آخر 10 مشاركات
ياسميـن الشتـاء-قلوب شرقية(26)-[حصرياً]-للكاتبة الرائعة::جود علي(مميزة)*كاملة* (الكاتـب : *جود علي* - )           »          وريف الجوري (الكاتـب : Adella rose - )           »          ثأر اليمام (1)..*مميزة ومكتملة * سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          إمرأة الذئب (23) للكاتبة Karen Whiddon .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          رسائل من سراب (6) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          116 - أريد سجنك ! - آن هامبسون - ع.ق (الكاتـب : angel08 - )           »          91-صعود من الهاوية - بيتي جوردن - ع.ج ( إعادة تصوير )** (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          ملك يمينــــــك.. روايتي الأولى * متميزه & مكتمله * (الكاتـب : Iraqia - )           »          [تحميل] حصون من جليد للكاتبه المتألقه / برد المشاعر (مميزة )(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: اي قصة من قصص الأخوة الثلاث أعجبتكم؟
هيام 25 46.30%
جالا 32 59.26%
راجي 17 31.48%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 54. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree37Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-08-20, 07:30 PM   #11

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الثاني


دخل احمد بيته بعد أن تجاوزت الساعة العاشرة مساءا وأضواء الصالة وعلى غير العادة بهذا الوقت مُضاءة..
هو على هذا الحال منذ عدة أيام يعود متأخرا خاصة بعد تلك المشكلة التي حصلت بينه وبين زوجته إيمان..
سمع أصوات تأتي من المطبخ فعرف أن إيمان ما تزال مستيقظة..
خرجت إيمان من المطبخ ما إن أحست بوصوله وتقدمت إليه حيث كان يجلس على الأريكة لتخبره بلهفة
((لقد تأخرت.. اذهب لتغتسل ريثما أجهز طعام العشاء وأضعه على الطاولة))
عادت لتدخل المطبخ بسرعة بينما شبح ابتسامة سخرية يرتسم على وجهه فما بها اليوم تتعامل معه بشكل طبيعي وكأن أكبر مشكلة بينهما منذ زواجهما لم تحصل قبل عدة أيام..
تمتم احمد شاتما بغضب مبالغ فيه وهو يتجه إلى الحمام كي يغتسل ويغير ثيابه إلى أخرى منزلية مريحة..
عاد للصالة ليجد العشاء الفاخر موضوع على طاولة المائدة بأناقة..
كانت الأواني مرتبة بشكل أنيق وورود جميلة موضوع بمزهرية بمنتصف الطاولة..
سحب احمد كرسي ليجلس عليه وهو ينظر لفخامة ما أعدته قبل أن يتناول بيده طبقا فارغا ليضع عليه قطعة من اللحمة المقطعة بشهية وعليها الصوص الأحمر ثم وضع قطعة أخرى أقتطعها من المعكرونة بالبشاميل..
بدأ فورا يأكل بشراهة ليتبين معه أن الطعم لا يبدو كشكله الخارجي نهائيا إلى حد أنه ودّ أن يعود أدراجه ليغسل فمه ولسانه من مذاق الطعام..
لكنه كان بحاجة لأي شيء يسد جوعه من طعام المنزل فلقد سأمت معدته مؤخرا من الوجبات السريعة المعدّة بالمطاعم التي كان يتناولها بكل وجبات اليوم جراء عدم دخوله البيت إلا بعد حلول الليل..
مرت دقائق حتى جاءت إيمان تسحب كرسيا لها على المائدة وأساريرها تنفجر لتبتسم ابتسامة شديدة الحلاوة وهي تحدق به بعينيها الزرقاوين المماثلتان للون عينيه..
انتبه احمد على تحديقها المستمر له فعاد الحنق يرتسم على وجهه..
لاحت ابتسامة شفافة على شفتيها وهي تسند رأسها على كفها بينما تراقب حنقه باستمتاع..
كانت فعلا لا تدرك أنه حنقه حقيقي.. لم يكن لها فكرة عما يكنه بداخله لها..
رفع احمد عينيه لها لبرهة ثم عاد يأكل وهو يطلب منها أن تشاركه..
لكنها هزت رأسها نفيا متعللة أنها سبقته بالأكل.. أو ربما لأنها تذوقت الطعام قبل وضعه ولا تريد أن تعيد التجربة..
ما إن أنهى احمد الطبق أمامه حتى أخذ قطعة من الفطائر وهو يرجع ظهره ليسنده على الكرسي قائلا بانزعاج
((إيما أريد أن اعرف أين يكون تركيزك.. ألا يمكن أن أحظى على الأقل بوجبة جيدة ولو مرة بحياتي؟))
هزت كتفيها وهي تحافظ على ابتسامتها قائلة ببساطة
((أنت أساسا لم تطلب مني إعداد الطعام ولم تكن تتوقع وجوده بعد عودتك للبيت الليلة.. لذا هذه الوجبة أفضل من لا شيء))
انتبهت لغضبه الذي بدأ يتصاعد لرأسه.. فرفعت كفيها باستسلام وهي تردف فورا بأسف قبل أن يدفعه مزاحها ليتهور ويزداد غضبه
((أنا أسفه حقا.. لم انتبه على الطعام.. تغيبت قليلا أرد على مكالمة مهمة من إحدى صديقاتي ولم انتبه للطعام الموضوع على النار))
التقط احمد قدح ماء ليتمتم هامسا قبل شربه
((كانت زواجة الندامة..))
جملته كانت من ثلاث كلمات ولكنها ممزوجة بتهكمات من حدائد مسنونة يقذف بها جسدها فتمزقه بخدوش عميقة..
ازدردت إيمان ريقها وهي تحاول التماسك لترد هامسة بضيق له
((أنا أسفه يا احمد لإفسادي الطعام.. كنت أريد أن اصنع غيره ولكنك كنت قد وصلت.. لا اصدق أنك تسمعني كلام جارح فقط لأني أفسدت طعام العشاء))
منحها نظرة ساخرة أتبعها بسيل من الكلام شعرت معه بأن أضلعها تتهتك
((ليس كأنها أول مرة تفسدين الطعام.. أنا معتاد لدرجة الاكتفاء.. ولكني لا أعشر أني أستطيع تحملك أكثر من هذا بعد اليوم))
ثم ابعد أنظاره عن إيمان بغضب وهو بداخله يعرف أنه يبالغ بغضبه..
فمنحته هي نظرة باردة كم ودت أن تكون مؤلمة له كما يؤلمها.. ثم أتبعتها بقولها الساخر المرير وهي توبخه بإهانة
((حتى ولو كنت سيئة بالطبخ ولا أجيد فن "تلبية نداءات البطن المطل على الركبتين وإخراسه".. أيعقل أن تتجاهل كل محاسني وإيجابيتي وتهتم فقط بمهاراتي بصنع الأكل؟))
لم يستطع هذه المرة أن يتحكم بنفسه أكثر ليصرخ غاضبا قبل أن يقف
((أي إيجابيات هذه يا زوجة الندامة؟))
خانت الدموع إيمان لتنزلق على وجنتيها بذهول من شدة انفعاله وغضبه منها بينما تندفع نحوه صارخة هي الأخرى عليه
((احمد.. كفى.. لن أتجاهل إهانتك لي هذه المرة.. فكلما تجاهلتك أزدت تجريحا لي))
اشتعلت عينا احمد بغضب أشد وهو يقترب من إيمان وقد شكت أنه سيضربها لكنه صرخ بها قبل أن يغادر الصالة
((إذن اصمتي ولا تسمعيني صوتك.. لن أكون حليما معك وأتقبل تجاوزاتك بعد الآن.. فقط كفي عن الحديث واغربي من أمامي))
مسحت دموعها الساقطة رغما عنها لتسحب عدة أنفاس تبعث فيها بعض الهدوء..
لم تستطع أن تنسحب دون أن ترد عليه الكلام فتبعته إلى المغسلة التي يغسل فيها يديه قائلة بسخرية
((لو يعود الزمن بي لكنت نصحتك بالزواج من شيف بدلا من قبول الزواج منك.. أو أضعف الإيمان أن تتزوج الطاهي المكسيكي من المطعم المقابل))
أغمض عينيه يغمغم وقد بلغ صبره الحد
((كفي عن استفزازي وابتعدي من أمامي إيما))
صرخت عليه هاتفة
((أنا لا أحاول استفزازك بقدر ما أحاول أن أجد لك حلول))
دمدم بكلمات مقتضبة وما إن أنهى غسل يديه اتجه للصالة حيث هي جالسة وجلس على الأريكة المقابلة لها يشغل التلفاز فكتفت ذراعيها وحدقت به بعبوس..
أزعجه تحديقها به فلم يركز على ما يشاهده على التلفاز والتف لها لترشقه بنظرة باردة ومن ثم تنتصب واقفة تاركة إياه وهي تسارع خطواتها السريعة المتمايلة لحجرة نومهما..
كان بوده اللحاق بها وتلقينها درس لا تنساه..
لماذا؟ وماذا فعلت؟ لا يعرف بصدق..
مسح احمد بكفه وجهه بتعب ووجيعة نابعة من أعماق قلبه قبل أن تتخلل أصابعه لشعره بحركات عشوائية بعثرت خصلاته المرتبة في حركات بدت كمساج سريع لرأسه ورقبته..
فهو لم يذق الراحة منذ أيام.. تحديدا منذ أن التقى بهيام القلب..

duaa.jabar likes this.

Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-20, 07:31 PM   #12

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

===============================================
كادت فداء أن تصرخ فرحا وهي تخطف هاتفها من فوق المنضدة تضغط زر الإجابة بلهفة وسعادة وابتسامة انتصار فوق شفتيها بمجرد أن سمعت صوت الرنين فهي تعرف من يمكن أن يحادثها الآن بدون أن تقرأ اسم المتصل حتى..
أجابت مرحبة به بصوت رقيق لا يخلو من الارتباك..
تجاهل كارم تحيتها تلك وهو يتحرك من مكانه ليدلف إلى غرفته ويغلق الباب بهدوء بعيدا عن مسامع أفراد عائلته ثم توجه بعدها إلى الأريكة يجلس فوقها براحة وهي ما تزال معه على الخط..
قطعت الهدوء بينهما على الخط وهي تسأله بصوت مرتعش وبدون أي مقدمات
((كارم هل هناك أي جديد بينك وبين جالا مثل انفصال أو قبيله؟ كارم.. احممم.. اقصد.. لم اتصلت بي؟))
اخذ كارم نفسا عميقا وأطلقه بارتعاش يوازي ارتعاش نبراتها..
يعرف بل هو مدرك إنها تتعمد فعل الألاعيب النسائية عليه بينما هو فقط مستسلم بغباء.. متعمد..
أجابها كارم بتلقائية
((فداء أردت أن أتواصل معك من أجل موضوع جالا وبنفس الوقت لا شيء جديد بالموضوع))
تردد الصمت بينهما لمدة وهي مستمرة بوضع الهاتف على أذنها تتنظر وصول صوته..
بينما أشعل سيجارته وقد صار التدخين عادة ملازمة له منذ أن اغترب ليقول أخيرا من تحت الدخان الذي يُحيط به
((فداء.. أنت لا تفهميني.. حتى لو أنهيت كافة أموري معها.. فهذا لن يغير شيئا بيننا.. ذهني مشوش قليلا وأشعر أني لا أريد أن تزوج بعمري هذا.. أفضل إنهاء دراستي بروسيا أولا.. هذا ما أردته وخططت له منذ زمن.. فقط لو تتفهم أمي وتتوقف عن رسم حياتي كما تريد هي.. فداء.. لا تسيئي فهمي أنا احبك ولا أريد لعلاقتنا أن تنتهي.. ربما أريد لنا أنا وأنتِ أن نتعرف أكثر.. ما رأيك بما أقوله؟))
هزت فداء رأسها بخيبة وعيون مغيبة..
يبدو أن فكرة الزواج كلها ملغية تماما بالنسبة له..
هل كان يريد الانفصال عن جالا لأنه لا يريد الزواج من الأساس لا لأنه أعجبك بها وأحبها؟
إذن لم علقها به وطلب مواعدتها ووعدها بخطبتها؟ ما ذنبها؟
اعتصرت فداء أناملها الهاتف اعتصارا لترد بتحشرج
((عندما تكون الدراسة هي أولويتك الأولى والأخيرة يا كارم وعندما تستمر بالتكرار على مسامعي طوال الوقت أنك غير مستعد.. فهذا لا يضع فقط علاقتنا في مرحلة توقف ولكنه أيضًا يجعلني أدرك أن القرار معلّق بموافقتك أنت لا أنا.. كيف تريد من علاقتنا أن تستمر وبنفس الوقت لا تريد الزواج؟ أظن أنه علينا التوقف عن التحدث بشكل نهائي ونلغي كل ما بيننا))
وقف من مكانه ليضرب الأريكة بقدمه متمتما بكلمات حانقة..
لا يعلم أي حظ هذا من يوقعه بفتيات لا يفكرن إلا بالزواج باستماته..
كيف سيخرج نفسه من ورطة فداء وهو لم يستعملها إلا كحجة للانفصال عن جالا وهي لم تكن لتستجيب له لولا دناءتها..
استطاعت فداء أن تسمعه تمتماته الغاضبة مما أرعبها داخليا وخشيت فعلا أن ينهي علاقته بها..
لكن عادت تنفي بقوة داخلها نفسها.. عليها أن تبقى بنفس الصلابة..
شهر بالنسبة لها هو أكثر من كافي له للتعرف عليها والانفصال عن جالا ثم طلب يدها للزواج..
فهدرت وبصوت لا يخلو من الانفعال
((لم غضبت؟ بما أخطأت أنا؟ كل ما طلبته منك هو أن تتوقف عن التحدث معي أو لقائي حتى تطلبني رسمياً من والدي.. أنا أكرهك.. ليتني أموت وأنتهي من هذا العذاب))
شردت بأفكار أخرى تتيه وتغرق بها..
شعرت وكأنها وسط نيران غير قادرة على إحراقها ولا هي قادرة على إخمادها..
قاطع كارم شرودها وهو يزفر بضيق ثم يتمتم بصوت مبحوح
((كفى يا فداء.. لو كان يطفئ شكك بما أكنه من مشاعر تجاهك فسأخذ اليوم موعدا من أبيك وأتقدم لطلبك رسميا.. سأفعلها الليلة هذه إذا أردت.. ما رأيك؟))
ما أن أنهى جملته حتى ردت عليها بعنف وخيبة
((هل تسايرني يا كارم وتكذب عليّ؟ كان عليّ إدراك هذا الأمر مبكرا.. أنت تخدعني يا كارم.. أصبحت متأكدة بعد أن رأيت ترددك هذا.. يبدو أن جالا لم تكن تكذب وهي تحدثني عن علاقتكما وكل ما بينكما.. أنت لا تريد الانفصال عنها))
عصر على قبضته لعله يخفف من قلة الحيلة التي يظن أنه يشعر بها ثم هدر بخشونة وهو يكز على أسنانه
((سأتحدث مع جالا بكل وضوح الآن وبعد أن أنهى مكالمتنا هذه.. وبعدها سأنهي كل ما بيننا بشكل رسمي أمام والدها وقبل سفري.. وما أن تستقر الأمور ونعبر هذه المحنة حتى أتقدم لخطبتك.. هل أنتِ سعيدة؟ لكن عليّ وقبل كل شيء أن أتناقش مع عائلتي وأوضح لهم حقيقة مشاعري إزاء كل شيء خاصة وأنهم لا يعرفونك أبدا.. حسنا؟))
عاد شعور الحزن والشفقة يفتك بها لما ستفعله بجالا ولكنها سارعت بمحي هذه المشاعر فهي بحاجة أن تكون أصلب إذا أرادت إكمال ما بدأت به هي وكارم..
ثم عاودت تفكر بانها فعلا لا تعرف عن عائلة كارم أي شيء..
هي تعرفت عليه شخصيا منذ شهر وبالكاد تعرف عنه أشياء بسيطة..
لكن مع ذلك حزنت أنه لا يحدثها عن عائلته أو أصدقائه.. وأن أفراد عائلته ليسوا حتى على علم بوجودها.. على عكس جالا..
الآن وبعد إعادة النظر هي تشعر بحرقة الغيرة تجاه جالا.. فهدرت له بصوتٍ متحشرج
((إذن حدثهم عني يا كارم فمن الطبيعي أن يتناقش الشاب عن فتاته مع عائلته ويقدمها إليهم لكي يتعرفوا على زوجته المستقبلية.. إذا كان فعلا ينوي الزواج منها))
قالت جملتها الأخيرة له وهي تشدد عليها..
فعليها أن تتعرف على عائلته وتربح احترامهم.. وجعل أفرادها يحبّونها ويقدّرونها ويحسبون لها أيّ حساب كي يحبّها كارم أكثر..
هدر كارم بحنق
((يا إلهي فداء.. أنا أريد ثقتك.. فقط الثقة))
صمتت للحظة قبل أن تقول بنبرة ذائبة بشكل مصطنع
((إذن عندما تنهي كل شيء وتكون مستعدا.. تذكر أن هناك فتاة تُدعى فداء تحبك.. فلو أردتها فعلا أنت تعرف جيدا الطريق إلى باب بيتي.. مللت من سؤال نفسي متى ستنهي أمورك مع جالا وتتقدم رسميا لي.. كل صديقاتي المرتبطات بفتيان قد ارتدوا تلك القيود الذهبية حول أصابع البنصر وحتى أن معظمها انتقلت من اليد اليمنى لليسرى إلا أنا))
إنها تتفهم أسبابه التي تجبره على التريّث قليلاً للتقدم لها..
لكن في الوقت نفسه عليها أن تجعله يدرك أنها لن تنتظره طوال عمرها كلّه كي يطلب يدها..
فجأة اخشوشن صوتها وهي تقول بجفاف خانه الارتعاش
((إذن وداعا يا كارم.. وأخبرني أخر المستجدات))
ثم أغلقت الخط في وجهه..
أراد كارم حقا أن يقذف هاتفه أرضا بغضب إلا أنه تجمد وصُدم برؤية الباب يُفتح من قبل والدته وهي تدخل وتغلق الباب خلفها وقد بدت الجدية واضحة على ملامحها..
اقتربت والدة كارم منه لتمسك بكتفيه قائلة بدون أي مقدمات
((كارم.. سمعت مكالمتك كلها.. لطالما شعرت أنه هناك خطب ما فيك منذ زمن.. والآن فقط عرفته.. لا تقلق يا روحي.. أنا لن أبدي أي شخص في العالم عليك.. لا تهمني إلا سعادتك.. وإذا كانت سعادتك مع غير جالا.. فأخبرني من تكون تلك الفتاة وسأخطبها لك الآن))
===============================================

