آخر 10 مشاركات
قبل الوداع ارجوك.. لاتذكريني ! * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : البارونة - )           »          السر الغامض (9) للكاتبة: Diana Hamilton *كاملة+روابط* (الكاتـب : بحر الندى - )           »          عشقكَِ عاصمةُ ضباب * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          سحر التميمة (3) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          رسائل من سراب (6) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          تريـاق قلبي (23) -غربية- للمبدعة: فتــون [مميزة] *كاملة&روابط* (الكاتـب : فُتُوْن - )           »          ارقصي عبثاً على أوتاري-قلوب غربية(47)-[حصرياً]للكاتبة::سعيدة أنير*كاملة+رابط*مميزة* (الكاتـب : سعيدة أنير - )           »          بريق نقائك يأسرني *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : rontii - )           »          لك بكل الحب (5) "رواية شرقية" بقلم: athenadelta *مميزة* ((كاملة)) (الكاتـب : athenadelta - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20-09-20, 09:11 PM   #81

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نور مرزوق مشاهدة المشاركة
فصل جميل اوي اوي يا سو..حبيته جدا..حبيت ماهر ولمار اكتر شي فيه وتهديد ايهم استغربته..يعني كان ممكن انه يروح مرة واحدة في الاخر وخلاص..مفهمتش اصلا سبب الزيارة بس اشطا..حبيت فيما بعد ذلك عاطفة الامومة القوية من فاطمة لعمر..صعب عليا جدااااا ومن اكتر شخصيات الرواية اللي فاكرة دايما معناتهم دي..وحقيقة حسيته يتيم يتم يقطع القلب وكان فقط عاوز ملجأ يأويه ولاقاه ❤💛..بدأت حقائق نيرة الشائكة تنكشف رويدًا رويدًا وبدأت العقدة تتحل بهدوء وجمال..حبيت كل المشاهد اوي💘💘🖤..دمتي مبدعة سوسو💖💖💓
نوارتى الحلوة أنتي اجمل
ايهم راح ليه يوريه انه مش هيستسلم وهيحارب وانه عرف كل حاجة تفكيره وصله لكده
فاطمة دى فى حتة لوحدها
عمر بيقطع قلبي بس هيدلع بعد كده
نيرة ايه البت المكلكعة دي
نوارة تسلمي يا قلبي


