آخر 10 مشاركات
لك بكل الحب (5) "رواية شرقية" بقلم: athenadelta *مميزة* ((كاملة)) (الكاتـب : athenadelta - )           »          287 - كذبة العاشق - كاتي ويليامز (الكاتـب : عنووود - )           »          284 - أنت الثمن - هيلين بيانش _ حلوة قوى قوى (الكاتـب : سماالياقوت - )           »          275 - قصر النار - إيما دارسي (الكاتـب : عنووود - )           »          269 - قطار النسيان - آن ميثر (الكاتـب : عنووود - )           »          263 - بيني وبينك - لوسي غوردون (الكاتـب : PEPOO - )           »          التقينـا فأشــرق الفـــؤاد *سلسلة إشراقة الفؤاد* مميزة ومكتملة * (الكاتـب : سما صافية - )           »          الإغراء الممنوع (171) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 1 سلسلة إغراء فالكونيرى..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          غيوم البعاد (2)__ سلسلة إشراقة الفؤاد (الكاتـب : سما صافية - )           »          ياسميـن الشتـاء-قلوب شرقية(26)-[حصرياً]-للكاتبة الرائعة::جود علي(مميزة)*كاملة* (الكاتـب : *جود علي* - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: اي قصة من قصص الأخوة الثلاث أعجبتكم؟
هيام 25 46.30%
جالا 32 59.26%
راجي 17 31.48%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 54. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree37Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-08-20, 07:37 PM   #21

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الثالث




مع نهاية الأسبوع التالي وفي الصباح الباكر بعيدا عن وجود أناس في أرجاء القرية رأى راجي أن الوقت حان ليسحب جالا من سريرها ويقوم معها بجولة تنزه حول مزرعة عمه فيصل والتي لا تبعد كثير عن بيتهم..
وقد أخبر جالا أنها وطوال فترة عطلتها وابتعادها عن الجامعة ستمارس الرياضة بشكل يومي معه وسيجبرها على الالتزام بالمواعيد والأماكن التي تناسبه هو..
فلديه الكثير من الأمور التي عليه القيام بها وليس جالسا بلا أشغال بالبيت مثلها..
لطالما كان راجي شغوف بممارسة الرياضة وقد حمل أيام المدرسة عدة ألقاب سابقة وعلى مستوى محافظته حتى بالرغم من أن مظهره الخارجي لا يبرز عضلاته بشكل واضح..
الجو كان لا زال عبارة عن صعيق مدقع ولكن الأرض جافة وصلبة على الأقل لكونها لم تمطر لعدة أيام..
وصلا للبيت بعد ساعتين ليسرع كل منهما بأخذ حمام دافئ..
بعد ساعة خرج راجي من غرفته إلى المطبخ بعد أن أنهى حمامه وارتدى ملابسه..
أبهج قلبه رؤيتها بالمطبخ بعد أن سبقته لتتناول وجبة الفطور..
كانت تأكل بشراهة وتختار الصحي بعناية ملحوظة كما سبق ونبهها.. وضعها تحسن كثيرا بهذه الأيام القليلة..
جلس راجي بجانبها ينضم إليها على الأكل.. ثم قال مشيدا لها وهو يمسح بكفه على ظهرها
((أحسنتِ يا جالا.. أول شيء عليك البدء منه هو التغذية السليمة.. أكثري من أكل الخضروات والفواكه خاصةً التي تحتوي على فيتامين جيم.. لا تستهيني بالتغذية السليمة فهي مفتاح الصحة.. تجعل الجسم أكثر تحملاً للضغوطات الجسمية والنفسية))
أومأت جالا رأسها لكلامه بلا تركيز وهي تتابع تناول طعامها ليردف لها وهو يتناول بيده رغيف خبز ليبدأ الأكل
((يفضل أن نجري لك فحص أولاً لتري النقص الذي لديك وخاصةً مع نزول وزنك بشكل كبير الفترة الماضية.. ثم نشتري الفيتامينات التي يصفها لك الطبيب لتداومي عليها))
وقبل أن يقتطع راجي جزءا أخر من الرغيب أمامه شهق بخفوت وكأنه تذكر شيئا للتو
((صحيح جالا قبل أن أنسى.. أخبرني والدك أنه إذا شعرتي مع الوقت إن الضغط النفسي أكبر من طاقتك على التحمل أعلميه وسيتوجه بك إلى طبيب أو عيادة صحة نفسية لتستشيري الطبيب.. وسيقرر الطبيب هو إذا كنت بحاجة لأخذ دواء للتقليل من الضغط النفسي الذي تشعرين به.. هناك أدوية توصف لحالات معينية يمر فيها الأنسان بضغط عصبي ونفسي كبير مثل حالات الوفاة أو حالات الخسارة الكبيرة أو الطلاق.. وتأخذ لفترة معينة فقط تساعد الأنسان على تحمل وقع الصدمة في الفترات الأولى من المصيبة وعند مرور الوقت يستغني الشخص عن أخذها.. طبعا أنا متأكد أنك لن تعودي بحاجتها.. لكن أقولها تحسبا))
أومأت مرة ثانية له ولكن هذه المرة وهي تطلع إليه شاكرة بامتنان.. ولمعة تفاؤل تظهر بعينيها..
ربما فعلا لا شيء يدوم على حاله وهي قررت أن تزرع الأمل في قلبها وعقلها..
رفعت كفيها بتلقائية لتحيطا بوجنتي أخيها وقربت رأسها لتقبل مقدمة رأسه بفخر لأنه اخوها فضمها راجي إليه بعناق أخوي وهو يتمتم لها أنها ستكون بخير..
===============================================


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-20, 07:38 PM   #22

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

فك احمد حزام الأمان لينزل من سيارته التي أوقفها بإحدى المواقف بعد أن سمح له رجلان من أمن الجامعة الدخول بدون أن يسألاه عن هويته تبعا لشكله الخارجي الذي بدا فيه وكأنه يعمل هنا..
خطى احمد بالطريق وهو يتأمل صرح هذه الجامعة العريقة التي تُدَّرِس بها هيام لتعيده وتشدّه الذكرى إلى عالم يزدحم بالصور والأصوات..
إلى ذكرياته لأيام الجامعة وأيام رفقته الذي افترق عن معظمهم منذ نحو ما يقارب الثمانية سنوات..
استحضر لذاكرته أيام رفقته من ضحكات منطلقة وبسمات منبعثة وأفراح تلامس شغاف القلب..
مر في ذهنه مواقف ومشاهد له معهم كلقطات سريعة من دعاية لفيلم سينمائي فشعر بنفسه يحلّق معها بعيدا ليعانق لحظات من الفرح والسرور والشوق لأيام حلوة مضت ولكنها لا تُنسى..
فهم لم يكونوا مجرد أناس مرّوا في حياته.. بل معظمهم تركوا في داخله ذكريات تُحفر في صفحة الروح كالوشم لا تمّحى..
جلس احمد على أحد مقاعد الساحة وأغمض عينيه لتشق ابتسامة دافئة وجهه عندما تسللت إلى عقله ذكرياته مع أغلى إنسانة على قلبه تعرف عليها بالجامعة.. هيام..
أجمل أيامه التي أمضاها مع هيام حبه الأول والأخير والتي تعرّف عليها في أوائل أيام الدراسة بجامعته التي درس فيها..
خلال وقت قصير اكتشف أن هيام إنسانة من طراز خاص..
كان لسانها لا يكفّ عن الكلام.. فتاة مميّزة تفيض سحرا أخّاذا.. تزخر بحيوية دافقة..
تلك الأيام جمعت بينهما صداقة بمحض الصدفة فتوطدت وكأنها من سنوات عدة ثم أصبحا فيها كالعاشقين بل وأكثر من ذلك قبل أن تجيء الأيام لتفرق بينها..
فبأيامهما قبل سبع سنوات لم يكن قد تم طرح الهاتف المحمول بالأسواق بعد ولم تكن هناك وسائل اتصال سهلة كما اليوم..
فأصبح كلاً منهما في طريق أخر.. ولم تعد حتى الصدفة تجمعهما معا.. حتى أخر مرة..
للعجب أنه كان لديه شعور قوي باطنيّ منذ أول يوم رآها فيه أن علاقتهما ستتطوّر مع الأيام وتصبح أكثر..
ومن يدري؟ ربما فعلا قصتهم ستنتهي بشكل جميل ولن يبقى البُعد مصيرها جمالا..
تنهد احمد ببعض الإحباط وهو يفتح عيناه..
عندما تخرجت هيام من الجامعة قبله بسنتين لأنها كنت تدرس الرياضيات بعكسه هو كان يدرس الطب عاهدا بعضهما أنها ستنتظره طوال السنتين حتى يتخرج هو الأخر أيضًا ثم يتقدم لها ويتزوجها..
لكن بعد تخرجه كان غير مُستقر مِن الناحية الاقتصادية ولا يملك شيئًا..
هيام أخبرته أنها قابلة بوضعه كيفما كان وأنها تستطيع أن تساعده ما دامت تعمل حتى يجدَ هو عملاً ويستقر وضعه.. وحتى إنها عرضت عليه العيش مع عائلته ومُشاركته غُرفته..
فأصّر على أهله أن يتقدم للزواج منها وحاربهم عندما رفضوا طلبه حتى وافقوا..
حتى أنه وبكل أنانية أخبر إياد أن يدعمه معنويا وماديا من مدخراته ويقنع والديهما بالرغم من أنه يكبره بأكثر من ثلاث سنوات..
لكن مالم يتوقعه هو أن يذهب بعدها مباشرة ويتقدم لهيام أكثر من عشر مرات خلال سنة واحدة بلا كلل أو ملل ومع ذلك يتم رفضه من قبل والدها لأسباب اجتماعية ومادية..
حتى أنه لم يستطع ألا يتهم هيام بخذلانه..
نعم.. رآها عاشقة متخاذلة..
لم تقف بوجه أهلها بشكل فعلي وتحارب من أجله ومن اجل حبهما ولم توافق على الهروب معه ليتزوجا ويضعها والدها تحت امر الواقع رغم دناءة ووضاعة هذا الاقتراح الذي اقترحه عليها..
فهو لن يطال سمعة أحد بسوء إلا سمعتها هي..
بالحقيقة هو لم يكن راضيا بالزواج من غيرها أبدا.. ولكن أباه وأمه أجبراه بكل ما للكلمة من معنى..
ولم يستطع احمد أن يفعل شيئا إلا الزواج من إيمان والرضوخ لمشيئة أهله ولم يلتقيا الاثنان بعد ذلك على الإطلاق..
مع ذلك بقيت الذكريات تجمعه بهيام بالمحبة ذاتها..
وكلما خطرت على باله ذكراها رنّ في أذنيه صوتها المبتهج وهي تنادي باسمه..
تنثال في ذاكرته صور كثيرة من تلك الأيام الجميلة.. البريئة.. السعيدة.. فتنتشي روحه تماما كما في تلك الأيام..
سخرية القدر هي أن إيمان زوجته تعرف إليها أول مرة أثناء وجوده بقرية هيام..
بل واكتشف فيما بعد أن لها صلة قرابة من هيام.. والدها هو أبن عم والد هيام..
خرجت ضحكة ساخرة منه وهو يفكر ماذا كان سيحدث لو عرفت إيمان أن سبب قدومه لقريتها لم يكن إلا لخطبة حبيبته هيام..
إيمان أو "إيما" كما تحب أن تُدعى من قبل المقربين منها كانت من أم عربية تحمل الجنسية الأمريكية..
وكانت وحيدة والديها قبل أن ينفصلا فيما بعد وتعيش هي مع والدتها بأمريكا..
أنتظر والدها بفارغ الصبر انتهاء دراستها المدرسية هناك حتى تعود إلى ارض الوطن ليصّر عليها فيما بعد أن تعيش معه وهو يشجعها بأن الحياة هنا حتى لو كانت أقل رفاهية إلا أنها ستعجبها.. حتى يستطيع أن يجد الشخص المناسب من أولاد البلد ليزوجها منه.. وهي وافقت..
إيمان كانت صيد ثمين لكل شباب القرية.. ولم لا وهي جميلة ورقيقة وابنة حسب ونسب وتحمل جنسية أمريكية؟
لن يكذب إن قال إنه في بداية الأمر صُدم من جرأة والدته وهي تلمح لإيمان بأنها تريدها زوجة له فمن المستحيل أن تقبل برجل مثله وتترك من هم بمستواها..
لكنه صُعق من موافقة إيمان السريعة مع تورد وجنتيها وهي تعطي امه رقم والدها..
حتى أنه لا يستطيع فهم كيف تقبل والد إيمان زواجه ابنته منه بل إنه مدح وشيد به وبعائلته كثيرا وقال إنه محظوظ بشاب مثله زوجا لأبنته..
وهي ابنته الوحيدة من بين ثلاث شبان أنجبهم من زوجته الأخرى بعد انفصاله عن والدة إيمان.. وهي المدللة والبعيدة عن عينه لا عن قلبه وكانت لها أعز مكانة عند والدها..
زفر احمد بيأس وهو يتذكر وقتها كم تمنى من داخل أعماقه لو كان والد إيمان هو والد هيام.. هل كانت ستختلف حياته المستقبلية بشكل كلي؟
فالآن.. وحتى بعد مرور سبع سنوات على زواجه من إيمان..
وحتى بعد إنجابهما ابنهما الوحيد عدنان أبن الست سنوات فلا يشعر احمد بانه يكن أي نوع من أنواع المحبة اتجاه إيمان..
يشعر بانها ما زالت غريبة بالنسبة عنه.. لربما هناك بعضا من الود والعشرة بينما.. لكن ليس حبًا..
صدقاً حاول كثيراً أن يحبها لكن عبث..
ربما المشكلة بأنه لا يتآلف مع إيمان بالذات ولو كانت غيرها لأختلف الأمر..
أو ربما السبب يعود كونه متمسك بكل الذكريات التي جمعته مع حبيبته هيام ولا يريد أن ينتزعها ودائما ما يقارن بشكل مستمر ودائم بين إيمان وهيام..
لا يدري أين المشكلة بالضبط..
فإيمان على العكس تماما من هيام..
إيمان هادئة جدا.. مملة جدا.. مثالية جدا.. لا تشاركه بنفس الاهتمامات والأنشطة ولا بنفس روح الفكاهة التي يمتلكها..
فقط المقربين من احمد يستطيعون معرفة أن احمد هو رجل يحب المرح والكوميديا الساخرة حتى ولو لم يكن يتمتع بها..
هو ليس جامد وبلا مشاعر كما يبدو بالخارج للأناس الذين يعاملهم برسمية..
تنهد احمد بأسى مجددًا وأسند رأسه المتعب على كفيه المضمومتين وهو لا زال يجلس على المقعد الخشبي..
تذكر أخر اتصال هاتفي كان قد أتصله على الهاتف الأرضي لمنزل هيام وقد طلب منها وبكل حقارة ونذالة أن تهرب معه ويتزوجا رغما عن والدها...
أو تيأس من علاقتهما ويذهب كل واحد منهما بطريق ويتزوج من الفتاة التي طلبتها أمه منه..
فرفضت هيام بإباء أن تمرغ رأس والدها بالتراب.. فما كان منه إلا أن اغلق الهاتف وأعلن موافقته لأمه بأنه لن يهرب من عقد القرآن من إيمان كما كان يهددها..
أسوء أيام عاشها عندما عرف بعد خطبته من إيمان أن أحوال هيام سيئة جدا وتعرضت لازمات صحية بعد زواجه من غيرها وتركِه لها وقد شعر بالندم يأكله حيا..
صحيح أنه يذهب لنفس قرية هيام عندما يزور عائلة إيمان..
لكنه فقط عندما رآها صدفة تلك المرة بصورة حيّة عادت ذكرياتهما فيدرك كم الحيرة التي يشعره بها..
خاصة بعد أن حصل على وسيلة اتصال بينهما وهو رقمها..
كما أنه التقى بصديقتها مها أيام الجامعة من خلال صديق مشترك والتي أخبرته أخر ما سمعته من إخبارها.. فهي الأخرى لا تلتقي بها إلا بين كل حين وأخر..
والآن ماذا عساه يفعل؟ هو لا يحب زوجته ويشعر بالندم لأنه ترك هيام ولم يحارب أكثر لنيلها.. كما أنها هي نفسها لم تتخطاه حتى الآن ولم تتزوج..
وهو حتى لو أكمل حياته بشكل عادي لكن هناك جزء بقي فيه وفي لحبهما..
جزء سينتظرها هنا كعهده دوماً وما زال لم يتأثر ببعدهما..
فعلا هو يدرك كم أنه ظلم نفسه وحبيبته عندما وافق على طلب أهله بتركها والزواج من غيرها..
الحمدالله أنه بالوقت الحالي تغير وضع احمد المادي للأفضل وبشكل ملحوظ.. وربما يتمتع بمعايير أفضل من المعايير التي رجى والد هيام أن تكون بزوج ابنته..
هز احمد رأسه وأفكار أخرى تدخل بعقله..
وجد نفسه يقف من مكانه ويغادر صرح الجامعة بعد أن قرر أنه لن يذهب لمكتب هيام وسيأجل مفاجئته بلقائها لوقت أخر..
بعد أن يفكر ويخطط ويحبط ما يجول بعقله جيدا..
===============================================
نظر راجي للزاوية الخاصة في مكتبته وتحديدا بالرف العلوي لقطعه النادرة والثمينة والتي يعتبرها أغلى ما يملك..
ركنه الخاص في حياته الذي يلجأ إليه من فترة لأخرى ليعيده إلى الماضي وبكل تفاصيله..
وفي أدراجه وصناديقه الخاصة كان يضع ألبومات صوره وأدواته المدرسية..
أكثرها هي الهدايا التي كان يتلقاها وهو طفل في أعياد ميلاده من والده ثائر الذي ما زال يقطن بفرنسا..
اعتاد سابقا أن يذهب لفرنسا لزيارته لمدة معينة سنويا ولكن الآن مضى زمن لم يزر والده أو يتحدث معه بشكل عميق أو جيد..
أزاح راجي كرسيه ليجلس عليه أمام منضدة دراسته ويتابع مذاكرته فقد عاد إلى مقاعد الدراسة بالترم الجديد بعد أن أنهى تدريبه بالشركة..
بالرغم من أن كل شيء فيه وبأسلوب غرفته يدل على التهور واللامبالاة وأحلام مراهقة عالقة.. إلا أن لم يأخذ دراسته إلا كشيء جدي جدا بحياته..
وبالرغم أيضًا من أنه أنهي التدريب لا يزال لا يعرف لماذا لمْ يقطع صله بسارا حتى الآن..
فمن المفترض أنه لا يربطه بها أي شيء سوى تواجدهما بنفس المكان..
قطع شروده رنين هاتفه الذي كان بلا شك منها..
يبدو الأمر كأنه سحر.. كلما جالت هي بخاطره يجدها تتصل عليه وكل يوم بحجة مختلفة..
بجفاء مفتعل ردّ على هاتفه وهو يسألها بدون أي ترحيب ماذا تريد..
فجاءه صوتها حانقا
((راجي لا تجنني.. صحيح أن يوم عيد ميلادي انتهى.. ولكن أخبرتك عن المشاكل التي حدثت ومنعتنا من حجز المكان بنفس يوم عيد ميلادي.. حتى أن والدي أعلمني اليوم أننا سنضطر لتأجيل الاحتفال حتى بعد أسبوع إضافي))
ارتفعت غصة الإحباط في حلقها حين لم تجد أي ردة فعل منه أو تأثر فسألته متوجسة
((راجي ستأتي لحفلة عيد ميلادي ولن تفوته.. صحيح؟))
مط راجي شفتيه بملل وهو يجيبها
((لا تقلقي يا سارا.. حتى لو كان عليّ مئة امتحان باليوم التالي وكان مستقبلي بأكمله متوقف على هذا اليوم فلن اهتم بشيء وسأحضر حفلة ميلادك.. هل أنت راضية الآن؟ حسنا إلى اللقاء))
ثم أغلق الهاتف بوجهها فورا..
استشاطت سارا غضبا وهي تكز على أسنانها وتكاد تحطم الهاتف من بين كفيها المطبقتان عليه.. كأنه يتعمد محاولة أن يبعد نفسه عن سحرها فلا يتأثر..
جاءها صوت ديمة التي دخلت مكتبها مستغربة من تعابير فسارا
((ما بك يا سارا؟ هل عاد ذلك المدعو تامر يزعجك؟ أنا اعتذر لم يكن علي أن أخبره بحماقة أنك تتواجدين معي بمعظم الأيام عندما سألني عنك))
انتبهت سارا لديمة لتجيبها بلامبالاة وهي تهز رأسها نافية
((لا.. لا مشكلة.. فقط تجاهلي اتصالاته حتى يتوقف.. أوف.. لا أدري على من أركز وكيف.. تامر أو راجي!))
فتحت ديمة احدى ملفاتها وهي تهدر ساخرة
((اتركي راجي جانبا.. لقد بدا صديقك السابق تامر حقا معجب بك.. منذ اللحظة الذي عرف أني أبقى متواجدة معك أغلب الوقت وهو يسألني بلهفة دائما عن أحوالك وماذا تفعلين ومن تصادقين.. مستنكرا كيف هجرته بقلب بارد وبدون أن تلقي بالا له.. ومتعجبا بأنه لم يخطر على بالك ولو لبرهة لتسألي عنه وماذا يفعل بقلبه وكيف يعيش وينجو بنفسه في هذه الحياة من دونك))
بدت سارا ضجرة وهي تستمع لكلام ديمة لتقاطع كلامها ساخرة بتعابير وجه جامدة
((ديمة.. إذا اتصل عليك مرة أخرى.. اخبريه أن يذهب إلى الحبشة.. فهناك ملك لا يظلم عنده أحد.. ولا تخبريني بعد ذلك عنه أي شيء))
ثم غادرت سارا المكان إلى الخارج لتقف عند أحد النوافذ وتغمض عينيها بقوة..
كانت أنفاسها هادرة كلهيب تغادر حلقها وهناك نار مشتعلة تهدد بإشعالها هي بلا هوادة..
ازدردت رقها بصعوبة ثم رفعت رأسها وأخذت نفسا قبل أن تفتح عيناها ببطء عميق..
لقد طال الأمر كثيرا وعليه أن ينتهي فهي لم تعد تحتمل إذلال نفسها أكثر من أجل الظفر بكلمتين من جلالة السلطان راجي..
لكن لا بأس.. بليلة عيد ميلادها ستتغير حياته بدرجة كبير..
لمعت عيني سارا بخبث كما شقت وجهها ماكرة وهي تعيد التفكير برأسها بما قررت فعله به..
هي متأكدة أن هذا الأحمق سيقع بفخها..
هو ليس كباقي الشبان الذين مروا بحياتها..
نعم وعلى عكس مظهره الجذاب إلا انه ما زال بريئا..
كما أن المفضوح واقع بحبها وبشكل واضح جدا لدرجة أن أي اعمى يستطيع بسهولة أن يرى الحب والإعجاب الذي يكنه لها..
وللغرابة هي أيضا تبادله نفس الإعجاب.. ربما ومن أول مرة وقعت عينيها عليه.. مثله تماما..
بل تشعر كأنها قطعة حديد وهو مغناطيس قوي يجذبها بلا إرادة أو قوة منها..
لا تدري تحديدا وبشكل دقيق ما الذي يجعله مختلفا..
بالتأكيد ليس وسامته وشكله الخارجي فلطالما رأت العديد من الشبان الأوسم منه ولم يحظوا بانتباهها كم فعل هو..
وهو ليس أيضا غنيا كفاية ليكون من نفس وضعها الاجتماعي..
الأمر متعلق بشخصيته.. بعفويته.. بقلبه.. قلب كالدرة النادرة في زمن اغبر لم يعد يعترف بوجود هذه القلوب..
شبح ابتسامة ساخرة تظهر على وجهها من طريقة تفكيرها..
هي نفسها ليست كذلك وتظن بمن بمثله حمقى وساذجين..
لكن كونها لم يسبق لها وأن قابلت شابا كهذا بحياته يجعله مختلف..
ولن تكون ابنة أبيها أن فقدت وجوده بحياتها.. سواء صديق.. أو.. زوج حتى إذا اضطرت لذلك.. المهم أن يكون بحياتها..
===============================================