بثوب بيتي اسود ناعم يصل لم قبل الركبتين وبقدمين حافيتين كانت إيمان بالمطبخ تعد العشاء بعد أن أنهت مراجعة دروس ابنها عدنان ذي الست سنوات حتى قاطعتها صديقتها باتصال هاتفي وانشغلت معها لوقت قصير..
في الأيام الماضية لم تجد غير صديقتها كملجأ لتحكي لها عن بعض مشاكلها ومكنونات قلبها دون الخوض بأمورها الشخصية مع احمد..
فكل ما يتعلق بحياتها الزوجية هي مقدسة لها وحتى والدها وعائلتها تحرص ألا يروا حالها مع زوجها وابنها إلا بصورة مثالية..
استشعرت صديقتها من نبرة صوتها مسحة حزن فسألتها عما إذا ما كانت تواجه مشاكل مع زوجها..
ابتسمت إيمان وهي تجيبها بسخرية مفتعلة بينما تضع الجبن في الطبق لتضعه على الطاولة
((لا أبدا.. علاقتنا من أفضل ما يكون كالعادة.. بل على العكس.. أخيرا بدأت تقل محاولة والدته للسيطرة عليّ.. يا إلهي كم كنت أكره تعلق والدته به هو دونًا عن شقيقه الأكبر إياد))
أتاها صوت صديقاتها مازحا
((هل تريدينه أن يكره امه؟))
جهزت إيمان طبق لكل من الفلفل الأحمر الدائري والزيتون وهي تجيبها بجدية تخللتها بعض الغضب كلما تذكرت تعلق احمد المرضي بوالدته حد وصول الأمر إلى مشكلات كبيرة عند اتخاذ القرارات ورغبته الدائمة في تنفيذ أوامرها مهما بدا الأمر غير منطقي
((لا طبعا.. لما تتحدثين معي وكأنك احمد تماما؟ عليكِ التفريق بين الشخص الذي يحب والدته ويحترمها ويحترم أراءها.. وبين الشخص الذي يرى أن والدته لها كامل الحق في كل شيء مهما بلغت خصوصية هذا الموضوع وذلك القرار بينه وبين زوجته.. وعدم احترامه لخصوصية علاقتكما ومعرفة والدته بكل شيء يجري بينكما))
همهمت صديقتها بتفهم وهي تتخيل كم أن هكذا حياة يمكن أن تكون مُرهقة للغاية..
غمغمت إيمان لها بتحية سلام متعللة باقتراب موعد وصول زوجها وأغلقت الهاتف..
وقبل أن تكمل إعداد العشاء زفرت بعمق وهي تنظر للبيت الهادئ شاعرة بخواء يعمه ويعم داخلها بقوة..
لا بانقطاع شقاوة وصراخ ابنها مع نومه المبكر المعتاد فقط بل وباستمرار الخصام بينها وبين احمد..
وما يزيد الأمر سوءا أن قربه أصعب من بعده عندما يعاملها بهذا الجفاء..
وضعت العصير الطازج على الطاولة وبدأت تجهر شرائح البطاطا الساخنة عندما سمعت صوت فتح الباب كإعلان عن وصوله فأغمضت عينيها تلتمس قوة لم تعد قادرة عليها..
توقفت خطوات احمد حين كان يخطو نحو حجرة نومه عندما سمع صوتها يأتيه من المطبخ صارخا..
كانت إيمان لم تنتبه إلى المياه القليلة التي تملأ الأرضية فانزلقت قدمها لتجد نفسها ساقطة عقب أن لوت قدمها..
وقعت عيناه عليها جالسة على الأرض وتمسد قدمها..
شعرت بحضور عطره فالتفتت إليه وهو يتقدم منها يسألها بخوف
((هل تتألمين؟ هل أصبتِ في أي مكان؟))
هزت رأسها نفيا ودموعها تتلاحق على وجنتيها من شدة الألم..
حاول بطرف أصبعه أن يضغط بقوة على الكدمة لتجفل تلقائيا من الألم الذي لا يتزحزح عنها وهي تصرخ به
((تبا لك احمد.. المسها برفق))
زفر بحنق ولم يستطع منع نفسه من الشعور بالغضب لشتمها إياه بدون أي احترام وقد نسي إصابتها..
لكن طلب منها بصوت مكتوم من الغيض أن تحاول الجلوس ليحملها من مكانها ويضعها جالسة على أقرب كرسي..
جلس على ركبته أرضا وهو يأخذ قدمها ليتفقد مدى إصابتها..
بدا عابسا وغاضبا وهو ينهرها
((إلى متى إهمالك وقلة اهتمامك؟ كيف لم تنتبهي على الماء أرضا))
انكمشت إيمان من ردة فعله..
ما به هذه الأيام يوبخها بسبب وبدون سبب ويعلق على أشياء لأول مرة ويبالغ بما يقول!
بينما هو عاد يتطلع إلى قدمها بعطف وإشفاق ليتفحصها سالبا منها شهقة إجفال تلتها صرخة مكتومة متألمة بسبب ضغط أصابعه مرة أخرى عليها..
انتبه فجاءة لعدة كدمات أخريات على ساقها وقد بدت أنها حاولت تغطيتها بمساحيق التجميل لتخفف من ظهورها..
شعر بلمسة قلق عليها تخالط مشاعره فسألها تباعا بهلع وهو يشير إلى كدماتها
((ما الذي حدث؟ من الذي أذاك؟))
للحظة أجفلت من التماع عينيه فبرز لون عينا احمد الأزرق المشابه للون عينيها بوضوح ليس معتاد..
عادت تنظر لكدماتها تذكر الموقف الذي لا تحسد عليه والذي حدث معها صباحا في منتصف إحدى الحصص الدراسية..
عندما قفزت إحدى الطالبات من مقعدها تصرخ وتقول "حشرة"..
ليدب الرعب بين جميع الطالبات ويخرجن مسرعات من الفصل..
وطبعاً هي كانت أول الهاربات من الفصل ومن خوفها على نفسها لم يخطر ببالها حتى أن تحاول مساعدتها..
وخلال ثواني كان الفصل فارغ إلا من الطالبة التي تصرخ وتنفض ثيابها.. حتى توقفت عن الصراخ لاكتشافها أن الحشرة التي رأتها على ملابسها ما هي إلى خيوط سوداء متجمعة..
ومن شدة ما ضحكت بصوت مرتفع مع الطالبات انتبهت متأخرا للألم والكدمات على ساقها التي أصابتها من جراء حركاتها أثناء صراخها..
ولم تجد إلا أن تغطي الكدمات بمساحيق التجميل حتى لا تظهر بما أنها معتادة على ارتداء تنانير فوق كاحليها بقليل..
سخرت إيمان من نفسها وخرجت منها ضحكة صغيرة أثارت استيائه ومحت كل الخوف والقلق من قلبه عليها ليعود للحنق عليها..
تمتمت إيمان وهي تعود لتتطلع لعينيه بافتتان أفلت منها لجامه
((حادث بسيط تعرضت له صباحا بالمدرسة))
ثم ابتسمت بتسلية له رغم المها الشديد لتضيف
((هل أنت خائف عليّ؟))
أستقام احمد هادرا بجمود دون أن ينتظر ردها
((غيري ثيابك سنذهب إلى المشفى))
أوشكت أن تعتذر لضحكتها بموقف أبعد ما يتحمل ذلك ولكنه لم يترك لها مجال وهو يبتعد عنها..

duaa.jabar likes this.

Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-20, 07:32 PM   #13

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

===============================================
تقدمت من سارا صديقتها ديمة وهي تحييها بحاجبيها لتنفرج شفتي سارا بابتسامة تُظهر صف أسنانها التي أظهر احمر شفاهها الفاقع اللون بياضها..
ثم قالت سارا لمن معها على الخط قبل أن تغلقه
((لا.. أنا فعلا لا أستطيع القدوم.. لكن سأفكر بالموضوع.. هل يمكن أن تقطع الخط.. هناك مكالمة مهمة من والدتي.. إلى اللقاء يا حبيبي سأراك بسهرة الخميس القادم))
سألتها ديمة بتسلية وقد كانت سمعت أخر جملة من حديث سارا على الهاتف قبل أن تنهي مكالمتها
((هل حبيب سهرة الخميس القادمة هو نفسه حبيب سهرة الخميس الماضية؟))
وسرعان ما ضحكت ديمة بسخرية على سؤالها وشاركتها سارا الضحك براحة لتقول وهي تهز كتفيها
((هل تصدقين يا ديمة أني أنهيت المكالمة معه وانا لا أتذكر أساسا اسمه؟ لكن لا يهم سأغير رقم هاتفي لأتخلص من كل الصعاليك الذين يلاحقوني.. أغلبهم زملائي بالمدرسة.. والآن بعد أن تخرجت من المدرسة فأريد أن أجرب مواعدة الرجال الأكبر سناً))
لوت ديمة فمها وهي تهز رأسها تأكيدا على ما تقوله بمشاكسة
((سارا أنت تعيشين حياة رائعة قبل أن تكملي حتى عامك الثامن عشر))
فرقعت سارا أصابعها وقد بدت أنها تذكرت شيئا مهما.. لتهتف بديمة وهي ترفع سبابتها أمامها
((يا إلهي لقد تذكرت.. كما تعلمين حفلة عيد ميلادي الثامن عشر ستكون بعد اقل من ثلاثة أشهر وسأحتاج مساعدتك ببعض الأمور.. أريده حفلا مميزا لذا بدأت التجهيز قبل الحفل بست أشهر كما تعلمين))
اقتربت خطوة منها لتردف حاسدة بمزاح
((الم أخبرك أنك محظوظة.. أنتِ ما زلتي يافعة.. أتمنى لو أعود صغيرة بعمرك بلا هموم.. بعمري هذا أنا مجبرة لحضور المواعيد المدبرة من قبل والدتي فأنا أسير بخطى حثيثة نحو الخامسة والعشرين))
ردت سارا عليها بابتسامة لطيفة
((لا تبالغي.. العيش بعمري ليس سهلا أبدا.. والدي يضغط عليّ لأجل الدراسة.. انه يجبرني على الحضور للشركة بشكل يومي لعلي أحب العمل وأتحفز للدراسة ودخول الجامعة.. المهم أخبريني.. كيف كان موعدك المدبر السابق؟))
هزت ديمة كتفيها بلا مبالاة وهي تفكر بتلك المواعيد المدبرة التي تبعث دائما على التوتر فيها..
حيث يلزمها التحضير لها لأيام من أجل الظهور بمظهر أنيق وتجنب التصرف بفظاظة أو الوقوع في موقف غير متوقع وينتهي الأمر بأن لا يسير كل شيء بالطريقة التي خططت لها..
فتقع ضحية لموعد فاشل ينتهي بشكل كارثي.. أو يترك لديها ذكرى سيئة بسبب تصرّف الطرف الأخر..
بينما كانت سارا لا تفكر إلا بالذي يمشي بالممر أمامها لترفع حاجبيها بمجرد تلاقي أعينهما وكأنها تستشيره بالذهاب إلى المقهى..
فيشير بحركة رأسه أن تتبعه إلى هناك..
جفلت سارا على سؤال ديمة لها
((بماذا شردتِ يا سارا؟ بذلك المتدرب الجامعي؟ ما هو اسمه ذكريني؟))
غرقت بضحكة خافتة لتجيب تلك الشقية أمامها بتلقائية
((اسمه راجي))
عقدت ديمة حاجبيها هادرة
((انه يظنك موظفة أو متدربة مثله هنا ولا يعرف حتى عمرك الحقيقي.. صحيح؟ ولا أظنه يعرف أن والدك يمتلك حصة أسهم تتجاوز النصف من أسهم هذه الشركة المرموقة))
هزت سارا رأسها مؤكدة على كلام ديمة..
ذكرتها ديمة بما قالت
((أظن أن عمره عشرين عاما.. الم تقولي للتو أنك تطمحين لمواعدة الرجال الأكبر سنا؟ أم هو مختلف كفاية ليكون تَحديك الجديد؟))
لم تجبها سارا وذاكرته تعرض أمامها أول لقاء لها معه منذ أن بدء تدريبه هنا..
كانت مسبقا تنتبه لنظراته التي تلاحقها وتعرف أنها تلفت انتباهه رغما عنه وما أن تمسك به متلبسا يحدق بها حتى يشيح برأسه بعيدا على الفور وبخجل..
أول مرة تحدثت معه كانت سجائرها قد انتهت فتقدمت منه تطلب سيجارة ليرد عليَّها بعفوية "لا".. فردت عليه ببساطة "شكرًا" وانصرفت..
لحقها فورا وأخبرها أنه كان يمازحها..
وقد بدا أنه استغرب كل هذه الجدية في التعامل مع دعابته وقد أعجبها الانطباع الذي أخذه عنها..
ثم اعتذر منها وأخبرها أن علبة السجائر الموضوعة على طاولته ليست له وانه أصلا لا يدخن ويكره التدخين بصفة خاصة..
ومن موضوع التدخين بدأ نقاشهما ليستمرا بتجاذب أطراف الحديث بكل مرة يريا بعضهما..
بعدها أصبحا يتحدثان بشكل أطول ويتناقشا في كل مرة كل ما يخطر ببالهما.. قبل أن يصيرا صديقان عاديان..
أخرجتها ديمة مرة أخرى من شرودها وهي تخمن
((تبدين حقا معجبة به مع انه لا يبدو من نوع الشباب المفضل لك.. ولا يمتلك نفس درجة انفتاحنا.. يبدو معقد ومنغلق))
عقدت ديمة حاجبيها وهي ترى نظرات تائهة تحتل مقلتي سارا لأول مرة وهي تجيبها بصراحة
((لا أدري إذا كان ما أكنه إعجاب أو لا.. ولكن أنت تعرفين أن ضغط والدي عليّ الفترة الماضية جعلني أصاب بشكل مؤقت بإحدى أنواع اضطراب القلق كلما دخلت هذه الشركة.. كنت بلا إرادة مني أتفقد ساعتي كل دقيقتين وأحسب الوقت الذي يمر بي.. كنت أتوتر أيضا إذا تحدثت باستفاضة لئلا أزعج الأخرين.. وأتوتر إذا لذت بالصمت طويلًا لئلا يعتبرونني مملة.. لكن عندما خرجت مع راجي أول مرة دخلنا في نقاشٍ طويل ثم نظرت لساعتي.. وجدت ثلاث ساعات قد انقضت.. وقت طويل أذهلني أنني لم أشعر به.. هنا وقع شعرت بقلبي يقع بانجذاب لراجي.. وشعرت برغبة شديدة في أن أبقى معه أكثر.. فيه شيء مختلف عن كل شبان الذين عرفتهم سابقا))
أحست سارا بنبضات قلبها تزداد أثناء حديثها إلى سرعة جعلتها تحس بالدوار..
لكن مع ذلك شدت وقفتها وهي تتمتم تحية الوداع لديمة بينما تحمل حقيبة كتفها الأنيقة لتسرع بخطواتها للمقهى وتلحقه..
جلست على مقعد مقابله بمقهى الشركة وبقيا لدقائق صامتان ويحدقان في كوبي قهوتهما كعادتهما بالبداية..
كان راجي مأخوذ بأفكاره عنها كعادته..
هو لا يعيش بمحيط يسمح له بالاختلاط مع الكثير من الفتيات..
ومن جهة أخرى لم يسبق له من قبل وإن خطفت فتاة عقله وفكره مثلها..
سألها بابتسامة بسيطة ليستدعي انتباهها
((لم كنت أنت وصديقتك تحدقان بي؟))
رفعت سارا حاجبيها وهي تجيب بتسلية عقب أن ارتشفت من كوبها
((نحن الاثنتان معجبتان بك.. لم؟ هل تمانع؟))
هز كتفيه وقد ازداد شق ابتسامته ليخرج لها لسانه بشقاوته التي لا تنتهي مهما كبر بالعمر رغم الجدية والوجوم الذي يلتصق بوجهه أمام من لا يعرفه حقا..
ضحكت سارا عليه وبدون أن تشعر القت بالمعلقة الصغيرة الموضوعة بجانب فنجان القهوة باتجاهه فالتقطها وهو يبتسم..
أخدت نفسا للحظة.. ثم وجدت نفسها تسأله عن شيء قديم أزعجها به من أول لقاء بينهما
((وماذا عنك؟ لم تحدجني بهذه النظرات وكأني لا أعجبك؟ ألا تعجبك ملابسي مثلا؟))
لوت فاها تسترسل وهي تقترب برأسها منه
((راجي الزم حدود ولا تفكر أنه يمكن أن اسمح لك بالتدخل بي))
اسند ظهره على الكرسي وهزَّ كتفيه دليل اللامبالاة ليجيبها بثقة وهو يلوح بالملعقة أمام وجهها
((لم تظنين هذا؟ هل سبق وان علقت على شيء يخصك من قبل يا سارا؟ وهل أساسا املك أي سلطة عليك تمكنني من التدخل؟))
ضحكت ضحكة خافتة وساخرة وهي تخبره بتحدي يعجبها الخوض به
((ولا إنسان يملك سلطة عليّ حتى والدي))
شيء بداخلها جعلها تشعر برغبة بالاسترسال عن نمط حياتها وعالمها له
((هذه أنا.. أحب المكياج.. وأرتدي ثيابي على الموضة وأرفّه عن نفسي.. وأخرج دائماً مع صديقاتي وأغني وأفرح وأسهر في الأماكن التي تقدم الأرجيلة وحفلات الكاريوكي والحفلات الشرقية.. لا تهمني نظرة الناس إليّ أو تعليقاتهم.. وليس لدي مشكلة في شرب البيرة والرقص.. ولا أواجه المشاكل مع ما أرتديه إلا مع أقربائي الذين لا يتقبلون الأمر لأنهم يعيشون هنا.. أما والديّ الاثنان فقد عاشا بالخارج وتصبغا بعاداتهم.. كما وأصرا والديّ على ذهابي أنا وأخي الأكبر على الدراسة لأخر سنة دراسية بمدرسة خاصة هناك))
كان متعجب منها وهي تسرد له أغلب الأمور المتعلقة لحياتها..
حتى وصلت للفظ البيرة ليجد نفسه ينفر داخليا من هذه الكلمة فالخمر أم الخبائث ومفاسدها على الدين والبدن والعقل لا تخفى على ذي بصيرة..
لم يستطع أن يتحكم بخلو محياه من ملامح الانزعاج والصدمة بها..
سألها بتردد ما إذا كانت ترتاد الملاهي الليلة دائما فأجابته بتلقائية وهي تهز كتفيها
((لم أحاول أي مرة أن أدخل إلى ملهى ليلي لأنه لا أعتقد أنه مناسب لعمري لذلك أفضل المطاعم والمقاهي الشرقية فقط))
وجد الوضع أهون قليلا فهو لن يستطيع حتى أن يجلس مع شخص يشرب ولا يستطيع حتى مجاملته في ذلك بل كان سيكتفي بوعظه ونصحه وتذكيره بالله ويغادره..
لكن مهلا! عاد سؤال يراوده باستغراب ليسأل أيضا بتردد
((لحظة.. كم هو عمرك؟))
أخيرا سألها عن عمرها الذي بدا جاهلا له من البداية وهو يظنها غالبا موظفة لأن والدها جهز طاولة لها بمكتب ديمة مع أنها لا تقوم بشيء في المكتب إلا بتصفح مجالات الموضة معظم الوقت وتتسكع بممرات الشركة بما يتبقى من موعد الدوام..
ابتسمت سارا بخبث وهي تخبره
((سأبلغ الثامنة عشر بعد عدة أشهر.. وسأقيم حفلة عيد ميلاد ضخم وأنت بالتأكيد مدعو له))
فتح عيناه على اتساعهما كما جعلته الصدمة فاغر الفم دون أن يستطيع النطق بجملة مفيدة وهو يهتف بارتباك
((ماذا؟ م ماذا؟ لكن.. أنا ظننتك أنك حتى تكبريني بالعمر.. لقد ظننتك موظفة.. هل..))
صمت قليلا وهو يتأملها بدقة أكثر فعلى ما يبدو أن مبالغتها بوضع زينة وجهها وتعمدها اقتناء وارتداء ملابس ضيقة تظهر مفاتنها وشخصيتها البعيدة كل البعد عن براءة الفتيات بجيلها جعلها تبدو أكبر من عمرها..
أما من جهتها بدت منزعجة ولم يعجبها أبدا ظنه عنها أنها بعمر أكبر من عمرها الحقيقي..
هتفت له متذمرة
((ما بك مصدوم إلى هذا الحد؟))
ما لبث إلا أن هز كتفيه وابتسم وهو ينظر إليها.. ثم شرد بأفكاره تارة أخرى..
حتى مع صغر سنها ومقاربتها له بالعمر فسارا ليست تلك البريئة التي تطمح إلى زوج وبيت كمعظم بنات محيطه الذي عاش به..
ودائما ما تصرح له بفخر عن أفكارها هذه ولا تخشى من نظرة المجتمع لفتاة مستهترة مثلها..
مع انه هو الرجل.. وليس الرجل كالمرأة هنا ببلاده.. إلا أنه يخشى من نظرة الناس المحيطة له..
ولمَ يتعجب من طريقة تفكير فتاة عاشت طفولتها وهي تجوب كل أوروبا؟
لا يعرف ما يجذبه ليحافظ على صداقته بها وبذات الوقت لا يقبل على احدى أختيه اللتان تكبرانه حتى أن يصاحبن من هن على شاكلتها..
هل هو منافق لأنه يكمن لها في قلبه مشاعر إعجاب خارجة عن إرادته تجاهها ومشاعر أخرى احتقار لما هي عليه من تفكير وتصرفات؟
فهو كما يعرف واعتاد وتربى عليه من صغره أن الناس في التواصل الإنساني والاجتماعي لا يجتمعون في محيط واحد إلاّ حينما تجمعهم صفات مشتركة..
كما اعتاد سابقا ألا يصادق إلاّ من يرى فيه شيئاً من مبادئه وقيمه التي تربى عليها وممن يجد لديه بعضاً من ذاته..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-20, 07:33 PM   #14