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-09-20, 07:58 PM   #82

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الحادي عشر
في منزل ماهر
استيقظ ماهر على صوت جرس منزله ليجد أنه بالفعل تأخر بنومه، فالساعة تشير إلى الثانية عشر ظهرًا!! كيف استغرق في نومه هكذا؟ نظر بجواره يتأمل لمار وهي نائمة، كم تبدو طفلة وهي نائمة ملاكه الرقيق، وحينما تفتح عيونها البنية البديعة تتحول لملكة للأنوثة والإغراء في عينيه، وأجارك الله إن غضبت، عاهد نفسه أنه لن يغضبها أبدًا.. سيحاول جاهدًا إن أراد الصدق، أفاق من تأمله لها على صوت جرس الباب مرة أخرى لينهض مسرعًا، ويرتدي ملابسه على عجل قبل استيقاظ مليكة قلبه وروحه، قبل جبهتها وخرج ليرى من بالباب.
فتح الباب ليجد أمامه أنثى بديعة الجمال ليست بفارعة الطول ولكنها أيضًا ليست بالقصيرة، جسدها كجسد عارضات الأزياء بيضاء ووجنتين حمراوين، شعرها يصل لكتفيها يتماوج بين اللونين الذهبي والبني بعيون زرقاء واسعة ورموش بنية طويلة وكثيفة، ذات نظرات شرسة قوية حنونة في ذات الوقت، ترتدي فستان نهاري بلون السماء يصل لكاحليها ويغطي ذراعيها حتى مرفقيها وبحزام رقيق أسفل الصدر، أرخى أهدابه أمامها ليتكلم متسائلًا "مرحبًا.. من أنت؟!"
"مرحبًا.. بالتأكيد أنت الكابتن ماهر زوج لمار.. أرجوك أخبرها أن حارستها بانتظارها"
أجاب مندهشًا "ماذا؟! من؟!"
"حارستها.. هي ستفهم"
أين سمع هذا اللقب من قبل؟ لقد سمعه وهو متأكد لكن أين؟! "حسنًا.. سأخبرها.. لكن تفضلي أولًا"
أجلسها ودخل للمار ليجدها تجلس على سريرهما بدلال لتسأله "من بالخارج؟!"
ابتسم لمرآها واقترب منها حتى جلس أمامها يتأملها بنظراته، اقترب يقبلها قبلة الصباح لتبتعد عنه بخجل قائلة بصوت خفيض "يا إلهي.. ماهر.. ستفضحنا.. من بالخارج؟!"
انتزع نفسه عنها محاولًا السيطرة على مشاعره ليجيبها بحشرجة "إنها فتاة تدعى.. تدعى.. نعم قالت حارستك!!"
ابتسمت بسعادة لتقفز من الفراش لتخرج، وحالما وصلت إلى الباب أوقفها صوته الصارم الجامد "انتبهي لمار ثم إلى أين؟!"
"للخارج طبعًا.. لقد كدت أموت شوقًا لها" أجابت بحماس وسعادة كبيرة.
أجابها بصرامة أكثر "لن تتحركي خطوة واحدة إلا بعد أن تبدلي ثيابك هذه أيتها الغبية"
"ماذا بك ماهر؟ أنها كأختي تمامًا" ردت بامتعاض.
"حتى ولو كانت والدتك لن تراكِ بهذا الشكل.. أسرعي وارتدي ملابس محتشمة كما لن تتخلي عن حجابك.. الآن"
نظرت له نظرات غاضبة ليجابهها بأخرى صارمة متحدية، أثرت لمار القبول وعدم المناقشة فهي تحترق شوقًا لصديقتها، ارتدت على عجالة بنطال من اللون الأسود ويعلوه قميص أبيض واسع وتركت شعرها حرًا وخرجت مهرولة لصديقتها، كان ماهر يقدم مشروبًا باردًا لصديقتها فتجاوزته صارخة "شذا.. أهذه أنتِ حقا؟ رباااه كم اشتقتُ إليكِ حبيبتي.. مت شوقًا لكِ أيتها المهاجرة.. ما كل هذه الغيبة؟"
رأى ماهر احتضانهما الشديد لبعضهما وكأن كلا منهما غريق والأخرى وسيلة النجاة، نعم هو لم يكن مرتاحًا لهذه الشذا نظرًا لتمعنها به وكأنه باختبار حياته أو موته، ولكن بمجرد أن رأى تعلقها بلمار حتى اطمئن أنها أبدًا لن تتسبب بأذى لحبيبته، أفاق من أفكاره على صوتها المهتم "لمار.. أصدقيني القول؟ هل أنتِ سعيدة كما كنتِ تتمنين؟!"
ماذا؟! هل هي والدتها لتسألها هكذا سؤال؟! أو تحسبه همجي ليؤذيها؟ ماذا بها تلك الفتاة؟ لينظر إلى لمار مترقبًا إجابتها.
"نعم.. أنا سعيدة أكثر مما كنت أتمنى صدقًا"
ابتسم حقًا ابتسامة من أجمل ابتساماته، كلامها كان كالبلسم يطيب جرح قلبه الذي صنعه بيده، كقطرات مطر تطفئ غضبه من نفسه، فهو ما زال غاضبًا منذ فقدان تحكمه على أعصابه، ناقمًا على نفسه لما سببه لها من جرح، انعكس على حياتهما سويًا.
"إذًا.. لماذا كنتِ تبكين بالأمس؟ ولا تكذبي فأنا أعرف صوتك جيدًا حين تبكين مهما حاولتي المداراة"
ماذا؟ تبكي !! لماذا؟ ماذا حدث معها؟ ومتى كانت تبكي من الأساس؟ وتلك هل أتت لتزيد من عتابه لذاته؟ أهي حماته أم ضرته؟ هذه الشذا سيرميها خارج البيت حالًا قبل أن تهدم ما حاول ترميمه الفترة الماضية "أنا.. أنا فقط قلقة على نيرة وحزينة عليها"
نظرت شذا لماهر نظرة ثاقبة متوعدة، قائلة بزفرة عميقة ونبرة ناقمة فاقدة الصبر "أعلم أنك تكذبين ولن أتركك.. لكن قبلًا يجب أن أعلم ما الذي أصاب المجنونة الأخرى؟ لمَ تصر دائمًا على إيلام نفسها؟ أقسم أن أردعها لو تطلب الأمر مني ضربها حتى فلن أتوانى وسأفعلها"
حدّث ماهر نفسه بأن هذه الفتاة ليست بالهينة أبدا وبأنه يجب أن يحترس منها فهي قوية، ذكية، شرسة في الدفاع عن صديقتيها، تتعامل معهما وكأنها المسؤولة عنهما، ابتسم ابتسامة.. لم يعرف تفسيرها فهي ذكرته بأيهم بشدة وكأن أيهم من يقف أمامه، عندما يتعرض هو أو خالد للخطر، ورغمًا عنه شعر بإعجاب شديد تجاهها ولكنها مصدر خطر عليه وعلى أيهم ويجب أن يحذره، كما أنها من الممكن أن تكون مفيدة له وتساعده في الوصول إلى نيرة، سمع صوت دماره تقول بحماس "لدي فكرة ممتازة.. أنا اليوم عطلتي لمَ لا نذهب و نفاجئ نيرة بالنادي فلديها اليوم جلسة مع اللاعبين.. يستطيع ماهر أن يوصلنا بطريقه.. أليس كذلك حبيبي؟"
ابتسم لها ماهر بحب وهو يومئ برأسه موافقًا، بينما تراقبه شذا بطرف عينيها تراقب معاملته ونظراته لها، ليشعر ماهر بالحنق من تلك النظرات التي ترميه بها.
…………………….
أمام النادي
واقفة بمفردها تراقب الطريق وتستنشق هواء مصر الذي اشتاقته كثيرًا، لقد مر وقت طويل منذ سافرت لتكمل دراستها، لقد اختارت الدراسة هنا لأنها تعلم أنها لن تكون وحيدة، فعادل هنا وإن حدث لها شيء كان من السهل أن تصل له، كما أنها أرادت الدراسة في مكان تشعر بالانتماء به، وكم كان قرارها صائب، يكفيها صديقتيها اللائي تعرفت عليهما وصارا أقرب إليها من عائلتها، وقفت وحيدة فماهر أخذ لمار معه وسار مغمغمًا بحنق ولا تعرف أين ذهبا، كما أن نيرة بجلسة عملها لم تنتهي بعد.
سمعت صوت صارخ لفتاة فبحثت بنظرها عن مصدر الصوت، لتجده قريبًا نسبيًا منها، اتجهت لترى ما يحدث، لتتسع عينيها بغضب ناري ألهب زرقة عينيها المبهرة، ما هذا الذي تراه؟!! حقير يتحرش بفتاة؟!!!حسنًا هو الجاني على نفسه، سأريك أيها الوغد سأجعلك كلما نظرت لفتاة تفر هاربًا ..سأريك كيف تحترم المرأة وتقدرها، أحيانًا لا تفهم كيف يعمل عقل الرجال، ما هي المتعة في ترهيب فتاة؟ تركت حقيبتها أرضًا واقتربت كثيرًا لتربت على كتف الشاب، الذي حالما رآها حتى ترك الفتاة الأخرى متشدقًا بحقارة "أووووه.. أتبحثين عني يا جميلة ؟ حسنًا أنا بخدمتك"
نظرت له مبتسمة ابتسامة خبيثة أخطأ معناها لتأمر هي الفتاة بحزم "ابتعدي الآن.. حالًا"
"حسنًا.. فلتبتعد.. فهي لا تضاهيكِ جمالًا"
قالها ساخرًا متعجرفًا فعاجلته بلكمة ثم الأخرى ثم الثالثة بمعدته، لتكون الضربة القاضية بجانب فكه جعلته يترنح إلا أنها لم ترحمه، أخذت تضربه وتسبه بلغتها الإنجليزية المتقنة وهو غير قادر حتى على الصراخ، أو الدفاع عن نفسه فالفتاة متمكنة وخبيرة وذات ضربة قوية.
خرج عادل من اجتماعه بالشباب ليرى تجمع كبير أمام بوابة ملعب التدريب، ذهب إليه قلقًا يريد أن يعرف ماهية ما يحدث، وما إن سأل حتى علم بحدوث شجار بين شاب وفتاه فأراد تقديم المساعدة، استطاع الدخول من بين المتجمعين الذين يشاهدون دون تدخل، وما إن رآها حتى تجمد مكانه من الصدمة للحظات، ثم تألقت عيناه بحب وسعادة واشتياق لا محدود له، ظل واقفًا يتأملها بلهفة وسعادة حتى انتهت من شجارها الغير متكافئ بالمرة، فالشاب لا يضاهيها قوة ولا كفاءة في الفنون القتالية، وبينما هي تنفض يديها كمن كانت تلعب بالرمال على الشاطئ، حتى رأته يقف أمامها مكتفًا ذراعيه وابتسامته الرائعة، التي اشتاقتها كثيرًا تزين وجهه حتى ارتسمت على وجهها مثيلتها، تتساءل داخلها هل تحلم أم لا؟ هل عادل بابتسامته الجميلة أمامها حقًا؟ سمعت صوته الرخيم يؤكد وجوده بإعجابه بقدراتها "لم يكن قتالًا عادلًا أبدًا"
لتضحك برقة وتجيبه بزهو "هو الجاني على نفسه"
اتسعت ابتسامته وهو يتأملها بشوق قائلًا "ولو كان يجب أن تترفقي به.. رفقًا بالضعيف حبيبتي"
ردت ساخرة وهي تقترب منه خطوة "حتى لا يستقوى على من هم أضعف منه"
هز رأسه بيأس قائلًا بفخر "لم تتغيري، تزدادين شراسة وعنفوان"
ضيقت عينيها قائلة بابتسامة آخاذة وهي تقترب خطوة أخرى "وأنت تزداد وسامة إلى حد غير معقول"
وفي اللحظة التالية كانت تتعلق برقبته بشوق بعد أن أنهت جملتها، حملها عادل وهو يدور بها أمام ذهول اللاعبين الذين وقفوا يراقبوا ما يحدث، فلن يروا كل يوم فتاة أنيقة توسع شاب عديم التربية ضربًا، صرخت شذا ببهجة من بين ضحكاتها "اشتقتُ إليكَ حد الموت"
أنزلها قائلًا بسعادة يتأمل ملامحها التي ازدادت جمالًا "رباااه! لقد أصبحتِ فاتنة، اشتقتُ إليكِ حبيبتي ولكن لنا حديث مطول"
هزت رأسها بأناقة قائلة "أعلم ولكن ليس الآن"
وبعد أن أشبع عادل شوقه منها أخذها ليعرفها على أعضاء الفريق ووسط ترحيب الجميع، وصل بها إلى الأصدقاء الثلاث ليعرفها بخالد وأيهم الذي نظرت له بغضب مجنون لم يتبين أيهم سببه، وحين وصل لماهر أخبرته أنها تعرفت عليه من قبل وهي تنظر إليه بتوعد، وقبل أن يعرفها بنيرة وجدها تتقدم تجاهها وهي تقول بتأنيب وقلق "أقلقتني عليكِ جدًا"
ابتسمت نيرة بحزن مجيبة بخفوت "أنا على ما يرام لا تخافي"
لتجيبها بتأنيب حاني تشعر بطريقة ما أنها مسؤولة عنها وعن لمار "ألم أحذرك قبلًا ألا تكذبي عليّ؟ عيونك تفضحك مهما حاولتِ.. ثم ألم أوصيكِ أن تعتني بنفسك وتكفي عن الإهمال.. ماذا آنسة ظاظا؟ أين ذهب ذكاؤك؟"
لم تستطع نيرة إخفاء ألمها مجيبة بتيه أوجع قلب شذا القلقة عليها، ذلك القلق الذي جعلها تترك كل شيء خلفها وتعود إليهما "لم تكوني موجودة.. لتجنبيني الألم والوجع، افتقدتُ حارستي كثيرًا فأوقعت نفسي بمصائب عديدة"
اقتربت شذا واحتضنتها بقوة دون مقدمات، شاعرة بقلبها يتفتت حزنًا عليها، ها هو قناعها بدأ يتصدع، لن تحتمل ادعاء القوة لوقت طويل، بالنهاية إنها فتاة توقن شذا أن حياتها مليئة بالمآسي، ربتت على ظهرها بحنو قائلة برفق "ها أنا قد عدت.. سأعيد حياتك إلى نصابها الصحيح ولو رغمًا عنك.. حارسك في خدمتك آنستي"
بادلتها نيرة عناقها بذات القوة، تشعر بأنها كانت وحيدة وخصوصًا مع انشغال لمار بحياتها الجديدة، ولكن بطريقة ما تشعر أن لمار حزينة رغم السعادة الواضحة عليها، تسللت دموعها على غفلة منها لتزيد شذا من احتضانها تخبرها عبر عناقها أنها عادت حقًا.
ابتسم أيهم رغمًا عنه وتملكه شعور قوي أنه محور حديثهما رغم عدم فهمه ما تتفوهان به، تحولت ابتسامته الى أخرى متألمة حين رأى دموع أميرة قلبه، هو ليس له الحق في إزالتها، ولكنه شعر أن هذه الفتاة ستكون مفيدة له جدا،، نظر لماهر ففهم نظراته جيدًا مما جعله يؤكد له ظنونه، انتبهوا على صوت شذا الذي تحول لمرح خالص في ثانية، قائلة موجهة حديثها للمار "انظري هناك من تورد كبتلات ورود حمراء"
أجابت لمار بحب "لأنك أتيت حارسي.. واجتمعنا ثانيةً بعد فراق طويل للغاية.. رؤيتكما سويًا تمنحني إحساس خاص بالأمان، أنه مهما حدث معي سأجدكما دائمًا"
نظرت شذا لماهر الذي غضب من كلمات لمار بشدة، وهمَّ بالرد على لمار ولكنه تحكم به جيدًا متذكرًا نصيحة خالد، أن يظل بجانبها فهو قد كسر رغمًا عنه ثقتها بعلاقتهما، ومن تلك الدخيلة التي تشعره أنها حماته وليست صديقتها، سمعها تؤكد بصوت وبنظرات زادت من استفزازه "بالتأكيد لمار أنتِ صغيرتنا قبل كل شيء.. حبيبتي"
صمتت قليلًا ناظرة نظرات شرسة قاتلة لأيهم وماهر، جعلت عادل يبتسم بعدم تصديق، طفلته الحبيبة كلما كبرت كلما ازدادت شراسة، فخورًا هو بروحها الأبية المحاربة، اتسعت ابتسامته وهي تكمل بوعيد يعلم جيدًا مدى صحته "لا أحد قادر على إيذائكما وأنا حية.. لا أحد أبدًا"
احتضنتهما لمار تخفى جرحها الذي لم يبرأ بعد رغم رجوع علاقتها بماهر إلى سابق عهدها، نعم الاعتذار قد يداوي الجرح ولكنه يظل موجود، فقط الزمن هو القادر على طمسه، سألت نيرة شذا باهتمام "ما علاقتك بكابتن عادل؟"
تعلقت شذا بساعده وهي تقول بسرور "أعرفكم بشقيقي الأكبر عادل"
هتفت لمار بذهول "حقًا"
هزت شذا رأسها برقة وهي تنظر إليه بفخر.. ليبتسم مربتًا على يدها قائلا بدفء "حقًا إنها شقيقتي الصغرى الشقية"
……………………
في شقة نيرة
جلست نيرة أمام شذا تقص عليها كل ما حدث الفترة التي لم تكن بها هنا، وما إن أنهت حديثها حتى رفعت عينيها تنظر لشذا باستجداء، تطالبها بتفسير لما يدور حولها إن استطاعت، نظرت لها شذا بعطف لتقول بصوت خافت محاولة السيطرة على انفعالاتها، فلطالما كرهت والد نيرة لا تعلم ما السبب؟ ولكنها دائمًا ما كانت تنفر منه "هل تصدقين والدك؟"
أجابت نيرة بقلة حيلة وهي تفرك كفيها بمحاولة للهدوء "وهل أملك غير ذلك؟"
تفلت غضب شذا لتهب واقفة قائلة بغضب "لا تجيبي سؤالي بسؤال آخر"
ردت نيرة وهي تزم شفتيها وتشيح بوجهها "إن لم أصدقه من سأصدق؟ هو والدي شذا من سيقف بجانبي إن حدث لي شيء، هو من أحضرني إلى الحياة فكيف أكذبه شذا؟ بحق الله إنه أبي"
دلفت لمار إلى الغرفة وقد كانت تحضر لها بعض الطعام، فبعد حملها أصبحت شرهة حتى أن ماهر يغيظها بذلك، قائلة بحزم " اهدئا غضبكما لن يحل شيء، أخبرينى نيرة ما هو الاختبار الذي وضعه والدك لأيهم؟ وهل نجح به أم لا؟"
عقدت نيرة حاجبيها بتفكير وهي تقول بعدم فهم "لا أفهم ما قصدك؟"
أجابت لمار بحيرة "ماذا كان الهدف من وراء تهديده لأيهم؟ أن يبعد عنك أو يحارب لأجلك، ماذا أراد عمي من ذلك الاختبار؟"
هزت نيرة كتفيها قائلة بتيه وهي تدفن رأسها بين يديها "لا أعلم، ولا أفهم شيء أشعر أني بدوامة"
هتفت شذا بغضب وحمية "أيا كان كيف يهدده بك؟ كيف؟! أنت ابنته بحق الله، لو أراد اختبار أيهم لكان هناك مئات الطرق غير تهديده بإيذائك"
لم ترفع نيرة رأسها وسؤال شذا يلاقي صدى له بداخلها، هي من ظلت ليلها تبحث عن إجابة لهذا السؤال، وقد ظل يلح عليها وكذلك سؤال لمار ما هو الاختبار؟ هل نجح أيهم أم لا؟ زفرت بقوة و هي تهز رأسها بلا معنى، جلست لمار بجانبها تحتضن كتفيها بمواساة لا تعلم إن كانت بحاجة إليها ولكنها لم تجد غيرها في الوقت الحالي، بينما شذا كانت تذرع الغرفة ذهابًا وإيابًا وهي تكاد تقتلع شعرها الأشقر من شدة غيظها، بعد برهة من الصمت رفعت نيرة رأسها ونهضت من مكانها، تحتضن ذراعيها بنوع من الحماية الذاتية من ألم مجهول لا تعلم مصدره، قائلة بتيه وعيون تنظر إلى البعيد دون أن تبصر "أنا تائهة حقًا، هناك مكان بحياتي فارغ.. شيء وضع في غير موضعه.. أفتقد وجود أحدهم.. أحد كان مهمًا بحياتي.. أفتقده بشدة"
سألت شذا بهدوء تحاول فهم ما تقوله "أيهم؟"
عقدت نيرة بين حاجبيها لتقول باضطراب وارتباك "لا.. نعم.. أعني.. نعم أفتقد وجوده.. لكن ذلك الشعور يلازمني من قبل أن ألتقيه، هناك في أعماق روحي يختبئ شخص أنا بحاجة ماسة إليه.. لكني أحجبه بكل قسوة لماذا؟ لا أعلم"
تطلع إليها كلتاهما بعطف وحماية.. بألم لرؤيتها ضائعة بهذا الشكل .. ببتأثرفهي نيرة صديقتهما... أختهما.. يوجعهما ألمها بشدة، شعلة النشاط والمرح التي تخدع الجميع بتزييف مشاعرها الخارجية، تقنع الجميع بأنها قوية ذات بأس قادرة على مواجهة ظروفها، بينما الحقيقة هي مجرد طفلة تخاف وترتعب من ظلها، تحتاج إلى من يشعرها بالأمان.. من ينتشلها من عمق ذكريات مبهمة لا تجلب لها سوى الألم، صاحت شذا بحنق فنيرة تعرف علاجها ولكنها ترفضه بشدة "العلاج بيدك نيرة أنتِ من ترفضين، لماذا لا تريدين إتمام علاجك؟ لا أفهم"
صرخت نيرة بحدة "حتى لا أتذكر شيء، لا أريد أن أتذكر أبدًا"
سألت لمار بهدوء تحلت به، فهي يجب أن تكون هادئة حتى تهدئ حدة النقاش بينهما "لماذا حبيبتي؟ ألا تريدين التخلص من كوابيسك"
