آخر 10 مشاركات
499 -أكثر من حلم أقل من حب- لين غراهام -دار الفراشة ( كتابة /كاملة ) (الكاتـب : Just Faith - )           »          بين أزهار الكرز (167) للكاتبة Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          حنينٌ بقلبي (الكاتـب : عمر الغياب - )           »          ذنوب مُقيدة بالنسيان *مكتملة* (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          بقايا روحي / للكاتبه ملكة الليل ، مكتملة (الكاتـب : taman - )           »          الشمس تشرق مرتين (43) للكاتبة:Jacqueline Baird *كاملة+روابط* (الكاتـب : najima - )           »          لا تتركيني للأوزار (الكاتـب : تثريب - )           »          غريب الروح * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : Heba aly g - )           »          ثَأري..فَغُفْراَنَك (الكاتـب : حور الحسيني - )           »          إلا أنت-قلوب أحلام زائرة-للكاتبة الرائعة:ايمان صقر *كاملة+روابط* (الكاتـب : Eman Sakr - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات القصيرة المكتملة (وحي الاعضاء)

Like Tree2Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-08-20, 06:52 PM   #41

الكاتبة ايمان جمال

? العضوٌ??? » 476288
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 33
?  نُقآطِيْ » الكاتبة ايمان جمال is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الخامس


