آخر 10 مشاركات
رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          الفجر الخجول (28) للكاتبة الرائعة: Just Faith *مميزة & مكتملة&روابط اخف* (الكاتـب : Andalus - )           »          حب في عتمة الأكــــــاذيب " مميزة و مكتملة " (الكاتـب : Jάωђάrά49 - )           »          عيون حزينة (1) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة قلوب حزينة (الكاتـب : mira24 - )           »          مهجورة في الجنة(162) للكاتبة:Susan Stephens (كاملة+الرابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          في قلب الشاعر (5) *مميزة و مكتملة* .. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )           »          594- فراشة الليل -روايات عبير دار ميوزيك (الكاتـب : Just Faith - )           »          قـيد الفـــيروز (106)-رواية غربية -للكاتبة الواعدة:sandynor *مميزة*كاملة مع الروابط* (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          319 - زواج غير تقليدي - راشيل ليندساى - احلامي (اعادة تنزيل ) (الكاتـب : Just Faith - )           »          307 – الحب والخوف - آن هامبسون -روايات أحلامي (الكاتـب : Just Faith - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: في اي زمن تفضلون تكون الرواية القادمة باذن الله ؟
قديمة ومشابهة لزمن هذه الراوية 2 40.00%
عصور وسطى 0 0%
عصر النهضة 0 0%
حديثة 3 60.00%
المصوتون: 5. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree94Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 21-10-21, 04:27 PM   #21

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي


لانه لما كان حر ما لقى الا العذاب والاسى ولما صار عبد لقى الراحة والعيش الهانئ وهذا تناقضات الاحوال الي يعيشها غالب في الرواية

Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-10-21, 09:22 PM   #22

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثامن (أحرٌ في الرق؟)

بينما كان غالب مستلقيا على العشب وبفمه عود من الزرع وهو واضع يديه خلف رأسه ورجليه مفنرجتان وممدودتان يتفكر في تقلب الاحوال كيف كان وكيف صار الان، وانه الان عبدا مملوكا لرجل يمتثل لأمره بعد ان كان حراً طليقاً، وكيف ان الحرية لم ينل منها الا الشقاء والعناء وفي عبوديته ذاق طعم النعماء، فلا شيء يشغل الفكر ولا شيء يفضح الستر، فلقد كانت نفسه حرة رغم العبودية المرة ولم يستشعر الذل والهوان في رقه بل سطى في السما سنا برقه، وصار الكل يعرفه بل وصد صار ماركوس يباهي به اقرانه بمن لديه مثل فاروس ( وهو اسم غالب في العبودية).

فكان بيت ماركوس مربع وداخله اروقة تفضي الى غرف ومن حول ذلك المربع سور مربع كبير يحوي داخله زرع وطيور مختلف انواعها ومن خارج السور يوجد اسطبل للخيل وحظيرة للاغنام وحقول للعنب وغرف للعمال والعبيد وكان لغالب غرفته الخاصة، وكانت اسرة ماركوس مكونة من زوجته غاريدينا وابناه الاثنين تاتيوس وغلابر وابنته كلاوديا، ومن كان حولهم من نبلاء روما يعيشون في بيوت مماثلة في مقاطعة كالابريا وحول جبل بيتيليا.

وكان غالب او فاروس كما صار اسمه الان يعيش حريته فلقد كان يذهب متى انتهى من اعمال ويعود متى اراد، فكان يذهب الى الحانات ويتمشى في الاسواق المتمركزة بين تلك البيوت لخدمة اهلها، وفي نفس الوقت كان وفي لماركوس الذي انعم عليه بتلك الفضيلة على عكس كثير من العبيد في البيوت المجاورة، وما ان يدخل السوق فاروس كان الاناس الموجودين يعرفونه وهو من هو حيث اصطاد الذئاب فكان البعض يعظمه ويتقرب منه لكونه بطلا محتملا، ولم يخشونه كسائر العبيد اذ هو العبد العربي الوحيد فلم يكن له ارتباط بثورة العبيد وخصوصا ان العرب الوحيدين الذين اشتركوا في معركة العبيد كانو في صف الرومان.

ومرت الايام وقد جمع فاروس مالا وفيرا يريد ان يدفع به الى ماركوس ليفتدي به نفسه من العبودية لان الحر لا يطيق نطاق الرق حول رقبته وان كان يعيش كالاحرار فالنفس مأسورة والروح مكسورة بتلك الاغلال فلما احس ماركوس بقرب موعد افتداء فاروس نفسه قال له (يا فاروس ماذا تريد ان تصنع بحريتك ؟...) رد فاروس ( يا سيدي انما الحرية لروحي ونفسي وانما بدني عاش في ظلكم حرا ولم ينل اي عذاب او ذل عقاب وانما بعد ان اكون حر ساعمل لديك كعامل حر بما اردت ...) ففرح ماركوس بما سمع فانه خاف ان يرحل فاروس عنه.

وفي يوم من الايام اتة رسالة الى ماركوس تخبره بقدوم احد اعضاء مجلس الشيوخ واسمه فيسبانيوس أغريبا لكالابريا، وكان ماركوس تواقا لاستعادة مكانة عائلته بين النبلاء والعودة الى مجلس الشيوخ الذي عاشوا في كنفه اعواما وتوارثوا ذلك المجد الى ان اقصاهم الامبراطور اوكتيفيان.

فهم ماركوس يريد انتهاز تلك الفرصة للتقرب من النبلاء من جديد ويحي مجد تليد فحضر نفسه للذهاب الى كالابريا حيث الاعيان والنبلاء وقد ارسلوا له دعوة بعد تجاهل دام لسنين فكانت هذه المناسبة لا تفوت، فأخرج النفائس والحلي وافخر الثياب وجهز ابناءه ونساءه ومسك المعطرة واخذها معه وذهب الى العبيد ينتدب من يقوم على خدمتهم هناك واراد احسن العبيد هيئة وكان فاروس ممن اختار لمرافقته مع جملة مع العبيد الجواري.

فذهبوا الى تلك المدينة الكبير المكتظة طرقاتها بالبيوت والناس فهي مدينة مسورة بالكامل ومن كل الجهات باسوار متينة غليظة تمشي الخيل على اسوارها ومن فوقها حرس بمتارس حربية مخيفة وقد نصبت عليها المقاليع وركزت عليها البالستات وهي مثل النشاب ولكن بحجم كبير جدا وبرمح يصل طوله الى طول الرجل والنصف وتشد بتروس فتطلق فمن اصابته قد اردته، وكانت البيوت القريبة من الاسوار هي للعمال ولاهل السوق وكانت البيوت متلاصقى لا فرجة او سكة بينها وبها يوجد كثير من الفقراء ثم كلما ذهبت الى الوسط تختلف البيوت فتكون اكبر فمساحة افضل بين البيوت وهي للعامة والتجار وميسوري الحال وكانت تلك البيوتب تتكون بعضها من طابقين وتكون بين احياءها حدائق وبساتين واماكن للعب الاطفال ومدارس ثم تتقدم الى الوسط فتجد مقرات للعسكر وهي صغيرة ولكن منتشرة ويخدم بها حرس بلباس موحد لفرض الامن داخل المدينة، ثم ما ان تتقدم الى الوسط اكثر تجد بوابة وبها حرس ومن خلف تلك البوابة بيوت بل قصور فارهة بمساحات شاسعة فاصلة بينها وفيها شرف كبيرة بحجم بيوت الفقراء بل تكاد تصل الى حجم بيوت العامة وحدائق عظيمة وطيور الطاؤوس تملئ ارضها وطيور الحبش وبحيرات فيها اوز وسمك وفي وسط المدينة قصر الحاكم وبه قاعة المناسبات والاحتفالات، وبها ناس قدم تازروا بلباس حريري ابيض والتحفوا بياضا مثله حول اكتافهم وقد اخرجوا كتفا واحدا كلباس المحرم، فكان فاروس اول مرة يرى هذا الجمال في العمران واول مرة يصل الى هذه النقطة داخل اسوار كالابريا التي اقتصرت زيارته على المربع الاول حيث السوق والفقراء.

وحينما تجاوز ماركوس ومن معه البوابة اتاهم رجل من الخدم بلباس النبلاء وقد كان حليق الوجه بخد يلمع وبشعر مصفوف ورحب بالقوم فاصطحبهم في جولة حول المكان ويشرح لهم ماهية هذا المكان والاناس القاطنين فيه وهو اجراءات شكلي يعملونه مع من قدم اليهم بدعوة من الحاكم وقد كان اسم حاكم كالابريا انذاك وهو عضوا في مجلس الشيوخ في روما اوروليوس اكواريلا.

ثم دخل ماركوس ومن معه في فيلا مخصصة للضيوف وكانت بمثابة الجناح ولكن العبيد تم اخذهم لمكان اخر فادخلوهم قبوا موحشا مصنوع من الحجارة الخشنة والحديد المسنن وكان بها حجرات كبيرة جدا وابوابها من الحديد كالزنزانة حيث يقيم عبيد الضيوف فيها وكل ضيف يخصص مكان لاقامة عبيده فيها فتوضع علامة على باب الزنزانة بوسم ذلك الضيف فيعرف ان هؤلاء عبيد الضيف الفلاني، واما الجواري فذهبن مع النساء وقد خصصوا لهم اقامة داخل الاجنحة لحاجة القوم المستديمة للجواري لخدمتهن المتواصل في الاجنحة.

فلم يحبذ فاروس(غالب) الوضع الجديد الذي وضع به حيث انه طوال تلك السنين لم يشعر بانه عبد الا الان فضاق صدره وتزبدت اشداقه غضبا ولم يطق السجن والقيد وروحه قد وصلت عنان السماء، فصاح باحد الحرس وطلب منه انه يريد ان يحدث سيده، فنهره ذلك الحارس وهم بضربه.

وحينما صار المساء قبل الوليمة بيوم اتى ماركوس يتفقد عبيده وحينما رآه فاروس نهض من مكانه وناداه، ولما اتاه ماركوس قال له فاروس (يا سيدي ماهذا الذل واني عملت عندك لم اشعر بقيد الرق الا الان والله ان الموت ارحم علي من عيشتي هذه فكانما عناء السنين الذي رفعته عني قد وقع علي الان وقعة واحدة فانكتم نسمي وضاق قلبي وسط اضلعي اخرجني يا سيدي ارجوك من ها هنا ...) فقال له ماركوس (اسمعني يا فاروس ما تمر به والله ليحزنني وانت تعلم بمكانك عندي ولكن القوم قد نكبوا بالامس من العبيد فلديهم حساسية ازاء كل عبد متحرر الطبع فاصبر فكلها ايام معدودة فنعود الى ما كنا عليه من قبل ...) فقال فاروس (يا سيدي الا تعيدني الى بيتيليا ارعى الاغنام وترحمني من هذا الغمام ؟؟...) رد ماركوس (لا استطيع الان يا فاروس فغد يوم انتظرته لسنين ومجد عائلتنا مكانتنا مرهونة بغد فاصبر ولا تثقل علي ارجوك...) فسكت فاروس وهو ينظر الى ماركوس واطمئن ماركوس على بقية العبيد ورحل الى جناحه لينام فيه.

وحينما اصبح الصباح الباكر ايقظ الحرس العبيد فساقوهم الى حيث اسيادهم ليشرفوا على تجهيزاتهم قبل المساء حيث السمر والسهر فذهب فاروس الى سيده فاخبره سيده انه يريد ان يحضر له من السوق بعض الحاجيات التي قد يحتاجها وانه يعلم ان السوق سيخفف وطئة نفس فاروس، فرحل فاروس الى السوق وكان يكتظ بالناس وكانت الناس تتدافع وهو رافع يديه لكيلا يسقط الكيس الذي به اموال ماركوس ويحشر نفسه بين الناس وكان الناس يرون نطاق من الفراء قد لف فاروس به خصره فكان هذا الفراء انما جلد الذئب الاشيب الذي قتله فاروس فكانت تتحاشاه الناس لمعرفتهم ان هذا الرجل ليس بالهين اي فاروس، وحينما وصل عند احد الباعة وكان فكهاني يبيع الفاكهة وجد عنده صبية تكتري منه فلما اختارت الفاكهة التي تريد اخذها البائع ليضعها بالكيس من تحت منضدة قد بسط فيها الفاكهة ولكنه من تحت تلك المنضدة استبدل الذي اختارته الفتاة بفاكهة اخرى تالفة فرآه فاروس وهو يقوم بذلك للفتاة فصاح به وقال (ويلك اتغش الناس وتستبدل الطازج بالتالف وهذه امرأة مسكينة لا حول لها ولا قوة أأنعدمت مروءتك يا هذا ...) فاندهش البائع من ردة فعل فاروس وانزعج منه وانكر وقال له (اتتهمني بالغش ايها العبد والله ساشكونك الى مالك السوق لجلدك ويسلخ عنك جلدك كما سلخ فراء هذا الذئب واتنطق بجلدك خصري ..) فقال فاروس للفتاة وقد انتبه المارة لمشاداتهم (افتحي الكيس الذي بيدك فانظري ان كان هذا ما اكتريتي ..) فلما ارادت ان تفتح الكيس سحب البائع الكيس منها بسرعة وقال لفاروس (أأنت اعمى انظر (هنا اسقط الكيس من يده بالارض فاختلطت الفاكه الطيبة بالتالفة، ثم ادعى الحسرة البائع على سقوط الكيس) انظر بسببك اسقطت الكيس من يدي ( ومسك الفاكهة الطيب) انظر أهذه تالفة ام هذه ...) فوضعها بالكيس ودفعها الى الفتاة واتى امر السوق فطلب من فاروس المغادرة والعودة من حيث اتى وان لا يعود الى هذا السوق ثانية.

وحينما خرج من السوق وجد الفتاة واقفة فقالت له (اشكرك على مافعلت وانك تجرأت عليه بما لم يتجرأ عليه حر فلولا الوصمة التي بذراعك لظننتك من النبلاء ولكن النفوس هي من تعلو باصحابها لا الاسماء والنفوذ ...) فقال لها (اشكرك مشاعرك ولباقة لسانك، ولكن احذري هنا المروءة معدومة والمصائر غير معلومة فلا تاتي اليهم وحدك فيطمع الاوباش بك ..) فودعها وعاد فاروس الى حيث مولاه واخبره بما حدث فارسل ماركوس غيره ليشتري لهم من السوق.

وحينما عم المساء وتوافدت الوفود للقاعة وامتلئت بهم وعلت اصوات احاديثهم وضحكاتهم وكانت القاعة مضيئة بالقناديل والمشاعل والشموع فكانت كالنهار في وسط الظلام، فقام النبلاء واحد تلو الواحد يستدعي عبيده ليستعرضهم امام بقية النبلاء ويقومون بخدمة اسيادهم بما يشاؤون.

فلما صار دور ماركوس ذهب الى عبيده واتى بالاغلال لوضعها في ايديهم وارجلهم ورأى وجه فاروس وهو ينكر ما يقوم ماركوس به فاخبره ماركوس (كما اخبرتك القوم يتحسسون من العبد الحر فالاغلال هي ما تطمئن نفوسهم به ...) ودخل ماركوس وعبيده فاستعرضهم وهم اشباه عراة فنظروا جميعا الى فاروس وقد سمح له ماركوس بان يغطي عورته بفراء الذئب فتعجبوا من هيئته العظيمه وعضلات اكتسبها بمقارعة الاخطار في السهول الخضراء والعمل الشاق فقال له اوروليوس حاكم كالابريا اي قال لماركوس (لم اعلم ان من جملة عبيدك مجالد ...) فرد ماركوس بضحكة المتواضع (كلا يا اوروليوس هو ليس مجالد ولم يدخل الارينا(وهو حلبة يتقاتل فيها المجالدين او المصارعين كسبارتكوس والعبيد الثائرين من قبل) بل هو من اكفئ العبيد واخلصهم في العمل ..) اوروليوس (لحسن الحظ ان الاغلال موجودة والا كيف تنام ومثل هذا في بيتك .. قربه الينا لننظره عن قرب...) فنادى ماركوس فاروس ان يقترب منهم فلما اقترب فاروس امسك اوروليوس يديه وبدأ يتفحصهما فوجدهما يدي رجلا افنى طاقته بالعمل الشاق وبمقارعة الاخطار وعرف ان تلك الشقوق من مقابض السيوف والرماح ورأى معصمه فلم يرى اثرا عميقا لاغلال محكمة فقال لماركوس (الا يكبل عبدك عندك في الليل ..) ماركوس (في الواقع لا فان وفاءه واخلاصه حال دون ان اكبله وهو عربي المنشأ ليس كسائر العبيد الذين عندنا ...) فنظر اوروليوس لماركوس نظرتة كمن لم يعجبه كلامه فقال للناس اوروليوس ( ياقوم ان ماركوس ينام وعبيده بلا اغلال ولا يخاف على رقبته ولا محارمه من بطش هذا العبد ( واشار الى فاروس ).. وهو ابن كلوديانوس (فضحك) ..) فضحك الناس سخرية من ماركوس، فشعر ماركوس بالغضب منهم وقد احمرت وجنتاه وذهب ضياء عيناه واسرها في نفسه فاتى فيسانيوس اغريبا فقال لماركوس (اني كنت وابيك على خصومة دائمة في مجلس الشيوخ فعرف كل منا الاخر احق معرفة واني اقول لك لو كان ابيك بيننا لكبل هذا العبد وشد عليه الوثاق وان لم يكن مجالدا لحرمه ذلك الجسم المفتول وذلك النطاق الغريب ...) فقاطع حديث فيسانيوس رجلا يتحدث معه فتجاهل ماركوس وانصرف عنه ثم توقف ليس ببعيد وقال لماركوس (اتقول انه عربي ...؟) ماركوس (نعم..) اغريبا (انني سمعت عنهم ورأيت منهم الجلد والصبر على قرع السيوف وشجاعة اخجلت الابطال من غيرهم فهل هو كما اقول ...) ماركوس (بل رأيت منه اكثر مما تصف ...) أغريبا صاح في الناس وقال (يا ايها النبلاء والسادة واشراف البشر ان هذا الرجل (اشار الى ماركوس) قد بالغ في وصف جلد وشجاعة عبده فما رأيكم ان نرى ذلك باعيننا لنعلم ان كان قد صدقنا ام كذب علينا ...) فهتف الناس بالموافقة وعمتهم فرحة لرؤية المفاجئة وضحك اوروليوس وقال (من لديه لودوس ويضم فيه اعظم المقاتلين؟...) فقام رجل واسمه بابتيوس وقال (انا لدي عدد من المقاتلين الشرسين المرعبين ما يراهم الولد حتى يشيب رأسه او الحامل فتسقط جنينها ...) فامروه باحضار اشرس مقاتل له، هذا كله وكان ماركوس مندهش هو وفاروس فقال ماركوس (ياقوم لنجعل التحدي بينهم بلا دماء فنحضر بقرة ونرى من ساعده اقوى من الاخر بضربها من ظهرها ولنرى من يصل نصله ابعد من الاخر ..) وكان يحاول ادراك الموقف فنظر اليه اوروليوس وقال (يبدو ان ماركوس خائف على عبده من التلف (فضحك) ..) وضحك الناس وقال اوروليوس ايضا (ياماركوس لم نعلم انك متعاطف مع العبيد اتحرمنا المتعة في هذه الليلة من اجل عبد افرجتنا عندك تستبدلها بعبد واحد يبدو اننا اسأنا الظن بك ولولا معرفتك لقلنا انك من العبيد المتنكرين بزي النبلاء ..) فغضب غضبا شديد ماركوس من اهانة اوروليوس له المتكررة، ولكنه له اهداف اكبر ومدى ابعد من حرية ومصير فاروس فتفكر قليلا ورأى من الصواب مجاراة النبلاء لان هذه حياتهم وقد كانت حياته من قبل وفاروس ليس سوى عبد يملكه هو وفي الواقع لم ينل فاروس اي اهانة من ماركوس وظل يتفكر في فاروس وكيف انه بالفعل بدأ يميل للعبيد اكثر من النبلاء الذين كان يسعى اللحاق بهم وما يضره ان قتل فاروس وهو من هو حين احسن اليه فلن يلام او يعاب، فتبلدت مشاعره تجاه فاروس وقال للناس (ياقوم انما قلت ما قلت لخشية تذكيركم بثورة المجالدين واعكر صفو من اكتوى بتلك الثورة الخاسرة ولست تواقا او ميالا لعشرة العبيد وانما تركت العبد بلا اغلال لان اغلاله معي بوعود الحرية (فضحك الناس) واما رفضي الدماء اليوم كي لا تنتشر دماءهم النجسة في الارض الطاهرة او تلوث اطراف ثيابنا حينما نمشي فوقها ولكن ان كان ما تريدون الدماء (فمسك بطوق رقبة فاروس) هذا عبدي الذليل دونكم ان شئتم قتلتموه دون نزال او تركتموه ينازل للموت لنمرح ونضحك عليهم ...) فصاح الناس باسم ماركوس ونظر اليه اوروليوس بنظرة الرضى وغمز له بعينه واومأ برأسه، واما أغريبا فانه جعل رأس سبابة على رأس ابهامة كمن يشير بيده الى رقم ثلاثة وهذه كناية عن اتم الرضى ففرح ماركوس وتبسم قليلا وتنفس الصعداء اهله اذ كانوا لا يشاطرون العبيد مشاعر ماركوس.

