آخر 10 مشاركات
[تحميل] انتقام أعمي ، للكاتبة/ عبير ضياء " مصريه " ( Pdf ـ docx) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          مصابيح في حنايا الروح (2) سلسلة طعم البيوت *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : rontii - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          قلوب تحترق (15) للكاتبة الرائعة: واثقة الخطى *كاملة & مميزة* (الكاتـب : واثقة الخطى - )           »          الساعة الالماسية- قلوب قصيرة [حصريًّا] للكاتبة Hya SSin *مكتملة* (الكاتـب : Hya ssin - )           »          لا مفر من القدر - سارة كريفن (الكاتـب : بلا عنوان - )           »          شورت وفانلةولاب(80)-حصرية-ج5زهور الحب الزرقاء -للآخاذة: نرمين نحمدالله*كاملة& الروابط (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أنا وشهريار -ج4من سلسلة زهور الحب الزرقاء- للمبدعة: نرمين نحمدالله [زائرة] *كاملة* (الكاتـب : نرمين نحمدالله - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-09-20, 08:04 PM   #71

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي


"أه"
أهه جذبت عينيها لأسفل فوقعت على شاب وسيم، يرتدي قميصًا أحمر بأزرار بيضاء، وياقة حمراء من الخارج وبيضاء من الداخل، يدخله داخل بنطال بني اللون، يقع أسفل قدميها فتفكر بمرح لقد أوقعت شاب في شباكي يا لجمالي.
رفع عينيه ليسحر مما يرى أمامه ترتدي فستان خليط من لونين من الأعلى أبيض يميل للون السكر، ومن الأسفل وردي فاتح يرسم عليه ورود بألوان حمراء وبنية، قبته من الأعلى تلتف حول بعضها معطية شكل عقد، بدون أكمام يبرز ذراعين رشيقتين ذات بشرة بيضاء، ووجه تحتله ابتسامة طفولية من أجمل ما رأى، عينين سوداء واسعة جميلة، ومما زاد من جمال طلتها، تسريحة شعرها التي أبرزت وجهها بشكل خلاب، ترفعه من الخلف برابطة أنيقة، ينسدل بتموجات شبه دائرية ينزل جزء منه على كتفها الأيمن، بينما تركت الجزء الآخر ينسدل على ظهرها بنعومة مع غرة مموجة تمر بأعلى عينيها اليسرى، كان شعر أسود يوجد به خصلات حمراء تعجب لها في داخله أهي طبيعية، أم أنها من صبغت تلك الخصلات ولكنه أعطاها مظهر فاتن، ظل ينظر إليها مسحورًا من مكانه على الأرض ولم يقم وهو يهمس داخله "وقعت يا عمر ولم تقرأ عليك الفاتحة"
وقبل أن يأتي أحدهما بحركة أتاهما صوت أيهم غاضبًا "دارين ألم أخبرك ألا تقومي من جانب أمي؟"
تذمرت وهي تقول بدلال طفولي "لماذا أبيه؟"
صوت سحر ذلك الذي لا يزال جالس على الأرض.. رد أيهم غاضبًا "لماذا؟، انظري لما ترتدين أخبرتك قبلًا ألا ترتدي ذاك الفستان وأنتِ خالفت ما قلته لك، فلتتحملي تبعات اختياراتك، اذهبي وإياكِ دارين أن تتحركي من جوار فاطمة"
ضربت بقدميها الأرض وهي تغادر غاضبة، نظر لأسفل ليجد عمر جالسًا على الأرض تحدث بتعجب "عمر! ماذا تفعل عندك؟"
أجاب عمر بهدوء "اسأل الآنسة التي كانت هنا منذ قليل"
نظر إليه أيهم لدقائق ثم انفجر بالضحك وهو يتوقع ما حدث، دارين تقف وقفتها الاستعراضية، تمد أحد قدميها للأمام والأخرى للخلف، وعمر علقت قدمه بقدمها الممدودة، قام عمر وهو يعدل من هيئته ثم ما لبث أن تجهم وجهه بغضب "كيف خطبت ولم تخبرني، لهذا كنت تتهرب من اتصالاتي"
رد أيهم بشرود "الوقت ليس مناسب للحديث الآن هيا لأعرفك على والداي "
وصل إلى الطاولة ليعرفه بفاطمة "تلك هي ماما"
نظر عمر إلى سيدة غاية في الجمال ،أطلق عمر صافرة طويلة يتغزل بها بفاطمة، صاح أيهم بغضب وغيرة "عمر"
ليرد عمر بلامبالاة "ماذا والدتك جميلة بحق، كلا هي ملكة جمال"
أشاح أيهم بيديه بغضب وغيرة قائلة بنبرة حادة "عمر اذهب من هنا"
انفجر رحيم وعادل في الضحك الصاخب على ملامح أيهم الغاضبة، جذب عمر مقعد بجانب فاطمة وهو يقول بنبرتها المرحة التي لا يتخلي عنها "أعرفك بنفسي عمر سليم شقيق نيرة جارتكم، شاب وسيم وعلى استعداد أن يتجاوز فرق العمر بيننا ويتزوجك"
نظرت له فاطمة بحنان.. لأول مرة تراه وجهًا لوجه من بعد سنين طويلة لم تعد تحصيها، لتقول بصوت رقيق "أهلًا بك حبيبي.. سعيدة أن قابلتك أخيرًا"
رد عمر بحيرة "هل تعرفيني من قبل؟"
نظر رحيم لفاطمة بشفقة وهي تجيب بصوت خافت "لقد أرتني نيرة صور لك.. هي لا تكف عن الحديث عنك، حتى تمنيت لقائك"
ابتسم عمر بتأثر قائلًا بحب "نيرة تعتبرني الأول في كل شيء في حياتها"
ردت فاطمة بعفوية "إنها جميلة فليرزقها الله بالزوج والذرية الصالحة"
من طرف عينيه راقب عمر ملامح أيهم التي تجهمت، تلك التنهيدة المرهقة التي تدل على عمق وجعه.. ليقول بمزاح مغيرًا وجهة الحديث "لم تجيبي سؤالي هل تتزوجيني؟"
ضحك كل من على الطاولة ورحيم يقول بطيبة "ابتعد يا ولد أنا هو زوجها"
تصنع عمر الحزن وهو يقول بحسرة زائفة "يا لكَ من محظوظ أنا أحسدك حقًا"
أكمل أيهم باقي التعارف "تلك ندا خطيبتي، ودارين أخت ماهر وبمثابة أختي وابنتي الصغرى"
ألقى عمر بتحية مقتضبة متجهمة، وعندما أشار أيهم إلى عادل هتف عمر بإثارة "كابتن عادل، لي سؤال أأنتَ حقًا مصري، أم أخذت الجنسية لطول بقاءك في مصر"
انفجر عادل بالضحك دون رد، واستمرت الأحاديث الجانبية بينهما حتى هتف صوت انتفض له قلب أيهم بشوق وهو الذي لم يتبادل معها أحاديث منذ ذلك اليوم في الشرفة "عمر أنتَ هنا أنا أبحث عنك منذ فترة طويلة"
رفع رأسه ينظر إليها ترتدي فستان من اللون الأسود من قطعتين، القطعة السفلية على شكل تنورة تلف ساقيها بنعومة، أما العليا فكانت تلف صدرها بإحكام ومطرزة بألوان ذهبية لامعة، تنتهي بكمين طويلين ينساب على طول ذراعيها وينتهي بفتحة واسعة قليلًا، وترتدي حجاب من اللون الذهبي بطريقة أنيقة، ووجه خالي من مساحيق التجميل باستثناء الكحل الذي رسم عينيها وأبرز عسلهما بطريقة واضحة، التهمها بعينيه وهو يشعر بالغيرة من كل عين رأتها، ويدعو الله أن يحفظها من كل شر، انتبه من شروده على صافرة عمر يتغزل بأخته "نيرتي الفاتنة من أي كوكب هبطتِ؟"
تدرج وجهها بالأحمر القاني، وهي تضرب أخيها في كتفه بخجل، دعتها فاطمة للجلوس فوافقت على مضض، لم تكن تريد الجلوس معه على طاولة واحدة تضمه هو وحبيبته، تطلعت إليه كان وسيم ليس من حقها، يرتدى تي شيرت أعلاه أبيض ،يتدرج من أسفل اللون الأبيض خطوط خضراء كثيرة، وبنطال جينز أسود وجاكيت أبيض، بينما الجالسة بجواره ترتدي فستان طويل من اللون الأخضر الفاتح ينساب على طول جسدها، وحجاب أبيض يحتوي نقشات خضراء، بالطبع متناسقين في كل شيء، صرخ قلبها بألم وهي ترى خاتمه يزين إصبعها، ألم أخفته بصعوبة وهي تندمج مع مزاح عمر معها.
مقارنة سريعة عقدها قلبه بين الجالسة بجواره والجالسة أمامه ليعلن التسليم للجالسة أمامه، فخفق قلبه بشوق.. ألم.. عذاب.. عشق.. واعتذار لذلك الألم الموجع بعينيها.
أما تلك الجالسة بجانبه فلاحظت تلك الشحنات السالبة التي جلبتها ذات الفستان الأسود، وتعجبت بداخلها وهي تتساءل أين الغيرة التي يجب أن تشعر بها، هل أخطأت الاختيار؟ حتى وإن كانت خطبتهما تقليدية فعلى الأقل ستشعر بالغيرة، إنه خطيبها ولكن الجلسة تضم غيره، إذًا لمَ ذلك الشعور بأن خطيبها يحمل في قلبه شيء لجارته.
................……….
انطفأت الاضواء في القاعة لتسطع أضواء خافتة منتهى في الرومانسية وتصدح في الاجواء أغنية شاعرية.. اتجه كل من خالد وماهر ومعهم زوجتيهما الى منتصف القاعة ليرقصا سويًا.
ضم خالد هنا بحنو وهو يتغزل بها ووجنتيها تتلونان باللون الاحمر القاني خجلًا وسعادة، بينما كان ماهر تقريبًا يحتضن لمار وهو يشاكسها، وكانت ترميه بنظرات كم عشقها لو كانت تحرق لأحرقته حرجًا مما يفعله أمام الحاضرين، وما إن انتهت الرقصة حتى حمل ماهر لمار ودار بها وسعادة الكون لا تكفيه في حين همس خالد لهنا "أتمانعين إذا فعلت المثل"
نظرت إليه شذرًا بينما تركها هو وذهب ليطلب من منسق الأغاني أن يعيد تشغيلها ثانية ، واحتضن كل منهما عروسه ليعيشا كل لحظة معًا دون أي منغصات أو اعتبارات فقط السعادة، همس ماهر في أذن لمار ببضع كلمات لتبتسم له وتومئ براسها، تركها واتجه لفاطمة وجثى على ركبة واحدة وهو يمد يده لفاطمة قائلًا بحب "فاتنتي أتسمحين لي برقصة.. أرجوكِ"
هزت فاطمة كتفها بخجل قائلة بخفوت "لا أعرف يا ماهر"
رد برقة وهو يقبل يدها "بسيطة يا ماما سأعانقك ونتمايل سويًا فقط"
أومأت ببسمة سعيدة وهي تقف معه، ليغمز لرحيم الذي اتجه إلى لمار قائلًا بحنان "ارقصي معي يا بُنيتي"
سلمته لمار يدها بخجل ليضمها رحيم بحنو قائلًا بهدوء "ماهر مثل أيهم تمامًا.. وأنتِ أصبحتِ زوجته أي زوجة ابني، وزوجة ابني اعتبرها ابنتي.. أرجو أن تعتبريني مثل والدك وإن احتاجتِ شيء بيوم لا تترددي وتطلبيه مني"
شعرت بأمان افتقدته منذ وفاة والدها يحاوطها.. مالت واضعة رأسها على كتفه قائلة بنبرة دامعة "أنا لا أعلم كيف أشكرك رحيم"
ربت رحيم بحنان على كتفها قائلًا بهدوء "لا شكر بين الأب وابنته.. فقط اسعديه إنه يستحق السعادة"
ابتسمت قائلة بوعد صادق "سأفعل"
فعل عمر المثل لنيرة وترجاها "هل تسمح أميرتي بجعل الكل يحسدني بقبولك بالرقص معي"
تدرج وجه نيرة بأحمر قاني قائلة بصوت خجول "لا أريد يا عمر"
التفت عمر برأسه لشقيقته.. يراقب ملامحها التي تحاول إظهار الفرحة.. ولكنها تخونها للحظات لتظهر تعاستها.. التقط كفها يقبلها برقة قائلًا برجاء "لأجلي نيرة"
التفتت ندا تنظر لأيهم الذي انغلقت ملامحه برفض.. تعتقد أن الأمر لو كان بيده لكان أجلسها بجواره بالغصب.. أبعدت عينيها عائدة لتلك الجميلة التي ابتسمت برقة قائلة بنبرة آسرة "أنت غليظ عمر ولا أستطيع رفض طلب لك وأنت تعلم"
ابتسم عمر وهو يقف ليجذبها معه قائلًا بتلقائية "ويسألوني لمَ أعشقك"
ابتسمت له بحب وهي تغادر معه تحت أنظار أيهم القاتمة، ترجت دارين أيهم ليراقصها "أبيه أرجوك.. أرجوك أنا أيضًا أريد أن أرقص.. هذه الرقصة فقط أرجووووووووك"
دائمًا ما تهزمه بدلالها وكالعادة اعتلى معها منصة الرقص لتبدأ رقصة كل زوج.. تاركًا خلفه ندا دون اعتذار تجلس بحرج بالغ أمام عادل.. الذي قال بحرج مماثل "احم.. سأذهب لأجلب مشروب لي.. أترغبين في شيء آنستي"
"أجل.. مشروب معك لو سمحت.. شكرًا جزيلًا"
............................
بدأ الجميع رقصاتهم لتكون نيرة مقابلة لأيهم ينظر لها نظرات تعبر عن حبه و أسفه و ألمه.. نظرات دافئة.. متمنية.. محتوية، نظرات تبوح بكل ما يخبئه قلبه من ألم وعشق في مقابل نظراتها، التي لم تقل عشقًا بل فاقت عشقه.. نظرات لائمة.. متسائلة.. مذنبة.. كل ما كان يدور بخلدها أنها تعشقه تعشق نظراته.. وهيبته... خلجاته وسكناته تعشق النظر إليه في كل وقت، ولكنه أصبح لغيرها ليس مسموح لها لا بالنظر ولا حتى التفكير، لتغشي عينيها دموع أبت أن تنزل رمشت بسرعه لتزيلها لكنه رآها التقطها بسرعة ليتألم أكثر ليحدث نفسه وكأنه يحدثها "سامحيني.. دموعك كالنيران تكويني.. ألمك كالخناجر يشطر قلبي ويدميني.. عذابك يشقيني.. صدقينى حبيبتي.. أنتِ مرادي ومنيتي.. سلامتك فقط هي ما تعنيني.. وإن كان شقائي مقابل سلامتك.. فأنتِ يا نور عيني تهوني عليّ شقائي وتريحيني.. عن كل شيء تغنيني.. فقط أرجوك كوني بخير.. لأجلي قبلك.. لأجل قلبي بألف خير كوني"
توقفت الموسيقى وانتهت الرقصة ليحمل خالد هنا ويدور بها ويصرخ بجمله واحدة "أحبك.. أعشقك هناي"
وما إن توقف و أوقفها على قدميها حتى كاد أن يسقط لولا ذراع أيهم و ماهر الداعمتين المصحوبة بنظرات ضاحكة.. ساخرة وحنونة في آن واحد
وما إن استطاع الوقوف حتى صدحت موسيقى الأغاني الشعبية وظل الثلاثة يرقصون منهم من يرقص بسعادة و منهم من يدعي السعادة ولكنهم اتفقوا في تمنيهم السعادة.. كل السعادة لبعضهم البعض.
ابتعدت نيرة عن حلقة الرقص القائمة أمامها غير قادرة على ادعاء السعادة أكثر من هذا.. تريد أن تختلي بنفسها قليلا.. وتبكي وجع غيرتها التي تمزق قلبها بقوة.. ألقت نظرة عليه وهو يرقص مع ماهر بسعادة.. غير مكترث لتلك الجروح التي أحدثها في صدرها.. أخذت نفسًا عميقًا وهي تستدير خارجة.. غافلة عن عينين لم تغفل عنها مطلقًا.
جلست على طرف مقعد في حديقة الفندق.. تنظر بعينيها الدامعة للسماء المظلمة.. تناجي طيفًا كان دائمًا يساندها ولكنها بكل أسف لا تتذكره، تنهدت بقوة وهي تمسح دمعة فرت من أسر عينيها.. ثم انتفض جسدها برعب ومحرمة ورقية بيضاء تظهر أمامها من العدم.. التفتت ناظرة بجزع ليستكين جسدها بارتياح عندما رأت أيهم يجلس على طرف المقعد.. التقطت منه المحرمة وهو يقول بصوت جامد "آسف لم أقصد إخافتك"
أخذت نفسًا عميقًا قائلة بخفوت "شكرًا لك"
أومأ برأسه بخفة وهو ينظر للسماء فوقهما قائلًا بشرود "لا توجد نجوم هذه الأيام في السماء"
عقدت حاجبيها بعدم فهم قائلة بهدوء "على العكس تمامًا السماء صافية ومليئة بالنجوم المتلألئة"
نظر لها بطرف عينيه مجيبًا بتنهيدة عميقة "ربما ولكن نجومي لم تعد موجودة"
ردت بتعجب "هل لديك نجوم؟"
ابتسم مجيبًا بمرارة "نعم كان لدي نجمتين ضاعت مني إحداهما"
التفت ناظرة له بغرابة قائلة بلهفة "أنا لا أفهم شيء"
أخذ نفسًا عميقًا وهو ينظر للوجه المطبوع بقلبه قائلا بنبرة صادقة "أنا آسف"
عبست قائلة بصوت خافت "لماذا تتأسف؟"
تفرس بملامحها بتلك الجلسة الصافية التي لا تتكرر قائلًا بصوت ثابت "لأجل ما حدث ذلك اليوم في الشرفة.. لقد كانت أعصابي مضغوطة نتيجة شجاري مع أمي.. لم يكن يحق لي أذيتك"
انغلقت ملامحها مجيبة بهدوء لا يعبر بذرة عن تلك الدوامات داخلها "لا يستحق الأمر أي اعتذار منك.. الأمر لا يعنيني حتى أتألم"
رغم أنه يعلم بكذبها حتى تحفظ كرامتها.. ولكن الألم الذي اجتاح قلبه كان شديدًا ليرد بحنان "ولو ما كان يجب عليّ فعلها"
ابتسمت له ابتسامة باهتة قائلة وهي تقف "لم يحدث شيء بعد إذنك"
وتركته وعادت للداخل ليخرج نفسًا ملتاعًا وهو ينظر للسماء قائلًا بلوعة "أضعتك نجمتي فأصبحت كل النجوم دونك باهتة"
......................
انتهى الزفاف وأخذ كل عريس عروسه لبيته.. فخالد أخذ هنا بعد بكائها في أحضان والدها.. بينما ماهر فكان ينازع لمار لتترك نيرة فقد انتزعها من أحضان نيرة انتزاعًا وكأنها والدتها.
وانطلقوا بسيارتهم جميعًا حتى وصلا لمنزلهم نزل العريسان كلًا معه عروسه ليغمز خالد وماهر لبعضهما البعض وفي لحظة كل منهما كان يحمل عروسه بين ذراعيه ويدلف بها الى شقته.
أنزل خالد هنا و أشار لغرفة نومهما قائلًا بحنان "هذه غرفتنا استعدي للصلاة حبيبتي"
تابع مغادرتها وهو يأخذ نفسًا عميقًا مخرجًا هاتفه باعثًا برسالة لماهر.. نظر إلى باب غرفتها المغلق للحظات ثم خرج وترك المنزل.
في حين قال ماهر للمار بحنو "هذه هي الغرفة دماري استعدى للصلاة ولا تتأخري"
أتبع كلامه بغمزة شقية قائلًا بابتسامة عابثة "لدينا ليلًا طويلًا طبيبتي العزيزة"
لتحمر خجلًا وتركض لتستعد فنظر في أثرها قائلًا بشقاوة مرحة "ستقتلينني بالأزمة القلبية يومًا ما دماري"
وصلته ضحكتها ليبتسم ويفتح هاتفه ليرى رسالة من خالد يخبره أن ينتظره على الدرج، نزل إليه وجلس بجانبه وقد علم ما أراد، قائلًا بخفوت "ماذا سنفعل؟"
ابتسم خالد ابتسامة عابثة "كما يفعل كل الأزواج في أول يوم بزواجهم"
لكزه ماهر بقوه جعلته يتأوه ممسكًا بخصره "تأدب يا ولد.. أقصد.. غدًا "
مط خالد شفتيه بعدم معرفه قائلًا بخفة "لا أعلم.. دع الغد للغد والآن اذهب لعروسك و أنا سأذهب لعروسي.. مبارك لنا"
........................
دخل ماهر إلى شقته بعد حديثه مع خالد، وهو يفكر كيف يخبر لمار عن الغد، وهو كما عرف عنها ذات أعصاب نارية، ولكن كما قال خالد دع الغد للغد، واليوم يومه هو ودماره، يا إلهي كيف ستمضي الليلة ، حبيبته بين ذراعيه أخيرًا، أخيرًا سيحقق كل خيالاته الوقحة حولها.. حبيبة قلبه الذي أسرته منذ أول لقاء، انطلق إلى أحدى الغرف ليتوضأ وينتظرها حتى تنتهى.
بينما في الداخل كانت لمار تصارع فستانها حتى تستطيع تبديله، غير قادرة على فك طرحتها ولا الوصول إلى ظهر الفستان حتى تفتح سحابه من الخلف، جلست على الأرض تبكي وهي تدفن رأسها بين ركبتيها، تعاني ضغوط كثيرة من جهة ماهر و خوفها مما سيحدث بينهما، ومن جهة أخرى ذاك الفستان الذي علقت به، تراكم خوفها من اللحظات القادمة، يا ليت والدتها كانت على قيد الحياة لكانت نصحتها بما يجب عليها فعله، ويا ليت نيرة كانت هنا لكانت ساعدتها وامتصت خوفها منها.
كان يجوب الممر خارج الغرفة ذهابًا وإيابًا، لماذا تأخرت ماذا حدث معها؟ لقد أبدل ملابسه منذ وقت طويل.. قرر دخول الغرفة ليطمئن عليها فقط، فتح الباب بهدوء لينتفض قلبه هلعًا عليها عندما رأى جلستها البائسة متكورة حول نفسها، غارقة بطيات فستانها وتبدو حزينة، ركض إليها وهو يهمس بخفوت "ماذا حدث لمار؟"
رفعت عينيها إليه فهاله منظر الدموع ليجذبها بين ذراعيه يضمها بقوة، فانفجرت في البكاء ثانية أخذ يهمس لها حتى هدأت ثم أخرجها من أحضانه ببطء، وهو يتساءل برفق حاني "لماذا كل هذا البكاء، أأنتِ خائفة مني؟"
هزت رأسها نفيًا بقوة وهي تقول بصوت مبحوح من كثرة البكاء "لا أستطيع تبديل الفستان ولا يوجد من يساعدني"
ضحك بقوة قائلًا بمرح "لمار أفزعتني عليك، و الفستان ليس بمشكلة يمكنني مساعدتك"
ابتعدت عنه تهتف بقوة "لا اطلب من هنا أن تأتي وتساعدني"
همس بصبر وهو يحدثها كما يتحدث مع دارين "حبيبتي هنا أيضًا عروس مثلك وهي مع زوجها"
هتفت بتذمر وهي تعطيه ظهرها إذًا من سيساعدني؟"
احتضن خصرها وأراح وجنته على كتفها وهو يقول بحنان "أنا لمار، وأنا دومًا من سيكون موجود عندما تحتاجي إلى مساعدة"
استكانت بين ذراعيه لينزع عنها طرحتها ويحرر شعرها من عقاله، اتسعت عينيه بانبهار ناظرًا لكومة الشعر البني الفاتح بلمعته الأسرة.. ليهتف بحرارة أخجلتها "يا إلهي إن الشمس تسكن بين خصلاتك"
ردت باعتراض خجول "إنه بني وليس أشقر يا ماهر"
جذبها يضمها إليه أكثر وهو يحرر شعرها من عقدته ليدفن وجهه به.. مستنشقًا عطرها الفريد قائلًا بغمغمة لطيفة "ولكنه يحمل دفئها وحرارتها"
مدت يدها تتمسك بذراعه الملتف حول خصرها بوجل.. ليقول بلطف قدر إمكانه "هيا لأفك لكِ السحاب كي تتخلصي من ثقل الفستان"
شعرت بالتوتر يغزوها عندما أبعدها عنه قليلًا.. وهم بفتح سحاب الفستان لتهتف برجاء "أرجوك ماهر أطفأ النور أولًا"
"لكن كيف سأرى؟" اعترض بإصرار محبط.
"أرجوك ماهر أعلم أن نواياك غير سليمة على الإطلاق" همست لمار بخفوت وهي تشعر بالتوتر لقربه منها هكذا.. لم تعتده قريبًا لهذا الحد، ضحك ماهر بمرح واتجه إلى النور فأغلقه تلبيةً لطلبها، وبدء المهمة الشاقة لكليهما، كانت تشعر بالتوتر وانقباض عضلات معدتها بقوة وهي تشعر بيديه على بشرتها العارية، حتى وإن كانت الغرفة مظلمة فماهر سيستغل أي فرصة تجمعه بها، كانت يديه تتجول ببطء على ظهرها، وهو يطلق زفرات حارة تشعرها بالتوتر أكثر، وما إن انتهى حتى أطلقت زفرة راحة وهي تبتعد عن مرمى يديه، ثبت كتفيها العاريتين بيديه و أدارها إليه والتقط شفتيها في قبلة طويلة وهو يختبر شفتيها لأول مرة فعليًا، فتلك المرة بعقد قرانهم أو تلك المرات التي كان يسرقها رغمًا عنها كان فقط يمس شفتيها، ويبتعد خوفًا من فقدان سيطرته على ذاته، وفي أعذب أحلامه بها لم يتخيل أن تكون قبلتها بكل تلك النعومة والعذوبة، كانت تجربة فريدة من نوعها وهو يختبر شيء قوي للغاية، شيء جعل المباراة التي تشترك فيها دقات قلبه تزداد إثارة، أما استسلامها له شجعه على أن يجذبها ناحيته أقوى وهو يلف يده حول خصرها بقوة، والأخرى كانت تختبر شمسها القابعة في شعرها، بينما هي فقدت القدرة على التفكير أو التحرك أو أي شيء نست كل ما حولهما واستجابت إليه بخجل، كانت تشعر بكل المشاعر المتضادة بالكون ولا تتفاعل معها تركت له هو حرية التصرف، قبلته أخبرتها بكل ما يحمله بصدره تجاهها، وهي تقبلت كل مشاعره بخجل عذري مبهر.
همس بحرارة وهو يضع جبينه على جبينها عندما انتهى أخيرًا من قبلته "أه يا دماري ستصيبني يومًا ما بأزمة قلبية، استعدي للصلاة حبيبتي"
وما إن خرج حتى جلست على السرير وهي تهمس يا إلهي ماذا سيحدث؟ لا يبدو أن ماهر ينوي ان تمر الليلة دون أن ينالها، وهي مرعوبة من هذا الذي تعلم قشوره وتعلم أنه حتما سيحدث.
جلس ماهر على سجادة الصلاة يهدئ نفسه وينتظر ملاكه .. دماره وسر هلاكه.. شعر بباب غرفتهما يُفتح وتخرج منه زوجته، زوجته كلمة ذات مذاق خاص إذا حملتها من يهواها القلب، كانت ترتدي إسدال من اللون الأبيض ينافس بياض بشرتها وقلبها على حد سواء، مزركش بزهور من اللون الزهري تشبه الملاك، ملاكه هو، وقفت تنظر إليه بخجل في ملابسه البيتية التي تراها عليه لأول مرة، دق قلبها بشدة و ارتجف جسدها من التوتر.
"هيا حبيبتي لنصلي"
قالها وهو يمد يده إليها بصوت مليء بالعاطفة، مدت يدها بخجل تضعها في راحة يده فرفعها إلى شفتيه وقبلها برقة وهو ينظر إلى عينيها مباشرة، ولدهشتها لم تحيد بعينيها عن عينيه، ساعدها على الوقوف باعتدال لتكون بداية حياتهما سويًا بطاعة الله، يدعون بكل جوارحهما أن يرزقهما الله السعادة و يديمها عليهما، أنهيا صلاتهما وظلا على وضعهما وهو يعطيها ظهره، يعطيها الفرصة كي تستوعب مشاعرها ويجمع شتات نفسه، كي لا يخيفها من شدة شوقه إليها، بينما هي كانت مأخوذة بصوته لم يكن جميلًا ولكن سماعها للقرآن بصوته له وقع خاص على نفسها، وهي تفكر في حياتهما القادمة سويًا، شعر بلمسة يديها على كتفه مما جعله يغمض عينيه لثانية ويلتفت إليها ليسمع صوتها المهتز "أرجوك.. ماهر أريد أن أحدثك قليلًا"
قالتها بصوت يرتجف وقد أعادت يدها إليها وها هي تعتصرها في حجرها بتوتر، ابتسم بهدوء وهو يدرك خوفها فأخذ يديها بين يديه وتحدث بصوت مرح "حسنًا حبيبتي تحدثي.. على كل حال حديثنا الليلة طوييييل"
نظرت إليه بعيون متسائلة ليغمزها بوقاحة، فأجفلت مبتعدة عنه مما جعله يقهقه ضاحكًا وهو يضمها لحضنه، قائًلا بصوت دافئ بعث بالاستقرار والأمان داخلها "لا تقلقي دماري.. أعلم ما تريدين قوله حبيبتي، أقدر خوفك ورهبتك ولكن كوني واثقة أنك أغلى عندي من نفسي ومن كل ما أملك، أنتِ هي حبيبتي التي انتظرتها طويلًا، وأنا ماهر زوجك وحبيبك أليس كذلك دماري؟"
أومأت برأسها موافقة بخجل دون صوت، ليضيف بنبرة حنونة مهدئة "اهدئي حبيبتي ولن يحدث غير ما تريدين، أنا أحبك وتلك الكلمة هي وعدي لكِ بكل السعادة في الحياة"
ابتسمت له بخجل ليضع يده على رأسها وهو يقول الدعاء المتعارف "اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه"
أمنا سويًا ليحملها بين ذراعيه لترتجف وهي تدفن رأسها بخجل في صدره، ويدخل غرفتهما ليبدؤوا حياتهما سويًا حياة مليئة بالحب والمودة والتفاهم.
............................


