آخر 10 مشاركات
لا تتحديني (165) للكاتبة: Angela Bissell(ج2 من سلسلة فينسينتي)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة (1) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          يبقى الحب ...... قصة سعودية رومانسيه واقعية .. مميزة مكتملة (الكاتـب : غيوض 2008 - )           »          339 - على ضفاف الرحيل - آن ويل (الكاتـب : سيرينا - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          أطياف الغرام *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : rainy dream - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          *&* هنا يتم الابلاغ عن الكتابات المخالفة للقوانين + أي استفسار أو ملاحظه *&** (الكاتـب : سعود2001 - )           »          قبلة آخر الليل(15) للكاتبة: Gena Showalter *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > ارشيف الروايات الطويلة المغلقة غير المكتملة

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما رأيكم؟
جيد 13 43.33%
متابع 3 10.00%
لا بأس به 2 6.67%
أعجبني 18 60.00%
إستطلاع متعدد الإختيارات. المصوتون: 30. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree256Likes
موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-03-22, 09:11 PM   #71

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي على شرفات الحب


( لقد أوشكَت أختك أن تتعدى عليّ بالضرب )
قطب أمجد حاجبيه مستنكرًا
( لم أكن لاسمح لها بذلك )
رمشت أمام الطريقة الحازمة التي نطق بها جملته، لتشعر بحركة يده تتسارع على معصمها وكأنه يؤكد كلامه.. ظل لقاء الأعين الصامت مستمرًا وهو ينظر لعمق عينيها لا تعلم إن كان شرودا أم تركيزًا.. لكنه أربكها كعادته، فأشاحت عنه تقول ببرود
( وكأنني أنا التي كنت سأسمح لها.. لعلمك أنا تحكمت بنفسي بأعجوبة، ولولا ذرة التعقل هذه لكانت أختك الآن مُعلقة من شعرها على إحدى شجرات الحديقة )
أخيرا تبدلت ملامح الجمود عن وجهه، لكنها تحولت إلى الدهشة وقد ارتفع حاجباه من ردها الشرس، فابتسم بخفة
(أنتِ تدافعين عن نفسكِ بطريقة تثير الإعجاب.. ظننتكِ ستندفعين للخارج كما فعلتِ في المرة السابقة )
رفعت رأسها ترد بإباء
( الأمر يختلف هذه المرة.. يجب أن أُنهي ما بدأته مع ليان.. لن أُحمِّلها ذنب وقاحة والدتها معي )
- ( إذًا فلن ترحلي؟ )
قالها بنبرة لم تتبين ماهيتها، فهزت كتفيها تقول ببساطة
( لن أفعل )
- ( جيد لأنني لم أكن لأسمح لكِ)

اقتباس من الفصل القادم 🌻
موعدنا غدًا الخميس في العاشرة مساءً بتوقيت مصر فكونوا بالقرب ♥️




شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 10-03-22, 11:32 PM   #72

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي على شرفات الحب

الفصل التاسع عشر

بخطواتٍ خفيفة تحرك ينزل الدرج، ملامحه صافية مرتاحة وعلى شفتيه ابتسامة خفيفة تكاد تكون غير مرئية، لكنها كافية جدًا لتظهر أنه في مزاجٍ جيد
( صباح الخير )
قالها وهو يستقر في مكانه على مائدة الإفطار، رد الجميع التحية بنظراتٍ لم تخلو من التعجب فقد بدا لهم مختلفًا، ليس كأمجد الذي يشاركهم الإفطار يوميًا بملامح جامدة، هذا إن شاركهم الطعام من الأساس.. ابتسمت السيدة مشيرة تقول له
( تأخرت في الخارج بالأمس على غير العادة )
تنحنح أمجد قبل أن يرد باقتضاب
( كنت أُنهي بعض الأعمال )
أومأت المرأة بابتسامة وقد فطنت لتغير حاله هذه الأيام.. في حين تقابلت نظراته بعينيّ رحمة التي التمعت بخبثٍ وهي تبتسم له بعبث.. تنحنح مرة أخرى وهو يحك لحيته مُبعدًا نظراته عن عينيها الثاقبتين.. لكن شقاوة رحمة لم تدم طويلًا فقد اختفى العبث عن ملامحها ليحل محله الجمود ما إن وصلها صوته يُلقي تحية الصباح، كانت تعطيه ظهرها لكنها شعرت بعينيه مصوبتين ناحيتها.. أما فارس فاقترب يجلس بجاورها بهدوء، تشنج ظهرها وطالها مَس مِن الارتجاف حين لامس ظاهر كفها بحركة بدت عفوية، لكنها تعلم أنها ليست كذلك... تظاهرت باللامبالاة وهي تبتعد بجسدها قليلًا عن كُرسيه الذي قَرَّبه منها عمدًا،ثم بدأت في تناول طعامها وهي تشعر باشتعاله غضبًا من حركتها المستترة.. لم تكترث، لكن رغمًا عنها شردت وهي تتذكر ليلة أمس التي كادت تمر بسلام لولا ما حدث..

بعد أن خرجت من النادي تصطحب الأطفال وجدته أمامها بقامته الضخمة، هل بدا مُرعبًا أم أنها تتوهم.. هو غاضب، تعرف هيئته عندما يغضب خاصة وقد اشتعلت نظراته العسلية بلونها الداكن.. اقتربت منه دون أنه تتفرق نظراتهما وما إن وقفت حتى ألقى نظرة صامتة على سيارة أمجد التي استقرت في ركنٍ بعيد نسبيًا إلا أنها كانت ظاهرة ليراها.. عضت رحمة شفتيها وهي تستعد داخليًا لتلقي غضبه، لكنه تحرك بصمتٍ يفتح لها باب السيارة فجلست بطاعة، وتَولى هو أمر الأطفال، ثم استقر بجانبها وانطلق بالسيارة وقد ظل الصمت رفيقهما طوال الطريق.. وما إن دخلا إلى غرفتهما حتى صفق فارس باب الغرفة بقوة أجفلتها، تظاهرت بالثبات وهي تستدير إليه بصمت، بينما اقترب هو منها بهدوءٍ مرعب لترفع رأسها إليه.. همس فارس بصوتٍ خفيض لكنها تعلم جيدًا أنه يشع غضبًا
( منذ فترة وأنتِ تتمردين بعناد.. لم أتكلم، لم اتناقش، وتركتكِ تتدللين.. لكن تكذبين عليّ؟ متى صرتِ بهذه الوقاحة )
- ( أنا )
قاطع اعتراضها القصير ليردف بنفس الهمس المرعب
( هل أبدو لكِ مغفلًا؟ أعرف أخبار زوجتي بالمصادفة عن طريق السائق؟ أجيبيني ! )
انتفضت حين هدر صوته، فتصنعت الثبات وهي ترد بهدوءٍ زائف
( اتصلت بكَ ولم ترد )
ابتسم بشراسة وهو يقترب منها أكثر فتراجعت خطوتين، في حين همس فارس بخطورة
( كنت معكِ طوال اليوم بالعمل.. أنتِ لم تخططي لإخباري من الأساس )
تخللت خصلات شعرها وهي تزفر بحنق
( لأنني لم أكن أنوي الذهاب للنادي من الأساس، الأمر كله جاء فجأة.. ثم ومنذ متى وأنتَ تحاسبني على الخروج من المنزل؟ بل منذ متى وأنا مضطرة لإخبارك بكل خطوة؟! )
جذب مرفقيها يضغطهما بشدة وهو يهتف بغضب ناري
( منذ أن صرتِ تكذبين.. ما الذي جعله يلحق بكِ إلى النادي؟ )
دفعته بعيدًا تُخلص نفسها من ضغط ذراعيه، هاتفة باستهجان
( قُل إذًا أن الأمر يتعلق بأمجد.. هل سنعود لنفس النقطة مجددًا؟ لقد سئمت من أفعالك الغير مبررة هذه؟ )
- ( وتجرؤين على رفع صوتكِ؟ )
صاح بها قانطًا فهتفت بالمثل
( نعم يا فارس أرفع صوتي.. أنا لن أظل في توتر الاعصاب هذا طويلًا.. انظر لنفسك، تبدو وكأنك ضبطتني متلبسة مع رجل غريب إنه ابن عمي
وأخيك )
رفع يده يضرب الحائط بجواره وهو يصرخ بشراسة
( أنا ليس لدي أخوة.. ولا تثيري جنوني أكثر يا رحمة )
بضجرٍ أشاحت بيدها
( انا لن أُكمل هذا الحديث عديم المنفعة )
قالتها وهي تدفعه تنوي الخروج من الغرفة، إلا أنه جذبها مرة أخرى وهو يهزها هادرًا بعنف
( أنا لم أُنهي كلامي بعد )
صرخت رحمة بغضب
( وأنا لا أريد أن أسمع منك.. ألا ترى نفسك كيف تبدو؟ ماذا حدث لكل هذا؟ )
حاولت التحرك مرة أخرى، فمنعها مجددًا وجذبها بقوة أكبر، ليهمس بتهديد
( قُلت أنا لم أُنهي كلامي بعد، ولا تتحديني الآن تحديدًا يا رحمة فأنا أمارس أقصى درجات ضبط النفس كي لا أؤذيكِ )
رفعت قبضتيها تدق بهما فوق صدره بضرباتٍ رتيبة وهي تئن بعذاب
( ما تفعله الآن يؤذيني أكثر، وأنا أراني لا أستطيع فهمك كالسابق.. لطالما كنت كتابًا مفتوحًا أمامي، والآن ماذا؟! .. لماذا تغلق صفحاتك في وجهي يا فارس؟ لماذا تُصر على الظهور أمامي بهذا السوء؟ إلام تسعى أخبرني )
كان صوتها يتحشرج تدريجيًا حتى خبت نبرتها في آخر كلماتها وقد غلبتها دموع العجز لكنها ظلت حبيسة مقلتيها، نظرت له من خلف غلالة دموعها لترى حلقه الذي يتحرك بصعوبة، كان لا يزال يمسك بمرفقيها إلا أنها شعرت بضغط كفيه يقل وهي تسمع تساؤله الهامس
(هل أصبحتِ الآن ترينني سيئًا يا رحمة؟ هل صرتِ مثلهم؟ )
تأوهت بصمت أمام تحوله المفاجئ، تعلَم أن شراسته تلك واهية، وهيئته التي تبدو عدوانية ليست سوي غُلافٍ خادع يُخفي خلفه طفلًا صغيرًا، طفل تتمنى لو تأخذه الآن بين أحضانها، تعانقه العناق الذي يحتاجه وتحتاجه هي أكثر، لكنها صارت تُدرك أن هذا ليس التصرف الأمثل.. لطالما احتوته كطفلها، بل هو طفلها فعلًا لكن إلى متى! فارس صار يُظهر من السوء ما يجعلها تخشى أن تنفر منه، وهي لا تريد ذلك.. هي الآن تسعى لتخليصه مِن وساوسه، لكنه لا يساعدها.. تنهدت بضعفٍ لتغمض عينيها وهي تشعر به يبتعد عنها ليعطيها ظهره، ظلت متخشبة مكانها للحظاتٍ قبل أن تفتح عينيها ببطء، تأملته قليلًا ثم همست بخفوت
( لم أفعلها يومًا.. تعلَم أنه لو رآك العالم كله سيئًا فلن أفعل أنا، تعلم أنه لو نبذك الكون بأكمله فحضني يسعك يا فارس )
تركت دموعها تتحرر أخيرًا، سارت مقتربة منه، ثم رفعت كفها تضعه على ظهره فاستشعرت تشنجه، وتابعت لكن بنبرة حازمة
( ما تفعله خطأ وأنت تعلم ذلك.. نحن لم نعد أطفالًا، وهذا المراهق الطائش الكامن بداخلك يؤذيك يا فارس.. واجه وساوسك، اهزمها أو تهزمك هي.. الإختيار لكَ في النهاية )
وتحركت نحو حمام الغرفة تغلقه على نفسها تاركة دموعها تتحرر أكثر، وتاركة خلفها فارس يغلق عينيه على نظرة ضعيفة، نظرة منَ يشعر أن الهزيمة قد بدأت تطاله بالفعل.

