آخر 10 مشاركات
سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          عذراء في ليلة زفافها (22) للكاتبة: Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          تائــهــة في عتمتـك (الكاتـب : نسريـن - )           »          346 - قاهرة اليأس - جانيت بازويل - م.د ( إعادة تنزيل )** (الكاتـب : * فوفو * - )           »          إلَى السماءِ تجلت نَظرَتِي وَرَنـت (الكاتـب : ميساء بيتي - )           »          ترافيس وايلد (120) للكاتبة: Sandra Marton [ج3 من سلسلة الأخوة وايلد] *كاملة بالرابط* (الكاتـب : Andalus - )           »          ومازلنا عالقون *مكتملة* (الكاتـب : ررمد - )           »          عذراء فالينتي (135) للكاتبة:Maisey Yates(الجزء 3 سلسلة ورثة قبل العهود) *كاملة* (الكاتـب : Gege86 - )           »          أطياف الغرام *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : rainy dream - )           »          83 - عصفورة الصدى - مارغريت واي (الكاتـب : فرح - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree27Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-08-21, 03:35 PM   #251

شيماءالسيد

? العضوٌ??? » 478553
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » شيماءالسيد is on a distinguished road
افتراضي


" الفصل الخامس والعشرون "

كانت تجلس في ركن منزوي عن الجمع الجالس أمامها من النساء، منزل خالها يعج اليوم بالضيوف من كل حدب وصوب فقد أصبح خالها من أحد أعمدة القرية واليوم جاء الجميع من أجل التهنئة والتبريكات بمناسبة حفل حناء ابنته وابنه أخته
نعم.. هي اليوم عروس
تنظر للحناء في يدها بألم على الرغم من بعض السعادة التي ظللت قلبها
بجوارها عمتها فقط، تربت على فخذها بين الحين والآخر بمؤازرة وقد حدث ما تمنته طويلاً.. همسة لإياس، وإياس لهمسة

اخذت تتذكر ما حدث بعد يومين من مكوثها هنا، وقد أطبق سليمان على أنفاسها
يطلب من الجميع التوسط له عندها على الرغم من معرفته بخطبتها، وبخها خالها على عدم معرفتهم فأخبرته أنه مجرد وعد
وعندما علم سليمان عن هوية العريس، تقافز الجنون في عينيه وأخذ يعيرها بأن والده هو قاتل والديها.. فطرده خالها
وبعد ذلك أخذ يبعث لها برسائل تهديد
لم تحتمل، نحت كبريائها جانبا وهاتفت عمتها، أخبرتها بإختصار عن ما حدث
وكانت تعلم في قرارة نفسها أنها ستخبره
وجدته لديها في اليوم التالي، يتحدث مع خالها بلباقة.. يعطيه ما يريد من الوعود.. يخبره أنه سيضعها في عينيه، وكانت هذه حقيقة
يشتريها بالغالي كما يقولون
فقد أخبرها خالها بكل ما حدث في سعادة واعتذر لسليمان الذي أتى بعد أن رحل إياس
رحل ولم يحدثها.. على وعد بالقدوم يوم عقد قرانهما، وعقد قرانهما غدًا مع هند

جلست هند بجوارها من الجهة الاخرى، تصفق بيدها تارة وتنغزها في خصرها تارة أخرى لعلها تندمج معهم، تقرع إحدى النسوة الدف وأخرى بالطبلة بينما ثالثتهن تغني احدى اغاني التراث الشعبي
تميل معهن لعلها تجاري فرحتهن.. وتجد لها نصيب فيها، ينقبض قلبها بشكل عفوي وهي تنظر لوالدة سليمان الجالسة امامها، عيناها المشابهة لعينيها ولكنها رمادية على الدوام شبيهة بالعواصف، تتذكر عيناه التي شملتها بنظرة ارجفت قلبها عندما وقف لتوديع إياس مع خالها أمام البيت

شاهدت تقدمها مرتكزة على عصاها، لقد انحنى ظهرها من الشقاء هي الأخرى.. فأتت راحة الايام التي يعيشونها حاليا من تعب الماضي
- مبارك يا همسة
تقولها خالتها بصوتها المهيب فتقف همسة من جلستها متلقفه كفها الذي امتد أمام عيناها فتقبله بخفة احتراما لها
- شكرا لكِ يا خالتي
- ‏اتمنى أن لا تحظي بحظ ضحى
تقولها بخبث وهي تسترق النظر لعمتها المشيحه بوجهها ولكن وصلت الكلمات لاذناها فتصنعت عدم الاستماع وهي تتضاحك مع البقية
سيظل قلب اعتماد متشحًا بالسواد لآخر الدهر
جلست بجوار عمتها مره اخرى واضعة يدها على صدرها بضيق لا تعلم سببه

وفي مجلس الرجال سمع سليمان خاله محدثًا إياس القادم على الطريق
وفي جنح الليل يقف اثنان من رجاله على اول طريق البلدة، يراقبون الطريق بأعين صقرية في انتظار فريستهم

___________

أسدل الليل استارة السوداء
لم يستطع الانتظار للغد وغادر حفل الخطبة سريعا بعد التهنئة.. ستزف له همسة غدا
همسة ستصبح زوجته، وعلى قدر جمال الكلمة.. على قدر وجع قلبه
لقد رضخت للزواج منه دون إرادتها
وهنا يتذكر كلمات عمته عندما اخبرته بما حدث وعن سليمان ذاك الذي ود تحطيم وجهه عندما رآه المره السابقة
" همسة ليست خانعة.. ولن تتزوجك من اجل الشفقة، انها تشعر تجاهك بشيء ما.. ولكن كبريائها يعاند "
وجميعهم من عائلة ذات كبرياء عريق
عندما رآها بالحجاب، تقف كالقمر المنير ورغم الشعاع الساطع منها لم يحدثها

انجرفت افكاره لوالده الذي تركه في سريره بالمشفى
يختنق صدره بما يجيش به فيخلع عنه رابطة عنقة ويتركها متدلية على كتفيه
يفتح زجاج السيارة فيلطم وجهه البرد كما لطمته الحقيقة
شهد.. اخته، ابنه الخادمة كما قالها والده بإزدراء
كانت والدتها تعمل كخادمة في احد منازل اصدقائه، بعد زواج اخيه من ضحى وقهر قلبه عندما علم بحملها
اراد الانتقام من ضحى اخرى
وقد كانت ضحى هي ضحيته، فتاة رقيقة جميلة.. تأتي من بلدتها كما كانت تفعل والده همسة ولكنها لا تكتفي بالمطبخ فتقوم بالتنظيف الكلي للمنزل
كلام معسول يغريها به..
هدية فخمة جعلت فمها يتدلى..
وعد بالزواج كادت ان تموت على اثره
وتم الزواج بعقد شرعي، لا يعلم لماذا وافقها عليه
واغدق عليها المال هي واسرتها وعاشت حياة كريمة اثناء حملها في شهد وابعدها عن حياته قدر استطاعته
وبالطبع تم هذا بشكل سري كي لا يعلم والد ناجي فيحرمه من الميراث كما فعل مع اخويه
ولا يخفى عليه شيء، فقد علم بعد ولادة شهد
وخيره بين الارث وعائلته التي تحيا في النور، او الذهاب بلا عودة مع تلك الخادمة
وهو بلا قلب، لم يحب احدا.. وربما كان يظن ان والدة همسة هي حبه الذي تمسك به لانه نال الرفض
وان اطاعته لكانت في مكان والدة شهد، طليقته
ومن اجل الحق كان يبعث لها المال الذي يكفيها خلسة.. ومنذ بضع سنوات اتى خبر وفاتها
وذهب كاللصوص كي يرى شهد التي كبرت واصبحت في الثامنة عشر
وضع لها في البنك مبلغا لإتمام دراستها حيث شاءت، كان يراقب خطواتها فـ بالنهاية تحمل اسمه.. ويبدو ان والدتها احسنت التربية فقد اوشكت الان على التخرج
هو ذاك النذل العطوف
فـ على الرغم من مساوئه الا انه منحها اسمه وبعض من ماله
ولكن الارث كله لإياس
وإياس اخر من يفكر في الارث
يصرخ ناجي ان هذا ماله، عرق جبينه
ويجابهه إياس بأن كل حق سيذهب لصاحبه
ينعته بأقذر الصفات هو وجميع عائلته، يتنفس بعنف ليلقي إليه قنبلة زواجه الوشيك من همسة
قلبه ليس اسودًا ولكنه لن ينكر لذة رؤيته منتكسًا هكذا امام عيناه، النشوة المؤقتة التي سيطرت على خلاياه وهو يرى سعاله القوي، دقات قلبه التي اوشكت على التوقف فطلب زر استدعاء الطبيب و رأى بعينيه اسعافهم له
فتركه خلفه ورحل
على وعد اخر باللقاء وهذة المره مع اخته
لن يعود إليه بدونها مهما كلفه الامر.. وان تطلب الدوران حول الكرة الارضية سيجلبها

انار اضواء السيارة الامامية عندما شعر بحركة غريبة في الارجاء.. إلتفت يمينا ويسارا والظلام يبتلع كل شيء حوله
حتى سقط جذع نخلة امام سيارته بغته فلم يجد مفرا سوى التوقف وحدث كل شيء بشكل سريع
تبادل الطلقات القوي اندلع، فلا يرى شيء سوى اشباح سوداء تنجو بنفسها واخرى تصارع
والنية كانت اختطاف ولم تكن قتلا
ولكن كل شيء بقدر، فقد شعر بألم شديد حول ذراعه المكشوف من جهة النافذة خاصته
اختراق قوي لجلده ورؤيته للدماء التي تدفقت سريعا من ذراعه جعلته يفقد وعيه ولم يعلم ما حدث بعد ذلك فقد ذهب في هوة سوداء عميقة اخرجته مما هو فيه

_____________

وفي نهاية حفل الخطبة

رحل الجميع عدا المقربين منهم
وفي الاحياء الشعبية خاصه لديهم عادة إطعام اهل العريس كواجب للضيافة
اعدت والدتها ووالدة تميمة مائدة عامرة كما فعلوا في حفل تميمة، وجلس العروسين على رأسها
لا يخفى تورد وجهها عن احد، عيناها اللتان تضيقان عند الابتسام وجلستها المتوترة وهي تطقطق اصابعها
- مبارك يا عروس
يقولها بسام بمناوشة يعلم انها ستسفر عن احمرار وجهها، لم تجيبه بل لعبت بالشوكة امامها دون ان تمس الطعام
اليوم ستبدأ رحلتها الشاقة، سيكون التغيير الكلي في كل شيء
ابتداء من الخاتم الذي يزين اصبعها وقد حرصت على ان يكون بسيطا كما اختارت كل شيء ببساطة تشبهها..

كانت تقضم قطعة دجاج مشوي بتلذذ لم تعهده في نفسها.. زارت جدتها معه قبل قدومهما للحفل ولم ترى والدها منذ شهر تقريبا، لا تعلم طريقة أيهم في ابعادهم عن طريقها، ولكنها طريقة اتت في صالحها على كل حال
نظر لها وكأنه إمرأة اخرى
لقد تبدلت معه يوما بيوم، وكل يوم تثبت معدنها القوي رغم هشاشة القشرة
تبادله النظر بإبتسامة وهي تقترب منه هامسة
- لدي لك مفاجأة اليوم
- ‏حقا!
- ‏مفاجأة رائعة
تقولها بتقرير متحمس اشعل داخله الحماس هو الاخر فيرد بذات الهمس
- اذا يمكنني اختطافك الان لمعرفة المفاجأة
اتسعت ابتسامتها وخفتت بالتدريج وهي تبتلع غصة وقفت في حلقها
نظرة غزل العابرة اشعرتها بالدنو فسعلت ملتقطة كوب ماء ارتشفت منه القليل بينما ربت أيهم على ظهرها بخفه اسبلت اهدابها بإطمئنان وتصنعت الانشغال في طبقها بينما تحدث هو مع اخيه

- سنعقد قراننا عند انتهاء سلسبيل من اختباراتها
يقولها جسار لوالدة تميمة الجالسة بجواره ويفصله عن تميمة ريما الجالسة في المنتصف
- يوم السعد والهناء، فليبارك لكما الله
- ‏آمين
نظرت له بضيق فشاكسها برفع حاجب واحد هامسا
- لا مجال للمناقشة يا استاذة
- ‏لقد فعلت ما تريد بالنهاية يا باشمهندس
- ‏وما تريدينه ايضا، هل تنكرين؟
ناظرته بطرف عينها وهي تتصنع الاستعلاء بينما قلبها يرقص وهي ترى لهفته عليها

- آنسة سلسبيل
كان هذا نداء عمار من خلفها
تشعر بأن جسدها كله يرتجف بينما قال هو بإرتباك
- كيف حالك
- ‏بخير
تقولها متطلعه لدرجات السلم امامها خشية ان يراهما احد وقد احضرت بعض الاطباق الاضافية الفارغة من شقتهم، فقال
- اعتذر عن انتظارك هنا ولكن لم اصدق نفسي عندما رأيتك
- ‏العروس هي صديقتي المقربة
- ‏العقبى لكِ
يقولها ببحة مميزة فترد بحياء
- شكرا لك

- ‏السلام عليكم
سمعاها بصوت حمزة الذي اوشك على الصعود، افسحا له الطريق متمتمين بالرد في حرج
صعدت خلفه سريعا بينما وقف هو ملتقطا انفاسه يمني نفسه بالوعد، سيتقي الله فيها

توترت الاجواء بصورة كبيرة عندما جاء، وقف بسام من على مقعده محييا اياه، جذبه من كفه في اتجاه خالته وقد اخذ لوم العالم من عيناها بينما عينيّ غزل اصبحت جامدة
تود الصراخ.. عندما توضع في موقف لم تتوقعه تتضاعف رغبتها في الصراخ فتنحشر الكلمات في حلقها
صافحته والدتها وتقبلت تحيته وهي اومأت برأسها في ديناميكية فبادلها الايماء
ونظرة اختلسها لأيهم الجالس بجوار زوجته اشعلت نارا بداخله.. يكفي انه بجوارها ولولا دعوة بسام له لما حضر اليوم

- اعتذر عن تأخيري، ولكن والداىّ قد حضرا اليوم وكنت في استقبالهما
- ‏حمدا لله على سلامتهما
قالتها دعاء بلباقة فرد قائلا بهدوء
- سلمك الله من كل شر يا خالتي
رغم كل شيء.. دعاء سيظل لها مكانة خاصه في قلبه، وابنتها ستظل محتلة لذاك القلب

كانت امسية لطيفة، غادرها الجميع بسعادة وببعض التوتر
واختلس البعض فيها النظرات البريئة وكعادة الاذكياء كشفتها فريال التي تراقب معها رحيل جميعهم في السيارات
- ماذا يحدث بينكِ وبين ذاك الشاب
توتر ملامحها فضحها اكثر فهددتها فريال
- اياكِ والكذب
فتنهدت سلسبيل وهي تنظر إليها قائلة
- حسنا، سأخبركِ...

___________

امام بوابة منزله تصنع البهجة، فرؤية حمزة اشعرته بالضيق، ولكنه يعلم محاولات بسام التي يسعى إليها من اجل رأب الصدع
ترجل من سيارته وهو يسألها بفضول
- اين المفاجأة
ابتسمت لحماسه الذي خفف عنها الاجواء الخانقة، تعلم ان بسام سيحتفل مع اصدقائه في الخارج لذلك شرعت في خلع حجابها عن رأسها فظهرت كعكتها الانيقة التي تثبتها بدبابيس للشعر فبدت كأميرة سمراء في ذاك الفستان الذهبي الجميل الذي ترتديه

عقدت حجابها خلف رأسه وامسكت بذراعه فتوجه بصورة تلقائية لباب المنزل ولكنها اكملت سيرها معه في الحديقة
قطب حاجبيه بتوجس وهو يستشعر خطواتهم تجاه الغرفة المحظورة
تركت ذراعه وقد شرعت في فتح القفل
دقات قلبه تزداد قرعًا في صدره وتوقف عقله عن العمل وجحظت عيناه عندما رفعت عصابه عيناه ليرى امامه غرفة اخرى
ارضيتها التي افترشها بساط اخضر مريح للعينين، مطليه بألوان زاهية زرقاء اللون تناسب ذوقه الرجولي
وسائد متفرقة في كل مكان امام شاشة تلفاز وطاولة صغيرة عليها بعض التسالي، مزهريات صغيرة وضعت على النافذة كي تصلها اشعة الشمس
ارجوحة جانبية تهتز ومدفأه اعادت تدويرها لتشتعل الان بالحطب كما اشتعل قلبه وظهر ذلك في عيناه اللتان تنظران لها بإشتعال لم تلحظه وهي تدور حول نفسها داخل الغرفة بإشراق وتوقف لتسأله مشيرة حولها بحماس
- ما رأيك؟
قبض على كفيه بقوة حتى شعر بحفر اظافره في باطن يده فكاد ان يدميها
يكز على اسنانه بغضب لم يشعر به مسبقا واحمر وجهه من الانفعال واخرج ذلك في هيئة سؤال صارخ
- ماذا فعلتِ؟
نظرت له بتوجس في وقفته خارج الغرفة، لن تحول عذابه لجنة وتدعوه للدخول فيدخلها هكذا
اين السلاسل الحديدية المثبتة على الجدران، ينظر لركن الغرفة.. اين الحبل الطويل الذي كان هنا، اين العصا الغليظة التي كانت متكئه هـ هنا في انتظاره
اين الاختناق الذي كان يكتنفه عندما يرى الجدران القاتمة، اين دمائه التي اغرقت الارض من تحته يوما ما
هل محت سنوات عمره واعطت الاخر صك الغفران
وقعت عيناه عليها، تنظر له بتوجس واطراف مرتعشة، تخاف الاقتراب فعيناه الجامدتان تمنعانها
وكأن بهما لهب يشتعل ويغذيه رؤيته للغرفة فيندلع اكثر
وكانت هي كعصفور مبتل في يوم مطير لم تجد لديها القوة لمواجهة عيناه فأغمضتهما
قال بنبرة ارتعبت على اثرها اوصالها
- ماذا فعلتِ يا سراب
سراب؟ اعادت قولها مره اخرى بينها وبين نفسها، هل اعاد نداءها بسراب مره اخرى، ماذا فعلت سراب لقد ارادت اسعاده فقط
وهنا ردت بصوت خفيض مضطرب وعيناها تدوران بينه وبين الغرفة
- اردت تجديد ذكرياتك فقط و...
- ‏من سمح لكِ
يسألها بنبرة منفعلة ومشتعلة اردت على اثرها خطوة للخلف
ولم يرى هو شيء امامه سوى سراب ذكرياته فإندفع ممسكا بذراعيه بين يديه بينما اتسعت عيناها بذعر مما تراه امامها فلم يكن هذا زوجها أيهم بل تحول لمنصور اخر وقد شعرت بقرب ضربه لها
اخذ يهزها بين يديه مكررا بفحيح صارخ
- من سمح لكِ؟
تهز رأسها بقلة حيلة امام تكراره لذات السؤال فأغمضت عيناها ولم تقاوم كعادتها وشعرت بتحرر ذراعيها ومن ثم صرخة اعقبها صوت التكسير
فتحت عيناها على اتساعهما امام الصورة امامها، كان كمن تلبسه وحش واخذ يحطم كل شيء امامه
هنا جلس وحيدا يحيطه البرد، هنا عيناه كانت تطفقان الدموع، هنا كانت تسيل دمائه
الاختناق، الذكريات، رائحته الكريهه
كان يود فقط معرفة جرمه ولكن لا سبيل لديه من معرفته
سبيل..
افاق على تذكرها ونظر حوله يمينا ويسارا وغار قلبه في صدره عندما لم يجدها.. فكانت عيناه تجوب الغرفة ولم يبصر سوى تحطيمه لها

