آخر 10 مشاركات
ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          أكتبُ تاريخي .. أنا انثى ! (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          أغلى من الياقوت: الجزء الأول من سلسلة أحجار كريمة. (الكاتـب : سيلينان - )           »          تشعلين نارى (160) للكاتبة : Lynne Graham .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          39 - ابنة الريح -روايات أحلام قديمة (الكاتـب : فرح - )           »          [تحميل] الــخــوف مــن الــحــب للكاتبة : bent ommha (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          عذراء في ليلة زفافها (22) للكاتبة: Lynne Graham *كاملة+روابط* (الكاتـب : * فوفو * - )           »          جدران دافئة (2) .. سلسلة مشاعر صادقة (الكاتـب : كلبهار - )           »          إشاعة حب (122) للكاتبة: Michelle Reid (كاملة) (الكاتـب : بحر الندى - )           »          رواية كنتِ أنتِ.. وأنتِ لما تكوني أنتِ ما هو عادي *مكتملة* (الكاتـب : غِيْــمّ ~ - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

مشاهدة نتائج الإستطلاع: ما هو تقييمك لمستوى الرواية ؟
جيد جداً 85 88.54%
جيد 11 11.46%
سيء 0 0%
المصوتون: 96. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree9699Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-12-22, 03:05 PM   #1771

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
Icon26


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shezo مشاهدة المشاركة
حبيبة قلبي العسل لحونتى القمر

بإنتظار الفصل المبهر حبيبتى

وما أجملها جنيوناتك على حد قول شاعرتنا المبدعة نورهان
وهى ايضا أحلى سعادين عسل

صبحك الله بالخير يا قلبي
وصباح كبييير حلو لكل شعب لاجئ
هكون بانتظاركن باذن الله وانتظار رأيكن بفصلي البسيط المنحوس هههههه


فعلا سعادين بتتنطنط هههههه


اشوفكن ع خير حبيباتييي

سلامات


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 18-12-22, 02:18 PM   #1772

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,547
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا.صباح النغم الجميل لأحلى الحان الربيع

صباحل احلى من الورد ياقمر
التى لا يكون منها إلا كل جميل
خلاص النحس روح ورجع لأهله
والفصل جميل وروعة من قبل ما نقرأه
يعنى بنصبح على القمر وبس

وكمان صباح عسل لشعب لاجئ الجميل
حبايب قلبي القمرات


shezo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-12-22, 02:49 PM   #1773

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
Elk

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shezo مشاهدة المشاركة
مرحبا.صباح النغم الجميل لأحلى الحان الربيع

صباحل احلى من الورد ياقمر
التى لا يكون منها إلا كل جميل
خلاص النحس روح ورجع لأهله
والفصل جميل وروعة من قبل ما نقرأه
يعنى بنصبح على القمر وبس

وكمان صباح عسل لشعب لاجئ الجميل
حبايب قلبي القمرات
صباح النور والفرح والسرور لبدر البدور

يسعدك ما أحلاكِ وما أحلى كلامك اللي بدغدغ قلبي....تسلميلي يا الغلا...

أشوفكن على خير باذن الله....


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 19-12-22, 02:49 AM   #1774

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
Chirolp Krackr

السلام عليكن صديقاتي.....


سأقوم في البداية بتنزيل المشهد الأخير من الفصل 33 للتذكير أين وصلنا وبعد دقائق منه ان شاء الله سأنزل الفصل 34 بعد تنسيقه....


الفصل ساكن لأنه مكملاً للفصل السابق وكان على الأبطال المرور بهذه المشاهد البسيطة تحضيراً للقادم......أعتذر عن تأخيري لشهرين ولكن الظروف حكمت عليّ واعتذر عن التأخير بانزاله رغم أنني عادة أنشره بهذه الأوقات ههههه.........الفصل غير معدّل تقريباً وغير مراجع عليه جيداً.....فاستروا على ما تجدون من أخطاء سواء كتابية أو بالفحوى هههههه.....


أخواتي الغاليات انتظر رأيكن به ونقدكن لأي شيء غفلت عنه.....


وقبل أن أنسى سمعوني الزغروطة حتى لو لم يعجبكم ههههههه


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 19-12-22, 02:54 AM   #1775

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

((المشهد الأخير من الفصل 33 للتذكير ...))



لأول مرة تخرج وحدها في هذا الوقت المتأخر ..في العاشرة ليلاً...بل وماذا؟!...تركب سيارة أجرة!.....كانت الدنيا لا تسعها بعد حصولها على عنوانها....لا تعلم كيف بدّلت منامتها لملابس الخروج...بنطال جينز فاتح اللون بركبتين ممزقتين ويلتصق بجسدها وبلوزة وردية من الوبر الناعم بكمين طويلين .وشعرها رتبته بسرعة ...تضع جاكيتها الابيض الجلدي الخفيف على ذراعها وحقيبة صغيرة تحمل بها عدة ورقات من المال والورقة التي اخرجتها من الخزنة والهاتف القديم الخالي من الشريحة!....لقد جلبته معها كي تشتري شريحة جديدة لاحقاً لكن الأهم الآن الوصول الى صاحبة العنوان !!......بعد ما يقارب العشرون دقيقة وصلت الى غايتها!....الحي القديم!....وهو حي يتواجد في المناطق السكنية لمتوسطي الحال والأقرب للفقر وليس كحيها لفاحشي الثراء!....دفعت للسائق ونزلت في شارعه المسمى بشارع الأقواس المضاء بمصابيح متفرقة بعضها يعمل والبعض يحاول لفظ أنفاسه الأخيرة... تارة يضيء وتارة ينطفئ ...اضاءات خافتة جار على زجاجها الزمن ..!!....اجتازت الشارع بسرعة لتقترب اكثر للحي ....بيوته بسيطة...تختلف الوانها...منها المبني من الحجر القديم ومنها بطلاءات باهتة!!....حملت الورقة تنظر لرقم البيت لتقرر من أي زقاق ستبدأ بحثها....سألت نفسها .." يا الله لمَ لم آتي الى هنا سابقاً مع خالـ..."...وبترت سؤالها وغصة العمر بقسوة وقهر تختلج صدرها...غصة كانت سببها الأغلى عندها ..السيدة (فاتن) الحنونة!!.....لم تستدل من أيها تبدأ!!....كلها متشابهة ولا امارة للبيت الأول!...كانت البيوت متراصة على بعضها وازقتها ضيقة بالكاد تتسع لسيارة صغيرة!...قالت في سرها.." يا الهي ما هذا الاكتظاظ والتشعب؟!..كيف سأجد البيت من بين هذا الكم الهائل من البيوت؟!.."...وكان ما يصعب عليها عملها ويعيق مسيرتها هو الليل وعتمته وافتقار الطرق للانارة القوية!....دخلت احداها على غير هدى لتجرّب حظها....دنت أكثر من اول بيتين صادفاها تتفقد رقميهما ...عبست ببراءة وتابعت طريقها....لم ينفعاها....بعيدان كل البعد عن رقم (53)...فجأة وجدت نفسها بين مفترق ازقة ...طرق متشعبة!!...شعرت وكأنها أرنب في متاهة البحث عن الجزرة!....رقم الهاتف مسجل على الورقة لكنه لن يفيدها فهاتفها لا يتصل!..." سحقاً غبية "....شتمت تلوم نفسها لمَ لم تحرص على شراء شريحة قبل قدومها ؟...ألم تفكر أنها قد تحتاجها ؟!....هل ظنت نفسها في حيها العريق النظامي كل شيء مسجل بشكل دقيق لتسهيل الوصول الى العناوين دون عناء ؟!....غاصت بعفوية تسلّم زمام امورها لقدميها أينما تأخذانها!....ارتدّت للخلف مجفلة تضع يدها على قلبها الذي هدر بفزع بعد أن قفز أمامها قط كبير يخرج من برميل للنفايات! ....لهثت انفاسها من شدة هلعها وكأنها كانت في سباق الماراثون.....تعترف بنفسها كم انها جبانة وقلبها ضعيف!....تخاف من أي شيء دون تفكير !!...اخرجت هاتفها لتستخدم كاشفه بعد أن وصلت الى نقطة دامسة الظلام!!...لم ترَ الا انعكاسات لعيون قطط جائعة ...حرّكته قليلاً للحائط فلمعت لمعة طفيفة قطعة حديدية اكل عليها الدهر وشرب...مليئة بالصدأ لكنها استطاعت قراءة الرقم!...اسدلت اهدابها وزفرت محبطة يائسة لاكتشافها انها بعيدة كل البعد عن البيت المنشود!......شتمت نفسها .." تباً لكِ يا متهورة عديمة التفكير !...الم تستطيعي الانتظار حتى الصباح؟!..."....ارخت كتفيها ونكست رأسها عائدة ادراجها وبينما هي تسير على مهل وصلها من زاوية قريبة قهقهات ودندنات فعاد ينبض نابضها بارتياب ووجل.....لقد شكّت أن اولئك هم من المتسكعين في الطرقات إذ انها كانت تشاهد افلاماً كثيرة ويكون امثالهم في الاحياء الفقيرة يشربون السجائر واحيانا الخمور والويل إن وقعت فتاة بين ايديهم!!...عند هذه الفكرة شهقت تنظّم أنفاسها المرعوبة واسرعت في خطاها دون اصدار صوت منها وهي تلتفت بحذر الى النقطة التي سمعتهم منها ...عجّلت أكثر من شدة ارتياعها فركلت دون انتباه علبة معدنية ملقاة ارضاً فضحت مكانها !....ثواني ليصلها صوت صفير اعجاب من احد الشبان الذي أطلّ من امامها بعد ان لمحها...كيف.. لا تدري!!...لم تعطي نفسها المجال لتفكر وفقط بدأت تركض وجبينها يتصبب عرقاً وكاد قلبها يخرج من صدرها واضطربت انفاسها ...زادت من سرعتها ....تركض وتركض حتى تعثرت بحجر مبلط يبرز قليلاً عن اخوته فوقعت على ركبتيها وتأوهت تكمش عينيها بحسرة ووجع.!! .قاومت اوجاعها ونهضت من جديد....قطعت مسافة لا بأس بها وعند شعورها انها ابتعدت قليلاً انحنت تضع كفيها على ركبتيها وهي تسعل بشدة ...تنتصب تلقط نفسها ثم تعود للانحناء ...انهكها التعب وفعل ما فعل بها!!..بدت وكأنها عجوز فاقدة لصحتها !....ثقلت حركتها ...نال منها الاعياء الشديد وقيّد قدميها....اصفرّ وجهها اصفرار الموتى من شدة الفزع وكان يهتز قلبها خيفة خلف اضلعها ....استسلمت لجبنها ولانعدام عافيتها .....لا يمكنها البحث أكثر والمغامرة والمخاطرة !!...أحسّت بحركة ما تقترب منها فلم تدري كيف استردت حصانتها لتبتعد اكثر وعند وصولها لطرف الحيّ سقطت جالسة على حافة رصيف سامحة لانهدام حصونها ...اعترتها رجفة هائلة بسائر جسدها صاحبتها ارتجاف شفتيها ....عجزت عن كل شيء!....غدت عاجزة جداً ...كأن شيئاً علق في شعبها الهوائية وشلّت اطرافها...لا سلاح لديها تدافع به عن نفسها ولا دواء تملكه يخفف عن الآمها.... لم تملك سوى البكاء والبكاء فقط !!...لو مرّ أحد وسمع أنينها لأدمت فؤاده عليها...كانت صورة لامرأة جريحة مكسورة الخاطر في حالة ميؤوس منها....ضمّت ساقيها تلصقهما بصدرها علّها تدفئ نفسها بعد موجة الصقيع التي داهمتها ليس من الجو إنما مما عاشت ...بنظرات مكلومة يشعّ منها الأسى تطلعت على الجرح النازف من ركبتها والذي تشعر بحريق يخرج منه!!..ثم رفعت رأسها للسماء بليله الحالك يكسره بعض النجوم.!!..لم تنطق حرفاً.!!..كانت عيناها كفيلة لتوصل رسالتها وهي تبثّ حزنها وتشكو همها لمن خلقها فسوّاها ....!!
[ يامَن هواهُ أعـزّهُ و أذلني
كيفَ السّبيلُ الى وِصالِكَ دُلّنِي
يامن هواه أعزّه و أذلني
كيفَ السّبيلُ الى وِصالِكَ دُلّنِي
أنتَ الذي حلّفتَني وحَلفتَ لي
وحَلفتَ أنكَ لا تخون فَخُنتَني
وحلفتَ أنّكَ لا تميل مع الهوى
أينَ اليمينَ وأينَ ما عاهَدتَني
تركتني حيرانَ صبّاً هائِماً
أرعى النّجومَ وأنتَ في عَيشٍ هَنِي
لأقعُدنّ على الطَريقِ وأشْتَكي
وأقولُ مَظلُومٌ وأنتَ ظلمتَني
لأقعُدنّ على الطَريقِ وأشْتَكي
وأقولُ مَظلُومٌ وأنتَ ظلمتَني
ولأدعونّ عليك في غسق الدجى
يبليك ربي مثل ما أبليتنـي ]
((الإمام سعيد بن أحمد بن سعيد))

حجبت وجهها على ركبتيها غير آبهة للمكان المتواجدة فيه وكانت شهقات صغيرة تصدر منها بعد أن سكن نحيبها ...دقائق رتيبة مرت عليها وهي صامدة على حالها وفجأة شعرت بخبطات لقدمين ضعيفتين وصوت شيء يطرق على الأرض يدنو إليها....رفعت رأسها بتأهب فظهر لها رجلٌ من العدم....شيخٌ كبير!!...يرتدي ثوباً ابيضاً وفوقه عباءة سكرية بحواف ذهبية...يتكئ على عصاه الخشبية العتيقة وعمامة بسيطة تعلو رأسه...ذقنه تنبت بعشوائية بلون رمادي غامق يخالطه الشيب ..وجهه ابيض وملامحه مريحة...يبدو عليه الطيبة ..سيماهم في وجوههم.!!...دنا منها أكثر واشاح وجهه جانباً يغض بصره وقال:
" السلام عليكم بنيتي!!..."
كانت ما زالت تتأمله ولمّا شعرت ببعض الأمان وتأكدت بقلبها أنه لن يأتيها خطر منه ردت:
" وعليكم السلام.."

" ماذا تفعلين على قارعة الطريق بنيتي ؟!....الوقت متأخر والدنيا غير آمنة لكِ !!.."

" تهتُ في طريقي!!.."

" توقعت هذا....فأنت تبدين غريبة عن الحيّ!!..كيف يمكنني مساعدتك ؟!.."

فكّرت قليلاً...نهضت من مكانها فتأوهت تخرج أنّة صغيرة بسبب ألم ركبتها...نفضت الغبار عن بنطالها من الخلف وأجابت :
" أبحث عن بيت السيدة سهيلة خضور .....كانت مربيتي!.."


ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 19-12-22, 03:12 AM   #1776

Mon abdou

? العضوٌ??? » 449919
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 333
?  نُقآطِيْ » Mon abdou is on a distinguished road
افتراضي

هاى الحان الربيع الرواية اكثر من رائعة رائعة مبدعة بحبها جدا جدا وهتكون من مفضلاتى ان شاءالله اما تنتهى كمية الاحساس وفكرة اللاجئين ربنا يفك كرب كل مسلم كفاية انها بقت تذكير لى انى ادعى دايما لفلسطين وكل العرب
فعلا هادى ولمى مأثرين فى جدا ويارب ينصرهم ويجمعهم على خير بالرغم انه صعب بس ان شاءالله مش مستحيل
على فكرة دى اول مرة اكتب كل ده فشكرا ودمتى بخير وسعادة يارب


Mon abdou غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-12-22, 03:39 AM   #1777

ألحان الربيع
 
الصورة الرمزية ألحان الربيع

? العضوٌ??? » 492532
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,297
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » ألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond reputeألحان الربيع has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الرابع والثلاثون (( هل فات الأوان؟! ))


*من هادي إلى ألمى*
((جباااار في رقته جبار
جباااار في قسوته جبار))
وما تجبر قلب العاشق إلا عشقا فاض، ولكنه استعصى على عشقه فعليه جار، وإحتار ما بين عشقه وكرامته فهنا صَعُبَ الاختيار.!
*****&&*****
((نعم يا حبيبي بحبك وأعيش ملك أمرك وأعيش ملك إيدك ))
نعم أردت الحب منكِ ولكِ
نعم أَحبكِ القلب وتعلق العقل
نعم أنا ملككِ وما تأمرين
ولكن!!بعد ما ملكتِ.. لقلبي هجرتِ ولحبي تَعصين.!
*****&&*****
(( في حياتك يا ولدي إمرأة عينيها سبحان المعبود
فمها مرسوم كالعنقود ، ضحكتها أنغام وورود))
وعن أي عيناً يتحدثون ولم يروا عينيّ عشقي وسماء أرضي
وهل رأوا حبيبتي ليصفوا ضحكتها وجمال بسمتها بعينيّ؟!
فما تفتحت ورود إلا بصفو سمائها، ونعومه ضحكاتها أنغام تطرب قلبي!
*****&&*****
((دمرتني لأنني كنتُ يوماً أحبها، أحبها
وإلى الآن لم يزل نابضاً فيكَ حبها، لست قلبي أنا إذاً.. إنما أنتَ قلبها))
دائما انت خائني تنبض عشقا لها ولو رغما عني
عشق أسعدني فأبكاني...عشق ملكني فباعني
عشق سعدت به فأحزنني...وعشق اخترته فهجرني
أيا نابضي لست إلا قلبها وتنبض عشقا بحبها.
*****&&*****
((وصفولي الصبر لقيته خيال وكلام فالحب يا دوب يتقال))
أي صبر وهل للعشاق صبر؟
ومن أين الصبر وعلى ما الصبر؟!
على فراقكِ وبعد سمائكِ عن أرضي
أي صبر يتحمله قلب الهادي؟!
صبر لهجر من طلبت الهجر!
صبر لفراق نبضاته، صبر على هلاك ما بقي من روحي، ومن أين يأتيني الصبر؟!
((اقتباسات مع خواطر من الغالية رعد السما))
×
×
×



فكّرت قليلاً...نهضت من مكانها فتأوهت تخرج أنّة صغيرة بسبب ألم ركبتها...نفضت الغبار عن بنطالها من الخلف وأجابت :
" أبحث عن بيت السيدة سهيلة خضور .....كانت مربيتي!.."