الوقت الحالي
السجن..
صمتت شهلاء فلم تنطق وداد احتراما لذكرياتها حتى استطردت شهلاء بملامح متغضنة من الألم
" مع انتهاء ذلك العام كان موت العم محروس . تركني و ذهب "
رفعت وداد حاجبها تتطلع بترقب ، تحاول الآن أن تتخيل وضع شهلاء وقتها عندما توفي الرجل و تركها ، خاصة و علاقتها برحيم وقتها كانت غير واضحة الملامح ..
التزمت وداد بصمتها تتأمل ملامح شهلاء بنظرة عملية تحاول أن تتخيل ملامحها و ردة فعلها ليلة وفاة محروس..
.................................................. ..........................
منذ عدة سنوات ..
في صالة الشقة الضيقة التي تستأجرها شهلاء منذ وصولهما إلى المدينة ، تجلس متوسطة السيدة نبيلة و سوسن التي أسرعت إليها فور سماعها للخبر وتركت رضيعها مع حماتها.
اقتربت نبيلة تهمس لها بتأثر
" إبكِ يا بنيتي، لا تحبسي دموعك حبيبتي ،ستمرضين بهذه الطريقة.
رحمه الله كان مريضا ويعاني كل ليلة فأمر الله الآن له بالراحة يا شهلاء "
تتحدث نبيلة بينما شهلاء على نفس جمودها الصامت، قلقت سوسن للغاية و جذبتها إلى حضنها بدون أي اعتراض من جانب الأخرى الصامتة التي تفاجأت بنفسها بين ذراعي صديقتها..
تجمد جسدها للحظة تستوعب أن أحدهم يحتضنها، هي شهلاء تشعر بدفء و احتواء و حلاوة أن يحتضنها أحد، يشعر بمصابها ويريد أن يواسيها ويدعمها بصدق.
تحكمت بها غصتها وغمرتها رائحة الفقد و مرارة الخوف فانطلقت دموعها تركض من بين شهقاتها التي تحررت كصرخات مدوية على صدر صديقتها ..
تشهق بقوة متذكرة جسد محروس الساكن على فراشه بلا أي حول له ولا قوة ..
تتذكر أيامه معهن في الدار.
مساعدته لكل الفتيات ولها هي تحديدا ، فقد ترك كل شيء خلفه و أتى معها فور أن طلبت ..
تبكي أنيس وحدتها و رفيق يتمها..
لم يكن يفارق فراشه إلا مرات نادرة لكنه كان لها ككنز ثمين تحتفظ به و يعزز نفسها ..
كم تمنت لو تحسن حالها و استطاعت أن تعالجه في أكبر و أشهر الأماكن .
كم تمنت لو استطاعت أن تقدم له حياة أفضل، كل ما استطاعت فعله هو أن تشترى له هو الفراش بينما تحتفظ بالفرشة الأرضية لنفسها.
كل ما استطاعت فعله أن توفر له ما يحتاجه من أدوية والقليل من الطعام والملابس.
....
تتأوه بصوت عالي و صورته لا تفارق خيالها.
لم تجرب شعور العائلة لكن بموته ذاقت بعضا منها ، فتشعر الآن و كأن والدها هو من توفي بالفعل..
ربتت سوسن على ظهرها وتركتها تبكي و تنوح حتى أفرغت كل ما في صدرها ليدلف عبد الغفور وقتها بعد أن تنحنح يعلن عن وجوده قبل أن يدلف إلى الشقة عبر بابها المفتوح.
واساها و ربت على رأسها برفق و حنان .
جلس معهن قليلا ليفصح بعدها عن بعض الأشياء
" جهزي نفسك شهلاء فسترافقيني الليلة لتبقي في منزلي برفقة نجوان حفيدتي، فهي تعيش معي هي ووالدتها بعد وفاة إبني كما تعلمين.
ولتكوني على بينة من الآن فأنت ستأتي معي ولن أقبل أي اعتراض يخص هذا الأمر فلا تتعبي نفسك "
حاولت أن تجادل و ترفض لكن عبد الغفور لم يعطها أي فرصة بل هتف فيها بنزق
" ما صلابة الرأس هذه ؟!!
يكفيني أن نفذ رحيم ما برأسه و لم يوافق أن يشاركه أي أحد في مصاريف العزاء و الإجراءات، وتكفل وحده بكل شيء "
رفعت شهلاء وجهها الباكي تتطلع إليه بتعجب بينما تخبره نبيلة بإعجاب
" هذا الشاب لا مثيل له في ذوقه و شهامته يا سيد عبد الغفور، تعجبني أخلاقه للغاية "
أومأ برأسه يوافقها و يخبرها
" وظل واقفا على قدميه حتى انتهى العزاء وكأنه ابن محروس رحمه الله.
أوصاني أن أنقل لك تعازيه يا بنيتي لأنه استحى أن يدلف إلى هنا برفقتي "
ابتسمت شهلاء من بين دموعها بشجن شديد وهي تدرك رحمة ربها بوجود رحيم بجانبها في مثل هذا الوقت ..
.......
جمعت بعض أغراضها الخاصة تحت إلحاح من الجميع و ذهبت مع عبد الغفور الى منزله لتستقبلها نجوان ووالدتها بمحبة و طيبة و تأثر بحالها.
تناولت القليل جدا من الطعام حتى لا تحزنهم و التجأت إلى خالقها تصلى و تدعو لمحروس بالمغفرة ..
تمددت بعدها على الفراش المواجه لفراش نجوان التي ظلت مستيقظة تنتظرها حتى لا تتركها تسهر بمفردها في ليلة كهذه بعد وفاة العم محروس.
همست تسألها إن كانت تحتاج إلى أي شيء، فشكرتها شهلاء بخفوت و صوت مجهد مبحوح ..
أخذهما الحديث الهامس بعدها و امتد إلى وقت طويل تعمدت نجوان خلاله أن تبعد تفكير شهلاء عن الوفاة والحزن .
نجوان في السابعة عشر من عمرها لكنها دائما تتعامل بنضج و عقلانية أكبر من سنها.
أحبتها شهلاء من قبل أن ترها بسبب ما يحكيه عبد الغفور يوميا عن أخلاقها و طباعها الجميلة، والآن وهي تثرثر معها أحبتها أكثر و أكثر فيبدو أنها طيبة القلب و جميلة المعشر كما يقول جدها عبد الغفور..
أخذهما الحديث حتى ذكرت نجوان ما جذب انتباه الأخرى .
تحدثت عن فتاة يتيمة نشأت في ملجأ قريب من السوق تقدم للزواج منها شاب يتيم نشأ و تخرج من أحد دور الأيتام أيضا.
تأثرت شهلاء و امتلأتا عيناها بالدموع وقد غلبها الحنين إلى فتيات الدار .
اشتاقت لهن وقد زرعت السيدة بهجة في داخلهن جميعا أنهن عائلة واحدة يجب عليهن حب بعضهن وأن تحرص كل واحدة على صالح الأخرى ..
تتساءل عن مصير كل فتاة منهن و أين انتهى بهن قطار الحياة .
وتبكي فرحة من أجل تلك الفتاة التي تتحدث عنها نجوان فهي أكثر من تعلم عن فرحتها الآن وقد وجدت من يريد أن يشاركها حياته بعد أن ظلت بلا عائلة لسنوات طويلة..
.....
انتبهت إلى حديث نجوان المتحمس
" علم أهل الحي بالمشكلات التي تقابلهما وتحول ضد إتمام الزواج فأسرع كل واحد يعرض ما يستطيع المساعدة به .
كنت أنا و أمي و جدي في هذه الجلسة منذ ما يقرب العام عندما أصر شاب اسمه رحيم أن يتولى هو أمر تجهيز العروس بكل ما يلزمها حتى أنه تكفل بشراء كل الأجهزة الكهربائية أيضا بجانب احتياجات العروس"
شهلاء تستمع إليها بعينين متسعتين بذهول دون أن تنطق ، بينما تكمل نجوان بحماس أكبر
" هل تصدقين أنه اشترى لها ذهب أيضا؟؟!
يتعامل بالفعل وكأنها شقيقته ويجب أن تتزوج ومعها ذهبها بجانب ما سيشتريه لها العريس ..
ليلتها عرض أكثر من شخص أن يساهم معه في تجهيز العروس لكنه رفض و استأذن منهم أن يفعلها بمفرده .
أعلنها صريحة ، أنه شقيق العروس وسيبقى سندا لها وقتما تحتاج.."
لم تنتبه نجوان إلى حالة شهلاء المتصلبة تستمع إليها بنفس الذهول و استطردت بفرحة غامرة
" حفل عرسهما غدا بإذن الله ، اااه يا شهلاء لو رأيت الفتاة و سعادتها، شقتها رائعة ولا ينقصها شيء ، وملابسها جميلة وليست من النوع الرخيص ..
الحي بأكمله يحكى عنها وعن رحيم الذي لم يبخل عليها بأفضل التجهيزات..
رأيت فستانها بالأمس ، فستان رائع يا شهلاء "
تكمل نجوان الوصف و تفاجئ بالأخرى التي انفجرت في البكاء فجأة بدون أي مقدمات ..
أسرعت نحوها تحتضنها و تواسيها ببعض الكلمات ظنا منها أنها تبكي وفاة محروس.
لا تعلم أن شهلاء تبكي من الفرحة ..!!
لا تصدق أنه فعل كل ذلك من أجل فتاة يتيمة ..
بل لا تصدق أن يفعلها أي أحد من أجل من تربوا و نشأوا في دور الأيتام.
كانت تظن أنهم لا يشعرون بوجودهم من الأساس ، و إن شعروا فلن يكلفوا نفسهم أي عناء في مساعدتهم..
هي أكثر من يستطيع الآن تخيل مدى سعادة تلك اليتيمة التي وجدت من يقف بجانبها ويغدق عليها من كرمه و أخلاقه العالية ، بعد سنوات ذاقت فيهم مرارة اليتم و قهر الاحتياج..
.....
هدأت بعد بكاء طويل وبعد أن اطمأنت نجوان لتحسنها..
اوهمتها بأنها خلدت إلى النوم فاستسلمت نجوان إلى النوم غافلة عن شهلاء التي كانت تبحث عن طريقة تتحدث بها مع رحيم..
تحتاجه الآن بشدة ..
تريد أن تستمع إلى صوته او تقرأ كلماته فتهدأ روحها و يسكن قلبها.
تشعر ببعض الغيرة الطفولية من اهتمامه بتلك الفتاة..
تناولت هاتفها لتجد أن الفجر قد اقترب.
خجلت بداية الأمر لكنها كانت في أضعف حالتها و تحتاج إليه حقا ..
فتحت رسالة و احتارت ماذا تكتب ..
كل ما تعرفه أنها تريد حنانه ذلك الذي يغدق به على الجميع ، تشتاق لأن تجربه.
لم تجد ما تكتبه فوجدت نفسها تكتب اسمه في الرسالة و ترسلها هكذا
-رحيم .
وكأن اسمه وحده يكفيها ويكفي أن تعبر به ..
بضعة لحظات و كانت تستقبل رسالته
- كيف حالك الآن يا شهلاء؟ البقاء لله، إن كنت تبكين فتوقفي و أدعى له بالرحمة والمغفرة فلا أحد له الآن سواك. كم أردت أن أطمئن عليك اليوم ، لكني اوصيت السيد عبد الغفور عليك وطمأنني أنه لن يتركك و سيصطحبك إلى منزله ، كما أخبرني أنه لن يتركك تعودين إلى شقتك أبدا لكني أخشى أن ترفضي.
