آخر 10 مشاركات
أسيرتي في قفص من ذهب (2) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          خلاص اليوناني (154) للكاتبة: Kate Hewitt *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          أسيرة الكونت (136) للكاتبة: Penny Jordan (كاملة)+(الروابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          رهين الشك _ شارلوت لامب _ روايات غادة(مكتوبة /كاملة) (الكاتـب : منة الله - )           »          زوج لا ينسى (45) للكاتبة: ميشيل ريد .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          جدائلكِ في حلمي (3) .. *مميزة و مكتملة* سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          ألـمــــاســة الفــــؤاد *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          كلوب العتمةأم قنديل الليل ؟! (الكاتـب : اسفة - )           »          52 - عودة الغائب - شريف شوقي (الكاتـب : MooNy87 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات القصيرة المكتملة (وحي الاعضاء)

Like Tree10Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-10-20, 11:53 PM   #31

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي


🌹🌹🌹الفصل السادس🌹🌹🌹

(ماذا يحدث هنا؟)
ابتعدت عنه لترفع وجهها المرتبك إليه فيستنفر قلبها بإعلان حالة طوارئ خاصة بظلمة اللؤلؤ الأسود داخل مقلتيه فتعترف بأنها غارقة لا محالة!
(لا شيء... اختل توازن مرجانة فأغرقتنا بالعصير...)
رد عليه لؤي ببسمة متكلفة ثم حام فوقهم الصمت المحرج، قطعه الزبير بتساؤل آخر غير بريء:
(ماذا تفعلان هنا؟)
رفت عينها، تستغرب سؤاله قبل أن يصيبها الإدراك حين تلفتت حولها لتلمح السرير المزدوج المتوسط الحجم فحمحت بحرج أمام بسمة لؤي المستفزة كقوله الذي تعمد به العبث بأعصاب غريمه:
(كنت أصحبها في جولة عبر مرافق اليخت... )
ثم التفت إليها، يسألها بتلقائية مزيفة:
(هل أعجبك اليخت جميلتي؟)
عقدت جبينها بقلق وقد تحفز الزبير وأضحت مقلتيه أشد قتامة بينما يتدخل معقبا بسخرية: (لا تنس بأنها ابنة عمي، فلا تتجاوز الحدود...)
رفع لؤي حاجبه الأيمن، يناظره بتحدي خفي قبِله هو الآخر وبادله النظر بسفور جامح فزفر لؤي بضجر، يلتقط الكأسين ثم نظر إلى مرجانة، يخاطبها بلطف: (يمكنك الاستراحة هنا قدر ما تشائين ولا أحد سيزعجك...عن اذنكما...)
ثم تجاوزه ناظرا إليه بسخرية مستخفة قابلها بالجمود تماما حتى اختفى عبر الطرقة الضيقة ليطلق زبير سراح أنفاس مشتعلة وأغلق الباب بقوة قبل أن يسحبها ليصدمها به، فتتأوه بألم انكمشت بسببه ملامح وجهها الهلعة:
(لماذا تخططين؟... أنت تلعبين بالنار ولا تعلمين نتائج تهورك...)
قبض على ذارعيها المكسويين بقماش الفستان السميك، يهزها بقوة نابعة من احتراقه الذي فاض به الكيل من تحمله، يلهث من فرط مشاعر هائجة لم يذق طعمها من قبل، ألم ولذة وحماس، تفاؤل ثم يأس، متضادات اجتمعت في جوفه لتفقده اتزانه: (مهما كان هدفك منه فلا تتجاوزي الحد معه لأنه سيؤذيك إن لم يحصل على ما تصرخ به عيناه..سيؤذيك لأنه فخور بنفسه..)
هاله استسلامها الغير معتاد أمام حدته، تكتفي بالنظر إليه عبر اللون الذي استولى الأصفر على أكبر نسبة منه فيقع غريق حصار سحرها أكثر فأكثر مستسلما لمطالب كيانه بالقرب منها فيطرق برأسه نحوها شيئا فشيئا ودقات قلبه المتلاحقة تصم آذانه وبصيرته بهدير دمائه فتنعدم بينهما المسافات وتنجلي حولهما العوالم لكنها همست برجاء لمس روحه:
(ابتعد رجاءا ....)
ارتد وجهه يرنوها بعبوس مضطرب سبق حركته السريعة بتحرير ذراعيها قبل أن يوليها ظهره ليمسح على وجهه، لاعنا تصرفه الأرعن سرا.
بللت شفتيها ورفعت يديها، تسوي شعرهافي نفس اللحظة التي أدار فيها جسده ليمسك بأكرة الباب يحثها على التحرك، قائلا بنبرة مكتومة:
(لؤي من النوع المدلل الذي تعود على أخذ كل ما يريده بأي ثمن... يكفي أن يريده فقط وأنت قد جعلت من نفسك طريدة مرغوبة لديه وبشدة ... فاحذري منه!...)
فتح الباب يتقدمها بخطوات واسعة، تاركا إياها خلفه تتنفس بعمق وتعترف لنفسها بأنها قد وقعت في فخ لا فكاك له منها، والمصيبة أنها لا تريد ذلك الفكاك وتخشاه بشدة.
لمحته فوق سطح اليخت منزويا، يتأمل البحر بشرود واجم أثار شفقة قلبها ونظرت حولها تحدد موقع لؤي المرافق لقائد اليخت وجهان المركزة على ما يقوله ويشرحه.
(لماذا تكره الأغنياء يا زبير؟)
حملتها قدميها إليه فطرحت عليه سؤالها الذي ألح به ذكاؤها، تشتاق لمعرفة كل شيء يتعلق به.
لمحت تصلب ظهره لكنه لم يتحرك عن وضعه، يقبض على الحاجز الحديدي بينما يسافر بظلمة الليل في عينيه عبر رحابة السماء المتزينة بغيوم متفرقة:
(أنت تسرقهم لأنك تحقد عليهم؟... لماذا تسكن في حي فقير بينما أهلك من أكبر أغنياء البلد؟...ماذا فعلوا بك لتحقد عليهم؟)
لا رد! الصمت جوابها ولولا ابيضاض كفيه القابضتين بشدة على الحاجز لظنت أنه لا يسمعها.
(تحدث إلي زبير...)
همست بنعومة مشفقة فأدار رأسه إليها، يطالبها بالمثل:
(ماذا عنك؟... كيف أصبحتم ما أنت وأسرتك عليه؟... لماذا تخاطرون بسلامة حياتكم وتعيشون بهويات مزورة؟)
جعدت دقنها تفكر للحظات قبل أن تجيبه ببساطة: (لا أعلم... كبرت على ما أنا عليه... نشأت على أنني يجب علي تدبر معيشتي بنفسي... وعلى قدر ذكائي وبراعتي على قدر ما أجنيه لأعيش برفاهية... بابا رباني وعلمني كيف أقتنص حظي من الغني فأعيش مثله... وماما علمتني كيف أحتفظ وأعتني بكل ما أملكه من أنوثة وشخصية لاستغلهما كما أشاء وأحقق بهما عائدا مربحا...)
سكتت أمام نظراته المتفحصة، فقال بجمود: (هكذا بباسطة!...)
هزت كتفيها باعتراف صامت وقلة حيلة نضحت بها مقلتيها، تعيد خصلاتها المتطايرة كل حين خلف أذنيها.
إنها فعلا تجيبه بصدق، فلم يسبق أن فكرت في طريقة حياتها، تشبعت بتبريرات والدها التي اندمجت والتحمت بخلايا دماغها على مدار سنوات نشأتها فتوقفت عن التفكير في ما يخص ذلك إلى أن نسيت في خضم صخب أفكارها الأخرى الطاغية بأهميتها في كيفية الاعتناء بنفسها والحرص الشديد على عدم انكشافها: (لقد أجبتك... فماذا عنك؟)
استدار إليها موليا ظهره للحاجز يستند به وكتف ذراعيه، يقول لها بتصلب أصاب مقلتيه ببرود جمّد السواد فيهما: (ستعلمين كل شيء قريبا جدا على أي حال... العائلة المعروفة بالبحّار لديها وكالعادة شاب مدلل تعود على أخذ كل ما يعجبه ولو بالغصب... وأمي كانت من بين ما أعجبه ورغب به لسوء حظها..)
عض شفته يحدق بالفراغ وكأنه يلمح شيئا غير مرئي لها ثم تابع بشرود بائس:
(قابلها في الجامعة ضمن طلاب السنة الأولى وهو في السنة الأخيرة... نالت إعجابه بصمتها وانعزالها عن الجميع وما رزقت به من جمال طبيعي ....لاحقها وهي لم تهتم به فثار جنونه وجرّب كل شيء حتى قرر طلبها للزواج... قصد أهلها وطلبها للزواج فوافق والدها المادي رغم رفضها هي...)
أسبل أهدابه السوداء، يضيف بغضب:
(كما ترين، ليس فقط والدك من يبيع ابنته مقابل الأموال...)
(أبي لا يبيعني! ...)
قاطعته مدافعة بشراسة رغم خفوت نبرتها فتبسم ببرود، يعقب بسخرية: (هل تصدقين قولك حقا؟...)
قطبت حاجبيها لبعضهما، تتراجع في اندفاعها لا جسدها المجاور له فيتجاهل الأمر مسترسلا حديثه السابق: (خلاصة القصة... أنه رماها بعد أن نال ما أراده منها... طلقها ولم يكترث لحملها ... لم يتحمل قلبها وأصيب بضعف ألمّ به بسبب العجز لتلفظ أنفاسها الأخيرة أثناء ولادتي...)
شهقت بإشفاق وحزن، تتأمل إطراقه برأسه يخفي عنها غضبه المظلم، لتستفسر منه ببحة بكاء تلجمها بقوة: (وماذا حدث بعد ذلك؟)
تنهد واستدار مجددا إلى البحر الواسع قبالته، يجيبها ببرود: (لا شيء... جدي المادي رماني حين تأكد بأن والدي العزيز لن يعترف بي رغم وجود الأوراق الرسمية بل وهدده بأن يؤذيه و يُلحقه بابنته إن لم يتراجع... كنت حينها قد بلغت سن العاشرة يتناوب الجيران على رعايتي شفقة باليتيم وحبا بفتاة كانت تودهم وتعاملهم بطيبة... حين طردني جدي من شقته تشاجر معه أهل البناية جميعهم وطالبوه الرجال بإعادتي إلى شقته حتى أنهي دراستي وأتحمل مسؤولة نفسي... ومنهم من كان يقدم له المال كصدقة كفالة يتيم...وما إن تحصلت على شهادة البكلوريا دبر لي أحد جيراننا عملا في مخزن للبضائع ...غادرت شقته وسكنت في شقة مشتركة مع عمال آخرين نتقاسم أجرتها... على الأقل تمكنت من إتمام دراستي الجامعية...)
منح الحاجز ضربتين خفيفتين براحة كفه ثم التفت إليها، يتفقد صمتها وحين لمح دموعها المتحجرة شعر بقلبه ينقبض، فاستدرك بتهكم واجم: (لكن ليس في كلية الشريعة...)
أصدرت شهقة لم تعلم إن كانت ضحكا أم بكاء، تعض شفتها قبل أن تجيبه بضيق: (لم أكمل سنتي الأولى حتى ... قسم اللغات... أنا فاشلة في الدراسة كنت بالكاد أنجح من مستوى إلى آخر...)
رفع حاجبه الأيسر، يشملها بنظرة أخجلتها معقبا بمكر: (على الأقل هناك شيء ما أنت فاشلة فيه...)
ازدرت ريقها وسألته متهربة من شعورها به: (ما هو تخصص دراستك؟)
(القانون...)
عقدت جبينها ودق قلبها رعبا قبل أن ينفجر ضاحكا، يكمل بما جعلها تزفر بطفولية صادقة: (أقصد كلية الحقوق... ما بك فزعتِ هكذا؟... )
(غليظ!)
هتفت، فعقب بتسلية: (أرنبة مذعورة...)
لم تجبه، تجعد جانب شفتيها برفض وانزعاج فهمس لها بتأثر: (أرنبة حمراء جميلة...)
أسبلت أهدابها ورفت بها مرات عدة وقد ألجم لسانها وكأنها تسمع الغزل لأول مرة في حياتها، كل ما ينطق به يطرق سمعها بطريقة مختلفة ومنفردة عن من سواه.
(هل انتهى الحديث العائلي؟)
صاح لؤي من الجانب الآخر حيث يتمركز التجمع الشبابي، يشير لهما ساخرا بالكأس في يده: (انضما إلينا كي نضيفكما فلا تتهماني بالبخل...)
(سمج!)
غمغم ساخطا بما يناقض بسمته المتكلفة، يبسط أمامها ذراعه بلباقة يدعوها لتتقدمه فابتسمت بمرح بينما تطيعه.
مرت الساعات في نوع من العبث من بعض الشباب والملاحقة المستمرة من لؤي لمرجانة مما يثير غضب الزبير العابس طوال الوقت لا يروح عنه سوى حوار جيهان الواعي أما نسرين فاكتفت بنظراتها الحاقدة الشبيهة بخاصة مجرم يخطط لقتل أحدهم.
(هذا ما حدث يا لؤي... العميل لم يكن سوى محتال زور الأوراق وفر من البلاد بالأموال... لا الأرض أضحت لي بشكل قانوني ولا للذي باعها له بنفس الثمن والأوراق المزورة... والمشكلة أن المحتال الحقير هو أيضا لن يستطيع الانتفاع منها لأنه لن يغامر بالعودة إلى البلد مهما حدث... بمجرد أن يضع قدميه على أرض الوطن سيقبض عليه.. فلم نجد أي حل.. ووالدي لا ينسى الأمر بتاتا...يلومني على تسرعي كل يوم...)
جعد لؤي أنفه بامتعاض، يعلق على فضفضة أحد أصدقائه: (إنها صعبة بالفعل... القانون لا يحمي .... أنت تعرف..)..
زفر الشاب ورد عليه بلوم ضجر: (من فضلك!... أعلم وتعلمت الدرس لكن الأرض فعلا كانت تستحق ...)
(هناك من يستطيع إيجاد حل لك...)
تدخلت مرجانة بواجهتها البريئة، تكمل بينما الجميع يصغي إليها بفضول من بينهم زبير الذي عبس باهتمام:
(أعرف محاميا داهية.... قريب لنا من جهة والدتي... سيجد لك ثغرة يجعل بها الأرض ملكا لك على الأقل أمام القانون... أعطيني رقم هاتفك وسأحكي له قصتك وأعطيه رقمك...)
استقام الشاب من وقفته المائلة، يرد عليها بنبرة متأملة: (سأكون شاكرا لكِ... أخبريه أن لا يقلق في ما يخص أتعابه... )
هزت رأسها وسحبت هاتفها، تدون الرقم الذي أملاه عليها فيرمقها لؤي ببسمة خاصة، توحي بغرقه هو الآخر في تأثره بها دون حيلة تنقذه.
(لنرحل مرجانة!... عمي لا يكف عن مهاتفتي...)
زم لؤي شفتيه ممتعضا لتتدخل جيهان برجاء استغربته مرجانة، إذ تعودت الحدة في حديثها مع لؤي طوال الوقت: (من فضلك لؤي... لنعد إلى البر... البرد يشتد والظلام قد حل قبل ساعات...)
هز لؤي رأسه بتفهم رغم وجومه وهتف يبلغ القائد بأمره فعَلت بعض صيحات الاعتراض مما دفع به للضحك، يستطرد بما جعل مرجانة تظن بأن ربما المرات التي لمحته فيها يتحدث مع جيهان قد أصلحت بعضا من علاقتهما المضطربة دوما: (أعتذر يا شباب...لكن الآنسة جيهان طلبت بلطف وأنا لا أستطيع الرفض أمام الجمال المُزدان باللطف...)
زفرت جيهان تمط شفتيها رغم البسمة الملحة عليها، تعقب بيأس: (أنت لا تتغير أبدا...)
فيهز كتفيه، مجيبا بفخر درامي: (لماذا أتغير؟... والجميع يحبني هكذا!)
زفر الزبير بخفوت ساخر بدا أنه وصل للؤي الذي استطرد، يستفسر منه بمزاح ساخر هو الآخر: (هل لديك اعتراض يا سيد زبير البحار؟)
رفع ذراعيه، يستنكر بنفس عرض لؤي الدرامي: (أبدا... لماذا سأعترض؟... سلام يا صاح... سلام..)
نطق آخر كلامه بلهجة أجنبية بينما يرفع إبهاميه، فضحكت جيهان بمرح وإعجاب لتختفي البسمة من على وجه مرجانة التي قالت ببعض الحدة (وصلنا!.. لنغادر...)
(شكرا لك لؤي... وشكرا لأنك احترمت رغبتي ولم تقدم المشروب...)
اعقبت جيهان برقة فرفع يده ينحني قليلا بشكل مسرحي لتقهقه مجددا تتفاجأ بجانب لم تعتد عليه من لؤي.
(أرى أنني يجب أن أذكرك بنصيحتك السابقة!...)
وجهت لها مرجانة الحديث، تدعي القلق ببراءة مزعومة شكلت البسمة المرحة على ثغر الزبير فحمحمت جيهان بينما تسحبها على مهل متلافية لؤي وزبير يتناظران باستخفاف قبل أن يلتفتا إلى نسرين التي تلهو بحقيبة يدها كما تلوي شفتيها بحديثها الخبيث: (أشفق عليكما جدا... فتاة صغيرة بلهاء تلهو بكما...)
ثم نظرت إلى الزبير، تكمل بمكر: (أعذرني بما أنها ابنة عمك لكنها مجرد ماكرة صغيرة... تعرف جيدا كيف تسلب لب الرجال وتعلقهم بحبائلها... )
ثم تنهدت، تلوح لهما بسخرية من نظراتهما الباردة: (شكرا على الجولة الجميلة... إلى اللقاء...)
تركتهما ينظران في أثرها، كل واحد منهما بشعور مختلف وحين زفر لؤي تنبّه الزبير وقرر استغلال الموقف، يحذره بنبرة هادئة مهددة:
(لن أنزل إلى مستوى الفتيات الغيورات لذا لن أحاسب تلك الشقراء على ما قالته لكن حذاري يا سيد لؤي... ابنة عمي خط أحمر ولن أضيف كلمة أخرى...)
وخطا يتجاوزه دون أن يمنح له مساحة للرد.
(استغربت تغيركِ نحو لؤي)
بادرتها مرجانة وقد عبرتا إلى الرصيف فرد عليها جيهان مفسرة:
( تحدثنا عن اليخت وتشعب بنا الموضوع لأمور عديدة فلاحظت كم يجمعنا من اهتمامات لذا تجرأت وطلبت منه عدم تقديم الخمر وفي الحقيقة فاجأني باستجابته ... لكن هذا لا يمنع أنه شاب لعوب لا أثق به...)
(لكن تثقين بالزبير؟..)
لم تعلم بأن لسانها قد خانها بما في قلبها حتى لمحت تفاجؤ جيهان التي تدقق في وجهها قبل أن تضحك ذاهلة بينما تسألها:
(هل تغارين على ابن عمك؟... هو يستحق حقا...)
رفت برموشها، تناظر استرسالها في الضحك بعبوس حتى انضم إليهما زبير، فتمالكت جيهان نفسها تتنهد بمرح ثم أشارت لهما مودعة: (سعيدة برؤيتكما اليوم... أتمنى أن لا تكون آخر مرة... إلى اللقاء...)
شيعت مرجانة مغادرة جيهان بنفس نظراتها العابسة والتي تضاعفت حين لمحت تحديق زبير بها هو الآخر، فتأففت ثم هتفت بسخط: (هات مفتاح السيارة...)
التفت إليها رافعا حاجبه الأيسر وتقدمها دون رد لتلحق به، تضرب الأرض بعصبية: (لا تتجاهلني... هات المفتاح أريد قيادة سيارتي...)
ضغط على شفتيه بضيق وألقى إليها بالمفتاح ثم سار إلى الجهة الأخرى يفتح الباب ليحتل المقعد بصمت.
انطلقت تشاركه الصمت حتى نفد صبرها فسحبت شيئا ما ألقت به على حجره، تفقده فالتقت إليها يحدثها برفض: (لماذا سرقتِ جيهان؟.... هذا سوارها ...)
عاد كل غضبها مرة واحدة والغيرة تحرق صدرها بالكامل: (ولم لا؟... ما الفرق بينها وبين نسرين أو لؤي؟)
فتح فمه ليرد عليها لكنه عاد يسكت لسانه، باحثا عن كل ذرة صبر في جسده يستجمعها ليهدئ نفسه: (ظننت أنها صديقتك... ظننت!)
صرح بنبرة أقرب للخفوت ثم أضاف بوجوم: (انسي الأمر!)
أزعجها رد فعله رغم التقاطها لشيء ما آخر غير ما يثير غيرتها فاستفسرت منه بخفوت: (ماذا ظننت؟)
تأمل الشارع تحت الإنارة الليلية وقليل من الناس ينتشرون على الأرصفة، يهرولون فرارا من البرد ليلوذوا بدفء بيوتهم إن كانت لهم بيوتا دافئة من الأصل!
(ألا صديقة لديك؟)
(ها؟)
التفتت إليه وفقدت زمام المقود لوهلة خاطفة، فصاح بها: (احذري!)
ازدردت ريقها تمسك بالمقود جيدا وصمتت لمدة طويلة حتى ظنها لن ترد عليه فتحدثت ببرود غلف ملامحها قبل صوتها: (لا!... القاعدة الأولى...لا تورط للمشاعر... لا أصدقاء ... لا علاقات إنسانية... لا حب... لا شيء.. لأننا في يوم ما سنستيقظ على حقائبنا المُعدة للرحيل...)
طعنة أليمة تلك التي شعر بها في صلب قلبه وهو الذي ظن بأنه بائس!
(جميع من حولنا يعدّون خطرا علينا لأننا نعيش على الأخذ منهم رغما عنهم...)
نظر إليها يعقد جبينه بينما يعقب بحيرة: (لماذا إذن تعيشين هكذا؟... ما الذي يجبرك على العيش في غربة كالجحيم؟...لا ثقة.. لا علاقات إنسانية؟...لا استقرار؟... لا شيء سوى الخطر الذي يحوم حولك في كل لحظة...)
تشكلت المرارة في فمها تبلعها مع قلة حيلتها، فتهز رأسها مجيبة ببساطة تذبحه من شدة اليأس فيها: (أنا هكذا...كبرت هكذا... ولا أعلم كيف أعيش كما تقول؟...)
تنهد يريح رأسه على مسند المقعد يفكر ثم طلب منها بجدية: (أريد لقاءا مع من يزور لكم الأوراق الرسمية...)
لم تتفاجأ، تجيبه بإقرار: (كنت أعلم بأنك ستطلب هذا .... نظراتك على اليخت تدل على اهتمامك بالموضوع... لكن يجب أن أعلم السبب؟)
لمح الطريق الذي تسلكه فقال لها بحزم: (لا... لنذهب إلى حيكُم... سأستقل قطار المدينة من هناك...)
(لماذا؟ ... أوصلك وأعود إلى البيت...)
(افعلي ما أقوله لك دون نقاش لمرة واحدة...)
رد بعصبية رغم صوته المحافظ على هدوئه الجامد فانزعجت تستنكر:
(لماذا لا أناقش؟... أريد أن أفهم...)
حينها زفر بقنوط وفسر لها بجفاء، يوجه إليها سهاما حادة من ليليه البهيم:
( تريدين أن تفهمي؟... حسنا... لأنك فتاة ولا يصح أن تُقلي بغلا في مثل حجمي وعمري إلى بيته ثم تعودين نصف المدينة الكبرى تعبرين شوارعها لوحدك قبل منتصف الليل بقليل ... هل فهمتِ الآن؟)
انفجرت ضاحكة، تعقب بمرح مبهج أثلج صدره: (بغل في مثل حجمك!...)
ليومئ برأسه يأسا من شخصيتها المتناقضة، المثيرة للجنون: (لم تسمعي من الحديث كله سوى كلمة بغل!)
تمالكت نفسها بمشقة ثم قالت بتأثر بعد لحظات من الصمت: (اعتدت على الاعتماد على نفسي... لا تقلق علي...)
لقد وقع وفات الأوان على نصائحها، فكر بسخرية بينما يقول بنبرة مكتومة:
(أحتاج لبطاقتين لدخول ناد ليلي خاص... كما أريد تزوير ورقة تخص الجمارك أدسها لهدفي في ملف داخل محفظة لا تفارقه... ربما... بعدها قد أتوقف عن السرقة نهائيا...)
انقبض قلبها من طريقة تحدثه فالتفتت إليه، تبحث بين ملامحه عن مأربها بيْد أن نور السيارة الخافت يتآمر مع ظلمة الليل في عينيه، يسدلان الحجاب بينهما فلا تصل إلى مبتغاها.
(ستتوقف حقا!)
كانا قد بلغا أعتاب الحي فأشار لها لتهدئ من سرعة السيارة، يجيبها بتحفظ محبط: (سأتوقف لأتحرر أخيرا...)
أغلق الباب وانحنى ليضيف بملامح جامدة، تحكي عن الكثير مما لجم لسانه عن البوح به: (كوني جاهزة غدا سنقصد البنك الدولي ...)
فغرت فمها بذهول فضحك ببرود، يكمل ساخرا: (لا تفزعي لن نسرق البنك... سنستغل مهارات خفة يديك... بما أن المدير من النوع الذي يسيل لعابه على جنس النساء... كل ما نحتاجه حافظته الصغيرة...أما العملية الأهم فحين يحضر الهدف إلى المدينة...)
ارتخت ملامحها وأومأت فلوح لها مغادرا: (سلام....)
استنشقت الهواء وأخرجته بقوة قبل أن تغطي شعرها بطرحة العباءة الكبيرة وانطلقت بسيارتها لتعبر بوابة الحي.