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

===============================================
بعد أن تأكدت إيمان من نوم ابنها عدنان التقطت قميص النوم الأسود القصير الثمين الذي اشترته اليوم خصيصا له لترتديه..
لقد طال الأمر ولم تعد تتحمل فبالرغم من أن احمد عاد للتحدث معها بشكل عادي بعد أخذها للمشفى بعد وقوعها ذلك اليوم إلا أنه لا زال يهجرها..
المعنى الأصح أنها هي من تهجره ولا تزال تنام بغرفة ابنها..
فالمفترض أنها هي من تخاصم وتتدلل ومن تنتظر قائمة مطولة بالاعتذارات عن سبب غضبه عليها المبالغ به بتلك الليلة.. ليلة شجارهم..
والآن كل ما تتلقاه منه فقط هدوء وجمود مقيت وبدون القيام بأي مبادرة لمصالحتها..
صحيح أن ما فعلته هي ليس مقبولا ولكنه هو من أخطأ بحقها أولا ودفعها لردة الفعل تلك..
أنهت إيمان زينتها بعد أن بالغت بها وبوضع عطرها المفضل له ثم ارتدت الروب فوق القميص..
وما إن وصلت لحجرة نومهما أخذت عدة أنفاس قبل أن تفتح باب الحجرة بهدوء دون أن تطرقه ثم أغلقت الباب خلفها..
اقتربت إليه بخطوات مرتعشة وهي تسمع صوت تنفسه غير المنتظم لتتأكد أنه ما زال يحاول النوم..
هي تعرف أن نومه كان سيء بالليالي السابقة وأصابه الأرق حد أنه كان يستيقظ ويخرج من الغرفة كثيرا بعد منتصف الليل..
ألهذه الدرجة وجد صعوبة بالنوم من دونها بجانبه ليلا؟
جلست إيمان بجانبه على طرف الفراش وهي تطلق أنفاسها ليفتح عينيه ويواجه بحر عينيها الأزرق..
حاولت أن تهمس باسمه ولكن مشاعرها من هذا البعد خنق الكلمات في صدرها.. فأخذت تكتفي بالنظر في عينيه بعجز..
وهو يقابلها فقط بالبرود بينما عيونه مستمرة بتبادل النظرات معها ولكن بعمقهما لا ترى شيئا إلا البرود تجاهها..
هل تراها أطالت البعد وزاد الجفاء بينهما؟
خلعت الروب وأبعدته عنها ليسقط أرضا ويظهر كتفها المكشوف.. وبصوت مبحوح طلبت منه أن يبتعد لترقد بجانبه..
أخر ما توقعته أن يزيح مجالا له ثم يلف نفسه ويعطيها ظهره..
أرادت الاعتراض وفتحت شفتاها المرتجفتان إلا أنها لم تنطق بشيء..
بتلقائية أضجعت بجانبه واحتوت جسده من الخلف وهي تشعر بعاطفة جياشة وهو لا يزال يقابلها بالبرود بل وتمكن من إبعاد نفسه عنها لتتزايد أنفاسها بقلق..
تبا له كيف يستطيع المقاومة هكذا بينما هي تموت شوقا إليه؟ بل إن أوصالها بدأت بالارتعاش بمجرد أن لامسته؟
انهمرت دموعها فهمست بعتاب من بين شهقاتها بصوت مثير للشفقة
((أنت لا تبدي إعجابك بأي شيء بي.. أسوء شيء بالنسبة لي كأمرة هو أن تحيطني كلمات الإعجاب طول الوقت سواء بجمالي وملابسي أو بتصرفاتي وعملي لكنها لا تأتي من زوجي.. نحن النساء جميعًا نرغب في سماع كلمات الإعجاب ممن نحب ونكتفي بهم عن العالم.. واستمرارك في تجاهلك لي يجعلني ابدأ في احتقار ذاتي والتقليل منها))
اعتدل احمد من مضجعه ليلف ذراعيه حولها وقد أثرت كلماتها به قليلا فبدأت تبكي وتهتز بالنشيج تاركتا إياه يحضنها وهو يدفن وجهها في صدره..
رفع يده تمسك بمؤخرة رأسها قبل أن تتحرك فوق رأسها ببطء وبلطف ليسح شعرها كأنه يواسيها بشيء ليس له أي علاقة بما تشعر به..
لكنه داخليا شعر بالحزن عليها..
ولكن ماذا عساه يفعل؟
هو بالفعل يتحامل على نفسه كثيرا..
ربما ظاهريا زواجه ناجح بكل المعايير.. لكنه ومهما واصل حياته الزوجية بشكل طبيعي إلا انه دائما ما يعيش في أعماقه خيالاته الخاصة به.. مع من أحبها في قلبه..
دائما ما يجد نفسه كثير السرحان والانفصال عن الحقيقة كأنه يريد أن يبقى أطول مدة ممكنة في أحلام اليقظة أو أحلام النوم..
لذلك فهو يعلم أنه لا يشعر ولن يشعر بالسعادة في زواجه.. مهما حصل عليها.. لا مع زوجته ولا مع طفله عدنان..
رغم أنه لا ينكر أن إيمان زوجة رائعة وتؤدي كل ما عليها تقريبا..
ولكنها لن تتمكن من اكتشاف الحزن في أعماقه سواء أن أظهره بالعلن أو في خلواته..
بينما كانت إيمان مستمرة بالبكاء بين أحضانه بكل الغضب والألم الذي جعلها قريبة من الهستيريا بدأ بكاؤها يخفت بالتدريج حتى توقفت عن البكاء..
لكنها لم تتحرك وبقي وجهها مخبأ في صدره وهي تكافح لتسيطر على شهقاتها..
أخيرا مدت يدها لتمسح الدموع عن وجهها وهي تتنهد بحسرة..
فأرجع احمد رأسها إلى الوراء ليهمس بهدوء لها
((هيا نامي هنا الآن.. لدينا عمل مبكر غدا أنا وأنتِ))
أومأت رأسها موافقة وهي تستلقي بجانبه مع أنها لم تشعر بالسعادة وهي تعود للنوم بجانبه..
الجفاء والبرود كان مستمرا من جانبه فلم تستطع النوم طوال الليلة وهي تفكر وتتقلب على جمر الأرق..
وعلى الرغم من أن احمد بدا وكأنه غرق فورا بنوم سريع بالبداية إلا أنه ولساعات طوال بعد منتصف الليل ظل تحت وطأة الأرق لا يفكر بشيء عداها هي..
هي البعيدة عنه ومن وبات قلبه وعقله يجزمان على عدم نسيانها أمد الدهر..
قام احمد من مضجعه بهدوء حتى لا تستيقظ التي بجانبه ولم يكن يعرف أن النوم لم يزرها أبدًا..
خرج للشرفة ليستنشق هواء الليل العليل فبالأمس لم ينم بعد سماع صوتها لهيام قلبه..
لم يتجرأ أن يتحدث أو ينطق بهمس بعد أن وصل لرقم هاتفها وأتصل بها وسمع صوتها..
فبعد أغلقت هيام سماعة هاتفها ظنا منها أنها مكالمة من عابث ظلّت نغمات صوتها تتراقص على أوتار مسامعه..
وفي غفلة منه تسللّت إلى أطراف قلبه لتعلن اشتياقه إليها الذي كان بازدياد..
وبعدما تربعت صورتها في خيالها حاول أن يعود للنوم ويغمض جفناه المرهقين.. على أمل أن يراها في أحلامه..
لقد توقفت دقات الساعات منذ رأى صورتها بمخيلته في كل ثانية تمر بدونها معه منذ أن التقى بها بذلك النهار فالمول التجاري..
ما يزيد الأمر سوءا.. هو أنه يعلم أنها لم تتزوج حتى الآن..
ربما هو داخليا يعلم جيداً أنها تنظره كعهدها دوماً.. يعلم جيداً أنّ حبه لها ما زال كما هو لم يتأثر ببعدهم..
لم يتمكن بالسابق أن يفعل شيء سوى أن يأمل لليالي أن يجمعه الله بها..
لا يعرف كيف.. فقط يأمل أن يصحو في يوم ما ليجدها معه.. معه هي فقط..
===============================================
لقد ضيع كارم وقتا بما فيه الكفاية فأغلق باب غرفته بالمفتاح ثم تحرك ناحية الطاولة الصغيرة يختطف من فوقها هاتفه..
أجرى اتصالا من خلاله منتظرا إجابة جالا لعدة لحظات قبل أن تجيب فيهتف بجدية لها
((مرحبا جالا.. هل أنتِ متفرغة؟))
همهمت له بإيجاب فأخبرها أنه الآن واقف بشرفة حجرته وطلب منها أن تخرج لشرفة حجرة نومها المقابلة لشرفته..
أطاعته جالا وشعور دافئ جميل تسلسل إلى قلبها عندما طلب منها ذلك وهي تستعيد ذكريات الأيام الخوالي..
هم جاران منذ الأزل ومنزلهما متقابلان وتفصل بين شرفتيهما مسافة قصيرة يستطيع الواحد منهما سماع ما يقوله الأخر بوضوح ويسر وقد اعتادا منذ صغرهما أن يقفا على الشرفة متقابلين لبعضهما ويتحدثان عن كل شيء..
بقد شهدت هذه الشرفات حرفيا ذكريات جميلة ودافئة بينهما..
بالليل كانا يجدان متعة الاكتفاء بالتحديق بصمت في سكونه..
تارة يرقدان على الأرض وينظران لسماء المساء المظلمة وللنجوم البراقة..
وتارة يستندان بمرفقيهما على سور الشرفة ويحدقان ببعضها بابتسامة ليشعرا كأن الابتسامة صوت موسيقى عذب يصل لمسامعهما بذبذبات رقيقة فتزيد الجو سحرا وجمالا من حولهما..
عادت جالا من ذكرياتها للحاضر وهي واقفة بالشرفة تنظر له ومستمرة بالحديث معه على الهاتف بحديث عادي وروتيني..
بينما كان كارم أثناء حديثه معها وهو واقف بالشرفة ينظر للسماء.. للأشجار حوله.. وقلما ينظر أمامه لها..
مما جعل جالا تتجهم بعد مدة أثناء الحديث وتلتمع عينيها بالاستغراب والريبة فضلا عن نبرة صوته كلما توغل في الحديث معها..
لوهلة وبينما هي لا زالت واقفة بالشرفة لم تشعر بنفس السعادة كما الماضي بالرغم من أنهما لم يقفا بشرفتهما هكذا كما الآن منذ رحيله إلى روسيا..
تأكدت بأنه فعلا صار غريبا عنها.. ليس نفسه كارم الذي تعرفه بطفولتها..
عم الصمت بينهما ولا تدري لم اقتربت أكثر من سور شرفة منزلها لتحدق عن قرب بملامح وجهه الهادئة..
وكأنها تراه لأول مرة منذ سفره بتمعن..
لكن انحرف تفكيرها لتفكر بعقلها بأنه رغم غرابة كل تصرفاتها إلا أنه قد ازداد وسامة..
ابتسمت بهدوء له واستمرت بالتحديق ولا شيء إلا التحديق به.. فله وقع مؤثر جدا عليها.. له وقع لطيف خاص به هو عليها..
قاطع تفكيرها وسرحانها وصول صوته لها ببعض التردد
((إذن.. فداء لن تخرج معنا كما اتفقنا سابقا؟))
حاولت جالا التقليل من تأثرها الشديد به لتجيبه بهدوء
((نعم.. والدتها أو ربما أختها هي من منعتها من الخروج.. أختها خصيصا مزعجة جدا.. لقد تزوجت أختها وتعيش الآن مع زوجها بمدينة بعيدة عن عائلتها إلا أنها لا تزال تتسلط وتتحكم بفداء وكأنها دميتها الصغيرة.. تخيل أنها تتصل بأوقات عشوائية كل يوم بأمها حتى تتأكد من أن فداء وأختيها الصغيرات بالبيت ولسنا بالخارج.. إنها بغيضة.. لو كانت هيام مثلها لكنت قتلتها بيدي))
للحظات فكرت جالا بفداء فعندما تعمقت بمعرفتها شعرت بالاختناق كلما تخيلت نفسها تعيش حياتها..
فبالنسبة لجالا هي قد مارست استقلالها بشكلٍ تلقائي منذ طفولتها وكان هذا هو الشكل الطبيعي لحياتها..
تهتم بكل ما يخصها دون تدخل من أحد.. تمارس الهوايات التي تحبها وتخرج للنزهة وقتما تحب..
لم تأبه يوما لحنق أمها من تصرفاتها.. ولا حتى لوالدها الذي كان وجود بيت وبنات أخريات له ومسؤوليات ثقيلة جعله متساهلا معها واقل انتباها لتصرفاتها..
أتاها صوت كارد بعد تفكير منه
((ربما عائلتها يحاولون حمايتها من وحوش هذا العالم))
شعرت بنغزة تؤلمها بعد ما قالهخاصة وأن كارم يعرف ما يجهله الكل عنها..
هل كل ما حصل معها كان لوالديها علاقة به؟
هي تعرف أنهما حاولا قدر الإمكان عدم التقصير تجاههم وهذا ما يعيدها لحقيقة أنها هي المسؤولة بما حدث لنفسها وصغر سنها ليس عذرا كافيا..
قالت جالا بصوتٍ جاهدت ليبدو متزن وهي تؤكد لنفسها أن كلامه عفوي ولا يرمي لشيء أخر
((لا.. الأمر مختلف مع فداء.. فعائلتها تبالغ بشكل خانق بحمايتها والخوف عليها ووأدها من الحياة.. لطالما استغربت من أنها تُمنع من أبسط الأنشطة لأنها فقط أنثى.. وتبذل الكثير من التذلل والتمثيل والخدع السينمائية لإقناع عائلاتها للخروج لأي مكان.. وإذا وافقوا تفعله تحت الحراسة وتضل تبكي لي لضيق الوقت المخصص لها للخروج))
تنهد كارم وهو يفكر بأن عليه مبدئيا أن يذكر لها السبب الذي يريد من أجله الانفصال ألا وهو فداء كما اتفق أن يقول لها ومن ثم فعلها والانفصال..
فبدا صوته يخشوشن وهو يحاول رغم جفاف حلقه أن يدخل للموضوع تدريجيا
((لا أرى خطأ بما يفعلوه.. حتى أنا تغيرت الكثير من أفكاري عما كانت عليه سابقا.. أرى الآن أن كونها أنثى يعني أنها بحاجة للحماية دوما.. لا أحبذ فكرة اختلاطها مع الكثير من الأشخاص أو استقلاليتها.. أفضل أن تبقى ببيتها مكرمة))
حديثه أشعرها بالصدمة.. كارم أخر شخص تتوقعه بهذا العالم أن يتحدث بهذا الشكال..
ترى هل أصبح غريبا عنها إلى حد أنها لا تعرف كيف أصبح يفكر؟
للحظة صمتت قبل أن تقول بنبرة قوية
((لا كارم أنا لا أرى هذا.. هل تعرف ماذا؟ أنا دوما تضايقني ازدواجية المجتمع فيما يتعلق باستقلال المرأة.. فهو يشجع استقلالها في النواحي التي تصب في مصلحته.. مثل إدارتها للبيت واضطلاعها بالأعمال المنزلية وحدها.. واعتمادها على نفسها في رعاية أهلها دون أي مساعدة أو شكوى.. تحمل هذه المسؤوليات اليومية درجة مهمة جدًّا من الاستقلالية لا يتمتع بها أغلب الرجال الذين يموتون جوعًا لو عاشوا وحدهم يومين وتتحول بيوتهم إلى حظيرة فوضوية.. ولكن إذا رغبت المرأة في استكمال طريق استقلالها لأخره لتتحكم في حياتها ووظيفتها وأموالها ومصيرها والشكل الذي تريده لمستقبلها.. ينقلب الكل عليها ويطاردها بعبارات تُسفِّه منها.. ويطالبونها بالبقاء في المنزل.. هل سفرك للخارج هذه السنوات جعل منك متخلفا؟ ظننت أن العكس سيحدث لا..))
قاطعها بعنف فورا بعد أن بدأ الأمر محنى لم يقصده
((جالا.. اصمتي.. لا اسمح لك بالتحدث معي بهذا الشكل))
كانت تعابيرها تحمل الصدمة لكنها شعرت أنها تريد أن تفرغ كل مكنونا قلبها له.. وكل ما تشعره نحو تغيره اتجاهها..
فهتفت له بصوت مرتجف خائف ودموعها تتساقط رغما عنها بحالة يرثى لها
((الشخص الذي أتحدث معه الآن ليس أنت كارم.. لم اشعر أنك بدأت بالتغير منذ سفرك؟ منذ عودتك وأنت تحاول جعلي أكرهك.. كأنك تريد دفعي للانفصال عنك؟))
حاله هو أيضا لم يكن بالهين.. أغمض عينيه وشد عليهما..
رغم تصلب جسده كليا لكن قلبه أخذ ينبض بسرعة..
لم يتوقع أن تبكي قبل حتى أن يفاتحها بالموضوع لتزلزل كل ذرة فيه..
كان يجاهد كي لا يتأثر.. يقاوم مشاعره بأقسى الطرق..
عليه أن يفعل ما يراه لمصلحتهما.. نعم مصححتهما هما الاثنان..
فتح كارم عيناه ليهتف لها بعنف
((نعم جالا صحيح.. ظننت أنك غبية لتستوعبي حقيقة محاولاتي لدفعك أنتِ طلب الانفصال.. لكن على ما يبدو أنك تدركين ذلك ولكنك تستغبيني.. وتستغبين نفسك.. جالا أنا وأنت لسنا مناسبين.. أريد فسخ خطبتنا.. أنا أحب فداء صديقتك وأريد خطبتها هي.. إلى اللقاء))
أغلق كارم الخط على وجهها فورا وهو يخرج من أمام عينا جالا بالحال من الشرفة ثم ألقى بهاتفه فوق الفراش زافرا بقوة..
بينما شحب وجه جالا وهي تحدق بصدمة أمامها كأنها لا تعي ما قد حدث قبل قليل ليسقط الهاتف من يدها وهي تتمنى لو تستطيع الصراخ بأعلى صوت بانهيار ترج أرجاء البيت له..
بداخل حجرة كارم كان جالسا على سريره وهو يهز قدمه بتوتر شديد..
توًا قد استخدم أسوء طريقة وأسوء أسلوب للانفصال عن شخص ما.. نعم يدرك ذلك..
ولكن لا يهمه.. لينفصل بأي طريقة عنها مهما كانت.. المهم أن ينفصل الآن..
إذا لم ينفصل عنها الآن.. فسيكون الأمر أكثر صعوبة مستقبلا..
ما فعله هو الأفضل له.. ولها.. وعدا ذلك سيظلمها بالزواج منه..
لأنه لا يستطيع تقبل ما سبق وحدث لها..
لم يعد يدري شيء..
ربما هي مذنبة.. وربما هو ليس ذنبها..
لكن مهما بدا كشخص متفتح أكثر من كل شبان القرية من جيله..
لكن عندما يتعلق الأمر بما حدث مع جالا فلا يمكنه..
من الأفضل لها أن تتزوج غيره.. من شخص لا يعرف عنها ما لا يجب معرفته..
فكما يُقال.. حين تجد تفاحة سليمة وسط القمامة خذها من مكانها وقم بغسلها وتنظيفها ثم كلها..
إذا وجدت نفسك تثير للاشمئزاز من أكلها فلا تأكلها.. بل ضعها في مكان نظيف لعل غيرك يمر فيأكلها عندما يراها نظيفة غير آبه لماضيها أو مكان تواجدها سابقا..

