آخر 10 مشاركات
تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          39 - ابنة الريح -روايات أحلام قديمة (الكاتـب : فرح - )           »          [تحميل] الــخــوف مــن الــحــب للكاتبة : bent ommha (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          عذراء في ليلة زفافها (22) للكاتبة: Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          إشاعة حب (122) للكاتبة: Michelle Reid (كاملة) (الكاتـب : بحر الندى - )           »          رواية كنتِ أنتِ.. وأنتِ لما تكوني أنتِ ما هو عادي *مكتملة* (الكاتـب : غِيْــمّ ~ - )           »          روايتي الاولى.. اهرب منك اليك ! " مميزة " و " مكتملة " (الكاتـب : قيثارة عشتار - )           »          عذراء اليونانى(142) للكاتبة:Lynne Graham(الجزء2سلسلة عذراوات عيد الميلاد)كاملة+الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هو تقييمك لمستوى الرواية ؟
جيد جداً 85 88.54%
جيد 11 11.46%
سيء 0 0%
المصوتون: 96. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree9699Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24-09-22, 09:42 PM   #1271

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة لبنى البلسان مشاهدة المشاركة

صباح الخير والسعادة والعافية
عزيزتي ألحان لاتضغطي على نفسك
انا لم اكن متواجدة لارى اقتراحك بالنسبة
ان كان فصل كامل او نصف فصل
احيانا يمر الانسان بفترة ركود او خمول اوفتور فكري
لايمكنه كتابة حرف ففعلي مايناسبك فلكل منا
ظروفه ونحن بانتظارك ومعك بأي وقت يساعدك




مساء الرقة واللطافة

اشكرك جداً على تفهمك الراقي مثلك يا راقية انتِ....


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 24-09-22, 09:44 PM   #1272

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورهان الشاعر مشاهدة المشاركة
صباح الحب و الجمال...
معك يا غالية متى إنتهيت المهم أن نراك
فيها خير كما يقلون كل تأخيرا فيها خيرا
الله يعنيك بعد هذا المخاض المستعصي
مساء السعادة والدلال...

اضطررنا لعملية قيصريه لأنهما توأم ههههههههه


الله يسعدك يا نوارة


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 24-09-22, 09:47 PM   #1273

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

مساء الخيرات والمسرات لأخواتي الحلوات الصابرات على كل هذه التأخيرات...


دقائق قليلة باذن الله وينزل الفصل.....


من الآن اقول سامحونيييي ربما تجدون هفوات او اخطاء لاني لم اراجعه جيداً


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 24-09-22, 09:56 PM   #1274

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الواحد والثلاثون (( شيِّعيني للخلود ))



" أهلاً بابنتي....أهلاً بكنّتي زوجة الغالي ابن الغالي ....أهلاً بمن ستنير لنا بيتنا وتُكمِل فرحتنا...!!..."

نطقتها من قلبها بحبور وحماس بينما كنا ثلاثتنا ننظر ببلاهة مصدومين لأنها فضّلت استقبالها اولاً على استقبالي.....وكانت هذه أول مرة أشعُر بها بالغيرة منها لا عليها..!.....فتلك الساحرة الصغيرة....سحرت أمي وسرقت مكاني!!...
ما لفت انتباهي هو خنوعها في حضن أمي وبين يديها !!....كان أول ما خطر في بالي أنها ستصدّها عنها وقد كنت اقف متحفزاً لأي رد قاسي ومنفر منها الّا انها خانت ظنوني !!....لم تطل كثيراً في احتضانها لتعطيها المجال لتتنفس ...تركتها برقة كالرقة التي ينبض بها قلبها مع الجميع....تلك نبع الحنان ونبض الحياة...وحدها أمي!!.....رفعت راحة يدها تحسس وجنة التي توهّج وجهها من اللحظة الشاعرية والتي لمعت عيناها بالحاجة....الحاجة لذاك الحضن والذي غاب عنها منذ ثلاثين يوماً ونيّف.....حضن الأغلى عندها أم أنها لم تعد كذلك بالنسبة لها ؟!....خالتها الحنونة السيدة (فاتن) شفاها الله!.....أهدتها ابتسامة صادقة ثم أنزلت يدها عنها هامسة:
" تعالي ..حبيبتي...ادخلي..هذا بيتك من هذه اللحظة!!..."

لم تُعر كلماتها أي اهتمام ولم يرق لها الأمر كثيراً بل بقيت في أرضها كأنها تشيّد حصونها من جديد لتتقوقع عازلة نفسها عمّن حولها خاصة ممَن خذلوها !!.... أولهم أكون أنا !......تركتها أمي بهدوء والتفتت نحوي بذات الهدوء لكن قلبها كان يهدر اشتياقاً وكان السبّاق ليعانق قلبي ...مشت مُقبلة نحوي ولو تركت نفسها لمشاعرها لما لامست قدماها الأرض من لهفتها عليّ....غازلتني بابتسامتها التي أفديها بروحي وغمزتني كأنها تطلب مني التماس العذر لها بعدما تجاهلتني....حررتُ ذراعيّ عن كتفيّ شقيقيّ وسرتُ لمصدر حياتي ونبضها.....ارتمت في حضني وتعانقنا بحرارة ...دفنتْ وجهها عند عنقي محاولةً أن تصل أذني وأنا أنحني إليها لتهمس:
" ما كان عليك تركها تتعذب بمشهدكم الحميميّ وأنت أكثر من يعلم عن يتمها ووحدتها ...."

تولّدت ضحكة على فمي وهمست قرب أذنها بشقاوة:
" لهذا أهملتِني يا أم هادي وأنا الذي ظننتُ أنها سرقت مكاني ؟!.."

" تعلم أنك الأغلى عندي يا مهجة قلبي لكني انزعجتُ من أجلها ولم أطق مظهر الحزن في وجهها ....ما كان عليك الاندفاع للشقيين وتجاهلها بهذه الطريقة.."

" أمّــي.....تعلمين أنني أعد الثواني للقياكم ....لم أتمالك نفسي وأنا اراهما أمامي ....لا أعتقد أنني اخطأت!!..."

" لم تخطئ بنيّ لكن أحيانا يصدر منا حركات أو كلمات لم نقصدها فيتبيّن لاحقاً أننا اخرجناها بطريقة غير مناسبة بعد أن حوّلنا من استقبلوها منّا الى حطام !!.....أخويك تستطيع أن تبل شوقك منهم متى شئت...ها هما ماثلان أمامك....لكنك لا تستطيع ترميم بسهولة ما حطّمت!!....الآن بيدك ضلع قاصر....يتيمة....غريبة في البلاد.....فارفق بها وبمشاعرها عزيزي وراقب تحرّكاتك!!..."

" حسناً أمي سأحاول....سأحكي لك لاحقاً ان شاء الله ما حدث بالضبط أما الآن أظن أنه علينا فض العناق لأننا لفتنا الانتباه فتلك تأكلنا بنظراتها الغير مفهومة...."

ضحكت وهي تبتعد عني لتحررني وهمست بخفوت:
" ليس هي فقط !...الغيوران الصغيران يطالعانا بنظرات مبهمة...ثم اطمئن ..خالتك حكت لي ما اطلعتهما عليه....وكذلك عمتك اتصلت بي لتهيأني لاستقبالكما....يعني كنتُ بالانتظار على نار"

وما إن أنهت جملتها وقبل الرد عليها وصلتنا شقيقتي تهتف باسمة وشحوب يغطي وجهها الجميل لم أعرف سببه :
" ما هذه المحاضرة يا سيدان ؟!...اشركونا معكما !.."

والتفتت الى أمي تتابع مازحة:
" سيدة عيوش لنا نصيب مع أخي أيضاً....لا تظنيه ملك لكِ وحدك!..."

ضحكنا ثلاثتنا بينما رابعنا سار خطواته ليصل الى الفرد الخامس والوافد الجديد الى عائلتنا....الى حُبي....ألمتي ....وصلها وأساريره منفرجة بسعادة وإعجاب ومدّ يده يصافحها بينما كانت هي بعالم غير عالمنا وقال ببراءة:
" أهلاً زوجة أخي الحسناء....أنا شادي....هل حكى لكِ أخي عني ؟!.."

لم تستجب له فبدأت تتغير ملامحه للانهزام وارتخت يده لينزلها الّا انه سرعان ما عاود ليمدّها أمامها من جديد بعد أن انتفضت تخرج من عالمها وتمدّ يدها لحظة مناداتي عليها بصوت هادئ وصلها مع نظرة تحذيرية منعاً لتهورها:
" ألمى....اخي شادي يكلمك..."

خطّت ابتسامة تلقائية نقية على ثغرها وهي تتطلع على صغيرنا دون همس!!....اهذا انجذاب رباني ؟؟!...أيوجد كيمياء بينهما؟!...لربما لانهما يتشاركان نفس البراءة ....فهي ولو كانت بالغة ولو أنها ايضاً كانت حانقة الّا أنها مجبولة على البراءة والنقاء كالطفل في المهد!!....تلك براءتها التي كانت الفخ لأهيم بها عشقاً وتعلّقاً !! .......تقدّمت شقيقتي بتمهّل اتجاهها ....تبسّمت تمدّ يدها بعد أن فسح لها المجال (شادي) وهمست:
" مرحباً بكِ يا زوجة أخي .....أنا دنيا .....أتذكريني؟!.."

ردّت بصوت خفيض وهي تصافحها دون حرارة:
" كلا....لا أذكرك!..."

"...صحيح لا تذكرينها أيتها الكاذبة الصغيرة الغيورة.!!....ومن كانت اذاً ناقمة على الصديقتين في الماضي لقربهما مني ودفتر مذكراتها والشتائم داخله خير شاهد على ذلك ؟؟!.."

كنتُ متحمساً لصفعها بهذا الّا أنني ارتأيت السكوت منعاً من احراجها اما شقيقتي اتسعت ابتسامتها لتداري بها خيبتها ثم أفلتت يدها وهتفت بثبات:
" لا يهم ..أنا لم أنساكِ....ربما مع الأيام ستتذكرينني !..."

أفرجت عن ابتسامة مزيّفة مجاملة لها مع ايماءة بمعنى أنها توافقها كردٍ على كلامها ثم رفعت رأسها نحوي وكأنها تنتظر الخطوة التالية....!!......ادخلناها الى بيتنا واتخذنا غرفة المعيشة استراحة لنا من طريقنا.....كان قد نال منها الارهاق كثيراً فهدّأت قليلاً من حربها لذا في الوقت الحالي تتصرف وكأن شيئاً لم يكن....حقيقةً لا أعلم حتى متى ستثبت ؟!....جلست هي على الأريكة الفردية وجلستُ أنا مقابلاً لها على الأريكة ثلاثية المقاعد فقفز أخي ليجاور يسراي ولحقته أختي كالطفلة تجاور يمناي وبدآ ينهالان عليّ بالشكاوي الطفولية يشكو أحدهما عن الآخر ثم رفعت صوتها (دنيا) بحماس وهي تشدّ يدي وتضعها على بطنها هاتفة:
" بارك لي يا أخي....وأخيراً سيأتي سُلَيمان بإذن الله.."

استدرت اليها وضممتها اليّ ثم قبّلت رأسها فرحاً وهاتفاً :
" حقاً دنيانا ؟!....أجمل خبر....مبارك غاليتي !...ليأتي بالسلامة ان شاء الله"

عدّلت جلستي وأضفت ساخراً بمزاح هارباً من غرقي في غمرة ارهاقي:
" اووه نسيت ومن يخلصنا الآن من الأشقر الغليظ ؟!....سيرى نفسه علينا ويقرع رؤوسنا متباهياً بإنجازاته !!...."

تبسمت ابتسامة صفراء وهمست بعد أن القت نظرة للجالسة قبالتها قبل أن تعيد عينيها إليّ:
" العقبى لك أخي ....سننتظر أملنا على أحر من الجمر ان شاء الله.."

خبُتَ حماسي وتطلعتُ على حوريتي قريبة المسافة بعيدة المنال بنظرة فيها الاحباط والتي كانت مصغية بكل جوارحها لنا الّا أنها لم تفهم المغزى من كلمة (أملنا) وهمست:
" ان شاء الله...اسأل الله ما فيه خير لنا!.."

بعد قليل دلفت إلينا أمي تحمل صينية فيها كؤوس مليئة بالعصائر الطبيعية بمختلف الأطعمة وقالت وهي تتجه لكنّتها تضيّفها:
" شقيقكما متعب ...هلّا ابتعدتما عنه ليرتاح قليلاً ؟!.."

ثم أضافت وهي تنحني لتقرب الصينية من الجالسة بعد ان وصلتها :
" تفضلي عزيزتي.....سيفيدك هذا بعد تعب السفر..."

بدأت تسترد جمودها ونفورها وأظن أنني لمحت لمعة غيرة وافتها وهي ترى شقيقيّ يحيطانني من الجانبين ومودّة متينة متأصلة بيننا فأشاحت وجهها ليمناها وهتفت بصوت جاف:
" لا أريد شيئاً..!!.."

بنقاء قلبها كررت :
" تذوقيه حبيبتي....إن لم يعجبك لا تكملينه .....وجهك شاحب وسيعيد لك هذا نضارته !!..."

رفعت رأسها ترمقها بحدّة وتجيب بكراهية:
" أيا ترى هل لأن هنالك من خدعني وجلبني الى هنا رغماً عني وحرمني بلدي وجامعتي قد يكون شحب وجهي؟؟!.."

هي لا تعلم أنني طلبت من أبي (ابراهيم) أن يأخذ لها اجازة مرضية من الجامعة كي لا تتعرّض للمساءلات والفصل...فأنا لا ادري كم سنمكث هنا وإن طال الحال بنا سأضطر لنقل اوراقها لإحدى جامعات مدينتنا ...!!

استقامت أمي بوقفتها والحزن يعتري ملامحها ومع استقامتها كنتُ قد نهضتُ من مكاني مقترباً إليهما بجدّية قاطب الحاجبين وقائلاً وأنا أحمل الصينية عنها واضعها على الطاولة ثم أمسك يديها وأقبّلهما ممتناً برفق :
" أمي لا تتعبي نفسك بشيء بتاتاً....سلمت يداكِ يا تاج رأسي أنتِ....فقط اخبرينا في أي غرفة ستنام ؟!.."

طبطبت على كفي راضية عني وتطلّعت للجالسة ثم عادت ببصرها العطوف إلي وقالت بحيرة:
" في غرفتك!...هي الأنسب لكما....أليس كذلك ؟!....لقد جهزتها"

قلت باقتضاب لكن بنبرة هادئة احتراماً لها:
" كلا....أنا سأنام هناك..."

والتفتُّ الى (شادي) مكملاً:
" لتأخذ غرفة شقيقي حالياً وليأتي هو عندي.."

فردّت معترضة وهي تنظر اليه:
" لا يمكن بنيّ !!.."

"لمَ ؟!.."

عضّ شقيقي على شفتيه يحاول منعها من الإجابة لكنها لم تأبه لإشاراته وأجابت:
" يومياً يُحدِث زلزال في غرفته ....فوضى عارمة تحيط بها....انكسر ظهري وانا ألملم خلفه ملابسه وأغراضه وكذلك مليئة بالألعاب... غير أنها لا تحتوي على حمام خاص يا قرّة عيني !!.."

تمتم شقيقي بنزق يوجّه كلماته لشقيقتي القريبة منه:
" لازمٌ عليها أن تفضحني وتضيع هيبتي أمام ضيفتنا الحسناء...يا الله ماذا ستظن عني الآن ؟!.."

لم يكن يعلم صغيري أن التي أُحرِجَ منها تتبارى معه بالفوضى وربما تتغلب عليه !!.....اقتربتُ منه وأمسكت أذنه اهمس له مؤنباً منحنيا إليه:
" لمَ تتعب والدتك أيها الشقيّ؟!....أنا وأختك لسنا مثلك.....لا أريد ان اسمع ما قالته أمي مجدداً ....إحذر مني!!.."

فرك أذنه الحمراء بعد أن أفلتّها وأجاب محرجاً:
" أي انطباع اعطيتموها اياه عني من أول دقيقة ؟!...ما لكم عليّ؟...ألا يوجد بالمعركة الّا شادي ؟!..."

كانت تستمع بملامح مرتخية وليست مشدودة وكانت تكابد ألا تظهر ابتسامتها من حديثنا بعد أن أحسّت بشيء من الدفء والألفة يربطها بالصغير ..!!....لما انهينا حوارنا أدليتُ باقتراح آخر:
" إذاً فلتأخذ غرفة دنيا....الآن شاغرة..."

قفزت شقيقتي تقول باحتجاج:
" كلا..."

غضنت جبيني بعدم فهم فتابعت:
" إنها مليئة بجهاز بيتي الذي اشتريناه مؤخراً.."

قلت:
" اتصلي بسامي ليأتي ويساعدني لننقله الي بيتكما هناك !!.."

تبدّلت ملامح وجهها ليتلبّسه الوجوم حزنا وخوفاً وقالت بتلعثم تتهرب من واقع علاقتهما:
" لا يمكن...يعـ.....يعني سامي مشغول الآن....ثم....ثم لا يمكن نقله بسهولة ....هناك الكثير وتحتاج لشاحنة صغيرة ومعظمه قابل للكسر!!...."

تأففت ماسحاً شعري للوراء مسبلاً جفوني ثم فتحتهما ناظراً للتي انتصبت واقفة بهمّة نارية قائلة غير مهتمة لمن معنا:
" هل جلبتني الى هنا لتشعرني أنني عالة عليك ؟!....هيا أعدني فوراً...."