ارجوك يا شهلاء لا تعودي إلى شقتك حتى لا تبقي بمفردك ، ابقى مع أسرة السيد عبد الغفور حتى نتزوج بإذن الله و أعدك أن لا أتأخر، فقط يمر بعض الوقت على الوفاة .
فقط سأنتظر حتى تمر بضعة أيام وبعدها سأفاتح السيد عبد الغفور و أخبره عن رغبتي في الزواج منك حتى أستطيع أن أطمئن عليك و أتابع أخبارك حتى موعد عقد القران بإذن الله.
تبتسم ووجهها مغطى بالدموع..
كتب كل شيء مرة واحدة و كأنه كان ينتظر الحديث معها ..
كلماته كانت كالبلسم الرطب كما توقعت .
اتسعت ابتسامتها الباكية و احتضنت هاتفها بجوع لاحتواء صاحب الكلمات .
مازالت تشعر أنها في حلم كبير جميل تتوق بشدة لأن لا تستيقظ منه أبدا.
أرسل لها رسالة أخرى
-هل ما زلت هنا يا شهلاء ؟
أجابته برسالة
-نعم ،أنا هنا ولن أذهب إلى أي مكان
كانت جرأة منها أن تكتب هذه العبارة لكنها تذكرتها وقد كتبتها في إحدى رواياتها، شعرت أن رحيم هو من يستحق أن تقال له أكثر من ذلك البطل الخيالي لتلك الرواية .
إن كان الأمر بيدها أو إن كان الوقت يسمح لكتبت له مالم تكتبه يوما ،فلمثله خلق الكلام و نظمت الأشعار...
...
رسالة أخرى منه
- هل توافقين على ما قلته ؟
أجابته بالموافقة فأرسل إليها برسالة أخرى
- هل إن طلبت منك أن لا تذهبي الى العمل و أن تستريحي بما أنني هنا ، وواجب عليّ أن اتكفل بك و بكل طلباتك بحكم أنك ستصبحين خطيبتي وبعدها زوجتي بإذن الله، هل سترفضين ؟
ابتسمت مرة أخرى من بين دموعها و فكرت قليلا قبل أن ترسل له بما تبادر إلى ذهنها، فهي تريد أن تعمل وتتقاضى أجرها حتى وقت زواجها.
لن يكون مبلغ كبير لكنه سيمكنها من شراء ملابس جديدة على الأقل.
نقودها كانت تنفقها على علاج العم محروس و ايجار الشقة ، يمكنها الآن أن تنفقهم في شراء بعض مما يلزمها..
- يعز عليّ أن أرفض لك طلبا يا رحيم ، لكني أحتاج إلى العمل في الوقت الحالي .
أحتاج لأن أخرج و أجد ما يشغلني خاصة وأنني سأمكث في منزل ليس منزلي ولا أريد أن اخنق حريتهم طيلة اليوم .
أرجو أن لا تغضب مني
انتظرت قليلا حتى أرسل لها
- حسنا كما تريدين ، أتفهم ما تقصدينه. كل ما أستطيع فعله أن أدعو الله أن يتم زواجنا في أقرب وقت بإذن الله. إنتظري حتى تصلي الفجر ثم إلى النوم مباشرة يا شهلاء فاليوم كان متعب وطويل عليك . ضعي في رأسك و ثقي أنك لست بمفردك و أنني هنا في أي وقت إن شاء الله. تصبحين على رضا الرحمن
احتضنت الهاتف مرة أخرى و دموعها مختلطة بابتسامتها يشاركونها جمال هذه اللحظات .
يشاركونها إعلانها الهام والخطير، فبداخلها في تلك اللحظة كان أصوات عالية تدوى وتهتف وتعلن أنها شهلاء......تحب.
أحبت رحيم و انتهى الأمر..
........................
بعد مرور ثلاثة أيام.
لم تغادر غرفة نجوان إلا قليلا جدا طيلة هذه الأيام ، لا تغادر سوى من أجل الحمام او استقبال من تريد أن تواسيها ، حتى الطعام تتناول منه القليل برفقة نجوان في غرفة الأخيرة التي لاحظت خجلها الشديد من أن تتناول طعامها مع الجميع فقررت أن تشاركها فيه بغرفتها..
طلب عبد الغفور أن يتحدث معها فخرجت له و جلست أمامه تتطلع إلى الأرض بحياء.
شكرته على استقباله لها في منزله ، و أخبرته عن رغبتها في أن تعود إلى العمل في متجر السيدة نبيلة.
ابتسم الرجل و شاكسها
" كفي عن شكري يا فتاة ، كلما ترين وجهي لا تتفوهين إلا بالشكر وتلك الكلمات الثقيلة . هذا بيتك و أنا جدك كما سبق و أخبرتني، حتى أن أحدهم تقدم لي ليخطبك مني "
رفعت رأسها تتطلع إليه وعندما رأت المشاغبة والمشاكسة على وجهه خجلت بشدة و أخفضت رأسها سريعا.
ضحك عبد الغفور و أخبرها ببعض الجدية عن رحيم الذي فاتحه اليوم عن رغبته في الزواج منها.
تفرك كفيها بقوة والخجل يسيطر عليها بتحكم شديد ، رحيم فعلها حقا و نفذ ما وعد به.
أخبرها عبد الغفور عن رغبة رحيم في أن يتم الزواج في أقرب وقت إن وافقت على الأمر من الأساس.
سألها عن رأيها فأخبرته كما أخبرته وقت أن تقدم إبراهيم لخطبتها، أخبرته أنها توليه أمر زواجها وليفعل ما يراه في صالحها .
تحدث بحنان أبوي أثر فيها
" والله يا شهلاء إن كان تقدم للزواج من حفيدتي ما كنت سأفرح كفرحتي اليوم وهو يخطبك مني . الطيبون للطيبات يا شهلاء و رحيم من أفضل و أصلح شباب الحي ، سأكون مطمئن عليك وأنت في بيته. بارك الله لكما بنيتي وأتم زواجكما على خير ."
دعاؤه و حديثه عن الزواج جعلاها تدرك أن الأمر حقا أصبح حقيقة .
ارتجفت بشدة واغمضت عينيها تحاول أن تتزن نفسيا و بدنيا، و..........حدث كل شيء بسرعة.
.................................................. ...............................
الوقت الحالي..
غرفة السجن..
سألتها وداد بهدوء
" ما الذي حدث بسرعة ؟ "
ولأنها اعتادت على صمت شهلاء الطويل قبل أي إجابة، فانتظرت بصبر اعتادت عليه حتى نطقت الأخرى
" عدت إلى عملي ، وعدت إلى مراقبته عن بعد.
مراقبته يعمل و مراقبة ملامحه الجدية السمحة كانتا كالإدمان اللذيذ بالنسبة لي .
بعد أربعين يوم من وفاة العم محروس كان بصحبة والدته في منزل السيد عبد الغفور يخطبني بصورة رسمية.
وكانت أول مرة أرى فيها والدته ، جلست معي انا ونجوان ووالدة نجوان في غرفة جانبية، بينما يجلس الرجال في المقعد الكبير بجوار باب الشقة.
طيبة ويبدو عليها الحكمة والتعقل كما علمنا عنها ، لكن ما كان واضحا مهما حاولت هي إخفائه أنها غير راضية عن هذه الزيجة .
حاولت أن تتعامل بطريقة طبيعية و حاولت أن ترسم ابتسامة لطيفة على وجهها لكنها لم تنجح في إقناعي.
شعرت بها وبرفضها، وللغرابة، وافقتها في رفضها ذاك و قدرت موقفها، ولمزيد من الغرابة، غضضت بصري عن ذلك و تعاملت و كأنني أصدق أنها ترحب بما يحدث و توافق عليّ زوجة لابنها. "
تطلعت نحو وداد و نظرت إلى عينيها بقوة، تسألها بنبرة أكثر قوة
"ألن تسأليني عن السبب؟!"
احتفظت وداد بملامحها العملية و بنبرتها العادية وهي تجيبها
" لماذا فعلت ذلك وقتها؟ "
اشاحت شهلاء بوجهها و أجابت
" تغلب عليّ الجزء الأناني بداخلي وقررت أن لا أتنازل عن فرصتي التي منحها لي القدر . قلت لنفسي ' حتى وإن كرهتني و عاملتني بطريقة سيئة، أفضل من أن أجد نفسي في الشارع بمفردي و تنهشني الضباع '.
قررت أنني سأتحمل ' فمن تربى في دار الأيتام معتاد على التحمل مهما حدث '.
قررت أن أحاول أن اجعلها تحبني وترضى عني ' فهذا ما يفعله الأيتام طيلة الوقت ، يحاولون إرضاء من يعطف عليهم ويدخلهم بيته '. "
صمتت شهلاء و احتفظت وداد بصمتها حتى عادت الأولى لتستطرد بعد حين
"تمت الخطبة و علمت من نجوان أن رحيم كان يريد التكفل بكل ما يخص الزواج لكن السيد عبد الغفور أصر على أن يهاديني ببعض الأشياء ووافق رحيم أمام إصراره الشديد .
بالطبع تم الاتفاق على عدم إقامة حفل زفاف فلم يكد يمر على وفاة العم محروس سوى القليل جدا ، وأخبرني رحيم أننا سنعيش مع والدته في نفس الشقة التي يقيمان بها. جدد الكثير في الشقة و قام بشراء غرفة نوم جديدة ."
اشتد بها الشجن قبل أن تكمل
" فوجئت بوالدة نجوان تفتح أمامي حقيبة متوسطة الحجم وتخرج منها ملابس جديدة متنوعة بين بيتية و أخرى للنوم ، حتى أنها اشترت لي ثلاثة جلابيب كالتي ارتديها وقت الخروج. تلك السيدة اغدقت عليّ بحنانها و كرمها منذ أول يوم دلفت فيه إلى بيتها . ذكرتني بالسيدة بهجة وبجمال روحها. "
صمتت مرة أخرى بينما تراقب وداد كل ذلك بتركيز شديد ..
الابتسامة المريرة المختلطة بالشجن علت وجه شهلاء مرة أخرى وهي تستطرد بخفوت
" وكان يوم الزفاف ، بعد أن طلبت من العم عبد الغفور أن يتم عقد القران بعيدا عن مسجد الحى حتى لا يعلم الناس أن محروس لم يكن والدي .
وافقني و أخبر رحيم و تم العقد صباحا في مسجد الحى المجاور بدون حضور أي أحد. "
اتسعت ابتسامتها و زاد شجن ملامحها قبل أن تستطرد
" ارتديت فستان العروس الأبيض الذي اشتراه رحيم لي .
ساعدتني نجوان في ارتداء الحجاب و الطرحة المشغولة بالفصوص البراقة.
لن يفهم أحد قيمة ذلك لدى فتاة يتيمة . لن يدرك أحد مدى جمال الأمر و روعته لفتاة تربت على الحرمان والقهر ، كانت أسعد لحظات حياتي وأنا أتطلع إلى نفسي في المرآة و أراني....عروس بالأبيض "
اتسعت ابتسامتها أكثر قبل أن تضيف
" كادت نجوان أن تفقد عقلها عندما قررت أن لا أتزين.
نعم ، كنت عروس بلا أي زينة في وجهي، مجرد دهان مرطب للبشرة و ملمع شفاة بسيط . في حياتي كلها لم يسبق لي أن تزينت، وليلتها قررت أن أتزين له وحده فقط ما تبقى من حياتي . أخبرتها أنني سأتزين له في منزلنا بعد أن أخلع حجابي و أفرد خصلات شعري ."
.................................................. ................................

