آخر 10 مشاركات
الشيـطان حــولك .. *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : smile rania - )           »          مواسم العشق والشوق (الكاتـب : samar hemdan - )           »          الدخيلة ... "مميزة & مكتملة" (الكاتـب : lossil - )           »          الفرصة الأخيرة (95) للكاتبة: ميشيل كوندر ...كاملة... (الكاتـب : سما مصر - )           »          106 - سيد الرعاة - مارغريت روم - ع.ق ( تصوير جديد ) (الكاتـب : Dalyia - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )           »          في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          1056 - الفتاة المتمردة - كارول مورتيمر - دار م. النحاس (الكاتـب : Topaz. - )           »          السر الغامض (9) للكاتبة: Diana Hamilton *كاملة+روابط* (الكاتـب : بحر الندى - )           »          كل مخلص في الهوى واعزتي له...لوتروح سنين عمره ينتظرها *مكتملة* (الكاتـب : امان القلب - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى الروايات والقصص المنقولة > منتدى الروايات الطويلة المنقولة الخليجية المكتملة

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 26-11-20, 05:09 PM   #41

Maha bint saad

? العضوٌ??? » 437412
?  التسِجيلٌ » Dec 2018
? مشَارَ?اتْي » 4,265
?  نُقآطِيْ » Maha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond repute
افتراضي


اسعد الله مسائكم …

مافيه خبر عن الكاتبه …


Maha bint saad غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 29-11-20, 11:06 PM   #42

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



اللهم أدخلني مدخل صدقٍ وأخرج مخرج صدق
لا تلهيكم روايتي عن الصلاة وذكر الله
لا إله إلا الله

_____


ولي خافقٌ ما عاد يشعرُ بالأسى
تلبّدَ بالآلام حتى تبلّدا
أخٌ يجعلُ الإحسانَ ذنبا، وصاحبٌ
يَمُدّ إلى أعداءِ صاحبهِ يدا
ومبتسمٌ يدنو إليك فإن حوى
مصالحَه أهداك سهما مسددا
ومنكسرٌ يشكو إليك انكسارَهُ
فلما تَواسَى رام كسرَك واعتدى
عجائبُ أيامٍ شهِدتُ فصولَها
وعشتُ أساها مشهدا ثم مشهدا

فواز اللعبون


______


الفصل الثامن عشر ( الأخير )
الجزء الثاني


______

في المستشفى..
بداخل العناية المركزة.

كانت تجلس على يمين أختها، ماسكة يدها.. تقرأ عليها الرقية الشرعية وتنفث عليها.
حتى انتهى الوقت المحدد، وخرجت بعد ما ألقت عليها نظرة أخيرة وهي تتنهد بضيق.
خلعت الرداء الخاص بالعناية المركزة وخرجت، تأففت وصدت بزعل لما شافت آسر جالس في المكان المخصص للانتظار.
تكلمت بصوت منخفض وحاد لما قرّب منها:
- قلت لا تنتظرني، جبتني بالقوة وأنا أعرف أرجع لوحدي.
رد بهدوء:
- أدري إنه هالشيء مستحيل عشان كذا قعدت.
تكتفت تناظره بعصبية:
- وليش ما أقدر؟ شايفني بزر؟
سكت شوي ثم ابتسم:
- مانتي بزر، لكن الشيء اللي مو متعودة عليه من زمان مستحيل تتعودين عليه فجأة وبيوم وليلة.. يلا؟
غمضت عيونها وشدّت قبضتها بقوة حتى تكتم غيظها، وتبعته حتى استقل المصعد.
تكتفت وهي واقفة بملل.. لكن سرعان ما تنبهت حواسها وهي تسمع شخص ثاني بالمصعد يتكلم على الجوال:
- إيه راح نفتتح المعرض بعد أسبوعين، عشان نقدر نعطي فرصة للفنانين يجهزون لوحاتهم.. طبعا نستقبل أي فئة بس أهم شيء تكون اللوحات إبداعية صدق، لأن هذا أهم معرض لي وأبي كل شيء يكون مثالي.
قفل الخط بعد ما أنهى كلامه مع الطرف الآخر، وتسارعت دقات قلبها وتوترت من كثر ما الموضوع حمّسها وأثار فضولها.
وظلت مترددة تبي تتكلم، تبي تسوي أي شيء.. حتى وصل المصعد للدور الأرضي.
وتقدمهم هالشخص، وهم وراه.
اتجه لسيارته وراحت هي ورى آسر، حتى شافته يركب سيارته وما قدرت تسكت أكثر:
- لو سمحت.
التفت متفاجئ، وناظرها آسر بصدمة:
- إيش صاير؟
قربت من آسر بعد ما أشرت للشخص بيدها:
- آسر تكفى روح كلمه، سمعته يتكلم عن معرض ولوحات.. تكفى استفسر أكثر وخذ منه معلومات.
آسر باهتمام بعد ما طالع الشخص اللي ظل واقف بمكانه وآلاف التساؤلات برأسه:
- انتِ مهتمة بالموضوع يعني؟ تبين تشاركين؟
غزل بتردد وارتباك:
- مدري.. يمكن.
هز آسر راسه بإيجاب واتجه ناحية الشخص.
ظلت هي واقفة جنب السيارة تفرك يدينها بتوتر وعيونها على آسر، تراقب ردود أفعاله وتحاول تعرف إيش يقولون.
حتى شافته يخرج جواله ويسجل الرقم اللي املاه عليه الشخص الغريب، ثم اتجه ناحيتها وهو مبتسم.
ابتسمت تلقائيا وهي تزفر أنفاسها براحة وتنتظره بحماس:
- هااه؟
ربت على كتفها بابتسامة واسعة:
- بخليك تشاركين في المعرض، الغبي يقول ما راح يقبل أي لوحة.. ولازم تكون من يد شخص محترف، ما يدري إنك راح تغطين على كل المشتركين.
ضحكت غزل بإحراج وركبت السيارة.
ظلت متحمسة ومبتسمة حتى انتصفوا الطريق، لأول مرة في حياتها تحس انها وأخيرا لقت شيء تهتم فيه.. وشيء يخصها هي وحدها.
ولأول مرة تحس إنها تبي تشارك إبداعها مع العالم، وتحس إنها ودها تبهرهم برسوماتها ولمساتها اللي واثقة إنها مختلفة ونادرة جدا.

قاطع آسر تفكيرها بسؤاله:
- يعني صدق ما راح تسأليني عن شيء؟
غزل بلا مبالاة:
- لا.
ما انصدم آسر، لكن تفاجأ من نبرتها الباردة:
- ليش طيب؟ أبي أعرف السبب.
غزل بعد صمت قصير:
- بس.. ما أبي أنصدم، أو حتى لو السبب مو كبير، ما أبي أعرفه.. أنا حاليا وحيدة بهالدنيا ما عندي من أهلي إلا إنت، ورزان اللي كأنها ما عاد تبي تقوم.. عشان كذا ودي صورتك بعيني تبقى زي ما هي، أو تتحسن أكثر.
أوجعه كلامها كثير، لكن ما يقدر يلومها أبد.
هو اللي جنى هالشيء لنفسه، سأل بتردد:
- وليش مثلا.. تظنين إنه السبب راح يكون موجع لك؟
- البنت اللي اسمها رسيل، حتى وهي ما تعرفني قالت هالشيء.. إنها ما تبي تتكلم حتى ما تصدمني فيك، كلامها لوحده حطمني، كيف لو عرفت الحقيقة آسر؟


سكتت شوي وبلعت ريقها من تعابير وجهه:
- آسر تكفى لا تتوقع مني أحسن الظن فيك أو أتوقع منك شيء طيب بعد ما سمعت هالكلام من شخص غريب، لكن.. انت اوريدي صدمتني من زمان وجرحتني كثير، خيبت ظني آلاف المرات.. كيف الحين تتوقع إني بتفهمك؟
ظل آسر ساكت، لكن ملامحه اشتدت ووجهه احمرّ.. وقف السيارة على جنب فجأة، وابتلعت هي ريقها بخوف وتوتر.
ارتبكت لما التفت يناظرها بنظرات غامضة ثم ابتسم:
- ما راح أطلب منك هالشيء غزل، لأنه مو من حقي.. لكن لا تسامحيني، ما أستاهل غفرانك لي، لا إنتِ ولا رزان.. ظليت طول عمري أناني وحقود وما همني إلا إني أريح قلبي، أهملتكم ورميتكم ورى ظهري، خليت طفلة صغيرة زيك تتحمل مسؤولية أختها الكبيرة المريضة، ما أستاهل إنك تسامحيني يا غزل، لكن أبي أطلب منك شيء واحد بس، لا ترديني أرجوك.. إذا في شيء بقلبك لي، حتى لو شيء بسيط.. أرجوك اسمحي لي.
أدمعت عيونها من كلامه وارتجفت أطرافها، هزت رأسه بإيجاب وكمل هو بعد ما مسك يدها:
- خليني أكفر ذنبي، خليني أهتم فيكم لآخر يوم بعمري، لا توجعيني برفضك لمساعدتي حتى في أتفه الأمور، أرجوك.
ظلّت غزل ساكتة وهي تتأمل وجهه، ولا قادرة ترد عليه بسبب العبرة اللي خانقتها، سألته:
- علمني قبل، انت مرتاح الحين؟ ارتحت بعد اللي سويته؟ أيّا كان!
أجفل آسر من سؤالها وتجمدت ملامحه، كأن هالسؤال كان جدا صعب والإجابة عليه مستحيلة!
ما عرف بإيش يرد، حتى قاطعه رنين جواله.
ترك يدها وخرج الجوال من جيبه، رد بعد ما تنحنح:
- هلا.
استغرب من المتصل واللي قاله.
التفت لغزل بعد ما أنهى المكالمة:
- هذا محقق، يبيني أنا وانتِ نروح بيت مشاعل!
رفعت حواجبها باستغراب:
- احنا؟ ليه؟
آسر وهو يحرك السيارة:
- ما أعرف، بس خلينا نروح ونشوف.
اتجه ناحية بيت مشاعل وهو حاس بالقلق والتوتر.
خاصة انها المرة الأولى اللي راح يقابل فيها مشاعل وزيد بعد ما رجع من عند نارا.
ليش اتصل فيه محقق غريب ويبي يشوفه!
معقولة تكون نارا جاتهم؟ ويبون يحققون بموضوع الاختطاف!
إذا كان الموضوع كذا راح يكون هين أكيد، لأنه مستعد لهالشيء من البداية.. ومحضر نفسه للأسوأ.
لكن غزل وش دخلها بالموضوع!


______


عند نارا..

فتحت عيونها بانزعاج من صوت طرقات الباب اللي ما وقفت حتى بعد ما ظلت متجاهلتها.
قامت بتعب واتجهت للباب، فتحته وتأففت بوجه رسيل:
- رسيل حبيبتي أرجوك، لو مرة ثانية طولت وما فتحت ارجعي لا تقعدي تطفشيني كذا.
ناظرتها رسيل بحدة:
- من متى وأنا أقول لك لا عاد تقفلين الباب بالمفتاح؟ أو على الأقل عطيني الرمز عشان ما أظل أزعجك كذا وأخليك تقومين غصبا عنك.
تقدمت وهي تدخل للصالة وتحط أكياس الأكل على الطاولة الزجاجية الصغيرة، ثم تتجه للشباك وتفتح الستاير.
جلست على الأرض ورفعت راسها لنارا:
- اجلسي وش تنتظرين؟
جلست نارا جنبها وصارت تاكل غصبا عنها حتى تسكت رسيل اللي مستحيل تخليها بحالها لو ما اكلت.
بعد ما انتهوا التفتت لرسيل وناظرتها بصمت قبل لا تسأل بتردد:
- كيف كانوا؟ أقصد..... أهلي، أمي وزيد.
ابتسمت رسيل وهي تناظرها:
- وأخيرا، ما بغيتِ تسألين.. إيش رأيك ننزل تحت نتمشى شوي وتشمين هوا وأنا أحكي لك إيش صار معي هناك.
نارا بسرعة ومن دون ما تعطي لنفسها فرصة للتفكير:
- ما أبي أعرف إيش صار.
تعجبت رسيل من نبرتها اللي بانت وكأنها منفعلة:
- تمام، اممم مدري إيش أقول لك بس، تعرفين أمك من زمان، تعرفين انها كانت حنونة ولطيفة دائما وأبدا، وما تغيرت.. قلبها رهيف.
ضحكت وهي تكمل:
- أما أخوك فإنسان مختلف تماما، أقصد عنك.. تعجبت كيف انتِ قوية وشجاعة، وهو ضعيف رقيق حتى الكلمة الواحدة ممكن تجرحه وتكسره!
كانت عيون نارا تلمع وهي تناظر رسيل بكل تركيز ولهفة، وتنتظر منها تكمل.
- ما أعرف كيف أقول لك أو أوصف لك شخصيته.. بس تعرفين كيف لما تشوفين شخص ودك تضميه تلقائيا وتمسحين على ظهره بحنية! وتغنين على اذنه تهويدة تريحه وتخليه ينام حتى لا يظل تعبان ومهموم؟
- ليش؟
رسيل باستغراب:
- إيش اللي ليش؟
- إيش اللي خلاه يكون ضعيف كذا؟
هزت رسيل كتوفها بحيرة:
- ما أعرف، وش يدريني إيش صار معاه قبل؟ لكن تقريبا أنا شفته بأسوأ حالاته، صحيح كان صابر ومتجلد.. لكن من عيونه كنت أعرف إنه بحاجة لشخص يطبطب عليه.
وكملت وهي تبتسم:
- بس لا تخافين، صحيح انه ضعيف لكن ما هو جبان، تقدرين تثقين فيه وتعتمدين عليه.
ابتسمت نارا ببرود:
- ليش تتوقعين مني هالشيء؟ اللي بيني وبينهم منتهي من زمان يا رسيل، قدرت أتخطى آلاف المصايب لوحدي، ما أجي بنهاية عمري أعتمد عليهم أو أكون بحاجة لهم.
- يعني أفهم من كلامك إنك ما راح ترجعين لهم؟
هزت رأسها بالنفي وهي تضحك بسخرية:
- ما قد قلت ولا نويت من قبل، ليش كنتِ متوقعة مني هالشيء؟
- طيب ممكن أعرف ليش لما عرفتِ أمك ما رحتِ؟ ليش ظليتِ بعيدة عنهم طول هالسنين؟ ليش فضلتِ تعيشين بدون هوية وانتِ عندك أهل؟
أسندت نارا ظهرها على طرف الأريكة:
- كنت زعلانة ومقهورة، هالمشاعر كبرت معي وحالت بيني وبين روحتي لهم واعترافي لمشاعل إني أكون بنتها وماني مجرد طفلة يتيمة من الدار.
- إيش اللي زعلك!
- تعرفين متى شفت أمي لأول مرة؟
- بأول يوم دراسي لك بمدرسة الــ ...... الابتدائية؟ هذا اللي قلتيه لي.
هزت نارا رأسها بالنفي:
- لا، لما كان عمري 5 سنين.
كملت بعد صمت قصير:
- باليوم اللي أخذني فيه أبوي لبيتها، عشان يعطيني إياها ويخليني أعيش عندها على طول، كان عاجز ومسكين ما عنده القدرة على انه يربيني ويهتم فيني، صحيح حطني بالدار وأنا طفلة، لكن الظاهر انه انسانيته كانت باقية فيه وحس بالذنب، عشان كذا فكر يرجعني لأمي تربيني.. أو يدور حل عند جدتي، اللي تواصل معاها آلاف المرات عشان ترفع القضية عنه ولا يظل كأنه مجرم هارب من العدالة، لكن هي ظلت ترفض وترفض.. ولا سامحته نهائيا، عشان كذا اضطر يلجأ لهالحيلة، لكن تدرين وش اللي صار؟ ما تعرفت عليّ، أمي ما تعرفت عليّ أنا بنتها تؤام ولدها، إلا ما شافتني، كانت مشغولة بولدها اللي هو زيد، شفتها بعيني وهي تحاول تحميه وتغطي عيونه عن المنظر البشع اللي هو بنفسه كان سببه، أنا ما شافتني.. كنت قدام عيونها وما شافتني!
سكتت شوي ثم كملت:
- يمكن تقولين هالشيء صار لمّا كنتِ طفلة ويمكن أمك معذورة، صحيح كنت طفلة وما أعرف كيف أعذر الناس.. هالقهر والزعل كبر معي، المرة الثانية اللي شافتني فيها ما تعرفت عليّ برضوا.. وقتها اتخذت قراري في إني أناظرها براحتي ولا أعترف بنفسي.. كنت طول هالسنين أتمنى لو تتعرف عليّ بنفسها.. لكن كل مرة كانت تخيب ظني، وأكبر خيبة تلقيتها منها، لمّا ما نفذت طلب آسر، مهما كان صعب.. كان لازم تنفذه وتنقذني وهي عارفة وضعي.
ابتسمت رسيل بغير تصديق:
- أنا أتفهمك نارا ولا أبي أعطيك وجهة نظري وأنا مو مجربة شعوك، لكن... ما تحسي إنك أنانية؟ مو معقولة كيف تبيها تتخلى عن بنتها لمجرم مثل آسر عشانك إنتِ اللي ما اعترفتِ لها إنك بنتها.
ضحكت نارا وهي تبعد أنظارها عن رسيل:
- ما كان لازم نعالج الخطأ بالخطأ، آسر صحيح ممكن غلط بس ما هو وحش ما كان راح يقتل بنتها الحبيبة، وما أقصد بكلامي إني غلطت لما ما رحت لهم.. مو أنا اللي هربت بنفسي، ما كنت السبب في إني عشت هالضياع!
- ولا أمك كانت السبب!
ناظرتها نارا بحدة:
- رسيل إنتِ جاية تدافعين عنهم عندي ولا إيش تبين بالضبط!
تنهدت رسيل:
- مو جاية أدافع عن أحد، بس تدرين.. لو ما عايشت معهم الأشياء اللي صارت وأنا هناك ولا واجهتهم كلهم بأوقاتهم العصيبة ما كنت بحاول أفهمك الوضع، كنت بتفق معك أكيد، في أشياء ما راح تفهميها إلا إذا عشتيها بنفسك.
أشاحت نارا بأنظارها بعيد عن رسيل، تحس إنها ما تبي تقتنع عشان ما تضطر تعذرهم!
بنفس الوقت عندها رغبة قوية في إنها تسمع أكثر حتى تقتنع تماما وتروح لهم بدون أي تردد!
مسكت رسيل كفها وضغطت عليها:
- نارا حبيبتي أنا عايشة معك طول عمري، وما أظن في شخص شافك تعانين كثري أنا، كانت عندك أسبابك لما قررتِ تعيشين هالمعاناة بدال ما تلجأين للخيار الثاني والأسهل بالنسبة لك.. اللي هو إنك تروحين لأمك، لكن الحين ما عاد عندك سبب مقنع، ما دام جات الفرصة لين عندك ليش ما تسمحين لقلبك يلين؟ ما عندك نية ترتاحين؟
اكتفت نارا بالصمت ونظرة طويلة حائرة، قبل لا تقوم وترجع لغرفتها.
زفرت رسيل أنفاسها بضيق وهي تهز رأسها بيأس.