استغفرت ربي بتمتمة ثم بخطوة حوطت معصمها وسحبتها بلطف خلفي صاعداً السلالم بعدما زجرتُ بها:
" إذاً ستضطرين لتتحمليني في غرفتي !...هذا الموجود سواء أعجبك أو لا!..."

" لستُ مجبرة على تحملك.."

" قدرك اوقعك معي يا قطتي البرّية.."

تمتمت بشتائم باللغة الانجليزية وهي تشبكهم ببعض كي لا أفهمها لكني لم أهتم وتركتها تنفّس قليلاً من بالون السخط داخلها قبل أن ينفجر وفتحتُ باب الغرفة التي كانت تفوح منها رائحة النظافة والترتيب وكانت أمي قد جهزت السرير خاصتي وهو أصغر من حجم الزوجيّ بسنتمترات قليلة واكبر من الفرديّ والذي يحتل صدر الغرفة الكبيرة على يساري بغطائه الخمريّ ومن فوقه على الحائط كانت مُعلّقة بندقية أبي ....عهدي!!......وكان نور الشمس اللطيف يتسلل من النافذة الزجاجية الواسعة أمامي والتي تقع على حائط الخزانة العريضة وفي يميني طاولة الزينة المكملة لطقم النوم منذ طفولتي المصنوع من خشب الجوز البنيّ العتيق وجوارها مكتبة دراستي وكانت قطع من الزرابيّ توزّع في ارجاء الغرفة باحجام مختلفة ونقشات متشابهة ولمّا أصبحنا وسطها قلت مشيراً للخزانة :
" إن اردت استخدام الحمام فهو موجود وراء الخزانة ....افتحي الدرفتين الأخيرتين ستجدين خلفهما باباً مخفياً من الاكورديون يوصلك الى هناك..."

ثم ارجعت عينيّ إليها وتابعت:
" سأنزل لتحت قليلاً....يمكنك ان ترتاحي ورجاءً لا تعبثي باغراضي....لا أحب هذا!.."

وقفت منتصبة ساخرة:
" لماذا؟!...أيوجد أسرار داخلها لا تريدني الاطلاع عليها ؟!..."

اقتربتُ منها رافعاً زاوية فمي بابتسامة انتصار بعد فهمي لها وأجبت بهمس:
" لا تتعبي نفسك ...لن تجدي شيئاً ضدي مما تفكرين به ولا شيئاً يخص والدك يا صغيرة.......انا فقط لا أحب أن يعبث أحد باغراضي الخاصة !!.."

وغيّرت نبرتي بعد أن اشحت وجهي عنها ثم أعدته لتنبيهها:
" آه تذكرت....لا تستهلكي طاقتك في محاولة الاتصال به والوصول إليه ....فأنا اعطيتُ الأمر لصديقي برسالة ليخترق الشبكة العنكبوتية في الحي ويوقفها مؤقتا ويوقف أيضاً خاصية الاتصالات لخارج الوطن من هواتف جميع افراد أسرتي......يعني ارتاحي حُبي لا تحاولي سرقة أي جهاز يقع نظرك عليه !.....يامن الغبي ذهب وأمامك الآن فقط....الهادي...ضعي هذا نصب عينيك"

اشتعلت غيظاً وتوهّج وجهها في الحمرة بعد أن أغلقتُ السُبل أمامها الّا أنها حاولت المحافظة على ثبات صوتها بعد أن تطلّعت على السرير هاتفة تقلب دفّة الحديث:
" لا تفكر أننا سننام على سرير واحد جوار بعض... صح ؟؟!..."

اقتربتُ منها مبتسماً بعد أن برقت عيناي بخباثة فحدّجتني متأهبة ورجعت للخلف بينما أنا ادنو اكثر وأهمس متلاعباً بنبرة صوتي وأنفاسي تلفحها مع وصولي إليها:
" لمَ؟!...ممَ تخافين حبيبتي ؟!... "

استقمتُ بغرور مصطنع مردفاً لاستفزها:
" صحيح... معك حق!....لن تستطيعي مقاومتي أليس كذلك يا جبانة؟!.."

تلاحقت أنفاسها من القرب وأجابت:
" تحلم!!...مغتر بنفسك!.....أنا فقط لا اطيقك"

انحنيت بجذعي قليلاً اتجاهها ومررت ظهر أناملي على وجنتها بحركة مغوية وصولاً لشفتيها وهمستُ سارحاً بملامحها متمنياً ارتشاف رحيقها:
" اذاً اثبتي لي عكس كلامي يا حلوة ونامي جانبي لأرى إن كان مسألة لا تطيقيني فعلاً أو خوفاً من استسلامك بحضني...."

ابعدت يدي عنها بعدوانية رغم حالة الذوبان التي انتابتها رغماً عنها وقالت بصوت جاف:
" لا تهددني.....استطيع أن اثبت لك الكثير.....سأفاجئك يا ابن الشامي ..."

خطوتُ واصلاً الباب والضحكة على وجهي ثم استدرتُ إليها ...غمزتها وقذفتها بقبلة صامتة بالهواء هامساً قبل أن افتح الباب:
" أعشق المفاجآت....وخصوصاً التي تكون منكِ!.."

وخرجتُ دون ان استمع للتي تمتمت من ورائي وقلبها يبث فضائح توترها:
" متعجرف ....حائط...مغرور.....لمَ سأخاف منك ؟!..."

وأستطردت تنظر للأعلى متوسلة:
" يا رب ثبتني...يارب قوّني ولا تضعفني!.."

ثم زفرت أنفاسها لترتاح وبدأت بجولتها في أنحاء الغرفة لتطبق عكس جملتي " لا تعبثي باغراضي.." وهي تجول بقمة الاستمتاع تكذب على نفسها أن بهذا ستستفزني الّا أن شعوراً عميقاً داخلها كان يحثها ويقول لها .." هيا تعرفي على الهادي من قرب.."......اقتربت من مكتبتي فوقع نظرها على حجر صغير ملوّن بفرشاتي وعليه رموز مشفرة....تذكرت حجرها هديتي ليوم ميلادها وتذكرت الورقة التي صورتها لي والتي كانت بداية كارثتي وحفرة انهياري!!..يا للصدفة إنها شبيهة بذات الرموز....كيف نسيته؟!...تساءلت في سرها.."...يا ترى ماذا تعني ؟!..."....ثم عادت لحجر الهادي في المخيم ونحن صغار...ربطت الاشياء ببعضها!...وومضت عيناها هامسة تكلم نفسها مقهورة:
" كاذب محترف!....صديقك هو من رسمه لك أيها الكاذب؟؟!....كيف كنتُ بهذه الدرجة من الغباء وأعميت بصيرتي ؟!.....صدقتِ يا ميار.....ها هو جندي ويتعامل بالشيفرات اللعينة...!..."

سرحت قليلاً ثم رفعت رأسها لرف على المكتبة عليه صورة تخصني داخل اطار متوسط الحجم أحمل كأساً ذهبياً خاصاً بإحدى المسابقات المدرسية....شقت شفتيها بابتسامة حنين وهي تمدّ يديها الى صورة أخرى تلتصق بزجاج الاطار من الخارج.....كانت صورة لي اصغر حجماً من تلك وانا في عمر الخامسة عشر وباللونين الابيض والأسود!....التقطها لي صديقي ( سامي) في أحد ازقة الحيّ....كان شعري أطول ....خانها قلبها بدقاته العاشقة ...قلبها الذي تعرّف عليّ بشكلي الذي رأتني فيه اول مرة منذ سنوات كثيرة....نزعتها من مكانها وكأنها نزعت معها للحظات سموم كراهيتها ثم امعنت النظر بها بينما كانت تمرر ابهامها الرقيق على وجهي وابتسامتها لا تفارقها...كانت مبتهجة وشريط الماضي يُصوّر لها.....هذا هو هاديها الذي عرفته واشتاقت له يوماً بعد يوم ....هذا الذي غلّفته داخلها.....هذا الحبيب الذي احدث انقلاب في حياتها وتركها تتأرجح بين هواها وغربتها.!!...ضمّت الصورة لصدرها بحبٍ جارف يغرقها وحنين خاطف يخطفها من المآسي التي عاشتها آخر ساعاتها ثم همست بغصة ودمعة تلو دمعة تفر من مقلتيها:
" ليتك بقيت هكذا.....لكنتُ سأحبك فوق الحبِّ حباً.....هادي يا حبيبي..."

أعادت الصورة لمكانها وأكملت جولتها التفتيشية بعينيها تنقلهما بين الكؤوس المركونة على رفوف المكتبة والميداليات المتدليّة بعشوائية ثم انحنت مقتربة بعد أن لمحت مكعباً بلورياً مثبتاً بقاعدة على سطح المكتبة وداخله مادة الزئبق تعوم حول شريحة ذهبية منحوت عليها اسمي فرفعته تدقق النظر به وتتفحّصه بفضول واعجاب لتجحظ عيناها بثانية لرؤيتها المكتوب في قاعه عندما قلبته وفجأة اكتسى وجهها بالدم النافر من كامل عروقها غيرةً وكزّت على اسنانها متمتمة:
" من تكون هذه لتكتب [ مِن رنيم الى وسيم المدرسة ] وتهديه هذا الشيء ؟!..."

شدّت عليها بيدٍ مرتعشة اشتعالاً سابحة بأفكارها وما إن فتحتُ الباب بغتةً عائداً للغرفة حتى أفلتتها مجفلة بغير قصد مع شهقة صغيرة لتتناثر شظاياها الزجاجية حولها والزئبق يرسم بقعاً على الأرض ولمّا استوعبت فعلتها تململت لتتحرك للوراء بقدميها الحافيتين محرجة وخائفة وهامسة بصوت مرتجف:
" أنا...أنا آسفة....لم اقصد كسرها!.."

اندفعت نحوها قلقاً عليها وقلت آمراً:
" توقفي لا تتحركي ...يوجد قطع زجاج خلفك !.."

انصاعت باكية بوجهٍ مصفر فأمسكتها من فوري وابعدتها بحذر حتى اوصلتها للسرير أجلسها عليه وجثوتُ أمامها ممسكاً بكلتا يديها بدفء وقرّبتهما لشفتي اقبّلهما بحنوّ وكان الخائن منفطراً لأجلها يرسل مواساته لها وهمست برقة بينما أرضي السخية كانت تمدّ بالعطف سماءها:
" فداكِ حبيبتي....المهم أنك لم تتأذي.."

استكانت رويداً رويداً وحررت يديها مني ومع ان مقلتيها ما زالتا محتقنتين بالدموع الّا أنها شجّعت نفسها لترضي فضولها المحترق وسألت بغيرة لم تفلح بوأدها:
" من تكون هذه ....رنيم؟!.."

انتصبتُ واقفاً ازاءها وضحكت هاتفاً :
" هذا يعني أنك رأيتِ المكتوب وألقيتها عمداً....أليس كذلك؟!.."

مطت شفتيها بعبوس وأجابت بإباء:
" يبدو أنك في الآونة الأخيرة تتوهم كثيراً....لمَ لألقيها؟؟!....أنا لا أهتم لأمرك ولا لأمر تلك الوقحة التي تتغزل بك.....سألتك فقط بعفوية !!.."

وأكملت بصوت متحشرج من لسعات الغيرة:
" واضح اساساً أنها حبيبة الطفولة..."

ضحكت وجلست جوارها ثم ارجعتُ نصفي العلوي مستلقياً على ظهري متوسداً ذراعيّ وقلت :
" أيااام..."

استدارت نحوي برأسها عاقدة الجبين وهمست بضيق وعقل طفلة:
" بدأت الفراشات تتراقص في قلبك من ذكراها ....أرأيت كيف أنك كاذب محترف وخدعتني عندما قلت أنك تحبني من زمان ومن اول لقاء لنا ؟!....لقد رأيتُ التاريخ على البلورة ....كان قبل هجرتك بشهور قليلة ...أي أنك عندما التقيتني كنتَ تحبها هي آنذاك أيها الكاذب..!!.."

رمقتها بنظرة خاطفة وكانت الفراشات ترقص في قلبي فعلاً....لكنها رقصت بعد ان اصابني الغرور والعظمة من غيرتها الجليّة عليّ ثم قلت شارداً بالسقف:
" قبل هجرتنا بشهور أي وانا في الخامسة عشر من عمري أقام لي والدي رحمه الله احتفالاً في بيتنا بسبب تفوقي وحصولي على المرتبة الأولى في مسابقة الموهوبين على مستوى مدرستي وقد دعا ابناء وبنات صفي ومن سوء حظي كانت هذه الفتاة من صف مجاور وصديقة لزميلتي في الصف فأتت معها بكل وقاحة تحمل هذه الهدية!!.....كانت فتاة مدللة وتعشقني لكني كنت ابغضها من غرورها ودلالها المفرط وجرأتها بمشاعرها ..."

التفتّ إليها بينما كانت هي مصغية ووجهها متوهّج....بالطبع بغيرة امتعتني وكانت تضغط على رأسيّ ابهامها والسبابة ببعضهما حرقةً وأكملتُ بنشوة مستلذاً بصورتها المشتعلة:
" تصوري حاولت عدة مرات بعث وسائط إليّ كي أكون على علاقة معها ؟!.....إنها وقحة حقاً وعديمة تربية !!.."

قالت بمكر هازئة:
" لكنك ما زلت محتفظاً بهديتها !!.."

قلت:
" بعد أن انتهى الحفل وغادرونا حملتها لألقيها بالنفايات فأمسك بي أبي ومنعني باعتبار أن ذلك عدم احترام لضيوف قدّروني ووضعوا لي قيمة ولم يكن يعلم بمشاعرها نحوي ووقاحتها معي وهي تتباهى بحبها لي في المدرسة فاجبرني على وضعها بذاك المكان على المكتبة لتكون نصب عينيه كلما زار غرفتي كي يتأكد من عدم القائي لها حتى جاء اليوم الذي تخلصتُ منها دون أن يكون لي يد بهذا .....انما بفضلك .."

تبسّمت باعتزاز وسحقها الفضول لتتعمق أكثر فهرب السؤال من بين شفتيها:
" كيف كان شكلها ؟!.."

لأجيبها مع انتهائه:
" شقراء......وجميلة!.."

قالت كلماتها الحانقة بحزن وهي تهمّ للوقوف:
" تقولها بوقاحة.....إذاً كنتَ تحبها يا كذّاب وربما ما زلت تحتفظ بشيء اتجاهها....لأنك تتكلم بسعادة عنها....ارأيت كيف أنك تعجبك الشقراوات"

رفعت جذعي بخفة وجذبتها من معصمها لتسقط فوق صدري ثم كبّلتها بذراعيّ احاصرها ووجهي مباين لوجهها ومع هذا القرب وحسيس انفاسنا تسارعت نبضاتنا وتحرّك صدرانا بانفعال مُحبب وهمستُ آكلاً ثغرها بنظراتي :
" لمَ لا تفهمين أنني متيّم بكِ وحدك ؟!...لا قبلَ لكِ عندي ولن تكون بعدك !...أنتِ التي لعبتِ بوجيب قلبي وسجّلت الملكية عليه !....انت من تخطفين أنفاسي...جمالك لا يضاهيه جمال في عيني...لا أدري أأغوص في ليل شعرك أم احلّق في زرقة عينيك...أأذوب في بياض وملمس بشرتك أم احترق عند شفتيك...هل أهيم في براءة قلبك أم اقع اسيراً في دلالك....لا الشقراء ولا السمراء ولا أي انثى على وجه الأرض وإن تشابهت مع ملامحك سأراها ...انت حوريتي في دنيتي وآخرتي باذن الله....آااه يا مدمّرة ماذا فعلتِ بي؟! .."

وانهيتُ بوحي مرتشفاً رحيقها بعد أن خدّرتها بكلماتي ووهج أنفاسي لاستحوذ عليها سكراناً بحُبها تائهاً بسحرِ شفتيها ليتحول الرحيق الى مذاق مالح إثر اطلاقها سراح دموعاً من عينيها كانت حبيسة في صدرها ترسم اخدوداً على خديّها وينتهي بها المطاف على شفتيّ فحررتها بلطافة وبابهامي مسحتُها لها هامساً بصوت رخيم وهي مستكينة بضعف لا تقوى لا على القتال ولا الهروب بل تعيش في شتات مشاعرها:
" لا تبكي حبيبتي....أرجوك !.....دموعك تنزل كالجمر على قلبي.."

ردّت بصوتها العذب الحزين:
" لمَ تفعل بي هذا؟!....ما هذه الجاذبية التي تملكها في حضنك ؟!....أنا لا اريدك....لكنك تضعفني !..."

" لو فكرتِ قليلاً بتروّي لعلمتِ أنني لا اضعفك إنما امدّك بالقوة...بالأمان....بالحُب..... آن لكِ أن تفهمي هذا يا ألمى...آن لكِ!!....لا تضيعينا بسواد أفكارك الوهمية ....اعطي الفرصة للعشق أن يتنامى أكثر بيننا وسأعوضك عن كل شيء بإذن الله.... سلميني زمام الأمور وثقي بي...عليك فقط أن تؤمني بصدقي وتحافظي على حبي..!!.."

وبرقة طوّقتُ كفها وقرّبته الى صدري ألصقه بقلبي هامساً برجاء:
" إن كنتِ لا تصدّقي كلامي وما زلتِ تظنين أنها مسرحية وخداع فرجاءً لا تنطقي حرفاً...اسدلي جفونك....واستشعري نبضي فقط .....إن خدعك لساني لن يخدعك قلبي....ليس عليه سلطان مني إنما السيطرة الكاملة لكِ.....هذا اللحن يختص بكِ....هذه الانتفاضة من أجل عينيك.....إنها دقات تصرخ تتوسل غرامك .....لا توقفيها لي.....لا تمنعيها من الحياة يا حياتي....اعطي قصتنا فرصة..."