منذ عدة سنوات..
منزل عبد الغفور..
ليلة الزفاف..
في الغرفة الجانبية تجلس بفستانها و حجابها الأبيض يحيط بوجهها المشرق الخالي من أي زينة بين بعض سيدات و فتيات الحى من أردن الاحتفال بها وإسعادها حتى وإن لم يكن هناك حفل .
والدة رحيم ' تهاني ' تجلس معهن بنفس الملامح المتصنعة للفرحة، بينما يجلس رحيم مع بعض رجال وشباب الحي في صالة المنزل الواسعة .
يجلس مبتسما بحياء رجولي يزين وجهه ،جاره في السوق يجلس بجواره و يهمس له كل حين بما يزيد من احمرار أذنيه.
...
انتهى ذلك الاحتفال البسيط وعلمت من نجوان أن رحيم في طريقه إلي الغرفة ليصطحبها فارتجفت وتوترت للغاية واستقامت تقف وسط ضحكات الجميع من خجلها و ردة فعلها الطفولية ..
دلف إلى الغرفة وسط تهليل النساء فابتسم يحييهن بإيماءة من رأسه ،وجهه مبتسم يحاول أن يغض بصره عنهن دون أن يحرجهن، بينما تكاد تذوب هي من شدة الخجل والقلق.
تتطلع نحوه يقترب منها بهدوء و ابتسامة رجولية مهذبة فينبض قلبها و يصرخ باسمه رغم ارتجافها الشديد.
تراجعت خطوتين إلى الخلف لتوقفها الشرفة من خلفها وسط ضجيج الضحكات التي تهتف بخجل العروس المبالغ فيه .
شخصية الكاتبة بداخلها دفعتها لأن ترفع وجهها حتى تراه.
لا تريد لهذه اللحظة أن تضيع بسبب خجلها و توترها، تريد أن ترى انعكاس صورتها في عينيه عندما تقع عليها نظراته ويراها بفستانها الأبيض تنتظر.....عريسها.
رفعت وجهها لتقابلها نظراته الشغوفة التائقة، نعم هي كما تخيلتها مرارا و كتبت عنها في رواياتها.
ترى الرضا والفخر يسكنان ملامحه، إذن أعجبته فكرة أن لا تتزين لأحد سواه، هل فهمها هكذا حقا أم أنها فقط تتوهم؟!
خيم عليها بجسده و ارتفعت كفاه تلمسان كتفيها فيهبط بوجهه يقبل أعلى رأسها بخفة.
كل ذلك وهي غائبة في دنياه هو وكأن العالم من حولها اقتصر عليه فقط ،حتى أنها لم تشعر بنفسها إلا وهي تخطو بجانبه ليغادرا الغرفة والمنزل بأكمله..
دقائق بعدها وكانت بجانبه على الأريكة الخلفية في سيارته الصغيرة يقودها أحد الشباب نحو منزل رحيم ..
شعرت به يتمسك بكفها ويحتضنه بأصابعه الدافئة ، وكان ذلك أول تلامس حسي بينهما تشعر من خلاله ببشرته و حرارة جسده فتضخم توترها و بدأت تشعر ببعض التشنج..
سحبت كفها من بين أصابعه و اشاحت بوجهها إلى الجانب الآخر، تسأل نفسها إن كان سيحدث ما كانت تخشاه.
لم يغمض لها جفن الليلة الماضية وهي تدعو وتبتهل أن تكون عروساً طبيعية مع زوجها.
حاوطها الذعر من أن يؤثر عليها ما حدث في الماضي.
قرأت آيات الله فهدأت و أخذت تقنع نفسها أن رحيم شخص جيد ولن يؤذيها وأن والدته معهما في الشقة فلن يسيء إليها في وجودها، ويمكنها أن تلجأ إليها في أي وقت..
......
غارقة في شرودها و دوامة أفكارها فلم تشعر بوصول السيارات إلى منزل رحيم ووقوف الجميع لتهنئتها قبل أن يغادروا..
ودعتهم بذهن مشغول ورؤية مشوشة ..
لم تعِ حقا وتدرك ما يحدث حولها سوى بعد أن أغلق رحيم الباب فتطلعت حولها لتجد نفسها معه ، هما فقط .
استبد بها التوتر و ذاب الخجل
تصلب جسدها و ابتلعت ريقها بصعوبة تسأله عن ........حماتها؟!!
ابتسم باتساع و حملت لهجته وملامحه بعض الشقاوة التي لم يسبق لها وأن رأتها منه أبدا.
" حماتك رأت أن تترك لنا الشقة اليوم حتى نكون على راحتنا ، فالليلة هي ليلة زفافنا يا حبيبتي "
غمز بعينه فدب الرعب بها خاصة وهي تدرك خلو الشقة إلا منهما..
اقترب منها بلهفة وبمجرد أن لمستها أصابعه صرخت رغما عنها.