9999yar likes this.

Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-20, 07:34 PM   #15

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

===============================================
بعد ثلاثة أشهر..
انتهى اجتماع احمد البسيط والذي كان بإحدى المطاعم مع زملائه الأطباء فتبرع احمد ليدفع عن الجميع فاتورة الطعام الفاخر الذي طلبوه..
فتح محفظته لتقع عيناه على صورة هيام..
كلما رأى صورتها أمامه حين يفتح المحفظة يدرك كم أشتاق لها وعيناه تحكي للصورة التي أمامه عن البُعد عنها وماذا صنع به..
نعم.. لقد جنّ حد وضع صورتها التي أخذها من محفظتها قبل ثلاث أشهر بالإضافة لرقم هاتفها الذي كان مكتوبا على ورقة بمحفظتها غير مباليا لأي شيء..
حتى إيمان والتي تكون قريبتها وتعرف شكلها لا يهمه إذا ما رأت الصورة مصادفة بمحفظته هو زوجها.. رغم أنه حريص على ألا يترك محفظته بلامبالاة..
حرك سبابته ببطء صعودا وطلوعا على الصورة وهو يكاد ينسى المكان الذي هو فيه ومن برفقته..
هيام أول حبه.. من صاحبها في شبابه.. في صبوته.. صفا لها وداده وهشت لها نفسه.. وكان قلبه خالياً من غيرها فتمكنت منه..
أين لزوجته الحالية من كل هذا وهي تزوجته وقلبه مشغول بحب أخرى؟
ما يسعده بالقادم هو أنه يستبشر شعشعة اللقاء من جديد بهيام..
أخرج احمد النقود أخيرا ليدفع ثمن الطعام كما أعطى النادل البقشيش قبل أن يعيد محفظته لمكانها..
ينبوع أحاسيس متفرقة ومشتتة بداخله وهو يفكر بالقرار الحاسم الذي أتخذه وسيعمل على تنفيذه..
أخيرا رفع احمد وجهه بابتسامة مجاملة لزملائه الجالسين معه على نفس الطاولة يستمع لما تبقى من كلام بينهم.. ولكن بدون أي تركيز فعلي..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-20, 07:36 PM   #16

