آخر 10 مشاركات
صفقة زواج (56) للكاتبة jemmy *كاملة* ...a marriage deal (الكاتـب : Jamila Omar - )           »          482 - خفقات مجنونة - ميشيل ريد ( عدد جديد ) (الكاتـب : Breathless - )           »          عشقتها فغلبت قسوتي-ج1من سلسلة لعنات العشق-قلوب زائرة-للكاتبة:إسراء علي *كاملة+روابط* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          دموع زهرة الأوركيديا للكاتبة raja tortorici(( حصرية لروايتي فقط )) مميزة ... مكتملة (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          ثمن الكبرياء (107) للكاتبة: Michelle Reid...... كاملة (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          حبي الذي يموت - ميشيل ريد (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          عندما تنحني الجبال " متميزة " مكتملة ... (الكاتـب : blue me - )           »          همسات حروف من ينبوع القلب الرقراق..(سجال أدبي)... (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )           »          84 - شريك العمر - ربيكا ستراتون - ع.ق (الكاتـب : pink moon - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: هل تفضل زيادة عدد فصول الرواية أسبوعيا؟
فصلين أسبوعيا 9 100.00%
فصل واحد أسبوعيا 0 0%
المصوتون: 9. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-09-20, 04:05 PM   #31

ام يوسف عامر

? العضوٌ??? » 472521
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 90
?  نُقآطِيْ » ام يوسف عامر is on a distinguished road
افتراضي


على ده حيوان و قليل الذوق فى حد يكلم مراته كده و لا يعيش كده بس عجبتنى لما غرقته بالمياه و منه حالها صعب و حملها تقيل ياريت تلقي العوض و ماجد عاقل و اتوقع انه يقف جنب رهف لحد ما تخرج من ازمتها تسلم ايدك

ام يوسف عامر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-20, 10:36 PM   #32

Nagwa ibraheem
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية Nagwa ibraheem

? العضوٌ??? » 412759
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 234
?  نُقآطِيْ » Nagwa ibraheem is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام يوسف عامر مشاهدة المشاركة
على ده حيوان و قليل الذوق فى حد يكلم مراته كده و لا يعيش كده بس عجبتنى لما غرقته بالمياه و منه حالها صعب و حملها تقيل ياريت تلقي العوض و ماجد عاقل و اتوقع انه يقف جنب رهف لحد ما تخرج من ازمتها تسلم ايدك

على للأسف مثال لرجال كتير زوجاتهم بتشتكي من وجهة براقة زائفة للزوج ، في حين انه فى البيت زوج سيء جدا
ومنة مثال للست اللى بتطلق بعد عذاب ..بس يا ترى الجاي منها ايه؟؟!!
رهف وماجد حكايتهم حكاية

توقعاتك ايه للجاي؟


Nagwa ibraheem غير متواجد حالياً  
التوقيع
نجوى ابراهيم
رد مع اقتباس
قديم 20-09-20, 10:37 PM   #33

Nagwa ibraheem
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية Nagwa ibraheem

? العضوٌ??? » 412759
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 234
?  نُقآطِيْ » Nagwa ibraheem is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شوشو العالم مشاهدة المشاركة
فصل جميل جدا تسلم ايديك.. حاسة ببوادر خيانة بين ماجد ومنة. رهف مستفزة بس ما بتستاهل لأن الفصل وضح انها بتعاني من مشاكل نفسية يا ريت ماجد يوقف جنبها ويتحملها ويكون توقعي خطأ
شوشو ..طيب ليه شايفاها مستفزة؟ تتصورى ايه التصرف الافضل؟


Nagwa ibraheem غير متواجد حالياً  
التوقيع
نجوى ابراهيم
رد مع اقتباس
قديم 21-09-20, 02:32 AM   #34

شوشو العالم

? العضوٌ??? » 338522
?  التسِجيلٌ » Feb 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,012
?  نُقآطِيْ » شوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond reputeشوشو العالم has a reputation beyond repute
افتراضي

رهف مستفزة لأنها بتبالغ بردود أفعالها ما عندها إيمان بالقضاء والقدر الحل إقناعها تتعالج عند دكتور نفسي.. ما في حدا كامل بس ماجد مو بالبشاعة الي هي بتصورها عالاقل لحد الان.. رجعت قرأت المقدمة فهمت انه منة وماجد حيخونوها يعني لسه إلى جاي أصعب

شوشو العالم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-09-20, 10:48 PM   #35

Nagwa ibraheem
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية Nagwa ibraheem

? العضوٌ??? » 412759
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 234
?  نُقآطِيْ » Nagwa ibraheem is on a distinguished road
افتراضي الفصل الثامن