نلقاكم غدا مع الفصلين 6+7




الكاتبة ايمان جمال غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-20, 07:17 PM   #42

الكاتبة ايمان جمال

? العضوٌ??? » 476288
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 33
?  نُقآطِيْ » الكاتبة ايمان جمال is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 13 ( الأعضاء 6 والزوار 7)
‏الكاتبة ايمان جمال, ‏fatima94, ‏همس حائر, ‏همس البدر, ‏الذيذ ميمو, ‏المياس


الكاتبة ايمان جمال غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-20, 08:27 PM   #43

fatima94
 
الصورة الرمزية fatima94

? العضوٌ??? » 462876
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » fatima94 is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 20 ( الأعضاء 5 والزوار 15)
‏fatima94, ‏سوووما العسولة, ‏blue fox, ‏المياس, ‏همس حائر


fatima94 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-20, 08:30 PM   #44

fatima94
 
الصورة الرمزية fatima94

? العضوٌ??? » 462876
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » fatima94 is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 18 ( الأعضاء 4 والزوار 14)
‏fatima94, ‏blue fox, ‏المياس, ‏همس حائر


fatima94 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-20, 08:32 PM   #45

fatima94
 
الصورة الرمزية fatima94

? العضوٌ??? » 462876
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » fatima94 is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 17 ( الأعضاء 4 والزوار 13)
‏fatima94, ‏blue fox, ‏المياس, ‏همس حائر


fatima94 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-20, 08:35 PM   #46

fatima94
 
الصورة الرمزية fatima94

? العضوٌ??? » 462876
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » fatima94 is on a distinguished road
افتراضي

رحيم الشاب الشهم وراه سر غامض لكنه يحمل كل معاني الشهامة حسب ما بدر منه
أشكرك على الموازنة بين وصف احتياجها له كيتيمة ووصف مشاعرها الفتية تجاهه و الابتعاد عن الرومانسية المبالغ بها و الحالمية المزيفة حقيقة استمتعت جدا بقراءة خلجات نفسها بكل موقف سلمت يمناك


fatima94 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-20, 08:38 PM   #47

fatima94
 
الصورة الرمزية fatima94

? العضوٌ??? » 462876
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » fatima94 is on a distinguished road
افتراضي

العم عبد الغفور و رحمته و احتواءه كان شعور رائع
ربنا رحيم بعباده


fatima94 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-20, 03:35 PM   #48

Nsreen.

? العضوٌ??? » 458853
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 1
?  نُقآطِيْ » Nsreen. is on a distinguished road
افتراضي

مبدعه دكتورة ايمان

Nsreen. غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-20, 06:00 PM   #49

الكاتبة ايمان جمال

? العضوٌ??? » 476288
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 33
?  نُقآطِيْ » الكاتبة ايمان جمال is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 6 ( الأعضاء 3 والزوار 3)
‏الكاتبة ايمان جمال, ‏nourou, ‏Nsreen.


الكاتبة ايمان جمال غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-20, 06:02 PM   #50

الكاتبة ايمان جمال

? العضوٌ??? » 476288
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 33
?  نُقآطِيْ » الكاتبة ايمان جمال is on a distinguished road
افتراضي

الفصل السادس
الوقت الحالي
غرفة السجن
عندما طال صمتها سألتها وداد في محاولة منها لأن تخرجها من صمتها ذلك
" لماذا صرخت وقتها يا شهلاء؟ هل كان عنيفا معك مثلا؟"
ارتسم تعبير غريب على وجهها 'احتارت وداد في تفسيره' قبل أن تجبها
" منذ زواجنا لم يكن عنيفا معي أبدا.. حتى في تلك الليلة عندما ..كدت أن أقتله ، أبدا لم يفعلها "
تحفزت كل خلية بجسد وداد وهي تستمع إلى ذلك ' هل حقا كادت أن تقتله؟!!
لماذا قد تفعل ذلك؟
وماذا كانت ردة فعله؟!!'
لكنها 'وبعملية المحترفين' تحكمت في ملامحها وصمتت تنتظر أن تفضي الأخرى كما تشاء، ولم تتأخر شهلاء ، لكنها لم تتحدث عن ذكرى القتل تلك ، بل عادت لتكمل ذكرياتها عن ليلة زفافها..
.................................................. ............................