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

===============================================
بعد أن فسخ كارم خطبته بجالا وبالرغم من أن حالته النفسية كانت سيئة وقتها إلا أنه قد أوفى وعده لفداء وطلب منها أن تعطيه موعدا ليأتي مع والدته لزيارة بسيطة مبدئية..
فأخبرته أن والدها يريده أن يأتي وحيدا ليجلس معه قبل أن يتقدم بشكل رسمي ففعل وجاء وحيدا لرؤيته وجلب معه باقة ورود..
وليته لم فعل.. فقد كان والدها شديداً جداً وبدأ باستجوابه عن علاقته بابنته وكيف تعرف عليها وهل تجرأ وتحدث معها أو التقى فيها قبل مجيئه ومن هذه الأسئلة..
وعندما رفض كارم إجابته برعب مزدردا ريقه.. طلب والدها منها هي الحضور وبدأ باستجوابها عن علاقتها به..
فنفت فداء بخوف أي معرفة سابقة أكثر من مرحبا وصباح الخير خلال توصيله لصديقتها جالا..
تفهم كارم تصرفها ونفيها أمام والدها ولكنه كان مصدوماً بالموقف ككل..
والأسوأ أن والدها لم يتوقف عن الصراخ في وجهه وشتمه قبل طرده من المنزل..
فقد كان والدها قد رتب زواجها من ابن عمتها العائد من احدى دول الخليج ورأى أن يتخلص بشكل نهائي وبأي طريقة من أي خاطب أخر يتقدم لها..
من جهة كارم وبعد ما حدث فقد تنفس الصعداء وتنهد بارتياح كأن هم الدنيا انزاح من على عاتقه وهو يعود لروسيا عازب وحر من أي مسؤوليات أو ارتباطات..
صحيح أنه وحتى لو واقف والدها عليه كان سينفصل عنها هي الأخرى قبل ذهابه..
لكنه ممتن أن الرفض جاء من والده.. بل أراد فعلا أن يقبل يد والد فداء عندما رفضه بإصرار وبأشد الطرق إذلالا مؤكدا أنه من المستحيل أن يزوج فداء من غير ابن عمتها..
حتى عائلته وخاصة والدته لم يفتح أحد منهم سيرة زواجه من أخرى حتى لا يزيدوا من حزنه وهمّه عندما عرفوا بأنه تم رفضه من قِبل والد الفتاة التي حبها.. على حسب ظنهم..
وتابع كل من كارم وفداء حياتهما بسبل متقطعة.. بينما جالا ظلت الوحيدة العالقة بما حدث قبل ثلاث أشهر..
فقد تركها وحيدة تهيم حبا بروحه.. وبقلبه.. تركها تذوب عشقا لكل حرف من حروف اسمه منذ الطفولة..
حتى بعد مرور هذه الأشهر الثلاث.. كانت حالة جالا كما لو أنفصل عنها كارم بالأمس..
طوال الفترة الماضية راودتها ذكريات الماضي.. ذكرياتها معه فقط تأخذها إلى عالم بعيد..
بعض منها كانت ذكريات رائعة وبعضها مؤلمة..
مهما جاهدت نفسها لتحاول نسيانه ونسيان ما بينهما.. يأتي شيء ما ويذكرها بها.. فتعود للبكاء..
ثلاث أشهر ليست مدة كافية لنسيان ما حدث بينهما طوال سنين حياتهما..
توجهت جالا نحو نافذة غرفتها ففتحتها دون تردد ثم أخرجت وجهها لخارج النافذة ليصفعها هواء فصل الشتاء البارد..
لقد ضاقت بها الأرض وتريد الصراخ بمليء صوتها وفؤادها..
كارم ذهب.. ذهب وأخذ قلبها معه.. وبذهابه ذهب كل امل لمستقبل مشرق لها..
حدقت بالطيور المهاجرة بهدوء وبعينين حزينتين.. فالشتاء حل وحان وقت هجرتها..
بعد مدة رفعت عيناها تنظر للسماء.. كانت السحابات تتجمع وبعضها ذات لون رمادي.. كأن السماء ستبكي معها ولحالها..
وبالفعل مدة قصيرة بدأت السماء بالهطول فازداد الجو برودا وبدأت الرياح الهائجة تهب فأغلقت النافذة حتى لا تتجمد من البرد خاصة مع بدء سقوط بعض حبات البَرد المتجمدة..
ابتسمت بسخرية وهي ترى كل شيء يتجمد في الشتاء إلا العطر والحَنِين والذكريات وبعض الأمنيات..
وبدون أي مقدمات خارت قواها لتقع أرضا كجثة هامدة لتبدأ دموعها بالتساقط على خدها وارتجاف جسدها يزداد ويأبى أن يفارقها..
دقائق مرت وبدأت تضحك قبل أن يتعالى صوت ضحكاتها تدريجيا حتى انخرطت بنوبة بكاء حاد أطلقت فيها العنان لكل ما بداخلها من مشاعر بالانطلاق..
كما اعتادت أن تبكي خلال الأشهر الثلاثة الماضية بكل يوم تقريبا..
لقد تعبت.. تعبت.. تعبت من حمل همٍ يهد جبال بالنسبة لها..
لا زالت يافعة جدا لتتعرض لكل هذا..
لم فعل كارم بها هذا؟ تركها ورحل بدون أي سبب.. تكاد تقسم أنه بلا سبب تركها..
منذ عودته من روسيا تغير فجاءة عليها وكرهها.. لدرجة أنها كانت موقنة بعودته إليها فورا بعدما أنفصل عنها على الهاتف ليخبرها أنها كانت مجرد مزحة بغيضة..
فما حدث ضرب من ضروب الجنون.. هي تعشق كارم وهو يبادلها هذا الشعور بكل تأكيد..
بالماضي كان ما إن تحتاجه وتهم أن تناديه حتى يفاجئها بقدومه جاثيا.. لا حاجة لها للكلام فنظرات عيناها كفيلة له لان يقرأها ويفهم ويترجم ما تريده..
قبل أن يغادر لروسيا كانت عينيه تلمع بعشقه لها بكل ما فيها.. على خلاف ما تراه منذ عودته بعينيه..
كانتا خاليتان نحوها إلا من الجفاء والبرود..
ما هو السر وراء تغير هذه العيون التي لطالما فتنت بهما؟
استمرت نوبة بكاء جالا لدقائق وما أن هدأت حتى أسقطت عينيها للصورة الموجودة أرضا بقرب عمود السرير والتي استطاعت أخيرا بالأمس أن تلقيها أرضا بعد أن جعدتها بكل غل..
ربما لأنها أرادته أن يكون هو بنفسه موجودا أمامها بدلا من صورة لا تنطق ولا تسمع..
تريده أمامها لتستنطقه بأشياء عديدة.. ألا تستحق تبريرا منه يخبرها لم وكيف وماذا حصل بحبهما؟
ماذا فعلت ليترك لها لا شيء إلا ذكريات مميته وقاسية..
ذكريات تعتصر القلب ويلتهب من جمرها العمر.. ذكريات ليس فيها أحساس بل كل ما فيها يؤلم ويوجع ويقتل..
ذكريات مؤلمة بعد حب أندفن بين سراب خيانته مع صديقتها الوحيدة ورحل إلى عالم أخر..
وأخيرا.. ذكريات.. تثير فيها الشجن..
سمعت صوت والدتها القادمة نحو غرفتها فسارعت برفع كفيها لتمسح بهما وجهها وهي تقف وتحاول أن تعيد اتزان نفسها..
دخلت والدتها سميحة حجرة نومها لتجلس على السرير وتربت بكفها على الجانب تدعو جالا للجلوس بجانبها وكأنها تخبرها أن تأتي لمكان أمنها وملجأها الوحيد حيث تكون بقربها..
نظرت جالا لوالدتها بصمت تخشى أن تكون سمعت نحيبها الذي انتهى قبل ثوان خاصة أن آثار دموعها ما زالت موجودة على محياها..
اقتربت جالا منها وجلست على السرير بجانبها وبدون أي تردد تمددت متوسدة برأسها حضن والدتها لترفع سميحة كفها وبتلقائية بدأت تغلل بأناملها وتلامس خصلات شعر جالا الناعم البُني بحنان..
أغمضت جالا عينيها وقد شعرت بأمان يلفها وحنان يغدق بها..
دقائق من الصمت استمرت قبل أن تنطلق من شفتيها تنهيدة حارة شقت عنان صدرها.. فجاء صوت والدتها هادئاً دافئاً
((ألا يكفي حزنا على ما حدث يا جالا؟ لقد مر ثلاثة أشهر ولا أرى أي تحسن بك.. لم يا ابنتي تفعلين هذا بنفسك؟ ألا تستطيعين نسيانه والمضي بحياتك إلى هذه الدرجة؟ أنت ما زالت صغيرة وسيأتيك نصيب أفضل منه))
ابتسمت جالا بألم فهل الأمر بهذه السهولة؟
ثم خرج صوتها متعباً مرهقاً بأنين متأوه
((لا يا أمي.. لا أستطيع.. حتى أبسط الأشياء عنه لا تغيب عن بالي.. كم تمنيت لو أنها شيء ملموس أستطيع حرقه ورمي رماده.. لكن للأسف ليس كل ما يتمناه المرء يدركه))
سمعت جالا صوت تنهيدة والدتها قبل أن تمسح على وجهها هادرة بحنان
((نعم معك حق يا جالا.. فالذكريات لا يمكن أن تنسى أو يمحيها العمر حتى ولو أحرقت قلوبنا.. سيبقى لها أثر يسكن الألم بالقلوب.. لكن يمكننا أن نحاول أن نحرقها من خلال صنع ذكريات أجمل منها نبنيها من جديد))
تسللت دموعها الحارة من عينيها لتغرقها.. لتبتسم بألم لكلمات والدتها ثم قال بصوت محتقن وقلب محترق
((عبث يا أمي.. كله عبث.. لا أحد يمكن أن يمحي أثر رمادها وكأنها لم تحرق.. مهما حاولت تحطيمها.. لن أقدر.. بات هدم أثرها مستحيل وإعمارها مستحيل.. وأيضاً نسيانها أو تجاهلها من ضروب المستحيلات))
اختنقت الكلمات في صوت سميحة وهي لم تعد تعرف ماذا ترد على ابنتها..
لقد أخذت إجازة من عملها لتجالس جالا طوال الوقت حتى لا تبقى وحيدة بالبيت..
ومع ذلك لا هي ولا غيرها قادرين على إخراجها من عزلتها ترفض بإصرار..
بقيت جالا على جلستها هي وسميحة تمسد وجها بحنان لدقائق قبل أن تطلب منها أن تغسل وجهها ريثما تعد الحساء الساخن لها ليدفئها..
أومأت جالا بطاعة لها وغادرت لتغسل وجهه بينما سميحة ذهبت للمطبخ..
ثم عادت جالا لحجرتها المظلمة الباردة واقتربت من سريرها فاتكأت على وسادتها لعلها تستعيد بعضاً من عافيتها..
وعادت تتذكر كارم.. أحبته منذ نعومة صباها وكان فارس أحلامها.. وهي متأكدة من أنه بادلها الحب.. لقد تمنته ودعت الله منذ صغرها أن تتزوجه..
واستجاب الله لدعواها لتجده من تلقاء نفسه يخبرها أنه لا يود الزواج من غيرها وعاهدها على ذلك.. بل وأذاع لعائلته وعائلتها انه يريد الزواج بها بمجرد أن يبلغ الثامنة عشرة..
رغم سخط الجميع منه بسبب صغر سنه على هكذا قرار مصيري وكبير إلا أنه لم يسمح لأحد أن يلمح أمامه بأنها لن تكون له..
كل طفولتها معه هي أجمل أيام عمرها وأحلاها..
معه كانت تنسى باقي البشر.. معه كانت تنسى كل هموم الدنيا..
هو وحده من كان يشعر بها وبفهمها من نظرة..
مهما تشاجرا بالماضي وافتراقا كانا ما يلبثا حتى يشتاقا لبعضهما متجاهلين أسباب الشجار.. ويعودان محبان لبعضهما أكثر وأكثر..
خطبها عندما تخرج من مدرسته عندما كان بالثامنة عشر وهي كانت في السابعة عشر من عمرها.. الآن هي في الثانية والعشرين..
وكل ما بينهما كان هو خطبة خمس سنوات.. لم تلحق فيهم حتى أن تتلقى منه حبا كافي أو تظمأ منه بعد..
فسخ خطبته بها بدون أن يعطيها أي فرصة لتغير أو تعدل من نفسها ما لا يعجبه بها..
هل كرهها حد انه لم يقدر أن يعطيها لعلاقته بها فرصة؟
الآن هي عاجزة عن كرهه.. أو نسيانه.. لا تستطيع عدّ صفة واحدة تكرهها فيه.. بل فيه كل ما تحب وترغب وتمنت بزوجها المستقبلي..
يا ليته كان يملك صفة واحد تجعلها تكرهه..
بل كل ما تتمنى من صفات.. وكل من يعرفه يمتدح أخلاقه واجتهاده..
من المؤكد أن أي فتاة رأته كانت لتحسدها عليه..
بدأت عينيها تحتقن باللون الأحمر.. وهي تتذكر فداء.. الصديقة الخائنة..
بالسابق لم يكن يوجد لديها صديقات لأنها باختصار ترفض إقامة صداقات وتكره أن تكون اجتماعية.. كلما زاد عدد الأصدقاء.. زادت مشاكلهم..
هو كارم فقط كان كل صحبتها بهذه الدنيا وكان كافيا لها..
لكنها تعاملت مرة مع فداء بنشاط جماعي بالجامعة.. وبعدها بقيت فداء لاصقة ملتصقة بها لا تتركها مهما حاولت جالا ابعداها عنها.. فقبلت بالنهاية صداقتها بحجة أن صديقة واحدة لا تضر.. لكنها دفعت ثمن هذه الغلطة ثمينا..
الآن.. من سيأتيها غيره؟
من سيجعلها تعيش معه حياة أجمل من التي أمضتها مع كارم منذ طفولتها؟
بل لا أحد غيره يعرف ما حدث معها بالماضي.. فمن يمكنه تقبلها كما هي ويتفهم وضعها..
فركت جبينها بيدها لتخفف من الصداع الذي كان يتضاعف مع مرور الوقت من التعب.. تعبت من التفكير.. والقهر هدّ ما تبقى من روحها..
تشعر أنها تمر بفترة اكتئاب.. ومتأكدة أنه شديد..
تظن أنه بحاجة لعلاج نفسي.. فقد كرهت الحياة بألوانها.. وكرهت جميع البشر..
حد أنها بالبداية غابت عن جامعتها عدة أيام..
وعندما أجبرتها أمها على الذهاب بعدها.. كانت تذهب وعند أي محاضرة تحضرها تجلس بأخر المقعد.. لتضع رأسها على طاولة المقعد وتبكي..
حتى قررت أنها ستتوقف عن الذهاب للجامعة كليا وتنقطع عنها لفترة طويلة فأسقطت الترم الحالي كاملا..
وقفت جالا لتتأمل نفسها بالمرآة قليلا فابتسمت ساخرة من مظهرها..
لقد أصبحت حرفيا عبارة عن مومياء.. نزل وزنها خلال الثلاثة أشهر هذه بما يزيد عن عشرين كيلو..
لدرجة أن من يراها يعرف انه هو سبب نحولها وأن البائسة جالا ما تزال تحبه حتى بعد ما تركها لأجل صديقتها مع أنه لا يوجد سبب ليتركها من اجل فداء..
فيتحدثون عنها بين بعضهم بشفقة.. ويصلها كلامهم فيزيد همها.. حتى نحولها تدخل الناس به!
ماذا تفعل الآن بحياتها؟
تتمنى لو تدخل بغيبوبة لا تنهض منها إلا بعد سنين يتمكن عقلها فيها بالنسيان..
أقل من دقيقة مرت ولا تعرف كيف وجدت نفسها خارج باب منزلهم بحديقتهم..
يهطل المطر فوقها بغزارة لتشعر بنفسها تنهار أكثر في هذه اللحظة حيث الشتاء يغطيها بمعطفه والأمطار تجلدها..
ومع ذلك لم تكن تفكر في برد ولا صقيع.. فقط هو من تفكر به..
أغمضت جالا عينيها لتستعيد ذكريات قديمة من مرحلة طفولتها..
كان دائما يخرج لشرفت غرفته وينده عليها ويطلب منها أن تتسلل من بيتها لترافقه للدكان في القرية لشراء بعض الحاجيات فتوافق سريعا بلهفة وتفعل كما طلب..
حتى بأيام الشتاء الماطرة كان لا يستغني عن طلب مرافقتها.. فتسير معه حتى طريق العودة ممسكين بأيادي بعضهما ويسيرون تحت المطر بابتسامه بلهاء وغيمه ماطرة تحلق فوقهم في الآفاق فتتذبذب أمطار عشق الطفولة فوق رؤوسهم..
فتحت جالا عينيها زافرة بيأس وهي تعود للواقع.. هل كل ما حدث معها حقيقي؟
لأنها إلى الآن لا تصدق أنه تركها بدون سبب وبعدها فورا تقدم لخطة فداء..
وقتها شعرت بصعقة الم اخترقت منتصف صدرها ومخيلتها تعود لاستحضار صورة فداء برقتها..
أهذه هي! أهذه من كانت ستحتل مكانها! أهذه من كان سيختارها كارم ليتزوجها ويهنأ معها!
بقيت جامدة بمكانها وهي تعيد كل ما فكرت به قبل قليل برأسها مرارا وتكرار لا تمل من الشعور بالبؤس والحزن على ما حدث..
أما بالمطبخ كانت سميحة تعد الحساء الساخن لجالا..
الأشهر الماضية لم تكن صعبة فقط على جالا بل وعليها أيضا..
فجالا منذ ذلك اليوم الذي نُبذت فيه من شخص لم تتمنى الحياة ولم تتخيلها بدونه وهي لا تفعل شيئا إلا الاعتزال عن باقي البشر بغرفتها والبكاء.. لا تأكل ولا تنام.. فقط تبكي وحيدة..
بالوضع العادي لو حدث هذا الأمر مع غير بنت من بناتها لكانت أخبرتها أنه الخاسر الوحيد بتركها وسيعوضها الله شخصا أفضل منه بكثير..
لكن جالا عنيدة ومتمسكة بحزنها وكأن مأساة إنسانية حدثت لها..
والكبيرة مهما نجحت بمجال عملها وحققت من طموحات لا تزال مصرة على أن توقف حياتها العاطفية..
كم تتمنى سميحة من هيام ألا توقف حياتها أكثر من ذلك لأن ما تستمر على فعله هو عقاب لنفسها قبل أن يكون عقاب لوالدها..
مسحت سميحة وجهها بكفيها بإنهاك وفكرة أن تضل جالا على حزنها وحسرتها مثل هيام ترعبها وتنهى أي ذرة قوى متبقية بداخلها..
تكاد تموت من الكمد على ابنتيها الاثنتين فحظهما بالحب والزواج لا يختلف أبدا عن حظها هي..
بل لربما حظها أفضل بمراحل كثيرة من بناتها..
حركت سميحة الحساء الموضوع على نار هادئة قبل أن تغطي فوقه وهي تعاود التفكير بالحاضر.. بحزن جالا.. لا أحد يتألم لألم جالا مثلها..
كيف لا وهي أمها.. كيف لا وهي ترى ابنتها العشرينية تذبل أمام عينيها ودائما ما تبكي عليها وعلى الحال الذي آلت عليه بعد أن فسخ كارم الخطبة معها..
تركت سميحة المطبخ حتى ينتهي الحساء واتجهت نحو نافذة المطبخ لتزيل الستار الرقيق وتتطلع للمطر بشرود لبعض الوقت..
كانت الأمطار الغريزة فدعت الله بداخلها أن تكون أمطار خير..
لحظات حتى اتسعت عيناها وشهقت بقوة عقب أن مالت برأسها تنظر لحديقة المنزل فترى جالا جالسة تحت الشجرة وتطلع نحو السماء والمطر ينزل عليها من فوق وجزء منه يجري في الأرض من تحتها..
لم تتصور ابنتها يمكن أن تصل لهذا الجنون.. هل تريد الموت؟
وبقلب واجف اندفعت تلتقط معطفها وتلف حجابها فوق شعرها وتندفع بسرعة نحو الباب ليصفعها الصقيع بالخارج فيرتجف جسدها رغم المعطف الذي ترتديه من قوة الرياح..
أسرعت سميحة حتى وصلت لبنتها الجالسة على أرض غارقة بالماء والطين والمطر المنهمر يبللها..
انتبهت جالا لوالدتها القادمة وهي تقف قبالها تصرخ بغضب مستنكرة
((هل جننت أم تريدين الانتحار؟))
كانت جالا كلها ترتجف لكنها قاومت لتقول بسخرية بشفتيها الزرقاوين المرتجفتين بشدة
((أنا فقط أردت أن أتأمل الأمطار.. بماذا أخطأت أم..))
قاطعت سميحة كلمات جالا وهي تندفع لتمسك بيدها وتجرها بعنف للبيت صارخة بجنون تكاد تبكي على حال ابنتها المثير للشفقة بينما تغمغم لها
((أيتها الحمقاء.. هل تريدين قتلي؟ لماذا تفعلين هذا بي؟ توقفي عن تعذيب نفسك وتعذيبي))
أدخلتها سميحة للبيت وأغلقت الباب خلفهما ثم تقدمت نحوها لتهزها بقبضتيها وتأمرها بصياح أن تفوق على نفسها..
وجدت نفسها تضربها بقوة أكبر لتفقد جالا هنا تحكمها بدموعها التي انزلقت منها لتحاول بعدها بكفيها أن تبعد قبضة أمها عنها لتشهق سميحة بقوة وهي تشعر بيدي جالا كالثلج..
همست جالا بارتجاف والماء يتساقط من خصلات شعرها على وجهها وشفتيها فيختلط مع دموعها
((أمي أرجوك اهدئي أريد أن اذهب للنوم وأنا لا..))
لم تستطع سميحة ألا تخنق كلمات ابنتها وهي تدفعها لأحضانها فتضمها بكل قوتها لتدفئها بعد أن خلعت معطفها كأنها تريد أن تحميها من هذا العالم..
مرت لحظات عليهما استسلمت فيهم جالا لدفء حنان أمها وهي تزداد بكاءً على ضعفها حتى شعرت سميحة بجالا تترنح بين أحضانها لتبتعد عنها وتهلع برعب عندما وجدتها تزداد ارتجافا..
سمعت همسا بطيء يخرج من بين أسنانها
((أمي.. اشعر بالبرد.. أكاد.. لا اشعر.. بأطرافي))
اتسعت عينا سميحة من جديد قبل أن تهز رأسها بحنق وهي تشدها لتستند عليها هادرة بعتاب
((هل رأيت ماذا فعلت بنفسك أيتها البلهاء؟ لنذهب لغرفتك))
استندت عليها جالا باستجابة وقد بدأت تشعر بغشاوة تحيط بعينيها..
وصلت جالا بصعوبة إلى غرفتها فتحركت والدتها بها نحو الأريكة..
فتحت جالا فاها لتطلب منها أن تتركها لكن عطسة قوية انطلقت من فمها لتسقط أرضا وتتلوها عطسة أخرى..
هزت سميحة رأسها بيأس وغضب على تلك الغبية التي التقطت الزكام ثم أنهضتها واقتربت تتحسس جبهتها المحمومة التي جعلت قلبها يرتجف من أجلها لتهتف بهلع
((حرارتك مرتفعة.. سأشعل المدفأة وأحضر ثياباً جافة من دولابك ريثما تتخلصين من ثيابك المبتلة))
أومأت لها جالا طائعة فأخرجت أمها الثياب بسرعة وهتفت بصرامة قبل أن تغادر الغرفة
((هيا يا جالا.. بدلي ثيابك فوراً))
خلعت جالا ثيابها المبتلة ثم جففت نفسها وارتدت أخرى جافة لتتمدد فورا على فراشها وهي تغمض عينيها بإرهاق لتغيب عن الوعي..
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-20, 07:36 PM   #17