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-20, 07:39 PM   #23

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

كانت جالا مضطجعة على أريكتها الكبيرة وهي تضع قدما على قدم بينما تتحدث على هاتفها المحمول مع احدى زميلاتها بمحاولة معرفة الأخبار الأخيرة وكل ما فاتها بفترة غيابها عن الجامعة..
بدت ملامحها مفترسة من شدة الغضب وهي تستمع من الطرف الأخر.. كأن بركان يغلي داخلها.. وما تسمعه لا يعجبها أبداً..
لم تتحمل جالا الاستماع أكثر لما تشدقت به فداء أمام الجميع مبررة فعلتها الشنيعة ومحاولة أن تبدو بصورة الملاك البريء..
لكنها تابعت الإصغاء لزميلتها التي تردف قائلة
((أخبرتنا فداء أيضا أن خطيبك تركك لأجلها ولكنها هي رفضته لأنها لا تقبل على نفسها الزواج من شخصا كان خطيب لك وحتى أنها قبلت الزواج من أبن عمتها حتى تبعده عنها.. هل كلامها صحيح؟))
أشتعل غضب جالا وهي ترى أنها أصبحت مضغة في أفواه الجميع ومحور شفقة وتشفي من جهة.. ومحور التساؤلات والأقاويل من جهة أخرى..
وهذا الأمر عليه تأثير عليها أكثر وطئا مما تتحمل..
ولكن.. يكفي..
ولا مزيد من نظرات الشفقة التي يحدجها بها كل من مكان يعرف بخطبتها لكارم..
كما أنها إذا استمرت بعزل نفسها عن الجميع سيتهمونها بالجبن وربما يرى البعض أنها مازالت تحب كارم ولا تطيق أن تراه مع أخرى..
وإن كان هذا صحيح فلن تسمح لاحد بالتفكير بها هكذا..
أسرعت جالا لتقول بثبات
((هل تعرفين ماذا؟ الأمر ليس كما يُشاع من قِبل فداء.. عدم وجودي لأرد على الإشاعات لا يعني أي شيء.. على العكس تماما.. أنا سعيدة والحمد الله أن خطيبي أنهى كل شيء بيننا بدون أن يدخلني بأي دوامات ما بعد الزواج.. حقا كان الأمر سيكون أسوء لو كان حدث ما حدث بعد زواجنا))
أغمضت جالا عينيها بألم.. لم يكن ليخطر على بالها أن تتعرض لمثل تلك المكيدة..
ومِن من؟ من إنسانة اعتبرتها صديقتها..
والمغيظ بالأمر هو ما تسمعه من الأخرين من تفهم أو تعاطف لفداء لأنه ليس ذنب فداء أنه أحبها هي..
كيف يمكنهم التعاطف مع تلك الأفعى؟
شدت جالا بقبضتها التي تمسك الهاتف.. الآن عليها أن تكون قوية..
فداء هي تلك الفتاة التي ما إن اعترف خطيب صديقتها بمشاعره تجاهها حتى سارعت بتقبلها بل وحثه على قطع علاقته معها والإسراع بالارتباط بها.. هي لا تريد مثل هذه الصديقة بحياتها..
بنهاية الأمر وكما قال راجي لها.. كل ما حدث لمصلحتها.. ولو كان لديها بعض التبصر أو العقل فلن تحزن ولو لثانية عليه حتى لو كان من الصعب محو ماضيهما.. وكل ما تشاركاه بطفولتهما..
بعد لحظات جاءها صوت زميلتها الفضولي
((غريب يا جالا كلامك.. اشعر من نبرة صوتك العاطفية أنك ما زلت تحبينه!))
عادت جالا تغمض عينيها بألم..
أحيانا تجد نفسها لا تكره أحد بقدر كرهها له..
أحيانا تشعر أنها ما زالت تحبه قليلا.. نعم.. ربما لا تزال تحبه قليلا.. وكل ما كان بينهما من ذكريات وكلام لن تنساه طالما بجسدها نبض..
لكن بالنهاية هو من اختار الرحيل.. وهي تعرف السبب..
نعم عرفت السبب بالنهاية وهذا ربما ما جعلها أكثر تقبلا لفكرة الانفصال خاصة بعد أن رأت أن من حق كارم الأفضل بحياته..
فقبل عدة أيام استطاعت اخذ رقمه والتواصل معه أثناء تواجده بروسيا بعد سفره..
صُدم كارم بالبداية عندما سمع صوتها.. ولكنه بتفهم أكمل المكالمة معها عندما طلبت منه أن يتحدثا حديثا أخيرا بينهما قبل أن تنهي كل ما يريد بينهما..
وتفهمت ما فعله.. نوعا ما..
فليس من حق أحد إجباره على البقاء..
وعليها أن تدرك أن لا وجود لكارم بحياتها بعد الآن وأنها لا يجب أن تمتلك أي مشاعر كره أو حب تجاهه..
عادت جالا للواقع وهي تجيب زميلتها وعينيها تلمع بإصرار وثبات
((نعم أنت محقة.. بعض الشيء.. بالبداية لقد أحببته واردته.. لكن هو تركني.. من المؤكد هناك أسباب لتركي.. فلا أحد يرحل من دون سبب.. بعدها خسرته.. أو ربما هو من خسرني.. لكن أنا لن اخسر نفسي.. وبالتأكيد لا داعي أن أوقف حياتي لأجله..))
===============================================


9999yar likes this.

Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-20, 07:39 PM   #24

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

قبل ثلاثة عشر سنة.. جامعة هيام..
دخل احمد وهيام بسنة جديدة وانتهى الترم الدراسي الأول لتبدأ عطلة ما بين الفصلين القصير ويبدأ بعدها بداية الترم الثاني وتمر أيام الدراسة سريعا حتى يقبل الربيع ويقترب الترم الثاني على مشارف نهايته..
كانت هيام كعادتها منذ بداية هذا الترم تذهب لحديقة قريبة من الجامعة للدراسة مع احمد..
كانت من أجمل حدائق المدينة والتي لا تتوقف عن تأملها بانبهار واحمد ابن هذه المدينة هو من دلها احمد عليها واعتادا الاثنان لأيام كثيرة المجيء إلى تلك الحديقة الجميلة وأصبحا من روادها الدائمين..
طبيعة موادهم مختلفة عن بعضهما اختلاف الشرق عن الغر ولكنهما كان يستمتعان بالدراسة معا وهما بنفس المكان وعلى نفس الطاولة الموجودة بالحديقة..
وفي ظهر أحد الأيام وقبيل الامتحانات كان الجو حارا في الحديقة..
وكانت هيام تشعر بالضجر والنعاس فاستلقت تحت ظلال أحد الأشجار وهي تشعر بالنشوة وهي تستنشق عبير الزهور حولها فأغمضت عينيها بسكينة وهي تسمع لتغريد الطيور..
لحظات قليلة وقد اقبل احمد لشجرتها وتحت أنظاره رآها مستغرقة بنوم خفيف..
اتكأ على مرفقيه ينظر لها وبكل شبر من ملامحها وابتسامة علت شفتيه وهو يحدق بعمق بوجهها الطفولي كما تصرفاتها..
لطالما كانت تمسكه متلبسا بكل مرة ينسى نفسه ويحدق بها فتبتسم وتحمر وجنتيها خجلا..
لن ينكر بعد الآن هي جزء لا يتجزأ من حياته وكم يعشق شعور النقاء التي يكتنفه وهو معها ويعشق المرح الذي تضيفه على حياته وهو صاحب الشخصية الرتيبة الهادئة المملة..
يعشق نظرة البراءة والعفوية التي ترسمها ملامحها.. والأكثر يعشق مرحها وعنفوانها للحياة..
كان يود لو يبقى محدق بها للأبد لكن عوضا عن ذلك..
وقف وضرب جذع الشجر بعنف أجفلها لتفتح عينيها على اتساعها وما أن أبصرته حتى نهضت وعدلت من طريقة استلقائها..
رفعت هيام رأسها وهي تغمض احدى عينيها لتنظر إليهم بتوجس..
لقد نحف قليلا عن قبل عدة أسابيع نظرًا لكثرة التوتر والضغط الذي يعتريه بأوقات الامتحانات..
هتفت تسأله بابتسامة هادئة
((لماذا تأخرت بالمجيء؟))
أشار لها احمد بيده لتلحقه وتجلس قربه على أحد المقاعد الخشبية بالحديقة الموضوعة تحت مظلة كبيرة..
تنهد ثم قال بحزم وبصوت مسموع وهو يفرغ حقيبته من كل الكتب لتسقط على طاولة المقعد
((هيام لم يبقى شيء على الامتحانات أريد أن استغل كل ثانية بالدراسة.. وأنت أيضا كوني جدية أكثر واهتمي بدراستك.. درجاتك سيئة))
اقتربت منه متخصرة كفتاة صغيرة ثم أمالت راسها وهي تقول لتستدرجه بشقاوة إعتادتها معه مع مرور الأيام
((بالعكس أنا أتوقع بمعدل أفضل هذا الترم.. والفضل لك.. لولاك لم أكن لأصل لهذه الدرجات السيئة بنظرك حتى.. فأنا أرى أن توجيهاتك وأوامرك المزعجة أتت بثمارها.. أشعر أنك والدي أو أستاذي الصارم لا حبيبي وصديقي المفضل))
سعيد جدا احمد لأن كليهما اعترف بحبه للأخر من دون كلام وبعفوية يتعاملان مع بعضهما بملكية..
ابتسم احمد وهو يعتدل بجلوسه ويشير لها أن تأتي للجلوس مقابله فتسير أمام عينيه الغارقة بحبه..
شد أطراف فستانها الوردي الطويل أوراق الشجر المنثور على الأرض فانخفضت قليلاً لترفع أطراف فستانها لتزداد جمالا أمامه..
وبالمقابل جلست بجانبه على بعد عدة أذرع.. نظرت إليه لتبتسم بعذوبه له..
اعترفت رسميا لنفسها.. تعشقه.. تحبه.. تذوب ذوبان به.. تكنّ له كل الحب العذري البريء..
قالت له وهي تبدو للذي تنظر باتجاهه لا تُقاوم
((ألا يمكن أن نلعب التنس الآن.. وندرس بالمنزل.. أنا لا التقِ بك كثيرا.. وإذا التقينا تتحدث قليلا لتنشغل عني بدراستك.. بت اشتاق إليك حتى وأنت موجود))
لم يكن كعادته اليوم.. فقد كان جامدا يغلب عليه الصمت والعزوف عن الحديث أكثر..
فتراجع للوراء يمرر يده على شعره يبعثره ثم نهض وهو يبتسم ولا يريد أبعاد عينيه عنها
((الجو حار جدا اليوم وليس مناسب للتنس.. ولا رغبة لي أو لك فيما يبدو للدراسة.. أرجو أن تقبلي دعوتي للغداء في المطعم القريب من هنا ثم نعود إلى الحديقة عصرا ريثما تخف هذه الحرارة الشديدة.. ولن يكون لك وقتها عذرا لعدم الدراسة))
أشرق وجه هيام وهي تتدارك نفسها بابتسامة واسعة رجت منها لتقف بسرعة وبفرح..
فلم تجد سببا يدعوها لرفض دعوته.. فخرجا من الحديقة وسارا يتمشيا إلى المطعم القريب..
أصبح احمد بالنسبة لهيام وبفترة قصير جدا كتؤامها..
تحب فيه كل شيء وتراه كاملا بالنسبة لها..
له تأثير إيجابي عليها.. وجوده بجانبها دائما ما يمدها بحماس يشعل روحها بتلقائية وبطاقة إيجابية تتسلل ببطء لها..
وأثناء تناولهما وجبة طعام خفيفة سألته بتلقائية بدون أن تنظر إليهم
((لا كنت غاضب عندما وصلت الحديقة؟ هل حدث شيء ما معك؟))
نظر الهيا باستياء وهو يتذكر ما حدث.. ثم قال وهو يضع العصير على الطاولة بعنف
((لا لم يحدث شيء.. كنت غاضب من نفسي بسبب موقف غبي ومحرج حدث لي صباحا.. نادرا ما أتعرض لموقف مثله.. لذا لا أستطيع نسيانه وتجاهله بسرعة ويؤثر على يومي كاملا))
ثم أكمل وهو ينظر لهيام الذاهلة ما جعل قلبها يخفق بجنون
((لكن بفضل رؤيتك الآن وروحك المرحة.. اشعر بالتحسن.. لا يجب أن عليّ التفكير مطولا بالتفاهات))
وما أن رأى ملامحها المستفسر لسماع ما حدث حتى ابتسم بعفوية ليسترسل وهو يسخر من نفسه
((كما أخبرتك.. ليس شيئا جلل.. هو فقط موقف محرج جدا حدث لي صباحا.. كنت في المختبر.. من المفترض أني كنت أقوم بتجربة ما.. وكنت انتظر ردة الفعل التي ستظهر بنهاية الأنبوب.. كان اللون من المفترض أن يكون "بربل" كما قال الدكتور.. المشكلة أني لم أكن اعرف هذا اللون.. عندما تقدم مني الدكتور ليرى نتائج تجربتي.. أخبرته بإحباط أني أعدته أكثر من مرة وفي كل مرة يظهر لون بنفسجي بدل اللون "البربل" الذي قلت عنه.. يكفي لحد الآن.. لا داعي لأخبرك عن نظرة الدكتور.. سبق وأن حضرت عنده قبلا.. المصيبة أني كنت دائما ما اجلس في الصف الأول في المدرج في مواجهته مباشرة.. حسنا.. يكفي.. لقد اكتفيت من استعادة هذا القدر من الذكريات المحرجة))
أنهى كلامه وهو يغمض عينيه بإحراج لما حدث ويغطي وجهه بباطن كفيه..
لكن هز رأسه بسرعة ليبعد الأفكار عن رأسه ويعود لوضعه المريح..
لا باس.. فهو الآن يقضي أغلب أوقاتهم في المعمل.. أحيانا لإجراء تجارب مختلفة..
وتواجدهم في المعمل كثيراً يجعلهم عرضة للمواقف المحرجة..
بمحاولة يائسة من هيام للتخفيف عنه قالت
((لا بأس.. وانا صباحا وخلال توجهي لحضور أولى محاضراتي وأنا متأخرة عن ميعادها.. توجهت سريعاً للصعود عبر السلالم.. ففقدت توازني وتدحرجت مما عرضني لسخرية زملائي الذكور خاصة منهم.. وها أنا نسيت الموقف ولم أكن سأذكره حتى حديثنا الآن))
ظهر الاستياء عليه.. لا تتوقف عن إيقاع نفسها بحماقتها.. وكأنها تحتاج لشيء أخر للفت الانتباه.. فقال حانقا
((يا إلهي هيام.. لماذا تتأخرين أساسا! إلا تستطيعين استخدام أي منبه بالبيت.. هل تعلمين ماذا؟ ليس لك أي حق بالعتب على عبير.. بل ومعها كل الحق بعد ذهابها معك صباحا.. لأنك ستأخرين نفسك وتأخرينها.. وأحسنت.. تبدعين كل مرة باختيار أفضل الطرق لجذب اهتمام من حولك.. خاصة الذكور))
غضبت هيام من كلامه فأخذت نفسا عميقا لتهدأ فتسيطر على نفسها من جديد..
ثم قالت وهي تنظر في عينيه وتقول بجديه وبعض من إحساس أنثى تتدلل يتسرب لنبرة صوتها وهي ترد عليه بحنق مماثل
((احمد.. توقف.. أخبرتك أني وقعت.. كان عليك أن تطمئن على سلامتي بدلا من لومي.. ماذا إذا أصابني مكروه وقتها وكسرت قدمي مثلا؟ أساسا كان عقلي بالدراسة فعلا وكان ذهني مشتت ما بين الامتحانات النهائية قريبة وما بين أخر امتحانات منتصف الفصل))
بدا كأنه قد تذكر شيئا ما فرفع رأسه لها يسألها
((صحيح ذكرتني.. كيف كان اختبارك اليوم؟))
تشتغل حدقة عينيها وهي تتذكر لتقول
((إذا كنت تظن أن صباحك سيء فلن تصدق ما تعرَّضت أنا إليه اليوم.. عندما دخلت إلى قاعة الاختبار بعد المراجعة السريعة للمنهج قبلها بمدة.. تفاجأت بعد توزيع أوراق الامتحان علينا بأنَّ الأسئلة مطابقة تمامًا لما راجعته قبل دخولي القاعة.. حرفيا مطابقة.. كان زميل لنا كان نبهنا أن نركز على هذه النقاط.. وكلامه كان صحيح.. كأنه هو من كتب الأسئلة))
اشتعل من أخمص قدميه حتى شعر رأسه عندما سمع كلمة "زميل".. لكن أكمل بهدوء
((مذهل.. وكيف أبليت إذن بالامتحان؟))
أجابت بمرح وهي تضيق عينيها
((لم أتمالك نفسي عندما رأيت الأسئلة.. حيث انتابتني نوبة ضحك لدرجة أنَّ جميع من في القاعة من طالبات ومشرفات أصبحن يضحكن أيضًا.. بسبب ضحكي غير المبرر بالنسبة لهنَّ))
هزّ رأسها وهو يضحك وقال
((أنتِ حرفيا ميؤوس منك..))
ثم تنهد بإحباط وهو يطالعها بهدوء غريب
لوهلة بدا لها كأنه يراها مجنونة فأخذت تطالعه بتوجس عاقدة حاجبيها..
لكن مع ذلك استمر قلبها يقرع بعنف..
ستبذل جهدها لتجتهد أكثر كما يريد احمد..
ما يحفزها للدراسة والاجتهاد هو أن تنال أعجابه ورضاه أيضا.. قبل أن يكون لها..
أمها فعلا تهتم بها ودائما ما تحثها على الدراسة بكل لحظة في البيت.. ولكن الأمر ليس مجدي معها كما هو الآن..
أن تعلم أنها مهما ضاقت عليها الأرض بما رحبت فصدر من يهتم بها سيسعها للأبد..
تريد أن تشعر بنفسها عادت طفلة تركض نحو مصدر أمانها كما كانت بصغرها لا يزيد عمرها عن بضع سنوات وهي تركض لصدر أبيها..
فجاءة جفلت على وقوف احمد وهو يتجه إلى أصيص زرع كان يزين أحد جوانب المطعم حيث التقط زهرة منه ليعود إليها ويمنحها إياها برقة فالتقطتها بسعادة منه..
قربتها لأنفها لتشم شداها وهي تهتف بسعادة
((سأحتفظ بها.. أول شيء سأقوم به عندما أصل للبيت أن اخذ وريقاتها واضعها بين ورقات دفتر مذكراتي.. سأضعها بنفس الصفحة التي وضعت فيها صورتك وثبتها باللاصق))
صمت قليلا وهو يشرد في ملامحها السعيدة قبل أن يقول باستسلام وبابتسامة متعجبة مستسلمة
((لا اصدق أنك رفضتي أن تعيدي صورتي الشخصية لي حتى تلصقيها بدفتر مذكرات وردي سخيف.. لا افهم ما الفائدة من وضع وريقات وردة ذابلة بدفتر))
ضحكت هيام ضحكة صغيرة قبل أن تقول بصوت مخفض
((هذه الوردة هي أول هدية من حبيبي.. وحتى احتفظ بها للأبد أريد أن أجففها بين صفحات الدفتر.. لا يهم.. أنسى ما قلت.. فلن تفهم أمور الفتيات.. منذ متى والذكور يأبهون لمثل هذه الأشياء.. لكن يوما ما.. سأخبر الجميع بأن هناك رجل يدعى احمد يحبني وسيتزوجني ما أن ننهى كلانا دراستنا الجامعية.. وصورتك الشخصية ستكون إثبات.. سأسجنك لو حاولت التهرب.. لقد علقت معي وانتهى أمرك))
أنهت كلامها بغمزة من عينيها..
هو يحب مرحها المتداخل بحديثها معه هو من بين الكل فأراد أن يسايرها خاصة مع إحساسه بالاستمتاع وهو يحاورها..
لكن اكتست الجدية ملامحه وهو يقول لها
((بعيدا عن المزاح.. ادرسي بجدية هيام.. يجب أن تحظى الدراسة بوقت وجزء كبير من وقتك واهتمامك))
ابتسمت هيام بشقاوة وهي تشير بإصبعها أمام وجهه هاتفة
((صدقني.. اقسم لك أني طموحة.. واملك الكثير مما أريد تحقيقه.. لكن المشكلة بعقلي.. يرفض أن يأخذ الدراسة على محمل الجدية))
ابتسم بقسوة وهو يرد عليها ساخرا
((اعرف أن لديك طموح.. لكن للأسف ليس لديك دم.. وهذه مشكلة كبيرة))
عقدت حاجبيها قبل أن تقول وهي تغمزه مجددا تلك الغمزة التي تضعفه أمامها
((احمد أنت أكثر من مثالي.. لا تقلق طالما أنت موجود معي فلن أفقد العزم والهمة))
رفع حاجبيه لها ودقات قلبه تتراقص بصخب ليتساءل بدهشة وخبث
((ألهذه الدرجة أنا مهم لك؟))
رفعت أكتافها وهي تقول مبتسمة وان كانت نبرتها جدية وحازمة
((إياك أن تغتر))
رمقها احمد بعدم تصديق وهو يضيق عينيه بشك قبل رفعه لاحد حاجبيه وهو يتساءل ببطء متحدي وهو لم يتخيل نفسه بأن قلبه يمكن أن يكون عاطفيا ولا بأي مرحلة من حياته
((ألا يحق لي أن اسمع مديح من محبوبتي))
ابتسمت وهي تقف لتغادر وتسبقه بخطواتها ابتسامة تعلو شفتيها لا يستطيع أن يراها..
هي تحبه وتعشقه ومن تستطيع ألا تفعل هذا وأمامها شاب فيه كل ما يُحب ويُعشق.. نعم هي بالفعل بدأت تدمن لقياه كل يوم وأخر..
طوال الأسبوع.. وطوال فترة الدوام الجامعي.. بدأت بالفعل تشعر بنفسها واقعة بغرامه..
بدأت تعشقه لدرجة أنها تبكي كل ليلةٍ وهي تتخيل أنها من الممكن أن تتركه.. مجرد التخيل يجعلها مدمرة داخليا.. فما بالها إن حدث الأمر.. ربما ستموت..
يبدو الأمر مثيرا للضحك بشكل هستيري لمن يسمع.. لكنه ومنذ دخل حياته أصبح الأمر هكذا.. فهو دخل حياتها بمرحلة هي اشد ما كانت بحاجة لشخص مثله..
أسرع احمد بخطواته ليوازي مشيها قبل أن يقول بابتسامه وهو ينظر لها
((ادرسي جيدا وأطمحي للدراسات العليا.. فأنا لن أقبل على نفسي أن أتزوج مجرد معلمة))
ردت بحنق غاضب طفولي
((يا إلهي! هل أنت جاد؟ وهل مهنة معلمة لا تناسب مقامك يا حضرة الدكتور))
هز كتفية وهو يجيب ببساطة
((لا أقلل من مهنة المعلمة.. لكن.. كل أصدقائي هكذا يخططون أيضا.. وأنا لا ينقصني شيء عنهم حتى لا أتزوج من دكتورة.. لا أخبرك أن تعيدي اختبار الثانوية وأن تصبحي طبيبة.. لكن فكري بجدية بالدراسات العليا.. ربما سترجعين إلى نفس جامعتنا لتدرسي بها.. سيكون لك مكتب ولوحة مذهبة موجودة إلى جانب الباب باسم "دكتورة هيام".. ألن يكون الأمر مثيرا؟))
تعرف أن مقصد كلامه أن يشجعها على الاجتهاد أكتر وأن يعلي من سقف طموحها.. ولكن هل يمكنها أن تحقق هذا؟
تنهدت في سرها وعيانها تلمع كالنجوم وهي تتخيل نفسها في يوم ما مُحاضرة وأساتذة جامعية في هذه الجامعة..
وستكون حرم الدكتور احمد.. وببطء بدء يتملكها شعور السعادة والنشوى بالتفكير بالأمر..
.
.
مساء نفس اليوم..
تناولت هيام لقمة اقتطعتها من عجّة البيض الموضوعة على مائدة الطعام بصالة بيت جدتها..
كانت الوحيدة من تأكل من تأكل من الطعام الموضوع..
كانت شاردة لكن ظاهريا تدّعي أنها تستمع لما يقول والدها الحانق هو وجدتها..
أمضيا الوقت كله وهما يتحدثان بالقديم والجديد.. ولا يوجد أي تقدم بالموضوع..
تنهيدة فلتت منها بشرود قبل أن يخبرها والدها بأنه ينتظر ردها لتقول
((أبي لقد مر أكثر من سنة على وفاة زوجتك.. الآن أخواتي من زوجتك التي ماتت رحمها الله بحاجة لأم ترعاهم.. جدتي لا تكفي وحدها للاهتمام بهن وكما ترى أمي ترفض فكرة العودة إليك مهما تعرضت لضغوط من الجميع أو حتى مني.. لا أظن أنها ستقبل الرجوع.. لذا فلتستسلم وحسب.. واستمع لكلام جدتي.. لا تقلق علينا أنا وجالا.. كنا نعيش مع أمي ونراك ونحن بألف خير وسعادة.. ولن يضرنا بقاء الحال كما هو))
ابعد فيصل عينيه عن مراقبة ابنته حنقا من كلامها المبطن..
يدرك أنها تكنّ العتاب له.. تظن أنه كان يهتم ببيته الثاني أكثر منهن..
لكن لن تفهم لمدى صعوبة التوفيق بين بيتان على الرجل..
بينما الجدة هزت رأسها وهي تفكر بحسم أنه حان الوقت لأن تضع حدا لكل شيء ويجب عليها من الآن أن تبحث على عروس لولدها ولن تنتظر أكثر كما يقول..
أصدرت الجدة تهنيده طويلة منها لتضع هيام شوكتها جانبا وهي ترى الجدة تحول أنظارها لها وهي تقول بضيق شديد
((على والدتك أن تحمد الله انه قرر العودة عليها بدلا من أن يتزوج بنت بنوت.. لماذا تتعالى علينا وترفض بكل عنجهية؟ كان عليها أن تذهب لي بتألق تشكرني لأنه سأعيدها لعصمة فيصل بدلا من أن ترفض وتعاملني بقسوة لأني من زوجته من غيرها بالماضي.. الزواج حصل وانتهى الأمر وتوفت زوجته.. عليها أن تحاول نسيان ما حصل ولا تأنبه بل تساعده بتربية هؤلاء الأيتام بالكلام الطيب والمساندة الرقيقة ولها الأجر.. وهكذا يأمن جانبها على بناته اليتيمات كأي زوجة متفانية مخلصة))
ثم ضيقت الجدة عيناها وهي تردف من بين أسنانها
((لكن إذا أردت رأيي أساسا أنا لست مقتنعة تماما بفكرة رجعوها لوالدك.. لا بل أنا الآن متأكدة بان والدك أحسن العمل عندما طلق والدتك وعاش بسعادة مطلقة مع ابنة عمه))
بفورية ارتفع صوت فيصل باعتراض بينما ينتفض داخليا بقلب كاره لذكريات بالماضي تقض مضجعه دوما
((أمي.. أنتِ اعلم الناس كيف كانت حياتي مع ابنة عمي.. كوني عشت معها حياة هادئة لا يعني أني كنت سعيدا.. الأمر يقاس فقط بمقدار قناعتك بحياتك.. لقد وجدت أن المرء لأي أن يبدل النساء كلما رأى عيبا بواحدة.. وابنة عمي رحمها الله فعلا كنت انوي أكثر من مرة طلاقها ولكن بعد ذلك كنت أسارع للتراجع واستغفر الله.. لكن حياتنا لم تكن سعيدة تماما.. وحتى أنها عرفت منعرجا لا يسر أحد.. فقد كانت امرأة غريبة الطباع.. بين الحين والأخر تخرج علي بتصرفات لا أجد لها تفسيرا.. هل نسيتِ ما أقدمت عليه يوم أنجبت ابنتي البكر قبل سنوات.. لم تكلمني أربعين يوما لكي تنفذ طلب والدتها التي أوصتها بذلك))
قاطعته هيام وقد علا الاستغراب وجهها
((ماذا؟ ولماذا كانت تهجرك بالكلام؟))
هز كتفيه وهو يجيب بهدوء