《《《حاليا》》》
(وهل وافق والدك ليكشف نفسه كمزور أمامه؟)
سألتها وداد، مستندة بكلا مرفقيها على المائدة الفاصلة بينها وبين مضيفيها الباسمين بوجوم:
(طبعا لا... رفض بشدة وأخبرني بأنني سأكون الواسطة بينهما أبلغه بما يريده وأسلمه له بعد أن ينتهي منه...)
ردت عليهت بشرود حزين التمست به وداد بعض اليأس والخيبة فتحدثت مجددا، تسألها لتثير انتباهها:
(وماذا حدث بعد ذلك؟)
نظرت إلى زوجها الذي لوى شفتيه بجفاء اسود له وجهه بالكامل فأكملت بفتور: (قصدنا البنك متأنقة كالعادة... أطعتُ تعليماته وقد كان حافظا لمواعيد المدير وكل تحركاته ... دخلت المصعد الخاص بالموظفين في الوقت الذي أشار إليه فلم أجد به سوى رجل واحد سريعا ما زاغت عينيه لحضوري وبالفعل كان كما وصفه ولم أحتج سوى لادعاء بالتعثر كي اصطدم به وحصلت على حافظة نقوده...)
انتفض الزبير قائما فنظرتا إليه يحك خلف رأسه، نظراته مظلمة وملامحه عابسة بائسة، يبرر باقتضاب قبل أن ينسحب: (سأضيّف حارسك الشخصي... زوجتي ستكمل الحكاية... عن اذنكما...)
غادر أمام نظراتهما الملاحقة به، وداد باستغراب وزوجته بالندم المشوب بحزن: (اعذريه سيدة وداد...كلانا نحاول نسيان تلك المرحلة من حياتنا.. وحين كان علي الندم على ظلمي لنفسي هو لا يستطيع نسيان كونه دفع بي لأغرر برجلين كي يحقق انتقامه... كلما التزم وتعمق في علاقته مع ربنا كلما شعر بالحزن أكثر والندم والخزي من فعلته... )
قطبت وداد والاستغراب لا يفارق ملامحها الهادئة فتبسمت مرجانة بينما تعقب بوجوم: (تستغربين كيف لواحدة مثلي أن تكون على معرفة بربنا... وتتحجب وتستقيم؟....)
سؤالها المرير دفع بوداد كي تتخلص من حالتها تلك، تلوح بكفها نافية:
(لا... أبدا!... بالعكس سيدتي... لقد رأيت في حياتي بحُكم عملي أنواعا من المذنبين بمختلف الظروف التي دفعت بهم لاقتراف الجرائم والمعاصي... أعلم حقيقة أن لا مبرر لأفعالهم ولا يجوز أصلا التبرير لجريمة ما أو معصية... لكن ما أعلمه يقينا أن كل إنسان يحظى بفرص ليستقيم ويعود إلى طريق الحق مهما حاد عنه... وأنت سيدتي مع زوجك استغليتما إحدى فرصكما وحاولتما ولازلتما صامدين تحاولان العيش في استقامة... في الوقت الذي هناك غيركما من لا يكترث ومصر على ظلمه...)
رفعت إصبع سبابة يدها اليسرى لتمسح طرف عينيها قبل أن تستقيم بظهرها، تسترجع واجهتها اللبقة وتعبر عن تأثرها وامتنانها: (ما لا يعلمه زوجي أنني أشد ندما منه ولوم نفسي لا يفارقني كل لحظة ...لا أمنحها عذرا حتى لو حاول إقناعي مرات ومرات بأن اللوم يقع أولا على والداي...لكنني تعودت على اتخاذ الأقنعة ربما هذا ما لم أستطع تغييره، فغيرت نوعها لأنها تفيدني... لو لم أتخذ قناع النسيان قرب زوجي في كثير من الأحيان في الحاضر لتدمرت نفسيته بالندم ولوم الذات...)
وجمت وداد تومئ لها بحزن وإشفاق، يذكرها الموقف بحديث سمعته من فقيه رباني من قبل أن العاصي يستحق الشفقة أولا والدعاء له بالهداية ثانيا ثم الحمد والشكر لأن الله حفظها مما ابتلى بها غيرها، تعلمت أن المذنب له طريقين كل واحد منهما أصعب من الآخر، إما الإصرار على ظلمه حتى يخطفه الموت على حين غفلة ليواجه عقابه الأبدي أو يستيقظ بفعل ضربة قوية أو خفيفة لا يهم حقا المهم أن يستيقظ ضميره وكل ما فيه فيعيش بين رجاء بالله ليغفر له وندم، ندم صعب ومعذب، يقتات على الأحشاء مهما قرأ بأن الله غفور رحيم لا يسمح لنفسه سوى برؤية أن الله شديد العقاب.
بالنسبة لها كوداد الإنسانة والصحفية تغيرت كليا نظرتها نحو الظالمين والمظلومين عموما، فالحقيقة أن الله ليس بظلام للعبيد ولا يظلم مثقال ذرة لذا كان على كل ظالم أن يحذر غضب الله وعلى كل مظلوم أن يلوم نفسه أولا قبل أن يبحث لنفسه عن القصاص!
(سأكمل القصة عندما قصدنا النادي الليلي... لحد الآن أستغرب سرعة الأحداث...)
أجفلتها نبرتها الفاترة فرفعت أنظارها إلى وجهها الشارد، يسكنه الحزن حوله الكثير من المشاعر الكئيبة مع استغراب قرر عدم المضي قُدما مهما مرت السنون وتغيرت الأحوال: (حين أسترجع شريط حياتي الماضية أشعر بأن كل سنوات نشأتي الطويلة عبارة عن أيام قليلة عشتها في خوف دائم وحرص مزعج وتخطيط مستمر بينما الفترة القصيرة التي تعرفت فيها على الزبير وحدث ما حدث شعرته كعهد طويل لا نهاية له.... فيه تغيرت جميع موازين حياتي... والأهم تعلمت فيه درس حياتي...)
ثم ارتفع دقنها واتسعت نظراتها باكتشاف لا يكل يفاجئها: (يظن البعض أن التغيير يحتاج إلى مدة طويلة... وما تعلمته أنا أن التقلب من حال إلى حال يحدث في رمشة عين لا يدرك المرء موعدها بالتدقيق... هكذا!)
رفعت كفها بالحركة الشهيرة التي تصدر فرقعة خفيفة باصبعبها، تؤكد على قولها:
(في لحظة يتغير كل شيء...)

🌹🌹🌹🌹يتبع



noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 18-10-22 الساعة 10:06 AM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 29-10-20, 11:55 PM   #32

