آخر 10 مشاركات
ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          شيءٌ من الرحيل و بعضٌ من الحنين (الكاتـب : ظِل السحاب - )           »          سارية في البلاط الملكي * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : هديرر - )           »          نساء من هذا الزمان / للكاتبة سهر الليالي 84 ، مكتمله (الكاتـب : أناناسة - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          قبل الوداع ارجوك.. لاتذكريني ! * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : البارونة - )           »          السر الغامض (9) للكاتبة: Diana Hamilton *كاملة+روابط* (الكاتـب : بحر الندى - )           »          عشقكَِ عاصمةُ ضباب * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : نورهان عبدالحميد - )           »          سحر التميمة (3) *مميزة ومكتملة*.. سلسلة قلوب تحكي (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          رسائل من سراب (6) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة للعشق فصول !! (الكاتـب : blue me - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: في اي زمن تفضلون تكون الرواية القادمة باذن الله ؟
قديمة ومشابهة لزمن هذه الراوية 2 40.00%
عصور وسطى 0 0%
عصر النهضة 0 0%
حديثة 3 60.00%
المصوتون: 5. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree94Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-10-21, 03:34 PM   #31

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الحادي عشر – (ثلاثة على الطريق)

ما ان خرج الثلاثة سيسرو وايريك وغالب يقصدون الموانئ التي تقلهم على شمال بلاد العرب حيث القوافل التجارية في ذهاب واياب من اجل امداد الرومان بالتوابل، وصلوا الى قرية صغيرة وهي على مسافة يوم ونصف من روما تعترض طريق المسافرين وبها خان وحانة لخدمة من عثر عليه وهو مسافر، فدخل الثلاثة وجلسوا وطلبوا الراح لأزالة الاتراح، ما ان انتهوا حتى اتاهم الحانوتي طلبا بالمال فمد يده ايريك الى صرة المال التي اخذها من زملاءه وهي نصيبه وزملائه في قتل غالب، واذ بالحانوتي نظر الى العملة فقلبها بيديه، فابتسم في وجههم وعرض عليهم الاقامة في خانه فان لديه من الخدمات ما يميزه عن غيره، فشكروه الرجال وقبلوا عرضه.

ثم ذهبوا الى غرفة قد هيأت لهم لينامو من سفرهم، ولما استيقطوا في الصباح الباكر وهموا بالرحيل واذ بالحانوتي قد اقبل اليهم يعرض عليهم البقاء في الحانة نظرا لبرودة الطقس في الصباح الباكر وان لديه الحساء الساخن والمدافئ الى ان تعتلي شمس النهار فتدفئ الهواء، ولكن الرجال رفضوا ذلك لبعد مقصدهم وشكروه واثنوا عليه، فأصر الرجال بكرم غريب على ان يبقوا وانه لن يأخذ منهم مال اضافي لقاء الخدمة الصباحية ولكنهم شكروه واصروا على الرحيل مستغربين من تصرفه.

وحينما انطلق الثلاثة ما لبثوا ان يبتعدوا عن تلك القرية وقد اعتلت شمس النهار واصبحت في كبد السماء واذ بالرجال احسوا بان هناك من يتبعهم ثم توقفوا لينظروا من خلفهم واذ برجل متفاخرا معتد بنفسه يقول بصوت عالي (يا ايريك لم الهجلة وقد عرض عليك ابن الاكرمين البقاء حتى نجيء اليك؟....) ايريك قال (اوثو، اوريليان، تيبيريوس .. كيف حالكم يا رفاق؟...) اوثو – وهو الرجل الذي كان يخاطب ايريك – (حالنا؟... (فالتفت الى اصحابه وهو يضحك) .. ان حالنا على ما يرام لو انك تركت لنا المال، ولكننا الان لسنا كذلك فقد سرقتنا وخنتنا وصاحبت من كان يجدر بنا قتله....) ايريك (ليس الامر كذلك انما ذلك الرجل انقذ حياتي بعدما اردت قتله فقد انجدني من الغرق وقد عهدت له بالوفاء وايفاء الدين وان اصحبه في رحلته الى ان يعود لاهله وان كان ما تريدون المال فان لدي ما يكفيكم ويغنيكم خذوه وارحلوا ...) اوثو (لمَ اخذت مالنا لطالما كان لديك ما يكفينا؟...) ايريك (لقد جدت امور افاضت علي بوفرة المال وهي ليست اموالي بل اموال الرجل خلفي ...) ضحك اوثو وقال (يعني ان قتلنا اخذنا ماله الوفير الذي تتحدث عنه ...) حينما كان يسمع غالب هذا الكلام كان يستشيط غضبا من حوار الاثنين وعض شفتيه امتعاظا فقاطع حديثهما وقال (ايريك لمَ تجادله ...) فنزل عن حصانه واستل سيفه ونزل سيسرو وسحب حصانه وحصان غالب، فقال ايريك (اعد سيفك الى غمده يا غالب ...) تعجب غالب حينما رأى ايريك وقد تراعدت فرائصه كمن كان يحادث ملكا او عظيم قوم، فقال غالب (مابك يا ايريك اجذبك الحنين لهم ؟...) ايريك (يا غالب ما جمعنا معهم غير المال ومصالح مشتركة ولكن هذا اوثو انت لا تعرفه ...) غالب (دعني اضربه بسيفي فيتعرف كل منا على الاخر ...) ايريك ادار حصانه الى وجه غالب وقال بصوت منخفض (ان هذا الرجل لم ينازلك ولا يقاتلك بل كان يدور بفرسه حولنا وانا نازلتك وعرفت قوة ساعدك واعرف قوة ساعده والله لست ندا له ولو كان اول من نزل اليك لقضى عليك وانقضى الامر ولكن عادته ينظرنا نقوم بالعمل ما ان يستصعب العمل علينا حتى ينزل وان نزل انهى ما بدأنا به وحتى انا لو لقيني على ايام مجدي كمجالد ما ظننت اني اقدر عليه فلنسايسه ...) قال اوثو (يا ايريك ما الخبر اتناجي صاحبك وتخطط وقد عزم على القتال اخارت قواك ام ضعف قلبك فاصبح العبيد اكثر منك شجاعة واقدام ...) ايريك (يا اوثو خذ من اموالنا ما شئت ودع لنا ما نصل به الى الامان ودع ضرب السيوف بحق الايام الخوالي التي جمعتني واياك (ونزل من حصانه) .. وها انا اتوسل اليك واعتذر منك ...) اوثو (ماهذا يا ايريك والله لقد كرهت ان ارى منك هذا الوهن وقد كنت ارقب فيك فجرا وارغب فيك نصرا ... هل بدل الترف قلبك ام صحبة العبيد لعبت بعقلك؟...) ايريك (والله ان لهذا العبد لفضل علي ما انساه ما حييت وان به من مكارم الاخلاق ما يعلو بها على النبلاء ومنطقه كالحكماء، ولم ارى منه فعل السفهاء لا في شدة او رخاء ..) فقام غالب واخذ النفائس التي اعطته اياها فيسبانيا وفي صرتها فرماها امام اوثو وقال له (اسمع يا رجل قد كنت تطلبنا من اجل هذه (واشارة الى صرة المال الخاص بماركوس) وها نحن ندفع لك تلك (واشار الى كيس فيسبانيا ) وان كنت تطلب قتالا والله انك تعلم صاحبك -يقصد ايريك- فلا هو بالضئيل ولا الند الهزيل وانا قد رأيت فعلي في اصحابك وان الشجاعة صبر ساعة والكيس من غنم دون خسارة وانك ان بادرتنا سيوفك ستلاقي سيوفا على الضرب صابرة وفي الاعداء مضجرة وفي دائرة القتال ستفقد من عندك ابطال قد ادخرتهم لغير هذا النزال فخذ ما عرضنا عليك وامض في سبيلك...).

تبسم اوثو وكان كثير التبسم في مثل هذه المواضع وقال لايريك (أهو عبد حقا؟...) فرد ايريك (استُعبد بدنه لا قلبه ...) فقال اوثو (سنأخذ ما عرضتم ونزيد عليه حصتنا التي اخذناها من ماركوس ...) فقال ايريك (لم يبتقى منها الا اليسير ونحن عسى ان تعيننا على طول المسير ...) فقلب رأسه اوثو بتململ وقال (ايريك لا تدعني ارفض العرض واطلبها كلها وانت تعلم مزاجي كيف يتقلب بسرعة...) فنظر غالب الى ايريك واومأ برأسه ان يعطيه حصتهم.

فلجس ايريك واخرج من الصرة المال كله وبدأ يقسم الحصص ولكن الرجال قد صرفوا من هذه الصرة في الحانة والخان وفي روما وغيرها فتناقصت، وحينما اراد تقسيم الباقي منها على اربعة رجال وجد ان احدهم سيكون لديه نصف ما لدى الثلاثة الاخرين فقال له اوثو (المنقوصة لك يا ايريك فانت من استعملتها ...وصحيح اياك وان تستعمل هذه العملة هنا حاول ان تستبدلها لان لها صفات معلومة مميزة وسيسهل على المتقفين ان يتقفوا اثركم كما فعلنا ...وصحيح الم يقتل صاحبك اثنين من اصحابنا عليه ديتهم ...) ايريك ( وما الدية ؟...) اوثو (خيولكم ...) غضب غالب وهم ان يطيش ويفسد الصفقة فوضع ايريك يده على صدر غالب يهدئه وقال (لك ذلك يا اوثو ...) فنظر اليه غالب بتعجب شديد من شدة خوفه من اوثو وايريك رجل شجاع وكان مجالد في السباق وقد نزال الابطال وصرعهم في القتال والان ترتعد اطرافه من رجل واحد.

فترجل الرجال عن خيولهم وانزلوا متاعهم وربطوه الى ظهورهم وذهب اوثو ورفاقه ومعهم حاجيات ومؤن سفر الثلاثة.

ومضى الثلاثة يقطعون الوديان والسهول على الاقدام بعدما كانت رحلتهم طويلة وشاقة زادها طول ومشقة نقص الاموال وانعدام الدواب التي اخذها اوثو، فبينما كانوا جلوسا وقد داهمهم الليل بسدوله الطويلة وسماءه العليلة وقد خلت من الغيوم وتزينت بمقابس النجوم، فاشعلوا نار تدفئهم من برد الليل ويستأنسوا، كان غالب لا يزال متحيرا في ايريك ومنكر خوفه المريب من اوثو.