((لان هذا التصرف مثل ما أوحي لها عادة تجعل الزوج يحب زوجته أكثر ويقدرها.. لقد حاولت إقناعها بأنها عادات بالية لا تغني ولا تسمن من جوع.. لكنها أبت وأعادت الكرة عندما أنجبت ابنتنا الثانية.. والأمر لم يتوقف عند هذا الحد فحسب.. فهي كانت تارة تهجر فراشي في أيام خاصة استجابة للعرف الذي يوجب على المرأة فعل ذلك لكي تمنح الزوج متنفسا من وجودها.. رغم أن هذا التصرف يتنافى مع الشرع.. تصرفات كثيرة لا يمكن حصرها في هذا المقام، فهي أقرب إلى الجنون من كونها عادات وتقاليد مثلما كانت تعتقد.. لذا لا تتصوري أني كنت سعيدا جدا معها))
ردت الجدة بفم متبرم
((بني لا يجوز على الميت سوى الرحمة))
رفع فيصل أحد حاجبية قبل أن يقول بتلقائية
((أمي.. أنا فقط أحببت أن أذكرك بالنعيم الذي عشته سابقا معها.. أخر فترة كانت تحجب عني شعرها بوشاح أسود وقالت إنها لأكثر من مرة راودها في المنام شيخ يشع وجهه نورا.. هذا الأخير طالبها بذلك وهددها بدخول جهنم إن كشفت شعر رأسها أمامي.. أخبرتها أن الأحلام لا يمكن أن تكون طريقا يسير عليه المرء لكنها رفضت.. مما جعلني أنفر من رؤيتها بذلك الوشاح الذي عَتَم ملامح وجهها فأضحت في نظري كالوحش الكاسر.. فترة مضت علي كان يتسلل الشك إلى عقلي أنها ليست على ما يرام وقد تكون مصابة بمرض نفسي أو خلل عقلي))
زاد تبرم الجدة من فيصل تعرف بأنه حياته لم تكون سعيدة جدا..
أمعنت النظر لابنها وهي تخبره بصراحة
((لا تأخذ دور الضحية الآن بعد أن انتقلت لرحمة الله.. فأنت لم تكن الزوج المسكين الضحية.. قد كنت شاهدة على معاناة المسكينة معك.. كانت قد شرطت عليك أن تكمل دراستها حتى بعد زواجك منها وأنت وافقت.. لكن بعد الزواج أصبحت تجبرها على أن تغيب كثيرا حتى تأثر مستواها الدراسي بشكل ملحوظ.. ألم يخبرك والدها عندما زوجّها لك أن تراعيها كطفلة نظرا لصغر سنها حينها؟ طلب منك أن تعاملها كما تعامل ابنتك هيام وتعتبرها أخت كبيرة لها.. أنت لم تكن تسمح لهيام أن تغيب عن دراستها بغير عذر بينما لا مشكلة لديك بأن ترغم ابنة عمك أن تغيب إلى حد أسبوعين حتى منعتها بالنهاية كليا من الدراسة))
شوح فيصل بيده في حركة نزقة مرهقة وهو يقول
((فعلت هذا حتى تهتم ببناتنا خاصة وقد أنجبتهن بشكل متتالي))
بنبرة ساخرة ردت الجدة عليه فورا
((الم تكن أنت من اصرّ عليها أن تحمل فورا بعد إنجاب خيبة أنثى في كل مرة.. غاضا النظر عن صغر سنها وجسدها الضعيف لتثبت لك أنها تأخذ هذا الزواج بمسؤولية؟ وأنت لم تفعل شيء لتثبت لها أنها مهمة لديك منذ أن تزوجتها.. كيف تريدها أن تتعامل معك وقد تزوجتك وأنت معدد وشديد الطبع؟ تريد فقط كلمة حاضر ونعم.. عدا عن كيفية التعامل مع إهانتك لها))
لكن فيصل ردّ بثبات
((كان عليها أن تتذَكُّر أن الحياة قد طُبعت على الابتلاء ومن الواجب عليها أن تهيئ لنفسها من البداية للتعايش معي مع هذه المتاعب بعدم المبالغة في المشاعر والمقارنة وتوقع الأفضل))
ابتسمت والدته بتعاطف ليس موجه له وهي تهمس لنفسها بحنق
((المسكينة توفت وهي حزينة ولم يسبق لها وان رأت يوم سعد معك.. كانت دائما تكتم كل ما بداخلها من أحزان.. حتى بعدما طلقت سميحة.. بقيت هي حذرة من كثرة المطالبة بما يشعرك يا فيصل بكونها عبئاً ثقيلاً عليك.. حتى أنها لم تكن تجرؤ على الكلام عن سميحة بسوء مهما حدث أمامك.. خوفا من أن تكرهها وتبتعد عنها وتحن لسميحة))
طأطأت هيام راسها وهي تفكر بألم على كلام جدتها من جهة..
وحتى حزنا على زوجة ولدها المتوفاة من جهة أخرى..
فهيام وقتها كانت كبيرة كفاية لتعرف بأنه حتى زوجة والدتها لم تكن تعيش بتلك السعادة والراحة الظاهرة أمام الجميع..
فهي تزوجت من والدها فيصل بناءً على أمر من والدها ولم تقدر أن ترفض خاصة وقد أخبرها بأن فيصل بكل الحالات يريد زوجة أخرى لتنجب له ذكر..
حينها كان فيصل لم يرزق من أمها بغيرها.. وفيما بعد عرفت أمها بحملها بجالا..
رضخت ابنة عم والدها للأمر بعد أن اقتنعت من وجهة نظرها وبلا شك أنه لم يلجأ إلى الزواج منها إلا وقد أضمر تحقيق ما يجده من نقص في حياته مع سميحة..
لذا حتى تجذبه لها قامت بأحسن ما يمكنها من التجميل والطاعة وعدم المبالغة في الغيرة والشكوك من بيته الأول..
ودعت الله أن تحمل بولي عهده حتى تضمن تفضيله له.. لكن إرادة الله كانت ألا يرزق ألا بنات..
وبالرغم من حب والدها لكل بناته ألا انه كان ناقما قليلا لأن ولا واحدة منهم جاءت ذكرا..
بنبرة مهزوزة تساءلت هيام وهي توجه كلامها لجدتها
((جدتي لما تصوريني حياتها مأساة؟ والدي أساسا كان يعيش مع أخواتي ومعها بمستوى رفاهية أكثر من حياتنا أنا وجالا وأمي))
عادت الجدة لتبرم فاها وهي تقول
((كل ما كنّ يعشنه من رفاهية هو خير والد أمهن قبل أن يكون خير والدك.. صحيح يا فيصل؟))
ارتعشت يد هيام وهي تتحرك على المائدة بينما تقول بهمس محشرج
((ومن ثم يا جدتي ما دخل أمي بكل مشاكلكم وهي كانت بعيدة كل البعد عنكم كليا ولا تتدخل لا من قريب ولا من بعيد! مهما فعلت أمي فلن تكون بنظرك غير أمرأه أنانية وشريرة.. إن العداوة بينكما من طرف واحد.. وهو طرفك))
أشاحت الجدة نظرها لفيصل وهي تخبره
((تربية سميحة تبارك الرحمن.. لسانها أطول منها.. إذا كنت أنا جدتها ولا تحترمني وترد الجواب على كلامي.. فلا تذهل يا فيصل بعد سنوات إذا رفعت صوتها عليك))
رفعت هيام حاجبيها في تحفز وهي ترد باسترسال منفعل
((جدتي أنا أدافع عنها.. ولا أرد الجواب عليك))
تمتمت الجدة بكلام غاضب تعلن عن سخطها من جواب حفيدتها وكانت تود أن تفرغ كل ما بها من غضب على تعيسة الحظ الجالسة بالغرفة معها بوقت خطأ لا يناسب مزاجها العكر..
لكن هزت رأسها تبعد تفكيرها عن التشتت..
وما أن أبصرت فيصل يحرك رأسه بيأس ليجلس على الكرسي ويخلع نظارته ركزت بأفكارها على أن تعود للموضوع الأساسي الذي نوت التحدث عنه مع فيصل..
عاد الصمت ليسود المكان وكل منهم شارد بنفس الموضوع ولكن برؤية مختلفة حسب منظوره الشخصي..
أغمض فيصل عينيه بضيق وهو يستعيد كلام أمه عن ابنة عمه المتوفاة..
لم تزوجها هو أساسا؟ ألم يكن للإنجاب؟
فبعد ولادة هيام كانت سميحة تنجب مرة تلو المرة أطفالا إناث وكلهن يمتن بعد الولادة بسويعات قليلة..
يعرف أنه أخل بوعده لعمه ومنعها من إكمال تعليمها وهذا لأنه بعد الزواج منها طلق سميحة وأصبحت هي زوجته الوحيدة..
فصار الأمر أختلف لأنه يريد من زوجته الوحيدة أن تهتم به وبأطفاله وببيته بدلا من دراستها.. لم يتزوجها ليأخذ دور أستاذ خصوصي لها..
كان قد عاش مع سميحة لسنوات ولم يكن ينوي أن تسير الأمور هكذا نحو الطلاق عندما نوى الزواج الثاني ولكن هذا ما حصل.. فبالبداية اتفقوا على انفصال بدون طلاق..
ولا يدري ما الذي غيرها لتطلب فجاءة الطلاق.. وإن رفض هو فالخلع..
حجة سميحة كانت بأن غيرتها شديدة ولا تستطيع أن تعيش مع رجل مع امرأة ثانية خشية أن تخطئ على الثانية أو أن تقصر في حق الزوج أو تسيء له جراء الغيرة..
لم يكن حينها يدري هل يطلقها بناءً على طلبها ولها آنذاك قرابة الشهر في بيت أهلها أم يحسن لها ويصرف عليها وقد تركت هيام عنده؟
مع العلم أنه لطالما كنّ لسميحة من المحبة والميل الشيء الكثير وهي كذلك..
ومعاشرته معها قبل أحداث الفترة الأخيرة كانت بالمعروف فلم يكن لعاناً ولا ضراباً ولا سباباً ولا بخيلاً..
العيب الذي يعترف به بأنه قد انشغل بعمله كطبيعته عن التواجد المستمر لهم فانشغلت هي ولوحدها بتعليم وبتربية ابنتهم هيام..
وهو أيضا كان قد وفرّ جميع متطلبات الحياة لهما..
ولكن ما تزال حجة سميحة عليه بأنها لا تراه دائماً وتحملت مسئولية تربية هيام وحدها وبعد كل هذا الوفاء يتزوج عليها!
كان يشعر وكأنه بدوامة أفكار وذكريات حتى قطعه صراخ طفولي مرح من راجي ذو السبعة أعوام المستمتع وهو يهرول بشقاوة نحو جدته وهو يحمل لعبة طائرة يطيرها بيده لتلتقطه الجدة بيديها..
ورغم صعوبة حمله تبعا لكبر سنه عن قبل إلا أنها حملته ووضعته بحجرها بسعادة تغمرها والبهجة تظهر على محياها بينما تدعوا له بتمتمات هامسة وهي تناغش وجنتيه تارة وتارة تلعب بشعره..
مرت دقائق على الجدة وهي تلاعب راجي أمام عينا فيصل الحاقدة على ما فعلته امه بالماضي وعلى طفل صغير بالكاد تجاوز السبع سنوات وبلا ذنب له..
إلا أنه ابن زوجته السابقة وأخيه.. نتاج زواج أثنين تم بمساعدة المقربين منه ليغدروا به..
قطعت الجدة تفكير فيصل وهي تسأله بجدية وهي تنظر إليهم
((إذن ماذا قلت؟ لقد مرت سنة وسميحة ترفض العودة إليك؟ هل ستترهبن لأخر عمرك؟ وماذا عن بناتك؟ من سيعتني ويهتم بهن؟ أنا لست حمل الاعتناء بأحد بعمري هذا.. بل وبالأيام الأخيرة تركت مسؤولية البنات لأمينة كاملة فقد تعبت.. وأياك أن تلمني))
تابع فيصل بنظراته امه وهي تعود لتحني رأسها باتجاه راجي بحنان طغى عليها بتزايد..
تحادثه ببراءة.. بطريقة تمس القلب..
وبطريقة تجد للغضب طريقا بقلبه وهو يراها تعامل راجي كأنه حفيدها الوحيد..
راجي يحظى منها بكل الحب على حساب بناته من كلتا زوجتيه..
والديه قاما بالفعل بتسجيل اغلب أملاكهما لراجي لكونه الحفيد الذكر الوحيد.. والابن الوحيد لأخيه الأصغر الذي يقطن منذ زمن وللآن بفرنسا مع زوجته الفرنسية..
وبصرخة حانقة لا تناسب الجو الهادئ خرج الصوت عاليا من فيصل وقد عادت لذاكرته غضب من الماضي
((غريب يا أمي.. لا يأتيك التعب إلا مع بناتي.. أما عند يتعلق الأمر بحفيدك الوحيد ففداه الدنيا وما فيها.. صحيح؟))
ارتفعت نظرات الجدة نحو ابنه فيصل بذهول وهي تراقب قسامات وجهه القاسية..
ترى فيهم الغضب.. الحقد.. العتاب.. وبتلقائية أحاطت براجي بكلتا يديها وهي تشدد عليه كأنها تحميه من وحش مفترس..
ثم صرخة حنق خرجت منها بلا سيطرة وهي تهتف بفصيل بغضب
((ابتعد من هنا.. والله بت أخشى على الولد أن يصيبه مكروه من عيناك عليه مع أني لا أغفل يوم عن تحصينه بالدعاء والمعوذات ودائما ما أوصي سميحة بفعل المثل عليه))
أحس الصغير راجي بالتوجس من عمه..
يعرف بإحساس الأطفال الذي لا يخيب كلما رأى عمه فيصل أمامه بأنه لا يحبه ولا يستسيغ وجوده أبدا.. فلم يبادله أي شيء من صغره..
نظرت الجدة لراجي المحدق بعمه بغير رضى لتقبل جبينه فتسرق انتباهه قبل أن تهمس ل راجي بسخرية وبصوت مسموح لمن بالغرفة
((والله لولا صلابة عقل والدك المسلوب من قبل الفرنسية.. والا لما سمحت له أن يطلق سميحة بل وأجبرته على ترك تلك الفرنسية الساحرة العقيمة.. لو حدث هذا لكان لك عدة إخوة ذكور يؤازروك ويكونوا لك خير سند ومعين))
رفرف فيصل بعينيه بلا تصديق وصوته يعلو
((أمي.. أنا حقا يصعُب عليّ تصديقك.. هل أنت بالفعل تعايريني لأني لم أنجب إلا البنات؟ ألا تشعرين بالندم على غدرك بي بالماضي؟))
ضحكت بسخرية وهي تشير بيدها الحرة حولها قائلة
((أي غدر تتهمني به يا ابني؟ أنت وافقت على طلاق سميحة بك بعد إصرارها.. وكانت قد أنجبت ابنتك الثانية جالا بالفعل.. خشيت من أنها تخطط بعد طلاقها للزواج من أخر فتتخلى عن بناتها ويفقدوا حنانها لهن.. أو تربيهن مع رجل غريب.. وبمصادفة عودة أخيك لأرض الوطن بعد سنوات بنفس هذا الوقت.. كان الحل المثالي أن اجعل طليقتك واخاك يتزوجان.. ربما أنجبت منه أطفال سواء ذكور أو إناث.. المهم أن تربطه بنا ليبقى هنا ويترك الغربة في الخارج وأفضل من أن يبقى بلا ذرية لأخر حياته مع زوجة عقيمة.. فعلت هذا لمصلحة الكل كبارا أو صغارا.. وكان على الكل أن يشكرني ويقدر حكمتي))
ومن ثم أردفت بما جلب الشحوب لوجه فيصل الذي اطرق رأسه بعد فورة غضبه
((وفعلت هذا الأمر من أجل مصلحتك أنت خصيصا.. من أول بنت رزقت بها من أبنة عمك أتاني شعور قوي لن يكون نصيبك أن تحظى بمولود ذكر.. على ما يبدو أن العيب عيبك لا عيب زوجاتك.. لذا اعتبر راجي سندك الوحيد عند الكبر ولأخواته ولبنات عمه.. لو كنت ذكيا لبدأت الآن تفكر بزواج راجي من إحدى بنات عمه.. توقف عن السخط وأبدأ بالتفكير والتخطيط كأب حكيم))
خرجت من فيصل ضحكة صغيرة متخاذلة..
وباستهزاء حانق صفق بعصبية دون أن ينتبه على لمعة دموع كانت تبدو في مقلتي هيام التي وعلى ما يبدو نسيا وجودها وهي تسمع حديثهما وراجي الذي لا يفهم أي شيء ولكنه ما زال يستشعر الجو المشحون بالمكان..
صوت فيصل ارتفع في تلك اللحظة وهو يقول بهدوء عميق
((كفى أمي.. أنت أول من أقنعتني بأن أتزوج على سميحة لأنها لن تقدر على الإنجاب.. وأنت من ضغطت عليّ بالزواج من ابنة عمي.. وعبد طلاقي من سميحة لم تتردي أن تزويجيها لأخي.. لو كنت علمت بما تخططين له لم أكن لأطيعك منذ البداية..))
يتذكر اليوم الذي عرف زواج سميحة بأخيه اشتعل غيرة واحتجاجا وتملكا..
كان يرى الأمر ضرب من ضروب الجنون.. نعم بالفعل كل من حول مصابون بالجنون..
وخاصة من كانت امرأته يوما..
لم يتوقع الجرأة التي امتلكتها لتتزوج من بعده.. ومن أخيه تحديدا..
أي حقد كانت تكنه له لتصفعه تلك الصفعة..
آنذاك لو لم تصح له فرصة الذهاب للحج ليريح روحه المرهقة المدمرة المهشمة.. لربما أصابته سكتة قلبية..
صحيح أنه هدأ بعد طلاق سميحة وأخيه ثائر السريع لكن ما تزال هناك غصة بقلبه لا تذهب كلما رأى راجي..
ربما لأنه لم يحصر على مولود ذكر مثله.. أو ربما لأن راجي نتاج زواجهم الذي سيذكره به لأخر حياته..
نظرت الجدة لراجي لتحمله وتضعه ليجلس بجانبها قبل أن تنتفض واقفة وهي ترفع صوتها وتلوحه بإبهامها مقاطعتا الهدوء الذي عمّ لبرهة من الزمن لترد عليه بنفس الاشتعال والصراحة
((إياك يا فيصل أن تعود لاتهاماتك السابقة لي.. هل تريد أن احلف على المصحب بأن الأمر لم يكن مخطط له؟ أنا طلبت منك أن تتزوج بأخرى ولم أتوقع أن تطلب سميحة الطلاق حينها وتوافق أنت عليه.. توقعت أن ثورتها ستهدأ بعد مدة كأي امرأة أخرى ولم أكن اعرف أن نهاية الثورة ستكون الطلاق.. الظروف والنصيب هي وراء كل ما حدث.. وإياك الكذب وأن تقول إنك كنت تنوي إرجاعها بعد أن تهدأ.. لان هذا غير صحيح.. لم تحلُ بعينيك إلا بعد زواجها من أخيك.. وبرأيي من حقها أن ترى حياتها مثلك تمام))
أنهت الجدة كلامها وصدرهما يعلو ويهبط وكأنهما بإحدى جولات نزال عاصف..
نظر فيصل أمامه بشرود وهو لا يدري.. حقا لا يدري..
ربما هو فعلا لم يرد أراجعها وأراد إكمال حياته مع الزوجة الجديدة..
أو ربما.. هو أراد أن يكمل حياته وبعد مرور الزمن أن يعود لها..
وهي ستوافق على العودة بعد أن تفكر مليا..
فأن أنجح علاج هو علاج الزمن.. فالزمن كفيلٌ بأن ترجع لرشدها.. وتحكم عقلها.. وتتحدث مع نفسها..
الزمن كفيلٌ بإقناعها.. لن يستطيع أحد أن يقنعها بالرجوع لبيتها لا هو ولا والدها ولا أهلها..
لذلك في البداية وعندما تزوج كان يريد أن يكون انفصال بدون طلاق.. مع استمراره بالإنفاق عليها وعلى ابنتيه هيام وجالا واطمئنانها بأن حقها لن ينقص..
ثم أرسل لها من أهلها وأقاربها الذي وقفوا معه بقراره على امل أخر أن يكون مجموع هذه الجهود ومع مرور الزمن ستهز موقفها وقناعتها وتجعلها تتراجع رويداً رويداً..
لكن بالنهاية طلبت الطلاق وهو لم يرَ خسارة بطلاقها خاصة مع أماله بالحصول على الكثير البنين والبنات من زوجته الأخرى..
ووالدته أخبرته حرفيا أنه إذا رأى المصلحة في زواجه من ابنة عمه فعليه أن يقبل عرض عمه ويتزوج على بركة الله وتوفيقه..
أخبرته أن سميحة مصيرها أن ترجع له.. وإذا لم تعد فهي من باعته لا العكس..
والآن تخبره أمه أن من حق سميحة الزواج والالتفات بحياتها ببساطة!
قاطعها فيصل بثورة وهو يقف بدوره لينهي هجومهما.. مع أنه يرغب أن يردّ الألم الذي شعر به لوالدته
((أمي أرجوك توقفي عن الحديث.. لا أريد سماع المزيد.. لم يكن عليّ من البداية إثارة هذا الموضوع القديم.. أنا مشغول وأريد الرحيل.. هيا يا هيام حبيبتي اذهبي للمنزل وادرسي.. أشغلتك بلا داع))
بخجل همست هيام وقد ارتجف جسدها فتمسح دموعها وهي تسمع نبرة الحنان بأخر كلمات والدها الموجهة إليها قبل أن ترفع رأسها بابتسامة تزيين فيها وجهها له قائلة
((حسنا أبي.. رافقني للطريق لو سمحت))
عندها غمغم فيصل بخفوت
((أنا اعتذر حبيبتي لكن أنا مستعجل.. اذهبي للبيت مع راجي وحدكما))
خطى بخطواته بسرعة لخارج الغرفة كي يتمكن من التقاط أنفاسه بصعوبة إلا أن ضربة أصابت ساقه وجعلته يتوقف لينظر للخلف إلى راجي الذي اقترب منه ليضرب لعبة الطائرة على ساقه المستهدفة بإتقان يعبر عن مشاعره تجاه عمه..
انحنى فيصل ليمسك الطائرة في نفس الوقت الذي رأى فيه راجي بطوله الذي لا يتعدى طول ركبته وقد مد يده إليهم بنظرات غاضبة مطالبا إياه دون كلام أن يعطيه الكره..
لكن بلؤم حرك فيصل رأسه بالرفض وهو يرفع الطائرة الخفيفة اعلى هامسا
((لن أعيدها لك.. ليس من المناسب أن تلهو ونحن نمر بهذه الأوقات العصيبة))
ثم ابتسم بكيد وهو يضع عقله بعقل الطفل الصغير أمامه.. والتفت ليغادر للخارج حاملا بطائرة راجي..
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-20, 07:40 PM   #25