وهم بانتظار العبد الاخر اخرجوا فاروس وكان مندهشا مصدوما مما سمع من ماركوس كمن تلقى طعنات ذكرته بطعنات الماضي الدفين وكان الحرس يجهزونه للقتال بدهن جسده بالزيت لكي يساعد النصل على القطع اذا تزحلف حده عليه، فالتفت فاروس فنظر واذ بفتاة تأتي مقتربة اليه فنظر واذ هي الفتاة التي كانت بالسوق وعليها من الابهة ما يدل على علو نسبها وحسبها وهامة شرفها فنظرت اليه فقال لها (أأنتي التي..(فقاطعت بايدها بوضع اصبعها على شفتيها ان اصمت)..) وقالت له (اشرب هذه(اطعته قنينة صغيرة) فان بها دواء يرخي الاعصاب ويخدرها فلن تحس بالالم وانت تجالد، والله كرهت ما وضعك به ابي وهو فيسبانيوس أغريبا وانت من انت حين هرعت الي في السوق وانك والله لأنبل من اولاءك الحمقى الذين يتملقون ابي من اجل ان يرتفع اسمهم ويعلو شأنهم ...) فاخذ فاروس القنينة وشكرها فقال لها (ما اسمك يا فتاة؟...) فقالت (اسمي فيسبانيا أغريبينا ...) ورحلت.

فلما تجمع الناس وزاد بهم الحماس، فتقدم فاروس وقد احضر بابتيوس رجلا يدعى رولو وهو من بلاد الغال عظيم الهامة طويل القامة وسواعده بحجم الرضيع وبخصر ضعف رفيع وصدر كرأس الثوروارجل عضلاتها بارزة كاصابع الموز وقد تقنع وجهه بخوذة غطت وجهه على شكل وجه نمر وعلى كتفه الايسر درع حديدية فلما احضر الرجلين اعطوا كل منها سيفا ولم يكن فاروس لديه من الدروع سوى فراء قد وضعه على خصره فهتف الناس فرحا لما سيحدث من فرجة قتال الرجال من قريب فافسحوا مساحة لقتال الرجلين فوق بلاط من الرخام فاستعد الرجلين للقتال.

فالتحم فصدم فاروس رولو لقوته وشدته، فقد ظن رولو انه سيكون قتال من طرف واحد فغضب لردع فاروس له وشد عليه وصده فاروس، فتصادم الرجلين وكتناطح ثورين، وزاد بهم الحال واشتد عليهم القتال، فخاف الناس وفزعوا من هول المنظر وكانت فيسبانيا تنظر وقد مال قلبها لفاروس، فصال فاروس وجال كالاسد الرئبال، وشد على خصمه بخشونة افسد على رولو ظنونه، فصار فاروس المهاجم ويدفع رولو للحشود ويزاحم، فوسع الناس نطاق القتال ليروا نهاية المآل، فضرب فاروس رقبة رولو وحاول رولو تفاديها الا ان السيف اسرع وامضى واقطع، تطايرت الدماء على وجوه الحشود فخافت النساء والرجال لما رأوا ضرب النصال، فسقط رولو وقد رش المكان برقبته دما وانكب على وجهه ودمه سال وارتخت اطرافه واصبحت كالحبال.

فصاح الناس فرحا لما رأوا فكانت مفاجئة جميلة لهم، اذ كانوا ينتظرون عملية اعدام وقتال من طرف واحد فقلب فاروس تلك الموازين، ففرح فيسبانيا لما رأت ذلك وهزها وجود فاروس وزادت اعجابا به على اعجاب سابق فرأت فيه المروة والفروسية والاصالة وهي امور يندر وجود احدها في رجل منهم فكيف فيها مجتمعة فيه، وراحت تمني النفس لو انها كانت جارية فيتزوجها او هو حر فتخطبه لنفسها.

واما ماركوس فانه فرح فرحا شديدا لرؤية فاروس وقد قتل ذلك المجالد، واما بابتيوس فقد اصابته الدهش والذهول من قوة فاروس وهو قد قتل اعظم مجالد في كالابريا كلها، واما فيسبانيوس واوروليوس فلقد تجمدت اطرافهم لرؤية قوة لم يروا مثلها من قبل فقال فيسبانيوس الى ماركوس (لقد صدقتنا بوصفك اياه ...).

فتم اكرام ماركوس اكراما كبيرا وقد علت مكانته وعائلته اكثر من ذي قبل واصبح اقرب لمجدهم التليد والعودة لمجلس النواب، وعادوا الى بيتهم في قرى بيتيليا ولكن فاروس قد اسر في قلبه تقلب مشاعر ماركوس له اذ كان وسط القتال يتذكر اعين الناس وهي تفرح لهلاك احد العبدين ولم يرى من عيون الناظرين مراعيا او مشفقا فزاد حنقه عليهم، برغم ان ماركوس عادت علاقته مع فاروس كما كانت ولم يشد عليه الاغلال كما وعد النبلاء بل عاد لما كان عليه ولكن لم يكثر الحديث معه لانشغاله باعماله فكان يتجاهل فاروس كثيرا.

ومرت ايام قليلة واذ بفيسبانيا قادمة الى بيت ماركوس لزيارة ابنته كلاوديا التي ارتبطت معها بصداقة فتبادلتا الزيارات، وفي الواقع زيارة كلاوديا غطاء لرؤية فاروس وفي احد الايام تسللت الى المراعي فيسبانيا وكانت كثيرة التسلل لاماكن العامة والفقراء لشعورها الملل في قصور النبلاء الفارهة الفارغة، فوجدت فاروس وذهبت اليه وهو جالس تحت ظل شجرة وحوله الاغنام فحيته ورد التحية فجلست تحت الظل معه وقالت له (ما اسمك يا فاروس ..) فقال فاروس (ها انتي قد ناديتني فاروس ..) فيسبانيا (أقصد اسمك الذي اسمتك به امك الذي ولدتك..) فاروس (ابي من اسماني وقد اسماني غالب (وشرح لها معنى الاسم وسبب التسمية) ..) فجلس الاثنين يتحدثان دون كلفة اجتماعية، فمالت القلوب لبعضها وذهبت فيسبانيا الى بيت ماركوس فتعذرت باعذارها المعتادة عن سبب تغيبها، وكانت تخرج مع فاروس الى المراعي وتعود قبله وكلما كانوا معا لا تناديه الا بغالب ولا تناديه باسم العبودية فكانت تحيي بداخله رجل قد مات منذ زمن بعروبة اندثرت في روحه وتشبثت بها مروءته.

وفي يوم قامت زوجة ماركوس غاردينيا واخبرت زوجها بان يخطب فيسبانيا من ابيها لابنهم تاتيوس لجمالها ولحسبها ونسبها ويكون سببا لرفعة بيت ماركوس بين النبلاء فاعجبت ماركوس تلك الفكرة وعرض الامر على ابنه الذي قد شغفت قلبه حبا منها في زيارتها المتكررة لبيتهم وكان يكتم مشاعره، وخرج ماركوس ووجد فاروس وهو يتهيأ للذهاب للمراعي وبيدع يلف اعواد الورد ليصنع منها معصما جميلا فتبسم ماركوس ومضى لاشغاله، ثم ذهب فاروس للمرعى فوجد فيسبانيا وقد سبقته فابتسم وجلسا تحت ظل تلك الشجرة يتجاذبان اطراف الحديث وفاروس ما زال يعمل على تلك الزهور التي كانت بيده ما ان انتهى حتى قاطع حديث فيسبانيا بذلك المعصم المزهر فخجلت فيسبانيا واحمرت وجنتاها وغاصت عيناها فاخذته منه ووضعته بيده فاحكمت ربطته ورفعت معصمها لتري فاروس بديع صنعه وهي مبتسمة واكملا حديثهم كالمعتاد وكان فاروس يقص عليها قصته وكيف آلت اليه المصائر وفي كل مرة يتحدث بها تعود ذكرياته له فتعصر قلبه وبدأ يهل العبرات وتسقط من عينه الدمعات وكان اول مرة يحدث احد بحديثه حينما كان في العرب وكانت فيسبانيا مستمتعة بحديث فاروس وكان يحدثها بقصته ويحدثها عن احوال العرب وعاداتهم وتقاليدهم فاعجبت ايما اعجاب باخلاق من يتحدث عنهم وبعدها استاذنته فيسبانيا وعادت.

واما ماركوس فقد اخبر ابنه ان يتقرب من فيسبانيا ويجعلها تحبه ليسهل امر خطبتها لشسع المكانة الاجتماعية بينهم ولا يريد ان يقابل طلبه الرفض وان كان هناك حب بين الاثنين قد يسهل الموافقة ولا سيما انه كان من النبلاء وبنفس طبقة فيسبانيوس والد فيسبانيا.

فقام تاتيوس بملازمة البيت اكثر ومراقبة فيسبانيا والتقرب منها وهو لا يدري انه قد ضيق عليها الخناق وسد ذرائع تسللها لفاروس فلزمت البيت ولم تذهب الى فاروس بسبب مراقبة تاتيوس اللصيقة لها فكلما حدثها اجابته اجابة على قدر كلامه وانصرفت عنه فكل مرة يتقرب منها تصده فانزعج من امرها واخبر اباه انها لا تريده وقد كان تاتيوس وسيما جميلا، فقال ماركوس لعلها تحب رجلا اخر وظل يتفكر ان كانت تحب رجلا اخر او انها لا تريد تاتيوس فطلب من ابنه ان لا يضيق عليها وان يتمنع عنها لكي يرى ان كانت ستشتاق لمضايقة تاتيوس او ان قلبها تائه في مكان خارج اسوار البيت، وهو يمشي وجد ماركوس فيسبانيا وقد انعزلت بجانب من البستان وهي تتفكر فذهب اليها ليحيها فقال (مرحبا بابنة فبيسانيوس الجميلة ...) فردت عليه (مرحبا بك يا ماركوس ...) فلما التفت وجد في معصمها سوارة من الورد كالتي كان يصنعها فاروس فصدم منها وتسائل هل هي تلك التي صنعها فاروس هل فاروس من تحب ؟؟ هل فاروس من سيفسد علي مطامحي كما كاد ان يفسد علي مكانتي ؟؟ فقال لها (ان هذا السوار جميل أأنت صنعته ...) قالت (لا انما صنعه شخص عزيز على قلبي ...) فزاد غضب ماركوس وتاكدت ظنونه وشكوكه فتبسم ببرود وانصرف عن فيسبانيا قاصدا المراعي فوجد فاروس جالسا ينتظر فيسبانيا ويحدق باطراف التلال املا برؤية فيسبانيا فراح واختئ خلف اشجار قليلة ولم يلبث الا وقد اتته فيسبانيا فنظر اليها وكيف كانت تسرع الخطى نحو فاروس وتلتفت وراءها خشية ان يتبعها احد وما ان رأها فاروس حتى قام من مكانه وتعانق الاثنين وسط دهشة وذهول من ماركوس وغضب غضبا شديدا وهو ينظر الاثنين وقد عبرت اجسادهم معاني الحب العذري وهم يتحادثون، ففكر ان يهم بالانقضاض عليهم ولكنه تراجع قليلا وفكر فرجع الى بيته بانتظار فيسبانيا.

وحينما حلت فيسبانيا عائدة من موعدها سالها ماركوس عن غيابها حيث انه كان يبحث عنها لامر هام يريد ان يخبرها به فساقت له الاعذار المعتادة التي اجادتها مع الايام لكثرة تسللها، فسألته عن الخبر الذي يريد اخبارها به فقال لها (ما رأيك بابني تاتيوس زوجا لك ...) فاندهشت واجابت ( ان تاتيوس خير شباب كالابريا قاطبة ولكني لا انظر له الا كأخ وانا لا افكر بالزواج ...) فقال لها (اني اريد خطبتك له من والديك العضو فيسبانيوس ولكن قبل ان افعل اردت ابلاغك في الامر ..) قالت له ( لا تفعل فلن اقبل يا ماركوس ..) قال ( الامر عائد له لا لك واظن انه سيقبل وستقبلين انتي ان قبل هو ...) قالت بغضب (ياماركوس لا تنسى من اي البيوت انت وتقصد اي البيوت فلا تحرج نفسك بمسألة قد تضعك في معضلة ويتصاغرك الناس بعدما يكادون ان يحترموك بعد حرمان طويل فاعدل عن رأيك وان كان كلامك لي لكي لا اعود لبيوتكم فاني قد مللت المكوث معكم وساغادر من غدِ الى بيت ابي ...) وقد زاد غضبه عليها فمسك بشعرها وقال (اسمعي يا فتاة الضلال وجليسة العبيد تحت الظلال انما امرك مع فاروس معلوم اني رأيت منكم العناق ورأيت سوارك الذي كان يصنعه فاروس منذ ايام وتحسبين ان اخفيتي شيئا عن الناس لا يعلم ولا يظهر بل انتي خاطئة كاذبة سمي ما اقول ما شئت تهديدا ام وعيدا ستقبلين الزواج بابني وان رفض ابوك ستخبرينه انك تحبين تاتيوس والا لافضحنك بين الناس فانتقم من بيت ابيك بعار تجلبينه انتي له وساقطعن حبيبك فاروس قطعة صغيرة واثرها على الجبال لتاكل منه العقبان سنين ولك ان تتفكري بالامر فحكمي عقلك يسلم قلبك ...) فدفعها الى الارض ومشى وهي كانت مندهشة بكل حرف تسمعه منها نادمة على استهتارها بسترها وهي بالارض جاثية على ركبتيه حنت رأسها الى الارض تبكي فلقد كانت تحب ابيها رغم اختلافها معه حبا عظيما، فقامت وعادت الى بيتها خائفة من وعيد ماركوس لها.

واما ماركوس فقد اخفى الخبر عن فاروس لانه لا يريد ان يحدث لبنت الاكرمين عار في بيته فيناله العار ايضا، فلما اتى الغد وكان فاروس لم يجد فيسبانيا في الارجاء سأل ماركوس وقال (أين ضيفتكم لا ارى لها اثر ...) فرمقه ماركوس وقال له (وما شأنك بها ؟....) قال فاروس (لاشيء ولكني كنت اراها كل يوم الا اليوم فدفعني الفضول للسؤال ...) رد عليه ماركوس (سق الاغنام للمراعي ولا تسال فيما لا يعنيك من امر اسيادك ...) فكره فاروس الرد من ماركوس وانكره وذهب الى المرعى يرعى اغنامه وعادت فيسبانيا الى بيتها، ومرت الايام وطال غياب فيسبانيا فانشغل قلب فاروس عليها ويسهر ليله يتفكر فيها، وهي كذلك تتفكر فيه وتنظر الى سوار الازهار الذي صنعه فاروس وقد ذبلت فيه الازهار.

وفي احد الايام سافر ماركوس واهله الى روما فتناقلت العبيد والخدم اسباب الرحيل فسمع فاروس ان الخبر هو زواج تاتيوس بفيسبانيا وانهم اشتروا منزلا لهم في روما فصعق وانتابه الهم والغم، فراح يرعى في الاغنام وفكره يجول فوق بيوت الروم يبحث عن فيسبانيا، وازفر العبرات وما لبث ماركوس واهله الا وهم عائدين دون تاتيوس الذي استقر في بيته الجديد في روما، فرجع فاروس ليرى حصيلة ما جمع من المال لافتداء حريته فوجد انه بقي له القليل فتصبر فلم يعد يطيق البقاء وقد زادت عليه قيود العبودية وقلبه حر.

فكلم ماركوس واخبره ان ينوي الرحيل بعد ان يفتدي نفسه ولا يريد البقاء فقال له ماركوس بكل برود (افعل ما تريد ...).

وفي ايام فاروس الاخيرة المعدودة في الرق جلس في المرعى يتفكر في حاله من جديد ويندب حظه العنيد، واذ بصوت قلقلة تصدر من خلفه فالتفت واذ بهم خمسة رجال مسلحين فقال زعيمهم (لمن هذه الاغنام ايها الراعي ..) قال (انها لماركوس كلوديانوس...) فقال زعيم العصبة (سنأخذها كلها فانج بنفسك ولا تعرض نفسك للمهالك ...) وكان فاروس قد سئم الحياة ولا يدري ما يفعل بحريته وقد تجمعت في صدره اصناف العذاب والعناء وكان كل ما يحتاجه شيء يفرغ فيه تلك المشاعر فتبسم فاروس وقال للزعيم (والله لقد كنت انتظر امثالك ان يقدموا او يدنوا مني ويجرأوا فارجو ان تكون ثابت في النزال قادر على القتال ...) فنهض واستل سيفه من غمده فكرت عليه الرجال من فوق الخيول وهو راجل فتفادى الحصان الاول فرأى الحصان الثاني قد جفل فامسك بلجاهم فالقا الفارس من على ظهره فغرس دبوس السيف بحقد وغل في وجهه فاخرجه من قفاه فذهلت الرجال وكروا عليه مرة اخرى بعدما امتطى صهوة حصان ذلك المقتول وكر عليه يناوشهم ويناوئهم ما يشتبك باحد حتى القاه من حصانه صويبا فراح احدهم متظاهر ضرب فاروس وما ان اقترب حتى حنى جسده فضرب ساق الخيل فاسقطت فاروس فالقي على الارض ووجهه بالتراب فانقض الاخر عليه فثبته طوقه بيديه من اعلى جسده وطوقه برجليه من حوضه فاصبح كالعنكبوت الذي احكم القبض على فريسته وفاروس يحاول الافتكاك منه فصاح الرجل على زميله ان اضرب واقتله فلما رأى غالب ذلك الرجل يريد قتله استجمع قواه فقام من مكانه برغم ان الرجل ممسك به بشدة من الخلف ومطوقه فقام فاروس يركض والرجل خلفه اصبح كمتاع مربوط في ظهر فاروس واندهشت الرجال من قوة فاروس، فرمى فاروس بنفسه من علو جرف تحته نهر جارف وبظهره ذلك الرجل متشبث به.

فلما نظرت الرجال ذلك المشهد تقدمت الى حافة الجرف ترقب ان يبرز من تحت الماء احد الرجلين ولكن تدفق الماء كان سريعا فمكثوا برهة فعرفوا ان الرجلين قد هلكا، فنزلوا الى ذلك النهر يريدون ان ينتشلوا جثثهم ولكن فلما نزلوا وبدأوا بالبحث خابت مساعيهم وعادو خائبين من الجثث والاخبار فارغين فايقنوا بهلاك الغارقين.