همست بوجهي متفائلة بعد أن مزجت خفقاتي مع خفقاتها ويدها ما زالت مثبتة على صدري قرب الخائن:
" سأكون رهن اشارتك....لكن لا تقتل حبنا بأبي....لا تقطع آخر أمل لي بك ..."

هربتُ بحدقتيّ متنحنحاً وقد شعرت من فورها كيف تغيرت النبضات عندي وتحولت لثورة شعواء من سيرته فأفلتت يدها من يدي وانتصبت واقفة تبتعد عني...كأن تياراً كهربائياً صعقها.....لقد قرأت فكري وعرفت ردّي وهمست بازدراء:
" لن أتنازل ولن استسلم ولن اعطي انفسنا فرصة ما دمتُ استشف رائحة الحقد بعينيك والاصرار على ما أنت مقدم عليه بين دقات قلبك.....لا تطلب مني شيئاً أنت نفسك لن تفعله...."

ثم اسقطت خائني ليقع صريعاً يحتضر على شفا مقبرة صدري بعدما مسحت بكمّها اثار القبلة عن فمها مشمئزة هاتفة بتهديد:
" ستفعلها مجدداً وتقبّلني وسأخضع بحماقة بعد أن تخدّرني.. اطمئن أنت الكاسب بهذا!!....لكن ثق أنني سأعاقب نفسي بعدها اشدّ عقاب لخنوعي بين يديك وسأجعلك تعيش عذاب الضمير ما حييتْ....صدّقني ليس مجرد كلام....سأفعلها بدمٍ بارد!.....سترى ألمى المنفصمة التي تحب وتكره ..تهدأ وتثور..تخضع وتتمرد......تماماً كما كنتَ في السابق تعيشني انفصامك....واشهد على ما اقول!...."

كنتُ مستمعاً صاغراً لها ...أي كراهية باتت تحملها لي ؟!...أهذا صنع يديّ ؟!..أي مأزق كان من نصيبي ؟!.....وما أخرجني من كابوسي هو رنين هاتفي الخاص بـ (هادي) فعدّلت جلستي...اخرجته من جيبي مجيباً في الحال !....خفق قلبي بصدمة حقيقية بعد دقائق قليلة جداً من اصغائي لمن على الطرف الآخر الّا أن شحوب وجهي وصخب دقاتي لم يسعفني لتصدّقني عندما مددتُ لها الهاتف قائلاً:
" هذه السيدة ايمان...كلّميها !!.."

أكان الوقت غير مناسب لأنها كانت مكسورة غاضبة أم أنها عميت بصيرتها والغشاوة سيطرت على كل ذرة فيها ؟!....رفعت زاوية فمها باستهزاء لتعطي البعيدة نصيبها وهي تقول دون أن تأخذه مني:
" لا أريد أن أكلّم أحداً....اتركوني وحلّوا عني !!.."

وقفتُ واجماً ومضطرباً ثم أمسكتُ ذراعها بقوة هاتفاً:
" خالتك تدهورت صحّتها وتريد أن تسمع صوتك !!....كلّميها ولا تكوني لئيمة !...."

سحبت الهاتف من يدي بابتسامة لعوبة ناقمة وكان حقد دفين يخرج منها عندما همست وهي تغلق الهاتف وتلقيه على السرير:
" أتراني سأصدق مسرحيتكم من جديد؟!....ما بكم اصبحتم سُذّجاً ؟..."

صرختُ بها وانا التقطه عن السرير لأعاود الاتصال فهاتفي الوحيد هو الذي ما زال يربطني في الخارج:
" سأتصل وستكلمينها ...لا تجعلي حقدك يعميكِ عن كل شيء....خالتك لا ذنب لها وهي أكثر من تأذت من والدك...."

صرخت بجسارة:
" اصمت....والدي لم يؤذِها وعلى العكس عاملها بشكل خاص لكنكم تنكرون كل شيء..."

ورفّ قلبها بتوجس ضائعة بين التصديق والانكار وهي تضيف :
" ثم كلانا نعلم أن حالتها في تحسّن وقد كلمتهما قبل أيام قريبة.....لن انخدع بكم مجدداً أنا لستُ حمقاء..."

وصاحت بتأكيد متألمة:
" أتفهم ؟!....أنا لستُ حمقاء !!..."

هدرتُ بها بعدما سحبت الهاتف من يدي مرة اخرى والقته على السرير:
" خالتك تحتضر .....ستندمين ألمى....قسماً ستندمين !!...لا تخضعي لشياطينك...ستموت وأنت لم تكلميها..!"

أهذه رجفة التي رأيتها على جسدها ؟!...أهناك أمل بأن تعود ألمى الطيبة البريئة المتسامحة مع الجميع ؟!....ستفعلها!....بلى ستكلّمها ....هي صغيرتها وأميرتها !....لن تتخلّى عنها.....عدتُ أمسك الهاتف واثقاً بها وهمست بلين بعدما اتصلتُ من جديد :
" خذي ..كلّميها ...اسمعيها صوتك....قولي لها أنك لستِ غاضبة منها !...وأنك سامحتها "

تناولت الهاتف مني بنزق وهي تلوي شفتيها ..ورياح عاصفة وأعاصير تضرب قلبها وتقتلع جذور البراءة منها وتزرع مكانها وفي ارضها سخطاً وكرهاً..!!..وضعته على أذنها وألقت ما لديها:
" لن أسامحكم.....لن اسامحكم ....بنيتم لي قصوراً ذهبية من المحبة وإذ بها ما كانت الّا من رمال متحركة ابتلعتني الى قعر الأرض ولم تعطني المجال لالقط أنفاسي.....لن أسامحكم!!..."

واغلقت الهاتف ثم مدّت يدها هذه المرة تفتح يدي وتضع الهاتف بها بقسوة واستدارت داخلة الى الحمام ولم تصلها جملتي التي قلتها قبل أن أترك الغرفة وانزل الى عائلتي...!!
" هي ساعات أو أيام قلائل....وستموت!....ولن ينفعك الندم حينها يا مسكينة..!!...هداكِ الله..."

لقد هاجت وماجت....عصفت وجُنّت...رياح الكراهية هبّت لتزيد اشتعال نيرانها فوق اشتعالها فأبت أن تمسك بخيوط النور واختارت الغوص في بئر الظلمات....!!

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

من قال أن الطيب لا يكره ؟!...ومن قال أن الهادئ لا يثور ؟!...أليس للصبر حدود ؟!....ألا يوجد للفرص نهاية ؟!...هذا حال الدنيا وهذا حاله مع دنياه ...سار في أزقّتها ورأى الصالح والطالح....أعطى المحبة لمن حوله ولم يسمح للكره أن يمر جوار قلبه الطيب.....تحكّم بانفعالاته ولم يثُر على من يخصه.....سبح بين أمواج الهموم ولم يجزع....وكان صابراً دوماً.!!...سامح وصفح واعطى الفرص بجود وسخاء لكن في القلب الابيض الطيب نقطة سوداء مخفية....وبين الهدوء والغضب شعرة هي الفاصل....وإن تعاضدت كافة الظروف ضده سيفر الصبر من عنده أما الفرص فقد نفذت من جعبته !!.....كان يجلس بين اهله ويهزّ رجله بتوتر منتظراً فلقد فقَدَ كل صفاته ليصبح هذه الساعة كارهاً ,ثائراً ,قانطاً ,بائساً....كان يجب أن يكون هذا من أجمل ايام حياته !....بُشّر بالصبي المنتظر وولي عهده !!...لكن النفوس المريضة أبت أن تتركه ليسعد في دنياه ومعها ...ما اصعب أن يكون الانسان عدوه هو من يحمل دماءه وما أقسى أن يُقصى من دنيا الحبيب رغم الاعتذار الخالص والتوبة النصوح بعد البوح بذنبه......تغاضى عن افعال قريبته لأنه (سامي) الطيب لكن قابلته بالغدر.....اعتذر برجاء وحب من محبوبته ساحقاً كبرياءه لكنها نفته بارادتها......ماذا يظنونه ؟!.....العقاب عنده جاهز.....لقد ضغطتا على عرق الجنون عنده واخرجتا روح الانتقام لديه .....هل يحترم خالته التي بمقام أمه ولا يرضى بجرحها ؟!...أجل يحترمها....أيحب زوجته ؟!....بل يعشقها !.....لكن عهد الطيابة والتنازل ولّى وقرر أن يوقّع على عهد جديد فيه الصلابة والقسوة!!....لن يَرحَم مثلما لم يُرحَم.....وكلٌّ فليتحمل نتيجة أفعاله !!.....دخل شقيقه ومن خلفه خالته وابنتها الشقراء والقوا التحية ...رحّب بهم اهل البيت كعادتهم...ينهضون يصافحون بعضهم ويجلسون ضيوفهم في صدر الغرفة احتراماً أما الأشقر كان عاقد حاجبيه ببغضاء محتقن الوجه يخفض عينيه ارضاً لا يرغب أن يراها ...بل يريد أن يستصغرها ويشعرها أنه لا يراها!!....كزّ على أسنانه وفي سريرته يقول..." فقط لو كانت رجلاً...!!..".....لفت انتباه خالته أنه لم يقم من مكانه ليرحّب بها ويشاكسها كعادته بروحه المرحة فسبقته قائلة بوجه بشوش كبشاشة وجه والدته فهو لم يفرّقها يوما عنها وهو بالذات أقرب الناس الى قلبها ...لقد وقف معها في محن كثيرة سواء مادية او معنوية !!...أينما ذهب يترك بصمة من عطائه ..:
" ما به أشقرنا لم يُهدني قبلته بعد ؟!..."

كل العيون في الغرفة تطلّعت عليه يراقبون ردّة فعله فالتفت إليها ونهض يجبر نفسه وهو يركّز نظره عليها فقط كي تتلاشى الصور من جانبيها أمامه فهو لا يريد أن يلطخ عينيه بمرأى ابنتها ولما وصلها صافحها ثم انحنى بجذعه يقبّل رأسها وقال بصوت فيه الخشونة:
" أهلاً خالتي....حقك عليّ..."

قالها وعاد الى مكانه....تعجّبت من اسلوبه ورمقت ابنتها بنظرة سريعة ثم جالت بين باقي الوجوه تتساءل بصمت عمّ ألمّ به ؟!....لاحظ التساؤلات بعينيها فاختصر عليها الطريق هاتفاً بجدّية وصلابة لم تعهدهما عليه بينما كان يحني ظهره قليلاً للامام ليتكئ بمرفقيه على فخذيه ويشبك كفيه ببعضهما :
" لن أطيل عليك الأمر لأن وقتي ضيّق وسامحيني على استدعائي المفاجئ لكِ..."

ارتاع فؤادها من المجهول وقالت بريب:
" لا عليّك بنيّ...لكنك أقلقتني ...اهناك شيء ؟!.."

أجاب:
" لقد اخبرتنا في السابق أن ابن شقيق زوجك تقدّم لابنتك....أليس كذلك؟!.."

" أجل بنيّ ورفضته ومع ذلك ما زال مصرّاً..."

قال باختصار:
" اذاً زوجوها إياه أفضل للجميع...!!.."

سألت مستغربة :
" لكنك في السابق قلت لا تجبروها على شيء...ماذا تغيّر الآن ؟!.."

اسند ظهره للخلف مجيباً دون تأخير:
" كنت مخطئاً خالتي....علي رجل صاحب مسؤوليات لديه مصلحة يترزّق منها وكان اعتراضي لأنه رجل جامد غيّور بشكل مبالغ وصارم وقد ظننتُ أن ابنتك لن تتحمل صرامته وجموده الّا أنني اكتشفت....عذراً منك...!.....أن هذا ما تستحقه ....رجل يعيد تربيتها .."

اعترضت مستاءة بينما التي تجلس جوارها اعتراها الوجوم وهتفت مندهشة تسبق أمها بالكلام:
" لا اصدق....لا اصدق....ما هذا الذي تقوله ؟!.."

ردّ بنفور دون ان يتطلع نحوها:
" أنتِ لا تتكلمي....اصمتي ولا تسمعينا صوتك!..."

صمتت أجل صمتت.... إنها بقدر حبها له يكون خوفها منه ...تتدلل بجرأة أجل أما أن تعارضه وتذهب معه رأساً برأس لا تستطيع...تهابه...تخاف منه !!....روحه مرحة إنما هيبته طاغية وخاصة بعد أن تزوج وترقّى باتت تخشاه أكثر ولا تود مواجهته بهذا الوجه تحديداً....هبّت واقفة باعتراض مكتوم بينما الموجودون خاضوا بتمتمات مصدومين من معاملته لهما لتقطع خالته هذه التمتمات بانزعاج:
" ما دهاك بنيّ؟!...أأتيت بنا الى هنا لتقول هذا ؟!...هذه إهانة لتربيتنا !!.."

" حاشاكِ خالتي....أحياناً كثيرة اولاد الأكابر تصرفاتهم المخزية تأخذ أهلهم للمقابر... أطال الله بعمرك.... واولاد أهل الشوارع يُفتخر بهم ...أنا لا انتقد تربيتكم خالتي....إنما ابنتك هي هكذا اخلاقها فاسدة وتصرفاتها جامحة بشكل مقزز وتحتاج فقط لمن يروّضها بمعرفته لتستقيم....فإما تتعاون وتبني حياة كريمة لها معه وإما تتمرّد وتدمر حياتها ....هي بالذات تحتاج لإبن عمها... علي.. ليعيد تأهيلها بدمه الحامي ومبادئه ...صدقيني هذا الافضل للجميع وأولهم لها...!....لأنها كلما تغافلتم عنها واعطيتموها حريتها تمادت بالسوء لمن حولها واوصلت نفسها لطريق لا رجعة فيه..."

تبدّلت ملامح وجهها للشحوب ....هي تقرّ في نفسها أنها ما عادت تستطيع السيطرة عليها...تزداد دلالاً ومتطلباتها التافهة لا تنتهي وحرّيتها أصبحت مبالغاً بها وكلّما جاء عريس ترفضه دون سبب يرجى !!...كيف لا ترفض وقلبها وفكرها يحومان حول الأشقر كما انها تحاول جاهدة لتشبك خيوطها عليه لكنها تعود مهزومة ولا تفلح وأمها هذه الطيبة لا تعرف عن نواياها شيئاً ومهما فعلت تبقى ابنتها الكبيرة واول فرحتها ولن تسمح بها لذا هتفت محتجة بكدر:
" لا أعرف اسبابك التي جعلتك تقول كل هذا الّا انني غير مستعدة لأجبر ابنتي على شيء لا تريده يا سامي..."

ضحك هازئاً وقلبه يكتوي بلوعة وروحه ساخطة من كل شيء ثم اطلق سراح لسانه ليخبر الجميع عمّ حدث بينها وبين زوجته واثقاً بكلامه لتتوزع ردود الفعل من الحاضرين بين شهقات الاستنكار والغيظ ولكنّها من كثرة الضغط عليها انفجرت صارخة بوجهها المصبوغ حقداً :
" زوجتك كاذبة....كاذبة!...هي طردتني وهي اهانتك ...!.."

لم يتأثر مما تفوهت به وكان من الأولى أن يحرقها بعد كلامها الّا أنه قام من مكانه بهدوء واقترب من طاولة التلفاز....أخرج المصحف من الدرج العلوي واقترب به منها وقال ببرود:
" اقسمي اذاً أن الذي قلته غير صحيح لأرى ..!!.."

ابتلعت ريقها واهتزت حدقتاها برهبة من الموقف الذي وضعها به ....حاولت الثبات والصمود ...لم تستدل على جملة مفيدة تنشلها من مصيبتها واكتفت هامسة بهشاشة:
" غير صحيح...هي كاذبة.."

انتفضت مكانها مرعوبة لمّا صرخ:
" اقسمي هيا ..."

فكان ردها الارتماء في حضن أمها مجهشة بالبكاء هاربة منه ترجوها:
" أمي هيا لنذهب من هنا...ارجوك امي..."

وما زالت امها تتعاطف معها ...أيعقل أن ابنتها محقة ؟!...تساءلت داخلها رغم أن حدسها ينبئها عن صدق قول صديقي...فهي أكثر من تعرفها؟!......لم يضعف لبكائها وهو الذي يكره رؤية بكاء النساء وخاصة مَن لهن معه رباط شفقة عليهن ثم استمرّ بصلابته هاتفاً:
" حسناً لن تقسمي ولن تعترفي بغلطك....لكني سأوصلكما بنفسي لأخبر والدك بكل شيء وأنت تعلمين كيف يتحوّل عند اصغر خطأ يخدش صورة عائلته.... فكيف إن كانت ابنته حاملة اسمه بهذه الدناءة تفتري على مظلومة وتدمر بيت زوجين....تخيّلي فقط ردة فعله كيف تكون ؟!...وتعلمين جيداً أن كلمتي عنده لا ثاني لها...يثق بي أكثر من الجميع ويحبني ولك القرار يا ابنة خالتي ....تعترفي امام اهلي وتردّي اعتبار زوجتي مع أن شأنها دائماً مرفوع ولا يمكن لأحد بزعزعته أو تتمسكي بكذبتك واذهب لوالدك!..."
سكت بكاؤها وارتعدت اوصالها من الفكرة وماذا ممكن ان يفعل بها والدها اذا غضب فرفعت رأسها عن صدر أمها وطأطأته لحجرها وهتفت بصوت خفيض وبمشقة بعد أن أخذت لحظات تفكر :
" انا اخطأت...سامحوني .."