الفصل الثامن
__________
كيف تأسره جدران الحيرة بتلك الصورة؟
كيف وهو ماجد رجل الحسابات، الذي خطط لكل خطوة في حياته؟
لمَ يشعر بالضياع وهو الذي رسم طريقه منذ وعي الحياة؟!
يشعر كما لو أن مشاعره تقيده بسلاسل حديدية، وهو يكره تلك القيود فهو لم يؤمن يومًا بأنها من حق الرجال، وأنها خُلقت فقط من أجل النساء، ليذرفن دموعهن التي لا تنتهي، يذكر يوم مات والده وجلس بعد إنتهاء العزاء يستحث الدموع ان تبقى داخل قلبه، فلو رآها من مات لنهض من قبره ليعنفه عليها، لم يحتضن أمه الباكية إنما جلس إلى جوراها وظل يناولها المحارم الورقية، وأعد لها كوبًا من النعناع الدافئ، أسوة بأبيه الراحل.
والآن رهف منحت مشاعره القيود التي تثبته بأرض الضياع وعليه أن يحلها ويتحرر منها قبل أن يسعى ليجد طريقه إلى حيث عالمه المكون من أرقام يفهمها ويعي طُرق التعامل معها.
منذ ما يقرب من شهر وهو يسعى و يدور بين من تلبسوا عباءة الشيوخ بدعوى تحرير البشر من سطو الجن!
كل من زارهم أو حادثهم أكدوا له أن زوجته في خطر وأن عليه أن يسارع بإنقاذها من يد عاشقها المخلوق من نار، إلا أن كبرياءه يقهره، فزوجته التي يسعى هو جاهدًا لعودتها بين ذراعيه، منحته لأخرى ولو على سبيل المداعبة، يذكر تلك الرسالة التي طالبتها فيها منة أن تمنحها إياه فأجابتها:
- تفضليه يا عزيزتي، فآسر أصبح يكفيني وزيادة.
طعنته بخنجر الحروف في رجولته، كيف يكفيها الوهم وهو الواقع؟!
كيف تمنحه لأخرى كما لو كان دمية تلهو بها وقد سأمت منها؟!
وتلك الأخرى التي أخذت النصف الأخر من تفكيره، تلك الأخرى التي أصرت على تطهير ساحة صديقتها رُغم ظروفها، أي رجل يُلقي بامرأة كمنة بتلك الطريقة، يعرف أن الحياة بها الكثير من أشباه الرجال إلا أنه لم يصادفهم قبل ان يلقى منة، فهي من وجهة نظرة امرأة تجسد أسمها في صفاتها، هي هبة الله وعطيته، أنثى جميلة رقيقة رغم ظروفها، قوية كلبؤة تحافظ على صغارها، زوجة تعطيها ظهرك وأنت على يقين أنها لن تطعنك فيه، فلقد حافظت على ميثاق صداقتها بكل قوة فكيف لا تحافظ على الميثاق الغليظ؟!
سحب عقد الإيجار للشقة التي أجرها لأجلها ولأجل سيف وياسين، حلاوها اللذيذة، ومتعته التي ظهرت وسط شقاء أيامه، شقة تليق بهما وبأمهما، سيذهب إليها اليوم ليخبرها أنه كلف محامي الشركة التي يعمل بمتابعة قضيتها، وهو من أكبر محامي البلد، وسيعطيها عقد الشقة ويعاونها على الإنتقال إليها، هو رجل لا يمكنه أن يترك امرأة بمحنه، كما يصور له عقله.
أفاق من تصوراته على صوت مديره:
- مازلت على شرودك يا ماجد، أرجوك أخبرني أنك انهيت التصاميم المطلوبة منك.
زفر بضيق:
- كلا، لم أستطع أن أنهيها فقد شغلتني بعض الأمور.
أشاح المدير بوجهه ثم أجابه بحده:
- تلك الأمور أصبحت تعيق عملك، فلك أكثر من شهر ونصف وأنت غير منتظم لا تنجز أي عمل، تأتي بعد مواعيد العمل وربما لا تأتي من الأساس، إننا نتحمل مسئولية تسليم العمل في موعده.
لم يكن في حاله تسمح له بتعنيف أو حده لذا فقد أجابه ماجد بحده مماثلة:
- لقد حملت تلك الشركة على أكتافي لأكثر من عشرة أعوام، فما المشكلة أن تتحملني هي لشهر او شهرين؟!
- العمل لا يتحمل ظروف أحد يا ماجد، لقد كنت تقوم بعملك وتحصل على مقابله، والآن تحصل على مقابل ولا تقدم عمل.
هب ماجد واقفًا:
- إذًا ليذهب هذا العمل إلى الجحيم، العمل الذي لايقدرني لن أقدره.
زفر المدير بضيق إلا أنه هدأ من نبرة صوته:
- سأعتبر أنك لم تنطق بشيء، هات ملف التصاميم المطلوبة ولتحصل على أسبوعين اجازة غير مدفوعة الأجر.
منحه ماجد "فلاشة" كانت بدرج مكتبه:
- كلا، لا أجازة ولا غيرها، أنا استقيل.
حمل أشياءه ثم ترك المكتب ورحل، تاركًا الرجل يضرب كفًا بكف.
جلس في سيارته، يضرب مقود السيارة:
- اللعنة عليكِ يا رهف، بل اللعنة على نساء الأرض، اللعنة عليكن جميعًا.
لم يكن يومًا متسرعًا، لم تغلبه عاطفته أو مشاعر الغضب بداخله واليوم، اليوم تركها تقوده فكان الثمن عمله الذي وضع فيه أيام شبابه ليبني مكانته التي وصل إليها، قاد السيارة بغير هدى، عليه أن يهدئ، أن يعيد حساباته ويرتب خطواته، لن ينكر أن بركانه قد خمد حين تأكد أن زوجته لا تخونه، لكنها أيضًا لا تريده، بمسٍ من جن أو من غيره؛ عقله لا يتقبل رفضها له، لا يستطيع إستيعاب أسبابها، كل من استشارهم أخبره أن لا يواجهها بعنف حتى لا يصيبه أو يصيبها أذي من هذا الكائن الذي يحتل جسدها، وهو أيضًا يركن لهذا الأختيار، رجولته تخبره أن عليه معالجتها اولًا قبل أن يواجهها، قبل أن يستمع لمبرراتها.
ركن سيارته أمام بنياته، ثم صعدها حيث شقته الكامنة بين السماء والأرض في الطابق العاشر.
دخل بنفس الهدوء الذي اعتاده مؤخرًا، لم يناديها واتجه إلى غرفة حبيبة التي أصبحت سكنها الدائم ولعجبه لم يجدها هناك، بل وجدها في غرفته تحتضن ملابسه!
ودموعها تهبط من خلف عيونها المغلقة، تدعي النوم أم هي نائمة تحلم به، بعدوه وحبيبها، تنهد بضيق ثم أغلق الباب وخرج ثانية ليتجه إلي حيث غرفة صديقتها، منة المرأة التي تمنته وهو ملك لأخرى!
اتصل بها يخبرها بحضوره لأمر ضروري، فأجابته بترحاب، لا يعلم هل هو واجب الضيافة أم أن ما في عينيها هو ترحاب امرأة تركن إلى رجل تراه كاملًا.
جلس في نفس الكرسي الذي جلس عليه سابقًا، ووضع الحلوى التي أحضرها للطفلين على الطاولة أمامه، وبيده حمل حقيبة هدايا وُضع بها ألعاب للطفلين، نادى على ياسين وسيف يجاوره متشبثًا ببنطاله، اقترب ياسين منه متوجسًا، فتبسم ماجد في وجهه:
- لقد أحضرت لك عربون صداقة.
أجابه ياسين ولم يتخلَ عن تحفظه:
- لقد حذرتني أمي من أخذ شيء من الغرباء.
اتسعت ابتسامة ماجد:
- أريد ان أصبح صديقك، والأصدقاء يتهادون.
أقترب منه الصغير:
- لكني لا أعرفك، فكيف أصبح صديقك، ثم انك كبير والكبار لا يصاحبون الصغار.
انفجر ماجد ضاحكًا:
- من أخبرك بذلك؟ أنا كبير نعم، ولكنك أيضًا رجل والرجال يتصاحبون.
ثم أكمل بابتسامة وقد فرد كفه للمصافح:
- اسمي ماجد، وأنت؟
صافحة ياسين بقوة طفولية:
- إن اردت مصاحبتي فلا تتذاكى علي، سمعت أمي تناديني باسمي إذًا فأنت تعرفه.
- حسنًا يا ياسين لن أتذاكي، أعتبر هذه اولى قواعد صداقتنا.
أومأ ياسين برأسه، وقد دخلت منة حاملة صينية الشاي بعدما تابعت الموقف كله من بعيد، فخورة برجلها الصغير، ممتنة للكبير.
- لم يكن هناك داعي لكل هذا.
- أنهم يستحقون أفضل من هذا، حفظهم الله.
أمنت على دعاءه بشكرً هامس، ثم سألته عن الأمر العاجل الذي أحضره لعندها، فأجابها مخرجًا عقد الشقة:
- لا أقصد أن أسبب لكِ أي إحراج، المكان هنا ليس آمن و أخشى كثيرًا على الصغيرين، فرأيت أن تنتقلوا لتلك الشقة.
ارتدت للخلف وقد صعقها سبب حضوره، تلاعبت ظنونها ونجحت في إخراج صوتها حاد وإن لم يكن عاليًا ليجذب انتباه طفليها:
- سيد ماجد، أنت زوج صديقتي الوحيدة، ليس أكثر، وأظنك تعلم جيدًا أنني مازلت على ذمة رجل، حتى مع يقيني أنني سأنفصل عنه عاجلًا أو أجلًا، وأظنك أيضًا تعلم ما يعنيه عرضك لتلك الشقة لي ولأولادي، أنا امرأة شريفة، ليس لي هم في تلك الحياة سوى أبنائي، وما يربطنا هي رهف وأظنها لا تع...
قاطعها بحزم:
- رهف لا تعلم ولن تعلم عما يحدث هنا، وذلك العقد لم يكن لنية سيئة كما تقولين، أنا رجل يا منة أعلم جيدًا ما هي حدودي، لن اتعدى على حرمة رجل أخر حتى لو كان هو رافضًا لها.
قالها وندم، ندم لما لمح الدموع تتجمع بمقلتيها، ليته يستعيد هدوءه ويستعيد كلماته المدروسة:
- أنا اعتذر، صدقًا لم أقصد أن أجرحك، وذلك العقد أنما هو من أجل سيف وياسين وليس من أجلك، المرة السابقة وأنا في طريقي للرحيل قامت مشاجرة وأخرج معظم الرجال أسلحة بيضاء، فتخيلت لوهلة ان يصيبهم أي مكروه في تلك المنطقة، لذا بحثت عن شقة قريبة من محل عملك الجديد حتى تكوني بجاورهم قدر المستطاع.
نهض تاركًا العقد على الطاولة:
- عمومًا أعتذر لك مرة أخرى، لم أكن أقصد أي سوء.
أوقفته:
- أنا التي أعتذر، فقط أنت لا تعلم كيف ينظر الرجال إلى المرأة المطلقة، لا تعلم كم المضايقات التي أتعرض لها كل يوم لأنني امرأة بلا رجل.
يمكن للحرف أن يصبح سلاحًا يقتل، يصيب القلب فيدميه، والعقل فيشتته.
أدرات مجرى الحديث مما جعله يجلس مرة أخرى:
- كان من المفترض ان تكون في عملك في تلك الساعة؟
ابتسم لم سألته، ابتسامة حزينة ساخرة، من تمنته تهتم لحاله، ومن امتلكته نائمة تحلم بغيره:
- لقد استقلت.
تعجبت لجملته:
- لمَ؟ ماذا حدث؟
- لا عليكِ، سأجد غيره قبل أن ينتهي الشهر.
لم يقص مشاكل عمله من قبل على رهف، فهو يرى أنها لن تحتمل تلك المشاكل، ستصيبها بألم في رأسها، فهي أرق من أن تتحمل قسوة العالم ومشاكله، يخشى أن تتحطم، يرى أنها هشة ضعيفة وعلى النقيض صديقتها، لكنه أيضًا لن يشاركها مشاكله فيكفيها ما هي فيه.
- لقد استشرت محامي صديقي في شأن قضيتك... أخبرني انها شبه مضمونة ولكنه يريد أن يجلس معك من أجل التفاصيل وعمل اللازم.
انفرجت أساريرها، فحديثه يعني أن القيد سينحل من حول رقبتها، ثم تذكرت أن عليها مواجهة سامح مرة أخرى، ارعبتها الفكرة، فتحولت البسمة سريعًا لنظرات رعب تابعها هو ليتساءل عما يدور في بالها من أفكار، أمازالت تريده وتخشى فراقه؟!
تبدو له الفكرة سخيفة فلو أرادته؛ لعادت إليه، لما طلبت من رجل غريب ان يبحث لها عن محامي لتتخلص من زوجها، هي خائفة ويبدو أن عليه أن يعطيها بعض كلمات الأمان، كلمات بخل بها عن زوجته التي لم تطلب منه سواها، فرهف لم تطلب منه أحاديث رومانسية ولا شموع، ربما طلبتها في بداية زواجهما ولكنها بعد يأسها تنازلت لتطلب الأقل "كلمات" يشاركها بها يومه، قُبلة رقيقة يستقبلها بها على أبواب شقتهما، حضن دافئ قبل ذهابه للعمل تهمس فيه بأذنه بدعاءها له، حاولت فعلها بعد سنة من زواجهما إلا أنه صدها بتعجب:
- " أطفلة أنت؟! تخشين فراق والدك، أعقلي قليلًا يا رهف."
لم تكررها مرة أخرى فصده أخجلها، عرى ضعفها الأنثوي، وهي التي لم تخجل يومًا من كونها أنثى تحتمي تحت ذراع رجل، ارتمت بين ذراعيه يوم وفاة والدها إلا أنه لم يحتويها بل دفعها برفق:
- "أهدئي يا رهف أخوتك حولنا."
لم يعلم وقتها أنها كانت تستبدل سندها الميت به، إلا أنه قد تنازل عن هذا الشرف طواعية، بعدما أفاقت من حزنها أقسمت أن لا تلجأ لأحضانه مرة أخرى، لن تُعري دموعها أمامه ثانية، إلا أنها لم تبر بقسمها هذا، فيوم ماتت حبيبة كانت تبحث عن حضنه، عن ملجأ تضع فيه حزنها وقلبها المحترق ومرة أخرى لم تجده، وجدت ذراعي أدهم تسندها، وأحضان علي تحتويها وكلمات حمزة تقويها وسجل هو غيابه كعادته، واليوم أيضًا يُسجل غيابه وهي في أشد حالاتها احتياجًا إليه، ربما لو اقترب منها وحاول إيقاظها، لو حدثها ومنحها حضن دافئ تختبأ به فهي تكاد تجن من الرعب بعدما علمت حقيقة آسر، فآسرها مخلوق ناري قُد من بركان الهوي الثائر، وهي قدت من بحر الحرمان وحين يلتقي البركان بالبحر فالنتيجة لا تكاد تكون معلومة.
هربت من أحلامها، تستنفز قواها في مقاومة النوم، لا تريد رؤيته، بل تخشاه حد الموت، تخشى أن يتوقف قلبها رُعبًا أثناء نومها، تنام جالسة في الشرفة حتى إذا ما غفيت أعينها أيقظتها الأصوات من حولها، تشعل التلفاز بصوته العالي، روادتها أفكارها عن السماع للقرآن إلا أنها خافت أن يتجلى لها حين تفعلها.
كان آسرها فأصبح الخوف هو زنازنته، والوحدة قيوده التي يسلسلها بها.
قررت أن تنام في غرفة ماجد تتشبث بثيابه علها تعطيها أمان فقدته مع صاحبها، ولعجبها نامت لساعتين كاملتين قبل أن تنتفض مذعورة، موقنة أن أحدً ما فتح باب غرفتها وأغلقه!
قامت تترنح حتى وصلت إلى المطبخ لتضع قهوتها على النار عالية حتى تستوي بسرعة، تناولت حبة لألم رأسها، حبة تتناولها كل ست ساعات حتى تتخلص من الألم إلا انه عنيد لا يتركها ويرحل، فارت قهوتها على الموقد فصبتها، لاتهتم بمذاقها قدر ما يهمها أن لا تنام ثانية!
حملتها متجهة إلى الشرفة وقبل أن تصلها شعرت برأسها يدور والجدران تضيق عليها فسقطت على أول كرسي قابلها، زاغت نظراتها فأخفضت رأسها لأسفل حتى تستعيد بعض من توازنها، وعندما رفعتها وجدت أمامها، لا يمكن أن تكون فقدت وعيها، فهي موقنة أنه واقع متجسد أمامها، رجلها الرقيق ترك أرض الأحلام ليبغتها في أرض الواقع، ليتحول إلى كابوس تعيشه. تعالت دقات قلبها لتصبح مسموعة في رأسها، أغمضت عينها واستحضرت آيات القرأن التي تحفظها، وظلت ترددها بصوت بهمسً مضطرب، وحين فتحت أعينها وجدت ثابتًا بابتسامته التي آسرتها في حلمها وتبدو لها اليوم مرعبة:
- من تكون؟
خرج صوتها ضعيفًا كشعورها بجسدها، اتسعت ابتسامته :
- آسرك يا رهف، أتذكرين؟ اشتقت إليكِ، ولما تأخرت علي جئت من أجلك.