شرد قليلاً يحاول تذكّر الاسم ولما خانته ذاكرته قال:
" ما هو رقم بيتها؟...أتعرفينه.؟!.."

" ثلاثة وخمسون"

قالتها بلهفة كلها أمل فهزّ رأسه مجيباً:
" اوه يا ابنتي.....لقد ابعدتِ كثيراً...هو في الجهة المقابلة!!....الآن عرفتها السيدة سهيلة!..."

نكست رأسها محبطة ناظرة لموضع قدميها ثم عادت لترفعه هامسة بخيبة:
" كيف سأصلها اذاً؟!.."

فكّر قليلاً ونقل عصاه مستديراً بجسده هاتفاً برفق:
" تعالي يا ابنتي.....اتبعيني ولنرى كيف سنوصلك الى هناك!.."

رغم أن حدسها أكد لها طيبته الا أن ومضة ريب وخوف وافت قلبها لأنها لم تعتد على الغرباء!!....ها قد جاء اليوم الذي ستواجه به ناساً ليس من عالمها ولا ضمن حدود معرفتها ....لم تتبعه وظلّت مكانها متوجسة !!...ماذا لو كان هذا رجلاً نصاباً؟!...فهي خُدعت بأقرب الناس إليها... لمَ ليحنّ عليها الغرباء ؟!..من تكون بالنسبة لهم ؟!...هل ستثق من جديد؟!..وبينما هي في خضم ترددها وتساؤلاتها التفت إليها برويّة برأسه ثم لحق الالتفاتة استدارة بسائر جسده يضع يده فوق الاخرى الممسكة بالعصى ليحكم اتكاءه وقال بصوته المتعب من الزمن المختلط بالحنية:
" لا تخافي بنيتي!...أنت في سن احفادي!....برأيك هل يقوى الأشيب المنصوب أمامك على أذيتك؟!....تعالي وسترين بنفسك زوجتي واولادي واحفادي! وان لم تطمئني لا تدخلي بيتنا...!!.."

تبسّمت مجبرة كمجاملة له وقررت المجازفة فهي الآن كالغريق المعلّق بقشة....ثم هل سيكون هذا العجوز أخطر عليها من وحوش الشوارع؟؟!!....سار أمامها بتباطؤ سببه ضعف صحته ليصلا بعد دقائق قليلة الى بيته القريب والذي يلعب في الكرة أمامه العديد من أطفال الحيّ غير مكترثين للوقت رغم أن المدرسة تنتظرهم في اليوم التالي وما إن لمحه اثنان منهم حتى هجما نحوهما يصرخان بحماس:
" جاء جدي....جاء جدي!..."

وقفزا يتسابقان على احتضانه وسط ضحكاته الحنونة المختلطة ببحة التقدم بالعمر.....كان احداهما يبدو في التاسعة والآخر في الحادية عشر وكانت تراقبهم بصمت مع ابتسامة تشق ثغرها لبراءتهم ولبساطة الحياة التي يعيشونها فملابسهم ومدخل بيتهم وحتى الشارع كل هذا يظهر معالم مستواهم وكم شعرت بالغبطة لصوت ضحكات المحبة الصادقة التي تصدر منهم والتي تعني أي هداة بال هم يعيشون ....لا هموم...لا مشاكل ....لا قضايا تنتظرهم .....لا تشرد.....لا انتقامات ولا اتهامات.....حتى بهذا المشهد البسيط شردت متمنية لو أنها كانت مثلهم لتعود بعدها الى ارض الواقع بعد ان همس لها:
" هيا يا ابنتي ادخلي!..."

لم تتردد بالدخول هذه المرة بل ولجت مطمئنّة لأنها حكّمت قلبها فكم قالوا إفتِ قلبك!!.....لقد اخطأ من قال القلب يخطئ...على العكس ...اول ما يلمس قلبك قبولا او نفوراً يكون هو اشبه برسالة ربانية.....كحدس يرشدك اما ان تفعل او لا تفعل ...اما ان تحب او لا تحب......وسط ثقتها بقلبها عبست مجدداً تلومه....ان كان هذا صحيحاً لمَ اذاً غدرها وجعلها تحب ؟!....سألت نفسها إن اخطأت في حب الهادي كما اخطأت بحب يامن؟!...هي غاضبة نعم ولن تسامح ابداً...لكن لمَ قلبها لم يمتلئ كرهاً وحقداً على خالتها وعليّ أنا؟؟!...تشعر به ينزف مجروحاً اكثر من ان يكون ناقماً!.....أيكون هذا المرشد المختبئ خلف اضلعها مخطئاً بمن احبهم وهل توجد حقائق أعظم ستصدمها يوماً ما؟!..بل هل ستتحمل المزيد من الصدمات اساساً؟!..عند هذه الفكرة اجتبت أن تنفض افكارها التي تضاعف تعبها لتلتفت مجفلة بعد سماعها صوتاً انثوياً مرتفعاً حنوناً من عجوز تضع يدها على ظهرها تدفعها برقة هاتفة :
" هيا يا ابنتي تفضلي...ادخلي!.."

خطت باستحياء فأشارت لها لتجلس على احدى الارائك المغطاة بغطاء ابيض مورّد بالجوري الأحمر في غرفة متواضعة ووسطها طاولة خشبية عليها شرشف يوزّع فوقها كؤوس شاي عديدة كانوا قد شربوها في تجمعهم العائلي قبل وصولها اليهم وسجادة كبيرة بهتت الوانها تغطي الارض.!!....بعد أن اتخذت مكانها نظرت حولها فوجدت الغرفة مليئة بأشخاص بمختلف الاعمار من نساء واطفال وكان رجلان وهما من ابناء العجوز واللذان استأذنا في الحال فور استقرارها مكانها لأنها اجنبية عنهم فهما من الرجال الملتزمين دينياً.!!....كانت تخفض رأسها وتفرك يديها ببعضهما توتراً وخجلاً كونها غريبة فرفعت رأسها بغتةً بعد أن وصلها صوت طفل في السابعة من عمره يبدو عليه الفراسة والمشاكسة وهو يشير لقدميها قاطباً حاجبيه ببراءة ومعترضاً:
"جدتي...جدتي...لمَ تسمحين لهذه الفتاة الدخول بحذائها ونحن لا ؟!.."

نظرت لقدميها وتململت محرجة فصاح به الجد قائلاً:
" اصمت يا ولد واخرج العب مع الأولاد!.."

تنحنحت هامسة بحرج ووجنتاها متوردتان:
" أنا آسفة لم انتبه!.."

ونهضت من مكانها تخلع حذاءها والجميع يحدّق بها وكأنها مخلوق غريب!....كانت فتاتان تبدوان في سن المراهقة تقفان عند باب المطبخ المطل على الغرفة وتتهامسان بينهما وكنّتا العجوز تجلسان على أريكة مقابلتان لها يظهر على وجهيهما الطيبة ...!!

" هيا يا نُهى اجلبي من عصير المانجا الذي حضرته!.."

هتفت الجدة لإحدى حفيدتيها الواقفتين عند باب المطبخ فهمست برقيّ:
" لا داعي يا خالة....لا تتعبوا انفسكم!.."

ردت بحنان وصوت يميزها بسبب نبرته المرتفعة:
" لا تقولي هذا!!...لم نفعل شيئاً يا ابنتي والجود من الموجود!...لا تآخذينا!.."

صرخت فتاة صغيرة متأوهة عندما لسعتها الفتاة المراهقة الاخرى فنهرها الجد لتصمت فقالت وهي تمسك ذراعها:
" لسعتني ديما لأنني قلت لها سأسأل ضيفتنا الجميلة عن اسمها لأنها تشبه سالي في كرتوني المفضل!.."

حاولت كتم ضحكتها ووجهها اكتسى بالحمرة ثم اخذها الحنين لصوت من الماضي لحظة اخبار خالتها لها بأن والدتها كانت ستسميها (سالي) وقبل أن تشتعل مشاعر الاشتياق لكل شيء من ماضيها اكثر واكثر وقبل ان تتجمع الدموع بعينيها تسلّحت بالقوة تحارب هذا الحنين واجابت الصغيرة بهدوء:
" اسمي ألمى....لكن أمي كانت تود تسميتي سالي !"

هتفت الطفلة باعتراض عابسة:
" يا الله لو كان اسمك سالي لذهبت لأغيظ صديقاتي واقول لهن ان سالي قامت بزيارتنا!.."

ضحكت لكلماتها وقالت:
" وانا وددتُ أن يكون اسمي سالي لكن أبي اختار ألمى!..."

عند ذكرها لوالدها تحشرج صوتها وابتلعت ريقها قلقاً عليه فهتفت الطفلة ببراءة:
" هل هذا لون عينيك أم عدسات لاصقة؟!.."

وتابعت بانبهار:
" لأن لونهما جميل جدا كلون السماء الصافية!.."

رسمت ابتسامة وداخلها غصة وهي تتذكر نعتي لها بسمائي وردت بألم تحاول اخفاءه:
" لون عينيّ!.."

فتحت فمها لتتابع اسئلتها فأغلقه لها الذي قال :
" هيه...شام!....كفاكِ ازعاج للسيدة....ادخلي الى المطبخ!..."

رفعت كتفها رافضة تزم شفتيها ثم قالت حانقة:
" لا اريد جدي!....اريد ان اجلس مع شبيهة سالي.."

ضحكوا جميعهم واقتربت تجلس جانبها بعد ان اشارت لها بيدها دون ان تهمس أي كلمة.!!...اما الجدة كانت تحملق بها وتتأملها وتسمي بالله لتحصينها من العين بسبب جمالها رغم شحوبها بعد ما مرت به على مدار ايام ثم هتفت بتلقائية دون مراوغة وتفكير:
" لمَ لا ترتدين الحجاب لتخفي جمالك بنيتي؟!....كي يحفظك الله من شر الانس والجن ومن عذابه!.."

بدا عليها الاحراج لكنها اجابت متهربة وهي تقول في نفسها " ما بها اذا كذبت فهم لن يروني مرة اخرى وسأختصر على نفسي سماع محاضرات.."...:
" قريباً خالتي...أنا انوي ذلك!.."

تبسّمت برضا من اجابتها وهي تربّت على فخذها بحنوٍ وأكملت بفضول بينما كانت عيناها على الخاتم ببنصرها الايسر:
" لا أعلم كيف سمح لك زوجك بالخروج هكذا وبهذا الوقت؟!....لو كنتِ زوجتي لألبستك النقاب لأخفي وجهك الفاتن ما شاء الله ولرافقتك اينما ذهبت!.....يا ترى أين زوجك بنيتي؟!.."

تطلعت على الخاتم بإصبعها بأسى وحرّكته بأناملها الأخرى شاردة والحزن يغلّف قلبها واختارت أن تجيب كاذبة على السؤال الأخير فقط دون أي تعليق على ما قبله لتنهي فضولها:
" زوجي مسافر وسيعود قريباً.."

بعد فترة من الزمن تخللها نقاشات مختلفة تنحنح العجوز لينقذها من ثرثرة عائلته هاتفاً برفق:
" سأرسل معك حفيديّ ليرشدانك الى بيت السيدة سهيلة....لكن اولاً عليك تناول الشاي مع كعك الحاجة أم عبد الرحمن..."

هزت رأسها بهدوء رافضة وهمست وهي تنظر لساعة يدها:
" شكراً لكرم ضيافتكم....لكني على عجلة من أمري وعليّ الذهاب اذا سمحتم.."

بعد محاولات كلها كرم وجود منهم قوبلت بالرفض نهضت من مكانها تعدّل لباسها وتمسك حقيبتها الصغيرة ثم شرعت تصافح نساء البيت ممتنة لاستقبالهم لها وعند اقترابها من العجوز وقبل ان تمد يدها هتفت الطفلة (شام):
" لا تصافحي جدي....انه لا يصافح النساء الغريبات فقد علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم..(( لأن يطعن في رأس أحدكم بِمخْيَط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له))..."

تورّد وجهها حرجاً كيف لطفلة صغيرة تعرف في الدين أكثر منها بل تعلّمها ايضاً لكنها حمدت الله في سرها أنها لم تقع في موقف هي بغنى عنه وسط هذه الأعين التي تراقبها ..ماذا لو أنها مدت يدها وظلّت معلقة في الهواء ولم يتجاوب معها؟!!.. ومن بين طيّات ذاكرتها مرّ عليها مواقف عاشتها معي مثلاً عندما لم اصافحها بالمخيم نكاية بها وكم كان موقفاً مخزياً وجارحاً بالنسبة لها ثم انتقلت لمواقف أخرى عند رفضي لمصافحة النساء خوفاً من ربي فباغتتها بسمة صادقة ثم التفتت للذي وقف امام الباب هاتفاً:
" نعم جدي!....نادتني شام من أجلك!..."

دنا منه ببطء يضع يده على كتفه هامساً بحنان:
" اذهب يا ولدي أنت وعصام مع السيدة لتوصلاها الى البيت رقم ثلاثة وخمسون في الشارع الداخلي المقابل لنا......عند السيدة سهيلة خضور ولا تعودا حتى تتأكدا من دخولها هناك!..."

اومأ باحترام هامساً:
" حسناً جدي..."

ثم نظر إليها بأدب وقال:
" تفضلي معي ..."

سارت معهما بين الأزقة وكانت تتوسطهما وكأنهما حارساها بعد أن شدد الجد في توصياته عليها ليحميانها .....كانت تسير في ثقة وأمان عكس لحظة دخولها الحيّ.....شعرت بشيء من الأُنس اتجاه هذه العائلة وهذان الصبيان اللذان يبدوان انهما تربيا على الاخلاق والدين وكأنهما رضعا الرجولة منذ صغرهما وهي تراهما يمشيان بعنفوان وينقلان انظارهما بتأهب على الجهتين ولم تستغرب هذا بعد الوقت الذي امضته في البيت الأسري الدافئ ولشهامة العجوز معها.....لقد شعرت أن هنالك من يهتم بها حقاً ويعطيها قيمة .....كم كانت متعطشة هذه اللحظات لإهتمام بسيط بعد أن فقدت كل علاقاتها وبعد أن غدت وحيدة وكأنها بالفعل مقطوعة من شجرة!!...أحياتها السابقة كانت حلماً واستيقظت منه ؟ هل كتب عليها أن تذوق المرار في عيشها من ساعة ولادتها حتى مماتها؟!...لن تستسلم ليأسها .....بل اصطفت أن تعيش على أمل والأمل فقط.....أجل ربما هذا كابوس وستفيق منه قريباً....والدها مظلوم وستثبت براءته !!...الجميع مخطئ باستثنائها !!....وفي لحظة وسوسة داهمتها فجأة لاحت فكرة في بالها.."..ماذا لو...ماذا لو كان أبي الظالم والبقية هم المظلومين؟!...".....عبست ملامحها ولامت نفسها....كيف تسمح لنفسها بالشك فيه؟!....إنه والدها ومهما كان قاسياً هي تعلم أنه لا يصل به الحال حد الخيانة والقتل!!.....لم تشعر بالوقت الذي سارت فيه بين الصبيّان في هذا الحيّ الغريب وأجفلت على صوت الذي يظهر عليه علامات بداية البلوغ قائلاً:
" ها هو البيت ..."

تبسّمت بامتنان لشهامتهما ودنت تطرق الباب برقة طرقات خفيفة فالوقت الآن يعتبر متأخر نوعا ما وهي لا تعرف كيف يكون نظام النوم هنا..!!...عدّلت وقفتها عائدة خطوة الى الخلف تنتظر أن تفتحه لها صاحبة الصوت الناعم التي همست:
" لحظة ...لحظة....لقد أتيت!.."