فتعالت اصوات الشجب والاستنكار بشكل اكبر وأقوى من افراد اسرتي وبدأوا يهتفون لها بأن تذهب الى (دنيا) وتعتذر منها فناظرته بعينيها الملتهبة وجفونها المنتفخة وقالت :
" سأذهب واعتذر منها....لكن ارجوك لا تخبر ابي ولا تقنعه بزواجي من ابن عمي.....لا أريد أن اتزوج رجلاً يكبرني بسبعة عشر سنة...هذا فرق كبير!....ارجوك يا ابن خالتي.."

انحنى متوعداً بغيظ:
" لا اريدك ان تعتذري منها....اساساً لا اريد ان تقع عينك عليها....ولا أن تمري من امام بيتها ولا أن تأتي لحيّها ....لا اريد ان تنطقي اسمها على لسانك...خالتي مرحّبٌ بها متى شاءت أما أنتِ اقطعي قدماك عن مدينتنا وخاصة حارتنا ....أو قطعتهما لك بطريقتي!!...."

ثم انتصب رافعاً هامته بثقة موجّهاً كلامه لأهله الذين كانوا بآذان صاغية دون تدخل بقراراته:
" ها أنا أقول لكم...في اليوم الذي تسمحون لها بدخول هذا البيت سيكون يوم خروجي النهائي منه دون عودة!!....أنا وهي لن نلتقي في مكان واحد....لن أسامح من دمّر حياتي وأفسد بيني وبين زوجتي ...نقطة وانتهى..!!..."

باحراج تسللت الأم وابنتها من بينهم بعد ان طلبت الأولى ممن جلبهما بأن يعيدهما الى قريتهما ولما خرجتا من البيت وقف والده بوقار هاتفاً:
" إذاً حان الوقت لنذهب جميعنا الى بيت أم هادي لنعتذر منهم بعد ان كُشفت الحقيقة ..لقد ذاقت الظُلم منا جميعاً عندما تجاهلناها ولم نحاول اصلاح الأمور..."

ليردّ عليه الذي كان شامخاً بوقفته :
" كلا أبي...لن يذهب أحد....أنتم لم تخطئوا لتعتذروا...كنتم حياديين فقط!!.......هذا بيني وبينهم وسأتصرف بطريقتي....لا اريد ادخال ايٍّ منكم بالموضوع..."

وأكمل بسرّه :
" اعتذرت ورفضتني بقسوة....لن اركع حتى لو متّ عشقاً بها ..الآن جاء دورها وعقابي هجرانها وتجاهلها....فإما أن تأتي اليّ بنفسها أو...."

وتبعثرت خفقات نابضه وجلاً لمّا لاح في باله ما بعد الـ (أو)...!!

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

لمّا نزلتُ الى الطابق الأرضي تاركاً سمائي في غرفتي دلفتُ الى المطبخ فوجدتُ أمي تحضّر طعام الغداء لنا ...سحبت نفساً عميقاً استنشق البخار مغمض العينين عندما رفعتُ الغطاء عن طنجرة حساء الخضار وقلت:
" اللــــه يا أم هادي على هذه الرائحة.....كم اشتقت لطعامك....سلمت يداك ..."

ومن قلة صبري على الرائحة أخرجت طبقاً عميقاً ووضعتُ به من الحساء وتناولته واقفاً رغم سخونته التي لسعتني بينما كنتُ اشاهد معالم الحياة الجميلة المتمثلة بأمي التي تتفتل في المطبخ بكل نشاط وسرور....ربي يحفظها لنا.... فهتفتْ مازحة وهي تخرج صينية كباب مشوي من الفرن الكهربائي :
" صحة بنيّ.....لكن هذا عيب...تملأ بطنك اولاً وزوجتك ضيفتنا جائعة.؟!..من الأولى ان تطعمها ..."

وضعتُ الطبق في مغسلة المطبخ بعد أن انهيتهُ حامداً الله وقلت ضاحكاً:
" هذا تحت الحساب يا ام هادي....المهم انت لا تشي بي...سادّعي أني لم اضع لقمة في فمي مضحياً بمعدتي من اجلها..."

ضحكت ثم تبادلنا بضع الأحاديث السريعة واخبرتها عن تدهور صحة السيدة (فاتن) وقد حزنت كثيراً عليها ودعت لها بالرحمة وفي خلال احاديثنا اخرجتُ هاتفي ابعث رسالة للمرة العاشرة لـ (سامي) ولم يقرأها فاستغربتُ قائلاً:
" هل سامي بالمركز ؟!...ما له لا يرد عليّ؟!....ابعث له منذ وصولنا لأخبره عني ولا حياة لمن تنادي..."

أجابت بهدوء ونبرة حزينة هاربة بوجهها عني:
" سامي ودنيا متخاصمان..!!...."

قلت بمزاح مع أنني شعرتُ بوجود خطب ما:
" لمَ أنت حزينة ألم تعتادي.؟..هذا الغليظ وهذه ضفدعته.....لا تقلقي عليهما.....الخصام بينهما هو فاكهة حياتهما!.."

أجابت بقهر وأسى:
" هذه المرة مختلفة بنيّ....هو لم ينَم عندنا منذ ثلاثة ايام تقريباً...!!..وهذه اول مرة يفعلها ولا أعلم حقاً من المُلام فيهما بالضبط.!!..."

انتصبتُ ممتعضاً وسألت لاستنبط الأسباب:
" ماذا تقولين أمي ؟؟!....ألهذه الدرجة ؟!..لا يفعلها سامي الّا إذا كان جرحه عميقاً....ماذا جرى ؟!.....أنا لم يعجبني حال دنيا منذ رؤيتها....وجهها غدا شاحباً ولكني ظننتُ من تأثيرات الحمل ...."

واستأنفتُ قبل خروجي بملامح نافرة والقهر يعصرني على حالهما:
" هل هي في غرفتهم ؟!....اريد ان اسمع منها !..."

" أجل بنيّ....لكن ارجوك كن حكيماً ولا تظلم أحداً على حساب الآخر....هي دنيتك وهو توأم روحك...."

زلفتُ منها وربّتُّ على كتفها بحنية وهمست:
" لا تقلقي امي...تفاءلي خير!..."

سبقتُ أختي الى حديقة منزلنا انتظرها بعدما أعلمتها أنني ارغب بالحديث معها هناك ...كان الجو صحواً لا تعكر صفوه الغيوم الغاضبة وكان النسيم العليل يطوف حولنا يحمل في حناياه شذى الطبيعة بترابها ونباتاتها المختلفة....جلست شقيقتي تجاورني على مقعد رخامي موضوع على عشب الحديقة الغنّاء المليئة بالورود والأشجار التي تعلوها أعشاش الطيور ...حوّطتُ كتفيها وجذبتها لتتوسّد كتفي واستفتحتُ حديثنا ببعض الذكريات لأبدد خجلها أو ارتباكها مني ثم انتقلنا لموضوعها وأخذنا الوقت ساعة من الزمن وهي تبوح عن مكنون ما في صدرها وفي هذه الأثناء نزلت المدللة الغاضبة الى الأسفل وجلست في غرفة المعيشة تضع ساقاً فوق الآخر وتهزّها واجمة الوجه بعد أن سألت والدتي عني والتي طلبت منها ان تنتظرني في هذه الغرفة ..!!....بعد قليل دخلت عليها الحنونة تحمل صينية فيها كوب من حساء الخضار الدافئ وهمست بعطف وبابتسامتها الحانية التي تلمع على ثغرها :
" تناولي حبيبتي هذا الحساء ليدفئ معدتك ريثما احضّر المائدة.....لا تنغدري بصفاء الجو فهو سينقلب بدقائق ويعود البرد ....هذه المنطقة باردة جدا وخاصة مع غروب الشمس..."

ثم دنت منها تمدّه إليها فأشاحت وجهها تلك واغلقت انفها وفمها بكف يدها وهتفت بجرأة ملفتة :
" ابعديه عني....رائحته مقززة..!!.."

انصدمت من اسلوبها فاستقامت بظهرها ولكنها الطيّبة ,المُحبّة ,محسنة الظن بالجميع كانت قلقة من أجلها فانحنت مجدداً تكرر محاولة اقناعها قائلة:
" رضي الله عنك بنيتي ....تناوليه انا من صنعته...اعتبريني امك....إنه طيّب المذاق وحتى الرائحة.....ربّما اختلطت عليك روائح باقي الأطعمة ببعضها لذا ظننتِ أنه منه....."

وأردفت مازحة ترطب الاجواء عليها برقتها المعهودة وضاحكة ببشاشتها:
"...كليه وسترين كيف ستطلبين آخراً من لذّته قبل انتهائك منه...."

عاشق حد النخاع لها ومغرم بكل خلية بها....وأكره كل شيء بدونها....هي السماء لأرضي....والملجأ في شتاتي....فلتشتمني....فلتزهق روحي....لتأتي وتنتزع قلبي وتسحقه لن أبالي....كل شيء تفعله بي سأسمح لها.....الّا أن أرى أمامي هذا المشهد وابقى صامتاً واقفاً ذليلاً دون أن احرّك ساكناً....فهذا من سابع المستحيلات....فليخسأ الحُب واصحابه....فليحترق العالم وسكّانه ....فليوقِف خائني نبضاته ....إنهم عائلتي وإنها أمي...لحمي ودمي...همّها همّي.....أمي أنا....نبض الحياة ونعيمها....سلّم نجاتي....النبع الذي يسقينا من حنانه دون ان ينضب....الوطن الذي لن يتخلّى عنا ولو طَرَدَنا جميع الأوطان ...وطني...هل أخونه ؟...هل ابقى مكتّف الأيدي؟؟....أتهان أمامي وابقى صامداً في مكاني؟؟...ومِمَن ؟!....مِن زوجتي أنا ؟!...كلا ليس من زوجتي.....إنما من ابنة قاتل قلبها !....كانت قد مدّت إليها الصينية لحظة دخولي وحدي الى هذه الغرفة دون انتباههما لأشهد على التصرف الوضيع الذي بدَرَ من حبيبتي وهي تدفع الصينية بيدها بحركة عدوانية تقطر غلّاً لتقع من بين يديّ حاملتها فيُسكب القليل من الطبق على أنامل غاليتي قبل أن يلقى حتفه على الأرض ويتناثر زجاجه بما حوى تزامناً مع صراخها المسموم:
" قُلت ابعديه رائحته مقززة.!...لا تسمعين؟!!...كلكم مجرمون... لا تدّعي الطيبة....أنتِ لستِ أمي..."

لتنهي جملتها لحظة جلجلة صوتي القاسي الصادح في الأرجاء والشرر الملتهب يتطاير من عينيّ:
" ألمــــــــى..!"

ثم انقضضتُ عليها كانقضاض الفهد الأسود الكاسر على فريسته...أقبلتُ منتفخ الأوداج بعينين حمراوين كالجمر المشتعل وهيجان يخرج من سائر جسدي....طيّرت ما تبقّى عندي من عقل وأدّت لإصابتي بنوبة جنون....وصلتُها لا أرى أمامي سواها هدفاً لي لأعنّفها....أمسكتُ ذراعها بقسوة فاقت أي قسوة عرفتها مني ورفعتُ يدي الأخرى لأصفعها بقوة دون رحمة بها على وجهها وبكراهية خرجت من بؤرة أعماقي بعد أن مست خطوطي الحمراء وأعظمها مستفزة شياطيني وهدرتُ بها :
" كيف تجرئين يا ابنة الحقير على أن تفعلي هذا لأمي؟!...أهذا جزاؤها ؟؟!..."

ومع ارتفاع يدي كانت قد أضحت أسيرة بقبضة نبض الحياة قبل أن تستقر على هدفها بعدما حالت بيننا وهي تشدّ عليها وتهتف بجدّية تغضن جبينها بانزعاج إنما فيه الإباء والعزة :
" ليس من صُلب محيي الدين الشامي ولن يكون ابنه من يمدّ يده على امرأة ..!!....إن اردت أن تفعلها فاضربني قبلها..."

اغلقتُ قبضة يدي المهتزة من فوران اعصابي حتى ابيضت مفاصلي كازّاً على اسناني للحظات أحاول حصر صرخاتي التي لم أنجح في ايقافها ثم افلتها صارخاً من قهري وقلة حيلتي مع تحرري من أمي مستديراً مع انحناء ظهري لأفرغ ثورة غضبي منزلاً يدي بقوة على طاولة الخشب :
" سحقاً لهااا أمي...."

لتهدأ نبرتي ضعفاً بعد أن انشقّ حلقي من شدة صوتي وأنا اقرفص متكئاً بمرفقيّ على الطاولة ممسكاً رأسي بكلتا يديّ ناظراً لسطحها المشقوق من ضربتي ومتابعاً:
" سحقاً لها....وسحقاً لي لأني أحببتها..!!"

كانت تقف كالمحنّطة بعد أن اصفر وجهها وجمدت الدماء في عروقها ليسري مكانها خوفاً شديداً لم تذقه معي آنفاً لتتلاحق بعدها أنفاسها وتتسارع دقات قلبها فيعلو ويهبط صدرها بعنف وسُحب كثيفة تغشى سماءيها ثمّ وضعت يدها على فمها تكاد تفقد السيطرة على ما سيخرج من جوفها فتستدير راكضة صاعدة السلالم حتى وصلت حمام غرفتي ...!!....أما أنا قمتُ من مكاني بقوى خائرة وقلبٍ مكلوم....لم أعد أعلم أغضبي أنني لم أنل منها أم من نفسي لأني فقدت آخر ذرة بصبري عليها لأتحوّل الى هذا الوحش....آآه يا ربي....حتى متى سأعيش حياة مقيتة....أما آن الاستقرار ؟!....ارتميتُ على الأريكة القريبة علّني ارتاح لكن لم ينطفئ لهيب أنفاسي.....اقتربت مني أمي وقد نسيتُ الاطمئنان على يدها وأنا منشغلٌ بقذف حممي البركانية ففززتُ معدّلاً جلستي وأمسكتُ كفّها قرب أناملها المدموغة ببقعة حمراء وهمست برأفة خجلاً منها والروح تنزف عليها:
" أمااه..."

أبقت كفها بيدي وجلست جانبي وهمست والدموع تتكدّس في عينيها:
" يا روح أمك..."

قبّلتُ كفّها المصاب وقلت:
" سامحيني أماه....اتؤلمك؟!..ما كان عليّ جلبها هنا !!...لم اتوقع أن تصل لهذه الدرجة من الجموح والتطرف بردود أفعالها خاصة معكم..!!....ظننتُ أنها ستنفر مني أنا فقط فلم أكن أبالي لو وضعت خنجراً ببطني....."

مسّدت خدّي ناظرة بحنان جارف الى تقاسيم وجهي وقالت:
" لا تقل هذا بنيّ....ألمي هو عليكما حبيبي...أما أنت لقد فعلت الصواب بجلبها....هي زوجتك اذاً هذا بيتها وهنا عائلتها ومستقرّها مهما عصفت....فقط اصبر عليها حتى تهدأ....الفتاة ضائعة لا تهتدي لطريقها....ما زالت متأثرة مما مرت به ....ليس بهيّن عزيزي هذا كله عليها!...ألا ترى رقتها وضعفها خلف قناع تمرّدها؟!.....هي تتخذ ردود الأفعال هذه كواقي لها....لا تقتل أمانها الذي تجده في اندفاعها سواء بحركة عنيفة أو لسان سليط !!....اعطها المساحة لتفرّغ ما يحرقها في الداخل.....ماذا تريد منها وهي ترى حياتها تنقلب رأساً على عقب بلحظة....من كان أمانها أصبح أكبر مخاوفها...من كانت حنانها أصبحت ممثلة في نظرها ....ووالدها !!...كيف ستصدّق أنه مجرم ؟!...ذاك والدها الذي تربّت في كنفه وتحت جناحه....وصدّقني لو خيّروها بين أن تكون ابنة لرجل يموت بشرف أم لمجرم حيّ لاختارت الأول لذا من الطبيعي أن يرفض قلبها التصديق لأنه شيء مخزي لا يرضاه أي دين او مجتمع فتلجأ لإغلاق صمامات الرؤية عن الحقيقة المرّة المؤلمة ولكن الوقت سيعيد فتحها لها وستتضح لها الرؤية إن عاجلاً أو آجلاً.....الوقت كفيل بحل كل شيء فلنتركه اذاً على بركة الله وهو سيدبّر الأمر..!..."

اومأتُ موافقاً لكلامها بوهن .....سفر ثقيل وليلة شاقة ثم يوم طويل....لم أرتَح الى الآن....لستُ حائطاً ولا جماداً....أنا روح وكل شيء بي استنزف....أرحني يا الله....نهضتُ بكسل وكتفيّ متهدلان من الهموم التي أحملها على كاهلي وطلبت بأدب:
" سأذهب لأنام في غرفتك أمي ساعة من الزمن قبل أن ألتقي بسامي....لا أرغب بمواجهتها هذه اللحظة!..."

ارتسمت البسمة على شفتيها ولم تعطني أي ايماءة لتتنحنح بعدما استدرتُ مولّيها ظهري وباغتتني بسؤال لم اتوقعه منها البتة وبدون انذار :

" هل اتممت زواجك منها ؟!.."

قلت مصدوماً ومتهرّباً بخجل وانا استدير نصف استدارة برأسي:
" أمي ...بالله عليك ماهذا السؤال؟...هل ترين أنه وقته؟!.."

استدرتُ مجدداً لأتابع طريقي فأمسكتني من ذراعي توقفني باصرار:
" اجبني بنيّ.....أتممتَ زواجك أم لا ؟....اريد جواباً بسيطاً !.."

