آخر 10 مشاركات
رهينة حمّيته (الكاتـب : فاطمة بنت الوليد - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          وصيه ميت للكاتبه:- ميمي مارش (الكاتـب : الاسود المغرمه - )           »          دموع أسقطت حصون القصور "مكتملة" ... (الكاتـب : فيرونا العاشقه - )           »          أزهار قلبكِ وردية (5)*مميزة و مكتملة* .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          قساوة الحب - أروع القصص والمغامرات** (الكاتـب : فرح - )           »          همسات حروف من ينبوع القلب الرقراق..(سجال أدبي)... (الكاتـب : فاطمة الزهراء أوقيتي - )           »          عاشق ليل لا ينتهى *مميزة*,*مكتملة* (الكاتـب : malksaif - )           »          حب في عتمة الأكــــــاذيب " مميزة و مكتملة " (الكاتـب : Jάωђάrά49 - )           »          وَجْدّ (1) *مميزة** مكتملة* ... سلسة رُوحْ البَتلَاتْ (الكاتـب : البَتلَاتْ الموءوُدة - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree1055Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 16-12-21, 09:17 PM   #631

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي جئت إلى قلبك لاجئة


الفصل الأربعون 💜
******
تسلل له صوتها كالنغمة تعزف على أوتار قلبه فيما تتحدث مع أم سيد تطلب منها بعض الأغراض لطاولة الطعام، هبط أحمد ببطء درجات السلم يسمعها تخبرها بأنها ستعد بنفسها قهوة البشمهندس، فتنهد بعمق وهو ينزل ببطء متعمد، يستمتع بهذا الشعور الذي أصبح يربت على قلبه، ويعيد له الحياة التي خسرها منذ زمن لتهرول له على يدي نغم، ابتلع غصة وهو يذكر ما حدث البارحة وكيف كان لقائها مع هالة والتي نغصت عليه فرحة مقابلته بنغم!؛ نغم التي لم تسمح بإعادة الحديث عن هذا الأمر بكبرياء متعمد!؛ أحس بها أنثى تطارد أشباح غيرتها بكل ما أوتيت من قوة، تتهرب من النظر لعينيه ومن الجلوس معه بذات المكان، عندما رجع من عقد القران وجدها نائمة في الشرفة وعلى طرف عينها دمعة معلقة ألمت قلبه ليمسحها بطرف أنامله وينظر لها بقهر وقلب ملتاع قبل أن يحملها بين ذراعيه ويضعها بخفة على سريرها، ليغلق الشرفة ويجلس بجوارها يحدثها في صمت علها تسمع اعتذاره وندمه وتنسى رغم أنه على يقين أن هذا أمر صعب.
توقف أحمد عند أسفل درجة وظل يحدق فيها بينما تنحني ترتب الطاولة باهتمام شديد، ابتسم بصفاء نافضا عنه ذكراه المُرة وهو يراها بطلتها البهية!؛ بنطال من الجينز الذي رسم ساقيها ورغم أنها ارتدت بلوزة طويلة نسبيا لكنها لم تستطع مدارة رسم البنطال لها بتلك الصورة المغرية، فيما كانت البلوزة ذات حزام على وسطها ليكون إغراء آخر يؤجج الحرارة في رأسه، ابتلع ريقه وتوقف عند شعرها الذي عقدته بكعكة كأنه سيهرب ليبتسم وهو يفكر كيف يفك تلك العقدة؟، مسد لحيته ولاحت على شفتيه بسمة يحمد الله بأنها قبلت تلك الملابس التي اشتراها لها، صحيح اختارت أكثرها حشمة لكنها باتت عليها كحورية خرجت للتو من أسطورة، لقد اختار كل ملابسها بدقة ولم يع بأنه سيكون المعذب فيما يشعر بها ليست بعد من حقه حيث لم تجد المسمى لعلاقتهما بعد وها هو هذا المسمى ربما سيطول الوقت لتجده بعد ما حدث!؛ انطفأت بسمته لوهلة قبل أن يسير تجاهها لتحس به نغم فتعتدل وهي تنظر له لتعود بسمته الصافية حين تلاقت عينيهما .
ساد صمت للحظة قبل أن يقطعه أحمد يلقي الصباح عليها، تلقائيا مسدت تلك الشامة على رقبتها وهي ترد الصباح عليه بخفوت، تعلق أحمد بموضع أناملها قبل أن يزفر طويلا وهو يدور حول الطاولة ويجلس مكانه ليخفي تأثره بتواجدها المهلك في محيطه، سحبت نغم هي الآخرى الكرسي وقعدت، تتلاعب بالطعام في صمت ليشعر أحمد بالألم يغرس في صدره فنغم رغم محاولاتها لاصطناع عدم الاكتراث إلا أن أفعالها غصب عنها تظهر ما تخفيها، سحب شطيرة من الطبق ووضع عليها بعض المربى قبل أن يمدها لها ويهمس باسمها، هنا نظرت ليده الممدودة لها وهمست بخفوت:
" لا تتعب نفسك بشمهندس، أنا أأكل!"
قرب أحمد الشطيرة أكثر منها حتى وصلت لفمها لتحس أنه يكاد يطعمها بنفسه وارتبكت فيما يقول:
" ليت كل التعب بتلك الحلاوة يا نغم!"
زاغت عيناها وتشتت نظراتها، تبحث عن اللاشيء فيما تأخذ منه الشطيرة تتمتم بشكرا وعادت لتلك الحركة التلقائية بتحريك أناملها على على شامتها لتتأجج الحمم في جسد أحمد الذي فكر كيف سيكون حاله لو كانت شفتيه تطوف على رقبتها ثم شامتها بدلا من أناملها، تنحنح الأخير ينفض أفكاره التي يعي بأنها قيد إيجاد المسمى الذي أصبح كشبح يؤرقه، مسد على جبينه بإرهاق وهو يفكر أنه منذ ما حدث في الشركة ويشعر بخجل شديد لضمها، يحس بأنه لا يستحق هذا، وكأن هالة جاءت تذكره بما فعل وبأنه لا يستحق ما يعيش ، أغمض عينيه بقوة يهتف في نفسه:
( خطأ شنيع أعلم، لكني تبت إلى الله وسأظل أتوسله للسماح، ليتني أنسى وأمحو الذكرى عن رأسي وتزول عن نغم).
هنا فتح عينيه يختلس نظرة لها فيما تأكل بشرود من الشطيرة ويتساءل في نفسه عن ما يدور في رأسها!؛ هل تفكر فيما حدث!؟؛ هل تتألم، هل ذاك اللمعان في عينيها دموع ؟!، زفر بقوة ثم قال بصوت أجش في محاولة لإنهاء صراع رأسه:
" ألم تنته ياسمين بعد من الدراسة!؟"
رفعت نغم عينيها بتساؤل كأنها لم تسمعه ليغتصب بسمة ويعيد السؤال لتنظر لساعتها وتهمس:
" دقائق وتنتهي!"
وكان يعلم ذلك لكنه يبحث عن طرف خيط للحديث فهمس قائلا:
" نمتِ باكرا البارحة!؟"
عضت على شفتيها وصمتت شاردة للحظة، تفكر كيف كان الوقت ثقيلا وهي تنتظره وتفكر في صباحها الذي انتهى بوجع يشق صدرها لتغفو دون أن تدري، تنهدت تنفض أفكارها وهمست :
" كنت مرهقة، لم أشعر بك عندما عدت!"
تنهد طويلا وهو يتناول قهوته التي أعدتها بنفسها:
" لا بأس…"
صمت لوهلة ليرتشف القهوة ثم قال:
" رغم أنني تمنيت لو أنكِ مستيقظة !"
احمرت وجنتيها وتمتمت بكلمات غير مفهومة ليتنحنح وهو يوضح بمرح :
" كان جدول أعمالي ممتلأ ولم تساعديني فيه!"
ابتسمت تعي بأنه يعدل من مزاجها لترد:
" ماذا كنت تفعل قبل أن أت لهنا وأبدا بتنسيق جدول أعمالك!"
" تائه ووجد طريقه عندما جئتِ لدربه!"
قالها أحمد بصراحة دون أدنى مواربة وهو يمد كفه يضم يدها الصغيرة لترتجف نغم وهو تحدق موضع يديهما ثم تنظر له بعينين ملؤهما الخجل والدهشة، مزيج من المشاعر لا تحدد ماهيته، لكنها تدرك جيدا بأن لمسته الآن كأنه يلمس روحها، يصالحها، يتوسلها بنظرة عينيه، يناديها بالكثير في صمت، أطبقت على شفتيها عندما أطبق على كفها التي كانت تسحبها بارتباك ليرفعها قرب شفتيه، يلثم باطن كفها ببطء أهلك أعصابها ثم همس وهو ينظر في عمق عينيها:
" شكرا لأنك هنا يا نغم!"
حدقت الأخيرة فيه متسعة العينين، تحس بنبضات قلبها تتقافز في صدرها بينما الدفء يتسلل لكل خلاياها من أثر لمسة كفه وقبلته، تشتت أفكارها ونار الغيرة التي تلتهمها، فتمنت للحظة أن تفعل كما أخبرت تلك المرأة وتزيل عنه أثرها، ابتلعت غصة وهي تسبل أهدابها تتساءل هل حقا يشعر بأثر تلك القبلة إلى الآن؟!، شردت مليا لا تدري أنها تركت كفها في يده والأفكار تراود رأسها لتنظر له وتتعلق بعينيه، تلقيه بألف سؤال وسؤال، ليرد إجاباتها في صمت معذب ليرى تعلقها بموضع شفتيه ليحس بالخجل الشديد من نفسه ، يعي بأنها تفكر فيما قالته هالة ليشعر بالسكاكين تنغرس في صدره.
صوت خطوات على السلم أجفلهما لتسحب نغم كفها منه بسرعة وتستدير عنه، تعي مقدار شرودها، تقضم قطعة كبيرة من الشطيرة تلتهي فيها فيما هو أسبل أهدابه لوهلة حين اقتربت ياسمين بطلتها البشوشة تلقي الصباح عليهما ثم تنحني قرب أخيها تقبله على خده بعمق ثم تنتقل لخد نغم لتقبلها هي الأخرى وكأنها فراشة تنتقل بينهما دون أن تدري، ولم تحس بتخضب وجنة نغم التي ردت عليها الصباح بصوت يكاد يكون مسموع.
تقبض أحمد بيده حول فنجان القهوة عل الدفء الذي انسحب مع كف نغم يتسلل له مرة أخرى فيما ينظر لأخته يوليها انتباهه ويتفحص ملامحها التي بدت مشرقة ليحس بالفرق الكبير الذي ظهر على وجه ياسمين!؛ أخته رغم تأثرها الشديد من لقاء أمها والذي ظهر في اختفائها عندما عاد مع نغم ثم في حديثها معه قبل أن يذهب لعقد قران جلال ليرى وقتها عينيها التي ترك البكاء أثر عليهما إلا أنها الآن بدت متفتحة كوردة تمت سقايتها وانتعشت تستقبل الحياة!؟؛ وتساءل؛ هل هذا ما يحدث عندما يلتقي الأبناء بآبائهم!؛ ابتلع غصته وقال لأخته التي جلست على كرسيها!:
" كيف حالك في الدراسة ياسمين!"
زفرت الأخيرة في راحة وهي تقول بحماس:
" بخير ، وأعتقد أن كلية الهندسة في انتظاري من الآن!"
علت ضحكة أحمد لتتعلق نغم بجانب وجهه وتتداخل كلماته مع نغم لتتشوش في ذهنها فيما تشرد بتلك المشاعر التي تغلب على كل أفكارها، وتناديها لتضمه تنسيه كل أوجاعه، سلطان جديد يتحكم فيها وهي تدرك أن تلك الضحكة التي يخص بها أخته خلفها ألم عميق، تفكر كيف عانى وحده تلك الفترة بعد فسخ خطبته وكيف أنه تخبط وحده ولولا أن لديه بعض القوة لتاه حقا دون أن يجد طريق للعودة، رمشت تتساءل، هل تبحث له عن مبرر!؟ أم لنفسها الأبية التي تحرضها داخلها عليه ثم ما تلبث وتجذبها مشجعة لها أن تداويه!؛ أسبلت أهدابها وعادت تتناول طعامها لا تجد إجابة لمعضلتها.
عندما انتهى الفطور ، استقام أحمد لتقف نغم بالتبعية والتقطت كوب القهوة الحراري التي أعدته له ليأخذه معه بينما ياسمين ظلت مكانها تكمل فطورها بعدما طبع أحمد قبلة على خدها.
سارت نغم جانبه بصمت فيما تحمل بين يديها القهوة، وعند باب الفيلا وقفت تعطيه الكوب ليقبض على كفيها بيديه ونظر في عمق عينيها قائلا بتوسل:
" نغم، بوحي وسأسمعك، سأتفهم ما تشعرين به، حتى ولو كان عتاب لي أو حتى صفعة..!"
أسبلت أجفانها فيما يكمل:
" نغم، أعلم ما حدث ليس سهل وبأنك تعيشين صدمة لكن صدقيني لو حملناها معا ربما تخطيناها!"
" قهوتك…"
قالتها نغم كأنها لا تسمعه ليغتصب بسمة وهو يأخذ الكوب فيما تسحب هي كفيها ليسبل أهدابه يجمح تلك الأمنية بعانقها، ولا يتركها ثم يطبع قبلة عميقة على جبينها ..
تحرك بألم بعدما ألقاها بنظرة معتذرة، رمقته نغم بنظرة شاردة فيما يبعد خطوتين عنها قبل أن تنطق باسمه( أحمد)
هنا تجمد في مكانه واستدار لها يسألها في صمت عندما اقتربت منه ونظرت له مليا ثم قالت:
" ماذا لو عادت اليوم!؟"
رمش أحمد يستوعب سؤالها ليدرك ما تؤول له فابتسم لها بحب وقال:
" لن تأتي وإن أتت لن ألتقي بها… ليس خوفا.."
وقطع كلماته ينظر في عمق عينيها التي تترقب باقي حديثه عندما أكمل:
" لكن مثلها لا يستحق أكثر مما نالت، ولا حتى ذكر اسمها!"
ثم أضاف بنبرة ذات مغزى :
" ولا أعتقد أنها ستعود فما سمعته مؤكد جعلها تحترق إلى الآن.."