_______


عودة إلى زيد..

ضحك المحقق بتوتر وغير تصديق:
- مو معقول الشيء اللي قاعد تحاول تلمح له، لا تتوقع مني بصدقك.. أنا فعلا شايف إنه الموضوع كله قاعد يدور حول التضحية، جدتك الله يرحمها ويغفر لها لبست التهمة عشان تحمي بنتها، وأمك بشهادتها المضروبة مدري مين تحاول تحمي، لكن فكرة إنك إنت اللي قتلته عشان تحميهم هم الثنتين وعمرك بس 5 سنين! اسمح لي بس هالشيء ما يدخل العقل.
تكلمت مشاعل بانفعال:
- بالضبط.. طفل بعمره إيش ممكن يسوي يعني؟ وصدقني أنا مو قاعدة أحاول أحمي أحد، أنا صادقة بكل حرف قلته.
التفت ناحيتها وهو مقطب جبينه باستغراب، توتر لما رجع أنظاره لزيد وشاف تعابير وجهه المخيفة.. يعني فعلا هالشيء ممكن يكون معقول؟
وبهدوء وجه كلامه لزيد:
- كمل وش كنت تبي تقول؟
- أنا قتلته، ما طعنته بس أنا اللي قتلته صدق.

اتسعت عيون مشاعل وارتجفت أطرافها وهي تطالع في زيد بصدمة.
ما تدري ليه الاعتراف هزها لهالدرجة!
مع انه من أول ما دخل كان واضح جدا إنه ناوي يقول الحقيقة.
ما تدري ليش ظنّت إنه راح يتراجع ولا يعترف بهالحقيقة البشعة جدا والمرة، واللي خربت حياتها كلها بسببها!
أو يمكن ما اعتقدت انه راح يتراجع، يمكن كانت مجرد أماني ظنتها حقيقية لذلك صعب عليها تقبل الأمر، لدرجة إنه لسانها انعقد وجسدها تصلّب ولا قدرت تسوي شيء.. لما شافته يسرد على المحقق الحادثة بالتفصيل من دون ما يغفل عن أي نقطة!
كل ما نطق بعبارة زادت صدمتها وكبرت!
شلون! زيد كان ناسي!
حتى قبل فترة ما كان يتذكر شيء!
ولا كان يدّعي النسيان وهو ما نسي أصلا؟
يعني عاش كل هالسنين وهو عارف إنه قتل شخص وهو طفل؟ ولو كان اللي صار بغير وعي وبغير إدراك، ويمكن حتى ما عرف إنه اللي سواه تسبب بمقتل أحد؟


سرحت بخيالها وهي ترجع للموقف معاه وترجع تتذكر كل شيء صار وقلبها يألمها حرفيا.
لما صار البيت هادئ فجأة ونزلت مستغربة زي ما قالت للمحقق، كان هذا المنظر الموجع اللي شافته.. واللي صدمها كثير وخلاها توقف بمكانها مصنمة، كان ماجد واقف بحديقة البيت وهو مصدوم يناظر شيء على الأرض، وزينب بعد كانت مصدومة ومفجوعة وهي تشوف هالمنظر.. إلا إنها لما شافت بنتها أسرعت ناحية هالشيء اللي كانت عيونهم عليه.. وأشّرت لنفسها وهي تقول:
- أنا.. أنا اللي قتلته يا مشاعل، جاي يذبحك ويهددك، خفت يتهور صدق عشان كذا رميته بهالحجر.. إيه أنا اللي قتلته.
مثل هالكذبة الكبيرة ممكن تمشي على طفل مثل زيد، لكن عليها هي مستحيل!
خاصة لما شافت زيد واقف بطرف هالحديقة وبيده حجر ثاني متوسط الحجم.. غير اللي كانت على الأرض جنب جثة خالد!
باللحظة اللي استوعب فيها ماجد الوضع، وبدون أي تفكير أو تردد.. اتجه ناحية الطفلة اللي كانت شاهدة الموقف كله مثلها مثل زيد، مسك يدها وهرب بدون ما يلتفت!
طاحت مشاعل على ركبها مصدومة وخايفة وأطرافها ترتجف، تناظر ناحية ابنها شوي، ثم ناحية زوجها وأمها!
كان الموقف أشبه بكابوس مريع.
خاصة وهي تشوف نظرات زيد الغريبة، وتعابير وجهه الغامضة!
سألت بنبرة مرتجفة:
- إيش أسوي يمه! إيش أسوي؟
أسرعت زينب ناحيتها ومسكت كتوفها ووقفتها:
- ما عليه مشاعل أنا بتصرف، خذي ولدك وادخلي داخل.. نوميه وسوي أي شيء عشان ينسى، أنا بتصرف.
ناظرتها مشاعل بضياع:
- شلون بتتصرفين؟ إيش بتسوين يعني! يمه إنتِ تكذبين صح؟ زيد هو اللي ........
قاطعتها زينب بصرخة عالية من شدة الارتباك والخوف اللي تحس فيه، وهي تشوف مستقبل بنتها وولدها ينهار قدامها:
- لا تسألين شيء، خذي ولدك وادخلي داخل.. وأنا بكلم ناس أعرفهم عشان يتصرفون، يلا..
بدأت دموع مشاعل تنزل من جديد وهي ترتجف:
- بس يمه.....
دفتها زينب ناحية ولدها:
- خذيه وادخلي.. ولا تبينه يكبر ويتذكر هالشيء؟
زيد اللي تحرك من مكانه واتجه ناحية جثة خالد وعيونه متسعة بصدمة، وكأنه بعقله الصغير بدأ يستوعب إنه أخطأ التصويب، وبدال لا يرمي على الشخص الغريب اللي هاجم عمه، رمى عليه!
مسكته مشاعل وهي منهارة، أخذته ودخلت لداخل.

تصرفت زينب بالفعل، وألصقت التهمة فيها بنفسها.. على انه القتل تمّ عن طريق الخطأ، ودفاع عن النفس!
حتى تحمي بنتها، وتحمي حفيدها ولا تخليه يكبر وهو عارف انه قتل شخص ولو بالغلط!
ولأنه زيد طفل.. كان إقناعه بقصة مختلفة، وتغيير ذكراه البشعة بذكرى أخرى.. أقل بشاعة! نوعا ما سهل.
لذلك كبر وصار بهالعمر وهو يظن إنه فعلا والده الحقيقي كان القاتل!
إلا إنه العقل الباطن واللي خزّن الذكريات الحقيقية، رجعتها لوعيه وإدراكه لما شاف موقف مشابه.

كان المحقق مذهول ومصدوم ولا زال ينكر الشيء اللي سمعه من زيد، إلا إنه سأل:
- إيش اللي خلاك تعترف بهالشيء الحين؟ تدري انه اعترافك ما راح يقدم شيء، ما راح يغير شيء بالقضية! نفس الشيء اللي سوته أمك وهي عارفة إنه ما في شيء راح يتغير! لكن على الأقل أقدر أتفهمها، وأقول إنه تبي تبرئ ذمتها وتحسن صورة أمها بعيون الناس بعد وفاتها، إنت وش عذرك؟ وش السبب الحقيقي؟ كنت طفل يعني مستحيل تتعاقب!
التفت زيد لأمه وحط عينه بعيونها المليانة دموع:
- ما أباها تكون المجرمة بدالي ولا أبيها تضحي عشاني أكثر من كذا، غير إني أتمنى كل المصايب اللي صارت واللي راح تصير تنتهي قبل لا تبدأ.
كانت مشاعل منهارة ولا قادرة تتكلم.
شعورها بالذنب تجاه أمها ظلّ يكبر ويكبر، وشعورها بالألم على ولدها البكر.. لما عرفت إنه ما نسي! وانه يتذكر كل التفاصيل زيها هي.
التفاصيل اللي كانت تذبحها يوميا، الذكريات اللي يا ما حاولت تنساها ولا قدرت!
وقف زيد وقرب منها، انحنى وضم رأسها لحضنه وهو مبتسم، يطبطب على ظهرها:
- لا تبكين، كل شيء راح ينتهي الحين.. الكوابيس اللي عشتيها بسببنا أنا وأخواني راح تنتهي الحين، ما أبيك تحسين بالذنب بعد الحين، ولا أبي أشوف دموعك.. أرجوك.

بعد 10 دقايق..
كان المجلس خالي من مشاعل اللي ما قدرت تهدّي نفسها، وبكاءها يزيد كل دقيقة وكل ثانية.. ساعدها زيد حتى صعدت لغرفتها.
ورجع هو للمحقق اللي تأثر باللي صار.
جلس قدامه زيد:
- عندي سبب أخير اعترفت عشانه، أبي أنتقم.
رفع المحقق حاجبه بتعجب:
- شلون!
حط زيد جواله قدام المحقق:
- هذا رقم ولد عمي، اطلب منه يجي هو وأخته.. أبيهم يقررون العقوبة اللي يبون يفرضونها عليّ بصفتي قاتل أبوهم.
ظل المحقق يناظره مستغرب، قبل لا يكتب الرقم ويتصل بآسر ويطلب منه الحضور.
واللي وصل خلال ربع ساعة.
كانت اللهفة واضحة عليه، وكذلك الفضول.
معاه غزل اللي مو فاهمة شيء.. لكن مشاعر غريبة راودتها وحسّت بالخوف وهي تشوف المحقق.
وقف زيد قدام آسر وهو يدخل يدينه بجيوبه، وابتسم له بغموض:
- أنا مستغرب جدا، لك أسبوع هنا لكن ما شفت منك أي حركة قذرة، وش اللي مهجدك؟
ردّ آسر بعد صمت قصير وهو مرتبك من زيد:
- ليش طلبتونا هنا؟ صاير شيء؟
- تفضل إنك تقوله حضرة المحقق ولا أنا أقول؟
- قانونيا ما عليك شيء لذلك أنا أستأذن.
أنهى عبارته وخرج، وظلّ آسر يناظر زيد بترقب.
نزلت غزل حجابها وقرّبت منهم تناظرهم بخوف وارتباك:
- إيش صاير؟
التفت زيد لغزل.. وبلع ريقه بتوتر، ثم قال العبارة اللي صدمهم وخلاهم يصنمون بمكانهم:
- أنا اللي قتلت أبوكم.
ما يدري كم دقيقة مرّت وهو ينتظر ردود أفعالهم، آسر اللي يناظره بعيون متسعة، وغزل نفس الشيء.. لكن عيونها احمرّت فجأة وارتجفت يدها.
ضحك آسر وهو يدخل يدينه بجيوبه:
- وش هالسخافة؟ جايبني هنا عشان تسمعني مثل هالكذبة؟ ومتوقع مني أصدق يعني؟ إذا تبي تحمي أمك دور طريقة ثانية.. كذبة سخيفة وتافهة مثل هذي ما راح تمشي عليّ.
- مشت ولا ما مشت مو مشكلتي، لكن أنا الحين قاعد أقول لك الحقيقة وأقدر أحلف لك بالقرآن، نارا كانت شاهدة، وأبوي شاهد.. لو أعرف مكانه بوديك له.
اتسعت عيونه من جديد وهو يناظره مستغرب، ضحك زيد بسخرية وقال:
- طول عمرك تحاول تعرف مين اللي قتله وتبي تنتقم منه، وسويت كل اللي سويته من قهرك عليه، لكن شوف نفسك الحين، إيش ردة الفعل هذي؟
قرّب منه زيد حتى ما صار يفصل بينهم شيء.. وحط عينه بعين آسر بحدة:
- قرر إيش تبي تسوي، تسجنني؟ تذبحني مثل ما ذبحته؟ تضربني وتطلع حرتك؟
كانت غزل واقفة بمكانها تطالع في الإثنين، تحاول تستوعب الكلام الغريب اللي سمعته من زيد، تحاول تستوعب الوضع اللي هي فيه.. تحاول تعرف شيء ثاني من ملامح زيد!
يمكن يمزح! يمكن يبي ينتقم من آسر بهالطريقة؟ يمكن يبي يستفزه مو أكثر!
متأكدة إنه آسر يستحق الكثير، يستحق أي أذية ممكن تجيه من زيد؟
لكن هي وش وضعها؟ زيد مستحيل يأذيها حتى لو بشيء بسيط.. مستحيل يجرحها بهالشكل! زيد ما يتجرأ أصلا.
ضحك آسر من جديد وهو يبعد عنه زيد:
- ما أدري وش تبي من ورى حركتك السخيفة هذي، بس أنا حاليا ماني بمزاج يسمح لي أتجادل معك أو أتهاوش بسبب شيء تافه ما له أساس من الصحة.
هز زيد رأسه:
- عموما ما كنت متوقع إنك راح تصدقني فورا، بس أكيد راح تصدق الشهود مو كذا؟
سكت شوي وهو يناظر آسر بنظرات قوية، ثم قرّب مرة ثانية وهو يقول بنبرة مخيفة:
- لين ذاك الوقت، خلني أنا أسوي اللي جبتك عشانه.. وآخذ حق أمي وأختي منك، تالي تقدر تقرر كيف تبي تنتقم مني.
ما مداه ينهي عبارته إلا وانقضّ على أسر كأنه أسد هايج، وصار يضربه بقوة بكل مكان تطيح قبضته عليه.. من دون أي مقاومة من آسر اللي تفاجأ من حركته، وظلّ مصدوم من اعترافه اللي ما دخل عقله أبد.
غير انه كان مستعد لكل شيء، وأي شيء.. وضرب زيد له ما يعتبر شيء مقارنة باللي سواه بأمه وأخته.
ادمعت عيون غزل تلقائيا، ناظرتهم بهدوء قبل لا تنسحب بصمت، ثم تسحب الباب وراها وتقفله ولا كأنها شافت شيء!
اتجهت للصالة متجاهلة أصواتهم، وجلست على أقرب كنبة وهي تحس انه رجولها مو شايلتها.
ما تبي تصدق اللي سمعته أبدا، ولا تحس إنه حقيقي.
لكن تعابير وجه زيد ونبرته، والطريقة اللي تكلم فيها.. كل شيء يقول انه جاد وما يمزح أبد!
معقولة يكون فعلا قتل أبوها؟ أبوها اللي ما تتذكره أبدا ولا لها أي ذكرى معه.. لكن أكيد شعور اليتم صعب سواء تعرفت على أبوها ولها ذكريات معاه أو لا..
مستحيل يكون زيد هو السبب في يتمها، مستحيل يكون قاتل...!
كيف ممكن يصير هالشيء وهو طفل أساسا؟