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-09-20, 08:07 PM   #72

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

وفي الطابق الثاني
دخل خالد شقته وهو يفكر فيما سيفعله غدًا؟ كيف سيخبرها بالموضوع؟ هل ستتقبل الوضع أم لا؟ لقد حاول هو وماهر كثيرًا والله يعلم لكن.. ما باليد حيلة، زفر بغيظ ليقاطعه صوت هنا المتسائل بحيرة "خالد.. ماذا كنت تفعل بالخارج؟ هل كل شيء على ما يرام؟"
رفع رأسه وهم بالإجابة على سؤالها "أجل حبيبتـ....."
ليتوقف عن الكلام فجأة وهو يتأملها بإسدالها البنفسجي الناعم.. يا إلهي إنها فاتنة.. بل هي فتنة في حد ذاتها.. نسى كل أفكاره.. كل مخاوفه.. حججه ومبرراته.. نسى كل الكلمات ولم يتذكر سوى "كم أنتِ فاتنة!"
قالها دون أن يشعر فقط لسانه ترجم ما دار بخاطره.
"ماذا؟ خالد أنا أسألك عما كنت تفعله بالخارج؟"
ليجيبها مرتبكًا محاولًا التركيز "اااااا.. احم.. كنت.. أغلق البوابة.. أجل أغلق البوابة.. سأتوضأ و أعود ثانيةً"
لينصرف مسرعًا ويتركها مذهولة من حالته "ماذا به يا ترى..؟ لأجهز العشاء حالما يعود"
خرج خالد بعد دقائق معدودة يبحث عنها حتى وجدها ترتب مائدة الطعام أمام التلفاز كما يحب فاتجه إليها واحتضنها دون أن تشعر قائلًا بدفء "من أخبركِ بهذا؟!"
أجابت بهمسة رقيقة "ماما بطة"
أدارها إليه وقبلها قبلة رقيقة ثم جذبها لتجلس بجانبه.. وللدقة فهي تجلس بأحضانه، قائلًا بعشق صافي "أتعلمين.. أنا لا أصدق أنك في بيتي أخيرًا.. فأنا أحببتك منذ وقعت عيناي عليكِ.. حين كنتِ تلعبين بمفردك.. حينها فقط أيقنت أنك أنتِ نصفي الآخر لا غيرك"
لتبتسم لذكرياتهما معًا مجيبة بذات النبرة العاشقة "أتعلم أنت كم تخيلت أنني زوجتك؟ أنا أيضًا أحببتك منذ أتيت و جلست بجانبي و قلت لي الحزن لا يليق بك ابتسمي، و أخذت تلاطفني و تلعب معي بألعابي الأنثوية دون أن تخجل من أحد.. حتى بعد أن عنفك والدي و أمرك بالابتعاد أتذكر وقتها أنك أخبرته وبمنتهى الشجاعة.. أعتذر منك عمي لكني لن أتخلى عنها أبدا.. على جثتي.."
ليبتسما سويًا وينظر لها بعشق بينما تنظر له بفخر مكملة بهيام "أحببتك حينها.. أدركت أنك فارسي.. زوجي و حبيبي.. و كل شيء بحياتي"
احتضنها بقوة ملاحظًا ارتعاشها و ارتجافها فأبعدها عنه قليلًا وهو يشعل التلفاز "هيا يا سعادتي و هناي.. لنصلي أولًا ثم.. نتناول أول عشاء لنا وأنتِ في بيتي.. زوجتي وحلالي"
جذبها له و قبلها بخفة ثم شرعا في أداء صلاتهما، وحالما انتهوا وضع يده على رأسها و دعى لهما سويا إلى جانب الدعاء المعروف.. ثم جذبها بلطف قائلًا بصوت حاني "هيا لنأكل.. أنا جائع جداااااا حبيبتي"
أخذوا يتناولوا طعامهما وسط نظراتهما العاشقة الحامدة لله لجمعهما سويًا، أدار التلفاز على فيلمًا ما غير ذات أهمية هو لا يريد و لا يركز في شيء سواها، لكنه يريد أن يخفف من توترها و لكنه رغمًا عنه يزيده بتفرسه بها "خالد.. ماذا سيفعلون؟!"
رد بعدم استيعاب "ماذا!! من؟!"
لتشير للتلفاز فيجد عريس يحمل عروسه ليدخلا معًا جناحهما الخاص فأجابها مبتسمًا بمكر "كما يفعل أي عروسين حبيبتي.. وكما سنفعل نحن"
لتسأله بحيرة بريئة "وماذا سنفعل نحن؟!"
"حقًا تريدين المعرفة؟!"
ردت بتذمر لطيف "بالطبع.. ولمَ اسأل إذًا؟"
نهض فجأة و قام بحملها قائلًا ببهجة "طلباتك أوامر هناي.. يا تعبي وشقائي بأيامي الماضية وسر سعادتي وبهجتي لحياتي القادمة"
..............................
في نفس الليلة
خرجت إلى الشرفة لتستنشق بعض الهواء النقي، تهدئ ذلك السعير داخلها نار تلتهمها من الداخل، رؤيتهما سويًا ولَّد بداخلها ألم فوق احتمالها، لا تعلم كيف تماسكت دون أن تنهار، وعندما عادوا ألحت على عمر ليبقى معها الليلة، تنهدت بألم تعود بذاكراتها إلى يوم خطوبته غافلة عن عينين تتأملها بألم وتعتذر لها عن كسر قلبها، كما اعتادت أن تفعل دائمًا الأيام الماضية.
تتذكر أنها وقفت تتطلع على المنزل المقابل لها، والذي من المفترض أن من سكنت قلبه تعيش به، ترى هل كانوا مثل الأفلام في السينما بينهما إشارة يستعملونها عندما يريد أحدهما أن يرى الآخر دون أن يشعر بهما أحد ؟ هل كان يراقبها خلسة من شرفته؟ هل كانا يتحدثان في الهاتف وهما يتطلعان ببعضهما؟ كيف اعترف بحبه لها؟ أفكار كثيرة عصفت بقلبها وعقلها وهي تتطلع على مدخل المنزل، أخرجها من أفكارها صوت لمار يقول وهي تناولها فنجان من القهوة "بما تشعرين هنا؟" وأشارت نحو قلبها بإصبعها.
همست نيرة بشرود حزين "لن تصدقينني إن أخبرتك أني لا أشعر بشيء إطلاقًا"
أجابتها لمار بنفس شرودها الحزين "بلى صديقتي أصدقك لأن ما تشعرين به يطلق عليه فراغ داخلي من المشاعر وهو أحد أشكال الهروب من الحزن والوجع"
نظرت لها نيرة بتأمل لتقول بعزيمة بعد فترة من التفكير "لن أهرب من حزني لمار، هروبي منه لن يحل مشكلتي المواجهة هي أفضل الحلول، وأنا لم أتعود الهروب أو الهزيمة سأواجهه لمار وأنتصر عليه، هي فقط فترة أسترد بها عزيمتي التي هربت مني على حين غفلة"
نظرت لها لمار بفخر هي تعلم أن نيرة قوية ولن تستسلم لقصة حب فاشلة، ربتت على كتفها قائلة بمساندة "أنا معك"
ابتسمت لها نيرة بامتنان وعادت تنظر ثانيةً أمامها بشرود، أجفلت على رنين هاتف لمار بنغمة مميزة تخص بها ماهر فقط، أغنية هندية تروي قصة عشق عظيمة، تحدثت نيرة بمشاكسة هي أولى خطواتها في مواجهة حزنها "الكابتن الهُمَام يتصل"
أطلقت لمار ضحكة هازئة وردت بمشاكسة تجاري بها صديقتها "وأنا سأذهب على جناحي عصفور لأجيب كابتني الهمام"
انطلقت لمار لتجيب الهاتف قبل أن ينقطع الرنين تشيعها نظرات نيرة داعية لها بالسعادة الدائمة، وأن يستطيع ماهر محو كل حزن مرت به في حياتها قبل أن تلتقيه، سحبت قلمها ومذكرتها نوجة لتدون جملة واحدة لمرات عديدة "تزيين اللون الأسود في الحياة بألوان مبهجة يمحيه"
أعادت عينيها إلى الشارع ثانيةً وقلبها يتمزق ألمًا كلما انطلقت تلك الزغاريد، التي تثبت حبه العميق لأخرى، لتقع عينيها أسيرة عيون سوداء تنظر إليها بنظرة غريبة لم تستطع تفسيرها أو ربما تجاهلت تفسيرها ببساطة، لتلقى إليه نظرة تحمل الخيبة والخذلان رغمًا عنها.
لا يعلم ما الذي دفعه ليرفع عينيه إلى شرفتها، لتقع عينيه في عينيها مباشرة، ظن في بادئ الأمر أنه يتوهم فألقى إليها نظرة شوق وأسف، ليتأكد أنها حقيقة عندما استقبلت عينيه نظرة ترجمها قلبه فورًا، فتمزق للمرة التي لا يعلم مقدارها أو عددها، أشاحت عينيها عنه تعيدها إلى مذكراتها لتعود وتكتب "عينين شديدة السواد أتوق لنظرات حب منها، ولكنها تخص أخرى، ولم ولن أخذ شيء ليس ملكي، و لكن قلبي لا يفهم ذلك فأين السبيل لأفهمه؟ أجيبيني نوجة لمرة واحدة واصمتي بعدها قدر ما تريدين" ولكن لا مجيب ولا رد فقط قلب يتمزق ألمًا.
عادت من ذكرياتها على وجع قلبها، لتنهمر دموعها غزيرة وجسدها يرتجف بقوة من عمق الوجع، وجع أصاب ذاك الذي يراقبها دون أن تشعر بسهام مسمومة في قلبه، كان يتمنى كل مرة يراها تبكي أن يأخذها في أحضانه لتبكي على صدره، جراحها النازفة بصدره هو، لا يعلم لمَ حظه يعاقبه بتلك القسوة، فيختار الوقت الذي تبكي فيه جرحها ليراها فيتألم مع ألمه ألمها فيصبح ألم قلبه لا يطاق.
انتبه على عمر يضع يده على كتفيها لتستدير إليه تحتضنه بقوة، تبكي بين ذراعيه ألم قلبها هامسة بألم "لا أستطيع الاحتمال يا عمر، قلبي يؤلمني ولا قدرة لي على مواجهة ذلك الألم"
ضمها إليه بقوة يغمض عينيه كي لا يشاركها البكاء، ربت على ظهرها بحنان، لا يعلم ماذا يفعل معها، أخذ قراره بإخبارها عن وعد أيهم، وما إن همّ بإخبارها حتى وقع نظره على أيهم يهز رأسه نفيًا، ويحذره بعينيه من الكلام، زم عمر شفتيه بحنق ليتحدث بصوت حاني "اهدئي حبيبتي ستحل كل الأمور أعدك"
لترد بألم مزق ذلك الواقف خلفها "لا شيء يمكن أن يُحل عمر"
رد ثانية بإصرار وحزم "كلا حبيبتي أعدك أن أحل كل شيء، اذهبي للداخل هيا لتنامي قليلًا"
أومأت برأسها فمسح دموعها وهو يقبل جبينها قائلًا بقوة "لا شيء ولا شخص يستحق دموعك على الإطلاق"
ألقت بنظرها إلى الشرفة المجاورة بألم لتجدها فارغة.. متجاهلة شعورها أنها مراقبة ثم اتجهت إلى الداخل، تأكد من دخولها ليلتفت إلى أيهم الذي دخل إلى الشرفة ثانية، ليقول عمر بغضب "أنا لا أتحمل ألمها يجب أن أخبرها"
استند أيهم بذراعه على السياج يراقب الشارع الفارغ مجيبًا بألم "أنا أيضًا لا أستطيع تحمل ألمها والقدر دائمًا يجعلني أشاركها ذات الألم دون أن تدري، وكأنه ينتقم لها"
نظر إليه عمر بألم يعلم أن ذلك الوعد يكبله، ولكن كيف يصدقه بتلك البساطة ذلك ما سيجعله يجن مجيبًا بحيرة "كيف صدقته وأعطيته ذلك الوعد"
نظر له أيهم قليلًا ليقول بحزن "أعتقد أنك سمعت الحديث الذي دار كله يا عمر"
رد عمر بخفوت "لا تصدقه يا أيهم إنه يكذب، نيرة ليست بهذا الشكل، مستحيل أن تكون هكذا، أنا أدرى الناس بها إنها من ربتني"
رد أيهم ببؤس "الأوراق حقيقية وليست مزيفة"
أخذ عمر نفسًا عميقًا قائلًا بخفوت "كذب كله كذب"
انحنت عين أيهم باستسلام قائلًا بهدوء "لو كنت بمحلي ماذا كنت لتفعل؟"
رد عمر بانفعال " لا أعلم، كل ما أعلمه أنك تحب أختي وهي تحبك إذًا لماذا خطبت غيرها، لماذا لم تحارب لأجلها لا أفهم"
تنهد أيهم بألم قائلًا بابتسامة حزينة "نعم أحبها كثيرًا وقلبي يؤلمني لفراقها، ولكن كل ألم يهون أمام سلامتها، لن أستطيع العيش في عالم هي غير موجودة به، لقد أصبحت أيامي سوداء ونجمتي ضائعة.. برأيك كيف ستكون لو غربت نجمتي عن هذا العالم؟ ستصبح باهتة فارغة لا معنى لها.. تصبح على خير عمر"
نظر إليه عمر وهو يغادر بحزن كبير والتفت ليدخل بهم، لتتسمر كل حواسه على الواقفة أمامه، حسنًا هو لم يفعل شيء هي عرفت بمفردها، أتاه صوتها هادئ "ماذا تفعل بالشرفة إلى الآن؟"
زفر بخيبة أمل ارتسمت في عينيه واتجه إليها يقبل وجنتها وهو يقول بإحباط "لا شيء مهم تصبحي على خير"
راقبته يدلف للداخل لتتحرك لغرفتها وعقلها يردد ما سمعته منذ قليل "أنك تحب أختي وهي تحبك"
"نعم أحبها كثيرًا وقلبي يؤلمني لفراقها"
"كل ألم يهون أمام سلامتها"
"لن أستطيع العيش بعالم هي غير موجودة به"
" لقد أصبحت أيامي سوداء ونجمتي ضائعة"
" ستصبح باهتة فارغة لا معنى لها"
هتف قلبها بانتصار مغردًا بعودته إلى الحياة مجددًا "أخبرتك أن ذاك الاعتراف لي، فأنا دائمًا أسمع مناجاة قلبه، أنا نجمته الضائعة، ما هو قولك أيها العقل"
صمت عقلها قليلًا مفكرًا ثم هتف بقسوة "سترى أيها القلب وامنعني إن استطعت"
رفعت هاتفها وهي تقول بجمود "مرحبًا أبي أنا موافقة على الزواج بأمير"
لتغلق الخط بعد مباركة والدها وقلبها يهتف بألم "لماذا فعلتِ ذلك؟ هل جننت؟"
ليجيبه العقل بحكمة " ليحارب من أجلي قليلًا إن أحبني، ليريني كيف سيتحمل أن يراني بجانب آخر؟"
صاح القلب بألم "خطأ ما تفعله خطأ"
رد العقل بلامبالاة لألم القلب "لا ذاك هو الصواب اصمت واترك الأمر لي هذه المرة"
صمت القلب يئن بألم لقرار أُخذ في لحظة انتقام.. يتوجع على حبيب يعلم كيف سيكون وقع الخبر عليه.. ومن غيرها يعلم كيف يكون هذا الوجع.. ولكن العقل هنا محق كيف يحبها ويتزوج أخرى.. كيف يحبها وينكر حبها بتلك القسوة.. ما الذي دفعه لجرحها؟ أغمضت عينيها على دموع فرت منها.. هي لم تخطئ هو البادئ، هو من أتى بواحدة غريبة ووضعها بالمنتصف بينهما.. فليتحمل عواقب فعلته.
..........................
في ساحة التدريب
" انظر أيهم صور عرس الأمس هي العناوين الرئيسية لمجلات اليوم"
رد أيهم بملل " نعم .. أتعلم أكره بعض من تلك الصحف فهي تنشر أخبار غير صحيحة في بعض الأحيان، وينشرون ما يتوافق مع أهوائهم فقط وحتى إن كان تجريح للغير و بدون مصادر"
ضحك عادل ضحكة قصيرة قائلًا بهدوء "أنت تظلمهم يا أيهم"
أجابه أيهم ببساطة "أنا أتكلم عن تجربة"
وافقه عادل بغمغمة غير مفهومة، ليقول بمكر "انظر أيهم إلى تلك الصورة أذلك أيضًا خبر غير صحيح؟"
نظر أيهم إلى المجلة بين يدي عادل.. ليجد صورة له أثناء الرقصة وهو ينظر إلى نيرة بنظرة كلها عشق وهي تبادله النظر ، بينما كتب أعلاها أيهم رحيم يراقص فتاة و ينظر إلى أخرى بهيام أتلك قصة حب غير مكتملة؟ نظر إليه أيهم بطرف عينيه قائلًا بحنق "من أعطاه الحق أن يكتب مثل هذا الخبر.. ويجرح بنات الناس"
رد عادل يوافقه بجدية "معك حق هذه المرة"
ابتسم ابتسامة حزينة قائلًا بكآبة "سيجرح هذا الخبر ندا ونيرة، يا إلهي"
ربت عادل على كتفه قائلًا بخفة "هون عليك يا أيهم إنها مجلة رياضية وغير معروفة لا أظن أن واحدة منهما قد تراه"
ابتسم له أيهم بامتنان قائلًا وهو ينظر في ساعته الأنيقة ككل شيء فيه "لماذا تأخر ماهر وخالد كان يجب أن يكونا هنا الآن؟"
رد أيهم وهو يخرج هاتفه "سأهاتفهما لأرى أين هما؟"
.............................
في شقة ماهر
ارتفع رنين الهاتف لتفتح لمار عينيها بانزعاج، تحول إلى هيام عند رؤيتها ماهر نائم بعمق بجوارها، حاولت الفكاك من أسر ذراعيه ولكنه شدد من ذراعيه حولها يمنع مغادرتها، وهو يغمغم برفض "دماري أريد أن أنام"
استكانت على صدره ثانيةً وهي تقول بهمس "ماهر الهاتف"
مد إحدى يديه يجذب الهاتف والأخرى مازالت حول خصرها، ليتمتم بانزعاج "أيهم"
قبلها بقبلة سريعة وهو يهمس ببشاشة "صباح الخير دماري"
فتح الهاتف وهو يجيب بانزعاج وصوت ناعس "ألا حدود لإزعاجك أيهم ماذا تريد؟"
رد أيهم بتساؤل "لا زالت نائمًا؟"
أجاب ماهر بعبوس "وماذا تظن؟"
صاح أيهم بغضب "لا زالت نائمًا ونحن سنتحرك بعد أقل من نصف ساعة"
هب ماهر جالسًا يهتف بصدمة "ماذا؟"
تحدث أيهم بنفاذ صبر "سأقنع كابتن مهاب بتأجيل السفر لمدة ساعة فقط أسرع وأحضر خالد معك"
ليقول ماهر بحنق "جيد أيمكنك أن توقظ خالد؟"
غمغم أيهم بموافقة ليغلق ماهر الهاتف ويلقيه بنفاذ صبر وهو يُرجع رأسه للخلف بتذمر "ماذا هناك ماهر؟"
تساءلت لمار بدهشة من مكالمة أيهم.. ليجيبها بزفرة حارة "لا شيء حبيبتي أيمكنك تحضير الإفطار؟"
راقبها تخرج ليهتف بتذمر "كيف سأخبرها الآن؟"
ليقوم بتحضير حقيبته وارتداء ملابسه، خرج ليجدها تعد المائدة، احتضنها برفق وهو يطبع قبلة رقيقة على شفتيها، بينما هي كانت تنظر بفزع إلى ملابسه وحقيبته، هل ملَّ منها وسيتركها، هل كان ينتقم منها كما يحدث للبطلة في الروايات التي تقرأها، ولكنها لم تفعل له شيء لينتقم منها، انتبه لدموعها التي تتساقط على وجنتها فهتف بلهفة وهو يمسحها دموعها "ماذا حدث حبيبتي؟"
همست ببكاء "أنت مللت مني وستتركني ولن تعود"
أغمض عينيه يمنع نفسه من الضحك وهو يقول بحذر "أنا لن أتركك أبدًا حبيبتي فقط لدينا معسكر مغلق بالجونة لمدة أسبوع"
ردت بذهول "ماذا تعني بمعسكر مغلق؟"
ليهمس بذات الحذر "يعني أننا سنسافر لمدة أسبوع وفقط سأهاتفك"
نظرت إليه بدهشة وتفكير عميق، استغلهم هو فاحتضنها بقوة يشبع ذلك الشوق إليها منذ الآن، وما إن همّ بتقبيلها حتى كانت قد أفاقت من دهشتها ودفعته بعيدًا عنها وهي تهتف بغضب وتشير جهة الباب "اخرج من هنا ماهر"
ليهمس ماهر بهدوء "ألن تدعيني أفطر على الأقل؟"
عقدت يدها على صدرها وهب تقول بسخط "اخرج الآن ماهر أنا لا أريد رؤيتك"
قهقه ضاحكًا وهو يقول باستسلام "إلى اللقاء حبيبتي"
وخرج من المنزل بعد أن طبع قبلة سريعة على جبينها، لتضرب الأرض بقدميها بغيظ وهي تتوعد له.
...........................
وفي الأسفل
على مائدة الإفطار
جلس خالد على ركبتيه أمام هنا كما يفعل رحيم مع فاطمة، هي تبكي منذ أخبرها بعد مكالمة مزعجة من أيهم، ناله فيها توبيخ كثير من أيهم، يبدو أنه كان غاضبًا وأخرج ضيقه عليه همس بحنان "كفى حبيبتي أخبرتك أن ذلك الموعد غير مناسب ولكنكما من أصريتما عليه"
همست ببكاء عاتب "أتلومني يا خالد لأني أردت أن أكون معك"
أمسك يديها ورفع يدها إلى شفتيه يقبل باطنها هامسًا بحب "زواجي منك هو أفضل ما حدث لي يومًا، ولكن تلك المعسكرات لسنا نحن من نتحكم بها، تلك قرارات ويجب أن نتبعها، ما باليد حيلة، أرجوكِ حبيبتي لا أريد أن أسافر وأنتِ غاضبة"
همست بتسامح وهي غير قادرة على الغضب منه أكثر "اعتني بنفسك خالد وتغذى جيدا، ولا تنسى أن تهاتفني"
هبّ واقفًا ليجذبها حاضنًا إياها بشدة وهو يهمس لها "أحبك ولكن يجب أن أذهب"
وقبل أن يذهب أعطته حقيبة صغيرة ليسألها بعينيه.. فتجيبه بنبرة رقيقة "بعض الشطائر لك ولماهر معرفتي القصيرة بلمار، أخبرتني الكثير من صفاتها، هي ذات غضب ناري ولا أستبعد أن تطرد ماهر بعدما يخبرها، وستهاتفني الآن"
وما إن أنهت جملتها حتى ارتفع رنين هاتفها ضحكت وهي تقول "أرأيت أخبرتك"
ضحك وهو يلقي لها بقبلة في الهواء ويغادر، بينما اتجهت هي لتتلقى مكالمة غاضبة من لمار، وفي الخارج وجد خالد ماهر ينزل الدرج وهو يضحك بشدة، سأله بعينيه عما به، فأجاب باسمًا بعد أن هدأت نوبة ضحكه "لمار طردتني تخيل"
نظر إليه خالد لينفجر الإثنان في الضحك وخالد يقول "هيا كي لا نتأخر"
.....................
"آسف على التأخير كابتن" توجه ماهر بالاعتذار إلى كابتن مهاب نتيجة تأخرهما.
رد مهاب بمرح "لا عليك الجميع يعلم أنك لم تنم البارحة"
احمر وجه ماهر حرجًا مع انطلاق الضحكات الرجولية صاخبة من حوله، بينما ربت أيهم على كتفه متسائلًا "أين خالد؟"
"يصف السيارة ويتأكد من إغلاقها"
و ما إن أنهى ماهر جملته حتى ظهر خالد واحتضن أيهم بقوة وهو يهمس باسمه.. احتضنه أيهم وهو يسأله باهتمام "كيف حالك خالد؟"
همس خالد بسعادة "سعيد سعيد جدًا"
ليأتيهما صوت ماهر متذمرًا "وأنا أليس هناك كيف حالك ماهر؟"
رد خالد ضاحكًا "غيرة تلك أم ماذا؟"
بينما رد أيهم بسخرية "مازالت لعبتك مفقودة ماهر"
أشاح ماهر بوجهه عنهما فربت أيهم على كتفه قائلا بمودة "كيف حالك ماهر؟"
التفت إليه ماهر وهو يقول ضاحكًا ببهجة "مطرود وجائع"
انفجر خالد ضاحكًا وسأل أيهم بذهول "ماذا تقصد؟"
أجابه ماهر وهو يحاول أن يكتم ضحكه "لمار طردتني قبل أن أفطر ولذلك أنا جائع"
رفع خالد حقيبة بيده و هو يقول "هنا توقعت رد فعلها فجهزت لك إفطار هيا لنفطر بالأتوبيس"
..........................
في شقة خالد
فتحت هنا الباب لتظهر لمار غاضبة و قد أبدلت ملابسها ببدلة رياضية لتقول لمار بغضب "لو بقيت بالأعلى لكنت كسرت كل شيء يحبه"
انفجرت هنا ضاحكة وهي تتنحى جانبًا قائلة برقة "ادخلي لنفطر سويًا"
"لا أريد أن آكل شيئًا كيف جرؤ على فعلها، كيف يذهب لعمله ثاني يوم زواجنا، وأنا التي أخذت أسبوع إجازة لنقضيه سويًا، لن آخذ إجازات ثانية لأجله، أنا سأريه"
ردت هنا بدهشة بعد انفجار لمار الغاضب "كيف ستريه؟"
أجابت لمار بحيرة "لا أعلم كيف ولكن مؤكد هناك طريقة وسأجدها"
هزت هنا رأسها بيأس قائلة ببسمة واسعة "أنتِ حقًا دمار كما يناديك ماهر، هيا اجلسي لنتحدث بهدوء"
انصاعت لمار لكلام هنا وجلست بجوارها لتتحدث هنا بهدوء "ذلك عملهما لمار وأنتِ الأدرى بتلك الظروف، أنتِ تعملين في ظروف مشابهة نوعًا ما"
"أعلم ذلك ولكن كان يجب أن يخبرني قبلها بوقت، لا قبل أن يذهب بدقائق، لقد تلبسني شيطان وطردته قبل أن أودعه وسأعاقبه على هذا" أجابت لمار بهدوء نوعًا ما وعينيها تلمع ببريق شيطاني لم تلاحظه هنا.
"جيد عاقبيه كيفما أردتِ والآن هيا لنفطر وننزل نتمشى بالحديقة قليلًا"
نهاية الفصل