وكان الرجلين قد تجاوزا النقطة التي بحث فيها القوم لسرعة جريان الماء واما فاروس كان يكابد الماء ويريد التشبث في شيئ ووصلوا الى نقطة من النهر هدئت فيه سرعة ذلك الجريان وكان الماء قد انهك فاروس فارتمى على شط النهر وانفاسه تلهث فرفع رأسه فوجد يد ذلك الرجل قد حشرت بين صخرتين وجسده يسحبه الماء للخلف بتروي وهو ساكن لا حراك له، فاشفق فاروس عليه فاستجمع قواه وقام وسحب ذلك الرجل الى الشاطئ لكي يجده من يعثر عليه فيدفعه الى اهله وذويه ليدفنوه، ولما تفحصه فاروس وجد ان الرجل ما زال على قيد الحياة، فتعجل الامر وعمل اللازم لاستنقاذه فاستفرغ الرجل الماء من فمه وخشمه ثم تلتها رعشة فضم الرجل اطرافه اليه ونزع قاروس قميصه وانزل نطاقه وهو فراء الذئب وغطى بهما الرجل واشعل نارا بجانبهما وجلس بجوار والرجل يرتعد الى ان هدء وكان ملقيا على جانبه وظهره الى فاروس وفاروس جالسا والنار بينهما.

فقال له الرجل (لماذا انقذتني ...) فاروس (لا ادري لعلي اكره ان اكون وحيدا في هذا المكان الموحش ...) الرجل (من انت حقيقة ...) فاروس (انا فاروس عبد ماركوس كلوديانوس ...) الرجل بضحكة متقطعة بسعال (ماركوس ...) فاروس (مابه...؟) الرجل (ان ظفرت بذلك الرجل ساقطع عنقه لا محاله ...) فاروس (ومابين وبين ماركوس ؟...) الرجل (انت الذي بيني وبينه ...) فاروس (وكيف يكون ذلك ...) الرجل (لقد اخبرنا ماركوس ان نقتلك وسيعطينا لقاء قتلك مالا وفيرا ولكن الوغد لم يخبرنا انك صنديد لا تكفي لقتلك خمسة من الرجال لا ادري ان كان يريد ان يوقع بك او ان يوقع بنا ...) صعق الخبر فاروس وفتح فاه واجحظت عيناه وازبدت شفتاه وجمرت عيناه فقال (ولم يقتلني فاروس ؟؟...) الرجل (لا ادري فنحن نفعل ما نؤمر ...) فاروس (لعلك كاذب ...) فاخرج عملة نقدية مخرومة وكان فاروس يخرم النقود فقال (اليست هذه امواله ..) فتفحصها فاروس فعرفها وغضب غضبا شديدا فقال له الرجل (اسمع يا فاروس انك وقد انقذت حياتي وانا قد جئت اسعى لان اسلبك حياتك ولعل هذه مروءة العربي فاني علمت القليل من اعرافكم واطباعكم فاعجبتني واني اليوم رهينة امرك وفي رقبتي دين لك ما دمت حيا فادخرني لك وستجد بي اعانة على الحياة ...) فسكت غالب وقام من مكانه وذهب الى النهر يتفكر في كيفية حدوث ما حدث فقال له الرجل (أحقا انك قتلت ذئبا اشيبا ...) فقال فاروس ( انك الان ملتحف بفراء رأسه يا رجل ..) فضحك الرجل وغط في النوم وظل فاروس يتفكر ويحاول ربط الاحداث وكيف كان ما يكون اليوم.....

noor elhuda likes this.

Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-10-21, 06:27 PM   #23

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي

الفصل التاسع – (الطريق للحرية)

فلما اشرقت شمس الصباح ايقظ الرجل فاروس الذي غلبه النوم تحت شجرة وقد اسند ظهره اليها ومال راسه عليها فلما استيقظ فاروس واذ بالرجل قد لهم بصيد ياكلونه فجلسا على نار الصباح البارد يتناولون ما صاده الرجل ثم ساله فاروس وقال له (ما اسمك ايها الرجل ؟...) الرجل (اسمي ايريك ...) فاروس (ان اسمك غريب هل تعلم ذلك ؟؟...) ايريك (انا من اقصى الشمال وهذه اسماءنا وانت قل لي ما اسمك؟...) فاروس (حسبتك تعرفه ..) ايريك (لا اعني اسم العبودية بل اسمك الحقيقي فانا كان لي اسم في العبودية وهو ستيفانوس ولكني لفظته ولم اتسمى منذ استحققت حريتي الا بالاسم الذي اطلقه علي والداي ...) فاروس (وانا اسمي غالب ..) فبدأ الاثنان يتحدثان بعدما جمعتهم الاهوال وتبدلت بهم الحال فبالامس كان كل منهم يريد ازهاق روح الاخر واليوم يتناولان الطعام ويتبادلان الاسماء ويتحدثان بكل رخاء.

بينما هم كذلك وقد شكر ايريك غالب ايما شكر على ابقاءه لحياته واثنى على مروءته وتعهد لغالب بالوفاء وحمل نفسه دينا لغالب لن ينساه ما حيي، وحينما اخبره ان ماركوس اراد قتله لاسباب لا يعرفها وكان غالب قد امضى الليل فتفكير طويل وربط لاحداث الماضي والحاضر وجعل يعلل ما حدث يوم الوليمة وما قاله له انه يريد العلو بالمراتب وهو قد زوج ابنه ابنة السيناتور (وهو لقب يطلق على عضو مجلس الشعب) ولكن كان يراها كلها اسباب واهية لقتله بعدما كان بينهم ما كان الا ان العلاقة كانت على غير ما يرام في الاونة الاخيرة ولكن لا تستدعي الى القتل وسفك الدماء، فاخبره ايريك ان الروم اطباعهم تختلف ولا سيما النبلاء منهم فهم متقلبين المزاج وقد يقتل الرجل عبدا له بلا سبب وقد يراهن على شيء في خياله كان ينظر الى طير في الشجرة واخر يحوم حوله ويراهن ان نزل الطير الحائم بجوار الطير الواقع على غصن الشجرة سيقتل العبد الذي بجواره ويسقيه فان حدث ما راهن عليه قتل ذلك العبد بذلك السبب التافه وكان ايريك يمقت الروم ويعرف دسائسهم وخبث نواياهم وانه لا يمكن ان يستأمنهم مهما توطدت العلاقة فانهم لا يرون العبيد الا كما يرى الرجل متاعه.

ولكن غالب قال (لم يقتلني وانا لم يبقى لي معه الا ايام معدودة فقد جمعت مالا لادفعه له وانال حريتي منه وسأرحل من دياره لم يستعجل هلاكي ...) ايريك (وهل ماركوس على علم بنواياك ؟...) غالب (نعم لقد اخبرته منذ مدة بالامر ...) ايريك وضع كفه على وجهه (اذاً هذا سبب استعجاله حياتك فلما رأى انك قد جمعت منه مالا وتريد الرحيل وكان يباهي بك من قبل فلم يطق انك ترحل وتكون حر او تكون لغيره ولما علم بوفرة المال عندك طمع بها واراد قتلك لياخذها ولا تنال حريتك فمن النادر ان ينال الرجل حريته عند الروم خصوصا النبلاء منهم فانهم يرون من العار ان يتحرر الرقيق في حضرتهم وهذه منقصة لا يقبلونها وكان من اراد التحرر من نبيل جمع المال سرا ودفعه اليه دفعة واحدة وبحضرة احد خصوم ذلك النبيل من النبلاء فيكون شاهد عليه فيمتنع من ان يفعل شيء لانه يعتبر مخالفا لقوانين وضعها النبلاء انفسهم فيخالفونها بالخفاء ويطبقونها في العلن ولا ارى سبب ارجح من ذلك لقيام سيدك بتدبير هلاكك ...) غالب (وانت يا ايريك ماهي حكايتك وكيف اصبحت حرا بعد ان كنت عبدا وما حملك على ان تقوم باعمال الاغتيال القذرة هذه ؟؟...) فاستعدل ايريك وهيأ نفسه لحديث طويل يحكيه لغالب وقال :

" حكايتي هي اني كنت ابن احد زعماء قبائل الشمال الاقصى فكنا في صدام مع القوات الرومانية باستمرار وكنا نخسر الاراضي شيئا فشيئا وكان الرومان يزحفون علينا زحف الجراد على النبات، واتى يوم من الايام فاتانا رجل من الروم وكان بريتور (وهو رجل يعطى لقب من الحكومة لقادة الجيوش المنتخبين لديها وتكون لهم صلاحيات) فعرض علينا صفقة بان ندفع نصف الجزية السنوية التي كنا نؤديها فيما سبق للروم وان لا يتدخل الروم في امورنا الداخلية بشريطة ان ندفع لهم ضريبة العبيد وان نقف على حياد في معارك الروم القادمة مع القبائل المجاورة لنا فتشاور ابي واعيان قبيلته فوافقوا لان ليس لهم فاقة لمواجهة بريتور وجيوش الروم وحينما اتى البريتور لينتقي من الغلمان من يكون عبدا في روما قد اختارني من جملتهم فرأيت وجه ابي كيف كان كظيم وجعلت امي تذرف الدموع وسط جو مشحون بالعواطف الحزين فودعتهم وداعا لا لقاء بعده.

وسرت مع الجحافل الى ان دخلت مدينة روما وقد انذهلت من حجمها وكثرة الناس فيها فباعني الى رجل من الناس وهو من اطلق علي اسمي ستيفانوس ومكثت عنده ولم يكن بالشخص السيء فلقد كان من عامة الناس وتعلمت منه اشياء كثيرة لانه كان مهتم بالحضارات واخبار الشعوب فلازمته احضر له المخطوطات فيقرأها ولم يكن عنده الا انا فحينما كان يقرأ كان يقرأ بجهر فاسمع ما يقرأ وكان يعلق على ما يقرأ ويحدثني ويبدي ملاحظاته ومع مرور الوقت بدأت افهم ماهية المخطوطات واخبارها فكنت اساله احيانا فكان يشعر بالسرور حينما اساله عن علمه فكان يجيب بحرارة ودون تردد.

فاستخلصني لنفسه وكنا نمضي الوقت في المكتبات وننادم الفلاسفة والفقهاء فحدثت مجاعة في روما استمرت لسنين بسبب ان احد اعضاء مجلس الشيوخ قد احتكر القمح الذي يصل لروما من مصر يريد ان يتضور الناس جوعا ثم يخرجه ويبيعه باغلى الاثمان فتسبب بمجاعة وانتشر الطاعون فماتت زوجة سيدي وحزن عليها كثيرا وكانت اطفاله صغار فحاول ان يعمل في السوق ليسد مكان زوجته وقد احضر لهم خادمة تراعهم في غيابه وظل يعمل بكد يعطي الدروس وقد افتتح دكانا استأجر رجلا يبيع فيه ويقبض منه اليومية ولكن البائع دنيء النفس في كل يوم ياتيه سيدي يقول له انه لم يبع شيئا وهو في الواقع يبيع مما راكم الديون على سيدي.

محاولة اخيرة للانتعاش في ظل المجاعة والطاعون اخذني والدموع تذرف منه فقد عشت عنده سنة سنين وراح بي الى السوق حيث يباع العبيد ولم يكن من المعروضين شيء لفقر الناس ولا حاجة لهم لفم زائد لاطعامه من العبيد وعرضني فيه ولم يتقدم احد وظل ينتظر وكان رجل حاضر بين الصفوف ينظر ويرقبني وقبل ان ينتهي وقت السوق ولم يتقدم احد ليشتري تقدم ذلك الرجل وعرض على سيدي ربع السعر فحاول ان يرفض سيدي ولكن الرجل كان معسول الكلام قوي الحجة شديد الاقناع فاخبره بوضع روما اليوم فكيف ستكون غدا واليوم قد وجد من يشتري وان كان بربع السعر فان غدا لن يجد من يشتري باقل من ذلك بل ولن يجد من ياخذ بلا ثمن ثم وعده انه يستوفي بقية ثمنه ان عادت الحياة بعد ان يرفع البلاء وظل يقنع به الى ان اقتنع سيدي بعرض ذلك الرجل.

لما قبض المال سيدي التفت علي وودعني والدموع منه سواكب واخبرني بان لا اخبر احد باني على اطلاع بالعلوم والفلسفة واخبار الامم وعادات الحضارات واخبرني ان العلم الذي بحوزتي فانما هو سلاح قد احتاج اليه يوما فامرني ان ادخره حتى يحين ذلك اليوم فعانقني وودعني، فرحلت مع ذلك الرجل المشتري الى خارج اسوار مدينة روما فمشينا ايام حتى وصلنا مدينة كابوا فانزلني في سوق العبيد وكان مزدهرا فتمت المزايدات علينا كعبيد حتى اتى رجل يدعى سولونيوس ديسيوس وكان صاحب لودوس (اللودوس هو مكان اقامة المجالدين ومقر تدريباتهم) فاشترى جملة من العبيد وكنت من بينهم حيث كنت شابا يافعا.

فاخذنا الى مكان اللودوس واذ به فسحة مربعة تحطيها الاسوار ولها بوابة من الشمال ومن الغرب منزل متوسط السور الغربي وله شرفات تطل على الفسحة المربعة في المنتصف ووجهه يستقبل شعاع الشمس وقت الشروق وحينما دخلنا وجدا المجالدين يجدون في تدريباتهم وقد تعالت اصواتهم ولمعت تحت الشمس عضلاتهم وتبللت الارض لكثرة تصبب عرقهم الذي اختلط بدمائهم فمن يراهم لا يدري ان كانوا يتدربون او يتقاتلون ومن بين العبيد عبد متميز عنهم وبيده سوط وجسده مملوئ بندبات وطعنات كثيرة وهو لا يشاركهم التدريب انما كان كالمشرف عليهم فسمعت سيدي سولونيوس ينادي عليه باسم ديكتوري (وهو لقب يطلق على المسؤول عن تدريبات المجالدين ويكون مجالد في السابق لكنه لم ينل حريته الى الان فاكراما له لا يشارك في القتال انما يشرف على تدريبات المجالدين) فامره ان ينظر في امرنا ويفرزنا ويرى من يصلح ان يكون مجالد ومن يصلح لان للعمل في المناجم، وهما مصيرين احلاهما مر فان كنت مجالدا تموت تحت ضرب السيوف وان كنت في المناجم تعمل في الانفاق والمناجم ولا تترك العمل حتى تموت تحت ضرب السياط.

فاعطونا سيوفا خشبية لنقاتل فبدأنا بقتال بعضنا البعض فاستقبلني رجل طويل القامة وكنت احاول دفعه ومراوغته الا اني لم استطع تفادي ضرباته الموجعه حتى انه كسر ضلع لي سمعت صوته وهو يتكسر بركلة منه واستمر علي بالضرب ولكني واصلت وقاومت وكنت اهجم عليه دون تردد لاني خفت ان ارسل للمناجم لان مصير عمال المناجم اسوأ من المجالد فكثير من المجالدين عاشوا افضل مما عاش الاحرار من شهرة ومحبة في قلوب الناس واما المناجم ستذهب الى النسيان فتموت كالحيوان، فواصلت قتالي ذلك العملاق فضربني ضربة حتى وقعت مغشيا على اثرها فايقنت بالهلاك ومصيري الى المناجم.

واذ بي مستيقظا في سرير وعندي حكيم يضمد جراحي ما ان ادركت اين انا حتى دخل علي سولونيوس ومعه الدكتوري فاخبره انه يريدني هنا في المجالدين لما رأى مني عزيمة واصرار وشجاعة اذهلته اذ كيف قارعت ذلك العملاق دون تردد او مبالاة مني بجراح لم تعقني عن مواصلة القتال.

ومضت الايام وانا اتدرب ولم يشركوني في قتال قط فوطدت العلاقة مع سائر المجالدين وكنت اجد بالتدريبات استيقظ قبلهم واذهب للتدريب ولا اعود للفراش الا اخر واحد حتى قوى ساعدي وعلت همتي ولكني مازلت يافع بينهم فاراد سولونيوس ان يدخرني ويجعل مني بطل كابوا القادم فواصل وبمرور الوقت قد اصبحت جاهزا للنزال فكنت اصرع الرجال في اللودوس اثناء التمرين وقوت شكيمتي فكنت لا ابالي باحد ولا اضع قدرا لاحد من المجالدين ولم يكن احترامي ينصب الا على سيدي سولونيوس او الدكتوري فخضت اول نزال لي في احد الحلبات ولكني قتلت منافسي بكل سهولة فاندهش الناس حين رؤيتي لاول مرة اذ كيف رجلا لاول مرة ان يكون فعله بالخصم كفعلي.

ومرت الايام والسنين وانا احقق الانتصارات فبدأت احب ما اقوم به وابحث عن تحد جديد فقارعت الابطال من شتى اقصاع الارض وما ان تحديت رجل الا وقتلته حتى اني عدت الى روما للمشاركة في البطولات الكبرى وكنت اجني الكثير من الاموال لسيدي وهو قد كان راضيا مني فبعد تلك الانتصارات ذاع صيتي فاسموني بقاتل هركليز حيث كتبوا عني مسرحية اني قتلت فيها هركليز حينما واجهته في حياتنا السابقة.

فبدأت اتوق للحرية وفكرت بها وجمعت اموالا كانت حصتي من انتصاراتي وفي احد الايام وكنا عائدين للودوس بعد ان انتهينا من مسابقة لنا في كابوا واذ بثور هائج خرج عن سيطرة راعيه فنطحني نطحة في صدري ارتفعت فيها الى السماء فكدت ان ارى سطح البيوت فوقعت على رجلي فانكسرت رجلي وتقيأت دما فاجتمع الناس من حولي وهرع الى سولونيوس فرآني فاغتم بمنظري وسحب صاحب الثور فانهال عليه ضربا حتى ادماه وكاد يموت بين يديه لولا ان افتكه الناس منه، كل هذا وانا غارق بالدم والالم فكان الالم مبرحا لدرجة لم اتحملها فسقط مغشيا.

فحملوني الى الحكيم فاخبره الحكيم ان ايامي كمجالد قد ولت فضاقت الارض بما رحبت على سولونيوس فكان يجهزنا لمسابقة كبرى في روما وفيها احد الد خصومه فكان يضع رهانا كبير علي فتركني سولونيوس عند الحكيم الى ان عادت عافيتي ولكني كنت اعرج لان رجلي لم ينجبر كسرها تماما بعد فنظرت الي العبيد نظرة الاسى فكرهت منهم ذلك واتاني سولونيوس فاخبرني ان المبلغ المتبقي لحريتي مازال كبيرا ولو كنت استطيع القتال لاستحققته بوقت قصير ولكني الان بهذه الحال فلا فائدة من زجي في قتالات شرسة ضارية واخبرني انه لن يستطيع ابقائي في اللودوس وهم ان يرحلني الى المناجم ولكني توسلته ان لا يفعل واني ما زلت املك فائدة له برغم اصابتي ولكنه لم يقتنع ثم تذكرت كلام سيدي الاول حينما اخبرني عن سلاح امتلكه من العلم كنت قد نسيته في ساحات القتال وملاقاة الابطال، وحينما رأيت انه معرض عني اخبرته ان لي من العلم ما سيغنيه ولدي من الاخبار ما يعنيه فلما سمع مني ما لدي تعجب مني وعاتبني لاني اخفيت شيئا عظيما كهذا.

فالبسني لباس الخدم المحتشم لا لباس المجالدين الذين لم يكن يستر عورته الا خرقة من البردي الابيض الرقيق وبدأت اجالسه وانادمه ولكنه اتفق معي ان لا يكون لي اجر كاجر المجالد بل اقل منه بكثير ووافقت انا على هذا لان المناجم تعني الموت المحتم، فكنت اتريث في اتحافه بما لدي لاني لا اريد ان ادفع مالدي دفعة واحدة بل اعطيه في كل حين جرعة تجعله يتشبث بي اكثر واكثر احدثه عن اخبار الملوك السابقة وكان يتعجب ويندهش لما يسمعه مني، واخبره عن الحضارات والامم الاخرى، حتى انه حينما يدعوا اصحابه لمأدبة يأتي بي لاقصص عليهم نبأ الامم واخبار الشعوب، فكما كنت محبوب كمجالد بين طبقة العامة اصبحت الان محبوبا كفقيه في اعين النبلاء، فاصبحت علاقتي بسولنيوس وطيدة حيث وصلت الى ان اجلس بجانبه وانادمه ونضحك سويا ان لم يكن غيرنا في المكان.