( هيا بنا )
انتبهت من شردوها على جملته الهادئة وهي تراه ينهض، لكنها ردت بفتور دون أن تنظر إليه
( لا أنوي الذهاب للعمل اليوم )
رفع فارس حاجبه وهو ينظر لملابسها المتأنقة في تعجب، فتابعت رحمة بتوضيح
( سأذهب لمدرسة الأولاد من أجل اجتماع الآباء، وبعدها سأذهب مع صبا للتسوق )
كز أسنانه بغيظ وهو يراها تتحدث بهذه اللامبالاة دون حتى أن تنظر إليه، فرفع رأسه يُحدث والده بغضب
( أرأيتَ من أصريت بنفسك أن تعمل معنا.. ها هي لم يكد يمر أسبوع وبدأت في الدلال )
احمر وجه رحمة وهتفت
( كل هذا لأجل يومٍ راحة؟ )
بينما قال والده بتهكم
( من يسمعك هكذا يقول أنك تهتم حقًا لأمر العمل.. رحم الله أياما كنا نرى وجهك في العمل كل شهرٍ مرة، هذا إن جئت من الأساس )
بهتت ملامح رحمة لذلك التقريع اللاذع، فرفعت عينيها تنظر لفارس الذي ظل متجمدًا مكانه ينظر لوالده دون أي ردة فعل، وحدها هي من رأت كفه الذي ينقبض بعنف، ووجهه الذي تشنج قليلًا وهو يتلقى سخرية والده أمام الجميع كطفلٍ مذنب.. تعلم الآن بماذا يشعر، فشتمت نفسها سرًا.. بينما اندفع فارس ليخرج من الغرفة دون أن يرد.. مر باقي الوقت بتوتر صامت فنهض أمجد وقد فقد شهيته، وقبل أن يصل إلى باب المنزل استوقفه نداء رحمة فالتفت إليها لتسأله
( متى سينتهي العمل بالمشروع؟ )
أجابها أمجد ببعض التعجب
( خلال يومين.. لكن لماذا تسألين؟ )
ردت بنبرة باهتة
( فارس يركز جهوده على هذا الأمر حقًا، ينتظر أن يسمع مدحًا من عمي كما كان يحدث في السابق.. لكن كما ترى )
صمتت تتنهد بقلة حيلة، فأطرق أمجد برأسه لا يجد ردًا.. لكنها غيرت دفة الحديث حين تابعت بابتسامة مرتجفة
( لا تهتم.. المهم أخبرني، ما الذي أخرك بالأمس؟ أتمنى أن تكون قد أنهيت أعمالك جيدًا )
ابتسم أمجد يقول ببعض الارتباك الرجولي ( صديقتكِ هذه مجنونة )
ابتسمت ابتسامة حقيقية تشاكسه
( أحب مصادقة المجانين، هل لديك اعتراض؟ )
مط شفتيه يقول بتهكم
( لا سمح الله.. وهل يحق لي الاعتراض؟ خاصة وأنا ألاحظ أنها أعطتكِ بعضًا من سلاطة لسانها )
مصمصت شفتيها تتشدق بتعجبٍ مصطنع
( أمرك غريب يا ابن عمي.. ظننتك صرت معجبًا بسلاطة اللسان )
وَدَّ لو يخبرها أنه صار يعشق سلاطة اللسان، لكنه أخفى أفكاره المجنونة التي تقتحم رأسه كلما ذكر اسمها ليتساءل بنبرة عادية
( هل ستتقابلان اليوم؟ )
تلاعبت رحمة بأظفارها لتقول دون أن تنظر إليه
( نعم سنذهب للتسوق، وبعدها سنأتي سويًا للمنزل من أجل درس ليان )
أومأ برأسه يتظاهر بعدم الاهتمام، ثم تحرك مغادرًا يتبعه هتاف رحمة المشاكس
( لا تتأخر، سنكون هنا قبل الرابعة )
شيعته ضاحكة حتى اختفى فبهتت قليلًا، أخرجت هاتفها لتطلب رقم فارس، استمعت للجرس الذي رن طويلًا حتى انقطع فعلمت أنه لن يُجيب، تحركت للداخل وهي تتنهد تنهيدة عميقة، يُصارع عقلها أفكاره الحزينة.
***************************
تحركت بهدوء تنزل من السيارة وهي ترمق رحمة بنظرات صامتة، إلا أن الأخيرة كانت مستمرة في شرودها الحزين وهي تتبع زوجها الذي تحرك هو الأخر متجهًا إلى داخل المنزل.. لقد اضطرت للعودة معهما بعد أن اتصلت رحمة بفارس تطلب منه الحضور إلى المول التجاري ليعيدهما للمنزل بسيارتها.. طوال اليوم وهي تراها على هذه الحالة الغريبة، وبالكاد استطاعت أن تفهم منها أن الأمور بينها وبين زوجها ليست على ما يرام، لم تخبرها بالضبط ما حدث إلا انها استشفت أن ذلك الضخم الغامض غاضب ! .. بدا مضحكًا بالنسبة لها وهي تراه يقود السيارة بجمود يتظاهر بتجاهل رحمة التي تجلس بجوراه تراقبه بنظراتٍ متوترة، وقتها ابتسمت صبا وهي تراقب هذا الثنائي اللذيذ، الحقيقة أنها وبرغم تحاشيها لذلك الفارس، إلا أنها لا تُنكر أن حبه لزوجته يَظهر في كل سكناته، فها هو الآن ينظر لها بنظرة وديعة عاشقة لكن تلك الحمقاء تسير بجانبه شاردة.. عضت شفتيها باستمتاع وهي تستمر في مراقبة حركاتهما المراهقة.. كانوا قد اقتربوا من باب المنزل فالتفتت رحمة تقول لصبا
( سأنادي على الخادمة لتحمل مشترياتكِ إلى منزلكِ )
أومأت لها بصمت، بينما تحرك فارس إلى داخل المنزل دون أن ينطق بكلمة، نظرت له رحمة فلكزتها صبا في مرفقها لتشجعها هامسة
( اذهبي، هيا ! )
ترددت رحمة قليلًا قبل أن تتحرك بخطواتٍ سريعة لتلحق بذلك الغاضب، أما صبا فابتسمت بخفة وهي ترى رحمة التي تحولت لمراهقة عاشقة تناقض تلك المرأة الناضجة التي عرفتها من قبل، نظرت إلى يمينها صدفة فاصطدمت عيناها بنظراتٍ داكنة ترصدها من بعيد، زفرت
وهي تضع يدها على قلبها بعد أن رأت وقفته في ركنٍ بعيد في الحديقة يتطلع إليها بتلك الطريقة وتلك الهيئة التي تشبه مظهره الذي رأته به الشرفة، ليلة أن أوقف نبضات قلبها رعبًا
( أنت حتمًا تسعى لقتلي بسكتة قلبية، لا تفسير لما تفعله غير ذلك )
همست بها في غيظ وهي تتحرك ناحية الطاولة التي يقف قربها، أما أمجد فظلت نظراته كما هي وهو يراها تقترب، تحمل في يدها بعض الأكياس ووجهها يكسوه الاحمرار، لم يعلم إن كان غضبًا أم إرهاقًا، لكنها بدت شهية على كل حال.. منذ أن رآها تدخل من بوابة المنزل ومُعدل تنفسه بدأ في الاضطراب، رغم أنه يعلم بقدومها بل وينتظره، إلا أنها كالعادة تُشعل كيانه.. اقتربت منه فلم يتظاهر بالانشغال كما كان يفعل من قبل، بل ظلت عيناه تجذب عينيها نحوه وهو ينظر إليها، فأخفضت هي نظراتها بإرتباك، جلست على الطاولة فانتبه للهاتف على أذنه والذي لم يسمع من مُحدثه كلمة منذ أن وصلت هي للمنزل.. أنهى مكالمته سريعًا واتجه إليها، وقبل أن يجلس كانت الخادمة قد وصلت لتحمل الأغراض، كادت صبا تنهض لتساعدها إلا أن أمجد سبقها وهو ينحني بقامته الطويلة ليرفع الاكياس عن الأرض، وما إن فعل حتى تقابل وجهيهما، كانت تجلس مكانها على الكرسي بينما يطل هو عليها من علو، ولما أطال النظر لعينيها ارتبكت تدير وجهها، فاستقام وناول الأكياس للخادمة التي كانت تتابع المشهد بفضول.. جلس أمجد على الكرسي المقابل لها دون أن يرحمها من نظراته
( الناس عادة تلقي التحية قبل الجلوس )
قالها ببرود، فرفعت رأسها بحدة تقول
( عفوًا )
لم يرد أمجد، فتابعت بسخافة
( أنا جلست قبلك )
رد بنبرة خشنة تحمل بعض الفظاظة التي يبدو أنها قد أصابته منها
( هذا منزلي بالمناسبة )
مطت صبا شفتيها ترد ببساطة
( وإن يكن )
تألقت شفتيه بابتسامة خاصة وقد تعلقت عيناه بشفتيها رغمًا عنه، شفتيها رقيقتين مطليتين بلونٍ وردي فاتح ذو لمعة فاتنة أعطاها مظهرًا رقيقًا هشًا خاصة وقد وضعت زينة خفيفة على عينيها منحتها جاذبية مهلكة، وكأنها تحتاج لمزيدٍ من الجاذبية !
رن هاتفه، فزفر بضجر قبل أن يفتح الخط ويندمج في الحديث ولا يزال يجلس أمامها.. أما صبا فتلفتت حولها ببعض الارتباك فقد خلت الحديقة إلا منهما، وقعت عيناها عليه، فاختلست إليه نظرات سريعة أثناء انشغاله بمكالمته، كان يجلس أمامها باسترخاءٍ وكأنهما في موعد على الغداء، يمسك هاتفه بيدٍ بينما الأخري يحك بها لحيته النابتة، سؤال أحمق تسلل لذهنها وهي تنظر ليده تتساءل هل سبق له وارتبط من قبل؟
هي لا تعرف عنه عدا القليل عرفته خلال ثرثرتها مع رحمة وزهرة، والتي لم تلتقط منها سوى أنه كان يقيم بالخارج.. لكن هل يُعقل أن رجلًا في عمره ليس له علاقات؟ خاصة وأنه رجل أعمال ناجح وغني ووسيم !.. بترت أفكارها وهي تنهر نفسها دون صوت
( تبًا لكِ يا ملك لقد نقلتِ أفكاركِ المجنونة لعقلي )
ثم تلفتت حولها مرة أخرى فلم يقابلها سوى فراغ الحديقة، غمغمت بتبرم
( ما هذا المنزل الذي يختفي كل ساكنيه فجأة؟ )
تقابلت أعينهما فوجدته ينظر إليها مما جعل وجنتيها تتخضبان بحمرة خفيفة خشية أن يكون قد انتبه لما تفكر به، فرقعت أصابعها عدة مرات بتوترٍ، لتسمع فجأة صوته يقول بجمود
( توقفي )
ضيقت عينيها دون فهم وسألته
( ماذا؟ )
لم يكن قد انتهى من مكالمته بعد، لكنه كان ينظر اليها بإصرار، ولما استمرت علامات الغباء على وجهها أشار ليديها بعينيه، فنظرت لأصابعها التي شبكتها ببعضهم تفرقعها عدة مرات ثم رفعت عينيها نحوه تنظر إليه لعدة ثواني.. وبمنتهى الاستفزاز فرقعت أصابعها عدة مرات أخرى وهي تنظر له بعناد وكأنها تتحداه أن يعترض، لكنها لم تحسب حساب تلك القبضة الحديدة التي هبطت على كفيها تمسك بهما بحزم وهو ينظر لها بقوة، ارتفع حاجباها حتى كادا يصلا لمنابت شعرها وهي تنظر ليده الضخمة تقبض على أصابعها المسكينة بقوة جعلتها تئن بخفوت، مرت دقيقة كاملة حسبها هو ثانية ثانية وهو يقبض على كفيها المشبكين ببعضهما يحتجزهما داخل كفه، مستمتعًا بملمسهما الرقيق داخل قبضته الخشنة، غير آبه بمقاومتها الضعيفة وهي تنظر له بغيظ... أنهي مكالمته أخيرًا ليهتف بخشونة
( قلت توقفي )
توقفت مضطرة و هي تنظر له بتحفز، فترك هو يدها مرغمًا لتبدأ في تدليكها وقد احمرت قليلًا.. هتفت صبا بحدة
( ما الذي فعلته للتو !! )
أرجع ظهره للخلف وهو يقول ببرود
( تلك الحركة تستفزني.. لا تكرريها، كما أنها ليست صحية.. ستتقوس أصابعكِ )
لم تعرف أنها تملك هذا القدر من العدوانية إلا عندما عرفته، كما لم تعرف أيضًا أن هناك شخصًا يتمتع بتلك الطاقة الهائلة من الاستفزاز سواه، يجعلها تود قذفه بأقرب ما تطاله يداها كي يتوقف عن تسلطه هذا، هل سيتحكم بما تفعله بأصابعها؟!! ماذا لو وضعت أصابعها هذه في عينيه؟
( هل توصلتِ لطريقة مناسبة للانتقام أم أساعدكِ؟ )
أجفلت قليلًا لترمش بعينيها وهي تسمعه يتابع باستمتاع
( لا داعي لأي أفكار عدوانية.. هذه مجرد نصيحة، إن استمريتِ على هذه العادة ستتأذى مفاصل أصابعكِ وأظافركِ )
تيبست ملامحها بتبلد وهي تستمع لتحليله المنطقي حول صحة أظافرها، هذا الشخص لديه انفصام أو أنه مختل عقليًا لا شك في ذلك..
مطت شفتيها تقول بفظاظتها التي تثيره دون أن تدري
( بما أنكَ تملك هذا الكم الهائل من المعلومات حول الأظافر، لما لا تفتح شركة خاصة بمنتجات التجميل؟ )
لم تتغير ملامحه المستمتعة وهو يقول بجدية مصطنعة
( كنت أفكر جديًا في توسيع نشاط أعمالي، لكن أتعلمين؟ فكرت في شيء أكثر إفادة )
لم تنتبه لنبرته المتسلية، كما لم تنتبه أنه يوشك على إلقاء اكثر جملة استفزازية تسمعها منه بينما تابع أمجد بلهجة ممطوطة
( مدرسة لتعليم القيادة مثلًا )
تابع تعابير وجهها التي تبدلت من البرود إلى الاشتعال وقد احمر وجهها بغضب ولمعت عيناها بطريقة تكاد تحرقه مكانه، همست صبا متوعدة وهي تطبق على أسنانها
( سأحطم وجهك هذا )
ارتفع حاجباه بذهول و هو يرى تلك المجنونة ترفع هاتفها في وجهه وكأنها تنوي الاعتداء عليه بالضرب فعلًا.. رفع كفيه يهدئها، قائلًا من بين ضحكاته
( لو فعلتِها فسوف أقاضيكِ، ووقتها سأطالب بمنعكِ من القيادة ولن تتمكني من إبهارنا بمواهبكِ مع عجلة القيادة )
صرخت صبا بقنوط
( تبًا لك يا أمجد أنت حقًا طفل )
توقفت ريهام على بعد عدة أمتار ترفع حاجبها في ريبة وهي ترى صبا تقف بتحفز ترفع هاتفها عاليًا نحو أمجد الذي يشير لها بكفيه ضاحكًا، زمت شفتيها وهي تشاهده يضحك بانطلاق تكاد تراه به للمرة الأولى، وكأنه قد تبدل لشخصٍ آخر ليس نفسه الذي يلتزم بوجهه الجامد طوال الوقت.. هل تلك الفتاة هي السبب؟
لمحتها صبا فاتسعت عيناها وهي تعاود الجلوس مكانها بحرج، أما أمجد فنظر لأخته التي أعطتهما نظرة جامدة قبل أن تعود أدراجها التفت لصبا مرة أخرى و قبل أن تتحفه بجملة فظة كعادتها رن هاتفها هي فنظرت له بقنوط، إلا أن ملامحها سرعان ما انبسطت وهي تفتح الخط لتجيب بلهفة
( أخيرًا فتحتِ هاتفكِ يا مريم؟ أين اختفيتِ منذ الأمس؟ )
استمعت قليلًا قبل أن تتابع بلهجة مستفزة وهي ترمق أمجد بنظرة أكثر استفزازًا
( ألن ينتهي العمل هذا؟ هل تستعبدكم هذه الشركة أم ماذا؟ يمكنني أن أرفع عليهم دعوة قضائية أنا لا أخشى شيئًا )
قالت جملتها الأخيرة وهي تنهض مبتعدة عنه دون أن تنسى إعطاءه نظرة جليدية عنيدة جعلته يبتسم بعبث.. بدت شهية
وهي تحاول إثارة غيظه فلم تدرك أنها تثير شوقه إليها أكثر، وقفت تعطيه ظهرها
وهي مندمجة في حديثها في الهاتف، فاقتنص الفرصة ليتأملها بتمهلٍ متأنٍ، كانت ترتدي بلوزة قطنية بألوان زاهية تجمع بين الوردي ودرجاته .... تصل لبعد خصرها بعدة سنتيمترات ليست بالكثيرة فأظهرت قدها وساقيها الملفوفتين بإغراء أظهره بنطالها الچينز الذي رآه هو ضيق، ضيق جدًا بطريقة تفوق تحمله،
كانت تمد ساقها أمامها تتلاعب بها في أعشاب الحديقة بشرود، غافلة عن نظراته التي تلتهمها حرفيًا وهو غير قادر على التغاضي عن حضورها المهلك، خاصة وهي تتصرف بعفوية غير مدركة لما تثيره بداخله من براكين ساخنة، ابتلع ريقه
وهو يفتح زرًا من أزرار قميصه وقد شعر بارتفاع مفاجئ في درجة الحرارة.. هل بدت مغرية أكثر من اللازم أم أن افتتانه بها هو الذي يفعل به الأفاعيل، خاصة وهو يرى خصلات شعرها التي صففتها في تسريحة أنيقة حيث تركته منسدلًا لكنها جمعت بعض خصلاتها في ضفائر رفيعة متشابكة من الخلف، بدت في وقفتها المسترخية والهاتف على أذنها كطالبة في الثانوية تتسلل خلسة لتحادث حبيبها، فابتسم وهو يتخيلها في تلك المرحلة، كيف كانت وقتها يا ترى؟ هل كانت تمتلك تلك الفتنة الحارقة للأعصاب، ربما لو كان معها لكان هشم رأس كل من يقترب منها، التفتت له فجأة فوجدته يحدق بها بجرأة، فتخضبت وجنتيها بحمرة قانية وهي تفكر أنها أساءت اختيار بلوزتها القصيرة، تنحنحت بخجل أثار غيظها وهي تجده مستمرًا في تحديقه بمنتهى الوقاحة، فوضعت الهاتف على كتفها تسنده بأذنها لترفع كفيها عاليًا تفرقعهما بعنادٍ أمام نظراته الذاهلة.. كانت تنشد اغاظته ليبعد نظراته عنها، لكنها كانت بريئة أكثر من اللازم فلم تعرف أنه وقتها كان يقاوم بداخله وحوشًا جائعة تصارع للوصول اليها كي يهشم أصابعها الرقيقة المستفزة.. ثم بعدها.. يقبلهم بشفتيه واحدًا تلو الآخر ! ..
هذه الفتاة تثير بداخله مشاعر مندفعة كانت مكبوته داخله لسنوات، ويبدو أنها تسعى دون أن تدري لتفجيرها، لكنها لا تعلم أنه ينتظر فقط فرصة مناسبة كي يقتنص ما يريد... وقتها.. لن يمنعه أحد.. هي نفسها لن تستطيع.
لمح طارق يدخل من باب المنزل وبجانبه ليان التي ما إن لمحت صبا حتى ركضت نحوها بسعادة، أنهت صبا مكالمتها وهي تنحني لتقبل وجنتيّ الصغيرة بحنان، بينما اقترب طارق ليلقي التحية على صبا التي هتفت بمرح
( أنت دائم الاختفاء هكذا؟ مرت فترة طويلة على آخر لقاء )
ابتسم طارق يرد باعتذار
( تعلمين أمور العمل لا تنتهي )
قالت بلطف
( لكن أمور العمل لم تمنعك من اصطحاب ليان.. سعيدة أنكَ بدأت تقضي معها وقتًا أكثر )
ابتسم ابتسامة باهتة يشوبها بعض الحزن وقال وهو يتأمل ابنته
( ليان هذه حياتي.. لم يتبقَ لي الآن سواها )
انحنت عيناها بإشفاقٍ وهي تسمع همسه الحزين ونظراته التي تركزت على ابنته التي تنظر لهما بوداعة، تعلم أنه يشعر بالحزن لحالتها، كما يشعر بالتقصير ناحيتها خاصة وهو لا يلتقيها إلا بمواعيدٍ محددة
( ستكون بخير.. وسنتحدث.. أعدك بذلك )
قالتها بحزمٍ رقيق وهي تقاوم غصتها، ليلتفت لها طارق الذي همس برجاء
( أتمنى يا صبا )
تنحنحت تجلي صوتها الذي تحشرج وهي تقول بمشاكسة تحاول إبعاد تلك الطاقة السلبية
( لا تقلق يا ابني، طفلتك في يدٍ امينة.. لكن اعلم أن مكافئتي محفوظة.. أنا أريد اممم، طعامًا مجانيًا من مطعمك لمدة شهر )
ضحك طارق بمرح وتكلم بإغاظة
(حسنًا أعدكِ فقط لو اعترفتِ بأنكِ لا تستطيعين القيادة.. صبا تقود سيارة ! لا، لا أصدق )
ضربته على ذراعه بخفة قائلة من بين أسنانها
( اخرس أنت الآخر )
وعلى ذِكر سيرة القيادة حانت منها نظرة ناحية أمجد.. وليتها لم تفعل، كانت عيناه مشتعلتين بطريقة غريبة، ولم تعلم وقتها أنه كان يبذل مجهودًا خرافيًا كي يبدو هادئًا، لكنه فعليًا كان يطحن ضروسه بغضب وهو يراها تقف مع طارق تضاحكه بتلك الطريقة، هو يعلم بمعرفتهما السابقة، لكنه لم يحتمل رؤيتها تتباسط معه في الحوار بتلك الطريقة الـ... التي تجعلها تبدو فاتنة أكثر مما هي.. هل يلاحظ طارق تلك الفتنة أم هو وحده من وقع أسيرها، وما حدود علاقتهما بالضبط ! وصل غيظه أقصاه عندما ارتفعت ضحكاتهما عاليًا وتلك الغبية تضربه على ذراعه بمزاح.. ماذا تظن نفسها فاعلة؟ سيحطم أسنانها وابتسامتها الجميلة التي تبرزها في وجهٍ غير وجهه...
رأته ينهض متجهًا ناحيتها، ناحيتها هي تحديدًا رغم أنها تقف بجانب طارق، ونظراته تتركز عليها تكاد تحرقها مكانها، ازدادت ضربات قلبها وقد توجست فعلًا من مظهره المرعب، كان قد وصل اليها فابتلعت ريقها و هي تراه يمد يده ناحية طارق يحييه بهدوء يناقض نظراته النارية نحوها هي !
( لماذا تأخرتما هكذا؟ لقد اتصلت بهاتفك أكثر من عشرين مرة )
أجفلت صبا حين سمعت ذلك الهتاف الغاضب، فنظرت من خلف كتف أمجد لتلمح ريهام التي اقتربت منهم تتابع صراخها الهادر
( لماذا لم تُجِب على اتصالاتي؟ هذه ابنتي التي اختطفتها )
اتسعت عينا صبا، بينما هتف طارق باستنكار
( اختطفتها؟! بماذا تهذين؟ لقد سرقنا الوقت وهي لم تكن مع شخص غريب، أنا والدها أم أنكِ قد نسيتِ ! )
ردت ريهام بسخرية وعيناها تلتمعا بجنون
( لابد أنكَ أنتَ من نسيت.. أنت لك مواعيد محددة تراها فيها، وأنا تساهلت معك كثيرًا حتى نسيت نفسك وأصبحت تريد رؤيتها يوميًا )
كانت تصرخ حرفيًا وكأنها فقدت عقلها مما جعل ابنتها تنكمش على نفسها بين ذراعيّ صبا، أما طارق فأوشك على الرد لكن أمجد أشار له قبل أن يلتفت لريهام قائلًا بحزم
( ما تفعلينه خطأ، لا يصح أن تصرخي في وجه والد طفلتكِ بهذه الطريقة، وفي وجودي أيضًا )
همست ريهام بشراسة
( لا شأن لك.. لا تتدخل، أنتَ لا يحق لكَ التدخل.. اهتم بنفسك كما كنت تفعل دومًا )
اشتعلت عيناه بتجهم من ردها الوقح فاقترب منها يمسك مرفقها بحزم
( عندما أحادثكِ تردين بأدب، تعاملي باحترام لمرة واحدة في حياتكِ ولا تنسي أنني أخاكِ الأكبر )
نفضت ذراعها منه تصرخ بهيستيريا
( دور الأخ الاكبر هذا تمارسه على الحمقاء زهرة التي تنساق خلفك، أما أنا فلا شأن لكَ بي، منذ متى وأنت تهتم من الأساس؟ )
************************
فتحت باب الغرفة وهي تعض على شفتيها بترقب، لمحته يقف قرب النافذة يعطيها ظهره، توقفت مكانها لا تعرف هل تقترب أم تعود أدراجها، لكنها حسمت أمرها و سارت بخطواتٍ بطيئة، تناديه برقة
( فارس.. ألن تتناول غداءك؟ )
بعد وقت من الصمت رد أخيرًا بجمود مقتضب
( لست جائعًا )
سمع صوت باب الغرفة يغلق فظن أنها استسلمت ورحلت، لكنه فوجئ بيدٍ رقيقة تحيط خصره ليشعر برأسها يستقر على ظهره بنعومة، تنهد فارس وهو يسمعها تهمس برقة
( لم تأكل جيدًا على الافطار، لابد أنك جائع.. تعالَ سأعد لك أكلة لذيذة )
لم يرد.. لكنها لم تستسلم وهي تديره إليها وتقول بحنان
( ألم تشتاق لطعام رحمة؟ أم أنكَ لازلت غاضبًا مني؟ )
ثم ابتسمت برقة وهي ترتفع على أطراف أصابع كي تصل إلى قامته الطويلة، لتتعلق بعنقه وتهمس أمام شفتيه بحرارة
( آسفة.. آسفة.. آسفة )
كانت تُزين كل أسفٍ بقبلة رقيقة على شفتيه، لتشعر فجأة بيديه القويتين تمسكان بخصرها، أبعدها فارس وهو يهتف بنبرة معذبة
( يكفي يا رحمة بالله عليكِ.. علام تعتذرين وأنا المخطئ )
انحنت عيناها بألم وهي تسمع صوته المجروح، فأسرعت تقول بصدق
( لكنني لست غاضبة منك.. وأنا أيضًا كان يجب أن أخبرك بخروجي )
كانت تعلم أنها تتحدث عن شيء آخر غير الذي يقصده، لكنها تعمدت الأمر وهي تعلم أن ما حدث صباحًا على الإفطار هو ما يحزنه، تعلم أنه يجاهد نفسه كي يمحو أخطاءه، أنه يسعى ليحسن صورته خاصة أمامه هي، هذا الأحمق لا يدري أنه مهما فعل سيظل بنظرها أروع رجلٍ في العالم.. وأمامها وقف فارس لا يعلم ما يدور بعقلها، كل ما يعلمه أنه لم ينجح في ترويض نفسه كما وعدها.. صحيح أنه توقف عن سهراته السابقة، لكن يظل أمر سيطرته على غضبه هو سبب المشاكل الأكبر، لكن كيف يجعلها تفهم أن غيرته عليها تنبع من خوفه من فقدانها، نعم هو يخشى فقدانها، وربما كان هذا هو أكبر مخاوفه حاليًا... رحمة.. رحمته الطيبة، عمله الجيد الوحيد في الحياة، وحُبه الأول والأخير.. تلك المرأة التي بقدر ما أحبها بقدر ما آذاها، وها هي تتقبل منه كل ذلك بحنانٍ وتسامح يجعله يخجل من نفسه أحيانًا.. تلك المرأة هي عمره.. لو فقدها فقده
( أنا آسف )
همس بها بتحشرج بينما امتدت أنامله تلامس وجنتها بِحنو.. فقالت رحمة بلوعة
( لست غاضبة.. لا تعتذر )
أحاط وجنتها الأخرى بكفه وهو يردف بنبرة حملت من الحزم كما حملت من الحنان
( يجب أن أفعل.. لأنكِ تستحقين اعتذارًا، بل اعتذارات.. الحقيقة أن اعتذارات العالم كلها لن تكفي )
تأوهت وهي تسمع همسه الحاني.. تعلَم أنه لا يزال يشعر نحوها بالذنب، وشعوره وحده يجعلها تسامحه.. رفعت عينيها إليها تقول برقة
(حسنًا دعنا نعقد اتفاقًا )
هز رأسه مستفهمًا، فتابعت بحزم
( لا مزيد من الشجارات.. وأنت ستركز في عملك وتهتم به كما كنت تفعل في السابق )
داعب شفتيها بإبهامه وهو يقول برقة
( وأنتِ معي؟ )
هزت كتفها تقول بدلال
( أنا معك أين سأذهب )
رد بتذمر يحمل بعض العتاب
( لم تكوني معي اليوم.. كنت قد بدأت أعتاد رؤيتكِ في العمل )
أفترت شفتيها عن ابتسامة أنثوية ناعمة، وهمست تسأله بدلال
(هل اشتاق عملي إليّ )
مد يديه يجذبها ناحيته ليرتاح كفيها فوق صدره، همس بحرارة
( العمل وصاحب العمل، يتحرقان شوقًا لقربكِ.. لا يتحملان هذا البعاد )
تلونت وجنتيها بالاحمرار وقد غرقت في خجلها من همسه المشتعل، بينما تابع فارس بنفس الاشتعال
( لم أُلقِ تحية الصباح على حبيبتي اليوم )
وبنعومة مدمرة للأعصاب، مال برأسه يُقبل قلادته قبلات متفرقة رقيقة، قبل أن يحرك شفتيه لتتجول فوق عنقها الناعم بطريقة أفقدتها القدرة على التنفس وهي تشعر بقربه المُسكر.. رفع رأسه عنها، ودون أن يعطيها الفرصة لتمالك أعصابها كان يمسك بيدها ليتحرك نحو سريرهما وهو يهمس باختناق
( تعالي )
عضت شفتيها فوق خجل الابتسامة.. وصل فارس للسرير، فجلس وأجلسها فوق ركبتيه، تعلقت بعنقه هامسة
( فارس.. إنهم ينتظروننا على الغداء، هكذا سنتأخر )
تلاشت كلماتها بين قبلاته وهو يُشبع شوقه إليها، بينما يقول بزمجرة خشنة
(أنا مع غدائي الآن.. تعالي يا وجبتي اللذيذة )
ضحكت رحمة بعشقٍ وهي تتعلق برقبته أكثر، تاركة نفسها لدفء أحضانه، مررت أصابعها في خصلاته الناعمة، تناديه بنبرة خافتة
( فارس )
رد بزمجرة خشنة
( نعم )
تنهدت تقول بنبرة مرتاحة
( أريد أن أتنزه معك بمفردنا، كما كنا نفعل في فترة الخطبة.. أشتاق لذلك جدًا )
بعد فترة قال من بين أنفاسه اللاهثة
(حسنًا.. ليس الآن.. في نهاية الأسبوع )