هربت.. كعادتها
تركض بسرعة، تركض في كل مكان دون معرفة وجهة معينة ولكنها تود الابتعاد
وضعت حجابها الذي حمل اثرًا من رائحته على رأسها بعشوائية
تعلم انها اخطأت في نظره ولا تعلم اين خطأها
ترتفع وتيرة انفاسها وقد شعرت بإبتعادها عن المنازل السكنية، واقترابها من الطريق السريع، اي سيارة ستجدها الان سيكون دربا من المستحيل ولكنها تنفست الصعداء وهي تجد واحده وبسذاجة طفلة لوحت لها وكأنها الخلاص

توقف السائق على جانب الطريق بأعين زائغة لذاك الجسد امامه، وفي هذه الحاله لا يوجد فارق ان كان رجلا او انثى فـ بالنهاية هو جسد سيفضي فيه ما اراد
ترجل من سيارته بأقدام متعثرة وهي تغشى عيناها الدموع ولكن جرس الانذار دق عقلها بعنف فتركت ساقيها للرياح وذاك الرجل خلفها بسيارته نصف نقل
كانت تجري بكل قوتها وكأن روحًا اكثر قوة دبت في جسدها
ولكن لحظها العثر تعثرت ووقعت على الارض الاسفلتيه فأدمت ركبتيها
تتكئ بباطن يديها وتحاول دعم نفسها فتنخدش اكثر
اقترب منها بسيارته وبيد واحده رفعها عن الارض لتصرخ صرخة مذبوحة انتفضت على اثرها ليغشى عليها بين ذراعيه

___________

وفي احدى عيادات القرية المجاورة كانت تجلس امام الباب الذي يفصلهما، تلوثت حنتها بالدماء، وعينيها بالدموع التي لا تنضب جوار عمتها التي تشاركها الانتحاب
وصلها خبر اصابته في مجلس العرس ليتجمد الكون حولها ولم تشعر سوى بإندفاعها لخالها الواقف امام المنزل.. وتوسلها القدوم ومن ثم توسل عمتها فجلبهم معه هو وبقية رجاله
خالها الذي يجلس خارجها مع رجاله، ينظر لسليمان الجامد ويعلم خاله ان جمودة اكبر دليل على ارتكابه المصائب منذ كان صغيرًا

- سليمان، تعال معي
يقولها محمد بصوته القوي فيطيعه سليمان على مضض
ابتعدوا قليلا عن الرجال الواقفين فبدأ محمد حديثه بتقرير واضح
- انت من فعلتها
ولم يكذب سليمان فقال بتبجح
- نعم فعلتها
امسك محمد بتلابيبه يهزه بعنف، ورغم طول سليمان وجسده القوي إلا ان محمد كان شديد البأس قائلا
- لماذا فعلت هذا ايها النذل، ستظل طوال عمرك هكذا.. جبان يطعن من الظهر
نفض سليمان يديّ خاله عنه واخذ يتنفس بقوة قائلا
- انا احق بها من اي احد.. منذ زمن طويل وانا في انتظارها وعندما تأتي إلى هنا هل تظنني سأتركها
وقبض على يده امام وجهه بقوة مكملا
- بل سأدعس كل من يقترب منها
تحذير صارم وسبابه خاله تنطلق في وجهه كرصاصة وهو يقول
- اقسم بالله، ان اقتربت منها سأكشف كل شيء
اهتزاز طفيف طغى في عينيّ سليمان ليكمل محمد
- مخازن السلاح، والصفقات التي تعقدها خلف شركائك في العمل و... هل اكمل ؟
يقولها خاله بتشفي واضح اظهره اكفهار وجه سليمان الذي نكس رأسه
ربت محمد على كتف ابن اخته بقوة مردفا قبل ان يرحل
- اترك همسة في حالها، فلن ارحمك يا سليمان ان تأذت
وتركه ذاهبا للرجال
يتنفس بعنف ورغبة متوحشه غير عقلانية تلعب في رأسه حتى سمع رنين هاتفه بنغمته المميزة ففتحه سريعا مستمعا الى الطرف الاخر لبعض الوقت وقد احمر وجهه اثر التوبيخ الذي اخذه وامرته في الحال ان يترك كل شيء ويأتي إليها
ولم تكن هذه سوى والدته...

وفي الداخل خرج الطبيب يهز رأسه بإطمئنان عندما اندفعت همسة وعمته في اتجاهه قائلا
- حمدا لله، الاصابة لم تكن خطيرة وقد كانت الطلقة في ذراعه، ولكن انصحكم بنقله لمشفى عام بإحدى سيارات الاسعاف من اجل سلامته وسأذهب معكم
شعرت ان قدميها قطعتان من هلام لم تعد تستطيع الوقوف عليهما وترنحت بأمسكت بها عمتها
اطمئن خالها عليه من الطبيب وقد بالغ في شكره فذاك الطبيب جراح في المدينة ولكنه ينتمي لقرية مجاوره لهم ويأتي من حين لاخر

دخلت الغرفة عندما استعادت بعض قوتها، رأته نائما بوهن على السرير، انبوب التنفس الصناعي على انفه وجذعه العاري يحيط به الشاش الطبي الابيض
اقتربت وكل قرب منه يوازي حياة
لم تسمع دقات قلبها بهذا الوضوح سابقا، لم تشعر بهذا الوهن منذ مدة ولم تعترف انه احبته كما تشعرها بكل كيانها اليوم
جلست على السرير تمسك بكفه بين كفيها تتحسس قربه وتملأ عيناها من ملامحه وعيناها دون ارادتها تلمعان بالدموع العزيزة
كم اصبحت عاطفية وهي التي اعتقدت ان السنون والمواقف جعلتها اقوى ولكنها اعتقدت هذا عندما لم يكن لديها ما تخسره
والان لديها إياس
يساوي جميع الدنيا في نظرها
تركت يده عندما دخلت عمته بعد طرق الباب
ارادت اعطائها المزيد من الوقت ولكن قلبها لم يستطع، وقفت وراءها تضع كفيها ع كتفيها وتنظران له
لسان كل واحده منهن يلهج بالدعاء والحمد لله لم تكن اصابة خطيرة
وبعد قليل اتت سيارة الاسعاف ليتم نقله إلى العاصمة

_________

دلف إلى منزله بخفه.. قدميه لا تلامسان الارض من فرط خفته.. متطلعا حوله يمينا ويسارا في هذا الظلام الدامس حتى اضاء مصباح جانبي وسمع صوتها المتهكم قائلا
- هل اتيت اخيرا
استدار لها سليمان وطالع وجهها المكفهر قائلا
- مساء الخير
- ‏تأخرت كعادتك كي تجدني نائمة عندما تأتي، عادتك التي تفعلها منذ صغرك ولم تفهم بعد انني اعرفها
- ‏رجاءًا انا...
قاطعته وهي ترفع كفها في وجهه مرتكزه على عصاها وهي تقول
- تفسد جميع المخططات بأفكارك الرعناء تلك
- ‏كان هدفي اختطافه، ولكن لا اعلم من جاء وافسد علىّ خطتي
لكزته بنهاية عصاها في صدره فكتم تأوها كاد ان يخرج من بين شفتيه ووضعتها على الارض تستند عليها مره اخرى وهي تقول بسخرية
- هل تعتقد ان جميع الاعين لن تصوب تجاهك، وسيتم كشف كل مستور
اخشن صوتها لتهتف بحده
- مثل والدك تماما، متهوران في كل شيء.. ولا تحسبان حساب القادم مطلقًا، لن تفلح يا سليمان إن لم تخطط لكل صغيرة
نكس رأسه امامها كطفل صغير، فمهما كبر لا يكبر عليها واضافت مردفه بعدما رفعت ذقنه بعصاها
- ارفع رأسك دائما
وقست عيناها لتكمل
- وانسى همسة، وسأزوجك بأفضل منها
- ‏ولكن انا اح.....
- ‏لا تحبها يا ولد، نحن لا نحب
عيناهما تتشابكان بقوة مخيفة وكأنما تنقل طاقة الكره من عينيها لعيناه، هو ابنها الوحيد، استثمار ايامها القادمة، لن يلين قلبه لانثى
وعندما شعرت بذلك وعلمت بخطته افسدتها كي لا يبقى تحت رحمة انثى.. فلا يفسد الرجل سوى العشق وهذا منهاجها

____________

فتحت عيناها امام خاصته التي تنظران لها من على بُعد، حيث كانت نائمة على فراشهما، متدثرة بغطائها المحكم حولها كي يقيها البرد، بينما وقف هو امام النافذة في الظلام، يخرج من بين فمه الدخان مما اثار دهشتها لعدم معرفتها سابقا انه مدخن، ام انها كانت تعلم
هي حقا لا تعلم اي شيء
تغضن جبينها بوجع وهي تشعر باللاشيء وهذا ادق وصف في الحقيقة فـ عيناها تدمعان دون ارادتها فتشعر بوهن مضاعف
ومن مكانه كان يراقبها بهدوء، لم يعلم ما الذي فعله واي شيطان تلبسه كي تهرب منه هكذا ولكن عقله توقف وحمدا لله انه ذهب خلفها سريعا
افاق على شهقتها وملامحها المرتعبة وهي تقول
- السائق؟
قطب حاجبيه بعدم فهم بعد ان اطفأ سيجارته مقتربا منها ومتسائلا
- اي سائق
- ‏ألم يكن هناك سائق؟
تسأله بملامح مشتته وهي تحاول استحضار صورته دون فائدة ليجيبها بإستغراب
- لا.. لم يكن هناك احد غيرك
امسك كفها بقوة ضاغطا عليه وهو يقول بعصبية زائدة
- كيف تفعلين هذا؟ هل تهربين مني؟
ورغم وعده بينه وبين نفسه ان يتريث الا ان اكتشافه لهروبها هذا قد افزعه بشده
هل تعلق بها وهو الذي نسى التعلق منذ زمن
- لقد اذيتني
- ‏انا
يقولها بدهشة ويدها تقاوم كفه فتركها لتؤكد بقوة اكبر
- نعم اذيتني بشدة
- ‏وانا
يفقد كل سيطرته ليقف امامها ضاربا صدره بقبضتيه بقوة اوجعتها فتأوهت بينما يردف
- وكل وجعي الذي اعيش به، والاسرار التي اتحملها، والثقل الذي فوق ذراعىّ، والاذى الذي عايشته كبيرا وصغيرا.. ماذا افعل
تتطلع إليه في صمت وعيناها تسألانه دون نطق
وكمتهم يائس من الحياة جلس على السرير فأكتاف متهدلة وظهر منحني، معترفًا على نفسه وهو يفتح بابًا قد اغلق منذ زمن
- لقد قتلت والد بسام

" نهاية الفصل الخامس والعشرون "
اتمنى الفصل يعجبكم يارب ومنتظرة رأيكم كالعاده❤️❤️❤️

Lautes flower likes this.

شيماءالسيد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-08-21, 12:16 AM   #252

امال رضا

? العضوٌ??? » 484406
?  التسِجيلٌ » Jan 2021
? مشَارَ?اتْي » 56
?  نُقآطِيْ » امال رضا is on a distinguished road
افتراضي

فصل ممتع وملئ بالاحداث الممتعه الجميله بداية ببوادر رجوع حمزة لنغم بمساعدة باسم وزواج اياس من همسه وما حدث له على يد ابن خالتها وتأكد ها من حبها له ونهايه الفصل وماحدث لأيهم بعد مفاجأة سراب له وذعرهامنه واعترافه المثير بقتله زوج والداته فأشتقنا جدا جدا للفصل القادم تسلم ايدك وشكراً لك وبانتظار المزيد

امال رضا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-08-21, 08:40 PM   #253

Ektimal yasine

? العضوٌ??? » 449669
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,966
?  نُقآطِيْ » Ektimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل روووعة
هل راح.تعود.المياه لمحاريها بين حمزة وغزل بتمنى
تميمة وجسار يا محلاهن
همسة واخيرا معواياس رغم انو الفرحة ما اكتملت سليمان مو طبيعي الحقد ووالدتو جبارة كلمتها نحن لا نحب وتحذبرهاوالو اجت بمصلحةةاياس وهمسة
القفلة رهيبة ايهم هل فعلاقتل زوج والدتو متعمد اوحادث
تسلم ايدك يارب بانتظارك


Ektimal yasine غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-09-21, 05:46 PM   #254

شيماءالسيد

? العضوٌ??? » 478553
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » شيماءالسيد is on a distinguished road
افتراضي

" الفصل السادس والعشرون "


فتحت عيناها امام خاصته التي تنظران لها من على بُعد، حيث كانت نائمة على فراشهما، متدثرة بغطائها المحكم حولها كي يقيها البرد، بينما وقف هو امام النافذة في الظلام، يخرج من بين فمه الدخان مما اثار دهشتها لعدم معرفتها سابقا انه مدخن، ام انها كانت تعلم
هي حقا لا تعلم اي شيء
تغضن جبينها بوجع وهي تشعر باللاشيء وهذا ادق وصف في الحقيقة فـ عيناها تدمعان دون ارادتها وتشعر بوهن مضاعف
ومن مكانه كان يراقبها بهدوء، لم يعلم ما الذي فعله واي شيطان تلبسه كي تهرب منه هكذا ولكن عقله توقف وحمدا لله انه ذهب خلفها سريعا
افاق على شهقتها وملامحها المرتعبة وهي تسأله
- السائق؟
قطب حاجبيه بعدم فهم بعد ان اطفأ سيجارته مقتربا منها ومتسائلا
- اي سائق؟
- ‏ألم يكن هناك سائق؟
تسأله بملامح مشتته وهي تحاول استحضار صورته دون فائدة ليجيبها بإستغراب
- لا.. لم يكن هناك احد غيرك
امسك كفها بقوة ضاغطا عليه وهو يقول بعصبية زائدة
- كيف تفعلين هذا؟ هل تهربين مني؟
ورغم وعده بينه وبين نفسه ان يتريث الا ان اكتشافه لهروبها هذا قد افزعه بشده
هل تعلق بها وهو الذي نسى التعلق منذ زمن
- لقد اذيتني
- ‏انا..
يقولها بدهشة ويدها تقاوم كفه فتركها لتؤكد بقوة اكبر
- نعم اذيتني بشدة
- ‏وانا
يفقد كل سيطرته ليقف امامها ضاربا صدره بقبضتيه بقوة اوجعتها فتأوهت بينما يردف
- وكل وجعي الذي اعيش به، والاسرار التي اتحملها، والثقل الذي فوق ذراعىّ، والاذى الذي عايشته كبيرا وصغيرا.. ماذا افعل
تتطلع إليه في صمت وعيناها تسألانه دون نطق
وكـ متهم يائس من الحياة جلس على السرير فأكتاف متهدلة وظهر منحني، معترفًا على نفسه وهو يفتح بابًا قد اغلق منذ زمن
- لقد قتلت والد بسام

اتسعت عيناها بذعر وشهقت بصدمة غير مصدقة ما تفوه به، يتطلعان في بعضهما بصمت وكأن الكون قد تجمد حولهما، قطعه وهو يجلس على مقعد امام النافذة.. ينظر للظلام المحيط بالخارج والذي يشبه ذاك الظلام الذي يحيا به
زخات مطر طفيفة تسقط امام عيناه، ورائحته تدخل إلى انفه فتنعش ذاكرته للذكرى المريرة، يوم صنف نفسه كقاتل
بصوت متحشرج وعيناه فارغتان اخذ يقص عليها ما حدث في احدى مواسم الشتاء

"

ذهب إلى رحلة مع اصدقائه في سنته الاولى في الجامعة، كان يود التأقلم معهم، تقبل حياته الجديدة وربما كان هذا هو الخير له رغم عدم رغبته، وفي الحقيقة هو لا يرغب في اي شيء
اندمج مع البعض وخاصه صديقه إياس.. ضحك من قلبه كما لم يفعل سابقا وهدأت بعض روحه المضطربه دائما
كانت البسمة مرتسمة على وجهه وهو يدخل المنزل في ساعة متأخرة حتى انحسرت وخفتت تدريجيا وهو يغلق الباب وتدخل إلى انفه تلك الرائحة المميزة التي تخص حضوره
حضور والد بسام الذي كان يغضب عند قوله لهذا
فيعنفه بغضب مرددا على مسامعه
- انا والدك.. قل والدي.. يا ابي، انا والدك
يقولها عنوة وداخله يرفض
كان يعذب في احدى المرات في تلك الغرفة المشؤومة كي يقول ابي، يكتم فمه بلاصق وهو يحفرها على جلده بآله حاده، كي يتذكر وجعها فيقول ابي، يومها صرخ كأسد حبيس والدماء تتساقط تحت قدميه والمطر ينهمر في الخارج

- اغلق الباب بالمفتاح واتبعني
يقولها والد بسام وخلفه والدته التي تلطم خديها بصمت ويديها مكبلتين بضعف بينما يقف بسام في ركن منزوي على نفسه
ترك حقيبته التي كان يحمل فيها بعض الهدايا التذكارية وهو يتخيل طوال الطريق فرحتهمبها، سيقضون ليلة سعيدة وهو يحكي عن مغامرته التي خاضها للمرة الاولى، ولكن للقدر رأي اخر

صعد درجات السلم خلفه ودقات قلبه تزداد بضراوة ناظرًا لاقدام الوحش الذي يصعد امامه.. شحب وجهه وهو يميز صعودهم للسطح لا غرفته
وعند صعودهم عليه صعدا إلى سلم خشبي يستند إلى احدى الغرف فوقفا فوقها دون سور او حواجز
دقات قلبه تزداد مع كل خطوة فتتفاعل في سيمفونية تروي قصة عذاب
ابتلع ريقه الجاف وهو يمد لسانه كي يلتقط بعض قطرات المطر بخوف ناظرًا إلى ظهره امامه
- اين كنت؟
ارتعشت مفاصله وهو يفكر في كذبة ما كي يقصها عليه
- لا تكذب
استدار ينظر إليه بأعين صقرية مضيقًا عيناه وهو يدقق في لغة جسده
ابتسم بسخرية قائلا بخفوت لم يكد يسمعه أيهم من قوة تدفق المطر فوقهما
- انا اعلم عنك كل شيء، كخطوط يدي يا ولد
وصاح بقوة
- انت لعبتي
يبتلع ريقه مع الاهانة بصمت وهو يسمع صرخته التالية والتي وجهها للواقفين خلفه
كان بسام ووالدته يقفان كفأرين يحتمان بالباب المؤدي للسطح كي ينظران لما سيحدث
- إلى الاسفل
لم ينظر أيهم لهما ولكنه يعلم انهما سينفذان امره بقلب مرتجف مثله الان
مبلل بالكامل.. يرتجف من البرد وملابسه الشتوية لا تفي بالغرض وامامه كان واقفا كجبل شامخ لا يتأثر
- اخلع ملابسك
رفرف بأهدابه ولم يتفوه بكلمة، الامر واحد لا يتركك.. وإلا فعلها هو كما حدث سابقا
يخلع قطعة بقطعة وينظر للاسفل بخزي مؤلم
- انظر لي
نظر له وقد توقفت انامله على سرواله متنفسا الصعداء وقد اعتقد بسذاجة انه سيرحمه ليردف الاخر بقوة اجفلته
- اخلعها وانت تنظر لي
شعور القهر يطل من عيناه من دموع غشيتهما وهو ينظر لبؤبؤته التي تتابع خلع ملابسه
يود اذلالة وقهره كي يكسر شوكته فينظر إليه مطأطئ الرأس دائما
وقف بملابسه الداخلية.. مرتجفا في البرد القارص والمطر يزداد حتى دوى صوت الرعد
- هل اشتقت لعقابي؟
هز أيهم رأسه نفيا فأخذ الاخر يدور حوله كأسد جائع ينظر إلى فريسته
- اذا لماذا ذهبت دون اذني ؟
لم يرد أيهم ونشيجه اخذ في العلو من فرط ما يشعر بالاهانة لينتفض على الكف التي لطمت وجهه فنظر له قائلا
- كُف عن البكاء كالنساء.. اردت ان اصنع منك رجلا، يواجه لا يهرب.. وانت دائما تخيب ظن والدك
كان يمسك وجنته بغضب مشتعل وهو ينظر إليه حتى ابتسم الاخر بشراسة قائلا بينما يهز بين يديه
- نعم.. اريدك هكذا، غاضب، ثائر، قوي
وتركه موليا إياه ظهره وهو يضع يديه خلفه مردفا
- والدتك تلجأ دائما للحل الاسهل، الكذب، الهروب، الخديعة.. لا تجد القوة في نفسها كي تحارب، وهذه الدنيا لا يحيا بها سوى المحارب
استدار له بغتة فإتسعت عيناه بإستغراب تحول سريعا إلى نوبة ضحك بصوته الخشن كادت ان تدمع لها عيناه
كان أيهم واقفا في وضع المهاجم، يمسك في يده حديدة مسننه كانت ترهبه وهي في يد الضاحك امامه والذي قال بإستخفاف
- اضحكتني يا فتى، اترك تلك العصاة كي لا تؤذي نفسك