ولم يستمر الحال كثيرا واذ بدأنا نسمع اخبارا عن عبيد تمردوا وقتلوا اهل اللودوس وضيوفهم فكان الناس بين مكذب لها ومصدق ومالبثنا حتى اتانا يقين تلك الاخبار عن لودوس اخر حدث به ما حدث بالاول وان العبيد بدأو يستهدفون اللودوس لتحرير المجالدين المستعبدين، ووصلت الاخبار الرسمية تفيد باسماء العبيد واخر مكان تواجدوا فيه وتحذير الحكومة من التعاون معهم فخاف الناس سطوة اولاءك العبيد، بل وفي هذا اليوم تم اعدام كثير من العبيد قتلوهم بالظن والشك، وقد قالوا لا يخرج العبد بمفرده من بيت سيده الا برفقة سيده ومن وجدوه وعلى ذراعه وصم العبودية وحده في الطريق قتلوه في مكانه.

برغم ان الاحداث ليست قريبة منا الا ان الناس خافوا من العبيد وحينما رجعت مع سيدي بدأ القلق والتوتر في وجه سولونيوس وحينما دخلنا اللودوس اردت الذهب الى غرفتي الخاصة بداخل الفيلا التي اعطانيها سولونيوس وجدته يامر الحرس بمنعي من الدخول فناديته فالتفت الي فرمقني بنظرة المخون الغير واثق ثم انصرف داخل الفيلا واصطحبوني الحرس فوضعوني مع بقية العبيد والمجالدين في زنزانة كبيرة حيث كنت انام فيها اياما حيث كنت مجالدا.

واستمر هذا الحال بنا والعزل فكنا احيانا في الليل نسمع صياحا وصراخا قادم من بعيد ليرسم الرعب على وجه كل من سمعه من اهل كابوا فسمعت بعض العبيد والمجالدين المتحمسين لهذه الثورة والتمرد ومن يريد الانضمام لهم فاختلفت معهم لاني على دراية باخبار الامم والملوك فان مثل تلك الثورات الفوضوية لا تدوم وان روما بتريثها وتوريها كانت دائما تقوم على هزائمها وتنهض وكلما شعر العدو بتمكنها منها وايقن هلاكها صدمته بقوة يتعجب من سرعة انشائها وكان روما كانت تدخر تلك القوة من قبل وانها كانت طوال ثورته وغزوه لها كانت كمن يلاعب طفلا صغيرا يوفقه جدلا في جنونه ثم تصفعه صفعة فيسقط سقطة لا يقوم بعدها ابدا فعرفت ان روما ستنتصر مهما كانت البدايات في صالح خصومها فلم ارد ان اكون في صف الخاسرين وتجادلت معهم اشرح لهم حقيقة المصائر في مثل هذه الظروف وهم لا يسمعون ويجادلون بل ان بعضهم هددني بالقتل فكففت عنهم وانعزلت.

بينما كنا كذلك واذ ارى الخيول قد دخلت ساحة التدريب فكانت الزنزانات تطل من الطابق السفي على تلك الساحة ويردعنا عنها قضبان الحديد، فرأيت سولونيوس واهله وهم يركبون العربات ويحملون المتاع فنايته فالتفت الي وسالته عن اسباب الرحيل وما مصيرنا ان رحل وكان سولونيوس قد وضع قدما على عتبة العربة وقدمه الاخرى ما زالت في الارض حينما سمع مني هذا الكلام استدار ناحيتي واتى الى الزنزانة وهو حائر العينان ينظر الي ووضع يديه على خصره فالتفت الى الحارس وامره ان يقتلنا جميعا فصعقت لما سمعت هذا الكلام من سولونيوس فتجمع الحرس قبالة الزنزانة ومعهم الرماح الطويلة فبدأوا بطعننا من خلف قضبان الحديد وكنت اول من تعرض للطعن فسقطت الى الوراء متظاهرا بالموت فطعن الرجل بعد فسقط علي فرشقوا من تراجع الى اخر الزنزانة بالسهام، وكنت ارى بطرف عيني ما يحدث فوجدتهم قد دخلوا الزنزانة يفتشون في حاجياتنا واستخرجوا اموالنا جميعها وكانت اموال في غرفة لي داخل الفيلا وانا انظر الى تلك الخسة اغمى علي من شدة الالم.

ولم احسس واذ بيد ناعمة تداعب وجهي وحينما ابصرت واذ بجارية وحولها جمع كثير دوا صياحهم المكان وعلت اصوات حديثهم بالالسن المختلفة فلما استيقظت وجدت نساء ورجال بايدي موسومة بوصم العبودية فلما رأتني اتنفس نادت على احدهم فحملني وافردني على سرير وبدأ يتفحص الجرح وعرف انه جرح غير قاتل ولم يصب ايا من اعضائي الحيوية فخاطه الرجل واعطاني شراب يخفف الالم ويجلب النوم.

وحينما استيقظت مرة اخرى صعدت بشق الانفس الى الفيلا التي كنت اسكنها فوجدتها منبوشة فبحثت حيث اخبئ النقود فلم اجد شيئا فعرفعت ان سولونيوس قد سرقني المال، وقد ايقنت انني في قوم المتمردين الان ولا مجال للتراجع عما كنت اكره فسالت عن سبارتكوس ان كان بيننا لاني اردت ان انظره بعيني فاخبروني انه ليس هنا انما يعمل في مكان اخر وانا سوف نمضي في غضون يوم.

فكان سقوط كابوا بمثابة سقوط روما فكانت شيء لم يحسبه له نبلاء الرومان اي حساب فانتدبوا بريتور جديد يدعى سيبيوس وخرج بفيلق روماني لملاقاتنا وقد كان جمع العبيد كبيرا جدا انذاك فلم ادرك سرعة جمعهم الرجال حينما خرجنا ووصلنا الى اطراف كابوا حيث الكل مجتمع ورأيت سبارتكوس لاول مرة وخطب في الناس وشجع المقاتلين وكان كلما زاد في حديثه وددت ان اقطع عنقه لوضعنا في هذا المصير التالف والحلم الزائف.

ففي الطريق تلاقى جيش سبارتاكوس وجيش سيبيوس وانتصر سبارتاكوس وقتل سيبيوس واكملنا الطريق فاعترضنا بريتور اخر يدعى فيتيوس فانتصر سبارتكوس عليه وقتله وواصلنا المسير حتى خلت الفيالق الرومانية فبحثوا من يكون بريتور وياخذ الفيالق فلم يتقدم احد بعد ولم يبقى لروما سوى فيلق بقيادة بومبي وكان يحارب في بلاد الغال بعيدا جدا عن مركز الاحداث وفيلق بقيادة ماركوس كراسوس قيد التحضير.

وفي ظل تغيب ما يمنع المتمردين من ان يفعلوا ما يشاءون وصلنا لمدينة تدعى فيلا وكانت هذه تعج بالنبلاء حيث كان النبلاء يقضون فيها فصول الصيف فلم يسكنها الا النبلاء فقط وهي مدينة مسورة صغيرة وخلفها شاطئ صخري وهي مطلة على البحر ولا تنقطع عنها الامدادات والتموين.

فاقتحمنا المدينة التي لم يكن لها اي دفاع يذكر فعاث المتمردين فيها وافسدوا فيها وسفكوا دماء النبلاء فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وانا انظر وقلبي رغم قسوته ينفض لم ارد ان اكون سببا في فسادهم فلم استطع النظر لما ارى من احداث تدمي القلب وقد رايتهم يقتلون طفلة ذات ثلاث سنوات بالهراوات على راسها وامام والديها فمات ابوها قهرا من شدة المنظر، وكان النبلاء يربون الوحوش والسباع كنوع من انواع الترف لديهم، فكان المتمردين يحضرون السباع فيلقون اليها ابناء النبلاء الصغار وحتى الرضيع ليمضغه السبع وامه وابوه ينظرون، واحضروا امراتين وكانتا حاملتان في شهورهم الاخيرة، ومسكوا ابنائهن الصغار ووضعوا على رقابهم السيوف وامرو الحاملتان بالاقتتال واعطوا كل واحد سيف ومن لم تفعل يقتلون ابناءها الصغار فتقاتلت الامرأتين للذود عن ابنائهن وما ان قتلت واحدة الاخرى وهرعت الى ابناءها لتفتكهم من اولاءك السفاحين حتى ضحكوا في وجهها ونحروا ابناءها فلما صاحت وذكرتهم بوعدهم ردوا عليها نحن كروما نخلف الوعود وبقروا بطنها واخرجوا جنينها، ولم يتورعوا عن فعل اي جرم، ففاحت رائحة الدم والشواء حيث كانوا يلقون الناس في النار،.. شيء تشيب له الولدان.

فبينما كنت كذلك واذ بي ارى سيدي سولونيوس وهو جاثي على ركبتيه وبجانبه امراته مذبوحة من الوريد الى الوريد وخلفه ابنته قد تشبثت بقميصه من الخلف وابنته كانت بعمر السادسة وهو يتوسل اولاءك السفاحين بالابقاء على ابنته فهممت اليه رغم ما فعله معي الا اني لم استطع ان اعاقبه بمثل هذا العقاب فتوسلت لهم ان يبقوه على قيد الحياة واشرح لهم اختلافه عن اهل روما وانه لم يكن متكبرا او متعجرفا فتفاجئ بي حين رآني سولونيوس وبكى وقال بصوت خافت "سامحني" ولكن المتمردين نظروا الي بنظرة خفت منها نظرة التخوين فنهرني احدهم واخبرني ان كلهم سواسية ويجب قتله لكي يقل الاستعباد في ديارنا ورفضت ان اقتله فتجمع حولي مجموعة منهم وخيروني اما ان اقتله او ان اموت معه، فاني رغم صعوبة الموقف الا اني كسائر الناس احب الحياة واتشبث بها، فذرفت الدموع واغمضت العيون وبيدي رمح طويل وقلت لسيدي "بل انت سامحني" فكان يناديني ويتوسل ان لا افعل ووسط توسلاته غرست الرمح ودفعته بقوة في صدره فاخترق ظهره حيث ابنته التي قد اخترق قلبها ايضا، فاوقعت الرمح وكتمت بكائي عنهم لكيلا اثير شكوكهم فيقتلونني فانهم قوم مجرمون.

وظل المتمردين يفسدوا في تلك المدينة ليلا نهارا فقد صبوا غضبهم على اهلها النبلاء فكانو ينكلون بهم ويذيقوهم الويلات، فبينما كنت ماشيا اتفادى مواضع البلاء واذ برجل مألوفا من بين العبيد وقد وجدته جالسا ينادمهم ويشرب معهم ولكني لا اتذكر اين رأيته فذهبت اليه فحييته فرد التحية على عكس عادت العبيد فانهم اجلاف لا مكان للاخلاق فيهم وهم متمردون، وجلست بجواره ارقبه احاول ان اتعرف على المكان والزمان الذي جمعني به قبل هذا، فبينما كنت كذلك وجدت ذراعه مربوطة بقماش وعليه اثر دم فسألته عن خبر اصابته فاخبرني انه اراد ان يزيل وسم العبودية فشوه يده بالسكين، فسالته عن حاله مع سيده فاخبرني انه قاس كقسوة البرد وصلب كالصخر وصارم كالسيف ولاينسى اعداءه ويعادي بالظن والشك جبار على العبيد ذو بأس شديد فسألته عن اسم هذا الوحش فاخبرني انه غايوس جلويوس قيصر فصعقتني الذاكرة ولطمتني في عقلي فتذكرته لتوي حينما قال ذلك الاسم، لاني حينما كنت في روما كنت اتذكر رجلا من قادة الجيش اسمه غايوس جلويوس قيصر وانما هذا العبد ليس الا الرجل نفسه غايوس جلويوس قيصر اي انه ليس بعبد انما حر انغمس بين العبيد، فكتمت ولم اخبره اني عرفت حقيقته ورأيت في نفسي ان هذا لهو بوابتي للعبور والنجاة من هؤلاء المفسدين.

فنادمت قيصر (وهو متنكر بزي العبيد) تلك الليلة وتحدثت معه بحديث النبلاء فاعجبه قولي ولكن كل منا كان على تحفظ من الاخر هو يخاف ان افضحه فيقتله المتمردين وانا اخاف من خوفه مني فيفارقني ولا اراه مجددا او يختل بي فيغتالني كي لا افضحه، فلازمته وكنت اكثر الحديث معه اريد ان اجعله يشعر بالراحة في حديثه معي، فكنت اكثر اللوم على المتمردين وانهم اصبحوا همجين فكان يوافقني الرأي، وكيف ان هذه الحملة لن تآل الا الى سوء الحال، فلما رأى كرهي لهذه الثورة المشؤومة سالني عن سبب انضمامي لها فقلت له ما حدث في لودوس سولونيوس وكيف اني اضطررت للانضمام حينما وجدوني، واني لم اقاتل الفيالق الرومانية بسبب اصابتي انذاك ولم ارتكب الجرائم في حق اهل مدينة فيلا وكتمت امر قتلي لسولونيوس وابنته عنه، حينئذ بدأ يختبرني بالكلام ويسالني ماذا لو تحصلت لي فرصة للخروج منهم والعودة الى الرق والعبودية، فاجبته ان ذلك لحلم اسعى اليه، فاخبرني انه يشاطرني نفس المشاعر ونفس الاحلام وانه يتوق للعودة للعبودية ولكن لا يستطيع ان يفعل ذلك وحده فطلب مني النظر في امر العبيد من كره هذا الامر منهم واراد العودة فنهرب سويا، فاتفقت معه ومضى كل منى يسعى لضم من العبيد من يريد النجاة.

فجمعت عدد صغير من الرجال والنساء بعد استعلام واستخبار عن نواياهم واتفقنا على ان نجتمع عند بوابة صغيرة بجانب الشاطئ الصخري وبها ممر صغير وعلى تلك البوابة لم يكن الا حارسين اثنين من المتمردين يرقبون الافق كي لا تباغتهم الفيالق الرومانية، هذا كله رصد قام به قيصر فاخبرني انه يجب علينا قتل هذين الاثنين فاجبته على الفور فسالني ان كنت استطيع القتال فاخبرته اني كنت مجالد فابتسم ولكن من كانوا معنا اعترضوا على قتلهم واخبرونا انه لا يجب ان نقتل اخوتنا فرأيت من قيصر نظرة لهم وقد تطاير الشرر من عينيه ثم تلتها نظرة لي، فاخبرهم بضرورة القيام بهذا الامر لا سيما وان القوات الرومانية قريبة ستدخل وتدك الحصون والاسوار وسيقتل كل من بقى هنا وهؤلاء الحرس ان علموا بامركم سيقتلونكم ولن يتورعوا بقتل اخوانهم اي انتم، فترددوا في امرهم فمضيت انا وقيصر فلما رآنا الحرس لم يعوا حقيقة نوايانا فبادرناهم بالطعان فقتلناهم وفتحنا البوابة وخرجنا ومن معنا من ها هنا وسرنا مسافة ليست ببعيدة وكان قيصر يمشي ونحن خلفه وكانه قاصدا محلا او موضع يعرفه فوصلنا الى تلة خلفا غابة مشجرة وحينما وصلنا قمة التلة وجدنا من تحتها المشاعل وقلقلة الحديد وبهنسة الخيول واذ بالفيلق الروماني قد تمركز فيها وكان قيصر يراسلهم بالحمام ويحدد لهم اين يتمركزون.

فتفاجئت بعبقرية ذلك الرجل وحينما نزلنا واذ بالجند ياتونه بلباس القائد ويحيونه تحية العسكر فنظر الي برضى فساله احد الجنود ماذا يفعل بنا فاخبره ان يبقيني انا ويقتل البقية ففوجئت بقراره، ومشت الجحافل بصمت خفيف ودخلت المدينة من الممر الضيق من الباب الصغير وما لبثنا الا وقد سمعنا صوت العويل والنواح والصياح فتعالت صوت الضربات واذ بحشود كثيرة تخرج من الابواب الكبيرة تفر نحو الغابات لتختبئ خلف الشجيرات وماهي الا ساعات الا وعادت فيالق الروم منتصرة رافعة الرايات.

وحينما عاد قيصر وجدته وجلس بدأ يتحدث وحوله العسكر وانا واقف بجانبه وهو يخبرهم كيف كانت معركتهم ويتحدثون في تفاصيلها، ثم اخذ يثني على جماعة من الجيش وكانت بنيتهم اصغر من بقية الجيش الا انه حينما تنظر الى اعين الرجل فيهم كانك تنظر في اعين ذئب ليل او سبع ويل، لا يختلطون مع بقية العسكر كثيري الغناء لا تراهم الا في اغلب الوقت راكبين وكان اجسادهم والخيل قد خلقت معا، فكان قيصر يكثر من الثناء عليهم ومعجب بشجاعتهم وفروسيتهم، وقال انهم العرب من بني ركاب فحينما سمعت كلمة العرب تذكرت اني قد قرأت عنهم في المخطوطات ولم يكن لاخبارهم كثير بتلك المخطوطات، فاندهشت لما وجدتهم ورأيتهم وكان قيصر يصف ان الرجل فيهم بشجاعة المجنون ما ان يرى جمعا من المتمردين حتى ينقض عليهم وحده فيطمعون به بادئ الامر ثم يصدمهم بجلده وصبره منتصف الامر ثم يحاولون النجاة من سيفه والهرب منه اخر الامر.

فذهبت وتقربت من بعض اولاءك العرب فتحدثت معهم واخبروني عن احوالهم وعلموني ماكنت اجهله عنهم فعرفت عنهم ما اردت، ثم لحقنا من بقي من المتمردين فدارت معركة دامية وقد خضت غمارها بنفسي ورأيت المجالدين يتساقطون امام عيني تحت ضربات الرومان الموجعة ورأيت بسالة وشجاعة العرب فما وجدت فيهم الا كما وصفهم قيصر من شجاعة تصل الى حد الجنون وكان الرجل ذاهب للموت لا للحياة فنظن انه هلك فيرجع لنا مضطجرا بدماء خصومه، فلما انتهت المعركة وقتل فيها سبارتاكوس ومن معه وظفرت روما وتحققت نبوءتي بهذه الاحداث ففرحت كثيرا لاني اخترت الموقع الصحيح من هذه الاحداث، عدنا الى روما وكنت في عبيد قيصر وما ان مرت الايام حتى وفي عهد الحكم الثلاثي بين قيصر وبومبي وكراسوس حتى اهداني قيصر حريتي بسيف خشبي بختم الحكم الثلاثي فاصبحت حرا منذ ذلك الحين.

وخرجت ابحث عن العمل فلم اجد من الاعمال ما يروق لي وكانت التجارة تظهر الوجه الحقيقي للقوم اذ يكثر بها الغش والخديعة فزاد حنقي على الرومان وبعد الانقلاب على قيصر سجنت لكوني احد عبيده السابقين وتم تعذيبي ثم اطلق سراحي اوكتيفيان حينما وصل الى الحكم فعرفت ان حتى الحر لن ينال الهناء في ظل هذه الظروف الاجتماعية القاسية وتراكمت في صدري الاحقاد والاضغان على الرومان، فاجتمعت بجماعة في الحانة قد عانوا مثل ما عانيت فقررنا ان نعمل كمرتزقة نعمل بالاجرة من اراد القيام بامر يعجز عنه قمنا له به، كان نخبر مستأجر ان يدفع ايجارا لصاحبه فنضربه ونجبره على الدفع، وتصل الى بعض الاحيان الى ان يريد شخصا قتل منافس له فنقتله وقد عشنا بهذه الحال مدة من الزمن الى ان اوقعني ماركوس بك.