تفادت قبلاته المجنونة لتقول بإصرار
( لا.. غدًا.. أنا أشتاق للتنزه معك )
كتم تذمرها المعترض بشفتيه ليسكتها بقبلاته المتلهفة، قبل أن يفك أزرار قميصه وهو يقول بنفاد صبر
(حسنًا أوافق )
ضحكت بسعادة، وتركت نفسها لعناقه الحاني، تتنهد بحب وهي تُبحر في أمواج عشقه، تستمع إلى همساته الشغوفة باسمها وكلماته التي تطيب لها روحها المُرهَقة، تتمنى بداخلها لو توقف الوقت بينهما على تلك اللحظات، اللحظات التي يترك فيها نفسه على سجيتها بين أحضانها هي، تاركًا خلفه كل شيء، متخلصًا من كل قِنَاعاته، مانحًا لها وجه الطفل الذي تعشقه، فتمنحه الحنان الذي يريده وأكثر...
غابا معًا في عالمهما الخاص، حتى رمشت رحمة بعينيها وقد تنبهت لسماع أصواتًا وجلبة في الأسفل فحاولت الابتعاد قليلًا عن مرمى شفتيه وهي تهمس بتعجب
( ما هذا الصوت؟ ماذا يحدث؟ )
لم يحررها فارس وكأنه لم يسمعها، فقالت بصوت أعلى
( فارس انتظر.. اسمع أصواتًا في الحديقة )
زفر مغمغمًا بقلة صبر
( لا تهتمي )
صمتت تتجاهل ما حدث، لكن صوتًا أشبه بالصراخ جعلها تنتفض من مكانها هاتفة بجزع ( هذا صوت ريهام )
استقامت تعدل من ثيابها وهي تبتعد عن فارس الذي شتم بصوتٍ خفيض هامسًا
( ريهام ومشاكل ريهام التي لا تنتهي )
اتجهت رحمة نحو باب الغرفة وهي تهتف بقلق
( اتبعني يا فارس )
جذب قميصه يرتديه بعنف وهو يصيح بسخط ( قادم، قادم.. تبًا لكِ يا ريهام )
*************************
ملامحه المشتعلة كانت علامة نفاد صبره وهو يقف أمام تلك الوقحة التي تصرخ في وجهه دون أي شعور بالخجل من نفسها، بينما كانت صبا تتابع الموقف بقلق وهي ترى منظره المرعب وقد شعرت أنه يكتم طاقة هائلة من الغضب..
لكنه فاجأها عندما تحدث بصوت جليدي
( معكِ حق.. لن أتدخل، هيا اصرخي.. اجعلي ابنتكِ تكرهكِ أكثر )
بهتت ملامح ريهام، وحركت حدقتيها تنظر لابنتها التي تبكي بخوف وهي تختبئ بين ذراعيّ صبا..
بينما لم يرحمها أمجد وقد تابع بقسوة
( حالتها لن تتحسن طالما هي معكِ.. أنتِ السبب فيما حدث لها من الأساس )
( يكفي يا أمجد )
صوت صبا الخافت وصله، لكنه تابع بنفس القسوة
(أنت أصبحتِ مثيرة للشفقة )
أوقفته صبا بهتافها
( كفى يا أمجد.. بالله عليكما اصمتها، الفتاة لن تحتمل أكثر )
مد طارق يده ليأخذ ابنته التي رفضت بصرخة قصيرة وهي تنكمش على نفسها أكثر في حضن صبا.. بينما تخلل أمجد خصلات شعره بغضب
وقد نجحت ريهام في إفقاده تحكمه بنفسه... حينها صاح طارق بانفعال
( هل رأيتَ بنفسك أفعالها ! كل هذا لأنني تأخرت بالخارج مع ليان، والتي مِن المفترض أنها ابنتي )
تنهد أمجد وصدره يشتعل غضبًا من هذا الموقف السخيف، بينما لم ترد ريهام وهي تقترب من صبا تمد يدها ناحية ابنتها وتناديها برفق رغم جسدها الذي يرتعش من الانفعال
( ليان.. تعالي يا حبيبتي إلى ماما )
هزت الفتاة رأسها نفيًا بخوف وهي تنكمش في حضن صبا.. رد فعل الطفلة جعل جنون ريهام يتصاعد وهي ترى نفسها صارت منبوذة حتى من ابنتها ! تحتمي بصبا منها هي !
مدت يدها بإصرار تحاول جذب الطفلة ناحيتها، لكنها استمرت في رفضها، فتكلمت صبا بجمود
( دعيها تهدأ قليلًا.. الفتاة خائفة )
توقفت يدا ريهام وهي ترفع عينين مرعبتين ناحية صبا، وقالت بحقد
( لا أريد أن أسمع صوتكِ.. لا تتصرفي وكأنكِ من أهل هذا المنزل، أنتِ لست سوي ضيف ثقيل على قلبي )
اتسعت عينا صبا من هذا الهجوم الصريح، بينما احتل الغضب ملامح أمجد وهو يرى أخته الآن في أبشع صورة، لم يستطع الصمت أكثر خاصة وهو يرى ريهام تجذب ابنتها عنوة، لكنها فعليًا كانت تتهجم على صبا، وحده هو من شعر بذلك وربما صبا نفسها لم تلحظ وهي تحاول استيعاب ذلك الهجوم العاصف كي لا تفزع الطفلة من جنون ريهام.. فجأة شعرت صبا بيدٍ قوية تمسك بمرفقها، وأمجد يبعدها بحزمٍ عن ريهام ليخفيها خلف ظهره بحمائية، تمسكت بالطفلة جيدًا
وعيناها متعلقتين بكفه القوي الذي يمسك برسغها جيدًا دون أن يفلته.. أنا ريهام فاتسعت عيناها لتهتف بجنون
( ابتعد عني أنت وتلك الحمقاء وأعطني ابنتي! )
بدأ بكاء الطفلة يعلو وهي تنظر لهم برعب، فالتفت لها أمجد يبتلع ريقه بقلق قبل أن ينظر لصبا التي ضمتها لأحضانها أكثر وهي تهمس لها بكلماتٍ مهدئة، بينما اقترب طارق من ريهام ليصرخ في وجهها بعصبية
( هل أنتِ معتوعة؟ ألن تتحلي ببعض التعقل
وتتصرفي بحكمة ولو لمرة واحدة في حياتكِ.. أنتِ تؤذين ابنتكِ.. صرت خطرًا عليها، وسأكون مجنونًا لو تركتها معكِ للحظة أخرى )
لكمته ريهام في صدره صارخة بهياج وقد بدأت دموعها تتكاثف
( لن يحدث.. إنها ابنتي أنا.. سآخذ روحك قبل أن تأخذها )
وقبل أن يتخذ أي منهم رد فعل كان صوت فارس يصدح من خلفهم وهو يوجه حديثه لطارق
( أنتَ يا هذا.. ماذا تظن نفسك فاعلًا؟ هل ستتهجم علينا في منزلنا.. لقد كتبت نهايتك بيدك اليوم )
كان يقترب منه وهو يشمر عن ساعديه وقد بدا همجيًا بشعره المشعث، وما إن اقترب منه حتى ضربه على صدره بظاهر كفيه ضربات متتالية
وهو يتابع هتافه المهدد
( شجاعتك في اقتحام منزلنا تثير إعجابي حقًا.. هيا أرني نفسك فأنا أكثر من مُرحِب لدفنك في حديقة المنزل الذي تتعدى عليه )
لطمت رحمة خديها وهي تحاول تهدئته بلا فائدة.. بينما احمر وجه طارق الذي هتف بانفعال
( انتبه لكلامك جيدًا يا فارس، ولتنظر لأفعال أختك التي تطاولت عليّ، وبعدها تحدث معي )
ابتسم فارس بوحشية، وتشدق بشراسة
( حقًا؟ وماذا فعلت أختي؟ هل صرخت في وجهك؟ يالها من متسامحة.. سأقطعك إربًا الآن لتعرف معنى التطاول )
وقبل أن يرفع قبضه في وجه طارق كان كف أمجد يمنعه آمرًا بحزم
( اتركه وابتعد )
كز فارس أسنانه ليلتفت لأخيه قائلًا بهمجية ( ابق أنت خارج هذا الأمر ولا تتدخل)
وقبل أن يكمل تعديه على طارق كان أمجد يسحبه بقوة من ياقة قميصه وهو يهتف بانفعال ( قلت اتركه.. هل ستتعدى على الرجل وأختك هي المخطئة ! دعنا نحل الأمور بهدوء، ألا ترى حال ابنة أختك ! )
نظر فارس للطفلة التي بدأت في الارتعاش وقد علا بكاءها رغم أن صبا كانت ابتعدت بها عن الشجار، وعاد ينظر لأمجد بأنفاس لاهثة، لم يعجبه تقييده له، كما لم يعجبه أن يبدو هو الأخ الطائش الذي يتسبب في المشاكل بينما أمجد يتصرف بحكمة، ورغم أنه يعلم أن ريهام هي رأس الكارثة، إلا أنه رفض التراجع، فهمس ببغض
(ما أراه هو أنك صرت تتدخل كثيرًا في شئون لا تعنيك )
ظلت حرب النظرات بينما مشتعلة.. وعينيّ أمجد القاتمة كانت تقابل نظرات فارس الهائجة.. حتى قاطعهما صوت السيدة مشيرة التي جاءت تهرول بهلع
( ماذا جرى! ماذا يحدث يا أمجد، هل تتشاجران؟ )
نفض فارس ياقة قميصه من يد أمجد ليلتفت لوالدته هاتفًا بسخرية وهو يشير لطارق
( لا شيء يا أمي، الأمر بسيط للغاية.. السيد الشجاع نسي نفسه وجاء ليتهجم علينا في بيتنا.. يظننا سنفر منه خائفين كالخراف )
ضربت المرأة صدرها وهي تلتفت لطارق الذي هدر بعصبية
(لقد تعدى ابنكِ علي بالضرب.. وهذا ما لن أُمرره أنا أتغاضى الآن عن الأمر لكي لا أُفزع ابنتي أكثر، لكن كلامي سيكون مع السيد شكري حتى نضع حدًا لهذه المهزلة )
وانصرف بخطوات غاضبة يتبعه صراخ ريهام الهائج
( لن تأخذها يا طارق...هل سمعت؟ فلتذهب للجحيم )
وتحركت مسرعة لداخل المنزل، بينما غمغمت السيدة مشيرة بقهر
( ماذا يحدث معكم؟ ألن نرى الراحة أبدًا.. لماذا توجعون قلبي؟ )
اقتربت منها رحمة تربت عليها بمواساة بينما تحدث فارس بنزق
( سألقن هذا الحقير درسًا لن ينساه )
رفعت المرأة رأسها تنظر لابنها بغضب
( اخرس.. اخرس لا أريد أن أسمع صوتك.. هل نسيت أنه والد ليان ! هل وصل بك الحال لتتعدى على من كان زوج أختك.. هل تريد أن تفضحنا بين الناس ليقولون أننا نتعدى على والد حفيدتنا !! )
لم يرد فارس وهو ينظر لوالدته بجمود، بينما ربتت رحمة على كتف المرأة
( اهدئي يا زوجة يا عمي لأجل خاطري أنا.. فارس انفعل من أجل ريهام فحسب.. تعالي معي إلى الداخل فيبدو أن ضغطكِ قد ارتفع )
رمقته بغير رضا قبل أن تتحرك مع رحمة للداخل.. بينما ظل فارس مكانه ينظر لهما بصمت، فاستدارت رحمة نحوه باسترضاء
(هيا يا فارس)
تحرك خطوتين قبل أن يستدير قليلًا لينظر خلفه حيث يقف أمجد مكانه بجمود، خلفه صبا التي تتمسك بالطفلة وهي تحرك نظراتها بينهما بقلق.. أعطاهما ظهره ليتحرك باندفاع لداخل المنزل حيث سبقته رحمة ووالدته...
تنهد أمجد بأنفاس تنضح بالغضب ليتخلل خصلات شعره بقوة كادت تقتلعها ثم التفتت خلفه لتقع عيناه على صبا، لم ينطقا بكلمة
وكلاهما ينظر للآخر بصمت، شعر بغصة مسننة في حلقه لم يعلم بسببها وهو ينظر لصبا التي تتشبث بليان بطريقة بدت وكأنها تحتمي بها وليس العكس، تتنفس باضطرابٍ وصدرها يعلو
ويهبط وكأنها انتهت لتوها من سباقٍ للركض.. كانت تنظر له بنظرة لم يفهمها، وكأنها.. وكأنها خائفة ! لكن من ماذا؟ لا يمكن أن يكون منه هو، يعلم أنه انفعل وقد فقد سيطرته على نفسه، انعصر قلبه وهو يراها تسند رأسها على رأس الصغيرة بتعب، فاقترب منها بتؤدة وقد تعلقت عيناه بعينيها لا يحيد عنهما كالمسحور، وللحظة كاد يفقد السيطرة على أعصابه ويسحبها لأحضانه، يغرقها في عناقٍ طويل عله يمحو ما يراه في عينيها، كانت الفكرة تسيطر على رأسه بإلحاح حتى كاد يفعلها حقًا ضاربًا بعرض الحائط أي أمرٍ بالتمهل، لكنه في النهاية وكعادته تحكم في رغبته بقوة وهو يمسك بمعصمها هامسًا بحزم
( تعالي )
سحبها خلفه ليتجه بها إلى ركنٍ بعيد داخل الحديقة، تطلعت صبا في ظهره العريض، تكاد تُقسم أنها تشعر بعظامه تتشنج وكأنه يجاهد نفسه في شيء ما، كانت تحمل الطفلة بيدٍ بينما يدها الأخرى أسيرة كفه، شعرت فجأة أنها يقبض على أصابعها بقوة وكأنه يخشى أن تهرب.. توقف أخيرًا دون أن يترك معصمها فنظرت حولها بحذر وهي ترى أنهما يقفان في ركنٍ هادئ مليء بالأزهر ويبدو أن لا أحد يدخله كثيرًا، جذبها ببعض الخشونة التي لم تفهم سببها ليجلسها على مصطبة رخامية ويجلس هو أمامها ينظر لها بجمود، تطلعت لمعصمها المسكين الذي لا يزال يمسكه بإصرار وقد بدأ يؤلمها، لكنها لم تنطق بشيء وهي ترى ملامحه الهائجة وتنفسه الذي يجاهد لتنظيمه مثلها تمامًا.. بدأ معصمها يستغيث فهمست بعدم راحة
( اترك يدي )
لم يبدو عليه أنه سمعها وهو لا يزال ينظر لها بغموض، فهمست بصوت مضطرب
( أمجد.. أنت تؤلمني )
أحست أنه انتفض قليلًا وكأنه انتبه لتوه، حرك يده من على كفها دون أن يحرره، بل ظل ممسكًا به، رأته يعقد حاجبيه وهو ينظر للاحمرار الذي سببه لها ضغط كفه.. فرفع عينين متألمتين نحوها يهمس بلهفة
( هل آذيتكِ؟ تؤلمكِ؟ )
لو كانا في موقف آخر لكان استقر كفها الثاني على وجنته بصفعة قوية تلقنه درسًا بأنه قد تجاوز حدوده، و بأنه فعلًا آلمها.. لكنها تعجبت من نفسها وهي ترى رغبتها الشريرة في عناده تتلاشى، لتحل محلها رغبة أخرى لم تعرف اسمها ولم تهتم لمعرفتها الآن فهزت رأسها دون أن تعلم إيجابًا أم سلبًا وهي تقول بخفوت
( ليس كثيرًا )
أفترت شفتيه عن نفسٍ مشتعل وهو يحرك إبهامه برفق فوق معصمها عله يُهدئ من احمراره قليلًا.. نظرت ليده التي تدلك معصمها لترفع عينيها نحوه فوجدته شاردًا عاقد الحاجبين ولا يزال مستمرًا فيما يفعله، إبهامه يتحرك على معصمها بتركيز وكأنه يحل معادلة صعبة.. لم تره أبدًا في هذه الحالة الغريبة من الانفعال والغضب حتى في أوقات شجارهما.. عندما كانت تتابع ما يحدث عند وصول فارس، بدا الأمر الغامض الذي تستشعره بينهما أكثر وضوحًا، خاصة وأن غضبه قد زاد عند وصول فارس، ورغم أن وقوف كلاهما في مواجهة الآخر بدا مُنذرًا بالشر إلا أنها وقتها شعرت بذلك الشبه بينهما يتضح أكثر، وقتها شتمت نفسها على أفكارها الحمقاء، لكنها لم تستطع منع فضولها من متابعة الأمر، كلاهما كان غاضب منفعل، ورغم أن غضب فارس كان اكثر رعبًا بالنسبة لها، لكن أمجد أيضا بدا غريبًا.. وقتها تمسكت بالطفلة أكثر، وانقبض قلبها وبكاء الطفلة يذكرها بذكرياتٍ مؤلمة تسعى هي لإبعادها دون فائدة ،وقد كانت انتفاضة ليان تبدو وكأنها تنبع من داخلها هي
( أفضل الآن؟ )
تساؤله الخافت أخرجها من شرودها الحزين، فنظرت نحوه لتجده يحملق بها، احمر وجهها وقد شعرت أنه يحاول قراءة أفكارها، فأجابته بـ'نعم' خافته توقعت بعدها أن يترك يدها، لكنه بدا وكأنه لا ينوي ذلك.. انتبهت صبا فجأة للطفلة التي تستند عليها بوداعة وهي تجلس في أحضانها وقد بدأ جفناها ينغلقان بإرهاق، تنهدت بتعب وهي تعود بنظراتها لأمجد وهمست بخفوت وتردد
(أنت.. انفعلت كثيرًا.. أخشى أن الأمور ستزداد الآن سوءًا )
رد أمجد بجمود
(نعم.. طارق لن يمرر ما حدث، حضري نفسكِ لمعركة ساخنة مع ريهام )
كادت تصيح به بصوتٍ عالٍ، لكنها انتبهت لنوم الطفلة فأخفضت صوتها ترد باستنكار
( هل سأتحمل أنا الذنب؟ مالي أنا بجنونها.. لقد رأيت بنفسك كيف صرخت في وجهه.. وأخوك ! يا إلهي لقد أوشك أخوك على ضربه.. أنتم عائلة فاقدة للسيطرة ولن أكون فظة لو قلت أن هذا المنزل مليئًا بالمجانين )
ثم زفرت تتابع من بين أسنانها
( لقد أوشكَت أختك أن تتعدى عليّ بالضرب )
قطب أمجد حاجبيه مستنكرًا
( لم أكن لاسمح لها بذلك )
رمشت أمام الطريقة الحازمة التي نطق بها جملته، لتشعر بحركة يده تتسارع على معصمها وكأنه يؤكد كلامه.. ظل لقاء الأعين الصامت مستمرًا وهو ينظر لعمق عينيها لا تعلم إن كان شرودا أم تركيزًا.. لكنه أربكها كعادته، فأشاحت عنه تقول ببرود
( وكأنني أنا التي كنت سأسمح لها.. لعلمك أنا تحكمت بنفسي بأعجوبة، ولولا ذرة التعقل هذه لكانت أختك الآن مُعلقة من شعرها على إحدى شجرات الحديقة )
أخيرا تبدلت ملامح الجمود عن وجهه، لكنها تحولت إلى الدهشة وقد ارتفع حاجباه من ردها الشرس، فابتسم بخفة
(أنتِ تدافعين عن نفسكِ بطريقة تثير الإعجاب.. ظننتكِ ستندفعين للخارج كما فعلتِ في المرة السابقة )
رفعت رأسها ترد بإباء
( الأمر يختلف هذه المرة.. يجب أن أُنهي ما بدأته مع ليان.. لن أُحمِّلها ذنب وقاحة والدتها معي )
- ( إذًا فلن ترحلي؟ )
قالها بنبرة لم تتبين ماهيتها، فهزت كتفيها تقول ببساطة
( لن أفعل )
- ( جيد لأنني لم أكن لأسمح لكِ)
عقدت حاجبيها حين نبس بقوله الحازم، فضيقت عينيها بتمرد
( وكأنني سألتفت لأوامر جنابك؟ أنا أفعل ما يروق لي )
رد ببرود
( إذًا كوني شاكرة لأن ما يروق لكِ يتفق مع أوامر جنابي، لأنه لو كان عكسه فكنت وقتها سأضطر لسلاح الإجبار )
زمجرت بعصبية
( توقف عن تسلطتك هذا )
تعلقت عيناه بشفتيها التي تغريه الآن تحديدًا للانسياق لرغباتٍ دنيئة.. فهمس ببرود مقتضب
وهو يعود بنظراته لعينيها
( لا )
زفرت صبا وهي تود قذفه بأقرب إصيص زرع وقد عادت إليها شياطينها الشريرة.. فجأة انتبهت أنه لا يزال ممسكًا بمعصمها، فاتسعت عيناها وكأنها كانت قد نسيت الأمر، فسحبت كفها منه بعصبية جعلته يرفع حاجبه متوجسًا، لكنه ابتسم بعدها بعذوبة وهو يراها تُمسد جسد الطفلة بيدها الرقيقة، بدت في تلك اللحظة ككتلة مجسدة من الرقة والحنان، والجاذبية بالطبع.. تلك الجاذبية التي ازدادت بجلستها الملكية أمامه والزهور من خلفها، بينما النسمات الرقيقة تحرك خصلاتها الطويلة بنعومة.. التمعت عيناه برغبة مجنونة وهو يتخيل، كيف سيكون ملمس هذه الخصلات بين كفه؟ راقته الفكرة وبشدة، فانحنت شفتاه بابتسامة عابثة لم تلحظها صبا وقد شردت قليلًا.. عاد يتأملها وقد صار الأمر كإدمان لديه.. يتأمل تفاصيلها الناعمة بنهمٍ، كل ما فيها يعجبه وبشدة.. أشعة خفيفة لشمس الغروب انعكست على وجهها فتفاعلت مع لون عينيها الموجي العميق.. انتبه لها تحاول النهوض لكنها وجدت بعض الصعوبة بسبب ليان التي راحت في نومٍ عميق.. فاستقام ناهضًا ليحمل الطفلة عنها فقامت بدورها وهي تعدل من بلوزتها القصيرة والتي تذكر فجأة أنه يود تمزيقها كي لا ترتديها مجددًا.. غمغمت صبا بهدوء
( يجب أن أرحل الآن )
أومأ لها برأسه وبداخله يود لو يجعلها تبقى لوقتٍ أطول، بل يجعلها تبقى للأبد، ويا حبذا لو في أحضانه.. كانت غافلة عن أفكاره الوقحة وهي تتحرك مبتعدة بينما يتبعها هو... توقفت فجأة لتلتفت نحوه متجاهلة نظراته التي تلتهمها كالعادة وقالت بهدوء
( من الأفضل أن تتركها مع رحمة.. لا أظن أن والدتها في حالة تسمح لها بالاعتناء بها الآن )
رد أمجد بهدوء
( لا تقلقي )
هزت رأسها قبل أن تمتد يدها نحو شعر الطفلة تربت عليه بحنان، قبل أن تُقدِم على أكثر حركة متهورة وغير مناسبة لحالته الآن.. فقد رفعت يد الطفلة إلى شفتيها لتقبلها برقة، ثم استطالت على أطرافها تعطيها قبلها أخرى على رأسها.. تصرفها العفوي جعل عينا أمجد تتسعان بتوتر وهو يبتلع ريقه بصعوبة في الثانية الخاطفة التي شعر برأسها يقترب من كتفه الذي تستقر عليه رأس الطفلة.. هذه الحمقاء لا تحسب حساب تصرفاتها العفوية إطلاقًا، ولا تعلم أنه في هذه اللحظة تحديدًا يقبض كفه الآخر بقوة كي لا يجذبها نحوه ويلتهم شفتيها الرقيقتين ليتذوق ولو قبلة واحدة من تلك القبلات المجانية التي توزعها أمامه الآن...
حضرت إحدى الخادمات لتأخذ الطفلة فأمرها أمجد بتوصيلها لغرفة أطفال رحمة، ولم يكن يعلم أن الخادمة جاءت بأمرٍ من ريهام التي كانت تراقب جلستهما الشاعرية في الحديقة من إحدى النوافذ العلوية، والتي تنظر من خلالها الآن نحوهما بنظرات مشتعلة، لتهمس بفحيح
( أيتها الأفعى.. إلام تسعين بالضبط؟ تسللتِ للحصول على اطمئنان ابنتي لكِ، وفعلت المثل مع والدها بتقربكِ الحقير إليه.. والآن تسعين لإيقاع ذلك المغفل الذي يبدو أنه فقد سيطرته على نفسه وسقط في شباككِ.. هل تسعين لغرس قدميكِ في هذا المنزل؟ فلتحذري مني إذًا.. فأنا لن أسمح لكِ بتدمير حياتي.. سأسحقكِ قبل أن تفكري في الاقتراب أكثر )
************************
وصلت صبا إلى بوابة المنزل، توقفت مكانها ببعض التردد قبل أن تحسم أمرها وتستدير لأمجد الذي يتبعها بإصرار.. فركت كفيها بتوتر فهز أمجد رأسه يسألها بريبة
( هل تريدين قول شيئًا؟ )
أومأت برأسها قبل تفتح حقيبتها لتدس يدها بها وتخرج مبلغًا من المال وتمده نحوه بصمت.. رفع حاجبه بعدم فهم دون أن يخرج يديه من جيب بنطاله ويأخذ المال.. ثم سألها بهدوء
( ما هذا؟ )
ردت بشفتين مزمومتين
( إنها أموال )
تظاهر بالدهشة وهو يرد ساخرًا
( حقًا؟ ظننتها شطائر بالجبن.. شكرًا للتوضيح )
تأففت صبا بملل
(حسنًا سأسقط أرضا من الضحك الآن.. هلا توقفت بالله عليك؟ لست في مزاج يسمح لي باستظرافك هذا )
مط شفتيه يرد لها بضاعتها وهو يقول بتهكم
( ولا أنا في مزاج يسمح لي بتحمل غبائكِ.. ماذا أفعل أنا بهذه النقود؟ هل أعدها لكِ ! يبدو أن كلام ملك صحيحًا، أنت في حالة يرثى لها من الغباء الرياضي )
أخذت نفسًا عميقا تتمالك به أعصابها كي لا تلكمه في فمه المبتسم باستفزاز ثم رددت ببرود
(اسمع.. لقد تحملت سخريتك المستمرة من قيادتي، والآن فعليك أن تتمتع ببعض الروح الرياضية وتسمح لي بإخبارك بأنك لا تتمتع برائحة الكوميديا يا أمجد الراوي )
اتسعت ابتسامته بجاذبية وهو يتلذذ بسماع اسمه من بين شفتيها اللامعتين.. بينما لم تشغل هي نفسها بتحليل ابتسامته وهي تسمعه يتابع بتهكم
( على الأقل قيادتي الجيدة تشفع لي.. أما أنتِ فتفتقرين لكلاهما )
ضربت الأرض بقدمها وهي تهتف بغضب
( توقف عن ذلك وكن ناضجًا )
ثم تحركت مبتعدة من أمامه ليهتف هو مسرعًا
وقد لحق بها
( انتظري.. ماذا عن النقود؟ )
ضربت جبهتها بيدها وهي تلتفت له مرة أخرى قائلة بحنق
( أرأيت نتيجة الاستظراف؟ كدت أنسى )
" إذن ماذا أفعل أنا وأنتِ تنسيني نفسي وتفقديني اتزاني يا موجية العينين؟"
يقولها لنفسه متنهدًا دون أن ينطق بحرف مما يدور بعقله، بينما أردفت صبا بجدية
( أريدك أن توصل هذه الأموال لذلك الشاب )
انتبه إليها وهو يعقد حاجبيه بعدم فهم
( من تقصدين؟ )
تنحنحت قبل أن تقول بتوضيح
( ذلك الفتى الذي تشاجرت معه في تلك الليلة.. سائق التاكسي )
همهم أمجد، ثم صحح بفتور
( تقصدين ذلك المجرم )
زفرت بملل
( نعم هو بعينه.. كما تشاء فأنا لا تهمني الألقاب كثيرًا ..المهم أن تعطيه النقود.. أنا أعلم أنك تستطيع الوصول إليه )
رد بهدوء
( من الجيد أنكِ ترغبين في المساعدة )
ثم أكمل باستفزاز
( لكن يؤسفني أنني سأضطر لإخراجكِ من الأمر.. أنا اهتم بالفتى لا تشغلي بالك )
شعرت بالغضب من بروده المستفز، فهتفت بتحفز
(ماذا تعني؟ لن تأخذ النقود؟ )
هز رأسه نفيًا يقول بنفس البرود
(لا..قلت لك أنا أهتم بالأمر.. أنتِ أنهيتِ مهمتكِ بسلام وشكرًا لحُسن تعاونكِ معنا )
اشتعلت زرقاويها بغضب من إصراره على ابعادها عن الأمر، فصاحت بصوتٍ يشع رفضًا وغضبًا
( بأي حقٍ تريد أن تستأثر بالأمر لنفسك.. اسمع يا أمجد.. يمكنني أن اتحرى عن الأمر وأعرف ما حل بالفتى ولذلك كن صريحا معي وأخبرني )
أخذت نفسًا تلتقط أنفاسها قبل أن تسأله بجمود
( هل آذيته؟ )
انعقد حاجبيه ممتعضًا
(هل ترييني مجرمًا؟ )
لوحت بكفيها تقول بعصبية
( إذا لما تُخفي تفاصيل الأمر عني، بل وترفض مساعدتي! )
ضغط أعلى أنفه بإصبعيه وهو يرفع رأسه للأعلى زافرًا بغضب، ثم عاد ينظر إليها وقال بمهادنة
( أنا أُبعدكِ عن الامر لا أكثر.. وقبل أن يعمل عقلكِ العبقري ويُفسر كلامي بشكلٍ يروق حماقتكِ.. دعيني أُفهمكِ أنني أتصرف في الأمر كما ينبغي.. وأنا لم أؤذه ولا أنوي أن أفعل وتوقفي عن النظر لي بعينين متستعتين هكذا فأنت تبدين... )
كان قد بدأ كلامه بهدوء وكأنه يحادث طفلة، لكن صوته علا تدريجيًا حتى وصل للهتاف الذي قطعه قبل أن يكمل جملته وقد أوشك على فقدان أعصابه فعلًا.. حسنًا سيعترف الآن أنه لم يعد يملك ذرة واحدة من ضبط النفس، لقد استنفذها كلها في ظل وجودها البهي..والآن فعليها ان تختفي من أمامه وهذا لمصلحتها..
لذلك زفر يُهدئ نفسه قبل أن يقول
(هيا يا صبا.. توكلي على الله وعودي لبيتك..
ويستحسن أن تختفي من أمامي في الفترة القادمة )
كان يتحدث وهو يحركها أمامه حرفيًا كدمية قطنية بينما تتماسك هي كي لا تسقط، فهتفت بقنوط
( هل تُسرِب قطة؟ تمهل ستوقعني )
توقف مكانه ينهت بانفعال ونظراته تجري عليها رغمًا عنه، فهمس لنفسه بخفوت
(قطة؟ حسنا قطة حمقاء شرسة تثير جنوني ولن ترسيها على بر )
- ( بماذا تغمغم؟ توقف عن السخرية مني )
قالتها بنزق و هي تعدل من ملابسها، فسألهة أمجد باستفزاز
( هل سمعت ما قلته؟ )
ردت بملامح سمجة
( لا لم اسمع )
- ( اذا اصمتي وعودي لبيتكِ هيا )
تجاهلت نبرته الآمرة كي تُنهي هذا الشجار الطفولي، وتحركت تنوي عبور الطريق.. لكن صوتًا تعرفه جيدًا ناداها باسمها.. فالتفتت لمصدره، لتجد صاحبه الذي اقترب منها بابتسامة هادئة.