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

قبل اثني عشرة سنة
دفعت سميحة بصعوبة وبمساعدة ابنتها هيام الصندوق الكبير الموضوع بركن زاوية المنزل الذي خصصته له..
فتحت سميحة الصندوق وهي تقول
((انظري يا هيام.. هنا أضع فيه كل شهاداتك المدرسية أنت وجالا وراجي.. وبعض الهدايا القيمة التي تلقيتموها))
تابعت هيام النظر للصندوق للحظات وهي ترى كيف تصبح الذكريات حاضرة بين ناظريها..
أخرجت هيام ما في الصندوق وقلبت أيام طفولتها من خلال أشيائها هي الأخرى الخاصة والحميمة.. بعدها قالت ببهجة
((أمي.. يجب أن تعطيني أنا كل ما بداخله بما أني البكر.. وبدوري سأورثه لأولادي ومن بعدهم أحفادي))
ابتسمت سميحة.. فهي بالتأكيد ستعطيهم لأولادها لتبقى الذكريات تاريخا موثقا ليس فقط في الذاكرة وإنما في الوجدان أيضا..
فهتفت لها وهي تهز رأسها بالإيجاب مبتسمة
((نعم.. وربما سأعطي لجالا محتويات الدولاب الموضوع بالصالة.. فهو يضم العديد من القطع الفنية للقماش المزخرف أيضا.. وفيه الكثير من قطع القماش الفنية المطرزة بأبهى ألوان الخيوط الحريرية التي كانت والدتي تطرزه في شبابها وقبل زواجها وبقيت أنا من بين أخوتي محتفظة بهم حتى الآن منها))
ونبرة مازحة قالت هيام وهي تحتفظ بابتسامتها
((أعطي لراجي محتويات الرف العلوي منه.. فيه مجموعة من نحاسيات الأواني المنزلية مثل الكاسات والملاعق.. سيحتاجهم لزوجته))
لكن سميحة لم تتبادل معها الابتسامة وهي تشعر بغصة قلبها عندما تفكر أنه من الممكن أن يتزوج راجي من إحدى بنات فيصل حتى يضمنوا ألا تأتي غريبة عن العائلة وتشاركهم بورثة وأملاك راجي المكتوبة باسمه..
تكاد تقسم أنها لن تسمح له أن يتزوج من بنات عمه.. وتعرف كيف ستمحي هذه الفكرة محياً من أذهانهم..
ابتسمت سميحة أخيرا وهي تنظر لهيام قائلة
((لا لن أعطي راجي شيئا منهم.. فجميعهم كانوا من ضمن جهازي.. سأعطيهم لك أو لجالا بإذن الله يا حبيبتي.. بعد أن أزوجكما أفضل شاب غريب عن العائلة يتقدم إليك ولأختك))
ضحكت هيام على كلام أمها وهي تبتسم بعفوية.. تفهم قصد أمها..
لطالما أخبرتها أنها لن تزوجها لا هي ولا جالا من رجال العائلة..
فأمها وأبيها كانا من عائلة واحدة من بعيد.. وعندما تزوج أبيها وقفت كل عائلتها وعائلته معه ضدها مدعيين أن هذا حقه..
ومن وقتها وهي ترص الكلام بعقل هيام رصا أن الزواج من خارج عائلتها سيكون لمصلحتها..
حتى ما إذا حدثت مشاكل بينها وبين زوجها المستقبلي ستقف عائلتها كلها معها ضد الغريب..
والجميل بالأمر بالنسبة لهيام أن الفكرة تناسبها جدا..
ذهبت سميحة للصالة لتنظيف الدولاب بعد أن أخرجت محتويات الصندوق لتهويتهم..
تجد متعة كبيرة عندما تقوم بتنظيف وتلميع هذه الأواني النحاسية.. بينما هيام تستمر بغسل وتهوية قطع القماش المطرزة التي صنعتها والدتها..
وتتحسر لكونها لم تتعلم في صغرها فن التطريز حيث كانت والدتها تلح عليها لكي تتعلم هذا الفن إلا أنها كانت تكره الخياطة في تلك الفترة وكانت تكتفي بمراقبة والدتها التي كانت تبدع في رسم وحياكة وتطريز أشكال جميلة من الطبيعة..
الآن هي تدرس بالجامعة ومن ثم ستعمل وستتزوج ولن تملك وقت لتعلم أي هواية ومهارة في خضم الحياة..
عندما عادت للغرفة واقتربت للصندوق.. وقع نظرها فجأة على صندوق صغير مهدى من والدها لها.. ابتسمت وهي تخبئه بجيب سترتها.. فقد وجدت مكان أخر لتخبئه به.. وتعرف تحديدا متى ستخرجه ولمن ستعطيه..
بعد برهة قطعت الصمت المنتشر بالأجواء لتسأل أمها سؤال مفاجئ بدون مقدمات
((أمي.. ما الذي أعجبك بابي لتوافقي على الزواج به؟))
وفجاءة تحولت تعابير وجه أمها للسخرية وهي ترد عليها بصوت أجش
((تقدم لي والدك.. وهو من أقاربي البعيدين.. اخترته بعناية بسبب دينة وخلقه))
توقفت هيام عما تفعل وهي تومئ برأسها متفهمة.. بينما أردفت والدتها من تلقاء نفسها
((حينها.. توقعت أن أبيك هذا هو السعادة بعينها.. كان متدين حازم عنيد جداً.. وصارم في تعامله وقوانينه وكنت أنا في منتهى الطاعة والحب له.. منع عني أمور كثيرة ورضيت بها.. عندما أنجبتك كنت صغيرة بالعمر.. ولكن مع ذلك بذلت أقصى جهدي لأتفرغ لك ولأسرتي الصغيرة التي أحببتها من قلبي.. حرصت على راحة والدك وسعادته من اهتمام بأناقتي وخلقي وبيتي.. وكان يبادلني الشيء ذاته إلا ما يغلب عليه طبعه من صرامة وأوامر.. وحتى جدتك.. كنت أخدمها كما لم اخدم أمي.. وأحضرها والدك بعد فترة علاجها بالمشفى عندي وقبلت وقلت لنفسي ليس لديها إلا ولدين.. أحدهما بالغربة والثاني هو زوجي ولا يوجد غيري لها وكنت أنا أطيعه فيها))
عادت سميحة تلقائيا بذاكرتها إلى ما حدث وقتها.. كانا متزوجان ومتفاهمان..
لكن.. بعد أن أنجبت هيام.. لم تحمل إلا بمولودات إناث يتوفاهن الله بعد سويعات قليلة من موعد الولادة..
وبأخر مرة وبدلا من يواسيها فيصل بمن فقدتها.. أخبرها انه يريد الزواج مرة ثانية خاصة مع توفر الإمكانيات المادية..
وحتى بعد أن رفضت الموضوع بشدة لم يغير رأيه خاصة مع دعم والديه الشديد له..
وأن من سيتزوجها هي أبنة عمه وقد أعطى عمه كلمة ولن يتراجع فيها..
فحدثت الكثير من المشاكل بينهما..
أقاربها هم أقاربه وكلهم كانوا مع قراره.. أصبحت أصغر الأشياء تعني الكثير وتكون سببا في مشاكل يومية..
وبعد تراكم هذه المشاكل ورفضها القاطع للزواج الثاني حتى العلاقة الزوجية بينهما أصبحت بدون إحساس فنفر هو بالذات من المعاشرة..
استمر الوضع هكذا.. هو مصّر على الزواج وينال كل الدعم لقراره.. وهي لم تجد من يقف معها..
وبعد العديد من المشاكل وعدم قدرتهما على إدارة الوضع..
قام فيصل بشرح التفاصيل لأهلها وقراره النهائي وتفهموا التفاصيل بدون أي معارضة..
بالنهاية.. اتفق الجميع على انفصالهما مع عدم الطلاق للمحافظة على طفلتها هيام التي كلما ترى أبيها تطير به فرحا وتبكي له وتتشبث به وترفض العودة لها.. فيشغل قلبها عليها.. فهو يعلم أنها نقطة ضعفها..
والطفلة القادمة التي تحملها بأحشائها والذي علمت بوجودها متأخرا.. كل هذا اجبرها أن تنفصل عنه من دون طلاق.. وانتهى بهم الأمر منفصلين وكان هذا أخر ما دمر علاقتها مع فيصل.. ونسف عش الزوجية..
أعطى فيصل الشقة التي تعيش بها لها مع بقائها على ذمته.. وبنى لنفسه البيت الذي سيسكنه مع زوجته الجديدة قريبا من بيتهم..
موعد زواجه من ابنة عمه كان وبالمصادفة بنفس موعد إنجابها لجالا..
كانت تصرخ وتصارع لتخرج ابنتها من رحمها لرحم الحياة.. وبحمد الله كانت بكامل صحتها وعافيتها..
شعرت بغصة في حلقها منعتها من الاسترسال.. لكنها أضافت لهيام بصوت مهتز
((وبعد مرور سنين.. حكم والدك أني لن أنجب أولاد ذكور بل ولم اعد حتى قادرة على إنجاب أنثى بكامل صحتها بعدك.. وأنه قرر الزواج من ابنة عمه الغني.. بذلت جهدي لأمنع زواجه ولكن لا فائدة))
التمعت عيني هيام بعاطفة جياشة.. لأول مرة تعيد سماع قصة والديها من جهة أمها..
كررت هز رأسها بتفهم.. فالمشكلة بطبيعة عمل والدها كانت تدفعه إلى أن يكون في انشغال دائم فلا يجد متسعاً من الوقت حتى يتفرغ لهن ولحياته الاجتماعية..
وكان هذا احدى الأسباب الذي دفع والدتها لأخذ دورة بالأشعة مكنتها بالعمل بالمشفى لسنوات حتى الآن..
شعرت هيام ببعض التردد وهي ترفع رأسها لتسألها
((أمي.. لم.. لم رفضتي أن تعودي لأبي عندما طلب منك بعدما توفيت ابنة عمه؟ حتى لو انتهت مشاعرك تجاهه.. ولكن.. ألن يكون أكثر راحة لك أن تكملي حياتك مع رجل يقاسمك أمور الحياة؟))
جاء ردة فعل أمها حاسما وقد عادت إليها مشاعر قوية بالماضي.. خاصة وأنها لا تزال تشعر بالألم يستحضر لواقعها الآن رغما عنها..
((من المستحيل أن أعود له.. ألم تتجاوزي الأمر يا هيام حتى بعدما تزوج والدك للمرة الثالثة من امرأة تدعى أمينة؟ ما زالت على كلامي.. لن أعود له ولو رمى نفسه بما تبقى من عمره تحت قدمي.. والدك سبق وأن سقط من عيني وهزني هزة عنيفة أيقظتني قبل سنين طويلة.. وما عدت أثق به إطلاقا..))
جفلت لقسوة أمها بالرد عليها فأغمضت عينيها بألم الدموع تحرقها رغما عنها..
بينما ندمت سميحة على ردة فعلها المبالغ بها بعدما رأت ارتجاف عينيها لتقرب أناملها وتمسح دموعها مردفه بصوت متأثر وهادئ
((ردا على سؤالك.. فصحيح أن الحياة مع رجل ستكون أكثر راحة وربما أكثر سعادة.. ولكن مع الرجل الصحيح.. ووالدك لم يعد مناسبا لي الآن.. أنا بالكاد أجد وقتا للاهتمام بكم أنتم الثلاثة بعد عملي بالمشفى.. ولست قادرة على حمل عبء أربع فتيات أخريات بسن هن بحاجة فيه للاهتمام الشديد.. أنا حقا لن أستطيع تدبر أمور سبعة أبناء.. لا تنظري الليّ هكذا يا هيام.. أنا لست أنانية.. بل أريد مصلحتي ومصلحتكم ومصلحتهن.. خاصة جالا وراجي لا أريد أن أقلل من اهتمامي بهم لصالح غيرهم.. كذلك البنات هن يسحقن زوجة أب معطاءة وأفضل منّي.. بالتأكيد أيضًا أنا لم أكن سأضحي بوظيفتي من أجله أو من أجل بناته))
أكملت سميحة التفكير بسخرية فهي لو أخذت الأمور بواقعية بعيدا عن العاطفة وتخيلت أنها قررت العودة لفيصل لتعيش سويا مع البنات جمعيهن..
رغما عنها ستشعر بالألم وهي ترى له أطفال من صلبه هو وأخرى غيرها.. بالضبط كما يؤلمه دائما رؤية راجي وهو ابنها من رجل غيره..
أيضا العودة له تعني أنها ستضطر للتخلي عن عيش راجي معها.. فهو ليس من محرم على بنات فيصل..
وهي لن تقدر أن تتخلى عن ابنها الوحيد المدلل لصالح جدته خاصة وأنه ما زال صغيرا بسن السابعة..
لا تريد أن تتدخل جدته أكثر بتربيته والتأثير عليه..
كفة الخسارات أثقل بكثير من الكفة المعاكسة..
فجاءة جفلت سميحة على صوت هيام التي تناديها.. هزت رأسها لها مستفسرا لتسترسل هيام بارتباك أكبر وهي تتجنب التقاء الأعين
((أمي.. أقصد.. هل تكنين مشاعر لعمي ثائر؟ أقصد..))
عادت لتشرد بثائر شقيق فيصل.. كان ع النقيض منه تماما..
أجابت سميحة قبل أن تتنهد
((أنا ما زلت أجد نفسي ادفع الثمن غالياً لتلك النصائح التي منحتني لقب مطلقة لثاني مرة.. لقد اعترف لي عمك بعظمة لسانه بأنه نادم على الزواج مني وأنه ما زال يحتفظ بزوجته الأولى على ذمته ولم يطلقها كما كذبت جدتك عليّ.. كرر على مسامعي كثيرا أنه أخطأ حين تزوجني بناء على نصيحة وضغوط والدته))
عقدت هيام حاجبيها حانقة
((كان عليه هو أن يخبرك أنه لم يطلق زوجته))
تشرد مجددا وهي تتذكر أيام زواجها من ثائر.. ذكريات قديمة وشحيحة...وموجعة..
تعتبر نفسها أنها كانت هي الأخرى مشاركة بالأمر.. لقد أرادت الانتقام لنفسها من فيصل..
فقدان إحساسها بأنوثتها كان يقتلها ولا تدري كيف تشبعه فتحججت بأنها بحاجة لمن يرعى بناتها لهذا قبلت بزواج منه ووطئت تحت ضغطهم..
فلكم أصبحت تغريها وتعجبها فكرة أنها مرغوبة.. تجعلها تشعر بالنشوى.. فسارعت بالزواج منه بدون تفكير..
لكن.. كانت هناك استفهامات عديدة أثقلت وأشغلت تفكيرها منذ بداية زواجها من ثائر..
فقد كانت لديه رغبة ملفتة للنظر في إتمام الزواج سريعاً.. إلاّ أنه لم يحاول الاقتراب منها أو ملاطفتها منذ زواجهما الأمر الذي أثار مخاوفها وبدد فرحتها بأول أيام زفافها فالأيام الذي من المفترض أن تكون من ضمن شهر العسل لم ينالها منها سوى النكد والهجر..
إصرارها على ألا تخرج بزواج أخر خاسرة أجبرها أن تحاول جذبه لها بالبداية حتى استطاعت بالنهاية أن تحظى معه ببضعة أيام كالمتزوجين لتحمل فيها مباشرة براجي..
فيما بعد اعترف لها انه ما زال متزوجا من زوجته ولم يتطلقا وزواجه الآن بها لم يزيده إلاّ حنيناً وشوقاً لزوجته..
وبعدها لم يتردد في تطليقها بناءً على رغبتها.. ليعود لحياته مع زوجته الفرنسية..
أخبرتها حماتها بأنها لم تكن إلاّ مجرد عصا لتأديب الفرنسية فقط حتى تنصاع لرغبتهم ولا تحرمه من الإنجاب أو تطلب الطلاق وتتركه بحال سبيله..
حتى أكدّ ثائر لوالدته أن الأمر ليس مجرد عدم رغبتها بل زوجته الفرنسية تعاني مشاكل للأنجاب ولا نية له بالتخلي عنها..
سألتها هيام
((أكانت تجربة صعبة بالنسبة لك يا أمي؟ هل تلومين عمي أو تشعرين بأي مشاعر كره تجاهه إلى الآن؟))
هزت سميحة كتفيها وهي تقول بلا مبالاة حقيقية
((هو ظلمني ظلم كبير بلا شك! لكن.. أحيانا أفكر باني لو لم أتزوجه لم أكن سأرزق بأكبر هدية من رب العالمين.. أخيك راجي))
بالنهاية زواجها من ثائر لم يكن حراما أو عيب.. قد يبدو تفكيرا مرضيا..
لكنها فعلا خرجت من هذا الزواج براحة نفسية خاصة بعدما عرفت بحملها براجي وشعرت كأنها انتقمت أو بردت نار قلبها..
ليست اسفه للوضع النفسي الذي أصاب فيصل بعد زواجها من شقيقة..
فالقهر والألم وحتى طريقة التفكير التي شعر بها لدرجة تلف أعصابه لعدم قدرته على استيعاب أو تخيل زواجها.. هو نفسه ما شعرت به.. لكن هي عاشته لمرات أكثر وأكثر..
هزت سميحة رأسها تنفض أفكارها وهي تقف من مكانها لتتابع ما تفعله..
وبعد مرور وقت أخرجوا أخر ما بداخل الصندوق وهو فستان زفاف سميحة الموضوع بحقيبة شفافة لحفظه..
كانت سميحة لا تزال تحتفظ به إلى الآن وتعتبره قطعة نادرة حيث تملؤه المطرزات بلونيها الأبيض والزهري..
لأن والد سميحة تبرع بان يهديها فستان زفافها بعد أن اختارت هي تصميمه وقد احضر ثلاثة خياطين متخصصين في تفصيل فساتين الزفاف من اجل أن يفصلوا لها الفستان بحسب تصميمها..
وقد احتاج فستان زفافها إلى شهرين في الحياكة والتطريز ليخرج بالشكل النهائي الذي ما زال عليه حتى الآن..
هيام لا تظن بأنها ستلبسه خاصة وأن تصميمه يختلف عن تصاميم فساتين الزفاف بزمنهم هذا.. لكن ربما تستطيع أمها إقناع جالا بارتدائه..
أغلقنّ الصندوق بعدما انتهينّ من إرجاع أغراضه.. فكما يقال..
نحن نحب الماضي لأنه ذهب ولو عاد لكرهناه..
فذكرياتنا جميلة لأنها أصبحت ذكريات ولو تحولت إلى واقع لحقدنا عليها..
ربما ليست جميعها.. لكن على الأقل ينطبق على الكثير منها..
.
.