وهذه هي حكايتي يا غالب "

فتبسم غالب وقال له (ان حكايتك عجيبة جدا وقد اثرت عواطفي ولعل الخير فيك ما زال باق رغم قسوة قلبك...) ايريك (تلك الايام يا غالب تصرف الاحوال وينقلب فيها الحال وتختلف على اثرها معادن الرجال مما لاقو من شدة الاهوال... اسمع يا غالب انت الان في عداد الموتى ويحسبوني واياك قد هلكنا هل لي بصنيع اوديه اليك فنتصاف في الفضل؟ ...) غالب ( وماهو ذلك الصنيع ...؟) ايريك (ارجعك لاهلك فاني خبير بطرق السفر واعرف منافذ البحر وطريق العرب يمر بطريق سوريا حيث رحل اليها كثير من العبيد ممن نجى من يوم الهلاك الاخير فإن شئت اصطحبتك ورحلت معك الى ان اوصلك لاهلك...) غالب (ولكنهم حكموا علي بالنفي ...) ايريك (تلك مدة قد انقضى اجلها ولعل السنين تذيب اكباد الحاقدين وان لم يكن لك مكان بين قومك فوجودك بين العرب اخير لك من وجودك بين الروم ...) غالب ( صدقت ...).

فقرر غالب وايريك السفر من بلاد الروم الى بلاد العرب ولا سيما انهم في عداد الموتى ولكن هناك عقبات تواجه تلك المخططات اولها وصم العبودية في يد غالب والسيف الخشبي الذي كان مع ايريك فانه موجود على حصانه وقد اخذه زملائه معهم بالتأكيد، ولا بد ان يمروا من مدينة روما للرحيل الى مدينة فيلا البحرية فيركبوا البحر الى سوريا ثم جنوبا حيث المنطقة الوسطى وقرى بطن الواد.

noor elhuda likes this.

Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-10-21, 03:58 PM   #24

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي

غلاف الرواية

من تصميمي



أتمنى ان ينال على إعجابكم


Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-10-21, 08:04 PM   #25

نهى حمزه
 
الصورة الرمزية نهى حمزه

? العضوٌ??? » 422378
?  التسِجيلٌ » Apr 2018
? مشَارَ?اتْي » 262
?  نُقآطِيْ » نهى حمزه is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تواصلى مع الاداره وينسقو ليك الروايه ويضعو الغلاف فى مكانه الصحيح وهو حلو وجميل ومعبر عن الروايه التاريخيه وشكرا رجعتينى لايام كتيره لما كنت شابه وشوفت فلم سبارتكوس والسرد مشوق واستمرى ولا تتاخرى علينا وشكرا لابداعك

نهى حمزه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-10-21, 05:41 PM   #26

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي

الفصل العاشر ج1 – (غالب)

كان ايريك وغالب يمشيان في الغابة والمسافات يقطعان قاصدين مكان اقامة اولاءك المرتزقة لاجل صك الحرية بقلوب منطلقة، حتى وصل غالب وايريك مقصدهم فامر ايريك غالب بالاختباء خلف الشجر فتعجب غالب من غرابة هذا الامر فقال له ايريك (يا غالب لا تدعهم يرونك فيشيعوا خبرك فيلاحقونك ارجوك هنا انتظر فأسرق حريتنا واعود بلمح البصر ...) فامتثل غالب لامر ايريك واختبئ خلف مجموعة شجر قد تخللت تشققات الصخر واتفق الاثنين على ان يكون الصفير هو اشارتهم ليعرفون بعضهم اذ كان الليل قد ارخى سدوله على الواد الذي وصلوا اليه.

فكان مكان اقامة اولاءك المرزقة منزل صغير متطرف وبجانبه مربط لخيولهم، فاخذ ايريك يمشي اليهم ببطئ شديد وحذر الى ان وصل مرابط الخيل فتحسس خيله من بينها فوجده، ثم ذهب الى نافذة بجانب الباب فقفز داخلها وبدأ يمشي يتخطى اولاءك المرتزقة فوجد اكياس من النقود فعرف ان ذلك ما اعطاهم اياه ماركوس بعد ان عدها وجدها بعدد النائمين حيث انهم قد اقتسمو نصيبه، فقام بخلسة واخذ النقود وبعض الحاجيات ينقلها بتروي على دفعات الى خارج المنزل ثم عاد يتفحص عتاده فوجد ضالته وهو السيف الخشبي، فعاد الى الحصان وسحبه مع رسنه واخذ حصان اخر وقاده الى غالب وما ان رآه صفر ايريك فصفر له غالب.

ومضوا راكبين يقصدون مدينة روما الحصينة المكتظة بالسكان ذات المباني الرصينة لان سبب الذهاب الى لتلك الديار قاطعين الوديان والسهول والشمس والقمر مابين بزوغ وأفول، هو التموين وتجهيز عتاد للسفر والابتعاد وأن وسم العبودية في ذراع غالب سيجلب لهم المصائب والمتاعب فأن للحرية صكوك تعطى من حر الى عبد، والا سيستوقفهم الجنود، فان الخطة كانت ان ينال غالب حريته على يد ايريك بصك جديد تسكة الحكومة وبه صفاته الشخصية منقوشة على نصلي السيف الخشبي كهوية يبرزها لمن استوقفه من الحرس والجنود، لان المسافة بينهم وبين مقصدهم طويلة وتكثر فيها تقطاعات الحرس والعسكر وقطاع الطرق بها اكثر.

ما ان وصلوا الى مدينة روما المكتظة بالسكان حيث بلغت الناس ذروة ازدحامهم على بوابتها وبجانب البوابة حيث يدخل سائر الناس هناك بوابة خاصة بالنبلاء اصطف غالب وايريك مع سائر الناس وبعد عناء طويل دخلوا مدينة روما، فراح ايريك يسأل عن من يسك صكوك الحرية وانه يريد ان يحرر عبده الذي خدمه، فاشاروا الى مكان يجتمع فيه من اراد ان يحرر عبدا بصك يشتريه، وحينما ذهب ايريك وجعل غالب ينتظره في السوق، واذ بالمسؤول عن سك الصكوك واحد كان من عبيد النبلاء المترفين فتحرر وصار مسؤول بالنيابة عنهم في دار سك الصكوك.

فدخل عليه ايريك وحياه نظر الرجل المسؤول الى ذراع ايريك فاظهر له ايريك السيف الخشبي فتأفف منه ذلك المسؤول واخبره ان يسرع فيما يريد ولا يطيل الحديث فاخبره ايريك بالامر فطلب المسؤول رؤية ذلك العبد وان يأتي ايريك بدليل يثبت نقش وسمه ليعرف احقيته بتملك ذلك العبد دهش ايريك من طلب هذا الرجل فكان هذا قانون الرومان الذي لم يكن لايريك بالحسبان، فخرج منه.

وذهب ايريك لغالب وقال له (يا غالب يبدو ان الامر ليس باليسر الذي كنا نظنه وعلينا الانتظار قليلا حتى نتدبر وسما يشابه وسمك الذي بيدك ..) غالب (ما الامر يا ايريك؟.... ) ايريك (لقد طلب ذلك التافه المسؤول عن صكوك الحرية رؤية الوسم الذي بذراعك ليطابقه بوسم العبيد الخاص بي وانا لا املك واحدا اصلا فيجب ان يكون معتمدا لدى الحكومة ...) غالب (لنصنع لك وسما ...) فرد ايريك (ليس بهذه السهولة فان الصك يحتاج الى مال والى معايير حسب المكانة الاجتماعية ووسمك انت جلي خبر صاحبه كونه نبيلا هذا غير ان الصكوك تستغرق وقتها لصنعها ولكن دعني ارى ما يمكنني فعله فان لي معارف قد ينفعوننا بشيء..).

فراح الاثنان واستأجرا غرفة في خان قريب من ازدحام الناس ووسط السوق لكي يختلطوا به وكان ايريك قد ذهب الى معارف له كي يساعدوه فيما يريد وظل غالب يجلس في السوق وينظر المارة الى ان انتهى اليوم وعاد ايريك خالي الوفاض ثم عاود في اليوم الاخر ولم يكن تعبه الا هباءا كيومه الاول، وبمرور مدة من الزمن بدأت الاموال تنقص منهما فاتفق الاثنان على العمل حيث يعمل ايريك ويقبض اجره ويعمل غالب كالمستأجر عند من يحتاج لعمال ويؤدي الاجر الى ايريك.

واما ما كان من امر ماركوس فلما اتاه المرزتقة ومعهم هلاك غالب وايريك جلس ماركوس على مقعد كان بجانبه واذرف الدموع على غالب لما كان له من معزة خالصة لماركوس ثم دفع المال للمرزقتة وانصرفوا، فقد ندم ماركوس من هذا العمل ودافعه ليس كما يقول ايريك من عادة النبلاء بل كان يريد ان يقتل غالب لما رآه مع ابنة فيسبانيوس وخاف ان يشيع خبر رؤيته معها فيفسد حياة ابنه وزوجته، وايضا ما قام به غالب امر لا يقتفر من العامة التقرب لبنات النبلاء فكيف به وهو عبد عند سيده واما ما اخبر به ايريك فانما زيادة عن المقصد.

ثم انه رحل وجمع اموال غالب وضمها الى امواله، وما لبث الا وببابتيوس (صاحب اللودوس الذي قتل غالب له مجالدا في يوم الوليمة ) عند بابه فحياه ماركوس مستغربا من مجيئ شخصا كمثله اذ انه لم يبلغ ملبغ النبلاء (حيث اصحاب اللودوس يكونون فوق العامة ودون النبلاء فانهم يدعون لولائم النبلاء ومجالسهم ولكن ليسوا منهم فانما كل صاحب لودوس يكون من حاشية احد النبلاء يطمح ان يصل الى ان يكون نبيلا فيتخلص من اللودوس حيث النبلاء لا لودوس لهم) فحياه ماركوس ورد التحية بابتيوس فلما استعلم عن سبب قدومه اليه قال له بابتيوس (يا سيدي انما انا كما تعلم صاحب لودوس من افضل بيوت اللودوس في ايطاليا كلها ولي ابطال قد جمعتهم من الشرق والغرب وقد قتل رجلك (يقصد غالب) اعظم مقاتل لي وكنت حينما اراه كمن يرى آلة سك النقود وانه ادهشتني قوة ذلك العبد الذي لديك وانت من النبلاء فلا تشارك في الحلبات ولا تليق بها ولست خليقا لمجالسة العبيد وفرزهم وتربيتهم على القتال كما افعل انا، وانه مسني ضر كبير بفقد المجالد وفخر كالابريا المجالد رولو، وما اخذته ازاءه انما كرم لا استحقه وان كان دون حق رولو، فاني اطمح الى سخاءكم بان تسمح لي بشراء العبد فاروس...) فزاد ندم ماركوس على قتل فاروس (اسم غالب بالعبودية) وكانت عيناه كلون الجمر من حمرتهما وقد لاحظ وهج احمرار عيناه ووجنتاه بابتيوس فرد عليه ماركوس (ليس لدينا ما تطلب فامض في طريقك ...) وحاول مرة اخرى بابتيوس وقال (يا سيدي اشتريه منك باغلى الاثمان وازيدك فوق سعره بعشرة مجالدين مخصيين يجيدون الاعمال والحرف وقد ربيتهم على السمع والطاعة حتى انك ان طلبت من احدهم ان يقتل نفسه لن يتردد و..(قاطعه ماركوس غاضبا وبصوت قد ارتفعت نبرته)..) ماركوس غاضبا (لقد مات فاروس ..(فاكمل بصوت متنهد وكاد ان يجهش بالبكاء).. لقد مات فاروس العزيز هازم الابطال عاطب كل من صال مذلل الاهوال صادم الرجال لقد مات وليس لدينا ما تطلب فامض في حال سبيلك ودعني انوح عليه فمثله يناح عليه ...) تفاجئ بابتيوس بالخبر وتعجب وزاد عجبه حينما رأى احد النبلاء يبكي عبدا فانه مشهد فريد من نوعه فالنبلاء قد يقتلون عبيدهم للتسلية وهذا يبكي عليه ويمتدحه كمن يمتدح ابنه فتصاغر بعينه وتركه وذهب.

فمر ابن ماركوس غلابر على ابيه فوجده على حال لا تسر حيث كان جالسا تحت ظل شجرة اعتد غالب الجلوس تحتها وهو يبكيه ولم يعلم غلابر بتدابير ابيه ولا ان فاروس هلك كما يظن ماركوس.

فقال غلابر لابيه وهو فزع لحال ماركوس (ما الامر يا أبي أحدث مكروه لأحد؟...) فنظر اليه ماركوس وقد جفت على تحت الجفون وعلى اطراف العيون مدامعه وقال (لقد مات فاروس ....) ثم خفض رأسه وبكى فنزل غلابر من على حصانه وجلس بجانب ابيه لانه يعلم مكانة فاروس عنده وساله كيف حدث ذلك فقال له ابيه (لقد ذهب الى المرعى فحاولته ذئاب الجبل فتصدى لها كعادته فحوصر على جرف فيه فهوت قدماه الى الهاوية وسقط سقطة لم يقم منها ابدا وقد رآوا المنظر رجال كانوا مسافرين سمعوا صياح الذئاب ولحقوها فادركوا فاروس وهو يهوي فأيقنوا بهلاكه وقد جاءوني بخبره لتوهم ...) فتذكر غلابر انه لتوه مر بجانب الاغنام قبل وصوله حيث ابيه ولم يلحظ عليها اثر العضات او النقص بالعدد فسأل ابيه (واين مضوا اولاءك الرجال؟...) فاشار ابيه الى الشمال وقال (لعلهم يقصدون كالابريا...) فخرج غلابر مسرعا وامتطى جواده وانطلق وناداه ابوه ولم يجب وظل مسرعا يتقصى اولاءك المزتزقة.

وحينما ادركه الليل وهو خلفهم اذ به قد آنس نارا تتوهج في عتمة الليل فاقترب منها بحذر ثم وجد ثلاثة رجال مجتعمين وقد ربطوا خيولهم بشجرة متقاربين وسيوفهم بجانبهم مسندة، فحياهم وردوا التحية وطلب منهم الجلوس معهم فرحبوا به فقال لهم (من اين القوم؟...) فرد احدهم عليه بحدة (الا تعلم اداب السفر؟...) غلابر (وماهي؟...) الرجل (أن لا تسال مالا يعنيك فتلقى مالا يرضيك...) فابتسم غلابر وقال (صدقت، فلا يليق بي ان اجالس امثالكم حتى اتعلم اداب السفر فاستحقق هذا الشرف ..) فقام منهم وانصرف الى الاشجار، والرجال ينظرون الى بعضهم كمن خاف كمين غادر ولم تطمئن قلوبهم بقدومه فمسكو مقابض السيوف.

وهم كذلك واذ بسهم يقتل صمت هدوئهم ليرتكز على جذع الشجرة التي كان يجلس عليها احدهم فهب الرجال بالنهوض وملاقاة هذا الجريء فاخبرهم خلف الشجر وقال (لا يتهورن بكم احد لكيلا ينقص بكم العدد، وانا اسمي غلابر ماركوس كلوديانوس فاني اطلب اناس قد قتلوا عبدا عندنا ظلما وحملوا ازره الذئاب وقد انطلت تلك الحيلة على ابي لعل السبب هو تقدمه بالعمر فبدأ يميل لتصديق الخرافات والاكاذيب بقولكم هاجمته الذئاب اوتهجم الذئاب على الراعي وتدع الاغنام فهذه اغنامنا باتم صحة وعافية وهي لم تعرق او تنزف او تنقص فماذا فعلتم بالراعي؟...) حينما سمع الرجال هذا الكلام ضحك احدهم وقال (أهذا ما اخبرك به ماركوس؟...) غلابر (أتعرفه؟...) ثم اخذ صرة المال وهزها بيده لتصدر صوتا وقال (وهذه مكرمته لنا ...) غلابر ( وكيف لك ان تعرف ابي ؟...) الرجل (اسمع يا فتى لا اعلم ما اخبرك به ابوك ولكني اهنئك على شجاعتك واقدامك ولو لم تكن نبيلا لدعوناك لان تنضم معنا، ولهذا سأصدقك القول، ان فاروس قد قتلناه نحن بإيعاز من ابوك وقد دلنا على مكان رعيه فقاتلنا قتال شديد، وقد صال فينا صولة كانه اسد غابة ملئ قلوبنا منه مهابة فقتل اثنين منا واصاب صاحبنا هذا الذي ترى (كان احدهم يعرج وقد ضم يده الى صدره برباط) ولكنه سقط من على الجرف في الماء مع صاحبنا وذهبنا خلفهم فلم نجد للهالكين اثر فمضينا واخبرنا ابوك بالنبأ فاعطانا هذا الذهب وان لم تصدقني تفحص تلك الصرة واظنك تعرفها فهي من متاعكم...) فقلبها غلابر فعرف انها من اموال ابيه فتفاجئ بالخبر وصعق كيف ابيه ان يبكيه وهو من دبر هلاكه فعاد من فوره غير آبه بسواد وعتمة الليل وجد بالمسير قاصد بيته حيث ابيه يندب قتيله.

فلما وصل غلابر مع بزوغ الفجر ووجد ابيه لتوه خارج من المنزل نزل من على حصانه بسرعة في وجهه ابيه وقد علت ملامح الامتعاض ظاهرة من وجهه وقال له (لماذا يا ابي قتلته ؟....) ماركوس (ألحقت بهم يابني؟...) غلابر بصوت ارتفع قليلا بنبرته (يا ابي اجبني فاني حائر لماذا قتلته والان تبكيه ...) فغضب ماركوس من ابنه فجذبه من قميصه ناحية طوق رقبته وقال له بغضب وصوت منخفض (اخفض صوتك فلا يسمعن بك احد من العبيد فيخافون ويهربون منا وهم مطمئنين فتخرق بخبرك امانهم فانهم على علم بخفايا امري فلا تخرجهم يبتزوني او يفضحوا ستري والزم لسانك وانسى مظانك فان الطموح له درب غير يسير وبكل خير منعطف عسير واني قتلته لامر كان خطير، فامض الان ولا تجادلني فيه ابدا ...) فتفاجئ غلابر من قسوة ابيه وتناقض مشاعره يبكيه وهو قاتله، وكتم امتعاضه من ابيه بل خاف منه كيف ان مشاعره لا تثني عن طموحاته وتضحياته التي ادت الى فيض مدامعه ماذا يمكن ان يكون مداها.

واما فيسبانيا فانها كانت تهل العبرات في اخر الليل على غالب وتحاول ان تتكيف مع وضعها الجديد حيث انها تعلم علم اليقين ان ما جرى بينها وبين غالب انما هو افتراق لا تلاق بعده، ومن غير الانصاف ان لا تعيش حياتها وكان تاتيوس زوجها رجلا نبيلا مؤدبا ظريفا مليحا وقد اعجب ابوها فيسبانيوس به كثيرا لرجاحة عقله وفصاحة لسانه فكان قد قربه منه ويأخذه في كل محفل ليتحف اقرانه بصهره.

بينما كانت الامور تسير على هذا المنوال وغالب وايريك كل يوم هم في شأن يريدون الخلاص يجمعون المال لسك وسم كوسم ماركوس باسم ايريك كونه حر الان ولكن الاشكال في ان وسم ماركوس به تفاصيل لا تضاف الا للنبلاء في الوسم هذا غير ان الوسم يتطلب مالا اكثر مما يستيطعون دفعه ووراءهم سفر طويل الى بلاد العرب.
واذ بيوم من الايام وغالب كان قد حصل على عمل مع احد النحاتين وكان دوره معه ان يحمل له غالب الالواح الرخامية واحجار الرخام الى حيث يريد ذلك النحات، ثم اتى النحات وطلب من غالب ان يحمل عدد من الرخاميات ليذهبوا بها الى احد البيوت لان صاحب ذلك البيت قد طلب من النحات ان ينحته على الرخام فحمل غالب الالواح على عربة يجرها هو بنفسه ومضى خلف ذلك الرجل يمشون الى ذلك المنزل فقطعوا مناطق العامة الى ان وصلوا الى منطقة تعج ببيوت النبلاء ودخلوا فيلا كبيرا مكونة من طابقين فانتظر غالب في حديقة الفيلا ودخل الرجل الى ذلك النبيل ثم بعد قليل نادى الرجل غالب من على شرفة تطل على الحديقة وقال له (احمل الرخام الصقلي المستدير واحضر لي منه اربعة قطع واحضر عدة النحت تجدها معلقة اسفل العربة ...) فاحضرها غالب يحملها الى الاعلى ويعود للاسفل ويحمل الاخرى فيعود للاعلى وحينما اوصل اخر قطعة واذ بالنبيل قد حضر وجلس في كرسيه.