انتهى الفصل

يُتبع...


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 18-03-22, 11:20 AM   #73

آلاء الليل

? العضوٌ??? » 472405
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 477
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » آلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

السلام عليكم
جمعة مباركة
هو ما في فصل هذا الأسبوع

شهر'زاد. likes this.

آلاء الليل غير متواجد حالياً  
التوقيع
تابعوا معنا رواية أسيرة الثلاثمئةيوم للكاتبة المتألقة ملك علي على الرابط التالي
https://www.rewity.com/forum/t471930.html
قديم 18-03-22, 10:18 PM   #74

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آلاء الليل مشاهدة المشاركة
السلام عليكم
جمعة مباركة
هو ما في فصل هذا الأسبوع
وعليكم السلام حبيبتي..
معلش أنا اعتذرت عن فصل الأسبوع ده لإني تعبانة شوية..
بإذن الله الفصل ٢٠ هيكون في ميعاده الخميس القادم.. آسفة لإنك انتظرتِ 💖


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 24-03-22, 03:05 AM   #75

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي على شرفات الحب

( والآن أخبريني.. ما هو شعوركِ وأنتِ تتهمينني بالتلاعب بمشاعر أخت صديقي، بينما أنتِ قد سبق ووقعتِ في حب الرجل الذي أراد أختكِ زوجة له )
***********************
اقتباس من الفصل القادم
موعدنا اليوم الخميس في العاشرة مساءً بتوقيت مصر، فكونوا بالقرب ♥️


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 24-03-22, 11:12 PM   #76

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي على شرفات الحب

الفصل العشرون

اقترب منها بابتسامته الهادئة، وفي عينيه نظرة شوق واضحة للأعمى، جعلتها تبتلع ريقها ببعض التوتر ونظراتها تحيد رغمًا عنها لأمجد الذي كان ينظر له بجمود.. كان قد وصل إليها فمد يده يقول برقة
( كيف الحال؟ )
ردت صبا وهي تمد كفها بتردد
( أنا بخير.. كيف حالك أنت؟ )
شعرت بحرارة كفه الذي يقبض على يدها وهو يقول بنبرة ناعمة
( بخير طالما أنكِ بخير يا صبا )
بارتباك رمشت بعينيها، بدا غريبًا بعض الشيء بلمعة عينيه الواضحة، انتبهت فجأة لذلك الواقف على بعد خطوتين منها، والذي شعرت بأن أشعة نارية تنبعث منه ناحيتهما، فالتفتت إليه لتصدم عيناها المتوترتين بنظراته القاتمة.. نقلت صبا عينيها بينهما
( إنه السيد أمجد، جارنا ومدير مريم في الشركة و.. )
صمتت تقطع ثرثرتها، تتنحنح بصعوبة وهي تشعر أن كفه المنقبض بجانبه يوشك أن يخنقها، فتنهدت تردف بيأسٍ خافت
( وهذا سامر.. ابن عمتي )
ثم نظرت لسامر تقول بابتسامة عصبية
( ما هذه الزيارة الرائعة؟ )
شكرها بخفوت وهو يلقي نظرات خاطفة على أمجد الذي لم ينطق بكلمة منذ بداية اللقاء، لكنه أحس بغضبه المكتوم، ونظراته التي تتركز على صبا بجمود، كما شعر أيضًا بتوتر ابنة خاله، وأنها لم تحب تواجده الان تحديدًا، فأصابته غصة مريرة في حلقه وهو يحاول أن يتغاضى عما يجول برأسه من أفكار.. بينما كان أمجد يتفحصه بتجهم، شابًا في مثل عمره تقريبًا، يبدو هادئ الطباع بملامحه المسترخية، وسيم بدرجة معقولة، يمتلك ابتسامة رزينة لكنها لم تعجب أمجد..
تحدث سامر يقول بهدوءٍ زائف
( ألن ندخل المنزل؟ )
عند الجملة الأخيرة كان أمجد قد احترق تمامًا من الغيظ فنظر بحدة ناحية صبا، ونظراته المشتعلة جعلتها تقول بتعثر
( بالطبع.. أقصد أمي وملك ستسعدان جدًا بزيارتك.. تفضل )
كز أمجد على أسنانه، باذلًا مجهودًا جبارًا كي لا يبدو متهورًا أحمق وهو يتدخل بينها وبين قريبها المستفز.. تحركت صبا نحو منزلها يتبعها سامر الذي رمَى أمجد بنظرة خاطفة ردها له الآخر بأخرى نارية قبل أن ينقل نظراته لصبا وبلوزتها المستفزة التي اختفت عن أنظاره بسبب سامر،
فهمس من بين أسنانه
(هل عليّ أن أركض خلفكِ في كل مكان لألكم كل من يتقرب منكِ؟ تبًا لم أعد أحتمل )