مسحت دموعها ووقفت، ناظرت ناحية باب المجلس لما ارتفعت أصواتهم وعرفت إنه كل واحد فيهم صار يضرب الثاني.. مو بس آسر اللي يتلقى ضربات زيد.
كانت ناوية تطلع فوق وتسأل مشاعل وتتأكد.
لكن فجأة حسّت بضغطها يرتفع ودمها يحرقها، ورجولها توديها للمجلس.
فتحت الباب بقوة حتى دق بالجدار بقوة وأصدر صوت قوي.
كان زيد جالس على بطن آسر ويضربه ويلكمه على وجهه.
لمّا سمع صوت الباب التفت متفاجئ.. تفاجأ أكثر لما شاف غزل تتجه لهم ووجهها محمر، وقفت جنبهم وصرخت بعصبية وبصوت عالِ:
- خلاص يكفي.. يكفي.
وقف زيد وهو يلهث ويتمايل من الألم، أنفه ينزف دم.. والكثير من الخدوش على وجهه.
قربت منه وعيونها تلمع من الدموع، ناظرته لثواني.. قبل لا ترفع يدها وتطبقه على خده بضربة قوية، دوّى صداها في أنحاء المجلس.
كان صدرها يعلو ويهبط من شدة الانفعال، همست بنبرة حارقة:
- كنت انت الوحيد اللي حاطة فيك أملي، كنت الوحيد اللي صورته حلوة بعيني.. ليتك ما اعترفت، ليتك خليت هالسر البشع بقلبك وأخذته معاك بقبرك.
القت عليه نظرة أخيرة، موجعة ومؤلمة للحد اللي ما له حد.. بالنسبة لزيد اللي يسمع هالكلام منها للمرة الأولى، وآسر اللي حس إنها حكمت عليه بالكره المؤبد.. لمّا وضحت بكلامها إنه كان ضمن اللي كانت صورهم بشعة بعينه، بعكس زيد...!

______

في بيت مشاعل...

صار البيت خالي من جديد، إلا صار أفضى من قبل.
صار موحش بشكل مفجع.
قبل كانت عهد موجودة على الأقل، الحين حتى هي راحت!
أخذت معاها كل أغراضها.
وصارت هي لوحدها أثناء غياب وائل.
كان التعب الشديد والوهن واضحين عليها، بعد ما قامت من النوم وظلّت راقدة بمكانها لساعات طويلة.
قررت تخرج من غرفتها أخيرا بعد ما حسّت بالجوع، وهي حاسة بجسمها مكسر من التعب، مع انها ما سوّت أي مجهود بدني.
دخلت المطبخ وفتحت باب الثلاجة بكسل، أخذت علبة الجبن وجلست بعد ما أخذت كيس التوست.
دهنت قطعة وبدأت تاكلها ثم تبل ريقها بالمويا حتى لا تغص بهالقطعة الناشفة.
ما مرّت لحظات قليلة إلا وتبللت خدودها بالدموع من دون ما تحس.
تجاهلت كل شيء وكملت أكلها حتى بعد ما ذاقت طعم الدموع.
ما كانت متوقعة أبدا، ولا واحد بالمية.. إنه مثل هاليوم راح يجي!
اليوم اللي تندم فيه على اللي سوته في سبيل انها تأخذ حق أختها من اللي أوجعتها!
تندم على خداعها لشخص غبي مثل وائل!
تندم على تسببها في تفكيك أسرة مشاعل!

تتذكر اللي صار قبل يومين، وكأن الموقف يصير قدامها بهاللحظة.. ما غاب عن بالها أي نقطة، أي شيء بسيط صار هذاك اليوم.
لما طلبت من آسر يجيها، وبدون ما تحس لقت نفسها تضربه على خده بكل ما أوتيت من قوة.
وقتها رفع آسر عيونه مصدوم.. ولسانه معقود من الدهشة.
مسكته من ياقته بقوة وهي تهمس بقهر:
- هذا اللي قدرت تسويه؟ هذا اللي كان بيدك؟ هذا كل شيء قدرت تسويه عشان أهلك؟ جاوبني....
أبعد آسر يدينها بلطف:
- خالتي اهدأي وخلينا نتكلم بهدوء.....
دفته وهي تصارخ بعصبية:
- ما أبي أتكلم بهدوء، ما أبي أهدأ، ولا أبي أسمع منك شيء ثاني.. اللي بيننا انتهى يا آسر، تسمع؟ ما عاد أبي أشوف رقعة وجهك ولا أبي أشوف اسمك على جوالي.. إياك تقرب مني مرة ثانية، مفهوم؟
ظل آسر يناظره بحيرة وصدمة، ولا قادر يفهم سبب عصبيتها:
- ليش طيب؟
رفعت عيونها له بقهر، حسّت انها تغص بكلامها قبل لا تلفظه:
- يكفي لهالحد، ما عاد أبي أشارك معك بهالشيء، ما أبي أنتقم من مشاعل.. يكفي.
آسر كان متخذ قراره فعلا وقبل لا يقابلها، ما كان ندمان بقدر ما كان يائس.. إلا إنه كلام بدور صدمه تماما:
- ليش طيب؟ عطيني السبب!
جلست بدور على أقرب كنبة وهي تحط يدها على بطنها، يدها اللي كانت ترجف، وعيونها مليانة دموع:
- كنت بفقد ولدي آسر، كنت بفقده قبل يومين.. لو ما لحقنا من بدري كان بيروح مني تدري؟ كان بيروح وأفقده بعد ما صار يتحرك وتعودت أنا أحس فيه كل يوم.
رفعت شعرها وهي تشهق ثم قالت:
- لا زلت في بداية الشهر الخامس، ما شفت ولدي ولا حملته بيدي، بس من حسيت إني بفقده.. هالشعور كان فظيع يا آسر، تمنيت لو أموت أنا ويبقى هو مع إنه لسه ما خرج للدنيا.. تدري وش أول شيء جاء في بالي؟ كيف حسّت مشاعل وهي تسمع خبر خطف بنتها؟ كيف حست لما هددتها بعهد؟
وقفت قدامها وهي تناظره برجاء:
- أرجوك آسر، أنا لما اتفقت معك كنت أبي أقهرها هي بس، كنت أبيها هي لوحدها تتعذب.. لكن إنت ومن بدري دخلت أولادها باللعبة، في البداية زيد ثم تؤامه اللي طلعت من تحت الأرض، بعد كذا عهد! كيف قدرت تسوي كذا؟ كيف قلبك طاوعك تلعب مثل هاللعبة القذرة وتوجعها بهالشكل علمني!
ضحك آسر بسخرية:
- ملاحظة إنك قاعدة تناقضين نفسك؟ تقولين إنك فكرتِ بمشاعل وكيف تحملت، بعد كذا تقولين كنتِ تبين توجعينها لوحدها!
ابتسمت بألم:
- الوجع على الأولاد مختلف عن الوجع على النفس يا آسر، يمكن راح تفهمني لو صرت أب مستقبلا.. أو... فقدت وحدة من خواتك.
احمرّت عيون آسر من طاري خواته وأوجعه قلبه لما تذكر رزان فورا، إلا إنه تجاهل مشاعره وهو يقول:
- خالتي لا تحاولين تخليني أنا المذنب بس، قبل لا تحملين كنتِ إنتِ بعد مليانة حقد، حتى علاقتك الحالية مبنية على الكذب، شفتِ المصايب اللي طاحت براس مشاعل، شفتيها قد إيش عانت ولا زالت تعاني، ليش ما تصارحين وائل الحين؟ ليش ما تعلمينه بالحقيقة وإنك تزوجتيه بس عشان تدمرين مشاعل إذا لهالدرجة حاسة بالذنب!
أنهى كلامه وهي تناظره مصدومة، ثم قرب منها وقبل جبينها قبل لا يخرج وهو يقول:
- -انتبهي لنفسك كثير ولا تفكرين بالموضوع، لأنه منتهي.
ما مداها تستوعب كلام آسر، إلا وصدمها وائل اللي كان واقف بأعلى الدرج، وقال بهدوء مخيف:
- كان لازم أعرف هالشيء من البداية، إنه عندك هدف ثاني من هالزواج، لكن برافو.. قدرتِ تستغليني وتستغلين غبائي، أهنيك.
نزل بخطوات سريعة واتجه للباب، أسرعت بدور ناحيته ومسكت ذراعها بقوة:
- لا وائل اسمعني، آسر كان يكذب، ما يدري عن شيء صدقني...
أبعدها وائل بحذر حتى لا تتأذى، وسأل بعد ما قرب وجهه منها:
- أجل وش الحقيقة يا بدور؟ أبي أسمعها منك؟ إيش اللي خلاك تتعمدين تقربين مني؟ إيش اللي خلاك تحبيني من البداية؟ وأنا لا شهادة ولا وظيفة.. متزوج وعندي عيال كبار؟
كانت دموعها تنزل بصمت، ولسانها معقود من صدمة الموقف....
وما عرفت ترد وهي تشوف نظرة الألم بعينه، وتعابير وجهه اللي بان فيها الإحباط الشديد.. آلمها قلبها فعليا.
لمّا طولت وهي ساكتة، تركها وائل وخرج.
وخلال هاليومين كان يطلع من بدري ويرجع متأخر.
كان هذا أقل عقاب تستحقه منه بعد اللي سوته فيه.
أكثر من مرة حاولت تتكلم وتبرر، تقول له إنها فعلا استغلته في البداية.. لكن فيما بعد كان كل شيء حقيقي، حبته من قلبها.. وهذا اللي خلاها تفكر تخرج من بيت مشاعل لبيت يخصها هي وزوجها وائل.
لكن ما في شيء سار مثل تمنت، نتيجة أفعالها السابقة ظهرت بالوقت الخاطئ.. وخرّب كل شيء!
أكيد إنها حوبة مشاعل.
ليتها سمعت كلام بشاير، ليتها ما خلّت حقدها يكبر معاها، ليتها ما سمحت لرغبتها بالانتقام تسيطر عليها.. وش استفادت الحين؟
تدري إنها إذا استجمعت شجاعتها وواجهت وائل وخبرته بالحقيقة، راح يسامحها فورا.. وينسى اللي سمعه.
لأن هذي طبيعته، لأنه قلبه لهالدرجة أبيض.. ولأنه يحبها.
ما تدري وش اللي يمنعها من انها تتكلم؟
يمكن لأنها راضية بهالعقاب؟


__________


في المستشفى..

كان محسن ثاني واحد يخرج من غرفة رزان، بعد ما قعد قرابة الساعة.. وهو ماسك يدها ويتكلم معاها، كأنها تسمعه.
بما إنها ما تعاني من أي أضرار جسدية، وعلّـتها عقلية.. طلب منهم الدكتور يتكلمون معاها، يمكن تسمعهم فعلا وتستجيب للعلاج وتقوم!
ومن أول وبعد ما دخلت عليها غزل، ثم آسر وعمتها وبتول.. أظهرت بعض العلامات الإيجابية.
كان محسن أكثر من يدخل يجلس معاها ولأوقات طويلة.
يحس إنه كل شيء بحياته حاليا ما له طعم.
يحس إنه فقد شيء كبير من لمّا دخلت رزان المستشفى.
كأنه فارقها بعد تواصل 15 سنة مو العكس!
اللقاء القصير واللي كان في حالة رزان الغير طبيعية، هو اللي سبّب له هالشعور تقريبا.
يذكر إنها من بداية علاقتهم.. كانت هي اللي تقدم كل شيء وبدون أي مقابل.
يمكن الحين صار الوقت اللي لازم هو يقدم فيه بدون ما ينتظر مقابل!
حتى تتعافى، ووقتها تقرر إذا تبي تسامحه وتكمل معاه، أو تخليه يطلقها ويفترقون للأبد.
كل المشاكل، وكل الأمور اللي صارت بالماضي انحلّت تقريبا.
عبير وطلقها، ولا عاد سمع عنها شيء ولا يبي يسمع.
أبوه وسامحه.. ومثل ما قالت أمه، ما كان شايل عليه، مستحيل يظل زعلان طوال 15 سنة!
مو باقي إلا رزان..
إذا قامت بالسلامة، أكيد إنه راح يرتاح تماما.

قبل أسبوع، وبعد ما جلس لوحده قرابة الساعتين.
نزل أخيرا وهو مرتبك ومتوتر، استجمع شجاعته هو يخطو أولى خطواته ناحية المجلس اللي فيه أبوه.
يسمع ضحكات أبوه وأمه وبتول اللي رجعت من بيت مشاعل.
ابتسم تلقائيا بشوق، ثم تقدم أخيرا بعد تردد كبير.
ودخل المجلس.
عمّ الصمت أنحاء المجلس لما ألقى السلام، وطاحت عيون أبوه عليه.
ارتبكت هاجر وهي تتذكر اللي صار بغرفته، والكلام اللي قاله وهو معصب.
لذلك وقفت وهي تبتسم بارتباك وتقول:
- تعال محسن سلم على أبوك.
قرب محسن أكثر وبخطوات بطيئة، يرفع عيونه شوي ثم ينزلها.
حتى وقف قدام أبوه، ما بينهم إلا كم خطوة.
بتول وهاجر عيونهم عليهم بترقب.
وقف أبو محسن اللي ما حرك عيونه من وجه محسن أبد، كثير من المشاعر كانت تعصف بقلبه بهاللحظة.
شوق للماضي، لمتعب ولده البكر اللي راح منه فجأة وبغمضة عين.
وترك في حسرة ظلت بقلبه إلى هاليوم.
شوق لمحسن الصغير المتهور، ما مرّ عليه يوم إلا واشتاق له.
لكن طبعه القديم، طبعه السخيف.. منعه من انه يرفع جواله ويتصل فيه حتى لو لمرة واحدة طوال 15 سنة!
الكثير من الندم يعتريه، انتهى عمره.. وراح نص عمر ولده حتى خطّ الشيب راسه، مو بسبب عمره أكيد.. إلا بسبب اللي واجهه وهو لوحده في الغربة!
الشيء الوحيد اللي قدر يسويه كتعبير عن ندمه، إنه بادر هالمرة.. واحتضن ولده بقوة والدموع تبلل وجهه.
بادله محسن الاحتضان وهو يغمض عيونه ويسمح لدموعه بالنزول.
ماحد منهم فتح فمه بكلمة، مع انه صدورهم كانت مليانة كلام..
إلا انهم فضلوا يخلوا هالشيء بداخلهم.
هاللقاء الحار بعد فراق سنين طويلة، ما كان المرفوض يتخلله عتاب، أو اعتذار!
وإذا كان فيه كلام لازم ينقال، عندهم الكثير من الأوقات يقدروا يتكلموا فيها.
لكن أول لقاء بعد 15 سنة، مو لازم يبدأ بعتاب وزعل، وحساب!