منذ عدة سنوات..
منزل رحيم..
ليلة الزفاف..
اقترب بلهفة عريس يجتمع بعروسه لأول مرة بعد أن أصبحت امرأته و حليلته، لكن عروسه لم تكن كأي عروس ، عروس تعرضت قديما وفي مرحلة عمرية حرجة وخطيرة لصورة من صور الاعتداء واستغلال الفتيات الصغيرات ، فبالطبع لن تكون ردة فعلها كأي شيء قد يكون توقعه في حياته ..
مد كفه يحاول أن يحتضن وجهها برفق لكنها تذكرت ... ارتعبت...صرخت.
صرخة صغيرة خافتة لكن ملامحها المذعورة هي ما هالته حقا ..
لم تكن شهلاء في كامل تركيزها او في حالتها الطبيعية حتى تدرك و تسجل ما يفعله، لكنها تقسم بأنها رأت الجزع و القلق يغرقا ملامحه.
سحب كفه وسألها برفق بعد أن ذكر اسم ربه
" بسم الله الحافظ، ما بك يا شهلاء؟
اهدئي حبيبتي ، لا تخافي مني "
أخذ يردد بعض الكلمات المشابهة و تطلع حوله و تحرك يحضر كأس من الماء لتشربه، وكم كانت تحتاج إلى هذه الدقائق حتى تهدأ وتتمالك نفسها..
أخذت منه الكأس بأصابع شديدة الارتجاف و بدأت تشرب ببطء شديد حتى تأخذ كامل وقتها..
تريد أن تشتم نفسها على ما فعلته.
ها هي تخرب ليلة زفافها بيديها!!
فكرت في أن ذعرها و غباءها سيجعلاه يشك بها بالطبع..
بينما تحاول أن تعود إلى طبيعتها وجدته يضع كفه بحذر فوق رأسها ليبدأ في تلاوة الرقية الشرعية و الكثير من آيات القرآن الكريم بصوته الرخيم الذي تعشقه فهبطت السكينة على صدرها رويدا رويدا..
رفعت وجهها تتطلع إلى وجهه بخفر متوقعة عبوسه و غضبه، لكنها تفاجأت بملامحه البشوشة..
وجدته ينظر نحوها باهتمام تحول إلى ابتسامة عندما رأى نظراتها .
همس يسألها
" كيف حالك الآن؟
هل هدأت قليلا؟"
اغرورقت عيناها بالدموع تأثرا باهتمامه و حنانه.
من قضى حياته محروما مثلها هو اكثر من سيشعر ويتأثر بأي بادرة حنان ..
خجلت من نفسها أكثر، فرحيم يستحق ليلة زفاف أفضل من ذلك بكثير ، بل ويستحق عروس نظيفة لم تدنسها الأيدي أو تنهكها الكوابيس و يقتات الذعر على روحها..
حاولت أن تبتسم وتهمس له بامتنان شديد
" أنا بخير طالما أنت هنا بجانبي يا رحيم حفظك الله لي و أدامك الله بجانبي طيلة العمر ،ولا حرمني منك أبدا . اااه لو تعلم مقدار غلاتك لدي "
اتسعت ابتسامته و أشرق وجهه بعد أن كان شاحبا من القلق عليها..
" لا أصدق، كل هذا الحديث الجميل من أجلي أنا؟!
ما كل هذا الرضا؟!!"
همسها بنبرة ثقيلة ونظرات براقة، خبرتها المتواضعة للغاية لم تسعفها وقتها لتفهم ما يشعر به تجاهها لكنها استطاعت أن تدرك رغبته بها بطريقة ما ، فخجلت و عاد إليها بعض التوتر خوفا من اقتراب حتمي بينهما ..
يبدو أنه شعر بتوترها ذاك فسألها بنبرة حنونة
"لا تخافي مني يا شهلاء . لن اؤذيك أبدا، ثقي في ذلك."
أسرعت تنفي بلهفة
" لا يا رحيم، أبدا أبدا لا أخاف منك .
أنا فقط...لا أعلم كيف اشرح لك لكني ....اعتذر منك يا رحيم "
عجزت عن الوصف فأخبرها بتسامح
"هششش، أعلم حبيبتي، أستطيع أن أقدر خجلك وتوترك في ليلة كهذه، فلا تعتذري يا بنت و ابتسمي حتى أرى جمال عروسي التي فاجأتني اليوم بأروع ما قد أتمنى أن أراه من عروسي في ليلة زفافي."
قرأت الحذر في نظراته و حركة أصابعه وهو يرفع كفه يحتضن جانب وجهها برقة و هدوء، فتحاملت على نفسها و حاولت بكل طاقتها أن تخمد قليلا من توترها و تبتلع كثيرا من رجفة جوفها.
يجب أن تعتاد لمساته.
مستحيل أن يتقبل ما تفعله عندما يقترب منها، سيظن أنها تنفر منه.
شعرت بدفء كفه على بشرة وجهها الباردة و استمعت إليه يهمس لها بخفوت
" عندما رأيت وجهك بدون أي زينة شعرت بالنور يشع من ملامحك.
خطفت قلبي يا شهلاء. جعلتني أشعر بأن الله يرضى عني فرزقني إياك.
وددت لحظتها لو اخطفك سريعا وأهرب بك "
نسيت كفه الذي يلامس وجهها و همست تخبره بتلقائية ورغبة منها في إسعاده
"لم أتزين أبدا من قبل ، وقررت أنني لن أفعلها ولن يراني أي رجل بزينتي سواك أنت يا رحيم ،لذلك لم أتزين اليوم أمامهم "
انفرجت ملامحه مع حديثها و سطعت فرحته تنير وجهه بقوة هاتفا بتأثر
" يا الله ..الحمد لله. رحمة الله وسعت كل شيء. "
شعرت بغرابة حديثه لكن سعادته الشديدة ابهجتها و اعطتها بعض القوة.
قبل أن تستوعب كان يضمها إلى صدره بلهفة وقوة قبل أن يبعدها قليلا و يهبط بوجهه ليقبلها.
أخذتها المفاجأة فلم تستعد.
لم تشعر بحلاوة أول عناق و أول قبلة كما كانت تكتب عنهما في رواياتها.
عطره بدأ يخنقها بدلا من أن تألفه و يجذبها إليه.
نسيت أنه زوجها وأنها ليلة زفافها.
تذكرت اقتراب آخر في ليلة أخرى.
يدور حديث صديقتها زهراء في رأسها.
لم تتعرض إلى ما تعرضت له بقية الفتيات لكنها سمعت وعلمت بما كان يحدث لهن.
رائحة الثوم والبصل عادت لتهاجم أنفها وتذكرها بتلك الأيام.
لم تشعر بنفسها إلا وهي تدفعه بعيدا عنها بكل قوتها وتهتف فيه بقوة وبازدراء أن يبتعد عنها.
عندما رأت وجه رحيم وملامحه الذاهلة عاد لها وعيها و إدراكها لوضعها و حالتها.
اتسعت عيناها بذعر مما فعلته.
رأت ذهول رحيم يتحول إلى الحزن والألم فأيقنت أنه غضب منها وانتهي الأمر.
طفرت الدموع من عينيها تهمس بلوعة
" آسفة يا رحيم . لم أقصد، أقسم لك أنني لا أعلم كيف فعلتها.
سامحني أرجوك . أنا " …
قاطعها رحيم بعد أن اعتدل في وقفته يستغفر ربه وقد تخطى الصدمة على ما يبدو.
" لا تعتذري يا شهلاء. الشيطان غلبني و دفعني للتعجل حتى أننا لم نصلى سويا."
يتحدث بينما يتحاشى النظر إلى وجهها فتدرك أكثر وأكثر أنه مصدوم منها وفيها.
غطت فمها بكفها تخفي شهقة الألم و العذاب..
.................................................. ...............................
الوقت الحالي..
غرفة السجن..
تنصت وداد بتركيز و اهتمام بينما تحكي الأخرى بشرود و شجن شديدا الحزن
" كدت اموت من الرعب خوفا من أن أكون قد تسببت في غضبه وتعجبه من أمري، لكني وجدته متسامحا إلى درجة لم أصدقها في بداية الأمر.
اصطحبني برفق نحو إحدى الغرف و أخبرني أنها غرفتنا وأنه سيتركني بمفردي لأكون على راحتي لكن بعد أن نصلى سويا.
بمجرد أن أغلق الباب وبقيت بمفردي، انفجرت في بكاء مرير أنعى به حالي وحاله وليلة زفافنا.
كنت أبكى بصمت حتى لا يسمعني فيكفيه ما حدث وما قد يحدث.
خفت مرارة بكائي قليلا فأسرعت نحو الخزانة التي رتبتها خالتي 'أم نجوان' ،أبحث عن منامة.
بدلت ملابسي سريعا و ارتديت إسدال الصلاة فوق المنامة، كل ذلك وانا أبكى، فستاني و حجابي و كل قطعة ملابس لمستها أخذت نصيبها من قطرات دموعي.
رأيت زجاجات العطر على المنضدة الجانبية فأسرعت أفتحها و أستنشق ما بداخلها بقوة حتى استفيق من دوامة عقدتي و ذنبي ، حتى يتوقف بكائي وتستحى دموعي أمام حنان ذلك الرجل الذي يستحق من هي أفضل وأنظف وأقل أنانية مني.
لمحت وجهي في المرآة لأرى صورة فتاة بائسة لا ترقى بأي شكل من الأشكال لأن تكون عروسا ينتظرها عريسها على بعد خطوات.
عاد الإصرار يهاجمني فبحثت عن حقيبتي الصغيرة و أخرجت حافظة أدوات الزينة وغادرت الغرفة بعد أن قرأت آية الكرسي وبعض الأدعية.
لم أجده في صالة المنزل لكني وجدت الحمام فدلفت إليه بسرعة ،توضأت و وضعت بعض الزينة بأصابع مرتعشة"
خرجت لأجده أمامي يبتسم بهدوء كعادته.
هل تصدقين أنني خجلت من ابتسامته تلك ؟!
ليس حياءا إنما إستحياءا من تسامحه وصبره و........روعته."
.................................................. .............................
منذ عدة سنوات.
شقة رحيم ..
جذبها برفق ليصليا معا.
لأول مرة تصلى مع رجل ولأول مرة تسمع رحيم يقرأ القرآن بصوته الذي تحبه.
ذكرها بصوت إمام المسجد وكم أبهجها ذلك و أراحها.
وضع كفه على رأسها وأخذ يتمتم بما لم تركز في سماعه، كانت بكامل عقلها وقلبها مع ربها تدعوه بصمت أن يفرج كربها و يهديها إلى زوجها و يهديه إليها.
ابتسم لوجهها وأخبرها عن جوعه فنسيت كل شيء و أسرعت تجهز طاولة الطعام بما وجدته في المطبخ و الثلاجة بعد أن أكد عليها أن تتصرف وتتحرك في البيت كما يحلو لها فهو بيتها..
نسيت همومها و مخاوفها، حتى أنها نسيت أن تخلع حجاب الاسدال عن رأسها وتطلق خصلات شعرها كما كانت تخطط.
لم تصدق نفسها والليلة تمر بسلاسة..
تناولا طعامهما بهدوء وبعض العبارات المتبادلة بينهما عن الحفل والعمل وغيرهما..
فور أن انتهيا من الطعام و التنظيف السريع بعده ،همس لها بنبرة هادئة