نظرت لها نيرة قليلًا قبل أن تقول بنبرة مرتفعة قليلة "لماذا لمار!!! للكثير، ونعم أنا لا أريد التخلص من كوابيسي ستظل أفضل بكثير من ماضي مؤلم، سيجرحني بقسوة إن نبشت به _صمتت قليلا لتقول وعينيها بركة من العذاب_ أخبرينى لماذا تصر طفلة في عمر الثانية عشر على الانتحار، أكثر من مرة بطرق مختلفة، لماذا تدخل في اكتئاب حاد.. تأثيره مازال موجودا إلى الآن، أحيانا كثيرة أدخل في نوبات من البكاء الهستيري وأهذي بكلمات كثيرة، وعندما أستعيد رشدي لا أتذكرها _خفت صوتها وهي تقول بعذاب_ لماذا يسارع عقلي لحجب تلك الذكريات بعيدا، لمار أنا لم أقع من علو فتؤثر الصدمة على عقلي بتلك الطريقة، لقد وقعت من على خمس درجات لا أكثر.. فانتهز عقلي تلك الفرصة وأخفى كل شيء تاركًا لي فقط تلك الكوابيس التي تتذمرين منها"
استمعا لها بذهول وقلق يسيطر على قلبهما من خوفهم عليها.. أكملت نيرة بصوت شاحب "ما الذي سأجنيه من دواء سيخلف ألم أقوى لن أجد له دواء، لا أريده لمار.. لا أريده أبدًا"
جلست نيرة بتعب وقدماها لم تعد تقوى على حملها، فكت حجابها حتى تستطيع الحصول على بعض الهواء.. تجلي تلك الغصة التي تخنقها، لتناظرها لمار بعطف وحنو لا تعلم ما يجب عليها فعله أو قوله.. فهي لو وضعت بنفس مكان نيرة لاختارت نفس الاختيار، بينما زفرت شذا بإحباط تعلم أن خوف نيرة طبيعي وليس بيدها، ولكنها لا تستطيع أن تقف و تشاهدها تنهار دون أن تفعل شيء، نظرت حولها تبحث عن منفس لغضبها، لتجد لمار تلتهم شطيرة من ضمن الكثير من الشطائر أمامها، صرخت بصوت غاضب أجفلت له لمار "كفي عن الأكل يا معتوهة ستصبحين مثل البالون"
ردت لمار بصوت متذمرًا حانق "لا تصبي غضبك عليَّ.. أنا حامل وسأصبح مثل البالون عاجلًا أم أجلًا، لذا سأكل كما يحلو لي"
ابتسمت نيرة رغمًا عنها، لتباغتها شذا بالسؤال "إن تقدم ذاك متحجر القلب ثانية ماذا سيكون قرارك؟"
نظرت إليها نيرة بتساؤل عمن تتحدث لتهمس لها لمار بخفوت "كابتن أيهم"
زفرت نيرة بقوة لتقول بصوت مبحوح ومخنوق رغمًا عنها "لو علمت بطلبه قبل بضعة أشهر كنت لأرفضه بدون تردد، لم أكن لأقحمه بحياتي وهي بكل هذا التعقيد، ولكن الآن بعد كل ذلك الألم الذي تعرضت له.. سأقبل دون تردد أو ذرة تفكير.. أنا أحبه شذا وتكفيني خسارته مرة واحدة فقط.. إن خسرته ثانية سأموت شذا"
جلست شذا بجانبها تربت على كتفها بحنان، وهي تلف ذراعيها حول رقبتها قائلة بدفء "أيا كان قرارك تذكري أننا معكِ دائمًا"
ابتسمت لها لمار برقة وهي تربت على قدمها مؤكدة على كلام شذا، لتنتقل تلك الابتسامة إلى فم نيرة كالعدوى وهي تردد "لا حرمني الله منكما"
……………………….
في أحد المطاعم الراقية
جلس سليم بهدوء عجيب ملامحه خالية من أي تعبير، جالس في انتظار أيهم، كان قد أمضى ليله كاملًا يفكر فيما يجب عليه فعله، كيف يبعد نيرة عن ذاك الشاب، ولكن رؤيتها له وما أفصح عنه عمر وعناد ابنته غيّر مسار تفكيره تمامًا، الآن كل ما يتمناه ألا تسترجع نيرة ذاكرتها، كان قد عمل على ذلك طيلة السنين الماضية، ولكن عملها الذي يبغضه حاول منعها من ذلك العمل وتحت عنادها رضخ، يعلم أنه لو رفض ووافقت هي ستصر على موافقتها حتى تقنعه و هو لا يريد خسارتها، وانهيارها بالأمس كان مؤقت فقط وهو ما منعها التفكير السليم، والآن قربها من فاطمة أصبح يشكل له هوسًا مزعجًا ولا بد من حل، ولكن بعد تفكير طويل عميق، كان شيطانه يخرج له بفكرة أخرى كي ينهي لعبة الشطرنج خاصته.. فليعطيها لابن زوج فاطمة، وتكون أمام فاطمة قريبة بعيدة.. معلقة بين علاقتين تدركهما فاطمة جيدًا وتعلمهما نيرة جيدًا، بعدها اتجه إلى غرفة عمر حتى يطلب منه رقم أيهم، ولكنه وجد الغرفة فارغة ودون اكتراث أغلق الباب، واتجه إلى غرفة نيرة ليأتي برقمه وها هو في انتظاره.
دلف أيهم بوجه جامد هادئ، وداخله كله مترقب لذلك اللقاء، لا يعلم أي تهديد سيخرجه سليم من قبعة السحرة خاصته، خوف يشله من الداخل واستنفار لمعرفة ما وراءه، يتذكر عندما أتاه اتصال من رقم غريب بعد تدريباته ليجيب بهدوء "السلام عليكم"
ليجيبه صوتًا ساخرًا يكرهه بشدة "وعليكم يا ابن رحيم ،أريد مقابلتك لشأن ضروري"
جمع أيهم قبضته بغضب ليرد بصوت هادئ أودعه كل بروده "حدد المكان والزمان"
وها هو ذاهب إليه وليرى ما بجعبته، أخذ نفسًا عميقًا وكأنه آخر نفس له بحياته، ثم زفره بقوة وذهب إليه وجلس على الطاولة بمقابلة سليم، ليتكلم ساخرًا ببرود أعاره له ماهر "هل أنت متعجل لمقابلتي للدرجة التي تجعلك تأتي باكرًا عن الموعد الذي حددته بنفسك!! يا لسعادتي!!"
"لم آتي باكرًا يا ابن رحيم بل أنت من تأخر، ألا تعلم شيئًا يسمى احترام المواعيد؟ إنه من شيم الرجال يا بطل.. أم أنك _لينظر له ساخرًا مستفزًا قبل أن يكمل_ لا تعلم عنها شيئًا"
مارس أيهم أقوى سيطرة وتحكم على نفسه، فهو يعلم يقينًا أنه يحاول استفزازه ليخرجه خاسرًا وهو أبدا لن يفعل، مال أيهم باتجاه سليم قائلًا بفخر "نعم أنا ابن رحيم وفاطمة وهما استطاعا أن ينشئا رجلًا قويًا، كلما مر بصدمة خرج أقوى من ذي قبل، وأنت من تريد الحديث لذا.. وجب عليك الانتظار"
نظر له سليم بحقد وكره دفين جعل أيهم يسأل نفسه لماذا يكرهه بهذه الطريقة؟ ما الذي حدث وجعله يكرهه هكذا؟ أو بالأحرى لماذا يحمل كل هذا الحقد لأمه؟ ليسمع صوت سليم خارج بنبرة بغيضة، عصبية رغم مجاهدته ألا تكون "دون الكثير من الكلام الذي لا طائل منه، ما الذي أخبرتك به فاطمة تحديدًا؟!"
أجاب أيهم بنبرة أسد كسول حصل على فريسته للتو دون جهد وضمن غذائه كاملًا "أمي فاطمة.. أخبرتني الكثير والكثير.. وبالطبع أنت تعلم ما هو الكثير هذا.. لذا ادخل بصلب الموضوع.. عمي"
لم تفت سليم ابتسامة أيهم المطمئنة الواثقة وتشديده على كلمتي _أمي وعمى_ مما هدد بفقدان سيطرته فقال بحروف خارجة ممزقة من تحت أسنانه "إن كنت تريد نيرة.. فهي لك.. شرط أن تعيشا معي.. بمنزلي"
اشتعل أيهم غضبًا من طريقة حديثه الفجة عن نيرة وكأنها شيئًا لا قيمة له، و لكنه لم يغفل عن باقي حديثه.. معه.. بمنزله.. لكي يحكم سيطرته ويفقده قلبها وحبها.. لا والله لن يحدث.. لن يخطئ مرتين أبدًا "تعلم جيدًا أن الرجل _صمت قليلًا ناظرًا لسليم باستهانة_ لا يعيش بمنزل زوجته.. بل هي من تعيش معه.. أينما كان.. ومكان زوجتي بمنزلي"
"حسنًا.. اشتري لها منزلًا قريبًا مني"
أثار كلامه واستسلامه دهشة أيهم بقوة لم يتوقع منه هكذا حديث مطلقًا، يبدو أن عمر أصاب بنقطة واحدة.. نيرة هي نقطة ضعف سليم الوحيدة والقوية، لذا ليستغل فرصته جيدًا، فعندما تكون زوجته، تحت سقف منزله، بين ذراعيه وتحت عينيه سيكون له كل الوقت كي يعرف كل الحقائق، ويجمع كل القطع الناقصة لتصبح صورة مكتملة الأركان "أهناك شيء آخر؟"
رأى ملامح سليم التي أشرقت بانتصار وكأنه ضمن موافقته، فعلم أنه على الطريق الصحيح ليكمل سليم "لا أريد لنيرة أن تعرف علاقتها بفاطمة"
نظر إليه أيهم ليقول بهدوء أحكم سيطرته حوله "ذاك ليس شأني، والأمر عائد لها ولأمي؟"
نظر له سليم قليلًا بتفكير قائلًا ببساطة "معرفتها بتلك العلاقة فجأة ودون مقدمات.. سيهدم سنين من العلاج النفسي تلقته حتى تكون نيرة التي عرفتها"
أصاب قلب أيهم وخزة موجعة، لقد اختار ضربته جيدًا، وضربه على نقطة ضعفه ليجيب بثبات أخرجه بمشقة "لن يحدث ما يضرها أبدًا"
ابتسم سليم نصف ابتسامة قائلًا بهدوء "إن استعادت نيرة ذاكرتها يوما ستتدمر.. فقدانها تلك الذاكرة كان رحمة بها"
أشاح أيهم بعينيه بعيدًا قائلًا بقوة "أخبرتك من قبل مرة، لن أفعل يومًا ما قد يؤذيها، وأظن أنك اختبرت هذا من قبل"
مط سليم شفتيه قائلًا بلا مبالاة "أظن ذلك"
أكمل أيهم بجدية وصوت حازم "لا مجال للخطبة.. أريده عقد قرآن وزفاف.. في وقت قصير بعدما تسألها عن رأيها"
انقبضت ملامح سليم وقد تيقن أن من أمامه ليس بهين، وإن كان استطاع إرهابه مرة فهو لن يستطيع إرهابه ثانية، يبدو واثقًا من حب ابنته له، ومصرًا على الفوز بها، لذا ليظل في نظر ابنته الأب الحبيب الذي يفعل المستحيل لأجلها ،ليقول وهو يهم بالمغادرة "لكَ هذا، سنحدد موعدًا بعدما أسألها عن رأيها"
وتركه وغادر مبتسمًا ابتسامة خبيثة فإن كان أيهم ربح جولته الأولى فالعبرة بالخواتيم وليس البدايات، بينما أيهم ابتسم بسعادة وزهو شاعرًا أنه اليوم توج ملكا على العالم بأجمعه، لا يعلم السر وراء موافقة سليم ولا يهتم، يكفيه أنها خلال وقت قصير ستكون زوجته بعد طول معاناة.
…………………..
في شقة ماهر
دلف ماهر الى الشرفة حيث يجتمعون دائمًا كلما ذهبا إليه صديقيه، حاملًا المشروبات فملأته الدهشة والحيرة حيث وجد الصمت الكئيب مخيم على الأجواء، نظر لأيهم كي يسأله عما به فوجده جالسًا على مقعد مادًا قدميه على آخر أمامه عاقدًا ذراعيه خلف رأسه ومسترخيًا بالكامل، فأشاح بنظره إلى خالد فوجده معطيًا ظهره له متطلعًا للأمام واجمًا شاردًا في ظلمات الليل البهيم، لم يختلف حاله منذ الصباح بل ازداد سوءًا وهو لا يعلم سببًا لحالته تلك مما جعل خوفه عليه يتصاعد، وضع ماهر المشروبات على الطاولة المجاورة لأيهم موجهًا حديثه له "هيييييه أيهم ماذا هناك؟! حالتك غريبة اليوم أخبرني بسرعة ماذا بك؟"
ارتسمت ابتسامة على ملامح أيهم المسترخية، سرعان ما ارتسمت شبيهتها على وجه ماهر، بينما التفت إليه خالد بملامح متجهمة، لم تخلو من الحيرة والترقب من كليهما ليجيب أيهم بهدوء "لقد قابلت سليم اليوم"
استحوذ بكلماته على اهتمام صديقيه ليكمل "ووافق على ارتباطي بها.. دون أدنى جدال"
هتف ماهر بدهشة "أحقًا ما تقول؟! لكن كيف حدث هذا ومتى؟!"
ليتبعه خالد متسائلًا بقلق على صديقه "ولماذا وافق أيضًا؟! ألا تشعر بشيء مريب أيهم؟!"
أجاب أيهم وهو يوافقه بهزة من رأسه "وأنا أيضًا أشعر كذلك ولكن ما يهمني هو نيرة.. أريدها معي بأسرع ما يمكن.. وبعدها فليحدث ما يحدث.. أنا قادر على مواجهة كل شيء"
تنهد أيهم مكملًا حديثه بحزن وشرود "كم أكره ذاك الرجل!! لولاه لقضت نيرة طفولتها معي.. بجانبي.. لكنت دللتها وحميتها من كل أذى.. كنت احتويتها.. لكنت كل شيء بحياتها الآن.. رباه كم أبغضه!!"
نظر له صديقيه بحيرة فهمس خالد "ما الذي تقوله أيهم.. لا أستطيع فهم ما تقوله.. ما هو قصدك بكلامك؟!"
شرد أيهم في ذكريات كثيرة غير حقيقية، ذكريات صنعها عقله منذ علم صلتها الحقيقية به، ذكريات تمده بالقوة كلما أوشك أن يضعف وييأس، ذكرى أول مرة رآها عندما ذهب والده لخطبة فاطمة، وأخذه معه معترضًا ساخطًا، ولكنه نسي سخطه وهو يرى فراشة شقية تجري حوله في كل مكان، ثم بعد الزواج كانت شبه مقيمة معهم في المنزل مع خالتها، صديقة صدوقة لخالد وقد كان قريبًا من عمرها يلعب معها، وعرفها أيضاً على هنا.. وكانت أيضًا صديقة لماهر تمزح معه طيلة الوقت، وهو كان لها كل شيء يلعب معها، يجبرها على الدراسة، يمنعها من اللعب مع أولاد الحي، ويحميها من كل شيء وأي شيء، يأخذها معه وهو ذاهب لتدريباته، ذكرى أول نزهة قاما بها سويًا، أول هدية أحضرها لها، عندما أهدته هدية لأجل انضمامه للمنتخب لأول مرة، ذكرى أول مرة غار عليها، أول نظرة محبة منه، أول اعتراف بالحب لها، همستها أنها تحبه أيضًا، ذكريات كثيرة مليئة بالسعادة بعيدة عن ذلك الوجع الذي استوطن حياتهم الفترة الماضية، فاق من شروده على هزة ماهر وصوته الحازم "أيهم من تكون دكتورة نيرة"
نظر لهما أيهم وتكلم زافرًا بحرارة "نيرة تكون ابنة خالتي وفاء شقيقة والدتي فاطمة"
هتف ماهر وخالد معًا بذهول "ماذا!!"
نظر للظلمة التي كان ينظر لها خالد منذ قليل قائلًا بخفوت "سليم زوج الخالة وفاء رحمها الله، بعد وفاتها عاد بأبنائه لمصر، وذلك كان سبب عودة جدي لمصر حتى يبحث عنهم.. ذلك سبب الحزن الساكن عيني ماما يا خالد"
غمغم ماهر بتعاطف "يا الله كم تحملت ماما من ألم وأخفته"
رد خالد بتقطيبة عميقة "إذًا هل علمت سبب ما هي فيه الآن"
أخذ أيهم نفسًا عميقًا طويلًا كئيبًا قائلًا بهم "كلا.. كل ما أعرفه أنه مرتبط بتوأمها.. نيرة كانت لها أخت توأم اسمها براء، لا أعلم أين هي أو ما حدث معها، ولكن أي ما كان حدث معها فهو سبب آلام نيرة كلها"
ربت ماهر على كتفه قائلًا بقوة "أنت معها الآن"
أومأ أيهم قائلًا بحزم "نعم معها وبجوارها ولو رغمًا عن كل هذا العالم، معها وسأعوضها كل شيء.. سأعوضها كل تلك السنين الماضية.. فقط لتصبح زوجتي وسأنسيها كل أحزانها"
أومأ صديقيه بمؤازرة وتأييد، بينما شرد خالد في ذلك الصباح حينما أخبرته هنا بحملها وكأنه يحدث أمامه الآن "خالد أنا حامل حبيبي.. ستصبح أبًا"
أصابته حالة من الجمود والصدمة.. فجأة شعر بمشاعر الخوف والحزن والفقد التي أصابته يومًا بفقدان والديه تعود إليه ثانية، ازداد ألمه أضعاف حينما رأى دموعها.. هناه.. حب طفولته وعشق صباه، لقد أخلف وعده لنفسه وأبكاها.. أسرع إليها واحتضن وجنتيها يمسح دموعها قائلًا بقلق "لمَ الدموع يا هنا؟ لمَ تبكين يا حبيبتي؟ لماذا هناي؟"
"أنت لا تريده خالد.. أنت لا تريد هذا الطفل"
ماذا؟ ما الذي تقوله؟ أهذا ما فهمته من رد فعله؟ ألهذه الدرجة كان قاسيًا؟ احتضنها بقوة قائلًا بصدق "لا تبكي حبيبتي.. لا تبكي، أقسم أني أريده بكل ذرة في جسدي، بكل نبضة بقلبي، إنها فقط كانت مفاجأة لي، كان خبر لم أتوقعه"
سمع صوتها متحشرجًا من أثر الدموع "أحقًا ما تقول خالد؟"
أسرع مجيبًا بلهفة مشددًا من احتضانه لها "بالطبع.. كيف تسألين سؤالًا كهذا؟ أنتِ حبيبتي وأتمنى أن تنجبي لي الكثير ولكنها المفاجأة.. آسف حبيبتي لم أرد أن أحزنك صدقًا آسف"
وأقرن قوله بقبلة شغوفة.. حنونة.. خائفة.. حزينة.. وبها كل سعادة الكون، فها هي حبيبته ستنجب له طفلًا يسعده ويرسخ حبه لها.. سيكون دليل حبه وشغفه بها.. سيكون الأحب إليه في هذا العالم.. لكن ماذا يفعل بما في داخله، كيف يتخلص من كل ما يؤلمه وكل ما يخيفه، كيف؟ أتبع قبلته بقبلات هادئة ناعمة على شفتيها وجنتيها وعينيها وأعادها الى أحضانه ثانية مغمغا "سامحيني حبيبتي"
قبل رأسها قبل أن يكمل "يجب أن أذهب لدي تدريب بالنادي بعد قليل"
قضى يومه بالنادي يفكر بطريقة يتخلص بها من خوفه، وشيء يفاجأ به زوجته بعد رد فعله اليوم على خبر حملها، وها هو جالس مع صديقيه لا يعلم كيف السبيل ليتخلص من كل ما بداخله، قبل أن يخرجه صوت أيهم المتسائل بقلق "ما بك خالد؟ لمَ كل هذه الهموم التي تملأ عينيك؟"
نظر له خالد بنظرات تائهة ضائعة مجيبًا بفقدان اتزان "هنا يا أيهم.. هنا"
ليصمت قليلًا فيحثه أيهم على الحديث "ما بها خالد؟ هل تشاجرتما؟"
"لا.. لا.. لم نتشاجر.. إنها.. إنها حامل"
تهللت أسارير أيهم وماهر واحتضناه بقوة مباركين ومهنئين ليقول ماهر بسعادة "مبرووووك خالد.. سنكون والدين بنفس الوقت تقريبًا يا لها من سعادة!"
حاول الابتسام.. يشهد الله أنه حاول إلا أن ابتسامته خانته وقست عليه وأبت الظهور، أتاه صوت أيهم وكأنه يفصلهم جبال "ما الذي يخيفك خالد.. ما الذي يكبل سعادتك؟"
نظر له نظرات باكية كطفل صغير ضائع يبحث عن الهدى ولا يجد "ماذا.. ماذا لو فقدتهم أيهم؟ ماذا لو فقدوني هم كما فقدت والديّ يا أيهم؟ كيف ستكون حياتهم؟ إلى أين سيؤول مصيرهم؟"
"أجننت خالد؟ ما الذي تهذي به؟"
صرخ ماهر بحدة، فأخفض خالد عينيه أرضًا محاولًا إخفاء مخاوفه "لن تفهم شعوري أبدًا ماهر.. أبدًا لن تفهم"
همَّ ماهر بالرد فأتاه صوت أيهم ناهرًا قاسيً، فصمت متابعًا الحوار حانقًا مغتاظًا من خالد ومن فكره "اخرس خالد.. فقط اخرس"
أغمض أيهم عينيه للحظات ثم فتحهما، ووضع يده يشد بها على كتف أخيه الصغير المدلل، قبل أن يتكلم بصوت رؤوف حنون "خالد.. إنها أقدار الله لا أحد يتدخل بها أبدًا.. كن على يقين من ذلك ..لا تسلم فكرك للشيطان فيعبث بك كيفما شاء.. افرح بعطية الله ورزقه لك واترك كل شؤونك لله الواحد القهار.. افرح واحتفل بزوجتك وتمنى من الله أن يرزقك بطفل معافى وأن تجيد تنشئته وتقر عيناك به"
نظر له خالد ممتنًا لكن خائفًا فأكمل أيهم بحكمة "لا أحد يضمن غده خالد.. لكن يجب أن نحسن ظننا بالله ونتوكل عليه وندعوه ونطلب منه ما نشاء بنية طيبة صادقة ولن يخذلنا أبدًا.. أليس كذلك"
ارتمى خالد بأحضان أيهم مغمغًا بتهدج "لا حرمني الله منك يا أخي وأبي وصديقي.. لا حرمني منكما أبدًا"
سأل ماهر بشك "كيف استقبلت خبر حملها خالد"
أخفض خالد عينيه بذنب ليهمس ماهر حانقًا "غبي اجلس لنجد طريقة نصلح بها ما فعلته"