تقدم منه أيهم بشجاعة لم يعهدها، فإن كان في العمر بقية سيبقيها برأس مرفوع، وان لم يكن وهذا ما تمناه من قلبه سينهي كل عذابه
تقدم منه بعزم استشعره الاخر وعندما مد يده كي يأخذها حركها أيهم بخفه وبكل قوته سقطت على يده والاخر يصرخ فيه بقوة
- هل جننت
يتقدم ببطئ والاخر يخطو للخلف ببطئ مماثل
- نعم جننت.. عقلي لم يعد في محله
- ‏انا سأقتلك بيدي، اترك
وبكل قوته قبض على تلك الحديدة فتشبث بها أيهم هو الاخر وفي لحظة واحده افلت يده ليختل توازن الاخر وقد انزلقت قدمه في الماء، ومع انزلاقه وجد نفسه يقترب من الحافة وقد اصابه الدوار الذي يلازمه في بعض الاوقات، واثناء نظره للاسفل لحديقة الصبار خاصته وهو يحاول التوازن دفعه أيهم بيده واخذ الاخر يتشبث بأيهم في مبدأ ان كتب لي الموت سنموت معا
ولكن عدم انتباه الاخر، اخذ أيهم يتملص منه بقوة حتى افلت نفسه وانزلق الاخر للخلف ولحظة الحسن، تشبث بالجدار وجسده الضخم معلقا في الهواء، يصرخ في توسل ان ينقذه، يصرخ بكل قوته فينظر له أيهم بتبلد وينظر خلفه ليجد والدته وبسام واقفين اسفل تلك الغرفة، لم يصعد منهما احد
اذا لا يريده احد منهم
يسمع نبراه المتوسلة الضعيفة وقد اصابه الدوار بصورة اكبر وهو ينظر للاسفل باحثا عن اي مخرج
- ارجوك يا أيهم، انقذني بني، اعتذر عن ما بدر مني، انقذني
ولكن أيهم يسمع صوت صراخه، عذابه، اناته ليلا من الالم فيجد قدمه ترتفع للاعلى وتدهس انامل المتشبث امامه بقوة.. اخذ تشبثه ينحسر، انامله تدهس تحت وطأه حذاء أيهم
وصرخة شقت سقوط المطر انطلقت متزامنة مع الرعد، وعلى ضوء الاعمدة الخافت سقط رجل ودت لو تلفظه الارض من شده حقارته

شعر بكفين يمسكان بكتفيه
إلتفت لوالدته وبسام المنكمش هو الاخر
اقتربوا جميعا من حافة السطح ينظران إلى جسده الغارق في الدماء وسط حديقه صباره
هو الذي زرعها بيديه، وهو الان الذي يجني ثمار شوكها
توقف المطر فجأه وكأنما سعد برحيله
سقطوا جميعا مع بعضهم ارضا، يشكلون دائرة صغيرة محتضنين بعضهما ووالدتهما تعتذر، تبكي على حالهم جميعا وتعتذر، وبسام دون ارادته تطرف عيناه للحافة التي سقط منها
بينما أيهم ينظر امامه بصدمة

سبب الوفاة انتحار ولم يدقق احد فأقاربه استراحوا منه، وسيحصلون على الارث
والعزاء قاصر
ولا احد بجوارهم سوى خالتهم دعاء وغزل التي كانت تحتضن كفه وتبكي من اجله هو وبسام المنزوي في احد الاركان.. لا احد فيهم يبكي فقط اعينهم متحجرة، جامدة ولكن هناك شعاع كره يطل من عينيّ بسام

وفي الليل
كانوا يجلسون امام المدفأة، ينظر لحديدة مسننة تساعدهم في تقليب الخشب لتلتهمه النار ويشعرون هم بالدفئ.. هذا قانون الدنيا.. يجب عليك اباستغناء عن شيء والحصول على اخر، عيناه لوحة ذنب خالصة تنقسم لنصفين، احدهما يصفق والاخر يبكي
اللهب الصادر ينعكس في عيناه فيندلع اكثر، شعر بكف والدته الذي وضع على كتفه وضمت رأسه لصدرها لعله يستريح.. اغمض عيناه ليفتحها على عينيّ بسام الذي انضم هو الاخر إليه
كل واحد تحتضنه بكف، تضمهما بقوة وهي تزرع رأسيهما في ارض قلبها.. تتحدث فيطغى الذنب على صوتها
- لا اعلم كيف ستسامحاني، ولكن ما اعلمه حقا انني ظلمتكما وارجو ان تغرفا لي ضعفي وقلة حيلتي، الان وقد تحررنا.. سنكون مع بعضنا، لا اعلم اي حياة سنحياها وكل منا يفقد قطعة ما داخله.. ولكنكما اخوة واعلم انني ورغم قلة السقيا قد زرعت في قلبيكما الحب
رفعت رأس بسام لتقابلها عيناه الدامعتان بقهر.. تشتد من قبضتها على ذقنه وهي تغرس عيناها في عيناه
- اعلم انك حزين، وهذا حقك.. ولكن اخاك يا بسام لم يرتكب جرمًا، لم يدفعه متعمدًا منذ البداية
ترفع وجه أيهم المنغرس في صدرها وكأنه يخشى مواجهة العالم وكأن ذنبه سيشرح نفسه في عيناه لكل عابر
- وانت يا أيهم، معدنك طيب ونظيف يا صغيري، لا تحني رأسك ابدا.. لقد انزلقت قدماه هو الذي كتب نهايته بيده، لعله اراد موتك و....
- ‏وكنت اموت يا امي
اجفلت من صوته المنتحب، اصابها الهلع من صوته المقهور وكأنما حبس في زنزانة عميقة بداخله مردفا
- كنت اموت في كل يوم وكل مره يذلني فيها
- ‏كان يحبك
يقولها بسام بتقرير فتلتقي اعينهما وكأنها مجرد غرباء، وكأن بينهما مجرة بأكملها تمنع اندماج نظراتهما ويكمل بسام بوجه محتقن
- كان يقول لي انه يحبك ويريدنا اقوياء
يتحدث بقلبه الطفولي وتزرع اميرة في رأسه نبته كعادتها وتتركها للزمن كي يرويها فتظلل عليه في الوقت المناسب
- ‏من يحب احدا لا يذله يا بسام، الحب ليس مبررا للعنف الذي كان يمارس على ثلاثتنا، بل هو مرض كان يأكل والدك ويدفعه لفعل هذا بنا متلذذا، انت تحبني أليس كذلك؟
يومئ لها برأسه وعيناه تجف من الدموع فتسأله
- هل ترغب في رؤيتي مقهورة؟ باكية؟ صامتة؟ متعبة؟
وكل سؤال كان يقابل بالنفي من رأسه، امسكت بكتفيه قائلة بهدوء
- من يحب يا بسام لا يتلذذ بعذاب احبته.. انت واخاك ستكبران مع بعضكما، لن يجد احدكما السعادة الا في كنف صاحبه
وبكفيها امسكت بكف كل منهما ووضعتهما على بعضهما مشدده من ضمهما وهي تلقي بتعويذة
- كل منكما سيكون نجاة الاخر في هذه الدنيا، ستظلان هكذا.. متشبثان ببعضكما، وكل منكما يجد قطعته المفقودة لدى الاخر

"
يكررها امام عيناها الحمراوتان اثر الدموع في جلسته امام الظلام الذي اشتد مشاركا ذكرياته الاشد سوادًا، وكفه تمسد اعلى ذراعه بأصابع مرتجفة
وهي التي اعتقد ان حياتها مأساة، ماذا تسمي حياته اذن
هبطت من على فراشهما بأقدام مرتخية، وضعت كفها على كفه فنظر لها بمفاجأة وكأنما انفصل عن الكون واعادته لمستها
ودون مقدمات جلست على قدميه لتحتل صورة عيناه دون الظلام امامه، بأنامل مرتجفة امتدت كي تحل وثاق ازرار قميصه، وتخلعه عن ذراعه الذي كان يمسده، فأخذت هي دوره قبل ان يغمض عيناه على اقتحام شفتيها الرقيق، كزخات المطر على صحرائه القاحلة، وعلى الرغم من اجراءة لجراحة تجميلية كي يمحو اثر كل ما يخصه، ومحى اثرها الظاهري ولكن اثرها بداخله لم ينمحي، ابي التي ظل يسمعها بصوته اثناء نومه واوقات يقظته ولم يتخلص من كوابيسه بشأنه سوى قريبا
وهي الان تبدل ذاكرته بشأنها
يتذكر فقط قشعره جسده وهي تحط بشفتيها موضع ندوبه، وتصعد بهما حتى وصلت جوار شفتيه
تتطلع لعيناه على استحياء مجبره نفسها على غرس الفخر بعيناه
- انت بطلي
وياء الملكية اججت دواخله فرغب بإمتلاكها
ودون تفكير وبنظرة واحدة ارتشف كل منهما رحيق العذاب من صاحبه

__________

فتح عينيه ببطئ متطلعا لجدران الغرفة حوله بنصف عين.. حتى ابصرها بجوار النافذة شبه المفتوحة والمغلقة بنصف ستارة والضوء القادم ينذر بحلول الصباح.. تجلس على مقعد وثير مغمضة العينين وتستند على الحائط خلفها مكتفه ذراعيها امام صدرها ومغمضة الاعين بأجفان مرتجفة حتى فتحتهما فجأة وكأنما شعرت به فإلتقى خضار عينيها مع بنيه عيناه
وشعاع شمس يخترق مواجهتهما باعثًا بشيء من الامل
وقفت من جلستها بأقدام كالهلام، الان توقن انها تحبه بحق، وترفعها السابق لم يكن سوى محض عناد تضعه امامها كدرع حديدي يحميها من الاخطار
وإياس لم يكن خطرًا، بل على العكس شكل لها الامان المفقود، ومنحها الحب المسلوب
دقات قلبها تزداد بشكل مزعج لم تعهده في نفسها.. في الحقيقة هي لم تعهد حبًا مسبقًا بل كان مجرد اعجاب مستحي للشخص امامها بحكم فترة المراهقة
ولكن ما شعرته عندما وصلها خبر اصابته قلب حساباتها رأسًا على عقب

وصلت قبالته، تجلس على سريره وعيناهما تتعانق كما عانقت هي كفه بين يديها تضغط عليه بترحب وهي تقول ببحه متأثرة
- حمدا لله على سلامتك
رفع يده الاخرى المثبت بها محلول طبي، مزيحا عن وجهه قناع الهواء امام اعتراض عيناها الذي لم يكترث له قائلا ببعض الوهن
- اصبحت بخير
وضغط على كفها السفلي الذي يحيط بكفه فإكتنفها الخجل فغيرت دفه الحوار وهي تسأل بإهتمام ناظرة لمكان جرحه
- بماذا تشعر؟
حرك ذراعه المصاب فتغضن جبينه بألم شعرت هي الاخرى بمثله لترفع كفها العلوي عن كفه تاركة السفلي وهي تمسد ذراعه الاخر برقة كالفراشة فإكتنفه بعض السلام وهو يهدأ رويدا، رويدا مغمضا عيناه ببعض الارهاق
سمعها تقول بإشفاق
- ارتخي، واسترح قليلا وانا بجوارك هنا
فتح عيناه ليسألها بغتة
- ألم نتزوج؟
رمشت بأهدابها عده مرات وهي لا تستوعب سؤاله فالظرف الذي يحيطهما بعيدًا عن الزواج الان
هزت رأسها نفيا فأحبط وجهه وهو يقول بتماسك
- لم نستطع التحدث سابقًا، ولكن الان لكِ حرية الاختيار، لن يجبركِ احد على شيء.. وان كان سليمان ذاك....
بترت حديثه بكلمة قاطعه
- ‏اخترتك
هدرت دقات قلبه، تتقافز مع دقات قلبها وكأنما يتسابقان بشراسة وهدفهما الفوز
احمر وجهها بخجل ولكنها واجهت عيناه قائلة بأعين براقة اثر الدموع بهما
- اخترتك زوجًا لي
وضع يده على رأسه وكأنما يتأكد من وجود عقله قائلا
- ‏هل ما اسمعه من تأثير المخدر ام انه حلم
- ‏لا هذا ولا ذاك، انه كل الحقيقة
اغمض عيناه بإعياء فحاولت سحب يدها من يده التي تمسك بها وهي تقول
- استرح قليلا
يتشبث بيدها اكثر قائلا بوهن
- وانتِ بجانبي
فتترك كفها له، كما تركت اغلى ما تملك.. قلبها

___________

كانت تسير في رواق الجامعة ببطئ وكأنما تحمل اطنان وجع على ظهرها، اليوم اخر اختباراتها العملية، رسمت بكل طاقتها التي شحنتها من رؤيته بالامس.. لوحة بيضاء وخطوط سوداء شكلت بها صورة للمعاناة على هيئة امرأة تصرخ
نعم، كل إمرأة في وطننا تصرخ لسبب ما
منهن من تصرخ كي يلتفت إليها احد
ومنهن من تصرخ كي تخفف ثقل الحِمل الذي تحمله
واخريات يصرخن للحرية، للدفاع عن النفس
في وطننا ستحتاج إلى تجديد نفسك بالصراخ

- رأيت لوحتك
تسمعها بصوته خلفها فتتوقف قدماها بينما يتولى قلبها هرولته العنيفة
ارادت وقتا مستقطعا مع نفسها.. تعود لشغفها بالكتابة والرسم.. والحياة
استدارت إليه وبرأس مرفوع سألته
- وما رأيك؟
- ‏ككل ما يخصك.. مبهرة
تلكأ في قول كلمته الاخيرة لتخفض وجهها خجلا ويردف بصوت قوي
- شكرا لكِ ولبسام على كل شيء
- ‏ولأيهم
نطقها لاسمه اشعل نارا ظن انها انطفئت ولكنه تأكد ان جمرة ناره مأججة ومشتعلة تحت الرماد
- ماذا به أيهم
- ‏هو ايضا ساعدنا
تقولها مواجهة عيناه بهدوء، عيناه التي كادت ان تحرقها ولكنه حجب دواخله متنفسا بعمق وهو يقول
- وشكرا له
كانت تقصد استفزازه ولن تنكر، تود معرفة قدرته على التحكم.. فإن قُدر لهما الرجوع لبعضهما وهي ترجح ذلك ستجبره الظروف على الالتقاء به
- حمدا لله ان الموضوع انتهى على خير
- ‏نعم لقد تم رفدها من الجامعة، الكذب نهايته وخيمة
وكأنما يقصدها بجملته الاخيرة، شددت من امساك حقيبتها متمالكه نفسها وهي تقول برأس مرفوع
- في بعض الاحيان يكون الكذب طوق نجاة
- ‏ربما
يقولها متمالكا نفسه، سيتريث في كل خطوة يخطوها اتجاهها
- هل يمكننا احتساء القهوة مع بعضنا؟
المفاجأة جعلتها تبتلع ريقها الجاف وتتوتر حدقتاها وهي ترفع خصلة سقطت على وجهها خلف اذنها
- لا
تقولها بخشونة نافية، لترتسم على فمه نصف ابتسامة وهو يوقن بتغيرها كما ينبغي
وهي اختارت المواجهة لا الهروب كعادتها، يجب ان تتغير للافضل من اجلها اولا
- ينبغي علىّ الرحيل الان
- ‏سنلتقي؟
يسألها بأمل فترد بهدوء
- ربما
ورحلت من امامه كطيف رقيق وتركته متطلعا في اثرها

___________

قرب الظهيرة دخل المنزل بعد ان انهى عمله
تسربت إلى انفه رائحة طعامها فصرخت معدته جوعا، وصرخ قلبه عطشا لقربها
- رائحة طعامك شهية
يقولها في وقفته المائلة على باب المطبخ، متطلعا إلى تفاصيلها التي اشتاقها فردت بديناميكية وكأنما تدرب نفسها على الابتعاد
- صنعت لك طعامك الخاص
تهتم به وتعذبه برائحة طعامهم دون طعام المرضى خاصته.. كما تعذبه بقربها المبتعد الان، رغم خصامها الظاهري وطلبها غير المبرر بالامس والذي اجفل قلبه وكاد ان يصيبه بنوبة قلبيه
الا انه تمالك نفسه، سيعود كل شيء كما كان، وسيدربها على الوثوق به ولن يبرر هو.. ويثق بدوره بعقدة قلبيهما التي لن تفصل مهما حدث
- طلب احدهم يد ونس
إلتفتت إليه بسرعة، متسعة العينين بإبتسامة حفرت على وجهها الامل.. ونس الصغيرة التي كبرت امام عيناها وهي تحتضن دميتها وكم تمنت ان تراها عروس تزف بالابيض، هل صار حلمها على وشك التحقق ولكنها كادت ان تفقد حلمها الاكبر
حلمها الاكبر الجالس امامها على احد المقاعد، عيناه راكدتان بهدوء يستفزها لاثارتهما، ربما كانت هذه اخر جلسة تجمعهما فقد اوشكت ونس على الانتهاء من اختباراتها، تحشرج صوتها وهي تبعد عيناها عنه قائلة
- فليتم الله بالخير ان كان خيرًا
- ألن تسألي عنه؟
- ‏اعلم انك ستفعل اللازم
واستدارت للموقد امامها تقلب محتويات الإناء بتصلب واضح عندما شعرت بخطواته المقتربه، كتمت انفاسها وهي تقبض على الملعقة في يدها مترقبه اقترابه حتى شعرت بالحرارة التي دبت في كفها فجأه فإنتفضت بهلع إلى الصنبور وقد رأت احمرار كفها الذي ارتطم بالاناء بينما اقترب منها بخوف ينظر لكفها واتجه صوت المبرد سريعا يستخرج منه بعض الثلج ويضعه مسرعا على يدها وقد اغلق الصنبور بينما تئن هي بوجع بين كفيه اللذان يمسكان بكفها ويتوجع قلبه لترقرق الدمع في عينيها
- ليتك تفعل هكذا بقلبي
- ماذا؟
- ‏تطفئ ناره المتأججه
كان الثلج يذوب بين يديهما كما تذوب نظراتهما، عيناها تتحرران بدموع حبيسة فقدت سيطرتها عليها ودون مقدمات سحبها إلى احضانه متأوها بخفوت
يديه تكبلان خصرها وقد شعر بوجودها انه تنفس، اغمض عيناه وكأنه يتنفسها
بينما تشبثت به كالغريق
كل منهما وجد ملاذه في حضن صاحبه
شدد من احضانها بينما تشدد هي على قطعة الثلج الصغيرة في يدها
تذوب ك قطعة الثلج بين ذراعيه
وتشتاقه حد الموت والحياة
وان انكرت هذا ستكون كاذبة