فُتح الباب لتظهر لها فتاة تخفي نصف جسدها السفلي وراءه والقسم العلوي ترتدي الحجاب الخاص بأسدال الصلاة وتمسك طرفه لتلثّم وجهها وتظهر عينيها فقط دون تمييز لونهما وقد استغربت (ألمى) حركتها تلك هامسة بعقلها.."..هل وجهها مشوّه وتخفيه يا ترى؟!.."..ثم عادت لتركّز معها عندما همست تلك بنعومة وهي تحدّجها:
" تفضلي....أي خدمة؟!.."

استدارت وابتسامة تشرق على محيّاها تهديها لحارسيها وتشكرهما ثم تحررهما من مهمتهما ولما بدآ بالركض أعادت وجهها لتجيب :
" مساء الخير....هل السيدة سهيلة موجودة؟!.."

حدّقت بها تتفحصها وسألت بتشكك:
"أجل...من أنت يا آنسة لأخبرها؟!.."

ردّت بعذوبة:
" أنا ألمى عاصي رضا.."

اتسعت عيناها متفاجئة وهتفت:
" أهلاً أهلاً سيدة ألمى....آسفة لم اعرفك....تفضلي رجاءً..."

قالتها وهي تتنحى جانباً وتشد الباب لتسمح لها بالدلوف ثم اغلقته من خلفها .....انحنت (ألمى) تخلع حذاءها بعد أن تعلمت أول درس عن عادات هذا الحي القديم ولما انتصبت بوقفتها صدمت مما رأته في وجه هذه الفتاة بعد ان افلتت طرف اسدالها وفكرت داخلها .."...رباه....ما هذا الجمال الفاتن؟!..لمَ تخفيه اذاً؟؟ " ليوقظها من صدمتها اللحظية صوت التي ضحت بجسدها من أجلها وهي تسأل من غرفة جانبية:
" من على الباب يا رهف؟!.."

ردّت عليها بنبرة سرور وحماس:
" انتظري ولتري بنفسك!..."

ولأن البيت صغير وأبوابه تقابل بعضها البعض في هذا الرواق الضيق لم تنتظر كثيراً حتى أضحت امامها تقف على الباب هامسة بصوت متحشرج تبتلع ريقها وسماءيها ترقرقتا بالدموع:
" هذه أنا خالتي....مساء الخير!.."

وقبل أن ترد السلام عليها فتحت لها ذراعيها بكل محبة تكنّها لها لترتمي بأحضانها فاندفعت تجثو أمامها وتحتضنها وهي تدفن رأسها على صدرها وشرعت بالبكاء دون مقدمات فالبكاء هو الذي يتكلم عنها وهو الذي يترجم ما يحمله قلبها ...بكاء تخرج به ألم صدماتها واحتياجها لشخص يفهمها ويساندها ...لروح تحتويها وتحتوي اوجاعها دون مصالح او شروط....دون انتقامات وصفقات....فقط تريد قلباً يحتضنها لأنها هي (ألمى) الانسانة....لأنها (ألمى) الطفلة....لأنها (ألمى) اليتيمة ولأنها المجروحة والمطعونة من أقرب الناس لها!!....ترتجي من يشاطرها عواصفها وعذابها..... لا يحمل اسراراً ضدها..... ولا أي نوايا خبيثة..!!..أهذا كثيرٌ عليها ؟!...ألهذه الدرجة هي سيئة ولا تستحق ذلك؟؟!...

أحكمت الجالسة على الكرسي المتحرك من احتضانها وقابلتها تذرف دموعاً على حال صغيرتها...تربّت على ظهرها وتومئ بعينيها لابنة شقيقها لتتركهما كي تعطيها الخصوصية وحق الارتياح من غير قيود ولا احراجات ففعلت تحترم طلبها وعلا نحيب الجاثية على الأرض لتخرج مع عبراتها القهر الذي ألمّ بها مِن طعنات مَن كانوا أقرب المقربين وأصبح كل واحد منهم في عالم بعيداً عن عالمها ولم يعد يربطها بهم الّا ذكريات قليلة...قصيرة المدى...ذكريات بدايتها اشراقة أمل.... وأوسطها وجع وألم لكن آخرها كان ندم ليس بعده ندم......!!
مدّت يدها تحت ذقنها لترفع لها رأسها بعد أن خَبُتَ صوت نحيبها وقد تقطّعت احشاؤها على منظرها الأليم بوجهها شديد البؤس المطلي بلون الدم وكانت جفونها منتفخة من كثرة البكاء فهمست لها وهي تمد يدها الأخرى لتمسح مجرى الدموع الذي اخترق وجنتيها الناعمتين:
" حاولتُ الاتصال بك صغيرتي لكن هاتفك كان مغلقاً..."

مسّدت شعرها وهي تتطلع عليها بنظرات حانية وتابعت:
" فضفضي حبيبتي لترتاحي....ما بك؟!....هل السبب موضوع والدك؟!.."

لن تتفاجأ من سؤالها فالخبر السيء يدور الكرة الأرضية بأكملها ومع ذلك الى الآن لم ترَ أن ما حدث لوالدها شيء مخزي بل تتشبث باعتقادها أنه يقع ضحية ظلم وسينجو منه بالتأكيد وإن باعت عمرها من أجله..!!.... رمشت وهزّت رأسها ايجاباً واجابت ببحة خفيفة وهي تمسح انفها ومحجريها بيديها :
" أرأيت خالتي أي ظلم تعرّض له والدي؟!..."

بحسرة ولوعة وايماءة خفيفة برأسها أجابت بـ نعم ثم أمسكت يديها لتساعدها على النهوض وهي تقول:
" اجلسي على الأريكة وارتاحي ..."

أطاعتها من فورها وجلست جانبها وهي تزيح خصلات من غرتها نزلت على عينها بينما كانت تشعر وكأن قبضة خشنة تعتصر معدتها فاستدارت تلك بكرسيها المتحرك لتصبح ازاءها وهمست بعطف :
" اخبريني قصتك يا ابنتي!..وكيف وصلتِ الى هنا ؟!.."

وقبل أن تبدأ بسردها لها طلبت السيدة (سهيلة) من ابنة شقيقها لتحضّر كأس حليب بالشوكولاتة وهو المشروب الساخن المفضل عندها وبعد أن انخرطتا في بدايات قصتها لحظة ارتباطها بي وبينما كانت تصغي لها مربيتها بحنان جارف وشفقة جليّة وقبل الغوص في غمارها أكثر دخلت إليهما (رهف) بعد أن تنحنحت واستأذنتهما وهي تحمل الصينية لتقدّم ما عليها للضيفة وما إن اقتربت منها حتى اغلقت مخارج انفاسها لتحجب الرائحة عنها وهي تحرك يدها الأخرى تزامناً مع رأسها رافضة هذا المشروب فاستغربت السيدة (سهيلة) ردة فعلها ورمقتها بنظرة توجس فهي التي لم تنسى أي شيء يخصها سواء كانت تحبه او تكرهه وحتى أبسط الأشياء تذكرها لها وقد جاء في بالها عندما كانت طفلة تعتني بها بكل صغيرة وكبيرة وبعد طيف الذكريات قالت باستنكار:
" ما بك صغيرتي؟.....إنه المشروب الافضل لديك فأنت تعلمين أنني احفظ كل شيء يخصك...."

رجعت الواقفة للخلف خطوتين منتصبة تنتظر أمر عمتها بينما كانت الأخرى تجاهد وهي تجيب باشمئزاز رغماً عنها:
" لم أعد أحبه خالتي....ارجوك ابعديه لا اطيق رائحته!.."

أكملت تطالعها بريب:
" هل أنت بخير؟!..."

" أين الحمام؟!.."
فزّت من مكانها تلحق سؤال تلك بسؤال مستعجل ثم اغلقت فمها بكفها وتبعت التي سبقتها هاتفة:
" اتبعيني!."

بعد أن استفرغت ما في معدتها خرجت تغسّل وجهها ويديها في مغسلة خارج الحمام فناولتها الواقفة بانتظارها منشفة صغيرة وسألت بقلق:
" هل اصبحتِ بخير سيدة ألمى؟!.."

همست بصوت موجوع ووجهها يكسوه الشحوب بعد خروجها من حربها الشعواء:
" لستُ بخير....أشعر أن احشائي تتقطع!..."

وضعت يدها على ظهرها قائلة بلطافة مع بسمة صادقة :
" هيا تعالي ارتاحي لاحضّر لكِ كوباً من النعناع ....مفيد لمثل هذه الحالة!.."

لما دخلت الى الغرفة التي تتواجد بها مربيتها رفعت الأخيرة نظرها إليها هامسة بخوف عليها:
" كيف انت الآن بنيتي؟!.."

اتخذت مكانها حيث كانت تجلس في البداية وقالت لتطمئنها:
" سأكون بخير بعد قليل!...سلّمها الله الآنسة رهف ستحضّر لي مغلي النعناع.."

زلفت اكثر بكرسيها المتحرك ووضعت يدها على فخذها تمسّد عليه بحنية وألقت سؤالها بتشكك:
" هل أنتِ حامل؟!.."

جحظت عيناها لوهلة ثم عادت لطبيعتها لأنها لم تعد تستغرب هذا السؤال الذي القي على مسامعها للمرة التي لا تدري عددها وسرحت بعقلها .." ما بهم جميعهم مصرّون على حملي؟!....كأن هذا ما ينقصني الآن...هل يظنون أنني تواقة لذلك؟!..." ثم اجابت هاربة بعينيها جانباً:
" كلا....لمَ سأكون حاملاً؟!.."

رسمت ابتسامة عطوفة وقالت:
" ألستِ متزوجة؟!...ما الغريب في الموضوع؟.."

اجابت ببلاهة:
" ها؟...بلى!...لكن لا يمكن!..."

شعرت بها محرجة فبدّلت سؤالها:
" أين هو زوجك؟!.."

غامت عيناها حسرة على حالها وهمست بنبرة مختنقة:
" لقد انفصلنا!..."

شهقت تضع يدها على صدرها هاتفة بعدم تصديق فهي ما زالت لم تخبرها باقي حكايتنا:
" ماذا؟!...لمَ؟!....السيدة فاتن لم تنفك يوماً عن امتداحه!....ماذا حصل بينكما؟!...."

امالت زاوية فمها بابتسامة ساخرة وتكدست عيناها بالدموع ألماً وردّت بشجى:
"اكتشفت أنني كنت البطلة المغفلة بمسرحية دنيئة يتشارك بإخراجها زوجي وخالتي!....خالتي الحبيبة باعتني يا خالتي سهيلة!....ولا أعرف أي ثمن حصلت عليه منهم !..هما السبب بما ألمّ بأبي.....حقاً أنا....."

قطع كلامها التي دخلت تحمل بيدها كوباً من مغلي النعناع وتمدّه إليها هامسة بلطف:
" تفضلي سيدة ألمى عسى أن ترتاحي!.."

أخذته منها بحذر ووضعته على الحافة الخشبية العريضة للأريكة وأسندت ظهرها للخلف وهي تسحب مخدّة صغيرة مربعة من جانبها وتضعها على بطنها ثم نظرت للتي كانت على صفيح ساخن منتظرة سماع حكايتها هامسة لها بفضول:
" اخبريني صغيرتي بكل شيء!.."

بدأت تسرد لها الحكاية الأساسية دون أن تغفل عن كلمة وبين الكلمة والكلمة غصة تختلج صدرها وألم يحرق روحها وسراب لذكرى مشاعر جميلة لم ولن تنساها لينتهي حديثها وصولاً لوجودها هنا في بيت من كانت تصغي لها بكل جوارحها والتي ختمت الحديث محوقلة مصدومة ومقهورة لأجلها ثم تبع صدمتها صمت يسير وبعد الصمت اتسعت عيناها اثر تذكرها شيئاً مهماً هامسة بحيرة:
" إذاً مِن أجل ذلك بعثت لنا السيدة ايمان ظرفاً مغلقاً كأمانة لك وجعلتني أقسم على عدم فتحه وعلى تسليمه لك مهما كلفني الأمر!.."

قطبت حاجبيها وضيقت عينيها قائلة كلماتها على مهل:
" أي ظرف؟!..وممن بالضبط؟!....أنا لا افهم!.."

رفعت كتفها بحيرة هامسة بحزن:
" لا اعلم ما به صدقاً.!!..لكنها تواصلت معنا أنا ورهف وقالت أنه أمانة لكِ من خالتك فاتن شافاها الله لأنها تخشى ألا تعود حيّة لا قدّر الله..!.."

ختمت كلماتها بنبرة متحشرجة أما المستمعة لها سواء أنكرت أم لم تنكر!!...إنها لم تستطع منع الرعشة التي سرت بجسدها خيفة دون ارادتها بعد أن اخترق أذنيها * ألا تعود حيّة *...ولكن الجرح النازف من أعماق قلبها زادها صلابة وتجاهلاً فظلّت على رأيها هاتفة:
" يريدون أن يقنعوني بمسرحيتهم التافهة بشتّى الطرق!....لن أصدقهم....خذلوني وأحرقوا كل ذرة ثقة مني اتجاههم.....حتى لو نفترض أن كلامهم صحيح مع أنه مستحيل.... هذا لا يعطيهم الحق بما فعلوه بي!....كيف كانوا بلا رحمة وتلاعبوا بقلبي بهذه البساطة؟!...."

تململت في مكانها تنظر بضياع للأرض وأردفت بكآبة وأسى:
" يا إلهي....أنا الى الآن ما زلت لا استوعب ما فعلوه بي وكيف غدروني بكل صفاقة!....كيف يثقون أنني سأستمع أو اؤمن بأي كلمة منهم؟!.."

" لكن بنيتي عليك استلام الأمانة مني ...لا تتسرعي بالحُكم دون أن تأخذي بالأسباب!..."

وما إن أنهت جملتها حتى التفتت للواقفة تطلب منها احضار الظرف من خزانتها وقد عادت تحمله بعد قليل وأعطته لعمتها لتناولها إياه ولمّا أخذته بتردد قلّبته تتفحصه بعدم اكتراث ثم دسّته دون اهتمام بحقيبتها الصغيرة لتهتف السيدة (سهيلة):
" ألن تفتحينه؟!"

أجابت بامتعاض وهي تحاول رسم ابتسامة مجاملة:
" لاحقاً في البيت!....الآن اتركي اخباري الكئيبة وحدّثيني عن أحوال صحتك وإلى أين وصلتِ بعلاجاتك!؟؟.."

اومأت لها بامتنان لسؤالها واجابت:
" حمداً لله....بالطبع لن اعود ابنة العشرين...ألمهم أنني لا أشعر بالألم بسبب الأدوية الفعّالة وأنا راضية بقضاء الله....!!.."

أمضت ساعة ونصف من الزمن لم تدرك كيف انقضت بينما كانت (رهف) تشغل نفسها بالداخل لتفسح المجال لهما بإعادة ذكريات أيامهما الماضية مرةً ومرة الخوض في قصص شائكة بعيدة عن المصيبة التي تقع بها وقد تعمّدت ذلك مربيتها لتخفف من وطأة الأحزان التي يحملها قلبها الصغير البريء وبعد برهة انتبهت لساعة يدها التي تشير للواحدة وربع بعد منتصف الليل لتقف بتأهب شاهقة مع تلوّن وجهها محرجة وهي تسلط حدقتيها المهتزتين انفعالاً مِن تطفلها على أهل البيت:
" ويلي....لم أنتبه للوقت...أنا حقاً آسفة خالتي.....لقد اقلقتك وأفسدت نومتك!!..سأذهب بالحال!..."

مدت يدها لتمسك بيد الواقفة امامها تهدئ من ارتباكها وبوجهها البشوش وضحكتها الحنونة هتفت:
" ومن قال أنني سأسمح لكِ بالذهاب وخاصة في هذا الوقت؟!....ستباتين عندنا أنا ورهف ابنة أخي فهي تبقى معي لتسلّيني ولتهتم بي....ويا لسعادتي سأنام الليلة وفي بيتي ابنتيّ الجميلتين!!.."

" لكـ....لكن خالتي لا يمكن ذلك..."

همست برقة وهي تجول بعينيها على أركان البيت متابعة:
" سأسبب لكم الازدحام!....لا تؤاخذيني ...البيت صغير ولا ينقصك وجودي!...."

هتفت موبخة اياها بلين:
" سأغضب منك صغيرتي!....لقد زارتنا البركة والبيت بيتك والخير خيركم.....ثم ألم تسمعي بالمثل القائل ....البيت الضيّق يتسع لألف صديق؟!.."

بحياء وعدم راحة حاولت الاعتراض:
" حقاً خالتي تعلمين كم أنت غالية عندي....لكني لن أرتاح وسأشعر أنني متطفلة عليكم وأزعجكم.....سأزورك مجدداً.."

بحزم وجدية وذكرى لن تنساها ما حييت هتفت:
" لن تذهبي يعني لن تذهبي!....هذا البيت أنتِ الأحق به!...من بعد الله لولا والدتك السيدة كريمة رحمها الله لغديتُ متنقلة دون استقرار بين بيوت أخوتي ..."