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي


《《《الماضي》》》

(لا تنزعي السماعة من أذنك مهما حدث... )
يحذرها للمرة المئة فتعبس في وجهه من توتره غير المعتاد، جسده متصلب داخل بدلته السوداء اللامعة كلمعة الحماس الممتزج بالعصبية والبرودة داخل عينيه، مزيج غريب ومثير للدهشة.
(اهدأ زبير لا توترني...)
نطقت بضيق وهي تتطلع إلى انعكاسها على مرآة صغيرة ثم زمت شفتيها تلمسهما لتتأكد من توزيع الطلاء عليهما ليفتح فمه ببلاهة من حركاتها المستفزة تلك يهتف بحنق: (يكفي أنوار أنت مستعدة!...)
انتفضت تحدق به للحظة بصدمة وبعض الحيرة قبل أن تغلق المرآة بعنف، تجيبه بتهديد: (اسمي مرجانة!... ولا تصرخ بي مرة أخرى!...)
لمح إصبع سبابتها ذو الظفر الطويل المصبوغ بالأحمر والمزين بخاتم كسلسال رقيق جدا فتأفف، يكاد ينفجر من تناقض ما يشعر به وفر منها مترجلا من السيارة التي قررا ركنها في الشارع الخلفي.
عقدت جبينها تفكر في ما يحدث معه وهزت كتفيها بجهل لتلتقط حقيبتها مربعة الشكل، زرقاء كفستانها الأزرق بفتحة عنق مثلثة يزين عنقها طوق ذهبي على شكل حلقات صغيرة، طول فستان السهرة ينتهي قبل ركبتيها بسنتيمترات مستفزة لأعصابه الثائرة غضبا وحتقارا لنفسه يكاد يتراجع كل حين.
مسدت على ثوبها ورفعت يديها تسوي موجات خصلاتها، فهتف مجددا بضيق: (لا تفارقي!)
(السماعة! ... ولا أتصرف من نفسي أي كان السبب.. يا إلهي زبير أنا مللت!...)
قاطعته بنزق فقبض على رسغها، يرمقها بغضب اسودت له عينيه أكثر من سوادها العادي فتجمدت بخوف بينما يسحبها لتتأبط ذراعه يحثها على التقدم نحو هدفهما.
رفع البطاقتين بإهمال كدلالة على تعوده في وجه أحد حراس البوابة المؤدية إلى عالم سفلي بالمعنى الحرفي، نقلهما إليه مصعد هبط بهما إلى طابق تحت أرضي حيث مساحة شاسعة مقسمة إلى شبه غرف صغيرة تضمن الخصوصية لمرتاديها يفصل بينها حواجز من البلور الرمادي، مفتوحة على ساحة للرقص أمام فرقة موسيقية تعزف خلف مغنية مشهورة، تغني بفم مفتوح من الأذن إلى الأذن بينما تتحرك بين رجلين من الرواد، ينهشان ما تستعرضه بنظراتهما الفجة الطامعة تماما كما تنهش هي أموالهما التي يرميانها فوق رأسها ببذخ فاحش.
(إنه على يسارك ...يتوسط امرأتين...)
همس لها وهما على عتبة المدخل فنظرت يسارها ثم عادت، تهمس له بسخرية: (الجميع هنا يتوسط النساء ...من منهم تحديدا؟...)
رمقها بحنق، يحثها على السير إلى الجهة المقابلة ثم أشار لها لتجلس وجلس جوارها على الأريكة الجلدية الملتفة حول طاولة مستطيلة: (هذا الذي قبالتك بالضبط...)
رفعت مرجانة رأسها لتنظر حيث أخبرها فتجمدت للحظة تفكر في أنها جُنت، فالرجل قبالتها مباشرة نسخة مطابقة عن الزبير، نسخة أكبر بأكثر من عشرين سنة، الآن تعلم كيف سيكون الزبير حين يتعدى الخمسين: (هل هذا والدك؟)
تجمدت مقلتاه السوداوين، يلتقط قنينة الماء ليشرب منها فعادت لتحدق بالرجل تتفحص تفاصيله، كل ما فيه يشبه الزبير، شعره الأسود عينيه المظلمتين الواسعتين وحتى عرض وجهه باستثناء جسده المائل للسمنة.
بدلته التي نزع سترتها بنية أما القميص فأبيض بخطوط بنية، فتح أول زرين من أزرارها ورفع كميها قليلا.
تتبعت ملامحه الشبيهة بملامح الزبير حتى وصلت مقلتيه فانتفضت تحت حصار ظلمتيه العابثتين، يتأملها بعبث وتسلية: (يعععع!... هذا مقرف!)
همست لزبير فنظر إليها باستفسار، يحرص على إبقاء جانب وجهه متواريا عنه، فردت عليه بنبرة مشمئزة لم تنعكس ملامحها على وجهها الجامد: (والدك... يتأملني بعبث وأنا أشعر بالقرف... لماذا لم تخبرني بأن الهدف هو والدك؟)
(وهل يهم؟)
عقب بسخرية، فهمست من بين فكيها المطبقين، خلف شفتين منبسطتين في بسمة متكلفة: (طبعا يهم... كنت سأعِد نفسي لتحمل كم القرف الذي أشعر به الآن..)
تأملها قليلا حتى أربكها ثم قال لها باسما بتشفي: (تخيلي ما سيحدث معه بعد أن أحقق انتقامي وسيضمحل قرفك أمام نشوة الانتصار...)
(ما زلتُ على رأي... أنت تلعب بالنار... الرجل تردد كثيرا قبل أن يزور توقيع المسؤول الإداري في الجمارك... لحسن حظك أنه يحب المال أكثر من سلامته الشخصية...)
ضاقت عيناه، يعلق على قولها بسخرية كست معالم وجهه: (لماذا أشعر بأنني أعرف هذا المحب للمال أكثر من سلامته الشخصية والأسرية؟)
لم تنكر، تجيبه بجفاء تشبع به صوتها الهامس وقناع الدلال لا يفارق وجهها: ( وكأنك أفضل منه... )
زفر من فتحتي أنفه فخطفت نظرة أخرى نحو الرجل الذي بدا أنه وقع في شباكها: (يععععع!.... لقد وقع في المصيدة...)
أسبل أهدابه كعادته حين يرخي الستارة المستفزة عليهما، يخفي عنها أفكاره ومشاعره الغامضة فاستدركت برغبة قاتلة لتستفزه بدورها: (هل أقوم للرقص قليلا حتى يلحق بي؟...)
تحولت بسمتها المزيفة إلى حقيقية ظافرة حين هدر بنبرة مكتومة، يناظرها بتهديد حاد: (ابقي مكانك ولا تتحركي... سيأتي إليك لا تتعبي نفسك بالرقص...)
مطّت شفتيها تلهو بحبات الفستق على طبق بينهما ثم ردت عليه بلهجة هازئة: (لا أعرف الرقص على أي حال.... لذا سأنتظر... لنرى مدى صحة قولك...)
هم بالقيام فعبست بتساؤل قلق ليجيبها ساخرا : (سأغيب في الحمام كي يأتي إليك.... احذري وتيقظي جيدا...)
شيعت ابتعاده بعبوس واجم ثم نظرت نحو المغنية تتابعها كيف تشعل لهيب من يتحلقون حولها كضباع مفترسة ذوي مظاهر بشعة بسرابيلهم المجعدة، ضائعين بسكرهم، فتهمس بتهكم: (أغبياء!.. ستقضي على كل ما بأرصدتكم مع حلول نهاية السهرة...)
أجفلت على جلوس أحدهم جوارها، فالتفتت إليه تتفاجأ به يقترب منها أكثر على الأريكة الجلدية، يبادرها بنظرات خبيثة: (كيف لشخص عاقل أن يترك أميرة فاتنة مثلك؟)
عاودها شعور الغثيان يتصاعد مع حلقها، تستعجب ذلك الشعور إذ
أنها لم يسبق أن أحست بشيء نحو أحد ضحاياها. كل شيء تغير بعد دخول زبير إلى حياتها ومشاعرها أضحت متورطة وبشكل غير مقبول، لا عجب أن نظرات والدها إليها مؤخرا مشبعة بالتحذير والتهديد.
(هل تشعرين بالوحدة يا جميلة؟)
مسدت على جانب أنفها بسبابتها ترميه بنظرات خالية من أي تعبير محدد حتى لمحت خيال الزبير عند عتبة المدخل، يرسل إليها بعينيه كل المعاني فتنهدت تدير نفسها إلى الرجل المخمور لتجيبه بدلال:
(وكيف علمت بذلك يا ..... ما اسمك؟)
ثم ضحكت بنعومة تأثر بها الرجل وسال لعابه يزدرده بينما يرمقها بفجاحة ومرح سمج: (اسمي كملامحي ...جمال ... وأنت يا فاتنة؟...)
ضحكت مرة أخرى، تلوح بكفها بعبث: (قلتَه مرتين... اسمي فاتن يا جمال...)
قهقه الرجل بصخب وصاح ينادي على النادل: (هات الشراب هنا يا ولد.... املأ هذه الطاولة لفاتنة جمال...)
ثم انقض على كفها يقبل ظهره مضيفا بمكر: (كنت أشعر بأن ليلتي مختلفة... لم لا ترقصين لي قليلا يا فاتنة جمال؟...)
بلعت ريقها ومعه قرفها، تبتسم له بإغواء مزعوم: (لا يا حبيبي أنا لا أرقص لأحد ... إن أردت راقصة انضم للملتفين حول المغنية والساحة أيضا مليئة بالراقصات ....)
مسح جانب شفتيه بإبهامه، يجيبها بينما يحاوطها بنظرات واضحة المعنى: (يكفيني أن أكون حبيبك ليذهب الرقص إلى الجحيم...)
صدرت عنها ضحكة عالية رافقتها بضربة على كتفه فحاول الامساك بيدها لكنها فرت بها سريعا، تقول له: (أين ألقيت بسترتك يا ... جمال؟... أم أنك حضرت بقميصك هذا؟...)
عقد الرجل جبينه قليلا ثم تلفت حوله وعاد إليها رافعا اصبعه بنفس الملامح الضاحكة بعبث: (عن اذنك دقيقة... بل أقل من ذلك .. أجمع أغراضي من على تلك الطاولة وأعود...)
هزت رأسها، تمنحه الرد مرافقا بنظرات متسلية: (وأنا في انتظارك... لا تتأخر علي كي لا أشعر بالوحدة...)
سحب يدها ليوقفها يطلب منها بنظرات ثملة : (رافقيني إلى الطاولة الأخرى نحضِر السترة ونعود معا..)
جذبت يدها، ترفض بدلال بينما تهز كتفيها بغنج: (لا يا حبيبي ... أنا لا أذهب لأي مكان... بل أنتظرك حتى تعود..)
مسح على صدره يتنهد بحسرة: (حسنا سأعود بسرعة...)
وكما قال أحضر سترته بسرعة، متلافيا من كانتا مرافقتيه قبل قليل، يتميزن غيظا بينما تراقبانه يدللها ويملأ المائدة بالطعام والشراب: (لماذا لا تشربين يا فاتنة جمال؟)
اقترب مجددا منها فكتمت شهقة استفراغ بمشقة وقد أثارت رائحة الخمر المختلطة بشتى أنواع الروائح من الدخان والعطور الرجالية والنسائية غثيانها حتى أن بعض التشوش يمنعها عن التركيز وسط صخب الموسيقى الجامح.
لطالما كانت بارعة في ما تفعله، تخطط بذكاء وتنفذ بدهاء لكنها لم تعمل في وسطٍ كالذي تجلس فيه الآن من قبل، وضعُ عائلتها كأسرة ميسورة مفترضة ذات اسم ونسب عريق تفرض عليهم التقيد بالحدود، فكان والديها يحرصان على التنبيه عليها بقوانين لا تغادر عقلها بتاتا.
ممنوع شرب الخمر أو المخدرات لأنهم يذهبون بالعقل والعقل أهَم عامل وأساس في حرفتهم الخطرة.
ممنوع الخوض في علاقات محرمة، فتجلب على نفسها سمعة سيئة بينما هناك حيل وخطط للإيقاع بالجنس الآخر دون التمادي للفضائح.
كل شيء ممنوع في أسرتهم له أساسيات، يحرص والدها على تلقينه لهم وكان هذا الظرف استثناء قبِل به والدها بسبب المبلغ الذي وعدها به الزبير، حين أخبرته به طار عقله.
أجل ... لطالما كان والدها ضعيفا أمام الأموال.
(أنا أثمل من كأس واحد لذا أشرب على مهلي..)
ثم ربتت على كفه بعد أن مالت على سترته تتابع: (سأذهب إلى الحمام قليلا...)
قبض على رسغها بقوة آلمتها، يأمرها بحدة لم يتحكم بها بسبب فقدانه لاتزانه: (لنذهب إلى شقتي وخذي راحتك هناك...)
تشنجت ملامحها ومقلتيها تطرفان نحو خياله المتحفز فترخيها رغما عنها تضحك بتكلف لم يلاحظه بينما توافقه بمكر: (حسنا يا جمال... سأرافقك لكن يجب أن أذهب للحمام حالا...)
ارتفع حاجباه يحاول التركيز على وجهها فحثته على ترك معصمها بقولها الناعم: (دقائق فقط ثم نغادر الى أي مكان تريده...انتظرني هنا ولا تذهب إلى أي مكان...)
أطلق سراحها أخيرا ليرفع كأس الخمر، يهتف برضى: (حسنا... لن أتحرك من هنا حتى تعودي...)
وانطلقت تترك المكان بسرعة، غافلة عن نظراتٍ مصعوقة تلحق بها من بعيد:
(خذ!.. هذه الحافظة.... والدك رجل ثقيل الدم... أوووف!)
لم يجبها، يتفقد ما يهمه بلهفة وهما منزويان قرب السلم المؤدي الى رواق الحمامات: (جيد لقد وجدته...)
هتف بظفر فتطلعت إلى ما يرفعه أمام عينيه يتفحصه، مفتاح صغير غريب الشكل وبطاقة صغيرة ذهبية اللون: (حان وقت الخطة الثانية... هيا بنا!...)
(لا انتظر!... )
نظر إليها باستفسار حائر، قابلته برجاء محرج: (الحمام ... من فضلك... لدقيقة فقط...)
زفر، يومئ لها بلا معنى وعاد يتفقد الحافظة.
أسرعت تقضي حاجها ووقفت أمام المرآة، تعيد تزيين وجهها بعد أن نثرت عليه بعض المياه لتتخلص من الشعور الجاثم على صدرها: (من أنت يا فتاة؟)
رفت بجفنيها تتلبس قناع الصلابة تلقائيا، تناظر انعكاس المرأة التي تذكرتها على طاولة جمال قبل أن يهملها ومرافقتها ليهتم بها.
(وبماذا يهمك من أكون؟)
ثم أغلقت علبة الزينة بطريقة مستفزة لتدسها داخل حقيبتها واستدارت إليها، تكمل قبالة ملامحها الجامدة بحذر وتهديد يبدو أنها كانت ستلقي به في وجهها : (ما يهمك هو زبونك الثري ... لذا لا تقلقي أنا مغادرة... فلست بائعة هوى...)
كانت على وشك تجاوزها حين منحتها ردها المفعم بالسخرية والمهانة:
(ماذا تكونين إذن؟... فلباسك هذا وجلوسك معه بتلك الطريقة كما وقوفك مع الشاب الذي دخلت معه قبل قليل وفي مكان كهذا... كل ذلك يا عزيزتي من صفات بائعة هوى محترفة!...)
(اخرسي!)
استنكرت مرجانة بذهول غاضب فتبسمت المرأة ذات الشعر الأحمر الطويل والفستان الذي لا يختلف كثيرا عن فستان الأولى إلا بسنتمترات أخرى مبتورة، متشفية تكمل بسخرية مستفزة: (هل جرحت إحساسك المرهف يا فاتن؟... عذرا فأنا تجاوزت مرحلة تسمية الأشياء بغير اسمها فقط لأمنح ضميري ليلة نوم هانئة... أعلم جيدا ما أنا عليه وما ينتظرني... )
ثم ربتت على كتفها بتهكم، تضيف: (سريعا ما ستبلغين تلك المرحلة ... وحينها سيسقط قناع التكبر الصلف هذا من على وجهك ال.... فاتن ... يا فاتن...)
تجمدت مرجانة، تحدق بالمرأة الباسمة بسخرية تفكر في قولها الغريب بل وفي ما حركه داخلها. ما يحدث معها مؤخرا غريب جدا! كل شيء غريب يخيفها ويحمسها في نفس الوقت.
(مرجانة!)
دقات على الباب تلاه صوت الزبير الخافت فضحكت المرأة بعبث، تغمزها بتهكم: (تشرفنا يا مرجانة... فاتن ومرجانة... وتقولين لست ببائعة الهوى... وماذا تكونين إذن؟)
رفعت مرجانة حاجبها بتفكير غامض تحول إلى وجوم متقن مقنن ببراءة طفولية مقنعة حد الصدمة: (اسمي ياسمين... والشاب خارجا يطاردني منذ مدة وآخر مرة وعدني بمبلغ كبير إن رافقته ليلة واحدة فقط... الشيطان أغواني ووافقت... طلب مني انتظاره لأن لديه حاجة ملحة يجب أن ينصرف إليها... لذا انتظرته وحين جاء إلي زبونك سايرته لأنه بدا رجلا ثريا وله مكانته ...فخشيت أن يطردوني لو أغضبته..).
لمعت مقلتاها فرقت ملامح المرأة، تتابع قولها المسترسل باهتمام: (انا فتاة فقيرة ابنة أناس طيبين عاديين جدا... لا أبحث عن المشاكل ولا أستطيع تحميلها لأهلي... حتى هذا الفستان والعقد وكل شيء .. الشاب من اشتراه لي... وأوهمت أهلي أنني سأقضي ليلتي عند صديقتي وأنا حاليا بعد كلامك المهين استعدت رشدي و أفكر في كيفية الهروب منه بعد أن نخرج من هنا...لا أريد ماله فقط أريد العودة إلى منزل أهلي...)
سالت دمعاتها، تقلب شفتها السفلى فاقتربت منها المرأة تضم كتفيها بحنو تهادنها بالقول المشفق: (لا بأس... لا تبكي ..أنا آسفة... أنظري إلي..)
أطاعتها، تشهق بخفة كطفلة صغيرة مغلوب على أمرها تنظر إليها بينما تسحب أوراقا مالية من حقيبتها تستدرك بلطف: (خذي ... لا تخجلي...)
(لا.. أنا...)
غمغمت برفض واهم فحثتها المرأة وهي تدس لها المال داخل قبضتها، تحذرها بحزم: (أخرجي حالا واركبي أول سيارة أجرة الى بيت أهلك مباشرة... ولا تعيدي الكرة مرة أخرى... تبدو عليك السذاجة وقلة الخبرة... من يدخل هذا العالم يخسر كل شيء فلا تخسري ما لا يمكنك استعادته إلا بفقدان روحك...)
أومأت لها مرجانة بتفهم ظاهري باطنه استغراب عميق، لثاني مرة تقف موقفا عظيما يعجز فكرها عن الاستيعاب أمامه تماما كما حدث مع جارتهم حكيمة حين قدّمت لها هديتها مع أنها لطالما خدعت غيرهما ومضت في طريقها دون أن تلتفت خلفها.
(سأقوم بإلهاء الشاب قليلا... فلا تتأخري...)
(شكرا لك...)
ضمتها، تكمل مسرحياتها ثم استطردت كأنها توصيها بجدية:
(ذاك الرجل جمال... أخّريه ما استطعتِ كي يفرغ جيوبه بأكملها... أخبرني قبل قليل عن عشقه للنساء المتمنعات... تدللي عليه كي تحصلي على كل فلس تستحقينه...)
ضحكت المرأة بيأس وربتت على كتفها، تقول لها وهي تنصرف: (فتاة ماكرة أنت... حسنا سأعمل بنصيحتك... إلى اللقاء..)
استلت الهاتف بسرعة، تبعث برسالة إلى الذي استغرب بداية حصار المرأة ليسايرها بعد رسالة مرجانة علّه يتخلص منها.
(أنا هنا...)
نادت عليه قرب مخرج النادي الليلي فاستدار إليها لتنضم إليه، يكملان طريقهما: (ما حكاية تلك المرأة؟...)
سألها بعدم تركيز، يتأمل الحارس الشخصي لوالده وسائق السيارة، فردت عليه بسخرية لم تلامس عمق مقلتيها التائهتين: (ظنت بأنني بائعة هوى مثلها أتطاول على مساحتها الخاصة لتسرق زبائنها...)
انحسرت خطواته قريبا من الرجلين، يدير جسده إليها يستفسر منها بفضول مصحوب بنفاد صبر: (وماذا فعلتِ لتدفعي بها إلى تخليصك من الشاب الظالم الذي هو أنا؟)
ضحكت تلهو بحاجبيها بينما تمنحه الرد بلهجة متسلية: (هل تشك في قدراتي... يا ...ظالم؟ ... هذا المال يؤكد لك مهارتي... )
قطب جبينه، يحدق بالأوراق المالية فأضافت ساخرة: (إنه مال بائعة الهوى.... تريد إنقاذي من الوقوع في المستنقع الذي وقعت فيه... هي أيضا لديها مبادئ... )
مط شفتيه، يتأفف ثم قال لها بجدية متجاوزا الأمر كله: (حسنا...هل نراجع الخطة؟)
(لا! أتوسل إليك... لقد حفظتها بحياتي... أين علب العصير؟)
رفع كفيه بعلبتي عصير وأعطاها البطاقة الذهبية والمفتاح، فأمسكت بهم وتركته بعد أن نطقت باستخفاف: (استرخي... الخدمة كقطعة حلوى...)
مسد جبينه وابتعد قليلا، يراقب من بعيد.
حملتها أقدامها المكسووين بحذاء أسود يتلألأ بزرقة جذابة عالي الكعب طبعا ثم جسدت وقفة أنيقة تنحني قليلا لتحدثهما عبر النافذة باستخفاف مشبع بدلال ناعم: (هل أنتما ياسين وزيد؟...)
نظرا إليها بحذر متيقظ فتبسمت برقة مزعومة بينما تكمل بنفس اللهجة المطعمة بدلال: (السيد جمال أرسلني إليكما بهذه وقال رزمتين...)
تناظرا الرجلان بضجر يائس ثم التقط منها الحارس البطاقة والمفتاح واستدار بنصف جسده ليسحب حقيبة متوسطة من الخلف، يمرر على مقدمتها تلك البطاقة ففُتحت بشكل آلي ليستعمل المفتاح داخلها قبل أن يسحب منها رزمتين كما طلبت، يقدمهما لها.
تسلمت منهما الرزمتين، تبتسم لهما شاكرة بنعومة وحين همت بالعودة، ادعت التذكر وشهقت تغطي فمها بشكل استعراضي سلب انتباههما رغم مقاومتهما النظر إليها بشكل مباشر: (نسيت البطاقة والمفتاح... لقد أكدّ علي وألح بإعادتهما إليه ... يا إلهي كنت سأنسى!...)
أعطاها الرجل البطاقة والمفتاح فتلقفتهما منه ومدت لهما يدها بعلبتي العصير، تستدرك بلطف ناعم: (اقترحتُ إحضار مشروب لكما لكن جمال قال بأنكما لا تشربان أثناء العمل...)
(ولا خارجه!...)
هتف الرجل خلف المقود بعبوس جاف فهزت كتفيها، تكمل بعدم اكتراث: (لا يهم ...أرسل إليكما العصير... وداعا...)
ألقت العلبتين في حجر الحارس واستدارت، تمشي بميوعة حتى دخلت النادي فتوقفت قربه تستر بالجدار لتستعيد أنفاسها الضائعة: (حسنا هذا كل شيء!)
نظرت إليه بينما يكمل بحنق عصبي: ( يجب أن ترحلي حالا!...)
(لماذا؟)
نظر إلى هيئتها فلم يعد يتحمل! حقا لم يعد يتحمل! شعوره بالحقارة يطغى عليه ولا يظن بأنه سينسى يوما فعلته هذه! أن يسخر امرأة لتغرر برجال مهما كان الهدف مغويا له بحصوله على انتقامه أخيرا... لن ينسى أبدا وسيلاحق ضميره ما حيي!
(لا ترتدي مثل هذه الثياب مجددا ...)
عقدت جبينها، ترمقه بتيه وتعجب فهمس بوجوم: (مرجانة... أنوار!... )
ارتد رأسها إلى الخلف واتسعت عيناها بشكل طفيف لكنها صارعت ما تلقته من فيض المشاعر العاصفة المتدفقة عبر ظلمته القاتمة كما قاومت قلبها المنقبض على نفسه يلومها على اسمها الذي لا يعرفه حتى.
(لن أغادر حتى أطمئن... سأنتظرك في السيارة...)
نطقت بسرعة كما غادرت بسرعة تتسحب لتلوذ بسيارتها، تغلقها على نفسها وتحط برأسها على يديها القابضتين على المقود، تحارب أشباح عقلها الثائرة، وغير بعيد عنها كانت هناك عينين حاقدتين، تلاحقانها منذ مدة لا تغادرهما الصدمة إطلاقا.
لم تشعر بالوقت الذي تجاوز الساعتين، غارقة في بحر ضياعها تفكر وتفكر دون أي قدرة على الاستيعاب، يرحل بها خيالها بين المشاهد فتتضاعف العواصف عقر أحشائها لتنسحب عبر دوامة انتزعت منها بالقوة على صوت دقتين حازمتين لبلور النافذة.
رفعت رأسها تتلفت حولها قبل أن يصيبها الإدراك بخيال جسده المظلم فداست على زر فتح السيارة.
احتل المقعد وأغلق الباب ليلتفت إليها باسما بظفر لمحته رغم قتامة الأجواء من حولهما: (هل أنتِ بخير؟... هل كنت نائمة؟.. أستطيع القيادة إن أردت..)
(ماذا فعلت؟)
سألته بفتور فاعتدل يحدق قبالته، مجيبا بقسوة أصابت قلبها بالبرود والخوف: (حققت هدفي... وغدا.. غدا سأستمتع بانتصاري...)
بلعت ريقها وتتمة الجملة الماضية تدق أجراس الإنذار داخل خلايا دماغها فيترجمها لسانها دون وعي منها: (وستتوقف عن السرقة؟)
لم ينظر نحوها، يتنهد بالتعب فيرخي ظهره على المسند حتى طال الصمت حولهما، ينشر الوحشة بين جنبات صدريهما.
(ربما... دعي الغد للغد... دعيني أتذوق طعم النصر لمرة واحدة... وسنرى..)
لملمت إحباط قلبها وكآبة روحها وانطلقت بالسيارة، تغوص في صمت مريع حام بينهما ملتحما بصقيع الشتاء فلم تبادر بتشغيل المدفئة وقد تاه بالها عبر أثير السراب، شاردة عن أطرافها التي داست بحرية تتجاوز السرعة القانونية.
(نقطة مراقبة ...خفضي من السرعة يا أنوار...)
مناداته لها بذلك الاسم الذي يظنه حقيقيا، يبعث بالخوف ليسكن قلبها الذي باتت رهن صدره وقلبه.
(توقفي!.. يشيرون لك...)
شتمت بخفوت بينما توقف السيارة بهدوء، فهمس لها محذرا: (احذري وأعطيهم هويتك الحقيقية...)
بلعت ريقها قبل أن ترسم على شفتيها بسمة محرجة تبرر للرجل المتفحص لها ولمن يرافقها: (آسفة سيدي... شردت في التفكير قليلا وتجاوزت السرعة القانونية... أعتذر إليك مجددا...).
(الأوراق من فضلك...)
هزت رأسها، ترمقه بأسف واجم وسحبت الحافظة من جيب الحاجب تناولهم له فطلب من الزبير كذلك: (هويتك من فضلك...)
بسط ذراعه، يسلمها له وقد جهز نفسه لطلبه ذاك.
طالع الشرطي الأوراق تحت إنارة الكشاف الصغير ثم انحنى لينظر إليهما بتدقيق قبل أن يسألهما: (أنتما أبناء عمومة؟)
(بل عمي!... زبير البحار.. كنا في حفل زفاف لدى معارف لنا...هل هناك مشكلة سيدي؟)
ضمت حاجبيها وكأنها تبلغه بما يفكر فيه حولهما ومدى خطورته إن تأكد لهما خصوصا وأنها لمحت تردده حين معرفة الكنية وزبير جامد مكانه لا يستوعب بأن ما بين يدي الشرطي الآن أوراقا مزورة: (السرعة هي المشكلة يا آنسة...)
أعاد لها الحافظة وهوية الزبير، يبرر بنبرة عادية فتبسمت له مجددا برجاء طفولي: (من فضلك سيدي لقد شردت قليلا وكان الطريق خاليا.. لن يحدث مرة أخرى... من فضلك...)
كانت تعلم بأن الشرطي يميل إلى التخلص منهما ومن مشكلة قد يجرها على نفسه بسبب فتاة عائلة ثرية مدللة لذا تبسم لها برسمية وتراجع محذرا:
(احترمي القانون يا آنسة... صاحبتكما السلامة...)
أومأت له بامتنان وأشعلت المحرك بينما زبير يهمس لها بلوم مستنكر: (أنت لا تصدقين!...)
ابتسمت بشقاوة دون رد، تصغي لاسترساله النزق: (رباه!... أعطت الشرطي أوراقا مزورة ورخصة السياقة؟ ... هل خضعت لامتحان السياقة من الأساس... أم أن السيد عبد الرحيم حكيم زمانه من علمك؟)
ضحكت، تهز كتفيها بمشاكسة، فصاح بذهول: (لا! ... هذا كثير... توقفي حالا... حالا!)
(اهدأ ما بك!... أنا أقود منذ ثلاث سنوات...)
تبتسم بمشاكسة غيرت من معالم وجهها الجميل فسرح يتأملها يفكر بأنها طفلة ساذجة لا تعلم أي طريق خطير تسلكه!
وكم بات يخشى عليها من مصير يعلم يقينا أن من مثلهم سيلقونه لا محالة.
(أنوار أوقفي السيارة.. أوشكنا على بلوغ الحي... سأنزل هنا...)
سرّه التجهم على وجهها، يظنها حزينة لفراقه فيستدرك بصدق تسلل من صميم قلبه على حين غفلة من عقله: (هل إذا طلبت منك التوقف عن السرقة ستفعلين؟)
أدارت رأسها تنظر إليه، فهالها اتساع الحجرين الأسودين داخل مقلتيه وكأنه يرجوها الجواب الذي يأمله، فردت عليه بارتباك: (لا...أعرف!)
للحظة هوى به الإحباط قعر بئر خذلان سحيق كما سُحب فجأة بحبل أمل ولو كان واهيا.
(إذن توقفي!... وسأتوقف أنا أيضا.. دعينا نساند بعضنا.. )
بللت شفتيها، ترنو الفراغ بتيه وضياع قبل أن تعود لملاذها عند الحجرين المظلمين، تسأله بحزن: (وكيف أعيش؟)
تنفس بعمق ثم قال لها بتردد: (سنعمل ... في أي شيء... المهم أن لا تحاوطك المخاطر من كل مكان... أنوار أنا.. )
(لا تقل أنوار!...)
هتفت بدافع من دقات قلبها الهادر فقطب حائرا، يستفسر منها بترقب:
(لمَ؟... إنه اسمك الحقيقي... ويجب أن تتخلصي من كل ما هو زور وزيف...)
بلعت ريقها تتهرب منه بعينيها، فسألها بلهجة مهددة: (اسمك الحقيقي أنوار، أليس كذلك؟)
لوحت بكفها كما أدارت رأسها في الهواء مرات عدة، تجيبه بامتعاض: ( لقد... كذبت عليك...)
استنشق الهواء وحبسه داخل صدره، يرمقها بعبوس جامد ثم انتفض يترجل من السيارة يضرب بابها بقوة أجفلتها فاهتز لها بدنها ثم انحنى يهتف بغضب ماج به سواد عينيه: (مال والدكِ عندك... رزمتين كاملتين..)
رمقته بدهشة فأومأ بغيظ، يؤكد على قوله: (أنا متأكد من أن والدك المزور... أعطيه ماله وحاولي عدم الخروج في الأيام المقبلة... إلى اللقاء يا... 'لا أريد أن أعرف!..)
واستقام يغادر ضاربا الأرض بعنف وحدة، يجر أذيال خيبته منها.
ضمت شفتيها يمينا ويسارا قبل أن تخطف الطرحة من المقعد الخلفي، تغطي بها رأسها كيفما اتفق لتستأنف طريقها بقلب خبت وتيرة خفقاته، يلومها ويهددها بالعقاب.
***
(تفضل هذا مالُك...)
ألقت به فوق مكتبه حيث وجدته مستغرقا في تنظيم أوراق داخل حقائب ومن شدة شرودها لم تلاحظ ما يجهز له.
(يبدو أنه غير ما يبديه أمامنا من بساطة الحال...)
كتفت ذراعيها، تجيبه برفض: (لا يا أبي، هذا المال سرقه من حقيبة أبيه في السيارة...)
هز رأسه بتفهم فاستطردت، تسأله باستغراب: (هل كنت تعلم بأنه كان سيسرق والده؟)
أغلق الحقيبة الأخيرة فتنبهت أخيرا إلى ما يفعله:
(طبعا أعرف...ألم تقرئي الورقة التي سلمك إياها لأقوم بتزوير توقيع والده وخاصة المسؤول الجمركي عليها؟...يبدو أنك أضحيت مهملة جدا وأتساءل عن سبب تغيرك المحبِط مؤخرا!...)
أشارت إلى الحقائب تستفسر بخوف شل جسدها كليا: (ماذا تفعل بابا؟)
ارتفع حاجبه وأحنى رأسه ليرمقها من فوق الزجاجتين، يجيبها ببساطة: (سنرحل... غدا مساء...)