امسك بكتفيها يبعد وجهها عن صدره ويربت عليهما برفق بينما ترتجف شفتيها بقوة لم تستطع ايقافها وقد شعرت بالهوان فأخذت تمسح وجهها بقوة وامام وجهه تظهر امارات الصراع
اجفلت من ابهامه الذي مسح وجنتها ومن ثم صعد لعيناها فرفرت بأهدابها عده مرات قد توقظ نفسها من سحر لمسته وتتماسك
تنفست بعمق وابتعدت بوجهها عن مرمى يداه تبتر اللحظة فتحركت شفتاه بإسمها
- ونس
- ‏ارجوك.. لا اريد التحدث
واغلقت مفتاح الغاز عن الطعام وخرجت
كاد ان يلحق بها ويهزها بين يده كي تفيق
ولكن رنه مميزة رن بها هاتفه فجعلته يتوقف مكانه وهو يفتح الاتصال والصوت الانثوي المميز يصله
- لقد وصلت صباح اليوم

____________

يمسكان بأيدي بعضهما وكأن كل منهما يتشبث بصاحبه من الغرق
نعم.. كل منهما طوق نجاة صاحبه
واقفان امام تلك الغرفة التي خرجا منها بالامس كل منهما مهرولا
واليوم يدخلانها بأقدام ثابتة، تمسد باطن كفه بإبهامها فيسترخي رغم جمود وجهه وهو ينظر للغرفة
لقد تغيرت الغرفة، اين اثار العذاب التي عاشها، اين اختفت مظاهر حطامه
نظر لها فإلتقت اعينهما، هي التي رممت حطامه
امسكت بكلا كفيه في لحظة جرأة قلما تكتنفها، واخذت تتنفس بسرعة وكأنما قطعت شوطا طويلا في الجري
- احبك
قذفتها هكذا، دون مقدمات وبحدقتان مشتتان تبحثان في عمق عيناه عن مرسى أمن ولم يخذلها فوجد نفسه يزرعها في صدره الذي ينافس صدرها في الخفقان
يد تشدد من احتضان خصرها الرفيع
ويد تزرع رأسها في صدره اكثر وعبراتها شعر بها من اهتزاز رأسها
ينظر للغرفة مره اخرى، وعلى الرغم من حطامها الذي افتعله بيده إلا انها باتت اكثر رحابه، وكأن المكان تغير على اثر كلمتها
وكأنه رغم ثقل جسده وملامسته الارض كانت روحه تطير
وهنا تذكر كلمات غزل التي كانت تخطها وتتركها خلفها وتتعذر انها نسيت دفترها امامه
تصف نفسها بالطائر او بالفراشة كلما ذكرت كلمة حب
هو الان يشعر وكأنه يحلق
هل احبها حقا؟

رفعت رأسها عن صدره بوجه محمر يختلط بسمره وجهها وابتعدت بعيناها عن عيناه
امسك بذقنها رافعا رأسها إليه ولم تجد مفرًا من عيناه فنظرت إليهما بينما يقول بهمس لم تسمعه اذناها
- ظننت بأنني سأحييكِ والحقيقة انني حييت بكِ
قطبت حاجبيها ولم تسمع ما يقول فرفع صوته قائلا
- اشكر القدر الذي جمعني بكِ
ابتسمت بخجل لعيناه وابتعدت عن مرمى يده قائلة وعيناها تدور في الغرفة
- ما رأيك؟
- ‏رائعة، لولا الحطام الذي فعلته بها
- ‏سنصلحه معًا
ومن ثم امسكت بيده في دليل قوي
ليومئ برأسه وهو يخلع عنه المعطف خاصته، ممسكا بعد ذلك بأول قطعة قد كسرها وتلملم معه باقي القطع التي كسرت، يجمعانها مع بعضهما كما جمع القدر قلبيهما

__________

هل رأيت في اقصى تخيلاتك اسوء كوابيسك
هي الان تراها امامها
الصورة التي كانت تطاردها في احلامها بل الاصح في كوابيسها
تقف امام باب بيتها ترتسم على فمها ابتسامة واثقة جميلة، ككل ما فيها
فتشعر بالضآله اكثر واكثر والاخرى تحييها بصوتها المميز
- كيف حالك يا ونس؟
وامام صمت ونس تطلعت الاخرى بعيناها داخل المنزل بفضول قائلة
- واين ضياء، لقد اشتقت إليه حقًا..
قطبت ونس بين حاجبيها بضيق وعيناها تنظران للمرأه من رأسها لاخمص قدميها بينما تتطلع لها المرأة بثقة زائدة عن الحد وهي تكتف ذراعيها امام صدرها، ظلت النظرات النارية بينهما عندما قطعتها المرأة واضعه يدها على فمها وهي تتصنع النسيان قائلة
- عذرا نسيت.. ربما لا تعرفينني، انا إيناس، رفيقة ضياء.. كنا معا اثناء عمله في الخارج
مدت إيناس يدها لونس فتطلعت ونس في يدها بإستغراب وكأنما تعيش حلما غير حقيقيًا
سحبت إيناس يدها بعدم اهتمام عندما طال نظر ونس لها، فنظرت ونس لوجهها مره اخرى مبتلعه ريقها الجاف بأعجوبة.. ووجع وهي تسألها بأنفاس هاربة
- رفيقته؟
اومأت لها إيناس بإبتسامة جميلة واخذت تلف شعرها حول اصبعها وهي تقول
- نعم، كنا جميعا رفقة.. انا وهو وجمانة رحمها الله، وبعد موتها انقطعت طرقنا ولكننا تقابلنا منذ مدة هنا، في الوطن حيث يجتمع الاحباب

تقولها إيناس بنبرة ذات مغزى جعلت ونس تتمسك بقبضتها على الباب اكثر وكأنما تحفر بأظافرها في الخشب بتماسك قبل ان تحفر وجه المتبجحة امامها
- ألن ادخل؟
- ‏من تريدينه ليس هنا
تقولها ونس بجهد وهي تحافظ على بقايا التحضر بداخلها ولكن اشرقت ابتسامة إيناس وهي ترفع بعض الاكياس امامها قائلة ببعض الود
- لقد جئت من اجل ونس
وصمتت لثانية تبدلت خلالها نظرتها وهي تردف
- وجنة
انقبض قلب ونس من تلك النظرة التي تنتهي بإسم ابنتها قائلة
- ونس في جامعتها وجنة نائمة وضياء في عمله

واثناء انتهاء جملتها كان ضياء وابنته ونس يقفان خلف إيناس
إلتفتت إيناس إليهم عندما شعرت بخطواتهم خلفها
وبوجه سعيدة واعين ضاحكة اندفعت ونس الصغيرة بين احضانها امام نظرات ضياء وزوجته المندهشة

وفي الداخل بعد ان تبادلت معهم التحية ودعاها ضياء للدخول من باب اللباقة بوجه شاحب، قبلت ايناس دعوته بكل سهولة وقد دخلت مع ابنته التي تأبطت ذراعها بينما دخلت ونس المطبخ كإناء يغلي على النار
بطبيعة الحال لم تكن تحتاج إلى استراق السمع فصوت ضحكاتهم وحديثهم كان واضحا
فتحت الثلاجة واخرجت علبة عصير
اكرام الضيف واجب حتى وان ارادت وضع السم بداخله
استغفرت الله وهي تستمع لسؤال ضياء الموجه لابنته

- كيف تعرفين إيناس؟
يسألها بإستغراب وهو يجلس على المقعد امامهم بينما تحتل ابنته وإيناس الاريكة المقابلة لها
ردت ونس بينما تخلع عنها حجابها
- لقد راستني الخالة إيناس منذ عدة اشهر وبعثت لي بصورها مع امي وصوركم جميعا وتعرفنا على بعضنا
تطلع ضياء في إيناس التي ردت بإبتسامة صغيرة بينما كان يقرأ هو دواخلها وكانت تعلم انه يعلم
- لقد بحثت عنها في قائمة الاصدقاء خاصتك بعد حديثنا الاخير

- تفضلي
كان هذا صوت ونس الجامد وهي تقدم لها العصير
اخذته إيناس بلباقة وهي تشكرها
جلست ونس على المقعد بجواره وقد وجهت حديثها لونس ابنتها قائلة بإهتمام
- كيف كان اختبارك؟
ردت ونس بإبتسامة وحماس
- ‏كان جيدا اليوم، مازال لدي اختبار واحد فقط وسأنتهي

كانت تعلم، ايامها معدودة معه.. وشعر هو بها عندما انقبض قلبه بعنف فمد يده القريبة من كفها كي تحتويه وتهدهده.. نظرت لها فتبادل معها النظرات وكفه يشدد من احتضان كفها، حتى في اشد خصومتهما كان يحفظ دواخلها جيدا.. يعلم متى يحنو ومتى يقسو، قاطعتهم إيناس بضحكة مصطنعة وهي تقول
- مازال ضياء رومانسيًا ومرهف الحس كما عاهدته دائما.. لقد كنت اراهن على هذا وها انا كسبت الرهان
ساد صمت مشحون بعد جملتها تلك فتنحنحت قائلة وهي تنظر لونس الجالسة قبالتها وتحيد عيناها لكفيهما المتعانقان
- جمالك ناعم كما اخبرني ضياء
وجالت ببصرها في المنزل مردفه بإعجاب
- وذوقك هادئ، احب الهدوء
- ‏شكرا
تقولها ونس بجفاء لتبتسم لها إيناس بمكر قبل ان تحيد عيناها لضياء وهي تسأله
- كيف حالك هذه الايام، ارجو ان تكون بخير وتحافظ على صحتك
واخذت تقلب بصرها بينهما وهي تشعر بتشديد قبضة ضياء على يد ونس التي كانت تحاول سحبها مردفه
- ارجو ان تكون ونس على علم بتعليمات الطبيب

نظر ضياء لونس وهو يرد قائلا بهدوء ومازال كفه متشبثا بكفها
- لقد بعثت لها بتقرير الطبيب عندما ظهر كي يراه احد الاطباء هناك كما تعلمين.. حبيبتي
استرخت قبضتها في يده وسوء التفاهم يتضح امامها
- ‏نعم يا عزيزي اعلم، شفاك الله
وإلتفتت لإيناس بأعين شرسة مردفه
- لا تقلقي يا عزيزتي، لا احد يعلم مصلحة زوجي مثلي

نصف ابتسامة ارتسمت على شفتيّ إيناس وهي تنتظر السؤال القادم ان لم يخذلها ذكائها فقالت ونس بإستفهام
- هل انتِ مهندسة مثل ضياء؟
- ‏لا، انا ممرضة، ورأيته عندما اتى للمشفى الذي كنت اعمل به
قطبت حاجبيها بعدم فهم وهي تنظر لضياء وعيناها تحملان اللوم لانه لم يخبرها بأي شيء يخص الماضي.. ولكن لماذا تلومه، هي التي ارادت هذا.. اخبرته بقلب عاشق انها تريد فتح صفحة بيضاء معه، وان قلبها يود كتابة حكايتهما دون اي منغصات
اوشك ضياء على الحديث ولكن سبقته إيناس بالقول
- لقد اتى ذات يوم يعاني من ألم في معدته كما تعلمين، ولذلك انا على علم بتاريخه المرضي كاملا.. وكنت انا الممرضة التي اشرفت على علاجه ومعي والدة ونس بعد عدة اشهر

نعم لقد قصدت قولها وهي تنظر لعمق عينيّ ونس، كي ترى بوضوح ذبح مشاعرها امامها.. شددت ونس على قبضة ضياء ونار كالحريق تندلع في قلبها ومعدتها بينما اردفت إيناس وهي تنظر لونس الصغير واناملها تعبث في شعرها
- ونس التي تشبه والدتها كثيرًا ولم تأخذ من ضياء سوى العينان، فوالدتها كانت تحبه

هنا تذكرت ونس حديث ابنتها عن حب والدتها لضياء ولذلك ولدت بعينان تشبهه من فرط حب والدتها له
- لا تؤاخذيني يا ونس، لم اقصد مضايقتك.. فقط احكي لونس عن والدتها والتي بالطبع لم تعلم سبب تسميته لابنتها بهذا الاسم
دققت ونس التي تجلس بجوارها في وجهها قائلة بحنين
- تشبهين والدتي على الحقيقة اكثر من الصور
ردت إيناس بهدوء
- ‏كان هذا سبب تعارفنا في بداية عملنا حتى اصبحنا صديقتان، كان الجميع يعتقد اننا توأمتان ولا يصدقون اننا صديقتان من كثرة تشابهنا

تركت ونس كفه المرتخي.. لم تستطع التحدث وكأن جدارا يعزل خروج الحديث، وكأنها قدت من حجر وشفتيها اصابهما التجمد
نعم.. كانت صورتها هي التي احتلت شاشة هاتفه موبخه اياه لتفويت موعدهما
تشابكت اعين ونس بخاصته امامها لتلقي عليهما إيناس نظرة اطمئنان يشوبها بعض الحسد لم يلحظها احد سوى ونس الصغيرة وقد شعرت بمغزى حديث إيناس معها من البداية، لقد رغبت في التفرقة بينهم، تتذكر ما غزى قلبها من نفور اتجاه والدتها التي ربناها.. عندما كانت تحدثها إيناس عن والدتها الحقيقية
وقفت من جلستها جوار ايناس وجلست على يد المقعد خاصة والدتها، نعم.. عندما فكرت وزالت الغشاوة من عينيها علمت ان ونس هي والدتها حقا، هي من وقفت جوارها وقت المرض والنجاح والفشل والفرح والحزن
لذلك وقفت من جلستها وامسكت بكف ونس تطبع قبلة عليه وقد اختلج قلب ونس لفعلتها تلك لتقبل جبينها بحب، استمعا لصوت بكاء جنة القادم من داخل حجرتهما لتقول ونس وهي تتجه صوب غرفة والديها
- ‏اجلسي انتِ، سأحضرها انا

- بارك الله في عائلتك يا ضياء
تقولها إيناس ببسمة صغيرة وعيناها تحيد الى الرواق الذي اختفت به ونس الصغيرة
- العاقبه لكِ
افتعلت ضحكة عالية وهي تقول بمرح ظاهري
- لقد اخذت حظي من الرجال ولن اكررها مره اخرى
قالتها لتمنح ونس الارتياح الكاذب فغمرت ونس فرحة طاغية ظهرت على وجهها، اذن هي مطلقة وربما ارملة، والهام في الامر انها لا تفكر في الارتباط
- ربما يأتي القدر بشيء ليس في الحسبان
تقولها ونس بطبيعتها الهادئة بعد ان اطمئنت قليلا من جانب إيناس التي قالت بجمود
- ربما

اختلج قلب إيناس في صدرها وقد غزتها رجفة طفيفة قرعت باب قلبها وهي ترى تلك الصغيرة التي تحملها ونس، تلهفت عيناها قبل قدميها التي وقفت عليهما وكأنها تود التحليق
نظرة جوع طلت من عينيها وهي تفتح ذراعيها لاستقبال الصغيرة ولكنها تمالكت نفسها وهي تنظر لونس المندهشة من هذه المشاعر التي قرأتها والاخرى تسأل بتهذيب
- هل يمكنني حملها؟
اومأت لها ونس دون حديث لتتلقفها إيناس بين ذراعيها، جلست سريعا قبل ان تخذلها قدماها التي باتت مرتخيتين وهي تضم الصغيرة لصدرها فتشعر وكأن لقلبها ذراعان يمتدان لاحتضانها مثلها
ابتلعت ريقها وهي تقترب بشفتيها من جبهتها الناعمة، تقبلها لتهبط إلى وجنتها وتقبلها بعمق وهي تتشمم رائحتها الطفولية التي تعشقها
تدمع عيناها دون ارادتها وهي تشعر بفقدان السيطرة على نفسها فتمد ذراعيها بها لاختها وتبتعد عنها بعد ان تنفست بعمق
ابتسمت بسمة جافة قبل ان تأخذ حقيبتها واقفة وهي تقول بإطمئنان يشوبه بعض التشتت
- حمدا لله ان عائلتك الغالية بخير يا ضياء.. ارجو ان تسعد معهم وبهم دائما، وكما اخبرتك الطبيب اخبرني ان صحتك جيدة بعد رؤية تحاليلك الاخيرة.. يجب عليك الالتزام فقط
وصوبت بصرها اتجاه ونس قائلة
-شكرا على حسن استقبالك
واتجهت بقدميها المرتجفتان لونس وجنة التي تحملها بين ذراعيها وهي تضمهما إليها قائلة بمحبة خالصة
- وداعا يا فتيات.. ارجو ان تحمل لكما الايام القادمة كل خير

قالت وداعا ولم تقل إلى اللقاء
فكر بها ضياء وقد علم الان انها ستبتعد، اجل فقصة إيناس انتهت ولا يعلم لماذا اتت بعد كل تلك السنوات
اغلق خلفها الباب وتطلع لوجه ونس الذي فاض بالحديث وقد توجهت بحديثها لابنتها قائلة
- لدي حديث هام مع والدك يا ونس، هل يمكنك اخذ جنة لغرفتك
- ‏بالطبع يا امي
بينما تنفس هو بقوة متطلعا في سيرها الهادئ امامه
دخلا غرفتهما واغلق الباب بعد دخوله
بادرت بسؤاله
- لماذا فعلت هذا؟
دق قلبه بعنف وسألها بتوجس
- ماذا فعلت؟
كان يجلس على اعصابه طوال الوقت مخافه انفلات لسان إيناس الذي بات يعلمه، لقد تغيرت ككل شيء مع السنون
- كيف تمنحها عنوان بيتنا؟
والاجابة لم تكن لديه، فهو لا يعلم من اين حصلت على عنوانه
- كيف تخبرها عن مرضك قبلي؟
وفي الحقيقة هو لم يخبرها بل بعث لاحد معارفه في ذات البلد وربما علمت من هناك بالصدفة
- كيف تلتقي بها دون ان تخبرني؟
- ‏ألتقي بها؟
- ‏أليست هي صاحبة الرسالة التي تسألك عن تأخرك في موعدكما
- ‏لماذا لم تخبريني انكِ رأيتها؟
تبدلت الادوار، نعم.. يود الامساك بالخيوط مرة ثانية ولن يتركها تنفلت هكذا
اجابته بإستنكار وهي تدور في الغرفة وتخفض صوتها بعض الشيء ولكنها اجابته بحده
- اخبرك بماذا؟ كل ذاك الوقت اعتقدت انك قمت بخيانتي
- ‏خيانة؟
والكلمة كان لها صدى مرّ كالعلقم في فمه، لم يفكر بخيانة ونس مطلقا.. ولكنه في الحقيقة يعلم انه خانها عندما اخفى عليها
جلست على المقعد امامه وهي تحرك يدها بعشوائية في الهواء مع كل حقيقة تقولها
- لقد كنت ترحل عني كل يوم، اشعر بك تبتعد دون سبب، تأتي لي مكالمات غريبة، وتأتي للمنزل في ساعات متأخرة، ارى رسالة اخرى على هاتفك، واتصل عليك في احدى المرات فترد اخرى بأنك في اجتماع هام واسمع بعدها صوت موسيقى يصدح في الارجاء، كنت استمع لك وانت تحدث اخرى في الهاتف.. ماذا افكر وكيف....
قاطعها بصوت جامد
- كان يمكنك سؤالي ومواجهتي
وقفت على قدميها تلكمة بقبضتها في صدره وقد طفرت عيناها بالدموع
- خفت.. صدقني الخوف كان يكبل عنقي ولم ارغب بفقدانك
هتف بإستنكار
- ‏ولكنكِ تشكين بي
- ‏ماذا تريدني ان افعل بعد كل هذه الدلائل؟