غضنت جبينها وسألت بعدم فهم:
" كيف؟!...ما دخل والدتي؟!.."

شردت بالفراغ تسبح في صفحات ماضيها ولمعت عيناها بدموع عزة نفسها الجريحة وأجابت:
" كنتُ متزوجة من رجل خُدعت به ....ظننته رجلاً شريفاً وتبيّن أنه لا يمت للشرف بصلة!...نصّاب عديم مروءة....كان يسقيني الويل من لحظة معرفته بحملي ....في الصباح والمساء كان يتلذذ في ضربي لأجهض وأنا صاغرة صابرة عليه....لم اشأ أن أهرب منه لأزيد حملاً على اشقائي البسطاء الذين يكدّون ليلاً ونهاراً ليعيلوا عائلاتهم الكبيرة آنذاك وفي النهاية نجح في مهمته وسقط الجنين...كنت في بداية الحمل!...ولكن الله يمهل ولا يهمل فجاء الرد من السماء على الفور في اليوم التالي بعد أن سقط من مكان عالي في ورشة بناء يعمل بها ليلحق ابنه....ولكن الظُلم لم ينتهِ بموته فبعد انتهاء شهور العدة خاصتي بدأ اشقاؤه بالمطالبة بالبيت بحجة أن ابناءهم أحق به لأن لا اولاد لي!...صاروا يضغطون عليّ لأتركه فأجبرت على ذلك بعد حملة مضايقات يعلم بها الله ولما عدتُ هنا إلى حي اشقائي شرعت بالبحث عن عمل ووجدت جمعية تهتم بمربيات الأطفال والأطفال نقطة ضعفي وأكثر ما أحب فيسّر الله ذلك بالحال عندما زارت جمعيتنا التي التحقت بها في ذاك الوقت والدتك وهي حامل بك في الشهر الأخير ولأن القبول يضعه الله في قلوبنا دون اختيار منا ولأن نصيبي كان جميلاً حينها فقد أشارت والدتك إليّ دوناً عن الأخريات بوجهها السموح وقلبها المحب لتهديني مهمة الاعتناء بأجمل طفلة رأتها عيني..!!.."

قرفصت أمامها تمسك يديها وتتطلع بعينيها وسماءيها احتقنتا بالدموع تعاطفاً مع قصتها وهي تهمس ببراءتها:
" أحبك خالتي...أنتِ من أغلى الهدايا في حياتي!"

رغم الألم....تهدي الجميع حبها...هكذا هي وهكذا فطرتها....تنثر الحب الذي تبتغيه....لا تبخل بقول شيء زاحم قلبها!!....

لتتابع الأخرى حكايتها بامتنان خالص:
" وبعد مدة لا باس بها من العمل عندكم أصبحت علاقتي بالسيدة كريمة والسيدة فاتن متينة وجعلاني كشقيقتهم الكبرى ...تعاملاني بود واحترام ويأتمنني على كل شيء...يستمعن لنصائحي ولم تشعراني ابداً أنني عاملة بالقصر وفي ذات يوم وبعد سنة من معرفتي بكم قررت السيدة كريمة زيارتي في بيتي فصدمت لما عرفت أنني أعيش كالبدو الرحالة كل يوم في بيت أحد اشقائي الخمسة....لم أفصح عن وضعي هذا يوماً !!...لم أظهر لهن ما أعاني ففاجأتني تغدق عليّ بكرمها بعد يومين دون تأخير وهي تشتري هذا البيت خصيصاً من أجلي وتسلّمني ملكيته الكاملة كي لا يجرؤ أحد على طردي وقد اختارت أن يكون وسط عائلتي الدافئة بأفرادها الذين يحبونني حقاً ويعتنون بي...!!.."

وبابتسامة تزيّن ثغرها مدت يدها التي ارتسمت عليها خطوط الكد والشقاء طوال سنين لتمسّد على وجنة صغيرتها وهي تقول:
" أرأيت بنيتي أنه بيتك!...رضي الله عنك لا تعانديني وستبقين معنا.!!.."

استسلمت للأمر الواقع ولِكَم ارتاحت بالفعل لهذا الاقتراح فنصف منها كان يريد الذهاب حفاظاً على عزة نفسها وكبريائها والنصف الآخر متردد خائف مما سينتظرها في القصر الكبير ألذي أصبح مليئاً بأشباح الوحدة...!!
نادت السيدة (سهيلة) على (رهف) لتطلب منها تجهيز مكان لنوم ضيفتهما فأقبلت عليهما ترتدي منامة وردية ترسم جسدها الممشوق بطولها الأنثوي وكان شعرها الكستنائي المتعرج ينزل بأريحية ليصل منتصف ظهرها وبرزت عيناها الخضراوتان بعد أن خلعت أسدالها التي كانت تتفتل بها قبل قليل وظلّت (ألمى) تحدّق بها مبهورة بجمالها الملفت ومستغربة داخلها كيف لهذه الفاتنة أن تخفي حُسنها تحت الحجاب والنقاب ولا تتباهى به مثل أي فتاة تمتلك هذا القدر من الأنوثة الطاغية والسحر ..!!....هتفت (رهف):
" تفضلي معي سيدة ألمى الى غرفتي.."

بابتسامة راقية همست:
" شكرا لكِ...أتمنى أن أكون ضيفة خفيفة عليكِ...وسأكون مرتاحة لو ناديتني ألمى فقط!!.."

اومأت بابتسامة رقيقة توافقها على اقتراحها واستدارت تتجه الى الغرفة لتلحق بها بهدوء ولما دخلتا الغرفة اقتربت(رهف) من سريرها قائلة وهي تتناول عنه منامة تخصها:
" بدّلت غطاء السرير وهذه المنامة ممكن أن تناسبك.."

تطلّعت على الواقفة أمامها وأكملت بخجل:
" ربما تكون طويلة بعض الشيء عليك!...لكنها تفي بالغرض!..."

اخذتها منها هامسة بمزاح:
" ما شاء الله من اين لك هذا الطول ؟! ..."
وأضافت:
"..سلمت يداك!.."

قالت ضاحكة:
" هكذا عائلتنا جميعنا عمالقة وحتى أنني اعتبر أقصرهم..."

انهت جملتها وخرجت على صوت ضحكة ضيفتها لتتركها على راحتها تبدل ملابسها ولما عادت بعد قليل وجدتها تجلس على السرير تنظر إلى صورة داخل اطار موجودة على المنضدة وكانت لشاب ملتحي وخلفه الكعبة المشرّفة فاقتربت منها التي دخلت للتو وجلست جوارها وهتفت باسمة:
" هذا خطيبي بكر عاد من العمرة حديثاً...!.."

" هل هو شيخ ؟!.."

باعتزاز وفخر اجابت:
" يمكنك قول ذلك!.....لديه معهد لخدمة القرآن في الحيّ ويؤم احياناً في المصلين عند غياب إمام الجامع!...."

دون تفكير وبتلقائية سألت:
" هل هو من اجبرك على الحجاب ؟...وأظن انك تضعين النقاب ايضاً لتغطي وجهك أليس كذلك؟!.."

ضحكت وقالت بثقة:
" أجل أضع النقاب!.....لم يجبرني أحد على شيء....تربيّت في أسرة تحاول الالتزام قدر المستطاع!...كنت محجبة دون نقاب وكنت في الليالي ادعو أن يرزقني الله الزوج الصالح فالحمد لله الذي رزقنيه من غير حول مني ولا قوة !...عندما خطبنا منذ سنتين تعاهدنا أن نأخذ بيديّ بعضنا الى الجنة!....كان حلمه أن يفتح معهداً للقرآن وكنت خير داعمة له معنوياً بفضل من الله ....لطالما حكى لي أنه تمنى دوماً أن يرزقه الله زوجة ملتزمة تقتدي بأمهات المؤمنين قلباً وقالباً....وكان يقول لي أن أعلى درجات الرقيّ في المرأة هي التي تحمل بقلبها الايمان وعلى لسانها تردد القرآن والتي تستر جسدها ووجهها من أعين الناس والجان....كانت كلماته تلامس شيئاً داخلي يوماً عن يوم....تحيط به هالة ايمانية تبث السكينة لمن حولها فلم أتردد بوضع النقاب ولن أخفي عنك أي راحة وطمأنينة شعرت بها حينها وقد تلقيتُ تشجيعاً يثلج الصدر ممن حولي وكانت الفرحة الكبرى من نصيب بكر الذي بدأ وقتها يعلمني تجويد القرآن بالطريقة الصحيحة بكل حُب واخلاص وتفاني من أجل مرضاة الله.."

عند آخر كلماتها لمعت عينيّ المصغية لتفرّ دمعة حنين رغماً عنها وهي تتذكر دروسي القليلة في تعليمها ترتيل القرآن مسحتها بظهر كفها وشقت ثغرها مبتسمة كمجاملة ومجيبة:
" هل تحبينه ؟!.."

" كيف لا أحب من يخاف عليّ من غضب الله ؟!...كيف لا اعشق من يغار عليّ من اعين الانس والجن ؟!...كيف لا أغرم بمن يمسك بيدي ليأخذني معه الى الجنة ؟!....كيف لا أهيم بمن يهتم لأمري بكل صغيرة وكبيرة؟!.....نتوه في هذه الحياة القصيرة ونقع في الفتن والمعاصي ...نحن في النهاية بشر ...لكن المحظوظ من وجد يداً تنشله من كل هذا والتعيس من حُرِم من ذلك!....."

ألقت خطابها ثم مدّت جذعها لتتناول هاتفها عن المنضدة....عبثت به قليلاً وقالت قبل أن تضغط على التشغيل:
" اسمعي صوته ما أجمله...حماه الله وحفظه من كل سوء.."

وما إن بدأ يصدح صوته في القرآن حتى بدأت كل خلية في جسدها تقشعر من شدة تقارب صوتي بصوته ليتبع القشعريرة دموعاً تنساب من عينيها كالشلال الذي يتدفق من الجبال بعد أن أحست بحسرة ومرارة لاذعة فانتبهت (رهف) لحالتها واغلقته في الحال مستغربة وهمست بخفوت قلقةً عليها:
" ما بك ألمى؟!...لمَ تبكين ؟!.."

تنهّدت بعد أن استبدّ عليها اليأس والكآبة من حالها وغمغمت مجيبة:
" صوته ذكـ...ذكرني ...بزوجي هادي!..."

سألت متعجبة:
" أليس زوجك رجل الأعمال يامن الهاشمي ؟!.."

رمقتها بنظرة مجروحة تفيض من الأسى أنهاراً ثم قالت وهي تبتلع ريقها وتشيح عينيها عنها:
" هادي ويامن .....اسمان لشخص واحد!...سلب قلبي وازهق روحي وتركني بقايا جثة تسير فوق الأرض من دون هوادة..!!...."

ثم رفعت بصرها إليها وسألتها وهي تبسط كفّها على صدرها وكأنها تربّت على نابضها النازف:
" كيف سأطفئ اللهيب المستعر داخلي؟!....لهيب وقوده عشق يأبى أن يتركني!.....هل أكذب وأقول أني لا اشتاق له؟؟...وربي اشتاق لكن هو من جرحني!....احتاجه بشدة وهو من بشدة خذلني ....كيف سأتخلص من العذاب الذي أنهكني ؟!...حبه عذاب وكرهه عذاب....قربه عذاب وبعده عذاب....لا اهتدي لشيء لا ..انا ضائعة في هذه الدنيا بتّ لا اعرف ما اريد وأين أذهب وماذا أفعل..؟!...فقط اسئلة واسئلة تدور في عقلي دون اجابات !!...وددتُ أن أفوز به وبأبي...قلت لنفسي إن كان مخطئاً وتراجع عن خطأه سأسامحه على التهم الشنيعة بحق أبي .....لكنه عاند وأصرّ وبعناده أسقى عنادي ....أنا وهو والقضية بيننا ...ربما عندما يخسر وأراه امام عينيّ مخذولاً ستخمد حينها نيران الجوى داخلي......لا بد أن أفوز...بل عليَّ أن أفوز.....سأفوز عليه وأرى انكساره كما كسرني حتى لو متّ وآخر أنفاسي كانت أنفاس عشقه...."

استمعت إليها موجوعة لأجلها ....فتلك السيدة الصغيرة التي طالما حكت لها عمتها عنها...حكت لها عن جمالها....براءتها وطيبتها....وحكت لها عمّا مرت به طوال حياتها ....لذا تعاطفت معها للنهاية دون أن تشك ولو لوهلة بصدق ما باحت به لها ولكن بحكمتها ونضوجها الذي يتخطى سنوات عمرها الخمسة وعشرون ترى دائماً أن الحلول بين ايدينا....كل مشكلة بنظرها لها حل وكل حل يأتينا ممن خلقنا.... من يكون أقرب إلينا منا ذاتنا....أليس هو من قال ...{{ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }}..؟؟

فأدلت بمحاولتها الأولى قائلة قبل أن تستقرا للنوم :
" في الصلاة والقرآن يتلاشى الهم والحزن...يندمل الجرح ويذهب الوجع....في قربنا الى الله يأتينا الفرج ....في قربه لذة تزيل الغشاوة عن أبصارنا وقلوبنا....سبّحي بحمد ربك وكوني من الساجدين وسيكون كل شيء كأنه لم يكن ..."

وتابعت تالية عليها بتجويد بعد بسم الله الرحمن الرحيم:
" ...{{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ(97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ(98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ(99) }}...."

كل كلمة منها وصلتها كأنها بصوتي.!!...كلمات تكررت على مسامعها في الماضي حين حطت يدها بيدي بأيامنا القليلة التي عشناها معاً كزوجين متحابين....كنت لها الهادي (المرشد) لسبيل مزروع بالأمل والنور تكون نهايته الجنة وكنت لها اليامن (المبارك) وأنا أقوم بالأعمال الحسنة من أجلها ومعها لأزيّن لها دنياها.....ولأنها ربطت كل كلمة صدرت من الجالسة قربها بي فاختارت عدم الرضوخ والانصياع واستسلمت لشياطينها رغم أن بين نبضة وأخرى كان وميض يحاول دفعها لتفعلها !!...يدفعها لتنهض وتتوضأ وتصلي بعد أن تركت الصلاة قبل حوالي اسبوع ونيف نكايةً بي لتحرقني !...وبينما كانت تسير في أروقة شتاتها لا تستطيع تحديد كفّتها..أتفعلها أم لا.... هزمها الشيطان ولمعت الفكرة في بالها لتكابر وتكابر وتلجأ الى الكذب هاتفة وهي تسدل الستار على سماءيها :
" لا يمكنني الصلاة.... لديّ عذر...الدورة الشهرية!!.."
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