فالتفت غالب لايريك وقال له (حدثني عن صاحبك اوثو وماذا رأيت منه ليجعل في تلك الصورة التي انكرتها منك؟....) انتبهت عينا ايريك فالتفت الى غالب وقال (يا غالب اتنكر علي معرفتي بالرجال وصبرهم وجلدهم ؟...) غالب (لا...) ايريك (اذاً فلا تنكر علي خوفي من رجل كان يقتحم ميادين الوغى فترى الرجال تتطاير الى السماء فتعرف ان تحت تطاير الرجال اوثو، ولديه قبضة ان وضعها على رأس رجل وضم اصابعه حطم جمجمته واخرج عينيه من رأسه، وقد شهدته رمى رمية برمح حتى اصاب به رجلين فارداهما قتلا برمية واحدة حيث كان الاثنين مترادفين على فرس، وما بارز رجلا الا كانوا كيفما يلاعب الاب طفله ثم يشد عليه فيجعله نصفين، بل وانه في مرة كان يتباهى بقوته فعرض سيفه عليهم وقال ان هذا السيف ابتر فضرب به جذع شجرة فقسمه فتعجب الناس من حدة السيف وبدأوا يعرضون عليه المال الوفير لشراءه فباعه لرجل فقام الرجل وضرب الجذع فلم يحدث به كما احدث به اوثو فاشتكى ذلك الرجل وقال له لقد غششتني بهذا السيف ولابد لك انك استبدلته باخر يشبهه فضحك وقال يا رجل لقد اشتريت السيف ولم تشتري ذراعي، وغيرها من القصص وحتى في ثورة العبيد وفي احداث مدينة فيلا اول من اقتحم على العبيد كان هو فشردهم وحشرهم وحده كنار حاصرت كومة قش، فلا تنكر علي ما رأيت وانما معرفتي به هي من وضعتني حيث رأيتني...) فتعجب غالب من اوثو حيث انه لم يرى او يسمع بقوة كقوته فالتفت الى سيسرو فقال له (وانت يا سيسرو منذ تركنا روما وانا سؤال يجول في خاطري واردت ان اسال عن حالك وما وضعك في العبودية ومن اي البلاد انت ...) سيسرو (انا لا ادري من هم والداي لاني ولدت في العبودية ومنذ ان وعيت على الفانية والاغلال في يداي وعنقي حيث كنت صغيرا اقوم بخدمة النبلاء في مضافاتهم واعمل في بيوتهم لحسن منظري وما ان كبرت حتى نبغت في اعمال البنيان فكنت احسن المسح والرص والصف فاشتراني رجلا وكان مسؤول بنيان في روما فكان يستاجرنا لمن اراد ان يعمل بنيان او ترميما، فعملت معه طوال تلك المدة الى ان هربنا من روما، وما فعلته معك لم يكن لاجلك بل كان من اجلي اذ ان من الوارد جدا ان يقتل العبيد جميعا بجريرة عبد منهم بحجة انهم على دراية بخبث نواياه ولم يتكلموا او يفصحوا عنه، واما خروجي معك فلقد كان اخاك مجبرا لا بطل، حيث ان من بقي من العبيد ليس امامه الا خيارين اما ضرب الاعناق والموت المحتم او القتل البطيء في الاعمال بالمنجم....) غالب (واين انت من احداث ثورة العبيد؟...) سيسرو (اما تلك الثورة المشؤومة فلقد جعلنا سيدنا في اقفاص في اقبية ومكثنا فيها الى ان خمدت تلك الثورة الحقيرة وكان يسترق السمع وما ان يسمع رجلا يمتدح سبارتاكوس ومن معه حتى صب جم غاضبه عليه وجلده الى الموت ...) فامضوا ليلتهم يتحدثون ويتسامرون وقد استشعروا الحرية بعدما عانوا منها وذاقوا الامرين.

وواصلوا المسير فكانوا يتحفظون في كل مكان يدخلونه وما ان يسالهم احد عن عملتهم التابعة لماركوس حتى يهربوا من ذلك المكان فنفذ المال لديهم وهم يسيرون على الاقدام، ثم بدأ ايريك بخفته وخبرته بالاختلاس من المزارع ومصايف النبلاء الطعام وكانوا احيانا يطلبونه من اصحاب البيوت فيجابهون اما بعطاء او جفاء.

وفي احد المرات اقتربوا من احد البيوت المسماة بالفيلا وهي خاصة بالنبلاء ولديهم حقل للاعناب فلقد كان احد البيوت المشهورة في صناعة النبيذ وبه اسطبل للخيل قد تباينت الوان الخيول فيه وعددهم سد الافق كما لو ان نقص منهم عشرة خيول لن ينتبه لها احد وبدأوا يرقبونه من بعيد فكانوا كمن وقع على كنز ثمين واذ برجل اصلع كثيف اللحية سمين قد خرج من البيت بلحيته البيضاء وحوله رجال تعاظم عددهم وعبيدهم في كل مكان تجد بالعمل هذا والرجل جالسا يراقب حقوله وخيوله، فمكث الرجال الثلاثة على امل ان يرخي الليل سدوله فينغمسون في عتمته وتكون لهم سترا فيغنمون منه.

ولما اتى الليل تقدم ايريك وغالب وبقي سيسرو في الخلف فذهب ايريك الى ذلك المنزل يتحسس مكان المطبخ حيث الطهي والطعام وذهب غالب الى الاسطبل يندب من الخيول آصلها بينما كانوا كذلك احس بهم صاحب المنزل ذو اللحية البيضاء فقام بخلسة كي لا يشعر اللصوص به وايقظ ابناءه العشرة ثم بدأوا يتبعون صوت الخرفشة الصادرة من ايريك في مطبخهم وارسل خمسة من ابناءه لاسطبل الخيل لسماعه صهيل غير معتاد، وما لبث الاثنان الا وهم تكتف ايديهم وتكتم انفاسهم من قبل اصحاب المنزل، فانهالو عليهم بالضرب حتى اغمى عليهم.

فاخذوهم الى الفناء ورشوا عليهم الماء فاستيقظ ايريك وغالب فسالهم الرجل مالذي دفعهم لسرقة الخيول والاكل بعدما نظر لحالهم وتفحص اقدامهم النازفة وثيابهم الرثة وعلى وجوهم غبرة السفر، فاخبره غالب وقال (لقد كنا مسافرين فوقع بنا قطاع للطرق فسرقوا متاعنا ودوابنا واكملنا مسيرنا على الاقدام سائرين وما نا وصلنا الى بيتكم الكريم حتى طمعنا به ورغبنا بخيراته ولم نرد ان نأخذ اكثر مما نحتاج اليه في سفرنا ويعيننا على مشقته فوقعتم بنا لحسن فطنتكم وبقوة منعتكم امسكتمونا ...) فقال الرجل (لمَ تسرقون الحاجة ولا تسألونها ؟...) غالب (لقد سألنا من قبلكم فان اعطانا اعطانا عطاء بخيل، او اوصد الابواب في وجهنا ويتركنا لمصائرنا فمللنا هذا الشان وسئمنا هذا الهوان...) الرجل (ما رأيكم لو اتفقت معكم على امر ان انتم اتممتموه اعطيتكم ما يسد حاجتكم للسرقة والاختلاس وان لم تتموه فليس لكم عندي شيء ...) قال غالب (وما هو ؟...) قال الرجل (اني كما ترون مولع بحب الخيول واشتري الاصايل منها وقد اشتريت لتوي خيلا عربيا جامحا اعي الساسة ترويضه من استطاع منكم ان يروضه فلقد اتم ما اتفقت معكم عليه ...) فضحك غالب وبينت على ملامحه الاستبشارولمع بريق عينيه فقال (يا رجل انا لها انا لها ...).

فقام غالب ودخل على ذلك الخيل ورأه يضرب رجليه ويديه بالارض ويقفز يمنة ويسرة ويقف على قوائمه الخلفية ويضرب الارض بقوائمه الامامية بقوة مهددا من دخل مجاله وكان غالب عليما بامور الخيل والابل فلقد عمل كمروض للخيول في بيت حرب بن ورد فتقدم بهدوء وامسك حبل العنان وتقدم الى الخيل وبدأ يكلمه بالعربية فلم يفهم ايريك ولا الرجل ما يقوله غالب فسأل الرجل ايريك وقال (بماذا يتمتم عليه صاحبك اهو ساحر ؟...) فقال ايريك (لا ولكنه عربي يكلم خيلا عربيا لعلهم يفهم كل منهما الاخر ...) فنظر الرجل الى ايريك ثم الى غالب بعجب واعجاب، فمسح غالب على لبانة الخيل وعلى لبدته وعلى ناصيته الى ان هدئ من روعه ومعه المسح كان يكلمه كلمات تهدئ الخيل فاجابت تلك الكلمات نتيجتها فيه وبدأ يسير معه دون ان يمتطيه ليعطيه الثقة بينما كان كذلك قفز على ظهر الخيل فامتطاه فجفل الخيل وبدئ يركل يحاول اسقاط الفارس ولكن ركبتا غالب قد احكمت قبضتها على خاصرة الخيل وحالت دون وقوع غالب واستسلام الخيل فصاح الرجل وايريك باعجاب من رؤية هذا المنظر وكان الرجل يريد من يروض له هذا الخيل لشدة حبه له.

وبعد ان روض غالب الخيل لصاحب الخيل ترجل عنه وسلم عنانه لاحد ابناء الرجل فلما امتطاه لم يركل او يرفس الخيل بل انصاع لامر الفارس الذي يعتليه، فنظر الرجل الى غالب وقال (والله لقد استحققت مني العطاء وعليه ازيدك فيه فاعطاهم اربعة حصون يركبون ثلاثة والرابع يحملون عليه متاعا اعطاهم اياه وزودهم بالمال والزاد ثم انصرفوا منه فرحين مستبشرين.

وكانت خطتهم الذهاب حيث مدينة فيلا وان يستقلوا مركبا يذهبوا به مع قوافل تجار التوابل التي ترسي في الساحل الغربي للشمال العربي في بلدة سوريا، وحينما اقتربوا من مدينة فيلا وكانوا يرقبونها من بعيد استراحوا ليلتهم هذه على ان يدخلوا المدينة في الغد فناموا سعداء بوصولهم الى هذا الحد.

فلما استيقظ ايريك اراد ان يوقظ اصحابه فذهب الى غالب فايقظه ولما ذهب الى سيسرو وكزه لايقاظه فلم يتحرك سيسرو فكرر وكزته لم يتحرك سيسرو فجذبه وامسكه ليرى ما به فلم يجد سيسرو انما وجد مكانه قشاً، فصعق ايريك وذهب الى الخيول فلم يجد الخيول ولم يجد المتاع ولم يجد المال ولا الطعام فاسرع لغالب وكان غالب بالكاد استيقظ فاخبره فصدم غالب ونهض الاثنين يحاولون تقفي الاثر اذ كيف بسيسرو ان يسرقهم بعدما كان منهم تجاهه ما كان، فتحسس ايريك الاثر فقال لغالب (لا طائل منه لقد رحل منذ مدة وتلك الاثار باردة متردمة اذ يتضح مرور وقت طويل عليها وهي ليست حديثة لعله راح اول الليل ونحن نيام فاخذ طريق الشمال ونحن قاصدين الجنوب فلنكمل ما جئنا لاجله ...) فيأس الاثنين من العثور على سيسرو وتابعوا مسيرهم الى مدينة فيلا في يوم دجن اي مطر شديد وبرد قارس وما ان وصلوا الى البوابة وكانت الناس تهرع للدخول والاحتماء من زخات المطر الكبيرة تحت مظلات صغيرة دخل غالب وايريك داخل المدينة وبحثو فيها امن لهم.

وهذه المدينة تعتبر من مصياف النبلاء فلا يكثر فيها ابناء الطبقة العامة او العبيد بينما كانا يمشيان اذ لاحظا وجود حامية عسكرية به، فذهبا الى المرسى وسألوا المسؤول عن ملاحة السفن فيه عن اخبار القوافل فاخبرهم اخبارها وموعد رحلاتها ووجهاتها، وكانت هذه القوافل تقل المسافرين الى مقاصدهم باجر معلوم ولكن الاثنين لم يكونا يملكان من المال شيئا، فعرضوا على بعض ملاك السفن المتجهة الى تلك الديار العمل بالسفن كبحارة الى ان يصلوا وجهتهم ولكن ملاك السفن رفضوا ذلك لاكتفاءهم بعدد البحارة الذين يعملون في سفنهم.

فقرر الاثنين الافتراق والبحث عن الاعمال التي تكون باجرة يومية حتى يتحصلوا على تكلفة الاجرة التي تحملهم على الافلاك وتنجيهم من الهلاك.

فذهب غالب الى الحانة وجلس بها وكان يسمع حديث من حوله عن حملة عسكرية قد اعدتها روما للانتقام، فتمايزت المعلومات في اذنه عن اسباب ووجهة تلك الحملة العسكرية فتارة يسمع انها لقهر بواقي الاغريق وتارة المصريين وتارة المقدونيين، فاستشعر غالب خطر تلك الاخبار اذ ان الحامية لم يكن وجودها عبثا وايقن بصدق الحملة رغم غموض اسبابها وهوية العدو.