" شهلاء ،اسبقيني إلى غرفتنا وسألحق بك ،لن أتأخر "
عاد لها توترها ولم تعد تعلم حقا إن كان هو مجرد توتر العروس الطبيعي في ليلة الزفاف أم بسبب ما حدث منذ سنوات.
همس لها رحيم بلهجة ممازحة رغم ملامحه المهمومة بعض الشيء
" لماذا كل ذلك القلق يا شهلاء ؟! لن أقربك يا جبانة فأطمني "
تطلعت نحوه بتيه وعدم فهم فابتسم وسحبها برفق إلى أقرب أريكة
" أنت زوجتي يا شهلاء . أمامنا العمر بأكمله إن أذن لنا الله .
قبل أي شيء يجب أن يسكن بيننا المودة والرحمة حبيبتي، وانا أراك لست مستعدة بعد لما هو أكثر. أعلم أننا لم نتحدث او نتقابل بشكل كاف قبل الزفاف لذلك ربما أنت غير معتادة على وجودي و قربي ، لكنني حاولت أن اتقى الله في كل شيء يخصك ويخص علاقتنا حتى يبارك لنا فيه.
لن أكذب و أخبرك أنني زاهد وأستطيع أن أحرم نفسي منك طويلا ، على العكس تماما، فأنا أريد أن أنعم و أهنأ برزق الله الذي قسمه لي خاصة وأنت تحديدا من أصبحت حليلتي و حلالي بعد أن مال القلب لك.
سأنتظر حتى ينعم الله عليّ بما أريد و أشتهي، لكني لن أعدك أن أكون صبورا حبيبتي فمن يقدر على لوم الصائم لضعفه أمام وليمة شهية بعد آذان المغرب؟؟!! "
تتطلع نحوه بذهول شديد و تعجب فاق كل الحدود .
تتذكر أنها كتبت حديثا مماثلا في إحدى رواياتها لكنه أبدا لم يكن في روعة وصدق و جمال ما تستمع إليه الآن..
استطرد رحيم بينما تعمل أصابعه على إزاحة حجابها
" كل ذلك سيكون بيننا يا شهلاء ولن يعلم عنه أحد مهما كان ، حتى أمي لن تعلم شيء. سنبقى معا في غرفتنا وفي نفس الفراش فأنا أبغى الوصال ولن أوفر أي جهد من أجل الحصول عليه."
تخللت أصابعه بين خصلات شعرها الطويلة و استطرد بينما تميل رأسها قليلا مع سحر حركته وكلماته
"سأتمتع بما قسمه الله لي منك حتى ترفقين أنت بي و تمنحيني كامل رضاك يا ...جبانة"
ابتسم مع آخر كلمة فابتسمت هي أيضا رغم الدموع العالقة بعينيها.
همست دون أن تدرى
" أنت عظيم جدا يا رحيم. لا أصدق أنني تزوجتك حقا.
أعتذر عن عذابك معي وعن.. "
قاطعها بضيق حقيقي
" لا تعتذري يا شهلاء . كفي اعتذارات حتى لا أغضب منك حقا.
في نظري أنت هي العظيمة ،أنت هديتي ،مصابيحي الضوئية التي وضعها الله في طريقي حتى أنال ما بحثت عنه كثيرا "
لم تصدق نفسها وهي تستمع إليه يتحدث عنها هكذا.
عجزت عن الرد و اكتفت بابتسامتها الملطخة بدموعها الكثيرة ..
....................................
صباح اليوم التالي..
تقترب من الفراش بحذر ،لا تريد أن تقلق منامه.
توقفت أمام جانبه من الفراش تتطلع إلى وجهه ببعض التأمل.
تتذكر ليلة الأمس عندما أسرعت تستلقى على أبعد نقطة من طرف الفراش، تغطى جسدها بأكمله بالغطاء حتى ذقنها ،لم ترى ردة فعله على حركتها خشية من أن ترى غضبه منها ومن جبنها كما وصف.
شعرت باقترابه و استلقاءه الهادئ على الفراش ،لم يلمسها او يقترب، وكم كانت ممتنة لذلك، تريد فسحة من الوقت حتى تتمالك نفسها وتستعيد اتزانها النفسي حتى تستطيع أن تسعد ذاك الذي بجانبها ويستحق سعادة الدنيا ..
لم تستطع النوم طويلا .
تعلم عن الزواج ولديها فكرة عامة عما يحدث بين الزوجين لكنها لا تستوعب الآن أنها تستلقى مع رجل غريب عنها في نفس الفراش !!!
شعرت به يتحرك ،يغادر الفراش ويقترب من ناحيتها.
أيقظها مبتسما حتى تصلى الفجر معه..
تبادلا القليل من الكلمات بعد الصلاة قبل أن تتحجج بالإرهاق وتركض إلى الفراش، وللعجب وجدت نفسها تستغرق سريعا في نوم عميق لم تستيقظ منه إلا في العاشرة صباحا لتجده مازال نائما.
......
أخذت جولة سريعة في الشقة ،أعدت بعدها الفطور لتأتى الآن وتوقظه قبل أن يأتي أحدهم..
اقتربت وقبل أن تبحث عن طريقة لإيقاظه وجدت رنين هاتفه يعلو فيستيقظ رحيم ويراها..
.................................................. ............................
الوقت الحالي..
غرفة السجن..
مازالت وداد على صمتها تتابع ملامح شهلاء الشاردة و الشجن الحزين في نبرة صوتها
" كانت والدته من تتصل وقتها.
سمعته يحاول إقناعها أن تعود إلى المنزل فبقائها لدى السيد عبد الغفور في بيته لا يريحه رغم ثقته فيه و إمتنانه الشديد له.
بعد محاولات كثيرة منه عادت والدته في المساء مع والدة نجوان وبعض الجيران الذين أرادوا تهنئتنا.
والدته باركت لي باقتضاب و اتجهت الى غرفتها فور أن غادر الجميع..
الأيام التالية لذلك مرت بهدوء و بعض السعادة وكثير من القلق..
رحيم أوفي بوعده و ترك لي الوقت الكافي كي أعتد عليه..
رأيت منه أكرم و ألطف معاملة ،وكأنني شقيقته المدللة ولست عروسه المتمنعة.
لم يبتعد بشكل كامل كما أنه لم يقترب إلى درجة تخيفني..
والدته كانت هادئة أكثر من اللازم.
لا تفارق غرفتها إلا قليلا ،حتى أنها تركت مهمة إعداد الطعام بالكامل عليّ دون أن تتدخل بها مكتفية بإخباري بما يحبه رحيم ويفضله ،وبما يتناسب مع طبيعة مرضها و ما تتناوله من أدوية، خاصة تلك الأقراص المنومة.
العلاقة بيني وبينها كانت رسمية إلى درجة كبيرة ومزعجة بالنسبة لي لكني التزمت الصمت حيال هذا الأمر، يكفي أنها لا تؤذيني أو تجهر بكرهي.
أخبرني قلبي كثيرا أن أحاول التودد إليها و التقرب منها ،لكن نهرني عقلي ،نصحني بأن ألزم مكاني الذي اختارته هي لي حتى لا اتورط فيما قد يؤذيني..
أحاول أن أتعامل معها بما يرضى خالقي بعيدا عن أي شيء آخر، كما أن غايتي الأساسية كانت رضا وسعادة رحيم بحسن معاملتي معها.
كل شيء كان على ما يرام كل يوم عدا بعض الليالي عندما...عندما كان ينفذ مخزون الصبر لدى رحيم و تغلبه رغبته في... وصال عروسه."
ضيقت وداد عينيها تنتظر بترقب، تريد أن تعلم كيف كانت تتصرف شهلاء عندما يقترب منها زوجها محاولا إتمام زواجهما..
لم تتأخر عليها الأخرى في إجابتها
" نفس الرعب والارتجاف.
نفس الخيالات الخاطفة للأنفاس و الذكريات الكريهة..
نفس الرائحة التي تنبعث حولي فجأة ..
كل شيء يظل يتكرر مع أي تقارب حميمي بيننا لكن.....كان يتناقص في كل مرة عن المرة التي تسبقها فيسطع الأمل بداخلي و أشعر أنني اقتربت من الشفاء حتى أتت تلك الليلة.
رحيم كان أكثر إصرارا عن أي ليلة مضت .
أنفاسه المتسارعة ،نظراته التائقة، لمساته الراغبة بشدة ،كل ذلك كان يحاوطني بضراوة..
شعرت به ورغبت بكل ذرة في كياني أن أريحه، أستسلم له، و أتجاوز محنتي .
وجدت نفسي بين ذراعيه وقد فقدت سترة منامتي في مرحلة ما.
قبلاته الصغيرة 'التي ألفتها على مدار الأيام الماضية' تهبط على بشرة جسدي في مواضع مختلفة و بتلاحق لا طاقة لي بمجاراته أو صده .
أغمضت عينيا وحاولت أن أسترخى و أفكر في أي شيء آخر.
أفكر في شكل أطفالنا عندما يكرمنا الله بهم.
أفكر في شكل حياتنا معا عندما نهرم سويا ..
أفكر في رحيم وفرحته عندما تحبني أمه، فأنا أعلم أنه يتمناها وينتظرها لكنه لا يتفوه بها أبدا..
كدت أن أنجح..
كدت أن أفعلها و أترك الأمر ينتهي على خير لولا صورة وليد التي ظهرت أمامي فجأة تذكرني بكل ما كان، وكأنه يأبى أن أسعد و أحلم و .....أحيا.
.................................................. ..............................
منذ عدة سنوات.
منزل رحيم ..
نفرت مما يحدث و كالعادة خرجت منها صرخة صغيرة إعلانا عن رفضها ونفورها فانتفض رحيم يبتعد قليلا بوجهه المحتقن و أنفاسه المتسارعة بجنون.
ظل يتطلع نحوها قليلا بملامح غير مقروءة ' كأنه يحاول أن يستوعب ما يحدث بعد أن أخرجته بالقوة من دوامة خاصة جدا ' ، لحظات ثم استوعب الأمر على ما يبدو فتحرك ليلقي بنفسه على ظهره بجانبها بصمت عكس صخب أنفاسه الثائرة..
تخطت ما يحدث معها و أخذت تتطلع نحوه بوجل وبؤس، لأول مرة يبتعد دون أن يبتسم مطمئنا لها..
يبتسم و يهز رأسه وكأنه يعلن عن تفهمه و بأن الأمر مازال لا يغضبه، إذن هو غاضب الآن فلم يبتسم..
كتمت قهرها بداخلها ، سحبت الغطاء حتى كتفيها واقتربت منه كما لم تفعل من قبل ..
لا تبادر أبدا ،دائما يبدأ هو.
اقتربت حتى التصق جسداهما، أغمضت عينيها بقوة تحاول أن تبتلع قشعريرة أطرافها جراء شعورها بدفء بشرته الملاصقة لخاصتها.
لأول مرة يصل بهما الأمر إلى هذه الدرجة، دائما ما كانت تنفر و تصرخ في البداية، ليس بعد أن يصلا إلى هذه النقطة ..
....
قاومت ترددها
غالبت خجلها