أخرجتُ أنفاسي بقوة وأنا ألقي بثقل جسدي على سرير الطفولة والصبى في بيتنا الجبليّ بعد أن صليتُ الفجر قبل الشروق بدقائق قليلة..!!....مررتُ بساعات قاسية جداً منهكة للروح والجسد!!....لكن لا بأس فكلي كان فداءً لمهمة العمر.....تبسّمتُ سارحاً بسقف غرفتي حامداً ربي على اتمامها بنجاح رغم نكسة عشقي...كأني أعيش حلماً !!...لا أصدق أنني وأخيراً رأيتُ ذاك الوغد خلف قضبان السجن الأمني المركزي في العاصمة..!!....كنتُ قد تسللتُ الى البيت بخلسة كي لا اوقظ النائمين وقبل أن تراني أمي...نبض الحياة!.....فهي مؤكداً ستبدأ بموشحات البكاء على حالي بسبب اصابة ذراعي!!...تراءى أمامي الماضي وحالة القهر التي انتابتها عند ضرب الحرّاس لي في المخيم ...والآن سنعود من جديد للمشهد نفسه!....الذراع ذاته والمسبب الرئيسي للألم ذاته!....حقاً يا له من مسكين هذا الذراع...كم تحمّل بسبب ذلك اللعين!.......انقلبتُ على يميني بعد أن أحسستُ بتشنجات عند كتفي الأيسر المتأثر بالجرح الملتهب فلمع شيءٌ بعيني يختبئ تحت الاباجورة خافتة الاضاءة والتي توضع على المنضدة جانب سريري!....قفز الخائن فرحاً وشقت ثغري ابتسامة الحُب!....إنه مشبك شعرها الكبير بلونه النحاسي والمصمم على هيئة ورقة خريفية فيها ثقوب!!....لقد أهدتها إياه مربيتها في الماضي فهو كان من يتحمّل كثافة شعرها....كانت تهتم به كولد صغير!....حريصة جداً عليه!....إنه غالي عليها بسبب صاحبته وفائدته !!.....يا إلهي!...بدأ وجيب قلبي بالارتفاع بعد أن سخنت دمائي عشقاً وشوقاً وحنيناً لمالكته!....اتسعت ابتسامتي اكثر رغماً عني فخائني كعادته عندما يتعلق الأمر بها هو من يستلم قيادة مشاعري.!!....كيف لا ابتسم ولا افرح وأنا أرى بقايا أثر من روحي القابعة في تلك البلاد؟!.....عدلتُ جلستي مستقيماً , مستعيناً بمرفق يمناي وسحبته برفق وحذر وكأنني أحملها هي خائفاً أن تخدش اصابعي بشرتها أو كأنني امسد على شعرها الليليّ برقة......قربته من أنفي واغمضتُ عينيّ لاستنشق بعمق رائحة شعرها الأناناسي والتي تصيبني حد الثمالة....شعرتان ملتصقتان بأسنانه كانتا كفيلتين برد روحي هذه اللحظة!....زدتُ بسحبي لشذاها لأحبس ذرّاتها داخلي قبل أن تتبخر مع الزمن!....لو دخل عليّ أحد ورآني لظنني معتوهاً فاقداً لعقلي او مدمناً وسأكون في موقف مخزي ومحرج!....فليظنوا.... ما عاد شيء يهمني!....أجل أنا مدمن رائحتها ومجنون في حبها ولن يستطع أحد معالجة حالتي!...اتركوني أتنفس غرامها ...اتركوا خائني ينبض هيماناً بها ....اتركوا أرضي تشتاق لسمائها ...أو اقتلوني وحرروا دمي الذي يجري في عروقي علّكم به تنزعوا (ألمى) الروح من جسدي الحيّ والحيّ فقط مفتوناً بعينيها...!!.......ربي كريم معي!...فقدتُ عقدها الذهبي الذي عشتُ معه لسنوات محلقاً بسماءيها والذي لم يفارق لياليّ ليعوضني بقطعة أخرى منها تخص شلالها وبحرها الأسود وكأنه كُتب عليّ أن أغرق به دون الخروج من أعماقه!....كيف تنجحين باحتجازي بين سماءك وشلالك يا ابنة (عاصي)؟؟!....ما هذه الحرب التي تخوضينها ضدي ؟!....من قال عنك ضعيفة وساذجة ؟!....أنت تمتلكين أقوى العتاد العسكري لتهزميني دوماً.....تأسرين فؤادي بقطعة صغيرة منك....جعلتيني مريضاً مدمناً هواكِ... .تشرّديني من حالي بذكراكِ!!.....ماذا سأفعل وكيف النجاة؟!.أين سأذهب ومتى الشفاء ؟!......
هاجرتُ وكنتُ أظن أن اللجوء هو خيمة أو مأوى وسأتركه يوماً لأعود الى بلادي وبيتي.....لكني غرقت بلجوء آخر!!..فأينما ذهبت ومهما حاولتُ الاستقرار ظللتُ أحمل اسم لاجئ.....لأني ..... لاجئاً في سمائها..!!
[ آهٍ على قلبٍ هواهُ محكّمُ ..
فاض الجوى منه فظلماً يكتمُ ،
وَيْحي أنا بحتُ لها بِسرِّه ..
أشكو لها قلباً بنارها مغرمُ ،
ولمحتُ من عينيها ناري وحرقتي ..
قالت على قلبي هواها محرَّمُ ،
كانت حياتي فلمَّا بانت بنأيها ..
صار الرَّدى آهٍ عليَّ أرحمُ. ]
(( عنترة بن شداد ))

استلقيتُ مجدداً احتضن مشبكها بقبضتي واضمه لصدري شارداً بفكري الى عالمها الساحر للحظات حتى خلدتُ إلى النومِ.....ساعات قليلة ثم صحوتُ في أواخر وقت الضحى على أصواتِ كركبة وضجيج آتٍ من خارج الغرفة.....آه يا أمي.!!...إذاً هذه حملة تنظيف البيت!!!....قمتُ من مكاني جالساً على حافة سريري متمهلاً بحركتي وفركتُ شعري بيمناي ثم تأوهتُ متألماً فأنزلتها اقبض يسراي الجريحة....استقمتُ واقفاً واستدرتُ أتناول عن فراشي أمانتي الجديدة....مشبكها!....حملته وأملتُ فمي بابتسامة بائسة ومرارة بُعدها عني شعرتُ بها في حلقي....تنهدتُ بأسى ووضعته بدرج المنضدة وعزمتُ الخروج لنيل رضا نبض الحياة...فتحتُ الباب بهدوء فالتفتت مستقيمة بوقفتها من فورها مجفلة تضع يدها على صدرها تسمّي بالله لتتبعها شاهقة تلقي عصا المكنسة جانباً وتندفع نحوي لرؤيتها الضماد على ذراعي وأمسكت بيسراها يمناي وبأنامل يمناها أخذت تتحسس بحنية على اصابتي تنقل حدقتيها اللتين اغرورقتا بالدموع بين وجهي وذراعي وهمست بصوت متحشرج بينما كان وجهها يعتريه الوجوم ويغلفه القلق:
" ماذا أصابك يا ولدي؟!....ما..ما به ذراعك؟!....ما هذه الدماء؟!..."

وقبل أن أجيبها رفعت كفيها تحاوط وجهي وتداعب بإبهاميها ذقني وهي تمعن النظر بملامحي بعينيها الدامعتين وتابعت:
" متى عدتَ بنيّ؟!...اخبرني ماذا حصل؟!..."

عادت بنظرها تتحسس بيدها الضماد بخفة سائلة:
"هيا قل لي ما اصاب ذراعك؟!."

أجبت بهدوء محاولاً الهرب من مواجهة عينيها:
" اصابة خفيفة بالخطأ...لا تقلقي ولا تشغلي بالك....أنا بخير"

" إصابة سلاح أليس كذلك؟!.."

سألت بريب وهي تبتلع ريقها بحدقتين متسعتين فقلت بإيجاز:
" أجل!..."

وأكملتُ من فوري:
"قسماً أنا بخير!.."

وضعت قبضتها على كتفي اليمين تشد عليه وهتفت صارخة بلوعة قاطبة حاجبيها بضيق:
" كم أكره السلاح....كم أكرهه.....متى سننتهي من كل هذا؟!"

رفعت يدي احسس على صدغها وادخل خصلات هاربة من تحت حجابها اتطلع عليها بحنّية جارفة بينما كنتُ أنا مبتغياً حنيتها وهمست :
" عدت بعد الفجر ولم اشأ أن ازعجك..!!...ثم ألم تعتادي يا أمي؟!....بالله عليكِ لا تزعجي نفسك!!....كلٌّ منا خلق لأداء رسالة ونحن عندما اختارنا الله لنتواجد على هذه الأرض تحديداً والتي كتب لها أن تتجرع ويلات الحرب والظلم بسبب الخيانة والاستخفاف بالدين إذاً ستكون رسالتنا أن نحارب ...أن نحمي الوطن حتى آخر نفس في أعمارنا....أماه ....عليكِ أن تكوني أقوى ...تذكري كم أم فقدت ابنها ....كم بيت هدم وتهجّر أصحابه....كم طفل تيتّم؟!...دموع القهر لن تفيدنا ولن تفيدهم....فقط الدعاء ورضاكِ لأمضي في هدفي ساعياً لنشر السلام والأمان هو سيكون زادي ووقودي.....نحن حماة الوطن....سنفديه بدمائنا إن لزم الأمر لنكتب لأولادنا غداً أجمل بإذن الله...."

طرقت برأسها للأسفل وأسدلت أهدابها هامسة بحزن:
" لا ينفك لساني عن اللهج بالدعاء بنيّ من أجلك ومن أجل كل ابناء الوطن الشرفاء الذين تركوا لذّات الحياة واللهو بها فداءً للدين والأرض...كل ليلة أرجو من الله أن يحفظكم وينصركم...أن يسدد خطاكم....لكن خوفي عليك ليس بيدي يا مهجة قلبي والروح..."

رفعت رأسها تتطلع إليّ وحبست كف يمناي بين كفيها تبث دفء حنانها مستطردة بحرقة:
" أنا....أنا لا أتحمّل ان تصاب بخدش..كيـ....كيف لا قدّر الله...."
ابتلعت ريقها واستأنفت:
" كيف لو افقدك؟!...سأصاب بالجنون.."

لمعت عينيّ وتبسمتُ بعطف هامساً:
" ليكن الشر بعيداً عنك يا أم هادي.....الموت حق وسيأتينا لا محالة!....لا تسمحي لوساوس الشيطان أن تضعف ايمانك!...أنتِ زوجة القائد الشهيد البطل محيي الدين رحمه الله ....كوني قوية وخيرُ قدوة للنساء ولتكُن قدوتك أنتِ....الخنساء..."

رمشت بعينيها حباً لذكراه ....ذكرى بطلها وحبيبها الذي لن ينبض قلبها لسواه وشقت ثغرها باسمة بفخر ثم قرصتني من وجنتي بمداعبة هاتفة:
" وأم البطل القائد هادي محيي الدين الشامي ...فخري وعزّي حفظه الله!!.."

ثم جذبتني إليها تعانقني وتتوسد بوجنتها صدري وقالت بصوتها الحنون:
" حمداً لله على سلامتك يا مهجة قلبي....حمداً لله أنك عدت إليّ.... "

حاوطتها بذراعي السليم بقوة وقبّلت أعلى رأسها من فوق حجابها البيتيّ الوردي الذي تعقده للخلف وقلت بينما عينايَ تلمعان بعبرات كانت مزيجاً بين القهر من حالي والفرح لإتمام المهمة بنجاح :
" سلّمك الله أماه....سلّمك الله... ها أنا عدتُ إليكِ في النهاية وغير مهم اصابتي فالأهم الآن هو أنني عدتُ سالماً حاملاً معي انتصاري...."

وأبعدتُها عني حتى بدأت دموع الوجع وغصّة فراق حبيبتي بالهرولة على وجنتيّ بينما الضحكة لم تفارق شفتيّ وأردفتُ ومشاعر مختلطة تداهمني:
" الآن باركي لي أماه....اجتزنا أصعب مرحلة في المهمة وسيكون احتفالنا الأكبر بإذن الله بعد صدور الحكم في حقه ....ادعي أن لا تطول المسألة....ادعي في صلاتك لنحرر أحزاننا من داخلنا ....ادعي لننقّي بلادنا من الخونة....ادعي لنرفع علمنا في العالي من أجل وطننا وأبي الغالي.."

كانت تشاركني الدموع والضحكات وكنتُ أقتل بإبهامي بلطافة كل دمعة تجرأت للسير على وجنتيها وتابعتُ منحنياً أكثر صوبها لأصل طول قامتها :
"زيدي بدعواتك لي وضاعفي رضاكِ عليّ....صدقيني هذا جل ما احتاجه كي أستطيع المتابعة دون أن أنهار!!..."

وأضفتُ بنبرة أخرى:
"يا لسعادتنا أمي...يا لسعادتنا.....نجحنا بتوفيق من الله "

لفت انتباهها تهدّج صوتي في جملتي فقطعت ضحكتها ورفعت كفها تمسح شعري ونزلت بها لتمسح دمعة تركت اثراً على خدي وهمست بتساؤل:
" عزيزي هادي.."

" اؤمريني يا نبض الحياة..."

استمرت تداعب وجهي بأناملها وقالت:
" هل أنت حقاً سعيد بنيّ.؟!.."

انتصبتُ بجذعي ثم تهرّبت بحدقتيّ جانبا...تنهدتُ بخفية وعدتُ راسماً ابتسامة صلبه وهتفت مسترداً القوة بصوتي :
" أتسأليني أمي وأنت تعلمين أن هذا اليوم كان هو حلم حياتي ومن أعظم طموحاتي وأصعب أهدافي؟!.."

" وألمى؟!.."

حروف اسمها جعلت تياراً كهربائياً يسري حتى في أدق عروقي لكني تسلّحتُ بالثبات وأجبت:
" ما بها أمي ؟!....انتهى كل شيء بيننا!...اختارت طريقها التي تشاء!... "

ثم أكملتُ مغيّراً الموضوع واضعاً كفي على بطني بضحكة مزيّفة:
" يا ترى ماذا ستطعمني اليوم أم هادي؟!...فأنا جائع..."

ضحكت ووضعت ذراعها خلف ظهري متناسية موضوع تلك المدللة عمداً ودفعتني برفق للنزول معها على السلالم الدائرية العملاقة هاتفة بصوتٍ مرح:
" الآن ستتناول فطورك لتستردّ صحتك...وجهك شاحب !....أما الغداء سيكون ان شاء الله طبقك المفضل.."

سبقتها هاتفاً كأنني عدتُ طفلاً بين يديها:
" ورق العنب؟!..."

ضغطت بذراعها على ظهري وخصري شوقاً تشدد باحتضاني عند وصولنا آخر السلالم وقالت:
"أجل ورق العنب.... لن اتركك اليوم....سأحرص على أن املأ لك معدتك كل ساعة ....لا يعجبني نظام أكلك ولا أستسيغهُ في عقلي!..."

اطلقتُ ضحكاتي قائلاً عند دلوفنا المطبخ:
" ماذا؟...هل ستسعين لبناء كرش لي وتدمير جسدي ؟!..."

قالت وهي توليني ظهرها لتخرج بيضاً وخضاراً من الثلاجة بينما انا اتخذتُ كرسياً عند الطاولة في وسط المطبخ:
" لا تخف على جسدك وعضلاتك...ستبقى جذاباً مهما زدت في الوزن او تقدمت بالعمر!..."

" بالطبع فأنا ابنك...لن تريني قرداً ابداً .."

قلتُ مازحاً ثم حككتُ رأسي مضيفاً بعد أن خطرا في بالي:
" صحيح تذكرت!....سيأتي أبي ابراهيم وخالتي مريم خلال يومين....هل لديك علم؟!.."

" أجل....أخبرتني خالتك....بالسلامة ان شاء الله..."

" ان شاء الله.!!..."

قلتها ثم أردفتُ هاتفاً:
" سيقيمان بفندق في مدينتنا.....لقد رفض المكوث عندنا ولكن بالطبع علينا تحضير عشاء معتبر فهذه ستكون الزيارة الأولى لأبي ابراهيم لبيتنا كما أنه من المحتمل وليس مؤكداً أن يأتي السيد سليم لمناقشة بعض المواضيع الهامة وكذلك لتهنئتنا بإتمام المهمة الحمد لله..."

اومأت توافقني وهي تتابع تحضير الفطور بينما أنا صمتُّ برهة ثم لحقتُ كلامي سائلاً بفضول:
" أين الشقيّان؟!....هل ذهب شادي للمدرسة؟!.."

" كلا....سهر حتى وقت متأخر ونحن نتابع الأخبار وننتظر قدومك...فأشفقتُ عليه ولم ابعثه للمدرسة...هو ما زال نائماً ولن ينهض الّا بعد الظهر بعد أن يرهقني حتى لو حدث زلزال في المكان"
تبسمتُ وسألت:
" ودنيا؟!."

" اضطرت للذهاب الى الجامعة عليها تسليم مهمة ..."

أجابتني ثم التفتت نحوي تتابع:
" يومان أو ثلاثة على الأكثر ان شاء الله ثم سيأخذها سامي ليستقرا في بيتهم..!."

" حقا؟!."

ردت بصوت خفيض يفيح منه الحزن:
" أجل!...لا اعلم كيف سأعتاد على غيابها؟!....الآن سأشعر أنها تزوجت فعلاً.."

ضحكت وقلت:
" يا إلهي....أمي ها هو بيتها على بُعد بيتين او ثلاثة منا ...لو ناديتِ ستسمعك في الحال!....هذا الأصح لها...أن تستقر في بيت زوجها وتهتم به وتواصل بيت حماها....عليها أن تتحمل مسؤولية ما هي مقبلة عليه !...غداً ستصبح أماً بإذن الله...."

" وأنت؟!.."

غضنتُ جبيني بعدم فهم وسألت:
" ما بي أنا؟!.."

ردت فوراً:
" ماذا ستفعل بشأن زوجتك؟!...إلى متى ستبقيان على هذا الحال بعيدين عن بعضكما؟!.."

تبدّلت ملامحي ليصبح وجهي متجهّماً وقلت بجدية أخدع نفسي:
" موضوعنا منتهي...لقد افترقنا!...نحن لسنا لبعضنا.....لا حاجة لفتحه..."

هتفت غير مصدّقة تعرّيني من ذاتي :
" لمعة عينيك وتوهّج أنفاسك وصوتك تقول غير ذلك!.."

رددتُ بانزعاج مشيحاً نظري جانباً:
" مظهري أو ما وصلك مني لا يغير حقيقتنا وطبيعة علاقتنا....فلنغلق هذا الموضوع أمي من فضلك!.."

" اذاً متى ستطلقها؟!.."

بسؤالها هذا كانت كأنها أطلقت رصاصة لتستقر في قلبي!....ربما سيأتي هذا القرار لتفترق طرقنا فعلاً....لكنه صعب....صعب جداً....يكفيني أن أعيش باقي حياتي واسمها يرتبط باسمي ....أن تكون تابعة لي حتى لو لم أرها.....أنا أعلم كم كلبٌ سيحاول اصطيادها إذا تحررت مني وهذا ما لا اطيق التفكير به....لتكُن أنانية مني... فالوقت مبكر بالنسبة لي على هذا الحديث ولتبقى معلّقة.....اسبوعين...شهرين....س نتين...وربما لآخر العمر!!