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-09-20, 08:08 PM   #73

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثامن
بعد أربعة أيام
في المعسكر
جلس عادل وحيدًا بالفندق يعبث في هاتفه إلى أن وجد مبتغاه، رقم هاتف يحفظه عن ظهر قلب لكثرة ما رآه، همَّ أن يضغط زر الاتصال ولكنه تراجع عن ذلك وهو يهمس لنفسه وكأنه يحادث شخصًا آخر "بادر لمرة أولى لأجلي مازن فقط مرة واحدة أرجوك"
تطلع أمامه ليجد الثلاثي الذين يحسدهم على صداقتهم وأخوتهم، يبدو أنهم يشاكسون ماهر فذلك ما يفعلونه منذ بداية المعسكر، حيث أن زوجته لا تتلقى أي مكالمة منه، وهو هنا يكاد يجن من شوقه إليها، لم يكن يظن أنها من الممكن أن تكون بتلك القسوة، أغمض عينيه بحنق المعسكرات أثناء خطبتهما كانت محتملة، ولكن الآن بعد أن ذاق جنة القرب منها أصبحت تلك المعسكرات جحيم، ومع عنادها يزداد نيران جحيمه، زفر ماهر بغيظ شديد مهمهًا بضيق "أووف ماذا أفعل؟"
ضحك كل من خالد وأيهم وخالد يقول بمشاكسة بغرض إغاظته "سأنهض لأهاتف هناي"
نظر إليه ماهر شزرًا وما إن همَّ بالنهوض حتى جذبه ماهر من ملابسه قائلًا بحنق "اجلس هنا أنا من سينهض"
وأقرن قوله بفعله، وما إن غادر حتى قال أيهم بجدية "يجب أن نساعده"
همس خالد متسائلًا باهتمام "كيف نساعده؟"
رد أيهم بصوت جاد "سأخبرك كيف؟" وسرد له أيهم ما يجب فعله ثم أردف "والآن اذهب ونفذ ما قلته لك"
غادر خالد ليغادر معه عقل أيهم إلى تلك التي أحبها ومضطر إلى أن يبتعد عنها، وإلى الأخرى التي أدخلها دوامة حياته دون أن يقصد، ندا أول اسم مرّ بعقله عندما سأله والده عن عروسه، لم يفكر فيها كزوجة قط، كل حياته أصبحت معقدة متداخلة، عقد خطبته على أخرى حتى يبتعد عنها، وهو يوهم نفسه أنها لن تتزوج، يجب أن ينهي موضوع خطبته، هو لا يستطيع الزواج بأخرى ولكن كيف يفعلها، لا يعلم ماذا عليه أن يفعل، همس بشرود "ماذا يجب أن أفعل الآن وكل حياتي تتداخل كشباك العنكبوت" غافلًا عن أن شباك العنكبوت ضعيفة وما أسهل إزالتها.
……………………..
في شقة ماهر
اجتمعت الفتيات و معهن فاطمة وجلسن يتابعن التلفاز.. قالت دارين بحماس "لمار اليوم هو الحلقة الأولى في برنامج مسابقات رقص هندي أرجوك أريد أن أراها"
لترد لمار بحماس مشابه "حقًا رائع أحضري القناة وسأحضر التسالي"
ضحكت فاطمة من الاثنتين وهي تدعو لماهر في داخلها أن ينعم عليه بالسعادة الدائمة، وأثناء متابعتهم التي لم تخلو من تعليقات لمار ودارين عن المتسابقين، وسخرية نيرة منهم، ومتابعة فاطمة و هنا ما يحدث بتسلية همست نيرة بخفوت "لمار أمير تقدم ثانيةً"
ردت لمار بعدم فهم "أمير من؟ وتقدم أين؟"
تلجلجت نيرة لثانية وهي أكثر من مدركة لرأي لمار، لتقول بعدها بثبات "دكتور أمير تقدم لخطبتي ثانية"
انتبه الجميع لما تقول بينما صرخت لمار بغضب "ماذا؟ ثانية؟ ألا يمل؟ أنا من سيوقفه عند حده، وبالطبع رفضتي"
ردت نيرة بتردد "لازلت أفكر ولم أتخذ قراري بعد"
صرخت لمار بتأنيب "أي قرار هذا، إنه أمير"
اعترضت نيرة بهدوء "أعلم و لكن يجب أن أفكر جيدًا، لا تتركي المظاهر تخدعك"
قاطعت فاطمة حديثهما بسؤال متوجس "لماذا يجب أن ترفضه فورًا لمار؟"
ردت لمار سريعًا باشمئزاز "لأنه ماما شخصُ فاسدٌ سيء السمعة، لم يترك فتاة في الجامعة إلا و لاحقها حتى هي" وأشارت إلى نيرة.
"لمار أرجوكِ أنا أريد التفكير جيدًا" همست بها نيرة تريد إغلاق الموضوع، لا تريد لأحد أن يثنيها عن قرارها الذي اتخذته.
نظرت هنا في هاتفها لتقول مقاطعة حديثهما "سأذهب لأحضر عصير لي، هل يريد أحدكم؟"
رفعت دارين يدها بينما هز الآخرون رأسهم بشرود، وبمجرد دخول هنا إلى المطبخ رنَّ هاتف المنزل، لتصيح لمار من الخارج "هنا إنه خالد"
"أجيبه لمار قبل أن ينقطع الاتصال أرجوكِ أنا سوف آتي الآن"
اتجهت لمار وفتحت الهاتف لترد سريعًا قبل أن تسمع كلمة تحببية من خالد لهنا، فعندها سوف تنفجر في البكاء، لقد اشتاقته كثيرًا وكأنه مسافر منذ أربع سنوات لا أربعة أيام، يتصل بها يوميًا ولكنها لا تجيبه وهذا هو عقابه، ولكنه لم يتصل اليوم، أحدث شيء له؟ ستسأل خالد عنه "مرحبًا خالد أن.."
"لمار" همس بها ماهر بشوق وهو الذي لم يسمع صوتها منذ أن سافر، لم يكن يعرف أن شوقه ولهفته عليها سيكون بتلك القوة، وعندما أخبره خالد أنه سيجعله يتحدث معها لم يصدقه ولكنه وفى بوعده، أكمل ماهر سريعًا بنبرة مشتعلة بشوقه "حبيبتي كيف حالك، أنا أموت شوقًا إليكِ، وقلقًا عليكِ، أهنتُ عليكِ ألا تجيبي اتصالاتي كل تلك المدة"
صمتت تستمع إليه وإلى صوته المحمل بشوقه إليها، ودموعها تنساب على وجنتيها لتهمس بحنين "متى ستعود ماهر، أرجوك عد باكرًا أنا.. أنا.."
انخرطت في البكاء مما أوجع قلبه ليجيبها بحنان "لا تبكي دماري، يومين فقط وسأعود، يجب أن أذهب الآن كي لا أتأخر على التدريبات، أحبكِ"
أنهت المكالمة مع ماهر ومسحت دموعها وما إن عادت حتى زجرت هنا بنظراتها وهي تقول بشراسة "كنتِ تعلمين؟"
هزت هنا رأسها وهي تضحك لتهمس لها لمار بلطف وامتنان "شكرًا"
ردت هنا ضاحكة "نحن بالخدمة دائمًا"
همست نيرة بدهشة "ماذا يحدث هنا؟"
لتجيب هنا وهي مازالت على حالتها من الضحك "لا شيء فقط لمار تعاقب ماهر لأنه لم يدع لها الفرصة لتودعه قبل سفره"
انطلقت الضحكات صاخبة على قول هنا ولمار تشاركهم الضحك.
………………………
بعد انتهاء المعسكر
جلست ندا في غرفتها تفكر في تلك الأيام الماضية، تحديدًا منذ خطوبتها لأيهم.. تفكر في كل تلك الأيام القليلة التي مضت، تفكر في حالها معه وفي تلك الخطبة، لا تملك المشاعر التي يجب أن تملكها تجاه خطيبها، زفرت ناظرة للمرآة مفكرة بعمق، لا تستطيع أن تنكر أنه يحاول جهده لإنجاح علاقتهما وهي الأخرى، ولكن الذي لا يخرج من القلب لا يصل للقلب، يفعل كل ما تحبه ويسعدها، يحضر لها الشكولاتة التي تحبها، يعاملها كابنة له تجزم أنه حين يصبح أب سيكون أبًا حنون وقريب من أبنائه، هي تريده كأخ لم تنجبه والدتها وليس كزوج.
تعلم أن علاقتها معه ستصل إلى طريق مسدود وتنتهي قبل أن تبدأ، تعلم أن قلبه مشغول بأخرى، بل وتعلمها ،هو لم يصرح بشيء ولكن نظرات عينيه تفضحه، مازالت تتذكر تلك النظرات التي رماها بها بالعرس ،كانت نظرات مشتاقة لحبيب محرم، تعلم أن تلك الدكتورة جارتهما سلبت قلبه، ولكن حقًا من يقاوم براءتها وجمالها هي بريئة وعفوية للغاية، وهي أحبتها و لا تستطيع أن تلومه على حبه لها.
أم هي ندا فقلبها لم يدق له بدقة، تشبه تلك التي غافلتها ذات يوم بعد خطبتها له، دقة لعينين غامضتين تحمل من الغموض ما تحمل من الحاجة إلى الحب والحنان على قدر سواء، حاجة أحسَّت بأنها الوحيدة التي لها الحق أن تعطيها له، ولكنها وأدت ذاك الشعور قبل أن يتفاقم وتصبح غير قادرة على السيطرة عليه، ولكن رغم ذلك ورغمًا عنها تزورها في أحلامها ولا سلطة لنا على الأحلام، لذلك اتخذت قرارها بالانفصال عن أيهم حتى عندما تحلم بحلمها البعيد، لا يصحبه ذاك الشعور البغيض بالذنب وتأنيب الضمير.
الأسبوع المنصرم الذي كان لديه معسكر به، كانت لديها هي معركة شرسة مع والدها تحاول إقناعه بإنهاء خطبتها، وهو يرفض ذلك فأيهم لا يعيبه شيء وسيكون نعم الزوج لها، نعم كان سيكون لو كانا في عالم آخر، فحتى بذلك الأسبوع الذي كان غائب به كان يهاتفها يوميًا يطمئن عليها ويعرف أخبارها، وأحيانًا كان يسرد عليها موقفًا مضحكًا قام به خالد، أو تذمر من ماهر الذي تعاقبه زوجته، هي تشعر به كأخ فقط لذا اليوم سيكون نهاية ما بينهم.
أخرجها من شرودها طرقاتٌ على غرفتها وصوت والدتها ينبئها أن أيهم بالخارج، خرجت له وهي تنظر في الأرض خجلًا، ابتسم لها تلك الابتسامة الحانية التي تشعرها بالأمان رغمًا عنها "مرحبًا ندا"
غمغمت بتحية وهي تجلس أمامه ليسأل بهدوء "ماذا هناك لماذا طلبتي رؤيتي؟"
فركت يديها بتوتر ورفعت عينيها إليه عينين مرتبكتين، خائفتين مما هي مقدمة عليه لتقول بصوت متقطع "كابتن أنا.. أنا.. أنا آسفة حقًا.. أنا لا أستطيع أن أستمر بتلك الخطبة، أشعر أن هناك شيء خاطئ وغير مريح بها"
وما إن أنهت كلامها حتى انخرطت في بكاء ناعم مثلها، بينما هو لم يصدق أذنيه أن الأمر حُلَّ بتلك البساطة، تنهد قلبه بارتياح من تلك القيود التي قيده بها، ليتفاجأ ببكائها أخيرًا، همس بخفوت وصوت حاني كالذي يحادث به دارين "هششش ندا لمَ البكاء ؟ لن أجبرك على خطبتي ولكن لماذا البكاء الآن"
لتقول مباشرة بصوت باكٍ "أنت ستكرهني بعد الذي قلته، وأنا لا أريدك أن تكرهني"
عقد حاجبيه وقلبه يضطرب بعدم فهم قائلًا بتوجس "أنا لا أفهمك ندا"
"أنا لا أريد خسارتك كابتن، أنا أشعر بوجودك وكأن لي أخ أكبر يمكنني أن ألجأ إليه إن احتجته ولكن الآن أنت تكرهني"
ضحك أيهم بخفوت وهو يسمع تبريرها قائلًا ببساطة حانية "سأظل دائمًا أخاك الأكبر ندا، إن احتجتِ شيئًا سأكون دائماً موجود، اعتذر على إقحامك بحياتي المعقدة أنا حقًا آسف"
هزت رأسها بنفي وهي تمسح دموعها وقد تهللت أساريرها فرحًا قائلة برقة "لا تقل هذا كابتن الخطأ مشترك"
همس بعدم فهم "كيف؟"
ابتسمت ببساطة وهي تقول "لا تهتم تفضل"
ومدت يدها بخاتمه الذي خلعته، هز رأسه بنفي وهو يقول بحزم "هو والشبكة هدية لكِ من أخاكِ الأكبر ولن أقبل برفضك لها"
هزت رأسها موافقة لينهض واقفًا وهو يقول بصدق "أتمنى لكِ كل الخير في حياتك"
ردت سريعًا "وأنا أتمنى أن تستعيد حبك"
توسعت عيناه بدهشة لتقول بعد برهة "لا تهتم بكلامي هو دائمًا غير مترابط"
هز رأسه بعدم فهم وخرج من منزل الحاج محمد وحياة ندا إلى الأبد.. ما كان عليه إقحامها منذ البداية.. لقد ظلمها وسيدعو الله أن يغفر له ذنبه في حقها.. تتبقي معضلته الأكبر، كيف سيحل الأمور العالقة بينهما؟ لقد فشل فشلًا ذريعًا بمحاولة الابتعاد عنها بأخرى.. هو أصلا فشل في محاولة البعد عنها.. فكيف يبقيها قريبة منه؟
…………………….
وفي المنزل المقابل
بالتحديد شقة نيرة
جلست نيرة أمام عمر بتوتر ليقول عمر ببلاهة "ماذا هناك نيرة أخبريني ماذا حدث؟ منذ أكثر من ساعة وأنا أحاول أن أجمع كلماتك لأستخرج جملة مفيدة ولم أفلح"
لترد نيرة بزفرة ملل "وأنا منذ أكثر من ساعة أفهمك أني وافقت على الزواج من أمير"
همس بعدم فهم "من أمير هذا؟"
أجابت نيرة بغضب وقد ضاق صدرها من الحديث في الموضوع "عمر ركز معي أمير زميل الجامعة تقدم إليَّ وأنا وافقت"
هبّ عمر واقفًا بغضب مماثل مجيبًا بعنف "كيف؟ أنتِ من أيام قليلة كنت تبكين على كتفي حبك لأيهم"
اعتصر قلبها بألم لتصيح بجنون "مجنون عمر؟ من أتى بسيرة الكابتن الآن، أنا لا أحب أحد ولم أصرح بهذا الشيء كنت أبكي لسبب أخر و ليس لأجل الكابتن"
رفع عمر أحد حاجبيه بعدم تصديق قائلًا بحنق "حقًا إذًا ما هو السبب الذي جعلك تبكين؟"
رفعت كتفيها بلامبالاة غير حقيقة وهي تقول "لا أذكر السبب"
سأل عمر بدهشة "أنتِ جننتِ أليس كذلك؟"
أخذت نيرة نفسًا عميقًا تهدئ به ذاتها لتقول بهدوء "أحتاجك عمر أستخذلني؟"
هز رأسه نفيًا باستسلام وهو يقول باستياء "لا لن أخذلكِ مبارك لكِ أختي ولكني لست موافق على ذاك الأمير، أنا لا أحبه ولا أشعر نحوه بالاطمئنان"
ابتسمت بألم وهي تلقي بنفسها على صدره تحتضنه بقوة، ليلف ذراعيه من حولها يضمها إليه، وداخله يسب أيهم على كل ذلك الألم الذي سببه لأخته، همست بخفوت "عدني ألا تخبر لمار أو أي أحد عن ذلك الأمر قبل مرور شهرين"
سأل بعدم فهم "لماذا؟"
ردت بهدوء "مسافر وسيعود بعد شهرين ثم سنعلن الخطبة"
غمغم بصوت ساخط "أعدك"
واندفع خارجًا من الباب وصفقه خلفه بعنف، بينما جلست على الكرسي بعد مغادرة عمر، دموعها التي حبستها سمحت لها بالنزول، لتنعي حبًا تسعى لقتله في قلبها بكل الطرق، المباحة وغير المباحة، وأمير أكثر تلك الطرق خطرًا رددت داخلها "يا الله أسألك العون فيما هو قادم"
اصطدم عمر بأيهم الصاعد لمنزله في ذلك الوقت، ثبته أيهم قائلًا بقلق "ماذا هناك عمر؟"
نظر إليه عمر طويلًا بملامح لا تنبئ بشيء قبل أن يقول ببطء "هنيئًا لك الألم مدى العمر، هي قررت الزواج"
واندفع ينزل الدرج وسحابة من غضب تلف عقله، لا يستطيع إخبارها الحقيقة ولا يستطيع أن يشاهدها تدمر حياتها، عجزٌ كبله يشعر به يزهق روحه.
أما أيهم فقد انسحبت الدماء من وجهه، وقلبه غلفه الجليد وهو يفكر كيف ستتزوج، لا يمكن يجب أن يفعل شيء، إن ارتبطت بغيره سيموت، جلس على الدرج حينما عجزت ساقيه عن حمله، ألم تغلغل داخل روحه جعلها تشهق بقوة، تصارع لتتقبل ذلك الخبر المقيت، وضع رأسه بين كفيه وقلبه يردد بوجع "يا الله احفظها لي والهمني الصواب لأستعيدها"
ظل ذلك الدعاء يتردد بعقله ،لا يعلم متى ولا كيف دخل إلى المنزل، ولا متى وضع رأسه على حجر أمه التي لاعبت شعره بحنان، وهو يفكر أن زواجها منه بالتحديد سيقتلها أو ربما تلاقى مصيرًا أسوء من الموت، أغلق عينيه بقوة يمنع تلك الخيالات البشعة من التدفق لعقله، تلك الخيالات هي ما تقتله بحق، بالرغم من أن بعدها عنه يميته ولكنه أبداً لن يعرض نيرة لتلك الخيالات التي يستعرضها عقله في شاشات كبيرة داخله، لا سيبتعد وستكون آمنة، ولكنه لا يريد الابتعاد يريد قربها، يشتهي وجودها يرغب في مشاعرها، الجحيم المستعر بعقله و قلبه و روحه.. يعلمه أن زواجها من غيره هو نهايته الحتمية، كان يصبر نفسه بحجة واهية افتعلها عقله ليصبره على عذابه، أنها أبدًا لن تتزوج هو لن يسمح لها بالزواج، يا إلهي ما هذا الجحيم الذي يعيشه الآن؟ وهو فقط علم بموافقتها على الزواج وماذا سيحدث إن تزوجت فعلا؟ زفر بألم ليلتفت ويدفن رأسه بحضن أمه وهو يحتضنها بقوة ، لتهمس بتساؤل قلق، هو ليس بخير منذ دخل للمنزل وهو في عالم أخر "ماذا حدث بني؟"
أجاب بمواربة "ندا أنهت الخطبة"
همست بألم "وماذا أيضًا هناك ما لم تخبرني به؟"
"ستتزوج أمي ستتزوج" همس بوجع وهو يدفن نفسه داخلها أكثر.
سألت بألم وهي تشير باتجاه قلبه.. دون الحاجة لسؤاله عمن يقصد.. ومن غيرها تسكن قلب ابنه وتشقيه "وماذا تشعر هنا؟"
رد بعذاب قائلًا "يوجعني للغاية أمي يوجعني ولا قدرة لي على مواجهة ذلك الألم أمي"
مالت على رأسه تقبلها بحنان وهي غير قادرة على إيقاف دموعها، لتضمه إلى صدرها أكثر وهي تتلاعب بشعره حتى شعرت به يخلد إلى النوم ببطء.. داعية الله أن يريح قلب ابنها ويرزقه سعادته.
………………..
في شقة خالد
"تفضل حبيبي"
نظر خالد إليها بامتنان، ليتناول كوب القهوة من يديها ويرفع يدها إلى شفتيه يقبلها وهو يهمس بشكر صغير، ليعود وينغمس ثانيةً في أوراقه ومذاكرته، يجد صعوبة في فهم ما يقرأه ولكنه سيحاول مثل كل عام وسينجح حتى يرفع الجميع رأسهم فخرًا به.
راقبته هنا بعيون لامعة فخرًا و أيضا تأثر بحلم بعيد انتهى قبل أن يبدأ، التفت يتطلع إليها ليلتقط نظراتها وهو أكثر من مدرك لما تعنيه نظراتها، فهو رفيق الطفولة والصِبا ويعلم دواخلها دون أن تبوح، همس لها بابتسامة تماثل تلك التي رمته بها "حبيبتي أنت تجيدين الرسم وتمارسينه أليس كذلك؟"
هزت رأسها بسعادة طفولية وقد تذكرت موهبتها الصغيرة قائلة برقة "نعم سأحضر لك دفتر الرسومات لتراهم"
راقب انصرافها السريع وعقله يستقر على قراره الذي يعلم أنه سيسعدها، عادت سريعًا و هي تعطيه دفترها ليقلب صفحاته بانبهار، يعلم أنها موهوبة ولكن ما يراه يقول أنها أصبحت بارعة، التفت إليها ليسألها بحنان "هل تريدين إكمال دراستك و الالتحاق بالجامعة؟"
نظرت إليه بذهول و دموع سعادة تترقرق بعينيها، تكمل دراستها حقًا هل يسألها؟ نعم هي تتوق لذلك تتوق إليه بشدة، فوالدها كان لا يسمح لهم بإكمال دراستهم بعد الثانوية العامة، البنت ليس لها غير زوجها ولن ينفعها التعليم في شيء، ولقد زوّج أختيها كل واحدة بعد الثانوية لتسافرا مع أزواجهما، حتى هي ولكن ما يميز زواجها أنها تزوجت عن حب، وليس زواج تقليدي، لتهز رأسها إيجابًا بسعادة ولهفة، ابتسم قائلًا ببهجة لأجلها "ما رأيك بكلية الفنون الجميلة؟ ستصقل موهبتك وتفيدك كثيرًا، نتقدم بأوراقك إليها العام القادم؟"
هزت رأسها بسعادة ودموعها السعيدة تتساقط من عينيها، وهي تقفز لتتعلق بعنقه هاتفة بفرحة كبيرة وحب أكبر "أنا.. أنا.. أنا لا أعلم كيف أشكرك حبيبي، أنا أحبك كثيرًا"
مسح دموعها وهو يضمها إليه هامسًا أمام أعينها "وأنا أحبك يا هناي وروح خالد، وسأفعل كل شيء حتى أجعلك سعيدة"
ظل ينظر في عينيها وهي تبادله النظر وعينيهما تحكي قصة عشق متبادلة، قطعها خالد بأن قبلها قبلة خفيفة على شفتيها ثم ابتعد قائلًا بمشاكسة "الآن أستطيع المذاكرة وبعد قليل سآخذ أخرى تعينني على المذاكرة"
ابتسمت بخجل على كلماته وهو يغمزها بعينيه ويعود لكتبه ثانيةً وهي تراقبه بحنان.
....………………….
بعد شهرين
تحديدًا يوم خطبة نيرة
في قاعة كبيرة بأحد الفنادق أقيم حفل ضخم أصر عليه أمير بالرغم من معارضة نيرة وإصرارها على إقامة حفل بسيط، ولكن حفل دكتور أمير يجب أن يكون مميز.
أمير من الأشخاص التي حالما تراها تنجذب لها، ليس وسيم و بالرغم من ذلك تجذبك ملامحه بشده، شعر طويل قليلًا، عيون خضراء مبهرة تحمل من المكر ما تحمله الثعالب ولا يقرأ مكرهم إلا من يركز بهم بشدة، فم دائم الابتسام ابتسامته لا تختلف عن نظراته أبدًا بل تزيد، أم عن علاقته بالجنس الآخر فحدث و لا حرج، لكن هي تختلف فهي الوحيدة التي رفضت، هي من تجرأت على قولها أكثر من مرة "لا" كم قال هو هذه الكلمة وكم أحبها وكم أبهجته، ليأتي اليوم التي يبغضها فيه و تثير جنونه، تخرج كل مساوئه لأنها خرجت منها هي.. له هو، سيذيقها العذاب ألوان لقولها لا فقط حين يمتلكها، سينتقم منها لكل لا قالتها سينسيها حروفها ثم يسترضيها ويعلمها حبه سيلقنها عشقه و لوعته فقط.. حين تصبح ملكه، نعم فهي الوحيدة التي استطاعت كسر حصون قلبه والتسلل داخله، لترفضه كلما تقدم لها ويصر هو عليها حتى وافقت عليه أخيرًا، كان يرتدي بنطال أسود وجاكيت من نفس اللون يعلوه قميص أبيض.
نظر إلى نيرة التي كانت ترتدي فستان طويل من الأزرق الزاهي يرسم رشاقة جسدها بمهارة ويخفي أنوثتها جيدًا، تخفي كنوزها عن أعين المتلصصين، كمين قصيرين يرتفعان عن كتفها في تموجات رائعة، ينساب أسفل منهم كمين طويلين وطوق فضي يحيط بياقته، تلف وجهها الناعم الخالي من مساحيق التجميل بحجاب فضي اللون موشح بتطريزات سماوية، وتنظر إليه بانتصار وتشفي وهي تشير بعينيها إلى باب القاعة، الذي دلف منه للتو أحد أساطير كرة القدم في مصر، لم تكن تمزح عندما أخبرته أنها ستدعوه و قد كان بالفعل يقف أمامهما يقول بمباركة فرحة "مبارك عروستنا الجميلة"
ردت بخجل وقد احتقن وجهها باللون الأحمر "أشكرك كابتن"
"مبارك يا دكتور، حافظ عليها جيدًا لأنها إن اشتكت يوما فأنا من سيتصدى لك" قالها عادل بتحذير شاعرًا بنفور عفوي تجاه من يقف بجوارها.
"بالطبع كابتن سأحافظ عليها جيدًا، أشكرك سأعمل بنصيحتك لا تقلق" قالها بهيام أحرق قلب الواقف وراء عادل بغيرة ونار هوجاء.
" جيدًا حافظ عليها جيدًا فهي لديها الكثير من الأخوة"
قالها بقهر رُغمًا عنه، هي لم تكن يومًا بأخت ولن تكون، لتدمي قلب الواقفة بقسوة فتشيح بعينيها بعيدًا عنه، التفت أمير ينظر إليه بدهشة أيهم رحيم أمهر من يلعب الكرة هذه الأيام، يرتدي بنطال جينز أزرق وقميص بلون السماء بأساور وياقة زرقاء، أحس الأمير بالحيرة لتواجدهما ليسأل نيرة بعد فهم "من أين تعرفيهما؟"
ابتسم أيهم بسخرية وهو يقول بلهجة ساخرة "ألا تعرف ماذا تعمل خطيبتك؟"
نظر إليه أمير والسخرية الممزوجة بالقهر في صوته ليضرب عقله الإدراك، الكابتن معجب بها لا هو عاشق لها ولكن من أين تعرفهما أصلًا، بينما كان أيهم ينظر إليها بقهر هي ترتدي لونه المفضل في يومٍ كهذا، يومٍ ذبحت به روحه، غافلًا أو متغافلًا عن روحها التي تنزف في عينيها، تدّخل عادل في الحديث سريعًا مانعًا المزيد من سخرية أيهم "الدكتورة نيرة تعمل معنا، نراكِ لاحقًا ومبارك ثانيةً"
هزت برأسها في شكر صامت وهي تمنع التقاء أعينهما قسرًا لا تريد رؤيته أبدًا، لا تريد أن ينهار قناعها المزيف، لقد وضعته بشق الأنفس ولا تريد أن تفقده الآن، ربما بعد انتهاء الحفل تسمح لنفسها بالبكاء كيفما تريد.
نزل أيهم من على المنصة التي يعتليها العروسان لتلتقي عينيه بعيني سليم الذي ينقل نظره بين ابنه وابنته بنظرات عجيبة، سليم والدها رجل قوي البنية لم تؤثر به الحياة ومشاكلها إلا ببضع شعيرات فضية تتخلل شعره الأسود القصير، عيون سوداء جامدة لا تتبين أي نوع من المشاعر داخلها، نظراته مختالة بين الجميع يشعر أنه ملك بين رعيته مغرور متكبر بابتسامة صلفة، وجه جامد وكأنه قُدَّ من حجر رغم ملامحه المسترخية، نظر لنيرة بفرحة كبيرة فهي مدللته، لحظات وتلبسته ملامحه الشيطانية من جديد اكتست عيونه بنظرات حقد وكره دفين لا تظهر إلا له فقط.. فقط عمر، حالما يراه حتى يتمنى قتله بيديه ،ظلا يناظرا بعضهما أحدهما كاره، والآخر متألم حتى ظهرت ملامح وجه نيرة مهجته وأمل حياته ثانية، فاعتلى وجهه حنان بالغ و فخر لا حدود له جعل قلب عمر ينزف دمًا يتمنى لو يسقط ميتًا الآن حتى يتخلص من وجعه، لطالما تمنى أن ينظر له تلك النظرة، أن يتذوق دفء أحضانه، لكن، ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، ليفيق على لمسة أخته له تتلمس الدعم منه، أه يا أختي لو تعلمين أنني أكثر من يحتاج دعمك الآن، أخفى مشاعره عنها وابتسم لها بمرح غاب عن عينيه وافتقده قلبه، احتضنته نيرة بقوة ليدرك ما تفعله هي على الرغم من كل شيء تمر به، تدعمه تخفف أوجاعه ليربت على ظهرها بحنان يقدم دعمه هو الآخر دون أن تطلبه "لا تحزن أنت ابني أنا"
ابتسم لها باتساع وهو يشكرها بعينيه على وجودها في حياته.
..........………………
سمحت لعمر بالذهاب عندما رأت خالد قادم تتأبط ذراعه هنا مرتدية فستان باللون الأسود يليق بها و بدلالها و عليه حجاب فضي اللون ليصعدا إلى حيث نيرة فبارك لها خالد واحتضنتها هنا بمودة، وأثناء نزولهما همست هنا "لقد جاء"
نظر خالد حيث تنظر ليجد أيهم جالس بجوار عادل ولكنه في عالم آخر ليهمس بنزق "أتى ليقتل المتبقي من روحه"
جلسا على الطاولة التي تضم عادل وأيهم الصامت بكآبة.. جلس بجواره مناديًا ولكنه لم يحصل على رد.. هزة من كتفه بقوة معيدًا ندائه "أيهم"
أجفل أيهم خارجًا من شروده عاقدًا حاجبيه متفاجئاً بوجود خالد.. ليترجم حيرته على هيئة سؤال "خالد متى أتيت؟"
تجاهل خالد إجابة سؤاله سائلًا بهمس عاتب "لماذا أتيت أنت"
تنهد مجيبًا بتعب "دارين أرادت الحضور فلم أستطع أن أكسر خاطرها"
رد خالد بغضب "فتكسر روحك بالمقابل"
أشاح أيهم بعينيه بعيدًا دون رد ليسمع خالد يضيف بخفوت "كان بإمكانك إخباري أنا أو ماهر.. لماذا فعلت هذا بنفسك؟"
رد أيهم بشرود "حتى أتذوق من نفس الكأس الذي أذقته لها.. وطعمه مميت يا خالد"
أخفض خالد عينيه بحزن ليربت على كتف أيهم بقوة.. زفر أيهم نفسًا ثقيلًا متسائلا "أين ماهر؟"
رد خالد بهمس "لمار كانت غاضبة بشدة من قرار نيرة للزواج من هذا الذي يقف جانبها.. ومعها حق لا أعلم كيف وافقت عليه لا يبدو أهلا للثقة.. لا أعلم إن كانت ستأتي أم لا"
أجابه أيهم بنبرة كئيبة "إن كانت صديقتها فعلًا ستأتي"
نظر خالد حوله متسائلًا بحيرة "أين دارين؟"
"كانت هنا منذ قليل ستجدها بمكان ما تعرفها كثيرة الحركة"
صمت خالد ليقول بعد فترة بابتسامة صغيرة "إنها صديقتها فعلًا"
رفع أيهم بصره ليجد لمار متعلقة بذراع ماهر متجهة إلى صديقتها، بذات الوقت ابتسمت نيرة باتساع لقد ربحت رهانها مع نفسها، لمار لن تتركها اليوم حتى وإن كانت غاضبة منها، كانت ترتدي ثوب من اللون الأسود يبدو أنها و هنا اتفقتا على ذات اللون، ولكن على ثوب لمار كان يمتد من الجانبين شريط ذهبي عريض على كلا الجانبين، يحيط به حزام ذهبي من عند الخصر وعليه كانت ترتدي حجاب ذو لون ذهبي غامق، وما إن اقتربت منها لمار حتى احتضنتها نيرة بقوة وهي تهمس لها "أعلم أنك غاضبة ولكن احتاجك"
احتضنتها لمار بقوة قائلة بمساندة "معكِ دائمًا نيرة مهما كان قرارك.. ولكن شذا لن تمررها لكِ ببساطة"
زادت نيرة من عناقها للمار قائلة بفكاهة سوداء "أعلم يا ويلي من ثورتها"
ضحكت لمار بخفة وهي تبتعد عنها لتقول بنزق لم تحاول أن تداريه "مبارك دكتور أمير"
ردّ مباركتها بنفس النزق فإن كان هناك من لا يطيق وجودها.. فهذه الأنثى الماثلة أمامه، ما إن يتزوج نيرة سيعمل على إبعادها عنها "العقبى لك إن شاء الله"
تدخل ماهر بغضب بارد "العقبى لمن؟"
رد أمير تلقائيًا "للآنسة الدكتورة لمار"
ليجيبه ماهر بابتسامة لزجة "المدام الدكتورة لمار زوجتي"
ثم التفت إلى نيرة ليقول ابتسامة حقيقية "مبارك لكِ أتمنى أنكِ أجدتِ الاختيار"
هزت رأسها بشكر وامتنان ليسحب ماهر لمار معه والتي قالت بنزق "أحببت أن أراك تنفعل فتغير ديكور وجهه البغيض"
رد ماهر بهدوء "لا يستحق أن أهدر أعصابي عليه ولكن لمَ كل ذلك الغضب تجاهه"
قالت لمار بسخط "لم أرتح له منذ أيام الجامعة كان دوما شخصًا بغيضًا كريهًا إلى نفسي، وهو يكرهني لأني من كنت أتصدى له أيام الجامعة عندما يتعرض لفتاة وأثير له فضيحة تتحدث عنها الجامعة لشهور كثيرة، لذلك أنا وذلك الكائن لسنا على وفاق ولن نكون أبدا"
ابتسم ماهر وعينيه تلمع بعشقها قائلًا بحب "أنتِ حقًا دمار دماري"
بينما وجد عمر نفسه يقع كتلك المرة في عرس خالد وماهر، ليرفع عينيه وهو يتمنى مقابلة ساحرته الصغيرة ذات الخصلات الحمراء التي لا يعرف إلى الآن هل هي مصبوغة أم طبيعية، ليصدق تمنيه ويجدها أمامه ترتدي فستان ناعم يحمل لون قشرة البصل الصفراء طويل وبأكمام طويلة ، حزام أسود يحيط بخصرها ونقوش سوداء تزين الفستان وأكمامه، تجمع شعرها على جانب واحد وما زال يحتفظ بخصلاته الحمراء ليعيده لنفس سؤاله طبيعي أم مصبوغ، نظرت إلى أسفل لتجده ذات الشاب الوسيم شقيق نيرة، يبدو أنه يهوى الوقوع في شباكها، كان يرتدي بنطال جينز أسود وجاكيت شبابي عصري أسود وقميص زيتوني غامق، مظهر جذاب ولكن لا يعطيك إحساس بفرحته لشقيقته وكأنه يعلن بملابسه رفضه لزيجتها همست بأسف حقيقي "آسفة على الآن و تلك المرة آسفة حقًا"
رد بابتسامة صغيرة وهو يستقيم واقفًا "لا عليكِ مرحبًا.. إذًا تتذكرينني"
تضرج وجهها بحمرة بريئة وهي تهز رأسها موافقة قائلة بصوت ساحر "أنت شقيق الدكتورة نيرة"
ابتسم لها مفتونًا بما يراه قائلًا بابتسامة رائعة "عمر اسمي عمر"
ردت بصوت خجول "أهلًا بك تشرفنا"
و دون سماع رده انطلقت هاربة لتجلس بجانب أيهم الذي لا يبدو أنه ينتمي لعالم الأحياء.
....………………….
فقرة تبادل الخواتم كانت هي الأصعب على كليهما، لم يحتمل أن يرى خاتم غير خاتمه يزين يديها، عاجز عن تصديق أن حبه يضيع منه بتلك البساطة، دون أن يجرؤ على فعل شيء، اشتعل الغضب في عينيه، غضب من نفسه العاجزة، من قلبه المرتجف ألمًا و حزن يكفي العالم كله، من عالمه كله فقط لو بإمكانه اختطافها والهرب بها بعيدًا.. تجمعت دموع العجز بعينيه دون أن تجرؤ على السقوط ممزقة معها كرامته، تلك الدموع التي أوشكت على الهبوط عندما رفعت عينيها إلى عينيه مباشرةً، تلك النظرة المستنجدة به ذبحت قلبه، كانت ترجوه أن ينقذها من نفسها، لم يستطع مواصلة النظر إليها ليندفع خارجًا دون اكتراث بمظهره.
لن تستطيع فعلها مؤكد ستهرب الآن، لا هو سيفعل شيء لن يتركها تذهب لغيره، أفعل شيء أرجوك أنا أحتضر هنا، رفعت عينيها لتصطدم بدموعه المتحجرة في عينيه و نظرة الألم الخالصة داخلهما، التقت عيونهما لفترة ليست بالقصيرة بحديث غير مفهوم حتى لعيونهما فقط روحهما هي من تعرفه، قطع ذاك الاتصال بأن خرج من القاعة بعنف ، عله ينسى روحه التي سُلبت بالداخل.
وبالداخل هتف قلبها بحسرة "خسرت أيها العقل هو مرضي الذي لن أشفى منه"
أجاب العقل بحكمة "لكل داء دواء"
ليصرخ القلب بقهر "لم ولن يكون أمير دواء لأيهم، هو لا يرتقي لعلاجي، ندمت أنا باتباعك ندمت وتعبت"
صمت العقل والقلب و كلاهما لا يجدان ما يقوله و قد أدخلت والدة أمير الخاتم بإصبعها.
…………………….
خرج أيهم مسرعًا إلى الشرفة الملحقة بالقاعة يحاول استنشاق أكبر قدر ممكن من الهواء النظيف، حتى يتمكن من التخلص من ذلك الاختناق الذي يطبق على صدره بعنف، أحس بيد توضع على كتفه، لم يلتفت عالمًا هوية الواقف خلفه، بالتأكيد ماهر أو خالد، لكنه تفاجأ بصوت عادل يقول ببساطة "احكي لكَ عن عائلتي قليلًا"
اندهش أيهم ولكنه ابتلع دهشته قائلًا بخفة "لكَ ما تريد كلي آذان صاغية"
سأل عادل بهدوء "هل سمعت عن عائلة المعلم الكامنة في بريطانيا؟"
أجابه أيهم بهدوء حائر "بالطبع يستولون على السوق المصري هناك، كبار رجال المال والأعمال المصريين بلندن"
ضحك عادل قائلًا بصوت مرح مختلط بمرارة عجيبة "نعم، أقدم لك عادل شريف المعلم الحفيد الأكبر والعاق و الهارب لعائلة المعلم"
نظر إليه أيهم بذهول ليردف عادل بعد نوبة ضحك على ملامح أيهم المدهوشة "إليك الموضوع بمنتهى البساطة، أنا أعشق لعب الكرة منذ صغري، ووالدي كان يَعُدني لأتولى شئون الإمبراطورية من بعده، لكني رفضت و دافعت عن حلمي، فقام والدي بتعييني رئيس مجلس الإدارة رغمًا عن أنفى، قاتلًا بذلك حلمي وحلم أخي مازن بنفس الوقت، ومسببًا فجوة كبيرة بيننا لم يستطع الزمن تقليصها و كلما زاد البعد زادت الفجوة، حتى انقطعت الأواصر بيننا، فقررت أن أعيدها ثانية، وأخذت المبادرة الأولى حيث هربت بعد أن عينته محلي رُغمًا عن أنف الجميع، و ها أنا أنتظر رده على مبادرتي التي قمت بها منذ ما يزيد عن اثني عشر عامًا، لكن لا رد، فعلى ما يبدو أني أصبحت غير مهمًا له"
ربت أيهم على كتفه بمؤازرة وهو يرى الحزن المرسوم على وجهه قائلا برصانة "لا تجعل أحد يتدخل بينك وبين أخيك لا مال ولا أحلام ولا أعمال ولا أي شيء، وبادر إلى أن يمل ويجيب على إحدى مبادرتك ،لا تيأس كابتن"
ابتسم عادل له بامتنان ليقول أيهم بصوت مختنق "أريد الخروج من هنا أشعر أني أختنق أراكَ لاحقًا"
ليغادر سريعًا دون أن يحصل على إجابة من عادل، الذي غرق في شروده يفكر في كلام أيهم جيدًا.
......…………………..