وجاء الحانوتي وجلس قبالة غالب وقال له (انك هنا منذ ساعة ولم تشرب شيئا ابك خطب يا رجل ؟...) غالب (كيف اشرب وانا لا املك غيري ثيابي التي اتيتك بها، وقد كنت اجول المدينة ابحث فيها عن عمل انا وصديقي فافترقنا كل منا يبحث عن عمل باجرة يومية ورأيت حانتك فقدمت حتى ارى ان كنت تحتاج من يعينك على ادارتها فجلست وانستني راحة التعب من ان اتقدم بعرضي اليك ...) تبسم الحانوتي وقال (لقد جئت الى المكان المناسب يا رجل وان من النادر ين يجد مثلك عملا هاهنا وانت تعلم من يقطن هذه الاسوار ومن هم صاحب تلك البيوت واني في الواقع ابحث عمن يعمل معي ولكنني لا اعطي الاجرة باليومية بل ازاء كل عشرين يوما اعطيك اياها دفعة واحدة فما قولك ؟...) غالب (عشرين يوما!! وكم المرتب عليها ؟...) الحانوتي (وما هي حاجتك للمال ؟...) غالب (ما استطيع به العودة راكبا تلك الافلاك الى العرب حيث دياري ..) الحانوتي (انا سأتكفل بها ان عملت انت وصاحبك عندي عشرين يوما ولك علي فيها حق زيادة عليها ومكان يأويكما فما هو قولك الان؟...) تبسم غالب وانشرح صدره وقال (والله لقد جبرتني على القبول كفى الله فضلك من الافول ...ما اسمك يا قاتل ظلم المظلومين وناصر المقهورين؟... ومتى نزاول عملنا عندك؟...) ضحك الحانوتي وقال (اسمي فيلانوس ...منذ ساعتك ان كانت قادرا على العمل ... وانت ما اسمك ؟...) غالب (انا اسمي غالب وصاحبي اسمه ايريك سآتيك من فوري به ونعمل معك الساعة ...)

فراح غالب يركض في الطرقات يبحث عن ايريك ليبشره بالخبر، وكان ايريك يبحث عن مكان يعملان فيه وكان كلما دخل زقاق من الازقة تذكر ذكرى اليمة شهدها في هذا المكان الذي كتم انفاسه بعدما احيى ذكرى ثورة العبيد وحصار المدينة والفساد الذي احدثه اولاءك العبيد فيها من قتل وتنكيل بالنبلاء وكان شاهدا على احداثها، فبدأ يتحسس الجدران ويتفحص الازقة ناسيا ما جاء من اجله وهو العمل وكان يرى احداث الماضي عيانا اما ناظريه فما ان يرى بقعة حتى تلاشى حاظره وعاين ماضيه فترتعش اطرافه ويعبس بوجهه ويغمض اجفانه جفلا من ذلك الماضي الاليم، وما ان يراه احد وهو يمشي ويرتعش حتى يظنه مجنون، الى ان وجد مكان فتوقف فيه وهدئ ثم جلس مسندا ظهره الى حائط فيه.


وغالب يواصل بحثه عن ايريك واذ به قد وجده جالسا وظهره الى جدار وقد ثنى ركبته اليمنى للاعلى ووضع عليها مرفقه الايمن فتدلى ساعده وكفه الى الامام باتجاه الاسفل وقد مد رجله اليسرى للامام ومد يده اليسرى الى الارض باتجاه اليسار ووضع كفه على الارض يحركه كمن يمسح الارض وعينه في موضع يده وكان حائرا حزينا فلما قرب منه غالب قال (أتعلم انني اراهم في منامي !! فكنت ارى حقلا قمح يصل ساق الواحدة الى حد ينغمس به الرجل فلا تكاد تراه وكنت ارى طيف ابنته بين سيقان القمح وهي تجري واسمع ضحكاتها وهو يلحق بها ويضحك وانا فزع ابحث عنهما لاني اعلم ان في هذا الحقل خطر متمثل بنمر متوحش فكانوا يهربون ويتوارون عن بصري عابثين يلعبون فكلما جديت في البحث كلما اضعتهم اكثر ولا اثر لهم الا صوت ضحكاتهم التي تاتيني من كل اتجاه ومن شدة خوفي عليهم من ذلك النمر قررت ان احرق القمح كي تحترق سيقان القمح واستخلصهم، فحرقت الحقل واذ بالنار اكلت الحقل بلمح البصر وسوت سيقان القمح بالارض فانجلت لي الارض لا يتوارى عن نظري شيء منها واذ بي ارى جثتين قد تفحمتا وهم ممسكين بايدي بعضهما البعض فكانت لسولونيوس وابنته ...(قاطعه غالب)..) غالب (لا عليك انما كنت مجبرا ولعلهم يعلمون ذلك ويعذرونك عليه ...(قاطعه ايريك)...) ايريك (ولكني لم اجد في الحقل نمر ...) فنظر اليه غالب بحيرة وقلة حيلة فاردف ايريك وهو يمسح تلك الارض بيده اليسار (هنا قتلت سولونيوس وابنته ...).

فجلس غالب بجواره ونظر وجه ايريك الذي قد سالت العبرات منه حتى بللت لحيته وتجمدت على نحره وضم رأسه الى رأسه مواسيا له وقال له (ذلك الماضي وسنتركه خلفنا لنحيى به املا جديد ... لقد وجدت لنا عملا ينجينا ويعطينا املا...).

ثم عادوا الاثنين الى الحانوتي وباشرا اعمالهما معه في خدمة الناس والعسكر ولما انتهى اليوم ذهبوا الى حيث ينامون وهي غرفة صغيرة بباب ضيق ونافذة تطل على البحر حيث اجاوئهم فيملاء حجرتهم نسيم البحر مداعبهم ومنعش ارواحهم المعذبة.

وكانوا كذلك في كل يوم وهذا ما اشتغلوا به وكان فيلانوس حسن المعاملة معهم ينعمهم ويكرمهم وليس من النوع المتجبر المتكبر حتى انه لا يدقق على زلاتهم ولا يغلظ عليهم حسابهم، وفي يوم من الايام بينما كانوا كذلك واذ برجل كبير ومعه لفيفات ورق قد جلس وكان منهمكا في قراءتها فرآه فيلانوس فغمزه لايريك حيث ان الرجل يجلس لساعات طويلة دون الشرب فكان يشغل مكان يجدر بزبون اخر ان يشغله وكان ايريك صاحب علم في اللفيفات والمخطوطات سابقا.

فمسح يديه ايريك واحضر معه قدح من الراح وذهب الى ذلك الرجل وجلس قبالته وناوله الراح ولكن الرجل لم يبدي اي ردة فعل لانهماكه في القراءة والمطالعة فانتبه ايريك لما يقرأءه الرجل وكانت احدى مخطوطات الفيلسوف زينو ايليا فضحك ايريك واراح ظهره الى مسند الكرسي وقال للرجل (اتعلم ان زينو معروف بأبو الجدل وان افكاره تغيرت بعد لقاءه بسقراط ؟....) انتبه الرجل لتلك الاسماء تخرج من فم ساقٍ في حانة متواضعة فرفع الرجل بصره الى ايريك وقال له (اعد ما قلته؟...) فاعاده عليه فقال الرجل وهو عابس وجهه متحير (اذاً؟...) ايريك (حسنا يا سيدي لا تبالغ في ظنك بي ولكن رأيي ان زينو الايلي تأثر بسقراط رغم لقاءه به مرة واحدة اكثر من تأثره ببارمينيدس الذي كان تلميذا له ...) تبسم الرجل وفتح فاه وعينياه تلمعان من شدة فرحه وقال لايريك (هذا ما كنت احاول اثباته للناس حتى ظنوا ان بي حمق...)

فجلس الاثنان يتبادلان الاحاديث عن الفلاسفة والمعرفة فكل واحد منهما يدلي بدلوه على الاخر فينتقده ويتجادل معه فاعجب ذلك الرجل بايريك، ولكن فيلانوس لم يعجبه الامر اذ الساقي اصبح نديم الزبون الذي لا يشرب ولا يأكل شيئا انما يشغل ذلك الكرسي.

فلمز فيلانوس غالب ان يرى ما يفعله ايريك وذهب اليه فاخبره ان رب العالم يريده في مكان اخر، فامسك الرجل بايد ايريك وقال له (اجلس اني احببت الحديث معك ..) فقال ايريك (انني اعمل هنا يا سيدي ولست بنديمك وهاهو رب عملي قد اغضبه فعلي معك ان جالستك ونسيت غيرك ..) فالتفت الرجل الى غالب وقال ( وماهو مطلب سيدك؟...) قال غالب (ان تطلب شيئا وان تدفع لقاء مكوثك الطويل هنا ..) قال الرجل (قل لسيدك اني اريد ان استأجر وقت هذا العامل فادفع لقاء جلوسه معي يوميته..) فراح غالب وعرض الامر على فيلانوس، فوافق فيلانوس شريطة ان يدفعها مقدما قبل ان يجلس معه فوافق الرجل.

فاصبح الاثنين في كل يوم يتنادمون ويتبادلون احاديث الفلاسفة والفقهاء، فسأل ايريك عن اسم الرجل فقال له (اسمي نيكولاس الدمشقي..) فعرف ايريك دمشق وقربها من العرب وكان نيكولاس رجل روماني ولكنه قد ولد في دمشق فسمي بالدمشقي، وحينما سأله ايريك عن اي الطرق اقرب وايسر للسفر حيث سوريا ودمشق.

تلفت نيكولاس يمينا ويسارا ودنى من ايريك وقال له (متى تنتهي من عملك تعال عندي في بيتي وهو واقع في اخر ذلك الممر عند مقتطع الطرق ستجد على الزاوية اليمنى بيتا كبيرا يتكون من طابقين فادخل بهو البيت المفضي الى الحديقة وان استوقفك الخدم فقل لهم اني بانتظارك وخذ هذه الورقة واعطها الخدم...)

تعجب ايريك من حديث نيكولاس، ومضى نيكولاس واما ايريك فعاد الى غالب واخبره بالامر وكيف كانت ردة فعله المريبة حينما ساله عن طريق السفر لسوريا، وما ان انتهى غالب وايريك عملهما حتى ذهب غالب وأوى الى فراشه وخرج ايريك في طلب نيكولاس، وما ان وصل وقال للخدم ما قاله له نيكولاس وسلمهم تلك الورقة حتى مشوا معه الى داخل البيت فصعدوا الدرجات المؤدية الى سطح المنزل واذ بجلسة جميلة يتعلل بها الناس يداعبها نسيم البحر قد اضائتها القناديل باضاؤة خافتة ونيكولاس قد توسط تلك الجلسة، فحياه ايريك وجلس بجواره فقال له نيكولاس

"يا صديقي لقد جبت الديار واكثرت الاسفار رافقت فيها التجار وعانيت من الفجار وتخلقت بالابرار، وعرفت من الامم ما يحفظني في القمم، واما سؤالك لي بالامس وردي على سؤالك بالهمس، فاني كنت لتوي عائد من مصر وكنت معلما لاولاد ملوك العصر، مارك انتوني والملكة كليوباترا، فجاءتني اخبار مفجعة رسالة قضت للملك مضجعه، حيث كنا في الحانة ندماء وحولنا جمع عسكر من ضباط ونقباء، بوضع غير اعتيادي مريب فيلق كان لامر قائده مجيب، كما تعلم ان اوكتيفيان صار الامبراطور واخمد كل ثائر اراد ان يثور، ولكن كان في مصر رضيع لم يكن به اوكتيفيان طليع، لقد كان من صلب قيصر، واسمه قيصرون، واوكتيفيان يريد التفرد بحكم البلد لا يريد ان ينازعه بحكمه احد حتى سمع باخبار ذلك الولد، فما ترى من عدة وعتاد اليوم ماهو الا لحرب شعواء تحرم العين النوم، واما طريق العودة لديار العرب فانها لا تمر الا على واد من كرب، وفي الغد اخبار تفيض بالخير طريق جديد سينطلق بالسير، تكون بدايته هاهنا وينتهي في يمن الهنا، ولكن يجب ان تضع الحرب اوزارها وتنتهي في البحر اخطارها، فلا تعجلون المسير وتسيئون التدبير، وخذوا حذركم قبل ان يقلب دبركم"

فلما سمع هذا الكلام ايريك ضاق ذرعا منه وقال لنيكولاس (وكم سننتظر؟...) نيكولاس (الامر مرهون بعزم اوكتيفيان ومنعة مارك انتوني ...فانه سيدافع عن قيصرون ابن قيصر وابن كليوباترا لانه وريث العرش الشرعي وهذا مالن يسمح بحدوثه اوكتيفيان ...).

فعاد ايريك الى غالب ولم يبقى لهم من الايام سوى يومان وقد جمع مالهم فيلانوس، وحينما اصبح الاثنين وجد غالب ايريك وقد تغيرت ملامح الراحة في صفحات وجهه فعرف منه ما يكره سماعه فلما استعلم عن امره لم يخبره ايريك وانما القى اللوم على معدته كانه قد شكى منها وهو في الواقع لا يعاني شيئا منها.