أجبتها متهرباً بهدوء يعاكس ضجيج أفكاري:
" لستُ متفرغاً للانشغال بهذه التفاهات الآن....سأرى عندما اتخلص من كل شيء يخص القضية ويرتاح بالي....حتماً...سأطلقها...."

قالت وهي تضع طبق الخضار المقطعة أمامي بينما تحرك رأسها رافضة الحال الذي وصلنا اليه:
" الموضوع مهم وأساسي لحياتكما وليس تفاهات!!....والحمد لله أنكما لم ترزقا بأطفال وإلا لضاعوا بينكما..."

وأدبرت الى الموقد ترفع الغطاء عن ابريق الشاي الذي يغلي واستطردت:
" أرجو أن لا تتأخر بتحريرها منك ما دمت تنوي الطلاق....مسكينة علّها تبني حياة جديدة لها....لا يصح حجزها إن كنتَ لا تريدها فعلاً ولن تسعى للإصلاح بينكما"

حياة جديدة لها؟!..أنا لا أريدها؟!..هل أسلّم بنفسي عينيها لآخر؟!...أأقدم روحي بيديّ لغريب؟!.....جميعكم متوّهمون فصاحب الحُكم هو الخائن الوفيّ لها...من ينبض حبها ....هو فقط!...حتى عقلي لم يعد يحاربه وترك كامل السلطة له....!!

بينما كنتُ أجيبها داخلي بصمت التفتت إليّ مكملة:
" وأنت ما تخطيطاتك بشأنك؟!.."

أجبتها كاسراً صمتي بحماس متقن:
" أول مشروع بعد الحُكم على المجرم عاصي هو ذهابنا أنا وأنتِ إن شاء الله الى بلاد الحرمين لنؤدي عمرة عن روح أبي ...نسأل الله أن يوفقنا ويتقبّلها منا!.."

تفتّحت أساريرها وبرقت عيناها بحماس حقيقي هاتفة:
" رائع....كم أنا تواقة لذلك...أرجو من الله أن يكتبها لنا!.."

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

ضوضاء لم تسمعها آنفاً.....تمتمات جديدة عليها....صوت جارة تنادي على جارتها.....طرقات قوية تأتي من الخارج.....هؤلاء النساء يطرقن السجاد لتنظيفه!!....فزّت من نومها تجلس مفزوعة بشعرها المنكوش الذي يغطي جزءاً من وجهها... تغضن جبينها وتفتح عينيها نصف فتحة بسبب النور القوي الآتي من النافذة على يمينها والتي تطل على زقاق الحارة وحرّكت رأسها على الجهتين وهي تزيح خصلات شلالها الأسود التي يلتصق بعضها بفمها لتستوعب أين هي ثم أزاحت الغطاء عنها وأنزلت قدميها الأرض وتمطّت في مكانها مبتسمة مرتاحة بعد أن شبعت نوم.....تفحّصت حالها وأفرجت شفتيها لتظهر ثناياها اللؤلؤية وهي ترى المنامة الطويلة والواسعة الى حدٍ ما عليها بسبب جسدها الصغير وقامتها القصيرة مقارنة بـ(رهف) ثم وقفت متجهة تفتح الباب خارجة من الغرفة لتلتقي بتلك الفتاة وتهمس بنعومتها:
" صباح الخير رهف.....هل استيقظت خالتي سهيلة؟!.."

" أجل..."
اجابتها باسمة بتواضع واردفت :
" آمل أن تكوني ارتحتِ في نومتك.."

ردت عليها بإيماءة خجولة برأسها تؤكد على جملتها لتتابع الأولى هاتفة بهدوء وهي تشير لآخر الرواق:
" اذهبي الى الحمام ثم الحقي بنا الى الشرفة هناك لنفطر معاً.."
×
×
×
كانت الشرفة صغيرة المساحة لكنها ساحرة تبهج النظر وتشرح الصدر فيها جلسة من الخشب مع فرش بسيط مورّد وتلتقي بسقفها لتعانقان بعضهما شجرتيّ البسفلورا والعنب ومن الجوانب تحفهما الأزهار بألوانها الزاهية التي توزّع على سطح سورها وبينها قطة تستلقي وتلعب بذيلها ناظرة للأعلى تراقب العصفورين المحبوسين بالقفص المعلّق بالسقف....كانت كأنها جنة تخص بيتهم المتواضع.....كانت (ألمى) تجول بنظرها مستمتعة بهذا المنظر والجو الساحر ومن حين لآخر كانت تختلج صدرها الغصة عندما تسترق النظر لعصفوريّ الحب مما لفت انتباه التي قالت بحب وهي تراقبهما:
" هذان عصفورا الحب جلبهم بكر لي....جميلان أليس كذلك؟!.."

شعرت بطعم العلقم بفمها والحزن هذه الدقيقة عاد ليستوطن فؤادها ليظهر بدموع أُحتجزت بمقلتيها عندما ربطتهما بعصفوريّ الحب خاصتنا وما كان مصيرهما وأشاحت وجهها جانباً مجيبة بخفوت وصوت مبحوح :
" أجل..جميلان..!.."

قالتها بألم بينما تابعت (رهف) تحكي لها بعض من حكاياتها مع خطيبها والعصفورين....كانت تلك تحكي والسرور يغمرها أما هي أحسّت بالغبطة منها وكادت تحسدها على السعادة التي تعيشها رغم بساطة حياتها....لقد أيقنت أنها المسكينة وليس أهل هذا الحيّ البائس!!....امتلكت الماديات وفقدت المشاعر.....يا الله كم أن حالها يثير الشفقة!...لقد أشفقت على نفسها من النقص الذي تعيشه والفقر المدقع الذي تعانيه بحياتها شحيحة المشاعر!!...ومع أن الفتاة كان حديثها جميلاً لا يمل منه بل كان سيكون ممتعاً لأي شخص طبيعي الّا أنها هي بالذات كان يصلها كنار تحرقها وإبر تنخر جسدها وسكاكين تغرز بروحها ...كانت بقصصها تقلّب عليها المواجع وهي تعود بذكريات حبنا واللحظات الحلوة التي لا تُنسى مهما كانت قليلة ففضّلت اغلاق هذا الحديث الذي أحيا آلامها وأعادها الى مرارة واقعها قائلة توجّه كلامها لمربيتها السيدة (سهيلة):
" عليّ الذهاب خالتي!.."
بحنوٍ ونظرة عطوفة مدّت يدها تضعها فوق يد (ألمى) المركونة على الطاولة وهمست:
" اخبريني صغيرتي ...ما هي خطوتك التالية؟!.."

ردّت واثقة بقرارها بعد أن عصفت بها الأفكار ليلاً باحثة عن حلول لمعضلتها والكارثة التي المّت بحياتها :
" سأذهب للحديث مع محامي شركة أبي السيد وجيه رستم لنوكل محامي ثقة وقوياً ومناسباً ليمسك قضية أبي!...كل دقيقة احتاجها لا اريد أن اتأخر"

وأغمضت عينيها بأسى لتقفز دمعة من احداها عطفاً على والدها وأكملت:
" الله اعلم كيف حاله وكيف نام في السجن.."

وفتحت تكشف عن سماءيها الملبدتين بغيوم القهر وقلة الحيلة وتابعت تهز رأسها لينزل ماء عينيها بغزارة هاتفة بنشيج وأنفاسها مضطربة:
" لا استطيع أن أتخيله....أبي حبيبي الذي عاش بالعز يأتي يوم ويُذل به بسبب خونة ظالمين يسعون وراء مصالحهم الشخصية ومطامعهم..."

" اهدئي صغيرتي...اهدئي يا ابنتي...لا توجعيني عليكِ حبيبتي....ما اراده الله سيكون....سيظهر الله الحق مهما طال الزمن وسيبدّل الحال لأحسن حال.......لا تبكي !.."

حاولت تهدئتها والتربيت عليها بحنان ولما هدأت وانتظمت أنفاسها استأنفت هامسة بتساؤل:
" أتعلمين أي مبالغ تحتاجين لمثل هذه القضايا ؟!.....وخاصة أنك ببلد ووالدك ببلد!....و...وكذلك الدولة حجزت على ممتلكاته وحساباته كما قلتِ وكما أشيع في الصحف.."

هزّت رأسها ايجاباً بينما كانت تسلّط حدقتيها على الطاولة وهتفت دون تردد:
" سأبيع القصر لأوكل أمهر المحامين هناك ثم سأشتري بيتاً صغيراً يكفيني..!.."

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

الجو لطيف يتشح بأنوار المساء الناعمة وتداعبه نسمات ربيعية تسبق أوانها لتحرك ستائر غرفة الضيوف بخفة وكأنها ترقص على صوت ضحكاتنا لتشاركنا سعادتنا ونحن نجتمع في بيتنا الجبليّ بعد أن تناولنا وجبة العشاء بحضور أبي (ابراهيم) وخالتي (مريم) وصهرنا الغالي توأم روحي برفقة صديقيّ (بلال وأحمد).....كانت من أجمل الأمسيات التي عشناها بعد ثلاثة ايام من انهاء مهمتي !...كنا نتسامر ونتمازح كرجال بين بعضنا بينما كانت النساء يجتمعن في غرفة المعيشة لننتقل بعدها لأحاديث أكثر جدية وبينما كان (سامي) يمدّ صينية القهوة ليضيّف أبي (ابراهيم) تنحنحت موجهاً سؤالاً للأخير:
" هل قررتما الاستقرار هنا؟!"

أجابني بحيرة شارداً بنظراته للفنجان الذي بيده:
" لم نقرر بعد!...لكني أفكر بأن أشتري بيتا صغيراً لنا هنا لأجده في حال جاء أي قرار مفاجئ مني أو حتى لمثل زيارتنا هذه رغم أن هذه الفترة تراكمت الأعمال عليّ بسبب انشغالك وما أنا متأكد منه ايضاً أنك ستستلم ادارة شركتي والدك بعد الآن ولربما لاحقاً نستطيع ربط شركاتنا ببعضهم بشكل رسمي لنتعاون بسهولة!...."
أجبته مؤكداً على كلامه:
" بالضبط هذا ما فكرت به....أن نربط الشركات ببعضها!....أما بالنسبة للإدارة فأظن أنني سأديرها بشكل جزئي وليستمر بلال وأحمد ومراد صهر سامي بالاهتمام بهما..."

تنهدتُ متابعاً:
" فأنا لديّ طموحاً آخراً أكبر من ادارة الشركات!.."

تململ (سامي) ناصباً كتفيه وسائلاً بفضول:
" أتعني أنك كلمت السيد سليم وأخبرته برأيك؟!.."

لويتُ فمي بتيه مسلطاً نظري الى الفراغ وأجبت:
" ليس بعد!....لنرى أولاً الى اين سنصل بقضية الوغد!.."

نطق أبي(ابراهيم) متسائلاً بريب:
" هل تقصد أنه من المحتمل رفضك لقيادة الحزب مثلما رسم وخطط لك السيد سليم على مدار سنوات ؟!.."

انحنيتُ لأتناول فنجان القهوة عن الطاولة أمامي وقرّبته لفمي مرتشفاً منه ثم هتفت بصوت هادئ وواثق:
" تلك الأمور ليست ضمن مجال اهتماماتي!.."

عدّل جلسته متأهباً يضع فنجانه بالصينية وهتف مستنكراً:
" ما الذي تقوله؟!...نحن سعينا وما زلنا نسعى لتصبح رئيس حزب الثوار ومن ثم لمناصب أهم وأعلى من أجل ادارة الوطن!....ماذا دهاك بنيّ؟!.."

نظرتُ مع ابتسامة طفيفة ترتسم على محياي لوجوه اصدقائي الجالسين ازائي يصغون لحديثنا لأعود مجدداً مثبتاً عينيّ بعينيه مجيباً بهدوء تام:
" هذا المنصب يليق فقط بالسيد سليم علّه يسير من خلاله ليكون وزير الدفاع!....أما أنا هدفي هو الانضمام لجيش الدولة مثلما كان أبي....لكنني لن اخطئ خطأه....لن أتنازل عن بندقيتي ولا منصبي ودوري أبداً....بل أطمح أن أكون رئيس أركان الجيش والقائد العام!!... ..لن أعطي الفرصة للخونة في الداخل أن يسرحوا ويمرحوا ويعيثوا الفساد أو يبثوا الفتن التي تنخر أساساتنا وتزعزع بلادنا كما فعلوها بالسابق!!......أبي نجح ببناء عائلة موحدة متينة من الثوار ليكون نداً ويسحق هؤلاء الانجاس أما أنا سأبقى بينهم....لن أكون نداً الّا للظلم.....سأجاهد حتى نكون جميعنا سواء ثوار, جنود بمختلف قواتهم, شعب, معارضين وحلفاء عائلة واحدة مترابطة ومتصلة في بعضها ....فمهما اختلفت آراؤنا لن نفسد للود قضية!....نختلف على طاولة المفاوضات ولكن يبقى حب الأرض هو من يلمّ شملنا....نختلف ونحترم بعضنا وفي ساحة المعارك نتكاتف لنكون كالجسد الواحد لحماية وطننا من الأعداء داخله وخارجه...أتمنى أن أبني جيشاً قوياً مخلصاً...ارشدهم للحق والطريق الصحيح...أبدأ معهم من الصفر...أكون مثالاً للأب الحقيقي..أمسك بيدهم في خطواتهم الأولى...أراقبهم في الوسط خوفاً أن يزلوا حماية لهم ثم أثق بهم بعد أن أجني ما زرعت داخلهم في باقي سنواتهم.....كنتُ أرى دائماً أن الجيش هو القلب النابض للدولة التي تشبه الجسد...بنجاحه الحياة وبفشله سقوطها ثم الموت!....لطالما ربطتُ هذا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ((ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))...القلب هو السلطان على الجسم وكأنه الملك....إذا صلح هذا الملك صلحت معه حاشيته وستكون مخلصة له...وهكذا الجنود اللذين يعتبرون مصدر القوة للدولة....إن صلحوا سيصلح كل شيء أي الرعايا والشعب بأكمله.....لن أتنازل عن طموحي هذا سأخلص النية وسأصل بعد توفيق من الله بعزيمتي وشغفي وحبي لوطني...."

اتسع فمه بابتسامة حقيقية حنونة يملؤها الفخر ورفع يده يشدّ على كتفي وقال باعتزاز:
" حفظك الله يا بنيّ....لو كان والدك بيننا لتباهى بك بين جميع الناس.."

قاطعنا (بلال) قائلاً بقلق:
" إذا استلم الحكم حزب الثوار سيسهل عليك الوصول لما تسمو إليه.....ماذا لو كان عكس ذلك؟!.."

رددتُ بقناعة محافظاً على هدوئي وابتسامتي:
" أتمنى أن يأخذها حزب الثوار ليس من أجل حلمي!....بل لأنني واثق كل الثقة أنه حزب اصطفى خيرة رجال الوطن.....يجمعهم الحق ويفرقهم الموت!....وإن لم يكن نصيباً لهم سأسعى لأثبت نفسي بمجهودي ثم أتقدّم وأترقّى حتى أصل لهدفي دون يأس....كأي مواطن شريف في الدولة له حقوق وواجبات دون انتماء لأي حزب..!.."

أسند(أحمد) ظهره ليجلس براحة وقال بتباهٍ وشموخ :
" هذا هو صديقي ابن محيي الدين الشامي.....من الآن سأكون أول المساندين لك وسأمضي معك في طريقك..."
أهديته ابتسامة الصداقة الحقيقية ووقفتُ ليتبعني واقفاً ثم تقدمنا بخطواتنا لنلتقي وتعانقنا عناق رجولي ثم تحررنا لنضرب قبضتينا ببعضهما وقلت وأنا ابسط كفي أمامه :
" اذاً هيا لنجدد عهدنا.."

رفع حاجبه بإباء وابتسم ابتسامة مائلة كلها ثقة وهتف وهو يضع كفه بكفي:
" على العهد باقون.."

وما إن لبث ينهي كلمته حتى أضحى جانبينا (سامي) و(بلال) يضعا كفيهما فوق كفينا هاتفان بعزيمة واصرار:
" ونحن للعهد أبداً لن نخون..."