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-09-20, 08:12 PM   #74

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

لم يعد يحتمل البقاء في الحفل، لم يحتمل رؤيتها وهى ترتدي خاتم آخر غير خاتمه.. لم يحتمل أن يرى جمالها يذهب لغيره.. أن يراها تذهب لغيره يعلمها فنون الحب ولوعته.. لم يحتمل أن.. فقط هو لم ولن يحتمل.. خرج مسرعًا من حفل خطوبتها.. حفل تبتسم فيه وجوههما، تبكي فيه عيونهما بينما تحتضر فيه قلوبهما.. ركب سيارته وقادها بأعلى سرعة ممكنة ليهرول صديقيه خلفه قلقين عليه مما هو فيه.. تبادلا نظرة قلقة ليقول ماهر بإرهاق "سأطلب من عمر أن يعود بالفتيات للمنزل، ونذهب خلفه لن أتركه بمفرده بتلك الحالة"
كان يقود بأعلى سرعة حتى وصل إلى ساحة فارغة اعتادوا بها لعب الكرة سويًا.. يفرغون هنا مشاعرهم عندما تصبح عبء ثقيل على قلوبهم، أخرج الكرة التي يحتفظون بها في مكان يعرفونه هم فقط ، ألقى بسترته أرضًا ورفع كمي قميصه وأخذ يضرب الكرة أرضًا يحاول إفراغ شحناته وغضبه، يحاول قتل مخاوفه، يحاول إيجاد حلول، يحاول.. ماذا يحاول وقد أغلقت الأبواب في وجهه، وتحولت حياته فجأة إلى رسمة باهتة لا لون فيها، صحراء قاحلة خالية من أي نوع من أنواع الحياة، لم يجد بدًا من تنفيذ رغبته، أخذ يصرخ ويصرخ ودموعه تسيل على وجنتيه، دموع حبه .. قهره.. عجزه.. دموع تذبحه، أخذ يصرخ ولا فائدة فمع كل صرخة يزداد ألمه.
ضرب الكرة بقوة في اتجاه المرمى لتستقر في يد خالد، الذي ناظره بجزع وألم على حالته، ولكنه لم يأتي برد فعل سوى أن ألقى بالكرة في اتجاه ماهر المرعوب على صديق هو له عمر ماضي وقادم، نظر إليهما أيهم بذهول لتواجدهما هنا ولكنه سرعان ما نفض عنه ذهوله، ليمسح وجنتيه بقوة ويشير لماهر أن يلقي إليه بالكرة، ألقاها إليه ماهر وبدأت بينهما مباراة قوية كان أيهم يخرج في تسديد الكرة كل ألمه وقهره، وفي التحاماته العنيفة مع ماهر على غير عادته كل عذابه وغضبه ونقمته، كان خالد وماهر يتابعونه بقلق ولكن الآن سيعطونه فسحة للتنفيس عما يعتمل داخله وبعد ذلك لكل حادث حديث، استمرت مباراة الغضب والألم والحزن طويلًا، حتى أعلن أيهم استسلامه وسدد الكرة بقوة وقع على أثرها أرضًا، ينهت بألم بوجع بقهر، بكل تلك المشاعر السلبية التي تعتمل بصدره، ظل الصمت يغلف ثلاثتهم لفترة طويلة قطعها ماهر صارخًا بغضب "أنت اكثر غباءً مما توقعت، إن ظننتَ أنك تخدعنا بصمتك أو تخفي عنا حزنك و ألمك.. تكلم ..تكلم وساعد نفسك.. دعنا نساعدك أيها الأبله الغبي.. ماذا بك؟ لمَ تفرط بكل ما هو لك بتلك البساطة"
ناظره أيهم بصمت متألم لا يستطيع الرد نعم هو كذلك يجب أن يسمع حقيقته.. وضع خالد يده على كتف ماهر يحاول تهدئته فنفضها ماهر بعنف.. بينما يكمل بتأنيب صارخ يريد إثارة غضبه "أتعرف أيهم.. أنت سلبي بل أكثر سلبية مما توقعت.. تستحق كل الألم و العذاب الذي ألقيت بنفسك به وتستحق أكثر بكثير.. يا أحمق كيف تترك حبيبتك لغيرك.. أنت تعشقها وهي تذوب بك لمَ البعد والجفاء.. لمَ الغباء والعناد لمَ.."
لم يكد يكمل ماهر جملته ليقفز أيهم صارخًا.. وقد نشر ماهر ما يكفي من الملح الكاوي على جروحه دائمة النزيف "يكفي.. يكفي ألم وجراح.. ماذا تعلم أنت عن حقيقة الوضع لتهينني هكذا؟ ماذا تعلم عما يعتمل بقلبي لتزيد من ألمي؟ ماذا تعلم؟"
أجل هذا بالضبط ما أراده ماهر يجب أن يستفزه ليعلم الحقيقة حتى لو سيؤلمه لن يتراجع.. ليجيبه بصوت ساخر "أي حقيقة أيهم، الحقيقة الوحيدة هنا أنك ضعيف.. جبان.. تفضل الهروب وتخاف المواجهة"
"أي ضعف و أي جبن هذا؟ ألا لأنني أخاف على من أعشق أصبحت جبانًا ضعيفًا؟ أين قوتي تلك حين أراها بمشفى للمختلين عقليًا ولا أستطيع فعل شيء.. حين أراها تحتجز بتهمة الجنون ولا أقدر على نفي هذه البشاعة عنها.. أخبرني كيف أتحمل أن أراها بمشفى للمجانين و أنا حر طليق.. واحزر ماذا لا أجد ما أثبت به أنها مظلومة و عاقلة ليست بمجنونة؟ كيف أثبت أنها تمتلك من العقل والحب والمشاعر ما جعلني أصبح متعبد بمحرابها.. ماذا بيدي لأفعله؟ ألقي بها بيدي للهلاك أم ابتعد.. أقتلها أم أقتل نفسي وقلبي.. أخبرني.. لمَ أنت صامت يا سيد الشجاعة أجبني؟"
صمت أيهم بعد انفجاره الصاخب ليهمس بعدها بألم "أخبرني ماهر ماذا تعرف عن الألم أنت"
امتد الصمت طويلًا بعد تلك الكلمات التي أربكتهما، الذهول والألم خيم على جلستهم، ماذا يقول أيهم؟ ما الذي يهذي به؟ عمن يتحدث؟ هل فقد أيهم عقله أخيرًا؟ ألهذه الدرجة تضرر عقله من خطبتها؟ أم ببساطة حاسة السمع لديهما تضررت، التف ماهر برأسه يناشد الفهم من خالد الصامت يحاول استيعاب وتحليل كلمات أيهم، سأل ماهر بعد أن أفاق من صدمة كلمات أيهم "لم أفهم شيء ماذا تقصد؟"
استدار أيهم يعطيه ظهره وقد انحنت أكتافه باستسلام موجع هامسًا بوهن "ما الذي لم تفهمه ماهر؟ كان يجب أن أختار بينها وبين حياتها، فاخترتُ حياتها ببساطة لأن لا حياة لي بعدها"
نهض خالد ببطء ليقف أمام أيهم مبهوتًا مما سمع، ولم يجد شيئًا يفعله غير أن يحتضنه بقوة، يشاركه وجعه وألمه عله يخفف عنه شيء من ذاك المجهول الذي لا يفهمه، احتضنه أيهم بقوة وقد كان في حاجة إلى تلك المساندة الآن أكثر من أي وقت مضى، جلس ماهر صامتًا يفكر فيما يقصده أيهم و ما علاقة كل ما قاله أيهم بدكتورة نيرة، كيف يحميها ببعده عنها؟ ابتعد خالد عن أيهم برفق، ليجذبه حتى يجلس بجانبهما وهو يربت على كتفه هامسا بصوت دافئ "أخبرنا بما تقصده أيهم، اسرد لنا ذاك السر الذي تخفيه، من يدري يمكن أن نساعدك"
نظر لهما أيهم هامسًا بخفوت "سر!! إنه كابوس أحياه كل يوم يا خالد"
رد ماهر بحزن يقتله ألم صديقه "أخبرنا عنه، نحن أخوة يا أيهم، دعنا نقف بجانبك، ونفكر معًا لعلك تجد حلًا لكابوسك قبل أن يقتلك"
ناظرهما أيهم بصمت وقرر أن يبوح بما بداخله عله يرتاح، أو يجد عندهما الحل، بعد برهة صمت شرد أيهم بعينيه بعيدًا وهو يقول بشرود "أتذكران ذلك اليوم الذي عدت به إلى البيت متأخرًا"
هز الاثنان رأسيهما إيجابًا، وكيف لهما أن ينسيا ذلك اليوم وما عانياه فيه، شرد أيهم بعينيه بعيدًا إلى يوما ابتدأ بفرحة عارمة، وانتهى بكابوس يطبق على أنفاسه ويميته رعبًا وخوفًا.
…………………………
في صباح ذاك اليوم المشئوم
"أشكرك عمر أشكرك كثيرًا"
أغلق أيهم الخط مع عمر، والكون بالكاد يستطيع استيعاب سعادته، اليوم سيذهب ليفاتح والدها في أمر خطبتها، سيجعلها حلاله حتى ينظر إليها متى أراد، يحادثها كيفما شاء، يفعل الكثير والكثير مما حلم به، ينتظر هذا اليوم بشوق منذ اكتشف حبه لها، انتقى ثيابه بأناقة يجب أن يظهر أمام والدها بمظهر جيد، بنطال كحلي يعلوه قميص أصفر غامق، خرج من غرفته وهو يطلق أصواتًا سعيدة فرحة، لتقابله والدته وهي تضحك من حالته الغريبة، تصيبها عدوى السعادة منه كلما كان سعيدًا، فتشاركه إياها دون أن تعرف سببها حتى، اقترب منها ليقبل وجنتيها بحب وهو يهمس بسعادة "ادعي لي أمي، اليوم تتوقف عليه حياتي بأكملها"
"أدعي لكَ دائمًا ابني ولكن ماذا به اليوم؟" همست بفاطمة بتساؤل سعيد.
بعث لها بقبلة في الهواء وهو يقول بعجلة "سأخبرك عندما أعود ماما، يجب ان أذهب إلى اللقاء حبيبتي"
ابتسمت فاطمة بسعادة على حالته وهي تراقبه مغادرًا وتدعو له بقلبها بالتوفيق، سار أيهم سعيدًا مبتسمًا يتباهى داخله بحظه، اليوم.. اليوم ستصبح حبيبته له أمام العالم كله، سيصرخ بحبه لها دون مخافة شيء دون حساب لأحد اليوم ستصبح له، سيوفي بوعده لها، نعم هو لم يصرح لها بشيء لكنه كان كلما رآها يعد نفسه ويعدها بأن يكون لها وتكون له أن يسعدها، يدللها ويحميها وها هو ينفذ أول وعوده فلتنتظره قليلًا وسيفي بكل وعوده، أخيرًا وصل لوجهته، عنوان سعادته، بداية حياته وصل لمنزل عائلتها ودق بابها، ليفتح له عمر مبتسمًا باهتزاز وينظر له نظرة لا يعلم لما احتار في تفسيرها، لكنه اعتبرها فرحًا بأخته الوحيدة و به، ليقول بترحيب بشوش رغم الوخزة التي أصابت قلبه "كيف حالك عمر.. هل والدك بالداخل؟!"
"أجل كابتن تفضل.. لكن كن.."
ليقاطعه صوت خشن من خلف عمر "عمر.. هل سيظل ضيفنا على الباب كثيرًا؟.. تفضل كابتن"
نظر أيهم لعمر ووالده بحيرة لاحظ وجود توتر بينهما لكن لماذا؟ أعاد نظره لوالد عمر ومد يده للسلام قائلًا بلباقة "كيف حالك عمي.. أتمنى أن تكون بخير حال"
"أنا بالفعل بخير حال تفضل"
لم يرتح أيهم له شعر به رجل فظ، قاسي، جليدي ومتحجر، همَّ أيهم بالحديث فأوقفه بحركة فظة من يديه موجهًا كلامه لعمر "اخرج أنت الآن وأغلق الباب من خلفك"
قالها بطريقة فجة مما أزعج أيهم كثيرًا، لن يكذب على نفسه هو يشعر بالكره الشديد بينهما لكن لماذا؟ أليسا ابن و والده لمَ الكره؟ يستطيع تفهم الغضب بينهما، العتاب، الخصام لكن الكره؟ الآن فقط عرف لمَ نظرة الحزن لا تفارق عيني عمر أبدًا، أومأ عمر برأسه بطاعة وخرج لكنه يعرف والده جيدًا لذا لن يلوم نفسه أبدًا على ما سيفعله، أطاع والده ظاهريًا لكنه لم يمنع نفسه من الوقوف خلف الباب ليعلم ما هي خطة والده؟
"الآن كابتن.. يمكنك الحديث.. تفضل"
لم يستطع أيهم كبت إحساسه بالنفور من فظاظة هذا الرجل وغطرسته، لكنه تحكم في ملامحه فحافظ على هدوء ملامحه مجيبًا بنبرة مهذبة مباشرة "عمي.. أنا أريد الزواج من ابنتك نيرة.. ويشرفني ذلك"
ظل سليم يناظره بقتامة ولم يجبه سوى بكلمة واحدة "لماذا؟!"
تعجب أيهم من جفاءه فهو يطلب الزواج من ابنته وليس يسلبه كل ما يملك، عبس أيهم قائلًا باستفهام حائر "لماذا! لأني أحبها بالطبع.. وإلا لمَ سأخطبها؟ أنا أعشق ابنتك وأريدها زوجة لي"
ليجيبه بمنتهى الجفاء "وأنا غير موافق"
كان الدور على أيهم ليوجه له نفس سؤاله "لماذا؟!"
"لأنك لست الأنسب لابنتي، لذلك أرفضك"
بدأ غضب أيهم بالظهور وهو يرى تعامل هذا البغيض معه، ماذا يظن نفسه؟ ليعامله بكل هذا الغرور والكبر "لستَ أنت من يجب أن يحدد ذلك هي من ستحدد ذلك اسألها، وإن رفضت سأقبل رفضها ولن أقبل بغير ذلك"
ليبتسم والدها ببرود قائلًا بسخرية "أتجابهني في منزلي كابتن؟!"
ليجيبه أيهم بهدوء حاول التحلي به لأجلها "لا أجابهك بل أدافع عن حياتي ومستقبلي"
أجاب بكبر "لن أزوجها لك وانتهى.. شرفت"
ضغط أيهم على أعصابه ليجيب ببرودة أعصاب مصطنعة "لن أخرج من هنا قبل أن أعرف لماذا؟"
زفر سليم مجيبًا بملل "أخبرتك أنك غير مناسب، فابتعد عنها"
"لستُ مقتنع.. ولا لن أتركها"
نهض أيهم بعنف بعد أن ألقى قوله المصر، وتوجه لباب الغرفة ليتسمر مكانه قبل الباب بخطوة واحدة، وتتسع عيناه لا يصدق يا إلهي إنه لا يصدق، هل ما سمعه صحيح لا يصدق أن ذلك الرجل والدها لا يمكن أن يكون والدها، حتى الوحوش لا تتعامل مع أبنائها بتلك الطريقة، نفض رأسه بعنف وهو يسمع سليم يضيف بنبرة عادية "إن لم تبتعد عنها سأدمرها.. سأحيل حياتها إلى جحيم"
التفت له باندهاش غير مصدق ليهمس باستفهام متقطع "ماذا؟!!!.. ماذا قلت؟.. هل ما سمعته صحيح؟!"
"أجل.. صحيح و سأعيدها ثانيةً حتى تستوعبها جيدًا.. إن لم تبتعد عنها سأدمرها.. سأحيل حياتها لجحيم.. سأجعلها تتمنى الموت ولن تحصل عليه"
صرخ أيهم غير مصدق قسوة ذلك الرجل و كل الصور السوداء تتداخل بعقله، هل يعتقد أنه سيتركها له؟ في أي عصر يظن نفسه يعيش؟ "على جثتي.. لن أسمح لك أن تفعل ذلك ستضطر لقتلي أولًا.. أتعتقد أنك تستطيع لمسها؟ ضربها أو حبسها.. أنت واهم.. لن أجعلك حتى تعرف بمكانها.. سأحميها بروحي وحياتي كلها.. أتفهم؟"
ليضحك والدها ضحكة ماكرة مقيتة وهو يرمي له بملف طبي قائلًا متشدقًا بنبرة كريهة "تفكيرك قديم الطراز جدًا كابتن.. أتحسب نفسك خارج من فيلم أبيض وأسود أم ماذا؟ هناك أساليب أكثر نفعًا، اقرأ هذا لتفهم"
نظر أيهم إلى الملف بغرابة وفتحه بتوجس وخوف داخلي ينشأ مما هو موشك على قراءته، قرأ ما بداخله فشعر بأنه لا يفهم شيئا، ما كل هذه الطلاسم؟ ولماذا اسم نيرة يزين بدايته؟ فسأله بصوت خافت "لا أفهم شيئًا.. ما هذا؟!"
ابتسم ابتسامة خبيثة ملئت قلبه بالرعب مجيبًا بتلاعب "لم أعهدك غبي كابتن فذكائك في الملعب ليس له مثيل... حسنا سأشرح لك وأمري إلى الله.. هذا الملف بيدك يثبت أن الطبيبة النفسية الماهرة نيرة و يا للأسف مريضة نفسية خطيرة، واحزر ماذا لا يجوز تواجدها خارج المصحة لمدة طويلة من الزمن.. إن تزوجتها سأقدم هذه المستندات للنيابة و سأطالب بوضعها قانونًا بمصح رسمي، وكما تعلم أنا ولي أمرها لأنها.. ليست عاقلة.. أه لا تتعب نفسك بتمزيق الملف لأنه فقط صورة من الملف الأصلي"
رد أيهم بعنف غير قادر على تصديق خرافات ذلك الرجل والدها.. نيرة!! كيف يعقل؟ حبيبته الطفلة!! ما الذي يتحدث عنه هذا الخبيث "هل تظن أنني سأصدقك و ابتعد بتلك البساطة؟ افعل ما تريد سأثبت براءتها بمنتهى البساطة لن أكون عاجزًا عن ذلك، وسأسجنك بتهمة التشهير والبلاغ الكاذب أيضًا"
أنهى كلامه مبتسمًا ليرى والدها ينفجر ضاحكا، فتتلاشى ابتسامته توجسًا ليسمعه يضيف بصوت كئيب منفر "أنت مبتدئ في الحياة يا ولد.. كيف ستثبت براءتها؟ هل تعرف أعراض مرضها التي لن تستطيع هي انكارها، إليك ما في التقارير التي كانت في يدك، ابنتي في عمر الثانية عشر أصيبت باكتئاب حاد، وظلت تهذي لفترة طويلة أنها قتلت أحدهم تخيل، كما أنها حاولت الانتحار أكثر من مرة، هي لا تتذكر كل ذلك الآن ولكن هناك ما يربطها بتلك الفترة ألا وهو كوابيسها الدائمة، ابنتي تحلم مرارًا وتكرارًا بكوابيس تؤرق منامها، وذلك الشيء ستؤكده لمار دون القدرة على انكاره، وحتى إن لم تؤكده لمار أستطيع إثبات اختلالها أمام النيابة والمختصين بمنتهى السهولة، مازال لدي ورقة رابحة أخرى وتلك الورقة أؤكد لك قادرة على قتلها حية.. لا قِبل لك على مواجهتي كابتن.. لذا اختار.. إما زواجك منها أو حياتها.. والآن انتهت الزيارة"
عبس أيهم قائلًا بهسيس حاد "أنتَ لا يمكن أن تكون أب"
رمقه سليم بسخرية قائلًا بنبرة جامدة "أنا أحمي ابنتي بطريقتي"
همس أيهم بصوت خافت حزين "أنا لن أؤذيها أبدًا"
مط سليم شفتيه قائلًا بقوة "وجودها بجوارك سيعيد إليها ألم لن تحتمله، وستتمرد ابنتي وتخرج عن طوعي، وأنا أقتلها بيدي ولا أدعها تخرج عن طوعي"
ارتجف قلب أيهم برعب خالص، متفرسًا في ملامح وجهه القاسية.. موقنًا أن تهديده جاد وليس عبثًا، ليقول بأنفاس مقطوعة "لا يمكن أن تكون ابنتك"
رد سليم باستهزاء "هل نجري تحليل الحمض النووي كي نقنع سيادتك"
همس أيهم بشحوب يماثل شحوب بشرته "لمَ لا تريدها أن تتزوج؟ لن تظل بجانبك طيلة العمر"
همس والدها بسخرية مقيتة و كره كبير "أنا أريد لابنتي أن تتزوج و لكن قطعًا لن تكون أنت زوجها"
ليهمس أيهم بأخر أمل واهي له "لن أتخلى عنها، لن أتركها أبدا سأخبرها كل شيء وهي ستساندني، وسترى وجهك الحقيقي"
ضحك سليم ضحكة سخرية قصيرة وملامحه الشيطانية أخافت أيهم مما في جعبة ذاك الرجل شبيه السحرة الأشرار "وهو كذلك كابتن.. ولكن قبل أن تراها ستكون بمصحة نفسية، أتعلم أبسط أنواع العلاج داخلها هو العلاج بالصدمات الكهربائية تخيل كيف ستتحملها، وهناك ما يدور داخلها في الخفاء ولا أحد يعلم عنه شيء فنحن أصبحنا بعالم مخيف، قد تتعرض هناك للاغتصاب مثلًا، تخيل أن يعتدى أحد عليها وتظل تصرخ ولا تجد من يساعدها ، أو تقع تحت يد أحد تلك العصابات التي تتاجر بالأعضاء البشرية، أو .."
"يكفي.. يكفي"
صرخ أيهم بألم وهو غير قادر على الاستماع إلى المزيد، مجرد تخيل كل هذا يحدث معها يقتله ببطء ليهمس باستسلام "ماذا تريد؟"
ابتسم سليم بانتصار و هو يقول بابتسامة شريرة "عدني أن تبتعد عنها وألا تعرف شيئًا عن لقائنا"
نظر إليه أيهم بألم واستسلام وهمس بصوت كمن يحتضر، مرددا كببغاء مذبوح ينازع للحفاظ على روحه "أعدك أن أبتعد عنها و لن تعرف عن لقائنا شيئًا"
نظر إليه والدها طويلًا بكره وهو يناظره بحقد ممزوج بقهر ووجع، فتح أيهم باب الغرفة تائهًا حائرًا خائبًا ليتفاجأ بوجود عمر المصعوق مما سمعه بجانب الباب، نظر أيهم له يرجوه الدعم والخلاص يرجوه المساندة يرجوه الحل، يرجوه أشياء كثيرة لا قبل له على النطق بها، ليرد له عمر نظراته بنظرات مترجية ألا يترك أخته مهما كانت الأسباب قوية، ليحني أيهم رأسه ويخرج من منزلها يتجرع آلامه وخيبته ويسأل نفسه سؤال واحد "ما العمل؟!"
.......………………..
عاد أيهم إلى صديقيه بعد تذكره لأصعب لحظات عاشاها بحياته لحظات حكم على حبه فيها بالموت وعلى قلبه بالهلاك، لحظات أُلقيَّ فيها بالجحيم، لحظات علم بعدها أنه حتى لو عاش فقلبه قد مات.. قُتل.. ذُبِح، والسبب عشقه لأجمل أنثى رأتها عيناه، نظر إلى صديقيه اللذين لم يفارقهما الذهول والدهشة بعد، وسأل بسخرية مريرة موجعة له ومنه "والآن ماهر.. هل علمت أي جبانًا أنا؟"
نظر إليه ماهر وقد فاق من دهشته قليلًا ليرى ذلك الألم المرسوم بعيني صديقه والذي زاده هو، يعلم أن صديقه لم يكن كما قال أبدًا ولكن لم يكن أمامه حل آخر، أراده أن يتكلم، أن يخرج ما بداخله قبل أن يصيبه شيء، أشاح بعينيه بعيدًا وانتفض هامسًا من شعوره بالذنب "آسف.. كان عليَّ فعل ذلك"
ليهمس خالد وهو مازال على حالته من عدم التصديق "لا أصدق.. دكتورة نيرة ليست كما قال، مؤكد هناك خطأ ما أليس كذلك؟"
ابتسم أيهم متألمًا مجيبًا بهم يرزخ فوق قلبه "لا ليس هناك أي خطأ، فأنا لم أعد ذلك اليوم إلا عندما استشرت طبيب مشهور وأخبرني بصحة الملف وكذلك استشرت محامى بأمر القضية و أكد لي الأمر، و سألت بعدها الكثير من الأطباء والمحامين حتى استسلمت و لم أجد مفر من الاختيار.. إما حياتها أو حياتها، لا خيار ثالث لهما"
انتفض ماهر قائلًا بقوة "أخبرها الحقيقة أيهم، إنها حياتها كما هي حياتك، دعها تقرر"
نظر أيهم إليه بسخرية مجيبًا باستهزاء "أخبر من ؟!! نيرة؟!!! بحق الله ماهر ليس وقت مزاحك، ألم تفهم شيء مما قلته؟!"
تدخل خالد مؤيدًا ماهر "إنه محق أيهم، لماذا لا تخبرها؟!! تكلم معها وأخبرها يبدو خيارًا جيدًا"
نهض أيهم ورفع الكرة بقدميه لأعلى لتستقر على رأسه بعد نزولها ليقول بحكمة موجعة بصوابها "للعديد والعديد من الأسباب أولهم أنها أبدًا لن تصدقني هي لا تعرف ذلك الجانب القبيح من والدها فهي تحسبه ملاك، ألا تتذكر ما أخبرنا به عمر أنها أميرة والدها و مدللته، لا تعرف إلا الجانب الحاني المحب أما القاسي لم تختبره أبدًا فكيف ستصدق أنه هدد بفعل هذه البشاعة معها، والتي لا يقدر على فعلها أي أب بالعالم، ثانيًا أنا ارتبطت قبل أن تفعل هي فكيف أذهب لأخبرها بمنتهى البساطة أني أحبها؟ كيف أقنعها؟ كيف أبرر لها؟ كيف أثبت كلامي؟! و الأهم من كل هذا مجرد معرفتها بهذا الجانب منه سيقتل بداخلها تلك البراءة والعفوية التي تتعامل بهما، لا أريد أن تُكسر روحها ولن أحتمل أن أكون السبب أو أحد الأسباب في ذلك، يا إلهي أشعر أني بدوامة، متاهة لا أعرف لها باب"
رد ماهر ثائرًا عليه "خطبتك لندا كان أكبر خطأ قمت به.. ولا أفهم أسبابه"
حرك أيهم رأسه فسقطت الكرة عند قدميه.. قائلًا وهو يجلس على ركبتيه بتعب "أردت أن أعطيه دليلًا أني ابتعدت عن ابنته، وربما رغبت في نسيانها وإبعادها عن حياتي، حاولت بناء حياتي بعيدًا عنها، ولكني فشلت إذا لم تكن هي لن تكون غيرها أبدًا"
رد ماهر بتفكير عميق ونبرة مستاءة "إذًا أجبني على سؤالك أيهم كيف يفعل هذا أب بابنته الوحيدة؟ ألم تفكر فيها قليلًا؟"
استقام واقفًا معيدًا الكرة محلها فوق رأسه مجيبًا بحنق.. وهو يفقد السيطرة على أعصابه والخوف عليها يعود ويحتل قلبه "هل أنت غبي ماهر؟ حقا أجبني هل أنت غبي بالكامل ؟! لقد قلت لك أراني كل المستندات اللازمة بالإضافة إلى نظرة الكره الواضحة منه تجاه ابنه عمر، تخبرني بوضوح أنه قادر على فعلها وأنا لن أخاطر بحياتها لأجل أي شيء، سلامتها فقط ما تهمني إن وُضعت أنت بنفس الاختبار ستختار لمار أليس كذلك؟!"
لينزل الكرة من على رأسه مع أخر كلماته، لتتلقفها ظاهر قدمه تتلاعب بها بشرود حزين، أجاب ماهر سريعًا "سلامة لمار بالطبع، أنا فقط أفكر معك بشيء، أنت لم تتحدث عنه إلى الآن، لماذا يفعل ذلك بابنته؟! و لماذا سيفعله إن تزوجتك أنت تحديدًا؟! و لماذا رفضك، هناك حلقة مفقودة لا أفهم؟!"
رفع أيهم الكرة ليضربها بكل قوته في اتجاه المرمى قائلًا بجنون "هذا ما يثير جنوني ماهر وما لا أفهمه، أنا لم أقابل الرجل سوى مرة واحدة ليقابلني بكل هذا الكره والحقد وكأن بيننا عداوة قديمة"
همس خالد بدفء وهو يربت على كتف أيهم بمؤازرة "مؤكد هناك حل وسنجده أعدك لن تخسر نيرة ولن تتزوج غيرك، ولكن يجب أن ترتاح الآن، حتى تستطيع التفكير بطريقة صحيحة"
همس أيهم بنبرة متمنية متوجعة "يا ليت يا خالد.. أشعر أني سأموت وهي خطيبة ذلك الحقير، وأبيها إنه قاسي القلب بل قلبه ميت، قلبي سيتوقف من شدة الخوف عليها"
عبس ماهر متسائلًا بتعجب "لماذا تخاف عليها إلى هذا الحد؟ خوفك هذا ليس منطقيًا يا أيهم"
شرد أيهم بعينيه لبعيد مجيبًا بتنهيدة عميقة "في ذلك اليوم الذي أخبرتك به لمار عن موافقتها عليك.. عندما كنت عائد للبيت كدت أصدمها بالسيارة.. حينها أصاب قلبي رعب لا يُوصف.. وعلمت إلى أي حد أحبها.. يبدو أن خوفي وحبي عليها جاءا سويًا"
تبادل خالد وماهر نظرة مندهشة، لم يتخيلا في أقصى أحلامهم أن يكون هذا سر أيهم، ولم يظنا أن حب أيهم بتلك القوة والمتانة، يجب أن يجدا حلًا ويساعدا صديقهما، ناوله ماهر سترته ليقول بخفوت "هيا أذهب وضع رأسك بحجر فاطمة فالألم الذي ينتظرك ليس بهين"
تناولها منه وهو يهز رأسه بلا شيء ولا شعور بما حوله قائلًا بتحذير قبل أن يغادر "لا أريد لأحد أن يعرف عن حديثنا شيء لا أحد حتى زوجاتكما"
أردف ماهر بعناد "سأخبر لمار حتى تخبر الدكتورة حبيبتك"
نظر إليه أيهم قليلًا مجيبًا بثقة "لن تفعلها أنا أعلم"
غادر أيهم دون أن يضيف كلمة أخرى وهم يناظرونه بقلق ليهمس ماهر "غبي غبي"
نظر إليه خالد قائلًا "أنا أتفهمه ببساطة لو وضعت محله لفعلت مثله ،هيا لنذهب"
......……………….
في منزل أيهم
رن جرس الهاتف لتجيب فاطمة "السلام عليكم"
جابهها صمت على الطرف الآخر قبل أن تسمع صوت أخر وأهم من أردت أن تسمع صوته "وعليكم كيف الحال فاطمة"
لم تحتاج وقت للتعرف على صاحب الصوت الذي ألقى جملة في ظاهرها اهتمام، لكنها محملة بسخرية قديمة قدم الزمن لتهمس بعدم تصديق "سليم؟!!!!!!!"
ضحكة هازئة هي ما وصلتها قبل أن يقسو صوته "جيد لازلت تتذكرينني أخبري ابنك أن يبتعد عن ابنتي، لن أسمح له بالاقتراب منها بعدما أنهى خطبته، ابنتي ستتزوج رجل آخر اخترته أنا وستبتعد عنكم، أم إذا حاول ابنك مجرد المحاولة للاقتراب من ابنتي سأدمرهما سويًا، ما أمتلكه يظل ملكي فاطمة ونيرة هي أهم ممتلكاتي، لن أزوجها لابنك ليعيدها إليكِ، واهمة إن ظننتِ أن خطتك بدفع ابنك للزواج من نيرة ستعيدها إليك، سأدمرها قبلها وألقي بها جثة هامدة أسفل قدميك"
شعرت بالألم يغزو قلبها بقسوة ووجهها يشحب مع كل ما تسمعه، هي تعلم أن سليم قادر على فعل ما يقول، لطالما كان وغد أناني يعتقد نفسه يمتلك الدنيا بأجمعها، ردت بهمس حزين "لن تجرؤ على فعلها، لن أسمح لك"
ضحك بسخرية وهو يتغاضى عن تهديدها الواهي ليقول شامتًا "أشعر بالفخر بنفسي حقًا وقد كسرت ابنك مرتين مرة عندما رفضت خطبته لها، واليوم وهو يراها تصبح ملك لغيره، فقط لأنه ابنك، آسف نسيت ابن زوجك"
مع كل كلمة كانت تسمعها كانت تدرك أنها سبب شقاء ابنها، حدسها القديم عندما أعلن خطبته لندا بذلك الحزن الذي ارتسم بعينيه أنها لها علاقة بسبب ذلك الحزن تأكد لها لتتساءل بتوجس "ماذا يعرف عن علاقتنا القديمة؟"
أجاب بلامبالاة "لا شيء لو أخبرته لكان تمسك بها صمت قليلًا ولكنه عاد ليضيف بقسوة استغللت حبه لابنتي وهو كان عاقل وابتعد عنها، ولكن صدقيني لو تجاهل تهديدي واقترب منها لكنت نفذت تهديدي له وكنت سأسعى بعدها لتدميره"
ابتلعت ريقها بألم وهي تشعر بغصة خانقة تطبق على أنفاسها، وخوف يتسرب داخلها على أقرب اثنين لقلبها لتسأل عما يؤرقها منذ قابلت نيرة "لماذا لم تتعرف عليَّ عندما رأتني؟ فلا أظن أنها نستني"
أجاب بقتامة تشابه قتامة روحه "كانت تتذكرك لعمر الخامسة عشر وتظل تسأل عنك ولكن سقوطها من علي الدرج أدى لفقدانها الذاكرة، فلم تتذكر أي شخص أو أي شيء من الماضي، وأزيلت الحواجز من بيننا لتعود أميرة أبيها المدللة، ولن أسمح بعودتها لكِ، أنتِ سرقتيها مني فيما مضى وذلك الحادث أعادها لي ولن أفرط فيها أبدًا"
أغلق الهاتف دون أن يسمع رد، لينزلق الهاتف من يدها وطنين أفكارها يزداد، وتلك الذكرى تهاجم عقلها عندما طلبت من نيرة أن تحكي لها طفولتها علها تتذكرها ليفاجأها جواب نيرة أنها لا تتذكر شيء من طفولتها، همست لنفسها بحسرة "لمَ أحببتها هي دون كل النساء يا ابني؟ يا وجع قلبي عليك"
دلف أيهم إلى المنزل لا يريد غير حضن فاطمة يريد أن يدفن نفسه فيه عله يجد راحته المفقودة، وجدها تقف في غرفة الجلوس ساهمة ووجهها شاحب هزها برفق قائلًا بقلق "ما بك أمي؟"
انتبهت للمسته لتهمس له بإنهاك وقد استنزفتها تلك المكالمة "لا شيء ،أأنت بخير؟"
ألقى بنفسه بين ذراعيها و هو يهتف بألم "لا لست بخير أمي، أشعر أني أموت، قلبي يوجعني للغاية"
ضمته إليها أكثر وهي تواسيه بضمتها ولا تجرؤ على التفوه بحرف، وقلبها يهتف يا وجع قلبي عليك يا ابني.
نهاية الفصل


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-09-20, 07:54 PM   #75

نور مرزوق

? العضوٌ??? » 476816
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 9
?  نُقآطِيْ » نور مرزوق is on a distinguished road
افتراضي