ولم تكن نغم في حاجة لشرح عن مقصده فيما تتذكر ما قالته لهالة وتتساءل بدهشة من أين أتت بتلك الجرأة للرد عليها هكذا وكيف لم تنتبه أن أحمد معها على الهاتف، ماذا سيظن بها!؟.
تفحص أحمد ملامحها الشاردة وانصهار وجنتيها فيما تتهرب من النظر له مدغدغة رجولته ليبتسم لها رابتا على وجنتها ثم قال بدفء يطمئنها:
" لا تخافي أبدا يا نغم!"
نظرت له وقالت بعد تنهيدة قصيرة:
" لن أخاف!"
★★★
أحاط علي وجهه بكفيه واستند بكوعيه على مكتبه بينما صداع نصفي يكاد يشق رأسه لنصفين، ها هو أتى لمكتبه منذ الصباح باحثا عن حواء ليعلم ماذا حدث بعدما سلمت المشروع لكنه لم يجدها لقد أخذت اليوم إجازة لاستقبال أحد أقاربها في المطار وعندما اتصل بها وجد هاتفها مغلق ليحس بأن كل شيء ضده، كل شيء يؤرقه ويؤلمه، لا يدري كيف ومتى وصل لتلك الحالة، رفع رأسه بإرهاق، ينظر للاشيء والقهر يتوغل في صدره، ينتشر كالنار في الهشيم، حرك يده على رأسه بعنف قبل أن يتناول فنجان القهوة ويرتشفه جرعة واحدة، تركه بحدة وطلب فنجان آخر ربما هدأ من صداع رأسه الذي لا يريد الهدوء، نظر للفنجان الفارغ بتهكم وتساءل في نفسه:
" يا علي، أنت لم تعد تحسب عدد فناجين القهوة التي ارتشفتها اليوم وكلها لم تؤثر، أنت في حاجة لمعجزة !"
هنا قام بحدة من على الكرسي ليتحرك الأخير يكاد يقع فيما تقدم لوسط المكتب، دارت عيناه في المكان بينما قبضتيه تتكور جانبه ربما أمسك نفسه عن الصراخ، وهو يرى حياته كلها تنهار أمام عينيه وبفعل من؟!؛ أغمض عينيه يمنع تسرب ندى لمخيلته بنظرتها الراجية في الصباح وتوسلاتها لأن يسامحها وبأن كل شيء سيكون بخير، بكاؤها وشهقاتها تطفو فوق ألمه فتزيده أضعاف! .
دقات خفيفة على الباب صاحبها صوت السكرتيرة تطلب الدخول، قطع عنه شروده، نفض هذا كله وسمح لها بالدخول لتتقدم وتضع الفنجان دون أن يتحرك من مكانه وكأنه تسمر في وقفته ، اقتربت السكرتيرة منه بعدما وضعت القهوة وقالت:
" المدير يريدك في مكتبه بعدما ينهي الاجتماع مع العميل!"
ارتجف فك علي دون إرادته والتفت عنها يمنعها من رؤية ملامحه المتوترة، أخذ الفنجان من على المكتب وارتشف القليل ثم قال دون أن يستدير لها:
" حسنا، عندما ينتهي الاجتماع أعلميني!"
ردت السكرتيرة بنبرة عملية بنعم، محدقة في ظهره بعدم فهم، تشعر بأنه فاقد لهدوئه على غير عادته لكنها التفتت متوجهة لمكتبها دون أن تنطق ببنت شفة.
كز علي على أسنانه يحس بالانهيار الوشيك، خسر كل شيء، ضاع الحلم…
نغمة الهاتف انتزعته من تفكيره، تلك النغمة الخاصة بندى والتي لم تكف عن الاتصال منذ جاء للمكتب،تناول الهاتف من على المكتب وأسكته بعنف، يمنعه من الرنين، ثم ارتشف قهوته وعاد ليجلس على المكتب في انتظار مصيره الحتمي.
نظرت ندى للهاتف والدموع تنساب بلا هوادة على خديها، علي يغلق الهاتف في وجهها، لا يريد سماع صوتها، لكنها تتمنى لو اطمئنت فقط عليه.
تقلصت يدها حول الهاتف وهي تطلب الرقم دون ملل ليأتيها ذات الرد بعد رنة واحدة ( مشغول) لتدرك بأنه لن يرد عليها وسيظل يغلق في وجهها كلما اتصلت.
احتارت ماذا تفعل وهي تتحرك في البيت جيئة وذهابا حتى أنها فكرت أن تذهب له في العمل لكنها تراجعت خوفا من غضبه في وقت كهذا، قلقت أن لا يتحكم في أعصابه لكنها ستموت قهرا إن لم تطمئن ، استجابت لتلك الفكرة التي راودتها وطلبت رقم عمها ليأتيها رده بصوته الرخيم الحنون يربت على قلبها الملتاع وهو ينطق باسمها ليقابله صوتها الباكي المختنق وهي تنطق( عمي) وصلته الكلمة ملؤها الرجاء والوجع كمن تستغيث به، لينتفض قلب صلاح وهو يخلع نضارته الطبية يمسح عينيه ويقول بقلق:
" قلب عمك ما بك...؟!"
كان وكأنه ضغط على زر تحرر أوجاعها لتثرثر بكل ما حدث دون نقصان وبين كل جملة والأخرى تستغيث به أن يساعدها وأن يعطيها حلا لمعضلتها التي باتت تهدد حياتها، كان صلاح يسمعها مشدوها وكله ألم لحال ندى التي يصله صوتها منهارا باكيا كطفلة صغيرة تبحث عن أمها وتريده أن يساعدها.
همس صلاح بعد لحظة صمت، حاول فيها استجماع الخيوط :
" اهدئي يا ابنة الغالي وبإذن الله سيكون كل شيء على ما يرام!"
كتمت ندى شهقتها بأناملها المرتجفة وقالت بصوت مرتعش بينما قعدت على الاريكة تمنع سقوطها:
" لا يا عمي، تلك المرة لن يعود شيء كما كان!"
تعالت شهقاتها وأضافت:
" أنا خسرت علي!"
ثم فتحت كفها وأكملت بلوعة:
" بيدي فعلت، خسرت زوجي !"
ابتلع صلاح الغصة وهو يفكر بأن حديثها حقيقي وبأن علي لو بالفعل فقد عمله وسمعته في الشركة بتلك الطريقة، لن يسامح ندى أبدا، أسبل صلاح أجفانه داعيا الله بتيسير الأمور ثم قال لها:
" ندى، أنا نصحتك كثيرا أنا تحافظي عليه، قلت لكِ بأنه لن يفكر في غيرك وبأنك الوحيدة لديه لكن الغيرة أعمتك!"
قابله الصمت الممتزج بنحيبها فقال متابعا:
" أنا لا أريد تذكيرك بما حدث لكنك في حاجة لمن يضغط على جروحك لتفيقي يا ندى، ولست في حاجة لأخدعك وأطبطب وأقول بأنه دون إرادتك وقتها تأكدي بأنك بالفعل ستخسري علي!".
ابتلعت غصتها وقالت:.
" وأنا هكذا لم أخسره!"
" إدعي أن لا يفقد عمله ووقتها عليك الإعتراف بأخطائك دون مواربة لنفسك وله ربما سامحك وإن أصر على سفرك لا بأس.."
تمتمت بلا ملتاعة فقال برفق:
" ندى، ربما الابتعاد عن حيزه يفيدك !"
همست مختنقة:
" سأقتل حية لو ابتعدت عن علي يا عمي، أرجوك جد لي حل!"
مسحت دموعها بارتجافة واضحة وتابعت بحشرجة:
" أنا معترفة أنني ضغط عليه، أنني مخطأة وبأن كل ما حدث ليس لعلي فيه ذنب، كل هذا من أفكاري الواهمة وسأدفن تلك الأفكار في العمق حتى لا تطفو لأجل أن أحيا معه!"
" لست في حاجة لدفن تلك الأفكار في العمق بل أنتِ في حاجة لمحوها يا ابنة أخي!"
قالها عمها بحزم لترد مرتجفة:
" سأفعل، أقسم سأفعل لكن لا أريد ترك ترك علي!."
في مكتب علي، كان لا زال على حاله القلق بينما يتصل بحواء دون جدوى حين دقت عليه السكرتيرة تعلمه بطلب المدير له وبأنه أنهى الاجتماع.
وقف علي بتوتر، يزرر القميص ويضبط رابطة عنقه التي ارتخت ثم هندم بدلته قبل أن يتوجه للمدير .
هناك أذنت له السكرتيرة ليرسم بسمة عملية قبل أن يدخل للمكتب محاولا استنباط ما يجول في خاطره من ملامحه لكن المدير كان كعادته عمليا ثابتا، لم يظهر عليه شيء لكنه أيضا لم يكن واضحا عليه الضيق مما أراح علي بعض الشيء خاصة حين قال له بترحاب أن يجلس .
قعد علي امام المكتب بتوتر حين قال له المدير:
" أبليت بلاء حسنا يا علي، العميل خرج للتو وقد تم الاتفاق على كل شيء لقد كانت دراستك للمشروع والميزانية بالنسبة لي وله ممتازة!"
للحظة ظن علي بأن ما يسمعه حلم فيما يرد باقتضاب بكلمات عملية فهو بالفعل لا يفهم شيء، فما يسمعه يتناقض مع الخطأ الذي ارتكبه.
انتزعه من تخبطه صوت المدير يسأله عما يشرب قبل أن يطلب لهما قهوة معا ويتابع وقد ارتسمت على محياه بسمة مرتاحة تدل على رضاه عما آلت إليه نتيجة الاجتماع:
" الاجتماع القادم عليك حضوره لكن الرجل كان في عجلة من أمره اليوم كما انني انتظرت حتى تعود حواء من إجازتها ليتم كل شيء في حضوركما!"
كان كل شيء بالنسبة لعلي مشوش لكن كان يتسرب له راحة المدير وبسمته وانطلاق صوته فيزيل عنه هذا بينما يتابع الأخير:
" جهز نفسك يا علي، أعتقد بأن حواء قالت لك بأنها رشحتك لحضور حفل الفندق!"
قال علي وقد ارتسم الهدوء على محياه:
" أشكر سيادتك على تلك الفرصة لكني…"
قاطعه الرجل بحزم لطيف:
" لا يوجد مجال للرفض يا علي، لقد تم البدء في التجهيز بالفعل!"
هنا شرد علي لوهلة وهو يومأ برأسه بالموافقة ولا يدري ماذا يفعل!؟.
عندما خرج من المكتب، تنفس الصعداء، يحس بأن أنفاسه كانت مختنقة وأخيرا تحررت ولا زال غير مصدق لما حدث، تناول هاتفه من جيب سترته فيما يسير في الممر ليتصل بحواء علها ترد لتجيبه الأخيرة فقال بلهفة:
" اتصلت كثيرا!"
" عذرا يا علي، كنت مشغولة واضطررت لغلق الهاتف!"
" شكرا حواء!"
قالها علي ملؤها الامتنان لترد حواء وقد فهمت مقصده:
" على الرحب يا صديقي!"
قال بهدوء بينما يتوجه للمكتب:
" لا أدري كيف أرد لك هذا الجميل!"
" علي، ليس بين الأصدقاء ما تقول، ثم أنني لم أفعل شيء، أنت من قمت بدراسة الميزانية كاملة والخطأ تم تداركه الحمد لله!"
قالتها حواء بنبرة هادئة عملية لم تخل من مشاعر الصداقة بينهما ليرد علي وهو يفتح باب مكتبه!:
" تهونين علي!"
ضحكت بخفوت وقالت:
" لا أبدا، لكن صدقني نحن معرضون لمثل تلك الأخطاء وأنا عن نفسي وقعت ذات مرة في خطأ كهذا وتداركه أحدهم!"
شردت للحظة قبل أن تكمل:
" لذا فلنحمد الله أن الأمر مر ولنحذر المرة القادمة!"
تمتم علي بنعم ثم أضاف:
" كنت أود الاعتذار عن الحفلة يا حواء!"
هتفت الأخيرة بلهفة:
" لا أعذار يا علي، لقد تم الاتفاق على كل شيء!"
أغلق الأخير الاتصال معها بعد لحظات وقد أيقن أنه لا يوجد مجال للتهرب من الحفلة التي لا يعلم ماذا سيفعل فيها وقد انتهى كل شيء!.
فك رابطة عنقه وزر العلوي من القميص وسحب نفسا عميق، يملأ رئتيه بالهواء وقد أحس أن يفتقده عندما اتصل به عمه ليرسم بسمة مرتجفة وهو يجيبه ليأتيه رد الأخير يسأله بلهفة عن العمل ليعي بأن ندى حكت له فتمتم بأن كل شيء بخير.
فسأله صلاح:
" حقا ، أم مجرد حديث!؟"
هز علي رأسه بنعم فيما يؤكد قوله ثم بدأ في التوضيح عن ما فعلته حواء وتداركها لهذا الخطأ الفادح، تنهد صلاح بأسى ليعاتب ندى في سره عن تسرعها فها هي كانت سبب انهياره وتلك الحواء لملمت هذا، ماذا لو علي بالفعل من كثرة الضغوط مال لها!؟؛ ابنة أخيه لا تدرك فداحة أفعالها لذا همس يحاول جمع شملهما:
" لقد قالت لي ندى بأنك سوف ترسلها لي!؟"
لاح الألم على محيا علي وأجابه بنعم ليرد صلاح محاولا أن يحيده عن رأيه:
" فلتصبر عليها يا ابني، دعها معك وهي علمت خطأها!"
قال علي بعد تنهيدة:
" يا عمي، كلانا في حاجة لفترة راحة، نبحث فيها عن الخطأ في علاقتنا، نبحث عن الشيء الناقص لأن ما تأكدت منه بأن الحب أحيانا لا يكفي لبناء عائلة!"
كان صلاح متأكد من صدق حديث علي وبأنه على حق لكنه حاول قائلا:
" ربما لو منحتها فرصة تعود لطبيعتها خاصة أنها تعي خطأها ومعترفة به!"
" على ندى مواجهة تبعات ما فعلت يا عمي!؛ لذا ستعود لتعيش معك حتى أتي لها في الإجازة ووقتها نفكر ماذا سيحدث بعد ذلك!"
قالها علي بإصرار غير قابل للجدل ليقول له عمه بقلق:
" أخاف أن لا تتحمل ندى بعدكما يا علي، انتبه يا ابني!"
للحظة ارتجف كيان علي قلقا عليها لكنه استعاد باق قوته وقال:
" كل ما حدث كان اختيارها يا عمي ويشهد الله بأنني لم أقصر في حقها لكن حقي أنا أيضا أن اجد راحتي حتى تطمئن حياتنا وتستقيم أو ..."
وقطع حديثه وقد أحس بنغزة في قلبه لمجرد الفكرة ليبتلع ريقه ويصمت عندما قال صلاح بأمل:
" ستستقيم حياتكما يا علي، قل يارب"
يتبع 💜💜