واذ بغالب هم بالانصراف ثم توقف فنظر الى ذلك النبيل مرة اخرى واذ به فيسبانيوس والد فيسبانيا فخاف ان يراه فادار وجهه للخارج يريد الخروج من المنزل واذ به يصطدم برجل وحينما رآه واذ به تاتيوس فاندهش غالب وايقن بالهلاك وتقطعت امال العودة للديار، وحينما رآه تاتيوس اندهش لوجوده فقال له (فاروس ماذا تعمل هنا هل ابي معك؟...) فعرف غالب ان خبر هلاكه لم يصل بعد الى روما فاطمئن وقال (كلا انه لقد حضرت وحدي لاني طلبت من ابيك ان اعمل في روما لاني اريد ان اكتسب خبرة قبل ان اتحرر فارى من الاعمال ما يصلح امره معي فامتهنه ...) فنظر تاتيوس الى غالب بغرابة وقال (أحقاً؟؟ ..وكنت اظنك لا تحب الا الرعي والمرعى... اذاً كيف هو ابي الان وامي واخي غلابر واختي كلاوديا ؟؟...) غالب (انهم بخير يا سيدي جميعهم بخير ...) فنظر تاتيوس الى النحات وقال له (استوصي بهذا الرجل خير فانه من خيرة العبيد عندنا واجلهم ..) فنظر النحات بغرابة الى تاتيوس وقال (أهو عبدكم ؟؟..) فقال تاتيوس (عبد من اذاً؟...) فقاطع حديثهم فيسبانيوس وقال (هيا يا رجل انجز عملك وانت...) واضاف قائلا يمازح تاتيوس (وانت يا تاتيوس اصمت وانتظره لينتهي من النحت ثم ادعه للمنادمة فان يعمل بسرعة النملة...) ثم قال تاتيوس لغالب (اسمع يا فاروس ان اردت ان تعمل شيئا يسيرا وتاخذ عليه اجرا وفيرا فاعمل لدي في هذه الحديقة فاني احببت تنسيق الحديقة ولكن تنقصني الايد العاملة الماهرة وانا اعلم انك خير من يعمل فيها ما رأيك ؟...) تردد غالب (ولكن يا سيدي انا لدي...) قاطعه تاتيوس وقال (سنقضي عنك ما لديك وقد اتخذت قراري انك ستعمل لدي وسأرسل لأبي اخبره بالامر ...)

ضاق صدر غالب حينما سمع تاتيوس يقول هذا الكلام وهم ان يعترف بكل شيء لولا ان خزم امره وكتم سره وعاد مع النحات وهم في الطريق قال له النحات (يا رجل الم تقل انك عبد عند ذلك المتحرر؟...) رد غالب (نعم ولكن انا وذلك المحترر كلنا كنا عبيد عند ذلك النبيل ...) النحات (لا اعلم حقيقة امرك وان بك شيء مريب لا اريد ان اعرفه فاتورط به وخذ اجرتك ولا تعود لي ابدا فإنني لم اراك وان ذكرتني نكرتك ولكني نصيحة اخيرة لك ان تخفي ملامح الحيرة والدهشة من وجهك فالقوم لا يحبون العبد المرتاب فانهم يخونونه وان حدث الخضوب يلونونه ويحملونه ...).

فعاد غالب واخبر ايريك بالامر ولكن ايريك لم يفزع بل ورأى ان ذلك خير لهما بان ياخذ العطاء الجزيل من تاتيوس فيقصران مدة بقائهما في روما وان الرسائل تاخذ شهر او شهرين حينما تصل وتاخذ مثلهما حينما تعود ويكونونان قد استوفيا حقهما ورحلا قبل ان يصل خبر مقتلهما فوافق غالب على رأي ايريك.

بينما هم كذلك واذ بماركوس قد عزم الرحيل عن قرى جبل بيتيليا والاستقرار بروما بعدما استعلم عن البيوت فيها، فارسل ابنه غلابر ليرى فيها بيت يناسب عائلتهم فيرجعون ويترقون في المراتب والمكانات الاجتماعية لاستعادة مجد عائلتهم، فانصرف غلابر الى روما وقد ارسل قبل مسيره رسالة خبر اخاه ان يريد القدوم اليه.

واما غالب فحينما قبل بالعرض ذهب للبستان وهو حديقة فيها بستان كبير محاط بالازهار والورود وكان يريد تاتيوس ان يضع سياج في وسط البستان لتقسيمه لمناطق ليكون منظره اجمل من الشرفات، فدخل غالب البستان واخذ معول وبدا بضرب الارض وعينه ترقب الشرفات املا ان يرى بقلبه من نما فيه حبه، واذ بالتي تخرج الى الشرفة وقد اضاءت ضوء النهار وذابت من وجهها الاكدار فوضع غالب رأس معوله على الارض ممتدا عوده الى الاعلى عند خصر غالب ووضع كفيه فوق بعضهما فوق رأس المقبض وهو ينظر الى الشرفة التي زالت الاتراح واشعلت به الافراح، فتبسم لرؤية وجهها الفاتن الذي سرقه من عالم الناس ورماه في عالم مليء بالاحساس، فلاحظه العمال ونظروا الى مكان نظره فوجدوا سيدتهم وزوجة سيدهم فتعجبوا لجرأته لأطالة النظر اليها فاتاه من كان يريد به خير فوضع رجل على راس المعول فدفعه فسقط المعول وسقط غالب، وحينما نهض نظر الى الرجل واذ بالرجل تجاهل نظرات غالب وهو مستمر بضرب الارض بمعوله ففهم مقصد الرجل، فمسك معوله بكلتا يديه ورفعه والقى نظرة اخرى سريعة على الشرفة ثم استدار وهو يضرب الارض.

واما فيسبانيا فكانت جالسة بجانبها طاولة صغيرة فوقها سلة فيها من الفواكه ما لذ وطاب وبيدها قدح من نبيذ العنب الكالابري، وهي حائرة بافكارها فحين تفكر بعقلها تهتم بما ترا وحين تفكر بقلبها يغيب عقلها عن الورى، حينما ارادت الدخول بعد ان ملت منظر الشرف وقامت واستدارت القت نظرة خاطفة على العمال الذين لم يثيروا اهتمام عيناها فجهلت وجودهم قبل الان وحينما نظرت وافقت نظراتها نظرات غالب فعضت اسنانها مصدومة ووقع كأسها دهشة وامسكت بحواف سياج الشرف ومالت رأسها وكاد عيناها ان تخرج حينما رأته متسائلة من هذا الذي مر طيف غالب به وكان ينظر غالب اليها وحينما ابصرته جيدا قالت (انه هو ...) ووضعت يدها على فمها وبكت وهي تردد (انه هو...) وذكرت الماضي البسيط الذي جمعهم، وكانت تعاني من رحى حرب دائرة في داخلها مابين عقلها وقلبها فكان النهار ينتصر به عقلها والليل يظفر قلبها بالمعركة واما حينما رأت حبها كان قلبها كمن اتته فزعة في رحاه المستديرة مع العقل فظفر بالمعركة وهم وسط النهار وبدأت قوى عقلها تنهار وكأن القلب يقول للعقل لا فرار اليوم لا فرار.

فذهبت الى حجرتها وهي لا تدري ماذا تصنع بعد ان رأته وقد ارتبكت وبكت، واما غالب فانه ابتسم لرؤيتها وحينما تقابلت المقلتان كأن الاتراح والتعب قد زاح، الى ان انتهى اليوم وعاد غالب ولم يخبر ايريك وظل ليله يتفكر في فيسبانيا وكذلك فيسبانيا فانها رغم بكاءها اول النهار الا انها في الليل تتفكر فتبتسم وما زالت مستغربة وجود غالب في بيتها.

وفي اليوم الذي يليه ذهب غالب الى عمله فخرجت فيسبانيا الى الحديقة غير مترددة وقد لبست اجمل ما لديها ووضعت اعطر ما عندها وقربت من غالب مرورا بالعبيد كمن يعاين اعمال ويشرف عليهم وحينما وصلت غالب التفت فقربت منه ووضعت ظهر يدها فوق ظهر يده فامسكت باصغر اصابعها اصغر اصابعه فشبكته ثم تركت ومشت، وكان ذلك العبد الذي ركل المعول يلحظ هذه الامور فقرب من غالب وقال له (يارجل اتعجل نفسك بالعطب وتودي الى نفسك بالمهالك دع عنك اللهو وجد في عملك لتعمل غيره ...) ثم تركه ومضى الى عمله ولكن غالب لم يكن قلبه وعقله مع حديث الرجل.

فاشارت فيسبانيا لغالب ان ياتي اليها فراح اليها واخذ معه زهرتين لها وكانت في زاوية من زاويا البيت فقالت له (ماذا تفعل عندك يا مقلة العين وحسن مرآها؟...) قال (تصاريف القدر رمتني حيث انا ...) فاخبرها بما كان من امره ومحاولة ماركوس قتله فتفجئت من الخبر فيسبانيا ولكنها لم تخبره بمعرفة ماركوس بحقيقة امرهم وتهديده لها ثم واصل واخبرها كيف انه يحاول ان يتدبر شيئا للعودة وبينما هم كذلك واذ بتاتيوس قد دخل الحديقة فوجد فيسبانيا وغالب يتحدثان وحينما رآه غالب اشار بالزهرتين اليها وقال (اي واحدة تقصدين؟؟...) ففهمت فيسبانيا وجارته وقالت (هذه البيضاء...) فذهب غالب واستقبلت فيسبانيا زوجها بمزاج على غير عادتها ففرح تاتيوس ظانا انما ذلك سببه انه قسم الحديقة فصارت اجمل وان فيسبانيا وجدت ما يشغلها في البيت.

واستمرت الايام وكان غالب يلتقي بفيسبانيا خلسة وفي احد المرات وهم يتحدثان قال لها غالب (يا خالصة اتدرين ان رغم شوقي لاهلي وبني قومي ودياري فان وجودك قربي هو ما يسليني عن هواجس قد المت برأسي فآلمت، ولكن الزمان ليس زماني والمكان ليس مكاني....) فيسبانيا ردت وهي مستغربة (غالب لقد ناديتني باسم خالصة!!...) غالب بعجب (احقا؟؟... ) ثم سكت الاثنان قليلا ثم تبسم غالب وقد غصت الكلمات في حنجرته وقال (لعل ذلك اني ذكرت الماضي الذي اتوق اليه واتمنى ان اعود له وان لم يكن ما كان وكيف ان الايام تداول الناس فتعيدهم الى حيث كانوا اول مرة وقد كنت من قبل اعمل في بستان كهذا حينما طرق الحب قلبي اول مرة وكنت التقيها كما التقيك الان ولكن تبدلت الاحوال وتغيرت الاهواء فكل شيء هنا يذكرني بماض سحيق قد نسيته وطويت صفحاته وشاهت في ذكرياتي ملامحه والان كأني وقد تجددت تلك الصور والذكريات باصحابها .. ) فبدأ يتذكر الماضي واغرورقت عيناه بالدموع، فسكتت عنه فيسبانيا وحزنت لحزنه واذرفت العبرات لاجله.

اذ كيف ان غالب قد عمل في اول حياته في بستان وقد عاد حينما كبر ليعمل في بستان اخر بظروف مشابهة وزمان ومكان مختلفين.

كان هناك طارق في الباب وحين فتح العبيد ذلك الباب واذ بغلابر قد دخل المنزل وهم اليه تاتيوس يناديه من الشرفة، ونزل اليه وكان غالب يضرب معوله بالارض ورأى واذ بغلابر امامه فارتاع حينما رآه، وكان تاتيوس يخبر غلابر وقال له (قل الم يكن غريبا من ابي ان يترك فاروس يعمل كحر في روما لاجر استيفاء حقه ؟...) غلابر (فاروس؟...) تاتيوس (ماذا بك فاروس العبد ...) غلابر (واين رأيته ومتى ؟...) تاتيوس (رأيته هنا وقبل ان انزل اليك قد اوكلت اليه عملا ليؤديه الي..) صعق غلابر ومسك بذراعي اخيه وقال بصرامة فاجئت تاتيوس (أين هو ؟...) بينما كان الاثنين يتحدثان وحينما رأى غالب غلابر ترك المعول واراد الهروب فاستوقفه العبد الذي كان ينصحه وقال له (لا اعلم اي المصائب قد جلبت ولكنك ان هربت سيعاقبنا جميعا ولن اعاقب بقبيح جئت به معهم والله لن اتركك تذهب ..) فامسك بقميص غالب لكي لا يتركه وكان غالب يحاول دفعه وهم كذلك واذ بتاتيوس واخوه غلابر من وراءهم وقد غضب تاتيوس ظنا منه انهم يتشاجرون وصاح بهم (اوقفو هذا الان ...) فتوقف الاثنان وايقن غالب بسوء المنقلب حينما عرف ان غلابر خلفه فاستدار ببطئ ليواجه غلابر وتاتيوس فانصدم غلابر حينما رأى غالب وكان تاتيوس يوبخ الاثنين بصوت مرتفع اندفع غلابر الى غالب واحتضنه فتعجب غالب من امر غلابر لانه لمن بينه وبين ابناء ماركوس مودة كالتي بينه وبين ماركوس.

وحينما سأل تاتيوس ما السبب في شجار الاثنين قال العبد الاخر (يا سيدي لقد اوقع هذا العبد المعول حيث انا اعمل فغضبت منه وجذبته اتوعده لكي ينتبه ولكيلا يفسد علنيا العمل ...) تفاجئ غالب من مروءة هذا الرجل وهو عبد لا يرتبط به باي صلة وانه اختلق امرا يجعل منه مذنبا، فغضب تاتيوس من الامر وخصم من مرتبه ولم ينل غالب شيء من العقوبة.

فدخل تاتيوس واخيه غلابر الفيلا فنظر غالب الى ذلك الرجل وقال له (اشكرك..) فنظر عليه ذلك الرجل وقال له (لا تشكرني بلسانك شكرك يصل حينما ننتهي من هذه الاعمال فتفارقني ولا تلقاني ابدا ...)

وحينما دخل الاخوين ظل تاتيوس يشرح لغلابر عن اماكن البيوت الرفيعة التي تليق بمكانة ابيه وقد كان على علم بقدوم غلابر حيث انه ارسل اليه ابتداءا يخبره بقدومه وكذلك تعلم فيسبانيا ولكنها لم تخبر غالب مخافة ان يهرب ولا تراه.

بينما كانوا كذلك ظل غلابر يصارع افكاره ويربط حبلا فيتقاطع مع حبل حقيقة اخرى فتهوى الفكرة لانه متحيرا في قيام ابيه بقتل غالب الذي يحبه وكان يبكيه رغم انه من دبر قتله ولكن في نفس الوقت غالب لم يمت بل ويعمل في بيت اخيه فكلها كانت اشياء بحاجة الى تفسير وقد الحت تلك الافكار على غلابر، فكان ينظر الى اخيه فعرف ان اخيه لم يعلم بموت غالب وهلاكه، ولم يخبره هو بنفسه لانه يريد ان يقف على حقيقة الامر بنفسه ويتحقق منها لانها كلها كانت احداث غير منطقية تحدث ولن يصل لحقيقتها باللسان بل بالمراقبة والاحسان.

ولكن غالب بدأ يتفكر في ردة فعل غلابر ايضا كيف كانت مشاعره جياشه غير منطقية تجاهه ويتسائل ان كان يعرف انه قد مات وان كان يعرف لمَ لم يبدي ردة فعل تجاهه؟ فعرف ان في الايام القليلة خفاء تستر خلفه من الامور ما يزيل الحيرة، فعاد الى بيته ولم يخبر ايريك ونام.

وفي اليوم التالي ومع عودة العبيد والعمال الى مكان العمل في الحديقة دخل غالب واذ بغلابر ومعه معول قد سبق العمال الى مكان العمل فاستغربوا منه وقد ارتاب منه اكثر غالب فبدأ يعمل بمكان بعيد عن المكان الذي يعمل به سيدهم غلابر ولكن غلابر بدأ يزيح العمال الى ان وصل حيث غالب وقال له (أأنت حي اذاً؟...) فخافه غالب وهم بان يقول شيء فقال له غلابر (لا تخف لن اشي بامرك احد ولكن هناك تساؤلات في رأسي لعلك تجيب عنها فتخلصني ولك علي عهد الامان فان ابي نادم وقد افجعنا مقتلك وفقدك بل انا وان كنت قليل الجلوس معك ضاقت بي الديار لرحيلك عنها بل وانا هنا لابحث عن دار جديدة نقيم فيها وحينما رأيت كدت اطير من الفرح والسرور لسلامتك الغريبة ...) ثم التفت اليه غالب فربت على ظهر وقال له اتبعني، فتبعه غالب الى خلف المنزل واذ بمجلس خص حيث يجلس به اهل الفيلا يتنادمون فجلس وطلب من غالب الجلوس وناوله قدح من الشراب فتناوله غالب، فطلب منه غلابر ان يحدثه بما جرى له مع والده وعن سبب قيام ابيه بفعلته، فاخبره غالب بما جرى له ولكنه لم يخبره عن امر ايريك ابدا وانه قدم الى روما للعمل وتحصل مبلغا من المال يعينه على سفره لاهله، واما دافع ابيه لقتله فانها عللها كما شرحها له ايريك طمع في ماله وعار من تحرره وهو في حضرتهم لكيلا يكون لغيره.

حينما انتهى غالب من الكلام لم يقتنع غلابر من كلام غالب وتظاهر باندهاشته من حديثه وتظاهر ان الحيرة قد زالت منه وفي الواقع قد زادت حيرته اكثر واكثر لانه يعلم ان غالب كان صادق معه وهو ما زاد حيرته اذ ان غالب لا يعرف حقيقة تدبير ابيه لهلاكه، فامر غالب بالانصراف لعمله.

واما ما كان من ماركوس فإن رسالة تاتيوس قد وصلت الى ابيه وقد جاء فيها ذكر ان غالب عندهم يعمل في البستان، فنهض ابيه من مقعده مندهشا تذ كيف به لم يمت؟؟ فاسرع من فوه وعجل ركب اهله للذهاب الى روما فاخبرته زوجته ان ينتظرون عودة غلابر باخبار البيوت فاخبرها انه يريد ان يختارها بنفسه ولن ينتظر اكثر فاسرع فجهز الركب ومضى قاصدا روما.

واستمرت الامور كما هي وغلابر كان يلاحظ ويراقب غالب وبدأ يلاحظه من بعيد وهو يلاقي فيسبانيا ولكنه لم يرى شيئا مريبا الى ان رآها وهي تمشي بين العبيد تشرف على اعمال التجديد واذ بها تشبك اصبعها الاصغر مع اصبعه الاصغر فيلتفت اليها غالب ويبتسم حينها صدمه المشهد اذ كيف بعبد وضيع يعمل مثل هذا الصنيع ولكن غلابر كان صبورا لم يستعجل الامر لكي تتجلى الصورة كاملة امامه لا نقوصة.

حيث ان الجواري والعبيد الذين يعملون في المنزل لا قيمة انسانية لهم على الاطلاق فكان النبلاء لا ينتبهون لوجودهم بل حتى ان الرجل يأتي امراته بحضورهم لانهم لا يرونهم كبشر وانما متاع من امتعتهم فكان الشخص اذا اختلى بنفسه وبدأ يكلم نفسه لا يتوارى او يتحفظ في كلامه في حضور اولاءك العبيد والجواري لانهم لا يسمعون ولا يرون ولا يتكلمون حسب مفهوم النبلاء ومن تحدث منهم استحق قتله والتنكيل به.