************************
طرقت ملك باب الغرفة بتردد ليأتيها صوت صبا يسمح لها بالدخول، وما إن دخلت حتى عقدت الاخيرة حاجبيها بتعجب
( منذ متى هذا الأدب؟ )
هزت ملك كتفيها تقول ببساطة
( ظننتكِ نائمة )
اعتدلت صبا في سريرها وهي ترد بقنوط
( يجافيني النوم الليلة )
تحركت ملك بخطوات مسرعة لتلقي بنفسها على السرير حتى اهتز قليلًا.. قالت بفضول
( وماذا يُبعد النوم عن عينيكِ؟ أهي زيارة سامر اليوم؟ )
عقدت صبا حاجبيها وهي تسألها بعدم فهم
( وما دخل سامر؟ )
تبلدت ملامح ملك، وبرطمت بعبوس
( كل هذا ولم تفهمي! متى صرتِ غبية هكذا؟ )
لكزتها صبا في ذراعها ثم قالت بنفاذ صبر
( هاتي ما عِندك يا بنت.. ليس لدي طاقة الآن لثرثرتكِ الفارغة )
دلكت ملك ذراعها فيما تهتف بلهفة
( الأمر هام صدقيني.. زيارة سامر اليوم لم تكن عادية، لقد أتى لهدفٍ ما )
زفرت صبا تحثها ببعض الملل
( وهو؟ )
ردت ملك ببساطة
( لقد صار الطريق خالٍ الآن؟ ألم تُنهي خطبتكِ؟ )
توترت صبا قليلًا لتسألها
( وكيف عرف بالأمر؟ أنا لم أخبره )
- ( ولكن أمي فعلت )
قالتها ملك بتردد، لتفغر صبا شفتيها قبل أن تزفر هامسه بيأس
( لماذا يا أمي لماذا؟ كنا قد انتهينا )
اقتربت منها ملك تربت عليها، قالت بتبرير
( أظنها تريد الاطمئنان عليكِ.. وأنتِ تعلمين أن سامر يحبك و.. )
( ومريم؟ هل أكسر قلب أختي؟ )
همست بها بشرود متألم وهي تنظر لملك بعجز، صمتت كلتاهما تحدقان في بعضهما إلى أن قالت ملك بترقب
( أتعقدين أن مريم لا تزال تفكر في الأمر؟ أظنها تخطته )
أطبقت صبا شفتيها تفكر قليلًا قبل أن ترد بحزم
( حتى وإن كانت كذلك، أنا وسامر طريقنا مسدود.. هل فقدتُ أنا عقلي لأرمي بنفسي بين أحضان عمتكِ منال !! أُفضل أن ألقي بنفسي في الجحيم.. كما أنني لا أريد شيئًا من رائحة الماضي )
قالت ملك بتردد
( لكن سامر مختلف )
- ( سامر لا يستحق مني ذلك.. سأكون أنانية لو ارتبطت به وأنا لا أُبادله مشاعره )
قالتها صبا بخفوتٍ يائس فتهورت ملك تهتف دون تفكير
( لكنكِ فعلتِ المثل مع كريم )
انتفضت صبا قليلًا، وهي تنظر لأختها بحدة.. فابتلعت ملك باقي كلماتها وهي تشعر بتهورها.. ثم همست بندم
( آسفه لم أقصد )
أرجعت صبا ظهرها للخلف، تستند على وسادتها بإرهاق وقد ذكرتها سيرة كريم بخيبتها، كما ذكرتها بحماقتها.. وللحظة شعرت أن كلام ملك صحيحًا، هل كانت أنانية مع كريم؟ لقد كانت صريحة مع نفسها يوم أن وافقت على الارتباط به، لكنه قدم لها الكثير دون أن تفعل هي شيئًا، ولكن ماذا عن خيانته؟ ماذا عن كرامتها؟!
( الأمر مع كريم يختلف.. هو لم يحبني رغم إصراره على العكس، لكن سامر؟ سامر لا يستحق أن أستغل مشاعره.. أنا لن أفعل هذا وأكسر قلبه )
تحشرج صوته بغصة، كانت تشعر بنفسها تتهاوى في بئر أفكارها.. بينما همست ملك بسخرية مريرة
( سيُكسَر قلبه في كلتا الحالتين؟ أي عذابٍ هذا يا صبا؟! يا إلهي لا أريد أن أجرب الحب أبدًا )
ابتسمت ابتسامة باهتة وهي تنظر إلى تلك المشاكسة، تشكر ربها سرًا وتدعوه أن يحفظ لها عائلتها الصغيرة.. ابتلعت غصتها تُخفي بها ضعفًا بدأ يتسلل إليها، ثم ارتدت قناع السخرية
وهي تقول بتهكم
( ما شاء الله كبرنا وصرنا نتحدث عن الحب.. ما دخلكِ أنتِ بهذه الأمور ! فقط لو نهتم بدراستنا بدلًا من دس أنفكِ في أمور الكبار )
ضحكت ملك وهي تندس بين أحضان أختها تقول بتبرم
( توقفي عن إحباطي يا غليظة )
ابتسمت صبا وهي تملس لها شعرها، فتنهدت ملك مغمغمة وقد بدأ جفناها يرتخيان بنعاس
( اشتقت لمريم.. متى ستأتي؟ )
أغمضت صبا عيناها هامسة
( ربما بعد غد.. نامي الآن )
تسلل النوم إليهما لتغرق ملك في نومٍ ثقيل كالعادة، بينما غَفت صبا لبضع دقائق قبل أن تستيقظ مرة أخرى وقد منعتها أفكارها من النوم، فتنهدت ببعض الحزن وهي تتسلل من جانب أختها، تقطع الغرفة جيئة وذهابًا وهي تفكر فيما قالته ملك، خاصة أنها شعرت أن سامر كان مترددًا اليوم، وكأنه أراد قول شيئًا لكنه تراجع.. كانت تتوقع أن يفعل ذلك ما أن يعلم بتركها لكريم، لكن تصرف والدتها هو ما يثير غضبها، تعلم أن أمها لا تريد لها سوى الارتباط بشخصٍ تتخطى معه آلام الماضي، لكن كيف يكون هذا الشخص هو سامر؟ يكفي أن أختها تكِن له مشاعر خاصة.. وحتى لو لم تكن مريم في الصورة، ارتباطها بسامر سيفتح أبواب الماضي لا العكس، سترى فيه صورة والدها كل ليلة، وفكرة أنه يعرف ما عانته يجعلها تشعر بالتضائل أمامه.. هي تتظاهر بالقوة دائمًا، فكيف ستفعل ذلك أمام من شهد عذابها؟ نفضت خصلات شعرها بكفيها وهي تشعر بأفكارها تنهش عقلها، وقعت عيناها على جرح ذراعها الذي تُظهره منامتها ذات النصف أكمام، أعطته نظره يائسة قبل أن تتوجه لخزانتها تسحب شالًا خفيفًا تُغطي به جسدها
وتتجه نحو شرفتها، فتحت النافذة لتدلف إلى الشرفة.. وكما توقعت، وجدته أمامها في شرفته المقابلة، يقف وقفته المعهودة، بهيئته المظلمة، بدا وكأنه كان يتوقع خروجها بل وينتظره.. شعرت بهاتفها يهتز في جيب منامتها فعلمت أنه يتصل، أخرجته لترفعه لأذنها دون أن تتكلم، ولم يتكلم هو أيضًا فعقدت حاجبيها تقول بغلاظة
( نعم.. خير.. لعلمك أنا أفكر جديًا في تغيير رقم هاتفي، بل والانتقال من هذا المنزل كله فأنت تكاد تصيبني بِسكتة قلبية بوقفتك تلك )
- ( اخرسي )
اتسعت عيناها من همسته الخشنة الحازمة، وقبل أن ترد لمحته يتحرك لداخل غرفته، ظنته سيغلق النافذة في وجهها لكنها رأت ضوء الشرفة يُضاء فرفعت كفها تغطي عينيها، بينما عاد أمجد للشرفة ليقف أمامها فأخذت نفسًا عميقًا تقول ببطء
( سأعتبر أنني لم أسمع ما قلته لأنني حاليًا لا املك طاقة لتحمل استفزازك )
سمعت ضحكته القصيرة المستخفة بكلامها، فتملكها الغيظ أكثر خاصة وهي تراه يتراجع قليلًا ليجلس على كرسي جانبي وهو يرجع ظهره للخلف باسترخاء، ثم قال ببرود
( ولا أنا بصراحة.. أنا أتحامل على نفسي لأحادثك لأن الأمر استدعى ذلك )
"كاذب.. أنتَ تحترق على جمرٍ منذ أن رأيتها تدخل مع قريبها للمنزل"
هتف بها صوت في عقله حاول ردعه ففشل.. بينما قالت هي ببرود
( ماذا تريد يا أمجد؟ ومن فضلك قل ما عندك مباشرة فليس لدي طاقة لأي مناوشات.. يكفيني ما حدث اليوم )
رآها تحك جبهتها بإرهاق، فعلم أنها متعبة.. لكن ماذا عنه هو؟ هو أكثر منها تعبًا بينما تلك المسافة اللعينة تفصلها عنه، تنهد تنهيدة حارة وصلتها عبر الأثير فرفعت عينيها نحوه وهي تسمعه يقول بهدوء
( أساسًا أنا أتصل من أجل ما حدث اليوم، لقد استيقظَت ليان منذ عدة ساعات، ظلت تبكي حتى نامت مجددًا.. ولم يستطع أحد أن تهدئتها )
انحنت عينا صبا بإشفاق لتهمس بحزن
( يا إلهي.. كما توقعت )
ثم تابعت بصوتٍ حاد
( لماذا لم تتصل بي وقتها؟ كنت سأعرف كيف أتصرف معها )
رد أمجد بسخرية
( مجيئكِ لم يكن ليغير شيء سوى أنه سيشعل غضب ريهام من جديد.. كما أنكِ كنتِ مشغولة بضيوفكِ.. لم نُرِد أن نُعطلكِ )
كزت على أسنانها وهي تستشعر نبرته التهكمية، ودون أن تفكر وجدت نفسها تقول باندفاع
( سامر ليس غريبًا )
الآن هو يشكر المسافة اللعينة لأنها تفصلها عنه، فلو كانت أمامه الآن لكان رأسها الصغير مهشمًا في قبضه بعد أن يلكمها على استفزازها، بينما لعنت صبا تهورها وهي توبخ نفسها دون صوت
"أنتِ صرت معتوهة حقًا.. ما شأنه هو بِشجرة عائلتك!"
خيم الصمت عليهما لدقيقه كاملة، فتململت مكانها وهي تراه لا يزال يجلس مكانه، ولم تعرف هل عليها أن تُنهي المكالمة لتهرب من امامه أم ماذا
( ستأتين غدًا )
قالها أمجد بصوتٍ قاطع وكأنه يفرض عليها الأمر، ورغم أنها كانت تنوي ذلك فعلًا كي تطمئن على ليان، إلا أن تسلطه الذي بدأ يزداد مؤخرًا صار يغيظها جعلها ترفع ذقنها باعتراض
( غدًا أنا لست متفرغة.. موعدي مع ليان بعد غد حسب المواعيد التي اتفقتنا عليها مسبقًا )
أجفلت قليلا وهي تراه ينهض عن كرسيه بعنفٍ أحدث صوتًا مزعجًا، بينما يقترب من سور الشرفه فتراجعت خطوة للخلف وكأنها تخشى أن يطير اليها، بينما تسمعه يهتف بحنق
( تبًا للمواعيد.. ستأتين )
ضربت سور الشرفة بكفها وهي تهتف بحنق
( توقف عن الصراخ في وجهي.. هل سأتحملك أنتَ أم اتحمل أختك.. ماذا فعلت في حياتي كي أضطر الى التعامل معكما؟ )
صمت أمجد قليلًا قبل أن يغمغم بغموض
( لم تفعلي شيئًا.. بل أنا من فعلت بنفسي، والآن عليّ أن اتحمل العواقب )
ثم زفر يقول بنبرة أهدأ
( هل كلما تكلمنا سنتشاجر؟ )
ارتبكت قليلًا من نبرته المهذبة، لكنها ردت تُجادله
( أنتَ مَن صرخت أولًا )
- ( لأنكِ تستفزينني ! )
قالها بنزقٍ فلم ترد، فتابع باقتضاب
( ستأتين )
زفرت بملل من إلحاحه، لتقول من بين أسنانها
( أنا حاليًا لا أملك ذرة صبر واحدة، وبصراحة أختك تجتهد في استفزازي.. وأنا لن أتغاضى عن وقاحتها أكثر من ذلك )
صمت أمجد لعدة ثواني قبل أن يقول بهدوء
( لكن ليان تحتاجك.. ألم تقوليها بنفسك، أنكِ ستفعلين ما بوسعكِ لمساعدتها؟ )
زمت صبا شفتيها تقول بقنوط
( أنتَ تضغط على مشاعري الآن )
ضحك ضحكة خافتة جعلتها ترفع عينيها إليه وهي تسمعه يقول ببساطة
( إن كان ذلك سيجعلكِ تأتين لمنزلنا يوميًا، فما المشكلة؟ )
انفرجت شفتاها بدهشة وهي تسمع همسه الهادئ، فعضت شفتيها قبل أن تسأله بترقب
( ألا يضايقك وجودي المستمر في منزلكم؟ )
عقد أمجد حاجبيه بتعجب من سؤالها
( ولماذا أفعل؟ )
تلاعبت بطرف الشال الذي يحيط جسدها بينما تقول بتردد
( لا أعرف.. ربما لأنني صدمت سيارتك )
وصلتها ضحكته عبر سماعة الهاتف، ضحكة مسترخية لم تستفزها كالعادة بل جعلتها تبتسم وهي تسمعه يقول بمشاكسة
( هل سمعتُ اعترافكِ بخطأك للتو؟ )
عضت شفتيها وهي تقاوم ابتسامتها، لكنها لم تنجح فخرجت على شكل ضحكة قصيرة سرقت قلب ذلك الواقف على بُعد أمتار منها، والذي تابع بخفوتٍ وعيناه ترسمان تفاصيلها الرقيقة
( لا تقلقي يا صبا، بإمكانكِ أن تأتي في كل الأوقات، وذلك لن يضايقني إطلاقًا.. وجودك في منزلنا لا يشكل لي أي نوعٍ من الإزعاج.. بل على عكس )
صمت دون أن يُكمل جملته، فتحفزت خلاياها بترقب، ورغمًا عنها غلبتها رغبة غريبة في معرفة ذلك العكس الذي يقصده.. بينما التوت شفتاه بابتسامة جانبية وهو يرى عيناها الآسرتين تتطالعان نحوه، تنتظرانه أن يكمل دون فاصل إعلاني مزعج من لسانها السليط، فتابع بنبرة غريبة على أذنها، تسمعها منه لأول مرة، وكذلك هو
( لقد بدأت أعتاده.. بل، وأُحبه أيضًا )
رمشت صبا بعينيها واضطربت أنفاسها، بينما اتسعت ابتسامة أمجد وعيناه تتباعان وجهها البهي الذي زينته حمرة خفيفة يعلم أنها من إثر كلماته.. كان الصمت الصاخب هو ضيف الليلة بينهما، لا يقطعه سوى صوت نسمات الليل التي تداعب خصلاتها الحرة، وكعادته تنهد وهو يستمتع بوقفتها الفاتنة أمامه، والقمر بأضواءه الشاعرية يجعل الصورة أمامه كأجمل ما يكون،
فطاف في ذهنه مظهرها اليوم وأشعة الشمس تتراقص على بشرتها، وها هي الآن تمتلك نفس الجاذبية مع ضوء القمر.. لم يرَ في حياته إمرأة تتناغم مع كل ما حولها مثل صبا، ابتسم في نفسه وهو يقسم أنها هي من تُعطي لما حولها جمالًا وليس العكس، إن لم يكن كذلك فماذا إذًا؟ لا تفسير لجاذبيتها المهلكة سوى ذلك، ولا تفسير لنضباته الثائرة سوى أنها تتلاعب بها كما تتحكم في كل ما حولها.. التقطت أذناه نحنحتها الخافتة فعلم أنها ستقول شيئًا، ورغم توقه الشديد لسماع صوتها، لكنه أطبق شفتيه وهو يعلم أنها ستفسد مزاجه الرائق، وقد صدق حدسه حين تكلمت بفظاظة
( لكن هذا لم يكن رأي أختك المحترمة، لقد ألقتها اليوم في وجهي بمنتهى قلة الأدب )
تنهد أمجد وهو يعلم أنها محقة، قال بتفكير
( وتهورها هذا هو ما يقلقني.. أتوقع اندلاع حربٍ في المنزل غدًا.. طارق سيأتي ليحسم أمر ليان.. وريهام طبعًا أنتِ رأيتِ بنفسك كم هي متفاهمة )
زمت صبا شفتيها وهي تتذكر ذلك التفاهم الذي يحكي عنه.. ثم قالت بخيلاء
( لا تقلق، لن يحدث شيء.. أنا تحدثت مع طارق وحللنا الأمر )
رفع أمجد حاجبه يقول بشك
( حقًا؟ بهذه البساطة؟ )
هزت صبا كتفيها ترد بتوضيح
( لا ليس بهذه البساطة.. الرجل أُهِين في منزلكم، لكنه تفهم الأمر ما إن نبهته لخطورة ذلك على ليان.. في النهاية ما ذنب الطفلة لتتحمل كل هذا، يكفيها المشاكل السابقة )
همهم أمجد قبل أن يقول بضيق لم يستطع أن يخفيه
( وتعرفين أيضًا المشاكل السابقة، يبدو أن طارق أطلعكِ على كل التفاصيل )
الصراحة أنها هي من طلبت منه ذلك وقد أخذها فضولها للتعرف أكثر على هذا المنزل، لكنها ردت بسرعة كمن ينفي عنه تهمة
( من باب العلم بالشيء ليس إلا )
ثم تابعت ساخرة
( المهم أن تتحلى أختك ببعض الذوق والأدب وتتوقف عما تفعله.. هذا الرجل الذي أهانته هو والد طفلتها.. وبصراحة لولا أن طارق محترمًا لكانت اختك رأت الفعل الذي يتناسب مع وقاحتها )
رد أمجد دون تعبير
( إذًا لماذا لا تقولين هذا لريهام بنفسك؟ )
هزت كتفيها تقول ببساطة
( لا أمانع في ذلك.. هذا إن كانت أختك على استعدادٍ لتقبل النصيحة مثل البشر الطبيعيين )
صمت قليلًا قبل يهز رأسه وهو يطلق ضحكة خافتة لم تفهم معناها.. فعقدت حاجبيها بتعجب
( ماذا؟ )
استند أمجد على سور الشرفة بكفه بينما يقول بتهكم
( بالله عليكِ !! ألا تفهمين حقًا؟ )
ازدادت حيرتها فهتفت بقنوط
( أفهم ماذا بالضبط؟ ما بال الجميع يتحدثون بالألغاز اليوم؟ )
رد أمجد باختصار
( ريهام لا يعجبها علاقتكِ بطارق )
عقدت صبا حاجبيها وقد تفاجئت مما قاله، لتقول باستنكار
( عفوًا؟ إنه مجرد زميل دراسة.. أنا حتى لم أره منذ فترة طويلة، وحديثي معه هذه الأيام يقتصر على ليان فحسب )
حرك أمجد كتفيه يقول
( لكن ريهام لا تقتنع بذلك، ويؤسفني أن أخبركِ بأنكِ الآن ألد أعدائها )
زفرت صبا لتهتف وهي تلوح بكفها في عصبية
( إذن أفهِمهَا أنت.. ألست أخاها )
صمت أمجد للحظتين قبل أن يقول باقتضاب
( الأمور لا تسير كما تتخيلين )
لم تفهم رده الغامض، ففتحت فمها تنوي أن تسأله عن مقصده، لكنها تراجعت وهي تطبق شفتيها.. صمتت للحظتين قبل أن تقول بخفوت
( إنها لا تزال تحبه )
أومأ أمجد برأسه متهكمًا
( نبيهة يا صبا )
لم تنتبه لسخريته المسسترة، بل شردت قليلًا
وهي تتابع بهمس، وكأنها تحدث نفسها
( تحبه رغم كل هذه المشاكل؟ رغم أنه ابتعد عنها، تحبه وتغار عليه، وربما تنتظره أن يعود أيضًا !! )
عقد أمجد حاجبيه وهو يسمع همسها، والذي بدا له حزينًا.. بينما تابعت هي بنفس الشرود
( أي حبٍ هذا الذي يُلقي بصاحبه في جحيمِ بئرٍ لا قاع له؟ وأي عذابٍ هذا؟ )
و على ضوء شرفته استطاع تبين ملامحها المتألمة، والتقطت عيناه ارتعاشة شفتيها، فاختلج قلبه وازدرد ريقه وهو يراها ترفع زرقاويها إليه، تسأله بدهشة
( هل يستحق الأمر كل هذه المعاناة؟ )
ودون أن يشعر وجد نفسه يُجاريها هامسًا
( ربما يستحق الحب أن نتحمل من أجله بعض الألم )
ابتسمت.. بمرارة ويأس.. بينما تهمس بنفس الخفوت
( حبٌ يائس.. ليس هذا هو الحب الذي يستحق السعي.. حبٌ كهذا ثِماره ألم... أعرفه جيدًا )
أساء فهم عبارتها الأخيرة، فارتعش فكه ويده تقبض على سور الشرفة بقوة، وقد تذكر خطيبها السابق.. هل كانت تحبه؟ هو لم يسأل نفسه أبدًا هذا السؤال.. كل ما كان يشغل باله هو تلك الوخزة التي تخترق صدره ما إن تلمح عيناه خاتم خطبتها.. وفي تلك اللحظة تحديدًا وَد لو يسألها إن كانت قد جربت ذلك الحب اليائس الذي تتحدث عنه، لكن قلبه لم يُطاوعه وكأنه يخشى إجابتها، فظل على صمته ينظر لها بجمود.. بينما بدت صبا وكأنها قد نسيت وجوده من الأساس، وصورة والدتها الباكية تقتحم عقلها... توترت الأجواء قليلًا وكلاهما صامت غارق في أفكاره إلى أن انتفضا فجأة على صوت نافذة صبا التي حركتها نسمة هواء شديدة، فالتفتت خلفها بحدة قبل أن تزفر بتوتر وهي تعود بنظراتها لأمجد، ليهمس هو برفق
( لا بأس )
قالها مهدئا بهمسٍ رقيق، ورغم أنها لم تستوعب إن كان يقصد انتفاضتها من النافذة أم بسبب ما قالته دون وعي، لكنها لم تبحث عن تفسير وقد بث همسه الحاني شيئًا من الطمأنينة بداخلها، فأحاطت نفسها بالشال الذي يلف جسدها وهي تعيد خصلة من شعرها خلف أذنها.. وأمامها ابتلع أمجد ريقه قبل أن يناديها بخفوت
( صبا.. )
التقطت أذناها نداءه الخافت، وهو ينطق اسمها بتمهل وكأنه يتذوق حروفه، فرفعت عينيها نحوه، تتطلع إليه بصمتٍ وترقب بينما تسمعه يتابع بتردد
( أنا... )
صمت يأخذ نفسًا عاليًا وهو يشعر أنه فقد القدرة على الكلام كما فقد القدرة على التنفس، وقبل أن يقول شيئًا آخر كانت النافذة ترتطم مجددًا مصدرة صوتًا أعلى جعل صبا تنتفض مرة أخرى،
وجعله يشتم بهمسٍ بينما يضرب سور الشرفة بقبضته.. فضحكت صبا بتوتر
( يبدو أن ملك ترسل ناحية النافذة ذبذبات غاضبه لأنني تركتها تنام في السرير وحدها )
قالتها بعفوية، فابتلع أمجد ريقه يقول باختناق
( هل تنام ملك بجانبكِ؟ )
ضمت الشال إليها أكثر وأجابت ببساطة
( ليس دائمًا.. أحيانًا عندما تكون متوترة أو تود أن تثرثر قليلًا )
كان يُراقب حركتها البسيطة وهي تضم الشال حولها بينما يسمعها تتحدث بنفس البساطة، وكأنها لا تشعر بجسده الذي اشتعل وهو يحسد ملك التي تتمتع بما يتمناه هو.. فازدات ضربات قلبه وهو يتساءل
"كيف سيكون شعوره عندما يأخذها لأحضانه، يتنعم بدفئها بين ذراعيه.. متى ستأتي هذه اللحظة؟"
( متى ستأتي؟ )
قالها متسائلًا بحق وقد نسي نفسه، لكن حمدًا لله أنها لم تسمع أفكاره الساخنة.. زفرت صبا فانتبه إليها وهي تقول بنفاذ صبر
( أنت حقًا أكثر إنسان لحوح رأيته في حياتي.. حسنًا سآتي ولكن بشرط )
رفع حاجبه يقول بثبات لا يعكس أعماقه الثائرة
( شرط؟ )
كتفت صبا ذراعيها تقول بذكاء
( نعم.. وهو أن تخبرني كيف تصرفت مع الفتى.. وأن تأخذ النقود وتعطيها له )
تراقصت على شفتيه ابتسامة عابثة وهو يقول بلؤم
( لكن هذا ليس شرطًا واحدًا بل اثنين )
زمجرت بغضب
( أمجد.. توقف عن التلاعب بأعصابي.. ماذا حل بالفتى؟ )
قرر أن يتوقف عن التلاعب بأعصابها، وتبًا لأعصابه هو.. المهم ان ترتاح الهانم... حثته صبا بقلة صبر، فزفر حانقًا
( لا أفهم لماذا تهمتين لأمره هكذا؟ أساسًا ما الذي ذكركِ به الآن؟ )
هتفت صبا بقوة
(أنا لم أنسَ أمره من الأساس )
ثم أردفت بتردد
( أنا فقط.. كنت أنتظر حتى يلتئم جرح يدك كي لا أكون فظة وأنا أطلب منك ذلك )
زم أمجد شفتيه يقول بخفوت
( انتِ دائمًا فظة يا صبا )
عقدت حاجبيها تهتف بتحفز
(ماذا تقول؟ )
نقل الهاتف لأذنه الأخرى وهو يرد بسماجة
( كنت أقول أن الفتى بخير )
لم يقل المزيد، فحثته بترقب
( وأين هو الآن؟ )
أجابها أمجد بهدوء
( اطمئني يا صبا.. الفتى الآن يعمل في وظيفة محترمة.. وأنا بنفسي أتابع الأمر )
ابتهجت تقول بفرحة
( حقًا يا أمجد؟! )
تعلقت عيناه بشفتيها المبتسمتين وهو يقول بشرود
( أجل يا صبا )
ثم تمالك نفسه وتابع متظاهرًا بالسخرية
( لا تقلقي، لم أقتله انتقامًا.. فأنا لم أصِل بعد لهذه الدرجة من الإجرام )
عضت شفتيها شاعرة بالحرج من تقريعه الخفي، تمتمت ببعض الذنب
( آسفة لم أقصد أي إهانة.. أنا فقط خِفت أن يُكرر الأمر )
تنهد أمجد وقد مسه اعتذارها، ليقول بهدوء
( لن يفعل.. هو الآن يشعر بالندم على فعلته )
كافأته بابتسامه ممتنة، لكنها سحبت هديتها سريعًا وهي تهتف بنزق
( إذًا لماذا لا تريد أن توصل له مساعدتي؟ )
زفر بملل من غباءها قبل أن يستعيد هدوءه وهو يقول بصبر
( لأن المساعَدة لا يجب أن تكون بالمال يا صبا.. لو حصل على ما يريده بسهولة فما الذي سيجعله يعمل ويجتهد؟ ثم ألا يكفيكِ أنه لم يُعاقَب على جريمته.. فَكِّري قليلًا ودعي عقلك يعمل بالله عليكِ )
برمت شفتيها وقد أخرسها رده المنطقي وأشعرها بغباءها، فبرطمت بتذمر
(حسنًا حسنًا.. لا داعي للسخرية.. أنتَ فعلًا محق )
رفع أمجد رأسه للسماء زافرًا براحة
( وأخيرًا انتهينا من هذا الأمر )
إلا أنها لم تكتفِ، فهتفت بإصرار
( لكنني أريد أن أتأكد من ذلك بنفسـ.. )
قاطعها أمجد وهو يكاد يشد شعره من جدالها
( ثانيةً ! ألا تكتفين من الجدال؟ أقسم أن إقناعكِ مُرهِقًا أكثر من شجاري مع ذلك الفتى )
رمشت بعينيها من هتافه الذي وصلها مرتين، مرة عبر سماعة الهاتف ومرة وهي تسمعه واضحًا من مكانها، فعلمت أنها ضخمت الأمر.. أطبقت شفتيها حتى هدأ قليلًا ثم همست بوداعة
(حسنًا لن أتحدث في هذا الأمر مجددًا.. آسفة )
ثم ابتسمت له بتردد جعله يتنهد بحرارة،
قائلًا بإنهاك
( الحديث معكِ صار كالحرب في ساحة قتالٍ أمام عدو ليس بسهلٍ هزيمته )
مطت شفتيها تقول ببرود
( انتهينا.. لا تبالغ )
لكنه لم يكن يبالغ، ليتها فقط تشعر بما تفعله به، وقتها ستعرف كم يبذل مجهودًا خرافيًا كي يبدو بهذا الثبات أمام أمواجها العاتية التي تتحداه بسحرها، ليتها فقط تعلم أنه قد رفع رايته وانتهى الأمر..
تنهد أمجد بحرارة يقول
( سأنتظركِ غدًا )
ثم تدارك نفسه فتنحنح ليتابع
( أقصد من أجل ليان )
أومأت برأسها فابتسم بانتصار.. ليعود الصمت إليهما لعدة ثوانٍ أخرى، فانتبهت صبا أن المكالمة قد طالت عن المعتاد.. ولذلك همست بخفوتٍ وهي تنوي التوجه لغرفتها
( أراكَ غدًا.. تصبح على خير )
أوشكت على التحرك إلا أنه ناداها بسرعة ( لحظة )
عقدت حاجبيها وهي تلتفت إليه متسائلة بنفاد صبر
( ماذا الآن؟ )
صمت أمجد قليلًا قبل أن يسألها بجمود
( من يكون سامر؟ )
اندهشت من سؤاله الغير متوقع، فردت بتعجب
( ألم أعرفكما ببعضكما؟ إنه ابن عمتي )
همهم أمجد بعدم راحة، ولم يكتفِ بما قالته وقد عرفه مسبقًا، ولذلك تابع بإصرار
( اقصد أين كان؟ أنا لم أره من قبل )
رفعت صبا حاجبًا واحدًا تقول بتهكم
( وهل كنت رأيتَ أحدًا من أقاربنا من قبل؟ هو يسكن في منزلنا القديم )
أومأ برأسه بصمت، يتجاهل مُرغمًا فضوله لمزيد من الأسئلة حول ذلك الـ"سامر" الذي ظهر له من العدم.. بينما زفرت صبا تقول بملل وقد غلبها النعاس
( أتمنى أن تكون قد أنهيت التحقيق لأنني بصراحة أريد أن أنام.. وداعًا )
قالتها واتجهت إلى غرفتها لتتوارى خلف نافذتها التي ظل أمجد يحدق فيها ببعض الشرود، إلا أنه أجفل فجأة و هو يسمع صوتها الحانق الذي اخترق أذنه
( حسنًا هيا.. تصبح على خير )
انتبه أن الخط ما زال مفتوحًا، فابتسم بخفة وهو يلمح ستائر غرفتها تغلق ببعض العنف فهمس بخفوت
( تصبحين على خير )
وما إن نظر في شاشة هاتفه حتى ارتفع حاجباه وابتسامته العابثة تتراقص على شفتيه وهو يكتشف أن المكالمة تخطت الساعة..
كم يود لو تطول تلك اللحظات التي تجمعه بها،
لتتحول إلى سنواتٍ من وجودها المُهلك بجواره،
فقط لو يحدث هذا، وقتها سيبذل ما بوسعه وما ليس بوسعه أيضًا لكي يبقيها معه للأبد، بين أحضانه، تتشرب خلاياه كل ما يخصها بنهم حتى يرتوي ويكتفي.. وكأنه سيكتفي منها يومًا !
*************************
في نفس الليلة..
تحركت على كعب حذائها العالي، تلملم فتحة صدر فستانها الواسعة، الواسعة جدًا والتي جعلت أحد عمال الفندق يُطيل النظر ناحيتها كثيرًا، فامتقع وجهها قبل أن تزجره بنظرة محذرة جعلته يبتعد بارتباك، زفرت بغضب فتحدثت الفتاة بجانبها
( ماذا بكِ؟ توقفي عن التذمر كالأطفال )
التفتت ناحيتها تقول بحدة
(أنتِ بالذات لا أريد أن أسمع صوتكِ..
لا أعرف كيف طاوعتكِ في هذا الجنون )
برمت صديقتها شفتيها باستنكار
( جنون؟ حسنًا سنرى كيف سيأتي لكِ هذا الجنون بمن عليه العين.. وقتها فقط ستركضين نحوي شاكرة )
تنهدت وهي تخفض نظراتها ناحية فستانها القصير، تهمس لنفسها بقنوط
( بفستان؟ إن أتى سيأتي من أجل الفستان؟ وماذا عني أنا؟! )
************************
وصلت الفتاتان إلى المكان المنشود، والذي يتحول ليلًا إلى ما يُشبه الملهى الليلي، هكذا وصفته عينا زهرة الجاحظتين وهي تتفحص الجالسين خاصة الفتيات بملابسهن التي أقل ما يقال عنها أنها فاضحة، ازدرت ريقها وهي تتفحص الفتاة التي مرت بجانبها ترتدي فستانًا يشبه الذي ترتديه زهرة، إلا أن الفتاة تفضلت بكامل الجود والكرم وتخلت عن الشال الخفيف الذي يستر منطقة الصدر، فظهر جسدها العاري واضحًا.. أخفضت زهرة نظراتها لفستانها ثم رفعت عيناها تلقي نظرة أخرى على المكان، فأدركت فجأة فداحة ما أقدمت عليه، لتهمس بهلع
( يا إلهي )
وقبل أن تستدير مغادرة كانت صديقتها تسحبها من يدها وهي تتحرك بها ناحية مجموعة من الشباب، حاولت زهرة الاعتراض لكن هتافها ضاع وسط أصوات الموسيقى العالية، جلست على كرسيها بجانب صديقتها منكمشة على نفسها وهي تنقل نظراتها إلى الشابين الجالسيّن أمامها، يتناولان ما أدركت أنه خمر، وبجانبهما فتاة تنفث دخان سيجارتها ببطء وهي تتفحص زهرة بعينيها... مالت نحو صديقتها تهمس بصوتٍ مهتز
( هديل.. أنا لا أشعر بالارتياح.. سأرحل )
تمسكت بها الفتاة تقول بصرامة
( هل تريدين إفساد الأمر مجددًا؟ )
ضمت شالها الخفيف تداري به كتفيها وهي تغمغم بضعف
( لن يفلح هذا.. كما أنني مرتابة من هؤلاء الشباب.. من أين تعرفيهم؟ )
تأففت هديل بقلة صبر
( إنهم أصدقائي.. ثم ما شأنك بهم ! نحن لا نريد منه سوى أن يأتي ليراكِ وأنتِ هكذا.. جميلة
ومنطلقة )
ثم التمعت عيناها بنظراتٍ خبيثة، وهي تتابع بلؤم
( ومع شباب يتفوقون عليه في الوسامة.. وقتها فقط سيدرك قيمتكِ، ويغار.. لن يشعل حبه في قلبك سوى الغيرة )
عضت زهرة على شفتيها تفكر فيما قالته صديقتها، هي تحاول إقناع نفسها بالأمر منذ الأمس، لكن شيء ما يقبض قلبها ولا تدري لِما
( هيا.. افعلي ما اتقفنا عليه )
انتبهت لما قالته ففتحت حقيبتها ببعض التردد لتخرج هاتفها وتفتح الكاميرا، وما إن ظهرت صورتها أمامها حتى انعقد حاجبيها بشيء من الاشمئزاز، من نفسها ! ترى واحدة أخرى، بوجهٍ ملطخ بمساحيق التجميل حتى اختفت ملامحها الرقيقة لتظهر ملامح واحدة أخرى، لا تعرفها.. ولا تظن أنها ستكون سعيدة بالتعرف عليها، يظهر من خلفها ذلك المكان، فبدت تشبهه.. لكنها لا تريد أن تشبهه.. لقد أقنعتها صديقتها أنها الآن جميلة، هل صار هذا مفهوم الجمال؟ هل هكذا سيحبها مروان؟! لكزتها صديقتها بمرفقها وهي تحثها على إكمال ما بدأتاه، فرمشت بعينيها تبعد عنها دموعٍ كانت تتوارى بضعف.. أوشكت على ضغط زر التصوير، لكن صديقتها مدت يدها تزيح عنها الشال الذي ترتديه وهي تهمس بخبث
( هكذا أفضل )
ابتلعت زهرة ريقها الذي جف وهي تلتقط الصورة بسرعة، تُزيف ابتسامة مرتبكة على شفتيها، وما إن انتهت حتى رمت الهاتف أمامها وهي تلتقط شالها مجددًا تلفه حولها بسرعة وتُبعد نظراتها عن عيني الشاب الجالس أمامها، والذي رماها بنظرة جائعة.. بينما التقطت صديقتها الهاتف لتكمل المهمة قبل أن تبتسم بخبث ثم رفعت عينيها ناحية زهرة لتغمز لها بانتصار.