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

بعد مرور ساعات..
شعر راجي بجالا بتململها بفراشها ليهمس بألم يوبخها وهو يتحسس جبينها
((جالا أيتها البلهاء لم خرجت وهي تمطر دام أنك تعرفين أنك تلتقطين المرض بسرعة؟))
بدأت عيني جالا ترفرف وهي تشعر بيد راجي يتحسس جبهتها بعد أن انخفضت حرارتها بالكمادات الباردة..
فعادت تهمس من بين هلوسات الحمى
((أين أمي؟))
مسح راجي على شعرها هادرا بعتب
((أمي لم ترتح لحظة واحدة وهي تحاول خفض حرارتك بشتى الطرق وتدعو الله أن يشفيك.. ولم تنم إلا قبل قليلا من شدة الإرهاق والقلق ككل مرة كان يمرض أحد فينا وتسهر لتداويه.. كما أنها تعبت لساعات من تنظيف سجاد الصالة وغرفتك من الفوضى التي أحدثتها ثيابك المبللة والملطخة بالطين))
أغمضت جالا عينيها بألم ودمعة يتيمة تنزلق من عينها ليقول لها بألم لا يقل عنها
((انفضي عن نفسك غبار الانطواء واتقي ربك في أمنا.. اجلسي معها وبريها وتقربي لله في مبرتك فيها ليفرج همك ولا تقطعي قلبها بحزنك وانعزالك بنفسك))
شهقت جالا وهي تراه يزيل الكمادات عنها ثم يرفعها لتعتدل شبه جالسة على الفراش..
قام جالا يحضر الأدوية بعد أن كان وضع صينية الحساء الساخن الذي أعاد تسخينه مرة أخرى بطلب من والدته جانبا..
أمرها راجي أن تشرب الدواء فاستجابت له بضعف وبعض نسمات السكينة تغشاها بتواجد أخيها بجانبها بعد عودته من الخارج..
هتف لها وهو يحرك كفه على ظهرها بلطف
((تأكدي يا جالا دام أنك منطوية على نفسك ستتجهين من سيء لأسوء.. لكن ربما لو جلستي معنا نحن عائلتك وصبرتي واحتسبت الأجر لأصلح الله أمورك بكل شيء.. تذكري أن الذي حقق لك أمنيتك وجعلكما تخطبان هو سبحانه الذي قادر على جعلك تنسيه وتتخطين فسخ خطبتكما))
شردت وهي تنظر أمامها للحظات فعقد راجي حاجبيه بعجز وهو يتأمل أخته التي لم تتخطى فسخ خطوبتها من كارم بعد..
لا يهون عليه رؤيتها تجلس تحت شجرة الأحزان مقيدة إلى همومها وتنزف من الألم غير مدركة لهذه الحياة الرحبة الفسيحة بين يديها..
ومن دون أي مقدمات رفعت جالا وجهها له وهي تهدر بإصرار
((أنا بحاجة طبيب نفسي يا راجي.. أرجوك أقنع والدتي.. أريد دواء أو شيء أخر يخدرني ويغيبني عن الدنيا هذه بما فيها.. فأنا لم أخسر كارم فقط.. لقد خسرت نفسي.. خسرت ثقتي بالمقربين وبالناس عموماً.. أرجوك))
أفكار متفاوتة طرقت ذهنها وهي تحاول استنتاج ردة فعله الآن وهي تراه يشيح بوجهه بعيدا عنها زافرا بسأم من تكرارها الطلب عليهم جميعا مند عدة أيام إلا أن الجميع رفضوا حتى مسايرتها بالأمر..
وصل صوته لها أخيرا بهدوء
((جالا.. انسي تماما موضوع الطبيب النفسي.. إذا احتجت شخصا لتتكلمي معه فأنا وكلنا موجودون من أجلك.. لكن لن نسمح لك أن تشربي أيةَ حبوب مخدرة.. فكل من يدمن عليها أراه يصبح مجنون.. هل تريدين أن تدمري مستقبلك بسبب حبوب تجعلك مدمنة؟ لم تصرين على كسر نفسك أكثر؟))
تنهيدة طويلة خرجت من بين شفاهها يائسة.. فلا أحد يستوعب ما تريد.. لتجد نفسها تنفعل تدريجيا ثم تهتف بهستيريا صارخة
((إذا ساعدني.. ما الحل؟ أريد أن أنساه.. أريد أن أنساه.. أنساه.. أريده أن يكون نسيا منسيا بحياتي.. حياتي توقفت عليه رغما عني.. حالي لا تسر صديق ولا عدو.. حالتي النفسية ما زالت مدمرة.. الذي يده بالماء ليس كالذي يده بالنار))
بدأت تبكي وبكاءها يزيد بحرقة قلب متقرح غاضب من حب لم يتركه بحاله وراحته يوما..
بينما تنهد راجي بإحباط وهو يذكر نفسه مرارا وتكرار بالحفاظ على هدوئه حتى لا يكرر ما حد أخر مرة معها والانهيار الذي أصابها مما استدعى تدخلا طبيا..
سمعها تردف بصوت مقهور
((لا اصدق انه تركني وهو الذي لم يكن يرى غيري.. أنا متأكدة أني لن أجد مثله.. فيه كل الصفات التي أريدها برجل أحلامي.. وانا بالمثل كنت له.. كارم شخص هادئ.. حنون..))
قاطعها بغضب واستيائه يزيد منها
((نعم.. نعم.. انه مثالي.. ولكن ماذا ستفيد هذه الصفات وهو لا يريدك؟ صدقيني بعد مدة ستلاحظين أن فيه الكثير من الصفات والعيوب التي غفلتي عنها فيه من شدة حبك له.. وستحمدين الله على فسخ خطوبتكما))
ضيقت جالا عينيه وهي تنظر لراجي بغضب..
تكره عندما يأخذ دور الحكيم معها منذ انفصالها عن كارم وهو يصغرها بسنتين ولم تراه واقع بالحب مثلها..
هتفت له بتفسير
((لكنه.. لطالما كان فتى أحلامي.. قلتها لكم كثيرا من الاستحالة أن أتزوج بغيره))
سخر منه وهو يفتعل الاشمئزاز
((ألهذه الدرجة كانت أحلامك سخيفة؟))
ثم عبس وهو يصر لإكمال هذا الجدل بهدوء
((لقد مر ثلاث أشهر وحالتك لا تتحسن.. لم أنت تعيسة إلى هذا الحد؟ هل تخشين بذهاب كارم أنه لن يأتي عوضا عنه شخص أخر يدللك؟ لم تريدين كسب كل شيء.. نحن في الدنيا ولسنا في جنان النعيم ولا يُشترط أن نحصل على كل ما نتمنى.. هل أنت مقتنعة فعلا أنك لو تزوجت من كارم ستعيشين معه بثبات ونبات؟ الم تشكي لي سابقا بنفسك أنه منذ أن عاد من روسيا وهو يتصرف ببرود معك ويختلق أي مشكلة لينفصل عنك؟ إذا كيف تتصورين أن حياتك يمكن أن تكون سعيدة معه لو حدث وأكمل الخطبة وتزوجته؟))
كتفت ذراعيها وأشاحت وجهها عنه بحنق ليسألها مرة أخرى بتلقائية ودون تلكؤ
((لم أنت خائفة من الزواج من غيره؟ لم تصرين أن تصبحي نسخة ثانية مصغرة من هيام وتظنين أنه لا يمكنك أن تحبي شخص أخر وستبقين وحيدة إن لم تتزوجيه؟))
ازدردت ريقها وهي تعيد رفع نظراتها له لتجيب بمراوغة وهي تهز كتفيها بدون أن تحاول التلميح بأسبابها الحقيقية
((لا أدري.. لكن لا أستطيع الزواج إلا منه هو.. ربما أخشى إذا تزوجت غيره ألا احبه.. كما أخشى ألا أتوافق معه))
ردّ عليها وهو يشير بكفيه
((لذا وجِدت الخطبة.. يمكنك التعرف عليه من خلالها وإذا لم يعجبك ببساطة افسخي الخطبة.. لا يهم.. اهم شيء أن يضع لك قيمة وقدر ويحفظ كرامتك.. لا أن يتركك بسهولة كما فعل كارم ويخطب غيرك.. ومِن من؟ من أعز صديقاتك تلك المُسمى فداء.. النذل الخسيس سقط من نظري))
عادت جالا تشرد وهي تذكر ماذا فعل بها كارم وفداء ودموعها توشك أن تسقط فعرف راجي وهو ينظر لها أنها ستعود للنحيب من جديد وهو يريدها أن تتخطى الأمر..
بغضب اندفع يهزها من كتفيها وهو يهدر من بين أسنانه بعنف
((جالا.. لقد أراد أن يعقد القران بغيرك.. لذا لقد انتهى ما كان بينكما.. احذري أن تفكري بعودته لك.. الغي كل وسائل الاتصال بينكما لأني أخاف عليك أن تتوهمي انه من الممكن أن يعود لك يوما معتذرا))
لكتها أبعدت كفيه عنها وهي تصر على أن تعود لتتحسر على كارم
((تخيل يا راجي.. لقد حاول أن يتقدم لخطب صديقتي فداء بعد يوم واحد من فسخ خطبتنا.. وقد أخبرتني والدته بلسانها انه كان على علاقة معها قبل شهر من فسخ خطوبتنا وأنه يريدها هي لا أنا لذا عليّ أن أتخطاه))
حدق راجي فيها بذهول قبل أن يقف من مكانها ويصرخ فيها وهو يضرب سريرها بقدمه بجنون
((حسنا.. حسنا.. فهمنّ يا جالا.. الآن يكفي.. يكفي يا جالا تعذيبا لنفسك.. اعرف أنك مجروحة.. لكن توقفي عن البكاء.. آن الأوان لتتخطي صدمتك.. من الصعب رؤيته مع غيرك.. لكن ليس أمامك إلا أن تتقبلي الواقع.. هذا ما حدث.. توقفي عن تكرار نفس القصص والعويل.. أمي متعبة بسببك.. حتى حالة عمي فيصل الصحية تأثرت بسبب ما حدث معك.. وكل هذا من أجل ماذا؟ من أجل شخص لا يستحقك وباعك بالرخيص))
توقف عن ركل السرير بقدمه التي أصبح لا يشعر بها ليلهث وهو يقرب نفسه من وجها ويعاود مسك كتفيها بقبضتيه هاتفا بإقناع
((أنت في غاية الغباء.. فالمستقبل أمامك.. وربما يكتب الله لك شخصا أخر غيره لتكتشفي أن انفصالك عنه كان خيرا لك.. كوني أذكى من هذا ولملمي شتات نفسك.. أنت تتحسرين على انفصالكما.. لكن مستقبلا ستتحسرين على أيامك هذه التي تضيعينها.. وستتحسرين على الوقت والصحة والشباب التي ضيعتهم من أجله))
أشاحت جالا رأسها عنه وهي تهزه نافية بغير اقتناع وتعاود الترديد بذهنها كيف تقتنع بكلامه وهو ابن العشرين بلا خبرة وتجارب ولم يسبق له أن أحب مثلها ويجهل تفاصيل أخرى عنها بالرغم من أن أخيها راجي أقرب شخص إليها من باقي أفراد عائلتها..
كانت سميحة واقفة على الباب وقد استمعت لأخر حديثهم فصياح جالا الهستيري قطع النوم عليها لتنهض فزعا إلى غرفتها..
ألمها انفعال وغضب ابنها على أخته فدلفت للحجرة لينتبها على وجودها..
تقدمت سميحة لتجلس على السرير بجانب جالا ثم أمسكت كفيها الاثنين وهي تهدر مباشرة وتنظر لها
((ادعي يا حبيبتي أن تتخطيه.. قوليها بيقين وتوكل وأمل بالله كبير.. ربي ارحم بك من نفسك واحكم والطف بنا من أي أحد على هذه الأرض.. فلا تبقِ على يأسك وجزعك))
نكست جالا رأسها وهي تعاود تراكم الدموع بعينيها فنادت سميحة جالا باسمها بهمس رقيق جعلها ترفع عينيها لأمها لتردف بإقناعها
((أنا دائما أؤمن بمقولة إن أحببت شخصا بشدة.. فاتركه يرحل.. إن عاد فهو دائما كان لك.. وان لم يعد فانه لم يكن يوما لكّ.. قد يعود كارم يوما لك وقد لا يعود أبدا.. لكن بما انه حاول أن يخطب غيرك.. فلا تنتظريه))
ثم ضمتها عندها إلى صدرها قائلة بنبرة حنونة
((ما تعيشينه من وضع الآن أراه طبيعي لأنك أحببته لدرجة المرض منذ صغرك.. واسترخصت نفسك وأنهيت كل صلاحيات حياتك عند قدميه.. فرحل وترك لك المرض.. قومي الآن عزيزتي وانفضي غبار وهم حبه عن حياتك.. وتأكدي أن معظمنا إلا وعاش انتكاسة في حياته.. لكن الذكي من يتخطى محنته ويخرج منها بأقل الخسائر.. أنت خسرت رجلا.. فلا تخسري نفسك.. افتحي ذراعيك للحياة.. لأنها تحبك أكثر من حبك له.. واثبتي للكل أنك اقوى من أن يحطمك حب رجل))
بدا الإقناع يتسلل لوجه جالا وجسدها يسترخي فارتاحت سميحة قليلا وقد سأمت تصرفات ابنتها بالشهور الثلاث الماضية..
هل حقا تريد أن تجذب اهتمام من حولها بهذه الطريقة لتعبر عن حزنها؟
لأنه مع الأسف.. كل ما تجذبه جالا من اهتمام ما هو إلا شفقة واستهزاء بكيانها وشخصيتها التي جهدت وتعبت سميحة في بنائها..
رفعت جالا رأسها عن صدر والدتها لتقول بتردد
((أمي هل أخبرك شيئا بدون أن تغضبي؟))
هزأت سميحة رأسها بتوجس لتردف جالا
((أنا متأكدة بان كره كارم لي سحر.. أو عين.. تخيلي أن فداء جاءتني بالمنام بالأيام السابقة تطلب مني ألا أهمل نفسي وان اذهب لشيخ ليقرأ عليّ؟ مع أني لم احلم بها أبدا من قبل.. إذن لم احلم بها الآن بل وتأتي لتنصحني أيضا؟ ها.. لم؟ من المؤكد لأنها السبب وقد عملت لي عمل أو سحر..))
تجمدت سميحة للحظات على جالا وهي تنظر لها ببلاهة وبعينين متسعتين تكاد تفقد عقلها..
لا يوجد لديها ما ترد عليها فيبدو أن نيران روح جالا لن تخمد سريعا مهما فعلوا من أجلها..
خرج صوت راجي ساخرا ببرود وهو يزجرها
((جالا توقفي واصمتي.. كفاك ترهات وخزعبلات.. بدأت تفقدين عقلك.. لا يهم ما هو سبب فراقكم.. ما حدث قد حدث مهما كان السبب.. اعتبريه قد مات.. هل رأيتِ ميت يعود إلى الحياة؟))
التفت سميحة لجالا بصرامة وهي تكرر عليها ما سبق وأخبرتها لعل التكرار يقنعها
((من أول صدمة لك شعرت بفقدان ثقتك بالناس وبالعالم؟ هل من المنطقي يا ابنتي وأنتِ فتاة في الثانية والعشرين أن تخسري ثقتك بنفسك والناس أجمعين لأن شاباً متهوراً استبدلك بصديقتك؟ ألا تفكرين بأن الدنيا ستحمل لك مثل كل الناس مشاكل وصدمات أخرى؟ فهل نتعامل مع كل مشكلة بيأس وفقدان الثقة؟ هيا انسيه فقط.. الوقوف عند شخص معين والدوران حول نقطة لن يتعب أحد غيرك.. اسأل الله العظيم أن يصبرك ويربط على قلبك ويعينك في التخلص من هذا الهم والحزن وأن يبدله فرحًا ولكني عليك أن تكوني اقوى))
ثم ربتت سميحة فوق رأسها وهي تجذبها إليها وتقبل جبينها بحنان مردفه
((فكري بامتيازاتك.. كارم انسجم مع صديقتك لأنه من طينتها.. فلا تلوميها ولا تلومي نفسك.. بل تصرفي بحكمة.. نحن على ثقة بقدرتك على التماسك.. مشكلتك فقط هي الفراغ.. لم توقفتِ عن الذهاب للجامعة وأسقطتِ الترم كاملا؟ إياك التفكير بتأجيل ترم أخر.. هل فهمتي؟ اشغلي نفسك بالمذاكرة وركزي أكثر بما يفيدك.. حينها صدقيني لن تحِنّي له حتى لو ذكروا اسمه بالخطأ أمامك.. فقط توقفي عن تمضية أيامك بالحسرة والنحيب.. أن الحياة لا تنتهي بخروج رجل من حياتنا.. لا توقفي عمرك كما فعلت هيام بنفسها.. لا أدري أساسا كيف سمحت لك أن تتوقفي عن الحضور للجامعة وتضييع فصل دراسي كامل عليك!))
تطوع راجي ليدخل الحديث مرة أخرى ساخرا
((مستقبلا إذا تقدم للزواج منك طبيب أخر إياك أن توافقي عليه.. اكتشفت أن الأطباء فالهم سيء جدا وللغاية على بنات عائلتنا.. سواء كان أنتِ أم هيام..))
وللحظة شعر فيها أنه ينقطع عن كل الدنيا ليعود بعدها في تلك اللحظة بقسوة على صوت هيام الهازئ والذي قطع حديثهم وهي تلقي السلام عليهم..
كانت هيام قد وقفت قبل لحظات عند عتبة الباب وبدت غاضبة من حديثهم عنها وقصتها مع احمد فقالت بنبرة هجومية
((راجي لا تتدخل بي.. أنا لم أوقف حياتي لأجل أحد.. بالعكس أرى نفسي ناجحة تماما.. أتمنى أن تجتهد وتحقق نصف ما حققته أنت واختك.. أنا فقط قررت أني لن أتزوج أبدا.. وهذا قراري الشخصي.. لا أحد له حق بالتدخل فيه))
ارتبك راجي من نظرات عيني هيام عليه ليغادر الحجرة فورا خجلا بينما يتمتم بكلمات قليلة أن الأمر ليس كما فهمت..
فزفرت هيام بضيق قبل أن تغادر الحجرة بغضب هي الأخرى..
منذ ثلاث أشهر وهي تراقب جالا.. فقط تراقبها.. تراقب كل شيء يجري حولها دون أي محاولة للتدخل أو التغير..
فكيف تساعدها وهي لم تساعد نفسها قبلا؟
وكل ما حدث مع جالا يجعل ذكريات ماضيها مع احمد تعاود مهاجمة ذاكرتها..
بالماضي أكدت هيام وأقسمت اغلظ الأيام على والدها بأنه لو لم يوافق على زواجها من احمد فلن تتزوج غيره..
ووالدها قابل كلامها بالسخرية.. وحتى والدتها لم تحاول التدخل لإقناعه لأن وضع وحالة احمد المادية والاجتماعية لم تشجعها..
والآن وبعد مرور كل هذه السنوات.. تتمنى فعلا أن يكون والديها قد اقتنعوا بجدية كلامها..
تتمنى الآن من والدها أن يبكي دما على ضياع حياتها بسبب ما فعله بها..
ولكن بماذا قد يفيدها ندمه الآن؟
زفرت بضيق.. كم تمنت لو أن احمد نادم على تركها..
فهي تكره فكرة أنها الخاسرة الوحيدة..
ألا يستحق احمد أن يشاركها القليل من التعاسة وهو من اخلف وعده وبنى حياة جديدة وترك لها هذه الذكريات التي تعجز على نسيانها ولا تزال تحتفظ بها عميقا في مخيلتها..
الوعد الذي قطعه احمد ببداية شبابهم لم ينفذه..
وعده الذي أزهر قلبها له فشعرت بان الدنيا لا تكاد أن تساعها من السعادة..
وعد انتظرته طويلا إلا انه لم يكتمل ما أن عقد قرانه على أخرى..
فتحت باب حجرة نومها لتدخل الغرفة بإرهاق..
يكفيها الجهد التي تبذله أثناء عملها كأستاذة جامعية لتعود للبيت وتسمع بصدفة كلام راجي وأمها عنها فيستلبسها المزاج النكدي والذي سيسيطر عليها لمدة طويلة قبل أن تتخلص منه..
خلعت هيام ملابسها لتأخذ حماما دافئا منعشا ترخي فيه عضلات جسدها المتعبة..
استرخت تحت المياه الحارة وهي تفكر بحياتها..
هي فعلا سعيدة بما حققته من إنجازات في حياتها على الصعيد العلم فقلة من الفتيات من تستطيع أن تنجح بعد تعرضها لصدمة عاطفية كبيرة كما حدث معها بعد زواج حبيبها قبل سبع سنين من ابنة ابن عم والدها..
لكن.. زفرت هيام زفره حاره وهي تفكر..
احمد كان أول حب في حياتها.. استمر الحب بينهما لمدة أربع سنين بالجامعة أحبته فيهم حباً جنونياً..
صحيح أن احمد عملي جداً وبارد إلى حد ما ولا يفكر بعاطفته.. لكنها لم تشعر يوماً أنه غريب عنها..
كان بالنسبة لها الدنيا كلها.. كان بمثابة أخ وأب وحبيب..
وبعد تخرجها.. وانتظارها له لسنتين أخريات حتى يتخرج هو بما أنه كان بكلية الطب ليتقدم لها تعرض للرفض من قبل والدها لضعف مستواه المادي..
وربما لأن والدها لم يكن يريد أن يزوجها خارج العائلة كما تمنت والدتها فزاد عناده..
لكن تخلي احمد عنها بسرعة بعد رفض أهلها له جعلها تشك بمقدار حبه لها..
لماذا لمْ يتمسك بها أكثر ويضحى بالدنيا من أجلها؟
انزلقت دمعة من عين هيام لتختلط بالماء المنهمر عليها وهي تشهد الله داخلها أنها حاولت وبذلت اقصى جهدها لإقناع والدها بالموافقة عليه..
ولكن الرفض كان جواب أبيها الوحيد بالرغم من قسمها الحاسم أنها لن تتزوج غيره حتى أخر عمرها..
خرجت هيام من الحمام وهي ترتدي مئزرها الأبيض ثم جففت شعرها المبتل لتسمع طرقات الباب قبل أن تسمح لوالدتها بالدخول..
دخلت سميحة ووضعت كوب حليب ساخن على طاولة الزينة لعله يمدها بالحرارة بهذا اليوم البارد ثم اقتربت من هيام وهي تقبل رأسها متمتمه لها بكلمات مفادها ألا تنزعج من كلامهم فهم لم يقصدوا ما قالوا..
ثم أردفت برجاء داعية الله
((فليكرمك الله وليرزقك ابن الحلال الذي يرضيكِ يا عمري))
ظهر الامتعاض على وجه هيام.. لكن والدتها لم تهتم فاقتربت منها بإصرار هادرة
((أخبرني والدك أن سعد تقدم لك مرة أخرى.. ما رأيك أن تعطيه فرصة للتعارف؟ يبدو أنه يريدك فعلا ومعجب بك))
أشاحت هيام برأسها عن والدتها هاتفة بحنق
((أمي لا سعد ولا غيره.. أنا لن أغير رأيي بموضوع زواجي حتى رغم أني أسير بخطى حثيثة نحو الثانية والثلاثين.. باختصار لأني ما زلت متعلقة به حد الجنون كأن كل شيء حدث بالأمس ولا أتخيل نفسي متزوجة من غيره))
زفرت والدتها بشدة ونهضت لتجلس بكرسي مقابل لها قائلة
((حبيبك احمد تزوج من قريبتك الأمريكية بنت الدكتور عدنان.. حتى أنه أنجب طفلًا سماه على اسم والدها.. أصبح طبيبا ناجح وغني.. نساكِ يا هيام.. لقد زهد فيكِ يا حلوتي.. ومن زهد فيكِ فازهدي فيه ولا حاجة لك لتضلي متعلقة بحبه))
شق وجهها طرف ابتسامة سخرية وهي ترد
((من الذي زهد بي يا أمي؟ الذي حدث هو أنكم أنتم من رفضتموه.. ولم؟ لأنه كان شابا بمقتبل عمره ولا يليق بكم كفاية.. الآن ها هو قد نجح بعمله وها قد أصبح غنيا ليثبت أنكم أخطأتم خطأ فادحا حينما رفضتموه.. ثم أنا أخبرتكم سابقا أني لن أتزوج غيره إذا رفضتموه ومع ذلك بقيتم على الرفض.. صحيح؟ إذن لا أدين لكم بشيء ولا تحاسبوني على قراراتي))
حاولت والدتها الرد عليها لكن قاطعتها هيام بحزم وهي تطلب منها الخروج حتى ترتدي ملابسها وتأخذ قسطا من الراحة بعد هذا اليوم المتعب..
فغادرت سميحة بقلة حيلة لتترك هيام شاردة بالمكالمة التي تلقتها اليوم والتي جعلتها حساسة بشكل أكبر عند ذكر اسم احمد قبل قليل..
وجدت هيام نفسها تذهب لهاتفها الملقى على السرير لتفتحه وتقرأ الرسالة التي وصلتها اليوم بعد أن رفضت الرد على نفس الرقم الذي سبق واتصل بها سابقا ولم يقل شيئا حينما فتحت عليه الخط..
قرأت الرسالة مرة واثنين وثلاث.. كانت الرسالة باختصار من احمد..
يخبرها فيها أنه حصل على رقمها ويعتذر لأنه اتصل بها ولم يتكلم عندما أجابت عليه.. ويأمل منها أن ترد على اتصاله ليتحدثا قليلا..
أغمضت عينيها ليسرح خيالها بعيدا..
فما بين الوهم والحقيقة تتراوح المشاعر تجاه الحب الأول..
فكرياتها مع حبها الأول احمد لن تمحوها الأيام ولا السنين فهي ليست مجرد وهم ومشاعر طبيعية يمر بها الأنسان..
هل أخطأت بالماضي عندما رفضت أن تتزوجه بغير رضى أهلها عندما طلب منها ذلك كحل أخير ليفرضا قرارهما بالزواج على عائلتها؟
هزت هيام وجهها يمينا ويسارا متمتمه وهي تحدث نفسها بإقناع
((لا.. لا تندمي يا هيام على الماضي.. ما فعلته هو الصحيح.. لا يمكنك الزواج من دون موافقة عائلتك.. فالأهل عندك لهم منزلة كبيرة وخسارتهم لا تعوض... الأفضل أن تخسري شخصاً واحداً من أن تخسري عائلة بأكبرها))
أردفت ودموعها تتساقط رغما عنها على وجنتيها
((حتى ولو كانت خسارته تعني خسارة الحب كله من حياتك))
لكن على الجانب الأخر..
لم الأهل يرفضوا أن يختار أبنائهم شريك حياتهم حتى ولو كان تحت المعايير التي يأملونها؟
فإذا كان الطرفين متفاهمين ويرون أنهما يمكنهما تأسيس حياة زوجية فالأولى تزوجيهما..
حتى وإن لم تنجح حياتهما الزوجية أو انتهت بالفشل.. فالتجربة الفاشلة ليست نهاية الحياة بل نحتاج إلى التعقل وبعض من العاطفة..
تمتمت تحدث نفسها بخفوت
((سامحك الله يا أبي.. سامحك الله))
فهي تستطيع رؤية الحسرة والندم بعيني والدها كلما آتى احمد مع زوجته إلى القرية لزيارة عائلتها..
ترى هل سبق وفكر احمد بها سابقا وهو يأتي أكثر من مرة سنويا لنفس القرية التي تسكن بها؟
رسالته التي بعثها لها شوشتها..
يا ترى ماذا يريد منها؟ هل من المناسب أن تتحدث إليه وهو قد أصبح زوجا لغيرها؟
شردت هيام لأخر اتصال أجرته مع احمد قبل سنوات..
كان قبل ساعات من عقد قرانه بإيمان.. سألته إذا كانت ستراه يوما ما..
لا تتذكر ماذا بالضبط أجابها لكن توجب عليها أن تسأله كيف وأين يمكنها الذهاب بمكان يجمعها حتى لو انتهى كل شيء بينهما..
أطلقت هيام نفسا من أعماق صدرها ثم أخذت ترتدي ملابس أخرجتها من خزانتها لتستلقي على سريرها..
لقد كانت متعبة.. كانت تشعر بالإنهاك.. وكأنها كانت تركض لأميال وأميال..
ذكرياتها عن احمد متقلبة.. تارةً تضحكها مع كل المواقف المضحكة التي حصلت بينهما وتارةً أخرى تبكيها..
أغمضت هيام عينيها لتمر لذهنها ذكريات قديمة..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-20, 07:38 PM   #18