🌹🌹🌹انتهى الفصل ألقاكم غدا ان شاء الله مع نهاية الرحلة🌹🌹🌹

noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 18-10-22 الساعة 05:30 PM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 12:40 AM   #33

fatima94
 
الصورة الرمزية fatima94

? العضوٌ??? » 462876
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » fatima94 is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 4 والزوار 1)
‏fatima94, ‏حنين الاخوة, ‏هنوددده


fatima94 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 12:43 AM   #34

fatima94
 
الصورة الرمزية fatima94

? العضوٌ??? » 462876
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » fatima94 is on a distinguished road
افتراضي

مرجانة بتحكي و الندم عم يفيض من عيونها و عم تفضي لوداد ع كل اللي بقلبها لأنها حابة تعلم غيرها من تجربتها كان الحوار منتهى الروعة و الاتقان و كل كلمة بتترك أثر و فكرة و عبرة💝💝💝🌹🌹🌹🌹
كرهت زبير كتير لما استخدم مرجانة ضد أبوه و وصفك لمشاعر مرجانة اللي رغم احترافها الاحتيال رفضت فطرتها السليمة الموضوع و كأنك عم تقولي أنه الجشع و الطمع بيدفع الانسان لامور كارثية و بشعة ما ممكن نتخيلها
المشهد كان رهيييييب و زبير و مرجانة لسا مو قادرين ينسوا الموضوع لأنه فعلا كبير و خطير و صفحة سوداء بحياتهم و الندم تمن رح يبقوا يدفعوه كل ما ااتذكروا هدا لو نسيوا اصلا😢😢😢😢😢😢
أجدتِ و أبدعتِ و أمتعتِ ما شاء الله و بانتظار معرفة كيف انكشفوا و نهاية رحلة الاحتياال و بداية التوبة
تسلم ايدك حبيبتي وفقك الله لما يحب ويرضى💝💝💝