الفصل التاسع
خرج خالد وماهر من ساحة اللعب متوجهين لمنزلهما كلا منهما سابحًا بأفكاره وظنونه ولكن تجمعهما نقطة مشتركة وهي أيهم.. التف ماهر برأسه إلى خالد الذي يلقيه للخلف بشرود على مقعد السيارة قائلًا باهتمام "أنت بخير؟"
رد خالد بتنهيدة عميقة "لا أصدق أنه كان يحمل كل هذا العبء بمفرده"
رد ماهر بصوت ساخر "وكأنك لا تعرفه"
أجابه خالد بعصبية بالغة "لم يكن يحق له أن يخفي هذا الشيء عنا.. نحن لسنا أصدقاء نحن أخوة يا ماهر.. فاطمة أمي وأمك كما هي أمه.. أنا غاضب منه كثيرًا"
ارتسمت ابتسامة باهتة على فم ماهر قائلًا بيقين "لم يرد أن يقص علينا ما حدث حتى يحميها"
كشر خالد بعدم فهم ملتفتًا له سائلًا بذهول "يحميها من ماذا؟"
أجابه ماهر بشرح وعينيه لم تحيد عن الطريق أمامه "من نظرة الناس يا خالد، ما زال الناس ينظرون للمرض النفسي وكأنه سبة.. يبتعدون عن المريض النفسي وكأن به مرض معدي.. كان يحميها من كلام الناس"
رد خالد بعدم تصديق "سامحه الله سره سرنا يا ماهر هل كنا سنفضحه"
تنهد ماهر بعمق قائلًا بخفوت "سيحميها من نفسه لو تطلب الأمر يا خالد"
عبس خالد مجيبا بملامح مصعوقة "ماذا حدث جعل كل هذا الخوف عليها ينشأ في قلبه"
هز ماهر رأسه بعدم معرفة قائلًا "هذا ما فهمته منه اليوم، لا أدري ما سبب كل هذا الرعب"
صمت خالد ناظرًا للشوارع المظلمة قائلًا بشرود "كيف سنتركه في هذه الحالة؟"
هز ماهر كتفيه بحيرة قائلًا بحزن "لن نتركه سنفعل شيء بكل تأكيد"
التفت له خالد قائلًا بحماس "هل نراقبه؟"
ارتفع حاجبي ماهر سائلًا بصدمة "ماذا؟"
رد خالد ببساطة "خطيبها، إنه يبدو شخص يخفي الكثير من البلايا لو نراقبه.. ونكتشف شيء يجعل الدكتورة تبتعد عنه للأبد"
ضحك ماهر رغمًا عنه مجيبًا ببسمة صغيرة "أنت تهذي"
أبعد خالد نظره عنه قائلًا بتذمر محبب "إنها فكرة رائعة ومجدية جدًا"
ابتسم ماهر بحنان قائلًا وهو يدلف للشارع الذي يحتوي بيتهما "هل أتممت إجراءات شراء سيارتك"
هز رأسه قائلًا بهدوء "سأذهب لاستلمها غدًا"
ابتسم ماهر وهو يوقف السيارة في مكانها أمام المنزل قائلًا بخفة "جيد هيا لنصعد قبل أن تغضب لمار.. لا أضمن مزاجها هذه الأيام كل دقيقتين بمزاج مختلف"
ربت خالد على كتفه قائلًا بمزاح مفتعل "أعانك الله"
.................
صعد ماهر لشقته وأخذ يبحث عن لمار ليجدها نائمة، عقد حاجبيه بقلق فهي تنام كثيرًا هذه الأيام عكس عادتها تمامًا، فهي دائمًا نشيطة وتعشق الحركة غدًا سيأخذها للطبيبة للاطمئنان عليها، أبدل ملابسه واندس بجانبها يقربها من صدره عله ينام قليلًا لتهمهم بنعاس "ماهر أنت بخير حبيبي؟"
قبَّل رأسها بحنو قائلًا بنبرة قلقة "أجل حبيبتي ولكن ما بكِ؟ لماذا تبدين متعبة؟"
اندست بين ذراعيه تستشعر حبه و دفئه مجيبة برقة "لا تقلق حبيبي أنا بخير، فقط ابنك يجعلني أنام كثيرًا"
عقد حاجبيه بعدم فهم متسائلًا "ابني! أي ابن هذا؟! أنا لا أفهم"
"ما الذي لا تفهمه ماهر؟ أقل لك ابنك، إذًا أنا حامل، ما هو الغير مفهوم؟"
حدق بها ماهر قليلًا عاقد حاجبيه ليبتسم قليلًا، ثم عاد لانعقاد حاجبيه مرة أخرى ثم فتح فمه وأغلقه ثم احتضنها صارخًا "يا إلهي، لقد فعلتها، أنتِ حامل بابني، ستجلبِ لي طفلًا صغيرًا"
ليضع يده على بطنها قائلًا بفرحة كبيرة "أنتِ تحملين ابني بداخلك"
لتناظره كمن تنظر إلى غبي، قائلة بحنق وهرموناتها تتلاعب بها "وإن لم أحمله بداخلي أين سأحمله إذًا؟!"
ليقفز خارج السرير محاولًا حملها قائلًا ببهجة طغت على كل حواسه "اخرسي دماري ودعيني أحتفل بكِ وبابني"
وما إن حملها وهمَّ بأن يدور بها حتى صرخت تنهره "توقف حالًا يا ماهر، ماذا تظن نفسك فاعلًا؟!"
"سأحتفل بابني حبيبتي، ماذا سأفعل؟"
"إياك ماهر وإلا أقسم أن تنال مني ما لن يرضيك أبدًا، والآن بمنتهى الهدوء أنزلني فأنا أريد النوم هياااا"
ليغمغم بعبوس وهو يضعها برفق على السرير "حسنًا.. مفسدة أفراح"
"ماذا؟ ماذا قلت ماهر؟"
"لم أقل شيء"
لتنظر له بأعين نصف مغلقة كمن تقول له أعرف أنك تكذب ولكنه صرخ باستنكار "ماذا؟!"
ابتعد عنها مخرجًا هاتفه سألته بخفة "أين ستذهب؟!"
رد بصوت فرح سعيد "سأخبر أيهم وأشاركه سعادتي، أريد أن احتفل مع العالم كله حبيبتي فسعادتي اليوم لا تضاهيها سعادة"
أجابته محذرة "حاول أن تحتفل أو تشارك سعادتك مع أحد قبلي ماهر ولن أتوانى عن قتلك أتفهم؟"
ضحك بسعادة ووضع هاتفه بجانبه ليقبل رأسها بقوة قائًلا بحب "حسنا دماري ولكن بالغد سأخبر الجميع، هيا نامي الآن"
لتعود وتندس بين أحضانه مرة أخرى مبتسمة و لم تمر سوى ثواني لتذهب في نوم عميق.. بينما هو التقط هاتفه يبعث برسالة سريعة لأيهم وخالد.
....................
وقف أيهم في شرفته ينظر إلى شرفتها المغلقة بألم، يتذكر ضحكتها التي كانت تصل لمسامعه وهو يجلس قريبًا من باب الشرفة، فيسمع ضحكتها البريئة ولا تراه ،ابتسامتها التي تشبه شروق الشمس، عبوسها وعصبيتها وعندها تكون غاية في اللطف، كلماتها التي تتأرجح بين الطفولة والنضج، يؤنب نفسه و يخبرها أنها كانت هنا، معه وقريبة منه، قريبة للغاية لدرجة أنه كان يستطيع سماع صوتها إذا كانت بالشرفة.. لكن الآن.. الآن ضاعت منه ولا لشيء سوى سلامتها وأمانها، فحياتها عنده أهم من كل شيء حتى حياته نفسها، وبذات الوقت لا يتحمل فكرة أنها أصبحت لآخر ولا يملك شيء لفعله.
كل الظروف تتكاتف ضده ولكن ما يثير جنونه هو والدها وتحامله عليه، لمَ يكرهه إلى هذا الحد؟ هو لم يلتقيه قبلًا إذًا لماذا؟ يكاد أن يجن وغيرته تحرق قلبه، بينما عدم فهمه وحيرته يسببان له الجنون، أخرجه من شروده والده ويده التي وضعت على كتفه وهو يسأله بعينيه عما أصابه، يخبره أنه أمهله الوقت اللازم لكنه يريد أن يعرف كل شيء.. كل شيء، همس رحيم برفق "ما بك يا أيهم؟"
تنهد قائلًا بتعب "متعب للغاية يا أبي"
تأمله رحيم بحنان قائلًا باهتمام "ماذا يحدث معك يا ولدي؟"
رد بنبرة حزينة "خسرت اليوم الإنسانة الوحيدة التي لأجلها قد أتنازل عن حياتي"
تنهد رحيم قائلًا بلوم "وخطأ من يا أيهم؟"
أبعد عينيه عن أبيها ينظر للظلام الصادر من منزلها مفكرًا، ثم عاد للنظر إلى أبيه بألم يفكر أنه حان الوقت لإخباره واستشارته، ومن غير والده يمكن أن يفيده، وقد عاش وعاصر الكثير من التجارب في حياته، سرد على أبيه كل شيء منذ البداية، توجع رحيم على ابنه المعذب ليسأله بمنطق "لماذا لم تخبرها؟"
ابتسم بهدوء وهو يسمع سؤال ماهر وكأنه هو الشيء الوحيد الذي سيسمعه حتى والده لم يفهمه هذه المرة، والده الذي اعتاد أن يقرأه ككتاب مفتوح، أبدًا لم يحتاج لتبرير أو تفسير نفسه أمامه، لم يفهمه في هذا الموقف وهو أهم مواقف حياته، هل بالفعل كان جبانًا و استسلم سريعًا، لا هو متأكد من أنه تصرف التصرف الأمثل، التصرف الذي أملاه عليه قلبه قبل عقله، إنه لا يتخيل أن تجرح نفسها جرح صغير فكيف أن ينهي بيديه حياتها، نفس السؤال و لا يمتلك غير الإجابة نفسها، أعاد نظره لوالده المتألم لشعور ابنه وتخبطه "للكثير من الأسباب أبي، أولها وأهمها أنها أبدًا.. لن تصدقني"
نظر إلى ابنه بابتسامة جانبية تدل على حكمة كبيرة قائلًا "لا تدع المظاهر تخدعك"
سأل أيهم بدهشة وعدم فهم من رد والده، لم يكن يتوقع مثل هذا الرد إطلاقًا "ماذا!! ماذا تعني أبي؟"
أجاب رحيم بحكمة صقلها الزمن وتجاربه "ما أقصده هو أنك ترى نيرة طفلة لا تستطيع مجابهة ظروفها، أعترف أنها تملك براءة الأطفال وروحهم ولكنها ليست بطفلة أيهم، ثم من أخبرك أنها لن تصدقك؟ هل أنت على دراية بطبيعة علاقتها بوالدها؟"
أجاب بشرود يشعر أن والده يعلم الكثير مما لا يعلمه هو "عمر أخبرني أنها مدللة أبيها وأنه يحبها كثيرًا"
تابع رحيم بنفس النبرة الحكيمة "أخبرك ولكنك لم ترى بعينيك _سكت رحيم ليضيف بعد زفرة حادة بنبرة كارهة أول مرة يسمعها بصوته الحنون و المحب_ ولكن أوافقك فيما فعلت فسليم قادر على تنفيذ تهديده دون أن تهتز له عضلة"
أجاب أيهم بحيرة وداخله يتأكد أن رحيم يعلم أكثر مما يقول "لمَ أشعر أنك تعلم شيء لا أعلمه أبي؟ أرجوك صارحني ولا تخفي شيئًا عني أشعر أني سأجن بعد قليل"
تأمله رحيم قبل أن يقول بخفة "عدني أنك لن تبحث عن شيء يخص الموضوع أو تخبر أحد به"
أطلق أيهم ضحكة صاخبة يعج صخبها بالحزن والقهر والسخرية، انتظر رحيم حتى هدأت عاصفة الضحك التي بدأها أيهم مخلفة وراءها بضع دموع في عينيه لا يعلم أهي من آثار الضحك؟ أما دموع قهره غفلته على حين غرة ليقول أيهم هازئًا "وعود ثانيةً أبي، ألا تكفيني وعودي التي قطعتها قبلًا"
تأمله رحيم قليلًا ليقول بلامبالاة مفتعلة "حسنًا كما تريد"
رفع أيهم يديه باستسلام نابع من رغبته في معرفة ما يدور حوله "حسنًا أعدك"
أخذ رحيم نفسًا قويًا ليقول بهدوء يحوي غضبًا هائلًا "لا أعرفه على المستوى الشخصي ولم أقابله قبلًا، ولكني أعرف أي مريض نفسي هو"
عقد أيهم حاجبيه بقوة حتى كاد أن يلتصقا قائلًا "أبي أتلك ألغاز ينبغي عليَّ حلها؟ كيف لا تعرفه وتعرفه بذات الوقت؟"
أجاب رحيم مباشرة بجواب ألجم لسان أيهم وأوسع عينيه بدهشة "سبب رفضه لك أن فاطمة هي أمك ومن ربتك"
راقب رحيم ملامح ابنه المندهشة والحائرة ليتابع "هو يريد إبعاد نيرة عن فاطمة، فعلها قبلًا وعندما أعاد القدر نيرة إلى فاطمة ها هو يبعدها ثانيةً "
سأل أيهم بذهول وهو لا يعي ما يدور حوله.. هل اختل الكون وفقد ثباته "مهلًا أبي ما علاقة أمي بنيرة؟"
أجاب رحيم بابتسامة حزينة نابعة من حزنه على رفيقة دربه "نيرة تعتبر ابنة فاطمة الأولى، ولدت على يديها وربتها وهي صغيرة لتحرم منها بعد ذلك، وينفطر قلبها على ابنتها المفقودة"
رد أيهم بعد زفرة قوية بنبرة بائسة "لا أفهم شيء أبي"
ربت رحيم على كتفه قائلًا "لا أستطيع إخبارك أكثر من ذلك فاطمة ستخبرك الحقيقة عندما تكون مستعدة، و لكنها الآن بحاجتك أكثر من أي وقت مضى"
تركه رحيم في حيرته لينظر لشرفتها متهيأ له طيفها، تقف مستندة على السياج تراقب الطريق كما تحب.. انغلقت ملامحه بألم يناجي طفيها طالبًا منه إخراجه من حيرته "ما علاقتك بأمي؟ وكيف أنتِ ابنتها الأولى؟ من أنتِ حقا؟ لماذا أنتِ محاطة بكل تلك الألغاز؟ لماذا حبي لك صعبًا هكذا؟ أجيبيني قمري المشمس"
قاطع مناجاته رنين ينبأه بوصول رسالة، فتح هاتفه ليجد رسالة من ماهر يخبره أنهم سيقضون غدًا سويًا في منزلهم وعليه أن يخبر رحيم وفاطمة، لأن لديه أخبار سعيدة يريد إخبارهم بها، أغلق الرسالة و هو يهمس لنفسه "على الأقل هناك أخبار جيدة في نهاية المطاف"
.......................
وفي شرفة أخرى لشقة فخمة تطل على النيل
وقف عادل شاردًا في كلام أيهم أعليه حقًا أن يبادر ثانيةً ؟ ليجيب نفسه نعم فأنت تشتاق أخاك الصغير كثيرًا، ابتسم وهو يتذكر طفولتهما سويًا، نعم مازن يصغره بثلاثة أعوام فقط ولكنه اعتبره كل شيء له في ظل انشغال والديه، لا ينكر أن أمهما كانت قريبة منهما ولكن والدهما كان دائم السفر، تعاهدا على ألا يتدخل المال بينهما ولم يحسب أحدهما أن الأحلام هي من ستبعدهما عن بعض، مازال يتذكر مغامراتهما سويًا كانا يعشقان كل ما هو خطر سباق السيارات.. تسلق الجبال.. رحلات سفاري سواء في الصحاري أو الأدغال.
كان مازن دائمًا يشجع لعبه لكرة القدم، يمتدح مهاراته و يخبره ألا يهدرها دون استفادة، شجعه على التسجيل بأحد النوادي بلندن كناشئ به لينمي مهاراته ويكتسب خبرات بلعبه مباريات ضد منافسين حقيقين، و هذا ما حدث و ساعده على اللعب بمصر بسهولة، كان بإمكانه اللعب بأي مكان يريد، ولكنه حين قرر الهرب من والده وفكر أين يذهب، لم يجد غير بلده تستقبله بدفء بين أحضانها، ومن حيث لا يدري وجد إصبعه قد ضغط زر الاتصال بأخيه، ليغلق المكالمة والهاتف بأكمله بجبن بعد لحظات من استمرار رنين الهاتف.
ألقى الهاتف وعاد يشرد تلك المرة في ملامح هادئة رقيقة سرقت دقات قلبه دون إرادة، لم يراها غير مرة واحدة ولم يتبادل معها غير حديث عابر.. ولكن قلبه تعلق بها من تلك النظرة الوحيدة.. كان تفكيره بها قبلًا خاطئ ويشعره بتأنيب الضمير ولكن الآن فليفكر بها كيفما شاء، لقد أصبحت حرة ولكن هل لديه الشجاعة ليتقدم منها خطوة.
...................
متسطحة على بطنها تتخذ من رمال الشاطئ الناعمة وسادة لها، تضع يديها أسفل رأسها كوسادة لها، شعرها الأسود القصير يتلاعب به الهواء بحرية، كما يتلاعب بفستانها الفيروزي الهفهاف ليتطاير حول ساقيها بنعومة، في ذلك الشاطئ الخالي من جميع أنواع الحياة إلا هي، تنهدت بتعب وهي تلتف بوجهها تجاه مياه البحر الصافي، شعرت بيد تتلاعب بخصلاتها برقة رفعت وجهها سريعًا، تبتسم بإشراق لوجه الطفلة الذي أطل عليها، وجه تملئه براءة نقية لم تلوثه أحقاد الدنيا، شعر طويل يتمايل خلف ظهرها ببهجة، تنظر لها بحنان لم ترى له مثيل في عين أخرى، ربما رأته في عينيه هو من ذبح قلبها، وضعت رأسها على فخذ الطفلة قائلة بعتاب "لماذا تأخرتِ؟ كيف تتركيني كل تلك المدة بمفردي؟"
ردت الطفلة بصوت دافئ عذب "لم أتركك يومًا نيرة"
أخذت نفسًا عميقًا قائلة بصوت متعب "شهرين!! تركتيني بمفردي شهرين"
أعادت الطفلة جملتها بذات النبرة العذبة "أنا أسكن داخلك نيرة، لذا لم أتركك يومًا"
تنهدت نيرة قائلة بصوت حزين "لماذا لم تزوريني خلال تلك المدة؟"
أجابت الطفلة بصوت مسالم "لأني لست راضية عن قرارك.. أنتِ لا تحبين أمير، كنت تشكيه لي دائمًا وتخبريني عن فساده"
انقلبت نيرة تنظر للبحر قائلة بشكوى.. بعيدة كل البعد عن شخص خطيبها المصون "لقد جرحني وجرحه كان موجعًا للغاية"
ربتت الطفلة على ذراعها مجيبة "وأردتِ إيلامه بذات الطريقة"
ردت نيرة بصوت أجوف "ربما"
ردت الصغيرة بنبرة مؤنبة "أنتِ لستِ نيرة التي أعرفها"
سالت دمعات صغيرة من عينيها قائلة بحزن "وأين نيرة التي تعرفينها، الدنيا كل فترة تنهش قطعة منها، أخاف أن تتلاشى في مأساتها"
دمعت عين الصغيرة التي هي بالأساس جزء من قلبها قائلة "اذكري الله يا نيرة وأفيقي لنفسك"
أردفت نيرة بشكوى وكأنها لم تسمع قولها "لقد اعتقدت أنه سيتقدم ويضرب أمير، ثم يجذبني ويضعني وراء ظهره، صارخًا له وللعالم أجمع أنني حبيبته، ولقد أوشك على فعلها وانتظرته، ولو أنه فعلها لكنت تمسكت بيده وغفرت له جرحي، والله كنت لأفعلها، ولكنه تركني وخرج وجرحني ثانية"
ردت الصغيرة بنبرة دامعة "أنه يحبك"
همست نيرة وهي تنشج بضعف "وأنا أحبه ولكنه لا يفعل شيء غير جرحي"
ربتت الصغيرة على كتفها قائلة بحنو "لا تخافي يومًا ستعود الأمور لنصابها الصحيح.. ولكن تذكري تزيين اللون الأسود في الحياة بألوان مبهجة يمحيه"
رفعت نيرة رأسها تراقب غروب الشمس صارخة بعذاب "لا لا تغادري الآن"
ولكن الشمس غربت كما غربت طفلتها.. لتغيم السماء بغيوم ألمها.. أغمضت عينيها بشدة قبل أن تفتحها داعية من كل قلبها ألا ترى الجزء الأخير من كابوسها.. ولكن عندما فتحتها كانت الرمال الزاهية مشربة بدماء ذكية نقية، انتفضت من غفوتها صارخة بعذاب يفتت قلبها، استقامت جالسة على سريرها دموعها تتساقط دون أن تحاول إيقافها، رفعت يدها تربت على قلبها قائلة بابتسامة باهتة "على الأقل عادت ولم تغادرني كوابيسي"
ثم أخفت وجهها بين يديها علها تتذكر تفاصيل الحلم، ولكن لا شيء باستثناء الطفلة الحبيبة.. الشمس الغاربة.. السماء المغيمة.. والدماء متناثرة في كل مكان.. وتلك الجملة الأثيرة (تزيين اللون الأسود في الحياة بألوان مبهجة يمحيه)
......................
عودة إلى منزل رحيم
كان أيهم مارًا بجانب غرفة والديه ليوقفه صوت والدته الباكي "سيكرهني رحيم وسأموت إن كرهني، أنا اعتدت غياب نيرة ولكن غيابه هو سيقتلني"
فتح الباب برفق لتدمع عيناه على حالة فاطمة، فقد كانت متكورة في حضن رحيم تشهق بالبكاء كطفلة وليس سيدة تعدت الخمسين من عمرها، أما كلماتها فكانت تمزق داخله بقسوة أتعتقد أنه سيأتي يومًا ويكرهها؟ هراء أمي أنا لن أكرهك وإن قتلتيني بيدك، دق الباب يعلن عن وجوده، رفعت فاطمة رأسها إليه، عينيها كانت حزينة ملهوفة تمشط ملامحه بلهفة غريبة وكأنه سيخبرها أنه راحل، سارع أيهم إليها يخرجها من حضن والده يمسح دموعها برفق وهو يضع رأسها على صدره، يهدهدها بكلمات حانية وغصة لعينة تخنق صوته وتعيق تنفسه، أخذ يهمس لها بأنها أمه وحبيبته وأبدًا لن يكرهها أو يتركها ويرحل حتى غفت بين ذراعيه.
وضعها على وسادتها برفق و دثرها جيدًا بالغطاء وهو يقبلها على جبينها بحنان يمتزج بطبيعته بالفطرة، وما أن همَّ بمغادرة الغرفة حتى تمسكت بساعده وهي تهمس باسمه أثناء نومها خوف، ابتسم رحيم الشاهد على الموقف بأكمله قائلًا "ابقى بجانبها الليلة"
وغادر تاركًا لهما مساحة يحتاجها الإثنان، استلقى بجانب والدته ينشد النوم ولكن أين السبيل له وعقله يضج بكل تلك الأفكار المتضاربة والغير مترابطة.
....................
في اليوم التالي أمام النادي
بعد انتهاء التدريب خرج ماهر وعادل يتسامران ويتناقشان حول المباراة القادمة، والنقاط الواجب مراعاتها حتى يكون الفريق بأفضل حالاته، بينما خالد يبذل أقصى ما يملك من جهد لإخراج أيهم مما يعتريه، إنه لا يصدق حالة الشرود و التيه التي تنتابه، لا يمكنه استيعاب أن من يمر بحالة ضياع تام هو أيهم، أيهم صديقه بل.. بل أبيه كيف له أن ينهار بتلك الطريقة؟ أيهم ركيزة صداقتهم القوية، حصنه وأمانه، الحضن الذي يلتجئ له وقت محنته وسعادته، أهذا أيهم القوي؟ الذي لا يخشى شيء، القادر على هزيمة كل شيء، كيف تحول لما هو عليه الآن؟ سيجن إن حدث لأيهم شيء، سيموت كمدًا وقهرًا إن تأذى أيهم أكثر من ذلك، لابد أن هناك طريقة لإخراجه مما هو فيه، لابد أن يجد حل، لابد أن يجد ولكن.. ولكن ما هو؟
أما أيهم فكان عقله يدور بحلقات مفرغة لا يفهم ولا يفقه شيء، نعم.. لقد علم سبب رفض سليم له.. وانجلى باب من أبواب الغموض ليُفتح آخر.. آخر لا يستطيع وضع افتراض منطقي له، أسئلة كثيرة تتضارب بعقله لتزيد من جنونه.. ما علاقة والدته بنيرة؟ من أنتِ بحق الله نيرة؟ لماذا دائمًا كل ما يخصك هو متاهة لا بداية لها أو نهاية؟ لماذا كل ما يخصك بئر لا قرار له؟ لماذا كلما جاوبت على سؤال وفتحت باب يظهر لي العديد والعديد من الأبواب المغلقة؟ من أنتِ يا من منحتِ الحق لنفسك بسلب دقات قلبي ونبضاته، يا من جعلتِ النوم يغادر جفوني بلا رجعة، يا من أشعلتِ النيران بداخلي بقسوة ودون وجه حق؟ من أعطاكِ الحق لتحرقيني بنيرانك التي أشعلتها بي ورحلتِ دون أن تنظري خلفك؟ سأجن من أنتِ حبيبتي؟ من أنتِ؟
قاطع الجميع سيارة شبابية حديثة سوداء اللون يخرج منها شاب ببشرة خمرية مائلة للسمار، عيون سوداء بنظرات حادة وفم مذموم بارتباك متوسط الطول، ذو جسم رياضي قوي يتجه إليهم حتى توقف أمام عادل المتسمر بملامح غير مقروءة، في حين تتحرك عينيه بشوق سافر تطالع الشاب الواقف أمامه، وبالمثل طالع الشاب عادل بشوق لا يقل عن شوقه بل يزيد، ليسمع الجميع صوت ذو بحة مرتبك ومضطرب "بعد اتصال الأمس لم أستطع سوى أن آتي إليك، فمكالمة على الهاتف لا.. أقصد لم....."
صمت الشاب غير قادر على إيجاد قول يناسب ما بداخله، ليتابع بابتسامة مرتعشة متوجسة "عادل.. أنا لا أعلم ما يجب عليَّ قوله حقًا..."
ليزفر بقوة ويرفع يديه لأسفل رأسه مكملًا والكلمات تهرب منه "أنا ..أنا حقًا آسف.. طيلة تلك السنوات لم أبادر ولا حتى مبادرة واحده لرأب الصدع بيننا، أنا لم أفعل لأني غاضب منك لا.. بل كنت غاضبًا من نفسي ونادم بشدة.. أخجل من مجرد وقوفي أمامك، لقد.. لقد نسيت عهدنا بألا نسمح لشيء أو لأحد بالدخول بيننا وتفريقنا، ومع أول اختبار لعهدنا فشلت وخلفته وعاقبتك بذنب ليس ذنبك، بل حقك الذي سلبتك إياه بأنانيتي، اعتذر عن كل شيء.. كل شيء.. أعلم أني تأخرت لكن صدقًا.. صدقًا كنت اتتبع أخبارك وأعلم عنك كل صغيرة وكبيرة، فقط لم أمتلك القدرة لرؤياك وطلب السماح، أرجوك صدقني و.. واغفر لي"
كان عادل يستمع له دون أن يقاطعه، يتأمل ملامحه الحبيبة لقلبه والتي نضجت بمرور الزمن، ملامحه المشتاق لها حد الموت، يتلبس وجهه قناع الجمود بينما لا يصدق أنه يراه أخيرًا، أخيرًا هو أمامه دون حواجز، لم يستطع أن يظل جامدًا أطول من ذلك، لم يشعر بنفسه إلا وهو يجذبه إليه يتنعم بأحضانه المشتاق لها، أليس هو ابنه الأول قبل أن يكون أخيه الأصغر شدد من احتضانه، وهو يسمع همسه الخجول المذنب بطلب السماح والصفح ليصفعه بخفة على رأسه قائلًا بمزاح خشن "ألن تتغير أبدًا؟ لقد أصبحت أبًا ورجل أعمال ذا صيت وما زلت لا تتحكم بلسانك أيها الثرثار"
ابتسم مازن بشدة وتهللت ملامحه مجيبًا بفرحة "إذًا لقد سامحتني"
أخرجه عادل من أحضانه مرغمًا ليمسك بساعديه قائلًا بحزم "لا تعتذر على ما يجب عليَّ أنا أن اعتذر بشأنه، لم يكن عليَّ السماح لشيء أن يفرق بيننا، كنت أعلم أنه حلمك وكنت سأحققه لك ولكن.. أخطأت إذ لم أخبرك مبكرًا عما سأفعله لذا.. أنا هو الآسف"
ابتسم مازن بتسامح اعتاد عليه "لا يهم، المهم أننا معًا الآن"
غمغم عادل بموافقة ليتابع مازن بصوت مرح "قد جُن أبي حين قرأ رسالتك بأنك ستصبح لاعب كرة، وتترك منصبك لي وتوعد بعدم سماحك أبدًا"
ابتسم عادل بشقاوة افتقدها كثيرًا قائلًا بابتسامة متألقة "أعلم وأستطيع التخيل، أتعلم أنه مازال يطردني كلما طلبت رؤيته"
ضحك الاثنان ليقول مازن باشتياق "أشتاقك كثيرًا عادل.. كثيرًا، وافتقد مغامراتنا سويًا"
وافقه عادل بتربيتة على كتفه والتفت إلى من خلفه، أيهم بابتسامة متفهمة ليبادله عادل بأخرى ممتنة، بينما ماهر و خالد مذهولين فقال معرفًا "إنه مازن أخي الأصغر، مازن أعتقد تعرفهم"
هز مازن رأسه بوقار اكتسبه واعتاد عليه من خلال عمله "بالطبع سعدت بلقائكم"
سأل ماهر بحيرة بعد أن رد التحية "لكن.. كيف أخوة وملامحك غربية بامتياز عادل حين أن مازن ملامحه شرقية بجدارة"
ضحك الاثنان باستمتاع ليجيب مازن "هذا لأن عادل ورث ملامح والدتنا الأجنبية كابتن"
هز ماهر رأسه بتفهم و استأذن أيهم ليغادر فشدد عليه ماهر بضرورة حضوره اليوم، بينما رحل عادل مع أخيه يتسامران في مواضيع شتى يغلب عليها الحنين إلى مغامراتهما السابقة.
....................
في حديقة منزل خالد وماهر
سألت فاطمة بقلق وهي تلتفت حولها بجزع "أين أيهم؟ أنا لا أراه"
أجابها ماهر بهدوء وهو يلاحظ نظراتها التي تتبع أيهم أينما ذهب بقلق وكأنه سيتبخر إن غفلت عنه "هناك بالجلسة العربية تعلمين أنه يحب الهدوء، وقد أنشأها لذلك السبب سأبعث دارين لتراه"
أخبر ماهر دارين أن تذهب وتبحث عن أيهم، فيما تابعتها عيني فاطمة بلهفة لم تُخفى على عيون ماهر، ذهبت دارين لتعود بعد قليل تخبرهم أنه نائم بالجلسة هناك، تنهدت فاطمة بارتياح قائلة "سأذهب لأطمئن عليه"
أتاها صوت رحيم -الجالس مع عبدالرحمن يتناقشان في أمور مختلفة- حازمًا مانعًا إياها من الذهاب إليه "اتركيه نائم قليلًا هو لم ينم بالأمس"
اعترضت فاطمة بصوت هامس تجلى فيه خوفها بشكل كبير "فقط أريد أن أراه واطمئن أنه بخير"
تحدث رحيم بصوت دافئ مطمئن "هو بخير فاطمة لا تقلقي"
جلست فاطمة على مضض وعينيها تتابع الجلسة النائم بها أيهم هامسة لنفسها "كيف لا أقلق رحيم وابني يتمزق من داخله "
تابع ماهر كل ما يحدث حوله فاطمة وتشبثها الزائد بأيهم اليوم، نظرات أيهم لها وابتسامته المحتوية والمطمئنة لها، بحث بعينيه عن خالد ليجده يعاون الفتيات في تجهيز الطعام فاتجه بخطوات ثابتة تجاه الجلسة العربية، اقترب ماهر من الجلسة ليجد أيهم مستلقي على ظهره يضع ساعده على عينيه، ناداه بخفوت كي لا يوقظه إن كان نائمًا، وعندما لم يجد رد غادر بهدوء تاركًا إياه نائم لحين تجهيز الطعام، رفع أيهم ساعده من على عينيه يراقب مغادرة ماهر، ثم أعادها ثانيةً إلى مكانها شاردًا في سبب شقائه في الحياة، اليوم رآها أثناء عودتها إلى شقتها، تواصلت أعينهما في حديث طويل، تلقى شكواها منه بقلب نازف، عينيها اشتكت له خذلانها منه، وعينيه أخبرتها أن تسامحه فهو مقيد بتهديد يهدد حياتها، قاطع هو تواصلهما البصري عندما أعلن قلبه عدم قدرته على تلقي المزيد من شكواها، عارضًا عليها المساعدة فترفض بصوت مجهد أنبئه أنها لم تنم ليلة أمس مثله، لتتركه يتطلع في أثرها وتصعد إلى الأعلى بخطى مجهدة أوجعته هو، ليجد نفسه يستوقفها بعد عدة درجات قائلًا بلهفة "هل أنتِ بخير"
توقفت متشبثة بقوة بسياج الدرج تحت أنظاره الملهوفة.. لتستدير ببطء ناظرة إليه نظرة معاتبة أحرقت قلبه، أخفضت وجهها قائلة بخفوت "نعم فقط بعض الإجهاد من الطريق"
نظرتها جعلته يتأوه داخليًا بألم مميت (لا تنظري هكذا ليس بيدي يا عمري)، ابتسم لها برقة قائلًا "ارتاحي ولا تذهبي للنادي اليوم"
لم يكن لديها طاقة لتتجادل معه، لتصرخ به ألا يتدخل هذا ليس شأنه، ولا أحد غيره ملوم في هذا الأمر، لتجيب بتعب "سأرى بعد إذنك"
واستدارت لتكمل طريقها بعيدًا عنه، تنهد بقوة عائدًا لواقعه الحزين على صوت ماهر الواقف فوقه "إلى متى؟"
رفع ساعده عن عينيه قائلًا بهدوء "ألم تغادر"
رفع ماهر كتفه مجيبًا ببساطة "وعدت.. إلى متى هذا الحزن يا أيهم؟"
ابتسم أيهم بمرارة مجيبًا بزفرة متعبة "أنت متعب يا ماهر، ولا أملك طاقة أتناقش بها مع أحد"
تجاهل ماهر قوله قائلًا "أنت تحزن فاطمة"
أعاد ساعده على عينيه معيدًا نفسه لظلمتها ثانيةً "أعلم.. غادر يا ماهر لا أريد الحديث حقًا"
هز ماهر رأسه بأسف وتركه وغادر، بعد وقت قصير كان الجميع مجتمعين على طاولة الطعام، وقف ماهر قائلًا بصوت مبتهج "أخبرتكم أن لدي أخبار جيدة وتلك الأخبار هي"
صمت ماهر بعد أن حاز على انتباه الجميع بابتسامة واسعة، حثه خالد على الإكمال متذمرًا "أكمل يا ماهر لسنا في برنامج مسابقات وتعلن الفائز"
ابتسم ماهر وهو يتجه إلى لمار قائلًا بسعادة وهو يضع يده على كتفها "دماري أهدتني سعادة العالم بالأمس عندما أخبرتني أني سأصبح بابا قريبًا"
احتقن وجه لمار بالأحمر، تزامنًا مع انطلاق الصيحات الفرحة من خالد ودارين التي هجمت على ماهر تحتضنه بسعادة وهي تصرخ "سأصبح عمة و ألعب بابنكما"
أبعدها ماهر عنه قائلًا بتهديد "تلعبين بمن؟ لن تحمليه أصلًا"
كشرت دارين بطفولية قائلة بتذمر "غليظ"
زجرها ماهر بعنف "احفظي لسانك دارين وإلا أقسم أن أعيد تربيتك من جديد"
صاح أيهم قائلًا بتحذير "اقترب منها وسترى"
أجابه ماهر ممتعضًا "ستفسدها بكثرة دلالك لها"
ليشيح أيهم بعينيه ينظر إليها بحنان قائلًا بحب "لا شأن لك أخبرتك قبلًا أنها ابنتي قبل أن تكون أختك"