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

.
.
قبل أربعة عشر سنة.. جامعة هيام..
كانت عينا هيام ترفرف وتكاد تموت من الشعور بالنعاس..
الأسابيع الماضية كان الجو متوترا بالمنزل خاصة بعد ذلك اليوم الذي تشاجرت فيه مع والدتها..
ما زال يحدث بينهما بعض الخلافات والمشادات كل عدة أيام وهذا يؤثر على دراستها..
لم تنم بالأمس وهي مازالت عالقة بأهداب الماضي تفكر بمشاكل والديها وتفكر بدراستها..
تشعر أنها ستبقى حبيسة ثرثرة ومشاكل داخلية ولن تخرج منها..
جفلت وفتحت عينيها على صديقتها مها التي تجلس بعنف على الكرسي المقابل لها بالكافتيريا.. وهي تضع الشطائر التي طلباها..
قدمت مها لها الشطيرة التي تحملها بيد وباليد الأخرى ترفع شطيرتها وتأخذ قضمه كبيرة منها..
وضعت مها الشطيرة فوق المقعد الخشبي ونظرت لهيام بهدوء والتي طال بها الوقت وهي تلتفت برأسها نحو شاب يقف على زاوية الكافتيريا..... فضربت مها على الطاولة لتنبه هيام على الشطيرة لتأخذها..
فعقدت هيام حاجبيها بجدية تسألها
((ماذا حدث معك يا مها؟ ومن ذاك الشاب الذي كان ينظر إليك بغرابة؟))
شهقت مها ووضعت يدها على صدرها قائلة
((هل كان واضحا أنه ينظر لي؟))
نظرت هيام للشاب الذي كان ينظر حول الأخرين.. ثم أعادت نظرها لمها لترد بشكوك أجابها وهي تبدأ بالقضم من شطيرتها
((لا.. لكنه كان يحدق بك طوال وقوفك بانتظار الشطائر حتى تجهز.. لا تعجبني نظراته))
أخذت مها نفسا عميق وزفرت بضجر.. ثم أراحت جسدها على أخر الكرسي قائلة بتململ
((قصة طويلة سخيفة.. لا داعي أن أحكيها لك))
تحدثت هيام من زاوية فمها قائلة بامتعاض
((لا طبعا أحكيها لي.. تعرفين أني فضولية))
رفعت مها كفيها قائلة باستسلام
((حسنا كنت كعادتي.. أتجاهل حضور محاضرة الساعة الواحدة بالرغم من تجاوزي العدد المسموح للغياب.. لكن كله يهون لأجل أن البي نداء معدتي.. فوجبة الغذاء مهمة جدا لي وجزء لا يتجزأ من حياتي اليومية وهو الشيء الوحيد الذي يخفف عليّ متاعب المواصلات الصباحية وتحمل الاستماع لشرح المُحاضرين المملين.. لذا ذهبت للكافتيريا هذه.. أووه))
ضربت هيام يدها لتدخل بالموضوع مباشر فأردفت
((حسنا.. حسنا.. المهم.. دفعت النقود للمُحاسب لأطلب ما أريد تناوله.. أخذت فاتورة وعليها رقم دوري.. أردت أن أعطي الفاتورة للرجل المعني ولكنها وقعت رغما عني.. وذاك الشاب المفتول العضلات كان بجانبي عندما سقطت الورقة))
فتحت هيام علبة البطاطا لتبدأ الأكل وهي تهمهم بحماس لمها تحثها لتكمل.. فاسترسلت مها
((عندها حاول كلينا النزول لالتقاطها.. فارتطمت رؤوسنا ببعضها.. وتجمدنا لنتبادل سحر النظرات بعيوننا بمشهد لا يمكنني أن أصفه أبدا))
نقلت هيام عيانها لذاك الشاب الذي كان يهم المغادرة خارج الكافتيريا..
الحقيقة انه عدا عن شكله الهمجي وملابسة الممزقة تبعا للموضة ومظهره الذي لا يشبه أي مظهر شخص محترم.. وعمره الذي يبدو أكبر من أن يكون طالب..
إلا انه يبدو وسيما وجذابا بعضلاته..
أعادت نظراتها لمها لتطلب منها أن تكمل فأردفت مها
((ثم اعتذرت منه.. ليخبرني أن اجلس على احدى الطاولات وهو سيحضر طلبي إلى طاولتي.. فوافقت وشكرته ممتنة.. ذهبت لأجلس عند صديقاتي.. كانت دقائق حتى وصل لطاولتي سلمني الطلب وطلب أن يجلس معي))
شهقت هيام بصدمة سائلة
((إياك أن تقولي إنك وافقتِ!))
هزت مها كتفيها بندم قائلة
((رفضت بالبداية.. لكنه أخبرني أنه يريد أن يتحدث بموضوع خاص جدا وحساس فوافقت.. أخبرني أني أشبه حبيبته السابقة التي توفيت بحادث سيارة.. أخبرني كيف كان يعاني لأشهر كثيرة من فقدانها حتى رآني وذكرته بها وفتحت كل جروحه.. كما انه لاحظ أنى أتردد كل يوم هنا لأتناول طعامي مثلها تماما.. اغرب شيء أن رقم دوري على الفاتورة هو نفس رقم تاريخ وفاتها.. والحقيقة تأثرت كثيرا.. التقينا عدة مرات هنا.. وكان دائما يطلب مني أن انتبه على نفسي.. فهو لن يتحمل أن يفقدني أنا الأخرى أيضا))
عادت هيام لفتح شطيرتها والبدء بتناولها وهي تقول بتوجس وتأثر شديد
((نعم.. أكملي وماذا حدث الآن))
فتحت هي الأخرى العلبة لتبدأ بإخراج شطيرتها والتوى ثغرها بتأففٍ واضح وهي تُجيب
((كان الوضع من الممكن أن يستمر أكثر من ذلك حتى الآن لو أن رفيقتي لم تخبرني أن السيناريو نفسه قد تكرر معها ومع أخريات أيضا))
ابتسمت هيام بسخرية لكلام مها وهي تسمعها تردف

((النذل الخائن.. كنت أريد أن ابحث فورا على عروض ملفتة لصالات الأفراح.. وكعكة الزفاف كنت سأجعلها على نفس شكل الطلب الذي طلبته واكتب عليها رقم الطلب..لكن يبدو أنه لا يوجد حب.. الحب الوحيد هو للمطبخ فقط))
فضحكت هيام على كلامها بخفوت وهي تهز رأسها بيأس من مها..
لكنه شعت عيناها بحب وهي تذكر شخص ما.. هو مختلف عن الكل..
ما أن أنهتا الفتاتان الطعام حتى مشيا سويا للخارج نحو محاضراتهما..
وبالطريق سألت مها هيام بفضول إذا كان وسبق أن أحبت.. فعضت هيام شفتيها بخجل وهي تهز رأسها إيجابا..
انصدمت مها فسألتها عن التفاصيل لتمط هيام شفتيها ثم تجيب
((حبنا بدء صدفة.. عندما سمعت شخص خلفي يطلبها مع جبنة.. فدفعني فضولي لأخبر الرجل أمامي أنى أريد وجبتي مع الجبنة أيضا.. رد علي ب "تكرمي" وجهزها وأعطاها لي بعد أن حاسبته.. ويمكن القول انه من لحظتها أصبحت حب حياتي))
زفرت مها متذمر من سخرية لهيام.. لكان سرعان ما أزالت ملامحها لتسأل بفضول كأنها تحقق معها
((هيام أنت لست مخطوبة صحيح؟ إذن هل أنت محجوزة.. يعني هل هناك أحد من عائلتك طلبك للزواج بعد الدراسة؟))
نفت هيام وهي تقول بمرح
((لا.. لدي عم وحيد ولديه ابن واحد وهو أخي بنفس الوقت.. مممم.. من جهة والدتي.. فأولاد خالي بسن والدي.. لدي أيضًا أربع خالات.. أولاد خالتي الأولى جميعهم مرتبطون بعلاقات حب.. أولاد خالتي الثانية يعيشون في الخارج وانا لن اقبل إلا ابن بلدي بفخر.. خالتي الثالثة كل أولادها ناصعين البياض بأعين ملونة وشعر أشقر.. أولاد خالتي الرابعة لا يوجد عند أي أحد منهم مقومات الزواج.. وللصراحة أنا أريد الزواج))
هزت مها رأسها بتفهم لتسترسل هيام
((في الحقيقة أحب كل أقربائي.. لكن الحكمة تقول إذا أحببت شخص وحرصت على بقاء علاقتك به بسلام فلا ترتبط به باي علاقة أخرى.. وقد أثمرت محاولات أمي وإقناعي بشكل مستمر أن أحذر من الارتباط أو إقراض المال لمن أحب حتى لا تنتهي علاقتي بأبشع صورة ممكنة.. لذا لن أتزوج من أقاربنا))
توقفت هيام قبل أن تستطرد
((حسنا مها لقد تأخرت.. سأسرع المشي لألحق محاضرتي.. إلى اللقاء))
وسلمت عليها بكفها وهي تبتعد مسرعة الخطى..
وعلى الجانب الأخر من الساحة كان احمد يسير نحو كليته ليراها صدفة..
فتوقف وعيناه تلحقها وهي تخطو طريقها بهرولة..
رغما عنه ابتسم بعفوية رغم أن هذا اليوم متعب من بدايته.. لكن.. هل هو يملك زمام العين.. أو زمام القلب؟