fatima94 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 07:39 PM   #35

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي

🌹🌹🌹الفصل الأخير 🌹🌹🌹

(سنرحل... غدا مساءا)
(ماذا؟)
هتفت بفزع فاقترب منها، يشير إلى وجهها بجفاء: (لم يسبق لردك أن جاء بهذا الشكل ونحن نرحل فجأة ككل مرة... ما الذي تغير هذه المرة؟)
تخصر ينتظر ردها الذي جاء متذبذبا كحركات كفيها المتجولتين على وجهها وشعرها: (لم نكمل نصف السنة حتى... وهذه المدينة الكبرى... أرض الأرباح والنجاح... ماذا حققنا إلى الآن؟.. ولمَ نرحل ولا أحد يعرف عنا أي شيء؟)
فتح راحة كفه أمام وجهها، يعُدُّ على أصابعه ما يتلفظ به ببرود: (أولا، زبير البحار يعرف عنا الكثير... ثانيا، الجارة وقعت تحت سحرك وتريد توطيد العلاقات بيننا ...)
كورت مرجانة فمها بريبة وعدم فهم أمام استرساله الجامد: (ثالثا، من زورتُ توقيعه على تصريح بدخول شحنة بضاعة مشبوهة إلى البلاد لجمال البحار...يكون مسؤولا معروفا وخطيرا وبالمناسبة هو نسيب جمال البحار .... لذا سنقصد أقصى الجنوب هذه المرة... )
ترف بجفنيها دون أدنى قوة على المجابهة أو الرد، عالمها ينهار
انتظري! متى كان هذا هو عالمها؟
عالمها مع والديها وأسرتها وهذه طريقة عيشها! فما هذه الحياة التي تشعر بأنها تنهار؟
زبير!
تشكلت الحروف على شفتيها دون نطق فعلي، عيناها تجحظان وقلبها ينكمش أكثر فاكثر وكأنه ينازع ليبقى على الحياة.
( لا أريد الرحيل!)
أطلقت سراح الكلمات المسجونة داخلها وإن فرت بخفوت وتقطُّع فتسمر جسد والدها، يناظرها بدهشة وعدم تصديق: (ماذا؟... )
مسحت على شفتيها ممسدة عنقها بينما تؤكدة على طلب قلبها وكل كيانها: (لا أريد الرحيل يا بابا... لقد سئمت... وهذه المرة لا أريد الرحيل!...)
(السّعدية!)
صاح بحدة فانتفضت مكانها، تحدق به بصمت قلق .
(ماذا هناك يا عبد الرحيم؟... لماذا الصراخ؟..)
غطى وجهه بعد أن نزع عويناته الطبية، يزيل عنه إرهاق التفكير وجمْع أغراضه ثم رد عليها بهدوء خطير: (ابنتك ترفض الرحيل يا السعدية!)
بسط ذراعيه ثم أنزلهما إلى جانبيه، يكمل بغيظ من بين فكيه وزوجته تحدق بهما بفزع: (تقول بأنها سئمت... سئمت يا السّعدية!)
(بابا!)
همت بقطع وصلة الهستيريا التي تلبست والدها لكنه هتف بحدة عصبية: (ابنتك كبرت وتكبرت وترفض أمري يا السعدية!... والمفروض علي موافقها والاستجابة لدلالها كي أسلمها بيدي وأسلمكما وأسلم نفسي للشرطة...)
شهقت والدتها بقوة، تقبض على صدرها فتدخل أدهم الذي انضم إليهم يلحق بوالدته: (أختي لن تفعل بنا ذلك..)
حامت حوله الوجوه بقسمات مكفهرة، والدته بشحوب اكتسحها ووالده بامتعاض ساخر، يعقب: (بلى ستفعل! .... وستفعل أكثر مادامت مشاعرها متورطة مع ابن البحار.... الولد المطرود والمنبوذ من أهله... تضحي بنا في سبيل مشاعر مراهقة غبية نحو شاب لا يستطيع تدبر مالٍ يخرجه من الحي الحقير الذي يعيش فيه...)
(بابا!)
همست بصدمة فتخصر مجددا، يهتف بنزق: (هل تظنين أنني لن أتحرى عنه؟... لا يا من حسبتك ابنة أبيك... فأنا لم تصبني غيمة حب زهرية تافهة تحجب عني الواقع المر الذي سنتجرعه على يديك يا حمقاء!...)
ضغطت على شفتيها حين أصابهما الارتعاش والدموع تسيل على وجنتيها بصدق قلما شعرت به بين جميع عروضها المتقنة خلال سنوات حياتها الماضية.
اقترب منها يطالعها ببرود صامد على موقفه، يؤكد لها بحزم: (ستجمعين أغراضك وتستعدين للرحيل... غدا مساء بعد انتهاء زيارتك أنت ووالدتك لبيت الجيران... سنرحل وهذا آخر حديث لدي ... )
ثم استدار عنها ينشغل بما كان يفعله وحين حاولت والدتها لمسها انتفضت تعدو إلى غرفتها حيث ارتمت على سريرها، تبكي بحرقة.
لأول مرة في حياتها تحيا كل ما كانت تتقن ادعاءه، البكاء، الحزن، الألم، الفرح، الشوق ... الحب.
لأول مرة تشعر بأنها تعيش حقا وتتنفس، لحظات حقيقية ذاقتها وتريد المزيد منها فكيف يسلبها والدها كل ذلك؟
خطفت الهاتف من حقيبتها، تتطلع إليه بنظرات ضائعة مجنونة ثم لمسته تبحث عن الرقم، ترددت مرتين أو ثلاث ثم أرسلت في طلبه وظلت متسمرة قبالة شاشة الهاتف، تناظرها بصدمة يملأها الحزن والخوف، عيناها سالتا بكحلهما فلطخ وجنتيها المحمرتين، تحدث الهاتف باستياء وخيبة: (رد علي زبير... أرجوك... رد علي ... من فضلك ....)
توقف الرنين واختفى رقمه بعد أن أعلمها الهاتف بعدم رد صاحبه فشهقت بقوة تعاود الاتصال به ليعلو نحيبها، تسب غباءها وتتمنى لو ظلت معه ولم تتركه يرحل غاضبا منها بشأن اسمها: (غبية! غبية! غبية! ...لماذا لم تخبريه بكل شيء؟... لماذا ظللت صامتة وتركته يرحل مخذولا منك... لماذا!... فهو يعلم كل شيء بل ورأى كل شيء يخصك، فلماذا لم تخبريه بالحقيقة؟)
لا تعلم كم من الوقت بقيت على استلقائها البائس فوق السرير، تعيد طلب رقمه إلى أن بلّغها الهاتف بأن الرقم لم يعد مشغلا فغاص قلبها عبر بئر سحيق من الأسى والسواد، لابد من أنه قرر الهرب والنفاذ بجلده من فعلته التي قال عنها والده ستجلب عليهم الوبال وهرب منها أيضا، سارقة كاذبة محتالة لن يثق بها أبدا وبعائلتها الموبوءة!
لم يسبق أن فكرت يوما في ما تفعله كي تعيش وما تعلمته من والديها؟ والآن بل ومنذ أن تعرفت عليه والخواطر تزورها على استحياء كل لحظة تتجرأ على مساحة أفكارها أكثر فأكثر.
اليوم بل اللحظة، يغمرها ولأول مرة شعورا بالخزي والخجل من نفسها ومن عائلتها ومن كل ما يفعلونه ليؤمنوا احتياجات معيشتهم.
بكت إلى أن جفت دموعها وخارت قواها ونفدت بطارية هاتفها لينزلق من بين كفيها المرخيتين وقد استسلمت صاحبتهما لسلطان النوم، يرحمها من بعض أوجاع حالتها المتلبسة لفؤادها من كل جهة غير أن الألم رفض الانسحاب كليا يتسلل بظلاله لينغص عليها عالم أحلامها.
........
《《《حاليا》》》
(وماذا حدث بعدها؟)
سألت وداد بحزن وقد تعاطفت مع مشاعرها التي نضحت بها نبرة صوتها المنكسرة بنغمات شجن أليم، فجعدت مرجانة دقنها، تمسح تحت عينيها بكفها اليسرى تتوهم الدموع ربما، فتبدو لها ملتحمة بمشاهد الذكرى.
لاحظت وداد لأول مرة أن السيدة أمامها تستعمل كفها الأيسر كثيرا كما تخفي يديها عموما منذ أن بدأت بعقد اللقاءات معها.
استغربت وركزت على حركات يديها ليتأكد لها بالفعل اعتمادها على اليد اليسرى، فرجحت كونها ربما عسريه واكتفت بذلك الاستنتاج حتى حين!
(طلع ضوء نهار اليوم التالي واستيقظتُ على لمسات أدهم لوجهي...)
حسنا الدموع هذه المرة قد سالت حقا على وجنتيها ولم تهتم لمسحها، تكمل بملامح سافرت لتحلق في سماء الماضي البعيد.
***
《《《الماضي》》》
فتحت عينيها، تشعر بالآلام منتشرة عبر أجزاء جسدها، جفناها ثقيلان بشدة وحلقها يحرقها وكأنه نبت بالشوك.
لمحت وجه أخيها الصغير، يتأملها بفضول وقلق يشوبه الكثير من الريبة فدفعت بجفنيها ليفترقا بكل ما يتحملانه من جهد.
(لم تكوني هكذا من قبل...)
عقب الصغير على وضعها، يستدرك بينما يمد يده ليلمس أماكن عدة من وجهها: (جفناك منتفخين أعلى وأسفل... عيناك حمراوين كالدم يفسد لونهما الجميل ... وجنتاك ملطختين بالسواد ... وكلك لست أختي التي تعودت عليها.)
لم تجبه كما لم تتحرك، تصغي إليه بينما ترميه بنظرات فاترة.
(لم أصدق قول بابا ولا ماما... أنت لن تسببي لنا المشاكل لأنك تحبيننا ... أليس كذلك؟)
(هل هما من أرسلاك إلي لتخبرني بهذا الكلام؟)
هز كتفيه بعد أن أبعد كفيه عن وجهها، يجيبها بتلقائية: (ترفضين التصديق بأنني لست صغيرا غبيا... لا أحتاج لأبابا كي يشرح لي بأنك ومنذ أن قابلت ذلك الرجل زبير تغيرت فيك أشياء كثيرة... وهذا أكبر دليل على ذلك...)
أشار إلى وضعها المزري، يضيف بما يمليه عليه منطق تفكيره: (أختي التي أعرفها لم تكن لتعترض على قرار يصدره بابا أبدا... لم تفعلي هذا من قبل.. لهذا بابا وماما وأنا أيضا نخشى عليك وعلينا ....)
صمتت ولم تجب فتنهد يمطّ شفتيه رفضا لإعراضها عنه فهم بفتح فمه مجددا لكنها ألجمته بسؤالها الصادم لها قبله: (تقول بأنك لست صغيرا... أخبرني يا أخي.... ماذا تعرف عما نفعله لنؤمن معيشتنا؟... إن كنت حقا كبيرا وناضجا كما تدعي أخبرني بما يعلمونه لك في المدارس التي تتنقل بينها كل سنة باسم وهوية جديدة وأوراق انتقال مزورة؟... أخبرني بما تعلمته من الشبكة العنكبوتية وجهاز التلفاز؟.... ما هو ذاك الشيء الذي يظهر على وجهك من الحين والأخر يطوف بين ملامحك المترددة عن السؤال بسبب معرفتك للرد المعتاد من والدنا؟....فتبلعه مع ريقك وتتصنع القناعة بكل حمق واضح.)
أجفل الصبي من هجوم أخته التي نهضت بنصف جسدها العلوي، تتكئ على مرفقيها، شعرها فوضوي ثائر في كل اتجاه فأضحت لوحة مخيفة بتلطخ وجهها وحمرة عينيها الحادتين.
تراجع أدهم يناظرها بحذر وترقب فاستدركت متحدية رجولته الوليدة، تستفزه بصلف: (لماذا تتراجع؟... هل تعترف بأنك صغير وتخاف؟)
دفع بجسده يقترب منها، هاتفا بعبوس حاد: (لست صغيرا ولا خائفا...)
(إذن انظر إلى عيني وأجب سؤالي كما يجب!)
صاحت بغضب فصاح مثلها باستياء: (سارقين... نحن نسرق ونكذب ونحتال على الآخرين كي نعيش ولا نجوع...أعلم أن ذلك خطأ وجرائم تُدخل السجن... لكن إن لم نفعل ذلك سنجوع ونتشرد....)
ابتسمت مرجانة، تعقب على قوله ساخرة: (ابن أبيك حقا...)
قطب بشدة، يرمقها بتساؤل حائر فعادت ترتمي على ظهرها مضيفة بكآبة: (كنت مثلك وأكثر منك إلى ما قبل أيام قليلة منصرمة... )
تجسدت لها صورة السيدة حكيمة البشوشة الطيبة عبر خيالها السارح بين بياض السقف ثم مرح جيهان التلقائية وحتى وجه نسرين الغيورة ثم ذلك الشيء الذي التمسته داخل نظرات لؤي وكأنه بدأ يتأثر بها جديا، لم تكن تهتم سابقا لكن الآن تفعل! تهتم بكل ردة فعل عاطفية تصدر ممن حولها حتى وإن لم يكن لها أثرا عميقا داخل قلبها كما فعل بها أسود العينين!
زبير... آه!
هو السبب، ربما هو السبب!
تسلل إلى واقعها يوهمها بامتلاكه لواقع مشابه، عبث بها وقلب كل موازينها ثم تركها في مواجهة حقيقة نفسها ووضعها إنسانيا ومجتمعيا وعلى مستوى كل المقاييس، مجرد مذنبة مجرمة!
(لم يعد كلام بابا يقنعني ولا يكفيني... أنا أمقت الحياة التي نعيشها... اكتشفت بأنني لم أكن حية ولا حرة...الآن اكتشفت كم كنت مقيدة ومسجونة بين أسوار من حديد تفوق سجن الشرطة الذي تخشونه....)
التفتت إليه تناظره بيأس وفتور وكأن شمس حياتها غابت ولن تعود لتشرق مجددا، تكمل أمام نظراته الذاهلة، لا يستوعب ما يحدث معها أم ربما هي سهام الريبة والحيرة التي تغمر أحشاءه المتطلبة لعلوم ومعلومات يُشبع بها فضوله الحارق أثناء مرحلته العمرية الحساسة.
(نحن في سجن يا أخي ولا نحيا مثل الناس... نحن مقيدون بل ميتون... وأنا ذقت طعم الحياة الحقيقية ولم أعد أريد العودة إلى ما نحن عليه... لا أريد!...)
ظل الصبي يتأملها بقلة حيلة للحظات قبل أن يزفر بيأس ويستدير مغادرا الغرفة، فاستدركت بقنوط: (ما تزال صغيرا يا أخي ولن تفهم ... لن تفهم حتى يكون الأوان قد فات...)
تذكرت الهاتف فاستجمعت قواها لتبحث عنه قبل أن تتجمد كليا أمام انعكاسها في المرآه، شكلها بشع للغاية، أفزع قلبها للغاية!
تراجعت بينما ترفع كفيها إلى وجهها، تمسحه بعنف دون جدوى حتى زمجرت بشراسة وأسرعت إلى الحمام وقد نسيت أمر الهاتف الملقى على الأرض فارغ البطارية.
طال بها الوقت تحت رشاش الماء وحين أغلقته كانت قد قررت الصمود، كما تعودت، تساند قرار عائلتها ولا تخذلهم، ومن يدري؟ قد يكون كل ما عاشته مجرد غيمة زهرية سخيفة على رأي والدها، مجرد هواء فارغ تبخر واختفى.
خرجت من الحمام ترتدي مئزرها السميك فوجدت والدتها تنتظرها على السرير بكامل أناقتها في عباءة فخمة، ترمقها بوجوم وقلق لكن خالي من الهلع والخوف الذي سكناها قبلا.
والدتها تخلصت من الخوف ما إن قرروا الرحيل.
أشارت إلى فستان من قطعتين على السرير، أسود اللون بتطريزات زرقاء باردة: (جهزي نفسك لأننا تأخرنا على السيدة حكيمة ...)
ثم نظرت حولها إلى الغرفة، تكمل بنبرة واجمة: (وضبي حقيبة متوسطة وضعي فيها ما يهمك... لا تجمعي الملابس كلها... سنرسل لاحقا من يجمع كل ما في المنزل، فعلى كل حال سيظل ملكا لعبد الرحيم البحار لسنتين..)
ثم نهضت، تضيف باقتضاب: (سأتركك لتجهزي نفسك...)
تقدمت خطوات انحسرت قرب الباب ثم أضافت بلهجة فاترة: ( لم تجربي يوما الجوع والعطش أو أن يتحكم أحد بحياتك ... ولم تعيشي تحت وطأة العذاب لمجرد أنك ولدتِ في المكان الخطأ كما يظن البعض.... أحسبك أذكى من هذا الذي جعلك تثورين على عائلتك...)
ثم انصرفت دون أي إضافة أخرى.
تنهدت مرجانة بتعب، تفكر في قول والدتها المريب فاستدارت إلى السرير، تتأمل الفستان لتلمح بطرف عينيها هاتفها.
مشت إليه تلتقطه من على الأرض ووضعته على الشاحن ثم شغلته بنفاد صبر، دقات قلبها تتسابق قبل أن تحبط مرة واحدة مع رسالة الرد الآلي بكون الرقم المطلوب غير مشغل.
أعادته مكانه وتوجهت نحو ملابسها، تندس داخلهم بشكل آلي، عيناها شاردتين في الفراغ، تحمد الله أنها لا تحتاج لتصفيف شعرها ولا تزيين وجهها.
رفعت الطرحة ولفتها حول رأسها لتسقط فوق كتفيها وصدرها تخفي كل شيء سوى القليل من وجهها المحمر ثم نظرت إلى الهاتف ترنوه بوجوم ثم استدارت تغادر غرفتها.
لم توجه لوالدها حديثا يذكر فتجاهلها هو الآخر، يوصي زوجته بعدم التأخر والحذر جيدا.
وكأن ما كان ينقصها حضن تلك المرأة وهي ترحب بها بحرارة، ما بها تودها بهذه الطريقة الغريبة؟
ترمقها بقلق مشوب بحنو، تقبل وجنتيها وتضم كتفيها وهي تقودها إلى غرفة الضيوف حيث نفس التجمع السابق وإن تضاعف عدد الحضور.
قابلتها فتاة شابة في مثل عمرها تملك وجها شبيها بالسيدة حكيمة، تبتسم لها بطيبة أيضا شبيهة بينما تسبقها إلى الحديث بمرح محبب: (لابد من أنك مرجانة... على فكرة لأول مرة أشعر بالغيرة على أمي من فتاة غريبة...)
بلعت ريقها ترتعش مع سماع مفرد أمي، تحدق بالتي ضمتها أقرب، تعاتب ابنتها بمزاح حلو: (بنت يا خديجة لا تزعجي أختك... لطالما اشتكيت من وحدتك بعد سفر أخيك... ها هي أختك من الآن فصاعدا.. مرجانة البحار.. )
ضحكت الفتاة ذات الوجه الصبوح، يحيط به حجاب أخضر فاتح، تجذبها لتجلسها قربها، معقبة بمرح: (دعيني أتعرف على أختي إذن...)
ثم أضافت حين انشغلت والدتها بالضيوف ببسمة مبتهجة لا تفارق ثغرهاماذا فعلتِ حتى دخلتِ قلب أمي بسرعة وأصبحت تحكي عنك للجميع؟)
ثم مالت، تفضي لها بسر: (لولا أنك مخطوبة لابن عمك لكنتِ الآن مخطوبة لأخي ولقامت الحرب في العائلة بسببك...)
تقطيبه خفيفة كلما استطاعت مرجانة تقديمه كرد فعل حائر، خافقها يدق بوهن غريب وكأنه يحتضر.
ضحكت الفتاة، تستدرك: (لأن خالتي الكبرى تتمنى أخي لابنتها منذ أن كان طفلا صغيرا مزعجا، فربّت ابنتها على ذلك... إنها هناك على يسارك بفستان بني وحجاب أفتح درجة...)
طرفت مرجانة بعينيها، تلتقط نظرات الفتاة الغيورة، يشوبها حزن من نوع ما أدركته من كلمات خديجة المسترسلة: (أعذريها إن التمستِ بعض الجفاء منها فهي تغار على أخي وأمي منك والآن بعد ما رأتك يُضاف إلى ما سمعته عنك... لابد قلبها المسكين سينفجر وكلما طمأنتها أنكِ مخطوبة تعود للنواح بأن أمي تعشقك وهذا بحد ذاته سيضعك معها في مقارنة أمام أخي... وبوجهة نظرها أنت الفائزة لا محالة....)
طعنة جديدة تنضم للسهام الحادة من القدر، تهز جسدها بقوة وتذرها قتيلة رعشة الاحتضار.
أي مقارنة! وأي فوز! لو فقط يعلمون!
شملت الجميع بنظرات مهتزة ضائعة، تتساءل عن ما تفعله هنا بينهن؟
بحثت عن والدتها لتلمحها بين صاحبة البيت وشقيقتها يحدثنها بينما يجمعن لها ما جاد به كرمهن في ظرف، يبدو لها من مكانها ممتلئ للغاية، والدتها حققت مآربها كلها من المدينة. باعت أزيائها المقلدة بأموال طائلة وجمعت ثروة أخرى من جلسة واحدة بين أثرياء المدينة الكبرى. حققت ما ترغب به كالعادة وبصمت خلف ستارة الضعف وفقدان الحيلة، تماما كما تعودت.
والآن لابد من أنها في قمة سعادتها إذ أنها ستفر مجددا.
(آسفة لأني صدعتك بأخبار ابنة خالتي، لكنها طيبة القلب جدا...)
أجفلتها بلمستها ونبرتها المعتذرة، فضغطت شفتيها فيما يشبه التبسم قبل أن تجيبها بصوت بح من التعب: (من فضلك لا تعتذري...)
أومأت لها بامتنان في نفس اللحظة التي ارتمت عليها طفلة صغيرة بفستان زهري صغير يناسبها جدا، فضمتها تقبلها قبل أن ترفع رأسها لتخبرها بسرور وفخر: (هذه صغيرتي فرح... أول فرحتي... قولي مرحبا للخالة مرجانة... هيا صغيرتي..)
مالت بها عليها لتقبلها فشعرت بنفسها تهتز مجددا بفعل اللمسة الحريرية الدافئة من شفتي الطفلة الصغيرتين والمكتنزتين ككفيها اللذين ارتفعا لوجنتيها تتحسسهما بطفولية مرحة.
(مرجانة حبيبتي ... بما أن هذه أول مرة تحضرين فيها اجتماعنا للذكر... لن نطالبك بموعظة وسنكتفي بمشاركتك لنا... لنبدأ حبيباتي كي ننتهي باكرا... )
كانت صينية الشاي تدور على النسوة بين يدي المساعدة كريمة، فتتبعها خديجة بطبق مليء بالحلوى بعد أن تركت صغيرتها على حجرها، تلك الصغيرة التي تشبثت بها تستكشف فيها ما يثير فضولها وتقبلها بين الفينة والأخرى بينما هي مستسلمة لشعور السلام المكتسح لدواخلها كما لم يحدث معها من قبل.
(غالية بنيتي! ... ابدئي بتلاوة ما تيسر لك من القرآن الكريم...)
ولم تكن غالية سوى تلك الفتاة ابنة خالة خديجة التي تغار منها وتراها فائزة لا محالة، يا لسخرية القدر! لو كانت تعلم حقيقة من تغار منها وتحسبها فائزة لا محالة!
تسلل صوت الفتاة الشجي المتخشع بكلام الله رب العالمين، فتصلبت مكانها، تنصت لأول مرة بأذنين قد انكشف عنهما الحجاب.
ماذا يحدث معها؟
لطالما سمعت القرآن صدفة في أماكن عدة ولم تتوقف يوما لتصغي إليه، فلماذا أضحت جميع حواسها ذات حساسية مفرطة؟
لماذا كل شيء يُعرض عليها يمر بالبطيء فتبحث فيه عن الاستيعاب؟
(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40))
غادرت الدماء وجهها تماما ونظرت نحو أمها لتلمحها مستغرقة بتحسس المال في الظرف بين كفيها فعادت ترمق الفتاة التي توقفت على أمر من والدتها، تستدرك بهدوء وبيان: (حسبك يا ابنتي.. دعينا نتوقف مع هذه الآية قليلا... كما تعلمن حبيباتي بأن كل آية لها سبب نزول وشرح تركه لنا نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم وأصحابه الميامين من بعده ثم التابعين وتابعي التابعين ممن منّ الله عليهم ببعضٍ من علمه وحكمته ... فوجب علينا أن نطالع ذلك كله كي نستطيع طاعة أمر الله في تدبر آياته كما يجب وعلى نحو صحيح... ربما من يسمع هذه الآية الآن في عصرنا وبلدنا الذي لا يُشرع فيه الكثير من أوامر الله في القصاص كمساطر قانونية... فيظن أنه نجى من عقاب أليم كقطع يد السارق والسارقة ليعيث في الأرض فسادا حتى إذا قبض عليه وانكشف امره أدخل إلى السجن بضع سنين وقد لا يرد مظالم الناس وما سرقه منهم....ولا يهتم بأن يتوب إلى الله توبة نصوحة...وربما وافق الشخص القوانين الوضعية على أن قطع يد السارق حكم قاسي وغير رحيم...)
تلكأت المرأة تبلع ريقها لتكمل شرح موعظتها بحكمة وتأني: (لكن ما يفوت الكثير من العباد أن الله اسمه الرحمن الرحيم، أحكامه كلها رحمة للعباد ليعيشوا في سلام وعدل يسود على كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم ...القصاص يفرض النظام والاحترام بين الناس كما يفرض توقير حرماتهم فيما بينهم ... كما يفوت الكثير بأن اسم الله الرقيب والعليم والخبير ... يعلم السر والجهر ...إن استتر العبد من جميع المخلوقات ما له من مفر يحجبه عن عين الله الذي لا ينام ولا يغفل مطلع على كل صغيرة وكبيرة ... وأنه سبحانه يمهل للعبد يمنحه الفرصة تلوى الأخرى علّه يعود ويستقيم على سراطه المستقيم... يتودد إلينا عز وجل ونحن الفقراء إليه...يمهلنا ويرسل إشارات وعلامات لنفيق من غفلتنا فإن أبينا بعد ذلك ينزل علينا البلاء كعقاب يردنا به إلى طريقه المستقيم رحمة منه سبحانه... لا يغرنكم إصرار الظالم على ظلمه فالدنيا لابد زائلة .. فإما تذكير يهدي بإذن الله أو عقابا يرد بإذن الله أو أخذ عزيز مقتدر يكون بعده خسران مبين...)
توالى الاستغفار من أفواه النسوة بخشوع فأشارت السيدة للفتاة كي تنهي السورة والجميع ينصت بتركيز باستثناء السعدية تتحسس المال بين يديها فيدق قلبها فرحا أضيف إلى فرحها بالفرار من تلك المدينة أخيرا، فقد كان شبح الخوف يطبق على صدرها مذ حلت مصيبة الزبير ذاك على رؤوسهم وبلغ منها الهلع مبلغا وهي تشعر بابنتها متأثرة به، حتى توقعت للحظة أنه سيأخذها منهم، تتزوجه وتتركهم فطار النوم من عينيها بسبب ذلك.
أما مرجانة فقد كانت كمن قفز إلى واد سحيق، جسدها بارد و جامد ظاهريا بينما الحروب الطاحنة تنهش دواخله دون رحمة، لأول مرة تسمع بقلبها وليس أذنيها، تشعر حقا بأن قلبها تلقى قبلة الحياة، يسمع فيتجاوب رغما عنها وكأنها فقدت السيطرة عليه كليا وبات من يقودها إلى ما يصبو إليه.
هذا المجلس العظيم الذي تجلس بين أهله، قلبها ينتفض لهفة ورغبة بأن يعيش السلام الذي حل به للحظات، ذاق لذة الأمن والاطمئنان في الوصل بالله للحظة قصيرة فتوحشت فرائسه وتأهبت قلاعه استعداد للحرب مقابل امتلاك ذلك الإحساس إلى الأبد وكم يبدو ذلك الأبد مستحيلا مع كل توعد من الله لعباده بالعذاب والعقاب لتسترخي بعدها بشكل عجيب وتتسلل الطمأنينة عبر شرايينها وأوردتها نحو المضخة الكبرى مع كل ذكر لوعد التواب الرحيم بتوبة ورحمة لكل عبد منيب.
أين كانت من هذا كله؟ لا تدري، ولماذا الآن تحديدا؟ أيضا لا تعلم!.
انتهت الفتاة من قراءة السورة وكلما أوقفتها والدتها، تشير إلى نقطة ما مهمة لتنير درب الحياة لعباد الله، تتضاعف التساؤلات داخل مرجانة عن خالق لم تتوقف يوما لتفكر به، وجوده وعظمته وقدرته! والأهم لم تسأل يوما نفسها من تكون؟
مسلمة حقا كما هو مكتوب على كل بطاقة مُلّكت لها طيلة حياتها؟
أم فاقدة للهوية كما هو وضعها فعلا تتقلب بين هويات تعريفية مزورة ليست لها، فكذلك كانت هويتها العقائدية ضائعة، تائهة!
النسوة هنا يتذاكرن توبة الله وفرحته بعودة عباده إليه وهي تكتشف بأنها لم تكن يوما مسلمة من الأساس فعلى أي أساس تدعي هوية لم تعرفها من قبل؟
صلاة أمرهم والدهم تعلم حركاتها، تحسبا لأي خطة تتطلبها؟
صيام يصومونه كواجهة لكونهم من المفترض مسلمين، يعيشون بين مسلمين فتربوا على ذلك؟
لكن أليست الهوية الدينية قائمة على معرفة الخالق أولا؟
الاعتراف بوجوده في حياة عبده فيدق قلبه حبا وخشية لرب عظيم يقر له بالوحدانية؟
أين هي من ذلك؟
متى ذكرت الله سوى في كلمات خالية من المعاني!
متى توقفت يوما لتسأل عن هويتها؟
من هي بحق الله؟
من هي؟
(نعتذر إليكن سيداتي يجب أن نغادر ... زوجي يستعجلني ... )
أجفلت مرجانة من شرودها على حديث والدتها المتسارع تمثل ما اتفقوا عليه بحذافيره، فتستدرك بتوتر قلق: (يقول بأن شقيقه أصيب في حادث ويجب أن نسافر حالا...أعتذر إليكن...)
نهضت مرجانة والطفلة تتشبث بها فتضمها بينما تراقب السيدة حكيمة، تعقب بقلق وارتباك: (إنا لله وإنا اليه راجعون.... لا حول ولا قوة إلا بالله.... خيرا إن شاء الله .... لا بأس يا السّعدية ... أعطيني رقم هاتفك لأطمئن عليكم... رافقتكم السلامة...)
أومأت والدتها بامتنان مزعوم ومرجانة ترمقها بامتعاض محتقر وكأن الحجاب قد أسقط مرة واحة وأضحت ترى الحقيقة كاملة، تشمئز من نفسها ومن عائلتها، تحتقر زيفهم أمام صدق أولئك الناس وقبلهم الكثيرون.
(ابنتي مرجانة... )
اقتربت منها السيدة تضم خدها بحنو، تقول لها براحة أدركت سببها مع استرسالها الحاني: (رأيت مناما بشعا يخصك وعائلتك فاستيقظت اليوم بمزاج كئيب ...ودعوت الله لكم في قيامي الليلة الماضية بالحفظ... لم أكن سأخبرك لكن الآن بعد أن تم تفسيره ارتحت قليلا... شفى الله قريبكم وعافاه... لا تغيبي عنا صغيرتي سأشتاق إليك...)
لم تدري بأن دموعها خانتها إلا حين تفاعلت معها السيدة تذرف دموعا مشفقة هي الأخرى بدفع من قلبها العطوف وحين حاولت أخذ الصغيرة منها تشبثت بها الأخيرة باكية لا تريد مفارقة صديقتها الجديدة.
(أعذرينا مرجانة حفيدتي مثل جدتها حين تتعلق بشخص ما تحبه بصدق فترفض مفارقته... )
ابتسمت مرجانة تمسح دموعها فتدخلت خديجة، تعقب بمرحها المحبب:
(لمَ البكاء يا جماعة؟... تعالي فرحتي سنذهب لبابا إنه في انتظارك ليخرجك في جولة... هيا!)
توقفت الصغيرة أخيرا عن البكاء وبتردد قبّلت مرجانة قبل أن تتركها مستسلمة لدلال آخر تعشقه من أمها في انتظار لدلال والدها فتبسمت لها خديجة، مستدركة قبل أن تبتعد: (لن تتركك إلا بهذه الطريقة.... اعتني بنفسك أختي.. ولا تتأخري كي نتعرف جيدا على بعضنا... رافقتك السلامة...)
وبين المنزلين أوقفت مرجانة والدتها تحدق بها مستغربة، تطالبها برد شافي: (ألم تسمعي ما قيل هناك ماما؟)
نظرت إليها بنفاد صبر وقد أتمت عد الرزم، تجيبها بظفر: (خسارة... وعدنني بمبلغ أكبر في المرة القادمة... لم آسف يوما على فراق كفراقي عن هؤلاء... لكن لابأس... أماننا أهم...)
قطبت مرجانة، ترمقها بعدم تصديق وذهول: (ماما... ألم تسمعي كلمة مما قيل هناك عن عقاب الله والسرقة؟)
عبست والدتها بضيق ثم تأففت، تهتف بنزق قبل أن تبتعد مغادرة: (لا تكوني عاطفية مرجانة ... وهيا بنا كي لا يغضب والدك...)
شيعتها بنظرات لم يغادرها الذهول والصدمة، تقر باكتشافها الصاعق: (إنها حقا لم تسمع ما قيل.. مازالت كما كنت أنا قبل اليوم... كيف يحدث هذا؟.. كيف أجعلها تسمع؟... ووالدي أيضأ!..)
عادت إلى غرفتها تجمع أغراضها بشرود كئيب، فكرها مطحون بين عواصف لأول مرة تكون ذات فائدة لحياتها المزرية.
سحبت الصندوق تحت السرير وفتحته، تتأمل المال والمجوهرات للحظات ثم التقطت عقد اللؤلؤ والمرجان تلمسه بانبهار مختلف عن طمعها المعتاد، بل انبهار يخص ما أضحت تشعر به.
سالت دموعها مجددا تضم شفتها السفلى ثم همست للعقد بحديثها الخاص وكأنه يسمعها: (لن آخذك معي... ستبقى هنا... قد أجد طريقي إليك أو تجد طريقك إلي ... فأنت حلال طاهر لا يشرفك مرافقتي ...وإن حدث وقربني الله منه و قبِل لجوئي إليه يوما أدعوه من كل قلبي أن أجد طريقي إليك لأنني حقا أحبك... ليس لأنك نفيس أو غالي الثمن.. لكن لأنك حلال ... طاهر... وهذا أعظم وأثمن من أي سعر يقدرونك به... إنه لشيء كبير جدا لمن هم مثلي..)
أعادته إلى الصندوق وخبأته مكانه ثم قامت بتثاقل تدس آخر ما تنوي أخذه معها في حقيبتها لتجرها خلفها دون أن تغير ملابسها.
(هيا بنا.... )
هتف والدها وانتظرهم حتى تقدموه كي يوصد الباب جيدا ثم لحق بهم.
ألقت مرجانة بالحقيبة داخل صندوق سيارتها ثم أغلقته واستدارت إلى أدهم، تنادي عليه حين لمحته يهم باستقلال سيارة والديها: (أدهم! ألن تأتي لترافقني كالعادة؟)
تسمر الصبي مكانه يحك رأسه بحيرة، الهاتف في يده ليتسلى به لاحقا فيتأمل والدته تارة ويعود لينظر إلى أخته تارة أخرى، تبدو الحيرة جلية على ملامحه الطفولية، يظن باختياره لمرافقة أخته كأنه ينصرها على والدته، أقرب الناس إليه ومن تدلله ليل نهار، فالصبي لم يبارح حضن أمه بعد رغم كل ما يدّعيه من نضوج مبكر: ( خلصنا أدهم... الظلام حل منذ ساعات...)
كان ذلك هتاف والده فانتفض يفتح باب سيارة والده الخلفي، معقبا بإحراح: (عند أول محطة استراحة سأركب عندك...)
هوى قلبها بين قدميها، تحدق بهم بقلة حيلة وشعور غامض كئيب يقبض على قلبها يعتصره بعنف ووحشية.
انطلق زامور سيارة والدها فانتفضت لتلمح إشارته بأن تسرع، فتنفست عميقا واستسلمت لمصيرها، تهمس بوجوم وقرار صارم لا رجعة فيه: (سأرحل معكم...لكن لا مزيد من الهويات المزورة ولا مزيد من السرقة.. )
***
《《《حاليا》》》
(هل قررتِ تغيير حياتك سيدتي؟)
بادرت وداد بالتحدث حين طال شرود مضيفتها فبللت شفتيها، ترد عليها بحزن: (أحيانا تكون التوبة صعبة جدا وامتحانا مكلفا وكأن جيوش الأرض تتحد لتحاربك وتؤبط من عزيمتك... أو كما ظننت حينها أن عقابي قد آن أوانه وانتهى الأمر... )
(ماذا حدث؟)
هتفت وداد بريبة، تستشعر صعوبة القادم وحين همت الأخرى بالتحدث تراجعت على إثر صوت زوجها وحارس وداد غير الطبيعي.
نهضت بسرعة بدفع من خوفها فقامت الأخرى تتبعها إلى البهو حيث يصاحب الزبير الحارس إلى حين انتهاء اللقاء.
(ماذا تقصد بأن زملائك اختفوا؟)
هتف بها زبير بقلق اشتدت له عروق وجهه العريض وجسده المتصلب بتأهب متوحش، فأجابه الحارس بينما يمشط شعره بريبة ويتصل برئيسه: (كما أقول سيد زبير... لا أحد منهم يستجيب لإشارتي، هناك شيء ما غريب... وآخر واحد منهم أخبرني بأنه سمع جلبة داخل المطعم ثم اختفى هو الآخر...وآلات التصوير يبدو أن هناك من عطلها..)
زمجر الزبير واستدار نحو غرفته يغيب فيها لوهلة قبل أن يعود بسلاح يجهزه قائلا بتهديد غاضب: (من تجرأ ليقتحم بيتي ويهدد أسرتي، سأقتله بنفسي...)
كان الحارس يحدث رئيسه قبل أن يلمح هيئة الزبير فيحول بينه وبين باب بيته، يحاول إعادته الى صوابه: (اهدأ من فضلك واسمعني جيدا... نحن لا نعلم كم عددهم ولا عدتهم... الرئيس يبلغ الشرطة حالا...و)
قاطعه الزبير بقوله الشرس: (لن أنتظر الشرطة يا رجل؟..)
(زبير!)
كان ذلك همسها المتقطع فالتفت إليها جاحظ العينين، يلمح رعبها وارتعاد جسدها وهي تستدرك بتوسل تقطع له قلبه إلى أشلاء: (لا تتركني .... أولادنا!)
سار إليها بسرعة يضم جسدها بقوة لا يكترث بالحارس الذي تنفس الصعداء، يهمس لمُشغله بالمستجدات ثم يناول الهاتف لوداد التي أنصتت إلى زوجها باهتمام قلق رغم ما تبديه من ثبات قوي بفعل تجربتها وتعودها على مواجهة المخاطر.
(اهدئي ... كل شيء سيكون بخير إن شاء الله... لا تخشي شيئا وأنا بقربك... لن أسمح لأي أحد بأذيتك أو أذية أولادنا....)
تكومت بين ذراعيه، تبتهل لربها بخفوت من صميم قلبها، تشعر بالعجز يكتنفها مع مشاهد الماضي الأليم.
(زبير!)
تهمس مجددا بألم فيبعدها قليلا، يهزها بخفة كي يخلصها من سجن دهاليز الماضي الموجع: (انظري الي....انظري!)
رفعت مقلتيها إليه شاكية وراجية، شاكية ما أخفته عنه من عذاب يعتصر أحشاءها كلما غاب عن مدارها فيندحر منزويا من أجله وبسببه وراجية الخلاص والراحة بعد طول عذاب.
(أخبريها حبيبتي... اشغلي نفسك بعذاب الماضي فتتخلصين منه مع عذاب الحاضر... لا تشغلي بالك بأي شيء آخر... سنراقب الباب الوحيد لهذا الطابق بحياتنا أنا والحارس... لا تخافي.. الله معنا... فقط تحدثي..)
استدار إلى وداد التي كانت قد أنهت المكالمة فاقتربت منهما، تمسك بإحدى كفيها، تحدثها بتشجيع رغم ما تُسره من خوف عميق أحشائها: (أكملي سيدتي.... ولا تقلقي...كل شيء بإذن الله سيكون بخير...)
بلعت ريقها، تنظر إليهم بضياع تخلصت منه حين همّ بتركها فأمسكت به تمنعه، تشد على ذراعه بينما تستأنف حديثها الواجم.