وقف متطلعا فيها ببرود يغلف الخوف بداخله، ونس هي حبه الذي لن ينمحي مطلقا.. منذ اكثر من شهرين، منذ عودة إيناس إلى الوطن وقد حددت مكانه وجاءته وهو مضطرب.. لم يحبها، في الحقيقة دخلت إيناس حياته في اشد لحظاته ألمًا وقد قرر اخذها كمسكن له
ولم تخذله ولكنه خذلها كنذل، جبان، وفكر انها عادت كي تنتقم بعد تلك السنوات، وكان محقًا ولكنه لا يعلم لماذا تراجعت
عاد للواقفة امامه يتطلع فيها بسكون قائلا
- اردت ان تمنحيني ثقتك.. لقد ابتعدت عندما اشتد بي المرض، وذاك اليوم الذي ردت عليكِ اخرى كانت موظفة استقبال في احدى العيادات وقد تركت هاتفي لديها وان علمت وقتها بردها ذاك لعرفت مقامها، وإيناس
وابتلع ريقه ككذبته التي سيقولها
- هي صديقة قديمة، لم نتحدث إلا من اجل مرضي في البداية وان استمتعي لاحدى مكالماتنا فقد كان ردي مقتضبا
وكذب مرة اخرى لقد كان يريد معرفة تلك المواجهة التي ارادتها وفاجئته عندما اتت اليوم، كان يود استقبالها اولا ولكن يبدو ان الامر مرّ على خير، واراد ايضا تصحيح افكار ونس عنه

ونس التي استنشقت الهواء بعد وقت طويل، اقتربت منه بهدوء اجتاحها وامسكت كفه بيدها، ترفعه وهي تقبل باطنه بقول صامت انها له
تطلعت لعيناه وهي تمد يدها فتمسد لحيته بكفها الرقيق، تربت على وجنته وكأنما تهدهد جنة
تقترب بوجهها اكثر غارقه في عيناه بينما غرق هو في عبقها عندما احتضنته
ان كان الكذب هو سببل نجاته الوحيد سيكذب
ان كان ذنب إيناس مازال معلقا في رقبته سيفعل المستحيل كي يكفره بعيدا عن ونس
ونس هي بؤره النور الوحيدة في حياته
ربت على ظهرها، يضمها إليه بقوة ويرتل في اذنها ترنيمتها الخاصه
- احبك يا ونس وحدتي
...

ترنحت اثناء سيرها وتركت العنان لارتخاء قدميها عندما ركبت سيارتها، اغلقت بابها بعنف وهي تلهث بشدة من فرط مشاعرها، تضرب بقوة على المقود امامها حتى شعرت بالالم والارتخاء في وقت واحد
حسنا، ستنهزم الان قليلا فقط وبعد ذلك ستعود لقوتها
انها تحتاج لهدنة وراحة مستقطعه، تهدلت اكتافها بإنهزام واغرورقت عيناها بدموع وهي تغلقهما على الصورة التي رأتها امامها قبل ان تغلق الباب
طليقها وزوجته وابنتيه في وقفه سعيدة تشملهم
انطلقت بسيارتها وامام عيناها تتدفق الذكريات

ضياء.. كان حلمها الذي لمسته
لم تكذب فقد كان سبب تعارفهما هو مرضه في البداية حيث كان يجري بينهما بعض الحديث بحكم التعامل، جذبها.. وارادت اجتذابة ووقع الامر بمنتهى البساطة فقد كان وحيدًا واصبحت وحيدة بعد موت والدها وكلاهما يحتاج لصاحبه
زواج هادئ، لم تمتلك بطبيعتها المتحفظة اي اصدقاء ولم تعلن عن هوية زوجها لاحد سوى عائلة والدها التي حضرت معها في بث مباشر، والدليل على زواجها هو الخاتم في يدها اليسرى، اما هو فشهد على عقد قرانه صديقاه في العمل
تزوجها واخبرها انه بلا عائلة واخبرته بدورها انهما سيُكونان واحدة سعيدة، تنجب له طفل يشبهه وطفلة تشبهها
والعلة كانت في الانجاب حيث ان رحمها كان خاملا، ارض بور لن تطرح ثمرة حبها
في البداية عاملها كفارس نبيل في الغربة حيث كان هو جميع عائلتها.. يمنحها الدعم المناسب، والدائم
ولكن اثمر الوضع عن فراغ حال بينهما
وكأي رجل فكر في الزواج بعد عدة اشهر وصارحها وفي هذا التوقيت حضرت جمانة، كانت من اصل البلد العربي الذي يسكنا فيه، وحيدة والديها، صادقتها بحكم الشبه ووجدت بها ضالتها

اختارتها له، فإن لم تكن معه ستجعله يراها في كل شيء
قربتهما من بعضهما دون علم جمانة انه زوجها، اغرمت به فقد كان يخلع خاتم زواجهما كما كانت تفعل هي الاخرى، كان شيء اشبه بالخبال عندما علمت جمانة هذا بعد تفعيل زواجهما
واجهتها ايناس في جلسة ضمت ثلاثتهما بعد شهر العسل وغيرة عمياء لم تتحملها
وشرط جمانة هو طلاقها.. او طلاق إيناس
وبالطبع كان الخذلان من نصيب إيناس التي انشق قلبها لنصفان وقد ابتسمت ومن ثم رحلت
رحلة طويلة قضتها في علاج نفسي، واخرى للترفية
وعندما عادت للعمل بقلب صلد علمت ان جمانة تركته، ومن ثرثرة احداهن ايقنت انها حامل
ابتسمت واكتفت بهذا.. فقدت باتت انفعالاتها منحسرة وكأن خذلان ضياء لها في عيناها هكذا اطفأ بداخلها نورًا لن يضئ
وبعد وقت زارتها روح الانتقام
ذهبت إلى منزله
وقفت في ركن منعزل، تشاهد بطنها المنتفخ بينما يساعدها على الهبوط من السيارة
نظرة الحب في عينيها له اخمدت نارها
كيف تخذل امرأة محبة
لذلك رحلت دون عودة
وعندما زارتها مرة ثانية بالمصادفة اثناء تصفحها للانترنت ورأت اسمه، تغيرت معالم وجهة بفعل السنون وشعرت بالغصه التي تخنق صدرها مرة اخرى، ارادت اخمادها فذهبت لنقطة ضعفه
ابنته
حدثتها وعلمت عنهم كل شيء، استغلت صور والدتها التي إلتقطتها معها وقلبتها ضد ونس
سببت له حالة من الذعر وعادت له آلام معدته، كانت تنتشى برؤية توسله لها كي لا تفسد حياته
واخبرته انها ستزوره عند عودتها لذلك كان يصرّ على معرفة الوقت وفاجئته عند قدومها غير المتوقع، ورأت تلك التي سكنت كيانه وبات هشًا يخاف على قلبها
وعندما رأت ونس ونظرة عيناها له خمدت نيرانها
كيف تخذل إمرأة محبة وتكشف السر
لقد رحلت هذه المرة دون رجعة، ستغادر حياة ضياء السعيدة وتتركه ينعم بجنته بينما تتلظى بنيرانه
كسرت شريحة هاتفها بعد ان ارسلت له برسالة تعلم انه ينتظرها، ستنتقل إلى بلده والدها وتمكث بالوطن، يكفيها ما عانته في الغربة
وربما تستفز قصتها الراوي فنعلم متى ستأنس إيناس

فتح ضياء هاتفه بعد وقت طويل، ونس تفترش صدره وتنام قريرة العين وكأنما ملكت الكون بينما تعالت دقات قلبه وهو يجد رسالة منها فتحها بأنامل رتجفة وسكنت قلبه الراحة مع بعض عذاب الضمير
" لقد سامحتك من اجل ابنتيك.. وزوجتك "
قرأها مرارا وكأنما يمررها على قلبه كي يصدقها ولسانه يلهج بدعاء متكرر لها بأن تجد هي الاخرى راحتها..

__________

في المساء
فتح عيناه على صورتها امامه، والان كانت تصلي
هالة سكينة لا يعلم من اين اتت سكنت قلبه فأغمض عيناه بإطمئنان.. لم يشعر باليوم في قربها، كلما ابصرها ينام بهدوء وكأنه يعوض تشتت ايامه دونها
فتح عيناه على تسليمها من الصلاة فإبتسمت له عندما تقابلت اعينهما
لقد زادها الحجاب فتنة، وقفت من جلستها وهي تطوي سجادة الصلاة، وضعتها جانبا واحضرت كرسيًا وجلست قبالته تسأله بهدوء
- بماذا تشعر الان؟
- ‏في افضل حال حمدا لله
- هل ذراعك بخير
وكان رد الفعل الطبيعي هو تحريكه لذراعه فتأوه ببعض التعب قائلا بمشاكسة
- اعلم ان الوصول إليكِ صعب، ولكن لم احسب حساب تلك الرصاصة مطلقا
قوست شفتيها للاسفل بحزن وهي تقول
- ليتك لم تصل لي
- ‏كلي فداء لعيناكِ
نكست رأسها بخجل يخالطه بعض الذنب وهي تعلم من فعل هذا، لابد انه سليمان الذي اختفى وكأن الارض انشقت وابتلعته، نظراته كانت كريهة ولكنها لم تتوقع هذا الغدر منه
افاقت على ملمس اصابعه التي لمست يدها فسحبتها سريعا وهي تقول بشقاوة
- لم نعقد قراننا بعد
سألها بجدية قائلا
- هل تم عقد قران هند؟
ردت عليه بإستنكار قائلة
- كيف تسأل مثل هذا السؤال، بالطبع لا لقد كنت بين الحياة والموت
- ‏اذن....
وقبل ان يتحدث سمعا طرقًا على الباب النصف مفتوح
دخل خالها وعمته فريدة التي اقبلت على احتضانه بحذر فقبل رأسها بهدوء بينما ألقى خالها التحية قائلا ببعض الحرج
- نحن نعتذر يا باشمهندس لم نتمكن من حمايتك الكاملة
- ‏هذا كله قدر ومكتوب
يجيبه إياس بهدوء مخففا من حده شعور ذاك الرجل الوقور الذي يقف امامه بينما زفر محمد براحه وهو يتذكر حديثه مع سليمان من اجل ان يختفي مؤقتا هو ومن فعل هذا وعلى الرغم من اصرار إياس على عدم تحرير محضر وقد اقرّ انهم مجرد قطاع طرق ارادوا سرقته ولكنه لم يطاوعهم فكان هذا جزاؤه
في الحقيقة هو يعلم ان هناك امر مخفي في هذا الوضع منذ انقذه رجال محمد الذي بعثهم خلسه من اجل انقاذه بعد ان شعر بنية سليمان الخبيثة
وقد تبادل رجاله طلقات النار مع رجال سليمان وكان هذا نصيب إياس مما حدث

نظر إياس لهمسة قائلا بنبرة ذات مغزى
- رب ضارة نافعة
- ‏جعلك الله من الراضيين يا ولدي
يقولها محمد بفخر وقلب مطمئن على ابنه اخته، فيبدو ان إياس نسخة مختلفة عن والده
تنحنح إياس ليلتفت له الجميع فقال ببعض الحرج
- كنت اود قول شيء يا عماه
اومأ له محمد وناظره بتركيز ليردف
- خير البر عاجله، واعتذر عن تعطيل زفاف ابنتك ولكن لا يوجد داعي للانتظار اكثر، ارجو ان تكملوا الاجراءات
وإلتفت لهمسة ذات الوجه المحمر مكملا
- ونحن ايضًا نود استكمالها
قهقه محمد بينما ربتت عمته الجالسة قبالته على كتفه بمحبه قائلة
- صدقت يا عزيزي
وامسكت بكف همسة قائلة
- مبارك لكِ يا ابنتي
انحنت همسة لتقبيل يدها فإرتجف كف فريدة ودموعها تنذر بالهطول
همسة هي ابنتها التي لم تخرج من رحمها ولكنها خرجت للحياة، وللسعادة من بيتها
- لا يمكنني التحدث بعد تصديق السيدة فريدة، لكما هذا
- ‏هل يمكن اليوم
يقولها إياس بلهفة فأخفت همسة وجهها المحمر خلف كفيها ليربت خالها على قدمه بقوة قائلا
- حتى تتعافى
- ‏انني بخير
وحاد بصره إليها في وقفتها المتوترة المستنده على الحائط مردفا
- وحتى تستطيع زوجتي تطبيب جرحي

- سأجلب لي قهوة من الاسفل، هل يريد احدكم
تقولها همسة بتوتر وخجل وقلب خافق يعلن العصيان بعد طول ركود، اجابها خالها واقفا من على سرير إياس حيث كان يجلس عليه هو الاخر
- ابقي هنا يا ابنتي وسأجلب لكِ ما تريدين
- ‏لا يا خالي، اود الذهاب.. اقصد سأذهب انا
ترد بإرتباك وهي تجول ببصرها في الغرفة على غير هدى وقد لمحت ابتسامته المتسلية وهو يناظرها
- سأذهب لاحضار اوراقكما، وزيارة المأذون كي يحضر لامر عاجل
اتسعت عيناها برهبة واخذ قلبها يدق بعنف ولم تشعر سوى بقدماها المرتجفتان الهاربتان خارج الغرفة بينما يشيعها هو بوجه مبتسم سعيد

كانت تمشي في رواق المشفى، تخفي جانب وجهها بطرف وشاحها متلفتته يمينا ويسارا بأعين خائفة مذعورة حتى وجدت رقم غرفته التي استفسرت عنه في الاسفل
فتحت بابها المغلق بهدوء وحذر وهي تبتهل ان لا يراها احد.. لقد رأت ابنه عمها وهي تخرج اولا وخلفها خالها، وبعثت بأحدهم كي يخرج عمتها بحجه واهية.. لقد ارادت الاطمئنان عليه ورؤيته
تنفست الصعداء وهي تغلق الباب خلفها
تطلعت إليه وهو نائم على السرير، نصفه العلوي عاري وكتفه مغطى بشاش ابيض، مغمض العينان.. ينام في سكينة وهدوء
اقتربت منه وعيناها تتشبع من ملامحه
اخاها
هل يمكنك الشعور بالانتماء من مجرد النظر لشخص يحمل دمائك
تلك القشعريرة التي تشعر بها في حضرته لم تكتنفها في حضره ابيها
اناملها تخالف هواها فتقترب من كف يده وهي تتلمسه بأصابع مرتجفة وكل ما حدث بعد ذلك كان سريعا لدرجة لم يستوعبها عقلها

امسك يدها بقوة وهو يفتح عيناه لتقابله عيناها المذعورتان في صدمتهما، ابتلع ريقه مع جحوظ عيناه هو الاخر بعد ان تفحص هيئتها
كانت ترتدي ذات الملابس التي شاهدها بها عند والده، عباءة سوداء مع وشاح يماثلها لونًا
والاهم من ذلك تلك الرجفة التي انتابته
وهنا انتبه لفتح الباب خلفهم
وجه همسة الذي طلّ منه بإشراق، انزلاق الكوب بمحتوايته من بين يديها مع تغضن وجهها بألم وهي تنظر ليده التي تمسك بيد اخرى
محاولة تملص اخته منه وقد تشبث بها كالغريق، ومن تقف امامه تصرخ عيناها بعدم التصديق الذي حل محله الغضب وهي تتجه صوبهم
لن تهرب وتدفن رأسها في الرمال بل ستدافع عن حقها

صرخت في وجهه بقوة وهي تندفع صوبهم كرصاصة لا تخطئ هدفها
- من هذه؟
وامام حيرة الفتاة وخجلها بل وبكائها الذي شعر به من اهتزاز جسدها
شدد من قبضته على رسغها وكأنها ستطير من بين يديه ان افلتها
واجهها بقوة قائلا
- انها اختي، شهد

" نهاية الفصل السادس والعشرون "

متشوقة لمعرفة رأيكم جدا ارجو متبخلوش بتفاعلكم ورأيكم 🥺❤️❤️❤️


شيماءالسيد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-09-21, 08:11 AM   #255

قــــلــــم
 
الصورة الرمزية قــــلــــم

? العضوٌ??? » 491808
?  التسِجيلٌ » Aug 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,346
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » قــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» اشجع ahli
افتراضي

صباح ومساء الزهور العطرة


الصادقين عندما يفكرون
يكتبون
وعندما يكتبون
يبدعون
وعندما يبدعون
يبهرون



ما هنا اجاده تستحق كل الاشاده




الاديبه الراقية



أ /







فكرك
وقلمك
واسلوبك
غايه في الرقي والتميز




دائما انتظر جديدك
شكرا جزيلا لك





كان هنا



قلم





تحياتي وودي واحترامي







قــــلــــم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-09-21, 03:01 PM   #256

nmnooomh

? العضوٌ??? » 314998
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 486
?  نُقآطِيْ » nmnooomh is on a distinguished road
افتراضي

جميييييل صراحة وبديت احس النهاية قربت

nmnooomh غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-09-21, 11:03 AM   #257

شيماءالسيد

? العضوٌ??? » 478553
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » شيماءالسيد is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قــــلــــم مشاهدة المشاركة
صباح ومساء الزهور العطرة


الصادقين عندما يفكرون
يكتبون
وعندما يكتبون
يبدعون
وعندما يبدعون
يبهرون



ما هنا اجاده تستحق كل الاشاده




الاديبه الراقية



أ /







فكرك
وقلمك
واسلوبك
غايه في الرقي والتميز




دائما انتظر جديدك
شكرا جزيلا لك





كان هنا



قلم





تحياتي وودي واحترامي









حبيبتي انا متشكرة جدا لكلامك الجميل واتمنى اكون فعلا عند حسن ظنك.. كل الحب والله، فرحتي قلبي ربنا يسعدك وفرحتي الاكبر انك تقريبا جديدة معانا في الرواية ❤️❤️❤️


شيماءالسيد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-09-21, 11:04 AM   #258

شيماءالسيد

? العضوٌ??? » 478553
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » شيماءالسيد is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة nmnooomh مشاهدة المشاركة
جميييييل صراحة وبديت احس النهاية قربت


متشكرة اوي حبيبتي اتمنى الباقي يعجبك ❤️❤️


شيماءالسيد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-09-21, 11:05 AM   #259

شيماءالسيد

? العضوٌ??? » 478553
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » شيماءالسيد is on a distinguished road
افتراضي

" الفصل السابع والعشرون "