Miush and noor elhuda like this.

آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 16-12-21, 09:19 PM   #632

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي

صف جلال السيارة في فيلا منصور لتكون نورا أول من يترجل منها للخارج، نظرت لها أمها عبر المرآة الأمامية ثم تبادلت النظر ما بين جلال الذي أغلق محرك السيارة وسارة التي لا زالت تجلس في الخلف والتي قالت وهي ترى نورا تسير تجاه باب الفيلا الرئيسي بإرهاق شديد:
" نورا متألمة كثيرا ولم تنطق طوال طريق العودة!"
زم جلال شفتيه وهو يلتفت لها ثم قال:
" ستكون بخير، سفر خالد جديد عليها ولم تعتاده وفور أن يتصل بها عند وصوله أعتقد سوف تتحسن!"
تمتمت سارة بتفهم فيما قالت ماجدة:
" نورا أصبحت قوية وأدرك أنها ستعتاد سريعا!"
غمز لها جلال ليقول بنبرة مرحة :
" الشوق يا أمي كالنار يبدأ خفيفا ثم يشتعل فلا تتوقعي منها الاعتياد على غياب خالد بل أخاف أن تفكر ابنتك في السفر له لو ظلت على حالها هذا !"
ضحكت ماجدة ولكزته بخفة ثم قالت:
" سأكون مرحبة!"
استدار جلال لها ووضع ذراع على الكرسي وآخر على المقود وادعى الجدية قائلا :
" وأنا بصفتي ولي امرها لن اوافق، كيف أتركها تسافر دون وجودي !"
قالت ماجدة بذات الجدية تحاكيه في نبرته:
" لا تنسى بأن خالد زوجها يا جلال منصور!"
هنا استدار لسارة الجالسة تتابعهم باستمتاع وبهجة ثم نظر لأمه غامزا وقال بنبرة ذات مغزى:
" إذن بما أن سارة زوجتي فحقي سرقتها!"
ضيقت الأخيرة عينيها بعدم فهم كما عقدت ماجدة حاجبيها وهي ترى جلال يترجل من السيارة ويفتح الباب الخلفي ثم انحنى يقبض على كف سارة التي تعلقت بوجهه وارتعش كامل جسدها رغم الدفء الذي تسرب لها إثر لمسة جلال الذي سحبها من مكانها وأردف:
" أنت قيد الاعتقال سارة علوان!"
وقادها لخارج السيارة لتسير خلفه متعرقلة في خطواتها والدهشة ترتسم على محياها تهتف بجلال بأن ينتظر في حين لاح الادراك على ذهن ماجدة التي ترجلت بسرعة من السيارة تهتف بابنها:
" جلال ، انتظر إلى أين !؟"
لم يلتفت لها وظل يسحب سارة التي تلتفت لماجدة بنظرات مستنجدة وهي تسمعه يقول:
"إلى حيث يجب أن تكون سارة!".
تكتفت نورا وهي تتوسط بهو الفيلا، تمنع دموع غزيرة من الهطول، لا تصدق أنها عادت دون خالد وبأن الأخير قد عاد لدبي، الفكرة التي كانت تخاف منها حدثت وهي تعي الآن بأنها ليست على مقدرة لفراق خالد لكن ما يجعلها تقف دون أن تقع بأنها أصبحت زوجته وبأن الفراق لن يطول كثيرا لكن قلبها يئن من الوجع فكيف تتحمل عدم رؤيته وجها لوجه ولقائه الذي بات ينعش خلاياها فتحس بمذاق الحياة، تحسست ذراعيها تذكر وداعهما في أرض المطار لقد قامت بتوصيله بسيارته والتي أعادتها للفيلا الخاصة به قبل عودتها لهنا مع جلال، حيث أوصل الأخير راشد ومعه سارة في السيارة أما هي فأوصلت خالد ومعها أمها.
تنهدت وشبح بسمة متألمة يرتسم على شفتيها فيما تذكر سلام خالد لها والذي جذبها لصدره دون أن يتردد معانقا لها بشوق يضاهي شوقها بل أحست بأنه يزيد عندما تخلى خالد عن هدوئه وتماسكه وهو يضمها غير مكترث بكل من يحاوطه ولا بنظرة جلال العابثة والتي داراها بنظرة جدية مدعي عدم الرضا لهذا العناق والذي جعل نورا تحس بخجل شديد ووجنتين منصهرتين لكن ما لبثت أن تشوشت الرؤية لديها ولم تعد تشعر بوجود أحد إلا خالد وهي تضمه بذراعين مرتجفين وتبكي مبللة صدره هامسة بألم:
" سأشتاق لك يا خالد، أفتقدك من الآن!"
اعتصرها خالد بين ذراعيه يكاد يخفيها وهو يقول بحشرجة:
" سأحاول العودة بأقرب وقت حبيبتي!"
ورفع رأسها عن صدره بلطف، يمسح وجنتيها بأنامل مرتعشة وهو يقول بدفء تسلل لأوردتها :
" لكن لا تبكي، ساحرة خالد!"
ارتجفت بسمتها وهي تتمسك بكفه ثم قالت:
" الساحرة تتمنى حبسك في بلورتها ولا تسمح لك بالسفر!"
مسح على خدها برفق وقال بصوت أجش:
" هذا أحب ما عندي، فأنا أسيرك ساحرتي راضيا !"
انهمرت دموعها بكثافه فضمها له وقال:
" نورا، أريدك قوية وسأتصل بك دوما!"
زفرت طويلا وقالت بصوت متحشرج:
" لا تقلق سأكون بخير لكن لا تتأخر في اتصالك!"
احتضن وجهها بين كفيه وقبل جبينها ثم أردف:
" فور وصولي سأتصل بك وأريد أن أسمع صوتك هادئا حتى لا أقلق يا نورا!"
تمسكت بخصره متعلقة بعينيه وهي تردف:
" لا تقلق حبيبي سأكون بخير!"
كلمة حبيبي منها جعلت الدماء تتصاعد لرأسه فانحنى قائلا قرب أذنها بهمس أصهر بحواسها:
" كلمة حبيبي تلك تجذبني لتذوق شفتيك يا نورا!"
أحس بها تتململ وهي تهمس باسمه تتلفت كأن أحدهم سيسمعه ليبتسم مشفقا عليها وهو يمسد وجنتها قائلا :
" ما رأيك لو عدنا للفيلا وقضينا وقت سلامنا في الجناح الخاص بي!"
ضحكة خافتة منها وهي تتذكر كيف قضت الليلة مرتاحة على كتفه، يجلسان أرضا بينما يحاوط كتفها بذراعه مستندة برأسها على كتفه يمطرها بكلمات حب وعشق متبوعة بقبلاته التي غزا قلبها بها والتي إلى الآن لا تعلم كيف استجابت لها بل وكانت كأنها على شوق لذلك، خالد أحيا أشياء داخلها لم تعلم أنها تعرفها، صوته أفاقها وهو يقول بمكر:
" واضح بأن الفكرة أعجبتك!"
ضحكة أخرى جعلته يضمها له وهو يقول بحب شديد:
" أتمنى أن يكون لقائنا المرة القادمة في هذا الجناح وقد انتهى العمل فيه حتى لا نقضي اليوم على الأرض!"
رفعها عن صدره ومسح خديها بأنامله وهو يقول:
" نبهي على مهندستنا الكسولة أن تنجز سريعا فالأرض غير مريحة لجلستنا!"
صوت جلال قاطعهما وهو ينطق باسم خالد لتنتفض نورا بعيدا عن خالد لتدرك بماهية المكان والزمان وهي تتلفت حولها بحرج بينما جلال لم ينظر لها مانعا عنها هذا الخجل مشفقا عليها من أن تتلاقى بعينيه في ظل مشاعرها تلك، تقدم نحوهما وسحب خالد لعناق رجولي يخبره بافتقاده من الآن.
ابتعد جلال عن خالد خطوة فيما يختلس النظر لأخته الغارقة في دموعها وعلى الجانب الأخر على بعد خطوات كانت سارة لا زالت تسلم على أبيها متعلقة بخصره تكاد لا تفلته وهذا ما جعله يبتعد عنهما يمنع تأثره من لهجة سارة المعذبة المشتاقة دون دمعة واحدة ورجا لو سألها لما لا تبكين!؟؛ كيف لتلك الدموع أن تتحجر هكذا في عينيك فهو لا يذكر منذ قابلها أن بكت حتى في أوج حزنها واعترافها بحبها له واضطرارها للافتراق لم تبك، كثير من الأفكار دارت في رأسه وتمنى لو سأل سارة فربما وجد لديها جواب لكنه آثر الصمت وتوجه ليسلم على خالد مانعا أخته هي الأخرى من الانجراف في مشاعرها لتتدخل ماجدة تسلم على خالد الذي قبل وجنتها قبل أن يضم كفيها بين يديه ويقول:
" شكرا يا أمي لكل شيء!"
دمعت عينا ماجدة بتأثر وهي تمتم قائلة بنبرة ذات مغزى وصلت لخالد :
" بل أنا من عليه شكرك يا ابني!"
كلمات ماجدة جعلت نورا تتحفز وهي تفكر علام تشكره أمها لكن مشاعرها المضطربة في تلك اللحظة شوشت عنها الفهم فيما قطع خالد عنها أي تفكير وهو يجذبها جواره يحاوط خصرها ويقول بهدوء:
" تركت أمانتي لديكم، لن أتأخر لأخذها!".
" جلال، انتظر يا ولد ، جلال!"
كان هذا صوت ماجدة الذي قطع شرود نورا وانتزعها من أرض المطار لتدرك أنها في الفيلا وبأن أخيها يسحب سارة من يدها حتى أنها لا تلحق خطواته وماجدة تهرول خلفهما في موقف ربما لن تنساه أبدا لتنطلق منها ضحكة وهي تسأل جلال بدهشة:
" إلى أين!؟"
أخيرا توقف جلال بينما يقبض على كف سارة التي تحاول سحبها منه دون فائدة ليقول لأخته التي قطعت الطريق عليه:
" سأري لسارة طريق غرفتها!"
" أنا من سيفعل؟!'
قالتها ماجدة عندما وصلت لهم بأنفاس لاهثة وسحبت سارة لها والتي كتمت ضحكة خافتة عندما قال جلال معترضا وقد وجد سارة تحاول التملص منه:
" بل أنا من سيفعل!"
نظرت نورا لسارة العالقة بين أمها وجلال، كلا منهما يمسك بكف في حين سارة تتخضب بحمرة واضحة وهي تتمتم بأنها تريد فقط أن يعلموها الطريق وستفعل وحدها لكن بدا أن كلا منهما لا يسمعها خاصة عندما سحبت ماجدة يد سارة من كف جلال الذي نظر لأمه باستنكار وهي تردف بإصرار وحزم:
" كل ما يخص سارة سيكون تحت رعايتي!"
استدار جلال معترضا:
أمي، سارة زوجتي، أم نسيتِ؟!"
هزت ماجدة رأسها نافية وقالت وهي تلف ذراعها حول كتف سارة:
" لكنها الآن في أمانتي حتى يعود أبيها وأخيها!"
امتنت سارة لماجدة ولما فعلته وقد رحمتها من نظرة جلال التي تحكي لها الكثير وتتساءل في نفسها إن كانت على مقدرة أن تتحمل ما تقوله عينيه أم أنها ستهرب منه؟!.
تدخلت نورا بمرح:
" أمي لديها حق يا جلال؛ سارة الآن في رعايتها!"
رمقهم جلال بنظرة معترضة ثم قال لسارة مستنكرا:
" ألن تقفي في صفي!"
تخضبت وجنتيها وهي ترد محاولة القوة مانعة عنها هذا الخجل الذي بات جديد عليها خاصة في حضرة جلال:
" أنا في صف جيجي!"
حمرتها وخجلها ونبرة صوتها الأبحة الخجول أججت الحمم في رأس جلال حتى جعلته يتمنى لو سحبها منهم وابتعد بعيدا جدا جدا في أرض ليس بها سواهما ليتذوق طعم السعادة مع سارة كيف يكون لكنها تتهرب من الجلوس معه في مكان واحد وهذا بات يقلقه ففرق كبير بين ما يراه على خالد ونورا ومشاعر أخته الواضحة وبين سارة التي تتهرب منه وهذا ما يثير الكثير من التساؤلات داخل نفسه، تساؤلات تزداد منذ عقد قرانهما ولم يجد إجابة لأي منها لأن الإجابة لدى سارة فقط.
أشفقت نورا على أخيها وهي تراه يحدق في سارة ويلقيها بالكثير من العتاب والتساؤل والشوق في حين الأخيرة تختبأ في أمه والتي قالت لسارة:
" هيا حبيبتي لتري غرفتك!"
وما إن أنهت كلماتها حتى تحركت مع سارة تجاه السلم، حدق فيهما جلال بذهول ثم قال بعدما تدارك نفسه من الدهشة:
" يا سارة، تذكري ما حدث الآن!"
استدارت له الأخيرة وعلى شفتيها بسمة خلابة ملؤها الدلال العفوي أشعلت فتيل الحنين لها في قلبه بينما يراها تتابع سيرها مع أمه ليجلس على الأريكة بإحباط، قعدت نورا جانبه وربتت على كتفه ليلتفت لها قائلا بنبرة بدت مترجية أكثر من كونها مجرد حديث:
" لم أجلس معها منذ عقدنا القران أليس هذا ظلم!؟"
تنهدت نورا وقالت بهدوء:
" إنها أمانة هنا يا جلال فاعذر أمي!"
" وهل سأخون الأمانة يا نورا!؟"
قالها جلال مستنكرا لتبتسم نورا وهي تربت على كتفه ثم قالت:
" أمي تثق فيك يا جلال لكنها تتحمل مسؤولية سارة وهذا بالنسبة لها يتعدى كل شيء!"
هتف جلال بإحباط:
" بمعنى أنني لن أجلس مع زوجتي حتى يعود والدها وربما ليوم زفافنا!"
ضحكت نورا قائلة:
" ما رأيك في مساعدة؟!"
هتف بلهفة:
" قلب أخيها!"
تنهدت طويلا ثم قالت:
" عيناي لك يا جلال لكن انتبه على سارة!"
جحظت عينا جلال ووقف من مكانه ثم تخصر فابتعدا طرفي سترته للخلف وهو يردف بحنق!:
" هل ترونني ذئب جائع سيلتهمها فور رؤيتها!"
وقفت نورا أمامه وقالت بتفهم:
" بل زوج مشتاق لزوجته ولهذا أنت أيضا عليك الانتباه!"
نظر جلال لنورا مليا يحس بالصغيرة كبرت وفهمت الحياة ويتساءل متى كبرت ؟!؛ ومتى أصبحت امرأة ناضجة هكذا أهذا سحر خالد ؟!.
تهربت نورا من نظرته الفاحصة والتي لم تخل من اعجاب ممتزج بمكر أخوي يحكي الكثير لتنفض هي كل هذا وتقول تدير الكلام:
" عليك تفهم سارة يا جلال خاصة مع سفر أخيها وأبيها ستجدها متضايقة فعليك احتواء هذا!"
" أجلس معها خمس دقائق فقط !"
قالها جلال ثم غمز لها قائلا بنبرة ذات مغزى :
" وأعدك باحتوائها!"
ضحكت نورا محمرة الخدين وهي ترد :
" ستظل مشاكس"
فتح ذراعيه لها وقال بدفء:
" وأنت ستظلين مدللة أخيك!"
أحس بقبضتيها تتمسك بقميصه أسفل سترته وهي تهمس بألم لم تداريه:
" اشتقت له يا جلال!"
زفر الأخير ببطء ومسد على شعرها قائلا بحنو:
" سيمر الوقت حبيبتي وستكونين قريبا عنده"
ثم ادعى المرح :
" ألست من يصبرني منذ لحظات!"
ضحكت وهي ترفع رأسها عنه مردفة:
"سارة معك في مكان واحد أما خالد فبيننا مسافات"
لوى جلال شفتيه ثم قال بما يشبه الهمس وهو ينظر للسلم :
" ماجدة هانم فعْلت حظر التجوال بالفيلا وهكذا أصبح بيني وبين سارة مسافات وبحور ومحيطات!"
وضع يده على قلبه بحركة مسرحية، يصطنع الوجع بمرح رغم أنه إحساس حقيقي لكنه برع في مداراته وهو يقول:
" رصاصة في القلب تشبه المسافة بيننا!"
غمزت نورا قائلة:
" دعنا إذن نفكر في كيفية مداواة تلك الرصاصة لأن سارة واضح جدا يعجبها ما تفعله أمي فلنفسد خططهما!"
قهقه جلال وهو يجذبها ليجلسا ثم قال:
" هيا فكري مدللة أخيك!"
★★★
جلس كريم جوار نافذة غرفته، يسحب أنفاسا متتالية من الأرجيلة، لتتكاثف الأبخرة أمامه تمنع رؤية الشارع الذي بدأ يكسوه الظلام لتنيره أعمدة الإنارة ذات الإضاءة الخافتة الكسولة، مسد شاربه الكثيف وسحب نفسا آخر يفكر في يومه الطويل، لقد عاد من المحكمة متأخرا، لقد ظن أنه مثل كل مرة سيعود سريعا وقد انتهى كل شيء إلى لا شيء!؛ لكن تلك المرة تفاجيء بطليقته معها محامي معروف وإمرأة أخرى عرف من أحدهم بأنها إحدى تلك النساء المهتمة بحقوق المرأة ولديها جمعية معروفة لهذا كما أن هذا المحامي مختص بالقضايا الخاصة بالجمعية، سحب كريم نفسا تلو نفس والدخان يتكاثف ويتكاثف والإجابات تظل كأحجية لا يجد لها حل فكيف تعرفت طليقته على أمثال هؤلاء لتقف أمامه مشدودة القامة لا تهابه وكأن هناك من يسندها لكن وهل يوجد سند مثل إمرأة كالتي تقف معها لقد كانت تحدجه بنظرات مشمئزة محذرة وحين اقترب من طليقته وجد المرأة تتحفز أمامه كمن ستحاربه، ظل يخبط بكفه على جبينه وهو يسأل نفسه:
" كيف وصلت لهؤلاء فأنت إمراة لا تعرف آخر شارعهم!؟
كز على أسنانه وهو يذكر نظرة الانتصار في عيون المرأتين عندما تم الحكم لصالح طليقته!؛ لقد حصلت على حقوقها كاملة، البيت المقابل له كمنزل لحاضنة ونفقة تكفيها وابنها وتأكيد على عدم التعرض لها بأي طريقة وإلا تعرض للمسائلة القانونية!.
لقد عاد بكل قهر الدنيا ليقابله إعلان جديد من المحكمة، بقضية تحرش لتلك الفتاة والتي قد نساها، لقد توالت المصايب على رأسه كما لو كانت في سباق جعله في حاجة لمن يسمعه فلم يفتح محله بل صعد لهالة ظنا منه أنها عادت من بعد خروجها صباح اليوم السابق لكن لم يأته رد مما جعله يقلق فدخل بالمفتاح الإضافي ليجد سريرها مرتب لم يمس، تنهد بضيق يعي بأن المراة النارية باتت في الخارج!.
نفض شروده وترك الأرجيلة من يده ليقف خلف النافذة يتابع الشارع ليجدها تترجل من التاكسي….
ما إن ترجلت هالة من التاكسي، نظرت للبناء الذي سار لها بيت فيه ولو مؤقت، أحست بالنيران تشتعل في داخلها وهي تفكر ما آلت له حالتها لكن ما يعزيها هو أنها أخيرا ربما تجد عمل.
لقد ضاقت بها الدنيا بعد لقائها المدوي بنغم وسارت في الشوارع كالتائهة تبحث عن ملجأ والكل مغلق بابه، لكنها لم تحب أن يراها كريم بتلك الصورة البائسة التي كانت عليها ففضلت أن لا تلجأ لهنا وظلت تدور باحثة عن اللاشيء … إلى أن تذكرت زميلة لها تعرفت عليها بأحد الشركات التي عملت فيها فذهبت لها على مضض علها تجد لها من يساعدها والأخيرة فتحت لها منزلها وبالفعل وافقت على المساعدة حيث اتصلت برجل معروف وكلمته عن هالة والذي قال بأن تأتي لمقابلته ورغم معرفتها بسيرته التي لا تخف عن أحد وبأنه زير نساء بل وهناك في الكواليس ما هو أبشع لكنها وافقت لأجل أن تترك هذا المكان الذي وكأنه يراقص لها لسانه يثير حنقها، لقد عادت بعد أن قضت ليلتها عند زميلتها حتى تجمع أشياءها وتبيت ليلة ثم تسافر في الصباح التالي حيث الشركة والتي توجد في محافظة أخرى.
نفضت عنها ذكرياتها التي تؤجج النار في صدرها وسارت تجاه السلم بعد أن ألقت نظرة على المحل المغلق وهذا أثار تساؤلها لكنها لم تهتم على أي حال بل صعدت السلم وفتحت بابها لتدخل مغلقة إياه، خلعت سترتها وتوجهت فورا للحمام تأخذ دش علها تزيل عنها التراكمات الكثيرة التي أثقلت كاهلها.
ظلت تحت الماء، تاركة له حرية إزالة الأفكار عنها، ربما مسح عن ذهنها صوت نغم وتحديها!؛ ربما منع تلك الكلمات النارية التي قالتها نغم عن رأسها وربما مسح عن عينيها نظرة أحمد العاشقة لنغم ويده الملفوفة على خصرها باحكام بينما هي تقف تكاد تشعر بالأرض تتحول لبئر عميق يسحبها داخله، وها هي بالفعل ستذهب بنفسها لهذا البئر فقبولها العمل بهذا المكان كافيا لمعرفتها بما ستؤول له حياتها فيما بعد.
أغلقت الماء وجففت شعرها وجسدها كيفما اتفق ثم ارتدت شورت وبلوزة حريرية أعلاه بينما شعرها يقطر ماء على ظهرها المكشوف كما لو كان الجو صيفا وليس بارد ، خرجت من الحمام وأعدت كوب شاي ساخن بعدما تناولت حبة للصداع ربما سكن صداع رأسها ثم جلست على الأريكة ووضعت حاسوبها على ساقيها تتابع حساب صاحب الشركة التي انتوت الالتحاق بها..
رجل مقبل على الخمسين لكنه لا زال يحمل باقي وسامة لم تستطع عينيها التغاضي عنها، كان يقف بغرور واضح على الشاطيء مع إحداهن دون أن يهتم كون الصورة على حسابه الخاص وللعامة!، ضحكة ساخرة على شفتيها كانت رد على أفكارها وهي تقول بتهكم:
" بعدما كنتِ سكرتيرة بشمهندس أحمد رمزي ستكونين….!"
يتبع 💜💜

Miush and noor elhuda like this.

آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 16-12-21, 09:21 PM   #633

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي

تطلعت نغم لياسمين فيما تتحدث مع أمها على الهاتف ببشاشة وقد استغلت تأخر أحمد في الشركة لتتحدث مع أمها في راحة، ارتشفت نغم بعض من العصير وهي تستمع لمناغشة ياسمين لرقية ليصلها ضحكة الأخيرة عبر مكبر الصوت الذي فتحته ياسمين لتشاركها نغم الحديث والذي طال مليا عندما تدخل حاتم في الحوار ليصبح لقاء عائلي لطيف عبر الهاتف والذي تمنى حاتم أن يتحول لواقع يشمل أحمد ليسمع ضحكة رقية دائما كما يسمعها الآن فيحس بأن الفتاة الصغيرة التي تعرف عليها منذ سنين عادت في حلتها الصافية ولم تتشوه بأوجاع الدنيا.
قطع شروده صوت رقية التي قالت لنغم:
" شكرا لك نغم على زيارة ياسمين لي!"
همست نغم بخجل :
" لا تقولي هذا يا أمي، إنه حقك!"
دمعت عينا رقية ثم قالت:
" لقد خسرت الكثير من الحقوق منذ زمن لكن مع دخولك حياة أحمد عاد البعض!"
لم تفهم نغم مقصد رقية التي لاح على مخيلتها أحمد وهو يلبس نغم الاسوار ليعود الأمل يتسلل داخلها يدب كطفل صغير ينمو داخلها وتشعر به يركل وأحيانا يتقلص كما لو كان يخبرها أنا هنا، كل هذا كانت فاقدة إياه قبل أن تصبح نغم زوجة أحمد، تأثر كل من يشاركها على الهاتف من حاتم الذي ضمها له وياسمين التي تمتمت( مامي) فيما قالت نغم:
" أمي، أتمنى أن تعود حياتك كقبل!"
غمغمت رقية بخفوت( يارب) ثم تابعت:
" هل رأيت الهدية!؟"
تنهدت نغم بخفة وهي تبحث عن رد حيث أنها لم تفتحها بعد رغم أنها أخذتها من ياسمين ليلة البارحة لكن الأمنيات داخلها تصاعدت بأن تشارك أحمد لحظة فتحها وسوف تتحمل غضبه إن ثار عليها لكنها مصرة على أن لا يفوته شيء كهذا، قطعت رقية شرودها وقد تفهمت قائلة بألم:
" أعلم بأنك تخافين فتحها في وجود أحمد، في انتظار فرصة .."
همت نغم للتوضيح لكن رقية أضافت:
" الصندوق فيه هديتان، إحداهما لكِ والأخرى لأحمد بمناسبة عيد ميلاده الذي لن أستطيع حضوره وحتى تقديمها له!"
أطبق حاتم على كفها في حين انفلتت دمعة على خدها وهي تضيف:
" كما أنني أعلم بأنك لن تستطيعي إهدائها له لكن وجودها في مكان هو فيه، كافي لي!"
ابتلعت نغم غصة مريرة وهمست في محاولة للتخفيف عن رقية:
" ربما أستطيع .."
مسحت رقية دموعها وقاطعت نغم بصوت متحشرج:
" لا تعرضي حياتك مع زوجك للخطر حبيبتي، أنا فقط أريد لتلك الأشياء أن تظل في مكان أنفاس أحمد فيه!"
اختنق صوتها لتصمت وهلة فيما عم سكون موجع بين الجميع لتكمل بألم:
" لي رجاء عندك يا نغم!"
سألتها الأخيرة بلهفة عما تريد فيما تنبهت حواس حاتم وكذلك ياسمين عندما استرسلت رقية موضحة برجاء:
" ضُمي أحمد عني، تلك أمانة فأوصليها يا نغم!"
انهمرت دموع نغم وهي تكتم شهقاتها، تهز رأسها بنعم وكأنها ستراها ثم قالت بوجع:
" حسنا، يا أمي سأفعل!"
★★★
صوت طرقات متتالية على الباب، جعلت هالة تنتفض في جلستها وتحرك الحاسوب من على ساقيها والذي كان مفتوح على صفحة احمد الفيسبوكية!؛ ألقت نظرة طويلة على وجه أحمد فيما يرنو لسمعها صوت كريم ينادي باسمها متزامن مع دقاته العالية على الباب، امتعضت ملامحها وهي تقف وتذهب لغرفتها، سحبت مئزرها وارتدته قبل أن تتحرك ببطء صوب الباب لتفتحه بحدة وعينيها يتطاير منها الشرر عندما صاحت:
" لماذا تدق على الباب هكذا!؟"
قبض كريم كفه جانبه فيما طاف على جسدها بوقاحة قبل أن ينظر لها قائلا:
" قلقت عليك وعندما رأيتك عائدة انتظرت حتى ترتاحي كي اتي لأطمئن عليك!"
تكتفت ومالت بوقفتها قائلة:
" لا حاجة للقلق أنا بخير!"
أطبق على شفتيه ورفع ذراعه يستند على الباب وهو يقول:
" طبيعي القلق بما أنكِ بتِ في الخارج!"
كانت أعصابها ليست في حاجة لضغط زيادة وليست في حاجة لسماع أي أصوات فوق تلك التي تنفجر في رأسها فهتفت بحدة:
" أعتقد بأن هذا لا يعنيك!"
ارتجف جانب فكه وهو يقول:
" وأعتقد بأنك طالما تعيشين هنا فهذا يعنيني!"
هتفت معترضة:
" تعديت حدودك !"
ثم سحبت نفسا عميقا وتابعت:
" وإن كان وجودي هنا سبب تدخلك في حياتي فسأرحل!"
هنا حاول كريم أن يهدأ من الأجواء ليقول بلطف وهو يعتدل في وقفته ويقترب خطوة للداخل:
" لا تقولي هذا يا ست الكل، أنا لا أحب التدخل في شؤونك لكن لم أستطع منع قلقي عليك فأنت لم تعتادي المبيت في الخارج!"
استدارت عنه غير مهتمة بحديثه بينما كريم تأمل قدها بشره فيما شعرها الأحمر يقطر ماء على ظهرها فيلتصق المئزر بجسدها ليبتلع ريقه وهو يتخيل أسفله ثم حاول نفض كل هذا وهو يستطرد:
" ثم أنني كنت في حاجة للحديث معك!"
وصلها صوته حزينا ولم تدر السبب فاستدارت له بدهشة ليتابع بذات النبرة:
" لقد تم الحكم لطليقتي بكل حقوقها!"
ضحكة قصيرة ساخرة على جانب شفتيها كان ردها فيما يتابع وقد عاد الغضب له:
" لا أعلم كيف استطاعت ابنة…. بالتعرف على هذا المحامي وتلك المرأة التابعة لحقوق المرأة!"
تنبهت حواس هالة لتردف:
" ماذا تقصد..!"
أطرق كريم برأسه وتقدم خطوة وهو يقول:
" هل سنتحدث على الباب!"
كزت على أسنانها، تفكر انها أخيرا سترحل من هنا وترتاح لكن الفضول أكل عقلها فأشارت للأريكة، توجه كريم أشارت ليلمح صورة أحمد على شاشة الحاسوب حيث صفحته الفيسبوكية، كز على أسنانه و اشاح بنظره ثم أطرق برأسه بينما يسمع هالة تغلق الباب ثم توجهت ناحيته، انحنت تأخذ الحاسوب وأغلقته قبل أن تجلس لتسأل كريم ليسترسل الأخير موضحا ما حدث وما إن أنهى حديثه حتى علت ضحكتها الرقيعة ليضيق عينيه وهو يلتفت لها بدهشة، هدأت ضحكاتها ثم قالت بتهكم:
" وتسأل كيف وصلت طليقتك لهؤلاء!"
انتبه لكلامها لترد بسخرية:
" أحمد رمزي … "
هذا الاسم كان كفيل لشرح كل شيء بينما تابعت :
" ينتقم منك بطريقته!"
رمش كريم عدة مرات وانتفض من مكانه وهو يقول من بين أسنانه:
" لن أمررها له ابن…"
ضحكة رقيعة اخرى كانت أكثر صخب وسخرية من هالة التي وقفت وربتت على كتفه من الخلف وهي ترد بتهكم:
" ماذا ستفعل يا سبع الرجال، أتعرف عن من تتحدث!"
كلماتها كان ملؤها السخرية ليلتفت لها كريم في حدة فأنزلت يدها عن كتفه بينما تسترسل:
" اذهب يا كريم لبيتك، اغلق عليك بابك واختبأ لأن القادم لك سيكون أسوأ بالتأكيد!"
كانت تضغط على أعصابه وهي تضيف بنبرة ذات مغزى:
" أو اذهب للمحل ربما جاءت لك إحداى المائعات اللاتي تعرفهن فخففت عن أعصابك المتألمة تلك !"
ارتجفت ملامحه بينما يصله لهجة الاستخفاف في حديثها ليرد بنبرة ثقيلة:
" ولما ألجأ لإحداهن وأنتِ هنا!؟" .
جلست هالة بدون اهتمام ووضعت ساق على الأخرى ثم قالت بذات النبرة المستخفة:
" اخرج يا كريم فأنا لست في مزاج للحديث!"
كز على أسنانه وهو يتأملها بوقاحة بينما تنحني لتأخذ حاسوبها كأنه غير موجود ليرد ببطء:
" ومن قال أنني في حاجة للحديث للتخفيف عني!"
بدأ الاستيعاب يرنو لذهنها لترفع عينيها له بتوجس بينما تراه ينحني نحوها وهو يتابع بصوت أبح:
" ما بي الآن في حاجة لأشياء أخرى!"
ابتلعت هالة ريقها وتنبهت حواسها للخطر الذي يقترب منها فانتفضت من مكانها بعدما وضعت الحاسوب على المنضدة وهتفت بقوة:
" ارحل يا كريم، واضح بأنك لست في وعيك !"
اقترب منها ليطوقها فجأة بذراعه ويقربها من صدره وهو يرد بذات النبرة الأبحة:
" لم أكن واعيا كما أنا الآن!"
ظلت هالة تتملص منه وهي تخبط على صدره، تحاول الابتعاد عن ملمس جسده وأنامله التي اقتحمت أسفل مئزرها بوقاحة دون فائدة، صرخت به وهي لازالت تضرب بقبضتيها على صدره بأن يتركها؛ طوقها أكثر وهو يقترب من عنقها ويهمس بحرارة:
" أنا أتبع نصيحتك ألم تقولي بأن أجد إحداهن للتخفيف عني!"
صرخت وهي تقاومه:
" وهل تقارني بهؤلاء!"
يده تحسست جسدها بجوع وهو يقول :
" نعم لا تقارني بهم فأنت نار منذ جاءت لبيتي تشعلني وحان وقت إطفائها!"
صرخاتها كتمت بشفتيه ليذوق طعم النار الممتزجة بغضب شديد، تصهره بينما تتسع عينيها تخبط على صدره الذي لم يتحرك إنش واحد وهو ينزع المئزر عنها ويلقي بها على الأريكة لتخبط في ذراع الأريكة بينما هو يميل عليها، يقتحم شفتيها بقسوة لتلوح أمام مخيلته نغم بنعومتها وهشاشتها ليبتسم لا اراديا وقد تحول من الخشونة للطف وهو يميل نحوها يدللها ويهمس لها( أحبك).
يتبع 💜💜

Miush and noor elhuda like this.

آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 16-12-21, 09:24 PM   #634

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي

" كيف حالك حبيبتي!؟"
قالها خالد عبر الاتصال المرئي بنورا التي جلست على سريرها ثم ردت باقتضاب :
" بخير!"
تأملها خالد مليا بينما تزم شفتيها فبدت شهية مغوية تناديه لاستكمال ليلة أمس ليزفر بحرارة ملتفة بضيقه لطول المسافات فيما تلك الدمعات المتلألئة في عينيها تجذبه لمسحها بأنامله ثم طبع قبلات متتالية على عينيها، تنهد بخفوت يستشعر حزنها ليرد :
" متأكدة أنك بخير يا نورا!؟"
كتمت دموعها بصعوبة فهي لا تريده أن يحمل همها يكفيه الاهتمام بعمله لذا همست بمرح :
" أصبحت بخير عندما رأيتك وسمعت صوتك!"
خفقات قلبه تعالت وهو يجيبها:
" مهلا علي يا نورا فالمسافة بعيدة وردك في حاجة لعناق وقبلة!"
تخضبت وجنتيها وهي تعض شفتها السفلى تستشعر تغير خالد الجلي في معاملته لها، لقد بات أقل تحفظ بل ويعبر عن مشاعره دون أي مواربة ورغم خجلها الفطري إلا أنها تشعر برضا أنثوي لن تنكره، تابعها خالد باستمتاع بينما يراها صامتة تنظر له عبر الاتصال بعينين لامعتين راضيتين قبل أن تقطع هذا قائلة:
" لكن يا خالد أنت تأخرت في الاتصال ولم أكن بخير!"
ونظرت للساعة ثم قالت:
" ولم أكن بخير طيلة تلك الساعات!"
كلماتها دغدغت رجولته فيما تضيف بتساؤل:
" لم لم تتصل كل هذا الوقت!"
زم شفتيه لوهلة ثم قال:
" ألم أرسل لكِ رسالة عبر الوتساب فور وصلي!؟"
هزت رأسها وقالت معترضة:
" ليست كافية يا خالد، بل كان عليك الاتصال لأسمع صوتك!"
دافع قائلا:
" يا نورا، أنا منذ وصلت المطار لم أظل وحدي للحظة وأنا كي أحدثك في حاجة لأكون بعيد عن البشر وإلا ضاعت هيبتي!"
قالت مستنكرة:
"كيف تضيع هيبتك يا خالد!"
ضحك قائلا بمكر:
" سأكون ثملا في الحديث ويظنون أتناول خمرا ولا يعلمون بأنكِ سر ثمالتي!"
رفرفت برضا ومنعت ظهور ابتسامتها رغم وضوحها لخالد لتقول مصطنعة الجدية:
" كل تلك المبررات لا تشفع لك؛ عليك إعطائي جواب كامل وتفصيلي عن تلك الساعات التي لم أكن معك فيها ربما سامحتك!"
جلجلت ضحكة خالد وقال من بين ضحكاته:
" توارت الساحرة لتظهر أنثى المخابرات اللذيذة التي تغويني لالتهامها!"
انصهرت وجنتيها وهي تتذكره يوم اتفق والده مع أهلها على عقد القران ليقبض يده ويمثل أنه سيلتهمها وفكرت وهي تنظر له محدقة فيه ( كيف سيلتهمها!؟)
ولم تدرك أنها بالفعل نطقت بالكلمات لتتعالى ضحكة خالد ثم صمت مليا قبل أن يزفر بحرارة ويقول:
" لو قلت لك الآن ستقولين أنني وقح لكن إن كنت مصرة لأحكي لك فلا مانع عندي أبدا !"
هتفت نورا بسرعة:
" لا، لا تحكي شيء!"
راقص حاجبيه ثم قال:
' أظن بأن الساحرة فهمت!"
لوت شفتيها مدعية الحنق لتدغدغ ضحكته حواسها فهمست بعد تنهيدة عالية:
" تغيرت كثيرا يا خالد…!"
أجابها بعد لحظة صمت:
" وهذا التغير لم يروق لكِ يا نورا!؟"
هزت الأخيرة رأسها نافية ثم قالت موضحة:
" تعجبت للتغير وتعلم أحب مشاركتك أفكاري"
سحب نفس عميق وزفره ثم قال:
" نورا، قبل ذلك لم تكوني حلالي، كان هناك بيننا مانع لا يمكنني تخطيه، واحتراما لنا كان علي التحمل لأجلك أما اليوم بل منذ ليلة أمس فأنت بت زوجتي ولم يعد بيننا سوى أيام وتكونين في بيتي وغرفتي!"
( خالد)
قالتها نورا ممطوطة بنبرة ملؤها الدفء والخجل ليرد خالد يحاكيها نبرتها الدافئة
( ساحرته)
عضت على شفتها السفلى ثم قالت بوله:
" أحبك"
تأوه خالد بخفوت وأردف:
" ألم أقل لك مهلا علي ساحرتي فالمسافة تمنعني عن ضمك لصدري وسماع تلك الكلمة قرب أذني، المسافة تمنعني من عناق دقات قلبينا فمهلا!"
امتلأت عينا نورا بالدموع بينما تسمعه يضيف:
" لو كنت قربك الآن لقلت أحبك قرب نبضات قلبه!"
هنا وضعت نورا راحة يدها على قلبها فيما يضيف:
" ثم سأهمس بحبك قرب أذنك!"
تنهد بعمق وتابع :
" وسأطبع قبلة على جبينك ثم أهمس بحبك قرب شفتيك!"
كانت المشاعر تتضخم في قلب نورا وتشعر بدقات فؤادها تتقافز في صدرها وقد انعقد لسانها وهي تبحث عن رد يناسب لتتحرر أخيرا وهي تقول:
" كيف ستمر الأيام دونك يا خالد!؟"
ابتسم لها بدفء ورغم أنه يشعر بالشوق يأكله إلا أنه حاول تهدئتها قائلا:
" ستهتمين بانهاء الجناح وستقضي أكثر الوقت هناك وسترينني كل التفاصيل ليس لأنني أتابع المهندسة بل لأشارك زوجتي المكان الذي سيجمعنا معا!"
انهمرت دمعة واحدة وهي تهتف مختنقة:
" أنا من يريد عناقك الآن يا خالد!"
ابتلع الغصة وقال بترجي:
" إياك والبكاء فوالله لا أتحمل!"
ثم اصطنع الضحك قائلا:
" وإياك واستشارة سارة فيما يخص الجناح وإلا لحولته لملعب كرة قدم أو امتلأت الجدران بصور لاعبي الأهلي!"
ضحكت نورا بانطلاق ثم قالت بلهفة:
" هل اتصلت بها لقد كانت متضايقة معظم اليوم في انتظار اتصالكم!"
أجابها:
" اتصلت بها أنا وأبي منذ قليل واطمئنت وواضح بأنها سعيدة معكم!"
دست نورا شعرها خلف أذنها وقالت بصدق:
" ونحن سعداء بوجودها يا خالد، لا تتصور فرحة أمي وجلال لأنها جاءت معنا!"
ابتسم خالد براحة وقال:
" جيد بأن أبي وافق أن تظل معكم حتى تعتاد المكان وفراقنا!"
ارتطم قلب نورا وهي تنتبه بأنها الأخرى ستغادر أهلها وتسافر مع خالد لتدور عينيها في محجريها بقلق وهي تتساءل ، هل لديها المقدرة على فراق أهلها، تأمل خالد شرودها، يعي قلقها خاصة عندما تحدث عن فراق الأهل فقال مطمئنا:
" نورا، إنها طبيعة الحياة، تظل الزوجة مع زوجة وطالما تحبه ستمر الصعاب"
★★★
بعدما أنهت نورا الاتصال مع خالد توجهت إلى الأسفل بخطوات سريعة، تدرك بأن جلال ربما يقتلها لتأخرها عن النزول كما اتفقت معه، وبذات الخطى الواسعة هبطت السلالم لتجد جلال يجلس واضعا ساق على الأخرى ويطرق بأنامله على فخذه بحركة عصبية فيما ماجدة تجلس قبالته وجوارها سارة التي تتحدث مع أمه يتوسطهما طبق من الفوشار التي تأكل منه سارة على استحياء فيما يعلو صوت التلفاز على أحد الأفلام الأجنبية والذي لا ينتبه أحد لما فيه، أطبقت نورا على شفتيها تمنع ضحكتها فيما تتقدم نحوهم ليحدجها جلال بنظرة لائمة قابلتها باعتذار صامت ثم قالت ببهجة وهي تتقدم نحو الأريكة الجالسة عليها أمها:
" تأكلون فوشار بدوني، إنها جريمة!"
وانحنت تأخذ الطبق لتقعد بين امها وسارة ثم وضعت الطبق على ساقيها واكلت حبة ثم قالت:
" تبدو جلسة عائلية جميلة لكنها بدت أجمل بوجودي!"
لوى جلال شفتيه وقال بنبرة ساخرة مصطنعة:
" شكرا لأنك تنازلت وشاركتنا، واضح بأن هناك ما كان يعطلك!"
تخضبت وجنتي نورا لا اراديا من حديث أخيها المبطن فيما رمقته امه بعتاب لكنه تابع :
" أرجو أن تنال جلستنا العائلية اعجابك نورا هانم!"
ضحكت الأخيرة بانطلاق فتأملتها امها بفرحة شديدة وهي تراها أخيرا قد عادت لطبيعتها بل زادت بهاء ورغم أنها كانت صباحا متألمة إلا أنها الآن هدأت وعاد التورد لوجنتيها، استكانت ضحكات نورا فيما تنظر لجلال بلؤم ثم اختلست النظر لسارة التي تتابع الفيلم الأجنبي دون تدخل في حديثهم.
تعلقت سارة بالفيلم في محاولة للالتهاء فيه بينما تشعر بأن جلال سوف يسحبها من بينهم في أي وقت ولامت نفسها على جُبنها لكنها لا تستطيع أن تتجاوب مع نظراته التي تناديها بحديث مطول.
توجهت نورا للحديث مع سارة لتزيل عنها الخجل فيما كان جلال يجلس وكأنه يقعد على الجمر أما أمه فبدأت بالتثاؤب لكنها جاهدت نفسها بصعوبة لتقول لها نورا:
" اصعدي لتنامي أمي ونحن سنحكي لك الفيلم صباحا!"
تبادلت ماجدة النظرات بينهم بتوجس ثم هزت رأسها بلا وهي تكتم فمها بيدها تمنع التثاؤب بصعوبة ثم قالت:
" لا، لا سأتابع بنفسي!"
زفر جلال عاليا ووقف من مكانه وهو يقول :
" أنا من سيذهب للنوم واحكي لي عن الفيلم صباحا!"
واختلس نظرة لسارة التي تدس الفوشار في فمها ثم قال:
" واضح أنه فيلم رائع في حاجة لوقت رأسي فائق لأستوعبه!"
كتمت نورا ضحكتها وقالت:
" اذهب جلال وسأقص عليك الفيلم صباحا!"
هز الأخير كتفيه وتركهم لتتابعه أمه براحة، تعي أنها ربما زادت من تضيق الخناق عليه وسارة لكنها في ذات الوقت لا تتغاضى كون الأخيرة أمانة لديها وقد وافق راشد لثقته فيهم ، هي متأكدة من ابنها لكنها لا تعلم حب جلال الشديد لسارة إلى أين يأخذهم ثم أن الأخيرة تبدو مستكينة ولم تحاول هي الأخرى أن يجمعها مكان واحد مع جلال دون أحد بل إنها تشعر بها ترافقها كقطة صغيرة تحتمي في أمها مما صاعد عندها نزعة الحماية.
بعد بعض الوقت، أحست ماجدة بمقاومتها للنوم بدأت تخور في حين نورا وسارة تتسامران وتتضاحكان فيما تتابعان الفيلم وقد طلبت نورا من الخدم إعداد فيشار جديد وبعض القهوة لتعي ماجدة بأن السهرة صباحية، هنا قامت من مكانها تستأذن منهم بعد أن اطمأنت أن الوقت مر ومن المؤكد بأن جلال قد نام .
زفرت نورا براحة عندما وجدت أمها تصعد لغرفتها لتعود مع حديثها مع سارة التي قالت لها:
" كلمني أبي وأخي، أشعر من وقتها بالراحة!؛ لم أعتد الفراق عنهما وبالأخص خالد!"
ابتسمت لها نورا وقالت:
" أتعلمين كنت أفكر كيف سأتحمل الابتعاد عن أمي وجلال عندما أسافر مع خالد بعد الزواج بل أنني كنت قلقة عليهما لشدة تعلقهما بي!"
تنهدت طويلا ثم تابعت:
" لكن الفرحة التي أراها على جلال وأمي لأجلي تسكن من مخاوفي قليلا ثم أنني ارتحت لأن هناك جميلة ستكون هنا تهون عليهما!"
هبط قلب سارة بين ساقيها لكنها تغاضت عن هذا وابتسمت قائلة:
" تعجبت في بداية الأمر موافقة أبي على أن أظل هنا في غيابه "
صمتت لوهلة متنهدة ثم أضافت:
" لكنني أدركت الآن سر موافقته، هو أراد مني الاعتياد على بعده وخالد ثم التعود على حياتي هنا وأعتقد الآن بأن هذا القرار صحيح جدا كي أواجه الحياة في بعدهما"
زمت نورا شفتيها مفكرة ثم أردفت بنبرة ذات مغزى:
"وعليك التعود على التواجد في محيط جلال فأنت لن تعيشي فقط مع أمي بل ستتزوجين أخي"
