الخطبة , فستكون في أبهى حلة كما يخمن . لقد حجز بنفسه ذاك المكان الساحر الى جانب البحر , و قرر أن يفتح حوارا صريحا معها , و يبوح لها بكل مشاعره ناحيتها , سيغرقها بكل تلك العواطف الجياشة التي تؤرق نومه , سيصر بعدها على اعطائها فرصة للتفكير قبل الرد , و يعلمها أنه سيأخذ جوابها لاحقا و ليس فورا , ثم يخبرها عن أمر براءتها و عن رحلتها للعودة . تخيل علي مدى فرحتها بالخبر , سيعطيها بعد ذلك الوقت الكافي لتوديع من بالبيت , و سيخبرها بمهلة الأسبوعين , التي سيلحقها بعدها الى بلدها , نعم فقط أسبوعين هكذا قرر , و سيذهب وراءها ليعرف جوابها المؤجل , بضعة أيام ستمر عليه كدهر , لكنه سيصبر حتى يحصل على موافقتها , قرر علي أن يعطيها متسعا من الوقت , لاخبار والديها كل ما حصل بالتفصيل , و التمتع بصحبتهما قبل وصوله , سيحاول حينها شرح الوضع بنفسه لوالديها , و الاعتذار منهما بشكل لائق كرجل مسؤول , و محاولة ايجاد تعويض مناسب عما تسبب به , بعدها سيعود بها في يده الى هنا كزوجة حقيقية له . بدا المخطط للوهلة الأولى محكما و رائعا , لكن وجه علي تجهم مرة واحدة , و قد راوده احساس بعدم الثقة فجأة , فلا شيء يضمن نجاح ما خطط له " ماذا لو لم تقبل عرضه و مشاعره ؟ ماذا لو رفض والداها تزويجها له ؟ ماذا لو رفضته بشكل قاطع ليلة العشاء , و لم تقبل حتى فرصة الأيام , التي يعطيها اياها للتفكير ؟ هل عليه أن يتراجع نهائيا , أو يستمر في المحاولة باصرار الى أن توافق ؟ " غرق علي في بحر أفكاره المتشائمة , فمع مرور الوقت و بالنظر الى الوقائع , لا يبدو بأن خطته ستكون سلسة كما توقع . " سيدي وصلنا " أعلن السائق عن بلوغهما وجهتهما , استغفر علي في سره من وساوسه , و نزل متجها الى عمله بقلب مثقل . . . . في غرفة مريم بعد الفطور , فاتحت المرأة ملك بطريقة غير مباشرة , في الموضوع الذي يشغل بالها , أثناء قيامهما بالتمارين الصباحية " ملك هل تشتاقين لأهلك ؟ " تفاجأت ملك للسؤال غير المتوقع , و تغيرت ملامحها الى الحزن بشكل واضح , لترد عليها بنبرة حنين عاصفة " أكيد كثيرا , أنا أموت شوقا لهم , و أنتظر بفارغ الصبر رؤيتهم مجددا " تألمت مريم لحالها , و قد أصبحت ترى الوضع من زاوية أخرى , بعدما عرفت حقيقة ما حصل , و سرعان ما أضافت " و لكنك اخترت الزواج هنا , ألم تفكري في الأمر مسبقا ؟ " ادعت مريم عدم معرفتها بالحقيقة , لأن ذلك قد يجرح ملك , اذا اعتقدت بأن علي , تباهى بذلك أمامها و لم يحفظ سرهما . ابتسمت ملك بقلة حيلة , و أجابتها بصراحة دون تفاصيل " لو كان الخيار بيدي لما أتيت هنا أصلا " صمتت مريم لبعض الوقت , قبل أن تضيف بنبرة متأملة " لو رحلت يوما لرؤيتهم , ألا تفكرين في العودة الى هنا ؟ " حدقت ملك الى وجهها محاولة فهم قصدها , لكنها عادت و ابتسمت لها , و هي تضغط على الكرة أمامها " أنا اذا غادرت فلا مجال لأن أعود , و لا لأي سبب من الأسباب , اضافة الى ألا أحد هنا يتوقع بقائي أو يتمناه " أجابتها بنبرة حزينة , تنم عن الكثير من الاحباط , ملك تعرف أن انفصالها عن هنا لن يكون سهلا , و هي متأكدة أنها ستعاني بنفس الدرجة , التي عانت بها حينما وصلت الى هنا , و انقطعت عن حياتها السابقة , أمر لم تحسب حسابه يوما . مدت مريم يدها و أمسكت بكف ملك , و قد استاءت لما قالته " لا تقولي ذلك نحن هنا كلنا نحبك , و نتمنى أن تبقي معنا خاصة رنا , لا شيء سيسعدها بقدر بقائك بقربها , لذلك اعتقدت أنك تفكرين بالبقاء أو ربما العودة لاحقا " ربتت ملك على يدها بلطف و أجابت " شكرا كثيرا على المشاعر الطيبة مريم , و لكن لا شيء