واجهها بقوة قائلا
- انها اختي، شهد
سألته همسة بذهول وقد تجمدت في مكانها
- اختك؟
حاول إياس الاعتدال ليتأوه بتعب وقد وصل لكتفه أنامل شهد التي تحثه على الراحة دون حديث مع انهمار عبراتها.. ولكنه اصر على الجلوس امامها فغالب وهن جسده متحاملا وقد جلس امامها فوضعت هي احدى الوسادات خلفه وشكرها بمودة ومن ثم مد كفه ليحتوي وجنتها ماسحا دموعها بيده وهو يقول بتأثر
- لا تبكي

كانت همسة تقف امامهما في ذهول، تكاد عيناها ان تخرج من مكمنهما وهي ترى ما يحدث امامها
جلست على المقعد خلفها وهي تهز رأسها بغير تصديق
عيناها تطالعان شهد ورغم كل شيء اعترفت ان شهد تشبه ناجي.. كثيرا
ورغم نقمتها عليه سابقا الا انها الان باتت تكرهه من كل قلبها
هل ما فهمته صحيح، ألم يعترف بأبنته حقا
وهل إياس متأكد ان هذه اخته، ولماذا لم يخبرها سابقا؟
اشتعلت عيناها بغضب دفين وهي تنظر له ففهم ما تفكر به وعاجلها بالقول دون سؤال
- عرفت قريبا، ولم اكن اعلم بوجودها.. صدقيني
وصدقته، وصدقت على حديثه شهد وهي تقول بصوت خفيض رفيع به لمحة حزن
- في الحقيقة، لم اكن اعلم انك رأيتني عندما زرت والدك

تقول والدك وتحذف ملكيتها لذاك اللقب اللعين، ولكن في الحقيقة هي كانت تعلم بوجود إياس عندما طلبت السماح من والدها يوم المشفى.. سماعات اذنها متصلة بصديقتها التي تراقبه من الخلف خلسة وقد اخبرتها بقدومه.. ارهقت من البحث عن لقمة العيش، وعن الانسلاخ من هويتها.. عن الدوران في بلدان ومدن لا يعلمون شيء عن لقب عائلتها
كانت تدور في دوائر مفرغة، سوداء وقاتمة، تتعامل مع جميع البشر بدنو لا يليق بكبريائها ومكانتها
ولكنها ستتخذ نهج الهدوء حتى تصل لمبتغاها
ستنتقم من ناجي
ونقطة ضعفه تجلس امامها
ابنه
وعلى الرغم من طيبته الظاهرة معها الان إلا انها لا تصدقه.. سيأخذ ارثها ويسلبها حقها هو الاخر
تطلعت إلى إياس المنشغل في مكالمة هاتفية بنظرات حقد وغل رأتها همسة.. فقد كانت تمتلكها يوما ما
هذه الفتاة ستغدر بإياس حتما
ما شاهدت ومرت به في الخارج لن يجعل الامر هينًا عليها

انهى مكالمته التي كانت مع خال همسة ومازالت يده الاخرى متشبثه بكف اخته، حركها كي يجلسها على السرير امامه وعلى مقربة منه ودون مقدمات غمرها بين ذراعيه بعاطفة احضانه بينما تصلبت هي
وشعر هو بذلك فأخذ يحرك يده التي تحتضنها على ظهرها بحنو بينما شعرت هي بمذاق مختلف
مختلف تماما وكأنها عادت لديارها بعد طول ترحال
نفضت افكارها بعنف حتى تركها هو امام نظرات همسة التي وقفت متفحصة للاخرى، لكل واردة وشاردة تظهر عليها فهي لا تأمنها

بينما كان إياس غافلا عن كل هذا وقال بصوت حنون بينما تداعب يده وجنتها
- مرحبا بعودتكِ يا شهد، ثقي بي.. سنعيش اياما سعيدة
ارتسمت على شفتيها ابتسامة صغيرة وهي تهز رأسها بالايجاب لتقول همسة الواقفة وهي تمد يدها بالمصافحة
- اهلا بكِ يا شهد.. انا
- ‏همسة
قالتها شهد سريعا وكأنما تعرف نفسها هي بهذا الاسم
انقبض قلب همسة الذي قلما ينقبض وابتلعت ريقها بصعوبة ويد الاخرى رغم نحافتها تضغط على يدها
قال إياس بسعادة
- هل تعلمين انني سأتزوج همسة اليوم، ها انتِ ذا ستحضرين عقد القران
ونظر لهمسة نظرة خاطفة اربكتها وهو يقول
- المأذون في الطريق
- مبارك اخ.. اخي
قالتها بغصة حارقة وهي تهم بإحتضانه فرن هاتفه بإسم جسار ليبادلها الاحتضان لثوانٍ ومن ثم يتركها ليرد على الهاتف

نعم.. هي مجرد هامش، ولكنها لن تظل هكذا
وقفت من على فراشه واتجهت صوب الباب ليوقفها سؤال همسة
- اين انتِ ذاهبة
- ‏صديقتي تنتظرني في الخارج
- ‏احضريها
كان هذا رد إياس وهو يتابع الحديث ليكمل حديثه مع جسار

خرجت لدقيقة ودخلت مرة اخرى وهي تجر معها فتاة تماثلها في العمر تقريبا.. ترتدي تنورة بسيطة وقميص يقل بساطة ولكنه يتناغم مع حجابها ووجهها الهادئ.. عرفتها شهد قائلة
- هذه مريم.. صديقتي وجارتي وكل عائلتي
كانت تقولها شهد بصدق جعل الاخرى تقبض على يدها بخجل وهي تقول بصوت هادئ ككل ما فيها
- تشرفت بمعرفتكم
- ‏الشرف لنا انستي
قالها إياس بينما ردت همسة التي جلست بجواره على الفراش مع المحافظة على مسافة ستتلاشى بعد عقد القران
- اهلا بكِ يا مريم
تبادلت معهم الابتسام بينما اشار لهن إياس بالجلوس على احدى الارائك
طرق على الباب جعل الجميع ينظر نحو الطارق الذي لم يكن سوى جسار
هز إياس رأسه بلا جدوى والاخر يلقي التحية على الجميع ويدلف للغرفة بعد ان اغلق الباب وسار بإتجاه إياس مبتسما وهو يقول
- هل اعتقدت انني سأفوت رؤيتك مصابا بطلق رصاصي
ومن ثم نظر لهمسة قائلا بمرح
- بعثنا ولدنا سليما ونريد استرداده هكذا
تبادلت معه همسة الضحك واخذ يناوشهما
بينما الجالستان على الاريكة يتهامسان وقد قالت مريم بطبيعة خجولة
- هل قريبك هذا الذي دخل
- ‏لا اعلم
تقولها شهد وهي تنظر لضحكاتهم فنظر لها جسار فجأه لتلتقي اعينهما وترتبك هي وما زاد ارتباكها تقدمه نحوهما وقد مد يده بإتجاهها قائلا بترحيب مهذب
- مرحبا بكِ يا شهد
اومأت له شهد بلا رد وهي تصافحه لثوان ليمد يده الاخرى لمريم التي صافحته بلهفة ماتت في مهدها وهي تبصر خاتم زواجه

دق الباب لتزداد معه دقات قلب همسة وهي تنظر لإياس الذي ناظرها بنظرة عابثة دفعت الحمرة لوجهها وهي تقف من جواره
دخل خالها وعمتها والمأذون ورجل اخر
وعندما ابصرت عمتها مريم اندفعت بإتجاهها قائلة بسخط
- انتِ ايتها الفتاة.. ماذا تفعلين و....
قاطعت شهد التي وقفت حديثها قائلة بهدوء وسط تساؤل الجميع
- انا من بعثتها لكِ كي تخرجي من الغرفة.. يا عمتي
انتفض قلب فريدة وهي تصيح بفرحة وتفتح ذراعيها
- شهد
للمرة الثانية تشعر بذات الشعور، العودة للديار، الامان، العائلة، السند.. كل هذه مسميات حرمت منها
بادلت عمتها الاحتضان لتضغط عمتها على ظهرها وكأنما تعوضها سنين الفقد وعيناها تدمعان
مسحت فريدة وجهها بعد ان افلتت شهد وقد شرع المأذون في إتمام الاجراءات وسأل محمد همسة
- من هذه؟
- سأخبرك لاحقا يا خالي

وكانت متوترة بحق، تتابع الاجراءات وصوت بداخلها يحثها على الهروب.. الخوف يكبل قلبها وهي ترى يد إياس في يد خالها فتود انتزاعهما، اضطربت دقات قلبها وزاغت عيناها والصوت يعلو بداخلها.. دعمتها عمتها في وقفتها بعد ان اعتذرت من مريم التي تقبلت اعتذراها
نظرت عمتها لها فبادلتها همسة النظر بتيه، اغمضت عمتها عيناها بإطمئنان وهمست بجوار اذنها
- لا تقلقي يا صغيرتي، إياس يحبك.. سيحملكِ في عيناه، ويدافع عنكِ، ويأتي لكِ بحقك المسلوب
وكأنها تهويدة قرأت على شتاتها فهدأت
اتم عقد القران بعد ان بصمت همسة بأصبعها وردد الجميع خلف المأذون واتم قوله وجمع بينكما في خير.. اطلقت فريدة زغروطة صغيرة تعبر بها عن سعادتها بينما شاركتها شهد الاجواء هي الاخرى.. تشتاق للسعادة وستفتحها ذراعها لها.. مؤقتا

خرج خال همسة مع المأذون بينما اخبره جسار بهمس
- لم اخبر أيهم وبسام كما اخبرتني.. لا تقلق، سأخرج معهم للخارج
اومأ له إياس بإبتسامة متسعة وسعيدة ليلكزه أيهم في كتفه قائلا بمشاكسة
- اغلق فمك المفتوح هذا يا رجل
زمجر إياس بينما وجه جسار نظراته للموجودين قائلا
- هل تقبلن عزيمتي لشرب القهوة سيداتي
يقولها وهو يغمز إياس بخفه الذي ابتسم بهدوء فقالت فريدة بسرور بعد ان احتضنت همسة وباركت لها شهد ومريم
- بالطبع يا بني.. هيا يا فتيات
- ‏لا تنسى احضار الاذن لخروجي
اومأ له جسار وهو يخرج اولا

خرجن خلفه واغلقت عمتهما الباب بإبتسامة سعيدة بينما ظلت همسة على وقفتها منكسه الرأس فتسمع صوته
- اقتربي
رفعت رأسها له سريعا لتقرأ في عيناه اسم الحب.. فعلت كما اخبرها، اقتربت من ذراعه السليم وجلست على مقربه منه تشبك كفيها في بعضهما.. فك تشابكهما بيده ورفع كفها الايمن ليقبل ظاهرة ومن ثم باطنه بقبلة ارجفتها وهي تشعر بدغدغة شعر لحيته لباطنها
اخذ نفسا عميقا وهو يسحبها لحضنه لتشاركه هي الاخرى الاحتضان
يهمس بصوت عميق ويده تضمها إليه اكثر
- اشعر انني الان.. امتلك الدنيا يا فرحة دنيايّ
صوته الصادق يجعل الدموع تطفر من عينيها لتشدد على احتضانه باكية بينما يهدهدها هو مخبرًا إياها بحبه العميق.. كي تطمئن

__________

" في اليوم التالي "

كان يراقبها في جلسته خلف الحاسوب حيث كانت تظهر امامه على شاشته المتصلة بكاميرا المطبخ
تتخذ كعادتها ركنا خاصًا تضيف له لمستها.. ودفئها
تخرج احدى الكعكات من الفرن وتضع الثانية
تقف امام اخرى باردة وتشرع في التفكير لطريقة التزيين، باتت الطلبات كثيرة عليها لذلك اتخذت مساعدة اخرى ولكنها تجلس لمراقبتها كالعاده كي تتعلم اولا
وقفت تخفق الكريمة البيضاء بالمضرب وعندما انتهت كادت ان تتذوقها ولكن الملعقة وقفت في منتصف الطريق إلى فمها
ووجهتها لوجه مساعدتها التي تذوقتها وهي ترفع إبهامها في علامة جيدة
قالت لها ضيّ شيئا فوقفت الفتاة جوارها، تستمع لبعض التعليمات الخاصه بها واثناء انهماكها في الشرح والفتاة لا ينكر انها مستمعة جيدة ومطيعة.. امسكت ضيّ بالكعكة التي اخرجتها حديثًا من الفرن فأطلقت صيحة ألم وهي تتركها من يدها بينما هرولت الفتاة وبعض المساعدين إليها بالثلج ومرهم ملطف للحروق

وقف بسام مكانه بتوتر واسرع في السير إلى المطبخ ليجد الشيف خاصتهم وقد كان كبيرًا في السن ورجل وقور يعمل معهم منذ زمن يمسك بيدها ويضع عليها ملطف الحروق وقد تساقطت العبرات من عينيها والاخر يحاول التخفيف عنها ممازحًا
- يبدو انها المره الاولى لكِ، لا تقلقي ستعتادين على الامر مستقبلا فقد مرّ الجميع في هذا المطبخ بمثل هذه الحوادث
- شكرًا لك يا شيف
قالها بسام بغضب مكتوم وهو ينتزع يدها التي كان الاخر ممسكا بأطراف اصابعها فقط
- العفو يا سيد بسام، ومبارك الخطبة
ووجه حديثه لضي هي الاخرى
- مبارك يا ابنتي
ردت عليه بصوت مكتوم وهي تمنع نفسها من الصراخ وتحاول تخليص كفها من يد بسام وتمسح بالاخرى وجهها وقد بدت كطفلة صغيرة، حتى سحبها خلفه إلى المكتب امام الجميع

دخل مكتبه واغلقه خلفه وبالطبع افتقر المكتب للخصوصية بسبب واجهته الزجاجية فأجلسها في ركن منعزل وهي تكرر
- اترك يدي
اجلسها وترك يدها وهي يهتف بعصبية
- تركتها الان، لماذا تطلبين مني تركها بهذا التعنت وقد كان الشيف ممسكا بها منذ دقائق
اتسعت عيناها بذهول وقد نسيت حريق يدها واتجه الحريق لعينيها التي كادت ان تحرقه وهي تقول بغير تصديق
- ماذا تقصد؟ هل تتهمني بشيء لا اعلمه الان
امسك رأسه بكلا كفيه واخذ يدور حولها في الغرفة عده دقائق وهي تراقبه دون حديث حتى هدأ قليلا ووقف قبالتها يقول بتعنت
- لن اعتذر، ولكن لا تكرريها
- ‏انه في مقام ابي
- ‏وان كان في مقام جدك ايضا، انكن تتساهلن في هذه الامور، وهو ما يؤدي بنا إلى طريق صعب، لم اعهدكِ متساهلة هكذا
كان يخبرها هذا بحزم جعل الدموع تطفو لعينيها فأمسكت بطرف وشاحها لتضعه عليهما منكسة الرأس
زفر بضيق وهو ينحني جالسا القرفصاء امامها وهو يقول بهدوء كي لا يضغط عليها بينما يضغط هو على جبهته وعيناها مغطيتان بوشاحها امامه
- لم اقصد مضايقتك يا ضي، ولكنني اغار عليكِ، هل يزعجكِ هذا؟
رفعت وشاحها عن عينيها لتتقابل اعينهما بينما يردف هو
- لي تاريخ حافل في الماضي لا اود تذكره وقد طلبت التوبة من الله، وبعث الله لي ملاكًا في نقائك دليلًا على توبتي كما اظن
تنحنح واقفا لترتفع عيناها إليه وهو يكمل بعد ان زفر
- انتن لا تعلمن نوايا الرجال مطلقًا.. فالأسلم هو الابتعاد الكلي عنهم
اومأت له برأسها فجلس على الاريكة بجوارها وهو يشير بعيناه ليدها قائلا
- كيف حالها الان
ودت ان ترد عليه بلذوعة ولكنها اكتفت بالقول
- بخير
- ‏سأطلب لكِ شيئًا كي تشربيه
- ‏لا، علىّ العودة للعمل
- ‏اليوم انتِ اجازة
قطبت حاجبيها بعدم فهم، فأردف واقفا
- اول امس كان حفل خطبتنا الذي لم نحتفل به.. واود ان اخذ خطيبتي في جولة و...
قاطعته قائلة بعدم رضا
- ولكنني مطالبة بتسليم هذه الطلبيات لاصحابها، وقد وثقوا بي ولن اكسر بخاطرهم في مناسباتهم الهامة
- ‏يمكن لاحد اخر تولي هذة المهمة
- ‏لقد طلبوها خصيصا مني
- حسنا، اذهبي
اومأت له برأسها وهي تسير امام عيناها فأسرع بالوقوف امامها قائلا
- لقد تمت مخاصمتي الان.. أليس كذلك
هزت رأسها بالنفي وهي تضغط على شفتيها كي تمنع نفسها من البكاء، زفر بضيق وهو يقف جانبًا حتى خرجت من الغرفة تتبعها عيناه

___________

" في المساء "

كان يجلس بسام في المقعد الخلفي بعد اصراره على الجلوس فيه.. ينظر لاخاه الذي يقود السيارة وجواره زوجته التي تنكمش بإتجاه الباب وهي تجلس على استحياء.. سيذهب إلى ضيّ كي يراضيها واخذاه في طريقهما وسراب ذاهبه لجدتها
سراب التي قالت بهدوء خجول
- لم يكن يصح جلوسك في الخلف
رد بطبيعته المرحة
- هل تحبين الشقاء؟ ستجلسين في الخلف وعندما اذهب لضي ستعودين للجلوس في الامام، لقد اختصرت عليكِ نصف الطريق
- لا تتجادلي معه.. لسانه اطول من طريقنا
وتبادل ما اخاه نظرات مشاكسة بينما نظرت سراب من النافذة جوارها وسؤال بسام العفوي يتردد في اذنها
هل تحب الشقاء فعلا؟
نعم تحبه فهي ورغم حياتها التي باتت شبه مثالية مع أيهم تنبش بأظافرها عن الماضي، لا تثق ان العثرات قد انتهت في طريقها.. بل هناك دائما خوف يدفع قلبها للانقباض اكثر واكثر، شعرت بكفه الذي سحب كفها لتلتقي عيناه بعيناها وهي تود سحب كفها منه على استحياء وبخجل فأمسكه بقوة بينما الجالس خلفهما يشعر بالتضاد

هل هو سعيد لأخيه ام انه ناقم عليه لانه حصل على لقب يتيم في اول الامر بيده
هل يستحق أيهم السعادة
وصوت يرد بكل قوة
نعم يستحقها لقد فعل الكثير من اجلك
لن ينكر بسام ان أيهم احتمل الكثير منذ البداية، لقد اصبح متمردا بعد موت والدتهما التي كانت تحبس الوحش الكامن بداخله.. فدمائه يسري بها دم ابيه
اخذته خالته في مرحلته الثانوية لديها وفي الجامعة ورغم إلتحاقه بكلية والدته التي احبها من كثره حديثها عنها.. حرر الوحش الكامن
فعل بعض المحرمات ولكنه لم يصل للكبائر
دار في دوامة بلا نهاية كان يظنها ستجلب له السعادة ولكنه كره نفسه اكثر وكره أيهم اكثر واكثر
وفي احدى الايام.. زارته خالته، واعطته مغلفا على شكل كتاب واخبرته بإختصار انه من والدته

مزق غلافه ورأى مذكرتها الزرقاء التي كانت تكتب بها مرارا وكان يدفعه فضوله في بعض الاوقات لقراءتها ولكنه منع نفسه
ظل جالسًا امامها لليلة كاملة يغالب شره خيره ولكن انتصرت بذرة والدتها فهو يعلم انه ان قرأها لاعرض عن كل ما يعيشه