________


عند مشاعل..

قامت مشاعل من مكانها مفجوعة لما سمعت صوت غزل اللي كانت تناديها وتدق الباب بقوة.
فتحت لها وانصدمت من منظرها، كانت الدموع مغرقة وجهها وهي منهارة تماما.
مسكت يدها بخوف:
- بسم الله عليك يا بنتي، بسم الله عليك إيش صاير؟
دفتها غزل بقوة ثم دخلت للغرفة بعصبية:
- صدق اللي سمعته؟ صدق اللي قاله زيد؟
توسعت عيونها وتسارعت دقات قلبها، بلعت ريقها بخوف.
حتى هي لا زالت تحت تأثير الصدمة.
إيش تقدر تقول الحين لهالمسكينة؟ كيف تريحها؟
قربت منها ومسكت كتوفها بحنان:
- اهدأي غزل أرجوك اهدأي واجلسي هنا، بفهمك كل شيء، انتِ بس أجلسي وامسحي دموعك.
ما جلست غزل برضاها، خارت قواها تماما وضعفت رجولها وجلست على الأرض باستسلام:
- أرجوك فهميني، قولي إنه كان يكذب.. قولي إنه كان يمزح.
قفلت مشاعل الباب ورجعت لغزل، مسكتها من كتوفها مرة ثانية وساعدتها للجلوس على السرير.
مسحت دموعها بالمنديل وعدلت شعرها القصير ثم قبّلت جبينها بحنان، وناظرتها بهدوء وحيرة.
ما تبي تكذب عليها وتسبب بفوضى أخرى، ولا تبي تقول الصراحة وتحطم قلب هالمسكينة.
بدأت غزل تبكي مرة ثانية بصمت، وأبعدت يدين مشاعل وهي تصد عنها وتغمض عيونها بألم:
- يعني صدق؟ يعني زيد ما كان يكذب!
ناظرت مشاعل بعتاب:
- ليش طيب؟ ليش سمحتي له يتكلم؟ ليش سمحتي له يعترف بعد هالسنين؟ ما أبي أعرف كيف قتله وليش ما أبي أعرف شيء، ولا كان عندي حتى ذرة صغيرة من الفضول، لكن لما يكون هالشخص زيد! تدرين قد إيش هالشعور مؤلم!
عضت مشاعل طرف شفتها بضيق ثم قالت:
- ما كنت أدري إنه يتذكر، ما كنت أدري إنه راح يعترف.. حتى أنا انصدمت صدقيني غزل.
وقفت غزل، ثم التفتت لمشاعل بحزن وغضب:
- الظاهر كان هذا سبب إحسانك ومعاملتك الطيبة، كنتِ تحسين بالذنب لأن ولدك هو اللي قتل أبوي!
التفتت عنها وخرجت من الغرفة بخطوات سريعة وغاضبة، إلا من البيت بكبره بعد ما لبست حجابها وغطت وجهها.


باللحظة اللي كانت فيها عهد راجعة من البقالة مع ميس، استغربت من خروج غزل لوحدها.. وشافتها وهي تتجه للشارع العام.
واستغربت أكثر لما شافت سيارة مألوفة، بعد تفكير بسيط تذكرت وعرفت إنها سيارة آسر!
وش يسوي عندهم آسر؟ متى جا و ليش غزل راحت لوحدها مشي؟
شهقت بصدمة لما قربت من الباب وانفتح، وظهر من خلفه آسر!
تعلقت عيونها بعيونه.. كان هو الثاني مصدوم ويحاول يستوعب الوضع.
عرف إنها عهد فورا.. كيف لا وهو اللي ظلّ يفكر فيها ليل نهار!
وسوى الكثير من الأشياء اللي ما تليق فيه عشانها!
بغض النظر عن السبب أو الهدف!
كان على وشك إنه ينالها وتصير من نصيبه، لو ما صار وائل عاقل فجأة وقرر يرفضه بسبب طريقته في طلب الزواج!
لكنه وعده إنه راح يعطيه فرصة ثانية لو جاه بطريقة مناسبة.
لكن بعد اللي صار، وبعد اللي عرفته عنه عهد.. والصورة اللي أخذتها عنه، وهي سبب هالنظرة الغريبة من عينها، مستحيل تصير من نصيبه، أبدا!
كانت عهد مصدومة ومندهشة من ظهوره المفاجئ قدامها، لكن منظره كان صادم أكثر.
بكل مكان في وجهه كدمات ودم!
وملابسه مشقوقة.
نزلت عيونها لما انتبهت لنفسها أخيرا، وابتعد هو عن الباب.
دخلت بسرعة وقفلت الباب بقوة حتى تسيطر على نفسها وانفعالاتها.
لما جاتها رغبة قوية في انها تضربه وتبرد قلبها.
مقهورة منه بشكل مو طبيعي.
أصلا كيف تجرأ يقرب من بيتهم بعد كل اللي سواه؟
نزلت طرحتها على كتفها وهي تزفر أنفاسها بضيق.
اتسعت عيونها فجأة وأطلقت صرخة عالية وهي تشوف زيد يخرج من المجلس بخطوات عرجاء، ثم يطيح مغمى عليه!


_________



حلّ الظلام، وعمّ الهدوء بكل مكان أخيرا.
وقرر هو ينزل ويدخل البيت بعد ما جلس بالسيارة لساعات طويلة، من بعد ما خرج من بيت مشاعل حتى الساعة 12 بالليل!
لا شرب ولا أكل.
ظل يلف بالسيارة من غير هدى، مو عارف وين يروح.
كل شيء تجمع عليه اليوم، اعتراف غزل الموجع جدا.. ثم اعتراف زيد اللي ما صدقه أبدا ولا يبي يصدقه.. مين العاقل اللي ممكن يصدق قصة سخيفة مثل هذي أصلا؟
آخر شيء كانت نظرات عهد، أول ما خرج من بيت مشاعل مهدود حيله.. ثم قابلها، وكانت صدفة غير متوقعة.
حتى هذه اللحظة مو قادر يحدد شعوره، ولا عارف ليش اجتاحته مثل هالرغبة في امتلاكها!
يعرف إنه اللي سواه عشانها هو أكثر شيء أوجع مشاعل، لكن ما يحس بلذة الانتصار أبدا، ما يحس إنه ارتاح ولا شوي!
كل اللي يعرفه بهاللحظة، إنه نظرات عهد أوجعته كثير، نظرة كانت مليانة مشاعر سلبية تجاهه، غضب وقهر.. وعتاب خفي!
أكيد إنه ما كان حب، لأنه.. كيف يحبها وهو ما يعرفها حق المعرفة؟ ما شافها إلا بالصدفة وفي مرات قليلة جدا!
حتى لو كان حب، فأكيد إنه قصته هو وإياها، كانت أقصر حكاية، أو حب انتهى قبل لا يبدأ!
لو انه ما ارتكب كل هالحماقات من قبل، وبعذر واهي وغبي مثل ( الانتقام).. كان قدر ينالها أكيد، وقدر يتأكد من نفسه، قدر يعرف وش هالشعور.. وليش هو انجذب لها.
وما دام هالشيء ما صار، والأمر قد انتهى...
ممكن يندم على بعض الأشياء، لكن ما راح يقلل من قيمة الهدف اللي حطه نصب عينه من لما كان صغير، ما راح يقلل من شأن (انتقامه) من مشاعل.
اللي عاشه هو واخواته ما كان هين، القهر اللي ذاقه ما كان شيء عادي.
العذاب اللي عاشته أمه من بعد زواج أبوه، ثم بعد وفاته في بيت مشاعل.. ما كان قليل عشان يندم على أي شيء سواه في سبيل انتقامه من مشاعل!
بمعنى إنه ما هو نادم على الألم اللي خلى مشاعل تذوقه، لكن بالمقابل.. نادم على تسبب الألم لعيالها!
وعلى خشارته لكثير من الأشياء.
نزل من السيارة بوهن وضعف، وكل جزء من جسمه يألمه من ضرب زيد.
فتح الباب بالمفتاح اللي عنده، ووقف قدام باب الملحق للحظات.. قبل لا يرفع راسه ناحية شباك غرفة بتول.
تردد، وبقى واقف يناظره كم ثانية.. قبل لا يخطو خطواته داخل البيت، ثم يصعد للدور الثاني.
وكالعادة بمثل هالوقت، الظلام والهدوء يعمّ بيت هاجر.
وقف قدام الباب، دخل يدينه بجيوبه ونزل راسه وهو مغمض عيونه.
ظل على وضعه لبعض الوقت، ثم رفع راسه أخيرا ودق الباب بخفة.
انتظر كم ثانية، حتى فتحت له بتول الباب.. وغطت فمها بيدها وهي تشهق بصوت عالي من منظره، وقبل لا تصرخ وتصحي أهل البيت، غطى فمها ودخل وهو يسحبها معاه.
قفل الباب بالمفتاح والتفت لها.
مدّت بتول يدها لوجهه تتلمس جروحه وهي مقطبة حواجبها بانزعاج وخوف:
- بسم اللي مين سوى فيك كذا الله يكسر يده.
ناظرها بصمت ثم ضحك بسخرية:
- لو تعرفين مين ما راح تدعين عليه.
اتجه للسرير ورمى نفسه عليه بتعب ثم غطى جبينه بكفه:
- خليني أنام هنا، لا تصحيني قبل لا أصحى بنفسي.
وقفت بتول بمكانها تطالع فيه بقلق، وزيد أول شخص جاء في بالها لما سمعت رده.
يعني تهاوشوا؟ وصل الموضوع للحد اللي ضربوا فيه بعض!
أكيد إنه الموضوع متعلق باللي سمعته قبل كم يوم، وكسر قلبها.
عضّت شفتها بعد ما تنهدت بضيق، ثم خرجت من الغرفة بصمت.
فتح آسر عيونه ناحية الباب باستغراب.
رجعت بتول خلال لحظات قليلة وبيدها علبة الإسعافات الأولية، حطتها على الكومدينة وخرجت مرة ثانية بدون ما تقول شيء.
رجعت مرة ثانية وبيدها سطل صغير.
قفلت الباب بالمفتاح وجلست على يمينه.
بدأت تمسح وجهه بالمويا، ثم تعقم جروحه وهو يناظرها بصمت.
تكلم أخيرا بهمس:
- ما طلبت منك تسوين هالشيء.
- ما قلت بنفسك، لكن جيتك عندي وبحالتك هذي ما لها إلا هالمعنى، غمض عيونك ونام وانت ساكت.
ابتسم ثم غمض عيونه بهدوء.
يحاول يسترخي ويهدئ الأفكار اللي برأسه.
كملت بتول تعقيم وتنظيف وبالها مشغول.
ما ودها تطالع في وجهه لوقت طويل.. لكن مجبورة!
كيف قدر يسوي فيها كذا؟ كيف قدر يطعنها بهالشكل من ظهرها!
تدري إنها قد غلطت لما أخلفت وعودها مع زيد.. لكن هالشيء ما يعتبر حتى نقطة قدام اللي آسر سواه فيها، أو كان ناوي يسويه بالأصح.
غير انها كانت مجبورة!
فتح آسر عيونه مستغرب لما حس بشيء يبلل جبينه، انصدم لما شاف عيون بتول مليانة دموع.
عدّت جلستها وتنحنحت وهي تمسح عيونها وتصد بوجهها عنه.
جلس وهو يمسك يدها:
- إيش فيك؟
سحبت يدها ووقفت وهي تقفل العلبة:
- ما فيني شيء، أجيب لك شيء تأكله؟
مسك يدها مرة ثانية وسحبها حتى جلست وصار وجهها مقابل وجهه، وقريب منه حيل.
ارتبكت لما شافته يتأملها، وقالت أول شيء جاء على لسانها:
- متى راح تطلقني؟ اختباراتي تقريبا خلصت.. مو باقي لي إلا مادتين.
انصدم آسر واتسعت عيونه، نسى الموضوع تماما ولا تذكره إلا تو!
ابتلع ريقه بتوتر، إلا إنه رد بثبات:
- انسي الموضوع.
رفعت عيونها بصدمة وسخرية بنفس الوقت:
- أنسى وشوو؟ أي موضوع؟
- موضوع الطلاق، ما راح أطلق.
طالعت فيه بقهر وعصبية قبل لا تدفعه بقوة ثم توقف:
- ليش؟ قلت لي قبل لا تسافر إنك راح تطلقني بس ترجع، إيش اللي تغير الحين؟ ولا لأنك ما قدرت تتزوجها؟
آسر باستغراب:
- مين هي؟
بتول اللي صارت دموعها تنزل من جديد:
- مين هي؟ تحسبني ما أعرف؟ ليش سافرت وإيش كنت ناوي تسوي بالضبط؟
وقف آسر يناظرها بذهول، إذا غزل أخته ما قدرت تعرف، هي شلون عرفت؟
- بتول إيش تقولين إنتِ؟
عضّت شفتها ثم استدارت عنه وهي تقول:
- أهاا.. كنت تحسبني ما راح أعرف صح؟ للأسف عرفت كل شيء سويته، إنك سافرت وخطفت أخت زيد.. تؤامه اللي ما كنا ندري عنها، وإنك كنت ناوي تخطب عهد لكن ما في شيء صار مثل ما بغيت، والحين تراجعت عن قرارك لأنك ما قدرت تتزوجها؟ يعني اعتبرتني احتياط؟ إذا ما قدرت تتزوج اللي في بالك تكمل معي؟ هذا اللي فكرت فيه؟
كان آسر تحت تأثير الصدمة وهو يسمع كلامها، ونبرتها أوجعت قلبه:
- مين قال لك هالكلام؟
- رسيل، البنت اللي جات عشان أخت زيد.. سمعتها تتكلم عنك بالصدفة وما قدرت أخليها تسافر بدون ما تعلمني الحقيقة، أصريت عليها لين قالت لي كل شيء.
سكتت شوي ثم كملت وهي حاسة انها تختنق:
- صدمني اللي قالته كثير آسر، الا حسيت بقلبي ينكسر.. صحيح ما تعني لي كثير لكن.. اللي سويته انت مو هين، كيف طاوعك قلبك؟ كيف هان عليك تسوي مثل هالشيء القذر؟ تدري.. بعد اللي سمعته زادت رغبتي في إني انفصل عنك، وبأسرع وقت ممكن، عشان كذا أرجوك، اعتقني.. ريحني منك ما أبي أكمل معك.
كان هذا الشيء الوحيد اللي ناقصه، إنه يسمع مثل هالكلام من بتول.
قرب منها ومسك كتوفها برجاء:
- أنا اللي أرجوك بتول، إيه أعترف إني سيء، واني غلطت كثير، وأستاهل كل شيء يصير معي الحين.. لكن أرجوك، إلا إنتِ، إلا إنتِ يا بتول، لا تتركيني وتوجعيني مثلهم، أقدر أحلف لك إني ما فكرت بهالطريقة اللي قلتيها، ما فكرت تكونين احتياط، لأني من البداية رافض فكرة الطلاق يا بتول.. ما أذكر إني قلت لك راح أطلقك، إلا مرة وحدة.. وما كنت أقصد صدقيني، والله ما كنت أقصد.
انصدم بتول وتوسعت عيونها من أسلوبه، هذا آخر شيء ممكن يجي في بالها.. إنه آسر يترجاها بعيون مليانة دموع.. عشان ما تتركه!
ما تنكر إنه أثر فيها، لكن هي معصبة، مقهورة حيل.. ما كان منها إلا إنها تبعده عنه وتقول بغضب:
- لا تفكر تحاول تأثر فيني بكلامك الغبي هذا، بتول اللي كانت تتأثر وبأبسط كلمة ماتت، تحلم يا آسر.. أموت ولا أكمل معك.. تعبت منك، تعبت يا آسر.
مسحت دموعها بقوة ثم قالت وهي تبتسم بسخرية:
- وإذا مرة شايل هم اختباراتي، حابة اطمنك وأقول إنك ما تشغل حتى حيز بسيط من تفكيري، لدرجة إني ولأول مرة بحياتي جبت الدرجة الكاملة بكل المواد اللي اختبرتها بعد ما سمعت اللي قالته عنك الست رسيل جزاها اللي خير.
طالعت فيه بقوة ثم خرجت من غرفتها تاركته واقف بمكانه مصدوم ومو مستوعب أي حرف من اللي قالته!