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-20, 07:41 PM   #26

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

قبل عشر سنوات..
كانت هيام برفقة احمد بالجامعة يجيبون أبنيتها..
كانت قد طلبت منه أن يرافقها ل تستكمل أمور وأوراق مصدقة تخرجها وهو لم يضيع على نفسه فرصة مشاركتها بالرغم من انشغاله..
فدراستها هي تتطلب أربع سنوات على عكس احمد الذي ما زال له سنتان أخريات للتخرج..
تبعثرت مشاعر هيام وعجزت عن وصف ما بداخلها..
بالنسبة لهيام قد اقترب حصاد مشوار استمر أربع سنوات من الجهد والتعب والمعاناة والمثابرة..
أيام قليل حتى موعد تخرجها ليعانق الحلم حياتها ويتحول لواقع جميل..
وعلى الرّغم من أنّ التخرّج فرحة لا توازيها فرحة إلا أنّها تشعر باختلاط مشاعرها كلما تتذكر قربه ما بين مشاعر الفرح والقلق والترقّب والأمل بالغد والرغبة بالعمل المحفوفة بالكثير من التفاؤل..
وما بين مشاعر الحزن والحنين إلى ذكريات الدراسة والزملاء والأماكن التي علت فيها ضحكاتها مع صديقاتها..
بالتأكيد أن لحظات الوداع لن تكون للمباني والجمادات بقدر ماهي للأشخاص الذين عاشت معهم طوال السنوات الماضية من عمرها..
وقضت معهم أزهى فترات العمر وكانت زميلة لهن في مقاعد الدراسة..
رفيقات دربها تعجز عن صياغة مشاعرها لهن.. لهن مكانة محفورة بالقلب..
فمن يقدر على نسيان صديقات قضت معهن من الوقت أكثر مما تمضي مع عائلتها..
قضت معهن وقتاً أكثر مما أمضته مع نفسها.. لكن هكذا هي دائماً لحظات السعادة تمر بسرعة..
لن تنسى كل زاوية من زوايا هذا الصرح الكبير..
لن تنسى احتساء القهوة في ساعات الصباح التي جلست فيها تتسامر وتتبادل الضحكات..
ستفتقد كل المقاعد الذي جلست عليه لتلقي العلم.. ستفتقد الصرح الذي احتواها بكل محبة عندما ضمها إليه خلال سنوات الدراسة التي قضته فيه..
ستفتقد كل شيء جميلا كان أم سيئا..
كل ذلك سيصبح مجرد ذكرى.. وأجمل ذكرى..
حتى المحاضرات اللاتي كانت بالنسبة لها ثقيلة ومملة.. اليوم تشعر أنها كانت أخف من النسمة الندية..
لكن رغم كل شيء يبقى لكلّ مرحلة من مراحل العمر فرحتها.. والتخرّج فرحة كبيرة لأنّها تعني النجاح وتحقيق هدف وحلم منتظر..
((احمد لا تلتفت كثيرا وتحرك رأسك بين المباني.. تجنب هذه الحركة حتى لا يعتقد من يرانا أننا مستجدان))
قالتها ممازحة له براحة من حركاته العفوية وهو يبحث على مكان أخر مكان سيقصدونه لأنهاء الإجراءات.. ابتسم لها قائلا
((لا تقلقِ سأسل أحد المارة.. من يسأل لا يضيع))
مدت له يدها تمنعه من التقدم.. لتضيق عينيها هاتفة بجديه وهي تبحث وتنظر في وجوه الطلاب بالأرجاء
((أحذر.. هناك حمقى يستمتعون بإعطائنا اتجاهات خاطئة للمباني.. دعني أنا اختار شخص يبدو عليه الجدية بمساعدتنا))
فحتي سابقا.. كانت هيام دائما ما تحاول الاستدلال بنفسها على قاعات المحاضرات دون السؤال..
فهي ما تزال تتذكر أوّل المقالب التي واجهتها في بداية أيامها بالجامعة من قبل بعض الطلبة القدامى..
عندما سألتهم عن مكان القاعة حيث قاموا بإرشادها إلى قاعة مغايرة للقاعة المقصودة وتبعد مسافة طويلة استغرقت منها ربع ساعة مشيا على الأقدام..
إلا أنها مضطرة الآن للاستفسار لأنها كانت على عجلة من أمرها..
مرت فتيات من أمامها فتقدمت لهن وأخذت تسأل بحرج يملأ وجهها فبدأت الفتيات يوجهنها المكان المطلوب..
وما أن تقدمت للأمام لحق بها أحمد يوازي خطواتها.. فقالت له متبرمة تعلق بسطحية على أحذية الفتيات
((لا افهم كيف تستطيع بعض الفتيات ارتداء هذا الكعب العالي هنا.. أساسا شكله خاطئ جدا مع طريق اللباس.. ومتعب في المشي))
رد عليها حانقا
((يا إلهي هيام! تتحدثين عنهن بسوء بدلا من أن تشكريهن لأنهن دللنك على المبنى))
أزعجها دفاعه عن فتاة غيرها.. فالتفتت برأسها للأمام هاتفة له وهي تمد حقيبتها تعطيه إياها
((أنا لم اتحدت عنهن بسوء أساسا.. امسك حقيبتي عني قليلا إنها ثقيلة))
التقطها منها قائلا بشكل متعجب من ثقلها
((واو.. لم تجلبين معك حقيبة كبيرة))
هزت كتفيها ثم ردت عليه بقهقهة
((حتى أضع عفشي بأكمله هنا))
لوى شفتيه ليقول بلا مبالاة
((معدات الزينة والتجميل مثلا؟))
تنهدت من محاولات إزعاجه لها.. لتقول بهدوء مصطنع خافت وهي تلكزه بالأوراق التي بيدها غاضبة
((احمد.. كف عن المزاح.. أنا لا أبالغ بزينة وجهي.. أضع فقط الكحل وواقي الشمس واحمر الشفاع واحمر الخدود وأيضا..))
قاطعها
((وماذا بقي لم تضعيه؟ أنا حقا أحب أن تضعي أي زينة على وجهك.. اكتفي بواقي الشمس))
ابتسمت باستخفاف والسخرية تدل طريقها على بشرة وجهها البيضاء..
وكانت ابتسامتها بعد لحظة غضبها كسهم حب يصيبه.. فابتسم كأنه يسترجع حلاوة شعور
أن تخونه نظراته ونبضاته.. حينما يصورها له قلبه كأنها العالم كله.. الجمال كله.. إن ابتسمت له تبسمت الدنيا في وجهه..
أشترى كأسان من عصير الليمون لكليهما ليشرباه أثناء سيرهما.. وبدون مقدمات التفتت تنظر له قائلة بهدوء مماثل لطبعه
((لماذا تظن أن دراسة الطب النفسي ستكون هي الدراسة الأنسب لك؟))
أجاب بخفوت وتلقائية وهو يهز كتفيه
((اشعر أنى مهتم باستكشاف أعماق النفس البشرية وخصائصها النفسية.. لطالما تساءلت كثيرا في أسباب الاضطرابات النفسية التي قد تحدث للبشر وكانت تستهويني القراءة في أي منها))
أصابتها نوبات فضوليه لا منتهية لأول مرة عن مجال دراسته لتخبره وهي ترتب شعرها الذي تنافرت خصل ضفيرتها منه.. ولم تنتبه إلى نظراته على خصل شعرها الكستنائية التي تحاول أن تجعلها مرتبه
((هناك قريبتي التي أعرفها.. درست علم النفس.. هي تشغر حاليا وظيفة أخصائية نفسية تعليمية في إحدى المدارس.. وسبق أن عملت كأخصائية نفسية عصبية تأهل المرضى العقليين وتساعدهم على التكييف مع مرضهم..))
ابعد الكأس عن فمه ليقول بجديه
((هناك فرق بين الطب النفسي وعلم النفس...صحيح أن كلًا من الطبيب النفسي والمرشد النفسي لهما دورًا كبيرًا في مساعدة الأشخاص في أن يعيشوا بشكل أفضل.. لكن الفرق شاسع بينهما))
استرسلت تسأله
((حقا؟ وما الآفاق الوظيفية لعملك؟ وما خططك للعمل بعد التخرج؟))
شرد وهو يفكر فيما بعد تخرجه.. تخرجه سيكون نقطة الانطلاق نحو باقي أحلامه طموحاته من عمل ودراسات عليا.. لذلك لطالما حرص على أن يكون مميزًا مُلمًا بتخصصه إلمامًا تامًا.. لأنّ مدى مهارته هي التي تحدد مستقبله كاملًا..
أجابها بتلقائية وهو يعاود النظر إليها
((عادة ما يعمل الأطباء النفسيين بشكل مستقل في عياداتهم الخاصة بعد التخرج.. ويعمل أيضاً الكثيرين منهم في المستشفيات الحكومية والخاصة وعيادات الأمراض العقلية وفى الجامعات أيضاً.. سأقضي معظم وقت عملي في التعامل المباشر مع المرضى.. وباقي الوقت يكون عادة في وظائف الاستشارة الطبية أو التدريس أو العمل الإدارة ربما..))
ازدرت ريقها نادمة ما أن بدأ يسرد عليها بشكل ممل.. فهبطت معنوياتها الفضولية.. لتقاطع فورا
((راتب الطبيب النفسي عالي.. صحيح؟))
نظر له بعدم فهم لتردف بمرح وهي تحاول إخفاء نظرات عينيها الشقيتان
((لماذا أنت مستغرب؟ أنا فقط أحاول أن اضمن حياة هنيئة ورفاهية عالية لأولادنا))
ضحك على جملتها لتبتسم بعفوية وهي تنظر أمامها وتستمر بالمشي.. ولم ترى تلك العينين التي تلمع حبا لشقاوتها..
أنه يعيش معها أخر لحظاتهم معا هنا.. وبعدها ستأتي لحظات الوداع..
ما أصعبها من لحظات.. ولكن هذه هي الحياة.. أفراح وأحزان.. لقاء وفراق..
أنهت أخر أوراقها لتستلمها من الموظفة وتخرج من باب المبنى..
جابت برأسها تبحث عنه بالأرجاء حتى وجدته متكئ على البوابة وساعديه على صدره..
ساقيه مائله للأمام.. شارد بما أمامه وعينيه الزرقاوين تزدادان لمعان مع أشعة الشمس الساقطة عليه..
آه من عينيه.. هما سر انجذابها له من أول مرة تراه..
قبل أن تبدأ شيئا فشيء تقع بحب رجولته وشخصيته وكل جزء مما تبقى به..
من الاستحالة أن تنسى كل لحظات الحب والإعجاب التي كنتها له لأخر لحظة بحياتها..
وعلى وجهه ارتمست ابتسامة ما أن لمحها وهو يرفع حاجبيه هاتفا يتقدم لها
((إذن أتممت أخر الإجراءات.. أنت الآن رسميا متخرجة بغض النظر عن الأسبوعين الباقيين لحفل التخريج))
بادلته ابتسامة عفوية لتأسر قلبه وبنفس الوقت تنظر حولها وتتأمل الأماكن..
ليتها لا تتخرج.. ستعيش الم الفراق من الآن.. فراق المكان.. الوجوه.. الأجواء..
كل شيء فيها مختلف.. مختلف تماما.. كانت حياة أخرى تعلمت فيها..
فجامعتها كانت حضنها الدافئ طيلة أربع سنوات مضت.. نهلت منها الكثير والكثير..
أعطته انتباهها ما إن سمعته يردف بإحباط وهو يضع كفيه بجيوب سرواله الجينز
((وانا باقي لي سنتين لأتخرج))
هو بالفعل ما إن بدأ أوّل سنين دراسته حتى بدأ بعدّ الأيام والليالي التي تفصله عن فرحة التخرّج..
بحيث يُصبح فيه مستعدًا للتوجه إلى للعمل والتحوّل من مجرّد شخص يعتمد في مصروفه على أهله إلى شخص منتج قادر على العمل بكفاءة وتميّز.. ولكنه يشعر أن السنتين المتبقيتين ستمران ببطيء شديد عليه من دون رؤيتها..
لكزته بأوراقها بعنف مصطنع هاتفة
((أنا سأبدأ مباشرة بدراسة الماجستير بعد تخرجي.. إذا حدثت أموري كما أتمنى وأريد سأكملها بهذه الجامعة تحديدا.. ربما هكذا أستطيع أن أبقى على تواصل معك.. ولو ليوم واحد ومع اختلاف أوقات دوام كل منا))
ابتسم لها وهو يحاول ألا يقترب منها أمام الأعين الفضولية ليخطفها ويدفنها بين ذراعيه بعناق عميق..
يذكر نفسه أن اللحظة هانت.. عدة سنوات حتى تخرجه.. وسيصبح حينها قادرا على طلبها من أبيها..
وستصبح ملكه.. حلاله.. حقه.. وسيعيشان معا ببيت دافئ وسعادة أبدية.. فليصبر حتى هذه اللحظة..
رد عليها محافظا على ابتسامته
((إذن.. بما أننا انتهينا من الإجراءات مبكرا.. ما رأيك أن نمضي يوما مميزا سويا.. أريده يوما لا ينسى.. كوداع.. وداع غير أخير طبعا))
وداع؟ أي وداع يليق به؟ أي وداع يليق بحلم جميل كالحلم به.. هكذا اللحظات الجميلة تمر بسرعة.. تلك هي سنة الحياة.. والذكرى الجميلة هي أجمل ما خبأته لها الأيام التي مضت من عمرها..
أومأت له ليمشيا سويا..
وشفتيها ترسم شكل ابتسامة جميلة من فرط السعادة التي تشعر بها..
وهو كان يسترق بعينيه الزرقاوين كل فترة لينظر جانبا على تقاسيم محياها..
خرجا معا لإحدى أسواق المدينة..
سارا بالطريق تفصلهما عن بعضهما إنشات قليلة مع ازدحام الشارع..
كل حين يمد يده بجانبها وأمام المارين بحركة ليمنع اصطدامها بأحدهم دون قصد.. كأب يحمي طفلته..
أوقفت أنظارها على قبعة بيضاء جميلة..
وجدت نفسها تبتسم لها بدون قصد لتنظر ناحية احمد وتخبره أن ينتظر قليلا هنا ريثما تشتريها..
لكنه عقد حاجبيه حانقا لها وهو يتقدمها ليدخل المحل التجاري..
شعرت بالحرج وهو يشتريها لها بماله غبر آبه لاعتراضاتها المكررة.. وبخت نفسها بداخلها.. ما كان عليه أن تفكر بشرائها الآن..
لكن ابتسمت فيما بعد وهي تشعر بالسعادة تغمرها..
أعجبها أن تتلقى منه هدية.. وأن يهتم بإهدائها.. كل شيء منه تحتفظ به وتحافظ عليه جيدا..
بعد ذلك دعاها ليأكلا طبق حلويات بإحدى المطاعم المعروفة.. وهي وافقت وقلبها يخفق بسعادة راضية..
تعرف بأن الخروج معه من البداية ومن وراء ظهر عائلتها لا يجوز لا شرعا ولا عرفا.. خاصة وأن لا شيء رسمي بينهما..
لكن مقاومتها كانت أضعف من أن تمنعها لتعطي لنفسها حجة أنه عن قريب سيتزوجان فللتجاهل ضميرها وتأنيب عقلها..
سمعته يهتف لها
((الم أخبرك أنها ستعجبك؟))
نظرت إليه بعينيها بإيجاب وهي تعاود الأكل بشوكتها من طبقها اللذيذ والشهي..
توقف احمد للحظة عن الأكل وهو ينظر لها عاقد الحاجبين تبحث عن شيء في حقيبتها..
قالت له بصوت منفعل ما إن أخرجت من حقيبتها ساعة رجالية فخمة موضوعة بغلاف ثمين..
((هذه الساعة القديمة أعطاها أبي لي قبل مدة طويلة وخبأتها بصندوق.. وقبل سنتين أخذتها من الصندوق وخبأتها بدولابي.. وأريد أن أعطيها لك الآن))
عقد حاجبيه أكثر بعدم فهم خاصة وهي تمد الساعة بيدها أمامه وهو متسمر يرفض أن يأخذها من يديها.. فأردفت ببشاشة
((هذه الساعة اشتراها جدي لأبي عند زواجه الثاني.. وأخبره أن يلبسها ومن ثم يعطيها لأبنه عندما يصير شابا.. ولأن أبي لم يرزق بمولود ذكر.. أخبرته جدتي أن يعطيها لراجي عندما يكبر.. فغضب من جدتي وأعطاها لي وأخبرني أن أخبئها لزوجي المستقبلي.. لذا لا أرى ضير من أن تأخذها مني من الآن وتلبسها.. لم يبق كثيرا على تخرجك والتقدم لي..))
وعندما رأت وجهه المتجهم يزداد تجهما كأنه غير مقتنع بكلامها.. أردفت هاتفة بسأم
((لقد أخبرتك كل تفاصيل عائلتي المعقدة مرارا.. فإياك أن تقول إن الأمر ما زال يختلط عليك))
رفع نظره إلى عينيها لعله يجد فيها شيئا يجعله يستوعب أكثر ما تطلب منه أن يأخذه منها..
ثم أخذ ينظر إلى الساعة وهو يتفحصها بيديه قائلا لها بخفوت
((هيام.. هل أنتِ مجنونة؟ تبدو ساعة ثمينة جدا.. جدا.. كيف تهديها لي بدون أي رباط رسمي بيننا؟ لا.. لا لن أخذها))
أجابت بتذمر وهي ترفع صوتها عليه تنسى واقع أنهما بمكان عام
((احمد ما بك؟ وكأنك تشكك بأننا سنتزوج بالنهاية؟))
يعرف بأن أمر عدم زواجهما مستقبلا أمر مستحيل.. من المستحيل أن يفرط هو أو هي بالأخر..
ولكن مع ذلك لا يمكن أن يأخذ هكذا هدية ثمينة ماديا ومعنويا منها.. فرد لها الساعة وهو يقول بحزم وصرامة
((لا.. قلت لا يعني لا.. لن أخذها منك الآن.. ليس لي حق بارتدائها قبل أن أطلبك رسميا من أبيك على الأقل))
لم يبالي لتذمرها وتجهم وجهها وهو يتابع
((أزيلي هذه التعابير من وجهك وأكملي طبقك.. إنك تأكلين كالعصافير))
عاد يأكل من طبقه ببرود يغيظها.. وكأنه لم يسبق وأن اشتدا بالكلام قبل ثوان..
نظرت لكوب الماء بجانبها ومن ثم نظرت إليهم بنظرات شريرة.. تمنت أن تضرب الكوب برأسه..
اشتد غضبها فعادت تأكل من طبقها تفرع غضبها فيه..
بدأت تأكل حلواها بسرعة وبشراهة قطعة وراء قطعة وبدون أن تمضغ التي قبلها..
رفع نظراته لها يحدق إلى كيفية أكلها وهي تجلس بالكرسي المقابل له على الطاولة وهو يرى فمها ممتلئا بشكل مضحك ليقهقه وما أن سمعته حتى أعطته نظرات حانقة..
فاشتدت قهقهته عليها..
وبدلا من أن يزيد غضبها.. توقفت للحظة تتأمله.. كان يبدو وسيما أكثر مما سبق وكان عليه وهو يضحك من قلبه..
لم تستطيع أن تكتم ضحكتها لتشاركه الضحكات الخافتة.. لكن عضت شفتيها تكتم فيها ضحكتها ما أن وقعت عينيه بعينيها..
اعتدل بجلسته ليقول بصوت جذاب دافئ
((هيام.. حبيبتي.. لا أظن أنه من المناسب أخذ الساعة الآن منك.. سآخذها منك بالوقت المناسب.. وإياك أن تفكري أن تعطيها لراجي.. فقد أصبحت ملكي.. هل تفهمين؟ لن تصدقي مقدار تحمسي لألبس ساعة فخمة مثلها من حبيبتي الجميلة))
أومأت له برأسها وهي تحاول أن تخفف من الحمرة التي انتشرت في وجهها والحرارة التي انتابتها..
===============================================