يجعلك تعتقدين ذلك , هنا آخر مكان أفكر بالبقاء فيه , أعلم أنني سأرحل في يوم ما , اما بالحياة أو الممات " ارتجفت آخر كلمة على لسانها , و قد بدت ملك يائسة جدا من مغادرتها , و كأنها لا تثق في وعد علي لها بتركها ترحل . لكن مريم كانت أكثر يأسا من اقناعها بالبقاء , بعدما سمعته هي حتى لم تجرؤ , على مفاتحتها صراحة في الموضوع , و اقناعها أن مشاعر علي ناحيتها قوية و صادقة , و أن رنا ستكون سعيدة جدا بوجودها , و أنها لا تمانع أبدا بقاءها زوجة لعلي , بالعكس فهذا كل ما تتمناه , هذه المرأة العليلة أمامها . لكنها في نفس الوقت , تدرك أنها أنانية منها جعل ملك ترث عائلتها , هي عزباء و حياتها دون تعقيدات , و من الواضح أنها تحمل الكثير من المشاريع للمستقبل , سيكون من غير العدل أن تطلب منها , تبني طفلة و والدها بكل العقبات التي تثقل حياتهما , فيما يمكنها الحصول على عائلتها الخاصة و سعادتها بكل بساطة , توقفت مريم عن مطاردة الموضوع , خاصة أنها لم تلمس منها شيئا , يوحي بميلها ناحية علي , أو مبادلته شعوره على الأقل , لدرجة قبول هذا العرض . فما كان منها الا التزام الصمت حاليا , على أمل حصول أمر ما لاحقا قد يغير رأيها , الا أن أملها في حصول ذلك بدا ضئيلا جدا . . . . بعد يومين حانت خطبة كريم و أسيل , كانت فرحة الرجل عارمة ، كيف لا وقد حصل على مراده أخيرا , أما بالنسبة لعلي فقد كان العد التنازلي لمغادرة ملك , رغم أنه يشعر بالحزن و التوتر , لكنه لا يملك أن يوقف ما سيحصل , عليه تركها ترحل الآن , و بعد ذلك سيفكر في كيفية اعادتها الى حياته مجددا , رغم أنه صار شبه متأكد , أنها لن تقبل بالأمر , و أن عليه التعود أن يعيش من دون وجودها لكنه لن يتمادى في جوره و تحكمه , و سيعيد لها ما اختطفه منها بالقوة و الظلم . حاول علي تهدئة نفسه خلال هذه الفترة , هو حتى لم يفهم كيف خطر له , أن لا يخبر ملك عن أمر تبرءتها , و يحرمها فرحة قرب رحيلها . كم كان مغيبا و أنانيا , لكن ليس بيده حيلة , فقد كان قلبه يشوش على حكمه , كما أن طلب مريم و وعده لها كتفا يديه . أتم علي تحضيرات وداعها بطريقة ملائمة , لكن أكثر ما كان يقلقه هو ردة فعل رنا , فالطفلة متعلقة جدا بها , و سيكون صعبا فصلها عنها , فكر أن بامكانه ترضيتها , بوعدها بأن تراها لاحقا في العطلة مثلا , أو ايجاد أي ترتيب آخر كالاتصالات المرئية , خاصة أن ملك من طلب ذلك , فهي تحبها بنفس القدر , في انتظار تحقق ما يأمله , و تقبل ملك عرضه للعودة الى هنا , و البقاء معهم الى الأبد . أعلم علي مريم بالموعد , و رغم أنها كررت طلبها بتأجيل الأمر , الا أنه رفض هذه المرة , خاصة أنها لم تفصح عن السبب , و بالتالي لا داعي للتأجيل . خلال هذه الأيام كانت ملك تشعر بجو غريب يحيط بها , فعلي يوشك أكثر من مرة على البوح بأمر ما , لكنه يتراجع في آخر لحظة و يبتلع كلماته , دون أن يقول ما يفكر فيه . تلقت أكثر من اتصال من علياء , و كان معظم حوارهما يدور حول ما تخططه للمستقبل , و ان كانت تفكر في الارتباط مجددا , طبعا باعتبار علي ارتباطها الأول . و هي لم تكن تعرف بما تجيب على أسئلتها الفضولية , سوى بأن الأمر بيد الله , و أنها ستحاول استعادة حياتها أولا , قبل التفكير في أي شيء , لكنها في قلبها تعرف أن الانطلاق مجددا سيكون صعبا و شاقا , خاصة أنها لا تتخيل نفسها , مع أي رجل بعدما حصل معها , ليس فقط بسبب اهتزاز ثقتها بالرجال , و لكن لأن شروطها أصبحت أكثر تعجيزا , و قد تحول علي بطريقة غريبة , الى المثال الذي تقارنه مع باقي الرجال , ملك لن تكذب على نفسها , صحيح أن عيوب علي كثيرة , و ما فعله معها بداية لا يغتفر , لكن بعيدا عن كرهها لتسلطه و جنونه , هو يعتبر قدوة في أخلاقه و وفائه و شهامته , و عليها الاعتراف أن جاذبية شخصيته مدمرة , و بالتالي سيكون طريق أي رجل آخر شاقا , لأنه سيكون في مقارنة معه , طوال الوقت في عينيها . أما مريم فكانت أكثرهم غرابة , فقد كانت تلمح الى الكثير من الأمور , و تتحدث معها بالألغاز و الافتراضات الوهمية , تدور كلها حول عودتها , و لو لم تكن تعرف الوضع , لاعتقدت أنها تريدها أن تقيم هنا لسنوات أخرى . يوم الخطبة قضت ملك الصباح في تجهيز نفسها , و قد أصرت على وضع زينتها وحدها , رغم أن علي عرض اصطحابها الى محل خاص , الا أنها رفضت باصرار , بعد الظهر حضر كريم , ليرافقهما الى الموعد في سيارته , كان العريس يقف في كامل أناقته , ببدلة سوداء أرماني و قميص أبيض , مع ربطة عنق بنفس اللون و أزرار فضية . بمجرد وصوله خرج علي من مكتبه و أشار له , ليدنو منه كريم و يهمس في أذنه " حجزت للسيدة في رحلة الغد مساءا " هز علي رأسه و شعر بحزن غامر , هو لا يعرف ما مستقبل علاقتهما , و لكنه يريد توديعها بطريقة لائقة ، يريدها أن ترحل مع ذكريات جميلة " سأضع ربطة عنقي و أعود , يمكننا المغادرة بعدها " بمجرد أن أنهى علي كلامه , دخلت ملك الصالون تتهادى , و هي تقوم بتعديل شعرها برفق , كانت تبدو جميلة جدا , في البدلة البيج التي اقتناها بنفسه , و قد بدا أنه قدر مقاسها بدقة , فقد كان القميص يحتضن كتفيها و خصرها , ثم يتوقف عند الحزام المطرز , لينسدل سرواله على طول رجليها , و يتسع عند القدمين مغطيا حذاءها , مع أكمام قصيرة تصل الى المرفقين , كان زيها محتشما تماما كما أراده , لكنه لم يغط على ذرة من تألقها . وضعت ملك مكياجا نهاريا خفيفا , زاد عينيها العسليتين بريقا , و صففت شعرها في ظفيرة أنيقة على الجانب , مع بعض الخصل المموجة تحيط وجهها , زينت ملك رقبتها بالعقد البسيط الذي اهدتها اياه رنا , ثم ارتدت ساعتها في معصمها , و قد كانت هذه كل الحلي التي تمتلكها حاليا , دون أن تنسى العطر الذي أهدتها اياه علياء , مما أسعد علي لأنه يحبه كثيرا . لم يستطع علي أن يشيح بنظره عنها , و راقبها بتفحص في كل خطوة تقتربها ناحيته , لكنها تعدته و وقفت أمام كريم " واو كريم تبدو وسيما جدا , من أين لك كل هذا ؟ الآن فقط فهمت لم وقعت أسيل في حبك " قالت بنبرة مازحة مع الكثير من الحماس . شعر كريم بالخجل و ابتسم بخفة , حك رقبته و قد علا وجنتاه بعض التورد " شكرا سيدتي , أنت أيضا تبدين جميلة جدا " فيما كان الاثنان يتبادلان المجاملات و يبتسمان , كان علي يقف في الجانب , يبدو كمن سيصاب بجلطة " كيف يمكن أن تقول عن كريم وسيم و أنا لا , ألا ترى أنني أكثر وسامة و أناقة ؟ ألا يمكن أن تجاملني أنا أيضا , كما تفعل مع كريم ؟ أو أن هيئتي ليست أنيقة كفاية ؟ " رفع علي حاجبه باستنكار يراقب زيه , و كلم نفسه باستياء عارم و قد شعر بالغيرة , ثم علا صوته فجأة " سأغير بدلتي و أعود " كريم "...." ملك "...." حدق اليه الاثنان بدهشة " ألم يقل قبل قليل , أنه سيضع ربطة عنقه و ينتهي ؟ ثم البدلة التي يرتديها أنيقة جدا لم عليه تغييرها ؟ " فكرت ملك بحيرة دون أن تعلق . لكن كريم ابتسم مجددا , و قد فهم تصرف صديقه الصبياني , لم يعرف أن علي لا يزال , يشعر بعدم الأمان مع ملك . تجاهلت ملك الأمر و خاطبت كريم مجددا " سأكمل استعدادي و أحضر حقيبتي " و غادرت مباشرة باتجاه غرفتها لكن علي كان مصرا على الوقوف منتظرا انصرافها , و هو يرمق كريم بنظرة قاتلة , ثم خاطبه بنبرة مهددة انتقامية " استمر في الابتسام , و سأضمن لك أن تظل عازبا طوال عمرك " تيبست ملامح كريم فجأة , لم يتوقع سماع تهديد من علي , و توقف عن استفزازه فقد بدا غاضبا جدا , لكنه عاد للابتسام مجددا بعد مغادرته , أسيل قالت أنه يبدو وسيما حينما يفعل , و هو عليه أن يتدرب . بعد نصف ساعة , عاد علي مرتديا بدلة رمادية مع قميص أسود , بدا أكثر وسامة من المعتاد , و أثناء ذلك كانت ملك أيضا , قد عادت تحمل حقيبة يدها . كان هو من تجاهلها هذه المرة , و توجه بكلامه الى فاطمة " فاطمة ما رأيك ؟ " " ما شاء الله بني , أنت أكثر الرجال وسامة , ربي يصونك من العين " طبعا لن يجد أحدا يتغزل به أكثر من مربيته . ابتسم علي بتباه و شكرها " شكرا فاطمة " دون أن ينسى ارسال نظرات زاجرة ناحية ملك . حدقت بعدها المرأة ناحية ملك تطلب رأيها , غافلة عن الحرب الباردة التي يخوضانها " ما رأيك ابنتي , ألا يبدو أنيقا جدا ؟ " نظرت اليه ملك نظرة متفحصة , و كأنها تراه لأول مرة , و أجابت ببساطة مصرة على استفزازه " حسنا لا بأس به , ليس و كأنه العريس , لكن البدلة السابقة كانت جيدة أيضا " علي "...." " عن كريم قالت وسيم و عني لا بأس " كم يرغب في خنقها الآن لتعترف أنه الأفضل , خاصة أن كريم كتم ضحكة متشفية في آخر لحظة , لكن ملك لن تعترف بذلك أمام هذا المغرور , لأنها لن تفلت أبدا من تباهيه . كتم علي حقده و دنا منها , أمسك بيدها و جرها خلفه , حتى لا تواصل المجاملات مع كريم " تعالي أحتاجك في المكتب " و رافقته ملك دون اعتراض بعد دخوله المكتب أطلق يدها و اتجه الى الخزنة , حيث أخرج خاتم الألماس , الذي اشتراه سابقا و رفضت أخذه منه مد بعدها علي يده مراقبا ملامحها " خذي الخاتم كما اتفقنا " ترددت ملك قليلا , و هي تحدق الى القطعة التي بيده , و قد نسيت أمره تماما . مدت بعدها يدها و أخذته , و قد كانت ترتجف بعض الشيء , أمسكت به بتأهب بين أصابعها , و بقيت تحدق فيه مترددة في ارتدائه , بعد دقيقتين من الصمت , قطع عليها علي تأملها , و مد يده و أخذه من يدها " علينا أن نسرع و الا سنتأخر على الناس " بادرها و وضعه مباشرة في بنصر اليد اليسرى . حدقت ملك اليه بتأمل , و هو يحاول أن يشتت انتباهها بما قاله " انتهينا , هل بامكاننا الذهاب الآن ؟ " قال علي و هو لا يصدق , أنها استكانت أخيرا و تركته يلبسها اياه . بقيت ملك واقفة مكانها دون حراك , و قد انتقلت نظرتها من عينيه الى يدها , اختلطت المشاعر عليها فجأة , كانت تشعر بغرابة بحسرة و بحزن , ربما لأن معنى الخاتم مزيف رغم أنه من ألماس . لكنها شعرت أيضا ببعض الدفء , الذي تركته أنامل علي هناك . لاحظ علي شرودها ليسألها بحذر " ما بك ألا يعجبك ؟ " عادت ملك مجددا للتحديق الى عينيه , و قد بدا واضحا لمعة الدمعتين العالقتين في عينيها , لكنها أخذت نفسا عميقا , هزت رأسها بالنفي و همست له " لا شيء لنذهب " مع ابتسامة باهتة على فمها . طبعا علي ليس أحمقا , هو يعلم أنها لبسته فقط , لتلافي سوء فهم أثناء الخطبة , يعلم أنها كانت ستكون سعيدة جدا , لو كان معناه حقيقيا , حتى و ان كان من حديد , ربما هذا هو الفرق بينها , و بين غيرها من النساء اللواتي عرفهن , فبالنسبة لهن ليس مهما , ان كانت المشاعر حقيقية أو مزيفة , مقارنة مع وزن الماسة الموجودة على الخاتم . تمالكت ملك نفسها سريعا , لا تريد تأخير كريم أكثر من هذا , و غادر بعدها الثلاثة في السيارة , باتجاه بيت السيد سالم . في الطريق كان علي يكلم كريم دون انقطاع , و كأنه يحاول تلطيف الجو " في المرة القادمة أنا من سيقود السيارة , و أنت و عروسك في الخلف " ابتسم كريم بسعادة " شكرا أخي " " لكن لا تتوقع شهرا كاملا عسلا , سأمنحك ثلاثة أيام لا أكثر , تصرف فيها كما تشاء " عبس كريم من تسلط صديقه , الذي ضحك بصوت عال لأنه أرعبه , و استمر في مشاكسته طوال الرحلة . ملك أيضا لم تغادر ابتسامتها الدافئة وجهها , كانت كأنها جزء حقيقي , من هذه العائلة التي دخلتها مجبرة , ربما وضعها مختلف قليلا , لكنها فهمت كيف أن بعض النساء تتزوجن دون رضاهن , و لكنهن بعد فترة يتقبلن الأمر و يؤسسن عائلة , ربما بسبب العشرة أو التعود , هي لا فكرة لديها . وصل الضيوف الى بيت العروس و بدأ الاحتفال بالخطبة , كانت أسيل تبدو جميلة جدا , مع فستان زهري طويل , بياقة دائرية و الكثير من التطريز , اختارته مع كريم قبل يومين , و أصر على أن يكون هديته لها , مع طاقم ألماس من عقد و قرطين , كانت تضع مكياجا كاملا , تسدل شعرها الأسود على كتفيها , و تجلس خجلة تحاول اخفاء فرحتها العارمة . و كان كريم يجلس الى جانبها متصنما , و يسترق النظرات ناحيتها من وقت الى آخر , غير مبال بالأعين الفضولية التي كانت تلتهمهما . كان الاحتفال حميميا جدا , بسبب قلة المدعوين من المقربين فقط , و كان واضحا أن الجميع مستمتع حتى ملك , رغم أنها مرتها الأولى في حضور عرس هنا . بعد الاتفاق على كل التفاصيل , و تحديد موعد الزفاف بعد سنة من الآن , بدأت زوجة سالم بتوزيع الحلوى , الشاي و القهوة على المدعوين , مع تعالي صوت الموسيقى و الزغاريد . ألبس كريم أسيل خاتم الخطبة , و شرعا بعدها في تقطيع قالب الحلوى . كان الجميع مشغولا بمراقبة العروسين , وحده علي من كان يراقب ملامح ملك , كان وجهها يشع سعادة لرؤية سعادة الخطيبين , و الابتسامة لا تفارق شفتيها , لكن عينيها العسليتين كانتا تحملان حزنا خفيا , و علي يدرك أنه سبب هذا الشعور , نفس الحزن الذي رآه حينما أعطاها الخاتم , و لا يمكنه الا لوم نفسه , كيف لا و هو حرمها من الاستمتاع , كباقي الشابات في سنها بخطبة و خاتم و فستان , و أن ترى فرحة والدها و تسمع زغاريد والدتها , هو حرمها من أن تكون , محاطة بأحبائها في لحظات سعادتها , و تحصل على مباركاتهم و تمنياتهم بالسعادة , هو حرمها من أن تكون سعيدة من قلبها , للارتباط برجل تحبه و تختاره , و ليس رجلا فرض نفسه عليها , و أضاع على نفسه فرصته , في أن يكون الطرف الثاني , في كل هذه السعادة . كان قلب علي يؤلمه , و لكن ذلك زاد من اصراره , لترك ملك ترحل غدا مساءا , ساعات فقط و ينتهي ألمها و حزنها و يبدأ عذابه , ساعات فقط و قد ترحل دون رجعة , ساعات و قد يخسرها الى الأبد , و لن يكون بامكانه رؤية هاتين العينين العسليتين , أو سماع هذا الصوت الرقيق مجددا . لا يعقل كيف أن الانسان , لا يدرك قيمة ما يملك , الا حينما يوشك على فقدانه " هل سترفض ملك عرضه ؟ هل ستحزن لفراقه أو ستفرح , لأنها ستتخلص منه و من سيطرته أخيرا ؟ هل ستجد رجلا آخر تحبه يسعدها و يدللها ؟ هل ستنجب أطفال رجل آخر ؟ " امتعض علي فمجرد التفكير في هذه الأمور تؤلم روحه بشدة , هو ليس بامكانه تخيل ملك , في أحضان رجل آخر غيره , لكنه مجددا لا يمكنه أن يلوم الا نفسه , هو من نصب هذا الشرك لها , منذ البداية ليعاقبها و يعذبها , لم يعتقد أنه سيطبق على رقبته , و يكون هو المعاقب في نهاية المطاف . فيما هو غارق في تفكيره اليائس رن هاتفه , أخرجه من جيبه و رأى رقم فاطمة , فغادر الى الردهة بهدوء و فتح الخط " ألو فاطمة , ماذا هناك ؟ " ردت المرأة بصوت قلق جدا " آسفة بني , لكن مريم تعبت فجأة منذ ساعة , استدعيت الطبيب حتى لا أزعجك , لكنه يقول أن الأمر خطير , و هو الآن يقوم باجراءات النقل الى المستشفى " توتر علي بشدة بسبب ما سمعه " كيف ذلك ؟ ما الذي حصل ؟ تركتها بخير قبل خروجي " ردت فاطمة و كأنها على وشك البكاء " أجل بني , لكنها فقدت وعيها أثناء اعطائها دواءها , لذلك استدعيت الطبيب معتقدة أنها مجرد وعكة , لكنه قال بأن الأمر غير مطمئن " صمتت فاطمة قليلا , قبل أن ينطلق صوت جلال من الطرف الآخر , و قد مررت له الهاتف " ألو علي , لا يمكنني شرح شيء الآن , عليك أن تأتي الى المشفى حالا الوضع سيء " زاد خوف علي بسماع ما قاله الطبيب , و تجهم وجهه بطريقة واضحة . في هذه الأثناء انتبهت ملك , أن علي اختفى من جانبها , جالت بنظرها بحثا عنه , حتى وجدته يقف في الردهة , كان وجهه شاحبا و ملامحه مستاءة , و هو يتكلم على الهاتف بتوتر واضح . لحقت به ملك مباشرة لتستفسر منه " علي ماذا هناك ؟ " استدار علي ناحيتها , و قد اكتشف وجودها بقربه الآن فقط , ليبادرها بنبرة قلقة " علي أن أغادر الآن , مريم تعبت بشدة و نقلوها الى المستشفى " توترت ملك هي الأخرى و شحب وجهها " ماذا ؟ كيف حصل ذلك ؟ " " لا أدري علي الذهاب " أجابها علي و هو يخطو , عائدا الى القاعة بغية الخروج , لكن ملك استوقفته و هي تتبعه " سآتي معك " و لم يمانع هو ذلك " حسنا سأستأذن ثم نغادر " لكن قبل أن يبرح مكانه , كان كريم يقف خلفه مباشرة , و يشير الى مفاتيح السيارة " لنذهب لقد استأذنت عنكما " قال و قد سمع ما قاله علي قبل قليل , لكن هذا الأخير اعترض بشدة " لا لن تذهب الى أي مكان , هذه خطبتك عليك البقاء و انهاء الاحتفال " لكن كريم عبس و استهجن أوامره " لا أريد , أسيل و أعرفها و قد ألبستها الخاتم , و أكلت الحلوى رغم أنني لا أحبها , هي لا تحتاجني الآن سآتي معكما " علي "...." ملك "...." حسنا هذا الرجل بارد المشاعر بالفعل . استأذن علي سريعا من صاحب المنزل , و غادر الثلاثة في سيارة كريم مباشرة الى المستشفى يعلو وجوههم حزن و قلق , مسح كل السعادة التي شعروا بها سابقا . . . . بالوصول الى المستشفى , اقتادتهم الممرضة الى قسم الأشعة , حيث كانت مريم تخضع , لتصوير بالاشعاع المغناطيسي بطلب من جلال , وقف الثلاثة في الردهة يعتريهم التوتر , ينتظرون بفارغ صبر ورود بعض الأخبار المطمئنة . بعد نصف ساعة خرج جلال من القسم بصحبة متخصص الأشعة , و اللذين بديا منهمكين في مناقشة الحالة , ليبادره علي بنبرة قلقة " جلال ماذا يجري , أين مريم ؟ كيف حالها ؟ " قبل الاجابة كان واضحا على وجه الطبيب أن الحالة حرجة للغاية " الوضع سيء علي لن أكذب عليك , هذه المرة ارتفع ضغطها بشدة , متسببا في نزيف دماغي حاد , الدم يضغط على البصلة السيسائية , و قد يتسبب في توقف وظائف التنفس و القلب في أية لحظة , اضافة الى تجمع دموي كبير , في الجهة اليمنى من الدماغ " قال جلال بقلة حيلة " و ماذا تخطط لفعله الآن ؟ ما الذي يمكننا فعله لإنقاذها ؟ " سأل علي و هو يخشى سماع الرد , الذي يراه بوضوح على ملامح الطبيب " سأناقش مع جراح الأعصاب , امكانية اجراء عملية سريعة , لخفض الضغط عن المخ , أرسلت له الصور بالفعل و أنا في طريقي اليه " نطقت ملك أخيرا و قد بدا الاستياء في صوتها " لكنها تأخذ مضادا لتخثر الدم , النزيف لن يتوقف أثناء العملية و لا بعدها " نظر اليها جلال بقلة حيلة و أجابها " أعرف ذلك , لكن للأسف انتظار اثنين و سبعين ساعة , أكثر خطورة من اجراء عملية الآن " ( عادة المرضى اللذين يأخذون , مضادا لتخثر الدم عن طريق الفم , ينتظرون اثنين و سبعين ساعة بعد توقيفه , حتى يتمكنوا