هزت رأسها برعب ودموعها تهبط على خديها:
- لا يمكنك أن تكون حقيقة.... لا يمكنك أن تكون حقيقة.
ظلت تكررها ولم تتوقف إلا حين أمسك كتفها بقوة:
- أنا حقيقة كحقيقة وجودك، أنا أنت، أتذكرين؟
ازدات سرعة صدرها هبوطًا وصعودًا، شعرت بقلبها يكاد ينفجر وعينيها لا تكاد ترى إلا أنه أكمل:
- أنا آسرك وأسيرك يارهف، أتذكرين؟
هزت رأسها إيجابًا، فأضاف:
- أنت ملكي وحدي ولن تكوني لغيري مهما حدث، أتفهمين؟
ازدات دموعها فأغلقت عينيها، ترجو كابوسها أن ينتهي إلا أنه أمرها بقسوة:
- افتحي عينيك وانظري إلى عيني، أنا البحر الذي غرقت فيه.
لم تملك إلى الطاعة، فتحت عيونها وقابلتها نظرته، العيون التي سحرتها بالأمس ترعبها حد الموت اليوم، رأت فيهما نظرة قتلت تماسكها، أختلطت زرقة عيونه بنيران نظراته، تشعر بقلبها يكاد يتوقف وبأنفاسها تنسحب منها رويدًا رويدا، تشعر أن حياتها ستنتهي اليوم وفي تلك اللحظة، ستنتهي بيد آسر لتموت بين ذراعيه.
لا تدري كم مضى عليها وهي فاقدة للحس، لم تفقد وعيها بالكامل بل شعرت بأنفاسه بجوار أذنيها ولمساته على وجهها، تمنت أن تصرخ إلا أن الصراخ ظل حبيس صدرها، لم يؤذها كما تصورت بل تركها ورحل بعد أن وضع علامته على ذراعيها كدليل لزيارته.
انتبهت على يد ماجد تهزها، وتوقظها كان يظنها جالسة فحسب، إلا أن تراخيها بتلك الطريقة على الكرسي، ودموعها الجافة على وجهها انبئه أنها كانت تخوض كابوسًا مزعجًا، سألها بهدوء بعدما فتحت جفونها:
- لمَ تنامين هنا؟!
ما إن رأته أمامها حتى ارتمت بين أحضانه تبكي، تستمد من دفء رائحته أمان ولو مؤقت، أقلقه حالها دموعها على صدره أخبرته بخوفها، قصت عليه حكايا رعبها، قصص نقلتها الدموع ولم تخرجها مكنونات الصدور، فتلك الباكية تخشى أن يتهمها زوجها بالجنون، فكيف سيصدقها ماجد وقد أخبرها أنه لن يتحمل دلالها مرة أخرى، سيظن انها تكذب أو مجنونة ربما نعتها بالخيانة لأن عقلها قد جسد لها رجلًا غيره، لكنه أبدًا لن يؤمن بأنها تصارع جن يريد الاستحواذ عليها.
- ما بكِ؟
نطقها بخوفً جم، فحاولت لملمت أفكارها وشتات أنفاسها وأخرجت رأسها من صدره:
- لا شيء، فقط .... تذكرت أبي وأمي وحبيبة.
طرق برأسه أرضًا ثم نهض:
- حسنًا، تعالي اساعدك لتنامي في الداخل.
رفضت بقوة ملوحة بيديها:
- كلا كلا لا أريد أن أنام، أنا بخير الآن.
ساعدها لتنهض:
- حسنًا، على الأقل أغسلي وجهك، تعالي سأعونك.
ساعدها في غسل وجهها من أثر الدموع، لاحظ تلك الكدمة الزرقاء على ذراعيها ولم يعلق،ثم أجلسها في الشرفة ليعد لها كوبًا من النعناع الدافئ ولنفسه كوبًا من الشاي، وضعه على الطاولة بينهما:
- أفضل الآن؟
سألها بهدوء، فأجابت بحركة إيجابية من رأسها، ثم حدثته:
- أريد أن أطلب منك شيئًا.
رفع كوب الشاي لفمه وارتشف منه القليل ثم سألها:
- ما هو؟
- أريد أن أسافر للإسماعيلية، سأعاون سمية في تجهيزات بيت أدهم، فكما تعلم نيرة وحيدة ليس لها أحد يساعدها، ورحمة حامل وتعاني بسبب الشهور الأولى، وكل التجهيزات تقع على عاتق سمية وحدها، فرأيت أن أسافر لأعاونها قليلًا، ما رأيك؟
تريد أن تهربـ، هكذا فسر الأمر برأسه، بينما هي تنتظر موافقته لتجد أمان في أُناس يلتفون حولها، لتستمد قوتها من أنفاسهم وأصواتهم.
- حسنًا، كما تريدين.
وافق على سفرها وهو الذي كان ينتظر منها أن تسأله عن سر عودته المبكرة من العمل إلا أنها لم تسأل وهو لن يخبرها.
- أسافر غدًا؟
- نعم.
انهى الحوار وترك كوب الشاي مكانه ثم ترك الشرفة بأسرها ونهض، فقامت لتعد حقيبتها لكنها انتبهت للسماء وضوء الشمس الذي مازال يضيء الأرض، نظرت لساعة الحائط المعلقة في الصالة لتجد الساعة قد قاربت من الرابعةعصرًا، تعجبت من موعد عودته الذي خالف سنوات زواجهما، فلم يسبق لماجد أن عاد باكراً إلا حين أصابه المرض ذلك اليوم وانصرف بأمر مديره.
لحقت به فوجدته قد بدل ملابسه بنفسه وعلقها، تلك المهام التي طالما أضجرتها تشعر اليوم أنها تفتقدها، دخل لفراشه وأمسك هاتفه يقلب فيه بغير هُدى، حين جلست تجاوره على طرف الفراش:
- ماجد، لمَ عدت مبكرًا؟!
وضع الهاتف متعجبًا ملاحظتها، فأجابها:
- لقد قدمت استقالتي، تركت العمل.
لمست نبرته الحزينة، برغم الهدوء الظاهر في صوته:
- ماذا حدث؟ لماذا تركت العمل؟
تنهد مجيبًا:
- لا تقلقي نفسك، سأجد غيره بأذن الله.
اقتربت منه:
- كيف لا أقلق؟! أعلم جيدًا ماذا يعني لك هذا العمل بالذات، وتلك الشركة التي بدأت فيها مشوارك المهني وكونت فيها سمعتك، بالطبع يجب أن أقلق.
أنها تهتم، تشعر به بالرغم من عدم حديثها، تحمل في قلبها حب وإن كان خفيًا كحبه، صوتها وقلقها يؤكدان له ذلك، اختبأها في أحضانه يدلان على حاجتها إليه، تشبثها بثيابه يخبره أنها تشتم رائحته.
احتضن كفيها بين يديه:
- دعكِ من العمل، وأخبريني ما بكِ؟ لا تقولي شوقًا، أنت بالكاد تنامين، تبكين كلما التفت إليكِ، دقات قلبك الخائفة تقول أن هناك خطبٌ ما، فأخبريني به.
نبرته الحنونة، وصوته الدافء، أنفاسه الناعمة، نظراته القلقة، تجمعوا حولها ليحثوها على البوح بما تحمله بقلبها من خوف، حكت له عن آسر، أخبرته بخجل أنه كان فارس أحلامها طوال أربعة أشهر، ثم قصت عليه حديث منة الذي أكدته لها مواقع التواصل واختتمت حديثها برؤيتها له وهي يقظة.
كانت تترقب ردة فعله، توقعت أن يعنفها، يغضب منها، أو حتي يجادلها لكنه أحتواها بين ذراعيه، ضمها لقلبه ليهمس في أذنها:
- أنت ملكي يارهف، زوجتي التي لن أتركها لو لملك الجان نفسه، لن تسافري غدًا وسنذهب سويًا لشيخ يُرقيك، ويقرأ القرآن ليحترق آسر هذا وقبيلته.
استيقظت من نومها فى موعد مبكر كما طلب منها ماجد، أعدت له القهوة، وأعدت لها فنجانًا علّها تتخلص من هذا التوتر الذي يسيطر على فرائصها طوال الليل
لم تنم من ليلها سوى ساعة واحدة قامت بعدها لتعاني من الأرق، أو بالأحرى قل أنها صارت تعاني فوبيا النوم
وضعت ثوبًا أسود طويل ذو أكمام طويلة، ووضعت على رأسها وشاحًا ترتديه احترامًا لبيت الشيح الذي ستزوره بعد قليل،
ليفيق ماجد على رائحة القهوة التي تسللت لأنفه، يرتشف من رشفة واحدة ثم ينظر لرهف قائلًا بوصتٍ يغلب عليه النوم:
- صباح الخير يا رهف، هل استعديتي؟
- نعم، بل وانتهيت، أنا جاهزة فقط قم لتغتسل وتضع ملابسك بسرعة حتى لا نتأخر.
هم من رقاده ليفعل ما طلبته بسرعة، يعلم أنها خائفة، دقات قلبها ونبضها المتسارع وأرقها الذي لازمها طوال الليل كانوا
خير دليل على ذلك.
انتهى ارتداء ملابسه، قميص رمادي وسروال أسود بحزام أسود، وحذاء أسود كلاسيكي وزخات عطره تفوح من حوله وتتطاير حول خصلات شعره الممشطة بعناية
نظرت له نظرةً غريبة حتى عليها هي، تتمنى فى تلك اللحظة لو تختفي في حضنه فلا يقربها إنسٌ ولا جن..لكن ذكرى قديمة مشابهة أعادتها للخلف خطوتين وتذكرها بقسمٍ تبر به أن مساس لحضنه ثانيةً فلا صدٌ ولا سخرية.
! ارتجلا عدة خطوات حتى وصلا للمرآب، ليستقلا السيارة ويلزم كل منها الصمت حتى وصلا للبيت المنشود
لم يكن بيتًا مهجورًا كما ظنت ، أو كما تشاهد فى التلفاز، كان بناية سكنية فى منطقة راقية مشهورة، وباب بيته كان ضخمًا عاليًا مرسوم عليه عدة نقوش هندية غير مفهومة.
طرق ماجد الباب لتفتح له سيدة قليلة الحجم، ضعيفة البنية، عيناها غائرتان، وجهها بلون اصفر، ترتدي جلبابًا واسعًا أسود اللون وعلى رأسها وشاحًا كبيرًا يتدلي ليغطي صدرها كلها.
تطأ الأرض فلا تسمع لها حسيسًا، لم تنطق بكلمة ترحاب، فقط أشارت لهم بالدخول والانتظار على الأريكة؛ ثم دخلت لغرفة طلي بابها باللون الأصفر القاتم، كبقية أبواب الغرف الموجودة بالشقة المطلية جدرانها بالكامل باللون الأبيض.
خرجت المرأة سريعًا لتخبرهم بصوتٍ خفيض:
- الشيخ ينتظركم.
- حسنًا..أشكرك
قالها ماجد ببعض الخوف الذي نقلته له ارتجافة يد رهف، لتقول له المرأة:
- اطرقوا الباب ثلاثًا وانتظروا حتى يأذن لكم مولانا بالدخول.
هز لها رأسه بالموافقة وفعل كما قالت، ليأتيه الإذن بالدخول، وما أن دخل حتى ذُهِل لمرأى الشيخ..مولانا!!
" سامحك الله يا أمي..أهذا الذي تؤمنين بقدراته وسيأتيني بالذئب وذيله؟"
قالها هامسًا بينه وبين نفسه لما رأى الشيخ لا يتعدى الثلاثين من عمره، فأي خبرةٍ بحق الله تلك التي يتمتع بها؟
فى غرفةٍ طلائها الأصفر القاتم المائل إلى البني يزيدها كآبة مع تلك الطلاسم التي رُسمت بخطٍ ردئ على الحوائط، وبعض العظام التي تدلى من السقف بخيوطٍ غير مرئية، وصفحات من كتاب يشبه المصحف ملصقة على أركان الجدران.
.. – تفضلا
قالها بلطف ليشير بيده لرهف لتجلس جواره، وإلى جوارها جلس ماجد متطلعًا للرجل الذي يرتدي عمامة تفوق وزن رأسه ثلاث مرات، وجلبابًا واسعًا أزرق اللون، وذقنه تستطيل لتغطي رقبته.
عيناه واسعتان لونها الأسود يثير مع جحوظهما رهبة، وأنفه المعقوف، وفمه الواسع يضفيان على عمره السنين الزائفة
مد كف يده بأصابعه التي بدت طويلة جدًا مقارنة بكف رهف الرقيق لتنظر إلى ماجد بعينين تستأذنه أن تلامس كف غيره، فنظر للرجل بتردد قطعه قوله:
لا تخافي يا رهف، فقط أريد أن أرى طالع خطوط يدك. -
حميته تمنعه القبول لكن شدة الأمر عليهما معًا جعلته يومئ لها رأسه على مضض لتستجيب للشيخ تمد كفها ليمسك طرفه قائلًا بصوتٍ غلبته الرهبة والقوة:
- أحدهم يمسككِ قهرًأ، تودين لو هربتِ، لو رفضت، لكنه له قوة عليا تُقوي عزيمته وعزمه، وتضعف من عزمك بحضرته......هل ترك علاماته الزرقاء بجسدك؟
لتقول بخوف:
- نعم.
- هل لي أن أرى أي من هذه العلامات؟
لترفع قليلًا من كم ثوبها فيبدو جليًا على معصمها كدمة زرقاء رآها الشيخ فأتى بمسٍ أحمر اللون ليمسح به عليه قبل أن تخطف يدها من بين كفيه قائلة بعصبية شديدة وصوتٍ عالٍ:
- ما هذا الشيء؟ لا تضع على جسدي شيئًا قبل أن اعرف ماهيته، ثم أنت...ابتعد عني ولا تلمسني .... تريد أن تحرقني، تريد أن تحرقني كلي.
: صرخت فى كلماتها الأخيرة بينما تقف مرتجفة ليمسك بها ماجد محاولًا تهدئتها
- رهف أرجوكي لا تخافي ودع الشيخ يكمل عمله.
و يرد عليها الشيخ قائلًا بهدوء بينما يضع المس على يد:
- هذا المس عبارة عن خليط من زعفران وحناء معجون بمياه قُرِأ عليها القرآن ومزج بماء الورد، فلا تخشين شيئًا.
: نظرت له بتردد ثم نظرت لماجد الذي شجعها على الجلوس مرةً أخرى، ليكمل الشيخ قوله
- هذا فعل من عليك، لا يريد أن يتركك، يخشى أن اطرده من حولك فيدفعك دفعًا بعيدًا شديدًا عني، أعلم أن الأمر صعب لكن بين يداي لا مفر من هروبه.
ظل يمسح كفها بهذا المس وأعطاها باقى الزجاجة التي تحويه قائلًا:
- امسحي بهذا الخليط على كل بقعة زرقاء فى جسدك، وهذا السائل الآخر ضعيه على وعاء كبير من الماء واغتسلي به،
وعودي لى بعد سبعة أيام ينقضى حاله بإذن الله.
خرجا من عنده بعدما دفع مبلغًا من المال يغطي نفقات بيته لشهرين؛ لم يكن مقتنعًا بما حدث، لكن أمله فى نجاة زوجته من
هذا الأسر كان هو محركه نحو ذاك الرجل.
عادا للمنزل بعد صمتٍ وقلق سيطر عليهما طوال طريق العودة، طلب منها أن تدخل للحمام وتفعل ما نصح به الشيخ لتسأله فى خوف:
- هل تصدق هذا الشيخ؟
ويقول وهو ينظر حوله بتشتت:
- لا أعرف يا رهف، أنا حقًا لا أعرف مدى صدقه؛ لكن أمى قالت أنه ممتاز وموثوقٌ بعمله، دعينا نجرب ولن نخسر شيئًا.
تعلقت بكفه كطفلة تائهة:
- ولكني أخاف أن أفعل ما طلبه في الحمام، فربما يزيد هذا الأمر سوء، دعني أفعله هنا فى الغرفة، وابق معي لا تتركني له. عيناها تتراقص خوفًا فى محجريهما، كفها المرتعش يتعلق بكفيه، ونبرة صوتها تهتز رُغمًا عنها، وأكثر ما آلمه هو تلك الدموع التي أبت أن تبلل وجهها الندي فكأنما تعلمت منه الإباء.
أغلق باب الغرفة، وأحكم إغلاق باب الشرفة، ثم ساعدها فى مسح المس على الكدمات الزرقاء
هاله عددها،صار يعدها
اثنان، ثلاث، خمس، عشر كدمات!
وانتهوا أخيرًا ليأتي بعد ذلك بإناء الماء ويضيف إليه محتوى الزجاجة ويصبه على جسدها بينما تقف في إناءٍ آخر يستقبل الماء المتقاطر على جسدها.
انتهت من كل شيء لتضع عليها ملابسها، أخذ بيدها لتنام في فراشها لكن الخوف قيد قدميها، سألها بلين:
- ماذا بك؟ ألا ترغبين فى النوم؟
وترد فى تردد:
...... - بلى، أتمنى لو نمت لكني أخاف أن
..... وبقية الكلمات ابتلعها وحش الخوف الذي شن هجومه عليها
- لا تخافي، سأظل إلى جوارك، لن أتركك.
هكذا فقط هدأت، تسللت داخل الفراش لتضع رأسها وتنام، أخيرًا كأنما لم تنم منذ أعوام.
وفي صباح اليوم التالي استيقظت لتجد ماجد يقف أمام الفراش يغلق سحاب حقيبة السفر، ينظر إليها بعدما أفاقت أخيرًا وعلى وجهها ابتسامة كان قد نسيها:
- صباح الخير يا رهف..هيا لترتدي ملابسك، ما دمتِ بخير وما دام قلبي قد اطمئن عليكي، الآن يمكنك السفر لحمزة وسمية.