عدّلتُ وقفتي مقابلاً لها وغضنتُ جبيني أحاول قراءة ما وراء سؤالها ثم قلت بشيء من المزاح فوق تعبي:
" ما أهمية هذا السؤال الآن أماه؟!...هل ستقومين بدور الحماة."

" أجب!!."

أمرتني بجدية تامة فتنهدتُ رافعاً عينيّ للأعلى ثم أعدتهما إليها مجيباً:
" أجل أمي....ارتحتِ الآن؟..."

دون انتظار تابعت بأوامرها:
" إذاً اذهب الى الصيدلية واجلب فحص الحمل !....ربما زوجتك حامل!...هي تعاني من نوبة غثيان وانعدام شهية...لما أتتني الى المطبخ لفت انتباهي ملامحها النافرة من الروائح لكنها كابدت الا تظهرها أما عند اقتراب طبق الحساء ثارت رغم عنها مشمئزة من ريحته التي لا يتخللها أي عيب وعلى العكس حتى من لم يحب حساء الخضار سيقرّ معترفاً بروعة هذه الرائحة المميزة..."

" ماذااا؟!.."

بنبرة مرتفعة مدهوشاً كانت ردة فعلي لِما سمعت وبعدها أكملت بصوت خفيض:
" مستحيل أمي....الطبيب اخبرنا أنه عليها تنظيم الدورة الشهرية عند طبيبة نساء من أجل حدوث الحمل.....فخاصتها غير منتظمة !.....وهذه الأعراض تلازمها قبل كل دورة......لم تزُر الطبيبة بعد وهي معتادة على ذلك!..."

" أي طبيب غبي أخبرك بهذا؟!....غير صحيح كلامه.....كنتُ مثلها وها أنتم أمامي من غير حاجة لطبيبة نساء .....حماكم الله بنيّ.!..."

وبسملت تالية:
"..{{ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }}..."

وعادت لكلامها الأول:
" اذهب الآن واجلب فحص حمل.... سيارتنا الخاصة وضعها الحاج اشعب بالمرآب..خذ المفاتيح عن المشجب الخاص بها واذهب...علينا أن نطمئن!!....علّك ترحمها من قسوتك..."

ما هذه الاحتفالات التي اشعر بها داخلي؟!...ما هذا الأمل الذي زارني فجأة ؟!...كيف تبدّل حالي ؟!....ممَ استمديتُ القوة والنشاط؟؟.....أين تعبي وغضبي ؟!....أهلاً بمفتاح سعادتي وبنبض قلبي...أهلاً بثمرة حُبي.....يااا رب ارزقنا الذرية الصالحة التي ستصلح الأمور بيننا.....يااا رب اغدق عليّ بعطاياك وهب لي من لدنك اجمل نعمة....نعمة الذرية الطيبة....!!

أخفيتُ عن أمي فرحتي وبهجتي وقلت بملامح ثابتة رزينة:
" حاضر امي....سأذهب واجلب لنرى ماذا يخبئ لنا الزمن!..."

ولمّا عزمتُ الرحيل قالت:
" تفاءل خيراً ...سأصعد لأراها وافتح لك الطريق....مؤكد هي في حالة يرثى لها بعد أن أريتها وحوشك وارعبتها وتوقع ايضاً الرفض منها...اقصد عن اجراء الفحص.....ربما لن تتقبّل الأمر بسهولة.."

ابتسمتُ بوجع على التي سكنت قلبي وجوارحي وخطوت خطوتين لالتفت بعدها هامساً بحنوّ:
" أمي.....داعبي لها شعرها.....هذا اكثر ما تحب في أزماتها....ستستكين وتتحول الى طفلة في الحال!...."

غمزتها مضيفاً:
"أنا اثق أنك ستكسبينها في صفك بأسلوبك الساحر وحنانك..."

×
×
×

طرقت الباب طرقات هادئة وقد علمت أنها لن تلقى إجابة من الثائرة فسمحت لنفسها بفتحه لتأدية مهمتها وعند فتحها له نهضت الأخرى عن السرير متكئة بكفيها لترفع جذعها بعد أن كانت متكوّرة على نفسها وجفونها منتفخة من أثر النحيب...كان صدرها ملبّداً بسحب الهموم والأحزان والعبرات التي انسكبت من مقلتيها أغرقت الفراش ولمّا دنت الحنونة منها تنثر ابتساماتها في الارجاء لاحظت حركة يدها وهي تدسّ شيئاً تحت المخدّة لتخفيه وما كانت الّا صورتي التي حملتها على كفوف الماضي بعد الحنين له ....كانت قد أخذتها مجدداً عن الإطار بعد وصلة بكاء وعادت الى مأواها تحتضنها.... تبثّ شوقها.... وتلمس الأمان منها.....أخفتها عن أمي التي وصلتها مرسلة من عينيها لعينيها دفء المشاعر الأمومية الصادقة ....فالعيون تكشف عمّا يختلج الصدور ويصل هذا الى مركز القلوب وهنا شعرت (ألمى) بومضة طمأنينة دافئة وقد كانت اثناء بكائها تراجع نفسها فاقرّت بينها وبين نفسها أنها تعدّت حدودها بتصرفها الهمجيّ حتى أنها خجلت من حالها وفي هذه اللحظة شعرت بالاحراج الشديد من الواقفة ففاجأتها مفتتحة الحديث بهمس خافت وهي تعدّل جلستها بشكل أفضل وتنزل قدميها للأرض:
" اعتذر سيدة عائشة عمّا بدَرَ مني....لم أكن بوعيي....صدّقيني هذه لستُ أنا...."

فانسابت العبرات لتثبت صدق قولها بعد موجة الندم التي اجتاحتها ولتكون الدليل لنقاء روحها وبراءتها ونفسها المتسامحة وكان هذا بمثابة مفتاح لتجلس أمي تجاورها ثم تغلّف يد الباكية بقبضتيها بلمسة حانية وبسمة راضية وعين راجية ثم تهمس بمودّة خالصة :
" صغيرتي أنا أفهمك....لن ألومك بأفعالك اطلاقاً!...أنتِ محقة أنا لم أتضايق منك وعلى العكس لقد وبخت ابني على تصرّفه الذي صدمني....ما لا ارضاه لنفسي ولابنتي لن ارضاه لكنّتي !..."

اتسعت عيناها مشدوهة!!....لقد ظنّت أنها ستلومها على تصرفاتها كأي شخص بالغ يقوم بتربية ابنه لكنها خيّبت ظنونها وهي تراها تقف في صفها ولتتأكد أكثر سألت ببراءة تخوض في الحديث معها وكأنها معتادة عليها :
" حقا؟؟....حقاً سيدة عائشة لستِ منزعجة مني ؟!..."

رفعت يدها وابتسامتها تصاحبها ثم حسست على وجنتها لتصل الى أعلى رأسها وتلامس شعرها وأجابت:
" سانزعج منكِ اذا ناديتني سيدة....لا احب هذا اللقب اطلاقاً ...لا روح فيه!...ممم...مثلاً يمكنك مناداتي بخالتي....عمتي....أمي....أو كما يناديني زوج ابنتي الغليظ..."
انتاب أمي شعور بالألم عند ذكرها صهرها الغالي....لقد اشتاقت له واشتاقت لروحه المرحة في البيت الذي انطفأ بذهابه لتخرجها من هذا الشعور التي سألت بفضول:
" بماذا يدعوكِ ؟!.."

" عيوش.."

شقت ثغرها ابتسامة تليق بجمالها وراق لها الاسم فهمست بتلقائية:
" عيوش!!...اسم جميل ويناسبك...فأنتِ تبدين صغيرة كأنك شقيقة لاولادك.."

" حسناً اذا نادني به إن اعجبك!..."

اومأت موافقة لتقول أمي وهي ترجع نفسها لظهر السرير:
" ما رأيك أن احكي لكِ عن قصتي؟....ربما نجد نقاطاً متشابهة بيننا !!.."

ولما اتسعت ابتسامتها ربّتت على الفراش هاتفة بمرح:
" تعالي جانبي لأرى..."

كأنها ألقت عليها تعويذة ما لتلبي طلبها بطاعة وبدأت تحكي لها فعلاً عن شتّى مراحل عمرها وكانت تحاول جاهدة ذكر بعض المواقف التي تتوقع أن تتشابه معها في جزء ما وبعد الانتهاء من رحلتها كانت قد التصقت بها المدللة دون ان تشعر وهي تستخدم لمساتها وحركاتها اثناء الحديث لتقرّبها منها فكم يكون للمسات الدافئة سحر خاص لينتهي بها المطاف أن تربّت على حجرها هامسة:
" ضعي رأسك هنا لأشي لكِ عن زوجك في طفولته وصباه وكيف أحبّك وسأخبرك عن مواقف كثيرة يمكنك احراجه فيها متى شئتِ كي لا يتبجح عليكِ....ما رأيك؟!.."

لم تنكر أنها شعرت براحة جمّة داخلها وسريان لذيذ وشغف جارف لترضي به فضولها عما لا تعرفه عني وقد كان قلبها يرفرف عشقاً وخاصة أن مشاعرها ما زالت تطوف متأثرة من الصورة والحنين لهاديها...!!....فبتعويذة أخرى سحرتها ليصبح رأسها على حجرها وشرعت بمداعبة شعرها تزامناً مع انطلاق لسانها في حقائق عني لتعزف على وترها وقد نجحت بجدارة من أي باب تدخل لها وكان الماضي مع الهادي هو أوسع ابوابها وهكذا استمر الحديث بينهما بين ضحكات وفراشات تدغدغ روحها وهي تستمع بكافة حواسها العاشقة عن كل ما يخصني لتحفظه في صفحات عقلها متناسية مرارة واقعها ...!!....بعد فترة من الزمن دلفت إليهما فهالني المنظر الحميميّ بينهما وتوجستُ خيفة لأني لم أدرِ ايهما سحرت الأخرى لتبنيان علاقة مميزة بهذه السرعة القياسية ولِكم أسعدتني هذه الصورة وكان صوت ضحكتها قبل دخولي هو اكبر سعاداتي في هذا الوقت والتي قطعتها متعمدّة نكاية بي بعد أن صرتُ قربهما...!!.....وقد جاءت الآن اللحظة الحاسمة وكان القلق يعترينا لصعوبة مهمتنا وأنا على وجه التحديد وفي البداية اعطيت الكيس لأمي لتحاول محاولاتها ....ذُهلت من الطلب واعترضت تنفي هذا الأمر وكانت حجّتها قول الطبيب ....حاولت محاولات كثيرة أمي لاقناعها الّا أنها صدّتها باحترام متمسكة برأيها وقناعتها بعدم وجود شيء كهذا وأنها معتادة على هذا الحال وهذه الاعراض عند اقتراب دورتها الشهرية فحسمتُ الأمر قائلاً بهدوء ثابت بعد أن تحطمت قيود صبري من لهفتي:
" اعملي الفحص...إن كان سلبياً لن تخسري شيئاً وكذلك لن تربحي....أما إن كان ايجابياً واردتِ العودة الى بلدك هذه الفترة فأعدك أنني سأفعلها .....من أجلك .....ومن أجلِ طفلي!.."

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

تواعدنا أنا وصديقي للالتقاء في مكاننا المعهود عند شجرة الخروب على تل الصقور....ذهبتُ الى هناك أجرّ أذيال خيبتي بعد أن كانت نتيجة الفحص سلبية وللغرابة أنني قرأتُ الاحباط على ملامحها!!...أكانت تواقة للحمل مني؟!...أم أن هذه مشاعر طبيعية ممكن أن تمر بها أي امرأة متزوجة ؟!....أما أمي استغربت الأمر في البداية إذ أنها كانت شبه متأكدة ..لكن في النهاية اقتنعت أن هذه اعراض الدورة التي تكون أحياناً كثيرة شبيهة بأعراض الحمل!!.....وصلتُ رأس الجبل وترجّلت متوجهاً للواقف سارحاً في غروب الشمس قبل أن تعلن عن انتهاء يوم عصيب مررنا به......ألقيتُ السلام وبعد السلام ومع لحظة التفاته إليّ باغتّه بلكمة قوية قرب فمه حتى أدميتُ زاويته هاتفاً بجدية:
" هذا حق أختي استردّه منك ..َ!!.."

لأفتح بعدها ذراعيّ واجذبه إليّ بكل الشوق الذي أحمله له والمحبة التي أخصها به هامساً بصوتٍ ضاحك بحبور:
" وهذا الحضن من حقي أنا...!!.."

طال عناقنا وسط ضحكاتنا بينما كنا نشدّ على بعضنا بعمق ونربّت على كتفينا لنجدد عهد صداقتنا....الصداقة التي لن نسمح بتزعزعها مهما حدث من تقلّبات في حياتنا ومهما واجهنا من صعاب ...فعلاقتي به كما علاقته بي هي أسمى العلاقات في تاريخنا الصغير ..!!
جلسنا على صخرتينا ....انحنيتُ بجذعي لاتناول حجراً صغيراً بينما كنتُ انظر ليميني باسماً وغمزته هاتفاً:
" لنبدأ التحدّي!...سأسحقك!!..."

ضحك وامارات الحزن بارزة في عينيه وقال متباهياً وهو ينحني ليلتقط حجره :
" أنت منذ مدة لم تفعلها أما أنا يومياً آتي لأمارس لعبتنا .....بتكرار التجربة نكتسب الخبرة يا قائدنا.....أظن هي الأهم!!..."

" لنلقي حجارتنا الثلاثة ونتكلم بعدها يا سيادة العقيد...."

" على ماذا يدور الرهان؟!.."

" سنثبت من منا أكثر ألَماً...!!.."

" انا احترق به!!.."

" لنرى يا صاحبي!..."

" والجائزة؟!.."

" إن كسبتَ أنت لك ما تريد وإن كسبتُ أنا.....ستساعدني في جلب الوغد عاصي الى البلاد خلال ايام قليلة حتى لو كان بطرق ملتوية غير قانونية وستكون أنت أهم عنصر في القضية....!!.."

قال مازحاً:
" هل تسعى لخرب بيتي ؟!.."

أجبتُ متهكماً بمزاح:
" وهل بيتك الآن عامر يا زوج أختي وكلٌّ منكما في وادي ؟!..."

" لا تسألني بل اسأل عقل الضفدعة الجبلية ..!!.."

" لكنك اخطأت بحقها عند ايلامها بفظاظتك وادبارك عنها..!.."

" وأنت الآن انتقمت من فظاظتي بلكمتك التي كادت تسقط أسناني..."

" لم انتقم من ادبارك عنها وجرحها...!!..."

" لا تقلق هي انتقمت بنفسها عندما ضربت اعتذاري لها بعد ندمي بعرض الحائط وحرمتني منها ومن لذة الاحتفال بيوم كان يفترض أن يكون من أسعد ايام حياتي...!!.."
" اذاً تصافيتما الآن وستعود معي!!..."

" كلا!....أنا في بيتي ...من يريدني بحياته يأتي عندي ومن لا يرغب بي هو حر !....أنا لا أرمي نفسي على أحد!....فعلتُ واجبي وانتهى..!!.."

" أظن أننا نتكلم عن اختي إن كنتَ نسيت !!.."

" زوجتي واعاقبها بطريقتي...!!.."

نطق جملته وفزّ من مكانه بشموخ متجذّر بشخصيته وأردف بجدّية وثبات ناظراً إلي:
" من فضلك...لا تسألني شيئاً أخراً واحترم قراراتي واترُك كلٌّ منا يغني على ليلاه......أظنك تثق بي منذ أن سلمتني أمانتك.....لا؟؟!.."

" لو لم أثق لكانت جثتك الآن في سفح الجبل!!.."

قلتها ثم وقفتُ في مكاني واحضرتُ جلّ تركيزي مغمضاً عين وفاتحاً الأخرى وقذفته بطلاقة ليأتي دور صديقي ثم أنا وعند القاء حجره الأخير ربّت على كتفي بقوة هاتفاً:
" ظننتُ نفسي الموجوع وراهنت على هذا ليتضح أنك انت الغارق في بحر الوجع.......القوة والعزيمة التي سيطرت عليك لم تكن الّا من جروحك الغائرة في اعماقك....فإن كنتَ كسبتَ الرهان الآن....تبقى الخاسر.....أعانك الله وعوضك بأيامٍ أجمل.....يا صاحبي..!!.."

قبل انفصالنا عن بعضنا وقفتُ ازاءه وقلت بجدّية:
" اضربني!.."

اتسعت عيناه بصدمة وهتف مستنكراً:
" لماذا؟؟!."

ارتفعت زاوية فمي لترسم ابتسامة ثعلبية وقلت:
" ضع بصمة على وجهي لنثبت شجارنا العنيف..!!.."

" ماكر!!.."

" عقولهن الصغيرة تضطرنا للجوء الى الحيلة في معظم الأحيان....هكذا بنات حواء...اشعل اصابعك لن ترضى...اجثُ امامها لن تسامح....اقسم لها لن تصدق....احتَل عليها...تكسبها....ما باليد حيلة معهن غير الحيلة يا صديقي!!...فليتحملن نتائج حماقتهن وغرورهن!!..."

×
×
×

عدتُ الى البيت بعد أن تجولنا وصلينا المغرب في المسجد وذهبنا الى احد المقاهي نستمتع بقهوتنا ونعيد ذكرياتنا في ازقة حارتنا ..... اتجهتُ الى غرفتهما في الطابق الأرضي لأرى شقيقتي فقابلتني بلهفة لتسألني عن اللقاء وما إن حطت عيناها على وجهي حتى شهقت هاتفة بذهول وهي تتحسس جانب شفتيّ:
" ما هذه الكدمة التي على زاوية فمك ؟!.."