مدت دارين لسانها بطفولية لماهر واتجهت بعدها تحتضن لمار، وتبارك لها بعد أن ابتعدت هنا عنها، بينما اقترب خالد من ماهر محتضنًا إياه قائلًا بسعادة "أنتما لا فائدة منكما، مبارك بابا سيكون لدينا لعبة نتسلى بها"
نظر إليه ماهر شذرًا ها هو طفلًا آخر غير دارين، ليتلقى بعدها عناق أيهم الرجولي المبتسم بسعادة حقيقة، مباركًا له و داعيًا أن يأتي الطفل سليمًا معافى، ليتجه بعدها ماهر إلى والده ورحيم يقبل رأسهما ويديهما ويتلقى مباركتهما بعد أن باركا للمار، نظر إلى فاطمة الصامتة والتي تنظر إليه بدورها بفرحة وتمتلئ عينيها بدموع السعادة، يعلم الله أنها فرحة لأجل ابنها بل سعادة الكون لا تكفيها، ولكن هناك في قلبها حزن يضاهي تلك السعادة على ابنها الثاني منعها من الإتيان بأي رد فعل، احتضنها ماهر وهي جالسة مقبلًا رأسها قائلًا بحنو "ألن تباركِ لنفسك أول حفيد لكِ؟"
فتحت فمها لتبارك له ولكن صوتها اختنق بداخلها، لتفاجئ نفسها قبل الجميع ببكائها في أحضان ماهر الذي توقع رد فعلها، فشدد ذراعيه حولها مقبلًا رأسها بحنان وهو يهمس لها بدفء "لا بأس سيكون كل شيء بخير"
بينما انقبضت قبضتي أيهم في ألم يعلم أن والدته سعيدة لأجل ماهر، لكن توترها الذي عايشته الفترة الماضية بسببه كان أكبر من تحملها، أحس بوقوف دارين المتوتر جانبه وهي تهمس بتوتر "ماما بخير أبيه أليس كذلك؟"
أجابها بحنانه الفطري مطمئنًا إياها فلا داعي أن تدخل هي الأخرى بمتاهات لا قبل لها بها "لا تخافي صغيرتي هي بخير"
اقتربت لمار منها لتمسح دموعها برفق تمازحها بمرح لتخفف من التوتر الذي عم المكان "أووووه ماما تبكين لأنك ستصبحين جدة، ويقول الناس فاطمة كبرت ولم تعد جميلة، ولكنهم سيكونون على خطأ فأنتِ ستكونين أجمل جدة بالكون أليس كذلك رحيم؟"
أجاب رحيم بحب "ولن يوجد أجمل منها"
ابتسمت فاطمة ووجهها يتورد لمغازلة رحيم وكأنها ما زالت صبية تتلقى كلمة مغازلة لأول مرة، لتحتضن لمار وهي ما زالت في أحضان ماهر لتبارك لهما سويًا.
وقف خالد بعيدًا يراقب الموقف بأكمله همست هنا بجانبه "ماذا يحدث خالد؟ ما بها ماما؟"
أجاب خالد متأملًا خلجات فاطمة التي يحفظها عن ظهر قلب "هناك شيء تخفيه أمي عنا جميعًا تحتفظ به لنفسها وواثق أن رحيم يعلمه، دائمًا كانت تمازحنا وتضحك معنا وتبتسم عينيها لنا عندما تكون معنا، ولكن في نقطة بعيدة بعينيها دائمًا ما كنت أرى حزنًا تحاول جهدها أن تخفيه عنا ورغم ذلك كنت أراه، كنت أعتقد أن ذلك الحزن مرتبط بعدم قدرتها على الإنجاب ولكن لا الأمر ليس كذلك هناك ما هو أكبر، هذه الأيام الحزن شمل عينيها كلها، كلما نظرت إليها رأيت عينيها حزينة واليوم هي تلاحق أيهم أينما ذهب، أموت قلقًا عليها هنا"
همست هنا بقلق انتقل إليها من خالد، وذهول حيث أن خالد يبدو وكأنه بعالم خاص به لا يعلم أكثر من خارجه، ولكن يبدو أن زوجها يفهم كل واحد منهم أكثر من نفسه، يعلم متى يقترب ومتى يترك لهم فسحة للتنفيس عن داخلهم براحة وحرية "هل تعلم شيء لا أعلمه؟"
زفر خالد بقوة قائلًا بيقين "لا أعلم ولكن حدسي يقودني للدكتورة نيرة كل شيء يقود إليها، وما تخفيه أمي أعلم أنه له علاقة بها ولكن ما هو؟"
مدت هنا يدها تمسد ساعده الذي يعقده على صدره بمؤازرة وهي لا تعلم ما الذي يجب أن تقوله.
انطلق رنين هاتف لمار لتعطيه دارين إليها، نظرت لمار إلى الشاشة لتبتسم بسعادة وهي تفتحه، وقبل أن تتحدث أتاها صوت شذا غاضبًا موبخًا "أين أنتِ يا غبية وأين المعتوهة الأخرى؟ لا أستطيع التواصل معكما منذ أيام لماذا؟"
همست لمار بحذر و هي التي كانت تتهرب من مكالمتها الأيام الماضية "آسفة الفترة الماضية كنت.. انظري نيرة لن تجيبك الآن أشك أنها مستيقظة أصلًا، البارحة كانت خطبتها واليوم عادت إلى القاهرة فهي مجهدة ونائمة"
ردت شذى بتعجب "خطبتها حقًا!!! ومن سعيد الحظ؟"
همست لمار بذات الحذر معدة نفسها لوصلة توبيخ جديدة، وهي تفرك رأسها بطريقة لو رأتها شذا لعلمت أن هناك مصيبة قادمة في الطريق "دكتور أمير ذاك زميلنا بالجامعة تتذكرينه؟"
أتاها صوت شذا غاضبًا بشدة "ماذا!! أمير!! هل جنت أخيرًا؟ ماذا يحدث معها؟ أوجع قلبها عطَّل عقلها عن العمل؟ و أنتِ أين كنتِ يا غبية؟ كيف تتركينها تتخذ مثل ذلك القرار؟ هي تحب ذلك الكابتن متحجر القلب؟ وأمير هذا حقير من الدرجة الأولى؟ تركتكما شهور فقط وتخرب حياتها بتلك الطريقة، وأنتِ لمار.."
"أنا حامل"
همست بها لمار تقاطع هذر شذا الذي لا طائل منه فنيرة قد خطبت لذلك الحقير وانتهى الأمر، تبدل صوت شذى من الغضب إلى الفرح سريعًا فتلك شذا تتغير حالتها المزاجية في لحظات "حقًا مبارك جرجير، سآتي قريبًا لنحتفل به سويًا، وأيضًا لأرى ما حلَّ بالأخرى قلبي ليس مطمئن عليها ولكن يجب أن أذهب الآن إلى اللقاء"
التفت لمار إلى ماهر لتقول بسعادة "شذا ستأتي قريبا، يا إلهي أنا سعيدة للغاية اشتقت لها كثيرًا"
ابتسم ماهر لسعادتها ليشاكسها بالقول "وأخيرًا سنرى الآنسة شذا هل هي جميلة دماري؟"
هتفت لمار بغيرة "وما شأنك إن كانت جميلة أم لا؟"
قهقه ماهر بسعادة لغيرتها عليه قائلًا بحب "مجنونة أنا لا أرى غيرك"
رفعت لمار إصبعها بتحذير "انظر لغيري وسأقتلع عينيك ماهر"
ابتسمت فاطمة لمشاكستهما لتقول "تهددين ابني أمامي لمار"
نفت لمار سريعًا "حاشا لله ماما أنا فقط أخبره كي يأخذ حذره"
ضحك ماهر بمرح وفاطمة بسعادة تدعي الله ألا ينغص سعادتهما، اغتصب أيهم ابتسامة بصعوبة فهو ما عاد قادرًا على البقاء والاختلاط بأحد يريد أن يختلي بنفسه قليلًا، وأيضًا لا يريد أن يفسد سعادتهم بتجهمه "سأغادر الآن متعب وأحتاج إلى النوم قليلًا، هل ستأتين معي أمي؟"
وقبل أن تجيب فاطمة تدخل خالد سريعًا، يريد لها أن تفهم أن أيهم لن يتبخر إن اختفى من أمامها علها تكف عن القلق "كلا أيهم بطتي ستبقى معنا، لم نجتمع بها منذ وقت طويل، وأنا أشتاق إلى أن أضع رأسي في حجرها وأنام"
هز أيهم رأسه موافقًا وقد فهم ما يفعله خالد، ليغادر سريعًا قبل أن تعترض فاطمة.
..........................
بعد أسبوعين في مقهى أنيق
جلس عادل وأيهم يتحدثان وقد طلب كل منهما ما يشربه، تحدث أيهم بإعجاب "المكان رائع عادل من أين عرفته؟"
ضحك عادل وهو يقول بتعجب "نعم أعجبني كثيرًا عندما أخذني إليه مازن لأول مرة، تخيل أعيش في مصر منذ سنوات وأخذني إلى أماكن لم أذهب إليها قبلًا، يعرف مصر أكثر مما أعرفها"
ابتسم أيهم بهدوء قائلًا بود "يسعدني أن عادت علاقتكما سويًا"
أومأ عادل برأسه بسعادة قائلًا بامتنان "نعم أشكرك كنت مغفل إذ ابتعدت لسنوات"
ابتسم أيهم بتفهم ليباغته عادل بسؤاله "أنت لا تبدو بخير ماذا بك؟"
شرد أيهم في سؤال عادل هو ليس بخير حقًا، اليوم كانت جلسته معها، ورغم عنه لم يستطع أن يغض بصره عنها، بعد كل ما حدث مازال يشعر بأنها ملكه، مع أن إصبعها يزينه خاتم آخر غيره، تشرَّب ملامحها بلهفة فيما أبعدت هي عينيها عنه، لا يدري غضب أم خيبة أم تخاف أن يقرأ كل ذلك في عينيها، طلب منها أن تكون الجلسة صامتة وهي احترمت ذلك، فما الذي سيخبرها به، كيف سيبوح لها بألم قلبه؟ ما الذي يمكن أن يُقال ومن يعشق ترتدي خاتم لا ينتمي إليه، واستمرت الجلسة هادئة بينهما فقط صخب قلوبهما كان هو الصخب الوحيد في تلك الجلسة، ثم كانت الطامة الكبرى اتصال من ذلك المدعو خطيبها، استأذنت منه تجيب الهاتف فأذن لها وليته لم يفعل، ابتعدت قليلًا عنه ولكن ليس بالقدر الكافي حيث كان يسمع كل كلمة تقولها، ابتداءً من ترحيبها اللطيف به وصولًا لشكرها له على الورود الجميلة وشوكلاتتها المفضلة التي أرسلها، إلي أن أنهت مكالمتها وخلال ذلك كان يجمع قبضتيه بغضب، يمنعهما من أخذ الهاتف والإعلان لها ولذاك الأحمق أنها ملكه هو، و ما إن جلست بجانبه وهي تشكره على سماحه لها بإجابة الهاتف حتى تفلت غضبه من عقاله فصاح فيها بغضب "كنت أعتقد أنها من عمر وليس من خطيبك، وإلا ما كنت لأسمح لكِ نحن نعمل هنا أنستي ولا نحب"
اتسعت عينيها بغضب من هجومه الحاد عليها مجيبة بحدة "لا أسمح لك بمحادثتي هكذا كابتن، اذهب أرجوك انتهت الجلسة"
قام أيهم من مكانه بعنف وغضب من نفسه قبلها، كيف هاجمها بتلك الطريقة؟ بأي حق؟ ولكن قلبه يشتعل وهو لا طاقة له لمجاراة ذلك الألم، عاد من ذكرياته ليهمس بألم وعنف مكبوت "أحترق وأموت في اليوم ألف مرة من الغيرة، كل ذلك وهي خطيبته فقط لا أعلم ماذا سأفعل عندما تصبح زوجته؟"
باغته عادل بالهجوم بحدة "أنت السبب في ذلك لا أفهم لماذا فعلت ما فعلته؟"
همّ أيهم بالرد ولكن أٌلجم لسانه وتسمرت عينيه على مصدر عذابه يدلف من باب المقهى، والتي تسمرت عينيها بدورها ولكن ليس عليه فهي لم تره أصلا، تتبع نظراتها لتتوسع عينيه بدهشة وغضب أيضًا.
.................
دلفت إلى المقهى الأنيق لتقابل لمار التي أخبرتها أنهما لم تلتقيا سويًا منذ فترة طويلة، ولم تتحدثا معًا كما كانا قبلًا، وبالفعل لمار محقة هي اشتاقت كثيرًا لأحاديثهما سويًا، بحثت بعينيها عن لمار لتتسمر عينيها على المشهد أمامها وتتسع بغضب واستنكار وجرح في الكرامة، فأمامها يجلس خطيبها المبجل الذي لم يمر على خطوبتهما أسبوعين فقط، مع فتاة ترتدي ،ماذا ترتدي لا شيء تنورة قصيرة فوق الركبة وبلوزة بدون أكمام، الجلسة كانت حميمية للغاية فخطيبها كان يلتصق بالفتاة، ويهمس لها فيما أنامله تتداعب يدها، وهي تضحك بميوعة في مظهر أثار غثيانها.
اقتربت من الطاولة ببطء لتقف أمامهما، رفع أمير عينيه ينظر إلى الظل الذي أشرف عليه لتتسع عينيه في مفاجأة لم يتوقعها، انتفض مبتعدًا عن الفتاة وهو يهمس بتلعثم "نيرة.. أنا.. أنا.."
قاطعته نيرة بحدة وهي تضع خاتمه أمامه على الطاولة دون تفكير "أنتَ أكبر خطأ ارتكبته أمير"
ثم هرولت خارجة نعم هي لم تجرح في قلبها ولكن جُرحت في كرامتها، همّ أمير بملاحقتها ليوقفه صوتًا شامتًا متشفي "إياك أن تلحقها دكتور"
همس أمير بشراسة "دكتورة لمار كان يجب أن أعلم أنك من وراء هذا"
تذكرت لمار عندما أخبرها ماهر أن خالد رأى أمير مع فتاة في مقهى، وقد سمعهما يتفقان أن يلتقيا اليوم في هذا المقهى، دون أن يخبرها أن خالد بالفعل نفذ اقتراحه، وراقب أمير لتجيبه لمار بحدة وشراسة "كنت أنقذ الفتيات في الجامعة منك ،ألن أنقذ صديقتي؟"
همس أمير بتوعد "تلك المرة مختلفة دكتور ولن تمر هكذا أنتِ أفقدتني حب عمري للتو"
"و تجرؤ على تهديدها؟"
التفت الأثنان سويًا لتهمس لمار بذهول "أيهم"
أجابها أيهم بصوت غاضب "اذهبي أنتِ دكتور وأنتَ إياك أن تقترب من كلتيهما"
ذهبت لمار ليقول أمير بعنف "لا شأن لك بها إياك أن تقترب منها"
فعل أيهم ما تمنى فعله منذ رأى ذلك الإنسان جمع قبضته ووجهها إلى وجهه بقوة قائلًا بتأكيد "بل كل الشأن لي"
وغادر دون أن يسمع رد منه، بينما همست الفتاة التي كانت مع أمير "ماذا يحدث أمير؟"
هدر بها غاضبًا "اخرسي و اذهبي من هنا"
همس لنفسه وهو يخرج هاتفه "لن ينتهي الأمر هكذا"
أجاب ما إن أتاه الصوت "عمي سليم أحتاجك"
في حين خرج عادل خلف أيهم الصامت يراقب نيرة و لمار توقفان سيارة أجرة مغادرتين، ليهمس أيهم بعنف وألم لألمها "لماذا يجب على أن أشهد كل جرح لها"
ربت عادل على كتفه وهو يستوعب كل ما حدث الآن، لكن لا يهم نيرة عادت حرة و بإمكان أيهم أن يقتنص فرصته معه.
.......................
وفي سيارة الأجرة
قالت نيرة بصوت جامد دون أن تذرف دمعة واحدة "كنتِ تعلمين؟"
لم تعلم لمار أهو سؤال؟ أو إقرار لواقع؟ فأجابت مباشرة "نعم كنت أعلم"
ردت نيرة بألم "لو أخبرتني كنت سأصدقك دون أن أرى"
ردت لمار قائلة بصراحة "أعلم ولكن كان يجب أن تري خطأ اختيارك"
هزت نيرة رأسها قائلة بألم "لماذا تفعل الدنيا بي هذا لمار؟"
ربتت لمار على كتفها قائلة بخفوت "كلها ابتلاءات يا نيرة فقط عليكِ بالصبر حبيبتي"
أخفضت نيرة عينيها بحزن لترفعهما على قول لمار الهامس "أيهم كان بالمطعم"
همست ببهوت "ورأى كل شيء؟"
هزت لمار رأسها موافقة لتنكس نيرة عينيها مهمهة بكآبة "يا الله"
لفت لمار ذراعها حول كتف نيرة بمواساة.. تنهدت نيرة بعمق وهي تستكين لألمها، سمعت رنين هاتفها لترفعه تريه للمار التي كشرت بامتعاض فأمير لم يقبل الخسارة على ما يبدو، أجابت نيرة الهاتف لتجيب بعد فترة "حسنًا قادمة أبي"
..........................
تعالى رنين هاتف خالد الجالس أمام مباراة في الدوري الإسباني ضاربًا بتحذير هنا عرض الحائط، ففي عقيدة هنا المذاكرة ثم المباراة.. ولكن في عقيدته المباراة أولًا ويليها كل شيء، عداها هي هناه فكل شيء يليها حتى المباراة، أجاب هاتفه قائلًا بمرح "هاتفي يكاد يرقص فرحًا بك أيهم"
ليأتيه صوت أيهم مبتسمًا متغاضيًا عن سخريته متسائلًا "أين ماهر؟! لماذا لا يجيب على هاتفه؟!"
رد خالد وكل تركيزه مع المباراة "أعتقد مشغول مع لمار فهما إما يتشاجران أو أحدهما يراضي الآخر أو.. هدف"
ليردد أيهم مندهشًا بتساؤل "هدف!!!!"
حك خالد شعره بحرج مبررًا "أعتذر.. كنت أشاهد المباراة وسُجل هدف رائع"
هز أيهم رأسه متفهمًا وكأنه يراه قائلًا بصوت حازم "أنا في ساحة اللعب وافني أنت وماهر الآن"
ليغلق الخط فور انتهائه وكأنه يغلق كل أبواب النقاش، شرد خالد مفكرًا أنه لا يلعب الكرة فجأة هكذا، إلا إذا كان يفكر في أمر هام أو يريد إفراغ غضبه أو احتفالًا بسعادته.. ترى أي حال هو عليه الآن!! بالطبع ليست السعادة فهذا محال، إذًا أي الاحتمالين يمر بهما حاليًا، قاطع شروده صوت هنا الغاضب "ألا فائدة بك خالد؟ تشاهد المباراة وتتجاهل كل نقاشاتنا حول دراستك.. إذًا فلتتحمل عقابك، لا كعك لك اليوم.. أبدًا"
تطلع خالد إلى ظهرها الذي أولته إياه مغادرة، لينهض بسرعه مستوقفًا إياها سادًا عليها طريق المغادرة "ابتعد خالد.. حالًا"
قالتها هنا متخصرة ليطالع ملامحها الغاضبة بافتتان "لا.. لن.. أفعل"
قالها مقترباً ببطء، نظرت لعينيه اللامعتين لمعة تفهمها جيدًا فتلعثمت قائلة بصوت خفيض "خالد....."
ليتناول شفتيها في قبله طويلة يتذوق حروف اسمه الخارجة من بين شفتيها، ويلتهمها مع شفتيها التهامًا لذيذًا له غير مشبع.. غير مشبع أبدًا ليبتعد ببطء كما اقترب، يراقب تبدل ملامحها من الغضب والتحدي الى الخجل.. كم يعشق احمرار وجنتيها!! سمعت صوته مترجيًا "آسف حبيبتي.. إنها فقط استراحة صغيرة استعيد بها نشاطي هناي"
أجابته بابتسامه خجولة "هذا.. هذا ليس عدلًا.. أنت تستغل حبي لك"
هز رأسه موافقًا قائلًا برقة "هناي حبيبتي.. يجب أن أذهب.. أيهم يريدني بأمر هام للغاية"
جاءها صوته مترجيًا لتهمس بدلال "هام للغاية"
ليومئ لها مؤكدًا وهو يحتضن خصرها بيديه "للغاية"
لتجيبه مبتسمة "إذًا اذهب وحين تعود.. سنضع برنامجًا جيدًا لدراستك"
قبلها مودعًا ثم غادر تتبعه عيناها وهي تفكر جيدًا في جدولًا يجبره على المذاكرة فهو كاره للدراسة ودائمًا ما يتهرب منها واختباراته على الأبواب، كما أنه لديه مباريات هامة لذا يجب أن تضع جدولًا مناسب.. مناسب جدًا.
...........................
كان أيهم يتلاعب بالكرة بين قدميه بشرود يفكر بكل ما حدث له منذ أن التقاها، كل الأحداث كانت تدور بعقله بدءًا من لقياها مرورًا بذهابه لسليم لطلب يدها، خطبته وخطبتها نهايةً بما حدث معها اليوم وإنهائها لخطبتها من ذلك اللزج.. ما علاقتها بوالدته؟ لا يذكر أن والدته تحدثت عنها حتى عن طريق الخطأ، إذًا كيف توجد علاقة بينهما وقوية أيضًا؟ كيف؟ متى تقابلا وقويت علاقتهما إلى الحد الذي تعتبرها فاطمة فيه ابنتها؟ ترى ما هي الحلقة المفقودة لاكتمال السلسلة؟ أفكار وأسئلة تعصف بفكره تكاد تصيبه بالجنون كل مرة لا يخرج منها سوى بإجابة واحدة.. نيرة له.. ولا نقاش بذلك.. سيحميها بحياته، لن يتخاذل و لن يهرب مرة اخرى.. يجب أن يثبت حبه لها ويكشف كل الحقائق.
وفي غمرة أفكاره شعر بمن يأخذ الكرة من بين قدميه، رفع عينيه ليرى ماهر وخالد أمامه، لفت نظره نظرة ماهر المتحدية الغاضبة.. حسنًا يبدو أن كلاهما يحتاج لهذه المباراة، قابل نظرة ماهر بنظرة لا تقل تحديًا عنها بل تزيد، لتكون هذه هي اشارة البدء لمباراة قوية عاصفة مليئة بمشاعر الغضب والحيرة والتحدي و.. والإصرار، لعبوا لوقت طويل حتى ارتموا على الارض تعبًا ليسمعوا صوت ماهر لاهثًا "أنت حقًا لاعب متعب أيهم.. أشفق على مدافعين الفرق الأخرى منك"
ضحكوا جميعًا ليسأل خالد مباشرة "ما الذي يشغل تفكيرك أيهم؟!"
أجاب أيهم دون مواربة فكما اعتادوا بينهم لا وجود للأسرار، وحين فعل ذاق من العذاب ألوان وأصناف، أحيانًا كثيرة يسأل نفسه لو أنه أخبرهما من البداية هل كان سيتغير شيء؟ ترى لو أخبرهما لكانت الآن نيرة زوجته وبين ذراعيه؟ "احترق.. احترق ولا أستطيع التكيف مع فكرة أنها ستكون زوجة وحبيبة لآخر"
سأله ماهر متفهمًا حالته.. وقد ذاق نيران الغيرة على زوجته منذ قليل.. وأذاقها من نيرانه الحارقة "حسنًا.. لكن ماذا ستفعل مع والدها؟ كيف ستتصرف معه؟"
ليرد خالد مفكرًا "كي نستطيع التصرف معه يجب معرفة سبب رفضه"
ملأ الحزن عيون أيهم لحالة والدته الصامتة هذه الأيام على غير عادتها "لا يمكنني ذلك.. لأن السبب هو كرهه لأمي والتي لا أعلم علاقتها به إلى الآن، هناك علاقة قوية تربطها بنيرة منذ زمن، قبل حتى أن تتزوج من والدي، ولا أعلم ما هي؟"
احتل الذهول والدهشة ملامح ماهر في حين لمعت عيني خالد لصدق حدسه، فهو دائمًا كذلك هادئ ولكنه متفهم جدًا لكل من حوله ليهمس أيهم بنبره خاصة "خااالد"
رفع خالد كفيه بمهادنة قائلًا بهدوئه المغيظ "لا أعلم تحديدًا لكن حدسي أخبرني أن الموضوع خاص بنيرة، العلاقة بينهما كانت دائمًا لغز محير بالنسبة لي"
سأل أيهم متعجبًا "كيف خمنت ذلك إذًا؟!"
"حال فاطمة تغير كثيرًا منذ قدوم نيرة، لا أقصد طبيعتها فبطتي مازالت بطتي تهتم بكل ما يخصنا بحنانها الدائم، كنت دومًا أرى بعينيها حزن دفين لا أعلم مصدره، لكن حين أتت الدكتورة نيرة ازداد حزنهما وقل بذات الوقت و لا أعلم كيف، كلما ذكرت الدكتورة نيرة كانت تلمع عينيها بشوق خالص، لاسيما بعد خطبتها ازداد شوقها وحزنها مما أخبرني بوجود علاقة قوية بينهما"
رفع أيهم حاجبيه ولمعت عينيه إعجابًا لصغيره أجل صغيره، دائمًا كانت علاقته بخالد تتعدى مرحلة الأخوة وتصل إلى درجة الأبوة، كان يعتبره ابنه أكثر منه أخيه وصديق، تساءل بداخله متى كبرت هكذا يا صغيري؟ ليترجم ماهر أفكاره في الحال "متى كبرت هكذا يا ولد؟ ومتى لاحظت كل ذلك؟"
أجابه خالد ساعلًا وهو ينظف ملابسه من آثار لعبهم المدمرة والتي ستقتله عليها زوجته حينما يعود "قدرات.. يا.. ولدي"
قالها بنبرة غرور واضحة استدعت ابتسامة أيهم فنظر إليهما ماهر شذرا ثم تحدث إلى أيهم بجدية "حلك يكمن ف التحدث مع فاطمة أيهم، يجب أن تعرف ما هي علاقتهما ببعضهما البعض؟"
أومأ أيهم موافقًا وتحدث بحنان يظهر دون إرادة منه حين يؤتى بذكر والدته "أعلم.. ولكن يجب أن أترفق بها بطريقة أو بأخرى، هي تعلم أن بعدي عن نيرة مرتبط بها، وتظن أني سأكرهها إن علمت بذلك _صمت قليلًا ثم عاد ليردف بحزن _ إنها صامتة دائمًا هذه الأيام على غير عادتها، فهي كانت دائمًا تسرد عليَّ تفاصيل يومها لكنها توقفت عن ذلك، ودائمًا حزينة ،عادت كما كانت حين كنتُ طفلًا رافضًا مناداتها بأمي أو حتى التعامل معها، أشعر أني عدتُ لجرحها كتلك الأيام ولكن حينها كانت تجلس بجانبي، تحتضنني وتخبرني بما حدث معها ومع الجيران، وأنها ستظل تحبني مهما فعلت لكن اليوم عينيها.. عينيها تناشدانني.. ترجوني شيء لا أفهمه ولا أعلم ماهيته؟ تنظر لي بحزن وشيء آخر لا أستطيع قراءته.. أنا افتقدها جدًا.. افتقد صوتها وحديثها ومرحها.. حقًا افتقدها"
همس ماهر بتفهم وهو يشد على كتفه "رأيتها ولاحظت ذلك ، لكن لا يوجد أمامك حل آخر ، يجب عليك محادثتها"
زفر أيهم بهم يثقل على أنفاسه مجيبا "أعرف لكن جُل ما أخشاه هو فقدانها، لن أحتمله أبدًا"
ربت خالد على كتفه مطمئنًا بصوت دافئ واثق "لا تقلق، لن تفقدها، وهي من ستتحدث معك وقريبًا جدًا، فقط كن مستعد للقادم"
سأل ماهر بسخرية "ومن أين لك تلك الثقة أيها العبقري؟"
ليجيب خالد بثقة "عيناها، عينا فاطمة مرآة لما في داخلها، إن قرأتها جيدًا ستعلم ما يدور بخلدها على الفور"
ناظره الاثنان بإعجاب وفخر متزايدين، وكل منهما يسأل ألن يتوقف أبدًا عن إبهارنا به؟ كم نحن فخورون بك يا صغيرنا الغالي، اقترح ماهر "مباراة أخرى إذًا؟"
هزا رأسيهما لتبدأ بينهم مباراة جديدة، ولكنها مليئة بمشاعر مختلفة، مليئة بالفخر والإعجاب والدعم، بعد وقت طويل انحنى خالد مستندًا على ركبتيه قائلًا بتعب "هنا ستقتلني، اختباراتي بعد أيام ولم أدرس شيء أبدًا"
ضربه أيهم على مؤخرة رأسه كما اعتاد دائمًا حين يعنفه قائلًا بصرامة خفيفة "ولماذا لم تذاكر؟ ما الذي يمنعك؟ ألا يكفي أنك طالب بالانتساب؟"
رد خالد بتذمر طفل صغير وهو يحك مؤخرة رأسه "انتساب أم لا، الاختبارات تحتاج لدراسة وأنا وهي لسنا على وفاق أبدًا"
تمتم ماهر ساخرًا "اجمد قليلًا يا ولدي.. القليل فقط.. وستنتهي معاناتك"
ضحك ثلاثتهم ليعود أيهم لشروده مرة أخرى رغمًا عنه، بإصبعها الذي يحمل خاتم غيره، ومكالمة ذاك الأمير لها، تذكر شكرها له على الورود لتضطرم النيران بعينيه بوهج مخيف، همس خالد بحذر "فيما شردت أيهم؟"
رد أيهم بعنف "احترق غيرة خالد.. احترق كلما تذكرت أنها كادت تصبح لغيري.. تشتعل النيران بقلبي كلما تذكرت أنها كادت تضيع من بين يدي لولا رحمة ربي بي"
صوَّب خالد الكرة بقوة ليهتف بحدة "أفهمك"
رد ماهر ساخرًا "حقًا !!! لم ألحظ غيرتك ولو لمرة على سبيل التغيير، فكيف تفهمه؟!"
أشاح خالد بعينيه ليرد أيهم بدلًا منه "بل يغار وبشدة، غيرته شديدة لو أطلقها لدمر كل من حوله ولتحول هو لوحش مخيف، خالد يبذل أقصى طاقته ليتحكم بها كي لا يدمر حياة من حوله قبل حياته"
نظر خالد لأيهم بحب شديد، دائمًا أيهم من يستطيع فهمه دون أن يبذل مجهود، لا يوجد من يفهمه أكثر من أيهم، ناظره أيهم بحب أكبر وكأنه يخبره وكيف لا أفهمك؟ ولا يوجد سواي يتلقفك بأحضانه حين تبكي حزنًا أو فرحًا! كيف لا وأنا أعرف كل خباياك دون أن تحتاج إلى الإفصاح، قطع حوارهما الصامت صوت ماهر منبهرًا "حقًا!!!"
أجابه خالد بخفوت "بالطبع، أغار وبقوة، على هنا.. على أمي.. عليكم وعلى كل من يهمني أمره"
سأل ماهر بحيرة "وكيف إذًا تسمح لهنا بفعل ما تريد إن كانت غيرتك بهكذا قوة، وآخر ما سمحت به كان الدراسة أي الاختلاط بكثير من الرجال"
رد خالد وداخله يشتعل غيرة وحبًا بالوقت ذاته "أولًا لثقتي وحبي الشديدين لها وفكرة الجامعة أنا من اقترحها، فكما تعلم والدها من النوع المتشدد ،ربَّى بناته في حياة أقرب لحياة السجون من خوفه عليهن، ولا ألومه وأنا أريد تعويضها عن كل شيء، عن كل ما حرمت منه فأنا لم أخذها من سجن لأدعها بسجن غيره، بل سأدللها وافعل لها ما تتمنى وهذا أقل ما أقدمه لها"
ربت ماهر على كتف خالد بإعجاب وفخر ينافسهما ما يظهر بعيني أيهم قائلًا بزهو "فاطمة جعلت منك رجلًا قويًا بحق، كم أنا فخور بك!"
ابتسم خالد بخجل لا يظهر إلا بمدح أخويه ليردف ماهر بمرح "أشفق على من سيتزوج دارين كنت أخاف عليه من أيهم، والآن أخاف عليه منكما معًا، سأخبره أن يهرب وينجو بنفسه"
سأل خالد وأيهم معًا بصوت مصدوم "ماذا.. من ستتزوج؟!"
أجاب ماهر بغرابة مصطنعة لإغاظتهما وابتسامة غبية تعلو محياه "مؤكد أن دارين ستتزوج يومًا ما، وسيأتي غيركما يدللها ويجعلها أميرته، وسيكون أميرها ومدللها كذلك"
أشاح خالد بعينيه بعيدًا وهو يعيد الحروف الأبجدية بداخله مرارًا وتكرارًا كعادته ليتحكم بغضبه وغيرته، بينما قبض أيهم قبضتيه بعنف لمجرد الفكرة فقط، قائلًا بتشديد على حروف كلماته "دارين مازال لديها دراسة وبعدها البحث عن عمل وإثبات نفسها، بعد أن يحدث ذلك نفكر في أي حدث آخر"
نظر إليه ماهر مستنكرًا ومغيظًا بنفس الوقت، وما إن همَّ بالرد قاطعه أيهم ناظرًا لهاتفه "الوقت تأخر كثيرًا، يجب أن أذهب قبل أن تقلق أمي"
ليغادر مسرعًا بعد أن ألقى التحية، بينما رفض خالد أن يصعد ماهر معه سيارته قائلًا بغيظ "دع زوج دارين يوصلك أيها الغبي الغليظ"
ليتركاه بمفرده ليتمتم مفكرًا "لمار طردتني.. وأنا جائع.. واشتقت لأحضان طمطم الغالية الدافئة كثيرًا، ومنزل رحيم قريب جدًا.. إذًا الحل هو أن أذهب لبطتي اتمتع بطعامها وأحضانها، هنيئًا لرحيم وأيهم النوم بأحضان بعضهما الليلة"
غادر مبتسمًا وداخله اثارة شديدة لرؤية غضب أيهم ورحيم.
..........................
في منزل رحيم
ألقى أيهم تحية على والده واتجه إلى فاطمة التائهة بأفكارها عن كل شيء حتى مجيئه، تذكر يوم كانت تفتح له الباب بمجرد أن ينتهي من صعود السلم قبل حتى أن يطرقه، ولكنه قلبها من كان يشعر به وبخطواته، بقربه وبعده قبل حتى أن يشعر هو تنهد هامسًا بتعب "أين أنتِ أمي؟ أشتاقكِ كثيرًا حبيبتي"
قبلها بحب لتنظر له نظرة مجفلة ضائعة تتساءل بحزن وتعب متى جاء؟! كيف لم تشعر به؟! كيف لم أشعر بنبض قلبي الشديد حين مجيئه؟! هل ارتفعت جدران الحزن بقلبي إلى الحد الذي طغى على كل حب وشوق بداخله؟! هل تباعدت عنهم إلى هذا الحد؟! أااااه يا سليم لقد دمرت الكثير والكثير وأفقدتني الأكثر بالماضي هل أتى اليوم الذي ستفقدني به الأغلى بكل عمري؟! هل ستفقدني من عوضني بوجوده عن كل شيء؟ لا.. والله لن يحدث.. لن أسمح لك، إن كان فلابد سأخبره أنا بكل شيء، سأخبره بنفسي الآن، وضعت راحة يدها على وجنته بحنان ليميل إليها مقبلًا يدها بشوق وتعاطف لحزن عينيها، متمنيًا أن يبدله لفرح بأي طريقة كانت، بينما فاطمة تتأمله بحب وخوف تتأمل ملامحه المجهدة تتشربها والأفكار تعصف بعقلها، لتنتبه لملابسه المتسخة لتسأله بدهشة "مباراة.. أيهم.. والآن.. لمَ يا قرة عيني؟ ما الذي يشغل بالك هكذا؟"
نظر لها وداخله يصرخ قلبي يؤلمني بُعدك وبُعدها يمزقني.. لا أتحمل بُعدها فكيف ببُعدك أنتِ.. أمي.. أشتاقكِ، أقسم أنني أموت شوقا لكِ، لكن عوضًا عن ذلك أجابها وهو يضع رأسه على قدميها "كنت أفكر قليلًا حبيبتي.. وأردت استعادة نشاطي و تصفية ذهني قليلًا"
اتخذت قرارها بإخباره كل شيء، فتلك المباراة تتعلق بنيرة وألم قلبه لفراقها، رفعت نظرها إلى رحيم تطلب منه العون والدعم كما كانت تفعل دائمًا، وقدمه لها رحيم بنفس راضية كما اعتاد دائمًا متى احتاجته فهو سيظل بجانبها، ثم انسحب رحيم بنظرات حانية وابتسامة مشجعة متحججًا بقراءة ورده، فهو يعلم أنهم بحاجة شديدة للانفراد ببعضهما خاصة في هذه اللحظات الصعبة، كي يقرر كل منهم بنفسه دونما اعتبارات أو حسابات فقط هما.. وقلوبهما.
نهاية الفصل