كانت تقرأ والدته انفعاله الذي يظهر على وجهه رغم ظنه انه يكتمه
استفاضت في الحديث عن افعال والده
ووصته على اخيه فهو المتبقى له من الحياة
وهدأت ثورته المندلعة بعض الشيء ولكنها لم تخمد فبعض منه مازال يحمل أيهم وزر والده عندما تلتقي اعينهما يهرب أيهم منه في بعض الاحيان.. ان لم يكن مذنبا كما قالت والدته فلماذا يهرب

- وصلنا
انتشله صوت أيهم من افكاره ليجد نفسه امام منزل ضيّ، ربت على كتف اخيه قائلا
- سأبيت الليلة لدى احد اصدقائي
رد أيهم بغيظ
- ولماذا تخبرني اليوم تحديدًا فأنت تفعلها كما يحلو لك وتغلق هاتفك
رفع بسام حاجبيه مغيظا وهو يمسك بصندوق الهدايا وباقة الزهور التي كانت جواره وهو يفتح الباب مترجلا من السيارة وأيهم يودعه بينما اشارت له سراب بيده
عندما انطلقت السيارة في ذهابها لجدتها قالت سراب بخجل
- اشعر انه لا يبيت في المنزل بسببي
- ‏لا تقلقي حبيبتي.. انا افكر في شيء ما وسأقترحه عليه ان طاوعني بدلا من بناء منزل منفصل
- ‏سنفصل الطابق الارضي عن العلوي، كل له مدخل منفصل، الارضي كما هو والعلوي بسلم خارجي كي يحافظ كل منا على حريته وراحته
اومأت له سراب بحماس وهي تقول
- نعم.. فكرة رائعة، اقترحها عليه
- ‏انتِ طيبة يا سبيل
اتسعت ابتسامتها لتبادر هي في الامساك بكفه ليبادلها الابتسام

________

كان يجلس في صالة منزلها بخجل وصوت والدتها يصله من الداخل وهي تقول بنزق
- لن اكذب.. فأنت مستيقظة الان
ابتسم اخاها عمر بحرج وهو يتطلع في باب غرفتها وفي بسام الجالس ليسير بإتجاه الغرفة وهو يفتحها قائلا بصوت هامس ورغم ذلك وصل لمسامع بسام
- صوتكما عالي، انه يسمعكما
- ‏لا اود الخروج
وكان هذا صوت ضي لترد والدتها بضيق
- لا احب الميوعة، عشر دقائق وتخرجين
وخرجت والدتها مع اخاها دون سماع ردها الذي اطلقته على هيئة زفرة مشتعلة وهي تضرب رأسها في الوسادة بغيظ

- انرتنا يا بني
تقولها والدة ضي ليرد بسام بلباقة
- شكرًا لكِ
خرجت ضي من غرفتها وهي تنظر له بضيق ورغم ذلك ألقت تحية مقتضبة وجلست بجواره على الاريكة لتحدجها والدتها بنظرات متوعدة وهي تقول
- انا احبك.. فـ اليوم لدينا بط، وهذه الفتاة تتبع حمية غذائية ولم تأكل منه، سأحضر لك العشاء
- ‏لا.. لا تتعبي نفسك لقد اكلت و....
قاطعته متصنعه الحزن
- هل ستكسر بخاطري
- ‏العفو، ولكن...
- لا يوجد لكن
وفي هذه الاثناء رن جرس المنزل وكان احد اصدقاء عمر فإستأذن الخروج لاصدقائه

جلسا وحدهما وبقيت هي صامتة امامه فقال بهدوء
- هل يمكنني معرفة سبب غضبك؟
- ‏انت لا تثق بي
تقولها بإندفاع فيرفع حاجبيه بإندهاش قائلا
- من اين عرفتِ هذا؟
- ‏من حديثك في الصباح
- ‏وهل خوفي عليكِ يندرج تحت انعدام الثقة، ان كانت غزل في نفس موقفك هي الاخرى سأعنفها هكذا
ادارت رأسها إليه سريعا ليضحك ضحكة مكتومة وهو يعلم تأثير جملته عليها فردت بضيق يشوبه بعض الغيرة
- نعم.. فيبدو ان هذه الحمائية لا تخصني وحدي
اتسعت ابتسامته ليأكل وجهها الاحمر بعيناه قائلا
- بأكملي اخصك

تخضب وجهها بالمزيد من الحمره فعاتبها قائلا
- ولم تودي الخروج لاستقبالي
- ‏لانك تضايقني
- ‏لم اقصد مضايقتك، صدقيني
اومأت برأسها وهي تتلاعب بالشريط الخاص بعلبة الهدايا التي تقبع بينهما فأهداها الورود طالبا العفو بينما قال بنبرة متسلية وهو يطلب منها فتح صندوق الهدايا

فتحت الصندوق الكبير بلهفة متشوقة ليكتسي وجهها بالدهشة قائلة
- ميزان

كان يقبع بداخل لعلبة ميزان رقمي لمعرفة الاوزان فإتسعت ابتسامته قائلا
- كي اشجعك يا عزيزتي
انطلقت ضحكتها قائلة بإعجاب
- فن اختيار الهدايا
غمزها بينما تخرج والدتها بصينية الطعام لتقوس حاجبيها قائلة وهي تحمل الصندوق في احضانها
- سأدخل لغرفتي حتى تنتهي
وألقت نظرة حرمان على البطة قبل ان تدلف لغرفتها وسط ضحكاته وهو ووالدتها

_________

ترجل أيهم وسراب لمنزل جدتها، لقد اشتاقت لها حقًا.. تود القول بقلب واسع وفم ممتلئ.. انا احب يا جدتي
احب هذا الرجل الممسك بيدي الان، يقودني إلى نفسي القديمة كما اود انا الاخرى قيادته
يمتلئ قلبي وعقلي به واود ان املأ قلبه هو الاخر

رأتها جدتها في جلستها الدائمة على شرفتها لتتهلل اساريرهما معا وقد تركت يده ركضا للباب الذي فتحته بمفتاحها الخاص وكان هو خلفها كي يغلقه
احتضنتها جدتها بقوة وبادلتها هي الاخرى الاحتضان بقوة مماثلة واغلق أيهم الباب ليقترب مقبلا جبينها بتقدير

جلس على احد الارائك بينما دخلت سراب للمطبخ وبيدها لفائف الطعام الساخنة
خرجت لهما بعد ان وضعت بعض اطباق المقبلات على الطاولة التي تقبع امام جدتها فتقول جدتها بحرج
- تكلف نفسك هكذا كل مره يا بني
- ‏لا تقولي هكذا يا امي.. وارجو ان تقبلي هديتي المتواضعة هذه
والهدية كانت هاتف بشاشة للمس اتسعت على اثره عينا سراب وجدتها التي امطرته بالدعاء بينما زاغ بصر سراب وهي تسمعه قائلا
- هاتفك في المنزل يا عزيزتي وقد سجلت رقم جدتك عليه
وجلس بجوار جدتها كي يعرفها على بعض الاشياء بينما دخلت سراب المطبخ بأعين دامعة واحشائها تتلوى من الذكرى التي حفرت بداخلها ورغبة عارمة في التقيؤ تكتنفها
هي لا تود استخدام الهاتف مره اخرى، لقد كرهت جميع الهواتف
تتكئ بكفها على حافة الحوض وهي تضرب الماء في وجهها من الناحية الاخرى لعلها تخمد تلك الذكريات البشعة

رن جرس الباب فأغلقت الصنبور وكانت في طريقها للخارج فوجدت أيهم واقفا امام الباب لتتشبث هي في الحاجز الخشبي للباب عندما ابصرت هبة التي قالت بصوتها الكريه بغنج رخيص
- كنت امرّ من هنا ووجدت السيارة ففكرت في إلقاء التحية
ومن ثم نظرت للطعام قائلة
- يبدو انني اتيت في وقت غير مناسب
بينما عيناها تفضحان لهفتها للطعام ونظرت بهما لسراب التي تتشبث كالغريق في حافة الباب
- مرحبا بإبنتنا العاقة، منذ زواجك لم تزورينا هكذا
وتصنعت الضحك بينما تدور سراب في دوامات لا تعلم نهايتها وقد زاغ بصرها واخذت تترنح فإقترب منها أيهم قائلا بقلق
- هل انتِ بخير؟
صوته يصلها متضخما وقد تركت تشبثها الواهي بحافة الباب وهي تستسلم للسقوط..

" نهاية الفصل السابع والعشرون "
منتظرة رأيكم كالعاده ❤️❤️


شيماءالسيد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-09-21, 06:11 AM   #260

شيماءالسيد

? العضوٌ??? » 478553
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 195
?  نُقآطِيْ » شيماءالسيد is on a distinguished road
افتراضي

" الفصل الثامن والعشرون "


فتحت عيناها ببطئ على مرآى عيناه.. تنفس الصعداء زافرا بعنف وكأنما كتم انفاسه حتى رأها بخير، وفجأة وجدت نفسها محاطه بذراعيه وهو يهمس في اذنها
- لقد توقف قلبي من القلق
وهي التي توقف قلبها عن العمل وشحب وجهها مره اخرى حينما رأت نظرة هبة الساخرة التي يملأها الحقد
شعرت بإنقباض في قلبها فأبعدته عنها ومازال رأسها يدور فنظر لها بقلق قائلا
- هل انتِ بخير
ردت هبة بصوت عالي متصنعة المرح
- انها بخير يا سيد أيهم، ولكنه دلال النساء
نظر أيهم لسراب التي تمسك برأسها في جلستها وهو يمسك بذراعها داعما اياها
سمعت سراب صوت هبة القائل ونظرة ذات مغزى لم يراها كل من أيهم وجدتها
- كنت اود التحدث معك يا سراب
رد أيهم ببعض الغضب بعد ان إلتفت إليها
- هل هذا وقت الحديث يا سيدة هبة
بينما ردت سراب ببعض الوهن وهي تحاول الوقوف
- سأذهب لها
امسك أيهم بذراعها امرًا إياها بالجلوس وهو يقول
- لن تتحركِ، سنذهب للمشفى بعد قليل
تحركت عينيّ سراب بينهما ولكن الخوف اكل قلبها من نظرات هبة تلك فوقفت وهي تربت على كتفه قائلة

- لن اتأخر
اسندتها هبة في سيرها وقد خرجتا لصالة المنزل ووقفتا امام الباب
قالت هبة بحقد
- ارى ان حياتك اصبحت افضل الان، واين نحن من حياتك يا ناكرة الجميل يا ...
اوقفت سراب سيل كلماتها وهي تسألها بهدوء
- ماذا تريدين يا هبة
اتسعت ابتسامة هبة وهي تقول بحبور
- ‏نعم.. هكذا يمكننا التفاهم.. اريد....
وذكرت مبلغًا من المال جحطظت له عين سراب فهتفت بصوت عالي نسيبا
- ماااذا؟
وضعت هبة سبابتها على فمها قائلة بخبث
- سيسمعك زوجك يا فتاة
- ‏ولكن... انا لا املك هذا المبلغ من المال
مطت هبة شفتيها قائلة
- هذا هو طلبي كي اتستر عليكِ

شعور الهوان والذل الذي كادت ان تنساه عاد لقلبها بقوة اكبر فإبتلعت ريقها بصعوبة قائلة بملامح جامدة
- الستر يأتي من الله يا هبة، انتِ لا تتفضلين علىّ بشيء
ولم تعلم من اين اتتها تلك الجرأة فقالت بهدوء ضاغطة على كلماتها
- وان اردتِ القول لأيهم فتفضلي، الباب امامك
رفعت هبة احد حاجبيها قائلة بتشفي
- ان دخلت من ذاك الباب إليه فستخرجين انتِ معي

ابتسمت سراب وداخلها يطمئن، هبة لن تجازف بالراتب الشهري الذي يبعث لهم، ولا بعمل والدي الذي يزيحه عن رأسها، ولا بعودتي للمنزل مرة اخرى
نعم.. هبة تهددني فقط ولن تخبر أيهم بشيء
ليس بعد الان، لن تخرب علاقتنا.. لن ينهدم منزلنا الذي بنيته حتى وان اضطررت لاخباره بنفسي وهو سيتفهمني

كان هذا الحديث الدائر بينها وبين نفسها وهي ترى تردد هبة التي حسمت امرها بقولها
- سأغادر الان يا سراب واترك لكِ فرصة التفكير، وزوجك يملك الكثير من المال ان اخذتِ هذا المبلغ منه لن يشعر
اتسعت عينا سراب وهي تفكر في ان هبة تحرضها بحق على السرقة

شعرت بكف أيهم الذي وضعه على كتفها فنظىت له ليبادرها بالقول الغاضب
- لماذا تحدثتِ معها وانتِ في هذه الحالة، لقد اغضبتك
هزت رأسها نفيا وهي تقول بإضطراب
- اين هذا، لم يحدث.. انا.. وهي كنا بنتحدث
- ‏حسنا اهدأي، هل انتِ بخير ؟
- ‏نعم، حدث هذا لانني لم اتناول طعام الفطور فقط لا تقلق
اومأ برأسه وقد سمعا صوت جدتها القادم من غرفتها الوحيدة وهي تتعكز على عصاها فإقتربا منها وهما يسندانها فسألت سراب بعصبية
- ماذا كانت تريد تلك الشمطاء

ابتسمت سراب نصف ابتسامة فجدتها تكره هبة في اعتقادها انها قد اخذت مكان ابنتها
ردت سراب بهدوء وهي تربت على كفها الذي تمسك به
- لا تفكري في شيء يا جدتي
ساعداها في الجلوس على اريكتها الاثيرة وهي تنهت من التعب وكأنما فعلت مجهودا مضنيا ليدخل أيهم للمطبخ جالبا طعام العشاء وبعض الاطباق حيث كانت الجده تبدي غضبها من دخول هبة الى منزلها قائلة
- وتأتيها الجرأة كي تدخل إلى منزلي ايضا وتدنسه بقدمها

امسكت سراب بقطعة من الكفتة ودستها في فم جدتها قائلة بصوت حازم
- كلي يا جدتي وكأن شيئا لم يكن
فهي تعلم جدتها ان بدأت في الحديث عن هبة لن تصمت وسيتم التحدث عن والدها ايضا وهي لا ينقصها المزيد من الذل امام أيهم الذي يضع امام فمها الطعام وحاولت اخذه فأصر على ان تتناوله من يده وامام جدتها التي ابتسمت بحياء فإحمر وجه سراب وهي تتلقف منه الطعام وتشرع هي في الاكل سريعا كي لا يكرر حركته
وبين الحين والاخر تنظر له هو وجدتها، عائلتها الصغيرة التي تتمنى ان تكبر يوما ما..

_________

في اليوم التالي
وقفت فريال امام مكتبه، تفرك يديها بعنف وهي تعلم انه في الداخل، عليها المواجهة.. لن تظل كالفأر الجبان المختبئ طوال العمر، لقد كان درسا للحياة وهي تعلمته جيدا فلا داعي للمزيد من التأجيل
وقفت امام الباب المؤدي لمكتبه لينفتح امامها فجأة فشهقت بقوة وهي ترجع بقدميها للخلف
نظرت سكرتيرته التي كانت معه في الداخل للواقفه امامها بإستغراب فقالت فريال بتقطع
- اردت.. الدكتور ضياء.. هناك امرهام .. لم اجد احد على المكتب
اومأت السكرتيرة برأسها قائلة
- تفضلي معي، سأخذ لكِ موعداً
بينما وقف ضياء من خلف مكتبه يتطلع في فريال التي اخفضت وجهها بخجل عندما إلتقت انظارهما
لم تظن ان المواجهة صعبة هكذا
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تسمع امره بدخولها
حينما دخلت غرفته اغلقت السكرتيرة الباب خلفها فإضطربت دقات قلبها وهي تنظر له في جلسته الهادئة خلف مكتبه، يرتدي نظارته الطبية وينظر لها قائلا
- اجلسي يا فريال
جلست على المقعد امام مكتبه ونظراته الثاقبة تخترقها

نظراتها الخجولة تحتضن الارض في حياء ويداها تفركهما في ارتباك ملحوظ وعيناها الليتان نظرتا له تتشحان بالذنب
سألها بتهذيب
- ماذا تشربين؟
- ‏لا شيء، شكرا لك.. لقد جئت
واخذت نفسًا عميقا وهي تنظر لعمق عيناه قائلة
- جئت كي اعتذر عن كل ما بدر مني، كنت فتاة طائشة، ربما في الحقيقة مازلت هكذا ولكن... لقد تعلمت درسي جيداً، لقد ابتعدت عن ونس كما اخبرتني، واردت فقط المجئ كي اعتذر
كانت تتحدث بسرعة عن المعتاد، تشعر ان جبلا ثقيلا يجثم على صدرها وهي التي ارادت ازاحته
هز ضياء رأسه قائلا بعقلانية بينما كانت نظراتها مركزة عليه بينما تحفر بأظافرها في يدها الاخرى
- انتِ بالنسبة لي كونس ابنتي، في الحقيقة كنت قاسيًا عليكِ من اجل مصلحتك
اومأت برأسها وقد قاربت دموعها على الانهمار فمسحت وجهها بكفيها قائلة
- نعم اعلم هذا
ابتسم لها بود قائلا
- اتمنى ان تجدي السعادة التي تستحقينها
وقفت من على مقعدها قائلة بهدوء بعد ان تنفست الصعداء
- شكرا لك، عن اذنك

وخطت خطوتين ليوقفها صوته
- فريال، انتظري
دق قلبها بعنف وهي تشعر بوقوفه من على مقعده حتى وقف قبالتها قائلا
- اعتقد انكِ في كلية التربية الرياضية.. أليس كذلك؟
اومأت برأسها وهي ترد
- نعم، انا في كلية التربية الرياضية
- ‏لدي صديق.. يحتاج إلى مدربة معه في المركز خاصته ويبحث عن احداهن
واعطاها ورقة مطوية كانت في يده مردفا
- يمكنك رؤيتها ان ناسبك الامر
اومأت برأسها دون رد واسرعت بالمغادرة فأوقفها صوته القائل بينما تقبض بكفها على المقبض
- لقد نسيت كل شيء.. ولا تترددي في طلب اي شيء مني او من ونس
كان يخبرها في صورة غير مباشرة انه يمكنها التحدث مع ابناه مره اخرى.. لذلك اومأت له دون ان تلتفت إليه وقد رحلت زافرة بعنف وهي تتجه لدورة المياة وحينما اغلقت الباب خلفها تنفست الصعداء وهي تضع يدها على صدرها مغمضة العينين

بينما وقف هو امام نافذة غرفته ينظر للسماء امامه، يشكر الله على اعطاءه المزيد من الفرص لاصلاح حياة أناس اكثر، مازال خوفه من ظهور إيناس يؤرقه بقوة وقد عين احدهم لمراقبتها ولكنها ضاعت منه في محطة القطار
اخذ عقله يتساءل.. هل ستلتقي محطاتهما يوما ما؟
ولكن القدر كفيل بالاجابة ان اراد الله ذلك فسلم امره لله وصمت وربما ضوضاء قلبه تجبره على الافصاح الذي يستثقله فهو يحمد الله ان ونس باتت طبيعيه معه الان.. ولكن ارادة الله تظل فوق كل شيء