*************************
رَفعت مريم الكوب الموضوع أمامها ترتشف مشروبًا باردًا وهي تتفحص مواقع التواصل بملل، حتى جحظت عيناها فجأة، واحتبس المشروب في حلقها مما جعلها تشهق باختناق لتسعل مرات متتالية بصوت عالٍ، اقتربت منها إحدى زميلاتها وبدأت تربت على ظهرها برفق، بينما هرول مروان ناحيتها وقد وصله صوت سعالها، فاقترب منها يهتف بقلق
( ماذا بكِ؟ )
ازدادت حدة سعالها فمد يده ناحية كوب الماء يقربه لشفتيها بقلق.. هدأ سعالها أخيرًا فأخذت تنظم أنفاسها ليزفر مروان براحة وهو يلتفت ليضع كوب الماء، وقبل أن يلتفت إليها مرة أخرى وقعت نظراته على ما جعله يعقد حاجبيه بتركيز، ليمسك بهاتف مريم الذي لا تزال شاشته مُضاءة، وتظهر بها صورة جعلته يهمس متسائلًا بصدمة
( هل ما أراها هذه هي زهرة؟ )
انتبه للحساب الذي قام بمشاركة الصورة فجحظت عيناه وقد تأكد من الاسم، فعاد لتفحص الصورة ونظراته تستعر بينما أنفاسه تعلو بغضب وهو يرى تلك الصورة التي أضافتها منذ عدة دقائق، ويظهر بها نصف جسدها العلوي الذي لا يغطيه سوى قطعة قماش ملونة لا تصلح لأن يطلق عليها اسم فستان، يُظهر نصف صدرها كاشفًا عن كتفيها وذراعيها، بينما ملامحها تكاد تختفي بسبب ذلك الكم الهائل من الألوان بها، تجمدت يداه على الهاتف ونظراته لا تزال على توحشها، ليشعر بيدًا تربت على ذراعه بتردد فرفع عيناه ناحية مريم التي كانت تراقبه بقلق
( لابد أن هناك شيئًا خاطئًا )
للحظات لم يرد وهو يحاول استيعاب تلك الكارثة، تكلم بعدها بصوتٍ جامد
( كيف أعرف اسم ذلك المكان؟ )
نظرت مريم للهاتف الذي يمده ناحيتها فترددت قليلًا وهي تأخذه منه تضغط على شاشته بأصابع مرتجفة، ثم همست بتردد
( لقد قامت بمشاركة الموقع.. أظنه لا يبعد عن هنا كثيرًا، لكن أرجوك يا مروان اهدأ.. مروان.. انتظر )
لم يستجب لندائها المتكرر وهو يسحبها خلفه آمرًا بحزمٍ غاضب
( افتحي ذلك الموقع اللعين وأخبريني بالطريق )

***************************
زفرت زهرة وهي تشعر بنفسها على وشك البكاء من ذلك المكان المليء بالمناظر المنحطة، فالتفتت ناحية صديقتها التي كانت تضاحك أحد الشباب بميوعة، لتهمس بخوف
( أنا أريد أن أرحل من هنا.. لقد تأخر كثيرًا لا أظنه رآها )
نهضت صديقتها من مكانها فابتهجت زهرة وقد ظنتها ستستجيب لرغبتها، لكن الفتاة هتفت بصوتٍ عالٍ
( لا تكوني جبانة يا فتاة.. تعالي أنا أعلم ما سيضيع هذا التوتر الأحمق )
ثم جذبتها من يدها ناحية حلبة الرقص، والتي تجمع عليها مجموعة من الشباب والفتيات، تتعالى من حولهم أصوات موسيقى أزعجت أذنيّ زهرة التي حاولت مجاراة رقصهم لكنها فشلت وقد خذلتها قدماها وشعرت بنفسها على وشك الإغماء، فجأة أحست بجسدٍ ضخم يلامسها فانتفضت وهي ترفع رأسها لذلك الشاب الذي ابتسم لها بلزوجة
( اسمحي لي بأن أراقصكِ )
تراجعت خطوة للخلف تحاول الابتعاد عنه، لكنها اصطدمت بشاب آخر فترنحت قليلًا، ليقترب منها ذلك الشاب يكرر عرضه مرة أخرى، يرفقه هذه المرة بنظرة متفحصة لجسدها الذي انزاح الشال عنه
( لا تخافي.. سأعلمكِ )
حاولت إزاحة كفيه عنها وهي تقول بصوتٍ مهتز
( لا أريد )
تجاهل رفضها وهو يقترب منها أكثر ليتحرك أمامها بحركاتٍ راقصة، فتلفتت زهرة حولها بارتباك وهي تبحث بعينيها عن هديل، فبهتت نظراتها حين وجدتها تراقص شابًا آخر وتترنح بين ذراعيه بينما يلامسها هو بقذارة.. دمعت عيناها بقهرٍ وهي تدرك هول ما أقدمت عليه، وقبل أن تحاول الهرب كان الشاب يحيط خصرها بذراعيه فشهقت برعب تحاول إبعاده دون جدوى، بينما تهتف برفض وصوتها يضيع بين الموسيقى الصاخبة
( لا.. قلت لا أريد.. ابتعد عني )
تسارعت أنفاسها برعب وهي تشعر بنفسها مقيدة بقيدٍ ثقيل، شعرت بالعجز وهي تقف وحدها محاطة بهؤلاء السكارى، حتى صراخها يتوه بينهم.. إلى أن لمحته يقف أمامها، لتبتسم بارتعاش من بين دموعها وقد شعرت بالاطمئنان يتسلل إليها، لكن سرعان ما حل مكانه رعب جليّ، وهي ترى نظراته المتوحشة فأدركت فجأة بأي موضع رآها.. رأته يتقدم ناحيتها، فنزلت دموعها..
وكأنها اعترفت بهزيمتها أخيرًا.