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 24-09-20, 08:01 PM   #83

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

في منزل نيرة
تجلس أمام والدها تنظر إليه بدهشة حقيقية تماثل تلك التي استقبلته بها بعد رحيل صديقتيها، أجلى والدها حنجرته ليقول بصلابة "اقتربي حبيبتي أريد أخذ رأيك بموضوع هام"
اقتربت منه تجلس بجواره قائلة بهمس "ماذا هناك أبي؟"
تطلع إلى ملامحها ليقول بصوت كاره رغم معاناته ألا يكون "كابتن أيهم طلب يدك للزواج، فكري جيدًا وأبلغيني رأيك"
بعد سماع كلام والدها رفرف قلبها فرحًا، كطير يتعلم الطيران، كفرحة أم بنجاح بكرها، انتشت روحها بسعادة من يتعاطى مواد مخدرة لتنتبه على مغادرة سليم، فتقف خلفه قائلة بهمس خجول سعيد "أبلغه موافقتي أبي"
زلزلت موافقتها السريعة دواخل سليم ليلتفت إليها بعد أن تحكم جيدًا بانفعالاته قائلًا "فكري جيدًا حبيبتي لا تتسرعي بإعطاء قرارك"
هزت رأسها نفيًا بقوة وهي تقول "لا أحتاج الوقت أبي أنا واثقة من موافقتي"
هز رأسه إيجابًا لتحتضنه نيرة بسعادة وهو يبارك لها كارهًا، ليغادر بعدها سريعًا، تاركًا روح تترقب فرحة وداخلها قلق عارم مما هي مقدمة عليه.
……………………….
في شقة عادل
دلفت شذا إلى المطبخ بعد أن أبدلت ثيابها، كانت قد حضرت لتوها من منزل نيرة، هي خائفة و قلقة للغاية عليها، والأخرى التي رفضت إخبارها بما يحدث معها مكتفية بقولها أنها بخير، وماهر يعاملها جيدًا ويتقي الله فيها، كانت قد أوصلت لمار ثم ذهبت إلى الفندق لتحضر حاجياتها، وقد أخبرها عادل بحسم غير قابل للنقاش أنها لن تسكن غير معه، ابتسمت وهي تجده يقطع الخضروات ويحضر العشاء، كم اشتاقت إليه تلك السنوات الماضية، فبعد مغادرته وترك كل شيء، اشتعلت الحرب في منزلهم.. ووالدها بعد أن كان قد وافق على التحاقها بكلية الطب كما حلمت دائمًا، عاد ورفض قرارها، وبدأ يُعدها حتى تساعد مازن في إدارة الشركات، فحذوت حذو عادل وجاءت إلى مصر لتلتحق بها هنا، وفي أول زيارة لها لوالدها أخبرها أنها ستكون فاشلة في مجالها وستعود إليه نادمة، لتقسم داخلها أن تريه من هي الفاشلة، اجتهدت بشدة في الجامعة وها هي تعمل بكل جهدها لتثبت كفاءتها في مجالها وتخصصها، وستعود إليه ثانية لتريه كم هي فاشلة، على الرغم من أنها تشتاق لدلاله لها ولكنها لن تسمح لحد أن يتشفى بها.
جلست على حافة الطاولة التي يعمل عليها عادل، تلتقط الخضروات التي يقطعها وتلتهمها، لينهرها بحنق فتضحك بقوة وهي تقبل وجنته بمحبة، نظر إليها عادل بطرف عينيه قائلًا بحنق "أين كنتِ بحثت عنكِ كثيرًا، وكلما اقتربت منكِ تتبخرين كالزئبق، وفي النهاية أجدك هنا بمصر بمفردك، كيف تتركين المنزل بتلك الطريقة؟ هل جننتِ شذا؟"
أجابت شذا متحدثة بنفس نبرته "ماذا كنت تريدني أن أفعل وهو يقتل أحلامي أمام عيني.. تعلم أنه كان حلمي منذ الصغر كبر معي حتى تغلغل داخلي، أنت لم تحتمل فكرة وأد حلمك وهربت وأنا لن أسمح لأحد بسرقة أحلامي حتى وإن كان أبي"
ترك ما بيده والتفت إليها بحدة قائلًا بغضب "أنا شاب شذا أستطيع تدبر أموري إن حدث لي شيئًا، أما أنتِ فتاة جميلة تعيش بمفردها ماذا إن حدث لكِ شيئًا أو تعرض إليكِ أحدهم، ماذا كنتِ لتفعلي وأنا ومازن لا نعلم عنكِ شيئًا وليس هناك أحد ليساعدك"
ضحكت شذا بقوة قائلة وهي تنظر بعينيه "أتظن أن مازن كان ليتركني هكذا؟ أنا كنت تحت حمايته لمدة أربع وعشرين ساعة، لم أكن أغيب عن ناظريه.. وعندما كنت أقع بمشكلة كنت أخرج منها بيسر ودون مشقة، ثم هل نسيت أني خبيرة في كثير من الفنون القتالية"
نظر إليها طويلًا لتبتسم في وجهه برقة محاولة امتصاص غضبه ليعاود سؤاله "كيف كنت تختفين هكذا، وتخدعين رجلي الذي عينته ليجدك"
وضعت يدها على ساعده قائلة بحب وهي ترفع حاجبها بغرور "تعلمت على يدك أنت ومازن منذ صغري، هل نسيت كيف كنتم تخدعون أبي والعائلة كلها، وتذهبون في رحلات السفاري خاصتكما رغمًا عن أنوفهم جميعًا"
ضحك عادل بمرح وأمسك السكين يكمل ما كان يفعله، دون رد هي محقة.. أصلًا عائلته غريبة الأطوار يهوون الهرب من بعضهما البعض، تأملته شذا بسعادة تتمنى داخلها لو أن مازن كان معهم الآن، همست بنبرة رقيقة آسرة "عادل"
غمغم بما يشبه الإجابة.. لتسأله شذا برقة "عادل لماذا لم ترتبط إلى الآن؟"
أجابها بحزم منهيًا النقاش "لم أجد الفتاة المناسبة لي"
لتتغاضى عن الحزم بصوته متسائلة ثانية "ومتى ستجدها؟"
دمدم بشرود "وجدتها في الوقت الخطأ"
التقطت شذا دمدمته لتعقد حاجبيها هامسة بتوجس "ماذا تقصد عادل؟"
أجفل عادل وكأنما نسي وجودها.. رد بحدة يريد إنهاء ذلك الجدال الذي لا طائل منه "لا شيء شذا وأنهي ذلك النقاش"
اعتدلت شذا في وقفتها تترصد عينيه التي تهرب منها بإصرار، ليستسلم أخيرًا وتلتقط عينيه قائلة بخفوت "ماذا تقصد بوجدتها في الوقت الخطأ؟"
أشاح عادل بعينيه قائلًا بندم "أشعر أني خنت أيهم عندما أحببتها"
ارتدت شذا للخلف لتقول بعينين متسعتين وصوت شاحب "أنت تحب نيرة؟"
هز عادل رأسه ينفي بقوة قائلًا بغضب "أجننتِ شذا؟ نيرة مثلك تمامًا، أنا أحب ندا خطيبته السابقة"
أتاهما صوتًا كسولًا من عند الباب قائلًا بهدوء "أنت قلتها عادل السابقة، ومما فهمت منك هو لا يحبها ويهيم بأخرى"
صرخت شذا باسمه وركضت جهته ليحتضنها بقوة متحمدًا لها السلامة، سألت بحيرة "متى أتيت لم أراك؟"
أجابها مازن ببساطة "منذ الظهيرة وكنت نائم _ثم التفت إلى عادل مكملًا بتأنيب_ لا أفهم لماذا تعذب نفسك"
وافقته شذا قائلة بجدية "مازن محق عادل، تلك كانت خطيبته السابقة.. وهو يحب نيرة حقًا"
التفت ينظر إلى كليهما بحنق قائلًا بحدة "لا شأن لكما بما أفعله بحياتي"
هم مازن بالرد قائلًا "ولكن."
قاطعه عادل بجدية "لا يوجد لكن انتهينا من ذلك النقاش"
زم الاثنان شفتيهما بحنق ليتجه مازن ويجلس متربعًا فوق طاولة المطبخ، بينما عادت شذا إلى جلستها على حافة المطبخ تراقب عادل ومازن وهما يشاكسان بعض، تبتسم برقة أحيانًا وتضحك بصخب أحيانًا أخرى.. حتى غلبها النعاس فاستأذنت منهما لتذهب وتنام، بعد ذهابها التفت عادل إليه قائلًا بحدة خفيفة "كيف تسمح لها بالسكن بمفردها؟"
أجاب مازن بهدوء وعملية "أنت أفضل من يعرف شذا، تعرف أنه إن ضيقت الخناق عليها، كانت لتختفي ولن تسمح لي بإيجادها، لذلك كانت تحت حمايتي تصلني أخبارها أول بأول، فتركت لها حرية التصرف تحت عيناي"
هز عادل رأسه موافقًا ليسأل بحب "كيف حال أميرتي الصغيرة؟"
ابتسم مازن بحنان متذكرًا طفلته ذات الأربع سنوات "أسيل بخير.. اشتقت لها"
أجابه عادل "وأنا أيضًا.. سآتي قريبًا لأراها وأرى أمي لقد اشتقتُ لها"
رد مازن بحماس "فكرة رائعة"
لتستمر الأحاديث بينهما دائرة ..مازن يحاول فتح موضوع ندى.. وعادل يتجنب الحديث عنها حتى انتهت الأمسية.
……………………
في منزل رحيم
دلف أيهم إلى المنزل مبتسمًا بسعادة فقد تلقى مكالمة من سليم يخبره فيها بموافقة نيرة ويؤكد على موعدهم بعد غد، سمع أصوات ضحكات صاخبة آتية من المطبخ، اتجه إلى المطبخ ليجد عمر يحكي لفاطمة عن نوادره ومواقفه العجيبة، حتى إن كان موقفًا بسيطًا فعمر يضيف إليه بعد الأكشن ويحوله إلى موقف كوميدي صاخب، تنهد بسعادة فهو كان قلق عليها بعد انهيارها صباحًا.. ولكن يبدو أنها أصبحت على ما يرام، تحدث قائلًا بمرح معلنًا عن وجوده "بدأت أغار منك عمر، استحوذت على ماما بالكامل"
أخرج عمر لسانه قائلًا بسرور "خالتي وأتدلل عليها لا شأن لك"
رفع أيهم حاجبه قائلًا "هكذا"
هز عمر رأسه موافقًا ليقول ببهجة أسعدت قلب فاطمة وأيهم "خالتي وسيدة بديعة الجمال لماذا لا أتدلل عليها، فأنت كبرت على التدليل سيد أيهم وأنا الصغير هنا"
نظر له أيهم بقوة متحركًا تجاهه ركض عمر ليختبئ خلف فاطمة يحتمي بها، ضحكت فاطمة بسعادة واتجهت إلى أيهم ترى تلك السعادة البادية بعينيه بوضوح، وقد ذهب حزنه كله أدراج الرياح وضعت يديها على وجنته بحنان متسائلة "ما الذي يسعدك هكذا حبيبي؟"
ابتسم أيهم قائلًا بفرح "ستصبحين جدة للمرة الثانية طمطم ما رأيك خبر يستحق السعادة أليس كذلك؟"
عقدت حاجبيها تفكر فيما يقصده، لتتسع عينيها بإدراك وهي تهتف بفرحة "خالد! هنا حامل.. خالد سيصبح أبًا وماهر أيضًا.. العقبى لك حبيبي"
اتسعت ابتسامته قائلًا بعفوية "ذلك هو الخبر الثاني"
توسعت عينيها بصدمة وهي تنظر إليه بارتباك قائلة "الخبر الثاني كيف؟ أأنت حامل حبيبي؟"
نظر أيهم إلى أمه بصدمة يعلم أن والدته تتكلم بما يدور بخلدها دائمًا ولكن ليس لتلك الدرجة، ثم نظر إلى عمر يتأكد من حقيقة ما سمعه ليجده يكتم ضحكته بقوة، انفجر عمر بالضحك وشاركه أيهم قائلًا من بين ضحكاته "يا إلهي أمي؟ ماذا تقولين؟ أنا جئت أخبرك أني قررت الزواج، والعروس موافقة وسأذهب لخطبتها بعد غد"
تطلعت فاطمة فيه كمن تطالع مخبول بينما هتف عمر بحنق "يا الله منك يا أيهم، تخطب ثانية؟ ومن العروس تلك المرة؟"
أجاب أيهم ببساطة "نيرة"
نظر الاثنان إليه بصمت غير مصدقين لتتجه فاطمة إلى الثلاجة، تخرج زجاجة مياه باردة للغاية وتصب بعضًا منها في كوب، وفي حركة غير متوقعة قذفت بها عمر بوجهه ليشهق بقوة، نظر لها باستغراب وأيهم تنطلق ضحكته بجنون هاتفًا "تتأكد أنها ليست بحلم فقط"
همست فاطمة بذهول "أنا لا أحلم.. ستتزوج نيرة حقًا"
هز رأسه بسعادة وهو يحتضنها بقوة، فتبادله عناقه بذات القوة تحمد الله بلا توقف، وتهمس له بالمباركة، ابتعد عن فاطمة ليقفز عمر صارخًا بفرحة محتضنًا إياه.. وموصيًا أيهم بشقيقته.
"عمر حبيبي اذهب لتبدل ملابسك حتى لا تصاب بنزلة برد"
أجاب عمر فاطمة بحنق "تذكرتي الآن أني قد أصاب بنزلة برد"
ضحكت فاطمة قائلة باعتذار "آسفة حبيبي كان يجب أن أتأكد أني لست بحلم ولم أكن لأقرص نفسي أبدًا"
خرج عمر من المطبخ ليبدل ملابسه تتبعه ضحكات أيهم وفاطمة الصاخبة
…………………
مساء اليوم التالي
في منزل خالد
"خالد لماذا تفعل هذا؟ إلى أين تأخذني؟"
"هششش حبيبتي كدنا أن نصل"
همس بها بجانب أذنها وهو يربط عينيها بعصابة حمراء ويقودها عبر غرفات الشقة حتى يصل لمبتغاه، زمت شفتيها حانقة منه ومن تصرفاته، حتى الآن هي لم تعلم ما السبب وراء فزعه عندما أخبرته بخبر حملها، ما بك خالد؟ ماذا تخفي عني؟ تساءلت داخلها بقلق، توقف خالد وأوقفها أمامه ليضع رأسه على كتفها هامسا في أذنها بدفء "سأنزع العصابة الآن وافتحي عينيك ببطء حسنًا حبيبتي"
هزت رأسها لينزع العصبة عنها ثم احتضن خصرها بيديه من الخلف، رمشت بعينيها عدة مرات بذهول غير مستوعبة ما تراها، التفتت تنظر إليه وقد اغرورقت عيناها بالدموع ،هز رأسه بحب مؤكدًا ما تراه، التفتت تتطلع حولها تنظر إلى غرفة الأطفال التي كانت فارغة فيما مضى، لتصبح الآن آية من الجمال، الحوائط بلون رمادي خفيف منتشر عليه نجوم بيضاء صغيرة، وستائر باللون الوردي مثل معظم أثاثها، سريرين متقابلين يفصل بينهما طاولة صغيرة بمقعدين ظريفين، ودولاب صغير للغاية بينهما يعلوه رفين يحملان لعب منظمة بشكل يخطف الأنفاس، فوق الرفوف تبرز كلمة "lucky” بوضوح، وتنتشر العديد من البالونات البيضاء والحمراء والرمادية على الأرض.
كانت مبهورة بما ترى تتسارع خفقات قلبها بفرح عظيم، لتجده يتأمل فرحتها بعشق، كانت قد طلبت منه أن تذهب إلى منزل والديها ونيرة لتبارك لها ليوافق، وبعد ذهابها اتصل بأيهم وماهر ليساعدوه بتزيين الغرفة وجعلها على هذا الشكل لتكون مفاجأة سعيدة لها، اقتربت منه لتمسك كفه بين يديها تقبلهما برقة هامسة في عينيه "أحبك، أنا أعشقك خالد"
ابتسم بحب ليقرب رأسه منها هامسًا بخفوت "وأنا حبي لكِ فاق كل الوصف هناي"
ارتمت بين ذراعيه تحتضنه بقوة ليضمها إليه أقوى، دافنًا إياها داخله محاربًا بها وساوسه التي تقتله، ابتسمت على صدره متسائلة "تصميم الغرفة أنثوي خالد، ماذا لو رزقنا بصبي"
أجاب بهدوء وابتسامته تتسع على رأسها "كلا هي فتاة، أنا أشعر بها منذ الآن وسأسميها يقين"
ابتعدت عنه تنظر إليه بدهشة قائلة بتعجب "يقين!! اسم غريب"
أجاب وهو يجذبها إليه ثانية "نعم يقين.. ستكون يقين حياتي ومحور حياتي الثابت.. أشعر بحب جارف نحوها منذ الآن"
ابتعدت ثانيةً لترفع نفسها تطبع قبلتين على وجنتيه قائلة بحب وحنان "أنت أفضل زوج بالعالم.. أنا محظوظة بك خالد.. أحبك وأذوب بك"
أسند جبينه على جبينها هامسًا لها بهيام "بل أنا المحظوظ بكِ وبها"
ليضع يده على بطنها متحدثًا بحنان "أنتظر قدومك بفارغ الصبر حبيبة والدك"
قبلت هنا رأسه وهي تضم نفسها إليه مستمتعة بحنانه وطيبته النادرة، ماحية من عقلها كل تفكيرها السلبى، وقلبها يعلن للمرة المليون عشقه الجارف لذلك الرجل النادر.
نهاية الفصل