ارتجفت ملامح سارة، تستوعب حديث نورا التي من الواضح ادراكها لتهربها من جلال بل ولمحت لهذا في حديثها، بحثت عن رد في ذهنها لكنها لم تجد وهمت أن تنطق بما جال في خاطرها لكن نورا قطعت هذا وهي تقوم من مكانها قائلة:
" لقد نسيت الهاتف في غرفتي سأصعد كي آتي به فخالد أخبرني سيتصل متأخرا!"
أومأت لها سارة بشرود وهي تلتقط منها نورا طبق الفشار بينما تلتفت للتلفاز مفكرة في حديث نورا التي صعدت للأعلى بخطوات واسعة.
" أعتقد بأن هناك ماتش الاهلي والزمالك، مسجل على قناة… سيروق لك أفضل من الفيلم"
قالها جلال فجأة لتنتفض سارة من مكانها حتى كاد الفشار يقع لولا أن استجمعت قواها ووضعت الطبق جانبها ثم وقفت، تحدق في جلال تستوعب أنه يقف أمامها مباشرة ولا تدري متى نزل واقترب هكذا.
ابتلعت ريقها، تنظر ناحية السلم بمقلتين مهزوزتين كمن يبحث عن أحد، اطبق جلال على شفتيه قبل أن يحرر أنفاسه قائلا بنبرة بدت متألمة:
" تخافين مني يا سارة!"
اتسعت عينيها وردت بسرعة:
" أخاف منك؟!؛ بالتأكيد لا"
زفر جلال، يحس ببعض الراحة ثم قال ببسمة باهتة:
" إذن دعينا نجلس سويا، أليس حقنا يا سارة!؟"
نبرته أثرت فيها لتدور عينيها في محجريها، تعي خطأ تهربها منه لتتنهد بخفوت وهي تقول ببعض المرح:
" حسنا، دعنا نشاهد الماتش المسجل سويا"
هز جلال رأسه بلا ثم قال :
" دعينا نجلس في المكتب"
عادت مقلتيها في الاهتزاز وهي تفرك يديها فقال موضحا:
" المكتب أكثر خصوصية يا سارة، أما هنا فحتى الخدم سيشاركونا هذا الوقت القليل الذي سمحت لي به أخيرا"
تألمت سارة لمسار الحديث فرفعت ذقنها وهي تنظر في عينيه وتبتسم بصفاء قائلة:
" لنتحدث في المكتب جلال بك!"
ارتاح الأخير لعودة نبرتها الواثقة وبسمتها التي تزين محياها، يتساءل عن سر قلقها وابتعادها منذ عقد القران، لقد كانت أقل تحفظ معه قبل ذلك!.
" ماكرة"
قالتها ماجدة فور أن صعدت نورا للأعلى، لتلتفت الأخيرة ناحية الصوت الخافت وتذهب تجاه غرفة أمها حيث تقف الأخيرة على بابها بينما نورا تكتم ضحكتها وقالت عندما وقفت أمامها:
" لا زلت مستيقظة!؟"
" بلى، منذ شعرت بك تصعدين، علمت ما تخططين له"
قالتها ماجدة تدعي الجدية فقالت نورا برجاء:
" أمي، دعي جلال يجلس معها، ألا تري بأنكِ تشددين الحصار عليهما ولا أعلم لذلك سبب"
قالت ماجدة موضحة:
" نورا، الفتاة أمانة، صدقيني لو كان أهلها هنا ما كنت تعاملت هكذا"
ربتت نورا على صدر أمها وقالت:
" أمي، خير من يحفظ الأمانة أخي ووثق فيه عمي وخالد وإلا ما تركا سارة كما أنهما راشدين فلا تخافي عليهما"
لوت ماجدة شفتيها تمنع ضحكة وقالت:
" لا أخاف إلا من لهفة جلال الزائدة"
كتمت نورا ضحكتها وأجابتها:
" لا تخافي، ابنك يستطيع التحكم في المشاهد الرومانسية"
لكزتها ماجدة بخفة في كتفها وقالت:
" هل تظني أنني سأندم وأرى أحفادي بأقرب وقت"
احمرت وجنتي نورا وغمزت:
" لا ليس لتلك الدرجة لكن بلهفة جلال تلك ربما حفيد واحد قريبا"
هنا كادت ماجدة تتخطاها لتنزل لهما لولا أن احتضنتها نورا وقالت:
" أمي، سارة في الحفظ والصون مع جلال فنامي قريرة العينين ولا تدعي القلق يسرق نومك"
ما إن وصلا جلال وسارة حتى أغلق جلال الباب خلف وتوغلا للداخل، وقفت سارة مربعة يديها على صدرها فيما حك جلال خلف رأسه يتحكم في مشاعره التي تتأجج في صدره، يتمنى لو ضمها ليتأكد أنها بالفعل باتت زوجته لكنه يدرك بأن عليه أن يكبح جماح مشاعره لأجلها خاصة مع قلقها الواضح ومع تلك القنبلة التي فجرها المأذون بأنها بكر أي أن عليه التعامل على هذا الأساس، تعامل حذر حتى لا يجفلها.
استدارت سارة حولها تتذكر يوم التقيا بذات المكان لينتهي كل شيء ولكنها هنا أيضا اعترفت له بمشاعرها، تخضبت وجنتيها تتساءل كيف أتتها كل تلك القوة لتصرح بما تشعر به تجاهه.
صوت موسيقى هادئة أخرجها من شرودها لتعقد حاجبيها وتلتفت صوب الصوت لتجده يضع هاتفه على المكتب وقد قام بتشغيله على تلك الموسيقى قبل أن يعود لوقفته أمامها.
طاف جلال بعينيه على ملامحها الحبيبة الخالية من الزينة لتبدو ناعمة، فاتنة تؤجج الحمم في جسده ليتنهد بخفوت بينما عينيه ترسم قدها بلا خوف أو تأنيب ضمير، أخيرا هي حقه لن يخجل من نظرته لها، ابتلع ريقه بينما يراها ببنطالها القصير لركبتيها عليه بلوزة أدخلت أطرافها في البنطال فيما فتحة صدرها المثلثة يعلوها قلادة ناعمة، أطبق على شفتيه وأطرق برأسه ليتعلق بخفيها من خامة الفرو بينما أعلى الخف أرنوب ضاحك، حاول كبح ضحكة عالية وهو يفكر بأن هذا الخف البيتي يتضاد تماما مع ملابسها التي في العادة تستخدمها للخروج لكنه بدا رقيق عليها، يعكس طفولة مختبئة خلف توترها بينما تلف خاتم الخطبة بأناملها المرتجفة.
أطرقت سارة رأسها بخجل، تنظر لخاتم خطبتها الذي ألبسها إياه جلال بعد عقد القران مباشرة، هذا الخاتم الذي ظنت بأنه لن يعود لها مرة أخرى بعدما أعادته لجلال لكن ها هو في اصبعها بينما حرفي اسمهما يتعانقان أعلى تلك الحلقة وكأن جلال صمم هذا الخاتم خصيصا لهما، حرفيهما وكأنهما في حالة عشق آلت لحضن حار ، تخضبت وجنتيها لتلك الفكرة، تتعجب مما فكرت فيه فحاولت نفض هذا التخيل عندما سمعت جلال يقول:
" تسمحي لي بتلك الرقصة؟"
رفعت سارة رأسها له، تنظر ليده الممدودة لها ثم لوجهه لتتعلق بعينيه اللتين ترى فيهما وله صريح لم يداريه بينما صورتها وكأنها تتراقص فرحا في عمق رماديتيه، مدت يدها له، ليقبل باطنهما ويحس برعشتها الخجول ، رفع وجهه لها بينما يضع يديها على كتفه ومن ثم لف ذراعيه حول خصرها ليرقصا بخطوات متناغمة، حرص في البداية على مسافة بينهما رغم تمنيه لو ضمها وتأكد أنها واقع لكن بقبضة من حديد جاهد هذا، سألها بعد لحظة صمت يتخللها صوت الموسيقى وأنفاسهما الصاخبة:
" لما لم تحك لي يا سارة!"
تنبهت حواسها و للحظة ظنت أنها لم تفهمه قبل أن تستقبل حواسها المعنى وترد بارتجاف:
" كنت سأحكي لك!"
دار معا مع الموسيقى ثم سألها بصوت أجش:
" لكنك لم تفعلي"
ابتلعت ريقها بتوتر بينما تحس بكف جلال مرتاحة على ظهرها تلهب أعصابها لترد بخفوت محاولة الهدوء:
" نويت أن أقص لك كل شيء فور موافقتي وعندما جئت للنادي ذاك اليوم كنت بالفعل فكرت أن أصارحك"
اقترب منها إنشات بسيطة لم تنتبه لها في خضم توترتها وقال بينما ينظر في عمق عينيها:
" وما الذي منعك!"
رمشت عدة مرات ثم قالت بصوت ازدادت بحته:
" يومها فهمت أن والدتك ليست موافقة، لقد تعمدت قبل موافقتي إخبارها بطلاقي فكان رد فعلها كافي أن أتراجع عن كل شيء!"
أسبلت اجفانها تمنع نفسها من الحزن ثم تابعت بعد لحظة:
" ولم أكن لأحكي لك هذا بعد موقفها فوقتها كنت سأشعر بأنني أقدم عرضا رخيصا، وأنني أترجى كي توافق لذا لم أكن لاخبرك أن زواجي انتهى قبل…"
انتبهت لما كادت تتفوه به فأطبقت على شفتيها بحرج فمنع ابتسامته وفرحته الشديدة وبأن لا يدور بها في أنحاء المكتب يهتف بأعلى صوته( أنا من فرط السعادة أكاد أبكي) لكنه بقوة من حديد تراجع عن هذا كي لا يخيفها، أدار الحديث قائلا بنبرة ثقيلة وهو يقربها منه بمكر إنشا آخر:
" ولما تتهربين مني منذ عقدنا القران!"
انعقد لسانها لوهلة وتجمدت نظراتها على وجهه قبل أن تطرق رأسها وتهمس:
" ربما لأنني لم أعتد تلك النظرة في عينيك!"
تاوه بخفوت لكن بعد القلق تسلل فهمس بصوت أجش:
" ما بها نظرتي يا سارة، تخيفك!"
هزت رأسها بسرعة نافية وهي ترفع وجهها له و تقول بتأكيد:
" بالطبع لا يا جلال، أنا فقط لم أعتد تلك النظرة العاشقة في عينيك!"
تلك الفاتنة تذهب عقله وتتهرب منه كيف يفهمها ما يشعر به الآن؟ فهمس بعد صمت قصير بنبرة ماكرة:
" أتعني أن أمنع تلك النظرة!"
عقدت حاجبيها وقالت بعدم رضا:
" لم أقصد هذا!"
ضحك بخفة وهو يقربها المسافة المتبقية حتى أحس أخيرا بجسدها يلاصق جسده ثم قال بصوت أبح:
" إذن لا تتهربي مني يا سارة فأنا لا أتحمل بعدك !"
أحست سارة بالارتجاف فور استدراكها هذا القرب بينهما فحاولت التماسك قائلة:
" سأحاول أن لا أتهرب!"
اقترب من أذنها وهمس:
" كفي عن الالتصاق بأمي فإن حمتك اليوم بعد ذلك لن تستطيع!"
قضمت شفتيها بخجل فهمس متابعا وهو يضمها له( أحبك)
ابتلعت ريقها وتسارعت دقات قلبها بصخب تهمس باسمه برجاء وهي تتملص منه فهمس قائلا :
" سارة ، قربك الآن يؤكد لي بأنك واقع فلا تحرميني هذا الإحساس"
رفعت وجهها له وتعلقت بعينيه تشعر بأنها كفراشة تحلق عاليا بينما جلال يضيف:
" اتركي العنان لفرحتك حبيبتي"
أحس بأنفاسها تتعالى وتلفحه بتوتر بينما يديها تتقلص حول رقبته فابتسم بحنو وقال:
" مبارك حبيبتي!"
همست قائلة بخفر:
" باركت لي بعد عقد القران"
ضحك بخفوت ثم قال:
" المباركة وأنت في حضني لها مذاق آخر"
هنا أسبلت رأسها عنه حين أحست بكفه خلف عنقها يقربها من صدره لتستكين عليه، تجرب هذا الإحساس بالأمان الذي لم تعرفه قبل وكيف تكون الأنثى بين يدي زوجها، تنعم بدفئه وتشعر بالمودة والرحمة قبل العشق ذاته، استكانت تعيش كل تفاصيل هذا العناق ، تلتف ذراعيها حول خصر جلال ليتنهد الأخير براحة وهو يطبع قبلة فراشية على عنقها، يستشعر ارتخائها واستكانة أنفاسها، فجأة حملها بين ذراعيه لتشهق وهي تلف ذراعيها حول رقبته وقد اتسعت عينيها في ذعر واضح لكن همسه هدأ من مخاوفها عندما قال بلطف:
" سنجلس على الأريكة، لا تخافي"
تململت بين ذراعيه وقالت بتوتر:
" سأذهب بنفسي"
ضحك وهو يسير تجاه الأريكة وقال:
" اتركي تلك المأمورية لي"
ثم جلس ولم يتركها بل ظل ممسكا بها لتقعد على حجره في خفر فيما اراح رأسها على صدره وقال بصوت أبح :
" كوني قربي ليطمئن قلبي يا سارة"
وأغمض عينيه يتنشق عطرها، وسؤال متعلق في حلقه تمنى لو ألقاه لها( ما السر بأن تعودي بكر رغم أنك بالفعل تزوجت ؟)
لكنه لم يرد كسر فرحتيهما بتلك الأفكار تاركا للظروف حل تلك الأحجية.
يتبع 💜💜