**************************
قبلها بدقائق كان مروان يتوقف أمام باب المكان وهو ينظر للشاب الذي خرج بصحبة فتاة وكلاهما مترنح من أثر الخمر، فابتلع ريقه يقول لمريم بجمود
( ابقي هنا )
تحركت خلفه هاتفة بإصرار
( سآتي معك )
لكنه استدار إليها بحدة
( قُلت ابقي مكانكِ ولا تتحركي )
أجفلت من صراخه لتستكين مكانها تهز رأسها بطاعة بينما تراه يتحرك للداخل، فالتقطت نفسًا مرتجفًا وهي تهمس بولولة
( ما هذه الرحلة المشؤومة ! )
************************
وقف مكانه يدور بعينيه في المكان بينما ملامحه تنكمش باشمئزاز وهو لا يكاد يصدق أن زهرة بين هؤلاء السكارى، تسمر مكانه فجأة ونظراته تقع عليها، لتتسع عيناه بوحشية، فقد كانت على حلبة الرقص، بين أحضان شابٍ يلامس جسدها بوقاحة !! تلاقت أعينهما للحظة، فلم يرَ الدمعة التي انحدرت على وجنتها، بل انصب تركيزه على ذلك الحقير الذي يترنح بخطواتٍ راقصة،
و ما إن وصل إليه حتى أداره نحوه ليعاجله بلكمة قوية، وقبل أن يتبعها بغيرها كان أصدقاء الشاب يحيطون به فأزاحهم عنه بعنف وهو يتجه ناحية زهرة ليجذبها من مرفقها بقوة، فحاولت التوازن على كعبها العالي ومجاراة خطواته، وصل بها إلى خارج المكان فلمحت مريم التي أسرعت ناحيتهما تقول بلهفة
( مروان اهدأ و.. )
لم يعطِها الفرصة لتكمل وهو يسحب هاتف زهرة ليلقيه إليها صارخًا بغضب
( أزيلي تلك الصورة اللعينة، وعودي لغرفتكِ )
عضت مريم شفتيها وقد انخرس لسانها من صراخه وشكله المرعب، فأخذت منه الهاتف وهي تنظر لزهرة التي أخفضت عيناها بخزي قبل أن تستجيب لذراع مروان الذي سحبها بعنف..
تنهدت مريم بقلق ثم فتحت الهاتف الذي كان ولِحُسن الحظ دون كلمة سر، نقرت فوق شاشته توشك على مسح تلك الصورة كما طلب، لكن أصابعها توقفت وهي تضيق عيناها تتفحص الصورة وقد لمحت شيئًا.. ففي يد زهرة، استقر خاتم ماسي تعرفه مريم جيدًا، لقد حضرت بنفسها عملية شراءه، وتتذكر شكله جيدًا، وثناء مروان على اختياره بفخرٍ من زوقه.. نعم لقد رأته بنفسها قبل أن يوضع في علبته.. رفعت وجهها تحدق فيهما قبل أن يختفيا عن عيناها التي غامت بتعبيرٍ مبهم، وعقلها لا يترجم سوى جملة واحدة "الهدية كانت لزهرة"
*************************
كانت تحاول أن تجاري خطواته المسرعة الغاضبة، لكن كعب حذائها لم يسعفها فتعثرت أكتر من مرة، إلا أنه لم يرحمها وهو يسحبها خلفه، التقطت أذناها هدير أنفاسه الغاضبة، شعرت أن قدميها تكادا أن تنكسرا من كثرة التعثر، فهتفت تتوسله
( تمهل يا مروان أرجوك.. سأسقط )
لم تكد تلفظ آخر حروف جملتها حتى تعثرت مرة أخرى، لكنه أسندها بذراعه ليساعدها على التوازن، وما إن اعتدلت حتى وقف أمامها متخصرًا، عيناه الغاضبتين تحدقان في رمال الشاطئ تحتهما، وأنفاسه اللاهثة تصل لأذنيها بوضوح.. للحظة شعرت برغبة حمقاء في الابتسام.. ما معنى تصرفه هذا؟ هل هي الغيرة أخيرًا؟ بعد عدد لا نهائي من المحاولات الفاشلة، هل ستنال أخيرًا ما تريد؟
( مروان )
تهمس بها بخفوتٍ، بأمل، وعيناها تتلهفان لنظرة واحدة منه.. بينما كان مروان يحاول تهدئة أعصابه الثائرة كي لا يتهور الآن، لكن همستها الخافتة أفسدت الأمر وذكرته بما رآه فرفع إليها وجهًا مخيفًا، يهمس بصوتٍ مرعب
( الآن.. أنا أحتاج لتفسيرٍ سريع ومنطقي عما رأيته منذ قليل )
عضت زهرة شفتيها وهي تحاول البحث عن رد يُحسن من موقفها، بينما تلملم بيديها ذلك الشال لتغطي به فستانها الذي لم ينظر هو إليه ولو لمرة واحدة
( أنا.. كنت )
كلماتها المتلعثمة أثارت حنقه أكثر، فارتفع صوته صارخًا بجنون
( تبًا.. ماذا كنتِ تفعلين هناك؟ ومن هذا الحقير الذي كان يلامسكِ؟ هل تستوعبين أي قذارة يحتويها هذا المكان ! )
ابتعلت ريقها وعقلها لا يسعفها بتبريرٍ بينما تعلم أنه محق، لكن وما حيلتها وقد استنزفت معه كل المحاولات دون فائدة.. حتى الليلة أتى ليأخذها ومعه مريم ! أي خيبة هذه ! شعرت أن كرامتها قد أُهينت، فرفعت رأسها بكبرٍ وعناد، تقول بثباتٍ زائف
( أنا كنت مع أصدقائي.. والمكان ليس بذلك السوء نحن كنا نرقص فقط و.. )
بترت تبريرها الأحمق وهي تتراجع خطوة للخلف برعبٍ وقد أجفلت من صوته الذي هدر بجنون
( اللعنة على عنادكِ الأحمق هذا.. هل تسعين لإصابتي بالجنون؟! ماذا كنتِ تفعلين هناك؟ وما هذه الملابس الـ... )
قطع هتافه وهو ينظر لفستانها الفاضح والذي انزاح عنه الشال قليلًا مما جعله يشتم بخفوتٍ وهو يخلع عنه قميصه الخفيف ويضعه عليها بسرعة.. تمسكت زهرة بقميصه كغريقٍ يتمسك بقشة لعلها توصلها لبره الآمن، وما إن رفعت مقلتيها إليه حتى ابتلعت ريقها بتوتر وهي تلمح عضلات صدره التي برزت من خلف التيشيرت الخفيف الذي يرتديه، بينما أدار مروان رأسه ينظر للبحر أمامه بصمت، فتجرأت لتقترب منه قليلًا، تحاول إصلاح الأمر، فهمست بندم
( آسفة )
لكن اعتذارها لم يُهدئ من ثورته، فالتفت إليها بانفعال
( آسفة؟! هذا كل ما عندكِ؟ ألم تستوعبي بعد ما أقدمتِ عليه؟!! والصورة ! يا إلهي كيف تنشرين شيئًا كهذا !! ماذا لو رآها أمجد؟ هل تستوعبين ما كان سيحدث؟! )
اتسعت عيناها بإدراكٍ متأخر وهي تتخيل رد فعل أمجد لو علم بتواجدها في مكانٍ كهذا.. ورغم ما صَوره لها عقلها من تخيلاتٍ مرعبة إلا أن غضبها جعلها تتناسى ذلك وهي تهمس له بقهر
( هل المشكلة الآن صارت في أمجد؟ أنت لا تهتم سوى برد فعل صديقك أليس كذلك؟! ولأذهب أنا للجحيم )
أجفل قليلًا من صراخها في الجملة الأخيرة، فاشتعل جنونه أكثر وقبل أن يرد عليها تابعت هي بصراخٍ أعلى وقد فقدت أعصابها من بروده
( ماذا عني أنا؟ ألا تهتم بي ولو لذرةٍ واحدة؟ ألم تفكر بإحساسي وأنت تسحبني بتلك الطريقة المُهينة أمام مريم؟ )
وتابعت بقهر
( لماذا أحضرتها معك هااا؟ لتشاهد تلك الطفلة المتهورة التي عيَّنك أخاها كحارسٍ لها بينما لا تهتم أنت بما تعانيه بسببك؟ فقط أخبرني لماذا تفعل بي هذا )
كانت تضربه على صدره بقوة بين كل جملة صارخة والأخرى، حتى خارت قواها المزعومة كثقتها بنفسها وهي تشعر بخدرٍ في قدميها من فرط ما بذلت من مجهود.. بينما تسمر مروان مكانه وهو يحاول استيعاب كلماتها المبعثرة وعقله يُنبهه لخطورة ما تتفوه به، فابتلع ريقه ينظر لها بجمود بينما كانت هي تناقض نفسها وهي تتمسك بقميصه الذي يستقر على كتفيها وكأنه تشكوه حالها.. كانت منهارة تمامًا وعقلها مغيب لكن جنونها زاد وهي تسمعه يرد بجمود
( كيف لا أهتم لأمركِ؟ وماذا عن الرعب الذي عِشته عندما علمت بما حدث لكِ في الماء؟ ماذا عن جنوني عندما رأيت صورتكِ في ذلك المكان؟ كدت أفقد عقلي )
ابتسمت، بسخرية ومرارة.. بقهر، بين دموعها التي هطلت أخيرًا تقول بصوتٍ ميت
( فعلت كل هذا من أجل أمجد، لأنكَ تخشى أن يلومك لو حدث لي مكروه.. فعلت ذلك لأجله هو وليس لأنكَ تخاف عليَّ فعلًا، ليس لأنك تهتم لأمري كما أفعل أنا )
ارتفعت وتيرة أنفاسه القلقة من مجرى هذا الحوار، فحاول تدارك الأمر قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه، فتحدث بصوت هادئ
( لماذا تفترضين ذلك يا زهرة؟ الأمر لا يخص أمجد وحده.. أنتِ أيضًا تهمينني، أنتِ كأختي الصغيرة فكيف لا أهتم لأمركِ؟ )
لو كان يظن أن ما قاله سيهدأها فقد أخطأ، ربما فقط لو لم ينطق بجملته الأخيرة لكان الأمر اختلف، لكانت ابتسامة فرحة تزين وجهها الآن بدلًا من تلك الساخرة الحزينة التي احتلت ثغرها وهي تميل برأسها قليلًا تقول ببرودٍ وبطء
( نعم أختك.. ولكن.. ما عن مريم؟هل هي أيضًا أختك؟ لماذا تلتصق بها هكذا؟ هل تهتم لأمرها كأختك أيضًا؟ هل أوصتك صبا عليها كما فعل أخي؟ هل صرت الحارس الأمين للفتيات ! )
ارتعشت عضلة في فكه وهو يسمعها تتطرق لأمر مريم للمرة الثانية، نظر ناحيتها بجمود وهو يرى تلك النظرة الغربية في عينيها، نظرة حملت الكثير من الأسى، والكثير من التعب، وللعجب حملت الكثير من الأمل ! .. الرجاء ! وكأنها تتوسله أن ينكر ما يدور بعقلها.. ابتلع ريقه وهو يراها تجاهد لتقف بثبات وكأنها قد فقدت ما تملك من طاقة، فانحنت عيناه بإشفاق لاعنًا نفسه أن أوصلها لتلك الحالة.. فمد يده ناحيتها يسندها وقد أوشكت على الوقوع، وهمس بحزن
( أنتِ لست بخير.. تعالي لترتاحي قليلًا )
نظرت ليده الممدودة لعدة ثواني، قبل أن ترفع عينيها الغائمتين نحوه، ولم تتحرك من مكانها وهي تهمس بيأس
( فقط أخبرني.. هل تحبها؟ )
تصلبت يده الممدودة نحوها واتسعت عيناه للحظة وقد أدرك أن الحديث يتجه نحو الهاوية، فحاول لململة شتات أعصابه وهو يكرر بنفس الهدوء الزائف
( هيا إلى غرفتكِ يا زهرة.. أنتِ لستِ في أفضل حالاتك الآن )
ومتى كانت بخير؟ متى كانت في أفضل حالاتها ! منذ أن نبض قلبها بحبه وهي لم تَذق للراحة طعم، وها هو الآن يستمتع بتعذيبها وكأن الأمر أعجبه.. اقتربت منه خطوة تمد يدًا مرتعشة لكن ليس لكفه الممدودة، بل تجرأت لتضعها على صدره.. فوق قلبه، وكأنها تتوقع أن تعرف الإجابة منه، رفعت عيناها نحوه تهمس كالمغيبة
( لماذا تفعل بي ذلك يا مروان؟ أنا..
أنا أحبـ.. )
انتفض بعنفٍ يبعد يداها عنه كالملسوع، يقاطع همستها المجنونة وهو يصرخ بهلع
( اصمتي يا زهرة.. اصمتي )
كان يجاهد لالتقاط أنفاسه وهو يرفع يدًا مرتعشة يتخلل بها خصلات شعره بعنف، يحاول السيطرة على ذلك الموقف، غير مستوعبًا أن تلك الصغيرة الوديعة قد تحولت فجأة لأخرى لا يعرفها.. بينما وقفت هي أمامه تحدق به بعينين متستعتين، لا تصدق أنه رفضها، لا تصدق أنها انحدرت بنفسها لدرجة أن تترجى حبه ! هزت رأسها تحاول استيعاب حماقتها لترفع كفيها تمسك بأعلى رأسها، بعينين دامعتين وضحكة عصبية همست بعدم تصديق
( اللعنة على غبائي.. أنتَ تحبها حقًا )
رفع مروان رأسه ناحيتها بحدة بينما تلفتت هي حولها تهمس بإعياء
( ماذا أفعل هنا الآن؟ )
وتراجعت بسرعة تتمنى الاختفاء من أمامه، فأسرع مروان يناديها بقلق
( زهرة )
أبعدته عن طريقها بعنفٍ، صارخة في وجهه بهياج
( ابتعد عني )
وأكملت خطواتها التي تحولت إلى الركض وهي تتخلص من قميصه بسرعة وقد شعرت به يوخزها بأشواكٍ حادة.. كانت تتعثر في خطواتها وهي تجاهد كي لا تسقط، لا يجب أن تنهار الآن، يكفيها الذُل الذي عاشته منذ قليل، بل هي من وضعت نفسها به، نعم هي من فعلت ذلك بنفسها
( أنا التي فعلت ذلك بنفسي )
ما إن همست بها من بين أنفاسها اللاهثة حتى أعلن جسدها استسلامه وهي تسقط بضعفٍ على ركبتيها العاريتين فجرحتها رمال الشاطئ، لكنها لم تهتم وهي تستند على الأرض بكفيها، ينتفض جسدها ببكاءٍ متقطع ضعيف، وهي تكرر دون وعي
( أنا.. نعم أنا من فعلت ذلك بنفسي )
ظل جسدها يرتعش وهمساتها النادمة لا تتوقف، إلى أن لمحت من بين دموعها ذلك الخاتم الذي يحيط بإصبعها.. هديته ! تلك الهدية التي أبهرت عينيها فارتدها بكل حب.. لماذا تشعر بها الآن كقيدٍ مؤلم ! رفعت كفها تنزعه عنها فترك إصبعها بسهولة كما نبذها صاحبه بسهولة، فرفعته تنظر إلى لمعته التي تتحدى عينيها الباكيتين.. لتهمس بصوتٍ ميت
( أنت لم تكن لي من البداية )
وبلا تردد رفعته عاليًا تنوي رميه في مياة الشاطئ، لكن يداها تجمدت مكانها وهي تراه أمامها.. بهالته الضخمة، وعيناه اللامعتين كعهده كلما رآها، لكنه الآن تحديدًا بدا كشخصٍ آخر، تلك اللمعة الرمادية بدت مختلفة، بدت وكأنها تحمل شيئًا من.. خيبة الأمل ! .. الألم ! وقفته الشامخة رغم هيبتها لم تُخفِ رأسه المحني بألم، انتفضت فجأه من مكانها وهي تستوعب جلستها البائسة على الرمال، فتحاملت على ضعف جسدها وهي تستقيم واقفة، وبين المسافة الفاصلة بينهما تراقصت رياح باردة، غاضبة، تُحرك خصلات شعرها المشعثة، فشعرت فجأة بلسعة برد في جسدها، لتكتشف بهلع أن شالها الخفيف سقط أثناء ركضها، فاتسعت عيناها وهي تشعر بنفسها تقف عارية أمامه، لترفع يديها تداري بهما جسدها، تتمنى لو تستطيع أن تداري بهما خيبتها كذلك.. هل خيل إليها من بين دموعها أنه يتحرك ناحيتها؟ رأته يقترب، فاتضحت هالته الضخمة أكثر، وبانت ملامحه أمام عينيها، فهالها كم المشاعر التي فاضت بها عيناه.. مشاعر أقوى من يفسرها عقلها، لكنها رأت ذلك الألم، كما رأت الشتاء في عينيه يشتد منذرًا بعاصفة رمادية.. ظل على جموده لوقتٍ لم يحسبه عقلها، عيناها الملطختين بسواد الكحل السائل تقابل عينيه
العاصفتين، كلاهما صامت يحدق في الآخر بحديثٍ دون كلمات، حديث طال إلى أن رأته يقترب منها أكثر ليخلع سترته السوداء كسواد الليل من حولهما، ليمدها ناحيتها يضعها على كتفيها محكمًا إغلاقها عليها فابتلعتها السترة تمامًا، وفي اللحظة التي تمسكت فيها بها
كان الخاتم الشريد يسقط أرضًا معلنًا استسلامه أمام تلك المشاعر العاصفة.. بينما كان هو ينظر لرأسها المحني وقد امتنعت عن النظر إليه في تلك اللحظة، فتمنى لو يستطيع تقبيل خصلاتها المشعثة، يهذبها لها بشفتيه.. لكنه أحكم سيطرته على نفسه، فهو يعلم أن القبلة ستتحول لقبلات، والقبلات ستتحول لعقاب، والعقاب سيكون جارحًا فما رآه أكثر من قدرته.. رفعت عينيها نحوه أخيرًا، فرأى فيهما اعتذارًا عن شيء لا تعلم كنهه، فانقبض كفاه بجانبه مغمضًا عينيه عن شفتيها المرتعشتين، يغض الطرف عن طيفها الرقيق الذي تحرك بجانبه بخطواتٍ راكضة، ففتح عينيه وهو يعلم أنها اختفت كحلمٍ جميل مؤلم، لتستقر نظراته على الرمال التي شهدت انهيارها منذ دقائق، وتلمح عيناه خاتمها الذي ابتلعت رمال الشاطئ جزءًا منه، فانحنى يلتقطه كما التقط وردتها سابقًا، لكن الوردة كانت لها، أما هذا فَله هو، فليست تلك هي الطريقة المُثلى للتخلص منه.. سيجعلها تتخلص منه بنفسها.. سيفعل.. هكذا أقسم لنفسه وهو يضع الخاتم في جيبه قبل أن يتحرك مغادرًا في نفس الاتجاه التي اختفت فيه..
لكن هذه المرة.. كان يعلم أنه لن يجدها.