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-20, 08:01 PM   #84

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثاني عشر
يوم الخطبة
يجلس أيهم أمام سليم يرتدي بنطال جينز أسود وقميص رمادي يعلوه جاكيت زيتي غامق، ينظر إلى سليم بتحدي فيرد له سليم النظرة بأخرى لا مبالية ساخرة، يرسم على شفتيه ابتسامة سمجة وتعلو عينيه نظرة انتصار، لم يفهمها أيهم ولا يريد فهمها، ما يريده حاليًا في هذه اللحظة هو رؤيتها فقط، ابتسم سليم بسخرية مفكرًا داخله أن أيهم غبي إن كان يظن أنه انتصر عليه، ما كان ليأتي متفاخرًا هكذا لولا أنه سمح له، غبي لا يعلم أنه أدخله لعبته التي أهم بيادقها هي نيرة، بدأ سليم الحديث بسخرية "أين والدتك أليس من المفترض أن تأتي لتخطب لك"
وقبل أن يجيب أيهم هتف عمر بقوة "لا شأن لك بخالتي"
ردد باستهزاء وهو يرفع حاجبه "خالتك!! هنيئًا لك بها"
نظر له رحيم بنظرة جليدية قائلًا ببرود "لنتحدث فيما أتينا به"
ليضيف أيهم بتحدي "سيكون الاتفاق كاملًا بوجود نيرة بيننا"
رفع سليم كتفيه بعدم اكتراث قائلًا لعمر "أحضر نيرة من الداخل"
بعد قليل من الوقت مر صامتًا كئيبًا وكأنه ليس بخطبة، عاد عمر ومعه نيرة تحمل المشروبات بين يديها المرتجفتين، ترتدي فستان من اللون الأحمر الغامق يحيط وسطه بحزام من نفس اللون، بدون أكمام ومن أسفله يبرز كمي قميص أبيض، تلف شعرها بحجاب أسود من نفس لون شعرها الذي يعتقد أنه طويل وكثيف، وكما يتمنى لو يغرق يديه به.. كم كانت جميلة مشرقة وناعمة للغاية، كما تمنى وكما حلم بها دائمًا.. تأملها بوله حبيبته الفاتنة.. بريئة كما الأطفال.. صافية كما السماء.. مشرقة كما الزهور.. لامعة كما النجوم.. جميلة كما يجب أن تكون.
خجلت كثيرًا من نظراته المصوبة تجاهها، وشعرت بقلبها يخفق بقوة يود التحرر من مداره.. نظرت إلى الأرض بخجل لتسلم على رحيم بهمس خجول، وقف ينتظرها حتى تلقي عليه التحية.. ولكنها خجلت من أن تضع عينيها بعينيه فتجاهلته وكأنه غير موجود.. عقد حاجبيه بقوة لينظر لها بتمعن فيجد حمرتها تزين وجهها بأكمله.. كتم ضحكته بقوة وقد فهم أنه تصرف عفوي لم تقصده، همست بخفوت وهي تنظر حولها "أين عمتي بطة؟"
أجابها بصوت رقيق "تعبت ولم تستطع القدوم ورفضت أن نأجل الموعد"
هزت رأسها لتهمس بأسى متعاطف "شفاها الله وعافاها.. سأكلمها واطمئن عليها"
هدر سليم بقوة متحدثًا بنزق "لنتحدث في المهم الآن.. هل يوجد لديك مسكن خاص، أم ستسكن مع والديك"
نظر أيهم إلى عيني سليم ورأى داخلهم تذكيرًا له بشرطه الذي أملاه عليه، ليبتسم بمكر وعينيه تلمع بخبث "بالتأكيد عمي لدي ملكي الخاص _ثم التفت إلى نيرة قائلًا بحب_ نيرة هل أعجبك تصميم شقة ماهر والدكتورة لمار"
عقد سليم بين حاجبيه لا يفهم إلى أين يريد أيهم الوصول.. بينما أومأت نيرة برأسها إيجابًا غير قادرة على التفوه بكلمة ليردف بحنان "هل تريدين السكن بجوارها؟"
اتسعت ابتسامتها وهي تنظر إليه بلهفة فيؤكد لها بعينيه صدق كلماته، أومأت برأسها بقوة ليقول بارتياح "شقتي هي الطابق الرابع.. أي الشقة التي تعلو شقة ماهر"
اتسعت عيني سليم بصدمة ناظرًا له بتوعد ليبتسم أيهم له بسماجة.. ابتسم سليم بسخرية ليقول بابتسامة باردة "إذًا الشقة جاهزة؟"
هز أيهم رأسه قائلًا بجدية "نعم يلزمها أسبوعين فقط.. وأنا أريد عقد القران والزفاف أن يكونوا سويًا بعد هذين الأسبوعين"
علت الدهشة ملامح نيرة ليوجه أيهم الحديث إليها بلطف "أنا وأنتِ نعرف بعضنا جيدًا ولا داعي للانتظار"
"موافق.. لنقرأ الفاتحة" رد سليم بصوت بارد مستهزئ.
اتسعت عيني رحيم بدهشة وهو شاهد على حديث ولده كاملًا، تاركًا له دفة الحديث كما طلب أيهم منه.. تكلم رحيم بنبرة رخيمة "على بركة الله لنقرأ الفاتحة"
قرأ أيهم الفاتحة بعدم تصديق ليميل إلى عمر الجالس بجانبه هامسًا "أنا لا أحلم أليس كذلك؟"
نظر إليه عمر بطرف عينيه قائلًا بحنق "لا والماء البارد يشهد على ذلك"
عض على شفته السفلى بقوة يمنع ضحكته من الانطلاق وهو يتذكر ما فعلته فاطمة بعمر ذلك اليوم، وبعد مرور وقت قصير اتفقوا فيه على كل شيء.. استأذنوا للمغادرة احتضن أيهم سليم هامسًا له "العين بالعين والبادئ أظلم.. خدعتني مرة وخدعتك مرة متعادلان"
انصرف أيهم ورحيم لتنطلق ضحكة سليم عالية وهو يهمس داخله بغل "مخطئ أنت يا ابن فاطمة.. ما زلت أنا من يخدع هنا"
نظرت له نيرة بسعادة تعتقد أن تلك الضحكة من سعادته بها بينما نظر إليه عمر بتوجس متمتمًا بسترك يا رب.
..........................
بعد مرور أيام من الانتظار الطويل
يقف أسفل سلم القاعة ينتظر ظهورها كالبدر لتنير حياته، للآن لا يصدق كيف مر هذان الأسبوعان.. كان يتقلب فيهما على الجمر من الانتظار والترقب.. انتظار لأي مفاجأة من سليم وترقب لانتهاء الأسبوعين، كان يسابق الزمن لينهي هو وماهر وخالد شقته قبل الأسبوعين يعاونهم عمر وعادل، بينما كانت فاطمة تكاد تطير من سعادتها وكم تضاعفت سعادته لأنه استطاع أن يفي بنصف وعده لوالدته.. لقد أعاد نيرة إلي أحضان والدته تبقى فقط أن تعود ابنة أختها.
بينما مكثت نيرة بشقتها في القاهرة بعيدًا عن والدها، كان قد أوعز لشذا بأن تبعد نيرة عن والدها.. وقد أقنعت شذا نيرة بذلك بكل سهولة ليطمئن قلبه ولو قليلًا، ومر الأسبوعان ببطء مرير عليه.. تسكن معه بنفس الحي.. ونفس المبنى.. والشقة المجاورة.. بل الشرفة المجاورة، ومع ذلك كانت تتجنبه بمهارة تُحسد عليها، وها هما الأسبوعان انقضيا وانقضى معه عذابه وخوفه بأن تكون مجرد حلم فقط، عندما وقّعت اسمها على عقد قرانهما، شعر بقلبه يخفق بسعادة كبيرة غير قادر على السيطرة عليها.
نظر بطرف عينيه إلى دارين بحنق وغيظ يتوعدها داخله فقط ما إن يتفرغ لها، تطلع إلى السلم ثانية يرجوها أن تنزل فقد طال انتظاره، وما كانت إلا ثواني قليلة وطلت تتأبط ذراع والدها.. انتفض قلبه بقوة يضخ دماءه بسرعة رهيبة، وهو يتأملها في ذلك الفستان الذي اختاره من أجلها.. فستان أبيض كبياض روحها ينساب على جسدها بنعومة مخفيًا كل أنوثتها بطريقة مغيظة، محكم من عند الصدر ومطبوع بالعديد من الورود البيضاء الجميلة، ينزل باتساع يناسب الأميرات مثلها، وطرحة قصيرة على حجاب أبيض لُف بطريقة عصرية مميزة، عينيها تحددت بكحل أبرز العسل الذي يقطر منها ويكاد يتذوقه على شفتيه، وبعض لمسات الزينة الخفيفة التي لم تزد شيء على جمالها الرباني.
بينما كانت ترتجف بقوة تتمسك بذراع والدها برعب.. خائفة مما هو قادم.. خائفة أن يكون مجرد حلم وسينتهي على كابوس مطعم بالدماء كمعظم أحلامها، فارس أحلامها أمامها ينتظرها ببدلة سوداء وقميص أبيض ورابطة عنق زرقاء، ابتسمت بخجل تتأمل وسامته الظاهرة من بين رموشها المسبلة، كان طويلًا للغاية تذمرت بحنق أطول منها بالطبع، شعره أسود ناعم يدعوها لتلمسه، عيونه شديدة السواد تنظر إليها بنظرات لطالما تمنتها، نظرات عاشقة ولهة.. مولعة بها، ابتسمت بخفر ووالدها يسلمها لأيهم ويوصيه بها، اقترب أيهم بذهول ووجل ليقبل جبهتها بعمق هامسًا لأذنها "اعذريني على ما سأفعله"
وفي اللحظة التالية كان يعتصرها بين ذراعيه بقوة وحب ومجددًا عدم تصديق، اتسعت عينيها بمفاجأة ثم ما لبثت أن استكانت بين ذراعيه تتشبث بسترة بذلته بقوة من الخلف.
.......................
في القاعة
جلس عمر بجانب فاطمة يزفر بضيق من تلك الحمقاء التي تختال أمامه بدلال مغري، ترتدي فستان أحمر ناري طويل بدون أكتاف تمامًا، يحدد جسدها برشاقة وإغراء وقد أطلقت لشعرها العنان.. شعرها الأسود الممتزج بخصلات نارية كفستانها، ملاكه البريء الذي أسره بنظرة واحدة، نظرت فاطمة التي كما يخيل للناظر له عادت صبية بعمر العشرين إلى حيث ينظر، لتبتسم بإدراك لإعجاب عمر بدارين الذي يظهر بغيرته عليها، يا الله هل تكون جشعة إذا دعت الله أن يجمعهما سويًا، فدارين بنقائها وبراءتها وحنانها الفياض تستطيع مداواة الجروح التي تسبب بها الزمن لعمر، وعمر بطيبته المستقرة بروحه سيكون خير زوج لربيبتها الغالية، ابتسمت بإدراك وعمر يستقيم واقفًا متجهًا إلى دارين، واقفًا أمامها قائلًا بنبرة ساخطة "قفي باعتدال دارين"
أجفلت دارين ناظرة إليه قائلة ببراءة "ماذا فعلت؟"
رد وهو ينظر بعيدًا حيث تبتسم شقيقته بسعادة وأيهم يتمسك بيدها بقوة "أخاف على أحد أن يعلق بقدمك"
"ويقع بشباكك كما وقعت" همس بها داخله دون أن يصرح بها، اعتدلت سريعًا قائلة بخفة "أووووه معك حق لم أنتبه.. أنا فقط أشعر براحة بتلك الوقفة"
ضحك وهو ينظر لها بطرف عينيه يريد أن يعاتبها على هذا الفستان، ولكنه ظل واقفًا بجوارها يحميها من نظرة غير بريئة قد تطالها، اتسعت ابتسامة فاطمة واتجهت عينيها إلى حيث يجلس ابنها الأصغر، الأقرب إلى روحها خالد ابنها الحبيب، محدد إقامة زوجته جانبه بالقوة .. لينتقل نظرها إلى هنا المشرقة بفستان أخضر وينزل من الجانبين بلون أسود في تمازج رائع، كمين طويلين أسودين تلف حجاب من اللون الأسود، تنظر لخالد بعينيها تترجاه أن يتركها تذهب لتكون بجوار نيرة، فيهز رأسه بنفي حازم، همست بدلال وهي تتعلق بذراعه "رجاءً يا خالد دعني أصعد لنيرة"
رد بحزم "أبدًا"
"أنا أجلس بجوارك منذ بدأ العرس.. دعني أذهب إليها كي أبقي بجوارها قليلًا"
نظر لتبرمها الحانق مجيبًا بحنان "هنا لقد أرهقتِ نفسك بما فيه الكفاية الأسبوعين الماضيين.. رجاءً استريحي قليلًا لأجل بنتنا"
ضمت هنا شفتيها قائلة بعدم رضا "يا الله لا تجعلني أغار منها قبل أن تأتي"
ضحك قائلًا بحنو "لن تفعلي أنت أعقل من هذا"
"ولكن انظر لمار مع نيرة، لا أريد لنيرة أن تغضب مني"
رد خالد بابتسامة بسيطة "نعم وماهر يكاد يموت من غيظه، ونيرة لن تغضب منك"
زمت شفتيها مبعدة ناظريها عنه.. لتشعر بيده تتسلل لبطنها حيث مسكن ابنتها المنتظرة، يناجيها كعادته لتبتسم بحب رغمًا عنها.
تألقت عيني فاطمة بنظرة سعيدة ثم نقلتهما إلي ماهر المتذمر الحانق، كانت عينيه تتبع زوجته دماره بلهفة.. حب.. وحنق وهي ترتدي فستان بلون رائع يبرز بطنها المنتفخة قليلًا، ذو صدر أسود محكم وتنورة بلون الذهب طويلة، وحجاب بنفس لون الذهب تتحرك هنا وهناك تحت حماية من تلك الشذا التي لو وضع يده عليها الآن سيقتلها، مال على عادل الذي يجلس بأناقة فطرية يهمس له "ابعد شقيقتك عن لمار حتى لا أقتلهما سويًا"
قهقه عادل بمرح وهو يستمع إلى تذمر ماهر يخرجه من أحلامه بها، تلك التي لا يعرف هل ستكون له يومًا أم ستظل ندا أحلامه فقط، ليجيب بزهو "تقتل شذا!! يا بني أنت تحلم"
رفع ماهر حاجبه قائلًا بتعجب "ما هذه الثقة؟"
ضحك عادل قائلًا بحنان وهو يتابع شقيقته ذات الطلة الفاتنة، مرتدية فستان وردي اللون يصل لركبتيها بدون أكمام "شذا منذ صغرها مغرمة بالفنون القتالية وبارعة بها، ولديها قدرة على الصمود مبهرة"
مط ماهر شفتيه بإعجاب قائلًا وهو يقف "بعد إذنك سأذهب لأخطف زوجتي"
ابتسم له عادل بخفة ثم استقام واقفا ليذهب ويقف بعيدًا في أحد جوانب القاعة، أثناء رحلة فاطمة بين أبناءها تقابلت نظرتها مع عيني سليم الجالس على طاولة بمفرده فينظر لها بكره وعداء، أشاحت بعينيها عنه بتوتر لتتلقى نظرة محبة من رفيقها المحب رحيم، وهو يربت على كفها القريب منه قائلًا بحنان "لستِ بمفردك فاطمة أبنائك جميعًا حولك"
...........................
اقتربت شذا من عادل بعدما أخذ ماهر منها لمار، لتقف بجانبه متعلقة بذراعه قائلة بحنو "لقد تزوج أيهم يا عادل"
تنهد عادل قائلا بخفوت "هممممممم وماذا أيضًا"
التفتت تقف أمامه قائلة بجدية "خذ خطوة تجاه ندا عادل.. لا تقف هكذا حتى تضيع منك"
تنهد قائلًا بخفوت "أنا أشعر بالذنب لقد أحببتها وهي خطيبته، أي نوع من الأصدقاء أكون"
أغمضت عينيها تخفي حنقها قائلة بهدوء "القلوب والمشاعر لا نتحكم بها، ولكن تصرفاتنا هي ما تحكمنا، وأنت لم تفعل ما يسيئ إليها أو إلى كابتن أيهم"
رد بخفوت "ماذا أفعل يا شذا؟"
ابتسمت قائلة وهي تربت على صدره "إذا كان موضوع الذنب هذا مسيطر عليك، تحدث مع كابتن أيهم واعتذر منه ولكن افعل كل شيء لتفوز بحبك"
أومأ برأسه بزفرة حارة قائلًا يبدل وجهة الحديث "هل رأيتِ ماما أو بابا مؤخرًا"
مطت شفتيها وبرقت عينيها الزرقاء قائلة ببسمة شقية "ماما زارتني وبقت معي عدة أيام قبل عودتي، أما بابا فهو يستقبلني ويعاملني معاملة سيئة للغاية"
ضحك بمرح قائلًا وهو يلف كتفها بذراعه "لطالما كنتِ مشاغبة عنيدة تثيرين حنقه"
رفعت كتفيها قائلة بمشاغبة "وأنت كنت الهادئ المطيع الذي فاجئه بما لم يخطر بباله"
همس ببساطة "كان حلمي آنسة شذا"
التفا ناظرين حيث خفتت الإضاءة وصدحت أغنية رومانسية، ليجذب أيهم زوجته ويتجه بها إلى منتصف القاعة، يعانقها برقة ويراقصها بخفة أشعرتها أنها فراشة محلقة بين الزهور، بينما ابتسم ماهر بشيطنة ليجذب لمار ويذهب للرقص بها، ليتبعه خالد وهنا.. بينما طلبت شذا من عادل أن يرقص معها فوافق برقة، لتترجى دارين رحيم أن يرقص معها فلا يستطيع أن يرفض طلبها، بينما جذب عمر خالته ليراقصها وهو يضحك بمرح ويغازلها بسعادة، انتهت الأغنية الرومانسية فحمل أيهم نيرة ودار بها بفرحة، ليحتفظ بها بين يديه يضمها بقوة بعد أن توقف هامسًا بأذنها "أنا أهيم بكِ وأذوب بنظرة عينيكِ"
بعد انتهاء الحفل انطلقت السيارات في زفة جميلة هدية من أصدقاء أيهم له إلى منزله، وأمام المنزل نزل من سيارته وساعدها على النزول، ليتجه بعدها إلى والدته يقبل يديها ورأسها هامسًا لها بحبه وشكره وامتنانه، احتضنت فاطمة وجهه بين يديها هامسة بحب "لا تشكرني بني أنت أغلى هدية بعثها الله لي"
تركته لتذهب إلى نيرة تحتضن وجهها بين يديها بحنان.. تتأمل ملامحها بلهفة هامسة "أنتِ جميلة للغاية ابنتي.. أنرتِ حياة ابني"
قبلت نيرة يديها لتحتضنها بقوة وتهمس في حجاب فاطمة بصوت مسموع لها فقط "بل هو من أنار حياتي"
ابتسمت فاطمة وهي تبتعد عنها تربت على رأسها برضا، اقترب أيهم بهدوء ليحملها بين ذراعيه ويصعد بها إلى منزلهما، ترافقهما دعوات فاطمة وصافرات أصدقائه الفرحة .
..........................
في شقة أيهم
أخيرًا وحدهما، يكاد لا يصدق.. بالفعل هو لا يصدق.. حلمه.. حبه.. حياته كلها، ها هي بالأبيض يحملها بين ذراعيه.. لقد زُفت له منذ دقائق ولن يبعدها أحد عنه أبدًا، نظر لها طويلًا متأملًا جمالها وخجلها، مشبعًا شوق عينيه إلى تأمل ملامحها البهية، كيف كان سيبعد عنها؟ عن تلك البراءة بين يديه، عينيها التي تهرب من عينيه باستمرار، يحمد الله أن ألهمه الصبر في القاعة كي لا يثير فضيحة تتكلم عنها الجرائد الرياضية لأيام كثيرة، تحدث هامسًا بذهول كي لا يجفلها وهو يراقب انقباض كفيها حول قبة قميصه" يا إلهي أنتِ هنا حقًا.. أنا أحملك بين ذراعيَّ.. هل أنتِ هنا نيرة؟ أم أنك إحدى هلاوسي التي تدور دومًا حولك؟"
أومأت برأسها فأكمل ضاحكًا بخفوت مذهول "ألن تُسمعيني صوتك؟ أريد دليلًا أنه ليس حلم.. بل واقع أنك معي وستظلين معي"
"لماذا يطلب مني الكلام الآن؟ ألا يرى أني أغرق في خجلي بسببه؟ مؤكد تحول وجهي إلى أحمر قانٍ وهو لا يرحمني" ماذا تفعل؟ ليتها سألت لمار أو فاطمة، ولكن كيف؟ لقد حاولت وانتابها خجل فظيع ولم تستطع تحريك شفتيها حتى؟ كيف تهرب منه الآن؟ هي تحتاج إلى شكولاتة أو ماصة أو أيًا من أشياءها تلك.. هي بحاجة ماسة إليها، إن لم يتركها الآن ستنهار باكية بين ذراعيه، هي من كانت تهرب منه طيلة الأسبوعين الماضيين، لا تريد أن تصدق أنها أصبحت زوجته فعلًا.. مؤكد حلم وستستيقظ منه بعد قليل، هي تريد أن تبقى بأرض أحلامها دائمًا.. هناك حيث هي معه ولا أحد آخر، أغمضت عينيها بقوة تخشى أن تفتحهما فيختفي من أمامها، تحبه وتألمت كثيرًا في فراقه، هو الوحيد الذي يملئ قلبها بالدفء.. من يشعرها بأمان الكون كله، وببطء شديد فتحت عينيها لتقابل عينيه الحانية المتأملة لكل خلجة تصدر منها، عينيه كانت مذهولة وهي تطالع عسل عينيها الذي أصاب قلبه بسهام مؤلمة منذ وقع أسيره، همست بهمس خافت خجول "أنزلني.. كابتن أرجوك"
ابتسم بعشق مازالت تبخل عليه باسمه من بين شفتيها، أنزلها بهدوء وحذر ليوقفها على قدميها ولكن لم يتخلى عن خصرها، مقربًا رأسه منها هامسًا بأذنها "اسمي ليس كابتن حبيبتي اسمي أيهم.. قوليه يا عمري أيهم"
رقص قلبها بداخلها فرحًا وكل نبضة تنادي اسمه بإيقاع مختلف، فقط لسانها من لا يجرؤ على إخراجه، رطبت شفتيها بلسانها "أعلم.. أي.. كابتن"
تعلقت عينيه بحركتها العفوية متحسرًا على اسمه الذي قُطع قبل أن يُكمل، أمسك بيديها المرتجفتين والباردتين ليرفعهم ا إلى شفتيه مقبلًا باطنهما برقة معيدًا اسمه "أيهم.. أيهم نيرتي"
ارتجفت لقبلته الرقيقة لتهرب بعينيها منه هامسة بخجل "أرج.. أرجووك.. أي.. هم"
تأوه لاسمه الخارج متقطع من فمها، وانتشت روحه بفرح عظيم، لتقيم أهازيج لأفراحها، أخفضت عينيها تنظر إلى الأرض، ليمد يدًا مرتجفة إلى ذقنها يرفع وجهها إليه، فقد السلطة على يديه لتتجول على وجهها تكتشفه، وعينيه تحفظ كل تفصيلة منها.. ليقترب ببطء من شفتيها ملتقطًا إياهما في قبلة هادئة رقيقة، مغمضًا عينيه وهو يقربها منه أكثر مازال يحتاج إلى وقت ليصدق أن أميرته بين يديه، ارتجفت بشدة بين يديه وعينيها تتسع بذعر من ذلك التقارب المخيف لها ومن مشاعرها الغريبة نحوه، حاولت أن تبتعد ولكنه أحكم سيطرته حولها مقربًا إياها رافضًا ذاك الابتعاد الذي تبتغيه، ابتعد وهو مازال مغمضًا عينيه هامسًا بهيام "رباه لا أستطيع السيطرة على خفقات قلبي، أنا أحبك نيرة.. لا أنا أعشقك أنتِ كل عمري نيرة"
انتظر أن يسمع إجابتها ولكن انتظاره طال، فتح عينيه يطالع عينيها المتسعتين بذعر ليهمس سريعًا بلهفة "ربااااه نيرة.. أنا لن أؤذيكِ.. أنا أحبك أحبك نيرة"
حاولت أن تتكلم ولكنها لم تستطع فقط عينيها سالت منها دموع غير مصدقة، دموع حامدة لله فضله، دموع سعيدة لكنها خائفة.. همست بصوت مرتجف "أعلم.. أنا فقط عاجزة عن التصديق"
ضمها إليه بشدة يرفعها إلى مستواه وهو يغرق وجهه في طرحة فستانها هامسًا "وأنا مثلك لا أصدق.. أنا أحبك"
تعلقت به تلف ذراعيها حوله بعنف، تضمه إليها بقوة وتدفن نفسها بين ذراعيه، تسمح لدموعها ونشيجها بالطفو على السطح، شهقت بقوة ليضمها إليه أكثر قائلًا بحنو "هششش حبيبتي ماذا حدث؟ لماذا البكاء الآن؟"
تساءلت باكية بلهفة "أنا لا أحلم أيهم أليس كذلك؟ أنا لن أفيق الآن وأجد غيري تحمل خاتمك، أنا توجعت كثيرًا أيهم ولا أريد أن أعود لذلك الوجع ثانيةً"
أبعدها عنه لترفض الابتعاد مكملة بألم "أنا كرهت نفسي وكرهتك كثيرًا في تلك الفترة.. كنت أدعي القوة من الخارج وبداخلي كنت أموت كل دقيقة.. كنتُ غبية وخطبت لغيرك لانتقم منك.. لأجعلك تتوجع مثلي.. أنا آسفة لم أكن أفكر أبدًا أنا.. أنا.."
قاطعها بوجع وهو يدفن رأسها بيده أكثر بعنقه "يكفي نيرة يكفي حبيبتي"
لم تتوقف دموعها بل على الأكثر زادت دموعها أضعاف وهي عاجزة عن الكلام.. عادت إليها كل أوجاعها بلحظة.. خوفها.. تفكيرها الغبي.. مرضها الذي لا يعلم عنه شيئًا.. كانت أنانية ولم تخبره شيئًا خوفًا من أن يتركها.. كان حقه أن يعلم وهي أخفت عنه ذلك، جلس على أقرب مقعد وأجلسها في حجره وهي مازالت تبكي، ظل يهمس لها بكلمات عذبة حتى هدأت بين يديه ليرفع وجهها إليه، ينظر لعينيها مباشرةً وهو يمسح دموعها بإبهامه متمتعًا ببشرتها الناعمة، ليقبل جفنيها فتغلق عينيها بقوة ثم كانت قبلة قوية على جبهتها، واثنتين على وجنتيها وأخرى بجانب زاوية فمها ليهمس أمام شفتيها "انسي تلك الفترة رجاءً انسيها كأن لم تكن"
ليقبل شفتيها بعدها بقوة وتملك متذكرًا أنها كادت أن تكون لغيره، أحست بالاضطراب فقبلته تلك ليست مثل الأولى، ولكنها لم تملك غير أن تتجاوب معه بخجل لتتحول إلى أخرى شغوفة متلهفة، بعد فترة ابتعد أيهم عنها رافعًا وجهها إليه، متأملًا حمرتها الشهية وكيف اشتعل العسل داخل مقلتيها، ليحيط وجنتيها بيديه قائلًا باختناق "تلك الفترة لم يكن الأمر بيدي.. أقسم أني توجعت لكل قطرة عذاب سالت من عينيكِ قطرات مضاعفة.. كنت أريد أن أركض إليكِ.. أبوح بحبي وعذابي وأنا أحتضنك ولكن لم أستطع"
همست بخجل مذنب ويديها تطاوعها للمرة الأولى، وترتفع لتحط على وجنته بحنان وحب "ابتعدت لأجل تهديد أبي أليس كذلك؟"
لم يكد يتنعم بلمستها حتى كانت همستها التي أوسعت عينيه دهشة، هزت رأسها تجيب سؤاله الصامت بعينيه "لقد علمت كل شيء.. لا أعلم لماذا فعل ذلك.. لكنه أبي ولا أستطيع أن أجرحه"
ضمها إليه يمسد ظهرها بحنان ويقبل رأسها بقوة قائلًا برقة ولطف "لا يهم كل ذلك حبيبتي، ما يهمني أنك بالأخير بين ذراعي ولن أسمح بابتعادك ثانية"
عانقته بقوة تطيب جرح تلك الأيام العصيبة ليبعدها عنه برفق قائلًا "استعدي للصلاة حبيبتي"
وبعد وقت قصير
كان أيهم ينتظرها على سجادة الصلاة يهدئ نفسه كي يستطيع التعامل معها الليلة، هي خائفة رأى خوفها في كل تفصيلة بوجهها وعليه أن يسكن خوفها أولًا، خرجت إليه تفرك كفيها بتوتر، تأملها بإسدالها الأزرق كانت ناعمة وفاتنة للغاية، مد يده يلتقط يديها قائلًا بحنان "هيا لنصلي"
وقفت تصلي خلفه وهو إمامها كما تمنت وحلمت كثيرًا، داخلها يرجف فرحًا وخوفًا وتوتر، أم هو داخله يدعي ثبات هو أبعد ما يكون عنه، أنهى صلاته والتفت إليها ليضع يده على رأسها يقول الدعاء المتعارف عليه، ثم همس لها "ماذا تريدين مني بمناسبة زواجنا"
رفعت عينيها تنظر إليه لتقول بتفكير "أريد أن أكون معك بالدنيا والآخرة"
هتف بتأثر "هذا رجائي أنا الآخر نيرة"
هربت نيرة بعينيها لتقول بتلعثم "أيهم.. هناك شيء يجب أن تعلمه"
شجعها بعينيه لتقول بخفوت "أنا مصابة..."
" بفقدان ذاكرة، أعلم ولا يهمني أبدًا"
رفعت رأسها إليه بدهشة هامسة "حقًا!!!"
هز رأسه وهو يحتضن وجهها هامسًا بعشق "حقًا.. أنت من تعنيني نيرة أنتِ فقط، هل تتذكرين عندما أخبرتك عن نجمتي الضائعة"
أومأت برأسها بالإيجاب ليجيب بصوت حاني "كنتِ أنتِ تلك النجمة نيرة، وأنا دون نجمتي تكتنف الظلمة أيامي"
أخفضت وجهها بخجل ليرفع ذقنها قائلًا بحنان "والآن اذهبي وبدلي ملابسك حتى نتناول الطعام، مؤكد لم تتناولي شيئًا منذ الصباح"
فرت من أمامه هاربة إلى الغرفة لينظر في أثرها ببسمة ويمني نفسه بالصبر، ظل ينتظرها في غرفة الطعام طويلًا لكنها لم تظهر، عقد حاجبيه بتفكير ،لمَ تأخذ كل هذا الوقت وهي تبدل الفستان، تراها نامت، الويل لها إن فعلت، دخل الغرفة يبحث عنها لم يجدها.. طرق باب الحمام وأيضًا ليست هناك.. بحث بالشقة بأكملها لم يجدها.. اضطرب قلبه فزعًا ليلمح الضوء الخافت القادم من المطبخ.. تسلل بهدوء حتى لا يفزعها ليتسمر مكانه ويفغر فاهه بذهول، الآن فقط علم المعنى الحقيقي لعبارة متزوج من ابنة أخته.. عبارة لطالما سمعها ليختبرها الآن.
وأمامه كانت جالسة على حافة المطبخ تحمل في يدها علبة مثلجات كبيرة، ترتدي فستان ربيعي بلون البحر يكشف عن أعلى صدرها بفتحة مربعة الشكل ويحيط أعلى كتفها باستدارة محببة.. ضيق حتى خصرها لينزل منتفخًا كمظلة مقلوبة ويصل لأعلى ركبتيها بقليل، وقد أزالت كل زينتها لتعود بشرتها نقية، وشعرها "أين هو" فكر بصدمة شعر أسود ناعم قصير للغاية، بالكاد يصل لكتفيها لقد دمرت أحلامه عن عروس عمره باقتدار، وقف يتأملها دون أن تشعر به ليسمع مناجاتها لنفسها بتوتر "غبية؟ ما كان يجب أن أوافق على الزواج منه؟ الآن كيف سأعيش معه وأنا أتجول هكذا في المنزل دائمًا؟ ومؤكد هو سيراني.. أنا أموت خجلًا منه وهو لا يتوانى عن إخجالي.. أووف ماذا سيحدث بعد قليل.. لمار كانت تحكي عن أحد أبطالها يقول لحبيبته.. أنتِ جميلة للغاية وأنا سألتهمك كقطعة حلوى.. أنا الأخرى جميلة يا إلهي هل سيلتهمني.. سأكل حتى أشعر بالتخمة وأنام.. أو الأفضل أن أحصل على قرص منوم.. وبذلك أهرب منه"
لم يستطع كتم ضحكته أكثر من ذلك.. لتنطلق ضحكته بقوة وهو يعتدل من وقفته المائلة على الباب ويتقدم نحوها، كان يراقب كل تعابيرها وهي تتحدث مع نفسها.. كل شهقة خجل وفزع صدرت منها.. كل ملعقة شكولاتة كانت تذوب بفمها فيذوب معها، تجمدت مكانها وهي تسمع صوت ضحكته تتردد حولها، يا إلهي منذ متى وهو هنا، ماذا سمع من كلماتها؟ ألن تتوقف عن عادتها الغبية تلك، وقف أمامها يمنع هروبها أو حتى محاولتها للحركة، مد يده ببطء يمسح الشكولاتة من على شفتيها، والأخرى يلتقط بها علبة المثلجات منها فتتشبث بها كغريق، رفع حاجبيه بدهشة وابتسم بمكر وهو يقبل شفتيها برقة، فارتخت كل عضلاتها، استغلها هو بأن نزع منها علبة المثلجات ليهمس بحب "أنتِ ليست جميلة نيرة.. أنتِ فاتنة للغاية.. وحبيبتي ولن أتركك الليلة أبدًا"
ارتجفت بشدة ليسألها هامسًا محاولًا كسر توترها وخوفها "أين شعرك حبيبتي؟"
رفعت رأسها بدهشة تنظر إليها قائلة بتعجب "على رأسي أيهم! هل سيكون على أنفي مثلًا؟"
قهقه أيهم بسخرية قائلًا "ظريفة.. أعلم لماذا هو قصير هكذا؟"
زمت شفتيها بحنق قائلة باختصار "لأني أحبه هكذا"
رفع يديه يغرقهما في شعرها كان كثيفًا ولكن قصيرًا مجيبًا بأمر "لن تقصيه ثانيةً بعد اليوم"
همست بتحدي أمام عينيه وهي تعقد ذراعيها على صدرها "شعري وأنا حرة بما أفعله به"
تتبع حركة يديها ليستقر نظره على بشرتها العارية مغمغًا بمكر "سنرى"
شهقت بخجل وهي ترى استقرار نظراته على مقدمة صدرها فغطت عينيه بيديها هاتفة بحنق "أنت وقح كابتن"
أبعد يديها عن عينيه وحملها بين ذراعيه هامسًا بأذنها "سأريك إلى أي درجة أنا وقح"
همست باسمه وهي تدفن رأسها في صدره طالبة منه الابتعاد، ليضحك بخفوت مكملًا همسه بحب "لا صغيرتي لن أبتعد ثانيةً أبدًا"
كانت تلك آخر كلماته إلى وقت طويل، مبددًا مخاوفها على موج فاض وزاد عن حده من أشواقه إليها، عالم غريب عنها لم تكن تعلم بوجوده حتى، عالم يبدو خطير من الخارج محفوف بالمخاطر وداخله معبدًا بالورد الجوري.. وحلوياتها المفضلة، عالم آمن بين ذراعيه، شعور بالاكتمال لف كليهما داخله، اكتمال أشعره أنه يملك العالم بين يديه، وحملها هي لما فوق الغيوم الحمراء في وقت الشروق.. ظل يهمس لها بحبه إلى أن نامت بين ذراعيه، طبع قبلة على جبينها هامسًا بحنان "لا حرمني الله نعمة وجودك حبيبتي"
لم ينم أيهم سوى ساعتين ليستيقظ بعدها فزعًا، خوفًا من أن تكون الليلة الماضية مجرد حلم وانتهى، فتح إضاءة صغيرة بجانبه تسمح له بتأمل وجهها.. رأسها التي يتوسط ذراعه.. ملامحها التي تشع براءة طفولية.. تأملها طويلًا حتى راعه تلك البسمة التي ظهرت على شفتيها صغيرة لتتسع رويدًا رويدًا حتى تملأ وجهها وبالنهاية كانت تتحول إلى قهقهة خفيفة عذبة.. ابتسم بذهول حبيبته مجنونة بالكامل، وفي اللحظة التالية كانت ملامحها تتحول إلى النقيض تمامًا.. أوجعه ذلك الألم والعذاب الذي ارتسم على وجهها، أناتها الخفيضة المتألمة.. حاول إيقاظها لتتشبث بكابوسها بقوة رافضة أن تستيقظ.
وفي داخل عقلها كانت تقف بفستان عرسها.. تستقبل طفلتها الأثيرة بفستان مماثل فقط الاختلاف بينهما كان في شعرها الذي أطلقته حرًا، لتعانقها الطفلة بقوة فتبتسم لها نيرة وتتسع ابتسامتها مع قول الصغيرة السعيد "أنا سعيدة للغاية لأجلك نيرو، وماما كذلك تطير من فرحتها بكِ.. بزواجك من أيهم وقربك أنتِ وعمر من ماما فاطمة ثانيةً"
لتبتعد عنها وهي تدور حولها في حركات راقصة فرحة، ونيرة تضحك على ضحكتها حتى توقفت براء عن الرقص هامسة بحزن "يجب أن أذهب الآن"
ترجتها نيرة قائلة بدموع بدأت تتجمع بعينيها "ابقي معي قليلًا رجاءً"
هزت الفتاة رأسها بأسف هامسة "تأخرت كثيرًا اعتني بنفسك لأجلي"
وكما اعتادت دائمًا في نهاية حلمها، السماء تتلبد بالغيوم وتختفي الشمس مع اختفاء براء، وبقعة دماء كبيرة تمتد تحت قدميها حتى لامست طرف الفستان.. انهارت دموعها أنهارًا وهي تستيقظ فزعة صارخة بقوة، لتحوطها ذراعي أيهم بقوة تجذبها إليه تخفي شهقاتها في صدره العاري، استكانت بين ذراعيه لتقول بصوت خافت بعيدًا ، تبوح لأول مرة بما يؤرق منامها "كانت طفلة صغيرة.. تشبهني للغاية كأني أرى انعكاس لي وأنا طفلة، أراها بأماكن مختلفة تلعب معي وتضحك معي، واليوم كانت معي بفستان عرس شبيه بفستاني.. ولكن لا أتذكر حديثنا سويًا.. كل شيء يكون رائع وحقيقي للغاية"
صمتت تأخذ نفسًا عميقًا ثم أكملت بارتياع "ثم يتحول كل شيء فجأة السماء لا تعد صافية والشمس تختفي.. وكذلك هي.. مخلفة بركة دماء كبيرة وألم هنا في قلبي يوجعني كثيرًا"
ضمها إليه أقوى يهدهدها حتى نامت ثانيةً من كثرة ما ذرفت من الدموع، يعلم يقينًا أن كابوسها مرتبط ببراء، يجب أن يكتشف ما حدث معها.. قبل وجنتها ليحتضنها أقوى، متيقنًا أنها واقع وليست ضربًا من الخيال.. لينام مطمئنًا بعمق كما لم ينم منذ فترة طويلة.
............................