_______


فتح عيونه وكشر من حسّ بألم في راسه، جلس ببطء من الألم المنتشر بكامل جسمه.
ضحك بغباء على نفسه.. إيش اللي خلاه يتضارب مع آسر وهو عارف إنه راح ينكسر بهالشكل إذا قرر آسر إنه يهاجم ولو بضربة وحدة.
هو أقوى منه جسديا، بكثيير.
يعني أبدا ما في مجال يطلع من تحت يدينه سالم.
مع ذلك ما ندم، يتحمل ألم جسمه ولا يتحمل الشعور الفظيع اللي حس فيه بعد ما سمع عن سوايا آسر.
حاليا يحس بشيء من الراحة النفسية بعد ما ضرب آسر، بالرغم من انه هذا مو أسلوبه أبدا ولا يليق فيه.
لكن هذا أقل شيء قدر يسويه عشان أمه وخواته، هذي أبسط طريقة عشان يأخذ حقهم.
بالنهاية آسر كان هدفه واضح، انه ينتقم من قاتل أبوه.. ومن اللي سبب بتفكيك أسرته (من وجهة نظره).
لذلك ما حب إنه يرفع عليه قضية ويكبر الموضوع أكثر.
بما انه آسر ظل ساكت وساكن بعد رجوعه من برة، ولا سوى شيء يوحي انه راح يكمل هالطريق.
لكن لحظة.. ممكن يكون آسر ساكن بهالأيام لأنها أيام عزاء؟ وراح يرجع يكمل انتقامه القذر؟
إذا كان الموضوع كذا.. فهو أكيد ما راح يسكت، وراح يصده بكل الطرق ويوقفه عن حده.

خرج من غرفته وهو يمشي بشويش، مقطب جبينه من شدة الألم.
رفع راسه لمشاعل اللي قربت منه بخطوات سريعة:
- زيد حبيبي وأخيرا صحيت؟ فجعتني الله يسامحك حسبتك متت.
ضحك آسر، وسرعان ما حط يده على فكه وهو يتأوه:
- شدعوة؟ أموت من كم ضربة؟
ناظرته بنص عين:
- انت حرفيا ميت من أمس، نايم من قبل المغرب والحين الساعة 10 الصباح.
اتسعت عيونه بصدمة، نام كل هالساعات!
مسكت مشاعل يده وساعدت يجلس على أقرب كنبة وجلست قدامه وهي تتلمس جبينه:
- الحمد لله خفّت الحرارة شوي، زيد الله يهديك انت عارف نفسك وعارف إنك ما راح تتحمل ضرب آسر، إيش اللي خلاك تتهاوش معه؟ طحت علينا فجأة وطاحت قلوبنا معك.
أسند ظهره بوهن وهو يقول:
- ما عرفت أتصرف إلا بهالطريقة.
- ما لقيت إلا هالطريقة الهمجية؟ مو من جدك زيد!
فتح عيونه وهو يقول بحدة:
- أجل شلون؟ أسوي مثله؟ أخطف غزل وأهدده؟
تنهدت مشاعل بضيق:
- مو هذا اللي قصدته، بس...
قاطعها وهو يمسك كفها:
- طيب بسألك، ليش ما وديتيني المستشفى؟ مو عشان الشرطة ما تتدخل ويكبر الموضوع؟ انا فكرت بنفس الطريقة ترى، ما بغيت نروح المحاكم ويكبر الموضوع أكثر.
زمت شفايفها بعجز ثم رفعت يدها تمسح وجهه بحنان:
- أخاف هالآثار اللي مشوهة وجهك تظل لوقت طويل.
- لا تخافين بعالجها وأخليها تروح بسرعة.
ساد الصمت للحظات ومشاعل تتأمل وجهه بحزن ثم سألت بهدوء:
- من متى يا زيد؟
- وشوو؟
- تتذكر اللي صار؟
ارتجفت أطراف زيد لما تراءى الموقف قدامه فجأة، إلا إنه تظاهر باللامبالاة:
- مو من زمان، تذكرت لما توفت جدتي.
رقت ملامحها أكثر وهي تزفر أنفاسها بصوت مسموع وتقول:
- أنا آسفة.
- على إيش؟
- على كل شيء زيد، خاصة على اعترافك أمس.. أنا اللي اجبرتك على هالشيء، لو ما رحت اعترف للشرطة بعد هالسنين ما كنت انجبرت تعترف انت عشان تحميني.
هز راسه بالنفي وهو يبتسم ويقول بهدوء:
- حتى لو مو انتِ اللي فتحت الموضوع من جديد، كنت بعترف دامني تذكرت.. ما في شيء راح يوقف آسر ويهديه إلا معرفته للحقيقة.
سألت مشاعل بتردد:
- كيف كانت ردة فعله؟
ضحك زيد:
- مو مصدقني، بس بأخذه اليوم عند أبوي.
مشاعل بتعجب:
- تعرف مكانه؟
- لا.. بس أظن البنت اللي اسمها رسيل تعرف، تواصلي معاها واسأليها، أبي أخلص هالموضوع عشان أسافر وأتبرع بكليتي لنارا.
تنور وجه مشاعل واتسعت ابتسامتها:
- متأكد؟ راح تتبرع لها؟
ضحك زيد من تعابير وجهها:
- أجل وش كنتِ متوقعة؟ أتخلى عنها وأنا عارف إني أقدر أساعدها؟ ولو انه اللي سوته مضايقني حيل، ليش ما جات من قبل.. لكن احنا ما ندري إيش كانت ظروفها أو إيش اللي خلاها تعيش بعيدة عنا.
كسى ملامح مشاعل الحزن والضيق الشديد وهي تتذكر مكالمة نارا.. اللي أكيد بحلول هالوقت تحس بإحباط أكثر.
يمكن كانت تتوقع انه أهلها أول ما يدرون عنها راح يفزون ويروحون لها بغمضة عين!
أكيد كانت بتسوي كذا وتروح لها بدون أي تفكير، لكن المصايب اللي صارت خلال هالكم يوم كانت تشيب الراس.. وهي اللي منعتها.

التفتت ناحية غرفة عهد لما خرجت، وضحكت وهي تقرب منهم:
- يمه زيد شوف وجهك.
ابتسم زيد وهو بقول:
- لا تضحكين، حتى آسر ما خليت فيه عظم صاحي.
ابتسمت بارتباك وهي تجلس جنبه وتتذكر آسر، كان هو طبيعي أكثر من زيد!
فزت فجأة وهي تتذكر شيء:
- صحيح زيد، وين غزل؟
زيد باستغراب:
- ليش تسألين عنها فجأة؟ أكيد في البيت؟
هزت كتوفها:
- مدري، أمس وأنا راجعة من البقالة مع ميس شفتها تمشي لوحدها جهة الشارع العام، ما حسيت انها بخير من مشيتها.
اتسعت عيونه وهو يتذكر انها خرجت قبل آسر بوقت طويل، وكانت منفعلة جدا.
بلع ريقه بخوف وهو يوقف:
- بشوف الحين بتصل عليها.
رجع لغرفته ومشاعل وعهد وراه ينتظرون بقلق.
جلس على سريره بعد ما طلب رقمها، انتظر حتى انقطع الرنين.
عاود الاتصال مرة ثانية وثالثة وخامسة.. وانقطع للمرة السادسة بدون ما ترد!
تسارعت دقات قلبه بخوف، وبدون تفكير أو تردد اتصل بآسر.
اللي رد بعد كم رنة، وصدمه لما قال انه ما يدري وينها!

______


في مكان هادئ ومظلم وبارد...

كانت مستلقية على الأرضية الخشبية وعيونها على السطح، تتأمل بيوت العناكب.. والعناكب وهي تبني بيوت جديدة!
انتبهت لما سمعت صوت جوالها الجاي من الطابق السفلي.. تأففت بملل من دون ما تتحرك من مكانها.
تجاهلت الصوت، فيها كسل مو طبيعي.
مستحيل تقوم وتنزل تشوف مين هالمتصل اللي تذكرها بعد ما قعدت لوحدها قرابة الـ 15 ساعة!
ظل الجوال يرن أكثر من مرة، إلا إنها تجاهلتها كلها ببرود.
هدأ البيت من جديد وتوقف جوالها عن الرنين.
وقتها رفعت ذراعها وغطت عيونها، ونامت من دون ما تحس.
من التعب اللي تحس فيه، والألم بسبب سهرها طوال الليل وهي تحاول ترسم لوحة واحدة على الأقل.
فتحت عيونها مفجوعة لما سمعت صوت أحد يركض بسرعة ويتجه للغرفة اللي هي فيها.
فزت من مكانها وجلست بقوة وعيونها تتسع بخوف، حطت يدينها على صدرها تلقائيا وهي تتذكر هجوم نارا عليها.
غمضت عيونها براحة ونزلت يدينها لما شافت زيد، ووراه آسر.. وظلت منزلة راسها للحظات وهي تحاول تهديء ضربات قلبها المتسارعة.
قامت من مكانها وهي تنفض لبسها وترتبه، ناظرتهم بسخرية ثم قالت:
- تهبلون بهالجروح على وجيهكم ما شاء الله، يا صلاتي على النبي.
كانوا يناظرونها بقلق وخوف، بعد ما قفل زيد من آسر.. خرجوا الاثنين واتجهوا للبيت ووصلوا بنفس الوقت.
سأل آسر بقلق وهو يقرب منها:
- متى جيتِ هنا؟ ومع مين؟
ردت ببرود وهي تلم الأوراق من الأرض:
- مو مهم، ما فكرت طول هالوقت ليش تسأل الحين بعد ما شفتني في البيت وما فيني شيء؟
عضّ آسر شفته بضيق وهو يناظرها ويحاول يعرف أو يفهم شيء من تعابير وجهها الجامدة، وعيونها اللي ما كان فيها شيء يخليه يفهم شيء من الأساس!
مرر زيد عيونه على أنحاء الغرفة اللي تعمها الفوضى، قاعدات اللوحة المنتشرة، واللوحات المكسورة المنتشرة بكل مكان.. أوراق وفرش وألوان زيتية لطخت الجدران والأرضية.
حتى غزل كانت بحالة غريبة.
فستانها القطني القصير، تحول من لونه الفاتح للوحة من الألوان الغير متناسقة.
يدينها ووجهها وحتى شعرها ورجولها ما سلمت من الألوان والفوضى!
ما تجرأ يسألها أو يتكلم معاها بعد اللي قالته أمس!
سأل آسر بقلق:
- ما نمتِ صح؟ ولا أكلتِ؟
- ما نمت ولا أكلت، لا تخاف أنا متعودة على هالأشياء، دايم نومي كان قليل وأكلي قليل.
تأففت وهي تجلس على الأرض بإحباط:
- ساعدوني وعلموني إيش لازم أسوي؟ من أمس قاعدة أحاول أرسم ما قدرت أضبط حتى لوحة وحدة.
- عشان المعرض؟
هزت راسها، وجلس آسر على ركبه جنبها يمسح على يدها:
- مو مشكلة غزل، لا تجبرين نفسك.. تدربي لين تقدرين ترجعين ترسمين من جديد، أكيد راح تكون عندك فرصة للمشاركة في آلاف المعارض مستقبلا.
أبعدت يده عنها وهي توقف:
- أنا مصرة أشارك في هالمعارض.
سكت آسر وهو يناظرها بحزن، برودها ولا مبالاتها وراها الكثير أكيد.
لو كانت في حالتها الطبيعية كانت تهاجمهم وتبكي مثل ما سوّت أمس!
تصرفاتها ذكرته بكلام الطبيبة (إنها بحاجة لطبيبة نفسية).
فاجأته لما التفتت له فجأة وهي تقول:
- أحس الضغوطات والمشاكل اللي مريت فيها هي اللي تمنعني من الرسم وأحس بالعجز بسببها، وما أبي أرسم بشكل عشوائي ثم يجي واحد يحلل الرسمة ويقول انها تعبر عن نفسية الرسام اللي كان في حالة ضيقة واكتئاب هههههههههههه.
سكتت شوي والاخوين يناظرونها بذهول، خاصة لما قالت:
- آسر، أبي أزور طبيبة نفسية.. يمكن تساعدني، ضروري أشارك في هالمعرض.
بلع آسر ريقه بتوتر وهو يلتفت لزيد ويناظره كأنه يبي يتأكد من اللي سمعه.
- نظفوا لي الغرفة لو حاسين بالذنب.
ابتعدت عنهم وخرجت من الغرفة، والاثنين لا زالوا في حالة من الذهول والصدمة!

كان زيد أول من تحرك، وبدأ ينظف الغرفة.
تكلم بهدوء:
- بعد ما نطلع من هنا تجي معي نشوف أبوي، يمكن إذا سمعت منه راح تصدق.
رد آسر بعد صمت قصير:
- وإيش يضمن لي إنك ما اتفقت معاه يقول نفس اللي قلته؟ وإنك ما كذبت إلا عشان تحمي أمك؟
زيد ببرود:
- هذي المرة الأولى اللي راح أقابل فيها أبوي، وتوي أخذت عنوانه.. عموما صدقت ولا ما صدقت، أنا سويت اللي عليّ واعترفت، الباقي مو مسؤوليتي.
قرب منه وهو يناظره بحدة:
- لكن صدقني يا آسر، لو مرة ثانية فكرت مجرد تفكير إنك تقرب من خواتي وتأذيهم حتى بريش حمام، ما راح تلوم إلا نفسك.. فاهم؟
عقد حواجبه بانزعاج وناظره للحظات، ثم ابتعد عنه بدون ما يقول شيء.
كمل زيد بتهديد:
- اللسان اللي تجرأ ونطق اسم عهد، المفروض انه ينقص.. احمد ربك إني كنت حليم كفاية عشان ما أسويها صدق.
تأفف آسر بداخله والندم يكبر فيه كل لحظة.