فراح غلابر يتودد لاحد جواري فيسبانيا الخاصات بها وحاول بها ورغبها واغراها بالمال والهدايا ووعدها الى ان لانت له، فاصبح يسري بها ليلا دون ان يشعرن بهم احد، ولم يكن غلابر جاهلا بامور تنبيش النفوس فلم يكن في كلامه مباشرا معها بل يدعها تتحدث كيف شائت الى ان وثقت به مع الايام وكانت فيسبانيا تلاحظ غياب تلك الجارية باستمرار فشعرت بعلاقتها بغلابر من خلال نظراتها له ولكنها تجاهلت هذا الامر لورود حدوثه بين النبلاء مالم تقصر في عملها في خدمة فيسبانيا ثم بدأ يسالها عن حال فيسبانيا وان تبدو عليها ملامح الكآبة فتمنعت الجارية ووعدها بانه لا يخبر احد مهما بلغت خطورة الامر وان في الامور الخطيرة اثارة تقوي قلوب العاشقين ثم اخذت الجارية تحدثه باخبارها ثم ذكرت له انها تكره ابيه وقالت (ان فيسبانيا تكره السيد ماركوس وتتمنى له اسوأ الاقدار اذ انه اوقعها بذكر الطاؤوس وتقصد اخاك تاتيوس ويبدو كانت تقول ياليته حر او كنت جارية عنده وليتنا لم نلتق يوم الوليمة ولم يكن بيننا ما كان ...) واخذت تحدثه بما تسمع من احاديث نفس فيسبانيا وغلابر كلما تحدثت الجارية اتضحت له صورة مبهمة فتتجلى الاخرى الى ان اكتملت الصورة ثم امرها غلابر بالانصراف الان على ان تعود له غدا.

فذهب غلابر على اريكة ممدود بمسند واحد واستلقى عليها وبيده كأس نبيذ يربط الاحداث بحديث فاستطاع ان يستنبط الاسباب لدفع ابيه لقتل غالب فابتسم فرحا وفخرا واغمض عينيه ليرتاح من تعب عقلي وصبرا وغفى على تلك الاريكة.

noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 26-10-21 الساعة 09:29 PM
Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-10-21, 02:42 PM   #27

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي

الفصل العاشر – (غالب) – ج 2

بينما كانت الامور كذلك وركب ماركوس قد اقترب من روما ، وفيسبانيوس ذهب مع صهره تاتيوس لمنادمة النبلاء ومجالس الساسة، وكان النهار قد انتصف وحان الان موعد استراحة العمال والعبيد من الاعمال فاخذ طبقه وذهب ليجلس بجانب ذلك الرجل الذي شكره من قبل وهو لا يعرف اسمه وهم باكل الطعام واذ ذلك الرجل يلتفت اليه ويقول (اسمع يا هذا انما انك كمن يداعب السنة نار صغيرة وخلفا بحر من النيران وما تقوم به والسيدة لا يغرنك صباها وعاطفتها فانها منهم ولا تراك كما تراها وانها تلهو بوقتها دفعها اليك الملل والسأم حالها حال الطفل الذي يلعب بحصان خشبي متى مله تركه ورماه دون ان يرعاه فانك من جملة العبيد ان ملتك لفظت كما يلفظ البحر حيتانه فاحذرك من مغبة احلامك واني احاذر القرب منك كي لا انجر بذنبك فارجو ان تجالسني فيحسبوني لك من المقربين فاصير بجريرتك من التالفين...) فنهض وابتعد عن غالب.

واما داخل الفيلا فكان غلابر جالس بالقرب من الشرفة التي تجلس بها يوميا فيسبانيا وحينما رأته حيته وذهبت لمنضدة حيث الراح والاقداح وعرضت عليه الشراب فاجابها بالرفض بكل ادب وقال لها (يا فيسبانيا لا اعلم كيف هي مشاعر النساء ولكني اعلم مشاعر الرجال فالرجل يقوى على الحب ولا يقوى الحب عليه ولكني اتسائل اذ كيف تلك المشاعر عند النساء..) فقالت (لم افهم ما ترمي اليه يا غلابر هلا وضحت..) وعادت الى تلك المنضدة لتسكب لها قدح اخر، فقال لها (كيف للمرأة ان تكون في احضان زوجها وقلبها معلق برجل اخر؟...) ارتبكت فيسبانيا وتصبب النبيذ خارج الكأس قليلا، فتبسم غلابر لتاكيد استنتاجه حينما رأى منها ذلك، فقالت (لا ادري كيف هي تلك المشاعر فالمرأة مشاعرها لزوجها ...) فقال لها بنبرة خبيثة (أمتأكدة من ذلك ...) فنظرت اليه وتبسمت بثقة معدومة وقالت (اقلها كنت اتحدث عن نفسي ...) ونهضت تريد الخروج من هذه الغرفة فقال لها غلابر (فيسبانيا.. لم تنهي شرابك !!...) فيسبانيا (شربت قدحا ورغبت عن الاخر ..) وقبل ان تستدير لتخرج قال لها غلابر (لا تذهبي له اليوم فانه في شغل مع تاتيوس ...) فجفلت عيناها حينما سمعت كلام غلابر وسحبت ثوبها وانصرفت من الغرفة.

فجلست في غرفتها على اريكة لها وقد وضعت كفها على راسها وانحنت حتى صار راسها بين ركبتيها وهي تتفكر بهذه المصيبة ومن اين جاءتها منه، وقد فزعت من كلامه هل اخبره ابوه ماركوس بحقيقة امرهم ام ماذا فرفعت رأسها وجالت عيناها بحيرة في المكان ووقع نظرها على جاريتها الواقفة بجانب الباب وبيدها صفيحة من فوقها قدح وزق الراح واذ بها هي الجارية التي يسر بها غلابر فتنبهت لعلاقة الاثنين وان هذه الجارية من خواصها ولطالما سمعت نجواها وذكرها غالب واشجانها واسرارها، فنهضت من اريكتها وقد اظهرت ثناياها غضبا واحمرت عيناها جمرا تطيرت من اطرافا شررا، فذهبت الى تلك الجارية ومسكت سكينة صغيرة غير حادة ولا قاطعة جعلت لتقشير الفاكهة الموضعة امامها، فوضعت السكينة على رقبة الجارية المسكينة، وقد اجحظت عيناها وهي تنظر جاريتها وشدت رأسها من شعرها الى الارض وقالت لها (اني اعلم بعلاقتك بغلابر ولكني لا اكترث لامرك ولكن قولي لي ماذا كان من احاديث بينك وبينه ...) الجارية بخوف شديد وقد ترادعت فرائصها (لم اقل شيء ..) فيسبانيا (اصدقيني القول والا نكلت بك وانك لا تستوين في عيني ولا اراك الا بمثل منزلة ذلك الشيء (وقد اشارت لأداة للاستنجاء بقرب الحمام) بل انتي اوضع ...) وظلت الجارية تنكر وفيسبانيا تلح عليها، فجذبتها من شعرها الى المدفئة وكان الحطب يحترق بها فقربت وجه فيسبانيا منه وهددتها وقالت لها ( تحدثي بالصدق والا جهلت وجهك في هذا الهشيم فيذهب حسنك ويرغب عنك غلابر فيشمئز منك فترمين في الشوارع والطرقات حيث الناس ياكل بعضهم بعض وهم احرار فما رأيك بصنعهم بالعبيد ...) فخافت الجارية واملت ان تسامحها على فعلتها وصدقها وصداقتها لها في القدم حين كانت الاثنتين صغيرات كانتا يلعبن مع بعضهما ببراءة الاطفال وفرقتهما الطبقات الاجتماعية حين كبرن.

فبدأت الجارية تخبر فيسبانيا بكل ما جرى الى ان وصلت وقالت ( ولقد قلت له مقتك ابيه وتمنياتك له باسوأ المقادير لانك لولاه ما تزوجتي ذكر الطاووس وما آل بك المآل لما هو الان ...) وواصلت الى ان انتهت فقالت فيسبانيا (أقلتي له اني اكره ابيه وقد وصفت اخيه بانه ذكر طاؤوس ؟؟؟..) فاجابت الجارية بنعم، فتركتها فيسبانيا وذهبت وجلست على الاريكة ونادت الجارية واخبرتها ان تجلس بجانبها، وكانت فيسبانيا تنظر للامام مشغولة البال من هذه المصيبة التي اوقعتها بها الجارية واذ بفيسبانيا ودون تردد طعنت الجارية على رقبته ثم حركت السكين فشقت نصف نحرها والدم قد تصبب من رقبتها الى يد فيسبانيا وصولا الى الارض يتقطر من اطراف مقعدة الاريكة، فمسكت الجارية رقبتها وتشهق تريد النفس والنجاة بحثا عن الحياة، واذ بالجارية الاخرى صاحت لما رأت هذا المشهد، فنظرتها فيسبانيا بنظرة غضب، فكتمت خوفها وبكاءها وهي ترتعد وتصدر الاقداح صوتا من رعشتها فوضعت صفيحتها حيث الاكواب فوقها على منضدة لكيلا تزعج فيسبانيا بصوت تصاكك الاقداح ببعضها ووقفت تبكي بكتم وقد بللت نفسها من شدة الخوف.

بينما كانت كذلك واذ بتاتيوس قد دخل على اثر صرخة الجارية فرأى المنظر فقال (ما هذا يا فيسبانيا ماذا فعلتي ؟؟؟...) وذهب ليتحسس الجارية التي تتخبط بدمها وتباطئت حركتها الى ان سكنت ويبست اطرافها وبردت ملامح وجهها فايقن تاتيوس بهلاك هذه الجارية وفيسبانيا لم تجاوبه بل ظلت تنظر الى الامام وسط دهشة وذهول زوجها حيث انه لم يدرك ان زوجته قادرة على سلب حياة انسان وان كان عبد او جارية فخرج الى الشرفة فنادى على غالب وقال (يافاروس اصعد انت وانت وانت (حيث استدعى مع غالب رجلين اخرين)...).

وعاد الى زوجته يستعلم منها الخبر فاخبرته ان تلك الجارية على علاقة باحد الرجال وانها حبلى وان ذلك الرجل نبيل وان هذه الجارية من خواصها لا يبنغي لها ان تلهو وتمرح مع النبلاء دون اذنها فقتلتها.

واذ بغالب قد دخل الغرفة فوجد تلك الجارية وكان يلحظها من الشرفات احيانا ويعرف انها من خواص فيسبانيا وهي مضطجرة بالدماء مقتولة وحينما رأى فيسبانيا ووقعت على عينه عيناها ينظرون لبعضهما واذ لاحظ يدها وهي غارقة بالدماء وبيدها السكينة لم تتركها بعد فصعق غالب من المنظر وكان ممن اتى معهم الرجل الذي كان قد جالسه في الطعام غالب وكان ينظر الى غالب ولسان حاله يقول له (ألم اخبرك .. ) فكره غالب من فيسبانيا ذلك الامر.

وبدأ الشك والخوف منها ينتابه، وبدأ يتسائل هل هو مخير معها ام مسير بامرها، فلما كان من غد حيث ينبغي لهم اللقاء كعادتهم تغيب عن ذلك اليوم وهي كذلك فلم يحضرا وكل منهم له اسبابه فهو يريد يمتحن علاقتهما وهي خائفة من غلابر ومراقبته لهم، وظلوا اياما لا يتلاقون الا باعينهم وهو يعمل في البستان وهي من اعلى الشرفة.

بينما هم كذلك واذ بمرسول يطرق الباب ففتحوا له واذ برجل يخبرهم بقرب ماركوس من المدينة وهو على مسافة يوم وان غدا سيحل هو واهله في المدينة ففرح تاتيوس بالخبر، واخبر غلابر الذي لم يبدي كثيرا من المشاعر، واما فيسبانيا حينما سمعت الخبر طرقها الخوف على غالب ولكنها لم تتمكن من الافتكاك من مراقبة غلابر اللصيقة لها.

فنادت جاريتها الاخرى وقالت لها (اسمعي اعلم انك تعلمين جل الامور سمينها ودقيقها كبيرها وصغيرها ولكن ان فتح هذا الفاه (واشارت الى فم الجارية) سأكويه بالنار واقطع هذا الرأس وارميه في الماء حيث التماسيح ... خذي هذه الرسالة واوصليها الى ذلك العبد المدعو فاروس وتاكدي من انه قرأها...) فاخذت الرسالة الجارية وذهبت وكان غالب منهمكا في عمله واذ بالجارية تقاطع جده في العمل ومدت يدها بالرسالة واخبرته ان يقرأها، فمسح يديه واخذ الرسالة ونظر الى الشرفة ولكنه لم يرى احد فيها وقرأ الرسالة وكان مفادها ان ماركوس سيصل غدا الى روما وسينزل ضيفا في الفيلا الخاصة بهم، فلما قرأها فزع منها غالب ثم ترك العمل وذهب حيث مكان اقامته هو وايريك واذ برجل كان يتبع غالب وحينما وصل له باغته بان جذبه من كتفه فلما استدار غالب قال الرجل (انه انت لم تمت؟؟؟ ..(فضحك بفرح ووضع يديه على خصره) .. اذاً لقد كذب علي ماركوس ليخفيك عني ...) غالب (ما الامر يا رجل من انت ؟...) الرجل (اوه انا اسمي بابتيوس فورينوس، ولكن قل مالذي تفعله هنا ؟؟...) وظل غالب ينظر الى وجهه منكرا بابتيوس فقال له بابتيوس (أتذكر يوم الوليمة حينما صرعت رولو؟؟..) فتذكر غالب اليوم ولكنه لم يذكر الرجل فقال بابتيوس (ان ذلك المجالد رولو كان عبدا من عبيدي وانا صاحب اللودوس الذي اتيت به وكان فخر كالابريا وانت سلبت ذلك الفخر بضربة من ساعدك هذا (وربت بقوة على ساعد غالب)...) غالب (وما الذي تريده مني؟؟؟...) بابتيوس (اريد منك ان تواصل ما فعلته مع رولو ولكن داخل تلك (فاشار بيده الى الكوليسيوم : وهو ملعب روماني حيث يتقاتل فيه المجالدين) .. فانك جيد فيما تفعله يا فاروس ...) غالب ارتبك منه واراد الخلاص منه واذ بايريك يتدخل مقاطع حديثهم قائلا (اين انت يا عبد السوء لقد اشتريتك بسعر مرتفع وانت لا تصلح للقيام بشيء هيا اتبعني ...) بابتيوس (يا رجل انتظر انني اريــ...) فقاطعه ايريك (ارجوك لا وقت عندي لدي امور مستعجلة ملحة وانا في عجلة من امري ..) فسحب غالب ومضى به الى ان غاص بين جموع الناس وكان بابتيوس يلحق بهم فاضاعهم وسط زحام الناس.

فلما انفردا شكر غالب حسن تدخل ايريك واخبره بما حصل وان ماركوس سيحضر المدينة ففزع بدوره ايريك.

واما الجارية لما عادت الى فيسبانيا اخبرتها بفزع غالب وهروبه فزعت هي الاخرى عليه وخافت ان لا تراه بعد اليوم فلحقت به.

واما تاتيوس فكان قد تهيأ ووضع لنفسه موضع قدما متقدم بين النبلاء فكانوا يحترمونه كثيرا ويقدرونه لكونه لبقا كيسا فطنا وصاحب وجهات نظر سديدة وكان ظريف الروح يحبون الجلوس معه وكانوا ينمون بعضهم البعض سرا امامه كل يحاول اظهار الوجه القبيح للاخر ليصفى لهم تاتيوس فكان حديث اليوم في طبقة النبلاء.

وفي السوق كانت فيسبانيا تبحث عن غالب وتتحسس اخباره وظلت تبحث عنه الى ان وجدته وهو جالس في السوق متواريا عن انظار بابتيوس واذ بفيسبانيا تباغته وتعجب لما رآها ففزع من مقعده وكأنه يعرفها لاول مرة فلما رآها ترائى له منظرها وهي ممسكة بالسكينة وبجانبه جارية مذبوحة مسكينة، فهمت اليه فعانقته عناق طويلا كاد يكسر اضلاعه، فدفعها عنه وسالها عن خبر مجيئها له فبادرت بالعتاب على طول الغياب، فصارحها بما يشعر تجاهها وان هذه المشاعر يعرفها ايما معرفة ولا سيما مع خالصة قبله حينما كان في بستانها يلعب معها فجأة ودون اسباب اصبحوا بعد المحبة اغراب، وانه يشعر تجاهها كما شعر ذلك اليوم تجاه خالصة، فبكت واكثرت في البكاء واخبرته ان سبب قيامها هو ان تلك الجارية كادت تفضح امرهم وان افتضح امرهم اقتصوا منه بقتله فخافت عليه ان لا يقتل فقتلت وهي المرة الاولى التي تقتل فيها مخلوق من شدة خوفها عليه وحبها له، فهدئ حدس غالب ولكنه لم يطمئن تماما فاخبرته بمعرفة ماركوس بعلاقتهما وتهديد ماركوس لها واخبرته ايضا ان يتواعدان في السوق في وقت خروج الرجال لاعمالهم وهي تعرف طرقات السوق فحددت ذلك المكان لكي يتلاقو فيه غدا.

فلما قامت فيسبانيا عن غالب ارادت العودة واذ ببابتيوس امامها وقد كان يراقب ما يدور بينهما فلحظ العناق والوداد ولما رأته انكرته لم تعرفه ولكنه عرفها انها فيسبانيا ابنة فيسبانيوس فتراجع وذهب يسعى يفكر ويدبر، ما ان التفت حتى جذبه رجل فقال له (ما شأنك هنا يا بابتيوس؟...) بابتيوس (من؟...) الرجل (اهدأ انا غلابر بن ماركوس....) وقد كان غلابر قد تبع فيسبانيا خلسة ليراها اين تذهب فوجدها مع غالب ووجد بابتيوس يراقبهما فقال له (لمَ كنت تراقب فيسبانيا ؟...) فقال بابتيوس (لم اراقبها وانما كنت ارقب فاروس الى ان اتى مشهد فيسبانيا فداخل مراقبتي له ولا شأني لي بها ...) فبدأ كل منهم يحاول معرفة اسباب وجود الاخر فقال غلابر (اسمع يا بابتيوس انني اريد منك معروفا وهو ان تسايرني في مسرحية اريد ان أؤديها معك وان سايرتني انعمت عليك واغدقت عليك بالهدايا والعطايا ...) ضحك بابتيوس وقال (يا غلابر انا صاحب لودوس ولعلي املك من المالك كما يملك اي رجل من النبلاء ولكني احب العطاء واحب السخي المعطاء، ولكن عطيتي تختلف فكما تعلم رغم ثروتي الا انني ما زلت في اعين النبلاء من العامة الذين لا قيمة لهم وانا لست طماعا جشعا انما اريد ارتقي مرتقا اعلى مما انا فيه الان...) غلابر (وكيف ذلك؟...) بابتيوس (اريد ان اجاوركم في المنطقة الوسطى حيث النبلاء ورفيعي المقام من الناس وان تشهدوا لي فتسمحوا لي باقتناء فيلا فيها ...) غضب غلابر وقال (ان النبلاء لا يحبون الدخلاء ...) بابتيوس (النبلاء يحبون السخاء ويقدسون الترف والرخاء وانا املك من العبيد ما يسد اواقات فراغهم ويترفهم بلهوهم ولدي من المال كما لديهم واحب ان اقيم الحفلات واوزع الدعوات واحب السهر حتى السحر وهذا الرخاء هو مطلب النبلاء ... والا فاني ما رأيتك اليوم وما تحادثنا وكل في قلبه تدبيره وفي عقله تفكيره ...) غضب غلابر ولكنه كان مضطرا للموافقة لغاية في نفسه يريد الوصول لها.

واما فيسبانيا فقد رجعت الى الفيلا ولم يلحظ غيابها غير غلابر، واما ماركوس فانه بدأ يسال عن فاروس فلم يجده واخبره ابنه تاتيوس ان فاروس كان يعمل هنا ولكنه قد تخلف اليوم لانه سمح له بالاقامة حيث يشاء داخل الاسوار حيث العبيد ام خارجها كما يريد ولانه يظن ان ذلك ما اعطاه اياه اباه من حق فما اراد ان يخفر ذمة اباه فيه، ولكن ماركوس تضايق من فعلته وطلب منه ان عاد ان يخبره على الفور ويجب ان لا يخرج خارج الفيلا وينام حيث تنام العبيد.