نور مرزوق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-09-20, 02:42 AM   #76

soso#123

? العضوٌ??? » 456290
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 389
?  نُقآطِيْ » soso#123 is on a distinguished road
افتراضي

ثريا قداح
ربي يعطيك العافية
مثل العادة بارت ولاأروع
والخاتمة على المحك
اذا سليم زوجها السابق


soso#123 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-09-20, 03:00 PM   #77

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة soso#123 مشاهدة المشاركة
ثريا قداح
ربي يعطيك العافية
مثل العادة بارت ولاأروع
والخاتمة على المحك
اذا سليم زوجها السابق
حبيبة قلبي
سعيدة ان الفصل عجبك
يا رب الجاي يعجبك كمان
مين سليم نعرف الفصل الجاي


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-20, 08:02 PM   #78

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

الفصل العاشر
صمتت فاطمة لفترة تتلاعب بشعر أيهم وبداخلها فراغ هائل كمحيط بلا نهاية، هل سيتقبل فكرة أنها من أبعدته عن حبيبته؟ لقد ظل غاضبًا منها لما يقارب سنتين عندما تزوجها رحيم، بحجة أنها أخذت مكان والدته، فكيف سيكون غضبه عندما يعلم أن كره سليم لها هو ما أبعده عن حبيبة روحه، حسمت قرارها بداخلها فكيفما كان رده هو يحق له معرفة كل شيء، همست باضطراب "أيهم"
غمغم وهو يتنعم بأحضانها التي افتقدها كثيرًا في الآونة الأخيرة "نعم أمي"
أجابته بتوتر ونبرة مهتزة "هناك أمر يجب أن تعلمه"
نظر إليها أيهم وقد علم أن أمه قد قررت أن الوقت حان لمعرفته كل شيء، لذلك رسم ابتسامة دافئة على شفتيه بعثت الطمأنينة في أوصالها، وداخله في حالة استنفار وترقب لما سيسمعه، وهل يكمن الحل به لإيجاد الطريق إلى قمره "أستمع إليكِ أمي"
نظرت له فاطمة وكأنها تخشى وداعه، ولكن رغمًا عنها تفعل فتألم كثيرًا إلا أنه استمع لها، انطلقت تخبره عن طفولتها وعلى وجهها ابتسامة عذبة سريعًا ما انتقلت لشفتيه، لتتحول لضحكات خافتة حينما رأى احمرار وجنتيها عندما ذكرت إعجابها بفتى حيها الشاب الوسيم آنذاك، نعم لقد كانت تحب رحيم منذ صباها، وكم تمنت أن تتزوجه ليأتي والدها ينسف أمنياتها ويوأد أحلامها قبل حتى أن تولد بقراره بالسفر خارج البلد، سفرها الذي غيَّر حياتها وساهم بنضجها المبكر.. المبكر جدًا لتتحول من مراهقة مدللة لشابة مسؤولة عاصرت الكثير بحياتها، تقدم الكثير طلبًا لرضاها إلا أن أملها أن تعود لحب طفولتها ومراهقتها، و الذي لم يمُت بل كبر معها ساعدها على رفضها والإصرار على انتظاره، إلى أن علمت بأنه لا فائدة فاستسلمت أخيرًا ووافقت تحت ضغط والديها، ابتسمت دامعة قائلة بشجن ونبرة مختنقة "إياك أن تخبر رحيم بذلك"
ليمد أصابعه يمسح دموعها بحنان جلب منهم المزيد، حنان جعلها تشعر أنها طفلته وليست أمه، مجيبة بابتسامة بشوشة "لا تقلقي بطتي.. إنه سر من أسرارنا الصغيرة"
شردت فاطمة وكأنها تعيش اللحظات التي تحكيها له مرة أخرى، رأى تعاقب مشاعرها على ملامحها التعب، الحزن، الاشتياق، استمرت في سرد حياتها لكنها انتقلت للجزء الأكثر ألمًا، لم تنكر رعاية زوجها الأول لها أو معاملته الطيبة، ولكنه تغير بعد علمه بعدم قدرتها على الإنجاب ابتعد ببطء، بطء أهلك مشاعرها وأوهن روحها ليعود ذات يوم ومعه امرأة يدعى أنها زوجته وتحمل ابنه برحمها، بكت حينها، لم تبكى زواجه فقد كان متوقع بل بكت ألمها وقهرها، إحساسها البشع بالموت حية، بكت جرح زوج لشيء ليس بيدها وسوء معاملة امرأة أخرى لها.. بمنزلها، بكت أيام قضتها ببيت والدها لا هي متزوجة ولا هي مطلقة حين أعادها زوجها لمنزل والدها رافضًا الطلاق وبقوة.. قبَّل أيهم جبينها ومسح دموعها وجذب رأسها لتستريح على صدره فوق قلبه المتألم لأجلها وأجل معاناتها، ليهمس لها بصوت تحكمت فيه غصة موجعة "لا تبكي أمي.. أبدًا.. فلم يخلق من يستحق دموعك بعد"
تشبثت به وكأنها طفلة تخشى أن تضيع إذا تركت يدي والدها، لتأخذ نفسًا تهدئ به نفسها ثم رفعت رأسها له مبتسمة، تخبره عما أضاء حياتها بعد أن شملها الظلام، تخبره عن شعورها حين حملت نيرة بين ذراعيها بعد ولادتها مباشرة.. فقد كانت هي أول من يحملها، أول من يضمها ويقبلها، أول من رأى عسل عينيها الشبيهة بوالدتها، ربط بينهم رباط قوي جدًا من نظرة واحدة لعيون بعضهما، فهي من ربتها حتى شارفت على سن الثامنة، وكلما اقتربت نيرة منها كلما ابتعدت عن سليم وقد كان هو السبب بذلك، ولكنه لم يعترف بخطئه أبدا فهو دائمًا ..لا يخطئ.
أكملت بصوت خافت مليء بالعذاب الذي يكتنف روحها، بالشوق البالغ لابنة أختها الكبيرة، كلا بل ابنتها قطعة من قلبها، تحمل دماءها ورائحتها.. تتذكر ابتسامتها العذبة ونظرتها الشقية المتألقة "كانت نيرة صغيرة الحجم للغاية، بارعة الجمال تبارك الخلاق، لم تحتاج سوى نظرة واحدة حتى وقع حبها في قلبي، طفلة شقية لا تهدأ ولا تتعب من الحركة، تركض في كل مكان وتتمرد على كل شيء، كانت وفاء تتعب معها كثيرًا حتى تقنعها بما تريد"
صمتت تأخذ نفسًا متلاحقة تاركة إياه غارق في دوامة من مشاعر مختلفة، إنها قريبته.. قريبته.. حقه.. حبيبته.. حبيبته التي حُرم من طفولة كان من الممكن أن تقضيها بين ذراعيه، عمر طويل وذكريات كثيرة سرقها منه سليم، حب عمره كان من الممكن أن يكون معه أبكر من هذا.. لربما كانا الآن متزوجين ولديهما أطفال، تنهد قلبه بلوعة قاتلة مختنقًا بإحساسين متناقضين، فرح للغاية لوجود صلة القرابة تلك بينهما، وحزين لذكريات كثيرة حُرم من تكوينها معها، حزين عليها وقد أيقن أنها نست ذكريات طفولتها، ماذا يمكن أن يكون حدث حتى تفرط طفلة بتلك الشقاوة بجزء حيوي من حياتها، أفاق من شروده على صوتها الحزين الملتاع "آخر سنة قضتها معي كانت فترة حمل وفاء بعمر، ولكن حملها لم يكن سهلًا كان خطرًا عليها، توفت يوم ميلاد عمر.. تاركة الحزن ينهش صدورنا عليها، متخلصة من كل حياتها مع سليم.. ثم كان ذات يوم اكتشفنا فيه اختفاء سليم آخذًا أطفاله معه، بحث عنهم والدي كثيرًا دون أن يعلم شيئًا حتى علمنا أنهم بمصر، حينها كنت قد حصلت على طلاقي من زوجي الأول، وعدنا إلى مصر مرة أخرى وظللنا نبحث عنهم حتى بعد أن تزوجت من والدك، وحين يأس أبي من إيجادهم مات قهراً وحزنًا على أطفال ابنته"
نظرت إليه ودموعها تخفي ملامحه عنها قائلة بنبرة معذبة "سامحني يا قرة عيني، أنا سبب خسارتك لحبيبتك وسبب بُعدها عنك.. كان يجب أن _ لتشهق باكية وهي تكمل باهتزاز_ كان يجب عليَّ إبعادك بمجرد أن شعرت بانجذابك لها، لكني دفعتك نحوها بأنانية.. رغبة مني في رؤيتها.. ضمها وتقبيلها ورعايتها كما كانت صغيرة، رغبت في.. في إشباع شوقي وحنيني لها، لم يكن علي السماح لقلبك بالتعلق بها بينما أنا خير من يعلم والدها وطبيعته القاسية.. كل هذا خطئي.. كل معاناتك بسببي أنا.. أنا من كسرت قلبك وآلمتك.. سامحني بني ..لا طاقة لي على كرهك وخسارتك.. أرجووووووك سامحني"
انتفض أيهم جالسًا تحت قدميها لم يتحمل سماع رجائها وطلبها عفوه، قائلًا وهو يضم يدها بين يديه يقبلهما بتقدير واحترام "لا تترجي أحد أبدًا أمي، أبدًا.. ولا تطلبي السماح ثانية من أي شخص، بل أنا هو من يجب عليه طلب سماحك على ضعفي وتخاذلي"
ضمته بقوة حين رأت حبه لها بعينيه وأن ما كانت تخشاه لم يكن سوى أوهام ووساوس، رأته ينظر لها بفخر و حب جعل قلبها يرقص طربًا، فخر كونها أمه، كونها من قامت بتربيته فخورًا بحنانها وحبها وصفاء قلبها، لا يصدق أنها تعرضت لكل هذا الألم، وما زاد تعجبه وفخره أن كل ما مرت به، لم يأخذ من صفائها وطفوليتها التي تظهر بمناكفتها له ولأخوته ولحبيب عمرها رحيم، كانت صدمته كبيرة حين علم بعدم قدرتها على الانجاب وكم كره نفسه لأذيته المتكررة لها، حين كان يخبرها بكل صلف وبرودة أعصاب أنها ليست والدته، لكنه كان سعيدًا للغاية أنه منحها شعور الأمومة، حين اهتمت به وبأخوته، ترى هو من منحها السعادة أم هي من منحته باهتمامها وحنانها وعنايتها؟ لا يهم المهم الآن أنه سيعمل جاهدًا لتعويضها عن كل شيء وعن كل ألم مرت به.. أحقًا تطلب غفرانه؟ لأي شيء؟ لجعله رجلًا قويًا يعتمد عليه؟! كم أنتِ حنونة بطتي!! يا من لا يوجد بحنانها قط.. قد حان رد جميلك كاملًا حبيبتي... حان وقت استعادة ذاتي القوية المسيطرة التي منحتِني، تلك التي تبعثرت في ظل حبي وخوفي لكن لا.. بل وألف لا.. لن أسمح بضياعها ثانية ولا حزنك ما دمت حيًا.
تعالت شهقات فاطمة لسماع كلماته التي كانت كبلسم لجروحها، ورؤية نظرته التي أخبرتها أنها أمه، أنه لم ولن يكرهها، أنها حبيبته وفخره، أنه سيظل ابنها مهما حدث، لم يبتعد عنها وليس بغاضب منها، حاوطت وجهه بكفيها وهي ما زالت تبكي ليمسح هو دموعها قائلة بفخر أمومي "لا تقل ذلك بني، لم تكن أبدًا متخاذلًا لطالما كنت شجاعًا محبًا"
جذبها إليه يحتضنها بقوة لتفرغ كل آلامها في حضنه، ولتكن هذه الدموع آخر دموع لها فلتدفنها بأحضانه، ظل يربت على رأسها كما يربت على طفل صغير حتى هدأت تمامًا فأبعدها عنه، ولكنها ما زالت بين ذراعيه ليقول عابثًا ليبثها بعضًا من المرح وتعود روحها المشاكسة إليها ثانية "يا إلهي!! لقد أصبحت بورطة كبيرة"
ردت بلهفة "ماذا؟ ما هي يا حبيب قلبي؟ أخبرني"
أجاب متصنعًا الحزن "معنى ما سبق أن نيرة ابنتك"
لتومئ برأسها فيكمل بشقاوة عابثة "وبما أن نيرة ابنتك إذًا هي أختي ولا يجوز لي الزواج بأختي، وأنا أتووووووووق لاحتضانها طمطم، فما الحل الآن؟"
شهقت فاطمة بخجل وهي تضربه على صدره قائلة بتوبيخ "تأدب يا ولد ما الذي تقوله؟ وأمامي أيضا!!"
ابتسم ببهجة ها هي بطته تعود ثانيةً قائلًا بجدية "أعدك أن أعيدها لكلينا، لا أعلم كيف ظننت أني سأكرهك أو ابتعد عنك، أنتِ الأهم بحياتي لم ولن أستطيع العيش بدونك، لن تستقم حياتي بغير وجودك، لكِ وعدي أمي سأعيدها هي وعمر إليك بأقرب وقت، وأنت تعلمين جيدًا أني لا أخلف وعدي قط"
ابتسمت قائلة بشوق شديد "عمر!! يا إلهي كم اشتقت له! لقد أصبح شابًا رائعًا، آخر مرة رأيته كان طفلًا بمهده، كانت رائحته رائعة تشبه رائحة أخته، كم أتوق الى احتضانهما بني، أتوق لاحتضانهما وتقبيلهما جدا، أتمنى إشباع شوقي لهم"
ليرد أيهم بشوق يزيد عن شوقها لمن حرم منها أيام و ليالي طويلة "أااااه أمي لو تعلمين مدى توقي لذلك أنا أيضًا"
احمرت وجنتيها وأصابعها تلعب بشعره ليكمل بهمس شقي "اسمعي أمي اشبعي أنتِ توقك لعمر، أما نيرة.. سأشبع أنا توقك وتوقي لها، لكن لا أظنني سأشبع أبدًا"
شهقت فاطمة بعد أن تحول وجهها للون الدم هاتفة بتأنيب "تأدب يا ولد.. ما بك؟ متى أصبحت قليل التهذيب هكذا؟"
ليضحك أيهم من كل قلبه ها هي والدته عادت لطبيعتها المحببة لقلبه، ونجح في مسعاه ليبقى هدفه الكبير والأغلى بحياته، أيقظه صوت والدته من تفكيره هامسة بحب "أتعلم لقد كانت نيرة وبراء شعلتين من النشاط.. الذكاء.. الحب والمرح، كانتا لا تفترقان أبدًا رغم اختلاف شخصيتيهما كانا يكملان بعضهما البعض، وكأنهما روح واحدة قسمت في جسدين"
همس كهمسها متعجبًا من ذلك الاسم الذي يسمعه لأول مرة مقترنًا باسمها "من براء هذه أمي؟!"
أجابته بابتسامة صغيرة بها شغف لأيام طفولتهما "إنها توأم نيرة حبيبي ألا تعرفها؟!"
رد بحيرة "لا لم تتحدث عنها مطلقًا، حتى عمر لم يفعل"
"كم أنا مشتاقة لهم جميعًا"
صمت أيهم ناظرًا لوالدته مفكرًا ترى لمَ لا يتحدث عمر أو نيرة أو حتى لمار عن براء هذه أبدًا؟ يجب أن يعلم و لا سبيل سوى سؤال عمر، همَّ بمغادرة الغرفة حتى يهاتف عمر ويسأله عنها، أوقفته فاطمة وهي تتمسك بساعده هامسة بخوف "ماذا ستفعل ابني؟"
أجاب سريعًا يطمئن الخوف الذي عاد يحتل نظراتها ثانيةً "سأفعل ما كان يجب فعله منذ البداية أمي"
هبت واقفة وقد فهمت ما يرمي إليه سيذهب إلى سليم، لا لن تدعه يقترب منه لتخسر ابنها لأجل أي شيء، هو أولًا وبعده كل شيء قائلة باعتراض "لا تذهب إليه ابني هو سيؤذيك ويؤذيها كما أخبرني"
رد بدهشة "أخبرك!!! متى؟"
ثرثرت بعفوية "ليلة خطبتها اتصل يحذرني أن تقترب منها"
نظر إليها طويلًا يحاول التحكم في غضبه من ذلك الرجل، أوصلت به الجرأة أن يهدد والدته في بيته، زفر أنفاسه بقوة قائلًا بعد أن فشل في السيطرة على أعصابه "الحقير سأريه"
ثم غادر الغرفة نهائيًا كي لا يجرحها أثناء غضبه ثانية، فهو كلما غضب كلما جرحها، لذلك غادر تحت أنظار فاطمة المرتعبة ليصطدم أثناء خروجه بماهر الذي دلف لتوه، دفعه عن طريقه بعنف قائلًا بحدة "ألن أتخلص منك أبدًا؟"
ناظره ماهر باستنكار رافعًا أحد حاجبيه مشاهدًا دخوله إلى غرفته وإصفاق بابها بقوة، همَّ أن يلحقه ولكن أوقفه خروج فاطمة خلفه وهي تبكى، سبَّ أيهم داخله واتجه بعدها إلى فاطمة يهدهدها لتهدئ.
….………………….
بعد أن هدأت فاطمة في أحضان ماهر رفعت رأسها تنظر إليه بدهشة، متى أتى؟ هي لم تراه لقد اعتقدت أن رحيم هو من يحتضنها، وماذا يفعل هنا؟ تاركًا زوجته بمفردها سألته مباشرة "ماذا تفعل هنا؟"
أغمض عينيه وهو يرجع رأسه إلى ظهر المقعد "سأظل هنا الليلة"
نظرت إلى ملابسه لتجدها متسخة أيضًا، إذًا كانوا يلعبون سويًا سألته فاطمة ثانيةً بتعجب، وهو الذي كان يترك زوجته على مضض أثناء معسكراته "لماذا يا حبيب والدتك؟"
ابتسم ماهر وقد استشعر السخرية في أسلوبها مجيبًا بتنهيدة عميقة "تشاجرنا ماما وإن عدت أخاف أن يتطور الشجار بيننا وينتهي بشكل سيء"
أجابته فاطمة بقوة مؤنبة "وفي ظل خوفك من تطور الشجار نسيت أن زوجتك حامل وقد يحدث لها شيء لا قدر الله"
أجاب بخفوت وقلبه ينتفض خوفًا أن يكون أصابها شيء "خالد وهنا هناك أمي، أرجوك اسمحي لي أن أظل هنا الليلة"
نظرت فاطمة إلى ملامحه المتعبة وعينيه المذنبة فعلمت أنه أخطأ بشيء ما لذا سألته بشكل مباشر "ماذا فعلت ماهر؟"
أشاح بعينيه بعيدًا وحك مؤخرة رأسه بطريقة أكدت لفاطمة حدسها، ابنها الغالي جرح زوجته، والآخر لا تعلم ماذا برأسه أو ما ينوي فعله، لماذا لا يكونا مثل خالد لا تشعر بالخوف عليه بقدر ما تشعر بالقلق على ماهر و أيهم.
بينما هو كان يفكر أنه لا يريد العودة للمنزل الآن، هو فقط يهرب من عينيها التي جرحها بقسوة، حاول كثيرًا أن يتحكم بغضبه وغيرته عليها ولكنه بالأخير فشل لتكون هي من تتأذى، هي التي أقسم على دلالها أذاها بقوة لم يقصدها، ما زالت نظرات الطبيب الذي كانت تتناقش معه عندما ذهب ليحضرها من عملها تحرقه، كان نظرات وقحة مغازلة ولكنها كانت تتعامل بمهنية هو خير من يعرفها، اقترب منها فتشرق ملامحها بابتسامة عذبة تخصه بها، لف ذراعيه حول خصرها وقبل وجنتها بقوة مما دفع الدماء غزيرة إلى وجهها، و هو يحذر الآخر بعينيه أن يقترب منها إنشًا واحدًا، طوال الطريق ظل صامتًا يتجاهل أسئلتها عما ألم به وجعله صامتًا هكذا، وفي المنزل عندما ضاقت ذرعًا بتجاهله صاحت به "ما بك ماهر؟ لماذا تتجاهلني هكذا؟ ماذا فعلت أخبرني؟"
أجابها بصوت خافت حاد "اخفضي صوتك لمار وإياكِ أن تفعليها ثانية"
ردت بأسف أوجعه ولكن الآن شياطين العالم تتلبسه "آسفة لم أقصد ولكني قلقة عليك كثيرًا"
"لا تقلقي أنا بخير"
ردت بقلق "كيف بخير ماهر؟ ذلك الصمت ليس من عاداتك"
زفر بقوة قائلًا بحدة "أووووف لمار أنا خارج الآن وعندما أعود لنا حديثًا آخر"
أخذ أشيائه وهمَّ بالمغادرة لتصرخ خلفه بسخط، وهو يتركها حائرة لا تعلم ما الخطأ الذي ارتكبته "إن ذهبت فلا تعد الليلة"
عاد إليها سريعًا وهو يمسك ذراعيها يقربها منه قائلًا بخفوت مؤلمًا "لا تتمادي كثيرًا لمار، لقد دللتك كثيرًا أليس كذلك؟ فما عدتِ تفرقين بين الصواب والخطأ، أنتِ تحتاجين إلى إعادة تأهيل جديدة، وإن كانت عمتك تركتك بدون تربية، فأنا من سيعيد تربيتك من جديد، أتعلمين أنا كنت خارجًا فقط كي لا أجرحك، ولكن بما أنك تريدين الحديث فلنتحدث مدام لمار، ذلك الطبيب الذي رأيته اليوم إياكِ ثم إياكِ أن تتحدثي أو تتعاملي معه ثانية، ذاك الحقير كاد أن يلتهمك بعينيه وأنتِ.. وأنتِ.."
أجابت بصوت مجروح على وشك البكاء "وأنا ماذا ماهر؟ أنا كنت أتناقش معه على حالة طبية، روح مريض سيحاسبني عليها ربي، ماذا أخبره حينها أني تركت الحالة لنظرات الطبيب الوقحة، والتي ليس لي دخل بها، اتركني ماهر واذهب حيثما تريد، كي لا تجرحني أكثر"
نظر إلى عينيها المتألمة بسببه، ذراعها الذي كاد أن يفتته بين يديه من شدة ضغطه عليه.. صوتها الحزين، نظر إليها طويلًا ثم غادر دون كلمة، ليس له القدرة على مواجهة جرح لها تسبب هو فيه، اصطدم بخالد الصاعد إليه يخبره أن أيهم ينتظرهما ليلعبوا سويًا، وافق مرحبًا بتلك الفكرة علها تخرج شحنة غيرته فيفكر بشكل صحيح، عاد من شروده على صوت فاطمة تقول "لست بحاجة أن أعرف منك شيء"
وتحت أنظاره رفعت هاتفها تجري اتصالًا لتقول بعد أن فتحت السماعة الخارجية "مرحبًا حبيبتي كيف حالك؟"
أتاها صوت لمار مبحوح من بكائها "بخير ماما كيف حالك أنتِ؟"
أجابت فاطمة وهي تنظر بقوة لماهر الذي أشاح بعينيه بعيدًا عن عيني فاطمة "بخير حبيبتي ماذا حدث بينك وبين ماهر؟"
ردت لمار بضعف "لم يحدث شيء عمتي هو خرج لعمل هام وسيعود بعد قليل"
أحس ماهر بالألم يطعنه عميقًا بصدره لتقول فاطمة بدهاء "لا داعي لإخفائك الأمر حبيبتي، هو أخبرني كل شيء"
نظر ماهر إلى فاطمة بدهشة وهي تناظره بتحدي، بينما أجهشت لمار في البكاء وهي تقول بصوت متقطع "أخبريه.. أن يعود.. ماما.. وأنا سأكف .. عن دلالي عليه.. وسأفعل.. كل ما يرضيه.. فقط اجعليه يعود.. أنا خائفة ماما.. أخاف الوحدة.. أرجوكِ"
"لمار" همس بها ماهر يقاطع رجائها الذي مزقه من الداخل وجعله يسب ويلعن نفسه، عاد يناجيها برقة حزينة "لمار توقفي عن البكاء رجاءً حبيبتي أنا سآتي بعد قليل فقط توقفي عن البكاء الآن"
أغلقت الهاتف دون أن تجيب بكلمة و قد أزعجها وجوده وسماعه رجاءها، حتى وإن عاد لن تكلمه أبدًا، نظرت فاطمة إلى ماهر بصرامة أخافته ليسرد كل ما حدث عليها، نظرت له فاطمة بغضب وعتب ليأتي صوت رحيم الواقف مستندًا على الباب قائلًا بهدوء "أخطأت يا ماهر كثيرًا"
أخفض رأسه بذنب قائلًا بهدوء "أعلم رحيم، منذ نطقت أول كلمة، كنت أعلم أني مخطئ ولكن لم أستطع التحكم في غضبى وأذيتها"
دخل رحيم بهدوء يجلس بجواره مربتًا على ركبته قائلًا بحنان "كيف فقدت أعصابك بتلك الطريقة وأنت تتحكم بها دائمًا؟"
زفر نفسًا عميقًا قائلًا بهم "لا أعلم يا رحيم، ولكن النظرة بعين ذلك الوقح كانت كعود ثقاب ألقي في منتصف كومة من القش، أشعلت نيران داخل قلبي لم أستطع ترويضها"
رد رحيم بتأنيب "فأخرجتها على المسكينة التي لا حول لها ولا قوة"
أخفض وجه بندم قائلًا بحزن "نعم ولا أعلم كيف أواجهها"
وقبل أن يتكلم رحيم تدخلت فاطمة قائلة بغضب صدح في عينيها "ولكن تعرف كيف تقسو عليها وتحاسبها على شيء لا ذنب لها به"
رد رحيم بهدوء "اهدئي يا فاطمة لقد أخطأ وسيصلح خطأه"
عبست قائلة بصرامة "يكفي تدليلًا لهما يا رحيم.. لقد أفلت زمام أبنائك تمامًا.. كل منهما يتصرف من رأسه دون الالتفات لعواقب فعلته، هو وصديقه بارعان في جرح حبيبتهما"
نظر ماهر لرحيم مندهشًا ماذا حدث لتنقلب عليهما بهذا الشكل، رد رحيم بمهادنة رقيقة "معك حق يا بطة وسيصلح كل منهما خطأه أليس كذلك يا ماهر"
هم ماهر بالرد سريعًا أنه سيفعل، ولكنه ابتلع كلماته وفاطمة تشير إليها آمرة بشكل قاطع "اذهب لزوجتك الآن يا ماهر، ولا تريني وجهك حتى تحصل على غفرانها"
همس بتوسل "ماما"
أشاحت بعينيها بعيدًا في غضب.. لينظر إلى رحيم يطلب منه الدعم.. ليخبره بعينيه أن لا فائدة من رجائها فهي ستقف مع لمار وليس معه، أردفت بصرامة "لا تذهب إلى المنزل متسخًا هكذا، هناك ملابس نظيفة لك في غرفة خالد"
أومأ بطاعة واتجه إلى غرفة خالد دون كلمة، وهي تتابعه و تدعي لهم جميعًا بالهداية.
…………………………
في غرفة أيهم
دخل الغرفة غاضبًا من نفسه قبل ذلك الرجل، مؤكد هو يظنه ضعيفًا كي يتصل ويهدد والدته، ما كان يظنه قوة اكتشف أنه ضعف و استسلام، نظر إلى شرفتها ليجد أنوارها مغلقة عقد بين حاجبيه مفكرًا أين تراها ذهبت، رنين هاتفه باسم عمر جعله يبتسم فهو كان على وشك الاتصال به، أجاب الهاتف ليأتيه صوت عمر فرحًا قبل أن يلقي السلام "لقد تركته أخيرًا، ذاك الوغد لم يكن يستحق ظفرًا منها"
ابتسم أيهم وهو يزفر براحة قائلًا بهدوء "أعلم"
أجاب عمر بدهشة "كيف عرفت؟"
رد أيهم وهو يتذكر ما حدث "حدث الأمر كله أمامي اليوم، ولكن دعك من هذا وأخبرني أين براء؟"
ارتفع حاجبي عمر بذهول قائلًا بتعجب "براء!!!!! من تلك براء؟"
رد أيهم بذهول وحيرة ألمت به كيف هي توأم نيرة وعمر لا يعرفها "ألا تعرفها؟"
رد عمر بصوت مندهش "لا أول مرة أسمع بذلك الاسم؟ لماذا تسأل عنها؟"
أجابه أيهم منهيًا المكالمة "يبدو أنى خلطت بينك وبين شخص آخر إلى اللقاء عمر"
أغلق الهاتف مفكرًا أنه يجب أن يتحدث مع لمار، سيخبر ماهر بأنه يجب أن يتحدث مع لمار بأمر يخص نيرة، وعلى ذكر ماهر فتح ماهر الباب دون استئذان قائلا "أيهم أريد مفاتيح السيارة"
أجابه أيهم "أنا أريد الحديث مع لمار بأمر يخص نيرة هل تتصل بها؟"
أبعد ماهر عينيه عن أيهم قائلًا بخفوت "لقد تشاجرنا وهي لا تجيب اتصالاتي، عندما أعود إلى المنزل سأهاتفك حسنًا؟"
هز أيهم رأسه بالموافقة وهو يلقي إليه بالمفاتيح قائلًا برجاء "هل يمكن أن تأخذ لي إذن بالتغيب عن التدريبات غدًا"
هز ماهر رأسه نفيًا قائلًا "غدًا هي المحاضرة الأخيرة قبل المباراة وبعد غد المباراة"
أجاب أيهم بشرود "معك حق لقد نسيت اذهب الآن واجعل لمار تهاتفني الموضوع هام جدًا ماهر"
هز ماهر رأسه موافقًا وألقى التحية وغادر، تابع أيهم مغادرته وعاد يشرد ثانية ولكن تلك المرة في ماهر، نظرات عينيه تلك يعرفها جيدًا تلك نظراته عندما يرتكب خطأ، ترى ماذا فعل؟
……………………
في منزل سليم
استدعى سليم نيرة إلى غرفة مكتبه وقد عادت للمنزل مباشرة بعد اتصاله بها، دخلت الغرفة التي تبغضها وتشعرها أنها مجرم بصدد إطلاق الحكم عليه، غرفة منفرة برغم كل كنوز العلم المتمثلة بمكتبة عظيمة داخلها ولكنها كريهة إلى نفسها، بادرت قائلة بهدوء كاذب "نعم أبي فيما تريدني؟"
أجاب سليم بقوة "كيف تنهي خطبتك دون إخباري وأخذ رأيي"
رفعت حاجبها بسخرية هامسة بصوت ساخر "كيف عرفت؟ مؤكد خطيبي السابق المبجل"
ضرب سليم المكتب بيديه هاتفًا بغضب "نيرة أجيبيني دون سخرية"
رفعت رأسها قائلة بثبات "وجدته يخونني ولم يمضي على خطبتنا خمسة عشر يومًا أبي، فهل سأنتظر رأيك بعد أن بعثر كرامتي؟ أم استردها؟ وبالطبع اخترت أن استردها فلا يوجد بعد من يهينني و يجرح كرامتي"
تغاضى سليم عن كل كلامها قائلًا بهدوء "انسي كل هذا الهذر أمير سيأتي غدًا لتتحدثا سويًا"
أجابت بقوة "كلا هذا ليس بهذر، وأمير هذا ليرحمه الله إن قابلته ثانيةً، وخطبتي منه كانت خطأ وها أنا أصلحته بعد إذنك أبي"
صاح سليم بغضب "انتظري نيرة وإلا أريتك ما لن يعجبك"
التفتت إليه نصف استدارة وهي تمسك بمقبض الباب وقد وصلت إليه قائلة باستهزاء أليم "ما لن يعجبني كضربي مثلًا؟"
تساءل سليم بتوجس "ما قصدك؟"
ابتسمت بألم قائلة بنبرة باهتة "من بين كل ذكرياتي المبهمة التي لا أستطيع العبور إليها، هناك ذكرى واحدة واضحة هي ضربك لي"
وغادرت تاركة سليم ينظر في أثرها بذهول يتذكر تلك المرة التي ضربها بها، ولكنها لم تكن هي، كانت براء!!!
………….……….
في منزل ماهر
دخل ماهر المنزل ليجده غارقًا في الظلام، اتجه إلى الغرف يبحث عنها ليجد طعام عشاءه موضوع على الطاولة في انتظاره، شعر بوخزة ضمير تطعنه بقوة، دلف إلى غرفة النوم ليجدها ملتزمة بالجزء الخاص بها من السرير على غير عادتها، جلس بجانبها يزيح خصلات شمسها الحبيبة من على وجنتها ليقبلها برقة هامسًا "أعلم أنكِ لستِ نائمة حبيبتي"
التفت توليه ظهرها فتنهد بقوة وجلس بجوارها على الفراش هامسًا بتعب "دماري أيهم يريد التحدث معك بشأن نيرة هل أهاتفه الآن؟"
جلست بجانبه فزعة قائلة بوجل "ما بها نيرة؟"
رد بدفء يطمئن جزعها وقد أدرك أن نيرة تعني للمار كلمة أكبر من الصداقة "لا شيء هي بخير لا تقلقي فقط يريد الحديث معك"
هزت رأسها بالموافقة ليخرج هاتفه متصلًا بأيهم الذي أجابه فورًا، وكأنه كان بانتظار المكالمة وبعد تبادلهم بضع عبارات فتح ماهر السماعة الخارجية، لتأتيها تحية أيهم فتردها له ثم كان سؤاله "لمار هل تعرفين شخصًا بحياة نيرة يدعى براء؟"
سكتت لمار مفكرة لبعض الوقت ثم قالت "لا نيرة لم تذكر شخص أمامي يحمل نفس الاسم _صمتت مستدركة_ مهلًا أيهم تذكرت نيرة تغمغم بذلك الاسم أثناء كوابيسها"
ردد أيهم ببهوت "كوابيس"
لترد لمار بشفقة وتعاطف "نعم كوابيس تربطها بطفولتها فنيرة مصابة بفقدان ذاكرة مؤقت، الطبيب أخبرها أن السبب ليس عضوي إنما فقدان ذاكرتها سببه نفسي، عقلها هو ما يقف حائلًا بينها وبين حياتها السابقة، آسفة أيهم"
رد أيهم بصوت ذاهل غير مصدق لكل هذا "لا عليك، أشكرك لمار إلى اللقاء"
أغلق أيهم المكالمة و قد تأكد لديه أن تلك براء وما حدث لها هي ورقة والدها الرابحة التي يحتفظ بها لنفسه، وعليه أن يكتشف ما حدث معها، وأين هي؟ وكيف لا يعرف عمر شيء عن أخته؟ أسئلة كثيرة تدور بفكره تزيد حيرته وجنونه.
بينما على الجانب الآخر أغلق ماهر الهاتف، ثم تشبث بيديها التي حاولت سحبها منه وهو يقول نادمًا "آسف لم أقصد الصراخ عليكِ"
ثم التقط شفتيها في قبلة طويلة أخبرتها بمدى أسفه.. ليفلتها معيدًا أسفه، تطلعت فيه لثواني ثم أشاحت بوجهها بعيدًا وهي تعطيه ظهرها وتتدثر بالغطاء، هامسة برفض مستتر لأسفه "أريد أن أنام"
أصابته خيبة أمل لعدم تقبلها أسفه هامسًا لنفسه "تستحق ماهر تحمل تبعات غضبك"
جذبها إليه فحتى إن كانت غاضبة منه، فهو لن يسمح لها أن تعاقبه بأخذ راحته التي يجدها في أحضانها، ما إن قربها منه كما توقع حتى انفجرت في البكاء ليضمها إليه أكثر، يهدهدها حتى استرخت أنفاسها وذهبت في سبات عميق، مسح دموعها التي أغرقت وجهها ثم قبَّل رأسها هامسًا بأسفه مرة أخرى، لينام هو الآخر محتضنا إياها بقوة بالغة.
...……….………………