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-20, 07:42 PM   #27

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

بعد مرور مدة..
مسح مراد غرة شعره الكستنائي من على جبينه بينما يعضّ مرارا فوق شفتيه المكتنزتين واللتان تكتسبان لون ماء الكرز..
كان أزهر البشرة لكن الاحمرار طغى على وجنتيه الآن بهذا الموقف العصيب..
وبنظرة ميتة حرك نظره إلى ساعة يده ليجدها تشير إلى الثانية عشرة ظهرا..
نزع مراد عنه ربطة العُنق الخانقة واستند بظهره على الكرسي يغمض عينيه بإرهاق من صخب كل ما حوله..
ذاكرته تذهب لما قبل خطبتهما..
أخبرته سهر أنها كانت مخُطوبة لشخص أخر قبل أن تُخطب له..
أردفت له أنها اكتشفت وأيقنت بأن خطيبها ليس الشخص المناسب لها بمنتصف حفلة خطوبتهما فغادرتها ببساطة ليتم إلغاء كل شيء..
فضحك هو ساخرا على كلامها ببساطة..
لكن قبل موعد حفل زفافه مع سهر.. بدأ يشعر فعلا بترددها..
ولا يدري لم خيل له أنها ستفعل به مثل ما فعلت بخطيبها السابق..
فأخذ ما خبرته به سابقا بشكل جدي وبعيدا عن المزاح ليقول لها بوضوح وراجيا منها أن تجيبه بصدق
((أنا لا أصوب مسدسا تجاهك يا سهر.. اعرف أن زواجنا زواج مصلحة بين آبائنا ولكن إذا لم تقتنعي بأنني زوج مناسب لك أيضا أو إذا كانت لديك أي تحفظات أخرى أخبريني ودعينا لا نكمل.. فالزواج تحديدا لا يتم بالإكراه.. أرجوك فكري جيدا فهذا الوقت هو المناسب لإلغاء جميع الخطط إذا أردت التراجع وليس بنفس موعد الاحتفال بالزفاف كما فعلت بخطيبك السابق!))
عاد مراد للواقع من الذكرى التي استرجعها سابقا وراحت كلمة موافقتها ترن في أذنيه لعدة لحظات وهي تؤكد عليه بتأكيد لا يقبل الشك بأنها موافقة على كل شيء وتريد الإكمال معه وان تصبح زوجته..
زادت عيناه الحمراوان بسبب الغضب قتامة.. ماذا فعلت به سهر اليوم؟
أخذت حقيبة ملابسها قبل ساعات بحجة تسليمها إلى الفندق الذي سيقام فيه الحفل لكنها فرت هاربة وسافرت للخارج بلا عودة..
اكتفت بترك رسالة تخبره فيها أنها وجدت هذه المرة بالفعل الشخص المناسب لها والذي علمها معنى الحب الحقيقي وهربت معه وتريد الزواج منه هو..
أرسلتها سهر بنفس اليوم الذي يصادف أن يكون هو اليوم الذي سيقام به زفافهما مخلفة وراءها فضيحة كبيرة لعائلتهما خاصة بعد كل هذه المباركات العلنية..
بدأ مراد يتنفس بغضب ووجهه يحمّر أكثر بغضب مستعر..
أقسم بداخله أنه إذا ما رآها أمامه سيحول جسدها لأشلاء لأن لا عذر أبدا لهروبها بنفس يوم الزفاف وتسببها بهذا الخزي والألم لعائلتهما وكل من حولهما..
يعرف أن الزواج قرار مصيري لأي شخص..
وربما كانت سهر تخشى الارتباط خاصة بحالتهم وهو لا يوجد بينهما أي مشاعر حبٌّ.. لكنه ليس دافع مقبول لما فعلته..
خاصة وأن والده محمد بنفسه أحس تردد كلاهما وعدم حماسهما فجمعهما سويا ليخبرهما الاثنين معا بوضوح أن الخيار يعود لهما أولا وأخيرا.. وإذا ما رفض أحدهما فلن يغضب أو يقسو عليهما ولن يجبرهما على الزواج..
نعم لقد أكد والده أمامهما مرارا وتكرارا أنه سعيد بهذا الزواج لما سيكون له مصالح كثيرة على الجميع ولكن بنفس الوقت هو لا يجبر أحد عليه.. فأساس الزواج هو القبول..
لذا له الآن الحق وكل الحق أن يتميز غضبا عليها..
فهي منافقة ومخادعة.. خدعته وخانته عن سابق تصور وتصميم..
وبينما كان مراد سارحا بما يدور بعقله وصل له صوت صراخ والديه القابعان بغرفة أخرى أثناء نقاشهم..
ابتسامة سخرية شقت فاهه..
لا بد أن والدته سعيدة جدا لأن زواجه من سهر لن يتم فقد عارضته كثيرا ومن البداية..
لكن ومع ذلك تبدو والدته غاضبة لأن التوقيت المفاجئ لإلغاء الزفاف كان غير مقبول بما سيسبب للعائلة من إشاعات وفضائح..
رأى والدته تدلف لغرفته عقب أن فتحت الباب عليه بعنف لتخاطبه بنبرة غاضبة وبنفس الوقت شامتة لأنها أثبتت صحة كلامها عن سهر
((ببساطة يا مراد إن هناك بعض البنات المفلوتات والتي تريد الزواج فقط لتحصل على زوج غني ينفق عليها ويتركها تفعل ما تشاء.. وهذا ما كانت عليه سهر من البداية ولكنكم لم تصدقوني.. هل الجميع راضي الآن بعد أن هربت وتحديدا اليوم الذي ستقام فيه ليلة زفافكما؟))
ثم لفت جسدها للباب تصرخ بصوت أعلى حتى يصل لزوجها خارج الغرفة
((لن أسامحك أبدا يا محمد بما فعلته بأبني مراد.. لقد بليته بتلك الفتاة الساقطة لأجل بعض المصالح والأعمال المشتركة بينك وبين والدها.. حتى عائلتها أُناس ساقطين مثلها.. لم أرَ أي مسحة خزي أو شعور بالذنب أثناء اعتذارهم لنا عن فعلة سهر.. لا بد أنهم معتادين على هذه الأفعال المخزية من بناتهم))
أنهت روعة والدة مراد كلامها ثم تنفست بعنف وجلست على أقرب أريكة بالغرفة لها وطريقة زمها لفمها تظهر إلى أي مدى هي غاضبة..
تابعت تتمتم حانقة لنفسها
((الحقيرة! لو أخبرتنا أنها لا تريد الزواج من مراد قبل الزفاف بأسبوع واحد على الأقل لكان أقل وطئا من افتعال هذه الفضيحة بنفس يوم الزفاف ولم أكن سأغضب هكذا بل كنت لأكون أسعد نساء الأرض.. ماذا سيقول عنا الأقارب عندما نلغي الزفاف بنفس اليوم الذي كان مُقررا أن يكون بدون أي سبب؟))
أجفلها وصول صوت زوجها بنبرة ثابته والذي كان واقفا على باب الغرفة وعلى ما يبدو سمع تمتمها
((ومن قال إننا سنلغيه؟))
بصدمة نظرت روعة إليه وهي تسأله بصوت متقطع مرتبك
((مم.. ماذا؟ ماذا تقصد يا محمد؟ كيف سنقيم حفل زفاف بلا عروس؟))
رفع محمد حاجبيه وهو ينظر بطرف عينه لنظرات مراد المندهشة على جملته الأخيرة ليعاود التركيز بالنظر لزوجته وهو يهم للجلوس بجانبها
((أقصد يا روعة ببساطة أن لا شيء سيُلغى.. يمكننا أن نجلب له عروسا أخرى بديلة سهر.. ما زلنا بالظهيرة والزفاف لن يُقام قبل عشر ساعات.. هناك وقت كافي لنجد عروس له غير سهر))
شحبت ملامح روعة وبان الاضطراب على مراد الذي نظر لوالدته وبادلته نظرة القلق..
بدأت الأفكار والمخاوف تختمر في رأس روعة لتنتفض صارخة بخوف من فكرة زوجها وهي تضع يدها على صدرها
((هل جننت يا أبا مراد؟ هل ترى ما تقوله منطقي؟))
امتلأ صوت محمد بالصرامة وهو يشير بيده بما لا يقبل النقاش
((لا داعي لقول المزيد يا روعة.. لقد تعبنا بتجهيزات هذا الزفاف ليكون مميزا.. وأهدرنا الكثير من الجهد والوقت والمال.. وإلغائه سيكلفنا الكثير.. ليس فقط من الناحية المادية بل من جهات أخرى.. كيف سيكون شكلي عندما أخبر أصدقائي وأقاربي وكل الذين تم دعوتهم أن لا يحضروا قاعة الزفاف وقد تم إلغاء كل شيء لأن العروس هربت؟))
بينما كان يتصاعد الغضب داخل مراد رغما عنه وهو يرى والديه يخططان ويعبثان بحياته.. بان الرعب في عينيّ روعة وهي ترى جديه ما ينوي زوجها القيام به لتهتف بفزع حقيقي
((لا.. لا يا محمد.. المال يأتي ويذهب.. وأنت لست واعي لما تقوله وستتسبب بفضيحة أكبر من الفضيحة التي افتعلتها لنا سهر.. فكر بروية يا محمد.. لقد تم توزيع كل دعوات الزفاف للجميع وكل من في القرية يعلمون أن مراد الدال سيتزوج من سهر.. إذا حضروا ورأوا فتاة غير سهر تزف إليه ستغدو فضيحة أكبر بدرجات من فضيحة هروب عروسه بيوم زفافها منه.. كما سيتساءل الجميع عن سبب استبدال العروس بأخر اللحظات!))
قطّب محمد حاجبيه ليهدر بتركيز
((لا تبالغي.. فأنا لم أتحدث بالكثير من التفاصيل عن عائلة زوجة أبني المُستقبلية.. يمكننا أن نداري الأمر ونقول للجميع أننا فسخنا خطبة مراد وسهر ومن ثم خطبنا له فتاة أخرى مباشرة ولضيق الوقت لم نستطع أن نعيد توزيع الدعوات خاصة وأن الزفاف سيتم بنفس القاعة والوقت.. والمقربين مني يمكنني شرح ما حدث لهم وسيتفهمون))
بعيون زائغة محتارة قالت روعة وهي تهز رأسها نافية
((والله لست مقتنعة بكلامك.. لا أصدق يا محمد أن رجلا بحكمتك يمكن أن تخرج منه هكذا فكرة..))
عاد يلوح بيده بصرامة هاتفا
((لا يهمني مقدار اقتناعك! اليوم سيتزوج مراد وكلمتي هي من ستمشي هنا))
ثم عاد ينظر لمراد الذي كان شاردا بعالم أخر كالعادة.. وكأن الأمر لا يخصه..
مرت لحظات حتى عاودت روعة سؤال زوجها بتدقيق وحرفية وهي تحاول مسايرته
((حسنا يا محمد سنفعل كما ترغب.. ولكن من أين سنجد بهذه السرعة وخلال عشر ساعات عروس تناسب معاييري التي أريدها بكنتي المستقبلية؟ وحتى لو أعجبتني بشكل مبدئي.. ألن أكون بحاجة أيضا لفترة خطبة مناسبة لأتعرف عليها أكثر وأتأكد من أنها الكنة المناسبة! لم تصغي لكلامي سابقا وخطبت سهر له رغما عني وانظر ماذا حدث.. هل تريد أن تكرر الخطأ ذاته مرة ثانية؟))
تقدمت روعة منه وهي تمسك ذراعيه متوسلة بصوت شبه باكي
((أرجوك يا عزيزي لا تتهور ودعنا نلغي الزفاف وننتهي..))
زفر محمد بضيق وهو يبعد كفيها عنه وقبل أن يتحرّك للخارج هتف بإصرار أخير لا يقبل النقاش
((أخبرتك أن زفاف مراد اليوم سيتم حتى لو اضطررت أن أبحث له عن عروس من الشارع))
فانتفضت روعة بسرعة وعادت تمسك ذراعه وبمحاولة أخيرة لإيقافه عن قراره هدرت
((أرجوك يا محمد لا تهذي.. ماذا سأخبر أقاربي وصديقاتي عندما يسألوني كيف تم استبدال العروس بأخر اللحظات وأنا أساسا بالأمس كنت أتحدث عنها وعن زواجها بابني؟))
نظر محمد لزوجته روعة للحظات بتقاسيم جامدة..
ثم استدار للخلف لينظر للذي ما زال جالسا على كرسيه وعينيه الواسعتين البندقيتين ذات التمازج الرهيب بين اللون العسلي والأخضر ما تزال شاردتان بالنظر للأرض..
من الواضح من حركة يده التي يمررها بشعره الفاتح شديد النعومة وجسده المتصلب أنه متوتر وغاضب أيضا..
مع أنه ظن أن مراد سيكون سعيدا بهرب سهر منه خاصة وأنه ضغط على ابنه ليوافق على هذا الزواج..
عاد يبعد كفيّ زوجته عنه ويضيق عينيه ليتقدم باتجاه مراد وهو يحاول معرفة مكنونات قلبه فنادى بهدوء لا يخلو من الصرامة على ابنه مراد ليجفل وينظر إليه بارتباك..
ومن دون أي إنذار انتفض محمّد صارخا بغضب على مراد
((مراد.. أنا ووالدتك نتناقش بمصير الزفاف وأنت جالس هنا بلا أي اهتمام تاركا لنا إيجاد حل للموضوع بأقل الطرق خزيا وضررا.. أيها الأحمق.. ألا رأي لك هنا وكأنك لست المعني بالزفاف! عار عليك يا ولد.. والله لو حدث لي هذا الأمر وفضّلت عروسي الهروب والبقاء عزباء على الزواج مني لدفنت رأسي بالترب خزيا))
جاهد نفسه إلا يبين ابتسامة سخرية كانت ستظهر على محياه..
سهر فضلت أن تبقى عازبة؟ حسنا.. من الجيد إذن أنه لم يخبرهم أنها هربت مع شخص أخر..
حينها والده سيقتله حتما بسكين ماضيه ثم يدفنه بالتراب من شدة الخزي والعار.. وسهر ستكمل حياتها بسعادة مع ذلك النذل..
المشكلة أن النذل الذي فضلته عليه لتهرب معه هو المصور المُعدم والذي كان من المفترض أن يصور حفل زفافهم..
حاول مراد لملمة الابتسامة من على وجهه ثم وقف من مكانه ليذهب مقابل أبيه ويخبره بهدوء وهو يضع كفه على كتف والده
((أبي.. افعل ما تراه مناسب))


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-20, 07:43 PM   #28

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

.
.
بعد مدة قصير.. ببيت فيصل..
هزت جالا قدمها بتوتر وعقلها شارد لا يتوقف عن التفكير منذ أن أخبرها والدها بعرض الزواج الغريب من والد مراد..
عروسه هربت صباحا والله اعلم ماذا رأت منه لتهرب..
ما يهم هو أنهم الآن بحاجة لفتاة أخرى بديلة عن سهر لتكون زوجته ووالد مراد يفضل أن تكون زوجة ابنه المستقبلية من داخل عائلة الدال..
زفرت جالا بضيق وهزت رأسها نافية..
لا.. لا تستطيع التركيز جيدا وتتخبط في حيرتها وإذا ما كانت ستوافق فلم يعد هناك شيءٌ ثابتٌ في محيطها..
كل ما كان بحياتها سابقا انقلب رأساً على عقب بعد أحداث الأشهر الأخيرة..
لم تعد تعرف نفسها جيدا ولا تزال أحيانا تظن أنها عالقة بعالم كارم..
وأحيانا أخرى تود الزواج من غيره حتى تتخلص من كلام الناس عنها..
وما قاله والدها توا واقعي ومنطقي فهي بحاجة أن تتزوج من أخر إذا أرادت أن تنسى كارم وتتبرأ تماما منه وتمضي بحياتها..
ومراد فرصة لا تعوض وإذا استحكمت استخدام عقلها فلن ترفضه خاصة وأنها على معرفة به منذ طفولتها..
لكن المشكلة هو أنهم يريدون الزواج أن يتم اليوم..
وهي حتى ومع معرفتها بمراد سابقا أيام طفولتها أليست بحاجة أيضا أن تتعرف عليه أكثر؟
خاصة وهي لا تذكر شيئا عنه إلا البغض الذي كنته له بطفولتها والاستياء من طريقة تفكيره وأفعاله..
ثم بعيدا عن كل شيء هل هناك فتاة قادرة على تجهيز نفسها لحفل زفافها خلال ساعات؟
لا.. لا داعي لإن تهتم بهذه الأمور الثانوية.. تستطيع تجهيز نفسها بهذه الساعات ويمكنها التعرف على مراد أكثر بعد الزواج..
هزت جالا رأسها بتأكيد.. اهم شيء الآن أن تقبل الزواج من مراد..
كما يجب عليها أن تعرف كل المدعوين وأن تتأكد أن عائلة كارم تم دعوتهم!
ضاقت عينا فيصل الجالس بغرفة جلوس منزله مقابل جالا لوهلة وهو يحاول استنباط ما تفكر به ابنته وستار الغموض الذي غلف ملامحها..
تقدم بدوره ببطء نحوها متجاهلا تصلبها اللحظي الرافض لما عرضه عليها..
عليها أن توافق على الزواج من مراد فهو لن يسمح لجالا أن تعتزل الزواج وتصير هيام ثانية..
لم تتعبه أي بنت من بناته كجالا..
فحتى هيام الذي تعانده بأمر زواجها منذ سنوات لا تملك هذا الكم الهائل الذي تتمتع به جالا من عناد..
قطع تركيزهما دخول أمينة زوجة فيصل التي تزوجها بعد ترمله والتي استحقت لقب الخالة الودودة كونها استطاعت أن تحظى ببعض القبول من قبل عائلة طليقته سميحة وخاصة جالا..
جالا التي لطالما أعلنت له بالعلن وبشكل مباشر كرهها لأرملته وبناته منها..
انحنت أمينة تقبل جالا بود وهي تضع كأسا الشاي أمامهما ثم رحبت بها فردت جالا عليها الترحيب بدون تركيز وهي تعاود الشرود وهز قدمها كما عادتها كلما حاولت التركيز بشيء ما..
جاءها صوت والدها سائلا بملامح حانقة من طول فترة تفكيرها
((هل توصلت إلى قرار يا جالا؟))
زمّت جالا شفتيها وضيقت عينيها لترفع رأسها لوالدها قائلة بتصميم وهي تهز رأسها بإيجاب
((نعم أبي أنا موافقة))
كاد فيصل يصرخ فرحا بردها خاصة وأن أخر ما توقعه موافقتها بدون أي الاعتراض على حرف مما قاله..
تمالك نفسه أمام أبنته وهو يقف فاتحا يديه يخبرها ببهجة
((إذن تعالي عانقي والدك العجوز يا صغيرتي.. ومبارك عليك مقدما.. أخيرا أتى هذا اليوم.. فدائما خفت أن أغادر هذه الدنيا قبل أن أراك عروسًا وأطمئن عليك.. ليكن زواج الدهر وبالرفاه والبنين))
قهقهت جالا على كلام والدها لترتمي في حضنه وقلبها ينقبض وهي ترى هذه الفرحة الكبيرة التي سكنت قلب والدها بموافقتها على الزواج..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-20, 07:43 PM   #29