يتبع

noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 18-10-22 الساعة 08:51 PM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 07:41 PM   #36

**منى لطيفي (نصر الدين )**

مشرفةوكاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية **منى لطيفي (نصر الدين )**

? العضوٌ??? » 375200
?  التسِجيلٌ » Jun 2016
? مشَارَ?اتْي » 4,633
?  نُقآطِيْ » **منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute**منى لطيفي (نصر الدين )** has a reputation beyond repute
افتراضي


《《《الماضي》》》
شغلت المحرك وقد اتخذت قرارا صارما لن تتراجع عنه ثم رمت هاتفها بنظرة متفقدة، الحنين يحمل قلبها على جناحي الأمل في من اختفى وكأنه لم يكن يوما في حياتها.
لقد رحل هو الآخر ونسي أمرها.
لاح لها الضوء الأحمر المنتصب عند ثاني تقاطع طرق قبل الشارع المفضي إلى الطريق السريع حيث ستبدأ رحلتهم نحو الجنوب كما قرر والدها دون تفسير كثير.
وبماذا سيفيدها التفسير المستفيض؟
لم تعد راغبة في أي شيء ولا سماع أي شيء، فقط ذلك التبلد المحيط بها، يقودها إلى اللامعلوم.
تباطأت بسيارتها لتستجيب على غير عادتها للضوء الأحمر وكما توقعت والدها أسرع ولم يكترث حين علم بغياب الأمن وآلة التصوير عن ذلك التقاطع.
انتظرت تعبس بحزن وكآبة تحولا في لحظة إلى ذهول وباب الجهة الأخرى يُفتح بسرعة، فشهقت بخوف قبل أن تعلم هوية الفاعل الذي احتل المقعد المجاور، يرمقها بحقد قرأته جيدا على صفحة عينيه البنيتين بينما يخاطبها بنبرة مهددة: (هل اشتقتِ إلى يا حلوة؟)
بلعت ريقها تغمغم بذهول من حاله الغريب: (ل...ؤي... ما... بك...)
صفق الباب بقوة أهتز بدنها لها وبسرعة أظهر سلاحه الذي أخرجه من بين حزام سرواله وظهره، يهددها بحزم مخيف: (سترافقيني طواعية ودون مشاكل أو صراخ...)
ارتعدت فرائسها فتمتمت بهلع: (ما هذا لؤي؟... ماذا يحدث؟)
التوت شفتاه احتقارا واشمئزازا، يقول لها بغلظة وجفاء رافقه بضربات لجانب خصرها بطرف المسدس: (يكفي تمثيلا مرجانة... أو مهما كان اسمك الحقيقي...)
جحظت مقلتاها أكثر وفغرت فمها، فتعالت أصوات زمامير السيارات، يحثونها على السير فنغزها مرة أخرى، يصيح بعصبية: (تحركي!... هيا!... )
انتفضت تطيعه بينما فكرها يعمل بسرعة الضوء، تبحث عن مخرج لما هي فيه فتستفسر منه بحذر علّها تمسك بطرف خيط معلوم: (ما بك لؤي؟... أنا لا أفهم ما بك حقا؟)
لم ينظر إليها، يرمق الطريق بنظرات تنم عن غرابة حاله المتأهبة بغضب مريعاصمتي وتابعي السير كما أملي عليك!...)
تشق طريقها بين الشوارع حسب توجيهاته، هاتفها يومض برقم أهلها فلا تجد للرد عليه من سبيل وتفكيرها المتعب يستسلم لحالة البلادة المكتنفة له: (انعطفي وادخلي ذلك الطابق تحت أرضي....)
بللت شفتيها، تكاد تفلت المقود من بين يديها فتقبض عليه بقوة شديدة حتى أوقفت السيارة في أول مكان لاح لها مناسبا.
(انزلي!)
صاح بها فاهتزت، تترجل من السيارة والتف ليمسك بذراعها، يجرها نحو المصعد: (ولا كلمة.. إلا أقسم بأن أفرغ هذه المسدس في جسدك ولا يهمني ماذا يحدث بعدها... أنت لا تعلمين من أكون بعد!...)
استسلمت لمصيرها تنقاد كعنزة إلى نحرها، وما إن دفعها داخل شقة في الطابق الأول وأغلق خلفه الباب بقوة، استدار إليها باحتقار وحقد يهتف آمراانزعي تلك العباءة...)
فتحت فمها بصدمة، تضم جسدها بضعف ليستدرك ساخرا من هيئتها تلك: (لا تحاولي... لقد رأيتك على حقيقتك ولم يعد تمثيلك للبراءة يخدعني....انزعي ذلك الشيء الذي تغطين به جسدك المكشوف دوما كي نتحدث، فأنت لن تخرجي من هنا حتى آخذ ما أريده، فلم تخلق بعد من تجعل من لؤي أضحوكة تلهو به...)
أخرس لسانها داخل فمها الجاف، لهاثها يتعب صدرها بأنفاسه المتلاحقة فلا تصدر أي ردة فعل معتادة منها.
لقد فقدت كل شيء، أقنعتها ودفاعاتها، كل شيء سقط عنها، تقف وحيدة عارية من كل دفاع ومكشوفة كما قال لؤي!
(من تكونين حقا؟... ها؟)
اقترب منها بينما تتراجع إلى أن اصطدمت بالجدار خلفها، يصيح بهدر مجنون: (من تكونين؟... مرجانة البريئة والساذجة بطفوليتها أم فاتن...)
فغرت فمها والجحوظ لا يرحل عن مقلتيها، تصغي لصياحه الهائج: (فاتن الساقطة مرافقة الرجال في الملاهي مقابل المال! ومن يكون ذلك الحقير؟ ... لأنه مهما بلغت به الحقارة لن يدفع بك نحو والده حتى لو كان من أجل السرقة!..)
هز رأسه باحتقار مشمئز، يؤكد قوله الساخر: (أجل...كنت في الملهى بالأمس ورأيت كل شيء بعيني...دخولك برفقة من تدّعيان أنه ابن عمك... ثم تركه لك وانضمام الرجل الذي ولسوء حظكما أعرفه جيدا كرجل أعمال...الذي سرقتماه أنتما الاثنين بخطة محترفة ... )
شملها بنظرة مزدرية ثم استطرد مستفسرا بذهول لم يغادره بعد بالرغم من غضبه الجارف: (ثم ترتدين هذا في الحي الذي تسكنينه... تضحكين به على المغفلين الآخرين هناك... كم من وجه تملكين؟... وهل تضحكين بعدها بتسلية على كل مغفل توقيعين به في شراكك؟... تحدثي!.. من أنتِ؟)
صاح بعصبية بالغة فانتفضت، ترد عليه بجنون: (لا أعرف.... لا أعرف!... لا أعرف من أنا... لا أعرف!)
تجمد يتنفس لاهثا، يحدق بها تنتحب بحرقة فتخصر يعقب باستياء مشوب بحقد، فلم يسبق أن خدعه أحد فما باله بفتاة أصغر منه: (أنتِ محتالة كاذبة... وساقطة!...)
تحرك رأسها يمينا وشمالا، تنفي عنها اللقب الأخير فيومض عقلها بتعليق تلك المرأة في الملهى، 'من تتصرف مثل تصرفاتها تكون ساقطة بالفعل وها هو شخص آخر يخبرها بنفس الشيء'
(ذاك المدعي بأنه ابن عمك سيلقى جزاءه عند والده... أما أنتِ!)
رفعت رأسها بحدة آلمت عنقها، تهتف بقلق وخوف اعتصر قلبها وجعا: (هل وشيت بزبير عند والده؟... يا إلهي! ماذا فعلت؟... ماذا فعلت؟)
انقض على ذراعيها، يقربها منه هامسا بفظاظة: (كفي عن الكذب لأنني إن صدقت بأن جمال البحار عمك بالفعل حينها سأقتلك بدم بارد... هل تسمعين؟....)
(ليس... ليس عمي... لا!... زبير ليس ابن عمي... كنت أساعده فقط... لا!... أتركني!...)
تقاومه بقوة ضارية فيقبض عليها بشدة يهمس لها بغل: (رأيت نوع المساعدة التي قدمتها له... لم تتجرأ واحدة من قبل على خداعي وستدفعين الثمن أيتها الكاذبة!...)
ما تزال تقاوم بشراسة والكلمات تتدفق من بين شفتيها كسيل فيضان مفاجئ وجارف: (لم أخدعك... لم أطلب منك أي شيء... بل كنت أفر منك كل ما سمحت لي الظروف... زبير محق!... أنت مجرد ثري مدلل تعّود أخذ كل ما يشتهيه ... وأنا كل ذنبي أنني رفضت ما كنت تصبو إليه... لا تحملني أخطاءك ... ابتعد عني .... ابتعد!)
أوشكت على الافلات منه حين أحكم طوق جسدها النحيف بالنسبة الى جسده القوي، يجيبها بلهجة ناقمة بلغت ذروتها من الغضب: (أنت محقة...أعجبت بك منذ أول يوم رأيتك فيه... وبما أنك ساقطة فلن يضرك ما أريده ثم بعدها يمكنك حتى قتل نفسك لا يهمني!....)
نجح في نزع طرحتها وهم بتمزيق العباءة حين اهتز الهاتف داخل جيبه، أهمله بداية لكن الحاحه أجبره على تركها لتقع أرضا، تتكوم على نفسها بينما يهتف بغضب: (ماذا هناك؟)
أصغى لأحد مساعديه مقطبا بانزعاجٍ تحول إلى ذهول صادم، يصيح بهذر منفلت: (ماذا تقول؟... هل جن ذلك الرجل؟)
صمت مجددا، ينصت بتركيز وقد أجبرته جدية الموقف على استعادة بعض من تعقله ثم أنهي الاتصال بصمت مخيف، يتخصر ناظرا حوله بينما يلملم أنفاسه الضائعة.
حين وقعت عينه عليها شعر بالقرف من نفسه ومما كاد أن يقترفه، لم يجبر إحداهن على شيء من قبل ولا يقبل بذلك مطلقا، بل يختارهن كما يناسبه فلا يكون لأمر ذيول تلاحقه.
لكن هذه المكومة على الأرض بطريقة مخزية حركت شيئا ما داخله جعله ولأول مرة يفكر في الاستقرار، في الزواج.
ربما لذلك اشتعل الغضب ليحرق أي ذرة من عقلانية يمتلكها، كيف تجعله هو لؤي الموسوي بكل تجاربه وخبرته في الحياة يفكر فيها ويقدرها ليكتشف بأنها فتاة لعوب؟
زفر مرات عدة وشتم بغيظ فعلة جمال البحار الشنيعة، رغم كونها أيقظته من غييه هو الآخر قبل أن يغتصب الفتاة ويصبح على ما فعل نادما طوال عمره.
مشط شعره، يفكر بصمت للحظات طويلة لم تتحرك فيها تلك التي تطوق خصرها بينما تجلس على ركبتيها منحنية الظهر ومطرقة الرأس فشتم مجددا يطلب رقما ما وانتظر قبل أن يقول بانزعاج: (ما هذا الذي فعلته يا سيد جمال؟...)
صمت يقبض على قبضته بقوة، يرمق تلك التي انتفضت ترفع إليه رأسها بصدمة وحيرة حارقة: (حين تحدثت معك لم أكن أعلم بأنك ستتصرف على ذلك النحو... أنا رافض وبشدة لما فعله رجالك ولولا أنني لا أريد التدخل لبلغت الشرطة، فرجالي كانوا هناك أيضا...)
قامت تقترب منه وقد استشعرت مصيبة ما لكنها لم تفكر سوى في الزبير، تلهث بقوة فيرمق وجهها المحمر يطوف حوله شعرها الفوضوي، يفكر
بأنها ماتزال تؤثر به ولا يعلم لماذا هي بالذات؟
أجفلت حين صاح، مهددا بعصبية سوداء: (لن تلمسها سيد جمال... هل سمعت ... لن تلمسها! ... إن فعلتها سيكون لي شأن آخر معك...)
وأغلق الهاتف يتخصر لاهثا ثم يمشط شعره بعنف مرة بعد مرة.
(م.....ماذا حدث للزبير؟)
رفع إليها أنظاره الضائقة، فتراجعت تكمل بهلع: (ما... ماذا فعل به والده؟)
أومأ يقول لها باستياء بالغ وبدا كأنه يحارب مجموعة من المشاعر المتناقضة مرة واحدة: (والده فعل الكثير ... لكن ليس له، فقد اختفى لحسن حظه ولم يجده ... لذا يريدك أنت....)
ثم بازدراء ممزوج بسخرية، أضاف ساخطا: (يريد استدراجه بك....)
رن هاتفه مجددا فرد بسرعة يصغي للحظات قطب بها بحيرة قبل أن تجحظ عيناه مجددا بصدمة تقسم أن لا تفارقه الليلة، فيتساءل بلهجة أجنبية: (كيف ذلك؟... هل أنت متأكد؟)
بلعت ريقها تتأمله بريبة، فاقترب منها يستفسر مقطبا بدهشة يشوبها الكثير من عدم التصديق: (أنت من سرق ساعتي السويسرية؟..)
شهقت بحدة، تغطي فمها ورأسها يرتد إلى الخلف أمام وجهه الذاهل، يستدرك باحتقار: (اتصلوا بي من أوروبا.... لذلك النوع من الساعات رقم الكتروني خاص يتعرفون عليه ما إن يصادفوا القطعة في أي سوق كان فيحققون بشكل غير رسمي حتى لو لم يكن هناك إعلام أو شكاية وضعت من طرف أحد زبائنهم ... وأنا قد أعلمتهم بالفعل بأنني ضيعتها ولم أفكر بأن أحدا ما سرقها...)
بللت شفتيها تصر على صمتها بينما تمسد ذراعها بخوف فاقترب منها أكثر يثير هلعها بينما يضيف بصدمة: (ظهرت الساعة أول أمس في السوق السوداء... وتتبعوا مسار ظهورها لينتهي الأمر برجل اسمه البحار.... عبد الرحيم البحار... أليس هو اسم والدك؟)
انحسرت أنفاسها تقبض على صدرها، تناظره بلهاث فيسطرد بنظرات تتجول فوق ملامحها بتيه وضياع: (من تكونين حقا؟... لماذا سرقت الساعة؟)
ثم ما لبث أن فغر شفتيه ليسترسل مستنتجا: (هل أنت من سرق نسرين؟... ومن بلغوا عن ضياع مصوغاتهم في الحفلة؟)
صمت يرمقها منتظرا يقرأ ملامحها بتركيز حتى هتف بقوة اهتز لها بدنه: (تحدثي!)
تهز رأسها بلا كلام ودموعها مدرارا على وجنتيها، لم تتخيل ذلك الوضع ولا في أشد كوابيسها قتامة. كل شيء تدمر ووضعها أضحى مزريا لا أمل منه.
انتفضت بقوة حين قبض على ذراعها يجرها نحو باب الشقة فانحنت تسحب الطرحة قبل أن تستسلم لسحبها له كشاة منقادة.
دفع بها داخل سيارتها والتف ليقودها بنفسه بصمت ثقيل لم تتجرأ على كسره وحين توقفت سيارتها، رفعت رأسها الذي غطته بطرحتها، تتلفت حولها بخوف وريبة.
ترجل من السيارة وأغلقها ليضع المفتاح داخل كفها ثم اقتادها نحو مبنى الشرطة. هوى قلبها بين رجليها دون أي قدرة على المقاومة أو حتى التوسل، اختفت خبرتها وجميع وسائلها ولم تعد تشعر برغبة في التفكير أو التخطيط لأي شيء. تعبت ... وفقط!
(أين أنت يا سامر؟.. .. أحتاجك....)
سمعته يحدث أحدهم في الهاتف، لم يتأخر حتى ظهر عبر الردهة غير المملوءة في تلك الساعة المتأخرة من الليل سوى من بعض الأشخاص المتفرقين هنا وهناك.
(مرحبا لؤي ..ماذا حدث؟)
ينظر إليهما بالتناوب فضولا فيطلب منه لؤي بنبرة جادة جافة لا تحمل أي نغمة لطف: (سامر لندخل إلى مكتبك... الموضوع مهم وفوضوي...)
أومأ له الشاب في مثل عمره بريبة وأشار لهما نحو مكتبه.
(يمكنك التحدث الآن...)
لم يكن الشاب مختلفا عن لؤي كثيرا حتى أنها فكرت في إمكانية قرابة تجمع بينهما، نفس الأناقة ولون الشعر والعينين.
(هذه الفتاة سرقت ساعتي السويسرية... الوكالة في أوربا كلمتني وخيرتني إن أردت التقدم بشكوى ضد والدها حينها سيرسلون ملف الأدلة... لكنني أعرف أنها من سرقتني وليس والدها...)
ضيق سامر عينيه بشك، أوحى لمرجانة بمعرفته الشديدة به لدرجة توقعه لأمر آخر جلل: (حسنا... سأفتح المحضر وعليه أحجزها لأحقق معها وسنستدعي والدها أيضا....)
هز رأسه بظفر يشير إليه ببعض التوتر:
(أجل... افعل ذلك!... احجزها لكن راقبها يا سامر... لا تغفلوا عنها للحظة واحدة... لقد أتيت إليك خصيصا لأنك ستفهمني...)
ضم سامر شفتيه قبل أن يتنهد متذمرا: (إن كنت تخشى عليها لماذا تقدم شكوى ضدها من الأساس؟)
(لا تهمني إطلاقا!...)
هتف برفض وازدراء بينما يرفع ذقنه بأنفة، فزفر الرجل محذرا لتفكر مرجانة مجددا بأنه يعرفه حقا!.
(لؤي...لقد تعدى الوقت منتصف الليل ولا طاقة لي بجدال عقيم معك... ما دمت قررت المجيء عندي فتحدث..)
يتخصر تارة ويمسح على وجهه تارة أخرى ثم يرميها بنظرات فارغة، مخذولة ثم مشفقة ممزوجة بغضب.
(لؤي!) نطق سامر يحثه فرفع كفيه مقرا بانزعاج: (حسنا حسنا! ... يجب أن تحجزها وتراقبها لأن هناك من ينوي قتلها...)
انطلقت من حنجرتها شهقة أخرى قوية، تتقهقر باحثة عن جدار يسند ظهرها وتفكيرها منحصر في لحظة لقائها بربها وهي ... هي على ما هي عليه!
(لم تقل شيئا لؤي.. لم أفهم بعد...)
عقب سامر مستندا بأسفل ظهره على المكتب، يكتفه ذراعيه فاقترب منه لؤي، يفسر له باقتضاب: (الفتاة عبثت مع جمال البحار بغباء وأنت تعلم من يكون... وبلا أسئلة أخرى تأكدت من كونها في خطر... )
قطب سامر قليلا ثم خطا خلف مكتبه ليتفقد بعض الأوراق باهتمام قبل أن ينظر إليها بغموض ثم إلى لؤي الجامد يخبره بجدية: ( هذه الاشارات وصلتنا قبل قليل ولم أهتم بسبب وقوع الحادث في القسم الآخر من المدينة حيث يوجد فرع أمني أخر رئيسي.... هنا مذكور البحار... لكن ليس رجل الأعمال جمال...)
ضغط لؤي شفتيه ببعضهما ومرجانة تناظرهم بضياع ورعب، تنتظر صاعقة تستشعر قربها: (الهويات عبد الرحيم البحار والسعدية البحار...)
(ما بهم عائلتي؟... لم يفعلوا شيئا ... أرجوك لؤي .. أتوسل إليك أنا المذنبة الوحيدة...)
شحب وجه لؤي بينما ينظر إلى سامر، متجاهلا هزها لذراعه يدفع بها الخوف على عائلتها.
(أنت تعلم بالذي حدث يا لؤي.. أليس كذلك؟... وجمال البحار له علاقة؟... تقول بأنه يريد قتلها كما فعل بأهلها...)
بتر حديثه حين تجمدت مرجانة ثم هوت على الأرض ناظرة إليه بملامح مسودة وشفتين شاحبتين، فانحنى لؤي يسحب جسدها المرتعش إلى المقعد، يجلسها عليه.
(أعتذر يا آنسة.. أحاول فهم ما يخفيه لؤي هنا... أهلك أصيبوا في حادث على مشارف المدينة حسب الإشارة التي وصلتنا... المرأة والصبي توفيا في مكان الحادث... والضحية الثالثة نقل إلى المستشفى في حالة حرجة... عبد الرحيم البحار...)
ارتعد جسدها مستعيدة وجه أخيها الصغير ووالدتها،.... لقد ماتا!
كانت معهما قبل ساعات معدودة والآن...في عداد الأموات!
(هلا تحدثت الآن يا لؤي؟... ما علاقة جمال البحار بالحادث ولماذا يريد قتل هذه الفتاة؟)
فرغ وجهه من الدماء ليحل محلها الذنب فاقترب منه سامر يحدق به بينما يصغي إليه بينما يحكي ما حدث بلهجة غير مترابطة: (رأيتها برفقة شاب من المفترض به ابن عمها في ملهى ليلي ...بديا لي يحيكان مكيدة لجمال البحار وهو ثمل... استغربتُ جدا وصدمت أكثر لأن ما أعرفه أنهم أقرباء وهذا ما تأكدت منه حين قابلت جمال اليوم صباحا.... تجمعني به سابق معرفة بحكم الأعمال... وضح لي بأن الشاب فعلا ابنه بينما هي نعتها بساقطة استعان بها إبنه ليسرقا أمواله ويدمروا عمله لولا أنه توصل إلى اتفاق ما مع نسيبه المسؤول المهم في الجمارك... ثرت وغضبت منها جدا لأنها خدعتني بمظهرها البريء وادعائها بما ليست عليه... فأخبرته بمن تكون وأين تسكن؟... لم أعلم أنه سيقرر قتلهم .... لقد!...هي نفذت منه لأنني اقتحمت سيارتها وكنت .... كنت...)
علقت الكلمة بلسانه قبالة سامر المتابع له بهدوء غامض قبل أن يسأله: (كنت ماذا؟)
مسح على وجهه يطرف إليها بأنظاره فوجدها ساهمة في السراب، محلقة بين غيوم الصدمة ليعود إلى سامر، يجيبه بوجوم: (لا أعلم ماذا كنت أريد منها؟... فقط أردت الانتقام لكبريائي لكن سريعا ما استعدت رشدي ورجالي يبلغونني بما حدث لعائلتها ...صوروا السيارتين اللتين كانتا السبب بالحادث مع أرقامهما... ومن فيهما...)
تلون وجه سامر بالسخرية رغم واجهته الباردة، فأضاف لؤي يتهرب من حصار نظراته: (هاتفته ألومه على ما فعله، فأخبرني بأنه يريد الفتاة ليستدرج بها ابنه المختفي... هذا ما حدث...)
(بمَ ورطت نفسك يا ابن خالتي؟... لطالما كنت مصدر ازعاج للعائلة... متى ستنضج؟)
عبس لؤي، يلوح بكفه ناقما: (لا تبدأ يا سامر...من فضلك، يكفيني ما أنا فيه....)
أومأ سامر بيأس وتراجع ليسحب هاتفه الخلوي، يلامس شاشته قليلا قبل أن يرفعه إلى أذنه يحدث مخاطبه بعد لحظات: (سيد بحّار ... كيف حالك؟)
قطب لؤي بريبة خصوصا حين لمح ارتعاش مرجانة وسط صدمتها.
(قبل الكلام والسلام هل مصدر شقائكم غادر الوطن؟)
تابع لؤي ملامح ابن خالته الضائقة يجعد أنفه انزعاجا بينما يجيب مخاطبه بجدية لم تخلُ من بعض الود: (اقترف مصيبة كبيرة جدا، فأسرعوا لمنعه عن التحرك بحرية قبل أن يفر تاركا لكم الفضائح مجددا، من الأفضل أن تجهز نفسك لرحلة سريعة إلى هنا مع بقية أشقائك، فهناك ما يجب أن تعرفوه... قد تستطيعون لملمة ما يمكنكم إصلاحه...لكن أنصحك بإخبار العائلة لأن هناك ضحايا هذه المرة....)
أنهى المكالمة ثم نظر إلى لؤي يخبره بجفاء بينما يستل سماعة الهاتف الأرضي: (سأفتح محضر تحقيق في ما يخص سرقة الساعة كي أتمكن من التحفظ عليها هنا... لكن لا أستطيع أن أعدك بالأمان فأنت أعلم بالأمور كيف تسير.. أمامك تمان وأربعون ساعة كأقصى مدة لتقرر إذا ما كنت تريد تقديم الأدلة لإثبات التهمة عليها أو سيفرج عنها....)