غضنتُ جبيني وقلت بتصنّع متقن :
" تشاجرتُ مع سامي...ضربني وضربته حتى نلتُ منه....اطمئني صغيرتي أخذت حقك !!..."

" ماذا فعلت به ؟؟!!.."

سألتني برجاء والدموع تترقرق في شهديها فأكملتُ بمكر:
" اوسعته ضرباً ولن اعطيك له حتى لو رأى حلمة أذنه...!!.."

نكست رأسها بانكسار وبدأت تشهق بتتابع ومشت حتى وصلت سريرها...جلست عليه ووضعت يديها بحجرها وهمست بشجى والندم يأكلها:
" أنا السبب....ما كان عليّ ادخالك بيننا....هو اعتذر مني لكني كابرت وعاندت ...سرتُ خلف عقلي الصغير وغبائي....لقد خرّبت بيتي بيدي....كلنا نخطئ والأقوى هو من يدرك خطأه ويعتذر بجسارة دون أن يخدش كبرياءه.....سامي الأقوى والأطيب.....يا الله سيكرهني الآن!!...وأنا أحبه واريده....لا يمكنني العيش بدونه..."

ورفعت رأسها ترنو نحوي وتنهّدت تنهيدة من قعر الأسى وقلبها مرتاع بالآلام ثم وضعت يدها على بطنها وهمست وهي تشعر بالمرارة في حلقها والعذاب في نفسها :
" ارشدني يا أخي ....كيف سأصلح أموري؟!.."

عقد لساني وذاب قلبي عليها وكنتُ كارهاً لنفسي وأحسستُ بعاطفة تتدفق مني بقوة تدفعني لتقديم النصح لها الّا أنني ثبتّ على اتمام مسرحيتي قائلاً قبل أن استدير لأخرج:
" سيسافر الى الحدود في الثانية عشر والنصف من منتصف الليل ....اسأل الله أن يعود سالماً لأنه سيذهب الى المنطقة التي تقع بها المواجهات المسلّحة الضارية من أجل أمرٍ ما.....سنرى ماذا سيحدث ان شاء الله معه وبعدها لكل حادث حديث!.."

ووليتها ظهري خارجاً وابتسامة النصر تلوح في وجهي...!!...في الحقيقة لم أكذب ....كان سيسافر فعلاً من أجل مخططاتنا فاستغليتُ الوضع لأشعل مشاعرها عليه ....والباقي بيدها!!...
×
×
×
صعدتُ الى غرفتي بتثاقل ولمّا دلفت إليها وجدتها تجفف شعرها بعد أن استحمّت وارتدت منامة تعود لـ(دنيا)....القيت التحية التي لم اسمع ردّها لأنها تتجاهلني ثم قصدتُ الحمام لاستحم واصلّي العشاء وبعد انتهائي من كل هذا اقتربت مني لتقول باضطراب:
" كيف سننام؟!.."

قلت بهدوء ساخراً:
" مثلما ينام جميع البشر في العالم؟!..."

وأشرتُ بعينيّ متابعاً:
" على هذا السرير!!..."

هتفت باعتراض ولم تسألني عن الكدمة رغم انتباهها لها....ربما لتريني عدم قلقها عليّ:
" لكني لا اريد أن انام جوارك.."

اقتربتُ من احد جانبيّ السرير ثم خلعتُ بلوزتي وقلت بلا مبالاة:
" أنتِ حرّة.....لكن قلتِ ستفاجئيني وستثبتين أنكِ لستِ جبانة.....وفي الحقيقة لا أرى سوى جبانة تقول ولا تفعل..!!.."

اتخذت الجانب الآخر مشتعلة بتحدي وهتفت:
" أجل ساثبت لك ....وقلت أني لا اطيقك.....لذا..."

وانحنت تلتقط الغطاء الرقيق عن الفراش لتبرمه وتجعله حد فاصل بيننا بينما كانت تردف بكلامها:
" سنرسم الحدود بيننا ونقسمه بالتساوي!!.."

لمّا انتهت من هندستها قلت بصدمة:
" انظري يا مهندسة...مساحتك أكبر وانا الأولى بها !!...أي تساوي تتحدثين عنه ؟!."

أجابت بغرور:
" الناس يعطون ضيوفهم صدر البيت ويجلسون على عتبته....وأنت كُن نبيلاً لمرة وتنازل عن بعض سنتمترات من مساحتك!....فأنا الضيفة هنا!.."

تبسّمت وهتفت بخفوت وانا اتخذ موضعي في السرير واسحب الغطاء الآخر عليّ:
" هذا ظلم وسأخضع هذه المرة له....اطفئي النور من جانبك ونامي....لأرى مفاجآت الألمى!!..."

فعلت بالمثل وأخذت مكانها من السرير ولمّا همّت لتغطية نفسها لم تفلح بسحب الغطاء المشترك بيننا لأني كنتُ أكمشه بين ساقيّ...فهتفت بنزق متذمرة وهي تحاول:
" اعطني الغطاء ...الجو بارد هنا... وإن كنتَ أنت تشعر بالبرد فالأولى أن ترتدي شيئاً دون حاجة لعرض عضلاتك التي تتفاخر بها ..."

تأففتُ ونهضتُ من مكاني ملقياً الغطاء كله عليها ثم اتجهتُ للخزانة أخرج آخراً وعدتُ لمكاني مستلقياً على يميني مدثّراً جسدي به وظهري لها هامساً :
" تصبحين على خير...."

لم ترد عليّ وكانت تستلقي على ظهرها شاردة بالسقف ممسكة بالغطاء خاصتها حتى نامت من شدة التعب ...!!....
×
×
×
في ساعات متأخرة من الليل كانت تقف شقيقتي قرب نافذة غرفتهما تنظر الى قطرات الماء الخفيفة التي ختمت هذا اليوم وكأنها تنزل لتطهر الأرض من كل شر وحقد وسوء يدنّسها لتفرغ الصفحات وتفسح المجال لذنوب أخرى تخرج من البشر في اليوم التالي....كانت شاردة وقلبها يخفق بجنون ضائعة حيرانة....أفكارها مشتتة ومشاعرها مبعثرة لا تهتدي لحل.....مشاعر جياشة تغزوها من الاشتياق له ولرائحته وللمساته وهمساته وأخرى كلها توتر وقلق عليه بعد معرفتها عن سفره ....كادت تعض أناملها بندم ولوعة على تصرفاتها الصبيانية وحركاتها المبالغ بها معه.....شيء يجثم على صدرها لا تعلم ماهيّته....بل تعلم!!...كان هذا شيء يحثّها لتذهب وترتمي في احضانه وترتوي من حنانه بعد ظمأ قاتل اكتسحها ولكن خصلة الكبرياء ما زالت تشدّها لناحيتها وكذلك سوء الوقت يعرقل قرارها....ماذا ستفعل وكيف؟؟!...نظرت لساعة هاتفها وتنبّهت للدقائق الهاربة من الفرصة التي بيدها وهي ما زالت تعيش في تيه أفكارها....وضعت يدها برقة تحسس على بطنها والدموع تغشى عينيها العسليتين وكأنها تناشد طفلها ليشد أزرها في محنتها وسط الهدوء الذي يخيّم على غرفتها وهمست:
" سُليمان...صغيري....أيعقل أن يذهب والدك للحدود ولا نودّعه ونستودعه الله ؟؟!..."

وتابعت بنبرة حزينة كلّها أسى وشجن:
" قل لي...اذا ذهبت إليه في هذا الوقت هل سيلومني أحد ؟!.."

وتابعت بعد أن زفرت زفرة عميقة تخرج من احشائها بينما يدها ما زالت على بطنها:
" يااا رب....ارشدني للطريق الصحيح...."

ظلّت دقائق اخرى على حالها دون أن تتزحزح لتنتفض مجفلة ثم يتحول هذا لضحكات عشوائية بعد أن شعرت بأول حركة لطفلها وهو يركل باطن يدها وكأنه يدفعها لتركض إلى والده ....زوجها وحبيب عمرها....اشقرها الوسيم...!!
عقدت النية ولن تبالي بمن يوبخّها ويلوم افعالها الجنونية.....امرأة تخرج في الليل وحدها وتجوب شوارع الحيّ لتصل الى عشيقها.....أي جنون هذا ؟!....ارتدت عباءة بسحاب وشال أسود كلونها ثم لثّمت وجهها بطرفه وتسللت بكل احترافية وحذر خارجة من البيت غير آبهة للوقت ولا للناس ولا للمطر الذي يبلل ملابسها ...سارت على حافة الطرق ولم تشعر بالخوف لأن هدفها هو حامي ظهرها وسندها.....فبعد رب الكون ثم الأب والأخ الحنون....الزوج هو أجمل سند يكون....وكيف إن كان هذا ...سامي حبيبها وأشقرها المجنون ؟؟!!.....أسرعت بخطاها لحظة ولوجها ساحة بيت عائلته....شقت ثغرها ابتسامة بعد أن رأت سيارته في مكانها.....كان الظلام يكسو الأجواء واضاءات خارجية تضيء المدخل...واصوات حشرات تكسر سكون الليل وقطرات تتغندر على مهلها تنزل من السماء وشذى نبتة ليلة القدر (ملكة الليل) يفوح في المكان...ارهفت السمع عند وصول حركة مفاتيح الباب لاذنيها واحتجبت بسيارته ولمّا وصلها ظهرت له من مقدمة السيارة ورغم أنها تتشح بالسواد وتخفي وجهها الّا أن قلبه رفرف بالعشق فهو أكثر من يعرفها ويميّز عطرها الذي تخصصه له في الليالي ليذوب بها....لم يكن معها الوقت لتبدّل منامتها الغارقة بالعطر فارتدت العباءة فوقها ليكون دليلاً على جريمة حبّها وتهوّرها.....اقترب منها قاطب الحاجبين يخفي سعادته ويهتف:
" كيف تأتين بهذا الوقت وحدك؟!.."

ازاحت اللثام عنها واندفعت نحوه تحاوط خصره وتركن رأسها على صدره لتطرب على ايقاع قلبه وهي تجيب:
"حبك ناداني فاستجبت والله معي لا اخاف وابنك سندني لن اقلق وانت تنتظرني فلن أبالي...!!...سامحني..."

رفع ذراعيه ليحوطها وشدّد باحتضانها يعتصرها بكل العشق الذي يحمله لها ثم ابعد وجهها عن صدره وحوّط وجنتيها وسحق الفراغ دون كلمة ملامة او عتاب ليقبّل ثغرها ويريها أسمى درجات الحُب بمهارة يمتلكها عند سقوطه امام شهد عينيها وكان قد ظنّ أن فترة عقابه بتجاهلها ستطول بسبب عنادها ولم يدرِ أنني أنا من فتحت الطريق عابثاً بمشاعرها لاطمئن على أغلى حبيبين عندي ....توأم روحي ودنيانا....!!....
×
×
×
عند آذان الفجر لحظة استيقاظي على رنين منبه هاتفي.....فتحتُ عينيّ ورأيتُ ليلاً كاحلاً بنكهة الأناناس يحجب الرؤية من أمامي فعرفتُ أن وجهي مدفون في شعرها ولمّا حاولتُ ابعاده عني لأقوم واغلق المنبه شعرتُ أن ثقلي ازداد وبالكاد نجحتُ بازاحة شعرها لتتضح الرؤية أمامي فأراها ملتصقة بظهري تحتضنني وتدفن وجهها بعنقي وتحاوط ساقيّ بساقها الذي يعلو جانبي كأنها متشبثة بي منعاً لهروبي وقد سرت رعشة لذيذة بعد أن دغدغت مشاعري بوضعها الحميميّ الذي أدّى لاشتعالي فمددتُ يدي للهاتف كي التقط صورة لنا....فأنا أردتُ مفاجأتها....كما فاجأتني!!...سأردّ لها الجميل حبيبتي.....وآآه من جمال مفاجآتها....ليتها دائماً تفعلها...!!.....تحررتُ منها ونهضت بخلسة لاتوضأ واصلي واقرأ وردي وعند شقشقة شمس الصباح تململت ثم نهضت مفزوعة لاكتشافها أنها بمكاني فزحفت متسللة لتعود الى ارضها بعد أن خرقت الحدود وهي تجول بزرقاويها باحثة عني في الغرفة لتتأكد أنني لم أمسك بها فتنهدت حامدة الله أنه سترها......لكن هيهات هيهات... تحطمت آمالها عند دخولي للغرفة هامساً بعد تحية الصباح:
" حقاً فاجأتني..!!.."

قطبت حاجبيها وضيقت عينيها بتساؤل هامسة:
" ماذا تقصد ؟!.."

اقتربتُ منها وفتحت الهاتف على الصورة لاصفعها بها وهمست بخباثة:
" أيوجد لديك أعظم من هكذا مفاجأة ؟!....فأنا اتوق لذلك!!.."

ابتلعت ريقها بعد أن جفّ حلقها من هول الصدمة وتوهّجت وجنتيها ثم حفّزت ساقيها لتفر هاربة الى الحمام كالعدّاءة الماهرة وهي تشتم محرجة:
" وقح......وقح....استغلالي....أنا لا اطيقك يا مغرور!.."

ضحكتُ منتشياً والعشق يغمرني وقلت:
" اهربي من المواجهة يا حبيبتي الجبانة!!.."

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

دارت بنا الأيام ووثّقت اسبوعاً كاملاً من عمرنا كنت قد جلبتُ لها في اليوم الثالث من قدومنا اغراضاً خاصة مثل ملابس وأخرى تحتاجها وقد لاحظتُ خلال هذين اليومين نموّ علاقة لطيفة بينها وبين الصغير بعد انجذابهما دون ادراك لبعضهما إذ كان يطلعها على أموره الطفولية ويثرثر عن مغامراته حتى أنه عرّفها على ركنه الخاص في الحديقة حيثُ يقوم بتربية الطيور وكذلك بالخفية لاعبها على أرجوحته التي نصبها له عزيزي (سامي) خلف البيت وكنتُ اتجاهل هذه العلاقة وأبدي عدم اهتمامي كي لا تقطعها نكاية بي وعناداً لي الّا أنني كنتُ اتقصّى أخبارها من شقيقي واتابع اولاً بأول قصصها معه وفي اليوم الرابع عندما ذهبتُ للتسوّق بطلب من أمي لفت انتباهي شيء كانت قد حدّثتني عنه في السابق بتلك البلاد اثناء سعادتنا اللحظية التي سُرقت منا او نحن من سرقناها من العمر واخبرتني يومها أو لمّحت لي بطريقة ما أن هذه من أجمل الهدايا التي ممكن أن تكون لأنها تملأ الأجواء بالطاقة الايجابية وكذلك من كان يشعر بالوحدة ستتلاشى وحدته عندما يمتلك مثل هذه الهدية اذا اتخّذها رفيقاً وصديقاً له فلمعت الفكرة ببالي ويبدو أنه حان وقت اهدائي لها ما رغبت به علّها تخفف من حدّة وحدتها في وطني.....اشتريتها بكل سرور وعند عودتي للبيت قابلتُ شقيقي دون ان تلاحظ واتفقتُ معه أن يهديها إياها باسمه كي لا ترفضها ولم أكن أعلم أن شقيقي سيصل به الحال ان يخونني فبعد رؤيته قمة سعادتها بالهدية ادلى اعترافه قائلا:
" هذان عصفورا الحُب هما هدية من شقيقي لكِ.....وقد أسماهما الهادي والألمى...انظري لقدميهما وضع لاصقاً برموز لاسميهما.....الأكثر زرقة هو الذكر والأكثر بياضاً هي الانثى.....لكنه جبان لم يجرؤ على اعطائك اياها خوفاً من صدّه....لو كنتُ مكانه لما ترددتُ ولأجبرت حبيبتي على تقبّلها إن كنتُ أثق بحبها لي ..فمؤكد لن تتخلّى عنها وستحبها كما تحبني حتى لو كانت غاضبة مني!....مثل الأم بالضبط.....تعاقب اولادها وتغضب ولكنها لن تتخلّى عنهم وستنتظر أي مداعبة او مشاكسة تبدر منهم حتى لو اخفتها في قلبها.."

لاذت بالصمتْ حتى بعد أن ألقى خطابه ...تذكرت كلامها لي عن عصافير الحُب وكم شعرت هذه اللحظة بانشراح صدرها وبهجة عارمة تزور قلبها لتلتفت من شرودها هذا بعدما أكمل:
" لكن ارجوكِ لا تخبريه أنني وشيتُ لكِ كي لا يغضب مني....فأنا قلتُ لكِ هذا لأني احبه واحبك....مثّلي أمامه أن الأمر انطلى عليك!!.....اتفقنا ؟!!.."