________


بعد ساعتين..
كان آسر يسوق سيارته ناحية دار الرعاية، وزيد جنبه على مقعد الراكب.
بعد ما نامت غزل وتطمنوا عليها.
كان متوتر ومرتبك ومتردد، ولا عارف إذا اللي قاعد يسويه صح ولا لا.
التفت لزيد اللي كان شبه مستلقي بعد ما رجع المقعد للخلف.
سأله بهدوء:
- يعني تشوف هالشيء ضروري؟
فتح زيد عيونه وناظره بحدة:
- ليش ما يكون ضروري يعني؟ بعد كل اللي سويته ما تبي تعرف الحقيقة اليقينة؟ ولا تبي تأذي الناس البريئة أكثر؟
تنهد آسر بضيق ثم قال:
- إيش راح أستفيد لو تأكدت؟ إنت حتى القانون ما راح يعاقبك لأنك كنت طفل، إيش راح أستفيد لو أكد لي أبوك إنك فعلا قتلت أبوي؟
زيد بعد صمت قصير:
- ما فكرت فيك، فكرت بأهلي.. عشان توقف جنونك وتحط في عينك شخص واحد بس، اللي هو أنا.. أيا كان اللي تبي تسويه أنا راضي، لكن مثل ما قلت.. أمي واخواني لا تتجرأ حتى تجيب طاريهم.
اكتفى آسر بالصمت وهو يركز بالطريق، إلا إنه رجع سأل بعد شوي:
- راح تكون بخير؟
استغرب زيد:
- ليش؟
- أقصد بتقابل أبوك للمرة الأولى بحياتك.
ضحك زيد بسخرية:
- عادي ما في شيء، بعدين تسألني بكون بخير لمجرد مقابلة وانت مكسر لي جسمي؟
ابتسم آسر بدون ما يشوفه زيد وهو يقول:
- البادي أظلم، لو ما تصرفت بهالطريقة الطفولية ما جاك مني شيء.
اعتدل زيد بجلسته وتأوه بألم:
- بالله؟ أجل علمني إيش هي الطريقة المناسبة؟ علمني كيف آخذ حق أهلي منك؟
سكت آسر للحظات، قبل لا يبتسم بحنين:
- من متى ما ركبنا بسيارة وحدة ورحنا لمكان مع بعض؟
لانت ملامح زيد وتنحنح وهو يعدل جلسته ويلتفت عنه، ثم يقول بصوت خافت:
- مين كان السبب؟
عضّ آسر شفته بضيق ثم زفر أنفاسه.. كل شيء من حوله يخليه يندم، ويتمنى لو يرجع الزمن لورى ولا يسوي اللي سواه.. لكن هالندم بإيش راح يفيده الحين؟


توقفت السيارة أخيرا قدام دار الرعاية.
سرى في جسد زيد ارتباك قوي خلى أطرافه ترتجف تلقائيا.
وبلع ريقه بخوف من هالمقابلة اللي ما حسب حسابها.
كل اللي كان في باله إنه يبين لآسر الحقيقة اللي نطق بها أمس، بس كان يبي يأكد له هالشيء.. وهذا اللي خلاه يجي هنا من دون ما يفكر بشيء ثاني.
إنه راح يقابل أبوه اللي ما سأل عنه ولا التفت له طوال 26 سنة!
ناظره آسر بحزن ثم تنهد بصوت مسموع:
- تنزل؟
تنحنح زيد ونزل بدون ما يرد على آسر، اللي تبعه بصمت ومشاعر غريبة تراوده بهاللحظة.. يقدم رجل ويأخر الثانية.
فكر إنه يتراجع ولا يكمل.. لكن لما شاف زيد يدخل بدون ما يلتفت، تبعه ودخل للدار.
وقفوا يسألون الموظف الموجود في الاستقبال، وطلبوا مقابلة (ماجد).
انتظروا شوي حتى جاهم موظف ثاني يسمح لهم بالدخول.
تبعوه وكل واحد فيهم متوتر ومرتبك أكثر من الثاني، لكن ولا واحد فيهم أظهر هالشيء!
حتى وصلوا عند الغرفة المنشودة، وطالعوا في بعض بوقت واحد.
ومن دون ما يحس آسر أو ينتبه على نفسه، ارتفعت يده لكتف زيد.. اللي طبطب وضغط عليه يخفف من الشعور اللي يحس فيه.
ثم قال بهدوء:
- لا تجبر نفسك على مقابلته عشاني لو ما بغيت، بدور لي طريقة ثانية تخليني أعرف هالحقيقة.
ناظره زيد لثواني ثم دخل على طول.
وقف بمكانه وتصلّب جسده بمنتصف الغرفة.
وعينه على الشخص الجالس على السرير.
محني ظهره يناظر يدينه بصمت، الشيب مالي شعره.. والتجاعيد ظهرت على وجهه كأنه بلغ من العمر عتيا، بينما هو لسه في بداية الخمسين!
هل هذا أبوه صدق؟ أبوه الحقيقي!
رفع الثاني راسه لما حسّ انه في شخص دخل وظل ساكت.
ناظره باستغراب للحظات قليلة، قبل لا يحس برجفة تجري في جسده كله.. من الشعور الغريب اللي راوده وخلى قلبه يرتجف.
كان الشبه بين هالشخص الغريب وبين بنته كبير.
معقولة يكون ولده!
بلع ريقه وهو يتأمل زيد ويمرر عيونه عليه، من رأسه حتى رجوله.
والتفت للشخص الثاني اللي دخل.
اتسعت عيونه وارتبك أكثر، هذا الشخص يشبه أخوه.. يشبه خالد كثير.
سأل بنبرة مرتجفة، مو بقصد السؤال.. إلا بقصد التأكد:
- مين تكونون؟
بلع زيد ريقه من هالشعور بالحنين مع إنه ما قد قابل هالإنسان ولا يعرف عنه شيء غير انه والده الحقيقي زي ما يقولون.
قرب كم خطوة ووقف عند طرف السرير، عيونه بعيون أبوه.
تكلم أخيرا بعد ما سيطر على نفسه:
- مو لازم نعرفك علينا، بس نبي منك شيء واحد.
طالع فيه ماجد بترقب، ولا زال يعتقد إنه هذا ولده.
كمل زيد وهو يصد بنظراته لجهة خالية من أبوه:
- قول له من قتل أبوه، مين قتل أخوك خالد.
ساد الصمت للحظات قصيرة، إلا إنها كانت طويلة عليهم وكأنها دهر!
صارت يد ماجد ترتجف بقوة وبشكل غريب جدا، ولون وجهه ينقلب.. تعابيره تعبر عن خوف وارتباك حقيقي.
وقتها آسر انصدم وكأنه يقرأ الجواب بعيون هالشخص.
كرر زيد سؤاله:
- جاوب، مين قتل خالد؟ مو ولدك زيد؟ الطفل اللي كان عمره 5 سنين؟ واللي تركته ولا سألت عنه لين صار عمره 26 سنة! وواقف قدامك الحين! جاوب.
ظل ماجد ساكت وهو يتأمل وجهه بحنين وشوق، وصدمة وخوف وارتباك بنفس الوقت!
ضحك زيد بسخرية والدموع تتجمع بعيونه، التفت لآسر:
- اعتبر صمته جواب، وإذا ودك تحقق معاه أكثر خذ راحتك.. أنا ما أتحمل أشوفه لوقت أطول.
رجع يناظر أبوه بنظرات غريبة:
- ما كان في شيء ناقص بحياتي، وهالشيء ما راح يتغير.. صحيح عرفت عنك بالصدفة، لكن لا تظن إنه هالشيء راح يخليني أندم إني ما سألت عنك ولا دورت عليك، لأنه وجودك راح يكون أكبر مشكلة وأكبر هم، أتمنى تظل هنا على طول لين تموت، مثل ما كنت ومثل ما انت الحين.
أنهى كلامه القاسي، واللي طلع منه وهو منفعل ولا حاس بنفسه.. ثم خرج من الغرفة بخطوات قوية.
طالع فيه آسر لين اختفى عن عيونه.
تنهد وقرب من ماجد، تأمله ووجهه.. وماجد يتأمله بصمت.
تكلم آسر أخيرا:
- ما أبي أعرف الحقيقة، أيا كانت.. لكن لو عندك أدنى شعور بالذنب تجاه زيد، عيش كأنك انت القاتل.
التفت عنه بعد ما ألقى عليه نظرة، وقف عند الباب لما سمع صوت ماجد اللي ناداه:
- هذي الحقيقة أصلا، أنا اللي ذبحت أبوك مو ولدي.
التفت له آسر بابتسامة مائلة ساخرة:
- مستعد للعقاب طيب؟ عادي تنسجن؟
- إذا غلطت لازم أتحمل نتيجة غلطتي ولا أخلي ولدي يتحمل لوم شيء ما سواه.
ضحك آسر وهو يدخل يدينه بجيوبه ويجرع يقرب منه:
- ما شاء الله وش هالعايلة العظيمة؟ أول شيء زينب تحملت للوم وقالت انها قتلته دفاعا عن بنتها، بعد كذا مشاعل ثم زيد، والحين إنت!
ماجد بنبرة خالية من التعابير:
- ما قلت إلا الحقيقة.
آسر بعد صمت قصير:
- إذا لهالدرجة تحبه وتبي تحميه، ليش تخليت عنه؟ ليش ظليت هارب؟ ليش ما رحت له؟ حتى بنتك تخليت عنها خليتها تتربى في الدار. تسمي نفسك أب؟
سكت ماجد، وطال سكوته.. الشيء خلاه يتنرفز ويرفع صوته:
- جاوبني.
ماجد بهدوء:
- ما تجرأت، ما كان عندي الثقة اللي تخليني أروح أشوف ولدي وأظهر في حياته وأنا ما راح أفيده بشيء، مثل ما خليت نارا تعاني، ما كنت أبيه يعاني بسببي.
احمرّت عيون آسر بغضب:
- هذا عذر؟ تسميه عذر! كنت تقدر تعدل الأوضاع وتصلح كل شيء، بدال لا تتخبى مثل فار جبان، تسوي من نفسك إنسان وتهتم بعيالك وتخليهم يفتخرون فيك، مو بنتك تحط بدار رعاية.. وولدك يشوفك بعد هالسنين ويقول لك مثل هالكلام!
لكن لا، إنت وأخوك كان همكم واحد.. الفلوس وبس، حتى ما بغيتوا تجنون شيء من عرق جبينكم، كنتوا تبون كل شيء يكون جاهز عشانكم، عشان كذا تستحقون مثل هالمصير.
ماجد باستغراب:
- تتكلم كذا عن أبوك؟
ارتجفت عيون آسر وصد عنه:
- لا تعتقد إني زعلت كثير من اللي صار معاه أو فكرت أنتقم عشانه، أنا انتقمت لأمي وخواتي.
خرج من الغرفة من دون ما ينتظر رد ماجد وهو حاس بصدره ضايق ومو قادر يتنفس.

أما ماجد كانت يده ترتجف لسه، غمض عيونه بقوة وصارت دموعه تنزل على خده اللي أوجعه قلبه وحس بحرقة.
هالسنين ما كانت هينة عليه، ما كانت بسيطة أبدا.
كان يتعذب كل يوم وكل ليلة، كان يعض أصابع الندم على أخذه لنارا.. ثم بعد كذا حتى ما كلف نفسه عناء تربيتها.
حطها بدار رعاية أيتام ولا كأنها بنته!
بعد كذا لما شاف اللي سواه ولده وهو طفل، ما حاول يعدل شيء، ما حاول يساعد ويصلح الأوضاع.. اكتفى بالهروب.
اكتفى بتعذيب نفسه.
ينام وهو خايف، ويقوم وهو خايف.
حتى مرض وصار عاجز من بدري.
لما درى إنه مشاعل تساعد بنته فرح وانبسط، وصار يبي نارا تساعده بدال لا هو يساعدها.. لذلك ما كان عندها غير هالحل، إنها تحطه بدار رعاية وتفتك منه.
نفس اللي سواه هو فيها..
كان يستحق منها ومن زيد أكثر من اللي جاه.. عياله طيبين حيل!
ضعاف مثلهم مثل مشاعل!
بعد انتظاره لكثير أشياء خلال السنوات الماضية، جاه آسر.. ولد أخوه عشان يقرّ له إنه فعلا، كان يبي كل شيء بسهولة، وإنه هدفه كان المال فقط!
لذلك ما حركته مشاعره، ولا خلته يقدم حتى لو شيء بسيط بعياله.. متذرع بعذر سخيف جدا، إنه ما يبي يأذيهم ويخرب حياتهم!


ركب آسر سيارته والتفت يناظر زيد اللي كان وجهه محمرّ بشدة، ويدينه ترتجف وهو مغمض عيونه ومريح ظهره على المقعد.
- قلت لك ما كان في داعي، شوف نفسك الحين.
- سوق وانت ساكت.
سأل آسر بتردد:
- علمني طيب، كيف قدرت تخبي هالحقيقة طول الوقت؟ لو كنت صادق...
ميّل زيد فمه بسخرية:
- شوف نفسك انت، ليش للحين مو مصدقني؟ أنا ما خبيت الحقيقة.. كنت ناسيها، كنت أظن إنه أبوي هو اللي قتل أبوك، وما قلت لك شيء لأني كنت حاس بالذنب، كنت أكره نفسي كل ما تذكرت السالفة، وكيف ظليت معاك كل هالسنين أضحك معاك وأجي وأروح وأبوي السبب في اللي صار؟ كنت أقول لك كل شيء يصير معي، كل شيء كنت أحس فيه.. إلا هالموضوع، كل ما جيت أتكلم عنه اختنق ولا أقدر أنطق حتى كلمة وحدة، كنت أتعذب لوحدي.. أمي وجدتي كانوا يظنون لو نسيت إني قتلته بنفسي وظنيت القاتل شخص ثاني هالشيء راح يخفف عليّ، بس منظر أبوك ما غاب عن بالي أبدا، كيف كان طايح وراسه مغطى بالدم ولا يتحرك!
ابتسم بألم وهو يكمل:
- الحين صرت أتعذب أكثر، بهاليدين.. قتلت عمي، الشخص اللي كان بمثابة أبوي، قتلت أبوك يا آسر، وتسببت بكل المصايب اللي صارت من كنت صغير حتى هاليوم!
أنا لوحدي أستحق اللي سويته فيني واللي ودك تسويه، ليش دخلت أهلي بالسالفة!
كانت عيون آٍر متسعة بذهول من هالإعتراف اللي هزّ أعماقه، وتعابير وجه زيد اللي وضحت قد إيش هو يعاني ويتعذب من الموضوع!
_______

بعد يومين..

تنزل من الطيارة ويدها بيد رسيل.
كان التعب واضح عليها جدا، كل شيء فيها متعب وواهن.
وجهها الذابل، لونها المخطوف.. ظهرها المنحني.. مشيتها البطيئة.
كانت مستندة بكلها على رسيل اللي ما غمضت عيونها لحظة واحدة، ولا ارتاحت وهي تهتم بنارا.. لدرجة انها طول الرحلة خافت ترمش ويصير شيء بنارا!
مع ذلك ما كان واضح عليها السهر والتعب، كانت راضية تمام الرضا، ومبسوطة إنها قادرة تهتم بصديقتها وأخت عمرها.
ابتسمت وأشرق وجهها لما طاحت عينها على مشاعل المتلهفة، وجنبها زيد.