وفي هذا اليوم لاحظ اهل مدينة فيلا تواجد للجنود اكثر من ذي قبل بل قد غص المرسى بالسفن الحربية رباعية المجادف، ومن فوقها المنجنيقات قد نصبت، وذهب الاثنين الى الحانة ليباشروا اعمالهم كما اعتادوا طوال هذه المدة ان يفعلوا، وكانت الحانة قد ملئت بالجنود، ووقف واحد من الجنود وقام وخطب في الناس فاخبرهم ان هذه الحملة ستقوم بمهاجمة مصر بامر من اوكتيفيان ومن يريد منهم ان يدخل في الخدمة العسكرية فيأخذ عليها الاجر والمرتب، فتقدم عدد قليل من الناس لمعرفتهم بمارك انتوني وهو قائد محنك ومقاتل شرس قد قاتل في حرب العبيد وقد اقتص من قتلة جوليوس قيصر فخافوا مواجهته.

واما فيلانوس في هذه الفترة فانه نادى على ايريك وغالب في الحانة وسألهم عن الاموال التي تحصلوا عليها البارحة، فاخبروه انهم وضعوها في صندوق الامانة الخاص بالحانة، ولكن فيلانوس كان متحيرا وغاضبا منهما اذ انه لم يجد شيئا في هذا الصندوق، فتشادا في الكلام بعدما القى عليهم التهم الضمنية فيلانوس تقدم غالب بغضب وقال له (يا هذا لقد كنا نعمل معك لايام ولم يتبقى لنا سوى يومين اسنسرق اجرة عمل يوم وقد تركنا خلفنا اجرة ثمانية عشر يوما ؟....) فانتبه احد الحرس لذلك وجاء لهم ليستعلم الخبر.

فاخبره فيلانوس وقال له (ان هذان الرجلان قد سرقا المال الذي تحصلوا عليه البارحة وواجب عليهم دفعه في صندوق الامانة...) التفت العسكري اليهما فمسك ذراعيهما فوجد عليهما وسم العبودية وصكوك الحرية فعرف انهم من المتحررين وكان هذا العسكري من رتبة الضباط من فئة اصحاب المئة (وهي رتبة عسكرية) وكان من رفيعي المقام من الرومان يمقت العبيد، فلكز ايريك على انفه فادماه وقال له (اين المال الذي سرقته ...) وظل ايريك وغالب يتشادان الحديث الحاد مع الحانوتي وذلك الضابط، فاقترح فيلانوس ان تفتش غرفتهما.

وحينما ذهبوا الى الغرفة ففتشوها فوجدوا صرة فيها مال بقيمة ما تم فقده من فيلانوس، فنظر غالب وايريك لبعضيهما وكان لسان حالهما يتهم الاخر بالسرقة، فاستل الضابط سيفه واجثاهما على الركب وطلب المساعدة من عسكره فقيدوهما ورموهما في زنزانة صغيرة.

فبدأ غالب وايريك يتسائلون ويسالون بعضهما عن ما يحدث معهما فعرف كل منهما ان الاخر بريء من هذه التهمة بعدما مر بهما نيكولاس فقال من النافذة (انما قد باعكما فيلانوس بعدما اعطي المال من قائد العسكر لتوريطكما في السرقة فسيخيرونكما بين القتل والذهاب للحرب فاختاروا الثانية ...).

صدم غالب وايريك من دنائة فيلانوس الذي كان يتعامل معهما باحسن معاملة ولكنه تخلى عنهما من اجل القليل من المال وطمع في ان لا يدفع اليها اجرتهما مقابل عملهما معه.

ثم اتى احد الضباط وكانو المساجين من غالب وايريك وغيرهما مجتمعين ومصطفين فبدأ القائد يختار من المساجين فاختار ايريك وغالب، فتم تخيرهم بين الحرب او المحاكمة فاختارو الحرب مجبرين وقد ضاقت انفاس غالب كلما ايقن بالعودة والنجاة حتى اصطدم بتيار من الاقدار يرميه الى المجهول.

فبدأوا يحملون السفن الحربية ويتوافد العسكر فيها فسمع احد الجنود وهو ينادي بالرحيل وهو يقول (سنقاتل في سبيل روما تحت قيادة البريتور فيسبانيوس اغريبينا...) حينما سمع هذا الاسم غالب تراعد فنظر الرايات واذ هي رايات فيسبانيوس اغريبينا والد فيسبانيا حبيبته الرومية فطأطأ برأسه وتعقدت حبال نجاته وايقن بالهلاك والضياع .

واستمرت السفن تقطع البحار لملاقاة اسوأ الاقدار والامواج في تلاطم مستمر والمطر من فوقهم منهمر وغالب يائس حائر يتفكر كيف تقلبه المصائر.

noor elhuda likes this.

Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 30-10-21, 08:54 PM   #32

نهى حمزه
 
الصورة الرمزية نهى حمزه

? العضوٌ??? » 422378
?  التسِجيلٌ » Apr 2018
? مشَارَ?اتْي » 262
?  نُقآطِيْ » نهى حمزه is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... . موفق بإذن الله .. فصل جميل وسرد رائع شكرا
.


نهى حمزه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 31-10-21, 12:10 AM   #33

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نهى حمزه مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... . موفق بإذن الله .. فصل جميل وسرد رائع شكرا
.
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

اشكر مروركم الكريم

والتوفيق لي ولك ولجميع المسلمين اللهم امين


Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-11-21, 03:21 PM   #34

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثاني عشر – (صراع الملوك)

قبل ان يبحر غالب وايريك في مركب فيسبانيوس غازيا مصر تحت لواء اوكتيفيان اغسطس، وحينما كانوا بالسجن، كان غالب يقلب طرفه الى نافذة في اعلى الزنزانة يقف من خلفها عصفور صغير يحلق بعيدا ويعود، فود غالب لو كان عصفورا صغيرا يحلق بالاجواء بحرية، والحرية هي ما يتوق لها غالب وهي ما ملئته صبرا وجلدا على ما مضى.

فبعد حين فتحت الزنزانة واتى الضباط والجنود واصطفوا امام المتهمين الذين كان غالب وايريك من ضمنهم، فقرأوا عليهم بيان الحملة العسكرية واعطوهم الفرصة للنجاة او المحاكمة، فلم تكن المحاكمات في روما القديم تتمتع بشفافية وانصاف تام لا سيما ان كان المتهمين من العبيد او المحررين او الفقراء، فتذكروا كلام نيكولاس الدمشقي حينما قال لهم اختاروا العسكرية واختاروها فعلا.

ثم اخذوا المتطوعين للحملة العسكرية فحلقوا لحاهم وشذبوا شعور رؤوسهم وهي عادة الجنود الرومان حلق اللحى وتشذيب الرؤوس، واخذوهم الى سرداب به متاع الجند واصطفوا في طابور طويل كل جندي يرون ما يناسبه من عتاد فيعطونه حسب حجمه ووزنه، فكانت هناك الرماح الطويلة، والهراوات، والسيوف، والخناجر، وغيرها من مختلف الاسلحة والدروع المستطيلة والمستديرة.

فحينما وصل غالب الى نهاية الطابور وكان دوره اعطوه صدرية من الحديد ببطانة جلدية، ورمح طويل، وثلاثة رماح اقصر منه وتسمى بالجافلين لكي يرميها على الاعداء بدبوس طويل يلتوي ان اصاب هدفه، وكذلك اعطوا ايريك مثله.

اصطف الجند والمتطوعين في خارج المدينة عند الميناء وكانوا ينتظرون ان يحملوا على الافلاك افواجا فطال بقاءهم هناك، فكان الهدوء سيد الموقف لا ترى احد يتحدث لان الضباط قد منعوا الكلام على الجنود والمتطوعين، ولكن المرزتقة كانوا احرارا لا يمتثلون لاوامر الضباط فكانوا يمرحون ويلعبون بعيدا عن المتطوعين والجنود، وفي وسط هذا الهدوء التام اخترقه صوت عقاب من اعلى شجرة، فرفع غالب نظره فرأى عقابا اسودا بحجم الكبش ومخالبه بحجم كف الرجل، وحينما دقق على مخالبة رأى ذلك العصفور الذي كان يحلق ويعود عند نافذة السجن، فابتسم غالب وقال لايريك (اما اني حسدت ذلك العصفور، او نحسته بان ربطت مصيره بمنى مصيري...).

فبدأت الطبول تقرع وبدأت الافواج تطلع، وركب الجنود الافلاك وايقنوا بالهلاك، ولا تسمع لهم حديثا الا قلقلة الدروع وزحفا حثيثا، وغالب يسير بانتظام كانه اسد ضرغام، وجلس حيث اخبروه ومسك المجداف كما امروه، والضابط عن هذه السفينة واقفا وسوطه بيمينه، ينتظر من القائد اشارة لجلد ظهر من تاخر عن قراره، فدفع الجنود القوارب عن الميناء والمطر ينهمر عليهم من السماء، وصاح قائد الافواج ليغلب صوته صوت الاماوج، قائلا (سنقاتل اليوم في سبيل روما تحت قيادة البريتور فيسبانيوس اغريبينا...).

فتعالت في الجنود صيحاتهم يهتفون باسماء اسيادهم، وحينما سمع غالب ذلك الاسم عبس وجهه كمن تجرع السم، ورفع رأسه ورأى تلك الرايات مرفوعة رايات فيسبانيوس الى الامام بالهواء مدفوعة.

واستمرت السفن تجري في البحار وايريك وغالب كل منهم في مكانه يجدفان، واستمروا على ذلك الحال حينا من الزمن وكانت الطبول تقرع باستمرار والاغاني تنشد على الدوام لتحميس الجنود ورفع الهمم فيهم.

وفجأة توقف قرع الطبول وامر الضباط الجنود بالتوقف عن التجديف وانزلت السواري وطويت الاشرعة، واستلم قائد السفينة الدفة يوجهها لتجمع السفن حيث تم التخطيط عليه من قبل فكان جمع هائل من السفن ومدت بينهم جسور الخشب وذهب القادة الى اكبر سفينة فيهم حيث اوكتيفيان اغسطس وذهب اليه ايضا فيسبانيوس كان في سفينة لا تقل عن سفينة اوكتيفيان ضخامة، واجتمعوا الى اخر الليل ولما عادوا الضباط من ذلك الاجتماع وقد انهوا وضع الخطط العسكرية.

عاد الضابط المسؤول عن سفينة ايريك وغالب وقال لهم (يا رجال ستجدفون الليل بتروي وبخفة خفيفة وما ان يطلع الصبح مع رفع الرايات الحمراء من سفينة اوكتيفيان سنرفع السواري ونمد الاشرعة فننطلق الى سفن العدو لنصطدمها بجانبها واجعلوا دروعكم مرفوعة لتجنب تراشق الاسهم ...) فبدأ يمشي بين الجنود وقال لغالب (انت قم .. وانتقل الى تلك السفينة ...) واشار بيده الى سفينة اكبر من سفينتهم وبوسطها قد نصب منجنيق عملاق، فقام غالب ونظر الى ايريك ولسان حاله يقول (ارجوك لا تمت يا صديقي الملتقى اليابسة...).

فبدأ يتنقل غالب بين السفن الى ان وصل الى السفينة المنصوص عليها من قبل ضابطه فوجدها واذ هي سفينة فيسبانيوس ورأى فيسبانيوس قد لبس عدة الحرب وكان الليل دامس بالكاد ترى الناس باضاءة خافته من القناديل المعلقة، وبدأوا الجنود بالتجديف الخفيف الى ان اصبح الصباح وكان فيسبانيوس يمشي بين الجنود يحفزهم ويتحدث اليهم فمر بجوار غالب وربت على كتفه وقال له ( ما اسمك ايها الجندي ...) فلما التفت غالب اليه وقد علت على وجهه الدهشة فوجد فيسبانيوس ينظر اليه كمن لا يعرفه من قبل فادرك ان السبب هو حلق اللحى وتشذيب الرأس فلم يتعرف عليه فيسبانيوس فاستقر غالب وقال له (اسمي نيكولاس...) فقال فيسبانيوس بتبسم (اسم روماني بوجه قرطاجي ..اممم...انها عظمة روما ...قل لي ما سبب التحاقك بالحملة العسكرية...) غالب (يا سيدي قد سمعت ان هناك خطر في مصر يهدد كيان روما فاردت وأد هذا الخطر قبل ان يمتد الى شواطئنا ...) فيسبانيوس باعجاب (انك فصيح اللسان عجيب ان يكون من هو بفصاحتك جندي متواضع يحمل صخور المنجنيق...) غالب (انه لشرف ان اخدم روما حيثما تحتاج خدمتي ...) فبدأ فيسبانيوس يقلب نظره في وجه غالب وقال له (الم نلتق من قبل؟... ان وجهك مألوف لدي كأني رايتك من قبل؟؟....) غالب (يا سيدي انها عظمة روما قد يجمعنا الزمان في مكان فيلقينا بمكان وزمان مختلفين ونحن في جميع الازمنة من اجل روما متحدين...) فيسبانيوس (احسنت وانني سعيد لوجودك مثلك في سفينتي ...)، ثم تركه فيسبانيوس ومضى لجندي اخر وهكذا امضى الليل.