Nagwa ibraheem غير متواجد حالياً  
التوقيع
نجوى ابراهيم
رد مع اقتباس
قديم 26-09-20, 06:07 AM   #36

Nagwa ibraheem
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية Nagwa ibraheem

? العضوٌ??? » 412759
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 234
?  نُقآطِيْ » Nagwa ibraheem is on a distinguished road
Rewity Smile 4

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بناءً على طلبكم ونتيجة الاستفتاء سيتم نشر فصلين كل اسبوع
انتظروا الفصل التاسع يوم الاثنين بإذن الله
وبشكر المتابعين، وكل من يُسعدني بتعليقه على الفصول
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .


Nagwa ibraheem غير متواجد حالياً  
التوقيع
نجوى ابراهيم
رد مع اقتباس
قديم 28-09-20, 08:10 PM   #37

Nagwa ibraheem
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية Nagwa ibraheem

? العضوٌ??? » 412759
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 234
?  نُقآطِيْ » Nagwa ibraheem is on a distinguished road
افتراضي الفصل التاسع

الفصل التاسع
الكثير من الجمال يتنفس بالبساطة، ويحيا الحُسن وسط الهدوء، تعتلي الضحكات سهام النظرات فتصيب قلوب المحبين بعشق لم تخلقه سوى بعض التفاصيل التي تبدو عادية للكثيرين إلا أنها تعني للعاشقين كل الحياة.
تفاصيل يومها البسيط الهادئ لم تتغير منذ تزوجت، أتقنت الطعام الذي يحبه، تعلمت صُنع القهوة التي يعشقها، زرعت الزهور بشرفة شقتها حتي تُزين بها مكتبه، تضع في جيوب بنطاله وريقات تحمل دعاءها، وضعت لمساتها بكل ركن من أركان حياته، حتي إذا غابت، رحلت عنه الحياة.
استيقظت سُمية قبل رحيل حمزة بنصف الساعة، قامت فتوضأت وصلَّت ثم سمحت للشمس ببسط أشعتها في أرجاء الشقة، دخلت مطبخها لتضع الغلاية على أحد المواقد؛ فحمزة يكره الماء المغلي في الغلاية الكهربائي، وعلى موقد أصغر وضعت إناء الحليب وأخفضت النيران من حوله، ثم دخلت إلى غرفتهما، فأدارت المذياع على صوت القرآن ليستيقظ حمزة، هذه هي طريقتها في إيقاظه منذ تزوجا، ألقى عليها التحية وأخذ حمامًا اعتاده حتى في أشد أيام الشتاء برودة، ثم تناول مشروبه الصباحي من يدها، ثم منحها قُبلةً على جبينها قبل أن يذهب لعمله، بعدها أيقظت طفليها وجهزت الحقائب المدرسية، شطيرة وكوب من الحليب الإجباري قبل الخروج من البيت.
الآن الصمت يعم البيت لتهدأ قليلًا وتتناول مشروبها الصباحي " قرفة بالحليب"، لطالما عشقت القرفة تهوى مذاقها وتنتعش برائحتها، نهضت بعدها لترتب مخلفات أولادها، تُعد طعام الغداء وتنتظر وصوله قبل الأولاد، تسلي نفسها بتصفح مواقع التواصل أو مشاهدة مسلسل ما، وربما تجد رواية تعجبها وتثير حفيظتها فتبحر بين صفحاتها حتى تصل لمرساه هو، لصوت الباب وهو يُفتح، لتلك السعادة المتكررة كل يوم برجوعه.
جلست على كرسيها واحتضنت الكتاب ليستغرق حواسها وشعورها الجارف، تفاعلت مع كل مشهد وصفه الكاتب ببراعة، دق قلبها بسعادة حين حصل البطلان على طفلهما الأول، وقلقت حين ازدادت الأحداث تشويقًا، ثم بكت حين مات أحد الأبطال.
عاد حمزة ليجد دموعها تغرق وجهها، فسألها قلقًا:
- ماذا هناك؟
أجابته بدموعٍ لا تتوقف مشيرة للكتاب:
- لقد مات البطل.
فانفجر ضاحكًا، ثم مسح دموعها بأصابعه، واحتضنها:
- أتبكين لوفاة بطل رواية؟! دموعك غالية يا غالية فلا تهدريها.
- قلت لك أن سخريتك من دموعي تضايقني، فكفاك!
- هممممممم، إذن أغار ولا أسخر!
لتعتدل في جلستها وتقول بسرعة:
- لا لا ..كفاني الله شر غيرتك، اسخر كما تشاء.
ويتحرك من أمامها قائلًا:
- جهزي الطعام وسأغير ملابسي وأعود لكِ بسرعة، فانا جائعٌ جدًا.
تركت الكتاب من يدها جانبًا، وتحركت نحو المطبخ لتجهز أطباق الطعام، الخبز الساخن، طبق صغير به بعض الملح والفلفل الأسود، وطبق كبير من السلطة الخضراء، تجده خلفها يحمل معها الأطباق لينقلها على طاولة الطعام، وما كادوا ينتهون من وضع الأطباق حتى دق جرس الباب بوصول نادين وعز الدين من المدرسة ومعهم مفاجأة!
- أهلًا بالأبطال ، حمدًا لله على سلامتكما!
قالها حمزة بترحابٍ لأولاده وما كاد يغلق الباب مستغربًا تلك الضحكات التي يحاولان كتمانها حتى فوجئ برهف وماجد أمامه.
- غير معقول، رهف..ماجد كيف حالكما؟!
- بخير والله يا حمزة، كيف حالك أنت، اشتقتك يا أخي!
لتلقي بنفسها بين ذراعيه وقد تلقها بتعجب، وقلقًا من نبرتها المضطربة.
ربت على ظهرها عدة مرات، ثم أبعدها عنه لينظر في وجهها ثم ينظر لماجد الذي وقف منتظرًا دوره ليصافحه.
تساءل حمزة بعينيه ، هل أغضبها ماجد؟!
أما هي فقد شعرت بالألفة في حضنه الذي غاب كثيرًا، حتى أخذتها سمية بين ذراعيها لترحب بها قائلة:
- ما هذه المفاجأة العظيمة؟ والله إنها أجمل شيء حدث لنا منذ شهور.
- شكرًا يا سمية، ترحابك هذا هو ما شجعنا على القدوم دون استئذانكم مسبقًا.
- وهل بين الأهل إذن يا ماجد؟ تفضل يا رجل حماتك تحبك..
ثم وجهت حديثها لرهف قائلةً:
- اليوم يوم حظك لقد أعددت صينية البطاطس التي تحبينها مع السلطة الخضراء بطريقة والدتك رحمها الله.
تلك الطريقة المميزة التي تقطع بها الخضروات لقطع صغيرة جدًا، مع إضافة قطع منمنمة من الثوم ووريقات الشبت الأخضر لتصبح رائحته رائعة مشهية.
جلسوا جميعًا على طاولة الطعام، يتناولون الطعام بينما حمزة يسأل أولاده عن حال يومهم في المدرسة؛ فيخبره عز الدين كيف أنه تصدى لأحد الأولاد حين أراد أن يخطف طعام نادين منها فأتى به بين قبضة يده ليمنعه من ذلك، مهددًا إياه بـ "علقة ساخنة" لو كررها و تعرض لأخته مرة أخرى.
ويصفق له حمزة قائلًا بصوتٍ جهوري:
- هكذا هو فتاي وولدي وسند أخته، أعجبني تصرفك، فرغم أنك شديد المراس معها داخل البيت لكنك لا تقبل أبدًا أن يهينها أحد..ابن أبيك وجدك يا عز الدين وكل يوم تثبت لي أنك جدير بأن تحمل اسم جدك رحمه الله.
ويبعثر الموقف شتات نفس ماجد الذي سأل نفسه بغبطةٍ لا حسد: "لماذا لا أنعم بطفلين كهذين؟ لماذا كُتِب علي الحرمان وزوجتي ولود!"
بينما تنظر رهف لأخيها نظرةً فارغة، ثم تقوم لتحمل الأطباق مع سمية وتساعدها في تنظيف الأواني بينما تعد الأخرى الشاي والقهوة، ودردشة خفيفة تدور بينهما بود:
- أنا سعيدة جدًا لقدومكم يا رهف ..ما أجملها مفاجأة!
- والمفاجأة الأكبر أني سأبقى معكم لعدة أيام، ليس هنا بالطبع، أقصد هنا في الاسماعيلية لكن ببيت والدي .
وتلتفت لها سمية تسألها:
- أخبريني يا رهف ما الأمر؟ هل هناك خطب ما؟
وتجيبها ببساطة:
- أبدًا، كل ما في الأمر أني أشفق عليك من تحمل تجهيزات الزواج لبيت أدهم، وأعلم أن نيرة كثيرة الطلبات، فوجدت من الأفضل أن آتي لمعاونتك في هذا الأمر حتى يتم الزفاف على خير في أسرع وقت.
- و ماجد كيف سيترك عمله؟
- ماجد...ماجد لديه مشكلة في العمل وقد تركه بالفعل لكنه لن يبقَ معي، بل سيعود للقاهرة!
وفي غرفة المعيشة كان حمزة يلتقط طرف خيط الحديث من ماجد حول الحديث ذاته:
- لا أفهم، لماذا تركت العمل، وكيف إذن تقرر أن تعود للقاهرة تاركًا رهف هنا وحدها؟ ولماذا أصلًا تبقى وحدها في بيت والدي ؟
ويرد ماجد بعد تنهيدة قصيرة:
- سأعود للقاهرة لأنه ما زال لي بعض الأعمال يجب أن أنهيها وأسلمها لأحصل على كافة مستحقاتي وملف خدمتي من العمل، وسأترك رهف ببيت والدها لأن هذا أفضل لها ولكم، حتى تكونوا على حريتكم يا حمزة.
- أنت تعبث بحديثك هذا، لا أفهم كيف تتركها لتعيش وحدها ؟ كيف تقبل بالأمر وأنت تعلم أنها لا تتحمل الوحدة في ظل ظروفها النفسية الآن، ثم كيف تراني أقبل بوضعٍ كهذا؟ رهف في بيتي قبلي وقبل أولادي وزوجتي، لن أتركها بالطبع.
يضع ماجد فنجان قهوته على المنضدة مشيرًا لحمزة بيده ليتروى قليلًا:
- حسنًا يا حمزة، لا داعي للانفعال ، مادامت لن تضايق من وجودها فلتبقها معك. لكن لو حدث لها أي شيء أرجوك أن تتصل بي على الفور.
- أضيق بأختي!! وما الشيء الذي سيحدث لها في بيتي؟
- أي شيء..أقصد إن احتاجت أي شئ فلتحدثني.
وفي غرفتها كانت لاتزال تتحدث رهف مع سمية:
- حسنًا يا سمية أنا لا أقصد مضايقتك!
- وماذا إذًا تقصدين؟ كيف تصورتِ أن يهون علي تركك وحدك في بيت عمي رحمه الله؟ وكيف تتصورين أن يقبل حمزة بذلك؟
- أنا فقط رأيت أن أترككم على حريتكم، كما أن الأولاد حين أكون معهما لا يكفان عن الجلوس معي، أخشى أن أعطلهما عن مذاكرتهما، تعلمين كم أحبهما وأخاف عليهما ونحن في وقتٍ حرج وقد اقتربت الإمتحانات.
تشعر بحب سمية لها، حب غير مشروط ولا مصطنع، تخاف عليها ولا تقبل بوجودها كأمر واقع يفرضه زوجها، بل حسن عشرةٍ و خُلُق، وأصلٌ طيب لا يقبل لها إلا الطيب.
التفتت رهف لتضع كوب الشاي الفارغ على المنضدة أمامها لينحسر طرف كمها عن يدها كاشفًا عن تلك الكدمة الزرقاء في معصمها الأيسر، لتشهق سمية قائلةً بينما تمسك بيد رهف:
- ما هذا؟ ما هذه الكدمة؟
وتعود رهف للخلف محاولةً سحب يدها من سمية قائلةً:
- لاشيء..مجرد كدمة نتيجة سقوطي، أصابني دوار فسقطت واستندت على يدي فأصابتها زُرقة!
- ارفعي كمك هذا..أنا أيضًا أتعجب لم ترتدين ثوبًا هكذا بكمين طويلين رغم اعتدال حرارة الجو!!
وتكشف عن ذراعها ليهولها منظره؛ الكدمات الزرقاء عديدة، اثنتين واضحتين تمامًا، وثالثة قد بدى زوال آثارها .
- لهذا أنتِ هنا، لا من أجل بيت أدهم، ولهذا سيتركك ماجد ويرحل؟ إذًا أنتما على خلاف وهو ...أنه يضربك؟!!
- لا لا..الأمر ليس كذلك!
تقولها دفاعًا عنه معتدلة في جلستها، تضم كتفيها بينما تنظر لأسفل، وتستنطقها سمية:
- احكِ لي ماذا حدث وأعدكِ أن يبقَ الأمر سر بيننا، وسأعينك على حل الأمر لو كان فيه ما يسيئك!
والحكاية يرويها ماجد لحمزة الذي هب واقفًا قائلًا:
- هل جُننت؟ أنت حتمًا جننت يا ماجد..وأنا الذي أراك عاقلًا مثقفًا؟ كيف تؤمن بهذه الخرافات؟ وكيف تسمح لنفسك أن تصطحب أختى لدجال دون علمي؟
- وماذا كنت تريد مني أن أفعل؟ لقد احتملت أمرها كثيرًا، ولما فاض بي الكيل حاولت أن أجد حلًا، لم أتركها وحدها في مواجهة شيءٍ كهذا، شيء لم يعد لها به طاقة ولا لي أيضًا!
وبصوتٍ يحمل بين نبراته العصبية والغيظ ألقى عليه حمزة الإتهام واضحًا:
- تريد أن تجعلها كافرة أم تتهمها بالجنون؟
ويقف قبالته ماجد يقول:
- لا هذا ولا ذاك، أريدها أن تعود لحالتها الطبيعية، وأن تتقبل صدماتها، وأن تتخلص من تلك الكوابيس المزعجة التي حولتها لكائن لا ينام، وجسدها الذي صار موشومًا بكدماته الزرقاء!