من اجراء أية عملية جراحية بسبب خطر النزيف , و يتم تحويلهم الى حقن بدل أقراص خلال تلك الفترة , طبعا في الحالات الاستعجالية , يكون القرار متصلا بأي الخيارين أخطر , حصول نزيف يصعب السيطرة عليه في حالة اجراء العملية , أو وفاة المريض في حالة تأجيلها ) رغم أن جلال حاول جهده , طمأنة علي بايجاد أفضل الحلول , الا أنه لا يصدق الا تعبير القلق المميت على وجه ملك , و الذي يقول أن مريم قد لا تنجو هذه المرة . هو لم يرها يوما خائفة الى هذا الحد , كانت تمسك بيده منذ وصلا في محاولة لمواساته , كانت يداها دافئتين سابقا , لكنهما الآن متجمدتين و ترتجفان . هز علي رأسه موافقا على ما اقترحه الطبيب , فهو يثق أنه سيبذل جهده لانقاذها ، كما أن لا خيار آخر أمامه . بعد أن غادر جلال باتجاه قسم جراحة الأعصاب , حدق علي مليا الى وجه ملك التي تقف قربه و تساءل بعينيه دون قول كلمة واحدة , فهمت ملك مباشرة ما يريد أن يسأل , و أجابت بأن هزت رأسها يمينا و شمالا , معربة عن خطورة الوضع الحالي , و قد بدأت الدموع بالتجمع في عينيها , فهم علي قصدها دون أن تبوح بشيء , فتلك النظرة أقوى من أي كلام . في هذه الأثناء كانت الممرضات تنقلن مريم , الغائبة عن الوعي في عربة الى قسم الجراحة , و قد كانت متصلة بالكثير من الأجهزة , أسرع علي و ملك للوقوف على الجانبين , و رافقاها الى باب غرفة العمليات , و لم يلبث جراح الأعصاب أن حضر يرتدي زيه , كلم علي لبضعة دقائق لوضعه في الصورة , لم يبد متفائلا كثيرا لكنه سارع للبدء في عمله , تاركا الزوجين يقفان في الردهة , غارقين في قلقهما و حزنهما , في انتظار انتهاء العملية على خير . استمرت العملية لأربع ساعات , كانت مريم فيها بين الموت و الحياة , و كان علي و ملك يبتهلان الى الله , ألا يحصل معها مكروه يفجعهم فيها . بعد انتهاء العملية أخيرا , خرج الطبيبان الجراحان أولا , يتبعهما جلال و بادر أحدهما " سيد علي قمنا بسحب الدم , الذي يضغط على المناطق الحساسة , في الدماغ باستعمال المنظار , بالتالي تمكنا من تفادي عملية خطيرة جدا حاليا , لكن خطر تكرار ما حصل لا يزال واردا , لأننا واجهنا صعوبة للسيطرة على النزيف , انتهت العملية على خير , لكن وضعية زوجتك لا تزال حرجة جدا , و الكثير من المضاعفات قد تطرأ في أية لحظة , اذا تمكنت من النجاة خلال الثمان و الأربعين ساعة القادمة , قد يكون لديها فرصة للتعافي , مع احتمال حصول اعاقة دائمة " كلام الطبيب كان مباشرا , هو لا يتوقع أن تنجو مريم من هذه الوعكة , و لكنه يحاول اعطاء أمل لعلي و يهديء من روعه " شكرا دكتور " لم يجد علي بما يرد غير هذا , هو أصبح متخصصا في كل المضاعفات التي مرت بها زوجته , و يمكنه تخمين مدى تفاؤل الطبيب بما قاله . بعد انصراف الأطباء , بقي الاثنان أمام غرفة العمليات , منتظرين نقل مريم الى غرفة الانعاش , حيث ستخضع لمراقبة دقيقة الى أن تستفيق . أمام الغرفة الباردة الغارقة في الصمت القاتل , الذي لا يشقه الا صوت آلة المراقبة المتواتر , كان علي يقف مع ملك خلف الزجاج , يراقبان الجسد النحيل لمريم , مستلق دون حراك على الأغطية البيضاء , و موصولا الى العديد من الأنابيب , كان الألم يعتصر قلبيهما , لكنهما يكتفيان بالتحديق و لا يقولان كلمة واحدة , فالحزن على ملامحهما أقوى من أي تعبير . كان كريم يقف طوال الوقت , على مقربة منهما لا يريد ازعاجهما , هو يدرك أنه لن يفلح في اقناعهما بالمغادرة , لذلك قرر البقاء هناك في حالة احتاجا شيئا . رن هاتفه كانت أسيل قلقة جدا , على حال مريم هي الأخرى " كيف الحال عندك ؟ " سألت بصوت قلق رغم أن هذا الحادث أفسد فرحتها بالخطوبة , الا أنها تعلم كم هي معزة علي و عائلته في قلب كريم , و لا يمكنها الا أن تشعر بالتعاطف معهم . " أجروا عملية على الدماغ و السيدة لم تستفق بعد " وافاها كريم بآخر الأخبار " كيف حال علي و ملك ؟ " نظر كريم الى الشخصين الواقفين , على بعد أمتار و أجاب بصدق " سيئة , أعتقد أن السيدة ملك تشعر بالذنب , و علي يشعر بقلة الحيلة , لكنهما يواسيان بعضهما " كانت نبرة كريم هي الأخرى , تحمل بعض الشعور بالذنب , لو لم يطلب من ملك مرافقته الى الخطبة , لما توترت أعصاب مريم و ما انتكست حالتها , هذا ما كان يفكر فيه طوال الوقت . استمرت أسيل بعدها في قول بعض الكلمات , للتخفيف عن كريم قبل أن تغلق . ساد بعدها الرواق صمت شديد , كانت ملك تحدق الى وجه مريم بتيه , شعورها بالحزن الآن لا يضاهيه شيء , حاولت كبح دموعها منذ وصلت الى هنا , لكنها لم تعد تتحمل أكثر , و كانت العبرات أقوى من ارادتها , غالبتها و نزلت بغزارة على وجنتيها . انتبه علي الذي كان يقف ملتصقا بالزجاج الى حالها , و بادر للاطمئنان عليها " هاي , ملك لم تبكين ؟ " حركت ملك رأسها بالنفي دون اجابة , لكنها لم تتوقف عن البكاء . صمت علي قليلا و قد أشفق على حالها , أخذ نفسا عميقا ثم أخذ بيدها , للجلوس على الكرسي الموضوع مقابل الغرفة في الرواق , بعدها لم تعد ملك تتحمل , و بدأت بالكلام و هي تضع يدها على صدرها " انه ذنبي أنا , لو لم أوافق على مرافقتك , ما كانت وصلت الى هذه الحالة " ما خمنه كريم كان صحيحا , فملك تشعر بذنب كبير , أكيد مريم انزعجت بشدة لأنها أخذت مكانها . أمسك علي بيدها و استدار ليقابلها , و هو يجلس على الكرسي بجانبها " ليس ذنبك و ليس بسببك " لكن ملك استمرت بالبكاء و جادلته " بلى ما كان يجب أن أوافق على مرافقتك , سبق و أن وعدتها ألا أفسد حياتها , لكنني بأنانيتي .. " انخنقت بعدها بالكلمات , و أكملت الدموع المعاني , و قد تحولت الى نواح الآن . كان علي يشعر بقلة الحيلة , لا يعلم ان كان يجب أن يواسيها أو يواسي نفسه , رفع يده و وضعها برفق على وجنتها , مسحها بابهامه و حدق بجدية الى عينيها " ملك أنا جاد فيما أقول , ليس ذنبك يجب أن تصدقيني " علي يعرف جيدا أن هذا , ليس سبب انتكاسة مريم , بل سماعها بقرار رحيل ملك , هو من تسبب بكل هذه الفوضى , و بالتالي اذا كان هناك مذنب بينهما فسيكون هو نفسه , لو لم يبق ملك عنوة بينهم , لو لم يفكر في احتجازها , لو لم تكن ملك طيبة كفاية , لو لم يجعلها تعتن بمريم و رنا لما كانت مريم حصلت على بارقة أمل , أن هناك من سيحل محلها و يعتني بعائلتها , و ما كانت تحطمت آمالها بشدة , بعد أن أخبرها بأمر رحيلها , لم تكن مريم لتعتقد أنها حاجز أمام سعادة ابنتها , و تلوم نفسها لعجزها عن اقناع ملك بالبقاء , ربما لو لم يكن فعل ما فعله , لبقي الوضع على ما كان عليه منذ سنوات طويلة , و قد كانوا يعيشون بكل هدوء . الآن فقط يدرك علي فداحة ما أقدم عليه , لكن الوقت متأخر جدا لمراجعة الأمور . غرست ملك رأسها في صدره , و تعلقت بقميصه تحاول أخذ بعض المواساة منه , و ربت هو على شعرها و ظهرها محاولا تهدئتها " لا تبك مريم ستكون بخير " هو لا يملك الا قول هذه الكلمات , لاسكات هذه الطفلة الباكية . بارت مطول و مفعم بالمشاعر تعويضا عن تغيبي عنكم توحشتكم بزاف . 😘💞💞 ..... | ||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
ملك-علي ، تملك ، كره-حب ، زواج ، طبيبة ، سوء فهم, الجزائر-دبي ، |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|