《《《حاليا》》》
(لم يعلم ذلك المحقق أن هناك قضية أكبر ستظهر للعلن... قضية نادرا ما تنكشف للعيان في وقتها على الأقل.....)
عاد الزبير ليضم كتفيها والسلاح في يده اليسرى، أما وداد فتضم ذراعيها إلى صدرها بوجوم والحارس يتفقد مربعات المراقبة على شاشة اللوحة الكترونية، يحاول تشغيلها رغم تأكده من كونهم أتلفوها، يبدو متباعدا ومتجاهلا يجنبهم الإحراج لحضوره.
وقفتهم المتأهبة وسط بهو الطابق الثاني تستنفر أكثر مع بعض أصوات الجلبة في الطابق الثاني فيلصق الحارس رأسه بالباب يحاول استنتاج ما يحدث.
(الشرطة ستصل قريبا.... أكملي سيدتي لا تتوقفي! ... طفلاك في غرفة الجلوس يشاهدان الرسوم المتحركة... هما في أمان الحمد لله ونحن كذلك... تحدثي كي تنسي رعبك!...)
بادرتها وداد مشجعة نفسها قبل الأخرى التي رمقت زوجها باستجداء ترتعش فنظر إلى وداد يكمل عنها ما لم تستطع التفوه به: (طلبتُ منها أن تختفي عن الأنظار وكذلك فعلت... لم أحسب حساب لؤي، فجمال البحار ما كان ليصل إلينا لولا تدخل لؤي .... كنت غاضبا منها فأغلقت الهاتف كي لا أضعف وأجيبها لكن في النهاية لم أستطع المقاومة وبدأت بطلب رقمها عبر الهاتف ... لم تجب فظننتها تتدلل علي... فجربت الرسائل لكن عبث حتى تفاجأت بالخبر الذي انتشر كالنار في الهشيم... حادث مروع ذهب ضحيته الزوجة والابن ورب الأسرة يصارع في العناية المركزة... انتبهت إلى الخبر بشفقة عادية تحولت إلى صدمة حين ذكر إسم الجاني جمال البحار الذي قُبض عليه بسبب أدلة قوية على تورطه... كما أشاروا بأن الهويات التي يحملها الضحايا مزورة والتحقيق جار في النازلة... جننت حينها وأسرعت في البحث عنها فلم أجدها وتوجهت إلى المستشفى حيث والدها.... للحظة ظننت أنها كانت معهم في السيارة وماتت فلم يذكروها لأي سبب كان... لكنني نجحت في استدراج ممرضة أخبرتني بالتفاصيل ... نقدتها إكرامية كبيرة على وعد بأن تسمح لي بلقاء سري وسريع مع المريض حين يستيقظ لأن إصابته شديدة ويحتضر...)
أمسكت مرجانة بقماش قميصه فوق صدره حيث دست وجهها، تبكي بحرقة أثارت شفقة وداد وحتى الذي أصر على تجاهلهم يسند الباب بجسده الضخم، تحسبا لأي غدر.
تشنج الزبير وملامحه بدت غائرة مكفهرة بينما يحكي عن أحداث يتفاعل معها وكأنها تحدث حاليا: (سألت بعض المعارف في الشرطة عن فتاة اسمها مرجانة البحار إذا ذكرت في أي من التحقيقات الجارية حول القضية المشهورة، فعلمت أخيرا أنها محجوزة سابقا في قضية سرقة ثبت عدم تورطها بها لعدم وجود أدلة كافية، لكنهم حجزوها بعد ذلك بسبب هويتها المزورة... كنت مشتتا ضائعا ومدمرا كليا...لم أعلم كيف أساعدها دون أن أتسبب لها ولنفسي بمشاكل أكبر... تواريت أروح وأجيء بين الحجز والمستشفى مستغربا من عدم بحث الشرطة عني، فعلى الأقل قد يذكر اسمي عند تحديد دافع البحار وراء جريمته.. اتصلت بي الممرضة تخبرني بأنها فكرت وجهزت لخطة كي تؤمن لي لقاء سريعا بالمريض ....تنكرت بحلة الممرضين ودخلت برفقتها لأتحدث معه... كانت حالته صعبة جدا بينما يوصيني بابنته وكونها تحبني، حتى أنه توسل إلي بأن أخلصها من تهمة سرقة الساعة وإن اضطررت لأعترف بأنني من سرقتها ...أعلمني بأن الشرطة حققت معه وسألوه إن كان يعرف شيئا عن الساعة المسروقة... لم يعلم حينها ولا أنا بما يخص لؤي وقريبه.. لكن ما أخبرني به بعدها وعلمته الشرطة قبلي فاجأني حقا كما فاجأ غيري...)
بحيرة بالغة، قربت وداد جهاز التسجيل منه أكثر تنتظر بترقب ألهاها عن الخوف الذي غمرها بسبب الوضع بينما هو يربت على ظهر التي تشبثت به بقوة، ترفض الابتعاد: (السيد عبد الرحيم البحار وأسرته لا وجود لهم في أي سجل مدني في البلد كلها...وهو أقر بأنهم لن يجدوه في أي سجل مدني في العالم أجمع وليس البلد فقط...)
تبلدت ملامح وداد بعدم فهم والحارس كذلك أصابه الفضول فتخلى عن ادعائه كما استسلم من محاولاته لتشغيل آلات التصوير.
(خلاصة الأمر أنه نشأ داخل إحدى التنظيمات الإرهابية لا يعلم لنفسه من أصل ... هل تم خطفه أم هو نتاج إحدى العلاقات الغريبة بين المرتزقة ومن يلقبونهن بالسبايا؟... ما يهم في الأمر أن مجموعة من الأطفال نشأوا دون أوراق رسمية هناك من ضمنهم والدها ووالدتها ... تعلم القتال و التزوير من أحد كبار التنظيم وحين اشتد عوده هرب برفقة من أحبها وقررا الزواج، فانتهى بهما المطاف على هذه الأرض وعاشوا عليها بهويات وأوراق مزورة...يتنقلون بين مدنها بالطريقة التي علمتها سابقا...)
(لم أكن أعلم... لم يخبرنا بذلك... وكلما سألته عن أي الهويات حقيقية؟... يكون جوابه مقتضبا حازما بأن أركز على الهوية الموكلة إلي حينها كي أقتنع بها لأقنع من حولي...)
تدخلت تدافع بحرقة فنطقت وداد بشرود: (لهذا لم أجد لك اسما محددا في ملف القضية ...)
ليقول الزبير بحزم لفت انتباهها إليه وإلى حمايته لها، يحيط بزوجته ويخفيها داخل ذراعه اليمنى وبنصف جسده: (بل لها اسم سيدتي... حين اتضحت الأمور وتم اعتبار والدها المزور وليس هي تمت تبرئتها ثم رفعنا قضية نطالب القضاء بحل معضلتها ... فهي ولدت على هذه الأرض ونشأت عليها ولابد من أن يستخرجوا لها أوراقا ثبوتية حقيقية وبعد سنتين من الجلسات قرروا أن تختار اسما من بين الهويات التي زورها والدها كي تسجل بها وعليه تُستخرج لها أوراقا ثبوتية... ويمكنك التكهن باختيارها..)
دق الباب فانتفضوا، المرأتان بفزع والرجلان تأهبا للقتال قبل أن يسمعها صوت رجل: (زبير... افتح هذا أنا ... مروان..)
عقد جبينه يخطو نحو الباب وفتحه ليناظر الرجل الأصغر منه سنا والشبيه به جدا.
(ماذا تفعل هنا؟)
هتف الزبير بجفاء بدا مزعوما للجميع فاقتربت وداد تهمس لمرجانة القابضة على صدرها: (من يكون؟)
لم تكن قادرة على الرد ولحسن حظها سبقها الشاب، قائلا بمرح حذر: (هكذا تستقبل أخاك يا رجل... وأنا الذي هرعت إليك لألعب دور الجيمس بوند ما إن أبلغونا الحراس بأنكم في ورطة...)
(أي حراس؟.. ماذا تقول أنت؟)
صاح زبير بملامح مغلقة فضحك مروان لا يتراجع عن مرحه: (أعلم بأنك لاحظت وجود مراقبين من بعيد... عمي لا يمزح أبدا فيما يخص أفراد عائلته...)
(أوووف!)
تأفف الزبير فظهر رجل خلف أخيه وقور الهيئة، أنيق الطلة ينظر إليهم بحيرة رست على وجه تلك التي ارتخت ملامحها تسرع إليه لتندس داخل حضنه، يتهمسان بكلمات غير مسموعة.
(سيدي لا أعرف ماذا حدث...)
نطق حارس وداد بتوتر فتبسم له الرجل الوقور بينما يجيبه بلطف:
(لا عليك... شكرا لك لأنك لم تفارقها... الشرطة في الطابق الأول وقد قبضوا على الرجال الذين تم توقيفهم سابقا من طرف رجال البحار ، زملاؤك مغمى عليهم فقط، لقد تأكدت من ذلك... لا تقلق!..)
أومأ الحارس بتفهم والزبير يرمق أخاه بضيق من لهوه بينما يخبره بمرحه المعتاد: (قبضنا عليهم جميعا... لكن لا أظن بأن الشرطة ستستفيد منهم بشيء... يبدون من المرتزقة ولاؤهم للمال وأسلحتهم.. أراهن بأنهم لا يعرفون حتى من دفع لهم...)
استدار الزبير إلى زوجته وخطا نحوها فاستدرك مروان بهتاف ضاحك بينما يتوغل داخل الشقة: (أين قرودي المفضلة؟....)
(عماه... عماه!)
قهقه بصخب يتلقى الجسدين الصغيرين والمنطلقين نحوه بسرعة فائقة وحملهما، يداعبهما بالقول والحركات البهلوانية بينما يعود بهما إلى غرفة الجلوس فيمنح فرصة لوالديهما بالتقاط أنفاسهما.
(يكفي هذا وداد... رجاءً ... أحب أن تحققي أحلامك وطموحك كلها وما تتمنينه... لكن الأمر أبدا لا يستحق ما شعرته به اليوم من الرعب والخوف عليك... لنطبع الكتاب يا وداد حتى يتأكدوا بأنك لم تذكري اسم أحد بعينه... وأن هدفك توعية النساء لا فضح شخصيات بعينها ليتركوك بسلام... ويتركوا قلبي بسلام....)
تحدث الرجل برزانة ونبرة أجشه ذات وقار كمظهره فأومأت له وداد بامتنان وكل الحب الذي تكنه لهذا الرجل المتفرد.
ابتسم لها بغموض ولم يتخلّ عن واجهته الرزينة فطلبت منه ببراءة طفولية، صادقة لا تتلبسها سوى أمام زوجها الحبيب: (هلا منحتني ربع ساعة فقط... أنهي الحوار معها قبل أن تقتحم الشرطة المكان ليسجلوا أقوالنا...)
مال برأسه يتوعدها بمرح ممزوج بجدية مدعية فأشارت له نحو غرفة الضيوف حيث اجتمعوا أربعتهم لتكمل وداد أسئلتها.
(فكرت في الاسم الذي لابد من أنك اخترته... )
بدأت حديثها بطرفة بينما تبتسم بمكر فتتفاعل معها على استحياء يتشبث بها شحوبها وارتعاش جسدها: (مرجانةَ البحار!..)
هزت رأسها بموافقة والزبير يقبض على كفها الأيمن يغطيه بالكامل بينما يرمقها بحب لا تخطئه العين: (أنه قدرها أن تكون مرجانةَ البحّار...مرجانةَ زبير البحار...)
ارتخت ملامحها أخيرا وانبسطت شفتاها، تستمتع بلذة قوله وأثره داخلها.
(علمت أن جمال البحار مات في السجن!)
وجمت وداد بسبب اختفاء الانبساط من على وجهها لكن كان لابد لها من أن تسأل حول ذلك.
(حُكم عليه بالسجن مدى الحياة ... دفع لؤي بحراسه ليشهدوا على ما رأوه وقدموا المقاطع التي تم تصويرها ثم تكتم على باقي التفاصيل بطلب من أعمامي كي لا يورط نفسه أو يورطني فتم إثبات التهمة عليه... )
لاحظت وداد طريقة ضمه لكفها وكأنه يربت عليها بحنان، يتأسف لها وقد كانت محقة حين استدرك بنظرات حاقدة: (لم يتحمل ومات في السجن... لكن بعد أن ترك لي ثأرا جديدا لن أستطيع تحصيله مهما فعلت...)
كانت تعلم بأن هناك بقية لم يبوحا بها بعد، انتظرت حتى يئست فاستدارت إلى زوجها الذي أسدل أهدابه يطلب منها الصبر كالمعتاد فتعود لتحدق بالزوجين الجامدين على هيئة غريبة شاعرية رغم بساطتها، يتجاوران في الجلوس وكفها اليمنى على ركبته يغطيها بكفه بحنو.
لكن حين رفعتها لتظهرها لوداد شهقت الأخيرة بفزع، تتساءل كيف فاتها ذلك؟
(بعث لي في السجن من يقطع أصبعين من يدي اليمنى وأرسلهما للزبير كهدية من والد لابنه... )
أطرق برأسه وتهدلا كتفاه فنظرت نحوه تبسط نفس الكف إليه لترفع رأسه، تخاطبه بشجن: (ارفع رأسك زبير... كل واحد منا تلقى بلائه ليستيقظ من غفلته... وأنا راضية إذا كان الله راض عني الآن... فلتذهب اليد كلها لا أكثرت!... فقط ليغفر لي ربي ويتقبل توبتي ولا تتعلق بي مظالم الناس... تحرر من الشعور بالذنب زبير... تعلمنا أنا وأنت بأن هنا دار امتحان... نخطئ ونتعلم ثم نستغل الفرص لننجح أو نفوتها فنخسر.. هذه هي الدنيا.... فدعنا نعيش بسلام أخيرا.. تخلّ عن شعورك بالذنب نحوي لأتخلص أنا أيضا مما يثقل على كاهلي...)
احتضن كفها يقبل طرف ما ظل فيه من أصابع بخفة قبل أن يستدير إلى وداد يخبرها ببرود واجم: (تعلمت أن الانتقام في هذه الحياة سبيل ضياع لما هو أكبر من الحقوق .... إن لم يكن طريق استرجاع الحق واضحا ومستقيما فالتنازل عنه حينها فضيلة وطريق خير لا يندم عليه أبدا سالكه... تعلمت بأن الظالم يعاقَب في الدنيا قبل الآخرة... وإن نفذ الظالم من السجن فلا يسعد بذلك أبدا... والله إن العقاب من الله لهو جحيم أكبر من السجن مهما ظن بنفسه متمتعا بالحرية ...تعلمت أن طريق الاستقامة مهما بدا صعبا فإن عاقبته الخير دوما والحفظ والأهم تحقيق السعادة المتجسدة في الرضا.. قررنا الاستقامة منذ أول لقاء لنا في المستشفى حيث أمضت أغلب أيام حجزها حتى تم إثبات براءتها من تهمة تزوير الهويات ومنذ أن تمكنا من حل مشكلة هويتها لنتزوج بدأنا قاعدة أسرتنا على أسس صحيحة والحمد لله نعيش في يسر وحفظ كما ترين...)
ارتسم التأثر على ملامح وداد التي وجدت نفسها تسألهما نفس سؤال مرجانة في الماضي: (اسمحا لي بآخر سؤال... أرى أنكما استقريتما هنا في مدينة صغيرة أقرب لحجم بلدة بعيدا عن المدينة الكبرى... تعملان في مشروع بسيط وتسكنان بيتا بسيطا بالنسبة لابن عائلة كالبحار... خصوصا مع اكتشافي قبل قليل بأن العائلة معترفة بك وترحب بك...)
لم يفتها ذلك التناظر بينهما، يبتسم لها فتجيب عنه بحبور وبهجة خفيةاكتشف أن عائلته لم تكن تعلم بوجوده ثم بحث أعمامه عنه ليطلبوا منه الانضمام إلى العائلة في الساحل الغربي... لكنه رفض كما رفض أي دعم مادي منهم كنوع من العقاب الذي ارتضاه لنفسه... رغم تشبث أخيه الأصغر به كما رأيتِ ...له أخت أخرى أصغر من مروان وأولاد عمومة كثر جدا ما شاء الله ... سمح لنفسه بعدها بتبادل الود معهم، لكنه ظل مصمما على رفض المال وظل يكسب قوته من عرق جبينه يتنقل بين وظائف عدة حتى انتهى به المطاف موظفا عندي ...)
ارتفع حاجبا وداد بذهول فضحكت مرجانة، تفاجؤهم بتخلصها الوشيك من حالتها السابقة: (هذا البيت والمشروع ملكي أنا... وهو متواضع لأنني لم أستطع التضحية بالعُقد كاملا...)
(العُقد؟)
استفسرت وداد بحيرة فردت عليها مرجانة بفخر تلألأ عبر عينيها بلونهما الفريد: (ألا تذكرين عقد اللؤلؤ والمرجان؟... هدية السيدة حكيمة؟....)
ربتت على ركبة زبير الذي تبسم أخيرا لتنتشر الأنوار بين سواد حروف وجهه، تم استدركت: (المنزل الذي أجره والدي رحمه الله كان ما يزال باسمه حين أرسلت الزبير إليه ليأخذ العقد من مكانه السري قبل انتهاء المدة ثم طلبت منه أن يزور السيدة حكيمة ويعيده إليها مع رسالة طويلة مني ... عبرت لها فيها عن أسفي ومدى تأثري بها وعن الأجر الكبير الذي ستجزى به خيرا إن شاء الله كونها سببا في هداية إنسان إلى ربه...)
التفتت إليه بعينين دامعتين فرحا وراحة، فأكمل عنها بما يعلم أنه يسعدها سماعه دوما: (السيدة حكيمة كما العادة طيبة القلب... محبة لله... بكت أمامي وضمت الرسالة إلى صدرها ثم حملتني بجواب شفهي لمرجانة ....بأنها تحملها أمانة ستسألها عنها يوم الحساب أمام الله... والأمانة هي الهداية التي تقر بأن السيدة حكيمة سببها... أخبرتني بالحرف أن أبلغها...)
ثم التفت إليها، مسترسلا بخشوع أمام نظراتها المتأثرة بشدة: (إن كنتِ تحبينني بحق فحافظي على ما كنتُ به سببا كما قلتِ... حافظي على الهداية كي آخذ أجرها كاملا يوم الحساب... سأسل ربي عنها يوم الدين يا مرجانة فكوني على قدر المسؤولية...)
فرت من حلقها شهقة بكاء أليمة فتسلل الدمع من عيني وداد بتأثر كما تنفس زوجها بعمق يتمالك قلبه النافر تأثرا بخشوع اللحظة والزبير يكمل ببحة أصابت صوته الجوهري: (رفضت استرجاع العقد وأوصتني بإعادته إلى مرجانة.... صاحبة اللؤلؤ والمرجان كي يكون شاهدا على الأمانة...)
حينها مسحت مرجانة عينيها، تقول ببسمة واجمة: (بعت منه قطعا مُكرهة وخبأت الباقي يذكرني بالأمانة... كنا قد قررنا الرحيل لآخر مرة في حياتنا بإذن الله واخترنا أصغر المدن وأكثرها هدوء... أجّرنا هذا البيت البسيط وبدأنا مشروعنا الصغير نؤسسه خطوة خطوة بالحلال ... والله هو الرزاق... الحمد لله.)
نهضت وداد يتبعها زوجها ثم ضمتها بمودة، تشكرها وتتأسف لها عن ما حدث ثم وعدتها بعودة قريبة بعد طبع الكتاب.
توالت الساعات حتى غادر آخر فرد من الأمن فتنهدت مرجانة تدثر صغيريها بينما زوجها يتحدث مع أخيه خارجا فتبتسم برضى وسعادة، تتأمل طفليها بحب وتدعو ربها الحفظ لأسرتها الصغيرة والعون على حسن تربيتهم ليوسوس لها الشيطان الخناس ساخرا منها يذكرها بشقيقها أدهم.
دمعت عيناها والكآبة تهم بنشر سُحبها المظلمة لولا فضلٌ من الله، يتجلى بنوره في قلبها فينتفض حبا وخشية نابعة من إيمان عميق وحسن ظن لا يفتر برب رحيم.
(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)
(كيف حالك حبيبتي؟)
أتاها همسه الحبيب الى قلبها فاستدارت إليه تريح رأسها على صدره، تجيبه بحب وعشق خاص به وحده: (أحبك زبير ... أحبك من كل قلبي... وأحمد الله على ما أنعم به علينا...)
رفع دقنها يتأمل قسماتها بوله لا ينضب، يتجول بليله الساحر عبر ملامحها فيجد أخيرا لظلمته الحالكة قمرين منيرين يزدان بهما ليله البهيم: (يعجبني ما أراه من تطور... يا مرجانةَ البحّار...)
ضربة خفيفة على صدره رافقتها بعتاب رقيق: (أخبرك بحبي لك... وهكذا يكون ردك!...)
ضمها ليسحبها نحو غرفتهما بينما يسرها بما يخصها فيحتضنه قلبه بين جنباته: (بالله عليكِ... ماذا تعني مرجانةَ البحار؟ ... أنك لي وأنا لك...هل يجب أن أقول كلمةً بعينها؟... لا أعلم سر حب النساء لكلمة أحبك... لقد فقدت معناها من كثرة ما ينطق بها الغادي والرائح... )
(زبير!)
قاطعته بتعب بينما تبحث عن سجادة الصلاة فزفر يتأملها للحظات قبل أن يفعل مثلها ويفردها أمامها، قائلا بحب: (أحبك يا مرجانة زبير البحار...)