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

مثل هذه اللحظات بين الأب والابنة لم تحدث سابقا..
وإذا سبق وحدثت فهي لا تذكرها لأنها حتما من اللحظات النادرة بحياتها فشددت من ضم والدها..
لكان سرعان ما تقلصت ابتسامتها عندما بدأ شعور التوجس والقلق يتسرب إلى داخلها من فكرة الزواج كلها كفكرة لا من مراد خصيصا..
ابتعدت جالا عن والدها وهي ترفع رأسها إلى وجهه مغمغمه
((لا تقل هذا يا والدي أطال الله في عمرك))
ارتفعت ضحكة فيصل مجلجلة وهو يخابط ابنته
((انسي ما قلته وركزي بزواجك الليلة جعلك الله قرة عين زوجك وأسعد به قلبك يا صغيرتي))
ابتسمت زوجة والدها أمينة وهي تمسح على ظهر جالا هادرة
((مبارك عليك يا جالا.. هيا الآن قومي وبملابسك هذه.. أمامنا جولة سريعة للتسوق لنشتري اهم ما ستحتاجينه بليلتك هذه قبل أن نذهب للصالون النسائي))
شهقت جالا من كلام أمينة لتسارع النظر إلى أبيها بدهشة
((أبي هل تمازحني؟ ألن أخبر أمي أولا لتساعدني هي؟))
انتفض فيصل عليها قائلا بتحذير حاد
((لا إياك أن تقولي شيئا لها الآن.. لأنني متأكد من أن والدتك ستلعب بعقلك لتغير رأيك.. أيضًا نحن لا نملك المزيد من الوقت لأي حديث أخر بهذا الظرف الحرج.. اذهبي وتجهزي مع أمينة.. أمك وهيام بعملهم وراجي بجامعته الآن.. بعد ساعات سأتولى أنا مهمة أخبارهم.. فبالأساس كل عائلتنا وأقاربنا كانت ستحضر زفاف مراد باستثناء أمك بسبب مشاكل نساء تافهة مع والدة مراد.. الآن أذهبي مع أمينة))
ازدردت جالا ريقها وشعرت بالرعب وهي ترى تورطها في الأمر بشكل حقيقي..
كما لم تحب فكرة أن والدتها لن يكون لها رأي بموضوع زواجها بل سترضخ للأمر الواقع..
تقدم فيصل من ابنته وأمسكها من كتفيها ليمسح عليهما محاولا تهدئتها خائفا أن تتراجع عن موافقتها وقد بدأ التوتر يظهر على تقاسيم محياها..
لحظات وشعرت جالا بزوجة أبيها تجرها للخارج للقيام بكل ما يجب عليهن القيام به قبل حفل الزفاف الليلة..
.
.
بعد ساعة..
وقف محمد والد مراد عند عتبة باب حجرة ابنه كان الأخر مستلقيا على سريره..
بالرغم من أن مراد كان طوال الوقت بحجرته وقد بدا خارجيا ساكنا وهادئا لا يتدخل بما يحدث حوله وكأن لا علاقة له بالأمر..
إلا أن والده يعرف أنه من الداخل يعيش بقمة توتره خاصة وأن ساعات قليلة باقية على زواجه من فتاة أخرى غير التي كان من المفترض الزواج بها..

همهم محمد وهو يدق باب حجرة مراد المفتوح ليجفل مراد على وجود والده ويعتدل جالسا على سريره لتلمس قدميه الأرض..
تفحص محمد بنظراته أبنه ليبادله مراد هو الأخر النظرات..
وعندما يأس محمد من نطق مراد بأي كلمة أو سؤاله عن شيء بينما يحدق به بجمود بادر هو بالقول بينما يشبك كفيه وراء ظهره
((مراد.. لقد خطبت لك فتاة مناسبة من والدها ووافقوا على كل شيء.. لذا وكما أخبرتك سيتم عقد القران والزفاف اليوم كما خططنا سابقا ولن يتغير أي شيء باستثناء العروس.. والاهم من ذلك كله هو أن الفتاة التي اخترتها زوجة لك تعيش معنا بنفس هذه القرية ومن نفس عائلتنا.. وتعرف عاداتنا وتقاليدنا جيدا))
هز مراد رأسه بالإيجاب لما يقول والده..
وبنفس الهدوء الذي يظهره وقد بدا غير مهتمًا أبدا بأي تفاصيل أخرى ليسأل أو يستفسر عنها..
فأردف والده محمد بعد لحظات وعينيه ما تزالان تتفحصان مراد
((من حسن الحظ أن بدلة زفاف سهر لا زالت بمكانها فأغلب الظن أن قياس فستان زفاف سهر سيكون ملائم لقياس العروس أيضا.. لذا الآن سأخبر عروسك أن تسرع وتذهب مع والدتها لنفس الصالون الذي كان من المفترض أن تذهب له سهر أيضًا))
تنهد مراد وهو يعاود هز رأسه لوالده بالموافقة وكأنه يخبره "افعل ما تشاء بدون الحاجة لإعلامي بالمستجدات أو الأخذ برأيي بأي شيء.. كالعادة.. ومثل أي شيء أخر بحياته"
ثم وبتقاسيمه الخالية من المشاعر وبنبرة تحمل السخط والتهكم بين طياتها قال مراد وهو ينتصب واقفًا من على سريره
((حسنا.. جيد يا أبي.. الآن أنا أريد أن اغلق الباب على نفسي وأخذ قسطا من النوم ولا أريد رؤية أحد حتى ادخل قاعة الزفاف.. فقط تأكد من جعل أحد بعد الزفاف بعدة ساعات أن ينهضني حتى لا استغرق بنوم عميق للغد فيظنوا أني هربت مع سهر))
مد مراد كفه يشير به لباب حجرته وهو يأمل من والده الخروج وتركه وحيدا بينما يده الأخرى ارتفعت ليمسد رأسه وقد بدأ يشعر بالصداع يغزوه وعيناه تزيغان ليغمضهما..
حدق محمد ببرود بكف مراد التي تشير للباب ثم رفع نظره لوجه مراد للحظات وهو يضيق عينيه..
لحظات وفتح مراد عيناه وانتبه على تحديق والده فعاد يبادله النظرات وهو يعقد ذراعيه أمام صدره.. والهدوء التام يحيط بهما..
تنهد أخيرا محمد وهو يعلن عن استسلامه ثم استدار ليهم بالخروج..
لكنه توقف مكانه وهو لا يزال يعطي ظهره لمراد عندما سمع صوته ينادي عليه بتردد..
همهم مراد بحرج وهو يمسح بكفه مؤخرة رأسه ثم لوى فمه ليسأل ببطء وهو يعود للتهكم
((آه صحيح أبي.. بالمناسبة.. لا أقصد أن أبدو فضوليا بشكل كبير.. ولكن.. هل أستطيع معرفة اسم عروسي وزوجتي المستقبلية والتي من المفترض أني سأعيش معها لأخر عمري؟))
أجاب محمد بتلقائية وهو يستدير نحو مراد
((أسمها جالا))
حرك مراد رأسه مصدوما للأمام بعينين متسعتين فارتسمت نصف ابتسامة انتصار على وجه والده وهو ينجح أخيرا بإخراجه من البرود واللامبالاة التي يتسلح بها ويظهرها..


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-20, 07:44 PM   #30

Hya ssin

كاتبة وقاصة بقلوب احلام


? العضوٌ??? » 450526
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 2,615
?  نُقآطِيْ » Hya ssin is on a distinguished road
افتراضي

خطى مراد بضع خطوات باتجاه والده بحاجبين معقودين قبل أن يسأله متلعثما وكأنه لم يسمع جيدا الاسم المذكور
((مــ.. من؟ من جالا؟))
انفرجت ابتسامة محمد أكثر وهو يرفع إحدى حاجبيه له بمكر ويسأله بجفاء
((لم تعلو الصدمة وجهك هكذا؟ هل عندك مشكلة باسمها؟))
نظر مراد بارتباك إليه وهو يستوعب ما أوشك على التفوّه به ليهمهم بحرج وهو يشيح بوجهه جانبًا عن والده..
عاد مراد ينظر له وهو ينفي برأسه سؤال والده.. ثم هز كتفه وهو يردف بارتباك
((لا.. لا يا أبي.. اقصد.. بكل هذه القرية لا اعرف أي فتاة تدعى جالا إلا ابنة ابن عمك فيصل))
رد محمد وهو يهز رأسه ببساطة
((نعم.. إنها هي.. وهل عندك مشكلة بذلك؟))
تسارعت نبضات قلب مراد وافترقت شفتاه يهم أن يتحدث قبل أن يسمع شهقة عالية من والدته الواقفة عند الباب وهي تضع يدها على صدرها بصدمة بعد أن سمعت اسم العروس وهي تكاد لا تصدق..
دلفت لداخل الحجرة وهي تقف مقابلة لزوجها محمد تصرخ به صوت هيستيري
((هل خطبت له جالا بنت سميحة؟ لا لا لا لا لا أخبرني أنك تمازحني.. تعرف أني لا أطيق سميحة ولا أطيق بنتيها.. لا تفعل هذا بي يا محمد أرجوك.. هل هذه البنت التي قلت عنها قبل قليل أنها تعرف عاداتنا وتقاليدنا؟))
لم يجب محمد زوجته بحرف وهو يتطلع بها بسأم وضجر..
بينما روعة بقيت تحدق بمحمد وبحدقتيها المهتزتين تتفحصه لعلها ترى علامات أن ما قاله غير جدي.. لكن لم تجد..
شعرت روعة بهلع من فكرة تخيل جالا ابنة سميحة كنة لها وزوجة لابنها الوحيد..
ابتلاها الله بمصيبة اسمها "سهر" ولأنها لم تصبر وسخطت.. ها هي تبتلي بمصيبة أكبر منها وهي.. جالا ابنة سميحة..
فاقتربت روعة من زوجها شاهقة مرة أخرى برعب وهي تتشبث به لتهتف من بين أنفاسها وهي تحاول أن تحايله ليتراجع
((أرجوك يا محمد الغي فكرة أن تخطب له جالا.. لحظة.. هل تعلم ماذا علينا أن نفعل؟ لننتظر سهر.. ربما تقرر العودة فما زال هناك وقت للزفاف.. بل لنبحث مع عائلة سهر عنها ونجدها.. لنبحث عنها جيدا.. سهر أهون بمئة مرة من بنت سميحة.. فلتعد سهر وسنسامحها على هروبها.. بل من المستحيل أن تكون سهر قد غادرت البلاد.. لا اصدق أنها الآن خارج البلاد بهذه السرعة))
أثناء ذلك كان مراد شاردا بعالمه وهو يرمش بعينيه باستمرار..
ذهنه ينطلق إلى ذكريات مشوشة قديمة من طفولته وإلى مشاعر ما تزال قابعة للآن بداخله وقد تم إشعالها فجاءة..
استحضر عقله ذكرى من هذه الذكريات..
عندما كان صغيرا جدا لا يتجاوز العاشرة من عمره..
كان هناك طفلان غيره أمامه.. أحدهما بنفس عمره.. خاتم بلاستيكي.. نظرات طفل عاشق لمعشوقته.. ووعد بأن يكون طوق أمانها وسندها حتى النهاية..
فوجد مراد نفسه يرفع بنظراته ببطء نحو والده مستفسرا بجمل غير مترابطة
((لكن.. ظننت أنها مخطوبة لابن جيرانهم.. ذاك الذي يدرس الطب بالخارج.. بروسيا.. يُدعى كارم.. أو اقصد.. لا أدري.. ربما على الأقل تحدث كارم لوالدها قبل سفره.. أقل شيء هناك مشروع ارتباط بينهما.. صحيح؟))
بعمليه أجاب محمد مختصرا إجابته
((نعم.. ذلك المدعو كارم سبق وخطبها ومحكي بهما.. ولكن بمجرد أن عاد من روسيا هذا الصيف حتى جعلهم فيصل يفسخوا الخطبة لأنه لا يريد أن يزوج أيا من بناته من خارج العائلة))
فتح مراد عينيه على اتساعهما وهو يتابع التحديق بوالده.. شيء ما بداخله جعله يتقهقر بخفوت..
إذن هل كان جاهلا أن له الأولوية بها ولطوال حياته فقط لأنه يحمل نفس دمها وأسم عائلتها؟ كلاهما من عائلة الدال..
لكن عاد مراد للعبوس وهو يؤنب نفسه..
هل رجولته كانت ستسمح أن يأخذ فتاة من حبيبها خاصة وقد كان شاهدا على وقوعهما بالحب منذ الأزل وقبل أن يتذكر حتى متى وأين؟
جفل مراد ووالده على ضحكة تهكمية خافتة تخرج من والدته وهي تضع كفيها على خصرها وتهتف ساخرة بطريقة لا تتناسب مع عمرها أو مكانتها
((وهل تصدق حقا يا أبا مراد أن والدها هو من جعله يفسخ الخطبة من ابنته؟ جميع من في القرية يدركون كم كان ابن عمك متلهفا على زواج ابنته من كارم حتى لا تبقى بلا زواج لأخر عمرها مثل شقيقتها الكبيرة.. ولكن الرفض والتراجع جاء من الشاب.. ولم قد يربط نفسه بفتاة عنيدة مثلها وهو يستطيع الزواج من احدى الجميلات الروسيات هناك؟ لقد فسخ كل ما يربطه بها ونفذ بريشه.. والآن أنت تريد من ابني مراد وحيدي المسكين أن يبتلي بفتاة مثلها))
قالت روعة الجملة الأخيرة وهي تكاد تبكي حسرة بينما مراد تقدم أكثر من والده ليمسك كتفيه بثبات..
وضع محمد عيناه بعيني مراد مباشرة ليبتلع الأخير ريقه قبل أن يطلب منه قائلا
((أبي.. أريد أن اطلب منك طلب.. هل يمكن.. اقصد.. أريد رقم هاتفها إن كان ممكنا حتى اتحدت معها بالهاتف ببعض الأمور التي بحاجة أن يتحدث بها أي اثنين مقبلين على الزواج.. أنت تعلم..))
تعمد مراد عدم نطقه اسمها وكأنه يشعر بأنه لا حق له بعد فيها حتى بنطق اسمها قبل أن تصبح ملكه وبموافقتها..
مرت لحظات استمتع فيها محمد وهو يلعب بأعصاب ابنه وقد استطاع فعلا إخراجه من حالة البرود واللامبالاة التي يدعيها بما يثيره بداخله من مشاعر الآن..
ابتسم مراد بمكر وهو يحرك رأسه هادرا بسؤال
((ولم أنت بحاجة للحديث معها؟ الليلة زفافكما ويمكن أن تشبع بها بعد الزفاف.. ما الحاجة لرقمها الآن؟))
بارتباك رافق صراع قلبه الملهوف وروحه الموجوعة قضم مراد على طرف شفاهه بقوة كاد أن يذوق فيها طعم دمائه من شدة التوتر وهو يشيح بوجهه من أمام أبيه قبل أن يجيبه بخفوت هامس
((نـ.. نعم أعلم.. اقصد أريد أن أتأكد من نطقها بالموافقة بلسانها.. أرجوك يا والدي.. أنا فعلا بحاجة لسؤالها))
لا يدري لم شعر محمد بالذنب يتسلسل إليه وهو يرى مشاعر ولده واضحة بعد أن أعلن خطبته لجالا الآن..
خاصة وأنه علم فور أن تحررت جالا من خطبة ابن جيرانهم قبل حتى أن يخطب مراد لسهر..
كان محمد يريد فعلا آنذاك أن يخطبها لابنه فهو لم يخفَ عليه ومنذ زمن الأعجاب المدفون الذي لطالما كنه مراد لها..
لكن وللأسف انتصرت مصلحة عمله على مصلحة قلب ولده ليخطب له ابنة شريكه سهر التي لطالما أظهر مراد نفورا من شخصيتها وعقلها الذي لا يتناسب معه..
وعلى ما يبدو أن هروبها بأخر اللحظات هي هدية من القدر وتصحيح لخطأ كبير كان على وشك ارتكابه..
وأخر ما يمكن فعله هو تفويت هذه الفرصة..
أنتبه محمد على زوجته روعة التي زفرت بضيق وبصوت عالي بعد أن رأت مراد لا يمانع إطلاقا على قرار والده وأن لا فرصة لها بمحاربته بقرار خطبة جالا..
غادرت روعة الحجرة عقب أن ضربت بقدمها الأرض بعنف والغضب والحنق يشتعلان بداخل قلبها..
لا تدري كيف ستمر الليلة اليوم على خير.. بل كل حياتها..
تجاهل محمد زوجته وهو يهز رأسه موافقا على طلب مراد ليبتهج قلبه وتشق ابتسامة وجهه..
لكنه ذلك لم يمنع محمد من إظهار غضبه الشديد تجاه طباعه السابقة التي لا يغيرها لذا وقبل أن يغادر تحدث ببرود موبخا مراد بقسوة
((حسنا.. وبينما أذهب أنا لوالدها لنتفق على المهر وكل أمور الرجال الأخرى.. تصرف أنت كعادتك بسلبية ولا تدخل بما يدور حولك حتى ولو كان هذا الأمر يتعلق كليا بك وبمصير حياتك.. هيا اذهب وأغرق بنومك))
لم يهتم مراد لأخر كلمات والده وهو يبتسم نصف ابتسامة بشرود وكأنه لا زال لا يصدق أي شيء..
ولن يصدق أي شيء إلا عندما ينتهي الأمر ويكون متواجد معها بمكان واحد لوحدهما..
همس لنفسه بعد خروج والده تماما وهو يجلس على سريره
((أي نوم قد يجافيني يا أبي الآن.. أي نوم!))
===============================================
انتهى


Hya ssin غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:37 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.