***********************
كان يناظر أمواج البحر التي حركتها الرياح بهياج، بينما يداه لا تتوقف عن إلقاء الحصى، كان يرميه بعنف على طول ذراعه فترتفع الأمواج أكثر وكأنها تؤنبه كما يؤنب هو نفسه، لا يصدق ما حدث منذ دقائق، هل أوشكت زهرة على التهور والنطق بحبه ! تلك الطفلة التي كان يلاعبها كلما رآها في أجازاته هو وأمجد.. نعم، وقتها كانت طفلة.. وكان هو شابًا طائشًا، لكنها الآن لم تعد كذلك، بل صارت شابة ناضجة تعترف بحبها.. له هو ! هو الذي صار رجلًا.. سيئًا.. نعم هو كذلك متعدد العلاقات لا يُلقي للدنيا بالًا، يرافق هذه ويصادق هذه، كل هذا وزهرة تحبه ! أخت صديقه تكن له مشاعر خاصة بينما كان هو يتصرف بمنتهى الحماقة والعفوية معها، غافلًا عن مشاعرها تجاهه.. أي أحمق هو كي لا ينتبه لما يدور حوله !
( أي حقير أنتَ )
أجفل ما إن سمع صوتها خلفه، تنبه لما قالته فاستدار ليجدها تقترب منه، عيناها قاسيتين محتقرتين، بينما تتابع بنفس الاستهجان
( ماذا تبقى من حقارة ولم تفعلها؟ انظر لنفسك إلى درجة من الوضاعة والخِسة قد انحدرت )
قطب حاجبيه وهو يستمع لتقريعها اللاذع، همس باستنكار
( مريم.. ما الذي.. )
لم تدعه يكمل جملته، صرخت فيه بحزمٍ وقد فاض بها
( اخرس.. لا تنطق اسمي على لسانك القذر، لا تلوثه كما صِرت تلوث كل ما حولك )
اتسعت عيناه بدهشة سرعان ما تحولت إلى غضب فهدر فيها بعنف
( كيف تتحدثين معي بهذه الطريقة؟ )
لم تجفل من صراخه.. بل وقفت مكانها ثابتة ببرود، ابتسمت ابتسامة محتقرة
( لم تعجبك الطريقة؟ عجبًا.. إنها الطريقة الوحيدة الصحيحة للتعامل مع أمثالك )
طحن أسنانه وهو يلمح في عينيها ذلك الاحتقار، فتذكر كل المرات التي رمته فيها بتلك النظرة، فثار جنونه وهو يكرر بخطورة
( أمثالي ! )
كتفت مريم ذراعيها ترفع إليه وجهًا جامدًا
( هل أغضبت سيادة المدير؟ هل افتقدت لهجتي للاحترام ! )
ثم فكت تشابك ذراعيها وهي تقترب منه أكثر فتقابل وجهيهما.. بينما تابعت مريم بقسوة،
ونظراتها تشع احتقارًا
( ماذا لو أخبرتك أنك لا تستحق ذلك الاحترام اللعين؟ بل ولا تستحق أن تكون مديرًا.. هل أفاجئك أكثر.. أنتَ حتى لا تصلح لأن تكون صديقًا.. أنتَ حثالة )
عند تلك النقطة كان قد فقد آخر ذرات ثباته، فصرخ فيها بعنف بينما يداه ترتفع نحوها عاليًا
( اخرسي )
لكنها كانت تعلم أنها تلعب على وترًا حساسًا، فتوقعت فعلته تلك، ولذلك مدت يدها تستقبل ذراعه فتوقفت يداه على بعد شعيرات من وجنتها، بينما همست مريم بازدراء
( وتتجرأ عليَّ أيضًا ! وماذا سأتوقع من حقيرٍ مثلك )
ابتعد عنها يحاول السيطرة على غضبه الذي تفاقم من سيل الكلمات التي تقذفها بوجهه، صرخ فيها بجنون
( اللعنة إلام تسعين بالضبط؟ ابتعدي من أمامي الآن )
لكنها لم تبتعد.. رغم رغبتها في ذلك، إلا أنها لم تستطع تحمل أفعاله أكثر، خاصة بعدما رأت بعينيها ما حدث منذ قليل، لم تتوقع أن تصل به الحقارة والاستهتار إلى تلك الدرجة، ورغم تلك الوخزة المؤلمة التي اخترقت صدرها وهي تسمع اعتراف زهرة، إلا أن طبولًا حارقة قد دقت في قلبها عند ذِكر سيرتها، كان الحديث مؤلمًا قاسيًا، فلم تتحمل أن تتجاهله أكثر من ذلك، هذه المواجهة حتمية، ولذلك اقتربت منه تردف بإصرار
( ولما أبتعد؟ تخشى مواجهتي أليس كذلك؟ تعلم أنكَ أجبن من أن تعقد تلك المواجهة مع نفسك )
زفر مروان وهو يدلك وجهه بتعب من تلك الليلة التي بدت وكأنها لا تنوى الانتهاء، رفع عينيه ناحيتها يقول بخفوتٍ ورجاء
( مريم من فضلك.. لستُ في حالة تسمح لي بالمناقشة الآن )
ابتسمت بجفاء، تقول ببرود
(مناقشة ! هل تراها مناقشة؟ يؤسفني أن أخبرك أنها ليست كذلك، أنتَ احقر من أن اناقشك )
برقت عيناه بغضب من وقاحتها معه فأمسك مرفقيها يهزها بعنف صارخًا في وجهها بهياج
( توقفي عن تلك الوقاحة.. ماذا دهاكِ؟ هل فقدتِ عقلكِ؟! )
لم تدفعه بعيدًا كما توقع وكما كانت تريد، بل اختفت القسوة والسخرية عن وجهها، ليحل محلها الجمود، فأحرقت عينيها دموع خائنة، بينما تقول بصوتٍ ميت
( نعم فقدت عقلي، يوم أن ظننت أنكَ يمكن أن تتغير، أن تتصرف باحترام لذاتك ولو لمرة واحدة.. كنت أُكذِب ما تراه عيناي وأقنعها أنك ستتغير.. لكن يبدو أنني كنت مخطئة )
دوى وجيب قلبه بعنف وهو يسمع همسها الضعيف، ورغم أن ما قالته آلمه، لكنه قرَّبها منه أكثر، يهمس بلوعة
(مريم.. ماذا بك؟ )
لم ترد عليه وعيناها تقابل عيناه بتحدٍ ضعيف.. إلى أن همست أخيرًا بحشرجة
( كيف تفعل بها هذا؟ كيف تجرؤ على كسر قلبها بتلك القسوة ! )
ابتعد عنها وكأن همسها الهادئ يلدغه كالعقرب، فعقد حاجبيه يقول من بين أنفاسه اللاهثة
( هل رأيتِ ما حدث؟ )
أومأت برأسها فسقطت دمعة على وجنتها لم تبالِ بمسحها بينما تهمس بألم
( نعم.. سمعت و رأيت.. رأيتك وأنت تنبذها بقسوة، بعد كل ما فعلته هي كي تتقرب إليك..
وأنت ! بعد أن أعطيتها آمالًا زائفة.. لطمت برائتها بقسوة، وكأنكَ تخبرها أنها لا شيء )
اتسعت عينا مروان وهو يستمع إلى تفسيرها للأمر.. هل هكذا تراه ! نذلًا يتخلى عن أخت صديقه بعد أن تعلقت به ! همست مريم تردف بما يدور في عقله
( إنها أخت صديقك.. أليست هذه هي الأمانة التي حدثتني عنها؟! هذه أيضًا كانت كذبة ! حتى الشيء الوحيد الذي جعلني أغير نظرتي نحوك، نسفته أنتَ بمنتهى الحقارة متخليًا عن آخر ذرات احترامك لنفسك )
صمتت تلهث بإنهاك وهي تدلك أعلى رأسها، تحاول التغلب على ذلك الصداع الذي سببه صراخها، لتتسع عيناها فجأة وترفع رأسها ناحيته بحدة ما إن سمعت ضحكته.. يضحك! نعم.. ضحكة عالية خشنة، لكنها كانت باردة كالجليد، ساخرة تفتقر للمرح.. وما إن صمت أخيرًا حتى ابتسم بقسوة، ليقترب منها مرة أخرى يهمس بسخرية
( أحسنتِ يا مريم.. لقد صغتِ الصورة بما يناسبك تمامًا.. جعلتِ الأمر يبدو كما يناسب هواكِ، فأصير أنا الوحش النذل، بينما أنتِ الضحية التي خابت آمالها.. أليس كذلك ! هل أعجبتكِ هذه الخدعة التي خدعتِ بها نفسكِ؟! )
كانت تستمع لما يقوله بحاجبين منعقدين بينما تابع مروان بنفس القسوة الساخرة
( هل كانت هذه هي حيلتكِ الدفاعية كي تحصني نفسكِ من ما تشعرين به تجاهي )
اتسعت عينها من هجومه الصريح فتمسكت بوجهها الساخر تقول باحتقار
( أنا لا أشعر نحوك سوى بالاشمئزاز )
التقطت ارتعاشة فكه، وعيناه التي اهتزت بما فسرته أنه ألم ! لكنه سرعان ما استعاد قناعه القاسي الذي تراه به لأول مرة.. بينما يهمس بخطورة
( من تخدعين يا مريم؟ كلانا يعلم أن شيئًا ما تحرك بداخلك نحوي )
ثم اختفى الهزل عن صوته بينما يتابع بحرارة
( شيء يشبه ما أشعر أنا به أيضًا تجاهك )
اهتزت حدقاتاها ببعض الارتباك، مسها همسه الحار، ووجهه يقترب من وجهها حتى لفحتها أنفاسه الساخنة، إلا أنها أبت الهزيمة أمام أسلحته الحقيرة، فضيقت عينيها تبتسم هازئة
وهي تهمس بجدية مصطنعة
( وهل كان هذا الشيء هو نفسه ما خدعت به كل الحمقاوات اللواتي وقعن في شباكك؟ هل هو نفسه الذي استعملته مع غادة؟! )
قالتها متجاهلة غصتها وقد تذكرت ما سمعته ذلك اليوم في المرحاض.. بينما عقد مروان حاجبيه يردد بعدم فهم
( وما دخل غادة بما قلته أنا؟ أي لعبة تلعبين معي ! )
نفضت كفيه عنها وهي ترد ببرود
( أنا علمت بكل شيء قبل أن نسافر إلى هنا، فلا تتوقع مني أن أقع مثلهن في فخك )
كان ينظر إليها بصدمة وهو يتذكر آخر مقابلة مع غادة.. كان ذلك من فترة طويلة.. لا، لقد جاءت إلى مكتبه قبل السفر بعدة أيام، وبدت وكأنها تسعى لإعادة المياه إلى مجاريها بينهما، لكنه وقتها لم يستجب لإغرائها، كل همه كان منصبًا في تلك الحمقاء التي تُلقي بساهمها الآن في وجهه بعد أيامٍ طويلة من التجاهل.. التمعت عيناه بإدراك و قد فهم ما يحدث، فزفر بضجر وهو يتخيل أي سمومٍ بثتها تلك الحقيرة في ذهن مريم.. أطبق شفتيه و هو يعاود الاقتراب منها قائلاً دون تعبير
( لكنني لم أنصب لكِ فخاخًا يا مريم..
بل وقعت أنا في فخك في سابقة تعد الأولى من نوعها، لأسعى خلفكِ بمنتهى اللهفة )
ابتعلت ريقها تحاول تجاهل نبرة الصدق التي لمستها فيما قاله.. هل هذه خدعة جديدة ! رفعت رأسها نحوه تقول بفتور
( وفر مجهوداتك لحمقاء أخرى تقع في سحرك.. أما أنا فلا )
وتحركت تنوي الابتعاد عنه، إلا أنها شهقت بعنف حين شعرت بنفسها تنجذب بفعل يديه القويتين، أدارها إليه عنوة فالتصقت بصدره الصلب، بينما ثبت هو خصرها بكفيه هاتفًا بإصرار
( لا لن يحدث، لن أدعكِ تهربين ككل مرة.. انظري إليَّ الآن وواجهيني )
حاولت التملص من حصاره
( اتركني.. ابتعد عني )
لم يدع لها فرصة للفكاك من بين ذراعيه وقد طفح به الكيل من جفاءها معه.. هذه المرة لن يدعها تهرب كعادتها
( أبتعد إلى أين؟ أنتِ من جئتِ إليّ تصرخين في وجههي بمنتهى الوقاحة.. لن أترككِ لعقلكِ الأحمق الذي يحثك على تجاهل ما تشعرين به تجاهي )
كان يقولها بإصرار بينما تهز هي رأسها برفض وكأنها تخشى أن تتسلل كلماته لعقلها، دمعت عيناها بعجزٍ وقد خارت قواها من مقاومته،
فسكنت مكانها تلهث بعنف، ثم رفعت عينيها نحوه فهدأت نظراته العاصفة، رقت نبرته وهو يهمس بحرارة
( كفاكِ تعذيبًا لي يا مريم.. متى تتلاشى تلك الحصون التي تحيطين نفسكِ بها؟ لم أعد أحتمل هذا الجفاء )
أغمضت عينيها تبعد صورته عنها، تتغاضى عن همساته الحارة، ثم همست بإصرارٍ وبرود
( أنتَ واهم.. لن تتمكن مني )
لم تسمع له ردًا، فابتعلت ريقها وهي تفرق جفنيها بتردد، فشهقت بإجفال أمام عينيه التي عصفت بنظرةٍ مرعبة، بينما تسمعه يقول بخطورة
( إذن فأنتِ لا تعرفين شيئًا عن إصراري.. أنتِ لي يا مريم.. سيذهب برودكِ اللعين هذا إلى الجحيم، وسأحرص بنفسي على ذلك، كما سأحرص على تحويله لشوقٍ ملتهب تمامًا كذلك الذي يحرق أعصابي بل وأكثر، وأنا أعلم كيف سأنتزع منكِ اعترافًا مماثلًا )
حدقت في عينيه الحازمتين فكشرت عن أسنانها وعيناها تبرقان بالرفض، فبدت في تلك اللحظة كنسخة أخرى من صبا، كانت تبحث في عقلها عن سبة تناسب وقاحته معها فابتسم وهو يتابع بصوتٍ قاسي، راميًا سهمًا أشد قسوة
( كما استطعت أن أنسيكِ ذلك الحب اليائس )
جحظت عيناها حتى كادتا أن تخرجا من مقلتيها وهي تسمع تلميحه المستتر، فحركت شفتيها تهمس بنبرة مرتعشة
( ماذا تقصد أنت؟ )
اتسعت ابتسامته القاسية وهو يشدد من إحكام ذراعيه حول خصرها بينما تجرأ أكثر ليلامس وجنتها الناعمة بلحيته الخشنة، بينما يهمس في أذنها بتهديد
( هل حسبتِ أنني لم ألحظ مشاعرك نحوه؟ ابن عمتك يا مريم.. نسيتيه أنا أعلم، فقد كان ذلك هو هدفي منذ أن أقسمت لنفسي أن أزرع حبي مكانه )
اتسعت عيناها أكثر من تصريحه.. هل لاحظ مشاعرها تجاه سامر؟! هل كان ذلك اللقاء القصير كافيًا له كي يفضح مشاعرها المراهقة نحو ابن عمتها ! لكن مروان لم يرحمها و هو يلقي رصاصته الأخيرة
( أنتِ مدينة لي بشكرٍ لأنني ساهمت في نسيانكِ له.. على الأقل فقد خلصتكِ من ذنب حب رجلٍ، سبق وتقدم لخطبة أختكِ )
وصلته شهقتها المرعوبة، فعلم أن تحرياته كانت صحيحة.. لقد قاده فضوله للبحث في الأمر، ولم يكن من الصعب معرفة أمرًا بسيطًا كهذا.. أبعد وجهه عن وجنتها أخيرًا لينظر لعينيها المتسعتين برعب، وتابع ببراءة مصطنعة
( والآن أخبريني.. ما هو شعوركِ وأنتِ تتهمينني بالتلاعب بمشاعر أخت صديقي، بينما أنتِ قد سبق ووقعتِ في حب الرجل الذي أراد أختكِ زوجة له )
كان حديثه القاسي أقوى من أن تتحمله، وقد انهزمت أسلحتها أمام هجومه العاتي، فتداعت قواها لتهمس بضعف
( ماذا تريد مني؟ )
هز كتفيه يقول ببساطة
( لا أريد شيئًا منكِ.. أنا أريدكِ أنتِ كاملة.. لي أنا.. وحدي )
كان يهمس بكلماته ببطءٍ، وكأنه يتلذذ بتعذيبها، بينما تستمع هي له بصمت وما إن انتهى حتى همست بجمود
( لن يحدث )
هز كتفيه مرة أخرى يقول بثقة
( سنرى )
لم تكن تملك المزيد من الطاقة لمجادلته في الوقت الحالي، ولذلك عادت تهمس دون تعبير
( ابتعد عني )
نفذ رغبتها لكن بطريقة معكوسة وهو يقربها منه أكثر هامسًا بتحدٍ
( أبعديني إن استطعتِ )
ظلت على جمودها بين ذراعيه، جسدها متخشب لا تقوى على مقاومة يديه المتملكتين، تناثرت نسمات رقيقة حولهما فحركت خصلاتها الشقراء التي تثير جنونه، فتسارعت أنفاسه وهو يرفع يده يبعد خصلاتها بينما أنفاسه تلفح بشرتها الرقيقة، لكنها عادت تهمس بنفس الصوت الميت
( أكرهك )
عاود الابتسام بإنهاك وهو يعلم أنها تستخدم أضعف أسلحتها كي تبعده عنها، لكن إصراره على التمسك بها كان أقوى منه هو شخصيًا، فتهدجت أنفاسه بينما يقترب بوجهه منها أكثر، تهمس شفتاه بما يناقض همسها، ويداه تعرفان طريقهما لخصلاتها
( وأنا أحبكِ يا مريم.. أحبكِ )
كان أضعف من أن يقاوم ارتعاشة شفتيها الشهيتين في تلك اللحظة، ففقد سيطرته على نفسه وهو يهبط إليها بوجهه، يقتنص شفتيها في قبلة جائعة، حارة، طويلة، فقد كلاهما أنفاسهما بسببها.


انتهى الفصل

يُتبع...


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 24-03-22, 11:21 PM   #77

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي على شرفات الحب

مساء الخير حبايبي ♥️
فصل طويل ودسم زي ما وعدتكوا، في انتظار رأيكوا عن تطور الأحداث.
بإذن الله ده آخر فصل هينزل قبل رمضان، ياريت اللي متابع يظهر برأيه وتشجعوني أكمل الباقي على خير♥️.
قراءة ممتعة 🌻


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 02-05-22, 11:22 PM   #78

آلاء الليل

? العضوٌ??? » 472405
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 477
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Algeria
?  نُقآطِيْ » آلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond reputeآلاء الليل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   sprite
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

عيد مبارك تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال 😍😍😍
ياترى متى سيتم استئناف الرواية في الانتظار

شهر'زاد. likes this.

آلاء الليل غير متواجد حالياً  
التوقيع
تابعوا معنا رواية أسيرة الثلاثمئةيوم للكاتبة المتألقة ملك علي على الرابط التالي
https://www.rewity.com/forum/t471930.html
قديم 07-05-22, 02:49 AM   #79

شهر'زاد.

? العضوٌ??? » 492944
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 100
?  نُقآطِيْ » شهر'زاد. is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة آلاء الليل مشاهدة المشاركة
عيد مبارك تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال 😍😍😍
ياترى متى سيتم استئناف الرواية في الانتظار
بإذن الله يوم الخميس القادم 🌻


شهر'زاد. غير متواجد حالياً  
قديم 07-05-22, 11:33 AM   #80

الخلووود°`

? العضوٌ??? » 499965
?  التسِجيلٌ » Mar 2022
? مشَارَ?اتْي » 64
?  نُقآطِيْ » الخلووود°` is on a distinguished road
افتراضي

ماشاء الله الرواية جميله واكثر شخصين فالروايه أحبهم أمجد وصبا ومتشوقين للتكمله
شهر'زاد. likes this.

الخلووود°` غير متواجد حالياً  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:25 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.