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-20, 07:38 PM   #19

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

ما كان من احمد إلا أن يضع يديه بجيوب بنطاله ويتبعها بكل خطوة تخطوها دون تفكير وهو يسير بسرعة على سرعتها.. وبسرية تامة..
كي لا ترى عيناها ذلّ شاب بالكاد تعرفت وها هو يلاحقها بلهفة..
.
.
بنهاية الترم الأول..
وعند اقتراب هذا الترم الدراسي على الانتهاء بدأت التعاسة تتسلل لداخل احمد..
لا يدري من أين سيجد أي حجة ليراها بعد أن يتوقف عن اخذ تلك المحاضرة اليتيمة الوحيدة معها..
الحقيقة انه لا يهتم بالمكان أو الزمان بل تكفيه رؤيتها من بعيد ليشبع فضوله..
كان يسخر من إياد الذي لطالما تمنى أن ينهي دراسته بسرعة حتى يُكوِن نفسه ويتزوج مِن التي ملكت قلبه..
لكنه الآن هو يفكر نفس الشيء.. ولكن.. يريد أن يطمئن بانها ما زالت متاحة له حتى يستعد..
فهما من نفس العمر.. بهذه اللحظة وجد نفسه يصارع ذلك الألم المصاحب للرفض والعجز..
هل هو الآن يبدو سخيف كمتيم مهووس؟ وما هي نظرتها عنه؟ يرى إعجاب طفيف بعينيها تجاهه إذا ما تلاقت عيونهما صدفة..
توقف فجاءة عن الحركة ما أن رآها تدخل مبنى الكلية.. ذهبت من أمام ناظريه.. يريد أن يتركها ويذهب لمحاضرته التي تأخر عليها.. ولكن..
ما أن يضعف ويشتاق لرؤيتها يود لو يتجاهل كل شيء ويذهب أينما تذهب أو يكون بنفس المكان معها..
يتمنى لو يقدر أن يحدق بها قليلا من دون أن تنتبه فتتهمه بالتحرش..
فرغم جرأتها وإقدامها معه.. إلا أنها تتمتع بشموخ أنثوي رهيب..
نظره وحيدة ينظرها لها ويستطيع أن يعرف أن هيام فيصل الدال له.. ويقسم على ذلك.. يشعر بإحساس مخيف لمستقبله..
ولكن مهما كانت ظروفه ومهما كان ما سيمر به.. فستكون له..
يمتلكه الغضب قليلا لانفلات مشاعره من بين تحكمه.. لكن لا يخجل أن يعري مشاعره.. على الأقل أمام نفسه..
.
.
عند أخر يوم دراسي لهذا الفصل..
بعد أن خرج المُحاضر من القاعة التقطت هيام كتبها وحقيبتها بيديها..
حركها قلبها بعمق الخجل والكبت وبلذة التقدم وجنونه لتتجرأ وتنادي بحروف اسمه "احمد"
جفل احمد بعينين مفتوحتين على اتساعهما وتجمد.. لكن التفت للواقفة خلفه على بعد خطوتين وتقبض على حقيبتها الصغيرة بشدة كأنها متوترة..
سمعها تقول بصوت مرتبك
((أنا اسفه لتدخلي.. لكن.. لم.. لم شعرت أنك تلتف للخلف حيث اجلس بمقعدي بغضب وبدون سبب لأكثر من مرة أثناء المحاضرة))
حاول أن يتظاهر احمد بتدفئة كفيه المتجمدتين بهذا الصقيع وهم على أعتاب سنة جديد..
كان شعوره من الداخل بمنتهى الغضب.. ليس بسبب صوتها المرتفع أو تمتماتها المزعجة مع صديقتها مها.. فهو معتاد عليهما منذ بداية الترم..
لكن مناداتها باسم أخر هو ما شبّ النار بقلبه..
هل هو مجنون؟ هي وحتى الآن مجرد زميلة له.. لا يحق له حتى بالتفكير بها.. فلم يغار وكأنه تخصه وملكه؟
قال احمد بصوت مرتبك لا يقل عنها ارتباكاً وهو يشيح بنظره للغارق بنوم عميق على بعد عدة مقاعد من مقعد هيام بالصف الأخير
((لا.. لم اقصد شيئا.. لكن كنتِ تنادين على أحدهم بصوت عال.. ولم أستطع التركيز بالمحاضرة.. لم اقصد شيئا.. يا.. هيام))
شعر بضربات قلبه تزداد عند نطقه لاسمها.. يشعر بالغرابة حتى من جرأته بنطقه..
الصمت المرتبك خيم من جديد بينهما.. لتردف هيام أخيرا بابتسامة عفوية وهي تنظر للنائم
((أوه أنت تقصد طارق؟ ناديت عليه بصوت عال قليل لعله ينهض وينتبه أكثر ع المحاضرة بما أنها مهمة والأخيرة))
ثم قال له هيام بمشاغبة وابتسامة عريضة
((طارق يدرس معي بنفس التخصص وهو "الرياضيات" لذا أنا أعرفه.. يمكنك القول إن النوم في المحاضرات من أكثر المواقف التي يتعرض لها طارق.. عدا عن نومه الدائم داخل المدرجات.. احضر أحد الطلاب كاميرا تعمل بالنيجاتيف والتقط له صورة في أكثر من مناسبة لتوثيق عدد المرات التي نام فيها في محاضرة في أيام مختلفة.. حتى أن أستاذ المادة طلب من زملائه إيقاظه وبعد فشل محاولاتهم تحدث أستاذه في الميكرفون وناداه باسمه لإيقاظه في أكثر المواقف إضحاكا))
عقد احمد حاجباه منزعجا من كونها تعرف الكثير عن هذا الطارق..
أكثر مما يجب عليها أن تعرف عن مجرد زميل..
فتحدث بحزم شديد كأن له سلطة عليها ليأمرها
((أتمنى أن لا تقتربي من طارق أو غيره وأن لا تتحدثي مع أي شخص بهذه الطريقة الغير رسمية.. يا هيام))
مجددا.. همس بأخر كلمة بوتيرة خاصة.. ليشعل بـروحها شيء غريب يتحرك جعلها متجمدة وتحدق به بعينين متسعتان.. شعرت بفعل سرى في عروقها..
ازدردت هيام ريقها لتسأله بابتسامة عفوية وهي تحاول سرقة حجج أكثر لتتقرب منه
((ما رأيك أن نتمشى قليلا بالساحة؟ لقد أنهينا هذه المحاضرة مبكرا))
صدم احمد من طلبها المفاجئ.. لكن هزّ رأسه موافقا..
لم يجن بعد ليضيع فرصة أتته على طبق من ذهب ليتقرب ويتعرف عليها أكثر..
وسارا سويا للخارج بهدوء وبمسافة تفصل بينهما.. شعر بارتجاف شديد يعتري أوصاله.. وهي كانت كذلك..
كأن هناك شرارات بينهما تنقل رجفته لها فترجف هي أيضا.. كان ينظر هنا وهناك وهو يمشي من شدة الارتباك..
وجدته يرفع رأسه لشاب مر من أمامه يغمغم السلام له فيعبس الأخر بوجهه ويرد عليه السلام من دون أن ينظر له متابعا خطواته بعبوس..
كأنه كاره للصدفة التي جعلت طرقهما تتلاقى..
تعجبت هيام لكنها حاولت الصمت وعدم الثرثرة والتدخل بما لا يعنيها حتى لو كانت عينيها تفضح تفاجئها من تصرف ذاك الشاب..
لكن فشلت في الصمت لـتسأله وهي تدير برأسها باتجاهه
((من ذاك الشاب؟ يبدو من مظهره انه دكتور.. صحيح؟))
ارتفعت عينا احمد بتهكم لها فمن المدة القصير التي تعرف عليها استطاع أن يفهم الكثير عن شخصيتها..
أهمها أنها فضولية وتحب معرفة كل شيء حتى لو لم يهمها الشخص الذي أمامها..
فعقد حاجبيه بتلقائية وقال بسخريه وهو يتذكر واحد من أطرف المواقف وأكثرها إحراجاً قد تعرض عليها في فترة حياته
((نعم دكتور.. واحضر عنده مادة مساق مهمة.. حصل بيننا سوء تفاهم وهو إلى الآن يحقد ويرمي نظرات كره تجاهي بالرغم من محاولاتي الحثيثة بالتقرب إليه من بداية الفصل..))
لمح تفاصيل الاستغراب ومن ثم ابتسامة مائله على شفتيها وهي تكتم ضحكتها.. تضحك حتى قبل أن تسمع قصته.. ليردف
((يومها كان يلبس بدلة قريبة من بدلة إياد.. إياد شقيقي.. تعرفينه صحيح؟))
هزت رأسها إيجابا خطرت على بالها عبير.. فقد زارتهم مرة أخرى ببيتهم وقد اعتذرت هيام منها على أخر شجار حضرته عبير بين والديها بما فيها تصرفاتها وتجاهلها لها..
فقد كانت متوترة من أجواء المنزل.. وقبلت عبير اعتذارها بصدر رحب..
أعادت تركيزها لأحمد وهو يكمل
((ما حدث يومها أنه كان يلبس بدلة قريبة من بدلة إياد وكان يجلس على الدرج.. فظننته إياد وأردت أن أمازحه كما فعل معي بإحدى المرات.. فاقتربت منه وأخذت دفتره وهربت بأقصى سرعتي.. حتى سمعت الذي يركض خلفي يصيح بـ "لص.. لص".. فتوقفت مصدوما.. ازدردت ريقي وانا أستدير ببطء ومرتعب من النظر لمن خلفي.. كان هذا الدكتور هو من أخذت دفتره لا إياد.. حينها وكأن القطة أكلت لساني.. لم أكن اعرف كيف سأشرح له ما حدث وكيف أفسر الأمر.. لكن بالنهاية.. انتهى الأمر على خير ما يرام.. مع انه ادعى انه الدفتر يحتوي أسئلة امتحانات المساق))
صمت قليلا وابتسامة تعلو محياه ليردف بعد ثواني معدودة
((على كل حال تحدث بعض المناوشات والمشاحنات بين الطلبة والدكاترة.. اذكر أن أحد أصدقائي اصطدم مع احدى الفتيات القصيرات وحدثت بينهما مشاحنه وقام بشتمها وأسمعها كلام قاسي قبل أن يدخل على القاعة ليتفاجأ أنها دكتورة المادة))
ضحكت هيام بعمق سلب عقله وروحه.. تذكرت هي أيضا احدى المواقف المحرجة الذي مر بها أحد زملائها بعد قيامه بمعاكسة إحدى الفتيات في الكلية بخفة ظل..
وتوجه لمحاضرة ليُفاجئ أن الفتاة التي قام بمعاكستها هي نفسها معيدة المادة.. رغبة شجعتها لتتجرأ وتأخذ معه بالكلام أكثر.. فأخبرته القصة التي تذكرتها وأنهت حديثها قائلة
((لا أدري بماذا أخبرك.. لكن انتهى الأمر بينهما عندما دخلت القاعة وسألته عن اسمه وهي تضحك.. مجملا عليك أن تحذر من الفتيات القصيرات.. فمرة بامتحان احدى المساقات.. كانت أمامي صديقتان يغشان من بعضهما.. وفجأة نظرت الفتاة الجالسة أمامهم لهما بغضب.. تأففت صديقتي وأخبرتها أن تستدير وتنظر للأمام وبعد أن ينتهوا سيعطونها الأجوبة.. ثم بــــــــــــــــــــــوم .. وقفت تلك الفتاة الغاضبة من مقعدها لنجد أن لا ورقة أسئلة أمامها أساسا.. لأنها هي مراقبة))
ما إن انتهت كلامها حتى غرق في ضحكه صاخبه.. لا يدري إن كان يضحك على طريقتها بالحديث أو على قصتها..
أما هي بادلته الضحك أكثر بينما هي غارقة به.. لأول مره تشعر بأن الحب يتدفق كنهر عذب من روحها..
بينما هو كان يتغلغل بسحرها أكثر.. كلامها.. طريقة حديثها.. خفة دمها.. جمالها.. كله يجذبه لها..
بعد برهة من الزمن ومن المشي.. ابتسمت هيام بنعومة على الحديث الذي دار بينهما فرفعت رأسها للسماء لتستقبل أشعة الشمس اللطيفة..
النسمات الخفيفة تداعب خصلات شعرها المتناثر على كتفيها بنعومة فتزيد سحرها عليه..
هذه الأشهر كانت صعبة عليها نفسيا بسبب مشاكل عائلتها التي سببت لها ندبة عميقة من وقت حدوثها حتى الآن..
لكن ومع هذه اللحظات المسروقة التي تقضيها مع احمد تشعر بها كدواء نادر الوجود وقوي المفعول على ندبتها لتماثل للشفاء..
وهو أيضا كان بحاجة لتمضية مثل هكذا وقت ولو كان قصيرا خاصة بعد اقتراب امتحانات نهاية الترم الدراسي لإضفاء مناخ من البهجة والمرح إلى نفسه..
صمت الاثنين لمدة طالت.. توقفت قدماه عن المشي قليلا..
لم يدري تحديدا احمد بما يشعر.. ربما يشعر بـتخبط في داخله..
فتوقفت هي الأخرى ما أن أحست به يقف خلفها بمكانه لتستدير وتنظر إليه بارتباك..
بعد مدة صمت.. همس بهدوء وهو يطالع عينيها البنيتين
((لقد استمتعت بالحديث معك كثيرا يا هيام.. مع أننا لم نتحدث كثيرا.. ربما اقل من ساعة))
صمت هادئ من طرف هيام.. رباه ما اللذّ حروف اسمها من فمه.. لم ينطق اسمها إلا مرات محدودة جدا.. فهمست
((وانا أيضا استمتعت معك.. للأسف لا أظن أننا سنحظى بالترم القادم بمحاضرة أخرى نأخذها معا))
عقد حاجبيه قائلا
((وهل من ضروري أن نأخذ محاضرة سويا لنرى بعضنا.. يمكننا أن تلتقي ليوم أو يومين بالأسبوع سويا باستراحة تتوافق مع وقت كلينا))
من ثم أردف برقه متناهيه
((لقد اعتدت على لسانك الثرثار لا يتوقف عن الحديث خلفي بشكل مزعج.. ولن أتحمل أن افتقدك وبشكل مفاجئ))
لا تدري إذا كان يسخر منها أو يمتدحها.. لكن شعرت بالخجل يطفو لوجهها لتخفض عينيها أرضا..
أبعدت خصلات غرتها المتناثرة عن جبينها وخديها لتضعها خلف أذنيها..
لم تردف بكلمه.. مازالت صامته.. تميل للارتجاف قليلاً.. ليهتف اسمها مناديا من جديد.. فترتفع عينيها له لتهمس له
((ماذا؟))
بقت عينيه تنظر لها بهدوء.. ليقول بنبرة أمرة تكسوها بعض الغضب
((حاولي أن تضعي حدود بينك وبين أي شاب أخر.. أو حتى فتاة.. حتى صديقتك مها لا أحبها.. إنها جريئة بشكل كبير))
كادت عيني هيام تخرج من مكانها من الدهشة.. بل لم تستطع تدقيق النظر من حالة التوهج الذي صدمت بها عينيها.. من جهة انه يحفظ حتى اسم صديقتها المقربة التي ما تجلس بجانبها دائما ووراءه.. ومن جهة أخرى أنه يتحدث لها وكأنهما مقربين بالفعل.. ويعرفان بعضمها منذ وقت طويل..
عندما بقيت على حالها لا تجيب.. شعر هو بالمبالغة بكلامه وبنبرته.. فتنحنح بهدوء..
لكنها همست بهدوء مبالغ منها ورقة مصطنعة وكأنها تريد أن تعيش دور الأنثى الحبيبة
((حسنا كما تريد.. فلتأمر يا حبيبي))
فجاءة جفلا الاثنين من الكلمة الأخيرة التي نطقتها.. حاولت أن تفتح فاها لتصحح سوء الفهم ولكن كانت عاجزة عن إخراج أي حرف منها..
ابتسم رغما عنه وكان يريد أن يشير لكلمتها بخبث.. لكلمة شعر بسببها بكمية كبيرة من السعادة وهو يتلقاها بوقت غير متوقع أبداً ومنها.. بالذات منها هي.. مع أنه شعر بإعجابها به الذي يفضحها..
ولكن ما أن نظر إليها نظرات متفحصة حتى شفق عليها.. وجدها مطاطاه الرأس..
تشد على قبضتيها ووجها يكاد ينفجر حُمرة من الخجل..
تراجع وببديهية منه حاول أن يتخطى الموضوع فقال بصوت منخفض متردد لا يخلو من الارتباك وهو يشير للكتاب الذي يحمله
((إذن.. حسنا.. سأذهب لمحاضرتي.. الآن إلى اللقاء.. على ما اعتقد.. لقاءنا القادم سيكون بنفس يوم الامتحان النهائي لهذا المساق))
هزت راسها موافقة بدون أن تنظر إليهم ثم ودعته وهي تبتعد عنه بأحراج مستسلم..
وما أن ذهب من أمام ناظريها.. حتى أكملت الطريق إلى محاضرتها التالية بـخجل وهي تمسك بأطراف فستانها الطويل المحتشم بقوة وكأنه ما زال أمامها..
لعنت تهورها بداخلها الذي أوقعها الآن في الإحراج.. لم قالتها؟ بل كيف خرجت من فمها.. نعم كان نطقها لتلك الكلمة وتفاجئه منه من ثم هرب كلاهما من هذا الموقف ضربا من جنون.. إذن.. كيف ستكون لقاءتهما التالية يا ترى؟
لطالما شعرت من أول نظرة له بمشاعر نحوه.. ومن بعد عدة لقاءات فقط..
والآن وبعد الحديث هذا القصير الذي دار بينهما والغير عميق.. بدأت تشعر بالحب.. ولكن كجرعات متفاوتة..
لكنه يمتلك زمام قيود مشاعرها نحوه سابقا..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-20, 07:39 PM   #20

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

.
.
دموع جالا التي كانت في الثامنة من عمرها تسيل مدرارا وهي تضرب بقدمها السرير..
الارتعاشات تتوالى على جسدها لكن لن يوقفها شيء عن الاستمرار بالضرب بقدمها رغم الألم الذي تشعر به مع كل ضربة..
تريد أن تعلن غضبها حتى ولو على حساب أذية نفسها..
وعلى إثر صراخها المستمر الذي تمقته والدتها صرخت عليها بصوت عالي حتى تتوقف..
فتهدج صوت جالا بالبكاء قائلة بصوت خافت جريح كطفلة بعمرها
((أريد الخروج لرؤية كارم.. انه ينتظرني خارجا.. أنا لم أكبر بعد))
وبتلويحه غاضبة من يدها أمام وجه جالا قالت
((أخبرته أنك مريضة ولن تخرجي.. لا مزيد من اللعب خارجا مع الصبيان.. ولن تخرجي لبيت والدك لأنك تثيرين المزيد من المشاكل مع بناته.. اهتمي بدراستك فقط))
عادت جالا لتقف بدورها لتزيد من استفزاز أمها وهي تضع يديها على خصرها
((إذن سأطلب منه أن يساعدني بالدراسة.. أوه.. أيضا مراد اقترح عليّ المساعدة إذا احتجته بشيء ما في الدراسة..))
قالت سميحة بفقدان أعصاب
((يا إلهي يا جالا! سأفقد بسببك ما تبقى من ذرات عقلي.. لم أنتِ عنيدة هكذا! أخبرتك أنك كبرتي على الاختلاط بالجنس الأخر))
خرجت سميحة غاضبة من غرفة ابنتها بينما أخذت أنفاس جالا تتسارع بغضب من نوع أخر..
===============================================
انتهى


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:39 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.