اومأت برأسها توافقه مع رسم ابتسامة رضا على محيّاها ونَبَضَ قلبها ليجدد عهده مع الحُب بنبضات لم تستطع انكارها..!!....في اليوم الخامس سافرتُ الى الحدود لأرتب أموري عن كثب بما يخص مهمتي وبقيتُ هناك ليومين بنَت فيهما قصة صداقة مع عصفوريها ....كانت تهتم بهما كالأم التي تهتم بطفلها...وضعتهما قرب النافذة على منضدة مرتفعة لتصلهما الشمس وتمدّهما بالحياة أو تداعبهما بحنية النسمات العليلة....تطعمهما وتثرثر معهما....تبوح بأسرارها لهما في الليل والنهار وكانت بصوتها العذب تترنّم بترنيمات الحُب....تارة لهما وتارة لمحبوبها...من يكون غيري أنا هاديها الذي اشتاقت لي منذ غيابي عنها كما احترق أنا شوقاً لها....هذه الحقيقة حتى لو أخفت مشاعرها.....وفي اليوم السابع وعند عودتي لبيتي وردني اتصال من أبي (ابراهيم) ليطمئن على مهمتي ولكني لم اخض في حديث موسّع واخبرته أنني سأكلمه لاحقاً بالتفاصيل واكتفيتُ بكلمات بسيطة مقتضبة ولم أعلم أنها بهذه الاثناء كانت قد نزلت السلالم بخفة كالفراشة من توقها لتعود بعدها الى الغرفة تسبقني بعدما وصل الى مسمعها بعض الكلمات .!!....وكانت شقيقتي تعتكف في غرفتها أما والدتي كانت بزيارة لمدرسة (شادي) ...ثم صعدتُ بعدها إلى محبوبتي ومليكة فؤادي لأرتوي من سحرها وطيب أنفاسها....!!
تسمّرتُ مكاني لحظة ولوجي الى غرفتي الواسعة.!!...رحت اتأمل وجهها!!...أحقاً تفعلها ؟!....أتستطيع أم أنه مجرد تهديد واهي تتخذه درعاً لها ؟!....كانت تقف وتحجب النور عن القسم الأوسط من النافذة ليصبح جسدها مظلماً أمامي الّا من بريق الكراهية يضيء سماء عينيها تزامناً مع تسلل شعاع شمس الظهيرة من جانبيها!!....تقف بشموخ وتوجهها صوبي بكل جسارة وارتعاش طفيف يتحكّم بيديها !!....أهو ارتعاش من ثقلها أم من ترددها ؟!.......هل أعطيها الفر صة لتفعلها أم أمنعها ؟!....أيا ترى سترتاح وتطفئ اللهيب المستعر في احشائها أم ماذا ؟!...ظللتُ محدقاً بها بينما ارتفعت زاوية فمي بابتسامة....ظنّتها سخرية أو استخفاف بقدراتها الّا أنها كانت ابتسامة مريرة تنبع عن ألمي من صدمتي بها...ألم يضاهي نيران الحقد المشتعلة داخلها !!....دون أن استدير للخلف مددتُ يدي لورائي وأغلقتُ الباب بهدوء يعاكس اعصار الخيبة في جسدي....حافظتُ على بسمتي وخطيتُ بتمهّل نحوها....!!

" قف عندك!!....لا تقترب!!...."

صرخت كلماتها وهي تصك فكيها بغيظ قاسي فلم استجب لها وحرّكت رأسي برفض للجانبين وهمستُ محافظاً على ملامحي بينما أتقدم بنفس الخطى وأمدّ يداي إليها لأمسك ما بيديها :
" أتستطيعين ألمى ؟!..فأنا أعلم أنك تخافين هذه الاشياء"

شدّت قبضتيها عليها وأجابت بنفور وهي ترفعها للأعلى لتبعدها قبل أن المسها:
" سأتحدّى الخوف من أجل أبي.....لقد سمعتك وأنت تتكلم على الهاتف!!...."

رفعتُ حاجبي بتساؤل هامساً:
" ما الذي سمعتيه ؟!.."

" ستعود الى تلك البلاد لتبدأ استدراجك لأبي بخدعة دنيئة !!..."

ولحقت جملتها الجافة تتابع بنبرة هازئة:
" أتظن أنني سأسمح بهذا..... سيد.... هادي ؟!!.."

توقفتُ مكاني باسماً وهتفتُ ساخراً :
" ألا تسأمين من التجسس يا صغيرة ؟!..."

ثم بقبضة يمناي وبخفة أمسكتُ التي بيدها قرب الفوهة فحاولت سحبها لكني ثبّتها ولم افلتها من يدي وقلت ضاحكاً:
" لا تخافي !!...لن آخذها منك !!..على العكس سأساعدك بمهمتك !!..."

ضيّقت عينيها بتشكك فأردفتُ بثقة :
" إنها فارغة ألمتي!!....سأملأها لكِ بالرصاص إن كنتِ ترغبين بشدة الخلاص مني !!....مخزنها فارغ!!.....فقط اجيبيني!.....أحقاً تريدين اطلاق النار عليّ ؟!.."

بارتباك ظاهر أجابت:
" سأمنعك من الوصول الى أبي مهما كلفني الأمر!!.....وإن قتلتك وقتلت نفسي !!...."

" حسناً.....اعطني اياها لأرى شجاعتك يا ابنة عاصي ....لن امنعك إن كان هذا سيريحك ويسعدك !!....إن كانت رؤيتك لدمائي تراق سيبهجك ويثلج صدرك......لكِ هذا!..."

أطلقت ضحكة مبتورة ساخرة فهي لن تثق بي أكيد وهتفت واثقة بنباهة :
" بالطبع لن أصدقك!....فأنا عرفتك كفاية الى الآن!!....عرفت اصرارك على اتمام مهمتك أي أنك لن تضحي بنفسك بسهولة أمامي قبل أن تذوق لذة انتصارك!!.....العب غيرها!...ما عدتُ أثق بك!..."

سلّطتُ عيناي الترابية على سماء عينيها بأنفة وبسالة متحدياً وهتفت بهدوء:
" طبعاً لن استسلم قبل اتمام المهمة !....أنا لا أقدم روحي لك ببساطة دون أن أكون على ثقة أن هنالك مَن سيتمّها مِن بعدي .... أشبال كُثر آهلون لإنهائها بنجاح وبكل جدارة..........حبيبتي!.."

رجفة باغتتها هزت كيانها دون وعي بعد أن ضعفت حجتها!....لقد ضاعت بينها وبين نفسها!!....ستمنع مَن ومَن !!....قطبت حاجبيها تشرد ناظرة للأرض المفروشة بزرابيّ حريرية منقوشة بخيوط ذهبية وخمرية ثم استرجعت قوتها ورفعت رأسها وكأنها اقتنعت أن لا مفر ثم مدّت البندقية نحوي بتحدي لم أفهم ماهيّته إن كان زائفاً أم حقيقياً وهي تقول:
" املأ البندقية لترى الجانب الآخر لألمى !....جانب لم تتوقعه أكيد.....فأنت عرفت ألمى الساذجة الجبانة .....سأريك كيف سأكسر قيود خوفي من صوتها اللعين ....سأكسره كرامةً لأبي.....لن أكون ألمى ابنة عاصي رضا إن لم افعلها الآن.....يكفيني أن أحرمك أنت من هذه المهمة التي طالما انتظرتها..... شهور وسنين ....لحظة بلحظة وساعة بساعة!! ....حرمانك أنت بالتحديد منها سيكون أكبر انتصاراتي....... يا هادي يا ابن الشامي !!..."

ساورني القلق من كلماتها....تنفث سخطاً وشحناءً مع انفاسها ....ما زلتُ لا أصدق أنها ستفعلها !!....هي أجبن من ذلك التحدي!!....هي أنعم من تلك القسوة!!...كيف تمكّنت من تحويل براءتها للفكر الاجرامي ؟!....أهذه فعلاً التي عشقتها ؟!!.....أخذت البندقية وسرتُ اتجاه خزانتي في غرفتي وهي تلاحقني بنظراتها الحذرة....تقتنص كل نفس وحركة تخصني وكأنها تستعد لأي مفاجأة لا تسرّها !!....فتحت القسم العلوي من الخزانة وأخرجتُ أغطية مطوية ومرتبة على الرف ووضعتها على السرير خلفي ثم أخرجتُ صندوقاً خشبياً قديماً بهتت ألوانه كان خلفها......استدرتُ وانا احمله واتخذت السرير مقعدا لي....فتحته وأخرجت رصاصات محتفظاً بها تخص بندقية العهد خاصة أبي....ملأتُ خزانها بسلاسة ومهارة....سحبتُ زلاقتها بطلاقة...وضعتُ مؤخرتها على السرير اثبتها عليه وفوهتها للأعلى....نظرتُ إليها نظرات كلها خذلان وعشقٍ ينزف بالوجع وابتسمتُ بشحوب هامساً:
" أأنتِ مستعدّة لتطلقي رصاص حقدك عليّ ألمى ؟!.."

نواة نواة وخلية خلية ارتعشت في جسدها احتجاجاً لنواياها !...قلبها خفق بجنون من الفكرة ...اعتصر القهر معدتها الّا أنها لن تستسلم هذه المرة!...لقد حكمت محكمتها واصدرت قرارها.....نهضتُ بتثاقل من مكاني وأقبلتُ إليها...خائني يرثي حبها وتراب عينيّ اسودّ مع الظلام الظالم في سماءيها ....وقفتُ ازاءها ومددت لها ما بيدي دون تردد ودون أن ترمش عيني بخوف من الآتي مستسلماً لمصيري....أصبح ظهرها للباب وظهري للنافذة....تبادلنا الأماكن ليخفي جسدي الضخم أكبر مساحة من نور الشمس خلفي....دقيقة وربما أكثر وأيدينا الأربع تمسك بالبندقية بثبات بينما الأعين تناجي بعضها ...حدقتاها تنشد مني التخلّي عن مهمتي وحدقتاي تنشد منها أن تفهمني وتصدقني ولا تبتعد عني !!...ساد الصمت للحظات دون همس الّا من صخب نبضات نابضينا !!....محاولة أخيرة حاولَتْها بضعف:
" ألن تتخلّى عن المهمة من أجلي ؟...أبهذه السهولة تقدّم روحك؟!..."

شقت ثغري ابتسامة حُب أخصها بها وحدها وهمستُ ببحة خافتة بعد أن رحل صوتي بين طيات الآلام:
" وطني أهم من روحي ....يا روحي !.."

ارتجفت اناملها والعتمة زادت قتامة في عينيها.....شدّت البندقية من بين يديّ وهمست بغل ممزوج بالقهر:
" يعني....لا أمل.....بيننا!!.."

عادت خطوتين للخلف ...راقبتها وهي تثبت قدميها على الأرض تحتها وتنصب ما بيدها بعزيمة واصرار صوبي ...عقلي شعر أنها ستفعلها الا أن قلبي رفض التصديق ....لقد آمن بها وببراءتها....آمن بنقائها وحبها....أليس هو من خانني لأجلها؟!......ارتخت يداها وانزلتهما لتجعل ساقيّ مرمى لرصاصاتها ....فهززتُ رأسي يمنة ويسرة برفض وبنصف خطوة أمسكتها من الأمام أرفعها صوب قلبي الباكي حالي وحالها وهمست بشجى:
" إن أردتِ أن تضربي فاوجعي ....وإن أردتِ أن تطلقي رصاصة فاقتلي....اجعليها تخترق قلبي الذي دق كل دقة هيماناً بك......حينها ستتخلصين مني للأبد!...."

قلتُ ما عندي فحاولتْ ابعادها بتصميم لتوجهها الى ساقيّ وهمستْ بقوة مصطنعة بينما لم تستطع كبح دموعها التي تمردت بغزارة على وجنتيها رغماً عنها وقالت بصوت فضح زيف إقدامها:
" لن اقتلك قتلاً....سأجعلك تعيش بقهر لأنك لم تنهِ مهمتك بيدك!...المهمة التي لجأت وتشتتت وكبرت من أجلها....أكبر وأسمى مهمة في حياتك!.....سترضي بها غرورك وتنال مراتب سامية وإن كانت ظالمة.....سأحرمك منها كما تنوي حرماني من أبي !...."

كانت تقول كلماتها بينما أنا أشد البندقية لأثبتها على صدري وهي تنزلها بكل قوتها لتوجهها لساقيّ وبين الجذب والابعاد وبين الشدّ والاصرار من كلانا انطلقت الرصاصة لتحسم الأمر بيننا وتتخذ مكانها الذي قُدّر لها لتستقر به....دارت الدنيا بنا....صداها اخترق وجداننا ....افتقدنا حاسة الألم بل كل مشاعرنا وحواسنا....نظرت فاغرة فيها بذهول مرعوبة بينما بالكاد استجمعت أنا قواي لأهمس:
" لقد... قتلتِ... الهادي.... يا ألمى..!!.."

تناثرت الدماء لترسم لوحة على الحائط وعلى ستار النافذة من خلفي....اتسعت عيناها لرؤيتها نتيجة فعلتها ثم حرّكت حدقتيها لتقرأ نظرة الألم في عينيّ...سكت ضجيج الكون لنسمع دقة دقة من حوار قلبينا......لقد تحدّت خوفها حبيبتي كاسرة أصوات الماضي التي
طالما لاحقتها في نومها ويقظتها وأطلقت في النهاية رصاصة كراهيتها ليرن صدى صوتها الصاعق في بيتنا الجبليّ....!!

[[.....أهواكِ حينَ تضُمني الآهاتُ تحضنُني الجراااح
أهواكِ حينَ تناثرِ الأشلااااءِ والدمُّ... مُستباااح
أهواكِ حين تطااايُرِ الأرواح ترفَعها الرماااح
أهواكِ يااا شطري إذا لاقيتِنـــــي .......تنعى حياتي كلُّ راااح
هذا دمي ..الدفاقُ.. يرجوووكِ السماااح

^^^^^^
شيّعيني للخلووود..... وافرحي.. فأنا الشهيــــــد
ودّعيني فالرّدى..... في سبيلِ الله عيــــــــد
يا فؤادي في الغراام.. يا أحاسيس الهُيااام
إصبري في غربتي.. واستبشري بدمي السلااام

^^^^^^
يا حبيــبةُ ها أنا.. رحتُ أبحثُ عن هَنااا
اشتري قصرًا لناااا ..في جنانٍ لا تبيـــدْ
ذاكَ موطِنُنا البعيـــد.. فالحياةُ بلا حدوود
عيشُ مَن فيها رغيــد.. والسرورُ بها أكـــيد

^^^^^^
سيف الرّدى يبغي الغزاةْ... أنا قمتُ اثأر للحياةْ
أنا سِرتُ في دربِ الثباتْ.. لأدكَّ أعناقَ الطغاةْ
في الثرى يحلو الرُقاااد.. قمرٌ عافَ السهاااد
ثورةٌ ...والعزُّ زااد... والدماءُ هي المِدااد

^^^^^^
رُشّي من فوقي الزهور.. في الحواصلِ للقبوور
سوف أمرحُ كالطيوور.. في رياض الخالديـــن
دربُنا دربٌ طويــــل.. صبرُنا فينا أصيـــل
اننا لن نستقيـــل ... نصرُنا أو فــَ المنوون
نصرُنا أو فــَ المنوون...]]
(( كلمات المرابط محمود عياد))

قطع حوارنا الصامت انفتاح الباب بقوة جعلته يرتطم بالحائط ليزلزله فتظهر من خلفه مندفعة شقيقتي وقد اختفى لون بشرتها تحت طلقة الرعب التي سمعتها وزادت في اندفاعها لحظة وقوع نظراتها على الحائط والستار من خلفي اللذان تلوّنا بالأحمر القاتم نتيجة الغضب والتهور ولمّا وصلتني كانت ترتجف وشفتاها تصطكان ببعضهما وشرعت بتحسس وجنتيّ تتأمّلني وتتفحّصني ثم تنزل بيديها لكتفيّ وصدري وتجول بحدقتيها الممتلئة بالدموع على جسدي باحثة عن جرحي وتهمس بمشقة:
" أ...أخي...مـ..ما هذه الدماء ؟!.....هـ...هل أنت....بـ..خير...أخي؟؟!....هل أ...أصابك مكروه حبيبي ؟!....أين أُصبت؟!..."

وبعد حملة التفتيش التي قامت بها بينما كنتُ أتمتم أطمئنها بأنني بخير استحوذ عليها الغضب ولمعت عينيها بالغل لتستدير نصف استدارة للخلف حيث تقف زوجتي كالصنم بلا روح وقد جفت دماء عروقها وشحبت شحوب الموتى وكأن الطلقة أفاضت دماءها حتى آخر قطرة منه بينما كانت يداها ما زالتا متشبثتين بالبندقية من غير ادراك ورؤيتها اصبحت ضبابية من ثقل الجو العنيف بيننا لتستقبل هجوم (دنيا) عليها بعد استدارتها بالكامل وهي تسحب بكيد قاسي السلاح منها وتلقيه على السرير جانباً ثم دفعتها براحتيها من كتفيها بشدّة لترتد تلك خطوة للوراء بضعف تزامناً مع صرخة الغيرة على من يخصها:
" أيتها المجرمة !....هل حاولتِ قتل أخي أنا ؟!..."

وعلت نبرتها لتصبح جارحة أكثر بينما ما زالت تخطو وتتابع صفقاتها على كتفيّ (ألمى) لتدفعها للخلف مترنحة وتكمل كلامها:
" أتريدين حرماني من أخي وأبي الروحي كما حرمنا والدك من قبل أبانا ؟!!..."

غيوم سوداء احتلت سماءيها ومع الرعد الوحشيّ في قلبها هطلت الأمطار على خديها بمرارة وهي تجيب بصوت مرتعش تدافع عن نفسها وقد كانت مصدومة مما جنت ومرعوبة من الصوت الذي طالما فض مضجعها وحتى أنها لم تفكر بالدفاع عن والدها الذي لم تعفُ عنه (دنيا):
" أ...أنا...لم....أشأ...لم اشأ قتـ...له...."

وهزّت رأسها تنكر فعلتها وبكل براءة تهدم حصوني بها ناظرتني بنظرة استجداء بينما كانت تكرر حركة رأسها مردفة باختناق:
" أخـ..بِرها.....أخبرها....هـ..اد� �....أنني... لا أريد قتلك!..."