مسح حمزة بكفيه على وجه، الصدمة عطلت تفكيره، وخوفه على أخته الوحيدة يلعب بقلبه لعبة هو عاجز تمامًا عن إدارتها كما ينبغي، ليقابل صمته بضع كلمات ألقاها إليه ماجد قبل أن يرحل:
- اسمعني جيدًا يا حمزة، تلك التي تجلس ببيتك هي زوجتي، وأحمل لها بقلبي ما لا يعلمه إلا الله من حب وود، أريدها في أفضل حال، ولن أدع بابًا يحمل خلفه شيئًا من الخير لها إلا وطرقته..سأرحل الآن وأرجوك أن تُطِل عليها أثناء نومها لتراقب إذا ما كانت سترى ما يزعجها أم أنها صارت بخير..وإن حدث لها مكروهًا اتصل بي.
قال كلماته بينما تخرج رهف بصحبة سمية من غرفة الأخيرة، تنظر إليه ليودعها ببضع كلمات، تاركًا بيدها ظرف به بعض المال ووصية بالاتصال به إن احتاجت أي شيء، ووعدًا بلقاءٍ قريب.
خرج وتركها تقف بقبالة حمزة الذي نظر لها بغضب طالبًا الانفراد بها في غرفته، حاولت سمية إثناءه عن هذا الحديث الذي تعلم جيدًا كيف سيدور لكنه أشار لها بكفه لتكف عن التدخل في الأمر، وتلحق به رهف في صمت.
- أريد أن أفهم كيف فعلتِ ذلك؟ أنت يا رهف؟ أنت التي لا تتركين فرضًا من فروض صلاتك إلا وأديته في وقته، وتقيمين الليل، وتحفظين صيامك وزكاتك؛ تذهبين لدجال؟
ترد عليه بينما تجلس على الكرسي المقابل للفراش:
- يا حمزة لم يكن بيدي، وماذا أفعل وأنا هناك وحدي وتلك الكوابيس تلاحقني؟ لم أعد أحتمل الأمر ولم أعد أعرف كيف أتخلص منه، فوافقت ماجد على اقتراحه الذي كان من رأس أمه!
جز على أسنانه بغضب:
- كان عليكِ الاتصال بي، كنت سآتي إليك لنضع حلًا لهذا الأمر معًا، ثم أن الحل بيدك .
- أي حل يا حمزة؟
تقولها باندهاش رد عليه بنفس القدر من البساطة:
- أن تنجبي طفلًا، طفلًا يشغل وقتك، ويملأ الفراغ الذي يسكن هذا وهذا.
قالها بينما يشير بإصبعه إلى رأسها وموضع قلبها!
وتنظر أرضًا قائلة:
- حتى أنت يا حمزة؟ كيف ترون أنه من السهل علي أن أنسى حبيبة بهذه السرعة؟
- حبيبتي..أنتِ لن تنسي حبيبة لا بسرعة ولا ببطء، لكن وجود طفل آخر سينتشلك من بؤرة الحزن هذه، ضحكته ستخفف من الأمر، اليوم الذي ستقضيه في الركض وراءه سينقضي معه يومًا لا يشغله الآن سوى حزنك.
- حسنًا، ولكن ليس الآن، أرجوكم أن تدعوني وشأني في هذا الأمر، فقط عدة شهور وسوف أفعل ما تريدون.
- كما تريدين، لكن لا تذهبي لمثل هذا الدجال ثانيةً من دون علمي.
وترد بينما تقف لمغادرة الغرفة:
- حاضر يا حمزة، دعني الآن أذهب لأغير ملابسي.
تركها وهو يطالع ظهرها المنصرف وعيناه تلتفت غصبًا لصورة والده:
- " سامحك الله يا والدي..لا أعرف إن كنت أخطأت بدلالك لها أم أنك كنت تترك لها زادًا يعينها على مواجهة قسوة هذا العالم "!
خرجت من الغرفة لتدخل إلى غرفة نادين وعز الدين، طلبت منهما بلطف أن يغادرا الغرفة قليلًا لتغير ملابسها، ما كانت لتفعل لولا أن " الشيخ" أمرها بألا تغير ملابسها في الحمام إلا وقت الاستحمام فقط وألا تطيل النظر للمرأة أبدًا.
أجابتها نادين بالمغادرة على الفور لتلتفت إليها رهف بحب، وتلك الضفائر الطويلة تتدلى بجوار وجهها المستدير الأبيض، وغرتها السوداء تلاطف عينيها التي تحمل نفس اللون فتغازل بشرتها، وغمازتي وجهها يضفيان عليها براءة طفولية تفتقدها كثيرًا.
بينما وقف أمامها عز الدين، صورة مصغرة من جده ووالده، تطلعت لوجهه وكأنها تشبع بمرآه شوقها لأبيها، أما هو فقد سألها برقة:
- هل ضايقك أبي؟
وتضم حاجبيها وترد سؤاله بسؤال:
- لماذا تقول هذا؟
فيرد بنبرةٍ تحمل براءة سنوات عمره السبعة:
- لأن عينيك باكيتان، أظنه صرخ فيكِ وأنت تضايقتِ منه كعادته معك وكعادتك معه!
ربتت على رأسه قائلةً:
- هو لم يفعل ما يغضبني، صدقني، أنا فقط متعبة من السفر، وهو قد ذكرني بحبيبة فبكيت.
- ودمعك مازال على خدك؟!
لم تفهمه، ولم تكد تسأله حتى خرج من الغرفة تاركًا إياها لا تفهم سؤاله.
وقفت لتغير ملابسها بينما يندفع عز الدين لغرفة والده يسأله بغضب:
- لقد سأمت منك ذلك يا أبي، كيف إذًا توصيني بأختي؟
- ماذا تريد أيها الأرعن أنت؟!!
قالها بينما يقلب كفيه في هذا الطفل الذي بدا وكأنما يحاسبه رجلًا لرجل، ويقترب منه ابنه ليكمل استجوابه:
- ألست من تقول لي دائمًا أني سند أختى وأمانها؟ لماذا لا أراك هكذا مع عمتي؟!
عقد حمزة ما بين حاجبيه، أشار لابنه أن يجلس على ساقه وقال له بنبرةٍ باردة:
- أولًا: حين تكلم أباك تعلّم أن تخفض صوتك دائمًا، وأني لست صديقك في المدرسة بل والدك وعليك احترامي، وأولى قواعد الاحترام هي خفض الصوت ولين النبرة..
وضع عز الدين كفه فوق الآخر، وتدلت شفته السفلى معربة عن غضبه وحزنه، ليكمل حمزة قوله:
- ثانيًا، ادخل في الموضوع دون مواربة، ومن دون فلسفة..ماذا تريد أن تقول؟ وما بها عمتك وكيف آذيتها؟
نظر عز الدين في عيني والده قائلًا:
- حسنًا، دون مواربة: لماذا تركت عمتي تبكي ولم تضمها وتمسح دموعها، في حين أنك طلبت مني فعل ذلك حين أغضبت نادين مني وأخذت لعبتها قهرًا منذ يومين؟ ألا تحبها مثلما أحب أنا أختي؟
سكت حمزة، لم يجد ردًا، لكنه ربت على رأس ابنه وقال له:
- حسنًا، أنت مُحِق..سأفعل ذلك، لكن فلتعلم أنني لم أغضبها، أنا فقط لمتها على أنها أخطأت في فعل كاد يؤذيها.
- عليك أن تفعل ذلك بلطف حتى تطيعك ولا تخاف أن تحكي لك شيئًا آخر؛ هكذا علمتني أمي!
وابتسامته كفت ووفت، فقام يقبل ابنه، وتركه ليذهب إلى رهف التي جلست شاردة على طرف فراش ابنه أخيها تمسك بدميتها وتضمها لصدرها؛ لتجد حمزة يقف أمامها مادًا لها يده:
- تعالي..لا تجلسي هكذا!
وتقف أمامه عاجزة عن توقع مراده:
- لا أريد أن أُثقِل عليكم بهمي، لذا أردت أن أكون وحدي.
قربها من صدره ووضع رأسها على كتفه قائلًا:
- ومن لكِ سواي إن لم أحمل أنا همك يا ابنة أبي؟!
هل أتتها الدنيا الآن صاغرة؟
هل انصاعت لها كل آمالها ؟
حمزة يضمها ويضع رأسها بما يثقله من ألم على كتفه فيرفعه عنها؟
أخيرًا تنال من دنياها راحة بعد وجع سنين!
وتسقط دمعة لا تدري إن كانت هروب أم ارتياح فيمسحها حمزة بظاهر يده قائلًا:
- أنتِ من كنتِ ترين فيْ القسوة وهي ليست بي، أما آن الأوان لتزيلي تلك الغشاوة من على بصرك فتري الأمور كما هي لا كما يصورها لكِ عقلك؟
سكتت أمامه، هي لا تريد أي شيءٍ أكثر، يكفيها صوته وضمته، لن تجادله فقط ستوافقه أي شيء لتبقى على هذا الوضع كما تمنت كثيرًا.
- تعالي لتجلسي معنا بالخارج، لا تجلسي وحدك.
تومئ برأسها موافقةً، لتجد سمية قد أعدت صينية تحمل أطباقًا مختلفة، أحدهم به بعض الكعك، والآخر به بعض المقرمشات والتسالي.
جلسوا جميعهم في غرفة المعيشة؛ ويبدأ حمزة في سرد بعض المواقف التي حدثت معه في عمله اليوم، لتضحك سمية من بعضها، وتشيد برد فعله في بعضها الآخر، وتستاء من موقفٍ أراد فيه زميله اتهامه بالتقصير في عمله فيربت على كتفها قائلًا:
- لا عليكِ فزوجك يفل الحديد!
قالها بينما هو ممسك بيدها التي لم يتركها منذ جلست إلى جواره، تضع على ساقها طبق المقرمشات الذي لا مكان له بينهما.
ورهف تنظر لكف يده وفي رأسها ألف ألف سؤال، أجابتهم بتذكرها لمشهده وقت الغداء، وفي السهرة،وفي ذهنها بشيءٍ واحدٍ سيطر على أفكارها قبل أن تغض في نومها بعد هذا اليوم الطويل:
" هذا هو الرجل الذي تسعد امرأة بعشرته والانجاب منه!"
نومها كان المسكن الذي تهرب به من أفكارها، واليوم كان في نومها ما يسعدها، ابنتها تركض نحوها، تلاطفها، تمسك بتلك اللعبة التي تصنع فقاعات وردية اللون وتطير حولها لتلمسها وتضحك لذلك الرذاذ الذي ينفجر لينعش بشرتها الرقيقة.
رأتها رهف فركضت لتلحق بها، لكن شيئًا غريبًا كان يحدث لها؛ وكأنما هي تركض في مكانها، تشعر بحركة ساقيها، تلهث لكثرة الركض لكنها لا تتحرك قيد أنملة، والفتاة حولها تنظر إليها، تضحك لها وتشير لها بأن "تعالي يا أمي"
ظل صوتها يتردد بحلمها حتى أفاقت وجلست لاهثة ولم تمضي ثوانً حتى وجدته يجاورها الفراش و يبتسم لها ممسك بكتفيها قائلًا بنبرة امتلك بها انتباهها كاملًا وسيطر بها على أنفاسها:
- إما أنا وابنتك، أو لا أحد!
- آسر؟
- نعم آسر..
- لماذا أنت هنا؟
- لأن هذا مكاني، جوار ابنتك، حارسًا على قلبك وقلبها!
- لكن قلبي ليس لك، وأنا...أنا....
هدر صوته بغضب:
- أنتِ قد طلبت العون لتتخلصي مني، حسنًا، ستتخلصي مني ومن ابنتك معي، الآن سأمسك بها واصعد معها للسماء السابعة فلا ترينها ثانيًة، حتى أفهم لمَ تركتني يا رهف!
انتفض جسدها تحت وطء سيطرته الكاملة على حواسها، أرادت الصراخ ولكنها لم تقدر، حاولت أن تسيطر على خفقات قلبها لتجيبه بنبرة مرتجفة:
- لم أكن أريد أن أتركك يا آسر، لكنها الدنيا!
لان صوته لحديثها
- لمَ يا رهف؟ وأنا معك يمكننا اقتلاع زهور دنياكِ البائسة، ولتكتفي بزهور جنتنا هنا!
- لا يا آسر، أنت الوهم الذي تمنيته، أنت الحب الذي أنشده، أنت الزوج الذي اشتهي ضمته وقبلته، لكنه ليس انت، وليته أنت!!
غضبت بحار عينيه وثار موجهما:
- إذًا ترفضين وجودى؟
- نعم يا آسر..ارحل ودع لي حياتي..
- لا يا رهف، لا ابنتك ولا حياتك، سأزهق روحها مرة بعد مرة أمامك، لتعيش الوجع مرات لا تنتهي، كما فتحت لك جنتي، سألقيك بناري، ولا تلومن إلا نفسك.
- لا يا آسر..لا ..لا يا آسر..لالالالالالالالا!
وعلى صراخها أفاقت سمية في غرفتها لتركض نحو الغرفة يلحق بها حمزة، بعد أن أطمئن إلى نوم الطفلين بجوارهما، دخل للغرفة ليجد سمية جالسة بجاور رهف المستمرة بصراخها، فسكب حمزة بعض قطرات المياة على وجهها حتى صمت صراخها وسالت دموعها المنتحبة على خديها ليجد كدمة زرقاء مطبوعة على رقبتها انتفض قلبه خوفًا وهلعًا وضمها لصدره بقوة يحميها من عدو لا يعلمه:
- لا تخافي حبيبتي..لا تخافي يا قلب أخيك..أنا جوارك لن يؤذيكي أحد!
ظلت بين أحضانه لدقائق قبل أن يهدأ نحيبها وتظل دموعها الخرساء تبلل ملابسه بصوتٍ غلبه الرعب تشبثت به أكثر:
- لا تتركني يا حمزة، أرجوك لا تتركني.
سالت دموع سمية لحالتها، تخشى عليها وتنظر لزوجها نظرة عجز، ترى خوفه يتراقص في عينيه، وألمه الذي طغى على قسمات وجهه ليجيبها:
- أقسم لك أن لن أنهض من جوارك، فقط اهدأى ولا تخافي، أنا معك ولن أتركك.
وبداخله ينوي أن أول ما سيفعله في الصباح هو زيارة طبيب العائلة لاستشارته في حاله أخته الوحيدة، بعدها قد يكون لماجد معه شأن آخر، وحساب عسير!
نهاية الفصل