واجهت ذعرها
جابهت قهرها
ابتلعت كل شيء من أجل الحرب
ستحارب حتى تحتفظ بزواجها و بزوجها
لن تسمح لحقراء الماضي أن يهدموا الحاضر و يلوثوا المستقبل كما سبق وشوهوا الماضي..
زادت من التصاقها به .
مدت ذراعها تحتضن صدره العاري .
اراحت جانب وجهها على كتفه بحميمية لم تتعمدها لكنها أثرت فيه على ما يبدو فقد شعرت بتصلب جسده للحظات قبل أن يلتفت بجانب وجهه يتطلع إلي وجهها بذهول وتساؤل صامت..
حركت وجهها وقبلت كتفه أمام نظراته المصدومة.
لم تكن تتصنع او تمثل.
فعلتها بتلقائية وكأنها تطيب خاطره و تعتذر له ،ونطقتها بالفعل
" أنا آسفة يا رحيم .
أعلم أن رصيدي لديك قد انتهى ونجحت في أن اجعلك تكرهني و تكره يوم التقيتني من الأساس "
هتف بها بعد أن تخطى صدمته قليلا وبعد أن تطلع إلى كتفه مكان ما قبلته
" كم مرة أخبرتك أن لا تعتذري يا شهلاء؟!
كم مرة عليّ أن أخبرك أنني حتى لا ألوم عليك في أي شيء؟! "
طفرت الدموع من عينيها و شهقت تخبره بانتحاب
" لا تكذب عليّ
أرى الغضب في عينيك وفي كل حركة تصدر عنك.
ما ذنبك أنت لتتبتلي بي ؟!
أنت تستحق أفضل فتاة في هذا العالم .
كرهت نفسي بسبب ما أفعله معك لكنه رغما عني، أقسم لك أنه رغما عني وليس بإرادتي.
لا أعلم ما يحدث معي عندما ...عندما تقترب مني.. "
شهقت بقوة و كسا القهر و الرجاء نبرتها وكيانها تطلب منه بيأس
" خدرني يا رحيم..
أحضر لي حبوب أو أي دواء يغيبني عن الوعى .
أي شيء يفقدني قدرتي على المقاومة.
اتوسل إليك أن تفعلها.
أريد لهذا الزواج أن يتم.
أريد أن أخلص ارجوووووك.
الذنب يقتلني ويحرق قلبي عليك يا رحيم.
لم أعد أتحمل.
خدرني حتى أستطيع أن أتخطى ذلك الذي يحدث معي."
ضمها إلى صدره بقوة يقاطعها ،يقبل رأسها ووجها كثيرا قبل أن يهدهدها طويلا حتى هدأت و استكانت تماما بين ذراعيه فبدأ يتحدث بهدوء
" دعينا نتفق على شيء حبيبتي، أنت لن تكرري كلمات الاعتذار و الشعور بالذنب الذي أشعره يخنقك و يطبق على صدرك بلا أي داعى أو ذنب حقيقي من تجاهك.
لن تكرري ذلك الهراء الذي تطلبينه، وأنا لن أفعل منه أي شيء"
تنهد طويلا قبل أن يزيد من ضمها إلى صدره متشبثا بها بقوة قبل أن يستطرد
" لم أكن أريد إخبارك لكني سأفعل فقط من أجلك أنت و حتى تكفين عن لوم نفسك و تعذيبها.. ما يحدث معنا يا شهلاء بسببي أنا، انا هو المذنب هنا وأنت تسددين فاتورة حسابي، فيجدر بي أنا الاعتذار لك وطلب السماح منك."
رفعت وجهها تتطلع إليه بتعجب شديد فابتسم لوجهها بألم قبل أن يقبل بين عينيها برفق ويجذبها إلى صدره من جديد ويكمل حديثه
" أيام مراهقتي كانت صعبة للغاية. لا تنظري إلى رحيم الذي تعرفينه الآن، رحيم قبل عدة سنوات كان شخصاً مختلفاً تماما..
وحيد والديه ، مال لا حصر له يغدق به والده عليه ، حرية مطلقة حتى أنه يغيب عن البيت بالأسابيع دون أن يحاسبه أحد، رفقاء سوء كالشياطين عندما يلزموا الشخص ،يوسوسوا بجانب أذنيه بلا هوادة .. تلك كانت حياتي ،وما خفي كان أعظم.
لن أستطيع أن احكى لك عما كنت أفعله فالله رزقني الستر والصلاح كما أنه أمرنا أن لا نجهر بمعصية فعلناها مادام قد أنعم علينا بستره.
' من تعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه '، هذا تحديدا ما يحدث معي منذ ليلة زفافنا.
تعجلت الأمر و سعيت إليه وخالفت شرع الله فنزل عليّ العقاب فيما أحله الله لي"
كانت قد رفعت وجهها تنظر إليه مرة أخرى مأخوذة بما يحكيه، فبادلها النظرات قبل أن يكمل بنبرة متألمة
" مال قلبي لك و انتفضت رجولتي مطالبة بقربك ووصالك، فأسرعت أطلبك زوجة لي . صبرت و تجلدت حتى زفافنا، وها أنت هنا أمامي وبين ذراعي ولا أستطيع أن أهنأ معك كما أتمنى و أحلم منذ أكثر من عام كامل..
ليس اعتراضا على حكمه أقسم لك ، انا راضي و متقبل بل وسعيد أن ربي يذكرني واختار لي التطهر من ذنوبي في الدنيا ولم يمهلني كما يمهل الظالمين إلى يوم الحساب.. انا فقط أموت شوقا ورغبة في أن تكتمل رجولتي بك ومعك..
أريد أن أتذوق رحيقك و أنهل من سحرك.
أريد أن أسعدك و أدلل أنوثتك حبيبتي.
أريد ذلك كله لكن وأنت في كامل وعيك و شعورك بي وبسكناتي قبل لمساتي "
نبرته الصادقة سحبتها و أغرقتها معه في عالمه الذي يحكى عنه و يجذبها إليه..
شعرت وكأن حلقة ملونة بسحر قوس قزح قد حلقت حولهما فجأة، تحاوطهما بحميمية تشبه حميمية ما يتمناه ويخبرها عنه.
أخذتها كلماته بقوة حتى أنها عجزت عن الرد..
ترى الألم والذنب على وجهه كطفل صغير مذنب أمام والدته ،فتريد أن تحتضنه و تربت على ظهره بحنو ، تخبره أنه أجمل و أعظم من أن يشعر بخزي او خجل ..
لم تجد نفسها إلا ولسانها ينطق دون أن تتحكم به.
" أحبك يا رحيم . أحبك بجنون ،حتى أنني أحببت رحيم القديم بكل أخطاءه رغم أنني لا أتخيلك مخطئ أبدا "
لم تكن في حالة تسمح لها بأن تحلل وتفهم نظراته و حالته التي تسببت فيهما بحديثها.. هي نفسها لم تعِ أنها نطقتها لأول مرة.
لأول مرة تخبره أنها تحبه ،بل لأول مرة تشعر بأنها تملك قلب يحس ويشعر ويحب ككل الفتيات.. كلماته علت بها نحو السحاب ،جعلتها تشعر بأنوثتها التي لم يكن لديها علم بوجودها من الأساس.
رغبة الرجل التي كتبت عنها كثيرا وحاولت وصفها بكل الطرق ،تراها الآن، تقسم أنها تشع وتبرق في عينيه بقوة وجنون كقوة وجنون ما يقرع بداخلها..
لا تعلم حقيقة ما حدث بعدها ..
كل ما تعلمه ،بل كل ما يهمها أنها أصبحت فجأة بين ذراعيه من جديد ،لكنها هي من بادرت هذه المرة و ألقت بنفسها على صدره تحتضنه بكل قوتها ..
طاقة هائلة غريبة تدفعها دفعا نحوه ونحو ما وصفه من سحر منذ قليل ..
لا تعلم حقيقة ما حدث بعدها..
كل ما تعلمه، بل كل ما يهمها أنها دلفت إلى منحنى لا عودة منه أبدا، فها هي بين ذراعيه كما لم تكن أبدا من قبل.
تحيا مع لمساته و تتذوق تلك الرجولة التي حكى عنها..
يدلل أنوثتها تماما كما قال وكما لم تفهم وقتها..
تكتشف رحيم آخر و شهلاء أخرى ، إثنان مختلفان تماما عمن تعرفهما هي .
إثنان عاشا معا ما تخطى في روعته و جماله ما قد تكون كتبت عنه يوما هي أو أي كاتبة أخرى..
ذهب النفور .
تلاشى الرعب .
تفتت العقدة، و تاهت الذكرى ،وبقي هو ....
......................................
بعد وقت طويل..
قبل آذان الفجر بقليل .
تتطلع إلى وجهه وسط حالة غريبة من الذهول ..
لا تصدق أنها فعلتها وتغلبت على عقدتها و مخاوفها..
أصبحت زوجته
خطت بقدميها و كامل رغبتها ورضاها
توغلت معه بداخل ذلك العالم الغريب ..
احتقن وجهها خجلا مما صار بينهما ..
رغم الخجل الشديد وجدت الابتسامة الواسعة طريقها إلى وجهها جنبا إلى جنب مع الحياء ..
لو أن قلمها بيدها الآن لكتبت أعظم و أروع ما قد يكتبه أحد يوما عن الرومانسية و .........روعة اللمسات.
.........
هبطت نظراتها نحو لحيته الخفيفة التي تزين وجهه .
علت الشقاوة وجهها ومدت أصابعها تلمس اللحية وتتحسسها بشغف خجول .
ازداد الشغف
اتسعت الابتسامة
شعت النظرات
تطورت اللمسات..
استيقظ من لمساتها الملحة فابتهج قلبها لجمال طلته..
ابتسم من بين نعاسه ورفع كفه يحتضن جانب وجهها برقة ..
أشرق وجهها و استجاب جسدها بسرعة صدمتها للغاية فكيف لها أن تستوعب أنها هي شهلاء تريده الآن أن يضمها من جديد .!!
لم تفكر أو تسمح لنفسها بأي تردد.
اقتربت .
احتضنته بخجل و احتياج و توق، ولم يبخل عليها هو في المقابل ..
اعتدل قليلا ليستطيع أن يضمها بقوة .
دفنت وجهها في صدره تسعى إلى مزيد من حنانه وحبه.
سمعت صوته الضاحك يهمس لها بسعادة
" أجمل صباح لأجمل عروس و أكثرهم شقاوة "
ضحكت بحياء بعد أن دفنت وجهها في صدره أكثر وأكثر.
تدرك ما يقصده فهي نفسها لا تصدق جرأتها معه بالأمس.
لم تكن شديدة الجرأة لكن بالنسبة لها كان مختلف تماما عن طبيعتها..
ما يهمها أنها أسعدته، وهذا ما تتمناه .
...
همس لها ببعض الكلمات بجانب أذنها فجلجلت ضحكاتها ولم تستطع كتمانها..
ضحكت لأول مرة منذ سنوات طويلة..
هشمت الضحكة جدار عقدتها و انطلقت تركض بين جنبات روحها تنير عتمة الذكرى و تفرض نفسها على سواد الأنقاض و.......وطأة اللمسات

يتبع بالفصل السابع


الكاتبة ايمان جمال غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:58 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.