مشاعل اللي من شوقها ولهفتها ما قدرت تنام، وظلت تنتظر وتترقب.
حتى قرب الموعد وأسرعوا للمطار، هي وزيد.
عيونهم ما تحركت عن البوابة.
فزوا لما لمحوا رسيل ونارا، وحسوا بقلوبهم تتسارع دقاتها.
خاصة مشاعل.. اللي ما قدرت تمسك نفسها أكثر، وصارت تبكي وهي تسرع ناحيتهم.
حتى وصلت لهم، ووقفت بمكانها مو عارفة إيش تسوي.
تدري كيف نظرة نارا لها، وتدري إنها جات غصبا عنها عشان العلاج، تدري إنها زعلانة منها ولا تبي تتقبلها., وإنه رسيل تعبت كثير حتى قدرت تنقعها وتخليها تتعالج في السعودية ثم تستقر فورا بعد ما تتعافى.
لذلك ما بادرت وحضنتها بنفسها، بالرغم من إنها ترغب بهالشيء بشدة.
تبي تضمها وتعتذر لها، تظل تعتذر لين تقول لها نارا بنفسها إنها سامحتها.
رفعت نارا عيونها بتعب، وبلعت ريقها بتوتر.
وزيد ورسيل يترقبون ردة فعلها.
ابتسمت نارا وقربت منها، رفعت يدينها وضمتها بخفة وهي تضحك:
- حاليا ما فيني حيل لا للبكاء، ولا فيني حيل أعاتب.. عشان كذا بسوي لك اللي نفسك فيه وأريحك، الأشياء الباقية نقدر نأجلها لبعد عمليتي.
ابتسمت مشاعل بحزن، كلامها يبين إنها لا زالت تشيل بقلبها عليها.. وما تقدر تلومها!
مسكت وجهها بيدينها لما ابتعدت عنها، تأملتها للحظات.. ثم قبلت جبينها بعمق والدموع تبلل خدودها، قبل لا تنطق بصوت مختنق:
- أنا آسفة، آسفة من كل قلبي، مع إني عارفة إنه الإعتذار سخيف جدا بهالموقف ولا ممكن يغير شيء أو يصلح اللي خربته من زمان.
بلعت نارا غصتها وهي تبعد عيونها عن مشاعل، قعدتها مع رسيل وكلامها عن أهلها.. كلها غيرت فيها الكثير من الأشياء، زي نظرتها لمشاعل.
مع ذلك ما تبي تظهر هالشيء.. ما تبي تظهر لها إنها ندمانة على الخيارات اللي اتخذتها في حياتها، مو ندمانة على أي شيء!
عشان كذا التزمت الصمت، ورفعت يدها تمسح دموعها بسرعة.
ارتبكت لما طاحت عينها على زيد اللي احمرّ وجهه، ابتسم لها.. وارتبكت هي أكثر.
قرب منها وضمها بقوة، ثم قبص خدها يمزح حتى يخفف التوتر عنها:
- كنتِ جريئة كفاية عشان تضربيني!
ضحكت نارا لما تذكرت الموقف، والدموع لسه متجمعة بعيونها:
- عاد انت بغيت تقتلني.
ابتسموا وهم يشوفون هالمنظر، حسّت مشاعل إنه قلبها يرفرف من ضحكة نارا.
مسح زيد خدها بحنان:
- لو كنت داري إنها إنتِ ما كنت راح أأذيك أكيد، بس لا زلت أبي تفسير للي صار.
تنهدت نارا وهي تقرب منه وتهمس له:
- بعدين.. بس بقول لك السبب اللي خلاني أحرق مطعم آسر، انقهرت لما أخذ منك بتول.
انصدم زيد واتسعت عينه وهو يناظرها ثم يضحك، ويرجع يشد خدها:
- أجل كنتِ تعرفني عنا كل شيء واحنا ما ندري عنك؟
هزت كتوفها وابتسامتها تتسع، وقف زيد على يمينها وحط يده على كتفها:
- يمه نشبه بعض؟
تأملتهم مشاعل بعيونها المليانة دموع، ضحكت وهي تقرب منهم:
- ما تشبهون بعض نهائيا، لكن كل واحد فيكم أجمل من الثاني.
التفتت لرسيل اللي كانت تترقب الموقف بسعادة، قربت منها وضمتها بقوة:
- شكرا رسيل، شكرا على كل شيء.. ما راح أنسى لك هالمعروف، ولا راح أنسى أي شيء سويتيه عشان بنتي.
مسحت رسيل على ظهرها:
- ما سويت شيء، نارا غالية عليّ حيل.
ابتعدت عن مشاعل لما قال زيد بمزح:
- ما مدانا نفتك منك رجعتِ تنشبين لنا من جديد.
طالعت فيه بحنق:
- جيت عشان نارا ما لك دخل.
ابتسمت نارا بخبث وهي تناظر في الاثنين.. ثم تغمر لرسيل اللي ارتبكت واحمرّ وجهها.
ابتسمت نارا وتنهدت براحة، بعد كل اللي سوته عاشته.. ما توقعت أبدا إنها بتحس مثل هالراحة لو قابلت أمها كـ (أم).. مو مشاعل مرشدة المدرسة!
أما مشاعل فكان شعورها ما ينوصف.. كانت مثل اللي ما يشوف إلا اللون الأسود بعيونه، لكن فجأة ومن دون سابق انذار تحول هاللون الكئيب وتغير تماما، وما صارت تشوف إلا الألوان المبهجة والمفرحة.
_______


بجهة ثانية..

كان محسن واقف جنب رزان، يمسح على شعرها وعلى وجهه ابتسامة تعبر عن فرحته واحساسه بالراحة.
لما جا يزورها من بدري ويتكلم معاها كعادته، قال له الطبيب المشرف إنه صارت تستجيب للعلاج أكثر من السابق، فتحت عيونها وتحركت.. لكن ما قامت من غيبوبتها بشكل تام.
مع ذلك متفائلين كثيير.. ويعتقدون إنها راح تتحسن في وقت قريب جدا.
فرح كثير وانبسط، وسجد لله شكر.
ثم اتصل بآسر يبشره، واتصل بأمه.
له قرابة الربع ساعة واقف عندها، يقرأ عليها ويمسح على شعرها، يقبل جبينها في الدقيقة وأختها.
اتسعت عيونه وتسارعت دقات قلبه، لما تحركت فجأة ثم فتحت عيونها.. قطبت جبينها بانزعاج، قبل لا تغمض عيونها وترجع تفتحها من جديد.
ناظرت محسن للحظات وهي مستغربة، قبل لا تنطق بصوت مبحوح:
- محسن.
هز محسن راسه بإيجاب وابتسامته تتسع، ترك يدها واكتفى بالنظر لوجهها.
مثل ما قال لغزل، ومثل ما وعد نفسه.. ما راح يسوي شيء، ما راح يبادر من نفسه.. ما راح يفرض نفسه عليها لو رجعت طبيعية مثل قبل.
ما راح يرجع لها إلا إذا هي سمحت له بنفسها.
رفعت رزان يدها ولمست طرف ذقنه ثم قالت:
- كبرت حيل محسن، شعرك متى مداه يشيب بهالشكل؟ انت صدق محسن؟
ابتسم وهو يقاوم رغبته في انه يرجع يمسح على شعرها، رد وعيونه تلمع من الدموع المتجمعة فيها:
- لو جيت بقول لك راح يخلص اليوم وحكايتي ما خلصت، لكن.. الحمد لله على سلامتك رزان.
ابتسمت بخفة وهي تتنهد:
- الله يسلمك، بس أنا ليش بالمستشفى؟ إيش اللي جابني؟
جلس محسن على الكرسي وهو يقول:
- برضوا الحكاية طويلة.. لكن بقول لك باختصار، كنتِ تعبانة لوقت طويل، آذيتِ نفسك خلال فترة تعبك.. وكنتِ في غيبوبة لمدة أسبوعين تقريبا.
تعجبت رزان:
- وهالوقت الطويل قد إيش؟ كم سنة؟ مدة سمحت لشعرك يشيب؟
ضحك محسن:
- إيه.. ما أعرف إذا تعافيتِ تماما ولا لا، لكن الطبيب طمني وقال في احتمال كبير إنك تعافيتِ فعلا.
هزت رزان راسها ثم سألت:
- أكيد إنها فترة طويلة، ما دام حتى أسلوبك متغير معي، تكلمني كأني غريبة عنك!
تفاجأ محسن وارتبك، وما عرف بإيش يرد.
سألها بعد صمت قصير:
- ما تتذكرين شيء؟
- مثل؟
ارتبك أكثر، إلا انه ابتسم:
- إيش آخر شيء تتذكرينه؟
أبعدت رزان أنظارها عنه ووجهتها للسقف وهي تبلع ريقها بألم وارتباك، ثم ترد بصوت منخفض ومختنق:
- شيء ما ينقال.
ألمه قلبه لما عرف وش تقصد:
- أدري إنه صعب تتقبلين هالفكرة، بس.. مرت سنين كثيرة على هالموضوع، وبهالفترة أنا تخليت عنك، وسويت شيء لو عرفتيه راح تتأذين حيل.
التفتت رزان تناظره باستغراب وبعدم فهم، كمل بدون ما يطالع فيها:
- والقرار بيدك يا رزان، إذا تبين أتركك لأني آذيتك، أو تسامحيني وأكمل معك.
سألت رزان بهدوء:
- إذا عندك سبب قوي ومقنع، ممكن أسامحك ليش لا.
ابتسم محسن بارتباك، ووقف مفجوع وهو يشوفها تتأوه وتحط يدها على راسها:
- كيف حاسة؟
- حاسة بألم في جبهتي، وصداع.
- بروح أنادي لك الطبيب.
قبل لا يروح مسكت يده ووقفته:
- خليك هنا لا تروح.
التفت لها متفاجئ ومرتبك، وشدت هي على يده أكثر:
- إذا في سبب خلاك تتخلى عني قبل، عوضني الحين.. لا تروح.
اكتفى محسن بالصمت، وعينه بعينها.
يعني يعتبر كلامها هذا إذن بإنه يكمل معاها؟ يعني راح تسامحه وتقبل ترجع له؟
يمكن لأنها ما تتذكر ولا تعرف إيش صار بالضبط!
كيف لو عرفت وتراجعت؟
هز راسه يبعد هالأفكار عنه، اللي كتبه ربي راح يصير أكيد.. لكن الحين لازم يفرح وينبسط بسلامتها أولا، وبكلامها ثانيا.
شد على كفها وانحنى يقبّل جبينها بكل حب وشوق.
غمضت رزان عيونها وهي تشد على يده بقوة، آخر ذكرى.. آخر شيء موجع تتذكره.. خلاها ترتجف وتحس بألم في صدرها.
رجعت تشوف الموقف قدامها كأنه يصير الآن وبهاللحظة!
أمها.. كيف ماتت بين يدينها، وما قدرت تسوي شيء!
شعورها الفظيع هذا خلاها ترغب في إنها تتمسك بمحسن بقوة ولا تخليه يروح.
بما إنه أول شخص شافته عينها أول ما تشافت، وهو أكثر شخص تحبه بهالحياة.. حتى لو أخطأ بحقها ما راح تخليه يتركها.
والموضوع غريب أساسا، إيش هالشيء الكبير اللي ممكن يرتكبه في حقها ويخليها هي تفكر تتركه مثل ما قال؟

فتح محسن عيونه يناظرها مستغرب لما حس برجفتها، إلا إنه نقز بمكانه ووقف معتدل لما سمع أصوات عند الباب، ثم تدخل منه غزل بسرعة وهي منهارة من البكاء من فرحتها.. فرحت أكثر لما شافتها فاتحة عيونها.
ابتعد محسن وخرج بعد ما ألقى عليها نظرة أخيرة وهو يضحك من سعادته.
وقفت غزل جنب أختها ومسكت يد أختها تبكي وتعاتبها:
- يا الله رزان ما بغيتِ تقومين حرام عليك.
ابتسمت رزان وادمعت عيونها من منظر غزل، رفعت يدها ومسحت دموعها بحنان:
- يعني فعلا كل هالسنين مرت وأنا مريضة؟ كبرتِ حيل غزل؟ لولا شعرك وعيونك ما تعرفت عليك.
ضمتها غزل بقوة وهي تبكي على صدرها.
ضحكت رزان من بين دموعها وهي تمسح على ظهرها بحنان.
طاحت عينها على آسر اللي يناظرها شوي ويصد شوي كأنه منحرج منها.
حرفيا ما كانت تتذكر شيء إلا اللي صار قبل وفاة أمها.
لذلك حسّت بوجع مو طبيعي.
لو شاب شعر محسن، وكبرت غزل حتى صارت شابة بهالعمر.. وآسر صار رجال، معناته العمر اللي ضاع منها مو قليل أبد.. وما كانت هينة على أهلها!
إذا ما تتذكر شيء من اللي صار خلال هالفترة، معناته كانت علتها عقلية!
غمضت عيونها بألم، إيش اللي صار بالضبط ومن إيش كانت تعاني!
ودها تعرف، لكن ما راح تزعجهم الحين..
لا زالت تحس بالتعب والوجع في جسمها، غير كذا هم فرحانين بسلامتها.. ما راح تخرب هالفرحة.

________


بعد أسبوعين..

زمّت غزل شفايفها بضيق:
- ليته جا حتى لو بالكرسي المتحرك، شلون هو رجال وضعيف كذا وأخته أقوى منه!
ربت آسر على كتفها:
- ما عليه راح يتابع كل المعرض من البث المباشر في الانستقرام، غير كذا قال راح يتصل.
سألته بفضول:
- تصالحتوا؟
ابتسم آسر وعينه على الأرض:
- مو تماما، بس الأمور تبشر بالخير.. ادعي لنا.
هزت راسها بالإيجاب:
- أكيد، مو متحمسة لشيء كثر شوفتكم انتوا الاثنين مع بعض.
سكتت لما قربت منهم بتول:
- غزل صاحب المعرض يدور عليك.
شهقت غزل بارتباك:
- يمه، أخاف ينتقد ولا شيء.. وقتها بأخذ لوحاتي وأروح وربي.
دفعتها بتول بخفة:
- لا تخافين ترى أعمالك كلها بيرفكت، بس أكيد عنده ملاحظات بسيطة.
عدلت غزل وقفتها وسحبت نفس عميق ثم اتجهت ناحية صاحب المعرض.

التفتت بتول لآسر لما مسك يدها:
- هااه؟
- ما سمعت جوابك.
- وهذا مكان مناسب بنظرك؟
ابتسم آسر:
- كل الأماكن ممكن تكون مناسبة دامك أخذتِ وقتك وفكرت زين.
عضّت بتول باطن شفتها وهي تناظر الأرض، قبل لا تقول بصوت منخفض:
- بعطيك فرصة أخيرة، حاول تنال اعجابي ورضاي.
اتسعت عيونه بذهول وسعادة، من بعد ما صار اللي صار قبل أسبوعين والكلام اللي قالته، ثم صدها عنها وجفاها طوال الأسبوعين.. يأس واستسلم تماما.
لذلك جوابها كان صادم، ومفرح جدا.
ضغط على يدها وعينه بعينها:
- راح أحرص على هالشيء.
ابتسمت بتول بارتباك وسحبت يدها منه ثم ابتسمت وهي تبتعد عنه بعد ما قالت:
- لكن لا تظن إني سامحتك تماما، ولا راح أكون ضعيفة مثل قبل يا آسر.. خليك منتبه وحذر.
ناظرها آسر وهو يتنهد براحة.
يعرف معرفة يقينة، إنه ما يستاهل منها حتى لو كملة بسيطة.
أخذها بعد ما كذب عليها وقال إنه أنقذها، أساء معاملتها كثييير.. جرحها طول فترة علاقتهم.
لذلك كان يدعي من قلبه ويتمنى لو تعطيه فرصة أخيرة.. وهو ناوي يعوضها عن كل اللي فات، ويحسن معاملتها.
حتى يحس إنها قدرت تنسى اللي سواه وسامحته.
خلال سيره في هالخط البشع اللي رسمته أمه، فقد الكثير.. خسر الكثير.
كل ما مشى خطوة فقد شيء، وكل ما تقدم أكثر خسر أكثر.
عشان كذا كان عارف، إنه ما في شيء ممكن راح يريحه.. مثل زواجه ببتول.
ولو إنه تقبل هالفكرة صعبة، إنه يظل زوجها.. ويظل صديق زيد!
لكن خلاص اللي صار صار، ما راح يأذي بتول بالطلاق.. وزيد ما هو نذل ولا غبي، ولا في شيء ناقصه عشان يعلق نفسه في الماضي.. بالفترة اللي حب فيها بتول ولو انها طويلة جدا.
لكن أكيد عزة نفسه ما راح تسمح له ينتظر نظرة من البنت اللي تركته بملء إرادتها، ولو كانت مجبورة..ما هو مضطر يشوف الموضوع من كل النواحي.
وزيد إنسان طيب، أكيد راح يلقى بنت طيبة تنسيه كل اللي أوجعه وآلمه.