فتعالت ضحكاتنا الرجولية مع نبضات قلوبنا النقية الوفية ثم وضعنا أيدينا على أكتاف بعضنا وأملنا رؤوسنا لنلصق جباهنا ببعضها ونغلق الحلقة بقوة ومتانة كأننا نخبر الجميع أنه لن يستطع أحد فك صداقتنا أو تخلخل وتقلقل عهدنا مهما حاولوا وهتفنا بصوت واحد:
" دماؤنا فداءً للدين والأرض "

وعلى صوتنا تحررت دمعة أبيّة من الجالس يراقبنا بسرور وبهجة معتّزاً بنا....!!

~~~~~~~~~~~~~~~~~
دائماً ليلة الزفاف حيث سيجتمعان الزوجين تكون ليلة من ليالي العمر المميزة والفريدة وخاصة إن كانا عاشقان لبعضهما ومن عاش فيها أجمل اللحظات يرغب لو أنها تتكرر مرة وأكثر من شدة روعتها وجمالها.....وجاء اليوم ليحالف صديقي وتوأم روحي الحظ لتتكرر عنده هذه الليلة بمميزاتها وسحرها....فها هما يدلفان إلى ساحة بيتهما بعد منتصف الليل مباشرة فور انتهاء سهرتنا اللطيفة ليكتبا ليلة جديدة من عمرهما ولتكون أول ليلة في بيتهما الزوجيّ الحقيقي وعشهما الدافئ دون مداخلات ودون كبت للمشاعر ومراقبة التحركات ....سيعيشون الحُب دون قيود....سيمرحان دون شروط....ستشهد كل زاوية لهما على أوقاتهما المليئة بالعشق....سيبصمان بأنفاس غرامها حيطان هذا البيت.....لقد أتت اللحظة الحاسمة بعد غيابهما عن بعضهما أياماً عديدة.....فأي عقبات قد مرّا بها ؟....سوء الفهم الكبير الذي حصل بينهما ليتبعه قدومي وزوجتي الى الوطن مما أجبرهما على عيش هذا البُعد لحين تجهيز مسكنهما.....كم كان قاسياً عليهما الفراق المؤقت هذا!!....كيف وصلا لحال أن يناما بشكل منفصل؟....كيف تحمّل ذاك الجبل الشامخ العاشق لشهد عينيها بُعدها؟....كيف سمح أن تفارق حضنه ؟....أما هي كانت تنام كل ليلة وكأنها تتقلب على الجمر....الغرفة التي جمعتهما في قصرنا أصبحت كئيبة من بعده...كانت تشعر كأنها فقدت قطعة من روحها وكأن الفراغ القاتل استحوذ على عمرها ....كيف لا تشعر بهذا وهي بعيدة عن حبيب عمرها ؟!...عن أشقرها الوسيم...زوجها الحنون ووالد ابنها!.....
حين توقفت السيارة أمام مدخلهما الذي يحيطه عن جانبيّ درجاته النصف دائرية القليلة قوارير من الورد الطبيعي بألوان بهية تسرّ النظر وتنعش الروح ترجّلت (دنيا) تحمل حقيبتها الصغيرة الأخيرة الباقية لها والتي تحوي على بضع من ملابسها فأخواتها قد سبقنها لبيتهما هذا!! ومسكت طرف عباءتها السوداء الواسعة كي لا تتعثر بها....لقد ارتدتها لتغطي ما تحضّره من مفاجأة تحتها فهي الآن تعيش وكأنها عروساً حقاً....بيت جديد واشتياق من بَعدِ بُعد.!!....إذاً لن تبخل عليه وعلى نفسها ليسجلا ليلة مذهلة يضيفان بصمة من بصمات عشقهما !!..تجهّزت له وأخفت زينتها ......لحق بها (سامي) من فوره يمسك بها وهي تصعد أول درجة هاتفاً بحماس يتضاعف في قربها:
" انتظري..!"

تطلعت عليه مبهمة وطيف من الحياء المولود بعد توقها له يزيّن وجهها وهمست:
" لمَ انتظر؟....معي مفتاح!.."

شبك أنامله الطويلة بأناملها الناعمة بتملّك دافئ يسحبها برفق خلفه بعد أن رمقها بنظرة تذيب الجليد من حلاوتها حتى وصل الباب مما جعل تماساً كهربائياً يصعق قلبها ويخلّ نبضاته وهي تسترجع لحظة بلحظة ليلتهما الأولى معاً وكان هذا التماس لم يرحم ذاك ايضاً المحروم من نار قربها الفاتن ففتحه على عجلة وجذب حقيبتها منها ليدخلها خلف الباب من الداخل ثم عاد مسرعاً ليلقفها بين ذراعيه كما حلم دوماً أن يلج بها البيت مسمياً بالله وهو يغلّفها بحضنه مع صوت ضحكاتها السعيدة التي تصدرُ منها بكل حُب وقد شهقت متفاجأة من حركته ولم تخذله فعلاً وهي تشعره بما تمنّى وكانت سريعة البديهة تتجاوب معه تلف ذراعيها على عنقه وتتكئ بوجنتها على كتفه كطفلة تحتاج للحنان والأمان وأنثى تستعد لاستقبال الهوى ولحظات الهيام من شريكها المتيّم بها ثم ركل الباب بقدمه ليغلقه ولم يكُن يرى أي شيء من حوله ولم يهتم ليلقي أي نظرة هنا أو هنا وكان كل ما يشغل تفكيره أن يريها مفاجآته لها ومن ثم الغرق في نبع العسل الموجود في حدقتيها ليجدد عهده بحبها فهو العاشق الولهان لهذه الدنيا صاحبة عينيّ الشهد والتي لن يسمح لقلبه بالنبض لغيرها كعهدٍ قطعه على نفسه ساعة وقوع عينيه عليها في أول لقاء جمعهما بعد العودة من الهجرة..!!...صعد بها السلالم وحدقتيه لم تفارقاها مع ابتسامته الحنونة التي تصهر قلبها ثم توقف عند باب غرفة مخطط أن تكون لابنهما (سليمان) وأنزلها من حضنه قائلاً بثقة والحماس ذاته:
" استعدّي للمفاجأة..."

علا وجيب قلبها بلهفة لترى ما يخفيه أشقرها خلف هذا الباب !....عدّ للثلاثة ثم فتحه بطلاقة لتقف متسمّرة مكانها عند وقوع نظرها على ثلاثة أسرّة خاصة للأطفال بلونٍ أزرق والطلاء يتناسق مع تصميم الغرفة وباقي اثاثها باللونين الأبيض والأزرق وليس هذا ما صدمها فقط !...إنما متجر الألعاب الذي يغطي الأرض بأحجام مختلفة وأكثر ما ضاعف من صدمتها هو ما كانت تخشاه دوماً عندما كان يلقي مزاحه رغم أنها كانت تواسي نفسها أنها مجرد مزاحات لا صلة لها بالواقع....أجل.!....الضفادع!!.... الغرفة مليئة بالضفادع بكافة الأحجام والأنواع كما توعد دوماً....كانت من البلاستيك والقماش ولم يكتفِ بهذا بل أغطية الأسرّة يرسم عليها ضفادع صغيرة ويا ليت توقف على هذا !....إنما المصباح الكبير الذي يتوسط السقف عبارة عن ضفدعة خضراء كبيرة تخرج لسانها ويمكن التحكّم بلون الضوء المنبعث منها فمع كل ضغطة على المفتاح الكهربائي يتبدّل لونها ...تارة أبيض وتارة أصفر والثالث هو أخضر خافت لإضائته أثناء النوم....!!....أغمضت عينيها وسحبت أنفاسها ثم زفرتها على مهل تحاول السيطرة على انفعالها بينما كان هو يراقب التحولات على وجهها والتي كان يتغير معها الملامح على وجهه من قمة السعادة لمعالم بلا مغزى فهتفت بصوت خفيض خرج جافاً:
" ما هذا سامي؟!....أيعقل حقاً ما اشاهد أمامي؟!.."

أجاب رافعاً حاجبه باستنكار:
" لمَ أنت متفاجئة بصدمة؟!....لطالما أخبرتك أنني سأملأ غرفة الأولاد بالضفادع...فأنا احبها...."

تنهّدت تكرر ضبط انفعالها وقالت بينما ما زال نظرها داخل الغرفة:
" لم اتوقع أنك كنتَ جاداً لهذه الدرجة!...."

حرّكت رأسها لتتطلع عليه تحدّجه بنظرات غاضبة وأكملت:
" والأسرّة؟....ما قصتها ؟!....أنا حامل بولد واحد وليس توائم!.."

اقتربَ منها باسماً ووضع كفيه على كتفيها منحنياً ليقابل وجهها وهمس جاداً:
" قلتُ لكِ ايضاً أنني أريد ثلاثة اولاد خلف بعض أي كل تسعة شهور بإذن الله !....قلتُ لكِ أم لا ؟!..."

ضغطت على شفتيها مقهورة ثم فتحتهما ناطقة:
" أنت غير معقول يا سامي...حقاً غير معقول!....هل أنا آلة لصنع الأطفال وأنا لا أدري؟!..."

وتركته تستدير بهمّة دون أن تنتظر أي رد منه وتخطو بغضب حتى وصلت غرفتهما وما إن فتحت الباب حتى صرخت وهي تضع يدها على جبينها :
" يا إلهي ...يا إلهي!!....ماذا يفعل هذا السرير في غرفتنا ايضاً؟!..."

فأجاب من بعيد بكل برود وكأنه ينوي على اصابتها بسكتة قلبية:
" بالطبع لن نترك سليمان ينام وحده في شهوره الأولى.....أليس كذلك حبيبتي؟!.."

تأففت تضرب قدمها بالأرض ثم تابعت دخولها للغرفة ليلحق بها على عجلة وعند وصولها لجانبها من السرير جلست ترمي حمل جسدها عليه وسحبت حجابها ثم ألقته جوارها وشرعت بفتح سحاب عباءتها تريد أن تنام وتنام فقط وليجرؤ على الاقتراب منها هذه اللحظة إن استطاع وهي تنفث لهباً من النار المتأججة داخلها ولما وقفت لتحررها عنها بالكامل التفتت صوب المنضدة فرأت فوقها عدة كتب وهنا نجح بإعادة الابتسامة على محيّاها لأنه وُفّق بجلب شيء يسعدها....الروايات البوليسية وروايات الرعب...أكثر ما تحب!...نفضت جسدها لتنزل العباءة عنها فظهر من تحتها قميص النوم الليلكي الناعم الذي يدمج بين الانوثة والبراءة وعادت لتجلس على السرير متهللة الأسارير فرحانة بهديته وحملت الكتب جميعها ووضعتها في حضنها لترى عناوين الروايات السفلية فالأولى قرأت اسمها ولمّا أزاحتها انقتلت ضحكتها وهي تقرأ على الكتاب الثاني ( الأكل الصحي أثناء الحمل )....صبرت ولم تبدي أي ردة فعل وأبعدته ليخرج من تحته ( تعليم الرضاعة الصحيحة ).....ثم ( أنت وطفلك )....و ( الأم المثالية )...كانت تقرأ عنوان تلو عنوان بينما هو يراقب متكئاً بظهره على أطار الباب يستعد لأي قذيفة ستلقيها عليه فقد خمّن أنه لربما قد بالغ قليلاً وتسرّع بجلب الكتب دفعة واحدة وهمس بسره " أكان عليّ جلب كتاب كتاب حسب المرحلة التي تمر بها يا ترى؟!.. "...وبالفعل لم تخيّب ظنه هنا ايضاً عندما نهضت بحركة نارية تلتفت نحوه وتشدّ جسدها وتكوّر قبضتيها بغيظ صارخة وهي تجز على اسنانها:
" سااااامي....سأرتكب جريــــمة!..."

ثم أخذت بالقاء كتاب وراء كتاب حيث كان يقف متابعة بصرخاتها مع البكاء :
" ابتعد من أمامي....ابتعد....لا تجعلني أن ارتكب جريمة الليلة !!..."

ولمّا نفد بجلده مغلقاً الباب خلفه خوفاً أن تشوه وجهه قذيفة منها أسرعت في الحال تقفله من الداخل وهي تشتم ليلة العمر التي انتظرتها وتشتمه وابنه معه وتمتمت :
" نجوم السماء أقرب لك مني هذه الليلة.......اذهب ونم بين ضفادعك أيها الغليظ لأرى بما ستفيدك!..."

وأسندت جسدها على الباب متنهدة تمسح عنقها بعد أن سالت عليه دموعها وحررت أنفاسها أكثر ناظرة للسقف ثم تبسّمت فجأة بمكر بعد أن لاحت في بالها فكرة ...لقد قررت أن تحاربه بسلاحه ذاته ابتداء من الغد...لم تذكر له يوماً هذا....لكن يبدو أنه آن الأوان....ستشن الحرب عليه....الضفادع سيكون مقابلاً لها .....الخراف ....ستملأ البيت بخراف من الدمى وستشتري مناماتها برسومات كلها منها وربما ستعلّق على الحيطان صوراً لها ....والأهم ستغيّر رنة هاتفها الخاصة به....بصوت الخروف وستجعله يندم على اللحظة التي اشترى بها ضفادعه....!!

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

تعاضدت الأيام ليمرّ على هذه الأرض أسبوعاً ويومان من الزمن الذي سطّر لكل منّا حكاية سعى لتأليفها وفق أهدافه ونواياه ....نشترك بأبطالها ونختلف في حبكتها ...ففي طرفِ الوطن كنا نكابد بتلك الأيام الماضية متنقلين وباحثين بإصرار وعزيمة عمّن يمسك قضيتنا ويجعل الوغد تحت الحُكم بأشد العقاب الذي يستحقه لنظهر الحق ونزهق الباطل وننشر العدالة الحقيقية أما في الطرف الآخر من تلك البلاد كانت تشاركنا بسعيها عمّن يمسك ذات القضية ولكن بنوايا مغايرة يسودها الجهل والحماقة ببصيرة مغشي عليها لتدثر الحق وترفع راية الباطل مضحية بما لديها من امكانيات... !!.....

" انظري يا رهف....رائع....الطلبيات في ازدياد...حمداً لله.."

هتفت تلف شاشة هاتفها برقمه وشريحته الجديدة للجالسة جانبها على طقم الجلوس الموجود في شرفتهما الصغيرة الساحرة والتي بدورها فرحت من أجلها هامسة برقة:
" لقد أحسنتِ اختيار محاميك....ها هو حلّ أمر بيتك بسرعة ..أي يومان فقط ان شاء الله وسيكون مباعاً وتستلمين النقود التي انتظرتها ..."

ضمّت هاتفها لصدرها رافعة بصرها للسقف هامسة بصوتها العذب ممتنة:
" حمداً لله...حمداً لله.....وعد ونفّذ...وجد في الحال شركة بيع عـــقارات مضمونة وناجحة ..."

عبست لوهلة سابحة بين أمواج افكارها العاتية ثم تحدّثت بضياع:
" سيحل أمر البيع....ويكون الاستلام بأقل من أسبوع....يا الهي احتاج لوقت كي أفرغه من أغراضي المهمة! والأهم كيف سأجد بيتاً صغيراً مناسباً لأضعها به؟!.."

تنحنحت وفركت قبضتيها ببعضهما وهي تركنهما في حجرها مسدلة أهدابها بخجل محرجة وهمست:
" ها نحن بالأسبوع الثاني وأنا ما زلتُ أقيم عندكم ....حقاً أنا محرجة!...."

قطبت حاجبيها باستياء مما تفوهت به وقالت :
" ما هذا الذي اسمعه منك؟؟....رأيت بنفسك كيف أقسمت عمتي سهيلة بأن تبقين عندنا حتى تضبطين أمورك.....لا داعي لهذا الكلام ألمى..."

أرخت ملامحها ووضعت كفها على فخذها تواسيها وهمست:
" لا تفكري بشيء الآن....انهي أمورك الأساسية أولاً وسنساعدك في الباقي!...لا تقلقي!..."

استدارت جانباً لتواجهها أكثر وترقرقت العبرات في حدقتيها وهمست تقديراً لمعاملتهما معها وهي تضع كفها فوق تلك:
" أشكرك رهف...وأشكر خالتي سهيلة....لولاكما لما عرفت كيف أتصرف وماذا أفعل.....ظهرتما أمامي وأنا بأمسّ الحاجة لمن يقف معي!.....لن أنسى معروفكما هذا معي حتى آخر عمري..."

حررت يدها بابتسامة واسعة لتبدّل أجواء الحزن عنها وقالت متحمسة تقترح عليها ما جاء في بالها:
" أنتِ قلتِ أن الحياة هنا أعجبتك أليس كذلك؟!.."

هزّت رأسها ايجاباً مع ابتسامة مكلومة ومسحت بظهر كفها دمعة هاربة فأضافت الأولى:
" اذاً ما رأيك أن تشتري بيتاً صغيراً جوارنا؟!.."

تهللت أساريرها وتسارعت نبضات قلبها انشراحاً وهتفت دون تصديق:
" هل أجد هنا بيتاً يمكنني شراءه فعلاً؟!...أنا ظننت بسبب الاكتظاظ لن أحصل حتى على غرفة لذا لم اسألك..."

اسندت ظهرها للخلف وتطلعت على الطاولة وهمست بتيه:
" يوجد بيت خلف بيت عمتي مكوّن من غرفتين ...كان عليه مشاكل ولم يستطع أحد شراءه من صاحبه الطمّاع البجح ...وهذا إن اشتم رائحة النقود الوفيرة سيبيع أمه....وأنتِ عند بيعك قصركم سيستطيع محاميك شراءه منه ....لا أحد في الحيّ يمكنه دفع ما تستطيعين أنت دفعه.....خشيتُ أن اقترح عليكِ هذا من قبل لأنك....دون مؤاخذة.."