وما ان اصبح الصباح حتى تراءت الفرقتين لبعضهما البعض نفنخت الابواق ودقت الطبول وصاحت الجنود، فكان تخطيط اوكتيفيان اغسطس يعتمد على صغر السفن التي يملكها مقارنة بالسفن المصرية الكبيرة فقرر ان يعمل قوسا من السفن كي يحاصر سفن انتوني وكليوباترا داخل الجون المصري، وبالفعل قام بعمل هذه الخطة وتراشق الطرفين بالاسهم فكان عدد الرماة الرومان اكثر من الرماة المصريين وكان عدد المشاة المصريين اكثر من المشاة الرومانيين ولكن المعركة كانت تعتمد على الرماية بالمنجنيق والاسهم ولم تصل الى اليابسة لتفرض المشاة سيطرتها على المعركة.

وكان غالب يضع الصخور على المنجنيق والمسؤول عنها يحدد الارتفاع والاتجاه فيعطيه الى غالب فينفذ غالب الامر، واما ايريك فانه بسفينته التي تعتمد على الصدم المباشر لوجود قطعة خشبية مربعة الرأس كبيرة وثقيلة ما ان تضرب سفينة بجانبها حتى تخرقها، فكانوا يمرون بين السفن المصرية الكبيرة يخرقونها وفي احد السفن نشبت سفينة ايريك باحد السفن فلم يتمكن الرجال من تخليص سفينتهم منهم فقفز اليها الجنود المصرين وصارت المعركة برية فوق ظهر السفينتين وكان عدد الجنود المصريين اكثر من الرومانيين فكانت بالقرب منهم سفينة صغيرة وبها المرتزقة التابعة لروما هرعت لنجدت سفينة ايريك، وكان ايريك يضرب برمحه الطويل الذي لم يكون له خير عون في معركة على ظهر سفينة ضيقة حيث المراوغة به اصعب من السيف، فبدأ ينزف ايريك من جراحه وهو يقاوم بضرب وطعن مع الجنود المصريين الذين بدأ عددهم يزيد بتضائل عدد الرومانيين فحوصر ايريك بثلاثة من المصرين وهو في وسط هذا المأزق واذ بصراخ يأتي من خلف المصريين وهو يرى جنود المصريين تتطاير لاعلى، ما ان يأتيه رجل حتى صرعه فتخلف احد الثلاثة المحاصرين لايريك وذهب لذلك الصنديد المجهول الذي وايريك يدافع الاثنين بدرعه وقد ترك رمحه لقلة حيلته به، وما لبث الا قليلا واذ بذلك الصنديد يهب وسط ايريك والمصريين الاثنين فضرب الاول ففلق جذعه واما الثاني رفع درعه في وجه ضربة ذلك الصنديد فشق درعه ويديه ثم طعنه في قلبه فالقاه في البحر ولما التفت ذلك الصنديد الى ايريك فوجئ ايريك اذ به اوثو، فقال اوثو لايريك (مرحبا بك يا صديقي ما كنت ادري انك بهذه السفينة ولا ادري ان كنت ادري ان كنت سأهب اليها او لا...) ومد يده الى ايريك واعطاه سيفا وقال (هيا دافعهم معي...) وبدأ الاثنين ومعهم قلة من المرزتقة والرومان بقتال المصريين ونشب الحريق في سفينة ايريك وسفينة المصريين فقال اوثو لايريك (هيا هب الى سفينتنا قبل ان تصلها النيران ...) فقفز ايريك واوثو وقلة من الرومان والمرزتقة الى سفينة اوثو وابتعدوا فيها عن تلك النيران.

وما لبثت المعركة الا قليلا فبدأت القوات المصرية تنهار وتتراجع الى اليابسة وبعضها فر باتجاه الساحل حلفاءه، فغنم الرومان من هذه المعركة وهي معركة اكتوم البحرية غنائم كثيرة، ولما صعد فيسبانيوس ومعه غالب الى احدى هذه السفن وجد جنود ضعاف هزائل قد انهكهم المرض ووجد بعضهم ميتا على السفن من غير جروح، فلما سألوا احد الجنود المصريين قال (لقد انتشرت بيننا الاوبئة ومات الرجال منها قبل المعركة ومن بقي منهم فانه في عداد الاموات...) هنا ادرك غالب سبب هذا النصر السريع.

فواصلت الجيوش الى اليابسة ونزل الجنود ونصبوا الخيام ليرتاحو فيها، واما غالب فانه ذهب يسال عن سفينة ايريك وكانت موسومة من الخلف بشعار العقرب بينما كان يسال قال له احد الجنود انه رأها تحترق في البحر بعد ان اصطدمت بسفينة مصرية، فصعق غالب من الخبر وذهب الى البحر الى ان وصل الماء الى منتصف ساقه ثم بكى صاحبه وهمت عيناه وانتحب، فسقط على ركبتيه في الماء وهو ينظر الافق وقد اعتصر قلبه لفراق ايريك.

واما ايريك فانه نزل الى اليابسة من جهة اخرى فكانت فلول مارك انتوني تحاول الهرب فتبعها المرتزقة مع بقية الرومان وحاصروا مارك انتوني في احد الحصون، وما لبثوا الا قليلا واذ بالجنود المصريين البطالمة يرفعون الرايات البيضاء مستسلمين، ولما دخل الرومان الى ذلك الحصن وجدوا مارك انتوني قد انهى حياته بنفسه فلقد انتحر، وبعد حين اتى اوكتيفيان اغسطس ونظر الى جثة مارك انتوني وهي ممددة فسحب بردية بيضاء فالقاها فوقه وقال لجنوده (هذا مصير اعداء روما نقتلهم فنواري جثامينهم وخذوا هذا الخبر الى كل الديار المصرية والى روما انقلوا الاخبار وليعلم مجلس السناتو الروماني ومن شكك ان اليقين يأتيهم اليوم بهلاك المتمرد مارك انتوني ...).

فاخذوا الرسل الرسائل وانطلقوا بها الى مقاصدهم، واما ايريك فانه قلق على غالب ولا يدري ان كان بخير او لا فسأل احد جنود الرومان عن سفينة فيسبانيوس ان كان قد جرى لها امر ما فاخبره الضابط ان السفينة قد رست بسلام على اليابسة هي وكل افراد طاقمها بخير، ففرح ايريك لهذا الخبر.

وحينما وصلت الاخبار عن هلاك مارك انتوني الى الاسكندرية حتى خفق قلب كليوباترا لهذه الاخبار التي ملئت الاجواء كتمة على انفاسها الثقيلة وبدأت تبكي وترثي حبيبها مارك انتوني وحولها الوصيفات يهدئنها، فالتفت الى احد العجائز من الخدم وهي كانت تخدم منذ ايام ابياه فعرفت احوال الملوك وطباعهم فقالت كليوباترا لتلك العجوز ودموع العين منها سواكب (يا ديجا قولي لي ماذا اصنع وقد مات الحبيب وضاع النصيب ان العين مني تبكيه والقلب بشوق اليه يرثيه ... اصدقيني القول يا ديجا ماذا تفعل مثل في مثل هذا العالم الجشع؟؟... قد كنت لا اريد سوى الخير لبلدي واضمن لهم مستقبلا وانزل بهم سلام لا يخالطه شقاق ... والان اين المفر والاعداء وطئوا ارض مصر اااه يا مارك ... لقد استعمل معهم الحذر ولكنه لم ينجه من سوء القدر ... ما العمل يا ديجا وانتي من انتي وقد عشتي فيها ما عشتي...) ديجا (يا مولاتي ان البكاء كئيب ويجلب المصير المعيب فان اوكتيفيان عظيم الروم لم يرد بنصره اليوم الا ان تقادي معه بالاغلال الى دياره وانتي سيدة الكمال والجمال ولا ينبغي ان يروك على غير ذلك الحال فانهم سيجردونك من الثياب عارية وستربط اطرافك بكل سارية فتنهال سياط عليك سياد العبيد بحبال جلد غليظ واطراف من حديد وسيشقون لك جبينك ووجنتيكِ وسيفقئون لك بالمقاليع عينيكِ وسيفرح بما يرون الناس ولن تري في اعينهم اناس وانتي اليوم ملكة مصر وقد حكم ابائك من قبلك عصر فان شئتي خلصت من عذابك واتعجل عن الدنيا غيابك...) كليوباترا وهي تكفكف العبرات بيدها(وكيف ذلك ..) ديجا (بالسم يا مولاتي ...) كليوباترا تفكرت قليلا ثم نظرت الى سلة فيه افعى ومدت يدها اليها لتأخذها فامسكت ديجا يد كليوباترا وقالت لها (يا سيدتي ان سم الافعى مرير وستعانين منه وقت طويلا قبل ان يحل اجلك وسيشوه منظرك ويعيب جمالك واني اكفيك الاثنين بشيء قد حضرته من وقت طويل تحسبا لمثل هذا اليوم...) كليوباترا باستسلام شديد (وما هو...) فمدت يدها العجوز الى جيبها فاخرجت قنينة صغيرة وفيها قليل من السائل الشفاف المائل الى الصفرة وقالت لها (خذي هذا واشربيه دفعة واحدة فانك لن تستطيعي ان تنهين هذه القنينة حتى تصبحين في العالم الاخر ..) فنظرت اليها كليوباترا كمن نظر الى مخرج في اوج ازمته فسحبته منها وفتحت القنينة ففاحت رائحة كريهة غطت المكان فقالت لديجا (اخبري اوكتيفيان الغازي ان لي طلب اخير عنده ان يدفنني انا ومارك انتوني معا في قبر واحد ...) فشربته وبالفعل قبل ان تنهي القنينة تشنجت اطرافه فركلت برجلها الارض وتقلبت يمنة ويسرة فانقلبت على وجهها تشهق حتى استقرت واسقرت جوارحها وخفى نفسها وخرجت روحها.

في ذلك الحين وصل اوكتيفيان الى فيسبانيوس فهنأه بالنصر واذ بخروج خدم قصر كليوباترا ومعهم المشاعل والمحارق ينعون ملكتهم فنزل اوكتيفيان وذهب اليها مسرعا فلما وجدها قد فارقت الحياة وهي ممددة في سريرها كانها نائمة وجمالها قد سحر عيناه واعين من رأى فغضب اوكتيفيان لانه كان يريد ان يصطحبها معه الى روما كعربون نصر وظفر، فاتت العجوز ديجا في مقدمة خدم كليوباترا وقالت (يا سيدي ان نصرك معظم وامرك في الارجاء يعمم فلا تحقد على من غادر الحياة واعطف على من تعلق باطواق النجاة وان للملكة كليوباترا طلب اخير بعدما ايقنت بالهلاك وسوء المصير ان تدفن هي ومحبوبها مارك انتوني في قبر واحد ...) فنظر اوكتيفيان الى كليوباترا وسحر جمالها فقال (ان في هذا الجمال طغيان يجبر، لله در جمالها حي وميتا .. لها وما تريد ...) ثم مضى اوكتيفيان ينضم اموره مع قادته.

واما غالب فان فيسبانيوس لما رأى منه فصاحة في اللسان واقدام وشجاعة في الميدان فانه عزله عن بقية الجند وجعله في حرسه الخاص وخدمته، واما ايريك فانه ذهب يتفقد غالب بين الجنود يسال عنه كل من وجده ويسال عن طاقم سفينة فيسبانيوس فوجد احد رجال طاقم فيسبانيوس فلما اخبره عن غالب ووصفه له اخبره بانه ذهب الى داخل الاسوار مع فيسبانيوس.