Nagwa ibraheem غير متواجد حالياً  
التوقيع
نجوى ابراهيم
رد مع اقتباس
قديم 29-09-20, 05:23 AM   #38

ام يوسف عامر

? العضوٌ??? » 472521
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 90
?  نُقآطِيْ » ام يوسف عامر is on a distinguished road
افتراضي

الفصل اكتر من رائع و للاسف محدش عجبه حاله ماجد نفسه فى اطفال و مش فرق معه نفسيت مراته الاول و حمزه بيطلب من ابنه اللى هو مش بيعملوا و رهف بدور على الامان و السند تسلم ايدك

ام يوسف عامر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-09-20, 06:51 AM   #39

Nagwa ibraheem
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية Nagwa ibraheem

? العضوٌ??? » 412759
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 234
?  نُقآطِيْ » Nagwa ibraheem is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام يوسف عامر مشاهدة المشاركة
الفصل اكتر من رائع و للاسف محدش عجبه حاله ماجد نفسه فى اطفال و مش فرق معه نفسيت مراته الاول و حمزه بيطلب من ابنه اللى هو مش بيعملوا و رهف بدور على الامان و السند تسلم ايدك
حقيقي المقارنة فى الحياة الزوجية خصوصا بتفسدها د


Nagwa ibraheem غير متواجد حالياً  
التوقيع
نجوى ابراهيم
رد مع اقتباس
قديم 01-10-20, 10:26 PM   #40

Nagwa ibraheem
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية Nagwa ibraheem

? العضوٌ??? » 412759
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 234
?  نُقآطِيْ » Nagwa ibraheem is on a distinguished road
افتراضي الفصل العاشر

الفصل العاشر
السمرة دائمًا ما أبدعت جمال من نوعٍ غامض، جمال يجبرك على التمعن أكثر في ملامح صاحبها.
سمراء جميلة، تدرك هذا وتعتز به، وقلما تلتفت لبعض التعليقات العنصرية التي تتطاير حول أذنها ليل نهار.
وضعت نيرة بعض اللمسات الأخيرة على وجهها، وأطلقت لشعرها العنان لينسدل بتموجاته فوق ظهرها ويغطيه، ثم حملت حقيبتها لتتجه بخفة إلى الباب محاوِلة عدم إصدار أي صوت قد يجذب انتباه والدتها، ولكنها ما أن وصلت للصالة المواجهة لباب الشقة حتى سمعت صوتها يناديها يأمرها بالتوقف، عضت على شفتيها بضيق قبل أن تواجه والدتها التي لحقت بها تتطلع في وجهها بحنق:
- تتسللين مثل اللصوص في السابعة صباحًا، إلى أين أنت ذاهبة؟
تنهدت نيرة قبل أن تجيبها:
- أدهم ينتظرني بالأسفل، سنشتري بعض الأشياء ثم سنذهب إلى المأذون لتسليمه بعض الأوراق المطلوبة.
اشتعلت عيون الأم غضبًا:
- جماد أنا تعيشين معه، مثلي مثل ذلك الكرسي، ألا أستحق أن أعرف إلى أين تذهبين؟
وضعت نيرة حقيبتها على الطاولة أمامها:
- أمي، ليس لي طاقة للجدال، أنا لست صغيرة لأعطيك مخطط لسيري، كلها أيام وأصبح زوجة ومسئولة عن بيت ورجل.
ثارت والدتها أكثر:
- الزوج الذي اخترته بنفسك، والبيت الذي تجهزين مقتنياته بعيدًا عني وكأنك يتيمة الأم.
- لست يتيمة الأم يا أمي لكن تصرين على مجادلة أدهم في كل مرة ترينه فيها، أطلب منك أن نذهب لشراء أي شيء فتختلقين الحجج، فرأيت أن اتصرف بنفسي حتى لا أزعجك مرة أخرى.
لوحت الأم بيدها:
- لقد حددتِ موعد الزفاف دون إخباري ودون الرجوع إليّ، طاوعتِ والدك وكأنه هو الذي يحيا معك، تشبيهن والدك في كل شيء، عنيدة مثله.
احتد صوت نيرة:
- أتعلمين،هو أيضًا يقول لي نفس الحديث أنني عنيدة مثلك، ربما لم أرث إلا العند منكما.
كلام متكرر وحديث لا يتغير، أمها التي أقامت الحرب ضد أدهم لمجرد أنه لم يرضخ لطلباتها وأوامرها التي لا تنتهي، تراه رجلًا لا يناسب ابنتها الوحيدة، رجلًا خضعت له حواسها كلها، رغم أنها لا تخضع حتى لذاتها!
رن هاتف نيرة الساكن بحقيبتها، فهرعت إليه تخرجه لتغلق اتصال أدهم وتسارع ناحية الباب:
- عندما أعود يا أمي نتحدث، لتخبريني ماذا يرضيكي، سلام.
أغلقت الباب خلفها تاركة والدتها كجمرٍ مشتعل، بينما هي تهبط الدرجات عدوًا لملاقاته، ويخفق قلبها خوفًا من ضيقه الذي يصيبه كلما انتظرها، يكره الانتظار وهي تكره ما يكره لذا أول ما شاهدت وجهه شرعت تعتذر بابتسامتها الساحرة:
- آسفة آسفة آسفة، صدقني يا حبيبي لم أشأ أن أتأخر لكنها أمي.
زفر بضيق:
- نيرة، لي أكثر من ربع الساعة أقف في الشارع وكلما خرج أحدهم من البناية أظنه أنتِ.
أمسكت بذراعه برجاء:
- أرجوك أدهم، والله ليس ذنبي لقد ارتديت ملابسي باكرًا لكن أمي أمسكت بي عند الباب وفتحت لي تحقيقًا هربت منه بأعجوبة.
يعلم أنها صادقة فهي لا تتأخر عليه إلا لحدثٍ عارض، لمعت عيناها بوله عندما رأت ابتسامة وليدة تطفو على شفتيه وانطلقت ضحكتها تحكي خفقات قلبها عشقًا:
- هل سأصمد أنا أمام ابتسامتك هذه طوال حياتنا، لقد سحرتني وصرت مُتيمة.
ضحك وأمسك كفها ليسيرا سويًا:
- هل تركتِ الجامعة وأصبحتِ كاتبة؟!
تأبطت ذراعه:
- لمَ لا، ثم أنك ملهم يا حبيبي.
ضحك بشدة:
- سأُغر هكذا.
- حقك يا حبيبي، بل أقل من حقك.
حدثها بجدية لم تمحو ابتسامته:
- ما رأيك أن نتناول الفطور أولًا ثم نبتاع ما تريدين قبل أن نذهب لحمزة لنحصل على صورة بطاقته، وأيضًا لنرى رهف فقد حضرت بالأمس.
- حسنًا، كما ترى.
قالتها ببساطة، ولو كان أحٌد غيره يُملي عليها تفاصيل يومها لثارت وهاجت وفعلت عكس ما قال، غريب أمرها بين يديه!
يسيطر عليها بقوة شخصيته وهي راضخة وسعيدة، تركت له دفه حياتهما وأغمضت عينها ليسيرها كيفما شاء، فويلٌ للهوى الذي حولها من نيرة المغرورة التي تعامل الجميع بكبر إلى نيرة الهادئة المطيعة معه وحده.
ذلك الهوى الذي جعل رحمة تبكي ليلتها حتى تورمت جفونها، ليتها تكرهه، ليتها تعتصر قلبها بيديها بدل من قبضته التي تدميه، حينها ستتحرر على الأقل لتعرفها مرآتها، ستقف في مواجهته وتلفظ حبه من قلبها وتتركه وحيدًا، ليت قلبها يعينها ويطاوعها بدلًا من تمزقه ليلة بعد ليلة حتى اهترأت غُرفاته وتمزقت أوصاله.
عنفها عقلها بأسئلته التي لا تنتهي...
لمَ يحبه قلبها وقد خانها؟!
كيف لم تنصاع لأمر كرامتها وقد أهانها؟!
لمَ سمحت له بسحق أنوثتها وتدميرها؟!
إلى متى ستنظر في المرآة وترى أخرى لا تعرفها؟
متى تحولت إلى تلك المرأة؟ وهل من سبيل لاستعادة نفسها؟!!!
آلمها رأسها من كثرة التفكير، ترى نفسها تراه جاني ولا تعفي نفسها من المسئولية فلولا حبها لما ظلمت نفسها وأكملت حياتها معه.
نظرت إلى صورة زفافهما المعلقة على الحائط أمامها، مازال عقلها يحتفظ بذكري كل دقيقة مرت في ذلك اليوم، تلك السعادة الغامرة في قلبها، شعورها بأنها ملكة توجت بتاجه، وهو لم يبخل عليها بهمساته العذبة التي دغدغت حواسها، سحرتها وسامته، وعشقت رائحة عطره النفاذة، كان نبيلًا في تصرفاته، أميرًا بِطلَّتِه، متي تحول النبل فيه إلى دناءة، ودارت الأيام بأميرها ليصير شحاذ أمام بيتها؟!!
ارتدت ملابسها على عجل تشعر برأسها يفور ودموعها لا تتوقف، يجب عليها ترك البيت وإلا أصابتها لوثة عقلية، ارتدت فستانً زهريًا ولفت رأسها بوشاح بلون الزهرات المبعثرة عليه، ثم سحبت أكبر نظاراتها الشمسية لتخفي خلفها عيونها الملتهبة.
نظرت إلى هاتفها كثيرًا، تريد أن تستأذنه في خروجها، وتكره سماع صوته، مازالت عبارة الأمس تدوي في رأسها ولا تتوقف، عبارة ألقاها عليها قبل خروجه في الثانية عشر بعد منتصف الليل، عندما سألته بحده:
- إن كنت لا تراني امرأة، فلم لا تكون أنت رجلًا وتطلقني.
حينها أجابها بصوتًا بارد كسكين، إلا أنه مزقها أشلاء:
- أنت نصف امرأة وهذا هو الدليل.
أشار لبطنها ثم أضاف:
- ولكن نصفك هذا لا يرضيني، وسأبحث عن أخرى تكمله.
سيتزوج، تعلم أنه سيفعلها وهي واقفة مقيدة بسلاسل عشقها.
أرسلت له رسالة ثم أغلقت الباب ونزلت إلى الشارع تتنفس هواءه البارد في تلك الساعة المبكرة من الصباح، لا تعلم هل من الذوق أن تذهب لبيت سمية باكرًا هكذا أم كان عليها التريث لساعة أخرى، أخذت قرارها ثم استقلت سيارة أجرة لإحدى الحدائق العامة وجلست فيها، تلملم شتات نفسها علها تهدأ قبل أن تذهب لرهف، فحتمًا رهف ستكشف خبايا صدرها، وحتمًا سترى الدموع المخبأة في عينها.
أخرجت هاتفها النقال وشرعت تنتقل بين الصور، هي جميلة، ملامحها رقيقة هادئة، عيونها تحوي براءة جعلت وجهها كطفلة صغيرة لم تلوثها الحياة بأعبائها، لكنها صارت تحمل بجسدها وجه طفلة وقلب عجوز، ذهبت إلى صور المحادثات التي تلتقطها لزوجها مع عشيقاته، تقرأها كل يوم وكل ليلة، تمر عليها كلمة كلمة حتى تُطرده من قلبها ولا تشعر نحوه بأي عاطفة.
تُصر ولا تعلم لمَ لا تستخدمهم كدليل إدانة نحوه؟ لمَ لا تشوه الصورة الجميلة التي يراه الناس عليها؛ بينما هي تحتفظ لذاتها بكل القُبح بداخله؟!
انتظرت مرور الساعة وعندما انقضت شعرت كأنها لم تحياها، تصدعت روحها أكثر حتى أوشكت على الانكسار، استقلت سيارة أُخري لبيت سمية وطرقت الباب بهدوء تنتظر الإجابة، ولم تنتظر كثيرًا إذ وجدت سمية تفتح الباب بوجهٍ بشوش وإن بدى أثر السهر عليه:
- تفضلي يا رحمة، أنرت يا حبيبتي.
عانقتها سمية بودٍ، بعدما أغلقت الباب، ثم أكملت:
- اخلعي حجابك، فحمزة ليس هنا.
رفضت بهدوء معللةً:
- لا عليكِ، أنا بخيرٍ هكذا... أين رهف؟
تنهدت سمية بوجع:
- نائمة، المسكينة لم ترَ النوم طوال الليل، لكن سنوقظها ونتناول الأفطار معًا، اذهبي أنت إليها في غرفة نادين وأنا سأعد الطعام سريعًا.
دخلت رحمة إلى الغرفة المضاءة وصوت القرآن يهمس بالراحة والسكينة تغمر قلوب السامعين، اقتربت من رهف تهزها ببطء لتستيقظ، هزة واحدة كانت كفيلة لتنهض رهف بسرعة وعيونها على اتساعهما تناظر ما حولها بخوف.
استعادت ذاكرة الليلة السابقة دفعة واحدة فشعرت بقلبها يرتجف برعب، لم تتخلص منه وهو لن يتركها، آسر أسرها في عالمه ولن يُطلق سراحها أبدًا.
نظرت لهاتف حمزة الموضوع على الكومود يعمل عليه القرآن، تذكرت لمساته الحانية، حضنه الدافئ واحتواءه لحزنها، لم يتململ منها، بل ظل يسمح دموعها بأصابعه برقة، وصوته الحنون يبث نفسها أمان بأدعية رتلها في أذنها لتهدأ.
لم يتركها ولو لحظة واحدة حتى اختطفها النوم بين أحضانه هانئة، انتبهت إلى رحمة الجالسة أمامها فاستعادت تركيزها:
- صباح الخير يا رحمة، لمَ أرهقتي نفسك، كنت سأمر عليكِ.
ابتسمت رحمة بهدوء:
- لقد مللت البيت، ثم أن التعب من أجلك سعادة.
منحتها الحياة أخوات، رحمة، ومنة مخزن أسرارها، ومؤخرًا اكتشفت أن سمية أخت كُبري حنونة لن تجد مثلها أبدًا، كانت مخطئة وتعترف الآن بخطئها، فحمزة على الرغم من قسوته التي يظهرها إلا أنه أحن رجل قابلته في حياتها، كانت تظن أنه يشبه والدها قالبًا، إلا أن ظنونها كانت أثم فهو كوالدها قلبًا وقالبًا، فهنيئًا لسمية به، فهي تستحقه وهو لا يستحق سواها.
اعتدلت في فراشها وأخرجت قدميها من تحت غطاءهما، لتدخل سمية بنفس الأبتسامة حاملة صينية الطعام هاتفة بمرح:
- لو رأتني نادين لعاقبتني عمري كله، فليس مسموح بالطعام أن يدخل غرف النوم، لكن لأجل تلك الصحبة الجميلة يجوز كل الممنوعات.
ابتسمتا على كلامها، بينما رهف تنهض لتتجه إلى الحمام، اغتسلت وعادت إلى الغرفة لتجد سمية وقد وضعت الطعام على طاولة خصصت للدراسة، بينما رتبت رحمة الفراش رُغم اعتراض سمية.
- حلي حجابك يا رحمة واخلعي نظارتك تلك حبيبتي فحمزة في العمل.
قالتها رهف، لتصحح سمية لها المعلومة:
- حمزة حصل على إجازة اليوم لكنه ذهب لقضاء بعض الأعمال وسيعود باكرًا، لكن هذا لا يمنع أن تخلعي نظارتك تلك فالشمس لن تصيبك هنا.
قالتها مازحة، بينما خلعت رحمة نظارتها لتصتدم بنظراتهما المتسألة فأجابت بصوتً حاولت أن يخرج مازحًا:
- هرمونات الحمل، تجعلني كثيرة البكاء.
لم تجادلها إحداهن، وإن ظهر الشك جليًا على الوجهين، تناولوا الطعام ما بين مزاح وترتيب للأفكار حول زفاف أدهم، ثم اقترحت سمية:
- ما رأيكن أن يتصل حمزة بأدهم وعلي ونتناول الغداء سويًا؟
- فكرةٌ رائعة.