وأعادت بصرها إليها هاتفة دون أن تقلل من قيمة نفسها:
" يعني أنتِ تربيتِ على العز والدلال ونحن هنا مستوى معيشتنا على قدر حالنا الحمد لله....خشيتُ أن لا يعجبك هذا أو تسخرين من اقتراحي..."

مسكت يديها وضغطت عليهما بحب وامتنان وهتفت:
" ما الذي تهذينه؟.....أولاً برأيك هل أنا بحال يسمح لي الاختيار أو النظر لفوق ؟!....ثم من أنا لأسخر؟!....انظري إليّ....انظري جيداً....أنا مشرّدة يا رهف...أنا غديتُ دون أهل أو زوج....دون عائلة مثل باقي البشر....دون بيت ودون تعليم....أنا لا شيء يُذكر يا رهف.....أعيش فقط أيامي من أجل اظهار براءة أبي..."

آزرتها بالشد على يديها وأجابت بحزن على حالها:
" نحن أهلك يا ألمى...لكن...لا تتركي دراستك كما قلتِ لنا...أرجوك....لا تتنازلي عن أحلامك بسبب ابتلاء نزل عليك وسيزول بإذن الله.....ثابري لتتابعي تعليمك....أنتِ أخبرتِني أنه....يعني أقصد....زوجك.... أخذ منك وعداً بإنهاء تعليمك مهما حصل....لا تنكثي الوعود ألمى....الوعد دين...."

حررت نفسها منها وعبست ملامحها وأرجعت خصلة إلى خلف أذنها وأجابت باقتضاب منزعجة بينما دقات قلبها تعارض ما نطق به لسانها :
" لا أنكث وعدي لمن يستحق....ليس لمن خدعني...لم يعد يهمني أمره ولا أي شيء آتٍ منه....ما يهمني الآن فقط ويشغل بالي هو أبي وعندما يخرج سأستأنف تعليمي من ماله....ثم من أين سأجلب المال لدفع أقساط الجامعة وميعاد الدفع للسنة المقبلة يكون بعد شهرين؟!...أي لن يفيدني الذهاب هذه الفترة ومستقبلي الدراسي مجهول المعالم.....لا أعرف إن كان أبي سيخرج قريبا ويعود ليدفع عني أم أن قضيته ستطول وأنت تعرفين مثل هذه القضايا لا تحلّ بسهولة كما أخبرني المحامي...!!....سأترك كل شيء لأوانه أما الجامعة لا يمكنني دخولها غير أن الطلبة سيبدأون بالتهامس والنميمة عمّا يخصنا أنا وأبي.....لستُ قادرة على مواجهة أحد يا رهف صدقيني رغم ثقتي ببراءة أبي الذي سأبقى أفتخر به...."
دلفت إليهما تجرّ كرسي العجلات من كانت تقرأ وردها في غرفتها وبعد القاء تحيتها وتبادل أطراف الحديث واخبارها باقتراح ابنة شقيقها بما يخص بيت (ألمى) الجديد ألقت عليها ما يؤرقها ولم يخرج من بالها طوال هذه المدة:
" ألمى.."

ارتسمت ابتسامة لطيفة على محيّاها ورمشت بعينيها كإشارة أنها معها تسمعها فأضافت:
" ألن تتصلي بالسيدة ايمان للاطمئنان على خالتك؟!.."

دون تردد ردت من فورها:
" بلى.."

أحست بالرضا منها ولم يدم احساسها بعد أن استمرت تخيب ظنها:
" لكن عليّ انهاء اموري كلها أولاً سواء من بيع القصر حتى اطمئناني على توكيل محامين للقضية وبعدها سأقوم بمكالمتها.."

لم يرُق الأمر للسيدة(سهيلة) فما وصلها من أخبار أخيرة كان قبل زيارة صغيرتها لها أن وضعها الصحي يزداد سوءاً فحاولت بلين تقنعها دون أن تذكر وضعها خشية من ردة فعلها التي لا تعلم كيف ستكون:
" عليكما أن تتصافيا صغيرتي.....لا يعقل أن تنسي أفضالها عليك وحبها لكِ بسبب سوء تفاهم!....تكلمي معها وتسامحا بنيتي....لا أمان من الفراق بهذه الدنيا....اتصلي واسمعيها صوتك واعطيها مسامحتك واطلبي مسامحتها..."

وجمت ملامحها وغضنت جبينها وكتّفت ذراعيها تشيح وجهها جانباً وقالت بينما كان الماكث خلف أضلعها ينزف قهراً ولوعة ويبكي حسرات على حالهما:
" كلا خالتي....صحيح سأتصل لأسأل عنها وسأكلمها لكن هذا كرامة لأمي رحمها الله وللسنوات التي كانت بجانبي بها....هذا لا يعني أنني سامحتها..."

تنهدت تنهيدات أسية وشحب وجهها من عناد تلك وهتفت مستنكرة وغصة تحتجز في حلقها:
" الى متى سيقسو قلبك؟!...لا تعاندي ...كيف نسيتِ حنانها؟!....كيف بعتها دون أن تسمعي منها شيئاً.....حتى الظرف ما زلتِ تخبئينه وأكاد أجزم أنك ألقيته بسلة المهملات دون قراءته....لا يجوز هذا بنيتي.....لها حق عليك ....الخالة بمنزلة الأم.....واجبٌ عليك برّها.....كلميها قبل أن يفوت الأوان وتبكي حسرات صارخة بـ يا ليت...."

اغرورقت عيناها بالدموع والأوجاع بدأت تسري في جسدها تنهش خلاياها وأجابت بصوت مهزوز مختنق:
" لن يفوت الأوان.....لن يفوت....سأعاقبهم على ما فعلوه بي وبعدها سيكون للحديث بقية...."

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

لو كان تاريخ فراقنا هو التقويم الذي سنمشي حسبه إذاً مضى أسبوعين بالتمام والكمال علينا.....!!

" إنا لله وإنا إليه راجعون.."
همستُ بها مغلقاً الهاتف في ساعات متأخرة من الليل لحظة دخول أمي الى عندي في غرفة المعيشة لتأخذ باقي الأطباق التي استعملناها في سهرتنا أنا وهي عندما كنا نشاهد التلفاز فانتفضت مجفلة تقف بجمود مكانها وعينيها تتسعان ذهولاً ثم هتفت بتوجس وضربات قلبها تتصارع في صدرها:
" خير بنيّ؟!...من كان على الهاتف؟!...ما هذا الاتصال بهذا الوقت؟!.."

ظللتُ صامتاً للحظات وشددتُ على شفتيّ ثم هززتُ رأسي محوقلاً وقمتُ من مكاني أقف أمامها بانكسار لأجيبها بألم:
" السيدة فاتن.....رحمها الله..."

شهقت تضع كفّها على صدرها الذي بدأ يعلو ويهبط انفعالاً وتكدست الدموع بعينيها وقالت بصوت مرتجف:
" كيف ؟!...من يومين تحدّثنا مع السيدة ايمان وأخبرتنا أن حالتها مستقرة رغم أنها خطيرة....ماذا جرى؟!......"

ونكست رأسها أرضاً بينما كانت تمسح دموعها وتثابر لتستجمع قواها وهي تتمتم:
"إنا لله وإنا إليه راجعون..!!.."

فقلتُ من فوري:
" سأعود إلى بلاد اللجوء .....سيد ماجد من كلمني....عليّ الذهاب إلى هناك لأتواصل مباشرة مع صديقي آرثر من أجل تعجيل الاجراءات في نقل الجثمان...!!.."

وأردفت بنبرة مجروحة مطأطئاً رأسي بحزن:
" فأنا صهرها رسمياً وأقرب الناس إليها وواجبي التكفل بكل شيء....عن إذنك أمي سأصعد لغرفتي لأحجز في الحال تذكرة لأقرب رحلة جوية تأخذني إلى تلك البلاد !..."

قبّلت رأسها بحنوٍّ وتركتها صاعداً السلالم بقفزات سريعة وكانت قفزات قلبي تنافسها سرعةً وأنا أفكر بالمدللة متسائلاً في سري بأي حال سأقابلها وماذا ستكون ردة فعلها حين وقوع الخبر على مسامعها ؟!!...ويا ترى ماذا ستفعل بي عند رؤيتي وأنا المجرم في عينيها بل سأغدو الآن المتهم الوحيد الذي فرّقها عن خالتها ؟!!..

×
×
×

وكيف لك يا قلبي أن تلقى السلام؟
أن تمسح من عمري ألم السنين و أمل الأعوام
هل لك أن تضمد جروحي بقصاصات الأحلام؟
و تمنحني هناءً و إن كان من النسيج الأوهام
رويدك عليّ أيها الغالي ..ترفق بحالي!
غادر صدرا قتلته المواجع..!!
فارق روحا نهشتها الفواجع..!!
كفاك يا قلب عذاب لي و لك..
إنصرف وخذ معك حياة لم تمنحني إلا الشقاء..
إذهب ما عاد لي في الدنيا هناء
إرحمني و أنت مني! ...ما رحمني الأغراب و لا الأحباب
إنصهر من جنبات صدري وخلصني من العذاب
إمسح ما أعطيته لي من وهم كذاب!
إرحل أيها الضعيف أنت آلامي..
إذهب مشيعا حطامي...
إرحل كما فعلوا و ذرني وحيدة!
علني ألقى هناك تلك البعيدة..
تحنو عليّ بصدرها فما كان ليرحمني سواها
توقف أيها الغالي علني ألقاها
فليظل هذا الجسد باردا كالجليد..!
فلتغمض عينيّ على حلمي الوحيد...
إكتفيت وما عدت قادرة على المزيد...
فليس بين أيامي يوم سعيد..
لا حبيب لي أنا و لا رحيم..
أتجرع الشجن لاذعا كالحميم..
فلتنهشني أشباح الموت كما شاءت وارتضت
علّ آلامي تكون بعدها قد انقضت
إني أنا قد انتهيت!
(( خاطرة أميرة المشاعر نورهان الشاعر))

**********( انتهى الفصل الرابع والثلاثون )**********

أتمنى لكم قراءة ممتعة...

سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته..



ألحان الربيع غير متواجد حالياً  
التوقيع
((---لاجـــــــــ في سمائها ـــــــــئ---))

https://www.rewity.com/forum/t484164.html


اللهم كلّما ابتعدنا عنك ردنا إليك رداً جميلاً
رد مع اقتباس
قديم 19-12-22, 04:21 AM   #1778

سماح نادين

? العضوٌ??? » 487383
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 426
?  نُقآطِيْ » سماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond reputeسماح نادين has a reputation beyond repute
افتراضي

الف الف مبروك العودة ياروحي
و حمدالله على سلامتك شو حلو لما دخلت و لقيتك منزلة فصلك
الله يحفظك ان شاءالله ❤️❤️❤️❤️🎊🎊🎊🎊🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉🎉


سماح نادين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-12-22, 11:01 AM   #1779

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,547
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

صباح الورد المصرى البلدى لألحان الحياة حبيبة قلبي

اولا حبيبتى بعد قراءة الفصل والتعليق عليه
هذه بدل الزغرودة

💃💃💃💃💃💃💃💃💃💃💃💃💃

لان الفصل رائع..رائع..رائع
في منتهى الإبداع والجمال وليس به اخطاء إملائية ولا شئ
وتناول معظم الابطال تقريبا
اى تناولتى احداث كثيرة بشكل مبهر
وربط منطقى بين كل المشاهد
واسلوب جمالى رائع
حبيبتى ...الفصل كان يستحق الإنتظار

بارك الله فيك مبدعتى الرائعة

والآن ننتقل للتعليق بالتفصيل
الذى لن يكافئ جمال المحتوى والمضمون والاسلوب


shezo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-12-22, 11:05 AM   #1780

shezo

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية shezo

? العضوٌ??? » 373461
?  التسِجيلٌ » May 2016
? مشَارَ?اتْي » 10,547
?  نُقآطِيْ » shezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond reputeshezo has a reputation beyond repute
افتراضي

مرحبا.صباح الخيرات كلها لالحان قلبي الجميلة

☆الحقيقة والسراب☆
لا ريب أن الحقيقة مهما وارتها الأكاذيب والخداع لابد بلحظة ما
تخترق أشعتها أستار الباطل
فالحق غالب والباطل والزيف والخداع ثوب مهترئة انسجته
وكلا منا إذا ما إعترض حياته حادث مصيرى يسعى بكل ما أوتى من قوة
لمعرفة الحقيقة كى يضع قدمه على أرض صلبة ويعلم ما عليه فعله في حياته

للأسف المى وهى تترنح يمينا ويسارا وتتقاذفها الظنون ويشدها قلبها من ناحيتن جهة والدها تارة وجهة هادى تارة أخرى
في بحثها عن الحقيقة
إلا انها ألمى بكل تكوينها الفطرى البسيط تسعى لإثبات وجهة نظرها فهى تريد حقيقة معينة لا غيرها
وهى انها لم تعش وهما طوال حياتها وأن أباها خائن ومجرم بالفعل
مدارك ألمى المحدودة رغم ذكائها ترفض أن يشكك أحد في ثوابتها

بل والاغرب من ذلك هى تريد تلك الحقيقة المزعومة ببراءة والدها أن تكون وسيلتها لعودة هادى لها حين يدرك خطأه

ولم يجل بخاطرها ولا بأى نسبة ضئيلة أن ما يقولونه هو الحقيقة
فهى لا تريد أن تخسر ما تبقي لها من وهم إضافة لكل ما خسرته بحياتها
فترفض حتى تصديق خالتها التى هى بمثابة الأم لها

ولو صدقت في تحريها الحقيقة لاسرعت بفض رسالتها لترى ما بها
لا أن تدسها بحقيبتها وهى واثقة تمام الثقة أن ما بهذه الرسالة سيهدم عالمها كله

وبالفعل تغادر منزل سهيلة دون ان تسعى حتى لمعرفة جانب من الحقيقة منها بحكم أن مربيتها اقامت معهم واحتكت بهم منذ مولدها
ولكنها ألمى تؤثر الهرب عن مواجهة نفسها

☆رائحة الحبيب☆

العشق سهم مارق يعرف طريقه لصاحبه يرتشق بقلبه
دون إرادة او قدرة أو رغبة فى النجاة
هو سهم قاتل لصاحبه بكل الوفاء والإخلاص
نار تعتمل بصدر صاحبها وشوق لحبيب يقتات على كل حواسه
هو هكذا بلا اسباب بلا تحليل..فلو كان له سببا لهرب منه العاشقون
ولما صار قيس مجنون... ليلى

هادى وهو يتلمس رائحة ألماه في دبوس شعرها يذعن ويقر بكل وجدانه أنه يعشقها
ولو على المنطق والعقل والاسباب لكانت الفأرة تليق به أكثر مع إعتذارى لنوارة قلبي
فالمى يكفى أنها إبنة عاصى الخائن وتملك من الصفات كل ما لا يتوافق مع نشأة هادى وتربيته

لكن المى ظلت بنظره تلك الطفلة ذات عيون السماء التائهة الحائرة
التى وجدت بحضنه الامان والاحتواء
وهو بعكسها تماما صادق مع نفسه كما اوضح لامه فهو ولد مجاهدا صاحب قضية وهى تأتى بالمرتبة الاولى ولوتمزق قلبه اشلاءا

☆على العهد باقون☆

الإخلاص والوفاءيكون مع الانسان كجزء من تكوينه
وقد درجنا اغلبيتنا على ذلك إلا من استزله الشيطان
مثل عاصى وامثاله الخائنون الذين باعوا ضمائرهم وانتمائهم فليس بهم خير

وقد قيض الله أناسا يحملون تلك الرايةويوحدوا الامة
فالكثير من البسطاء ورغم ولائهم الا أنهم يحتاجون للقيادة الحكيمة المخلصة ليقوموا بدورهم في حماية اوطانهم
وهم كثر والحمد لله أمثال هادى ورفقته والذين جددوا عهدهم معا

وبالمقابل ألمى أيضا تجدد عهدها بإثبات براءة والدها ببيع قصرها والذى ستنفق معظمه عليه
وهى تمنى نفسها بالقصاص من الجميع حين يصدر حكم البراءة كما تتوهم فتقف شامخة امام هادى
وتحادث خالتها فاتن الام التى لم تعرف غيرها
والتى لم يأخذها حتى الفضول لقراءة امانتها

وبخضم إنشغالها في قضيتها الوهمية تغافلت عن مرض خالتها
ولم يجل بخاطرها أبدا أنه قد صار أمرا واقعا وأن الوجوه لن تتقابل ثانية
فقد فاضت روح الخالة لبارئها وهى ما زالت تضع على بصيرتها عصابة سوداء لتمضى ذاهلة في طريقها

سلمتى حبيبة قلبي
على كل هذا الجمال الرائع


shezo غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:11 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.