لم تهتم شقيقتي لما تفوهت به وصرخت بحدّة وبغضاء:
" لم نرد أن نظلمك سابقاً بما فعله ابوكِ لنا الّا انك اثبتِ أن دماءه تجري في عروقك يا غدارة..."

وانتفضت كلتاهما بعدما وصلهما صوتي الهادر بوجع:
" دنيااااا...اصمتي واخرجي حالاً...."

ارتعدت اوصالها واستدارت إليّ والدموع تترقرق بعينيها وقالت:
" أخي!!....أنظر ماذا فعلت....كادت أن تودي بحياتك!....سنموت من بعدك أخي....لن أسمح لها ابداً.....لا أقدر على فراقك ...أنت تعلم هذا جيداً...سأتصل بسامي حالاً...."

بعينيّ المجمرتين من صدمتي بحبيبتي و من غيظي لما تفوهت به أختي هتفت بصرامة:
" قلت اخرجي دنيا ولا أريد أن أسمع أي كلمة بما يخص الموضوع لأيٍ كان لا سامي ولا غيره ...حتى أمي....وقد أعذر من أنذر ....لا داعي لتكرير كلامي ....إياك ثم إياكِ"

ثم رفعت صوتي مشيراً بحزم:
" هيا اخرجي واغلقي الباب خلفك!.."

طأطأت رأسها بأسى وحثت قدميها حثاً على الخروج ثم اغلقت الباب بهدوء أما أنا بكى خائني على التي تقف حيالي مهدودة بلا حراك...لقد بكى منها وعليها ...ألمى الروح.!!.....آلمتني بفعلتها معي وضاعفت آلامي بضعفها ونظراتها المتوسلة هذه اللحظة ....لقد عادت بطلقة رصاص سمائي التي أعشق هشاشتها وبراءتها ...تلك التي تحتاجني واحتاجها ....وددتُ بشدة احتضانها دون أن افلتها....كم رغبت بالتربيت على قلبها الخائف ومسح دموع عينيها الّا أن ما حصل كان القشة التي قسمت ظهر البعير لنحسم قراراتنا...فلم يعد بإمكاني منعها ولا استطيع احتجازها ونار الكراهية تزداد اتقاداً في احشائها ....!!....زلفتُ إليها بتمهّل من ثقل اوجاعي أمدّ يدي لها وكانت ترتجف خشية مني وتعود ببطء للخلف حتى كادت ترتطم بالباب....أتظن أنني سأؤذيها وأنا الذي بعمري أفديها ؟!.....وصلتها وأمسكت معصمها برفق واستدرتُ أجرّها نحو النافذة هامساً بنبرة كلها أسى:
" تعالي معي لا تخافي ..."

كدتُ أسمع قرع طبول الرهبة في قلبها وبالكاد وصلني صوتها المتحشرج المختنق:
" أ..أنا لم أرد هذا..."

أجبتها والأحزان والأشجان كالطوفان تغرقني وأنا أنظر الى ضحيتها وأصارع ألا تفلت دمعة مني :
" أعلم....أردتِ نثر دمائي أنا وليس هو !....لكن اطمئني ....نجحتِ بامتياز....فالله يعلم عن نزيف دماء قلبي في داخلي وإن لم تصل للخارج وهذا الأصعب.....ثقي أنكِ قتلتيني بمقتله فهو يمثلني....وأنتِ تدركين من يكون ....لقد أحضرتهما لكِ بكل حُب عسى أن تدعمي حبهما الذي لم نستطع أنا وإياك الوصول إليه.....اشتريتهما لأنك ذكرتِ لي هذا سابقاً وكذلك لأني أحب الطيور ورغبت أن يكونا نموذجاً يمثل الهادي وألمى الذي حلمت أن نكونه ....معاً دائماً وأبداً.....يجمعهما الحب تحت سقف واحد ولكن كما تتوقين في الواقع لفراقي ...فرّقتِ بينهما....قتلتِ الهادي عصفور الحُب...لا بد أنك ارتحت الآن."

حررتُ يدها والتصقتُ بالمنضدة العريضة المرتفعة أعدّل القفص الذي انقلب جانباً من قوة الطلقة التي هربت من تحت إبطي ونحن نتصارع لتصل إليه وكان مصبوغاً بدماء العصفور بينما العصفورة الأنثى تتخبط بالخوف داخله.....فتحتُ بابه وقبضتها بين يديّ ثم استدرتُ نحو التي كانت تصغي لكلامي وشلالات من الدموع تنهمر من عينيها وأردفت بنبرتي الأسية وأنا أرفعها صوب وجهها :
" اطلاقك للنار أثبت لي كم أنك تحملين كرهاً بقلبك تجاهي"

تنحنحت مردفاً:
" .....حسناً....ذهب العصفور هادي مدفوناً بدمائه ولا تستطيع ألمى أن تعيش وحدها بعد الآن....فهي متعلقة بهاديها ....اذاً فلنطلقها لتعانق الحرية علّها تبني حياة جديدة .....لا وجود لها في القفص من دون هادي....."

وأملتُ جذعي لأفتح بيدي النافذة بينما بالأخرى أمسك ألمى العصفورة فمسكتني وشدت ذراعي تحاول منعي بتردد دون همس نتيجة المكابرة التي لا تشبه المشاعر المتدفقة داخلها من عشق وندم...ترقب وضياع.....اصرار وحزن.....التفتّ بوجهي صوبها باسماً والألم يحرقني وقلت:
" هذا الصواب..."

واطلقتُ العصفورة ألمى لترفرف في الخارج تحلّق في سماء الحرية وبصمات دم هاديها ترسم على جناحيها ولم نكن نعلم إن كانت تحمل في احشائها ثمرات حبهما أم لا لتقاطع نظراتي الى الخارج هامسة بشجى:
" كيف اطلقتها ؟!...ربما ستبيض قريباً....لقد رأيتُ تزاوجهما..."

ومسحت دمعات بقايا من الشلال الذي اذرفته قبل قليل فاستدرتُ إليها منتصباً بوقفتي مجيباً:
" الذي خلقها يرعاها بعينه التي لا تنام سبحانه..."

وتابعتُ حديثي:
". أوهمتُ نفسي أنك ستلينين وتسامحين ....استجديتُ منك السماح رغم أن خطئي بحقك لا يعادل ذرة من خطأ والدك بحقنا.....لن أجبر أحداً لا يطيقني ولا يحبني للعيش معي.....سأترك لكِ حق القرار كما تشائين.....لن أكون أنانياً بعد أن دستِ على قلبي.....ربما ستخرجين من بيتي لنكتب كلمة النهاية لحياتي والبداية لحياتك......يوما ما ستدركين الحقائق وتتأكدي من صدق قولي ....حينها ستسامحينني.....لكن كوني على ثقة أنني من هذه اللحظة سامحتك فهذه فرصتي لتسمعيها مني لربما لن أكون فوق الارض يومها أو لن أكون لكِ ولا أريد أن تعيشي تحت وطأة الندم.....فذاك شعور قبيح لا يغفر للنفس....يدمي القلب ويزهق الروح..."

استمعت صاغرة وجبال الوجع تغرس اوتادها في صدرها فدنوتُ منها ومسكتُ يديها ثم انحنيتُ قليلاً أقبّل جبينها وبقيت أنفاسي تلفح وجهها وهمست بسؤال لم اكره أي سؤال مثله ولم ارغب يوماً أن اعيشه:
" أتريدين البقاء معي ونعيش حبنا بحلوه ومره أم تذهبين لتلك البلاد وتقطعين كل صلة كانت بيننا منذ اضاعتك للعقد حتى اللحظة لتكون هذه أخر مرة تختلط فيها أنفاسنا ؟؟!.....وأيّ القرارين لا رجوع عنه....فأنا لم اعد أتحمل المزيد من العذاب والخوف .!!..وأريد أن اعلم أي الطريقين سأسلك لأرسم خارطة حياتي..."

**********( انتهى الفصل الواحد والثلاثون )**********



رابط لانشودة ( شيعيني للخلود) لمن يرغب بالاستماع:
https://youtu.be/bTi0ed5jd00

قراءة ممتعة باذن الله...

يا حي يا قيوم برحمتك استغيث اصلح لي شأني كله ولا تكلني الى نفسي طرفة عين..


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 24-09-22, 10:49 PM   #1275

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
Elk

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 11 ( الأعضاء 5 والزوار 6)
‏ألحان الربيع, ‏هتاف عبدالله, ‏اذكر الله يذكرك, ‏بيكهيون, ‏Night19wolf


يا رب يعجبكم🥰


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 25-09-22, 12:18 AM   #1276

ألزنابق

? العضوٌ??? » 448990
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 94
?  نُقآطِيْ » ألزنابق is on a distinguished road
افتراضي

اتمنى ان نبتعد عن المشادات فالاختلاف لايفسد للود قضية اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

ألزنابق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-09-22, 12:20 AM   #1277

ألزنابق

? العضوٌ??? » 448990
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 94
?  نُقآطِيْ » ألزنابق is on a distinguished road
افتراضي

آسفة بالغلط نزلت المشاركة السابقة

ألزنابق غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-09-22, 12:32 AM   #1278

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ألزنابق مشاهدة المشاركة
آسفة بالغلط نزلت المشاركة السابقة
ولا يهمك اختي....كسبنا الصلاة على النبي....اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد 🥰


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 25-09-22, 12:35 PM   #1279

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,547
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا.صباح الخيرات والجمال لألحان الدنيا المبدعة

☆حب وكبرياء☆

عندما تتنازع الإنسان قوتان كلا منهما مرتبطة بمشاعره إحداها لقلبه والثانية لهواجسه
يصير بحال غير متوازن فلأيهما ينتصر؟
x وقد أخضعه قلبه وطلت افكاره برأيه متوشحة بكبرياء مزعوم فلا تطال هذا ولا ذاك

ألمى بكل فطرتها النقية وصورة ابيها الذى لم تعرف غيره تشوش الرؤية لديها فلاترى حضن عائشة حصن أمان لها إلا لبضعة دقائق لتعود بعدها لجمودها

أسرة هادى كلها والتى تتسم بالدفء والمودة التى لم تشهد مع ابيها شيئا منها كان ليهدى قلبها
ولكن طبيعتها الطفولية تجعلها لا تتراجع حتى والغيرة تنهشها من هذا التقارب الاسرى الجميل ومن هدية زميلة هادى
لكن أنى لها ان تبعد وساوس شيطانها حتى خالتها ترفض محادثتها
وهذا ما ستندم عليه أشد الندم فما اقسي فراق الأم ثانية بالنسبة لها

☆ثوب الحقيقة مضئ☆

من بين اليأس يولد الرجاء ومن بين الألم يولد الامل ومن بين الضعف تولد القوة بل من قلب الشر يخرج الخير

سبحانه من برحمته جعل بين الشئ وضده حياة فلا نظل عالقون بماض غابر أوx حاضر مؤلم أو مستقبل مبهم
فالامل والرجاء بالله مع بذل ما على الإنسان من سعى وعمل وإرادة بتحويل الصعب لسهل هو ما ييسر إدراكنا له بحول الله وقوته

ما فعله سامى بمواجهة الكاذبة أمام والدتها وأهلها وإقرارها بذنبها بعد الضغط عليها
هو الصواب حتى يضع لأملها فيه ومخططاتها نهاية

وأيضا قراره بالنسبة لدنيا صائب تماما فقد تجاوزت كل الحدود بعد إعتذاره منها عدة مرات
فليس من مكارم الإخلاق رد إنسان جاء معتذرا وهى شريكة في هذا الفهم الخاطئ بصمتها
وإذا أردات ان تعود عن خطأها فلتذهب هى إليه

☆بين الغضب والرجاء☆

هى إذن تلك البقعة المظلمة التى تقف فيها المى مغلقة نوافذ عقلها عن الإدراك وقلبها عن الحس والنبض
فمتى فتحت سنا تلك النوافذ ستدرك شمس الحب وتبصر نور الحقيقة

حتى كاد هادى ان يصفعها لقسوتها وغلاظة قولها مع والدته
وردة فعله العنيفة لها ما يبرره فألمى تجاوزت كل الحدود بتجرأها على امه
وبالطبع عيوش بطيبة قلبها تحتوى الامر وتتوقع حمل ألمى
فيراود هادى الامل ويعتريه الامل فينسي ما كان منها املا بطفل يجمعهما سويا

وتضطر المى للإذعان اخيرا لإجراء الإختبار بعد احاديث ودية لطفت بينها وبين عيوش الجميلة وافشت لها الكثير من أسرار هادى طفلا
ألمى طفلة بريئة شوشتها الايام وما إن تتضح الرؤية امامها حتى يظهر كل معدنها الطيب وبتوارى العناد الطفولى بعيدا

لماذا يا لحونتى؟ إختبار الحمل يطلع سلبى وكنا نتمنى الحمل لكى تخفف من عنادها قليلا
لكنى لن ايأس كثيرا إختبار الحمل يكون مخطئا أو يحتاج لمرور مزيد من الوقت

☆الرجوع للحق☆

أحيانا اللجوء للحيلة بالحديث غير المباشر بأمر لا ريب سيؤثر بالطرف الآخر
دون مهاجمته صراحة او مواجهته بخطأه
يكون له اكبر الاثر بأن بعترف الانسان انه تجاوز المدى ويلجأ لتصحيح خطأه

هادى قام بدوره كشقيق لدنيا واخ روحى لسامى فيسمع منها ما كان بينهما
فماكان من دنيا إلاذهابها لسامى كما اعتزم لكى يصالحها
بينما لو علمت دنيا مباشرة من هادى بشرط سامى ما كانت ذهبت اليه ابدا برأسها اليابس هذا

☆فوق التهديد☆

رغم ما يفعله هادى لإسعاد ألمى كجلب عصفورى الحب لها
ورغم صداقتها لشادى والتى كانت
متوقعة فمن حرم من طفولته لاريب سيجد إنسجاما تلقائيا مع من يمثل تلك المرحلة
وهو الجميل شادى ذو الشخصية الشقية المحببة

ترفع المى بندقية البطل محى الدين على إبنه
وألمس في حديثها معه كل الرجاء لان ينصاع لمطلبها
فهى تريده وتريد أباها
ولكنها ورطت نفسها وأنتهى الامر ومن يحمل سلاحا ويشجعه من أمامه على إستخدامه لابد فاعلها وكنت أتمنى ان لا
وسواء اصابت الرصاصة قلب هادى أم قدمه أم طاشت بالهواء فهى لا ريب اصابت حبه ومشاعره بمقتل

بينما إنتهاء المشهد بتخييرها بينه وبين عودتها وانه قد سامحها أيا كان قرارها
فهو لم يفاجئني فتلك اخلاق الهادى إبن البطل محي الدين
وللأسف اتوقع إختيار ألمى لأبيها فهى قصيرة نظر بعد

سلمتى حبيبتى على الفصل الاكثر من رائع
بإنتظار القادم
لك كل الحب والتقدير لحونة قلبي


shezo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-09-22, 12:43 PM   #1280

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,547
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

حبيبة قلبي لحونتى المبدعة

الفصل بحق عودة قوية جدا وهدية ثمينة منك لأسرة لاجى في سمائها

لابدأ من المشهد الاخير
فهوthe master sceneبالفصل الجميل إجمالا
فهو يلخص كل الحكاية ويصل بعقدة الموضوع إلى منتهاها ونقطة الحسم بها
فهو يصل بابطالنا بكل قناعاتهم وكل ما عاشواله ومن أجله لنقطة الإختيار

هادى حاسما لأمره منذ الازل فالوطن مقدم على الروح
وإن كانت روحه هى حبه وهى ألمي
بينما ألمى تلك الطفلة المشوشة بكل شئ
والتى عاشت على الزيف والخداع تلجأ لحيلتها الأخيرة بإدعاء الرغبة في قتله عله يتراجع من أجل حبهما الذى تثق تماما
بانه ضربx بجذوره في أعماق قلب هادى

لتنطلق تلك الطلقة الطائشة لتصيب طائر الحب هادى
فى تعبير رمزى بليغ المعنى منك بإصابة حبهما في مقتل
ومع هذا يمنحها هادى فرصة الإختيار الأخيرة مصحوبة بكرم المجاهدين بمسماحته لها أى كان خيارها
وما أظنها إلا مضيعة تلك الفرصة بخيارها للوغد عاصي

المشهد كله حبيبتى باسلوبك بوصفك للتفاصيل وللمشاعر بكلمات شعر محمود عياد كلها جاءت متوائمة جدا معبرة بشكل موحى جدا عن ويلات الحروب والخيانة وما يتبعها حتى من شتات القلوب

بينما الفصل من بدايته جاء كلوحة مرسومة نفذتى بها لعمق الروح لمشهد ألمى وسط اسرة هادى وهى تبدو كالطائر المبتل ملتصق الريش بفعل ما تراه من دفء وحنان اسرى لو كانت الامور طبيعية لكانت في اوج سعادتها ولانتفش ذلك الريش من السعادة ولحلق في سماء الفرحة بمشاعر الإنتماء لتلك الاسرة العطوفة المحبة والتى يحدها جناحى عيوش الام الرائعة المتسامحة حتى مع إبنة قاتل زوجها.

يوما ليس ببعيد ستندم ألمى أشد الندك ولن تجد لها نصيرا مقابلا لصد هادى سوى قلب تلك الام الرؤوم

وطبعا لحونتى القمر اثلجت صدرى بمعالجتها لمشكلةسامى ودنيا
على الاقل نكون طلعنا بسعادة اثتين يستحقا السعادة

سلمتى يا قلبي
ودام ألقك الرائع


shezo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:54 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.