Miush and noor elhuda like this.

آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 16-12-21, 09:26 PM   #635

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي

اعتدل كريم في جلسته، يرتدي قميصه فيما ينظر لهالة بطرف عينيه وهي تتخفى خلف مئزرها وتلملمه حولها، تطرق بنظرها ولأول مرة يرى دموع تلك النارية تنهمر بغزارة والانكسار يغمر ملامحها، تخجل وتطرق برأسها، لا يصدق بأن تلك هالة لكنه أيضا تفاجيء كونها عذراء لقد ظن بأن خلف تلك النارية عاهرة، استدار لها نصف استدارة واستند على ظهر الأريكة بذراعه يطالعها بصمت، يتأمل ملامحها التي تتحول بين الفينة والأخرى وكأنها تصارع داخلها، لكنه لم يستطع منع بسمة راضية عندما تذكر أنها في بدء الأمر كان دون إرادتها لكن ما لبثت أن استكانت وأصبح كل شيء ملء إرادتها، انتزعه من شروده صوتها الناري بينما شعرها الأحمر ثائر حولها كالنار تناديه لإعادة ما حدث منذ لحظات:
" وماذا بعد يا كريم!"
عقد حاجبيه يدعي عدم الفهم بينما التفت عنها، يزرر أزرار القميص وهو يقول ببرود استفزها:
" ماذا تقصدين؟"
زفرت بعلو، تعي أنها الآن أصبحت تحت رحمته ولو مؤقت وعليها استمالته بأي طريقة لقد كانت دائما تتواقح، مبتذلة فيما تفعله لكن لم تفرط يوما في شرفها علها تتزوج بأحد رجال الأعمال الذين تعمل لديهم لكنها الآن فقدت تلك الورقة وعليها التصحيح لذا قالت بعد لحظة صمت:
" لا تدعي عدم الفهم!"
ثم ارتدت مئزرها بعصبية، تشعر بجسدها كله يؤلمها وهي تحاول الوقوف لتتعلق بتلك النقاط الحمراء على الأريكة، كزت على أسنانها بقهر بينما ترى كريم تعلق هو الآخر بموضع نظرها ثم وقف قبالتها يتأملها بوقاحة لم تخف عنها، تشعرها بأنها بالفعل باتت عاهرة حتى أن الأرض دارت أسفلها وكادت تقع لولا يديه اللتين تمسكتا بذراعيها لتقول بصوت مهزوز لم يعتده:
" الزواج ثم الطلاق بعدها!"
هنا ارتخت يديه عنها وقال بذات النبرة الباردة:
" شرحت لك ظروفي، طليقتي ستعيش هنا، تحديدا بذات المنزل؛ ثم أن هناك قضايا تفتح ولا زلت لا اعلم كيف انهي كل هذا؟"
خبطت فجاة بكل قوتها على صدره وصاحت صارخة:
" وطالما كل هذا فوق رأسك لما فعلت هذا بي"
هز كتفيه قائلا:
' كنت أبحث عن شيء يخفف عني كما نصحتني يا هالة!"
جحظت عينيها ودبت على صدره بكل قوتها تلقيه بسبات متتالية ليقبض على معصميها ويقول من بين أسنانه فيما يرى الشرر يتطاير من عينيها:
" تركتك تنفسين عن غضبك لأنني أعذرك لكن أكثر من هذا لن أسمح!"
ثم قال بنبرة ذات مغزى:
" لم يكن اغتصاب بل كله بملء ارادتك!"
سحقت ضروسها، تتمنى لو قتلته وهي تتذكر غبائها، في ظل حزنها وتخبط أفكارها، غاصت معه كما لو كان أحمد، لعنت نفسها وهي تتذكر كيف كانت كل نظرة منه ولمسة تشعرها بأنها تعانق أحمد وبأنه يعطيها ما بخل عليها به، ماذا تقول لذاك الغبي بأنها لم تعطه هو نفسها بل لأحمد رمزي الذي لاقته فقط في أحلامها التي انقلبت لكابوس لا ينتهي…
قطع افكارها صوته الأجش البارد وهو يقول بسخرية:
" هالة، لا تدعي الفضيلة أرجوك!"
هتفت بشبه رجاء:
" عقد قران ليوم واحد وطلقني!"
تعالت ضحكته وقال:
" هالة، يكفيني المشاكل التي أعيشها الآن، ثم ما أردته نلته لما أفكر في الزواج؟"
هنا رفعت ذراعها لأعلى وكادت تهوى على وجهه لولا يده التي قبضت على معصمها وقال بتهديد واضح:
" إياكِ وفعلها يا هالة!"
انتزعت يدها منه بعنف وهي تقول من بين أسنانها بملامح تقدح شررا:
" كريم، لم يعد لدي ما أخسره فإن لم تتزوجني بأسرع وقت،جهز نفسك لما سيحدث !"
ثم التفتت عنه وذهبت لغرفتها وصفقت الباب خلفها ليضيق كريم عينيه يفكر فيما تفعله تلك المجنونة!.
★★★
بعد دش دافئ طويل ارتدت نغم ملابسها، مشطت شعرها وعقدته باحكام على رأسها ثم ألقت نظرة سريعة في المرآة تتأكد من أن ملابسها محتشمة فمنذ فكرت أن ترتدي من تلك الملابس التي اشتراها أحمد وهي تختار القطع المحتشمة والتي لا تظهر جسدها، أغلقت زر المنامة العلوي وتنهدت بعمق قبل أن تخرج من الحمام لتجد أحمد منهمك في عمله، يجلس على الأريكة ويضع حاسوبه أمامه مع بعض الأوراق، تأملته مليا بينما يرنو لأفكارها حديث هالة الذي مر عليه أيام ولكن منذ ذاك اليوم وأحمد تغير!؛ بعدما كان يضمها لصدره كل ليلة، تحس بأنه يتهرب من ذلك بل أن نظرة عينيه اختلفت، دوما فيها اعتذار صامت ونبرة صوته تضاهيها، تحس بأنه مثلها لم يتخط ما حدث.
اختلس أحمد نظرة لها بينما تقف متجمدة مكانها وتتسمر عينيها عليه، شاردة فيه، يدرك تلك الحرب الدائرة في صدرها فمنذ ما حدث، يحس بها غير مرتاحة، تتقلب في السرير بلا نوم بعدما كانت تنام قريرة العينين في حضنه، باتت المسافة واسعة بينهما رغم محاولاته أن يتناسى لكنه لا يستطيع ففي كل مرة تتلاقى عينيهما يشعر بالعري، شعور مقيت لا يريد مغادرته.
صوتها الناعم أخرجه من شروده وهي تقول:
" حان وقت تنظيم جدول أعمالك!"
قالتها وجلست بالفعل جانبه فالتفت لها بتلك النظرة التي تغمرها الاعتذار ملتفة بدفء دثرها ثم قال:
" لا، اليوم أنتِ في راحة"
هتفت بلهفة:
" ألا يعجبك عملي!"
ابتلع الغصة في حلقه وقال بصوت أجش:
" كل ما فيك يعجبني يا نغم"
ارتبكت وتهربت من النظر له ليبتسم متابعا:
" لكنني في حاجة للراحة لذا أخذت إجازة غدا"
فجأة أحست بنبضات قلبها تتقافز في صدرها كما لو كانت طفلة علمت للتو بأن غدا عيد، أطبقت على شفتيها تمنع صرخة فرحة لكن عينيها الخضراوين لمعت بوضوح لم يخف عن أحمد الذي يتأملها بحب وكل ما يتمناه تلك اللحظة لو تقابل معها في زمن غير الزمن، دون شوائب وذنوب يحملها على ظهره تخجله أن يرفع عينيه لها ويناديها الوصال!.
تنبه من سهوه وهي تقوم من مكانها لتتوجه للشرفة كعادتها، صحيح أنها كثيرا ما أصبحت تعود للغرفة قبل النوم لكن أحيانا أخرى يطغى عليها سلطان النوم، يؤلمه أنها عادت لتهربها وانسحابها داخل الشرفة، همس باسمها فتوقفت تنظر له عندما قال بدفء:
" الجو اليوم بارد، اجلسي هنا في الغرفة كي لا تمرضي"
نبرته كانت دافئة ، راجية ، حانية، دوما يفاجئها بتلك المشاعر المختلطة التي يغمرها بها فتتسلل لكل خلية فيها لتنتعش وتعود لها الحياة كلما سلمت نفسها لأفكارها المؤلمة، أومأت برأسها أن نعم وتوجهت للسرير وبدأت في فرش الغطاء ليرنو أحمد بنظره لها، يشعر بالدماء تتفجر في رأسه مع كل إنحناءة منها، يدرك بأن تلك المنامة التي تظنها محتشمة ما هي إلا قنبلة موقوتة تكاد تتفجر في رأسه، مسد ذقنه بينما تنحسر المنامة عن خصرها فيغمض عينيه، يمنع تلك المشاعر عن نفسه ويجاهد قلبه أن يرخي عينيه كي يمنع عنه هذا الألم الذي يشق صدره يناديه لوصالها لكنه لا يرضخ ويحدق فيها متأملا إمرأة يحبها وتحيا معه وكل يوم يبنى سور بينهما ، أرخى رأسه بسرعة وعاد لعمله مدعيا الالتهاء فيه عندما اعتدلت نغم وسحبت حاسوبها من على الكومود وجلست موضع مكان نومها على السرير ثم دثرت ساقيها بالغطاء ووضعت الحاسوب عليهما وهي تبحث عن شيء تندمج فيه، يبعثر عنها كل الأفكار التي تتزاحم في عقلها .
بعد لحظات وجدت ما تبحث عنه، هذا الفيلم الذي طالما أحست فيه شيء يشبهها فضغطت على تشغيل بعدما اختلست نظرة لأحمد لتجده لازال يعمل بينما الأخير كان عقله معها شارد فيها ثم في صوت شادية ويسرا في الفيلم العربي الذي تنبه له، خفق قلبه بقوة وهو يرفع رأسه يتأملها وهي تضع يدها على خدها وتتحجر الدموع في عينيها فيما شادية بطلة فيلم ( لا تسألني من أنا) تبيع ابنتها.
أغلق حاسوبه وأحس بحاجتها لقربه خاصة مع نظرتها الآن له ثم عودتها لشاشة الحاسوب، قام أحمد وتوجه للسرير ليجلس جانبها، ثم همس بخفوت:
" أتسمحي بأن أشاهد معك!"
ابتلعت ريقها الجاف وهمست بصوت مختنق بنعم ووضعت الحاسوب بينهما ليتابعا معا في صمت رهيب لا يقطعه سوى صوت شهقات خافتة من نغم تنغرس في قلب احمد كسكاكين تدميه ..
تقبضت يدي نغم على حجرها بينما تسمع يسرا تقول بوجع لشادية( أنا بنت مين؟")
انهمرت دموع نغم بغزارة وازداد نحيبها بينما أحمد يتمنى لو أغلق الحاسوب لكنه تركها علها تنفض هذا الألم على هيئة دموع سخية تخفف عنها..
( أنا بنت حرام، بنت حرام) صرخت بها يسرا لتتعالى شهقات نغم ويعلو نحيبها وتتقبض يديها حتى بانت عروقها..
صرخت شادية واعترافها ببيعها لابنتها هز قلب وكيان نغم التي التفتت لأحمد وهمست بأمل غريب رغم الوجع تسأله:
" ربما كان لي أب وأم وعائلة لكنهم تخلوا عني بسبب الفقر، ربما أنا لست ابنة…"
قاطعها أحمد بلهفة وتمسك بيديها وهو يقول بحنان:
" نغم، أنت ابنتي وحبيبتي، عائلتي وأختي وأمي، أنت عالمي كله!"
هزت رأسها وهي تقول بصوت مبحوح:
" ربما لست نتيجة خطأ، ربما كانت تلك المرأة فقيرة فتركتني للبرد يقرصني!"
شهقات عالية متتالية تحس بالرؤية تتشوش أمامها من تكاثف الدموع التي تتسابق للهطول فقبض أحمد على يديها وهو يقول:
" نغم، أنت قوية ومهما كان أهلنا فلا ذنب لنا، لا يختار أحد منا أهله لكننا نستطيع اختيار طريقنا ومن نعيش معهم وأنت اخترت الطريق الذي يليق بك ، أنا فخور كونك زوجتي"
تأملته نغم للحظات ودموعها تنهمر بغزارة بينما تحس بيديه الرجولية تحتضن كفيها الصغيرتين تدفئهما فتسري الحرارة بكل جسدها لتزول برودتها، تعترف بأنها تنسى في قربه كل مخاوفها وألمها، ترى في وجهه ضالتها، وفي عينيه نفسها التائهة، ترى الأمان الذي فقدته طيلة حياتها، همست بوجع:
" أحمد، هل عيب أن نشتاق لبشر لم يلتفتوا لنا!؟"
أرخى أحمد أهدابه ، يشعر لأول مرة بعجزه عن الجواب لترد هي بوجع:
" أحيانا ألوم نفسي لشوقي لتلك المرأة التي أنجبتني وأفكر أنني لو رأيتها سأكرهها وأعنفها لكن لا أظن قلبي سيرضى فربما أعانقها!"
همس احمد:
" لأن قلبك أبيض يا نغم، لأنك صافية"
سألته بغتة:
" ألا تشتاق لأمك!"
ارتجفت ملامحه وكاد يصرخ أن تصمت لكن للعجب لان قلبه لصوتها المرتعش وهي تضيف:
" ألم تحس يوما بشوقك لعناقها؟!"
ارتجف فكه وبتلقائية هز رأسه بنعم مصاحبة لتنهيدة عميقة تبعها نطقه بنعم بصوت مبحوح متألم، صوت مذبوح لرجل لأول مرة يعترف لأحد بشوقه لأمه بل إنه لأول مرة يسمع نفسه ينطق بها لكن تلك الكلمة البسيطة( نعم) كما لو كانت أزاحت أثقالا من على ظهره، تمحو عنه ثقل همومه ووجعه وشوقه الذي يضاهي سنين عمره
تأملته نغم من خلف دموعها، يتخفى بكبرياء يداري وجعه لكنه لم يخف عنها أبدا فكأنها تحيا داخله، لاح على سمعها صوت رقية وهي ترجوها لضم أحمد عنها، هنا همست بصوت راجي ملؤه الوجع:
" أحمد، ضمني لصدرك!"
للحظة لم يستوعب الأخير طلبها وقد تعالت دقات قلبه بصخب كما لو كان في ماراثون وما لبث أن نفض دهشته بسرعة وجذبها لصدره ليحس بأناملها تنغرس في خصره وتشهق على صدره ولم تعلم أتضمه لأمه أم لها لكن كل ما تعي به الآن أنها تتدثر به، تتخفى فيه من كل ما يوجعها، تتحسس طريقها على صدره، تعانقه بتملك لم تعتده، تحس بأنه كله لها وبإنها حتى ولو يتيمة فهنا ملجأها..
أحس أحمد بأنفاسه تعلق في حنجرته وهو يضمها بكل قوته لصدره بينما هي بعفوية تتحرك يديها على خصره ثم ترتفع لصدره كما لو كانت ترجوه بشيء، ربت بحنو شديد على ظهرها، بينما يدس وجهه في عنقها، يتمتم لها بأن تهدأ وبين كل كلمة يلثم عنقها ولم تكن مجرد قبلات متناثرة على عنقها بل كانت كلمات عديدة، عناق روح، حديث يغمرها بما عجز لسانه عنه بينما هي كانت تستقبل عناقه وقبلاته الفراشية بأنفاسا في طريقها للهدوء كما لو كان يحقنها بمخدر سريع المفعول، من بين دقات قلبها الصاخبة التي لم تهدأ رفعت نغم وجهها له ليحتضنه بين كفيه فيما تقول بصوت متحشرج:
" كنت مشتتة بلا وطن وجئت لأرضك الأمن يا احمد!"
تنهد الأخير بعمق يلفحها بأنفاسه الصاخبة وهمس بصوت أبح:
" كلي لكِ نغمتي!"
تعالت نبضات قلبها بينما هو اقترب يلثم وجنتها وهو يقول :
" عرفت معنى السعادة منذ جئت لأرضي يا نغم!"
كانت تهتز كأن دوران في أرضها فقط بينما يغمرها أحمد بقبلات متناثرة على وجهها دون أن يترك إنش لم تلقي شفتيه عليه سلامها قبل أن يتوقف عند شفتيها ويهمس بصوت أبح وهو يقول برجاء:
" نغم، أعطني الترياق !"
تمنى لو تناول شفتيها وتذوقهما دون حتى رأيها وكان يعلم بأنها لن ترده لكن داخله هذا الذنب يوقفه، ينغزه في قلبه، يصرخ به ( اترك لها حق الاختيار)
لوهلة تذكرت حديثهما في المكتب وهو يصف ما شعر به بعد قبلة هالة بالسم وهو يمسح شفتيه بقسوة، دارت عيناها في محجريها فطلب أحمد بدا صعبا، مرهقا، ليس لأنها ترفض لكنها تخجل، هي تفهمه وتعذره لكن كيف تنطقها وتخبره بأنها تريد إهدائه الترياق ألا يستحق مسامحتها وهو الذي لم يبخل عليها بحبه وأمانه ورأت ذنبه يأكله في كل لحظة مرت الأيام السابقة، عاشت معه حربه الداخلية ولو لم ينطق بها لكنها تشعر ما يعانيه كما لو كانت تعيش في روحه..
كيف تقولها !؛ هذا ما عجزت عنه وهي تتعلق بعينيه الراجية، وأنفاسه القريبة منها تلفحها لتزيد من انصهار جسدها، أحست بالعجز وهي تبحث في دهاليز عقلها عن كلمة واحدة ترد بها على طلبه، كان أحمد يفهم خجلها ويعي مدى صعوبة طلبه لكنه راهن على قوتها فلو وافقت ستفعل ولو رفضت ستنسحب ولن يلومها وقتها! رغم تألمه لمجرد الفكرة لكنه حقها وهو وعدها بأن لا يبخسها أي من حقوقها.
( أحمد، جسدي فيه الكثير من الألام تكاثفت على مر السنين ولم أجد لها علاج إلا لديك فامنحني إياه!)
آهة عالية شقت صدر أحمد، يتأملها بذهول ممتزج بفرحة شديدة بينما تتعلق عينيه بعينيها التي تغيم بدموع لامعة رافقتها لمعان عينيه؛ ثانية بل أقل منها كان غائبا فيها يكاد لا يصدق ما تفوهت به نغم التي ترتعش بقوة كأنما تطلب التدثر بردائه، لحظة غاب في قطته الشرسة التي لم تخيب ظنه أبدا تلاها الترياق يذوب في فمه، يستشعر حلاوته كقطعة سكر تحلي مرار أيامه، ولم يدر من منهما يمنح الآخر الدواء، من منهما يغرق في روح الآخر، لم تكن شهوة ولا حاجة جسد لجسد بل حاجة روح لروح، حاجة سقيم لطبيب..
بصعوبة ترك أحمد الترياق لتتنفس نغم بأنفاس لاهثة، تتشبث بقميصه بخجل شديد ليعود أحمد للبحث لديها عن ترياقه ، يشعر بشفتيه تُمنح صك التحرر من ماض لم يكن قاصدا أن يعيشه ليغرق في هذا السكون الذي يتوغل في خلاياه.
باق إدراك أعاده للواقع، يتذكر بأنه طلب الترياق ووافقت لكن لم تعطه المسمى بعد رغم أن ما حدث الآن كافي لشرح كل المسميات لكنه سينتظر … سينتظر هكذا حدث نفسه وهو يحتضن وجهها ويرتاح بجبينه على جبينها ويقول بأنفاس لاهثة:
" شكرا حبيبتي لمنح سقيم مثلي الترياق!"
عضت على شفتيها بخجل شديد، وقد تبخر الكلام من ذهنها بينما تشعر بأنفاسه تلفح وجهها، ابتعد عنها بلطف يرحمها مما هي فيه، هو ليس طماع يكفيه الآن ما ناله، بل طماع ويريد المزيد والمزيد، يريد أن ينهل دون انتهاء، يمنحها وتمنحه مما صام عنه هكذا كانت الأفكار الحارة تدور في قلبه عندما التقت عينيه على ملابسها ليعي ما آل إليه الحال بينهما وبأنامل مرتجفة، بقوة من حديد لا يعلم من أين أتته بدأ في تزرير منامتها التي لا يعرف متى فتحت كل ما يذكره أنه أخيرا أحس ببشرتها قربه، تنغمس فيه كما لو كانا واحدا، شهقت نغم بخفر وهي تكتم شفتيها كما لو كان فعلا فاضحا فهمس مطمئنا مشفقا عليها ولا زال يزرر المنامة:
" نغم، اهدئي، أنا زوجك، ما بك؟!"
تنهدت نغم بخفوت كما لو كانت كلماته القليلة تلك كافية لأن يسري هذا الارتخاء في جسدها، تاركة له حرية إغلاق منامتها رغم ارتجافها بينما تلمس أنامله بشرتها ورغم الخجل الشديد إلا أنها مطمئنة في قربه.
استعادت باقي ادراك عندما سمعته يقول بصوته الأجش الذي يدغدغ أنوثتها:
" نغم، سأحدثك صراحة!"
أومأت بارتباك فتابع بعدما أغلاق منامتها :
" تمنيت أن أتمادى وأن أرتشف الترياق لآخر قطرة!"
أطرقت نغم برأسها خجلا؛ تفرك كفيها بتوتر، تتمنى لو رحمها مما هي فيه، رفع ذقنها بأنامله وهو يتابع:
" لكنني وعدتك انتظار المسمى؛ وإن كنت قلتيه الآن لكني …!"
صمت لوهلة، يرنو لوجنتيها المشتعلتين اللتين تدغدغان قلبه برضا وشفتيها اللتين منحتاه الحرية ليغرق في النغم دون عودة، تنهد بحرارة ثم تابع:
" أريدك قوية واعية، ليس في وقت ضعفك، أريد المسمى وأنت في قمة قوتك يا نغم!"
مسد على شفتيها بابهامه قبل أن يميل نحوها ويقطف القليل من الترياق ليسحب نفسه بصعوبة ويتابع بينما يشعر بارتجافهما:
" وقتها سأرتشف الترياق لآخر قطرة فأنا مشتاق للوصال حد الألم"
رفرفرت نغم برموشها، تشعر بكلماته تدغدغ أنوثتها، ترضيها وتسعدها، تؤكد عليها بأن ما حدث بينهما ليس لرجل أشفق على امرأة فتزوجها بل لرجل يدرك ما يريد جيدا، ظلت تطوف على ملامحه، تتمنى لو أخبرته أن لا يتوقف وأن تعترف له بأن ترجوه اتمام زواجهما فيما ترى في عينيه ندائه الملتاع فيشق قلبها لأنصاف وتحس بجسده المرتجف كما لم يكن قبل، ترى أحمد جديد لم يقابلها قبل لتزداد عشق له؛ بلى هذا العاشق الولهان يؤجج الحب في خلاياها كأن ما به عدوى لمست بدنها فاستقبلته مرحبة لكن داخلها تحس بشيء ناقص، هناك ما ينقص ولا تعرف ما هو؟! منحته بسمة مرتجفة كرد صامت بالموافقة على ما قال قبل أن تضم نفسها لصدره ليضمها بقوة له!؛ يعتصرها بذراعيه، يحاول استجماع باقي رباطة جأشه وهو يلملم خصلات شعرها المبعثرة! ولم تدر نغم من منهما يضم الآخر ويتخفى فيه، من منهما يمسح عن الآخر وجعه، كل ما تدركه الآن أن الأوجاع تتلاشى رويدا رويدا والماضي يلوح لها من بعيد يحمل حقائبه البالية ويرحل بينما تتمدد ببطء جانب أحمد الذي يطوقها بذراعيه ولا يسمح لهما بالفكاك عن بعضهما فيما هي تستنشق عطره الرجولي وتثمل؛ مغمضة العينين، تتذوق كيف يكون العناق حياة.
يتبع 💜💜

Miush and noor elhuda like this.

آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 16-12-21, 09:28 PM   #636

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي

حركت سمر يديها امام وجهها علها تستمد بعض الهواء لتخفف عنها هذا الحر الذي بدت تشعر به لكن كل هذا بلا فائدة رغم أن الشتاء يلف المكان بردائه، دبت بالقلم على النوتة أمامها بدقات متتالية بتوتر واضح لعمران الذي يجلس جانبها على الأريكة في غرفة المكتب بهدوء تام، بينما يضع ساق على الأخرى وذراعه مفرودة على ظهر الأريكة خلف سمر لتشعر بحرارة جسدها تزداد وتوترها في قمته بينما لا تجد شيء يخفف عنها ما تشعر به، تركت القلم بحدة واضحة ورفعت شعرها على رأسها ربما عندما تبعده عن عنقها لا تحس بهذا التعرق، اختلست نظرة لعمران الذي يتابعها بصمت ينتظر منها أن تكمل ترجمة الرواية بينما على شفتيه شبح بسمة مستفزة تكاد تجعل سمر تصيح به:
( كفى لقد أرهقت، انا خاصمت وابتعدت لكنني حقا أرفع راية تلو الأخرى ولم يعد بمقدرتي الابتعاد لكن ذاك الكبرياء المتبقي يمنعني يا ابن عمي)
تنهدت بعمق وهي تتلفت حولها عندما تعلقت عينيها بالمدفئة فهتفت:
" إنه أنتِ"
عقد عمران حاجبيه بينما يراها تنتفض من مكانها وتسير تجاه المدفئة مغلقة إياها ثم اعتدلت بقامتها لتزفر بعمق قبل ان تتوجه للنافذة تفتحها على مصراعيها ليكتم عمران ضحكته وقد أحس بما تعانيه بلوته والذي يشاركها فيه لكنه لأجلها يتحمل حتى تعود له راضية مسامحة بكل كيانها، لقد مرت الأيام السابقة عليهما ثقيلة رغم لطفها كون سمر جانبه ولم تسافر لأبيها، العلاقة بينهما ولو فيها حواجز إلا أن هناك ما يجمعهما كتلك الرواية التي بدأت سمر بترجمتها له بل إنها خصصت دفتر لتلك الفقرات التي وضع عمران تحتها خط وكتبتها بنفسها فيه دون أن تخفي ذلك عن عمران الذي أحس مع كل حرف تكتبه بأناملها بخفقات قلبه ترقص في صدره فبلوته تهتم لأدق التفاصيل ولا تتوانى عن فعلها أمامه بل تبوح دون أن تنطق، أحيانا عندما يراها تنحني بسرعة وتكتب ما خطه بأنامله ، يتمنى لو طوقها بقوة بين ذراعيه وقبل كل إنش فيها يخبرها بمدى شوقه لها لكن بقوة من حديد يمنع نفسه عن ذلك خاصة أن سمر بعد أحد المرات التي ترجمت له فصل من الرواية وكانت مشاهده حارة أصرت أن تنتقل لغرفة المكتب كي تتم الترجمة هناك بعيد عن غرفة نومها وكأنها تبحث عن مكان أكثر حميمية وهو احترم رأيها الصامت التي لم تصرح به بالكلام لكن بالفعل عندما بدأت في اليوم التالي بالانتقال للمكتب وقت الترجمة وهاهي من يومها على ذات الوضع لكن من الواضح بأن هذا لم يساعدها بل تزداد ارتباكا.
قطع شروده عندما عادت سمر لتجلس جواره ليقطع عمران صمته وهو يقول ببطء شديد:
" ما بك سمر، أشعر بأنك مرهقة!"
استدارت له، وحدقت فيه مليا تكاد تصرخ به بأن لا يتحدث بهذا الصوت الرزين الذي يؤجج النيران في صدرها ويجعلها تفكر بأن… هنا شردت في ملامحه وتمنت لو مدت يدها ومسدت ذقنه الخشنة وطبعت قبلة عميقة على وجنته، تخبره عما تحس به، احتبست انفاسها بينما تجول عليه بحنين يتحرر من عينيها دون ارادة منها ، قضمت شفتيها بقوة، تمنع نفسها من تهورها خاصة أنها لا تريد أن تبدو وقحة كتلك البطلة في الرواية التي تقرأها، زفرت طويلا والتفتت للرواية وسحبت القلم تنظر لذاك الكلام المغيظ المستفز في الصفحة التي وكأنها تخرج لها لسانها من شدة رومانسية، البطل الذي يتعامل مع البطلة كما لو كانت من زجاج، هتفت من بين أسنانها:
' ما هذا الدلال المستفز!؟"
كتم عمران ضحكته ومال نحوها ليغزو عطره الرجولي أنفها لتكز على أسنانها تكاد تطحنهم وهي تسمعه يقول بهدوء:
" ماذا كنت تقولين؛ لم أسمعك!؟"
استدرات له بوجهها لتتلاقى مع عينيه بهذا القرب الذي هز كل كيانها لتبتلع ريقها وهي تتمتم بكلمات غير مفهومة وتعود للنظر للرواية لتمنع نفسها مما يغويه به قلبها، تشعر بشيء غريب فيها، متأكدة من هذا لقد بات حنينها في أوج شدته، همست تنطق بكلمات المشهد بصوت متحشرج وهي تفكر كيف تنفض عنها تلك الأفكار، بينما عمران لا يساعدها على ذلك خاصة عندما مال بقربها بجذعه ولم يضع مسافة كافية بينهما كما اعتادت الأيام السابقة لقد اقتربت انفاسه من جانب وجهها تلفحها بقصد واضح لتتقلص أناملها على القلم بينما تسحب نفسا تلو نفس وتزفر ببطء قبل أن تضيق حاجبيها وتلقي بالقلم لتلتفت عمران فجأة وتقول:
" أريد سوفليه!"
ارتد وجه عمران بدهشة وهو يسألها:
" الآن؟!"
هزت رأسها بنعم وهي تستقيم فجأة واقفة وتهتف بصوت مختنق تعيد كلماتها:
" أريد سوفليه!"
وقف عمران ونظر لها بذات النظرة المتعجبة وهو يقول وقد تنبه أنها تتحدث بلهفة واضحة:
" لنعده الآن!"
استدارت له وتخصرت في وقفتها قبل ان تقول بنبرة محبطة:
" أنا أعشق السوفليه وأكله لكن لم أجرب يوما صنعه!"
قهقه عمران حتى مال للخلف بجذعه لتتعلق به محدقة فيه بوله لكنها أشاحت بوجهها عنه عندما هدأت ضحكته ونظر لها قائلا:
" صدقيني ولا أنا أعرف طريقة صنعه!"
كادت تبكي كطفلة وهي تكرمش ملامحها وتزم شفتيها ليهمس بصوت دافيء وقد أشفق عليها لعلمه بحبها الشديد للسوفليه لكن دوما ما كانوا يأكلوه عند خروجهم، يذكر هذا قبل زواجهم عندما كان يجتمع أربعتهم في المقهى وتطلب سمر السوفليه لكن أن تبكي لمجرد أنها قد لا تستطيع أكله الآن هذا هو الغريب، تابع عمران بعد لحظة الصمت تلك:
" لكن عمنا جوجل لم يترك شيء إلا وله حل، فلنبحث فيه ومؤكد ستكون المكونات في الثلاجة ولو هناك نواقص سأنزل أشتريها!"
الفرحة التي ارتسمت على وجهها كانت كمكافأة كبيرة له والتي تبعها صفارة عالية من بين شفتيها أجفلت عمران ليحدق فيها مذهولا وهي تقول بمرح:
" إذن هيا يا ابن الجبالي لتساعدني لأنني لو لم أكل سوفليه الآن سأصرخ من النافذة وأقول، يا ناس من عنده سوفليه فليأت به!"
ضحك عمران وهو يسير معها تجاه المطبخ بينما يقول:
" وأنا لا يرضيني أن تنادي للناس وأنا هنا يا ابنة عمي!"
نظرت له سمر بامتنان وهي تمد يدها له تطلب الهاتف الذي فتحته لتبحث فيه عن طريقة السوفليه بينما تطلب من عمران أن يأتي لها بالمكونات من الثلاجة لتبدأ في إعداده والذي ساعدها فيه عمران لحظة بلحظة ، يتأمل بلوته وهي تبتسم مع كل مكون تضعه كما لو كانت جائزة لتزداد بسمته ودهشته…
ما إن انتهت سمر من تحضيره ووضعته في الفرن حتى وقفت متخصرة، تنظر له عبر الزجاج ليهتف عمران بدهشة:
" سمر هل ستقفي هكذا؟!"
لم تلتفت له بل قالت وهي متعلقة بالزجاج الخاص بالفرن بينما ترى السوفليه يلمع أمامها بإغواء:
" بلى سأنتظر هنا حتى يستوي!"
هنا استند عمران بظهره على رخام المطبخ ووقف يتطلع في بلوته، يبحث في وجهها عما يحدث لها وفكر أنها تتهرب من الجلوس معه لترجمة الرواية لكن ليس من المعقول، فحتى لو كان كذلك لم تكن لتقف هكذا كما لو كانت في انتظار عائد من السفر، كان هذا رده على نفسه بينما يشرد في ملامحها الحبيبة، يتمنى لو أمطرها بقبلات مشتاقة عندما قطع شروده صرختها وهي تصفق وتنط من مكانها ( انتهى)
جحظت عينا عمران وهو يعتدل في وقفته بينما تخرج سمر السوفليه من الفرن وتضعه على المنضدة ثم تحركت بسرعة تأتي بلمعقة في حين عمران تكتف أمامها يتابعها بصمت عله يحلل تلك الأحجية.
دست سمر الملعقة في طبقة السوفليه لتمتلىء الملعقة بالشكولاتة الحارة السائلة وتضعها في فمها وتلعق شفتيها ليهتز عمران لوهلة في مكانه بينما يمسد شعره بتوتر عندما اعتدلت وقالت باحباط:
" هذا السوفليه ينقصه شي!"
قال عمران باهتمام:
" أعددناه كما في الفيديو!"
هزت سمر رأسها بذات الإحباط قبل أن تدس الملعقة مرة أخرى في الطبق وتقدمها لعمران الذي فتح فاه تلقائيا يتلقى الملعقة بذهول وعينيه تدور في محجريها، همس بعدما ابتلع السوفليه:
" إنه جيد بل جيد جدا!؛ أعتقد لا ينقصه شيء!"
هزت سمر رأسها ترفض هذا ثم دست الملعقة مرة أخرى في الطبق ومن الطبق لفم عمران وكأنه من كان سيموت منذ لحظات لأجل إعداد السوفليه، تابعته سمر وهو يبتلع السوفليه لتلعق شفتيها وتقترب منه وتشب على أطرافها،تستند بكفيها على كتفيه متعلقة بعينه اللتين يحملان صورتهما وشفتيه اللتين يناديان بإغواء صريح رغم ذهول صاحبهما الذي لا يفهم ما يدور في فكر بلوته التي قضمت شفتيها بإغواء مهلك لحواءه قبل أن يذوب السوفليه المتعلق على شفتيه بشفتيها لتحتبس أنفاس عمران من شدة المفاجأة التي هزت كيانه ليطوق سمر بذراعيه، يعتصرها في حضنه..
فجأة ابتعدت سمر عنه ليعقد حاجبيه وقد تعالت أنفاسه يحاول تهدئتها من تلك القبلة الحارة التي سببت له ثمالة.
همست سمر وهي تلعق شفتيها:
"الآن ضبط طعم السوفليه!"
همس عمران يحاول استعادة رباطة جأشه بعد إعصار سمر على شفتيه:
" ما الذي تقصديه!؟"
" سوفليه الشيكولاتة بالقبلات الحارة، هكذا هو الطعم المضبوط، فهمت الآن ما كان ينقص!"
قالتها سمر بهدوء تام كما لو كانت تحكي له خبر عادي لا يسبب صداع نصفي يريد لحبة سريعة المفعول للقضاء عليه أو إتمام ما بدأت منذ لحظات، استعاد عمران نفسه من دهشته وتكتف قائلا:
" أصبحت القبلات طعم ومكسبات لون للطعام!"
هزت سمر كتفيها مدعية عدم الاهتمام وهي تقول بذات الهدوء:
" قُبلة عمران تفعل، إن السوفليه لن يظبط طعمه سوى هكذا!"
قال بمكر :
" لم تكملي الطبق!"
كتمت ضحكتها بينما تشعر باشتهائها للمزيد من السوفليه وقالت:
" ربما في الغد فلا أعتقد أنني أستطيع تناول السوفليه بعد الآن دون مكسبات طعم ولون!"
واستدارت عنه، تفكر فيما حدث منذ ثوان، ما الذي فعلته، وما هذا الإحساس العجيب الذي يتسلل لكل خلاياها، إنها لم تشعر بحلاوة السوفليه سوى… وقطعت تفكيرها لتنظر لعمران من خلف كتفها لتجده يقف محبطا يرمقها بعتاب شديد، قضمت شفتيها بوجل، تحس بخطأها لكن هي لم تقاوم تلك الرغبة والتي تزداد وتتكاثف في صدرها بشراسة.
★★★
وقف علي في وسط غرفته التي باتت باردة باهتة في غياب ندى، ها هو أوصلها للمطار لتغادر للقاهرة لعمه، تاركة إياه ملتاعا مشتاقا لها، لا يدري أيعاتبها أم يعاتب نفسه لأنه فقد الصبر الذي اعتاد عليه معها وقاوم شوقه وحبه مطيعا لأوامر عقله الصارمة لأول مرة في حق ندى، يشهد الله أنه حاول أن يجعل الأمور بينهما أسهل وأيسر ويمرر ما كان يحدث مرة تلو الأخرى لكن لم يزد الوضع سوى سوءا، يدرك الآن بأن حياته في بعدها ستكون مؤلمة لكن عليهما التحمل حتى تستقيم حياتهما ربما هذا البعد كان علاج لهما، فالحب لم يكن كافيا وربما عليهما أن يختبرا مقدرتهما على وضع مسافة بينهما، تقبض يديه جانبه وهو يتذكر حديثها قبل سفرها، كلامها الذي جعل الألم ينتشر في جسده ليحس بنفسه سقيم، تدور الأرض به بلا رحمة، دمعة عزيزة غادرت عينه، تبكي رفيقة روحه التي لا يظن الأيام القادمة دونها ستمر، مسح دمعته بطرف يده وهو ينظر للسرير المرتب بيد صاحبته لكن أصبح فارغا دونها، لم يستطع علي الاقتراب منه بل ابتعد بخطواته عنه ليرتد جالسا على الكرسي يحدق في السرير البارد ككل شيء حوله، اختفى منه دفء ندى..
رنات الهاتف المتتالية قطعت عنه لحظات الوجع تلك وكأنه فاصل عن ألمه ليأخذه من جيبه وينظر في شاشته حيث رقم عمه، سحب نفسا عميق وزفره وهو ينظر للساعة حيث ميعاد وصول الطائرة لمطار القاهرة والذي ينتظرها هناك عمها، رد علي بخفوت وهو يمسد جبينه من الصداع النصفي:
" ندى معك الآن يا عمي!"
" ندى لم تصل للقاهرة يا علي بل لم تكن على متن الطائرة من الأساس!"
قالها صلاح بنبرة متحشرجة من الخوف.
انتفض علي من مكانه واتسعت مقلتيه حتى كادت عينيه تخرج من محجريها وهو يحاول استيعاب كلام عمه الذي بدا مشوشا له وهو يقول بارتجاف:
" ماذا تقول يا عمي؟!"
رد صلاح بذات النبرة القلقة الخائفة:
" يا علي، زوجتك لم تأت وانتظرت حتى آخر مسافر وسألت استعلامات المطار لكنها لم تكن بالفعل على الطائرة"
صمت صلاح يلتقط أنفاسه ثم قال بلوعة :
" أين ابنتي يا علي، أين ابنة عمك، أين الأمانة يا ابن الغالي!؟"
دمعات أبية شوشت الرؤية على علي وهو يستعيد كلمات ندى وهي تحتضنه في المطار:
" علي، أنا دونك لن أحيا!"
★★★
في حمام غرفتها التي أصبحت لها منذ جاءت لفيلا منصور، وقفت سارة تنشف جسدها قبل أن تلتقط مئزر الحمام وترتديه، بينما لفت شعرها بالمنشفة الصغيرة وعلى وجهها ابتسامة مشرقة تزين محياها أصبحت مرافقة لها فيما تمسك مقبض الباب لتفتحه…
مطت شفتيها بتعجب عندما لم يفتح فحاولت مرة أخرى وهي تتمتم بحنق بكلمات غير مفهومة، لتعيد الكرة مرات ومرات دون استجابة فيما بدأت أنفاسها تعلق في حلقها وتحرك المقبض بقوة، تهز الباب وتركله بقدمها عله يفتح دون أي إستجابة، أمسكت عنقها تحاول تنشق الهواء وملء رئتيها اللتين بدتا فارغتين منه حتى كادت تختنق لكنها بكل ما أوتيت من قوة حاولت استعادة السيطرة على أعصابها وهي تهز الباب فيما اختناق صوتها يزداد، تشعر بالصرخة تعاندها وتسحبها لعمق بعيد مر عليه سبع سنوات لتهز الباب بكل قوتها وتركله بقدم ثم بالأخرى، تنادي باسم جلال بصوت خافت كأنه يأتي من أعماق المحيط، تدرك بأن الليل يمضي وأن الكل نيام حتى جلال وبأن غرفتها بعيدة عن باقي الغرف حيث هذا الجناح الخاص بالضيوف…
سحبت نفسا بصعوبة وهي تحرك المقبض الذي أحكم الغلق يعاندها ولم يتحرك قيد أنملة رغم محاولاتها لفتحه بينما صوتها يختنق بلوعة وهي تنادي بصوت خفيض ممطوط ( جلال)
★★★
انتهى الفصل، قراءة ممتعة، وأتمنى أن ينال إعجابكم، الفصل طويل تعويض للأسبوع السابق، فيه الكثير من الأحداث، أتمنى أن أجد صدى هذا💜💜


آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 16-12-21, 09:52 PM   #637

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 41 ( الأعضاء 12 والزوار 29)
‏آمال يسري, ‏shezo+, ‏remokoko, ‏الترياقElteriaq, ‏هدى دوش, ‏amana 98, ‏مرمورتي الحلوة, ‏ترانيم الزمان, ‏Moon roro, ‏اذكر الله يذكرك, ‏هدوء الصمت222, ‏Rasha🌹💜🌹


آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 16-12-21, 09:55 PM   #638

حوراء حور

? العضوٌ??? » 458627
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 211
?  نُقآطِيْ » حوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond reputeحوراء حور has a reputation beyond repute
افتراضي

منورة أمل .. جاري القراءة 🥰🥰

حوراء حور غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-12-21, 10:09 PM   #639

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 61 ( الأعضاء 14 والزوار 47)
‏آمال يسري, ‏Gülbeşeker, ‏Moon roro, ‏حوراء حور, ‏shezo+, ‏remokoko, ‏الترياقElteriaq, ‏هدى دوش, ‏amana 98, ‏مرمورتي الحلوة, ‏ترانيم الزمان, ‏اذكر الله يذكرك, ‏هدوء الصمت222, ‏Rasha


آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 16-12-21, 10:45 PM   #640

آمال يسري

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية آمال يسري

? العضوٌ??? » 462711
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » آمال يسري is on a distinguished road
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 87 ( الأعضاء 17 والزوار 70)
‏آمال يسري, ‏Gülbeşeker, ‏هدوء الصمت222, ‏اذكر الله يذكرك, ‏طوطه, ‏احلى بنات, ‏egmannou, ‏Kemojad, ‏زهرة الاقحو, ‏حوراء حور, ‏shezo+, ‏remokoko, ‏الترياقElteriaq, ‏هدى دوش, ‏amana 98, ‏مرمورتي الحلوة, ‏ترانيم الزمان


آمال يسري غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:27 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.