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-20, 08:06 PM   #79

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

استيقظ من نومه على حركة لمار العنيفة بجواره، مسح عينيه جيدًا ليجدها تحرك قدميها ويديها وكأنها تصارع وحشا ودموعها تنهمر بغزارة، مما جعله يخاف عليها بشدة ،حاول إفاقتها، ولكنها كانت تبدو وكأنها في عالم آخر منعزلة عنه تمامًا، فلم يجد بدًا من تكبيل قدميها ويديها والصراخ عاليًا باسمها "لماااااااااار.. استيقظي"
شهقت لمار بقوة واتسعت عينيها بانشداه، بينما ماهر يجفف دموعها التي تذرفها دون حساب، ويربت على وجنتها مناديًا اسمها بقلق يتتبع حدقة عينيها الدائرة بالغرفة، وكأنها تبحث عن شيء وهي تهمس بهلع مع استمرار بكائها "ماهر.. أجبني.. أين أنت؟ ماهر.. لا تذهب أرجوك حبيبي، لا تتركني كما تركني أبي وذهبت أمي"
رد بقوة يحاول اختراق قوقعتها التي تصيبها بالهلع "أنا هنا حبيبتي.. أنا هنا معك.. انظري إليَّ دماري.. ها أنا ذا.. معك"
نظرت له لمار وأخذت وقتها تحدق به وتسمع صوته يطمئنها، لترتمي بقوة بحضنه قائلة بنبرة متهدجة باكية "ماهر أرجوك.. لا تتركني مجددًا حبيبي ..لا تتركني وحيدة أرجوك لا أريد أن أعود وحيدة ثانية _لتشهق باكية قبل أن تكمل بحزن_ كنت أناديك وأنت لا تجبني.. كنت.. كنت كلما ناديتك ابتعدت.. وابتعدت حتى تحولت المسافة بيننا إلى طريق طوييييل وكلما ناديتك نظرت لي بصمت وابتعدت.. وحينما اقتربت منك لم أجدك.. كنت اختفيت.. ظننتك سترحل كما رحل عني كل أحبتي لمَ ماهر؟ لمَ تركتني؟!"
ضمها ماهر بقوة وهو يلوم نفسه وينهرها بقوة يسب نفسه بجميع أنواع السباب التي يعرفها، والتي لا يعرفها، لأنه أوصلها لهذه الحالة كل حرف كان سهم يغرس في قلبه يدميه، كل كلمة كانت خنجر حاد يشطر أعماقه فيتركه جثة هامدة، شعر بأنه غير قادر على التنفس وكأنه كان يجرى بسباق طويل، وكأنه من عانى من الكابوس اللعين وليس هي، شدد من احتضانها مقبلًا رأسها بحنان قائلًا بحب " حبيبتي اهدئي.. إنه كابوس.. أنا هنا.. وأبدًا لن أتركك.. صدقينى دماري ..أنتِ حبيبتي وحياة قلبي.. كيف أبتعد.. اهدئي مهجتي ونور عيوني.. اهدئي أنا هنا ....وأنتِ بين ذراعي آمنة"
رفعت له عينين حمراوين عاتبتين مجروحتين، شعر بالعجز أمام نظراتها والتي تخبره أن خصامه لها هو السبب في كابوسها، شعر بطعم مر كالعلقم في فمه وهو يسمع همسها "نعم.. أنت هنا"
لم يجد من كلمات الاعتذار ما يعبر عما بداخله من ندم وأسف، فاقترب من شفتيها المتورمتين نتيجة بكاؤها، ما إن شعر بابتعادها عنه ليتناولهما في قبلة شغوفة حنونة رغم عنفها، أودع بها كل اعتذاراته وندمه ليتبعها بقبل صغيرة رقيقة بكل زاوية من زوايا شفتيها ليهمس لها بين كل قبلة وصاحبتها "سامحينى دماري.. لن أكررها صدقينى.. إلا هذه النظرة.. إنها تقتلني.. سامحينى.. رجاءً دماري"
أضعفتها قبلاته وشعرت بمدى ندمه، لكنها أمدت نفسها بالقوة اللازمة لتبتعد عنه.. قائلة بعنفوان غاضب "ابتعد ماهر.. لقد استيقظت.. ابتعد رجاءً"
"لا ...لن أبتعد ولن أغضبك بعد اليوم صدقينى.. فقط سامحينى.. تعلمين جيدا أنني لا أجيد الاعتذار لكنني حقا نادم"
نعم تعلم أنه نادم، أنفاسه أخبرتها.. قبلاته.. شغفه وقلقه.. كل ما به أخبرها وأجل تعلم أنه لا يجيد الاعتذار فهو كطفل أحمق حينما يخطئ يقف مكانه ويلعب بأصابع يديه بتوتر، لكن لا.. لابد أن تعلمه الدرس جيدًا وأن نيل رضاها ليس بالشيء الهين، فماهر جرحها حقا، من تعتبره كل عائلتها الآن هو من قام بأذيتها، لم يرى ابتسامتها الخبيثة المستمتعة قبل أن تعبس بوجهها، وتعقد حاجبيها لتدفعه مدعية الحنق والغضب "ابتعد ماهر واخرج من هنا.. لمَ لازلت هنا؟ ألم تقل أنني أخطأت وأنني من شجعت نظراته الوقحة تجاهي.. إذًا ابتعد ولا تقترب مني مجددًا"
ليجيب بصوت مذنب خجل وكأنه طفل عبث بشكولاتة كعكة مناسبة هامة، وكم استمتعت باحمرار أذنيه وابعاد عينيه عنها قصرًا، طفلها الأبله وحبيب قلبها ومن سرق لبها، ولكنها أخفت استمتاعها خلف تكشيرتها الحانقة "أنا.. لم أقصد ذلك ماذا فهمتي أنتِ؟ هل فقدتِ عقلك حتى تظني أني أفكر هكذا؟ كل ما حدث أن.. فقط أغضبتني نظراته لكِ ولم أستطع التحكم بغضبي وغيرتي.. أخطأت في حديثي وخانتني ألفاظي ولكن أن تفكري هكذا لهو الجنون بعينه، ثم كان استفزازك لي ما جعلني أفقد أعصابي.. أعتذر ولكن كل هذا بسببك فحبك يكاد يصيبني بالجنون، يجعلني أريد إخفاؤك عن كل العيون فقط ترى جمالك عيناي، فما ذنبي أنا؟!"
كم هو أحمق وكم تحبه وتحب عشقه وتغزله بها، نعم تعرف أنه يحبها وتستمتع بتعبيره عن حبه، وتعشق غيرته المجنونة ولكن حقًا ما تكرهه هو ذلك الصمت الذي يتبعه عندما يغضب، نزلت من على السرير دون أن تجيب كلماته، تسير متخايلة أمامه بقميص نومها الوردي القصير عاري الظهر و الذي لا يترك لمخيلته شيء، مما جعل عينيه تتسع وأنفاسه تتسارع فهو لم يلاحظه منذ دخل، ولا حتى حين احتضنها فكان كل تفكيره يدور حولها وحول مراضاتها، وما إن استفاق من سحر هيئتها الجنونية المعذبة لقلبه العاشق لها، حتى قفز خلفها ليمسك بذراعها قبل أن تصل لباب الغرفة، وأدارها إليه ليرى فتحة قميص نومها الواسعة والتي تظهر أكثر مما تخفى يا ويله إنها تنوى قتله بالتأكيد، رفع نظره إلى وجهها ببطء ليجلي صوته ويقول بصوت أجش "أين تخالين نفسك ذاهبة؟ وماذا ترتدين؟"
انتبهت إلى ما ترتديه فقد كان الجو حارًا وهي لم تطق ملابسها، فارتدت هذا القميص ليخفف من حرارة الجو، وعندما أرادت النوم كان الجو بارد فتدثرت بالغطاء ونست أمر القميص، فكرت بدهاء لتستغل الموقف لصالحها، رفعت له حاجب واحد قائلة بمكر "ذاهبة كي أنام"
رد مغتاظًا هل تعتقد أنه سيتركها تنام بغرفة أخرى سالبة منه راحته "أين تحديدًا؟ إن كنتِ لا تعلمين فهذه هي غرفتك.. وهذا سريرك _ليقترب من وجهها قائلًا بعاطفة مسيطرة عليه_ وأنا.. أنا زوجك المسكين"
لتبتعد ما إن اقترب بشفتيه من شفتيها "لا.. أنا ما زلت غاضبة منك.. ولن أنام هنا"
ليحاول الاقتراب مرة أخرى قائلًا برقة مشتعلة "غاضبة حقا؟!! إذًا دعيني أُراضيكِ بطريقتي"
لتبتعد مرة اخرى قائلة بدلال حذرها منه ولكنه ممزوج بشخصيتها وهو الوحيد الذي يخرجه منها "لا.. لن تستطيع فأنا غاضبة بشدة"
ليشتم هامسًا قبل أن يترك ذراعيها، ليضع يديه الاثنتين على خصرها يقربها منه ببطء، وهو يقترب قائلًا بخفوت مثير "جربيني.. لن تخسري شيئًا.. أراهن أنك ستنسين حتى سبب غضبك"
وما إن حاولت الابتعاد مرة أخرى حتى شدد على خصرها بين يديه، ومس شفتيها بشفتيه برقة مرة تلو أخرى، حتى شعر بتجاوبها معه فعمق قبلته مستمتعًا متلذذًا بطعم شفتيها الذي يصيبه بالجنون، لتقرر هي تأجيل عقابه، ويعمل هو جاهدًا على نسيانها لسبب غضبها منه.
..……………………
بعد يومين
انتهت مباراة الفريق بالتعادل وأثناء خروج اللاعبين من الاستاد إلى الأتوبيس، همس أيهم باهتمام "ما بك ماهر؟ تبدو مهمومًا؟ ما زالت متشاجر مع لمار؟"
هز ماهر رأسه نفيًا قائلًا بشرود وأفكاره تتجه إليها، هي تتعامل معه بشكل طبيعي ولكنها أصبحت حذرة في كل شيء، مازالت كلماته التي أطلقها بلحظة غباء تتردد بعقلها، وتنغص عليهما حياتهما كيف نسى وعده لها أن يحل أمورهما بالتفاهم وفقط التفاهم "كلا لقد تصالحنا ولكن لمار لم تعد كما عهدتها منذ تزوجنا، دلالها الذي كان يفقدني صوابي من السعادة اختفى، أشعر بأن هناك حاجز بُنيّ بيننا، بنيته أنا بغبائي"
ربت خالد على كتفه من الخلف بمساندة قائلًا برزانة "ما بنيته يمكنك أن تهدمه، فقط ابقى بجانبها تلك الفترة"
أومأ ماهر برأسه موافقًا، ليلتفت خالد إلي أيهم الشارد منذ أيام ومن ملامحه يبدو أنه يخطط لشيء، سائلًا بتوجس "وأنت أيهم ماذا ببالك؟"
نظر أيهم إلى شاشة هاتفه قائلًا بتفكير متجاهلا سؤال خالد "الساعة الخامسة والنصف ما يعني أن لدى وقت كافي لأقوم بتلك الزيارة اليوم"
همس ماهر بتساؤل "أي زيارة تلك؟"
أجاب أيهم وهو ينظر بعيدًا يفكر في كل الاحتمالات الواردة "زيارة تأخرت كثيرًا أكثر من اللازم"
فهم كل من ماهر وخالد ما يقصده أيهم فصمتا ولم يسأله أحدهما، فهو لم يتكلم فيما تحدث به مع فاطمة وهما احترما صمته.
………………………….
تركهم أيهم ليذهب بمفرده إلى ما استولى على أفكاره فترة طويلة، وسبب له عذاب لم يعرف مثله من قبل، من كاد أن يفقده سعادته.. بل حياته كلها.. سليم.. وهل هناك غيره؟ لغز كاد أن ينجلي عنه الظلام لكن كيف يستغل ما عرفه بذكاء وحكمة؟! كيف يتحكم بأعصابه ويحيط أفكاره بأسلاك شائكة، بل وأكثر المهم أن يتحمل سليم ولا يكشف أفكاره له مهما حدث وسيفعل، انتبه من أفكاره أنه وصل لبيته فاتجه إليه ليزفر نفسًا كئيبًا مهمومًا، أودعه كل مشاعره السلبية فيخرجها مع هواء صدره، قبل أن يضع يده على جرس الباب ليطالعه عمر بعد لحظات، لم يفته دهشة عمر لرؤيته لكن ليس هذا هو المهم الآن، تكلم بصوت جاهد أن يكون طبيعيًا إلا أن عمر لاحظ توتره "مرحبًا عمر.. هل والدك موجود؟!"
ليرد عمر مستغربًا مجيئه وسؤاله عن والده "مرحبا أيهم.. أجل.. والدي بمكتبه.. تفضل"
دلف أيهم إلى داخل المنزل ليسمع عمر يقول بحرج "عذرًا أيهم.. انتظر قليلًا كي أخبر والدي"
أومأ أيهم إيماءة بسيطة ليتركه عمر ويتجه لمكتب والده، وكم هو بغيض على نفسه أن يذهب له، فبالرغم من أنه يقيم معه إلا أنه نادرًا ما يراه ويتحاشى رؤيته بشتى الطرق، طرق باب المكتب ليسمع صوت والده يسأله بسأم عما يريده ففتح الباب قائلًا بتردد "كابتن أيهم بالخارج.. يريد رؤيتك"
"ماذا؟!!! ما الذي أتى به الآن؟! ولماذا يأتي من الأساس؟!" قالها صارخًا كارهًا بل مشمئزًا.
قاطعه صوت أيهم مبتسمًا "أنا من سيجيبك.. عذرًا عمر اتركنا الآن من فضلك"
تركهم عمر وذهب يدعو الله داخله أن يكون أيهم أتى لأجل شقيقته، سخر عمر من نفسه إن لم يكن من أجل نيرة فهل سيأتي لأجلك يا أبله، بينما نظر أيهم إلى سليم ببرود رسمه جيدًا في عينيه، وداخله يغلي غضبًا وحقدًا على ذاك الرجل سبب شقائه وشقاء أحبته في الحياة، أخرجه صوت والدها المتسائل بفظاظة "ماذا أتى بك؟ ألم ينتهي كل شيء المرة الماضية"
ابتسم أيهم بسماجة قائلًا باستهزاء "من قال أنه انتهى؟ ثم سنتكلم هنا وقد يسمعنا أحدهم _توقف عن الكلام برهة من الزمن ناظرًا لسليم نظرة جعلته يتوجس منه، شاعرًا أن ما سيسمعه لن يسره مطلقًا، ليسمع أيهم يكمل متكاسلًا مستمتعاً_ لنقل.. نيرة مثلًا"
شعر بالخوف الشديد لمجرد أن أيهم ذكر نيرة، مما جعله يفسح المجال إليه ليدخل إلى المكتب، ويغلق الباب خلفه بقوة وغضبه بدأ في التزايد، التفت إليه قائلا بصوت جامد "أعتقد أن الأمر انتهى وحديثنا قد أغلق ماذا تريد بعد؟"
اقترب منه أيهم خطوة وهو يهمس بصوت خفيض ولكنه حاد كشفرة السكين "أريد ما هو لي من البداية.. ابنة خالتي"
اتسعت عيني سليم بدهشة لا يصدق.. أتجرأت فاطمة على فعلها؟! هي أخبرت هذا الوغد بكل شيء؟! سيطر على دهشته ليقول ساخرًا "ابنة خالتك؟ ومن هي تلك ابنة خالتك؟!"
مط أيهم شفتيه ورفع عينيه لأعلى مدعيًا التفكير، ليقول بصوت مسترخيًا فمازال طريقه طويلًا "معك حق أنا أقصد أبناء خالتي نيرة وعمر و.. براء"
صمت قليلًا ليرى أثر كلماته عليه فوجد ملامحه بدأت ف التشنج، واحمر وجهه غضبًا فعلم أنه على الطريق الصحيح ليكمل بقهر "أطفال خالتي وفاء التي اختفيت بهم وقهرت أمي عليهم، ومات جدي من وجع واشتياق قلبه لأحفاده، هل علمت لماذا أنا هنا الآن؟"
أجابه سليم مدعيًا السخرية وهو يرفع حاجبه باستهانة زائفة محاولًا جمع شتات أفكاره "متى أصبحت فاطمة جريئة هكذا لتخبرك كل هذا، بل وتدفعك لتأتي إليّ بقدميك، لقد تطورت قدراتها حقا"
أجاب أيهم محاولًا كبح جماح غضبه فخرج صوته قويًا مسيطرًا مهيبًا "سيد سليم.. من الأفضل لك ألا تأتي بذكر والدتي على لسانك أبدًا.. خاصة الآن وهذا حرصًا مني على صالحك أنت صدقني"
صرخ سليم غاضبًا ضاربًا المكتب بقبضتيه ضربة قوية، جعلت من محتوياته أشلاء على أرض الغرفة، مما أبهج أيهم وأشعره أنه اقترب جدًا من هدفه "تذكر ما سبق وقلته لك كابتن وصدقني لن أتوانى ولو للحظة.. فقط لحظة في تنفيذه"
احتل الاحتقار عيني أيهم إلا أنه سرعان ما أخفاه بتصنع الدهشة "حقا!!!! يا للأسف اعتقدت أنك نسيته.. ولكن يجب أن أعلمك أيضًا أنني لم أنسى تهديدك الأحمق السابق.. ولكني لم أعد الفتى الغير مدرك لخلفية محدثه.. وسأعمل جاهدًا على حمايتها وتخليصها من كل ما يهدد حمايتها وأمانها"
نظر له سليم بغضب يهدد بالانفلات قائلًا بجمود "أبهرتني كابتن.. حقًا.. ولكن بدلا من كل هذا الكلام لمَ لا نختصر الوقت، وتخبرني ما وراء مجيئك إليّ.. مرة ثانية؟"
أجابه أيهم بلامبالاته التي اعتادها منذ بدء حديثهم بينما، هو يفكر حقًا ما الذي يريده بهذه الزيارة أهي حبيبته؟ التي لم يراها منذ أيام منذ انفصلت عن خطيبها الوغد، لعله أراده أن يعلم بمعرفته الحقيقة وتكون اللعبة بينهما على المكشوف، وكما يقولون رمي الطاولة عليه، للآن لا يعلم إلا أنه أجاب بثقة "لم أعلم أنني ضيفًا ثقيلًا لهذا الحد.. حقا لا بأس.. سأخبرك.. جئت أخبرك أنني أبدًا ما تنازلت عما أريد ولن أفعل الآن.. خاصة وقد أصبحت على دراية أكثر من كافية بكل ما فات مما يجعلني الأقوى.. ابنتك لي.. عمي العزيز"
وخرج تاركًا سليم متخوفًا سارحًا بمعنى ما قاله؟ وهل حقًا يعنيه وما الذي يجب أن يفعله؟ لمعت عينيه بمكر خبيث؟ لقد أتى إليه بقدميه وهو الجاني على نفسه.
قابل أيهم نيرة أثناء خروجه من المنزل، تأملها بشوق ولهفة فهو لم يرها منذ يومين، وكم أسعده عدم وجود خاتم هذا الأمير بيدها.
بينما هي تتأمله بدهشة هل تتخيل وجوده من فرط شوقها له أم أنه بالفعل أمامها وبمنزلها.. انتزعها صوته الحنون من أفكارها بتحيته، لترفع يدها تتأكد من إحكام حجابها حول وجهها، همست بنبرة مذهولة مترددة "كابتن أيهم!!"
ابتسم قائلًا ببشاشة "كيف حالك؟"
ابتسم قلبها بسعادة قائلة بصوت مبحوح "أنا بخير"
نظر ليديها التي تفركهما بتوتر قائًلا بخفوت "هل أنهيت خطبتك؟"
ردت بصوت خافت خجل "نعم فعلت"
رد ببهجة نشرت السرور داخل أوردتها "خير ما فعلت"
فتحت فمها قائلة بلهفة "ماذا تقصد؟"
ابتسم لها بشغف قائلًا ببساطة "ما فهمتيه نيرة، خير ما فعلتِ لأني أوشكت على قتله أكثر من مرة"
عبست قائلة بانعقاد حاجب "لماذا؟"
رد ببساطة وهو يرفع كتفه "لأن الغيرة كانت تقتلني"
عضت على شفتيها تداري بسمة سعيدة قائلة بنبرة ملهوفة "ماذا تقول أنت؟ وماذا تفعل هنا؟"
أخذ نفسًا عميقًا قائلًا وهو يميل بوجهه قليلًا إليها "اسألي والدك لماذا أتيت إليك يا.. طبيبتي"
غمز لها بعينيه بعبث سعيد وهو يلتفت مغادرًا، راقبت مغادرته بانشداه وقلب راقص طربًا مما ألقاه من معاني خفية بجملته هذه لتتجه لمكتب والدها بلهفة.. وشوق.. وترقب لذيذ وأمل يسطع بقلبها وعقلها لمَ سيخبرها به والدها.
……………………..
دخلت نيرة مبتسمة لتميل على والدها مقبلة وجنتيه، متسائلة بلهفة أثارت غضب سليم "أخبرني أبي.. ما الذي كان يفعله أيهم هنا؟!"
"لا شيء حبيبتي ..لا تهتمي" أجابها بنبرة باهتة خافتة.
عقدت حاجبيها دون أن تفقد ابتسامتها قائلة بريبة "لا شيء! كيف ذلك أبي؟! ألم.. يخبرك شيء عني؟!"
نهض سليم صارخًا بعنف مما أجفلها وجعلها تتراجع للخلف "قلت لا شيء.. لا أريد كلامًا آخر.. انتهى النقاش"
"لا.. لم ينتهي حتى تعرف الحقيقة"
كان هذا صوت عمر قويًا متحديًا كملامحه تماما، وهو يجابه والده بالنظرات الحادة فقطعها سليم قائلا بقسوة "اخرس أنت.. واخرج من هنا.. حالا"
تحولت ملامح عمر إلى الأسود من الغضب والكراهية قائلا بعنف "لا لن اخرس.. فحياة أختي هي ما تضيع وحياة أختي ليست بالشيء الهين"
ودون أن يسمح له بالرد التفت لنيرة قائلا "لقد تقدم أيهم لخطبتك منذ شهور وهو من رفض؟ وهدده بتدمير حياتك وإلقائك بمصحة نفسية ووافق بارتباطك بأمير وعاد أيهم اليوم ل.."
لم يتحمل سليم فصرخ به عاليا بصوت لا يقارن بصراخه السابق "اخرس أيها الحقير.. أمرتك أن تخرس.. اخرج من هنا.. اخرج"
كاد عمر أن يبكي.. لماذا يفعل به هذا؟! لماذا يكرهه بهذه الطريقة؟! ماذا فعل كي يقسو عليه هكذا؟! إنه ابنه.. يقسم على ذلك فأغلب ملامحه أخذها منه.. لمَ كل هذا التحقير والازدراء؟ حين شعر بفقدان السيطرة على دموعه خرج جريًا ليحتمي بغرفته، الشاهدة على كل دموعه وآلامه، حصنه الذي ما خرج منه إلا وعاد إليه بجرح غائر لا يندمل بسهولة بل لا يندمل أبدا، نظر سليم لنيرة فوجدها تبكي وتهز رأسها نفيًا علم أنها على وشك الدخول بهيستريا، كالتي مرت بها آخر مرة وهذا ليس بصالحه أبدًا، يجب أن يمنعها مما تفعله.. الآن "نيرة.. حبيبتي.. اسمعيني"
صرخت نيرة بشدة "برااااء.. أين هي؟ أنا أريد براء"
اللعنة ها هي تهرب من واقعها وتنادي على براء لتحميها كما اعتادت أن تفعل دومًا.. يعلم أنها بعد أن تنتهي من نوبتها ستنسى براء وستنسى أنها كانت تناديها أصلًا.
"حبيبتي.. حبيبتي اهدئي.. أنا والدك.. ألا تريدين احتضاني والبكاء على صدري حبيبتي؟"
قالها و هو فاتحًا ذراعيه بصوت دافئ وعيون محبة، مخفي خوفه وقلقه لترتمي بحضنه باكية ليكمل ويداه ترتعشان "حبيبتي إنه أنا.. أنا والدك.. لا أحد يحبك غيري.. أنا فقط من أحبك.. أنا من يخاف عليك ويصدقك القول دائمًا.. أنا من عليك أن تثقي به.. ألست أنا من أحميكِ دائما.. أتتذكرين حبيبتي.. أتتذكرين حين أمسكت بك بيدي قبل أن تسقطي وحميتك من أن تجرحي نفسك؟! أتذكرين.. حينها وعدتك أني لن أسمح لك بالسقوط أبدًا وسأحميكِ من الجميع حتى من نفسك"
رفعت وجها مرتبكًا إليه وعيون تائهة كطفل تائه يبحث عن والدته، ولا يراها فاطمئن أنه نجح كما يفعل دائما ليكمل "نعم حبيبتي.. أنا والدك.. أنا من عليك أن تثقي به دائمًا وأبدًا"
لتهمس بما يشبه الهذيان المحموم غير واعية بما يدور حولها "أبي.. أجل أنت أبي.. حبيبي ومنبع ثقتي.. ما الذي حدث أبي؟ أخبرني أرجوك.. هل أيهم كذب عليّ؟ لا لا لا.. أقصد هل كذبت عليه؟!"
ليحيط وجنتيها بيديه قائلًا "هل تثقين بوالدك؟!"
أومأت برأسها شبه إيماءة ليبتسم لها مكملًا "هل والدك يكذب؟!"
هزت برأسها نفيًا ليكمل "كنت أتأكد من أنه يستحقك حبيبتي"
لتبتسم هي الأخرى وتسأله بأمل بدأ يعود للنمو من جديد "هل تأكدت أبي؟!"
ليحتضنها قائلا بغل "أوشكت حبيبتي.. ليس لدي أغلى منك كي اطمئن على مستقبلك حبيبتي.. أنتِ الأغلى"
لتهمس بأحضانه "أحبك أبي"
شدد من احتضانها مفكرًا في تغير مجريات الأمور.. موقنًا بميل ابنته لأيهم وتعلقها به.. عالمًا صلابة رأس ابنته وعنادها، وأنه قد يخسر ابنته أن عاند وأصر على رأيه، ففضل أن يحني رأسه للموج حتي يستعيد نفوذ قوته.
…………………….
ليلا في غرفة نيرة
كانت تهز رأسها بعنف وهي تتمتم "أنا لا أعرف ،لا أفهم شيء"
أجابتها طفلتها الأثيرة، جميلة هادئة بعيون عسلية وشعر أسود طويل يصل لخصرها "ما الذي لا تفهميه نيرو ماذا حدث معك؟"
بدأت تبني قصور من الرمل والطفلة تساعدها لتهمس بحيرة "إذا كان يحبني لماذا خطب ندا، وتركني لأمير.. وكيف يجرؤ أبي ويهدد أيهم تلك التهديدات عني أنا لا أفهم شيء"
وضعت الفتاة يدها على قلب نيرة هامسة بتساؤل دافئ "وماذا يقول قلب نيرو"
تنهدت نيرة بألم "يخبرني أن أصدق كل ما يقال فهو لم يعد يحتمل الألم، أنا فقط حائرة لا أعلم ما يجب عليّ فعله"
ردت طفلتها الجميلة، توأمها الجزء الساكن روحها رغمًا عن أنف الجميع "حرري نيرة إنها تعرف كيف تتصرف"
ردت نيرة برفض عنيف "كلا لن أفعل"
وضعت براء يدها على وجنتها سائلة برقة "لماذا نيرة؟"
أخفضت وجهها تعبس بالرمال قائلة بحزن "لأن في اليوم الذي تتحرر فيه نيرة، ستغرق بين أحزانها وأوجاعها، ستقع ولن تقف على قدميها ثانية، أنا أحبسها كي أحميها"
همست براء بحزن "إنها تتعذب في محبسها وهي تجد روحها ضائعة وحزينة"
ردت نيرة باقتناع "أفضل لها بكثير من تلك الدنيا الزائفة الخادعة"
تنهدت براء قائلة بألم "أنا تأخرت يجب أن أغادر"
تأوهت نيرة بتعب قائلة برجاء "ابقي معي قليلا فقط لا تغادري الآن"
ابتسمت براء ابتسامة جميلة أظهرت أسنانها البيضاء قائلة بعذوبة وصوت جميل "تزيين اللون الأسود في الحياة بألوان زاهية يمحيه، إياكِ أن تنسي"
أومأت نيرة برأسها إيجابًا ليتغير كل شيء بلحظة السماء ملبدة بالغيوم، البحر هائج.. قصرها ملطخ بالدماء.. وتوأمتها ذهبت وتركتها وحيدة كما تفعل دائمًا، قامت من نومها فزعة صارخة بألم "لا ترحلي"
مسحت دموعها لتعود وتغرق وجهها بالوسادة تنوح بألم، لا تستوعب كل ما اكتشفته، لا تعلم هل والدها كاذبًا أم صادقًا، و أيهم يحبها أم لا، لقد سمعتها منه بأذنها؟ ولكنها ما عدت تثق بشيء أبدا، هي لا تعرف شيء تتمنى لو أن هناك من يدلها على الطريق الصحيح.
......……………………..
في غرفة عمر
لم يستطيع عمر أن ينام تلك الليلة، لا يعلم ما الذي دفعه للتنصت على مقابلة أيهم ووالده، أهو خوفا على شقيقته أو فضول في اكتشاف فضيلة بوالده، ولكن ما عرفه لم يزده سوى نفورا وحقدا على أبيه، ماذا يعني أيهم أنه ابن خالته؟ إذًا هما لديهما عائلة ووالده حرمه من عائلته، لقد عاش وحيدًا عمره كله منبوذًا من والده دون سبب واضح، فقط نيرة وجارتهم الطيبة التي اعتنت به قبل أن تتوفى تاركة إياه وحيدًا مرة أخرى، وما حكاية براء؟ ذلك الاسم الذي سأله عنه أيهم قبلًا.. لقد جمع أيهم ذلك الاسم مع اسمه هو ونيرة إذا هي أخته؟ وأيضا كذبه على نيرة فيما يخص أيهم، يا إلهي ذاك الرجل هو أكبر كاذب في الحياة، وتشاء الأقدار أن يكون والده، كل تلك الأفكار تنازعته وألقت به من شاطئ لآخر، لم يستطع البقاء في المنزل، لذا ارتدى ملابسه وغادر لا يعلم إلى أين فقط أراد استنشاق هواء نظيف بدل ذلك الملوث بالكذب والغدر، هواء نظيف بعيدًا عن هواء أبيه الفاسد.
لا يعلم ماذا أتى به إلى هنا ولا ماذا يجب عليه أن يفعل؟ وجد نفسه جالسًا على الدرج أمام شقة فاطمة، أحقًا هي خالته؟ هو لن يعود وحيدًا، ولكن ماذا عليه أن يفعل؟ ماذا يقول لها مرحبًا خالتي لقد عرفت لتوي أنكِ خالتي، الآن فقط عرفت، لكن لماذا لم تبحث عنهم؟ لقد كان يحتاجها أكثر من أي شيء، تجمعت الدموع بعينيه وهو يسند رأسه بين يديه مانعًا إياها من السقوط.
خرجت فاطمة من البيت لتشتري بعض الخضروات من السوق، لتجد عمر على تلك الهيئة همست اسمه بذهول "عمر!!!!!!!"
رفع رأسه ينظر إليها بلهفة غريبة، ابتسم بوجع لخالته ليقول بصوت مبحوح "صباح الخير"
ردت بقلق "صباح الخير حبيبي، ما بك؟ أمورك أنت ونيرة على ما يرام أليس كذلك؟"
هز رأسه موافقًا قائلًا بتيه "لا أعلم.. أعتقد ذلك"
نغزها قلبها على نبرته الممزوجة بالضياع ونظرات عينيه الزائغة بغير هدى، سامحك الله يا سليم ماذا فعلت بالولد؟ سألته بحنان أرسل بالدموع إلى عينيه "إذًا لماذا تجلس هكذا حبيبي؟"
هز كتفيه بوجع وهو يقول بألم "لا أعلم بت لا أعلم شيئًا إطلاقًا"
تجمعت الدموع بعيني فاطمة ألمًا على ابن أختها، وما آل إليه حاله لتمد له يدها قائلة بهمس حاني "أترافقني إلى السوق؟"
هز رأسه موافقًا وهو يتشبث بيديها وكأنه غريق وجد منقذه، ذهب معها إلى السوق يتأملها وهي تشترى ما تحتاجه تتعامل مع الجميع بلطف، سؤال ألح عليه ترى لو ظل معها هل كانت حالته لتكون أفضل؟ دعته فاطمة لتناول الإفطار معهم، فقبل بصمت أقلقها فهو قليل الكلام اليوم، وليس مثلما قابلته عدة مرات قليلة من قبل متحدث لبق مرح، ماذا به يا ترى؟ ماذا فعل سليم معه؟ تنهدت بثقل وهي تدعوه للدخول، مغمغمة بنبرة حزينة "سامحيني أختي فعلت كل شيء حتى أجدهم، ولكنك خير من تعرفين زوجك وقسوة قلبه"
دخل إلى منزل مَن من المفترض أن تكون أخت والدته، طوال المدة التي رافقها فيها لم يستطع قول شيء، لا يعلم ما يجب عليه قوله فقط يتأملها بصمت يراقب تعابيرها.. حركاتها.. همساتها، هل تشبه والدته بشيء؟ هل كانت والدته حنونة مثلها؟ لماذا حرم منهما كل تلك السنين؟ وهو الذي يبحث عن نقطة حنان بينما خالته هي بئر الحنان ومنبعه، ألقى التحية بصوت خافت على أيهم ورحيم اللذان تفاجآ من وجوده بهذا الوقت، بادره أيهم بسؤال قلق مرتعب "هل نيرة بخير؟"
أومأ برأسه صامتًا أنها بخير، تنهد أيهم براحة، ليلفت نظره هيئة عمر الشارد والضائع في عالمه الخاص.. هزه برفق قائلا باهتمام "هيييييه عمر ماذا بك؟"
تنهد عمر بثقل هامسًا بتعب "بخير أيهم لا تقلق"
وعادت عينيه تبحث عن فاطمة التي اختفت لتحضر الفطور، على مائدة الإفطار كانت فاطمة ترص أطباق الفطور، وعمر يراقبها بصمت وما إن وضعت أمامه طبق إفطاره، وهمت بالمغادرة حتى تمسك بساعدها بقوة، التفتت تنظر إليه تسأله عما به، لتجد الدموع تملئ عينيه وهو ينظر لها بغرابة لتقول بفزع "عمر ماذا حدث حبيبي؟"
لم يستطيع الحديث فقط لف يديه الإثنين حول خصرها، يضم رأسه إليها بقوة وينفجر ببكاء عنيف وهو يهمس من بين دموعه "تعبت والله تعبت"
جزعت فاطمة من حالته لتضمه إليها بقوة ودموعها تنساب أنهار على وجنتها، وهي تقبل رأسه بحنان وتهمس له بكلمات حانية لم تفعل شيء سوى أن زادت بكاءه، عطش لحنانها الذي لم يتذوق مثله قبلا ليهمس من بين بكائه بتنهيدة ثقيلة "أااااااه خالتي أنا متعب للغاية"
همست بعدم تصديق وذهول "خالتي؟!!!!!!"
ليشدد من احتضانها هامسًا بوجع أصاب قلبه جراء معاملة والدهالجافة "نعم خالتي لقد علمت كل شيء ليتني وجدتك قبلًا، لو تعلمين فقط كيف يعاملني، هو يكرهني دون سبب وأنا أعيش يتيمًا وحيدًا رغم وجوده على قيد حياة، تعبت كثيرًا وأنا أبحث له عن مبررات ولا أجدها"
كل كلمة كانت تصدر منه كانت تدمى جراح قلبها النازف ببعدهم عنها، شددت من احتضانه وهي تمسح على رأسه وظهره بحنان، هامسة له أن يهدأ وكل شيء سيكون على ما يرام، رفع عينيه المحمرة من بكائه ليهمس لها بألم وقهر غير قادر على إيقاف دموعه "أين كنتِ خالتي؟ كنت أحتاجك كثيرًا"
حاوطت وجهه بيديها تمسح دموعه قائلة بهمس حاني دافئ تتغلغل في قلبه و ربت على أوجاعه "آسفة إذا فقدتك في الماضي، ولكن الآن أنت هنا معي بأحضاني ولن يبعدك أحد عني ثانية أعدك حبيبي"
مالت على جبهته تقبلها بأمومة وعاطفة حانية، وهي تشده ثانية لتغمره بين ذراعيها، تسقيه من عاطفتها اللامحدودة، ليتشبث بها بقوة متنعما بما حُرم منه طويلا، مسح رحيم دمعتين فرت من عينيه تأثرًا بما يراه أمامه، بينما رمش أيهم بعينيه يبعد الدموع عنها، قائلًا بصوت متحشرج مخنوقة بغصة ألم على عمر الصغير "اهدأ يا ابن الخالة، أنت لم تعد وحيدًا"
رفع عمر عينيه ينظر له بابتسامة ممتنة ذكرته بخالد وهو صغير، ليقسم داخله أن يعوض عمر كل ما حرم منه، جلست فاطمة بجواره تطعمه بيديها، أراد أن يسألها الكثير من الأشياء ولكن كلها تتأجل فداء للحظة حنان واحدة منها.
....………………….
أنهى الجميع إفطارهم وأخذ رحيم أيهم معه، ليتركوا لفاطمة وعمر الحرية والخصوصية المطلوبة، جلست فاطمة محتضنة عمر وأخذت تقبل شعره وتمسح دموعه التي لم تجف، وكيف تجف؟! وهو الذي عاش طوال حياته يبحث عن رشفة حنان.. نظرة عطف.. لمسة محبة، وهو الآن كمن سقط بنبع يفيض بكل هذا وأكثر، وبنفس الوقت كانت فاطمة تشبع فقدانها واشتياقها.. همس بقهر عاتب "لماذا خالتي؟ لماذا تركتيني وأختي وحيدين شريدين؟ أتعلمين.. لقد تعذبت كثيرًا وأنا أتظاهر بالسعادة والمرح عكس ما بداخلي من حزن، ولم يشعر بي أحد.. مطلقًا، كثيرًا ما كنت أغمض عيناي وأتخيل أمي.. أتخيلها تحتضنني كما تفعلين الآن.. تملس على شعرى.. تقبلني وتمزح معي.. تدعو لي.. تعوضني جفاءه معي وفجأة أراها وضحكتها تحولت لدموع كثيرة.. كثيرة جدا وكأنها تعلم بما أعانيه.. أصابعها المتشابكة بأصابعي تتفكك بقوة، وكأن هناك من ينتزعها مني بالقوة والإجبار.. أنادي عليها وهي لا تجيب سوى بكلمتين أحبك بني.. اعتني بنفسك حتى تغيب عن ناظري، بينما صوتها يتردد بأذني لأفيق من غفوتي وأنا أصرخ لا تتركيني أمي ..لا تتركيني"
انخرطا معا ببكاء شديد.. موجع ليكمل عمر "لماذا كُتب عليّ كل هذا الألم خالتي؟ ما الخطأ الذي ارتكبته؟ لماذا يكرهني هكذا؟ أجيبيني أرجوك.. أريحيني.. رجاءً"
زادت فاطمة من احتضانها له لتقول بصوت متحشرج بغصة ألم "رغما عني يا ابني، هو أخذكم وذهب بحثت كثيرًا عنكم، حتى فقدنا الأمل في إيجادكم.. تألمت كثيرًا في غيابكم، أنت كنت مازالت طفلًا صغيرًا.. كنت مجرد قطعة وردية ملفوفة في مهدها.. كنت أجمل طفل رأته عيني، عندما أخذكم شعرت بالقلق الشديد عليك، كنت أنت طفل عمر تحتاج إلى العناية، أما نيرة وبراء كانوا في سن يسمح لهم بالاهتمام بأنفسهما، كما أنهما كانوا سويا دائما تهتم كل منها بالأخرى، لكن أنت كنت وحيدًا وقلبي دائما كان يوجعني عليك، أشعر بك ضائقًا ولا أستطيع الوصول إليك _اختنق صوتها لتصمت قليلًا قائلة بألم محاولة عدم إيلامه أكثر _انظر حبيبي والدك لم يكن يريد صبيان من والدتك.. هو كان يغار علي وفاء جدا حتى من أبي، كان يمنع زيارتها عنا لفترات طويلة ودون سبب فقط هكذا، حاولت كثيرًا أن أخلصها منه خاصة بعد حملها بك، لذلك والدك لا يطيقني، هو قهرها وأحال حياتها إلى جحيم بعد أن وعدها بالجنة.. آسفة إذا لم أجدكم أبكر من هذا، ولكن كل هذا انتهى الآن، أنت هنا معي ولن أسمح له أو لغيره بإبعادك ثانية"
رفع عينيه بأمل ولهفة إليها هامسًا "حقا خالتي؟"
احتضنت وجهه قائلة بدفء حاني "نعم حقًا حبيبي، حدثني عن براء عمر أنا لم أراها ولم تتحدث عنها نيرة قط.. وأنا اشتقت إليها كثيرًا"
عقد عمر حاجبيه ينظر إليه متفكرًا "من براء تلك خالتي؟"
اتسعت عينا فاطمة وانقبض قلبها بشدة.. شعرت أن كوابيسها على وشك التحقق، لطالما رأت براء في منامها وحيدة شاردة تقف مكانها باكية ولا تعلم أين المسير؟ لتبتسم مرة واحدة وتتسع ابتسامتها تدريجيًا حتى تشمل كل وجهها، وتسير في اتجاه أشعة الشمس حتى تختفى وهي تضحك بشدة، كانت دائمًا حائرة أتسعد أم تخشى عليها؟ مجيبة بصوت مخنوق من شدة لهفتها "كيف تقول هذا عمر؟ كيف تسأل عنها حبيبي؟ أهناك من لا يعرف أخته؟"
تحولت ملامح عمر لنسخة كربونية من ملامحها المصدومة "أختي؟ أختي أنا؟ أخت أخرى غير نيرة؟"
قالها مندهشًا ليكمل "كيف ذلك خالتي؟ أنا لا أعرف غير نيرة.. طوال طفولتنا ومراهقتنا لم أرى أو أعرف سوى نيرة، فهي من كانت تساندني دائمًا، وتحتضنني حين استيقظ فزعًا و تهدهدني حتى أنام.. متى أتت براء تلك؟"
"إنها.. إنها.. إنها توأم نيرة.. كيف لم تراها أبدا.. أين ذهبت إذا؟"
بدت فاطمة بحالة هيستيرية وهي تبكي "أين ذهبت حبيبتي؟ ما الذي حدث لها؟ يا رب لقد تعبت.. لقد صبرت كثيرًا أملًا في إيجادهم ولا قدرة لي على الصبر أو التحمل أكثر.. لا تفجعني فيها يا رب"
اعتدل عمر سريعًا وهو يشاهد انهيارها.. ليضمها هو ويطمئنها حتى تهدأ "اهدئي حبيبتي.. لأجلي اهدئي.. سنعلم كل شيء.. فقط اهدئي"
لم يستطع تهدئتها أبدًا وهي تهذي بكلمات كثيرة متقطعة.. شاكية حالها وما مرت به لخالقها تمتم عمر "ماذا أفعل؟ يجب أن أنادي على العم رحيم أو أيهم.. في الحال"
ليخرج مهرولًا مناديًا دون أن ينتبه لفتاة جميلة.. أربكته منذ النظرة الأولى لضحكتها وبراءتها، ولكنها هذه المرة لم تكن ضاحكة بل كانت الدموع تغمر وجهها، دلف أيهم سريعًا على أثر نداء عمر له قائلا بقلق "ماذا هناك عم......."
لم يكد يكمل سؤال حتى لفت نظره هيئة والدته التي يبدو وكأنها فقدت القدرة على إيقاف دموعها، اتجه إليها بقلق وجزع ليحتويها بين ذراعيه بحنان حازم، يهمس لها أن تهدأ وهو سيتولى حل كل شيء، ليأتيه صوتها تعبًا من كثرة أوجاعها "أيهم.. براء.. أين هي؟"
قبل رأسها بحنو وهو ينهض بها لتستريح بغرفتها "اهدئي سأجدها لا تقلقي"
بعد خروج أيهم سمع عمر صوتًا سحره منذ سمعه لأول مرة "أنتَ بخير أليس كذلك؟"
التفت عمر ليجد دارين خلفه ودموعها تنهمر على وجنتيها، تساءل بذهول هل سمعت الحديث بينه وبين فاطمة، ودموعها تلك لماذا تذرفها أساسًا؟ ليجيب بحذر مترقبا إجابتها "نعم ولكن لماذا تبكين؟"
شهقت بالبكاء قائلة بصوت متقطع غير قادرة على تصديق كل ما سمعته من فاطمة، عندما دلفت بهدوء كي لا تنتبه لها فاطمة وتجبرها على الذهاب إلى المدرسة وهي قد أعطت لنفسها إجازة اليوم، شعرت بالألم يعتصر قلبها الصغير على والدتها الحنون، والتي لا تكاد تبرأ من جروحها حتى يأتيها جرح آخر من حيث لا تعلم، ولكن أن يكون عمر ابن خالتها جعل قلبها يرفرف فرحًا وحزنًا بذات الوقت، حزنًا على ذلك الألم الذي سمعته يتقطر من حروفه وهو يتحدث مع فاطمة "أنت.. ابن.. أخت.. ماما، وهي لم.. تكن تعرفك"
"نعم صغيرتي هو ابن خالتي ولكن عديني ألا يعلم أحد عن ذلك الأمر حتى أخبرك حسنًا"
سمعت صوت أيهم حازمًا من خلفها، تساءلت داخلها لماذا لا يريد لأحد أن يعلم ذلك، حسنا ستصمت الآن حتى تطمئن على فاطمة وبعدها ستسأل نيرة، هزت رأسها موافقة وهي تتساءل بقلق "ماما بخير أبيه؟"
أجابها أيهم برقة "نعم حبيبتي لقد نامت لا تقلقي"
همست بخفوت "سأذهب لأراها وأطمئن عليها"
ابتسم لها أيهم بحنان قائلًا "وابقي إلى جوارها حتى أكون مطمئن عليها"
همست بطاعة "حاضر أبيه"
وصلت إلى باب الغرفة ثانية لتتوقف على نداء أيهم.. التفت ناظرة إليه ليقول بهدوء "إياك والحديث وسؤال نيرة عما سمعتيه الآن"
سألت بتعجب "لماذا؟"
رد بصوت حازم "لأني أريد هذا دارين"
أومأت بطاعة وهي تغادر الغرفة، التفت أيهم إلى عمر ليبدأ معه حديث عن أحواله ويعرف عنه أكثر، حوار استمتع به عمر كثيرًا فهو لم يعد وحيدًا أخيرًا.
نهاية الفصل


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-09-20, 08:38 PM   #80

نور مرزوق

? العضوٌ??? » 476816
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 9
?  نُقآطِيْ » نور مرزوق is on a distinguished road
افتراضي

فصل جميل اوي اوي يا سو..حبيته جدا..حبيت ماهر ولمار اكتر شي فيه وتهديد ايهم استغربته..يعني كان ممكن انه يروح مرة واحدة في الاخر وخلاص..مفهمتش اصلا سبب الزيارة بس اشطا..حبيت فيما بعد ذلك عاطفة الامومة القوية من فاطمة لعمر..صعب عليا جدااااا ومن اكتر شخصيات الرواية اللي فاكرة دايما معناتهم دي..وحقيقة حسيته يتيم يتم يقطع القلب وكان فقط عاوز ملجأ يأويه ولاقاه ❤💛..بدأت حقائق نيرة الشائكة تنكشف رويدًا رويدًا وبدأت العقدة تتحل بهدوء وجمال..حبيت كل المشاهد اوي💘💘🖤..دمتي مبدعة سوسو💖💖💓

نور مرزوق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:03 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.