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-20, 08:03 PM   #85

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

بعد شهر في شقة أيهم
دلف أيهم إلى شقته يبحث عنها لتتسع عينيه بذهول مما يراه، فأمامه كانت نيرة تلبس أحد جلابيبه التي يرتديها لصلاة الجمعة ترتدي عليها حجاب وردي اللون وتصلي بخشوع، كتم ضحكته بقوة عندما استقامت من سجودها لتقف فتعثرت بطرف الجلباب، وكادت أن تقع على وجهها لولا أن توازنت جيدًا، تأملها بجلبابه الطويل والواسع جدًا عليها.. منظرها كان طفولي للغاية.. شهية.. رائعة.
استند على الجدار بوضع مائل يتأملها بحب لا يصدق أنه مر شهر على زواجهما، كل يوم يتفاجأ بها وبما تفعله.. يتذكر ثاني أيام زواجهما عندما استيقظت لتنظر إليه بعينين نصف مفتوحة تقاوم النوم بشدة، لتعقد حاجبيها وتنظر إليه بتركيز وتسأله بعدها "كم الساعة؟"
نظر إليها بذهول ليتسائل "أليس هناك صباح الخير؟"
همست بتذمر "أخبرني كم الساعة أولًا؟"
رفع عينيه باتجاه الساعة المعلقة على الحائط ليقول "الثانية عشر"
همست وهي تغمض عينيها ثانيةً وتندس بين الأغطية، تحتضن وسادتها بقوة بعد أن تخلت عن ذراعه "جيد لازال الوقت مبكرًا وعندما أستيقظ سأخبرك صباح الخير كما تريد"
راقبها بتعجب تعود إلى النوم ثانيةً في أقل من دقيقة ليضحك بخفوت، ويكتشف بعدها تقديس زوجته للعطلات واستخدامها في النوم، وعندما أخبرها أن تختار بلدًا يقضون به أسبوع عسلهما، توقع أن تختار إحدى المدن الساحلية ولكنها فاجأته برغبتها بزيارة الأقصر وأسوان، لا زال يتذكر منظر ماهر المتذمر أن أسبوع زواجه الأول قضاه في معسكر للفريق.. بينما أيهم أتى زواجه في ذاك الأسبوع الراحة من التدريبات، في حين اقترح خالد على هنا أن يسافروا لشرم الشيخ ليقضوا بضعة أيام سويًا فوافقت مرحبة، وعندما عرض ماهر على لمار هزت رأسها بنفي انتقامًا منه على أسبوع زواجهما الضائع، لتعود بعد يومين وتوافق أوشك ماهر على الرفض ليتذكر جنون زوجته، الذي زاد بعد حملها ليغادرا إلى الإسكندرية نزولًا على رغبة لمار.
فكر بأن هذا الشهر هو الأجمل بعمره كله.. اكتشف الجانب الراجح والعاقل من زوجته.. الجانب المحب العاطفي المعطاء.. وجنونها في المطبخ.. وتلك الوصفات الغريبة التي تقوم بها وتجبره على تناولها، أحيانا يتناولها على مضض لأجلها فقط.. وأحيانا أخرى يجذبها لتبدل ملابسها ويدعوها إلى تناول الطعام في الخارج.. ولا ينكر أنها تبدع في بعض الوصفات، ما ينغص عليه سعادته هو عدم اعترافها بحبه إلى الآن.. رغم أنه يظهر واضحًا في كل أفعالها ولكن لسانها لم ينطقه للآن، وأيضًا هدوء سليم المريب لديه إحساس أن سليم هكذا فعل ما يريد، ولكن ما الذي يريده ذلك الرجل؟ يشعره بالحيرة والخوف فذاك سليم حذر للغاية.. أخفى سبب دخول نيرة للمصحة النفسية جيدًا، بذل في الأسبوعين المنصرمين مجهودًا كبيرًا، وكل ما عرفه أن براء ماتت في نفس الوقت الذي دخلت به نيرة تلك المصحة، ولكن كيف ماتت لم يعلم أبدًا، ما يعلمه يقينًا أنها لم تمت بشكل طبيعي، ودليله تلك الدماء في كوابيس نيرة، زوجته تعلم كيف ماتت توأمها! وهذا سبب رفضها للعلاج، هل يُعقل أن يكون سليم هو من أذاها؟ كيف انفصلت عن روحها بتلك الطريقة.. فما علمه من فاطمة أن براء هي جزء من روح نيرة.. ما الذي حدث معها؟
انتبه من تأمله على انتهائها من الصلاة وجلوسها على سجادة الصلاة، اتجه ليجلس أمامها بهدوء يعلم جيدًا أنها تغمض عينيها الآن وتدعو الله برضا تام.. تأملها جيدًا بدون صوت.. فتحت عينيها ليبتسم هامسًا بحب "حرمًا حبيبتي"
أجابته بابتسامة عذبة "جمعًا إن شاء الله"
ثم مطت جسدها لتطبع قبلة على وجنته قائلة بحنان "حمدلله على سلامتك"
"سلمك الله حبيبتي"
نهضت قائلة "سأعد الطعام وأنت اذهب لتغتسل"
وما إن أنهت جملتها حتى كانت تسقط نتيجة تعثرها بطرف الجلباب، فتلقفها بين ذراعيه سامحًا لضحكته أن تنطلق بجنون، همست بتذمر "لا تضحك.. كله خطأك أنت طويل للغاية ولم تناسبني"
سأل ضاحكًا "لماذا ترتدينها إذًا؟"
أجابت بحماس و ابتسامة مشرقة "لأني أحب أن أصلي بهم.. كنت قد أخذت واحدة من عمر دون أن يدري ولكن لم أجدها"
غمغم بضيق وغيرته تتحكم به قويًا "أنتِ معتادة على ارتداء ملابس عمر؟"
هزت رأسها نفيًا مجيبة بخفوت "كلا هو جلباب واحد فقط ولم ينتبه عمر إلى اختفاءه.. يشعرني بالراحة والهدوء وأنا أصلي"
عبس بضيق هاتفًا بغضب "ملابسي كلها ملكًا لكِ.. وإياكِ نيرة أن ترتدي شيئًا يعود لعمر ثانيةً"
نظرت له طويلًا بعدم فهم لتهمس باستسلام "حسنًا والآن ساعدني لأقف"
ساعدها على النهوض وراقب اختفاءها في المطبخ بابتسامة جميلة ثم ذهب ليغتسل ويبدل ملابسه، بعد وقت قصير كان يجلس على طاولة الطعام يراقبها تتحرك من حوله بملابسها القصيرة، ترتدي شورت عسلي اللون يصل لمنتصف فخذيها وعليه تي شيرت يصل بالكاد إلى خصرها، إحدى حمالاته تسقط عن كتفها دائمًا، فزوجته من عشاق كل ما هو قصير سواء ملابسها أو شعرها، جلست بجانبه ليراقبها من طرف عينيه هامسًا بعبث "كم أعشق ملابسك نيرة!"
تضرجت وجنتيها بحمرة قانية لتقول أمام عينيه بتحدي "لا تحلم كثيرًا أيهم.. أنا لا ألبسهم لأجلك إنما لأني أحبهم.. أرتديهم لأجلي أنا أيهم"
مازحها أيهم وهو يغمز لها بعينيه "واثقة جدًا بنفسك"
انطلقت ضحكتها عاليًا لتقول من بينها باعتزاز "كثيرًا"
تأملها وهي تضحك بتلك الطريقة وعينيه تغازلها بجميع أنواع الغزل سواء غزل عفيف أو صريح.. غزل مغلف بقلقه من المستقبل، نظرت إليه قليلا لتقول باهتمام "ما بك أيهم؟ تبدو مشغول البال"
أجابها بمواربة "عادل أراد التحدث معي في أمر ما.. ولكنه تردد في إخباري وغادر سريعًا كأنه يهرب.. يحدث معه أمر منذ مدة ولم يخبرني عنه"
ربتت على ساعده بحنان مجيبة بدلال "لا تقلق أيهومي خيرًا إن شاء الله"
ابتسم قائلًا بسعادة "كنت أزجر خالد عندما يناديني بأيهومي تلك.. ماذا أفعل بك الآن"
مطت شفتيها للأمام في حركة طفولية ورفرفت برموشها عدة مرات قائلة بمكر "أهون عليك أيهومي"
قهقه أيهم ضاحكا وهو يمسكها من أنفها بحركة مرحة "كلا حبيبتي لا تهوني"
صفقت بيديها بجزل لتصمت قليلًا مفكرة بصوت مرتفع "ماذا نسيت؟ تذكري جيدًا نيرة هناك شيء لم تفعليه إلى الآن.. ولكن ما هو يا ربي لقد أصبت بالزهايمر مبكرًا.. يا حسرتاااه على عقلي الموزون.. ولكن ما هو هذا الشيء"
ضحك أيهم قائلًا "أين عقلك الموزون هذا.. عقلك غير موجود يا عمري"
عبست في وجهه بنزق لتعود لتفكيرها ثانيةً وهي تتأمله بشرود لتهمس بغباء "نسيت أن أخبر أيهم أني أحبه"
تطلع إليها بذهول وهي تنهض من مكانها وتجلس على ركبتيه هامسة بعشق "أنا غبية أيهم.. وأحبك كثيرًا.. لا أعلم كيف لم أخبرك بها إلى الآن.. سامحني حبيبي"
تحدث بصوت أجش وقلبه يرقص فرحًا لاعترافها الذي طال "ماذا قلتِ الآن؟"
حركت يديها على وجنته هامسة ببطء "قلت أني غبية.. وأحبك كثيرًا.. ولا أستطيع الحياة دونك.. وأنت نصفي الآخر.. وأني أحمد الله يوميًا أنك نصيبي وزوجي.. وأنت أول من داعب قلبي حتى قبل أن أراك.. كنت معجبة بك كثيرا في مراهقتي.. لتصبح حلمي صعب التحقيق.. أنا أحبك أيهم.. وأغرق بعينيك دون طوق نجاة.. أعشقك حبيبي وعمري كله.. هلا سامحتني رجاء.. تعلم أن حبيبتك غبية.. سامحني أيهومي"
نظر إليها بذهول وروحه وقلبه كل منهما يحتفل على طريقته، وكل عرق حي به يرقص رقصة مختلفة، عقله غاب في غيبوبة من صنع كلماتها ليرفع يديه يغرقهما في شعرها جاذبًا رأسها ناحيته، هامسًا أمام شفتيها بعشق "وأيهم غارق في حبك بلا رغبة في النجاة"
التقط شفتيها في قبلة طويلة.. اكتست الحمرة وجهها وهي تتعلق برقبته وتخفي وجهها في عنقه بعد أن قطع قبلتها طلبًا للهواء، ضمها إليه يدعو الله بقلبه قبل لسانه "أن يحفظها له"
..............................
في ساحة التدريب
تحدث أيهم بنزق وهو يسير بجانب عادل فمنذ فترة ليست بالقليلة وهو على غير طبيعته، ويشعر به دائمًا يريد الحديث لكنه يتراجع بآخر لحظة "ما الذي يحدث معك عادل؟ ورجاءً لا تقل لا شيء.. هيا أخبرني الآن"
زفر عادل ليقل بنبرة مذنبة وهو يتهرب بعينيه من عيني أيهم "اسمع أيهم.. أرجو ألا تغضب أنا حتى لا أعرف كيف حدث هذا أو متى أو لماذا؟ كل الأسئلة التي ستجول بخاطرك لا أملك اجابة عنها.. وجدتني فجأة تائه.. أسبح عكس التيار مسلوب بإرادتي.. لم أكن أريد لهذا أن يحدث ولكنه حدث.. حدث رغمًا عني"
رفع أيهم حاجبه ليقول متعجبًا من كل هذا الكلام الذي لا يفهمه "من كلامك أؤكد لك أنك غارق في الغرام.. أخبرني من هي ولماذا هذه المقدمة؟"
همس عادل سريعًا وكأنه يلقي بجبال من حديد من على كتفيه، فشعور أنه خان صديقه وأعجب بخطيبته يقتله ذنبًا ولكن كما قال لم يكن بإرادته "ندا"
تساءل أيهم بحيرة "ندا؟ من ندا؟"
هتف عادل بنفاذ صبر "خطيبتك السابقة"
صرخ به أيهم وهو يضع يده على فم صديقه "هششش أتريد لنيرة أن تقتلني؟! اخفض صوتك تمامًا"
سأل عادل متعجبًا "ألست غاضبًا؟!!!"
ضحك أيهم مستمتعًا بتعابير وجه صديقه التي كانت دوما جادة مسؤولة، ولكن كما يبدو أن كل ذلك قد تغير "ولماذا أغضب؟! لا تكن غبيًا وتضيع حبيبتك من بين يديك كما أوشكت أن أفعل أنا لمجرد تخاريف وأوهام"
اتسعت ابتسامة عادل ونضحت ملامحه بسعادة وهو يسأل متلهفا "إذًا ما الذي يجب أن أفعله؟ كيف أتصرف؟"
نظر إليه أيهم قائلًا بود "أنت لن تفعل شيء.. أنا سأخبر والدها بشأنك وبعدها نذهب لنخطبها لك رسميًا"
تحدث عادل وهما متجهين لبوابة النادي _حيث تنتظر نيرة_ بسعادة وامتنان لصديقه وقد شعر براحة كبيرة بعد حديث أيهم له "أشكرك كثيرًا أيهم.. كثيرًا.. نعم الأخ والصديق أنت"
ربت أيهم على كتفيه قائلًا بود "لا عليك يا صديقي....."
قطع كلماته وهو يتسمر مكانه ذهولًا وخوفًا وغضبًا.. صدمته جعلته لا يدرك ما حوله.. لحظة.. فقط لحظة هي من تحكمت بحياته أو موته وهو على قيد الحياة.. لحظة هي من جعلته يدرك ما أمامه وعظم ما أوشك على فقده.. تخلى عن كل مشاعر الذهول والغضب ليتحكم به رعبه قويًا.. لم يشعر بنفسه إلا وهو يركض ويصرخ بأعلى صوت لديه ليجذب نيرة يجعلها حبيسة لأحضانه، ويتجه بظهره للطريق المخصص للسيارات ..لا يصدق أنه كاد أن يفقدها.. لقد أصابه أبشع أنواع الرعب حين رآها تسير هائمة ولا تشعر بشيء.. ورأى سيارة مسرعة كادت أن تصدمها.. هي لحظة وكان سيفقد كل شيء.. أخرجها من أحضانه وأخذ يتفحصها بجنون.. ينظر لكل خلية بها بلهفة وجزع وحالما اطمئن أنها بخير صرخ وهو يهزها بشدة "هل أنتِ غبية بالكامل؟ كيف تعبرين الطريق بتلك الطريقة الخرقاء أيتها الحمقاء.. بما كنتِ تفكرين؟ كيف تسيرين و أنتِ شاردة هكذا.. ماذا إن حدث لك شيء؟ كيف كنت سأعيش دونك يا حمقاء"
أما نيرة كانت بعالم آخر تشعر بأيهم لكنها لا تسمع صوته.. ترى شفتيه لكنها لا تفقه من تحركاتهما شيئًا.. كل تفكيرها لا يمكنه إلا أن يذهب لشيء واحد فقط.. شعر بجسدها يرتخي بين يديه، أغمضت عينيها لتمنع رؤية أحداث ضبابية تهلكها ودائمًا ما أهلكتها، لكنها لم تستطع إبعاد تلك الصورة، شعرت بصوت أيهم يناديها ففتحت عينيها لتقول ثلاث كلمات.. فقط ثلاث كلمات كانوا الحياة بالنسبة لها "أنقذ براء أرجووووك" لتعود لإغماض عينيها مرة أخرى تستجيب لهوة سحيقة تجذبها بشدة.. لتجعلها تعيش نفس الحدث مرة أخرى.. لتكون كما كل مرة.. هي الناجية.. مرة أخرى.
حملها أيهم سريعًا وهو يناديها بلوعة.. يرجوها أن تفتح عينيها بتوسل، صرخ ماهر الذي خرج من بعده وشهد ما حدث "سأحضر سيارتي لنعود بها للمنزل"
رفض أيهم بإصرار وخوف "لا.. سآخذها للمشفى"
أجابه خالد محاولًا تهدئته "اهدأ أيهم.. لا تنسى أن لمار طبيبة وهي صديقتها وستعتني بها جيدًا.. بل أفضل من أي طبيب آخر"
هز أيهم رأسه بشرود وهو يضعها بالمقعد الخلفي لسيارة ماهر ويجلس بجوارها محتضنًا لها.. مناجيًا كي تفيق متجاهل كلمات عادل وخالد المواسية، ظل يناجيها أن تفتح عينيها ولكنها تشبثت بحالة من اللاوعي بقدر ما تحبها.. بقدر ما تبغضها.
……………………
في منزل أيهم
دلفت فاطمة لتطمئن عليه وعلى نيرة، لتجده على ذات الهيئة منذ جاء بها، يحملها بين ذراعيه منذ أكثر من ساعتين، وملامحه تشي بحجم رعبه وفزعه، ليضعها على سريرها بحنان ويجلس بجانبها مشبكًا أصابعها بين أصابعه، دلفت لمار لتفحصها جيدًا.. بعد انتهاءها رفع عينيه إليها بسؤال لم يجرؤ على نطقه، لتجيبه بهدوء وعملية طبيب وداخلها يرجف قلق على صديقتها "لا تقلق أيهم هي بخير جسديًا.. فقط عقلها من يجبرها على تلك الغيبوبة.. كثيرًا يلجأ إليها هربًا من واقعه ستفيق بعد قليل"
هز رأسه بشرود ومن حينها وهو جالس بجانبها يتأملها بلهفة ويرجوها أن تستيقظ فقد طال غيابها عليه، وضعت فاطمة يدها على كتفه بحنان وهي تتحكم بدموعها كي لا تذرفها أمامه، أجفل من شروده على لمستها ليضع رأسه على صدرها بألم، ويده ما زالت متشبثة بأصابع نيرة هامسًا بتيه "ستكون بخير أمي؟"
تلاعبت بشعره هامسة بحنان وصوت مخنوق "نعم حبيبي ستكون بخير"
همس بشرود ونبرة مرتعبة "كدت أن أخسرها أمام عيناي اليوم ماما"
ضمته إليها لتقول بتردد "لا بأس حبيبي هي بخير الآن ولكن سليم قادم أيهم.. عمر أخبرني وأخبرني أنه قادم لأخذ نيرة لأنك لم تستطع الحفاظ عليها"
أغمض عينيه بغضب وهو يتوعد ذلك الرجل داخله إن تجرأ وفعلها فقط، سيكون اليوم الأخير بعمره، فتح فمه ليرد لتسكته الجلبة بالخارج، رفع يديها إلى شفتيه يقبل باطنهما بوله، ليهمس بجانب أذنها "أفيقي رجاءً يا عمري"
ثانية.. ثانيتين.. وربما ثلاث بعد خروجه، وكانت نيرة تفتح عينيها، عينين متوسعتين ذاهلتين مرتعبتين من تلك الأحداث التي تتداخل ببعضها، اصطدم الماضي بالحاضر ودارت الصور بعقلها تصيبه بألم لا يُحتمل.. سارعت تغلق عينيها تغلق تلك النافذة التي أغلقتها منذ زمن طويل، فتحت جفنيها ثانيةً بأمل تبدد، والصور تترتب بعقلها بشكل صحيح، غرقت عينيها ببركة كبيرة من دموع معذبة.. وهي ترى أخيرًا شريط حياتها يمر كامل أمامها.. أرادت الصراخ معترضة ناقمة ساخطة معذبة، براء لم تعد موجودة وهي أصبحت لعبة عذّب بها أبيها خالتها، أيهم زوجها ابن خالتها، انتبهت أذنيها للجلبة خارج غرفتها، لتستقيم جالسة تمسح دموعها بعنفوان تجذب طرحتها تلف بها شعرها بإحكام، إنه بالخارج ووقت الحساب أتى، لقد اعتمد كثيرًا على طيبة براء متجاهلًا قسوة نيرة.
........................
نهاية الفصل.