حيث كانت اسوار القصر الملكي في الاسكندرية محصور دخوله على الضباط اصحاب الرتب الرفيعة وبعض الجنود ممن انتدب للعمل بداخله بمختلف انواع العمل، ولقد استأنس فيسبانيوس بحديثه مع غالب فانتدبه ليعمل داخل الاسوار ويكون قريب منه يتحدث معه ويستمتع بفصاحة لسان غالب، ولكن غالب كره هذا الامر خشية ان يكتشف امره عند فيسبانيوس فتقوم عليه القيامة ويذقه فيسبانيوس كأس الحمام، وهو ما يزال متاثرا لفقد ايريك ظنا منه انه قد مات في حريق السفينة.

فكان يحاول ايريك دخول ذلك القصر واسواره ولكن تعذر عليه ذلك لتدني رتبته بين الجند ولم ينتدب كما انتدب غيره، ومرت الايام على ذلك الحال وكلما دخل احد الاسوار طلب منه ايريك ان يبحث له عن غالب ويخبره عن امره ولكن الجنود والضباط كانوا يوافقون مطالبه جدلا ولا ينفذونها له يتجاهلونها بعدما يدخلون تلك الاسوار، ورغم ان الحرب قد حطت اوزارها الا ان هناك من الناس يكنون الولاء لكليوباترا ومارك انتوني قد انسحبوا للجبال والقفار فكانوا يشنون الحروب المفاجئة على القوافل الرومانية التي تتنقل في البلاد وبقلة من العتاد استطاعوا ان يكبدوا بعض الخسائر المحدودة للرومان ذلك ما ازعج اوكتيفيان اوكل المهمة الى فيسبانيوس ان يرى في امر اولاءك المتمردين.

فكانت عادت فيسبانيوس في تلك الايام ان يجلس وحده فيشرب حتى الثماله فيتذكر ابنته ويبكي وكان غالب يسمع نحيبه ورثاءه في فيسبانيا فيبكي معه وينشج اي يبكي من غير صوت لذكره محبوبته، فاعاد له الاشجان والاوقات الحسان، فكان فيسبانيوس في شدة ثمالته يرى غالب يبكي معه فيتعجب من غالب فيغلبه النوم فينام من شدة الثمالة وحينما يصحى يسال غالب ويقول له (يا نيكولاس هل كنت تبكي انت ايضا معي البارحة ؟...) غالب بارتباك (المعذرة يا سيدي ولكني لا ادري على ماذا تبكي فابك معك وان كانت دموعي لاحزانك فداء انما لعلك اكثرت من الشرب من فرط وجدك ظننت اني ابكي كما تبكي انت ...) وفي كل ليلة يحدث ذلك مع غالب وفيسبانيوس فكان غالب في بداية الامر يبتعد قدر المستطاع عن فيسبانيوس ولكنه في اخر الليل يحن لفيسبانيوس لينادمه الدموع على فيسبانيا فكانا يبكيان معا وفيسبانيوس يتعجب من بكاء غالب الشديد وهو ثمل فكان يظن انه يرى غالب يبكي من شدة حزنه على ابنته وهو ثمل واستمروا على هذا الحال.

وفي يوم من الايام دخل احد المراسيل ومعه برقية الى فيسبانيوس تفيد بتحديد موقع للمتمردين قريب بين تلال شرق الاسكندرية، فنهض فيسبانيوس وامر بتهجيز ركب لوضع حد لتلك السيطرة الخارجة عن النظام الروماني وانتدب معه غالب، فلقد كان ايريك في الخارج في كل يوم ياتي بقرب بوابة القصر املا ان يلاقي رفيق دربه غالب واذ بالبوابات تخرج والابواق تنفخ وخرج ركب عظيم في مقدمته فيسبانيوس وخلفه الضباط راكبين وبعدهم الجنود راجلين فكان ايريك ينظر الى ذلك الركب وعينياه تبحث في وجوه الرجال بحثا عن رفيقه، وكان ايريك مع الراجلين حاملا درعا وفي نطاقه سيف وبيمينه رمح نافذ.

بينما كان غالب يمشي واذ بعينيه تسقط على وجه رجلا ينظرا متأملا هذا الركب باحثا وعيناه شاخصتان واذ به ايريك فتوقف غالب فاصطدم به من كان يسير خلفه فخرج عن التنظيم وهو ينظر الى ايريك فسقط درعه ورمحه وايريك لم يلحظه لانه منهمك في البحث بين الرجال فتقدم اليه غالب حينها انتبه ايريك له فتلاقت العينان فصاح غالب على ايريك وصاح الاخر فركضا باتجاه بعضهما البعض فتعانقا عناقا تعجب منه الرجال وبكى غالب بحرقة لما رأى ايريك وضمه ضمة كادت تقطع انفاسه وهو يردد (ظننتك مت بحريق السفينة ...) فسقط الاثنين على ربكتيهما ووضع غالب كفيه على عارضي ايريك وقبل جبينه وضم رأسه على صدره، بينما كان ذلك يحدث انتبه فيسبانيوس لما يحصل خلفهم فتوقف ينظر بتعجب.

فذهب غالب الى فيسبانيوس واخبره ان هذا اخوه وانه تاه منه في الحرب وانه ظنه من المفقودين وقد وجده حيا واعتذر لفرط تعبيره بالفرح، فقبل فيسبانيوس ذلك من غالب ثم صاح بالجند بان يتجهزوا للذهاب الى شرق الاسكندرية وطلب من الضباط انتداب مجموعة كافية لقمع المتمردين فتطوع ايريك للذهاب في ركب غالب، وكان اوثو جالسا مع مرزتقته يشاهد المشهد وهو يضحك ويقول (لقد ضعف قلبك يا ايريك ...)

ثم سار الركب الى موقع المتمردين فدار بينهم قتال شديد وعنيف فكان غالب وايريك متعاضدين فيها يدفع كل منهما العدو عن الاخر فاستطاع غالب ان يشق صفوف المتمردين بشجاعة واقدام اذهل كل الرومان المتمردين حتى القى نفسه في كوة من الصخور وبداخلها جمع من المتمردين فظنوا انه هلك وممن ظن بهلاكه رفيقه ايريك فكانوا لا يرون غالب ومن بالكوة معه لا يصلهم الا اصوات قلقلة السيوف وصيحات الرجال واذ بقليل غالب خارج من الكوة وقد سحب معه رأس كبير المتمردين ورفعه برمحه وصاح، فلما رأى المتمردين ذلك خافوا وفروا هربا وقالوا ان هذا شيطان فاصبح لقبا لغالب في هذه المعركة معركة التلال فاسموه شيطان التلال، فواصل فيسبانيوس خلف المتمردين يقاتلهم في كل مكان ومعه غالب وايريك فبدأت سمعة غالب تنتشر بين المتمردين بشيطان التلال ما ان يسمعوا بقربه حتى ينفضوا ويتفرقوا عن وجهته مخافة ان يواجهونه، فسر به فيسبانيوس سرورا عظيما، وفي احد معاركهم بعد انتهائها وكان غالب يمسح نقع الحرب منه تقدم فيسبانيوس منه وقال له (واصل ما تقوم به وسترتقي بالمناصب قد تصبح ضابطا او نقيبا في الجيش الروماني فتحصل على حق المواطنة وهو اول طرق النبلاء ومن يدري قد تصبح منهم ...) فابتسم ومضى، فوقف غالب ووضع يديه على خاصرته ولسان حاله يقول (لو كنت تدري من انا ... او لو كنت ادري ان هذا درب النبلاء لمشيت فيه منذ حين ولما حصل لنا البلاء ولا ذقنا منه العناء ...).

فعاد الركب الى الاسكندرية بعدما طرد المتمردين من حدودها وزرع الخوف في قلوبهم خصوصا بغالب شيطان التلال فعلى صيت غالب بين الجنود والضباط وبدأ الكل يتقرب منه لما رأوا بسالته وجلده في القتال وفي طريق عودتهم توقف فيسبانيوس وطلب خيلا فاحضروا له خيل وذهب الى غالب وقال له (اركب يا نيكولاس لا ينبغي ان يدخل بطل الاسكندرية الجديد راجلا في ركبي ...) فركب غالب وخلع عليه فيسبانيوس رداء احمرا وجرعا منقوشا بفن خالص ورقاه الى رتبة ضابط، فالتفت غالب الى ايريك وكان ايريك ينظر اليه وهو يبتسم فخورا به.

وفي فترة قصيرة استطاع غالب ان يجد لنفسه موطأ قدما بين فيالق الرومان المترامية في كل الارجاء حتى ان انتصار فيسبانيوس على المتمردين لم تخلوا التقارير من اسم نيكولاس فيه التي تصل الى اوكتيفيان في روما.

فكان غالب وايريك عندما يجتمعون يتحدثون عن هدفهم وانهم عازمين العقد على الوصول الى بلاد العرب فكان غالب يجمع ما ياخذ من حملاته العسكرية ومن مرتبة في رتبة الضباط وانتدب ايريك للعمل تحت قيادته وكان غالب منح رتبة السينتيريون وهو قائد ثمانين جندي مقسمين على عشرة اجزاء كل جزء مكون من ثمان جنود وقائدهم يدعى الكونتورنيوم وجعل ايريك كونترونيوم تحت قيادته.

ولكن فيسبانيوس كما كان معجب بفصاحة لسان غالب فكان كثير الجلوس معه وينادمه الشراب وفي الثمالة يبكي ويبكي غالب معه كعادتهم، ولما احس غالب بالاشواق وحشرجته الاشجان مشى في البستان ووجد زهور الفل واللوتس قطفها وهو يتذكر فيسبانيا والمراعي الخصراء والشجرة التي كانا يستظلان بها في مراعي بيت ماركوس كلوديانوس فبدأ بقطف الازهار وعمل بها سوار للمعصم بحجم معصم فيسبانيا الضئيل.

فلما امسى المساء ذهب غالب الى فيسبانيوس لينادمه الشراب وبعد ان عمل الشراب بفيسبانيوس بدأ يذكر ابنته فيسبانيا ويبكيها ويرثيها فانتظر غالب حتى يتمكن الشراب من فيسبانيوس فيبكي محبوبته فيسبانيا وما ان ثمل فيسبانيوس حتى اطلق غالب العبرات وبكا وانتحب مع فيسبانيوس كما يفعل في كل ليلة فقام فيسبانيوس وهو يبكي يتمايل من الشراب ووصل الى غالب وهو ينظر اليه وهو يبكي وقال له (انك تبكي يا نيكولاس واني ارى بوجهك المآقي ...) غالب وهو يتمالك غصاته لكيلا تتغير نبراته (يا سيدي لعلك اكثرت من الشراب ...) فكشف فيسبانيوس عن كأسه واذ به مملوء على اخره لم يشرب منه شيئا وقال (اني لم اشرب الليلة لاني اراك في كل يوم تبكي معي بحرقة على من ابكيها وانت تعول بصيرتي على كثرة سكرتي فلم اشرب منه شيئا لأتيقن من بصيرتي وها انا قد تيقنت الخبر اليقين ان بكاءك لبكاء طفل فقد امه او رجل فقد ابنه او حبيب فقد حبيبته ..) فقاطعه غالب يريد الكلام فرفع يده فيسبانيوس لكيلا يقاطعه وكان ممسك بيده معصم الورد الذي عمله غالب من زهر الفل واللوتس واكمل فيسبانيوس قائلا (الم اقل لك اني قد رأيتك من قبل فلقد رأيتك واللحية قد اخفت ملامح وجهك فانكرته بدونها واليوم وقد نمى الشعر في عارضيك فقد الفتك وهذا المعصم اني رأيته مع ابنتي وبنفس الطريقة والحرفة المعمول بها على معصمها يوم وفاتها وان اسمك ليس نيكولاس بل انت فاروس عبد ماركوس ... يالغبائي انكرتك فاكثرتك .. وانت سبب مقتل ابنتي ووصمة عاري .. يا عبد السوء وانا من احسن اليك وخلع عليك .. لاصلبنك غدا واخرجن احشائك فاحشوا بطنك التبن واجهلك مصلوبا في شم الجبال تذري جيفتك الرياح...) وبينما كان فيسبانيوس يتحدث صدم غالب حينما رأى المعصم المصنوع من الزهور ودهش من حديث فيسبانيوس المقهور، فلم يتمالك نفسه غالب وعرف ان حلقة الهلاك قد اطاقت به من جديد فلكم فيسبانيوس في وجهه لكمة اسقطته مغشيا وحمل فيسبانيوس ووضعه على كرسيه، ومضى مسرعا الى الخارج وعبر الاسوار وذهب حيث ايريك لكزه برجله ان يستيقظ وسحبه الى خارج الخيمة واخبره بما حصل مع فيسبانيوس فضاع صدر ايريك بعدما اقتربا من المبلغ الذي يصلهم الى مقصدهم.