《《《بعد شهرين》》》
ترجلت وداد من سيارتها، تتأمل البيت ذو الطابقين فتبتسم بحبور وفخر لا يفارقانها مؤخرا.
طبعت الكتاب أخيرا وحققت نجاحا باهرا، لا تنكر بأن الرعب الذي عاشته خلال رحلتها المختلفة عن كل ما عملت عليه في حياتها كان مزعجا وموحشا لكن الإشاعات والضجة التي تسبب بها تهديد بعض الجهات غير المعلومة نشرت خبر كتابها على نطاق واسع.
(هل أنتظرك في السيارة سيدتي؟)
كان ذلك حارسها الشخصي وقد خفف من قيوده حولها حين أختفى التهديد بعد نشر الكتاب فهزت رأسها بامتنان، تخطو نحو المطعم ذو الواجهة المحببة للعين، طلاء أزرق على الجدران المزينة بأصيص صفراء بمختلف النباتات.
دفعت الباب كعادتها لتلمحها تتجول بين الموائد، تجهزها فاتسعت بسمتها المشعة بينما تستدير إليها مستبشرة ترحب بها: (مرحبا بك... )
ضمتها بود ثم أشارت لها نحو كرسي لتجلس عليه قبل أن تجاورها بدورها:
(سعيدة جدا بحضورك سيدة وداد... ليتك بلغتني كنت لأجهز استقبالا يليق بك...)
بادرتها بلطف ووداد تتأمل فستانها بلون عينيها البراقتين بحياة لا يخطئها حكيم: (شكرا لك عزيزتي... جئتك بالكتاب بنفسي ... تمنيت فعل ذلك مع جميع صاحبات القصص ... لكن منهن من لا تسمح ظروفهن بلقاء معي... لذا اكتفيت بإرسال الكتب لهن...)
هزت رأسها ترنو الكتاب بأنظارها المرتعشة كارتعاش البسمة على ضفاف شفتيها تتنفس بحماس يشوبه بعض الخوف.
(قبل أن أفتح الكتاب لأحكي لك عن عناوين قصصه أولا... أحب إخبارك بأنني قمت ببحث صغير متطفل حول لؤي الموسوي... أعتذر منك بشأن ذلك لكن فضولي مستفز جدا وأحمق...)
انبسطت ملامح مرجانة من عبوس وداد الطفولي، تجيبها بهدوء: (آخر مرة رأيته فيها حين جاء لزيارتي في المستشفى... إعتذر إلي كثيرا.. لم يتحمل ذنب موت أسرتي وما حدث لي.... تأسفت له وحاولت تخليصه من ذلك فلم أكن أرى غيري مذنبة لكنه لم يتراجع... يبدو أنه إنسان جيد بالنهاية... حين خرج من غرفتي سمعت جلبة كبيرة فأخبرتني الممرضة بأنه تشاجر مع الزبير بالأيدي واضطروا لاستدعاء الأمن كي يفرقوا بينهما.... لم ألتقِ بأحد ممن عرفتهم بعدها أبدا... فقط السيدة حكيمة أرسل لها برقيات من حين إلى آخر ... لا أخفيك سرا هذا يريح بالي أكثر من رؤية شخص خدعته في الماضي...)
ربتت وداد على كفها بمودة تخبرها بما علمته: (ما وجدته من أخبار عنه تَسُر على العموم ... يبدو أن التجربة البشعة أثرت به هو الآخر... الجميع يشيد بأخلاقه الحسنة وشخصيته الوقورة... تزوج من جيهان على فكرة...)
(حقا!)
هتفت مرجانة بتأثر سار فهزت وداد رأسها مؤكدة: (نعم.. ورزقا بأطفال... وفي خضم بحثي علمت بأن نسرين تزوجت أحد رجال الأعمال المغتربين... )
تنهدت مرجانة بشرود، تعقب بوجوم: (يسر الله لهم أمورهم ... وهداهم الله صراطه المستقيم.... دائما ما أدعو لكل الناس الذين خدعتهم بالخير والهداية... يريحني ذلك... الحمد الله...)
أمّنت وداد واستعادت بسمتها المتألقة بينما تفتح الكتاب ذو الغلاف السميك بلون البحر، تتوسطه لؤلؤة تحتمي بقعر محارة أصابتها بعض الشروخ ثم أشارت إلى الفهرس بقولها المتقد بالحماس: (تقتصر ألقاب صاحبات القصص على أول الحروف من أسمائهن... هن يعبرن عن أنفسهن وقصص حيواتهن ... وأنا أختار العناوين حسب إحساسي بهن أو كاقتباس من كلامهن... مثلا...)
أحنت مرجانة رأسها، تتبع إصبع وداد بينما تصغي باهتمام وحماس كالذي تلمحه يشع من عيني جليستها: (هذه القصة... لقب صاحبتها *ض*... أسميت قصتها أثير الضحى.. وردة نضرة وقفت بكل قوة أمام العواصف... تهاوت وفقدت نضارتها لمدة لكنها أبدا لم تمت وعادت لرفع هامتها بكل عزة واستعادت نضارتها الخلابة... قصة أخرى لقب صاحبتها...*ش* ... منحتني الأمل بتعبيرها المتفائل رغم كل ما عاشته من ضنك...فاقتبست العنوان أيضا من قولها الجميل...دائما هناك فرصة أخرى مدام في الروح رمق، البعد غنيمة لكن خوض الغمار عزيمة، الحياة مضمار و لمن ثابر وغفر هي طريق ومسار، نهايته في يد من اتعظ واستنار...*بخافقي ألوذ عن جواك*...
ثم صاحبة اللقب *س*... أسميت قصتها *قلب خارج نطاق التغطية* لأنها تفيض محبة وقوة بدل الكره والانكسار، مهما تعرضت للضغط.
أما صاحبة اللقب..*م*.. امرأة امتلكت القوة و العطاء مغلف بحنان و ثبات كشمس بلادها، تستطع قوية مشرقة لتعلن إشراقة الأمل والحب والخير، متحدية كل الظلام وأشباح الموت.. فأسميتها *قلبي كان القربان* لأنها كذلك فعلت.. قدمت قلبها قربانا بكل بسالة وتفاني.
وهذه التي أطلقتُ عليها عنوان *تراقصت على جمر الجور* فلقبها *ن* امرأة مبهرة ...ربما سلبوها سنوات عمرها لكن قلبها أبدا لا يفقد قدرته على المغفرة والاستمرار بالعطاء.
ثم صاحبة اللقب *د* ....اخترت لها عنوانا يليق بقصتها... يبهجني مبدئها في الحياة حين تقول بأن هناك خيرًا لم تنله بعد ، مهما قابلتها الشرور ، تذكرُ بأن الصبر مفتاح ٌ لأبواب الفرج .... *في حضرة البارون*
وهناك الباقي ... *سمرا* ... *أبواب سقر*... *أحلام تعانق الثرى*....*وطأة اللمسات*...*أهازيج الضلال*....*جريمة قلب* ..*أبية هدت عرين الرق* ...*لعنة مليحة*...)
تلكأت، تبلع ريقها بينما ترمقها ببعض الإحراج وقد طارت شجاعتها حين اختارت لها عنوان قصتها: (المهنة_إحتيال!.... ممم!)
قرأت مرجانة ببعض العبوس ثم ما لبثت أن انفجرت ضاحكة، تغطي فمها بأناقة فارتخت ملامح وداد، تفسر لها باعتذار خفي: (لقد كان مناسبا جدا.. ولم أستطع تجاهله...)
أومأت مرجانة بعد أن تمالكت نفسها، تجيبها بلطف ممتن: (مناسب جدا ... أنت محقة... شكرا لك عزيزتي... )
أغلقت وداد الكتاب تدفع به بخفة نحوها، مجيبة بفخر: (العفو عزيزتي... تفضلي... أهديك لآلئي الغاليات على قلبي وأنت منهن... مهما تعرضت محاراتهن لشروخ موجعة وغائرة لا يفقدن بريقهن الخلاب ولا قوتهن القاهرة... هذا كتابي... مصدر فخري وأكبر إنجازاتي....** لؤلؤة في محارة مشروخة**....)
تمت بحمد الله
🌹🌹🌹🌹احبكم في الله🌹
🌹🌹

noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 19-10-22 الساعة 02:02 AM
**منى لطيفي (نصر الدين )** غير متواجد حالياً  
التوقيع
لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 08:04 PM   #37

fatima94
 
الصورة الرمزية fatima94

? العضوٌ??? » 462876
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » fatima94 is on a distinguished road
افتراضي

تسلم اناملك عملاقتي ختام مبارك ان شاء الله

fatima94 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 08:09 PM   #38

fatima94
 
الصورة الرمزية fatima94

? العضوٌ??? » 462876
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » fatima94 is on a distinguished road
افتراضي

رحلة بنوتة فتحت عيونها ع الدنيي و هيي مطلوب منها تأمن مصروفها لتعيش و مو بس هيك الطريقة حددولها ياها أهلها و هيي الاحتياال و سرقة العالم
أمها و أبوها محترفين من قبلها و عطوها من خبرتهم كورسات و دروس لتتفوق عليهم
**مرجانة كانت فعلا عايشة الدور و راضية باللي اهلها ربوها عليه متلها متل اخوها ادهم اللي كان كمان ع نفس الطريق
//هون بقى كاتبتنا كانت حابة توضح ادي التربية مهمة و ادي خلق الوالدين بينعكس على الأبناء لكنننننننننننننن أبدا ما جعلته مبررر لأن الانسان مخير و عنده عقل و هدا توضح معنا بالاحداث و تطورها//
في لحظة كانت لحظة الصدمة أو الكف اللي صحّى مرجانة و خلاها رجعت تسأل نفسها انا مين ؟؟؟ ولي لحتى عيش كل عمري سارقة هاربة مقيدة ؟!!!!
و مع الوقت و تسارع الأحداث ابتدا الخوف يشتعل جوا مرجانة بالبداية من انها تنكشف لكن ترافق الخوف مع شعور تاني ما كانت بتعرفه و هو صحوة الضمير و اللي صحاه بفضل الله كانت حكيمة الست البسيطة الطيبة اللي هدت مرجانة مشاعر حب صادقة دون مقابل خلتها تستصغر نفسها لحد ما فعلا عزمت على التوبة و التراجع لكن والدها ووالدتها كانوا مصرين
باللحظة اللي كانت مرجانة عم تتشرب الآيات الكريمة و حاسة انها رسالة موجهة الها كانت والدتها عم تحصي غنائم سرقاتها للأسف
والد ووالدة مرجانة و اخوها توفوا قبل ما يتوبوا و يتراجعوا و هدا بحد ذاته كان صادم و حسيت انه الكاتبة ارادت توصل رسالة قوية انه سوء الخاتمة شيء كارثي و إنه الانسان لازم يتيقظ اكتر لفرص التوبة
مرجانة و زبير بعد الصدمة عانوا كتيرررر لأن لكل شي تمن
اكتشفت مرجانة انها مجهولة النسب متلها متل اهلها و عانت جدا لقدرت تتخطى التهم الموجهة الها و تعيش حياة طبيعية بورق رسمي و تقدر تأسس عيلة و بالإضافة لهالشي
مرجانة فقدت اصبعين من أصابعها اللي كانت تسرق فيهم و تحتال عالناس
بس مرجانة تعلمت الدرس و ما يئست من روح الله و غفرانه و صدقت بتوبتها فربها اكرمها بحياة مستقرة و اسرة دافية و طفلين صغار.......
نوفيلا اكتر من رائعة
اسلوب طرح سلس و خلاااااااااب
كلمات بتلامس الروح
شكرا شكرا شكرا منى تسلم اناملك و من إبداع ل ابداع ان شاء الله


fatima94 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 08:12 PM   #39

fatima94
 
الصورة الرمزية fatima94

? العضوٌ??? » 462876
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » fatima94 is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 3 والزوار 1)
‏fatima94, ‏yasser20


fatima94 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-20, 08:20 PM   #40

fatima94
 
الصورة الرمزية fatima94

? العضوٌ??? » 462876
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 331
?  نُقآطِيْ » fatima94 is on a distinguished road
افتراضي

أحبك في الله عملاقتي

fatima94 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:23 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.