ولما اصبح الصباح وكانوا الجميع مستيقظين لاحظوا غياب فاروس لليوم التالي وكانت فيسبانيا تستعد للخروج الرجال لتذهب الى غالب بحجة التسوق، حيث اتى طارق وقد طرق الباب واذ به بابتيوس فاستغرب القوم وجوده بينهم في هذا الوقت المبكر فقام اليه غلابر وصاح به مرحبا ويهنئه بالسلامة من بعد وصوله كمن يهنئ حبيب كان في سفر ثم عاد وطلب منه الجلوس على المأدبة معهم للافطار، فضايق فيسبانيوس من هذا الامر وبدأ الجميع ينظرون الى اعين بعضهم امتعاظا من دخول هذا الدخيل وترحيب غلابر له فبدأ غلابر يزيل حيرتهم بشرح علاقته ببابتيوس وكانت كلها اكاذيب ترويجية لبابتيوس فبدأ يثني عليه وعلى كرمه وسخاءه وعطاءه ومروءته وانه بالكاد يكون نبيلا وهو احق بالنبالة من كثير من طبقة النبلاء فبدأ يسوق الاكاذيب حتى اعجب به القوم وتقبلوه، وبينما هم كذلك واذ بفيسبانيا تنهض وتتوجه الى الباب لتخرج الى غالب فقال بابتيوس لفيسبانيوس (اهذه ابنتك فيسبانيا تدعها تخرج لوحدها... أأنصحك بأن لا تدعها تذهب بمفردها ...) تضايق فيسبانيوس من كلام بابتيوس فقال له (وانا انصحك بان لا تسدي النصيحة لمن لم يطلبها ...) فاعتذر بابتيوس وضرب كفيه ثم اكمل طعامه.

وحينما انتهى الرجال من المأكل وهموا بالخروج واذ برجل قد ارسله غلابر ليرى متى التقت فيسبانيا مع غالب حتى يعود للفيلا ويقدم رسالة كتبها غلابر بنفسه بصفة مجهول، وحينما هم الرجال بالذهاب وطرق الباب فتحه احد العبيد فراى رجلا معه رسالة فاخذها العبد الى سادته وحين رآه غلابر نهض مسرعا فتناول الرسالة وفتحها وقرأها وكان مضمونها ..." الى بيت فيسبانيوس اغريبينا وضيوفه الاعزاء اعراضكم تتراقص في الطرقات حيث تضرب الدفوف وتدور الكاسات .. الى فيسبانيوس وماركوس ...." ولما انتهى من الرسالة استغربوا الكلام فنهضوا جميعا ولحقهم بابتيوس وذهبوا الى الحانات في الاسواق.

بينما كانوا كذلك واذ بتاتيوس يلاحظ غالب جالس وظهره تجاههم وبجانبه فتاة قد ارخت رأسها على كتفه وقد حوطها هو بذراعه ومال رأسه فوق راسها، فنادى تاتيوس الى غالب ولما نهض غالب والتفت اليه هو والفتاة وقعت الصدمة في قلوب الرجال فبهت فيسبانيوس ولما رأى ابنته في احضان عبد وكذلك تاتيوس الذي يرى زوجته تخونه مع عبد واما ماركوس فقد تفاجئ لجرأت هذا العبد رغم محاولة قتله الا انه عاد لمحبوبته .

فتدقم فيسابنيوس وقد جحظت عيناه وزبد شدقه وصارت عيونه في رأسه وهو يقول (فيسبانيا ... ماذا فعلتي؟....) فتقدم بابتيوس اليه وقال (ياسيدي قد رأيتهم من قبل اليوم هنا ولكني حاولت التلميح لك وانت زجرتني فلم اجرأ ان ارد عليك الحديث و...) فوضع فيسبانيوس سبابته على شفتا بابتيوس اي اصمت، فتقدمت فيسبانيا الى والدها بخجل وبخطى متثاقلة وخوف شديد وما ان وصلت له حتى صفعها صفعة دوا صوتها المكان فوقعت هي على الارض وقامت ووضعت كفها موضع صفعها فبكت وانصرفت خلف ابيها فظل ينظر الى غالب وقال لمن معه من اعوانه (خذو هذا الخسيس ...) فكبلوا غالب وسحبوه الى الفيلا، وكان فيسبانيوس ساكتا حائرا قد خارت قواه بتدنيس شرفه.

فاخذو فيسبانيا الى حجرتها ووضعوا غالب مع العبيد فكبل ومنع الماء واما غلابر لما صار الوضع بما فيه الان وكان الكل مجتمعا عند فيسبانيوس قال غلابر (اسمع يا فيسبانيوس لقد تزوجنا منك رغبة في مناسبة النبلاء الاكفاء لنسلنا ولكن بيتك بيت عار قد يجلب علينا العار ونحن نريد العودة لمكانة استحقها اسلافنا من قبل، وما حدث اليوم يجب عدم السكوت عنه وابنتك منذ ان كانت في بيتنا في بيتيليا وهي تزور عبد السوء وتلقاه واخي جاهل بامورها وخبثها، واليوم جميعنا شهدنا على سوء فعلها، ولن اطيل الكلام ولكن لكل حد تجاوز وقد تجاوزتم حد اللباقة والحصافة، وعليه سنضع شرطا لكيلا يعلم الناس الخبر ويشيع بين العالمين الامر انت تعلم ان لنا مجد ضائع ولنا مكان محتل في مجلس الشيوخ، وانت تعلم كي يدخل المرء مجلس الشيوخ يجب ان يشهد له عدة من الاعضاء وانت واحد منهم فثمن سكوتنا مقعد لنا في مجلس الشيوخ ونعود كما كنا ولديك من معارفك داخل مجلس الشيوخ ما يمكنك من فعل ما اردنا لا سيما اننا لسنا حديثي عهد به بل كنا من اعيانه واقياله .. فانظر امرك واحزم فعلك ...) ما ان انتهى حتى تفتحت اشداق السامعين له واولهم والده ماركوس واخيه تاتيوس وفيسبانيوس كادت العروق تتفجر من جبهته لشدة غضبه وقوة خفقان قلبه وقال (أتبتزني يابن ماركوس ؟...) غلابر (ليس ابتزازا انما حقا يريد الرجوع لاهله وجميع من شهد المشهد هاهنا والجميع متفقين سيكمل اخي تاتيوس حياته مع فيسبانيا كان لم يحدث شيء ولن ينالك العار ولكننا نرجع لمجد ضاع بتصريف الاقدار....) فيسبانيوس وضع كفه على رأسه وقد غضب غضبا شديد لذلك ثم قال (سأقتلــ....) فقاطعه بابتيوس وقال ( لا داع لكل هذا يا فيسبانيوس، وهدئ من روعك، ان غلابر طفل صغير قد ترعرع بالارياف فاراد ان يجاري بخبثه الحصاف، ..(فاستغرب غلابر حديث بابتيوس )... ولكن يا سيدي لقد انعمت علي من ذي قبل وكرمك سبق فضائل غيرك لي، فحين علمت بامر فيسبانيا لمحت لك ولم تسمعني ولم اجرأ ان اكون مباشرا معك واما رسالة الطارق التي اتتكم فانها مني، واما ماركوس وابناءه بفقدهم نبلهم فقدو مروءتهم معها، فهذا ماركوس اراد قتل فاروس عبده لانه كان يعلم بما يدور بينه وبين ابنتكم ولم يخبركم بها، واما تهديد غلابر لكم انما هو تهديد لهم اكبر، حيث ان ابنة النبلاء تزورهم وهم يغررون بها العبيد، وان عبيدهم لا تهابهم فتمادت وتجرأت على بنات اسيادها وهم يعلمون ولا يحركون ساكنا، هذا ما اعترف به غلابر منذ قليل ..) فقاطعه غلابر غاضبا (ايها الوضيع...) فصاح فيه فيسبانيوس وقال (اصمت ودعه يكمل ..) فاكمل بابتيوس (وانا يا سيدي ليعز علي ان يفتضح شخص من امثالكم او يحط من قدره امثالهم وانت من انت سيد الكرم والعطاء والشدة والرخاء، ومكانتكم محفوظة وساذود عنها ما وفقت لها سبيلا، وغلابر قد عرض علي ان يعطيني بيتا بين البيوت فاجاوركم فيه شريطة ان اشهد معه ضدك، والمسكين لا يدري ان الفضيحة ستحرقه هو لا انت، اذ بفتاة صغيرة بريئة تذهب لنبيل فيغرر بها عبده، ومع علمه بعلاقتها بالعبد زوجها ابنه فلا شرف يملكون ولا يهمهم سوى ان يرتقون...) قال فيسبانيوس (حسبك ....).

فلما سمع القوم هذا الكلام صدم غلابر من تخطيط هذا الخبيث بابتيوس وكيف انقلب عليه بعد ان استعمله للوصول، واما ماركوس فقد ضاقت به الارض بما رحبت حينما سمع هذا الكلام، ولم يدري ما يفعل فيسبانيوس بابنته واصهاره وان قتلها جلب العار وان طردهم جلب العار، فقام تاتيوس وهو ممتعظا من خبث الرجال حوله وقال (لقد اعجز كيدكم النساء ... (ثم التفت الى فيسانيوس) ... لا حاجة لي بابنتك ...) فخرج من المكان غاضبا وكان والده يناديه وهو لم يلتفت له وذهب، فقام ماركوس وذهب الى ابنه غلابر وقال له وهو غاضبا منه (أحسنت صنعا ...) فصفعه صفعة قوية ادمت انفه وخرج، وغلابر محدقا بغضب الى بابتيوس فرمقه فيسبانيوس وقال له (انصرف من ناظري فلا يزيد مقتي الاى رؤيتكم ال كلوديانوس اذهب قبل ان اضرب عنقك هاهنا ...) فخاف غلابر وعيد فيسبانيوس وذهب.

فجلس فيسبانيوس يتفكر في حاله وواضعا كفه على رأسه فتقدم اليه بابتيوس ومعه كأسا من النبيذ فناوله وجلس بجانبه وقال له (لا تحزن ان القوم قد ولو ولعل في فراقهم خير لك .. اسمع يا فيسبانيوس بعد ان يخرج القوم سيتحدث الناس عن اسباب رحيلهم وانا عندي فكرة قد طرأت علي ولكني اخاف ان تفهمني بشكل خاطئ لا سيما ان توقيتها ليس مناسبا ساعرضها عليك لاحقا ...) فربت على كتف فيسبانيوس واراد النهوض فامسك فيسبانيوس بمعصم بابتيوس وقال (اجلس يا بابتيوس .. وقل لي ما لديك ...) قال بابتيوس (انت قد تكلفت بهذا العرس المشؤوم واشتريت هذه الدار بثمن غال والان ابنتك من غير زوج فلن وقد تزوجها رجلا اقل منك منزلة فلن تستطيع تزويجها من هو اعلى منه منزلة لان النبلاء لا يتزوج طليقات من كان ادنى منهم، ولهذا انا اعرض عليك ان تزوجني فيسبانيا وان ادفع ثمن هذه الدار التي اشتريتها انت فاسكنها انا وفيسبانيا وكما تعلم عني وسمعت فاني اجيد فنون اللباقة والادب فلن ترى مني ما قد يعيرك به الناس بل ساكون موضع حسد الناس لك، الا ان الوقت غير ملائم ولو لم تجبرني على الحديث ما تحدثت ولكني عرضته عليك كي لا اغشك به غدا، فانظر في امرك سانتظر ردك عليه غدا ....) وحينما قام يريد الخروج قال فيسبانيوس (بل الان تسمعه فاني موافق قد رضيت بتزويجك ابنتي التي قد اضاعت شرفها برجل من بعد القبح سترها وهذه الدار لك ... واما العبد ساقتله بالمخازيق ...) ثم قام وانصرف.

بينما كان الرجال هكذا كانت فيسبانيا توبخ من والدتها وتضرب بالنعال الى ان بكت واغمى عليها فحملوها الى غرفتها ولما استيقظت نهضت تريد الخروج فوجدت الابواب مؤصدة فاخذت جاريتها واخبرتها ان تنام مكانها ولبست لبس الجارية وذهبت للشرفة ورمت نفسها من على علوها وذهبت تسعى حيث العبيد فوجدت مسؤول العبيد فتحايلت عليه بصفتها الجارية لانه لا يعرف فيسبانيا ولا سيما والكدمات ملئت وجهها من ضرب امها فقتلته بطعنة نفذت الى قلبه وسدت فمع بقطعة من القماش له فوصلت الى الحبس فحررت غالب وقد انهالوا عليه ضربا وحلت وثاقه وحينما كان يحاول الوقوف من شدة التعب رأى صاحبه الذي كان من قبل قد نصحه بان لا يلعب بالنار فقال له (يا هذا اتريد البقاء ام الذهاب معي ...) فقال الرجل (والله وكانك جئت بامر عظيم لا يستوي في الا قطع رؤوس كل العبيد وان كان لابد فخذني معك...) فحرره معه فاخذت فيسبانيا كيسا لها مملئ بالذهب والاحجار الكريمة والنوادر النفيسة باعطته غالب وقالت له (ارحل يا حبيبي سيقتلونك غدا ارحل ولا تعد ...) وهي تبكي فعرض عليها الذهاب معه فرفت وبينما هم كذلك سمعت حركة للجنود خفيفة حول المكان فودعته وعانقته وذهبت الى الباب ثم التفت اليه وعادت اليه تركض فعانقته اخرى وهي تبكي ثم انصرفت وادارت وجهها وكانت تلك المرة الاخيرة التي نظر بها الاثنين لبعضهم البعض.

اما بابتيوس فانه حينما زوجه فيسبانيوس ابنته فيسبانيا فانها صعد اليها ليبني بها وحينما دخل وجد الجارية فظنها فيسبانيا ولما تقدم لها وداعبها ملاطفا وحينما التفتت له ورأى انها ليست فيسبانيا دهش وقال لها (ويحك اين فيسبانيا ؟؟..) فردت الجارية بخوف ( لا ادري ...) فقال بابتيوس بغضب (قولي لي ايــ....) واذ بسكينة تنحره ممن كان واقفا خلسة خلفه وحينما استدار بابتيوس وهو ممسك نحره يحاول منع تدفق الدماء المتطايرة واذ بها فيسبانيا وقد عادت لغرفتها فلم ينتبه احد لها من لباسها وعتمة الليل التي اشكلت عليهم شكلها.

وحينما سمع فيسبانيوس صراخ بابتيوس على الجارية نهض وذهب مسرعا وما ان دخل واذ بابتيوس يرفس يصارع الموت بين اقدام فيسبانيا وهي تنظر الى والدها وهي تبكي بحرقة على فراق غالب فقالت لابيها (سامحني...) فطعنت نفسها في قلبها فشهقت وسقطت على ركبتاها ويدها على قبضة السكين فتطاير الدم مكان الجرح لان ابوها حينما رأى ذلك هرع اليها وسحب السكين وبدأت ترش الدم ووالدها يسد الجرح وهو يقول (يا ابنتي ماذا فعلتي ماذا فعلتي ... ابنتي ...) فبدأ يبكي وابنته بين يديه تحتضر، ودخلت امها ورأت المشهد المرعب فجلست تبكي وهي ترا ابنته ترجف كل حين من نزع الروح منها، وابوها يبكي وقد مسك رأسه وسجد يبكي بحرقة.

هذا ما كان من امر فيسبانيا واهلها واما غالب والرجل الذي كان معه حينما هربوا فتحوا الابواب للعبيد لمن اراد ان يهرب فهرب جماعتة منهم فصارت فوضى وبدأ الحرس يجمعون من هرب منهم واستطاع غالب وذلك الرجل ان يهربوا، فراح غالب حيث ايريك واخبره بالامر ففزع ايرك من الخبر وقال لغالب (من هذا ...) غالب (انه رجل قد انقذني وستر عني وانا اكافئه على مروءته ...) ايريك (يا غالب لن نستطيع ان نتدبر امره معنا ونحن نبحث عن من يسك وسم العبودية كوسم ماركوس وصاحب السكة صعب المزاج ونحن بانتظار من ياتي فيعمل لنا واحدا مشابها مانفعل بهذا الرجل الان ...) فنظر الرجل الى ايريك وقال (أتقصدون باركا ؟...) ايريك ( ومن باركا؟...) الرجل (صاحب السكة ...) ايريك (اتعرفه؟...) الرجل (نعم واسمع اسيادي يتحدثون عنه باستمرار وانه رجل جشع يحب المال ان دفعت له سيعطيك وسم الامبراطور اوكتيفيان ان شئت حتى ...) ايريك (امتأكد انت ؟...) الرجل (نعم وقد سمعت اسيادي يتحدثون عن لؤمه وجشعه مما اضر بملاك العبيد ...) ايريك (ما اسمك يا رجل ...) الرجل (اسمي سيسرو ..) ايريك وهو مبتسم (اين كنت يا رجل ؟........).

فذهبوا من فورهم الى باركا صاحب السكة وحينما دخلوا عليه وكان بالكاد يغلق محله ودفعهم طالبا منهم العودة غدا واذ بايريك يخرج سيفه ويضعه على عنق باركا ويقول له (اتريد المال ام الدم ...) وبيده الاخرى كانت صرة المال فقال باركا مبتسما من الخوف (بل المال يا سيدي ...)، ثم عرضوا عليه ذراع غالب وطلبوا منه ان يعمل مثله الان وذراع سيسرو فامضى طوال الليل وهو يعمل والحرس ما زالوا يبحثون عن الفارين من العبيد ولكن لم يصل خبرهم الى حيث هم وظل يعمل الى ان انتهى فاخذوا صكوكهم وكانت الشمس قد اشرقت بالكاد واستيقظ الناس واكتظت الاسواق وازدحمت الناس على البوابات فخرجوا من البوابة وبايديهم صكوك حريتهم.
حتى وصلوا الى البوابات وكانت الحراس يبحثون عن الهاربين وهم يمشون في كابور طويل الى ان وصل اليهم الدور فقال لهم الحارس (اكشفوا اذرعكم ...) فوجد على غالب وعلى سيسرو وسم مطلوبا فهم ان يأمر الحرس بالقيض عليهم فدفعهم غالب وقال لهم (توقفوا انا حر وهذا صك حريتي ...) فنظروا الى الصك ونظروا الى غالب ومن معه، وكانوا مترددين في شأن غالب ولكن بايديهم صك للحرية لا يستطيع الحراس فعل اي شيء معهم اذ يعتبرون غالب وسيسرو من الاحرار بسبب هذا الصك، فتركوهم ومضوا بعد ان خافوا الهلاك.

فعبروا بوابات روما ومعهم من الاموال ما يكفيهم مؤنتهم في سفرهم هذا، وامامهم فقط الغابات والمحطات التي يستريحون بها الى ان يصلوا الى وجهتهم حيث اهل غالب العرب.

noor elhuda likes this.


التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 26-10-21 الساعة 09:29 PM
Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-10-21, 03:24 PM   #28

نهى حمزه
 
الصورة الرمزية نهى حمزه

? العضوٌ??? » 422378
?  التسِجيلٌ » Apr 2018
? مشَارَ?اتْي » 262
?  نُقآطِيْ » نهى حمزه is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جميله جدا تسلم ايدك فى شوق للتكمله
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .


نهى حمزه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-10-21, 05:23 PM   #29

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نهى حمزه مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته جميله جدا تسلم ايدك فى شوق للتكمله
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ،،

شكرا على الاطراء الجميل والمرور الرائع والله يسلمج من الشر وان شاء الله قريبا اكملها


Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 27-10-21, 06:49 PM   #30

نهى حمزه
 
الصورة الرمزية نهى حمزه

? العضوٌ??? » 422378
?  التسِجيلٌ » Apr 2018
? مشَارَ?اتْي » 262
?  نُقآطِيْ » نهى حمزه is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Cigarno مشاهدة المشاركة
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ،،

شكرا على الاطراء الجميل والمرور الرائع والله يسلمج من الشر وان شاء الله قريبا اكملها
الله يكرمك الروايه جميله ولون مختلف وان شاء الله هتكون اضافه جميله لوحى الاعضاء


نهى حمزه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:31 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.