" لا" خرجت بتسرع من حلق رحمة تقطع بها جواب رهف، بينما عادت العيون تلاحقها بالشك، لم تصمت رهف هذه المرة؛ بل سألتها:
- ما بكِ يا رحمة؟ أنت متعبة؟
- كلا..
اكتفت بها رحمة وقد شعرت بالغصات تهاجم حلقها، وجفونها تؤلمها، تستجديها لتترك ماء العين يبلل الخدود.
اقتربت منها رهف واحتضنتها:
- أنا والجميع يعرف ما بي، وأنت يا حبيبتي بحاجة إلى الكلام حتى لا تمرضي، و لأجل الجنين الذي بداخلك.
أيدتها سمية:
- إن لم تحكي لنا فلمن ستحكين، ليس لكِ إلا نحن.
سألتها رهف برقة:
- هل أزعجك علي.
- أزعجني!!!
قالتها مستنكرة.
" بل قتلني، ذبحني، أراق دماء أنوثتي واغتسل بها"
هاتفت بها نفسها التي مازالت تأبي أن تُعري سوءته أمام أخته وزوجة أخيه.
- خلاف بسيط، تعرفان كل بيتٍ يحوي الكثيرمن المشاكل.
قالتها لتصمتا لكن سمية وضعت الملح على جرح كلتاهما بقولها:
- ابحثي له في خزينة مشاعرك، وتذكري الجيد منه، كل امرأة تخزن مشاعر زوجها حتى إذا ما دخل الشيطان بينهما وجدت له الشفيع الذي يجعلها تتمسك بحبه.
فتحت رهف خزينة ماجد لتجدها فارغة، فالعاطفة عنده هراء وعبث، لم تحوي خزينتها سوي القليل من المشاعر، استنفذهم هو بالكثير من الجمود والتجاهل.
أما رحمة فخزينة مشاعرها كانت معبئة بالوجع، بالألم، بالإهانة، وعدم التقدير.
علا نحيبها، أنهمرت دموعها بوجع "نصف امرأة"
- فرغت خزينته يا سمية، أتمنى لو أستيقظ فلا أجده إلى جواري، أتمنى لو أعود فلا أختاره زوجًا، وإن عدت سأوافق عليه، أتمنى أن لا يُحرم ولدي من والده وأتمنى أن لا يُربي معه، ولا أدري كيف أتمنى الشيء وعكسه، أفقدتُ عقلي؟!
احتوتها رهف بصدمة:
- ماذا حدث؟ بل ماذا فعل؟
- يراني نصف امرأة، خانني ويخونني كل يوم، وسيخونني حتى أموت قهرًا.
شلّتهما المفاجأة ، كانتا تتوقعان مشاجرة بسبب طعام متأخر أو ملابس متسخة، إلا أن كلماتها أزالت كل فكرة للمشاجرات التي يحسبونها.
لم يكادا يفيقا من الصدمة حتى علا صوته خلفهم:
- ماذا؟
ارتفعت وجوههن لمطالعة حمزة الواقف على الباب وقد استمع لحديث رحمة، كان يظن أن سمية ورهف وحدهما حين دخل ليطمئن على أخته، لم يتعمد أن يستمع لحديثٍ جمده في مكانه، ولكن حين نطق سؤاله كان ينتظر تبريرًا تضيفه رحمة لاتهامها، وحين لم يحصل على إجابه أعاد سؤاله بحدة:
- ماذا قلت يا رحمة؟ علي يخونك!!
حاولت سمية زحزحته عن التمسك بالحصول على جواب:
- سأتحدث معها وألحق بك يا حمزة.
إلا أنه لم يلتفت إليها، بل أعاد صياغة سؤاله:
- هل تملكين دليل على اتهامك هذا أم أنه محض تهيؤات؟
انفجرت رحمة في وجهه:
- تهيؤات، يخرج كل يوم بعد منتصف الليل ويعود قبيل الفجر أهذا دليل؟ هاتفه يحوي على العشرات من الصور الإباحية التي تخدش حياءك أنت يا حمزة أهذا دليل؟ يتبجح كل مرة بفتاته التي يرافقها ويريني صورتها قائلًا بسخرية" هذه هي النساء بحق" أهذا دليل، يحادثهن أحاديث أخجل من سماعها منه وأنا زوجته وأقرأ خيانته كل ليلة أهذا دليل؟
أخرجت هاتفها وفتحت الصور أمامه مضيفة:
- هذه هي وساخة أخوك التي يحضرها كل ليلة لبيتي ويفتخر بها، أهكذا دليل يكفيك يا حمزة؟!
سقطت على الفراش منتحبة، بينما سارعت رهف نحوها تحتضنها بينما تحضر لها سمية كأسًا من الماء:
- اهدئي يا رحمة، من أجل طفلك حبيبتي أرجوكِ اهدئي.
وقف حمزة يقلب في المحادثات بعيون أحمر بياضها ، أخوه خائن وأخته مريضة، أي حمل هذا الذي يحمله فوق كتفيه، كيف يكون كبيرهم وهو الذي يحتاج الآن إلى كبيرٍ يرشده؟
وضع هاتف رحمة على الطاولة، ثم اتجه إليها بحديثه:
- رحمة، لمَ لم تخبريني من قبل؟ هل لجأت إليَّ يومًا وخذلتُكِ؟
- ليس الآن يا حمزة.
قالتها سمية برجاء، مشيرة إلى انهيار رحمة التام حتى تكاد تفقد وعيها، فانسحب راضخًا لغرفته، وجلس يفكر، ذهب عقله لمشكلة أخته أولًا، لن يستطيع أن ينسى وجهها الخائف المرتجف، ولا تلك العلامة الزرقاء على رقبتها، هو ليس بجنٍ ولا عفريت ، إنما هي النفس الأمارة بالكسرة، النفس التي جعلت رهف ترضخ لضعفها، وجعلتها لا ترى مرضها، وجعلت ماجد يسعى ليتخلص من مشكلة تواجهه بإثمٍ سيحيا به إلى أن يغفر الله له ولها.
لقد ذهب صباحًا لملاقاة طبيب هو له صديق و رفيق عمر؛ وحين أخبره عن الأعراض الملازمة لأخته أجابه بثقة:
- هلاوس سمعية وبصرية، من الممكن أن يكون المرض عضوي أو نفسي، لكني أرجح المرض النفسي في ظل الظروف التي شرحتها، اسمعني سأعطيك رقم طبيب نفسي صديقي سيهتم بها، فلا تقلق، هناك مشكلة بسيطة وهي أن عيادته في القاهرة.
أخذ الرقم وقد قرر أن يصحبها لذلك الطبيب، لن يتركها لأوهامها ولن يتركها أيضًا لزوجٍ يرى أنه لا يهتم بها بما يكفي، فلو كان يهتم حقًا لترك الدنيا من أجل زوجته، لو كان يهتم كما يقول لما أحضرها لبيته بعدما ذهب بها لدجال، ثم تركها ورحل وكأن الأمر بيد ذلك المشعوذ قد حُل.
مسح وجهه بكفه متنهدًا، فأمامه قد وُضعِت مشكلة جديدة وعليه أن يحلها، فإن كان لا يقبل لأخته الإهمال فهو لن يقبل لرحمة الإهانة، ولن يقبل لابن أخيه أن يولد فيجد البيت مفكك محطم ليبكي هو على حطامه.
أخرج هاتفه ثم اتصل بعلي وطلب منه الحضور فوراً لأمرٍ عاجل ثم نهض بعدما أخذ قراره واتجه إلى الغرفة حيث النسوة الثلاث جالسات وكأنهن تماثيل نُحتت من صخور الحياة، نادي لسمية وهمس في أذنها:
- أريد أن أحدثها منفردًا فهل هي أفضل الآن؟
أمأت له برأسها، ثم دخلت إليها وطلبت منها بلطف أن تخرج إلى غرفة الضيوف حتي يستطيع حمزة الكلام معها، امتثلت رحمة وجلست أمامه تفرك كفيها متوترة، تهبط دموعها بصمت، كأنها تنتظر حكم القاضي في قضية حياتها، لم يمهلها حمزة الكثير وتحدث بهدوء:
- رحمة لن أكون مثل الجميع وأقول لكِ لا تفرطي في زوجك، ولن أقول لكِ أنه أفضل رجال العالم، وأنك أكثر النساء حظًا لارتباطك بمثله، فأنا مثلك أعلم علي، أعلم مكنون صدره وأعلم طريقته البغضاء في الحديث، هو أخي الذي كبُر أمام عيني، هو أخى لذا أنا أعلم به.... ولكن ليس بأكثر منك.
صمت قليلًا ينظر لوجهها ولم ينتظر ردًا بل أضاف:
- أنتِ الآن أمام خيارين لا ثالث لهما؛ لقد اتصلت بعلي ليحضر وهو في طريقه إلى هنا.
رفعت رأسها في وجهه لتنظر متعجبة ولكنه أكمل بتمهل:
- أما أن تتناولا الطعام ثم تعودا لبيتكما وتظل مشكلتكما بينكما فإما أن تجدي حلًا وإما أن تبذلي مزيدًا من الصمت.
صمت مرة أخرى ليضيف:
- الحل الثاني أن تثقي في، وتفعلي مثلما أقول لكِ، فيدفع أخي ثمن خيانته وتستردي كرامتك ويعلم أن لك ظهرًا يحميكِ، ومهما كان قرارك أنا إلى جانبك، لن أخذلك أبدًا، لو اخترت المواجهة فثقي أنه لو رجع نادمًا فهذا خيرًا لكِ ولولدك، وإن لم يعد فحتمًا هو الخاسر.
خرج صوتها مبحوحًا:
- أفعل مثلما ترى يا حمزة، أنا أثق بك.
نهض واقفًا:
- حسنًا، اذهبي واستريحي إذا تفضلت، ومن فضلك أرسلي لي برهف فأنا أريد الحديث معها.
تنهد بألم وهو ينظر إلى زوجة أخيه تبتعد ولم تمضي دقيقة حتى أتت رهف فاستقبلها واقفًا وفتح ذراعيه ليحتويها بداخله، لا يعلم أتحتاج هي هذا الحضن أم يحتاجه هو، وربما يكون كلاهما بحاجته، جلس وجلست بجانبه فبادرها:
- ما فعلته انت وزوجك كان عبثًا، يودي إلى الكفر والعياذ بالله، ف استغفري ربك يارهف وتوبي عن ما فعلتِ.
رفعت حاجبها مستنكرة وكادت تسأله لكنه قاطعها، مخرجًا ورقة من جيب سرواله:
- هذه فتوى بعدم وجود ما يُسمى بالجن العاشق، "آسر" يارهف وهم صنعه خيالك، ما تعانين منه هلاوس، أنت مريضة ولست ملبوسة، الجن لا يتلبس جسد الإنسان يارهف.
قرأت الورقة بعناية، وتبعثرت أفكارها ثانية، كلما ظنت أنها توصلت لحقيقته حتى عادت لنقطة البداية، لنقطة جهلها بماهيته:
- إذًا أنا مجنونة!
هز رأسه نافيًا:
- بل مريضة، أجلتِ استشارة الطبيب كثيرًا حتى تفاقمت حالتك، لقد أخذتُ رقم طبيب في القاهرة وسنسافر سويًا لزيارته..... هل اتصل بك ماجد؟
هزت رأسها نفيًا، فكاد يحادثها حين ارتفع جرس الباب فطلب منها الانتظار ليرى القادم.
فتح الباب لعلي الذي بدا متعجلًا متوترًا:
- ماذا هناك يا حمزة؟ لقد تركت عملي وهرعت إليك بأسرع وقت ممكن.
- تفضل يا أخي.