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-20, 08:32 PM   #86

اجزخنجية
 
الصورة الرمزية اجزخنجية

? العضوٌ??? » 409750
?  التسِجيلٌ » Oct 2017
? مشَارَ?اتْي » 324
?  نُقآطِيْ » اجزخنجية is on a distinguished road
افتراضي

راااااائعة يا سارو ❤❤❤

اجزخنجية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-20, 08:36 PM   #87

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اجزخنجية مشاهدة المشاركة
راااااائعة يا سارو ❤❤❤
أنتى الأروع يا حبي


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-20, 08:58 PM   #88

soso#123

? العضوٌ??? » 456290
?  التسِجيلٌ » Oct 2019
? مشَارَ?اتْي » 389
?  نُقآطِيْ » soso#123 is on a distinguished road
افتراضي

ثرياقداح
حقيقي فصل رائع
صدمة الاصطدام أرجعت ذاكرتها ستقف مع ايهم اكيد


soso#123 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-09-20, 10:13 PM   #89

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة soso#123 مشاهدة المشاركة
ثرياقداح
حقيقي فصل رائع
صدمة الاصطدام أرجعت ذاكرتها ستقف مع ايهم اكيد
حبيبتى ميرسي
فعلا الاصطدام اثار ذاكراتها
يسلموا


ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-10-20, 08:03 PM   #90

ساره عرفات

? العضوٌ??? » 476612
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 518
?  نُقآطِيْ » ساره عرفات is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الأخير
خرج أيهم خلف فاطمة ليواجه ثورة سليم الذي أتى بعد مكالمة مع عمر.. وكاد أن يتشابك مع والده في مشادة كلامية منع حدوثها ماهر وخالد.. هاتفًا ببرود "ماذا تريد عمي؟"
أجاب سليم بسخرية "ابنتي التي لم تحافظ عليها كابتن.. أريد استرجاعها"
رد أيهم بغضب لم يستطع التحكم به "أهي بضاعة تبيعها وتسترجعها.. ماذا بك يا رجل تلك ابنتك"
ليقول سليم بتحدي "نعم ابنتي وأنا حر بما أطلقه عليها.. والآن أنا سآخذ ابنتي وأرحل ولن تراها ثانيةً"
صرخ أيهم بشراسة "على جثتي تلك المرة عمي تلك زوجتي شئت أم أبيت ولن أتركها لك ما حييت"
هم سليم بالرد ليقاطعه صوت نيرة المجهد "ماذا يحدث هنا؟"
التفت أيهم إليها يتأملها بلهفة ويتأكد أنها بخير، لتراعيه تلك النظرة التي رمت بها سليم، نظرة جديدة تمامًا على حبيبته.. نظرة أرهبته من قسوتها.. التفت تنظر إليه بحب تطمئنه بعينيها أنها بخير، ثم تقدمت من والدها بخطوات ثابتة لتبتسم بوجهه هامسة بحب "مرحبًا أبي"
وارتفعت لتطبع قبلة على وجنته هامسة برقة خادعة "حمدلله على سلامتك"
زفر سليم براحة لتتموج عين نيرة بقسوة شديدة هامسة بصوت ساخر حاقد.. وابتسامة ساخرة تعلو جانب فمها "لماذا تلك الزفرةأبىي؟ هل كنت تتوقع استقبال مختلف؟"
اتسعت عيني سليم بصدمة من كلماتها.. تفحصها جيدًا لتتلون حدقتيه بإدراك أكدته هي بعينيها، ليدور حديث طويل بين العيون إحداهما حاقدة ناقمة بشدة والأخرى باردة ساخرة لا تأبه لشيء، قطع ذلك الحديث تساؤل فاطمة الجزع "نيرة حبيبتي هل أنتِ بخير؟"
التفت إليها ببطء تتأملها وكأنها تراها لأول مرة.. نعم هي تراها لأول مرة بعين تلك الطفلة التي فقدت حنانها صغيرة.. ملامح وجهها التي تشع طيبة وحنان نادر.. عينيها ذات الخضار المميز الذي لم تراه غير في أحلام طفولتها.. ذات النظرة الحنونة المراعية المحتوية لوجعها دائمًا.. وقفت أمامها لتأخذ نفسًا عميقًا هامسة بشوق ولهفة.. وهي تضحك بذهول "خالتي.. خالتي فاطمة؟ هذه أنتِ أليس كذلك؟ يا إلهي لا أصدق أنتِ هنا بعد كل تلك السنين.. أنتِ هنا أمامي خالتي"
رفعت فاطمة يديها تحتضن وجهها تقبل كل جزء به هاتفة بشوق ولهفة مماثلة للهفة نيرة، وعينيها تنتقل على ملامحها تذرف دموع كثيرة بغير حساب "نعم.. نعم.. يا روح خالتك أنا هنا.. وأنتِ بين ذراعي الآن.. لقد عرفتك منذ رأيتك أول مرة، قلبي أخبرني أنك هي، وملامحك التي أخذت كثيرًا من ملامح وفاء.. يا حبيبة خالتك اشتقتُ إليك كل تلك السنوات الماضية"
جذبتها فاطمة بين ذراعيها تحتضنها بقوة تعوض اشتياق سنين إلى أول من أعطتها إحساس الأمومة.. إلى رائحة أختها المتوفية.. إلى ابنة روحها البعيدة رغم قربها المؤلم.. لتضمها نيرة بقوة تخفي آلامها داخل حضن لطالما كان لها الأمان من شرور العالم الخارجي.. دفنت نفسها داخل فاطمة بقوة، اقترب أيهم منها ليربت على حجابها هامسًا بعشق "مرحبًا بعودتك يا ابنة الخالة.. طال غيابك كثيرًا"
التفتت إليه ليمسح دموعها بحب وهي تنظر إليه بامتنان، تحت ذهول هنا التي أشار خالد لها بعينيه أن تنتظرهم هي ودارين بالأسفل.. ولمار التي أشار لها ماهر أن تعود إلى شقتهما فترفض بإصرار.. وتأثر الباقي بما يروه.. ونظرة سليم الساخرة والمتشفية بآن واحد، اتجهت نيرة لتقف أمام سليم ثانيةً لتهمس بألم أخفته جيدًا داخل كرهها ونقمتها.. وعينيها تقذفه بشرارات حقد دفين "أكرهك أكثر مما تتخيل.. أو تعتقد، لذا وبمنتهى الهدوء سيد سليم ستخرج من منزلي.. ومن حياتي.. ومن حياة عمر.. لا أريد رؤيتك ثانيةً أبدًا، ولكن قبل أن تذهب بلا رجعة أريد أن أعلم السبب الحقيقي وراء لعبتك، وأيضًا أريد أن أعلم كيف أحلت حياتي إلى لعبة تلهو بها كيفما شئت.. كيف كنت الأداة التي عذبت خالتي بها، لا تنظر لي هكذا أعلم أني لستُ سوى لعبة لك.. للأسف أنا أكثر من يعرف هذا"
جلس سليم على المقعد خلفه ببرود واضعًا قدم فوق الأخرى، مصفقًا بيديه وهو يقول دون أن تهتز شعرة من رأسه لكراهية ابنته له "مرحى يا ابنة أبيك.. أعجبني ذكاؤك للغاية، سأخبرك كل شيء لأني مللت تلك اللعبة ولم تعد تستهويني"
شعرت بذراعي أيهم من حولها يقدم لها دعمه لتبتسم بسخرية قائلة "كلي آذان صاغية، افرغ ما فى جعبتك"
هز سليم رأسه قائلًا بلامبالاة "من البداية إذًا"
هزت رأسها بحسنًا.. رفع عينيه ينظر إلى فاطمة بحقد وغل دفين، جعلها تجفل وتتراجع لتسندها ذراعي رحيم، ابتسم باستهزاء ليجيب بشراسة "لأعاقبها مجرد عقاب بسيط على تحديها السافر لي ومحاولتها لتطليق وفاء مني، ثم كان رفضها الزواج مني بعد وفاة وفاء ولم تُخلق بعد من ترفضني.. وأتركها دون عقاب"
اتسعت عين نيرة بألم.. واشتدت ذراع أيهم حولها يُسكن ارتجافها الداخلي، بينما همست فاطمة بذهول وهي تنظر لعيني رحيم "كنت متزوجة حينها رحيم.. فكيف أتزوجه بالله عليكم"
أجابها سليم بعنف "لم تكوني فاطمة كان قد ألقى بكِ فى بيت والدك وذهب دون أن ينظر إليكِ، كنت أستطيع أن أطلقك منه بسهولة.. ولكنكِ لم تقبلي بي.. لتتزوجي من هذا الرجل"
صرخ رحيم بغضب بعدما راعه رجفة زوجته المتألمة بين يديه "كفى إياك أن تتجرأ وتضيف كلمة أخرى"
ابتسم سليم ببرود و هو ينظر إليه بعجرفة رفعت ضغط أيهم، وهمَّ بالتحرك ليفصل عنق ذاك الرجل عن جسده، لولا تلك التي بين يديه ويد خالد التي ربتت على كتفه مهدئًا، بينما اتجه ماهر إلى عمر الجالس منكس رأسه بين يديه بألم يربت على كتفه ليخفف عنه بشاعة والده.. وجلست لمار مذهولة من قسوة ذاك السليم، أعاد عينيه إلى نيرة ليكمل ببساطة قاسية "وجدت أن أفضل عقاب لها أن أحرمها منكم، وقد كنتم أطفالها بعد أن اكتشفت أنها عاقر، فجئتُ بكم إلى مصر وقمت بنقل جثمان وفاء إلى مقابر عائلتي"
صرخ قلب فاطمة بألم واتسعت عينيها بعذاب لذلك اللقب الذي ألقاه سليم بمنتهى القسوة، بينما نظر أيهم إلى والدته لينتفض بحزن على آلامها فقد كانت صورة حية مجسدة للألم، همست نيرة بعدم تصديق وقلبها يطرق بالكثير من مطارق الألم "أنت مريض.. كيف تفتح قبر أمي بعد أن أغلق عليها"
أجاب هو بذهول "وهل كنت لأسمح لوفاء أن تبتعد عني.. كلا لن يحدث أبدًا"
نظرت إليه باستنكار ليضيف بشراسة "كانت حبيبتي ولم أكن لأتركها هناك أبدًا"
هزت رأسها بعدم تصديق لتهمس بسخرية "مريض.. أكمل حكايتك يا سيد"
أكمل بزهو "ساعدتني الظروف كثيرًا بعد ذلك، وفقدان ذاكرتك جعلني أكسب حبك ومودتك..."
قاطعته بعنف قائلة وكل نفورها منه سابقًا يحضر قويًا "جعلني أتوهم فقط أو أنت من زرع ذلك الوهم بعقلي، عندما عثرت على مذكرات براء لأجد بعض الوريقات التي تتغنى بها براء بحبك، حبيبتي الساذجة كانت تحبك متغافلة عن كل مساوئك.. وأنت استغللت مذكراتها بحقارة.. لأعتقد أنها ملكي وتلك كلماتي لي وبالتالي صدقتها.. أخبرني أين باقي المذكرة.. أين باقي نوجة وأين حاجيات براء"
رفع كتفيه باستخفاف مجيبًا بعدم اكتراث "تلك الوريقات التي تتحدثين عنها قطعتها وأحرقتها.. وأشياء براء تبرعت بها لم نعد بحاجة إليها"
صرخت بألم وهي تسمح لعينيها أن تكشف عن عذابها.. وتسيل دمعاتها كجمرات تحرق وجنتيها.. وقلبها ينتفض كعصفور شق صدره واستخرجوا قلبه منه بكل قسوة "كاذب.. أرجوك أخبرني أنك لم تفعلها.. أرجوووك.. ليس أشياءها.. ألم يكفيك أنها غادرت وتركتني لتبعد عني ذكرياتها.. أااااه براء أااااااه"
شدد أيهم قبضتيه حولها وهو يضمها إليه عله يبعث بعض الراحة لنفسها، وهو يعلم يقينًا بحجم الفوضى داخلها الآن، لتتسع عيني فاطمة بقوة لدرجة الألم.. وقلبها ينتفض بألم وهو يرفض ما وصل إليه من حقائق، بينما انتفض عمر بقسوة تحت يدي ماهر ليربت على كتفه قويًا يبثه دعماً يحتاجه.. نفضت نيرة يدي أيهم بقوة وهي تمسح دموعها بشراسة لتهتف بعنف أمام عيني سليم "أخبرت شذا ولمار قبلًا أني أحجم شخصًا بأعماقي بقسوة.. وكنت أعتقد أن ذلك الشخص هو براء، لأكتشف أن من كانت تطفو على السطح هي براء.. ومن كنت أكبلها هي نيرة بكل قسوتها، لذا قبل أن نعود لحديثنا أقسم لك أنك بت فارغًا في حياتي لا قيمة له ولا أهمية.. مجرد عابر سبيل بها.. عابر حاقد مشوه من الداخل والخارج أكرهك.. ولن أتوقف عن كرهك يومًا والآن هلا عدنا لحديثنا"
بسمة خفيفة ارتسمت على فمه وهو يسمعها تصرح بكرهه ثانيةً، دون أن يتأثر قلبه وكأنه مات أو تحجر من شدة قسوته "أه لنعد.. علمت من التلفاز أن فاطمة هي تعتبر أمه لذاك الح.."
قاطعته بحدة جعلت بريقا لامعًا يمر سريعًا بعيني أيهم "ذاك هو زوجي تكلم عنه بتهذيب"
مط شفتيه بلامبالاة قائلًا بابتسامة سمجة حسنًا والدة زوجك لذا وافقت على عملك بالنادي.. علك تقابلين فاطمة فتتعرف عليكِ هي وتنكريها أنتِ وبذلك أصيب قلبها بجرح جديد، ولكن لم أحسب أن تقعا في الحب وتكن هي جارتك.. ألم أخبرك أن الظروف دائمًا ما كانت في صالحي"
همست نيرة بسخرية "أه نعم أخبرتني، أخبرني رجاءً بما هددت أيهم به كي يبتعد عني"
فرد كفيه وهو يريح ظهره على المقعد قائلًا باستخفاف "لا شيء سوى أني بقادر على إيداعك المصح النفسي وأريته ملفك الطبي، فصدقني وابتعد رغم أني لم أكن لأفعلها فقط كنت ألهيه لبعض الوقت"
قبض أيهم يديه بغضب وهو يصر على أسنانه بشدة مانعًا نفسه من التفوه بحرف، حتى يجمع خيوط ما فعله ذلك الرجل بنيرة ووالدته، لتفاجئه ضحكة نيرة التي انطلقت صاخبة بمرارة.. وألم.. عذاب.. وسخرية لتقول بنبرة معذبة تخفي الرعب بطياتها "لم تكن لتفعلها!!! كاذب كنت لتفعلها وبدماء باردة كما فعلتها قبلًا.. أنا لم أكن مريضة وقتها أنا كنت أريد أن أذهب إليها ليجبروني على نسيان تلك الفكرة بطريقة بشعة.. كنت كلما أقدمت على الموت كلما زادت الجلسات الكهربية، حتى استنفذت طاقتي ورضخت لهم، وأنت غادرت دون أن تنظر خلفك لمرة واحدة إلا عندما عدت لتأخذني بعد حوالي سنة من دخولي إلى هناك.."
شهقت بألم ليسرع أيهم ويجذبها إليه يحتضنها بقوة.. وقلبه ينبض ببطيء وهو يتخيل تلك الطفلة الوحيدة ومعاناتها ليضمها أقوى.. مطمئنًا روحه أنها الآن بين ذراعيه.. همست بين طيات قميصه بألم وهلع "كنت صغيرة.. خائفة.. ولا أستطيع النوم كنت أكره ذلك المكان بشدة أيهم"
اشتعلت النيران بعين أيهم.. فقط يريد قتل ذلك الرجل ويموت رعبًا على تلك التي تختبئ بين ذراعيه، تارة قوية.. وتارة غاضبة.. وتارة قاسية.. وتارة ضعيفة معذبة كما الآن، يخشى عليها من انفعالاتها المتعاقبة ليشدد ذراعيه حولها، بينما تعالت شهقات فاطمة بين ذراعي رحيم تفكر كيف ستقابل أختها، كيف ستخبرها أنها لم تكن موجودة لتجنب ابنتها كل ذلك الألم.. وتعالت معها شهقات لمار التي كانت تكتمها بقوة متخيلة ما عانته صديقتها.. فيتجه إليها ماهر يهدئها.. ويتجه خالد إلى عمر الذي لم يرفع وجهه من بين يديه إلا الآن، أخرجت نيرة نفسها من ذراعي أيهم لتوقف دموعها بصلابة قائلة بحدة "لماذا أردت إلهاء أيهم، على ماذا كنت تنوي"
أجاب سليم وقد أدهشته صلابة ابنته "حتى أجد خطة أقنعك بها بزواجك من أمير.. وبذلك أبعدك عن فاطمة للأبد بعد أن أوضح لها أنها السبب في عذاب ابنها.. فأحيل المتبقي من حياتها إلى جحيم، لتدهشني سرعة موافقتك على أمير بدون أسباب"
ضحك عمر الذي رفع رأسه باستهزاء.. لينظر إلى أبيه وشقيقته ليرى نظرة شقيقته القاسية.. مذكرة إياه أنها بالأخير ابنة أبيه حقًا قائلًا بصوت مخنوق "حتى توجع أيهم كما أوجعها، أنتِ استمعتِ إلى حديثنا تلك الليلة نيرة، حديثنا ليلة زفاف ماهر في الشرفة أيهم، وكنتِ تعلمين بحب أيهم لكِ ومع هذا وافقتِ على أمير، وأنا الذي صدقت أنك لم تسمعي أي كلمة حقًا"
همس أيهم بذهول وعدم فهم "ماذا؟"
التفتت إليه لتنظر فى عينيه هامسة بتحدي "كان يجب أن أعيدك لي وتعلم بحجم خسارتك عندما تراني أحمل خاتم غير خاتمك.. ولكن لم أرد إيلامه عمر وأنت تعلم ذلك"
صفق سليم بمرح هامسًا بجذل "أعجبني تفكيرك يا فتاة"
ابتسمت قائلة بتعالي "أشكرك والآن أخبرني سيد سليم لماذا وافقت على أيهم ثانيةً ؟"
أجاب سليم ببرود "في الحقيقة انتظرتُ عودته كثيرًا ولكن فاجأني تأخر عودته، أما لماذا وافقت فكان لسببين، الأول للأسف لم أنجح به إذ رفض زوجك المحروس أن تسكنا معي بعد زواجكما.. وبذلك كنت سأبعدكما عنها ولكنه تشبث بوجودها بجانبه، أم الثاني فهو تخيلي فقط مجرد التخيل أن تكوني زوجة ابنها ولا تعلمين صلتك الحقيقية بها.. شعور ممتع حقًا"
اتسعت عينيها بألم وهي تستوعب حجم المعاناة التي عانت منها خالتها طيلة تلك السنوات على يد والدها، نظرت إلى أيهم بذهول غير مصدقة كل تلك الأقاويل، لتؤكد لها عيناه الغاضبة والمتسعة بعنف أنبئها بخطوته القادمة.. لتتمسك بذراعه قويا مانعة إياه من التحرك جهة سليم.. دفنت لمار نفسه داخل ذراعي ماهر متمتمه بألم لا تتخيل وجود بشر هكذا.. ولا تتخيل كل تلك اللعبة التي كانت تحياها نيرة "ما كل هذا الشر!!"
نظر سليم إلى فاطمة قائلًا بهدوء بارد وعيناه تلمع بانتصار "ما رأيك فاطمة بذلك العقاب؟ كان عبقري حقًا"
أغمضت نيرة عينيها عن منظر خالتها المنهار بين ذراعي زوجها، لتنظر إلى عمر معتذرة مسبقًا بعينيها عن قسوة السؤال القادم.. فيخبرها بعينيه ألا تهتم.. فهو ما عاد يهتم ولن يتألم أكثر مما تألم، سألت بقوة "لماذا كنت تكره عمر هكذا؟"
رد سريعًا بعينين كارهتين وجواب صادم للجميع "لأنه قتل وفاء"
ارتد عمر للخلف في عدم تصديق لتتلقفه ذراعي خالد الداعمتين، وهو يهز رأسه نفيًا بعدم تصديق هامسًا بهستيرية "لا.. كاذب.. لا يمكن.. أنا لم أقتل أمي.. ماذا تقول؟"
هبت فاطمة واقفة لتصيح بغضب "أنت من قتلتها.. تلك التعقيدات التي أصابت حملها كنت أنت السبب الأول بها.. ذلك التوتر الذي كانت تعيش به هو السبب في موتها"
هتف سليم بشراسة وقد عاد إليه ألمه الذي لم ينسه للحظة، ألمه يوم وفاة وفاء، من أحبها وما زال يحبها أكثر من نفسه "لو وافقت على إجهاضه ما كان ليحدث ما حدث أبدًا، كانت لتكون حية بيننا الآن"
قاطعته فاطمة بجنون "كيف تريد لها أن تتخلى عن وليدها.. عن ونيسها.. عن روح تتشكل داخلها.. كيف؟"
وقبل أن يجيب كانت نيرة تقول ببرود متألم، وقلبها تشعر به سيقف قريبًا وعقلها يسترجع كل ذكرى لها مع والدتها، حتى إن كانت بعيدة أو ضبابية ولكنها كانت حاضرة بعقلها "ماما ماتت بسبب قهرها منك.. أنت من قتلها سيد سليم ولن أسامحك مطلقًا على ذلك.. أتعلم ماذا من سوء حظي وحظك أني كنت كثيرة الحركة وأنا طفلة لا أبقى بمكان واحد أبدًا.. ومن سوء حظنا مجددًا أن ذاكرتي قوية رغم أني حجبتها لوقت طويل.. لذلك رأيتك كثيرًا جدًا وأنت تضربها بعنف.. وتسبها بألفاظ مشينة حتى أنك تسببت بوقوعها ذات مرة من على الدرج.. لذلك أكرهك وأبغضك بشدة.. ولكن ما أحرق لك كل رصيد عندي كان تلك المرة التي ضربت بها براء، رغم أنه كان خطئي أنا ولكنك عاقبتها هي.. ثم لماذا كنت تفرق بيني وبين عمر في المعاملة"
رفع كتفيه هامسًا باستخفاف مقتنعًا بما توسوسه له نفسه المريضة "حتى أجعله يكرهك نيرة وأعذبه على موت وفاء ليكون وحيدًا دون سند"