فمشى غالب وايريك بهدوء كي لا يثيروا الريبة من الجنود وما ان وصلوا الى اطراف المعسكر الروماني وقد اخذو فرسين يجرون عنانهم وهم راجلين بهدوء واذ بصيحة احد الجنود القادم من القصر ويقول (امسكوهم لا تدعوهم يهربون امسكو نيكولاس شيطان التلال ...) فهرع من سمعه من الجنود الى الخيول ولحقوهم فركب ايريك وغالب على الفرسين اللتين معهما وانطلقا باتجاه القفار وخلفهم مجموعة من الجنود الرومان وسيتبعهم من بعدهم جمع اكبر.

وهم في المطاردة واذ بالاسهم يسمع ازيزها كل من غالب وايريك تمر تلك الاسهم بمحاذاة رؤوسهم فكان الجنود يرشقونهم بالسهام، وهم كذلك واذ بسهم قد اصاب ظهر ايريك فسقط عن فرسه فسحب غالب فرسه باتجاه ايريك فاراد الوقوف متكئا بالارض على يده اليمنى حيث السهم اصاب كتفه الايمن فآلمه ذلك فسقط على وجهه واراد النهوض باليسرى مستعسرا واذ بجنود الرومان طوقوهم ولم يكن مع غالب سوى سيفه في نطاقه فسحب سيفه وتقدم نحو احد الجنود على خيله ومعه رمحه فراد طعن غالب ولكن غالب تفادى الطعنة وسحب الرمح من ذلك الجندي فسقط الجندي عن جواده فركله غالب واخبرهم ان ينصرفوا والا سيقتلهم ولكن الجنود لا يأبهوا بتهديد غالب فهجموا عليه ودار قتال بينهم شديد وغالب بدون درعه يتفادى طعناتهم ويقاتلهم بشراسة وايريك ساقط بين رجليه ويحميه غالب فيرشقونه تارة بسهم وتارة يطعنونه برمح ما بين كر وفر وقد نزفت جراح غالب وايريك فاصابة ايريك قيدت حركة غالب فقال ايريك لغالب (اذهب ودعني فهم لا يريدونني انج بنفسك ...) فقال غالب (لقد اتينا الى هذا المكان معا اما ان نحيا معا او نموت معا ...) بينما هم كذلك واذ بفارس قد اتى وصيحته تسبق صوت دبك خيله فانقض على الرومان وبدأ بهم بالطعان وقاتلهم اشد قتال كانه اسد رئبال يكر عن اليمين وينقض على الشمال فعمل بهم عمل عشرة من الرجال فارداهم قتلا، وحينما نظروه جيدا تحت ضوء القمر واذ به اوثو المرتزق اندهشوا حينما رأوه ومن فعله فقال ايريك (اوثو ماذا فعلت وما الذي دفعك لمثل هذا ...) اوثو (لا وقت لدينا للحديث ان الجنود قد استنفروا في طلبكم وهم على اثري قادمون ..هيا اركبوا فلنرحل من هاهنا بسرعة ...).

فركب الثلاثة واخذوا معهم خيول الجنود المقتولين وقطعوا الفيافي والقفار وتوغلوا في الجنوب باتجاه الغرب كلما تعب خيل استبدلوا باخر وواصلوا المسير دون توقف فزادت اوجاع ايريك فطلب منهم التوقف قليلا ليرتاح، فجلسوا على طرف تل واوقدوا لهم نار تدفئهم من برد الصحراء الجاف القارس الذي يشعرون ببرده في العظام لا في الاطراف، فتذكر غالب دياره وكيف ان هذا البرد رغم قسوته الا انه يشعر بالدفئ والحنين بداخله لان هذا البرد يذكره ببرد ديار العرب حيث الاهل والاحباب.

فالتفت ايريك الى اوثو وقال له (لمَ فعلت ذلك يا اوثو ؟...) اوثو (لا اعلم ولكني حينما رأيتك وغالب تتعانقان غبطتكما وودت لو ان لي خليل كما انتما الاثنان وحينما رأيتكما تغادران فصاح عليكم جنود الرومان اردت ان اصاحبكم فارى نهاية مقصدكم فلقد اكتفيت من الارتزاق واريد ان ارى الحياة بغير العين التي اراها الان ووجدت في علاقتكم ارشاد يدلني على شيء قد ينفعني...) تبسم ايريك وارجع رأسه للخلف فنام ليستريح.

اما غالب فجلس قبالة اوثو على النار لانه لم يطمئن منه الى الان وقال له (يا اوثو لا اعلم حقيقة مجيئك معنا لعلك صدقتنا القول او ان لك مآرب اخرى فاعذر سوء ظني بك فسوء الظن من سلامة الفطنة...)

فضحك اوثو وقال (لن القي عليك اللوم بان تثق بمرتزق اخر وهاهو ايريك قد كان يفعل ما افعل وقد وثقت به وبكيت لفراقه وللقائه ولعل الايام تبدي لك مني محاسن فتفعل معي ما فعلته مع ايريك واني اصدقك القول لو اردت بكما سوء ما كنا لنجلس مجلسنا هذا ونتحدث عن النوايا فاطمئن يا غالب فاني لكما اليوم صاحب...).

فاحسن الظن غالب باوثو ولكن مازال متحفظا معه لموقفه السابق حينما سلبهما امتعتهما في حدود روما، ولكنه في نفس الوقت مؤمن ان تحالفهم امر الزامي فكل منهما يحتاج الاخر في بلاد مصر لا سيما ان اوثو قد قتل جنود رومان وساعد في هروب مطلوب للعدالة باسم فيسبانيوس وان هذا العمل لوحده كفيل بصلب اوثو والتنكيل به، فان لم يحسن الظن باوثو احسن الظن بنتائج فعلته وهما حلفاء اليوم وبهذا اكتفى غالب بان يحسن الظن باوثو.



noor elhuda likes this.

Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-11-21, 04:50 PM   #35

نهى حمزه
 
الصورة الرمزية نهى حمزه

? العضوٌ??? » 422378
?  التسِجيلٌ » Apr 2018
? مشَارَ?اتْي » 262
?  نُقآطِيْ » نهى حمزه is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حلو جدا تسلم ايدك ففصل رائع لما تاخرتى عن تنزيل الفصول خفت تكونى مش هتكملى شكرا لانك كملتى وفعلا بستمتع جدا باللى بتكتبيه ربنا يوفقك

نهى حمزه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 08-11-21, 04:55 PM   #36

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ان شاء الله ماراح اوقف تنزيل الفصول لكن الفترة الاخيرة كنت مسافر وتوني راجع من السفر وكملت الفصل وانا اشكر مروركم الكريم

Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-11-21, 12:29 AM   #37

زهرورة
عضو ذهبي

? العضوٌ??? » 292265
?  التسِجيلٌ » Mar 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,283
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » زهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

السلام عليكم ..الرواية فعلا رائعة وممتعة ماقدرت اتركها الا وقرات كل الفصول ..رائعة وشيقة غالب والاحداث الي مر بيها المسكين من ولادته وموت امه واتربى يتيم مع اب ضرير وزواجه ونفيه عاش احداث كثيرة يخلص من مصيبة يدخل في غيرها ياترى لوين بيوصل هل بيوصل لبر الامان وليه ناوي يرجع لبلده وماله احد فيها .واتو هل حيكون الصديق الجديد لغالب ..بحب جدا القصص الي فيها احداث تاريخية من ثورة العبيد وحكم روما واخيرا هزيمة كليوباترا وانطونيو على يد اوكتافيو ..اتمنى لك التوفيق ومنظرة بشوق الاحداث الجاية .

زهرورة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-11-21, 12:45 AM   #38

تيلينجانا

? العضوٌ??? » 471660
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 43
?  نُقآطِيْ » تيلينجانا is on a distinguished road
افتراضي

جميلة جدا بارك الله فيك .ماهي نهاية رحلة غالب زعلنا على موت فسبانيا هي الوحيدة التي احبته بصدق واستحقته عكس خالصة وزوجته جليلة ..الاحداث الي مر بها البطل والتي ارتبطت يأحداث تاريخية حقيقة بصراحة ابداع .اتمنالك التوفيق

تيلينجانا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-11-21, 09:26 PM   #39

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي

اشكركم جميعا على مروركم الطيب والتشجيع الجميل الي حصلته من مثل هذه الردود وبإذن الله القادم اجمل واتمنى ان ينال الكل على اعجابكم

Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-11-21, 05:25 PM   #40

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الثالث عشر – (العودة)

بعدما مكثوا اولاءك الثلاثة اوثو وايريك وغالب على طرف تل من خلفه بحر من الصحراء مليء بالكثبان كالامواج العاتية ومن خلفه المجهول، وحينما استيقظوا قال لهم غالب (انتظروا ولابد ان نسري عند زوال الشمس فالليل افضل للمسافر في الصحراء من النهار...) اوثو (وكيف لنا ان نرى الى اين نقصد وماهي وجهتنا ...) غالب (اما المقصد نستدل به مع النجوم واما النهار فان شمسه حارقة ومرهقة وتجفف الابدان من ماءها وتصيب مسافرها بالهذيان فيرى السراب ويخاله غديرا فيتبعه ويضيع من وقت سفره في مطاردة السراب ومن بعد ذلك التيه يتصعد هذيانه بعقله فلا يعلم ان كان مقبلا لمقصده او مدبرا عنه ولن يكون بانتظاره سوى الموت المحتم .. وان نجى فانه لن ينجي من قطاع الطرق الذين يتبرصون بالمسافرين ونحن اغراب الدار ... فالليل استر لنا من اعينهم وابرد لنا من رمضاء النهار...).

حينها امتثل ايريك واوثو لكلام غالب ولا عجب لمثله معرفة تلك الاساليب وهو وليد بيئة كهذه البيئة، وما ان قلصت الشمس وقاربت الزوال، فاستعد الرجال ومضوا يقطعون الصحراء فوق كثبان الرمال الناعمة التي ما ان تضع الفرس ارجلها حتى تغوص الى ركبتها مما صعب عليهم المسير في هذه الارض على الخيول فنزل اوثو وغالب يمشيان ويجرون عنان افراسهم واما ايريك فقد كان فوق الحصان لشدة اصابته في مواجهة جند الرومان الذين تبعوهم، فواصل لثلاثة ايام وهم على هذا الحال ولم يقطعوا الكثير فكانو ان اشرقت الشمس استظلوا بربط ثيابهم على خيولهم وجلسوا تحتها وظللوا رؤوس الخيول ومع تلك الوقاية قد نفق لديهم حصان من شدة الحر والعطش، فنقص الماء سبب لهم مشقة عظيمة اذ اقتسموا شربات الماء وتشققت شفافههم وزادت اوجاع ايريك وهو على ظهر حصانه وفي ليلتهم الرابعة رأوا نار اضاءت من بعيد ففرحوا بما رأوا.

واما اوثو قال لصاحبيه (دعوني استطلع خبر اولاءك القوم فان قدرت ان اكسب منهم شيئا او استعطفهم فيعطونني ...) غالب وهو يضحك (لا دعني اذهب انا فاستعلم امرهم فلن تستعطف بوجهك المليء بالندوب انسا ولا جان ...)، فذهب غالب وبقي اوثو مع ايريك.