أغلق الباب خلفه ثم استدار إليه يتفحصه من قمة رأسه، حتى طرف حذاءه اللامع، سار خلفه إلى غرفة الضيوف وهذه المرة أغلق الباب خلفه وجلس وسط تعجب علي من هدوءه فأعاد سؤاله مرة أخرى ليجيبه حمزة:
- رهف مريضة.
توترت ملامح علي بشدة:
- ماذا بها؟
- غالبًا مرض نفسي لست أدري بعد لكن الطبيب سيخبرنا حين نذهب إليه، المشكلة الحقيقة ليست في مرضها، بل في سؤال طرح نفسه على عقلي طوال الليلة الماضية، ما الذنب الذي فعلته رهف لتكون بهذا الشكل؟!
احتار علي وبدا عليه عدم الفهم فأردف حمزة:
- لم أكن أعلم أنه ذنبك أنت يا علي، لم أعلم أن أخوها خائن ينجس بيته بالصور الفاضحة، لم أعلم أنه ظالم لزوجته، زوجته التي لو بحث عنها في كل نساء الأرض فلن يجد في طيبة أصلها وحسن معشرها.
ضم قبضته ثم سأله:
- هل اشتكت لك رحمة؟ وماذا قالت؟
صرخ فيه:
- ليتها اشتكت، ليتها قالت لكنت كذبتها، المصيبة أنها ظلت صامتة، الكارثة أنها تُبقى على مظهرك أمامي وأنت ... أنت يا علي لا تستحق تلك الصورة الزائفة.
- استمع إلي يا حمزة أنا...
قاطعه بحده:
- بل استمع أنت إلي، واعقل كلامي جيدًا يا علي، حين ذهبت معك إلى بيت رحمة لخطبتها وجلست كأخٍ أكبر لك، عاهدت والدتها أن تعاشرها بالمعروف أمامي، عاهدتها أن تحفظ ابنتها طيلة حياتها، وحين وقعت كشاهد على عقد زواجك، عاهدت الله أن تعاملها معاملة طيبة يرضاها الله، أما خيانتك، وحديثك السام لها فهذا لا يرضيني ولا يرضي الله.
نظر حوله بتوتر ثم سأله:
- هي في الداخل أليس كذلك؟ أريد أن أراها.
- لن تراها ولن تحدثها، أنا اليوم كبيرٌ لها، رجلٌ لها وأنت رجل عليها، إما أن تعاملها كما تريد من ماجد أن يعامل رهف أو ...
ترك جملته معلّقة، بينما وجه علي يشتعل غضبًا، فزوجته قد أخرجت ما حفظه في بيتها، رحمة تمردت وتحدثت ولمن لحمزة، تظن أنها تستطيع أن تلوي ذراعه، تظن بتلك الطريقة أنها ستنتصر عليه، وبينما هو يفكر كان حمزة يقرأه، يعلم كبره وغروره، يعلم أنه لن يرضخ بسهولة ولكن علي لا يعلم أيضًا أن حمزة لن يسمح له بإيذاء رحمة، لمجرد أنها يتيمة الأب وفقيدة الأخ، لن تجد رجل تحتمي خلفه.
- حمزة، أريد أن أعرف ماذا قالت لك.
قالها علي بغضب فأجابه هو بهدوء:
- لم تقل لي شيء، لم تشكيك لي كما تظن بل سمعتها تبكي لرهف وسمية وحين اتهمتها بالكذب أخرجت دليل خيانتك.
إذًا فهي تحتفظ بدليل لخيانته، تلك الخبيثة التي كان يظن أنها طيبة لن تقدم على إثارت المشاكل من حوله.
- أريد أن آراها، أنا زوجها ليس من حقك أن تمنعني من رؤية زوجتي.
- عندما تكون رجلًا بما يكفي لتراها وتصحبها لبيتك ملكة معززة، عندما تتوقف عن النجاسة التي ترتكبها و...
قاطعه بحده
- لم أفعل شيء خاطئ، مجرد أحاديث لا تغني ولا تسمن..
- أنت على طريق الزنا، وتقول لي لم أفعل شيئًا خاطئ؟ لم تتغير يا علي لا ترى خطأك ولا تعترف به حين تراه، عمومًا كما قلت لك إما أن تُمسكها بالمعروف أو تطلقها بإحسان، هذا كل كلامي يا ابن أبي.
نظر له بعينين يتطاير شرر الغضب منهما ثم فتح الباب وانطلق تاركًا الشقة كلها، زفر حمزة بضيق متعجبًا من أخيه، لطالما كان علي مغرورًا بنفسه، معتد بوسامته، لطالما أتعب والدته وأرهق والده، نسخة من عمه؛ ولذكرى العم البعيدة تذكر حمزة نهايته التي أفنته وحيدًا في منزله بلا ولد ولا زوجة ترعاه، يأمل أن لا تتماثل نهاية علي معه، فقط لو يعود لرشده ويرى حقيقة الحياة ويعلم قيمة ما يملك وبخس ما يسعى وراءه، ولكن أنّى له أن يعلم وهو لا يسمع!
نادى على سمية لتحضر متعجلة:
- ماذا هناك يا حمزة؟
سار معها لغرفتهما وبعدما تأكد من إغلاق الباب جلس على طرف الفراش وشرح لها يومه الذي احتد عليه باكرًا ولم يصل بعد لمنتصفه، ثم طلب منها برجاء:
- مارأيك أن نقضي هذا الأسبوع في بيت أبي، سيتسع لنا وفي نفس الوقت لن نسبب حرجًا لرحمة.
- طبعًا، كما ترى، أنا أيضًا أرى هذا، هيا بدل ملابسك وسأعد طعام الغداء وأحضر الحقائب حتى نذهب عندما يعود نادين وعز من المدرسة.
قبل جبينها:
- أنتِ نعمة يا سمية، سأشكر الله عليها كل يوم وأدعو أن أوفيها حقها.
ابتسمت له واحتضنته:
- حماك الله لي، ورزقك الخير كله يا حبيبي .
تركته يبدل ملابسه واتجهت للمرأتين تخبرهما بالذهاب لبيت العائلة، ثم حضرت حقيبة الملابس وعندما دخلت إلى المطبخ كان آذان الظهر قد ارتفع من المسجد المجاور فذهب ليصلي وحين عاد جلس بغرفة مكتبه وحاول الاتصال مرة أخرى بماجد الذي ما أن رأى اسم المتصل حتى تأفف وألغى صوت المكالمة ثم التفت لياسين الذي يحمل صندوق ورقي كبير بعض الشيء فذهب ليحمله عنه سعيدًا راضيًا، يشعر بذاته وسطهم، تسعده أصوات ضحكاتهما، لا يعلم ما الذي دفعه دفعًا ليتواجد بينهم ولكنهما كالمغناطيس وهو قطعة حديد لا تنجذب لسواهما.
- لقد تعبت يا ياسين، هذا يكفي، هيا بنا نصلي الظهر ثم نكمل ترتب الشقة.
أراح ياسين ذراعيه:
- نصلي ثم نأكل، أكاد أموت جوعًا.
ضحك ماجد لطريقته وذهب به بعدما أخبر منة بذهابهما للصلاة، اشترى طعامًا جاهزًا، وفي طريق عودته اشترى بعض الأغراض لشقة منة الجديدة، ثم صعد إليها ليخبرها وهم يتناولون الطعام:
- لقد حجزت لسيف في حضانة للأطفال قريبة حتى تستطيعين الذهاب لعملك مطمئنة.
شكرته ممتنة، لا تعلم لم أصبح قربه يثير حواسها، تشعر أنها مذنبة ولكنها أيضًا تحتاجه، هي لا تتدلل ولكنها تكتمل بوجوده.
عادت نفسها اللوامة تحدثها:
- تأخذين زوج صديقتك وتقولين أنك محتاجة؟
- انا لن آخذه بل استعير بعضًا من وقته ليس إلا، أنا في حاجته وهو وحيد الآن..أعتقد أنه أيضًا في حاجتي، ثم إن رهف لا تريده، لا تحبه..
- حقًا، وماذا إن استحوذتٍ عليه، هل تظنين أبواب السعادة تُفتح لكِ؟
- أريد أبواب الأمان، من مثلي ليس لها من الدنيا نصيب في السعادة!
-وحين تأمنين؛ ألن تزهديه بعدما تلمسين جموده وبرود معيشته؟
- سأذكر نفسي بساعات الخوف والقهر والذل فأرضى، سأنظر إلى وجه أولادي فأرضى.
" منة"
أخرجها من شرودها، لم تشعر أنه لم يناديها فقط، إنما اجتذبها من وهمٍ تسعى إلى تحقيقه!
- هل أزعجتك؟!
هزت رأسها نفيًا:
- كلا، إنما أريد منك أن تنتبه للمصاريف وتبدأ في البحث عن عمل، فكما ترى أنا بخير الآن، يجب أن تجد عملًا لك حتى لا تصاب بالإكتئاب.
- لا أظن أنه صار لمثل تلك المشاعر السلبية مكان بقلبي وأنا هنا بينكم.. أقصد بين ياسين وسيف.
قالها بينما يتنحنح قليلًا لتقابل هي كلماته برغبةٍ ظنها غريبة:
- ماجد.. أظن أنه لم يعد من اللائق حضورك إلى هنا
امتقع وجهه لتكمل بلطفٍ حاولت صبغ كلماتها به:
- تعلم إني أعيش وحدي، وليس لي من حامٍ سوى ابنيّ وهما طفلان، كما أن القضية التي رفعتها على زوجي مازالت محل نظر المحكمة، فهب أنه راقبني وأثبت أن لي علاقة بآخر كيف سيكون وضعي القانوني؟
- لكن وضعنا أنتِ تعلميه جيداً يا منة، وأني لا أبتغي غير وجه الله في كل ما أفعل لكِ ولأولادك!
- مثل هذا الرجل لا يعرف وجه الله، وأمه لن ترحمني، ستستغل الأمر ضدي لتسلبني أبنائي وشرفي وسمعتي، وانت تعلم أن لم يعد لي سواهم!
خفق قلبه لجملتها الأخيرة، رفع حاحبيه ونظر لها بعينين تلألأت اللمعة بهما، وسؤالٌ حائر كان جوابه أن طأطأت رأسها أرضًا لتتنفس ببطء ثم تسأله بصوتٍ منكسر:
- كيف حال رهف يا ماجد؟
ويضم حاجبيه متسائلًا:
- رهف؟! رهف بخير حال مع أخيها يا منة، ولم تفكر في الاتصال بي منذ الأمس، هي لا تفكر بي يا منة وأنتي أعلم أهل الأرض بهذا.
- وانا أعلم أهل الأرض بحالها، فجد حلًا لما بينكما أولًا وحين يفصل القضاء في أمري نرى ما نحن فاعلون.
تركها وخرج من البيت بعقلٍ فقد قواه، وقلبٍ يفكر فيمن تركته دون أن تنظر وراءها، وكأنما تريد بالفعل أن تثبت له ما رآه فى حديثها بالقول مع صديقتها.
بينما أعلى البناية كانت تقف أخرى تراقب ظهره المنصرف وعيناها معلقتان به، وسؤالٌ يلهج به القلب، أن لماذا منح الله لكلٍ منهما صاحبًا يأبى إلا أن يُضيِّع صاحبه.
انتهى


Nagwa ibraheem غير متواجد حالياً  
التوقيع
نجوى ابراهيم
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
اجتماعي, اجتماعي، رومانسي ،واقعي

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:29 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.