ابتسمت بألم وهي تنظر لعمر بحنان مجيبة بعنفوان شرس "لم أكن لأكرهه أبدًا بجانب أنه أخي الصغير، هو أيضًا وصية براء الأخيرة لي أيها السيد لذا ومهما فعلت لم أكن لأسمح له بكرهي.. هو طفلي الذي ربيته رغبت أم لا.. هو ابني وليس أخي.. أنا هي سنده وحتى ولو كرهني كنت سأظل معه أمانه وسنده وحمايته رغمًا عنك"
ثم تقدمت للأمام عدة خطوات لتهمس أمام عينيه بكره شديد، وقسوة لمعت في عسل عينيها "والآن أشكرك سيد سليم.. اخرج من منزلي وحياتي ولا تدعني أراك ثانيةً أبدًا.. وأعدك أنك لن تراني إلا يوم جنازتك بعدما تموت وحيدًا وتتعفن بمفردك.. اخرج"
نظر سليم إليها بعجرفة ليقول باستهزاء "إلى اللقاء يا ابنتي"
وقبل أن يصل إلى الباب كانت قبضة رحيم تهوى على وجهه بغل لذلك الحقير الذي أذى فاطمة.
.........................
بعد رحيل سليم ساد الصمت طويلًا نيرة تنظر إلى الباب بقسوة وكره.. ألم وتشتت.. ضياع وروح جريحة مبعثرة، لتغمض عينيها تمنع دموعها من الهطول بصلابة.. وبتماسك اتجهت إلى عمر تحتضن وجهه بيديها هامسة له بحزم وحنان "إياك أن تتأثر بكلمة مما قالها.. إياك حبيبي أنت الآن لديك عائلة كبيرة.. لا تهتم له"
نظر لها طويلًا يمنع دموعه من النزول محافظًا على ما تبقى من نفسه المبعثرة.. ودون كلمة احتضنها بقوة.. يبحث لنفسه عن ملاذ آمن داخلها، لتهديه أمان ذراعيها بدون طلب.. تجمع ذاته وترمم ما كُسر منها.. هو طفلها كما قالت ولن تسمح لأحد بالاقتراب منه، اقترب منه أيهم ليربت على كتفه بحنان قائلًا بود "لا تحزن عمر.. أنت بين عائلتك الآن.. وانسى كل ما حدث رجاءً"
همس عمر بصوت متحشرج "أين براء نيرة؟"
انتفضت نيرة مبتعدة عنه تحتضن نفسها بقوة تبعد تلك الصورة عن عقلها، ولكن هيهات فقد احتلته بالكامل، لتقول بصوت خافت بعيد لا تميز نبراته من الألم بداخله "ادعو لها بالرحمة حبيبي"
هز عمر رأسه نافيًا وهو يتراجع إلى الوراء حيث سقط جالسًا على المقعد خلفه.. لا تستطيع قدمه حمله ولا يريد التصديق، لينتفضوا على صرخة فاطمة القوية خلفهم وهي تسقط على ركبتيها، ودموعها تنهمر مدرارًا لن تصدق أبدًا.. هم يكذبون.. سليم كاذب.. مؤكد لعبة أخرى من ألاعيبه.. براء حية لن تفجع فيها هكذا بعد كل تلك السنوات.. كيف لن تراها ثانيةً براء يا إلهي لا يمكن.. رباااه الرحمة، لتهمس بصوت ضعيف بما يدور في خلدها "لا مؤكد لعبة منه.. براء حية أنا متأكدة"
أسرع أيهم إلى فاطمة يجلس أمامها يحاول تهدئتها، وهو ينظر إلى أبيه المحتوي لجسد فاطمة بين ذراعيه يطلب العون، فيهز رحيم رأسه بقلة حيلة، أتاها صوت نيرة من خلف أيهم قاسي جامد لا حياة فيه "أتمنى خالتي أتمنى.. ولكنها توفت أمامي خالتي.. روحها فارقتها أمام عيني"
همس أيهم بصرامة وهو يراقب ارتجافة والدته تزداد وأنفاسها تأخذها بصعوبة "يكفي نيرة.. اصمتي قليلًا"
خرج عمر سريعًا من المنزل يريد أن يظل بمفرده قليلًا كل هذا كثيرًا عليه.. وموجع للغاية، بينما اقترب خالد من فاطمة قائلًا برفق "هيا ماما.. لننزل للأسفل"
هز أيهم رأسه نفيًا قائلًا "كلا خالد اتركها تبقى معي"
نهره ماهر المتمسكة به لمار بقوة تمنع تحركه "لن تستطيع أن تعتني بها وبزوجتك.. خالد وأنا سنعتني بها انتبه أنت لزوجتك"
هز أيهم رأسه بشرود وابتعد ليسمح لخالد أن يحمل فاطمة بين ذراعيه، ويتجه بها للأسفل مع رحيم، التفت أيهم من حوله ليهمس بجزع "أين نيرة؟"
انتفض على صوت تحطيم قوي أتى من غرفتهما ليركض ناحيتها، بينما انتفضت لمار هامسة برعب "نيرة" تخلص ماهر من قبضتيها ليسرع خلف أيهم.. طرق أيهم الباب المغلق بقوة آمرًا إياها أن تفتحه، وقد نهشه القلق لذاك الهدوء الذي ساد فجأة، همس لماهر الواقف بجانبه "سأكسر الباب"
كسر الباب ليرتد بعنف وقلبه يضطرب بوجل.. وأنفاسه تتسارع بصورة عنيفة ولولا ذراع ماهر المرتعب من المشهد أمامه، لكان سقط على ظهره من الهلع، وأمامه كانت تقف بين حطام زجاج المرآة، تحمل بيدها قطعة زجاج تسيل منها دماؤها، وتنظر إلى القطع المهشمة بعينين خاويتين لا روح فيهما.. تراقب الدماء التي تسيل من ذراعيها الاثنين، تسيل أمامها وهي لا تكترث لها ولا يصدر عنها آهة واحدة، رفعت قطعة الزجاج وقربتها من ذراعيها ثانيةً.. ليشعر بالموت يحوم من حوله.
...........................
وفي الأسفل تحديدًا حديقة المنزل
يدور عمر بألم.. والده هو أكبر حقير في الحياة.. لا يصدق كم السواد داخله.. حجم قتامة روحه.. نفسه المشوهة المريضة التي سولت له أن يحرمهما من عائلتهما لأجل انتقام سخيف.. أكلما رفضت واحدة رجلًا ينتقم منها.. ما هذا الهراء.. كان يضرب والدته تلك التي ضحت بحياتها ليأتي هو سليم معافى إلى دنيا شريرة.. همس بألم "أه أمي أرأيتِ العالم الذي ضحيتِ بنفسك لأجل أن أكون جزء منه كيف يرفضني وينبذني"
أغمض عينيه لتتراءى له صورة نيرة تبتسم بحنان وعذوبة ليهمس بوجع "أنتِ براء أم نيرة أم الاثنتين.. أكنتُ حقًا وصيتك إذًا لماذا تركتيني دون أن أعرفك ألا يكفي أني لم أرى أمي لتذهبي أنتِ أيضا دون أن أراكِ"
جلس على العشب الأخضر في الحديقة يغمض عينيه بألم، وهو يرجع رأسه إلى الوراء مستندًا بها على جذع شجرة.
جلست أمامه تتأمله ودموعها تسيل بغزارة على وجهها تأثرًا بوجعه المرتسم على وجهه، كانت تراقبه من شرفة خالد وهو يدور بالحديقة إلى أن جلس على الأرض بتعب، حينئذ لم تقاوم ساقيها وأتت إليه همست بوجع "أنتَ بخير؟"
انتفض لصوت ملاكه البريء الذي يزور أحلامه دومًا.. فتؤنس وحدته.. رفع رأسه إليها مبتسمًا دون مرح "هذا يعتمد على ماذا تعني كلمة بخير"
منعت يديها بقوة من أن تذهب إليه وتربت على يده لتهمس بعدم فهم "ماذا تعني؟"
نهض واقفًا ليقول برجاء "لا عليكِ يا صغيرة.. أتمنى ألا تفهميها أبدًا.. حقًا أتمنى ذلك"
وتركها وخرج لتجلس مكانه تتابع خروجه بقلب جزع، لتضع يدها عليه علها توقف نبضاته المتسارعة، والأخرى على فمها تكتم بها شهقاتها ألمًا عليه.
...........................
قبل وقت قصير
واقفة مكانها بعد ما قالته لخالتها بمنتهى القسوة، تشعر وكأن قدماها انغرستا بأرضها تريد الركض لأحضان خالتها، تريد الصراخ بين ذراعيها، تريد أن تفضي لها بكل أشباح ماضيها، أشباح ماضيها التي لم تكن أبدًا ماضي، ولكنها لم تستطع وكأن حاجز بُني بينهما بصرخة أيهم وهو يأمرها بالصمت، هذا الحضن الفسيح لم يعد لها بكل بساطة، كم حُرمت منه براء قبلًا ،لن تتمتع هي به.
سقط قلبها بسقوط خالتها.. أرادت الركض إليها والاطمئنان عليها.. لكنها تراجعت حالما وجدت الكل حولها، أدركت.. أدركت أن فاطمة لديها الكثيرين.. يساندونها ويطيبون جراحها بينما هي.. كما هي دائمًا.. وحيدة كما كانت منذ أن رحلت براء.. ذاك الخواء داخلها كان ذهاب براء.. خائفة وهي من كانت تنام آمنة بين ذراعي توأمها.. هي كورقة شجر ذابلة تعصف بها الرياح.. أخذت تتراجع وعيناها لا تفارق المشهد أمامها.. ابتسمت.. أجل دونما شعور منها ابتسمت ابتسامة قاسية مؤلمة مريرة.. متى لم تكوني وحيدة نيرة كي تكوني الآن؟!
دخلت غرفتها.. أغلقت بابها بالمفتاح ثم ألقته دونما اهتمام.. جعلتها أشبه بحجز لها.. توجهت من فورها لمرآتها.. تبحث بداخلها عن براء.. عن ملامحها.. عن روحها.. أااااه يا مرآتي.. دليني.. ابحثي عن براءتي وإليها ارشديني.. ابحثي عن ابتسامتي وصفائي.. ابحثي عن سبب ضحكاتي.. وإليها خذيني.. براء يا توأمي.. يا قطعة من قلبي وروحي أنقذيني.. من متاهتي أخرجيني.. أشعر بخواء يقتلني.. بفراغ يمزقني.. يا براءتي خذيني أو إليَّ عودي.. سئمتُ وحدتي وعذابي أنقذيني أرجوووك يا رفيقة روحي.
تنهدت بمرارة وشريط ذكرياتها مع شقيقتها يمر أمام عينيها.. ذكرى تليها الأخرى ولا تملك إيقافها..لا تستطيع التحكم بها.. هنا تضاحكها.. هنا تشاغبها.. هنا تغضبها وتراضيها.. وهنا..هنا توقف الزمن وانحسرت الحياة.
هنا سيارة مسرعة وطفلة راكضة ضاحكة تتشاغب مع أختها وبلحظة.. فقط لحظة تجد نفسها منبطحة أرضًا ونسختها البريئة مكانها سائلة دمائها فتغرق الأرض.. تتشرب الأرض دمائها ولا تشبع.. تجف الدماء وتتوقف الضحكات ويتحول الوجه المتورد الضاحك لآخر شاحب لكنه لم يفقد ابتسامته الخلابة.. وهنا.. هنا ينهار التراب فوق لؤلؤة نفيسة فيحجبها عنها للابد.. لؤلؤة كان يجب أن تكون هي مكانها فأفدتها بنفسها.
لؤلؤة طالما وعدتها لن أتركك مهما كان.. سأظل معك.. حاميتك و مدللتك.. أدللك وتدلليني.. أغضبك فتصالحيني.. دومًا ما وفت.. وها هي بوعدها أخلت..لا لم تفعل.. بل وفت.. أنقذتها وذهبت.. ذهبت للأبد..لا ليس للأبد.. فقط بضع ذرات من التراب تحجبها عنها.. تحجبها عن واقعها.. لفترة قصيرة.. صرخة تشق صدرها إلى نصفين وزجاج يتهشم أرضًا.. فيسقط كما سقط ذاك الجسد الطفولي المشع بالبراءة والنشاط.. هل صرخت فعلا؟ أجل.. صرخت صرخة طالما اشتاقت إليها وبخلت بها لتطلقها اليوم.. فتكون بداية للخلاص من كل الآلام.
حالة خدر غريبة أصابتها فسارت كما المغيبة.. تتقدم ببطء وأنفاسها تختنق داخلها.. تشعر بروح براء من حولها ولكن لا تصل إليها.. أغمضت عينيها بقوة تستدعي ذلك التواصل الذي لطالما امتد بينهما ولكن لا شيء.. براء تبخرت من حياتها.. لا لم تتبخر هي ستأتي عندما تعلم أنها بخطر ستأتي لتنقذها.. دائمًا ما أنقذتها من المصائب التي كانت توقع نفسها بها.
أااااه براء لو تعلمين ما بداخلي.. لو تعلمين كم أحتاجك الآن.. أتوق لدفء ذراعيك.. كلماتك.. روحك التي تتآلف مع روحي فتمنحها السلام.. تمنحها الأمان.. لقد ذهبت وأخذت روحي معك.. لماذا فعلت ذلك؟ تلك كانت حياتك لماذا أهديتني إياها بكل ذاك الود؟ أنا من كان يجب عليها أن تُدفن براء.. أنا من كان يجب أن تكون تحت الثرى الآن.. وأنت تلك الصحفية اللامعة التي ستقابل رفيق دربها وتعيش معه بسعادة.. كما حلمتِ وتغنيتِ دوما.. لماذا تركتِ حلمك و تركتيني؟ لا يمكن أن أعيش دونك.. أنت روحي براء.. اكتمالي.. كياني.. وجودي.. أنا موجودة حيثما تكوني.. وأنتِ تكوني أينما تواجدتُ.. فكيف تتركيني وتذهبي.. وذاك الحقير والدنا أرايتِ ماذا فعل بعمر وبي؟ لماذا براء؟ لماذا؟ ألم تشتاقي لي؟ لمقالبي.. لضحكاتنا سويًا.. ألم تشتاقي لي؟ فأنا متُ شوقًا إليكِ براء.. أااااه كيف سأكمل حياتي دونك كيف؟
نظرت إلى الزجاج تحت قدميها بعينين خاويتين.. فقدت بريقهما ورغبتهما فى الحياة.. وقد غادرتها نصفها الآخر ..الجزء النقي منها.. رفعت قطعة الزجاج وبتصميم قربت حافتها من يديها وذراعيها.. لتمررها بخفة عليها.. تراقب دماءها تسيل وتشعر بوخز بسيط بذراعيها.. وليس ذلك الألم الذي تنشده.. تناهى إلى مسامعها طرقات أيهم على الباب.. ولكنها لم تعرها اهتمامًا وهي تكمل ما بدأت.. تسعى إلى تسكين روحها.. تخدير ألمها بألم أقوى.. ولكن لا شيء يضاهي وجعها لا شيء يُسكنه.. نقلت حافة الزجاج إلى ذراعها الآخر لتفعل به مثلما فعلت بأخاه.
فتح أيهم الباب بجلبة.. لتنظر لذراعيها بألم ووجع.. فها هي براء تسيل دماؤها غزيرة بينما هي فقط جرحين أو ثلاث.. لمَ فقط هذان يجب أن يتشاركا كل شيء، لذا وبكل عزم رفعت الحافة لتمررها على ذراعيها.. يجب أن تسيل دمائها كما سالت دماء براء قبلًا.. لتجد من ينزع قطعة الزجاج منها ويلقيها بعيدًا.. وأيضًا هناك من صرخ ابتسمت بأمل مؤكد براء أتت لتنقذها كعادتها.. وفجأة وجدت نفسها محمولة بين ذراعي أيهم وهو يصرخ بماهر أن يحضر السيارة.. ماتت ابتسامتها كما مات أملها قبل أن يرى النور.. لتهمس بخيبة أمل وإحباط "لا داعي أيهم.. لم أنتحر بعد، مجرد خدوش بسيطة لا ضرر منها"
صرخ أيهم بقلق وهو يراقب ذراعها النازفة "ما الذي تقولينه؟! يجب أن اطمئن عليكِ"
وضعت يدها على وجنته تحاوطها بحنان ونظرت لماهر ولمار بترجي قائلة برجاء "أيمكن أن تتركونا بمفردنا قليلًا؟"
خرج ماهر ولمار متعجبين قلقين لكنهما آثرا تركهما بمفردهما لبعض الوقت، حالما انغلق الباب أعادت نيرة نظراتها لأيهم قائلة بنبرة جامدة "لا تقلق أيهم أخبرتك.. أنها مجرد خدوش.. أنا لن أؤذي نفسي.. لن أنتحر لم أفقد إيماني بعد.. أريد فقط النوم قليلًا وسأكون بخير"
تعجب أيهم من هدوئها المقلق.. وتوجسه وصل لأقصاه بينما خوفه عليها يصم عقله تمامًا.. ويغلقه أمام أي بادرة تفكير ودون وعي منه صرخ بحدة "ما الذي تفعلينه؟! ما الذي تريدين إثباته بهدوئك الغريب هذا؟ أنتِ تؤذين نفسك يا غبية.. ابكي.. اصرخي.. اضربي وسُبي.. نفّسي عن غضبك وارثي أحباءك.. تخلي عن قناع الجمود هذا..لا تخفي ما يجيش من نيران بداخلك..أخرجيها.. نفّسي عن غضبك وانفعالك..اصرخي نيرة.. اصرخي وابكي"
للحظة ارتجفت عينيها.. فقط ارتجافة بسيطة بل بسيطة جدًا لتعود لجمودها، مجيبة بنبرة مليئة باليأس "ولمَ أيهم؟! بما سيفيد البكاء والعويل؟! لن يفيد بشيء ولن يعيد من ذهب.. إذًا لماذا البكاء؟! لماذا ترغب بمضاعفة الألم والتعب؟"
"سيفيد نيرة.. سيجعلك تشعرين بالراحة.. بالهدوء والسكينة.. البكاء والصراخ لا يعنيان الضعف عزيزتي.. أحيانا يكونا منتهى منتهى القوة.. وحتى وإن تركك العالم كله.. أنا هنا.. بجوارك.. لن أتركك.. أينما ذهبتِ ستكونين قبلي.. أنت زوجتي سر حياتي ونبضات قلبي.. ولن أتركك ولكن لأجلي عبري عن آلامك واهزمي غضبك.. تخلصي مما يؤلمك لسنوات طوال"
وبمنتهى الهدوء ودون أن تتغير ملامحها، وجدها ترفع ذراعيها تلف بهما عنقه، وتدفن رأسها بصدره تتشممه بهوس بل تتنفسه، خفق قلبه لوعة عليها فأنزلت إحدى يديها ووضعتها عليه وكأنها تهدئه، لتتكلم بنبرة خافتة متعبة "أجل هكذا.. أخبرني هذا دومًا لأكون بخير"
قبّل قمة رأسها بحنان وقلبه يخفق بشدة عليها.. ذاك القناع الجامد سيقتلها ببطء وهو سيفعل كل ما يلزم ليكسره.. همس لها بحب ونبرات صوته تتغلغل داخلها تبثها أمان افتقدته كثيرًا "أنتِ روحي نيرة.. شمس نهاري.. ونور ليلي المظلم.. فرحة قلبي المتعب.. أنتِ حبيبتي وروحي.. عمري وطفلتي.. أنتِ قلبي نيرة.. أبدًا لن أتركك.. أبدًا وسأظل دائمًا بجانبك.. أحبك وأحميك وأدللك"
ليأتيه صوتها أكثر خفوتًا مما أوجعه "هدهدني أيهم.. هدهدني وأخبرني عن حبك"
أجاب طلبها وظل حاملًا لها بين ذراعيه كطفل رضيع حتى شعر بهدوئها.. مال مقبلًا وجنتها قائلًا برجاء "علينا أن نطهر جروحك حبيبتي"
"لا.. اتركها الآن.. أنا لا أشعر بجروحي معك.. أريد أن أنام"
"حسنًا حبيبتي.. نامي وارتاحي"
ذهب لسريرهما وأراد وضعها عليه لتتمسك به قائلة برجاء حزين "لا.. أريد النوم بين أحضانك وأنت تحملني هكذا"
ابتسم بوجهها بلطف قائلًا برقة "طلبات أميرتي المدللة أوامر واجبة التنفيذ"
أخذ يبثها كلمات عشقه لها وحبه الكبير.. يعدها ويقسم على وعوده حتى شعر بانتظام أنفاسها، جلس على فراشهما برفق وبرفق أكبر وضعها عليه ودثرها جيدًا، وحالما حاول الابتعاد وجدها تتشبث بقميصه وكأن حياتها متعلقة به بينما تتمتم وسط نومها "لا.. لا تتركني.. أرجوووك"
رأى بضع من دموع تهبط على وجنتيها.. ليخفق قلبه بقسوة فها هي الدموع التي رفضت أن تذرفها وهي مستيقظة، تنساب رُغمًا عنها وهي نائمة.. رباااه نيرة.. تبتسمين وأنتِ نائمة.. وتبكين أيضًا وأنتِ نائمة.. بينما بصحوك قمة التجلد والقوة.. كيف تفعلينها؟ كيف!
همس قائلًا بحنان "اهدئي حبيبتي.. لن أتركك أبدًا.. أنا هنا بجوارك"
اندست بأحضانه أكثر فدخل الفراش وتدثر معها مشددًا من احتضانه لها، أخرج هاتفه باعثًا رسالة لصديقه فهو متأكد أنه لن يذهب قبل أن يطمئن، أخبره أنهما بخير وأنه لن يستطيع ترك نيرة، وأنها نائمة الآن فليذهب مع الأخرين وليطمئن على فاطمة ويطمئنه عليها، وأغلق هاتفه وخفف إنارة الغرفة قليلًا ونام بجوار حبيبة عمره وهي غارقة بأحضانه، يتأملها وهي نائمة يراقب بحزن ذلك العذاب الذي ارتسم على وجهها، تلك الدموع التي تعاندها وتسقط رغمًا عنها، تخفف عنها وجعها الذي ترفض الاعتراف به.. تنهد بحزن وهو يمسح قطرات دموعها ويقبل وجنتها وجبهتها هامسًا "أخبريني ماذا يجب عليَّ أن أفعل لأخرجك من تلك الحالة، لا أحتمل ألمك هذا فهو يقتلني"
.............................

بقية الفصل على هذا الرابط

https://www.rewity.com/forum/t472673-10.html





التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 01-10-20 الساعة 09:39 PM
ساره عرفات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:05 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.