_________

كانت تجلس امام احدى اللوحات البيضاء في حديقة منزلها، تلف شعرها في عقدة فوق رأسها وهي تدخل بين خصلاتها احدى فرش الرسم، حركة خاصه تحب فعلها
تجلس مغمضة العينان، تتخيل اللوحة البيضاء في ذهنها كما تفعل واول ما بدر في ذهنها كانت عينان مغطتان بإطار نظارة انيق
عينيّ حمزة
شهقت بقوة وهي تسمع اسمها بصوته من الخلف
إلتفتت إليه فوجدته خلفها لتتسع عيناها بذهول والحقيقة والخيال يختلطان
كادت ان تسأله ان كان حقيقيًا ام هو محض وهم ولكنها اوقفت نفسها في اخر لحظة وهي تبصر سيارته التي تقبع خلف بوابة منزلها بينما الحارس يغلق البوابة
اذا هو حقيقة
مد يده كي يصافحها فصافحته سريعا وعيناها تتسائلان عن سبب وجوده وقد فهم سؤالها فقال بإبتسامة سعيدة
- مبارك يا غزل
واعطاها ورقة بيضاء حينما فتحتها غمرت السعادة وجهها واخذت تقفز بإنتصار حتى وقعت فرشاة الرسم التي تمسك بشعرها فتناثر حول وجهها في فوضى محببه
وضعت خصلة من شعرها خلف اذنها وهي تبتسم بحبور قائلة
- شكرا لك
وشاكسته برفع احد حاجبيه مردفه
- ولكن أليس هذا اختراقا للقوانين
ضبط نظارته بحرج قائلا
- هناك بعض الاستثناءات
ونظر للوحة خلفها قائلا
- ألم يحضر إلهامك بعد
- ‏كلا.. لقد حضر
واردفت بداخلها
- حضر امام عينايّ
تنحنحت بحرج وكأنما قرأ ما فكرت به فقالت بهدوء
- تفضل للداخل
- ‏شكرا.. اردت فقط اسعادك في الصباح، تستحقين النجاح..دائما
اومأت برأسها وهي تقول بنبرة ذات مغزى
- نعم، ف على الرغم مما حدث وما عانيته الا انني حصلت على ما اريد

- مرحبا يا حمزة
كان هذا صوت والدتها القادمة بإتجاههما تحمل بين يديها صينية الافطار
- اهلا بكِ يا خالة
وقبل ان تسأل دهاء التي وصلت لهم عن شيء بادرت غزل بالقول وهي تعطيها ورقة درجاتها
- لقد نجحت
فتحت دعاء الورقة بينما اخذت غزل الصينية ووضعتها على منضدة جانبية
- مبارك يا حبيبتي
قالتها والدتها بسعادة وهي تحتضنها لتلتفت إلى حمزة مردفه بإبتسامة
- شكرا لك يا حمزة، اتعبت نفسك بالمجئ
احمر وجه حمزة بحرج وهو يقول
- لا داعي للشكر، هذا واجبي
- ‏نعم.. فأنت كـ اخ لغزل الان
تقولها بذات الابتسامة ليسعل حمزة بقوة وكأن شيء قد وقف في حلقه فناولته غزل كوب ماء بقلق ارتشف منه رشفتين وشكرها لتومئ برأسها وهي تتفحص وجهه امام نظرات والدتها الغير راضية
لماذا الكبر وكلاهما ادرك مقام صاحبه لديه
قال حمزة بصوت متحشرج
- عن اذنكما.. سأرحل الان
- ‏اجلس وتناول معنا الافطار
تقولها والدتها بشيء يشبه الامر فيرد عليها بحرج اكبر
- ‏يوم اخر ان شاء الله
اومأت له والدتها وقبل ان يرحل مهدت الطريق بقولها وهي تحتضن كتف غزل بسعادة
- سنرسل لك بطاقة دعوة قريبا
وكأن دلو من الماء سقط عليه فقلب نظرة بينهما لتلتقط غزل اول الخيط قائلة بإبتسامة مبالغ بها
- بالطبع سيكون اول الحاضرين
وخشى هو السؤال عن ماهيه الدعوة
هل ستخطب لاحدهم؟ بسهولة هكذا.. ولكن ماذا يفيد الندم ان كان اول من يقطع السبل
اخذ نفسا قويا ولا يدري كيف فعلها ولكن وجدت الكلمات طريقها الى خارج قلبه
- اود التقدم.. لخطبة غزل مره اخرى، اذا سمحتِ
حتى عندما رأى الذهول على وجه غزل والاطمئنان على وجه والدتها اردف بقوة
- لقد اخطأت
اومأت والدتها برأسها قائلة بشبه ابتسامة بينما تتجه الى منضدة الافطار
- سنرى هذا لاحقا
اكتسى وجهه بالخيبة التي بادلته اياها غزل وهي تنظر لوالدتها الجالسة بغضب
فقال حمزة بحرج بالغ
- عن اذنكما
ورحل

بينما اتجهت غزل للجلوس امام والدتها قائلة
- انتِ تعلمين رأيي مسبقا
اعتدلت والدتها في جلستها وقد اكتسى وجهها بالجدية قائلة
- لا يجوز ما تفكرين به، يجب ان يقدر قيمتك اكثر.. ترحل من رأسه جميع الشكوك، يعاملك كملكة.. يمكن ان يكون طلبه السريع الان لانه فكر انكِ ربما ستضيعين منه وربما تفاجأ هو بنفسه، يجب ان يقدركِ كي يحافظ عليكِ، المرء بطبيعته يقدر الاثمن، فكوني غالية
اومأت غزل برأسها ولكنها قالت بغير اقتناع
- ولكنه يحبني
- ‏لم يكن الحب يوما كافيا، يجب ان تصاحبه الثقة والامان والا كان ناقصا.. شعارات الحب في ابيات الشعر فقط، اما نحن الان في الحياة الواقعية فيجب ان تسبق الثقة الحب.. هيا تناولي طعامك
وهكذا انتهى الحديث، والدتها كانت محقة فمع اول اختبار للثقة بينهما.. تركهاا

________

وقفت فريال امام بوابة الجامعة في انتظار اختها، اليوم هو اخر اختباراتها.. كانت تتطلع في وجوه الماره حولها، الباعة الجائلين، والسائقين.. كل منهم يحمل همًا مختلفًا فوق عاتقيه، ترى ما حكاية تلك المرأة التي تحمل صبيا على كتفها، وذاك الذي يجر حمارًا يحمل بعض الامتعة وهو يتذلل الناس كي تشتري منه، وهذا الذي يحمل المحارم الورقية على قدميه وهو جالس على كرسيه المتحرك
الاهم من كل اسئلتها تلك ان الله مقسم الارزاق وان كل فرد يسعى للحصول على رزقه بالجد

فرقعه اصابع اخرجتها من افكارها فكانت هذه سلسبيل التي وصلت إليها قائلة
- هل تنتظرين منذ زمن؟
- ‏لا
- ‏كيف حالك يا فريال؟
كان هذا صوت ونس من خلفها فإلتفتت لها فريال قائلة بإبتسامة
- بخير.. وانتِ كيف حالك؟
- ‏في افضل حال، لقد انهيت اختباراتي
تقولها ونس بفرحة طاغية مردفه
- علينا الاحتفال اليوم، اين نذهب
ردت سلسبيل بسرعة
- الى مطعم ضيّ بالطبع
ردت فريال وونس في صوت واحد
- فكرة موفقة
ومن ثم نظرتا لبعضهما وانطلقت اصوات ضحكاتهن

وكانت هناك زوجين من الاعين تراقبهم واحده بإبتسامة والاخرى بحسرة
قال عمار لنزار الواقف بجواره
- هيا بنا
- ‏الى اين؟
- ‏خلفهم يا فتى
يقولها عمار بسرعة وعيناه تسرعان خلفها
- لن اذهب الى اي مكان، لان بالاصل لا يوجد لي مكان، ومن يجلس في غير موضعه يهان
رفع عمار احد حاجبيه قائلا بإصرار
- لن يأتي شيء للمرء اذ لم يحارب
- ‏معركة خاسرة وبعيدة بعد الارض عن السماء
- ‏كما ترغب يا نزار، سأرحل انا

وتركه وذهب بينما تطفو عينيّ نزار بالحسرة وهو يسير متهدل الاكتاف

__________

- انرتم المكان
كان هذا صوت بسام حينما ابصر جلستهم في حديقة المطعم الخارجية بينما خرجت ضي لهن
فأردف ناظرًا لضي
- اجلسي انتِ معهن وستكمل الفتاة الاخرى عملك
- ‏لقد انتهيت منه
همس بصوت خفيض
- حبيبتي المجتهدة
تنحنحت ضي بحرج وهي تقف امامهن بينما قال بسام بلباقة وهو يرحل
- العزيمة لدي هذه المرة، ولكن لا تعتدن على الامر
- زوج ابنتنا رجل شهم
تقولها فريال بمشاكسة فأحمرت ضي اكثر وهي تسأل سلسبيل وونس عن اختباراتهما وشيء من المرارة يتسلل لنبرتها
ربما كانت معهم الان في جامعتهم
ولكنها استغفرت الله سريعا، انها الان في مكانها الصحيح، في عمل لم تحلم به ومع رجل لم تكن تتخيله في احلامها

اخذت كل منهن تقلب قائمة الطعام وقد طلبن ما اردن بينما طلبت ضي طعاما لحميتها الغذائية فغمزتها فريال بينما قالت سلسبيل
- الميزان له مفعول السحر
- ‏ياليت معي انا الاخرى ميزان يدللني هكذا
تقولها فريال وهي ترفع حاجبيها بمكر بعد ان علمت بأمر هدية الميزان من اختها سلسبيل لتنظر ضي امامها متصنعه عدم الاهتمام
وهمت ونس بسؤالهم عن ذاك الميزان ولكن قبل ان تتحدث لمحت دخول عمار من باب المطعم فقرصت سلسبيل المنشغلة في التقليب بهاتفها
نظرت سلسبيل الى حيث تنظر ونس فتجده قد جلس على احد الموائد المقابله لمقعدها
قالت فريال بعد ان نظرت الى حيث تنظران
- كان هذا الرجل في حفل خطبة ضي
نظرت ضي حيث تنظر فريال فوجدت عمار الذي حدثتها عنه سلسبيل مسبقا فتصنعت عدم الاهتمام وهي ترد بينما اخفضت سلسبيل وونس نظراتهما
- نعم.. انه صديق بسام
تطلعت فريال في اختها التي احمر وجهها قائلة
- ما القصة؟
ردت سلسبيل بهدوء رغم دقات قلبها
- لا يوجد شيء
- ‏انه زميلنا في الجامعة لذلك اندهشنا من وجوده
اومأت فريال دون تصديق وقد لفت انتباهها يد ضي التي تلفها بشاش طبي فسألتها
- ماذا حدث ليدك؟
- ‏ضريبة الوقوف في المطبخ
تقولها بضحكة مفتعلة فإبتسمت لها فريال قائلة
- سلامتك
- ‏سلمك الله يا عزيزتي
وكانت ضي تفكر في مدى الاذى المحيط بفريال، لسعة نار صغيرة اصابت كف يدها ولا تطيقها.. فماذا تفعل فريال المسكينة بعد ما اصاب جسدها.. سبحان الذي يلهمنا الصبر على قدر الابتلاء

تطلع عمار قبالته فجأة فتقابلت عيناها اللتان تنظران له ليبتسم لها وهو يهز رأسه لتنكس هي رأسها بخجل وقد غطت وجهها بقائمة الطعام مما جلب الضحك لوجهه
قلبت فريال نظراتها بينهما وهي تقول بجدية
- سيخبرني احد منكم الان ما يحدث
ولم تجد سلسبيل مفرا منها سوى الحديث عنه وهي تسترق النظر لوجهه بين الحين والاخر بينما وقف بسام قبالته يحجب عنه رؤيتهم قائلا
- اذهب لوالدتها واخبرها عن كل شيء
تطلع عمار بدهشة في بسام الواقف قبالته فغمزه بسام قائلا
- بالطبع لم تأتي لتزورني اليوم، ونظراتك تفضحك ايها الوغد
ليضربه في كتفه بينما يبتسم عمار محتضنا اياه فتتقي نظراتهما مره اخرى

________

" بعد خمسة ايام "

جلس جسار في مكانه الشهري المعتاد على احد المقاهي الشعبية مراقبا الاطفال، يضع فوق رأسه القلنسوة الخاصه بمعطفه وبين اصابعه تشتعل لفافة تبغ ينفس بها عن غضبه.. فبعد عودته مع إياس وهمسة واخته وتحديد موعد عقد القران توفى احد اقارب تميمة.. وكأن الكون كله ضده
دهس اللفافة تحت حذائه بقوة وسخط وهو يرتشف بعض القهوة
عيناه تراقبان الفتاة التي اقتربت من محل البقالة ودخلت بداخله كي تبتاع شيء ما وكان صاحبها يقف امام المحل ملتفتا حوله وهو يتأكد من عدم مراقبة احد له ومن ثم دخل خلف الفتاة
وقف جسار من فوره متوجها كعاصفة هوجاء إلى داخل المحل الذي اختفى فيه الرجل حتى رأى ما كان يتوقعه

كان صاحب المحل الرجل الوقور الذي خط الشيب لحيته وشعره واقفا خلف الفتاة التي لم يتعدى عمرها السبع سنوات، محاولا ملامسه جسدها في مناطق خاصه والتي بالمناسبة تفتقر الفتاة لوجودها
فار الدم في رأسه متخيلا ريما مكانها فدخل سريعا ممسكا الرجل الذي جحظت عيناه وتصبب عرقا من تلابيبه فصرخت الفتاة وهي تجري للخارج بينما وقع الرجل ارضا وجثم جسار فوقه مكيلا اليه اللكمات
تجمهر حولهم بعض ابناء الحي للتفريق بينما ومازال جسار متمسكا بملابس ذاك الرجل حتى تمزقت في يديه والرجل كالفأر المزعور يزحف للخلف خائفا
نجحوا اخيرا في التفريق بينهما فسأله احد الواقفين والذي تحيز لابن منطقته
- ماذا فعل لك الرجل كي تضربه هكذا
- ‏تحرش بالفتاة
صدرت همهمات اعتراض يخالطه همهات ذهول من الواقفين فهتف الرجل الاخر بقوة مخافه الفضيحة
- كاذب.. انه يفتري علىّ
- كيف تقول هذا يا اخي.. ان الاخ اسامة رجل صالح
يقولها احد الواقفين ليجيبه جسار بقوة وجسده ينتفض من الانفعال
- لقد رأيته بأم عيني وهو يلمس الفتاة
- ‏اذا فالحكم بينهما هو الفتاة
يقولها احد الواقفين ليوافقه البقيه واحدهم يهتف
- هيا الى منزلها

كانت الفتاة تجلس على احد الارائك، مذعورة وهي تبكي في احضان والدتها الجالسة امامهم ويظهر على وجهها الخوف بينما تنظر لوجوه الرجال حولها دون فهم
كان جسار يجلس على احد المقاعد بينهما اسامة على المقعد قبالته واخذ يلملم جلبابه الذي تمزق بيده
تحدث شيخ الحارة كما يقولون نسبة الى سنة الكبير غاضا بصره عنها
- لقد اخبرنا هذا الرجل انه تم التحرش بإبنتك من قبل العم اسامة، هل تعرضتِ لشيء كهذا يا سما
- ماذا تقول يا شيخ، العم اسامة صاحب والدها
تقولها والدتها بغير تصديق بينما يهتف اسامة
- اخبريهم يا ست نعمات والله شاهد علىّ
قال جسار بغضب وهو يقف مهتاجًا
- اتق الله، أتحلف بالله كذبًا ايها المتحرش الجبان
ومن ثم نظر لنعمات مردفا
- اسألي ابنتكِ اولا وحافظي على الامانة
ومن ثم نفض ذراع الرجل الذي امسك به غاضبا وهو يتجه الى باب المنزل ليقول كبيرهم
- انتظر
ادار جسار وجهه المحتنق لهم وذاك الشيخ يتفحصه قائلا
- لست من منطقتنا ولا المناطق المجاوره.. من انت؟
- ‏هل النخوة لها منطقة معينة يا شيخ، ان كانت هكذا حقا فقد دنس منطقتكم ذاك الرجل

حديثه القوي وقوة نبرته امام ضعف موقف اسامة يجعله يشك في الواقعة
نظر الشيخ للفتاة الخائفة قائلا
- ماذا فعل العم اسامة عندما دخل خلفك
هتف اسامة بإعتراض
- يا شيخ...
اوقفه الشيخ بنظرة حازمه من عينيه جعلت اسامة يبتلع ريقه متوترا
- انه يلعب معي
تهتف بها الفتاة في نبرة بريئة يخالطها الخوف وهي تتطلع في الوجوه التي تناظرها وقد اردفت
- انه يعطيني الحلوى والمال ويلعب معي عندما اذهب له
- ‏كيف يلعب معكِ
يسألها الشيخ مترقبا وقد تصبب العرق من اسامة المذعور
- يضع يده هنا ونلعب الغميضة
شهقت نعمات واخذت تلطم وجهها بكفيها وقد ظهرت الحقيقة ليمسك بأسامة رجلين من خلفه ويهتف هو في خوف
- انها كاذبة، يا شيخ.. انها..
وقطع صوته لطمه قوية من يد الشيخ على وجهه وهو يقول
- ضعوه في المخزن حتى نرى ماذا سنفعل
تنفس جسار الصعداء والفرحة تغمره، لقد انقذ احداهن من براثن ذئب كأسامة
- شكرا لك يا بني
يقولها الشيخ امام جسار الواقف فيرد جسار بإحترام
- لم افعل سوى الواجب
- ‏تفضل معنا.. يجب ان نحسن ضيافتك
- ‏شكرا يا شيخ مره اخرى فأمامي طريق طويل
وذهب سريعا ولكن خانته عيناه بنظرة للفتاة الباكية في احضان والدتها

_________

يفصل بينهما القضبان الحديدية ككل مره
بداخله طاقة غضب هائلة وعيناه تنظران لذاك الوجه الكريه
نظر سالم لجسار مبتسما وهو يقول
- اتيت مبكرا اليوم
- ‏كنت عند عائلتك
اشتعل الغضب في عينيّ سالم وهو يقول بتبجح
- اياك والاقتراب منهم مره اخرى، ان فعلتها...
قاطعه جسار بسخرية قائلا
- ماذا ستفعل، انت الان مجرد رجل بلا قيمة
- ‏ومن دفعني الى هنا، أليس انت؟
يقولها سالم بحقد ليسأله جسار بنبرة محايدة
- هل لديك صديق يدعى اسامة
نظر له سالم بتوجس قائلا
- اجل
- ‏الطيور على اشكالها تقع
- ‏ماذا تقصد
- ‏لقد تحرش بأبنتك صباحا
ابتلع سالم ريقه بصعوبة وهو يتأكد مما سمعه، لم يرى الشماتة على وجهه بل رأى الصدق
- كااذب، اسامة لن يفعل هذا
- ‏يمكنك التأكد من زوجتك حينما تزورك
ووقف جسار من على المقعد خاصته ينظر له من خلف القضبان الحديدية التي يقبع خلفها بإشمئزاز وتقزز قائلا
- يوما ما.. سأجلب ريما إلى هنا وسأجعلها تبصق على وجهك العفن بنفسها
وتركه ورحل بينما يهز سالم رأسه بعدم تصديق متأكدا ان جسار ينتقم منه بقوله هذا

" نهاية الفصل الثامن والعشرون "

اتمنى الفصل يعجبكم ومنتظرة رأيكم ❤️❤️❤️


شيماءالسيد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:48 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.