وقفت غزل عند لوحاتها وهي تضم كفينها ببعض تحاول تسيطر على ارتباكها.
وجودها في مكان مليان بالناس، مليان أصوات وصخب.
ثم وقوفها قدام شخص غريب عنه تماما.. خلى أطرافها ترجف حرفيا.
انصدمت لما قال:
- ما آكل البشر ترى، ما آكل إلا الحيوانات.
رفعت عيونه باستنكار، واكتفت بالسكوت.
ابتسم وهو يرجع يناظر لوحاتها ثم يسأل:
- شكلها جاهزة من زمان، أقصد رسوماتك.
- لا.
- أجل؟
- اممم قبل يومين، عانيت وأنا أنتظرها تجف قبل المعرض.
- إيش كان تخصصك بالجامعة؟
- ليش؟
- أسأل.
غزل وهي تنزل راسها وبصوت يا الله ينسمع:
- ما درست جامعة.
رفع حواجبه باستغراب:
- ليش كم عمرك؟
ردت عليه بحدة:
- ما في داعي تسألني مثل هالأسئلة اعتقد، اسألني عن الرسومات!
استغرب من ردة فعلها، كان سؤاله عادي من وجهة نظره.. استغرب أكثر واتسعت عيونه وهو يشوفها تتحرك من مكانها فجأة وتبتعد كأنه مو موجود!
التفت يناظرها وهو يشوفها تقرب من وحدة، وترفع يدينها وتضمها بقوة.. كأنها تقابلها بعد فراق طويل.

كانت رزان اللي جات مع محسن بعد جلسة علاج.
لأنها ما تعافت نهائيا، ونفسيتها تعبت كثير بعد ما عرفت كل اللي صار وهي مغيبة عن الوعي، وعقلها مو بحالة طبيعية.
حتى شفائها من هالمرض كان بمثابة معجزة.
معرفتها عن خيانة عبير لها كانت أصعب شيء عليها.
وخيانة محسن لها.
كانت تتوجع كثير وهي تتذكر حاجثة أمها تارة، وخيانته لهم تارة..
كيف ممكن الإنسان يتغير بهالشكل الفظيع؟
كيف سمحت لهم نفوسهم يطعنونها من ظهرها بهالطريقة الخبيثة!
حتى لو مرضت وعلاجها صعب، ما في شيء يسمح لهم يسوون هالشيء فيها!
حبها الكبير لمحسن خلاها تعطيه فرصة ثانية.
راح الكثير من عمرها، ما عندها سبب يخليها تبعده عنها وتندم فيما بعد.. خاصة لما شافت إنه ندمان فعلا.. ومستعد يسوي أي شيء عشانها.. مع ذلك كانت مقهورة من نفسها، كيف قدرت ترضى، وكيف قدرت تفكر تتجاوز عن خطيئته بحقها!
سألت غزل وهي تضحك:
- إيش فيك معصبة؟
تأففت غزل:
- مقهورة من كثير أشياء، بس ما راح أضايقك معي أكيد.. تعالي شوفي لوحاتي وقيميها بصراحة، تمام؟
هزت رزان راسها بايجاب، ومشت معاها.
كان صاحب المعرض لسه بمكانه، يتكلم مع شخص ثاني.
ناظرته غزل بطرف عينها بعصبية.
ابتسم هو وابتعد عن المكان حتى تأخذ اللي معاها راحتها بمشاهدة هاللوحات اللي فعلا تأسر العين.
وخلت رزان تبتسم بسعادة من قلبها.
كانت غزل مبدعة فعلا، عانت حتى قدرت ترجع ترسم مثل قبل.. وكانت النتيجة تستحق.

خرجت جوالها من جيبها لما اهتز.. وابتسمت لما شافت اسم زيد.
ردت وهي تلوح بيدها:
- هااي.
ضحك زيد ثم تأوه بألم:
- أهلا بالفنانة العظيمة.
- عاد زعلانة منك ليش ما شديت حيلك وقمت؟
- كأنه الموضوع بيدي يعني؟ مو مشكلة بحضر كل المعارض اللي بتشاركين فيها بعدين أكيد.
- إن شاء الله، كيف حال أختك الحين؟
ابتسم وهو يناظر نارا:
- قامت الحين تبي تتمشى.
- سبحان الله، هي قامت تتمشى وانت لسه كأنك ميت.. عطني إياها أبي أسلم عليها.
هز رأسه ومد الجوال لنارا، اللي ابتسمت لها وباركت لها ثم اعتذرت على اللي سوته فيها قبل.
ردت غزل بحدة:
- هذي المرة الألف اللي تعتذرين فيها، بس طبعا ماني معترضة لأني مو قادرة اسامحكم بسهولة.. لكن ما عليه، قلبي بدأ يلين.
ابتسمت نارا وهي لسه تحس بتأنيب الضمير:
- سامحتِ رسيل طيب؟ مسكينة ما لها ذنب.
- امممم ما أدري، بس.. يمكن راح أسامحها بعدين، لأنها ما لها ذنب ولأنها مسكينة ما بلغت عن الاختطاف بعد ما عرفت انه هي اللي خطفت رزان، ولا صدقيني كانت الحين بالسجن.
سحبت منها رسيل الجوال:
- كويس غزل، هذا لطف كبير منك حبيبتي.
انصدمت غزل لما شافتها:
- بسم الله وش وداك هناك؟ لحظة رسيل لا تكوني حاطة عينك على أخوي؟
انصدمت رسيل واحمرّ وجهها، خاصة إنه كل اللي بالغرفة سمعوا كلامها وابتسموا.
قفلت الخط فورا وأعطت الجوال لنارا، ضحكت بارتباك لما شافت عيونهم عليها:
- مزحتها سخيفة مرة.
التفتت عنهم واختفت بغمضة عين.

_______


تعالت أصوات ضحكاتهم لما خرجت رسيل وقال زيد:
- لحظة قولوا لها انها مو مزحة.
وقفت مشاعل من الكرسي وقربت منه:
- يعني أفهم من كلامك إنه إنت حاط عينك عليها؟
ابتسم زيد بغباء:
- لا مو كذا، بس ما ودي نارا تحس بالوحدة في بيتنا.
ضحكت نارا وهي تجلس:
- بلا كذب، أصلا من شفتك بالمطار عرفت إنك رايح فيها.
ابتسمت مشاعل:
- خلاص اعتبر إنها صارت لك، إذا وافقت طبعا.
وقفت عهد وقربت من نارا:
- مبروك مقدما زيد، تعالي معي نارا الظاهر العروس ما راح ترجع عشان تمشي معك.
وقفت نارا وهي تبتسم لها بامتنان.
خرجوا مع بعض ومشاعل تتأملهم بحب وراحة.
تمنت لو أمها ظلّت عايشة وشافت مثل هالمنظر الجميل.

ما في حياة ممكن تتغير وبيوم وليلة بشكل مفاجئ، ولا في إنسان يتبدل ويصير إنسان آخر.
لكن دايم ما بعد الضيق إلا الفرج، وما بعد الحزن إلا فرح.
ما في شيء ممكن يظل على حاله.
لكن اللي صار معاها بالفترة الأخيرة، كافية انها تخليها تشوف الحياة بطريقة جدا إيجابية.
لاحقتها المصايب من زمن طويل، من لما كانت طفلة.. حتى بعد ما تعدت الـ 40 سنة.
لكن بالمقابل عاشت أوقات حست فيها إنه ما في أحد بالدنيا أسعد منها.
أكثر شيء أسعدها وريح قلبها، إنه عملية نقل الكلية من زيد ونارا تمّت بشكل ممتاز جيد، والاثنين بصحة جيدة الحمد لله.
كانت خايفة جدا ومتوترة، وظلت طول الوقت تصلي وتدعي.
حتى سمعت خبر نجاح العملية.
نفسية نارا تحسنت أكثر بعد العملية، وعندها أمل كبير إنها راح تتصالح معاها في أقرب وقت.. تتمنى هالشيء من كل قلبها.
تبي تعوضها عن كل لحظة وكل دقيقة قضتها بعيدة عنها.


_______

جلست نارا على واحد من المقاعد الموجودة في حديقة المستشفى.
وحطت راسها على كتف عهد اللي جلست جنبها بتعب.
مسكت نارا يدها وقالت:
- أنا آسفة عهد.
- على إيش؟
ابتسمت نارا بألم من هالذكرى الموجعة:
- تمنيت لو إنك وافقتِ تتزوجين آسر عشان يفكني، كنت تعبانة حيل ويائسة.. عشان كذا فكرت بأنانية.
ابتسمت عهد وضغطت على كفها:
- ما عليك ما في داعي تعتذرين، آسر نذل وحقير.. بس برضوا اتصلت فيه قلت إني موافقة تخيلي ههههههههههه لو ما وقفني أبوي كنت الحين زوجته أستغفر الله.

ضحكت نارا ثم سرحت تفكر في أبوها.
من قبل لا تجي السعودية وهي تفكر فيه.
تبي تخرجه من الدار وتعيش معاه.
لكن فكرة عيشها مع مشاعل وعيالها أعجبتها أكثر، ارتاحت معاهم حيل وحسّت بدفء العائلة اللي كانت تسمع عنه بس.
لكن خلال هالأيام القليلة اللي عاشت فيها معاهم جربت هالشعور، ولا تبي تحرم نفسها منه مرة ثانية.
بس بنفس الوقت ما تقدر تخلي أبوها في الدار وهي بخير وعافية، ورجعت تستقر في السعودية بهويتها الحقيقة، بكونها بنت مشاعل وماجد!
ابتسمت عهد لما شافت بدور وتعرفت عليها بما إنها مع أبوها.
تذكرت اللي قالته اليوم في الصباح من خلال رسالة نصية، إنها بتجي تسلم على زيد وتتحمد له بالسلامة، و... تعتذر لمشاعل.
تعجبت واستغربت هالشيء من بدور، ما توقعت أبدا.
ولا توقعت إنها هي وأبوها يتركون بيت مشاعل بهالسرعة وينتقلون لشقة بسيطة مناسبة لهم.
بس فعلا بأي وجه يقعدون وعيال مشاعل عند مشاعل؟
بدور اللي سامحها وائل بعد ما صارحته بنفسها وأقنعته بأسلوبها، وهو أساسا مو الشخص اللي ممكن يشيل على زوجته وحبيبته لوقت طويل!

ابتسمت بارتباك لما سألتها نارا:
- بسألك سؤال وجاوبيني بصراحة، كنتِ تكنين مشاعر لآسر؟
- تمام بقول الصراحة، بس هذا سر.. راح ازعل لو عرفه أحد غيرك.
- تمام، سرك في بير.
ضحكت نارا بعد ما صارحتها عهد بمشاعرها الحقيقية.
كانت حاسة براحة وسعادة، إيش تبي أكثر من أم تبي تعوضها عن اللي فات وتحبها من قلبها، وأخ تبرع لها بكليتها من دون أي تردد.. وأخت طيبة وذكية مثل عهد، واخوان لطيفين مثل سامر وإياد وميس!


________


انتهت حربهم، وانتهت حربي.
لم يكن الآمر سهلا على الإطلاق، كنتُ كل ما عانى منهم من وقت صعب، عانيتُ أضعافه.
أما الآن وقد أغلقتُ صفحات حكايتها، ظللتُ أنا أعاني وحدي، أنا من ذقت طعم الحرب الحقيقية.

فعلتُ كل ما بوسعي لأجعل النهاية عادلة لجميع الشخصيات، وآمل أن أكون قد وفقتُ في ذلك.. وأعتذر لأن خاتمة روايتي لما تكن كما في مخيلة الكثير منكم، لم تنتهي روايتي كأغلب الروايات الشرقية، وبعض رواياتي أنا.. بزواج الأبطال.

لطفا، جملوا روايتي بتعليقاتكم الجميلة.
فضلا لا تجاملوا، فقط قولوا ما لديكم بصراحة.. سأتقبل جميع الآراء

__

اللهم ارحم مارية وأعمامي وأجدادي وجميع أموات المسلمين، اغفر لهم وعافهم واعفُ عنهم، برد قبورهم وأرِهم مقاعدهم في الجنة يارب العالمين، اللهم آمين.
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

___


تمت بحمد الله.
14/4/1442هـ
29/11/2020




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 29-11-20, 11:34 PM   #43

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile6 ألف ألف مبرووووووك










ألف ألف مبروووووووووووك مروه اكتمال راااااااائعتك وإن شاء الله نرى لك روايه

جديده قريبا




رابط لتحميل الروايه

هنـــــــــــــــــــــا




فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس
قديم 05-12-20, 10:04 PM   #44

Maha bint saad

? العضوٌ??? » 437412
?  التسِجيلٌ » Dec 2018
? مشَارَ?اتْي » 4,265
?  نُقآطِيْ » Maha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond reputeMaha bint saad has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الخير …

الف الف مبروك تمام الروايه والقادم باذن الله اجمل …


Maha bint saad غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-12-20, 02:35 AM   #45

Momim

? العضوٌ??? » 446953
?  التسِجيلٌ » Jun 2019
? مشَارَ?اتْي » 162
?  نُقآطِيْ » Momim is on a distinguished road
افتراضي

سبحان الله وبحمده

Momim غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-12-20, 04:33 AM   #46

ندى تدى

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية ندى تدى

? العضوٌ??? » 142345
?  التسِجيلٌ » Oct 2010
? مشَارَ?اتْي » 8,587
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » ندى تدى has a reputation beyond reputeندى تدى has a reputation beyond reputeندى تدى has a reputation beyond reputeندى تدى has a reputation beyond reputeندى تدى has a reputation beyond reputeندى تدى has a reputation beyond reputeندى تدى has a reputation beyond reputeندى تدى has a reputation beyond reputeندى تدى has a reputation beyond reputeندى تدى has a reputation beyond reputeندى تدى has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   pepsi
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

رائعه وقمة الابداع والتميز


رواية جميله جدا ما شاء الله


تسلم ايدك حبيبتي ووفقك الله


ندى تدى غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 17-12-20, 04:16 AM   #47

التاجري فاطمة الزهراء

? العضوٌ??? » 482028
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 3
?  نُقآطِيْ » التاجري فاطمة الزهراء is on a distinguished road
افتراضي المغرب

بداية الرواية مشوقة شكرا جزيلا

التاجري فاطمة الزهراء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-20, 05:21 AM   #48

لمعة فكر

? العضوٌ??? » 174997
?  التسِجيلٌ » May 2011
? مشَارَ?اتْي » 1,924
?  نُقآطِيْ » لمعة فكر has a reputation beyond reputeلمعة فكر has a reputation beyond reputeلمعة فكر has a reputation beyond reputeلمعة فكر has a reputation beyond reputeلمعة فكر has a reputation beyond reputeلمعة فكر has a reputation beyond reputeلمعة فكر has a reputation beyond reputeلمعة فكر has a reputation beyond reputeلمعة فكر has a reputation beyond reputeلمعة فكر has a reputation beyond reputeلمعة فكر has a reputation beyond repute
افتراضي

يسلمووووووووووووو

لمعة فكر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-12-20, 04:55 PM   #49

ليلاك

? العضوٌ??? » 429105
?  التسِجيلٌ » Aug 2018
? مشَارَ?اتْي » 55
?  نُقآطِيْ » ليلاك is on a distinguished road
افتراضي

رواية جميلة
الذهاب من الماضي للحاضر والعكس يسبب بعض الخربطة للقارئ في بعض الأوقات ولكن بشكل عام وفقتي في الرواية


ليلاك غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-12-20, 04:36 PM   #50

laila@
 
الصورة الرمزية laila@

? العضوٌ??? » 404529
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » laila@ is on a distinguished road
افتراضي

رواية جميلة واحداثها مثيره ابدعتي

laila@ متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:35 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.