التفت اوثو الى ايريك بعدما رحل غالب وقال (ان صاحبك هذا لغريب امره كيف يصادق من اراد هلاكه بعد ان قدر عليه وان يفيه حق صداقته ؟... اما انه مجنون او انه يرى من الامور مالا نرى ...) ايريك (يا اوثو انه عربي وقد علمت من اخبارهم مالا يطيق عقلك استيعابه فقد يجير الرجل قاتل اباه ان استجار به وبنفس الوقت لا ينسى ثاره وان مضت اربعين سنة اقوام كانهم من عالم اخر وذلك الرجل رغم تغربه سنين عن موطنه الا انه ما يزال يحمل في صدره ذلك الرجل من ذلك العالم... فإياك يا اوثو ان تغدر به ...).

واما غالب حينما كان عن اصحابه غائب تبصر من خلف الكثيب في اصحاب النار فرأى ثلاثة رجل وقد علقوا صيدهم في اعواد صغيرة فوق النار وهم سود البشرة ولكن اكثر ما شد انتباهه شيئا لم يراها منذ سنين لدرجة انه نسي وجوده في هذا العالم، حيث رأى من خلفهم ثلاث نوق حمراء يضيئها بتدرج وهج نارهم، فبدأت الذكريات تعود له وبدأ يتذكر ملامح ابيه كانه يراها امامه عيانا بعدما انسته السنين ملامح اعز الناس له وتذكر ناقة ابيه العرجاء والبستان والغادية والخضراء ووادي العيون وكانه يرى قلوص القوم في المراعي ترعى وذكريات انسته اتراحه وعطشه وعناءه وتبسم ومن دون ان يدرك فقد وقف من خلف الكثيب االذي كان من اصحاب النار قريب وهو ينظر الى النوق فاظهر نفسه لهم ففزعوا لما رأوه وتلاصقوا ببعضهم واشهروا سيوفهم في وجهه وبدأوا يخاطبونه بلغة لا يعرفها، فمد غالب يديه للامام يسالهم التريث ويخاطبهم بلغة الرومان واحيانا العربية لعل منهم من يفقه اي ما يقوله باحد اللسانين، ولكن الرجال بعد محاولات غالب في التهدئة زادت حدتهم واقتربوا من يريدون احاطته ذهب اثنان الى جانبه وواحد في وجهه فلما رأى غالب ذلك سحب سيفه فلما رأوا ذلك انقضوا عليه فاشتبك معهم، ففي اشتباكهم معه ادرك قوتهم مقابل قوته فعرف انهم ليسوا جنود او مقاتلين انما خائفين مندفعين، فضربهم بصفحة السيف فلم يرد قتلهم ولكنه اوجعهم وابرحهم ضربا وحينما تساقطوا من شدة الضرب واستوعبوا ما يقوم به غالب وانه لا يريد بهم شرا والا لقتلهم ركنوا الى الهدوء قليلا.

ولما رآهم غالب في الارض فلم يقم احد ليقتتل معه ارجع سيفه في غمده وجلس بجوارهم ورسم على الرمل اربعة خيول ثم اشار الى نفسه ثم اشار الى النوق واشار الى اصبعين اي انه يريد اثنتين من النوق مقابل اربعة من الخيول، ثم اشار الى الماء والطعام وضم اصابعه الى بعضها يقصد ويريد من الطعام القليل، ففهم الرجال مطلبه، فقام رجل واشار الى ناقة واحدة لا ناقتين ففك غالب نطاقه الروماني وخلع درعه الجرماني واعطاهم للرجل واشار بيده ناقتين لا ناقة واحدة فتفحص الرجل الدرع والسيف والنطاق، فتبسم بوجه غالب وذهب الى النوق حل اثنتين منها وساله بالاشارة عن الخيول، فقال له غالب انتظر ساتيك بها الان.

فلما عاد غالب الى ايريك واوثو فزع له اوثو وقال له (ما الخبر كأنني سمعت قعقعة وخفت ان مصيبة اكادت بك فلم استطع ترك ايريك على هذه الحال ورجوت ان تكون بخير ...) غالب (انهم جمع من المتمردين ذهب اليهم واعطيتهم درعي واخبرتهم اني تركت الرومان واخبرتهم عن اماكن حراسات الرومان بالقرب من الاسكندرية فاعفوا عني وقد قايضت القائد بينهم بان اعطيه الخيول الاربعة مقابل ان يعطينا ناقتين...)، بالطبع كذب غالب على اوثو لانه خاف على الرجال الثلاثة ان علم بهم اوثو سيطمع بهم ويذهب ويقتلهم وينهب ما لديهم فكانت مروءة غالب اكبر من حاجاته.

فاخذ غالب الاحصنة وعاد بهم لذلك الرجل الذي كان ينتظره واعطاه غالب ما وعده واعطى الرجل غالب حاجته ثم سال غالب الرجل عن طريق البحر فضحك الرجل واشار انه في الغرب ولكنه بعيد جدا ثم ساله كيف يذهب فاشار له ان يكمل المسير قليلا الى الجنوب حيث توجد ميدنة على مقربة يوم ونصف، وعاد غالب فرحا بالنوق لانها هي من تصلح لمثل هذه الاسفار على مثل هذه الديار، وحينما ابصرها اوثو جزع منها كونه لاول مرة يراها في حياته واما ايريك فقد راها من قبل واسرع غالب لايريك بالطعام والشراب فاكلوا وشربوا واستعادوا قوتهم ونشاطهم.

ثم واصلوا مسيرهم باتجاه الجنوب وبالفعل بدت مراسم تلك الديار تتضح للمسافرين بعدما انقطع عنهم بحر الكثبان ووطئوا ارضا طرية طينية من واحات الماء التي احاطت تلك المدينة، ورأوا تلك البوابات العملاقة المنحوتة باشكال زخرفية جميلة وتماثيل على ارتفاعات شاهقة وحينما دخلوا تلك المدينة وهي مدينة سيوة وكانت ما زالت لم تخضع للحكم الروماني وما زال اسيادها يكنون الولاء للبطالمة وملكتهم الاخيرة كليوباترا وكانت الملجأ للمتمردين.


فلما دخلوا الى تلك المدينة وكانت تكتئ بالناس لا تختلف كثيرا عن الاسكندرية في العمران ولا الازدحام فراحوا الثلاثة يبحثون عمن يجيد الرومانية فوجدوا كثيرا من اهل تلك المدينة يتحدث الرومانية بطلاقة، فسالوا عن مكان حكيم يطبب جراح ايريك، فانزلوا ايريك عند الحكيم ومضى اوثو وغالب يبحث عن مكان للنوم والعمل من اجل اعانتهم بالمال.

فوجد غالب رجلا يريد رجال يساعدونه في العمل داخل معبد اللوتس وهو مكان مقدس عن اهل مدينة سيوة وكانوا يقومون باعمال الترميم ولديهم نقص في الايدي العاملة فعرض عليهم غالب ان يعمل هو واوثو مقابل اجر ومكان للنوم فرحب بهم صاحب العمل.

واما ايريك فلقد بقي طريح الفراش يقوم عليه الحكيم واسمه آبيس فجانب علمه في الطب فلقد كان فيلسوفا مطلعا على اخبار الملوك واحوال الشعوب، وكان يحادث ايريك فدهش من معرفة ايريك بهذه العلوم حينما رأى حال ايريك واعجب به.

واما غالب بواثو فيخرجون في عربة تجرخا البغال الى خارج المدينة يحملون الحجارة ويذهبون بها الى من يشكلها ثم يعودون بها الى المدينة حيث معبد اللوتس ويضعونها حيث يطلب منهم المسؤول عن اعمال الترميم، واستمروا على هذا الحال حين من الزمن.

وفي احد الايام وكان اوثو وغالب يمشيان متجهين الى معملهم حيث العربة والبغال فمروا بالسوق فصادفهم شاب فتي ومعه كيس وبه قمح فحدق بهم ذلك الفتى فلحظه اوثو فلضرب غالب على كتفه كي ينبهه الى الشاب وقال له (انظر يا غالب كيف ينظر اليك هذا الشاب!!...ابه سوء؟...) توقف الاثنان وبادلوا تحديق الفتى بتحديق مثله فارتعد الفتى واسقط كيس القمح من يديه وذهب يركض، فتعجب غالب واوثو من فعلته ولكنهم تجاهلوه وذهبوا حيث المعبد.

ولما دخلوا المعبد اخبروهم ان القائم على هذا المعبد سيزورهم اليوم ليرى تشريفات الترميم، وحينما وصل ذلك القائم على المعبد وهو من كبار كهنة سيوة واذ به آبيس الحكيم الذي كان يطبب ايريك، فاندهش غالب واوثو حينما رأوا آبيس وذهبوا اليه وحيوه ورد التحية عليهم واثنا على اعمالهم وجدهم في العمل حيث المسؤول عن اعمال الترميم قد اثنى على غالب واوثو من بين جميع العمال فابتسم آبيس بوجه اوثو وغالب وواصل جولته التفقدية للمكان وقال لهم (اعتقد اننا نستطيع ان نباشر اعمالنا عما قريب بسواعد اولاءك الرجال...).

فعاد آبيس الى ايريك واخبره ان رأى في المعبد اوثو وغالب اليوم وبدأ يتحدث عنهم ويثني عليهم فسال آبيس ايريك عن قصتهم وكيف انتهى بهم المطاف هاهنا وهم رومان في الاصل والاسلم والأئمن لهم ان يكونوا في الاسكندرية، فاخبره ايريك بحكايتهم منذ لقائه بغالب وان رحلتهم هي اعادة غالب لاهله، فتأثر ذلك الكاهن من قصة غالب وكفكف دموعه التي خضبت لحيته وتعاطف مع غالب ايما تعاطف.

بينما هم كذلك واوثو وغالب يعملا بكد في المعبد من اجل الترميم حملوا احد الالواح لوضعه في مكانه فوجدوا ان العامل المسؤول عن التشكيل لم يشكله حسب المقاس الصحيح فطلب من غالب ان يذهب اليه فيقوم بتعديل هذا اللوح وهي امور تحصل احيانا اثناء عملهم فحمل غالب اللوح على العربة ومضى بها وبقي اوثو يكمل اعمال الترميم مع بقية العمال.

وفي حين عودة غالب عرج على صديقه ايريك في دار الحكيم ليطمئن عليه واحضر معه رغيفا من الخبز والكعك، ولما دخل وجد آبيس بجواره يحادثه وهو امر اعتاد رؤيته في زيارته لصديقه ولكنه لم يكن يعلم ان ذلك الحكيم الزاهد هو في الواقع كبير كهنة سيوة، فحياهم وردوا التحية واعطى الخبز والكعك لايريك وقال له مبتسما ( الا تعلم انك بين ايدي كبير كهنة سيوة يا ايريك فلا ينبغي لك ان تطل شفائك...) ثم استاذنهم وخرج عائد للمعبد قبل ان ينتهي يوم العمل فيثل كاهل العمال بنقص عامل، فالتفت آبيس الى ايريك وقال ( لا ادري من اوفى منكما من الاخر اهو ام انت ؟... ولكنكما ستصنعون ارثا في الوفاء يتعب من خلفكم...) فابتسم ايريك ومسك بكلتا يديه يد آبيس وقبلها ووضعها على جبينه.

واما اوثو وهو يعمل مجتهدا في الترميم واذ بضجة تاتي من الباب واذ برجل عملاق تصل رؤوس الرجال في المعبد الذين واقفين امامه يدافعون الى منتصف صدره وحينما رأى اوثو صاح ودفعهم وقال بغضب شديد وقد مالت عيناه الى الاحمرار (اين صاحبك شيطان التلال؟ (يقصد غالب) ...) ، وكان خلف هذا العملاق ذلك الفتى الذي رآهم في السوق واسقط كيس القمح وهرب، حينما رأى اوثو ذلك القى عدة الترميم من يديه وغسلهما بدلو بجانبه ووقف، ثم اندفع ذلك العملاق الى اوثو من غير سلاح لان المعبد مكان مقدس باعتقادهم من دنس حرمة هذا المعبد باصطحاب سلاح تكون نهايته مريعة وكان ذلك العملاق ممن يعتقد ذلك ايضا فدخل من غير سلاح، فلما اندفع له فتح اوثو ذراعيه لاستقبال اندفاع العملاق وتبسم فحاول اوثو ان يمسك ذراعي العملاق ولكن العملاق نفض يدي اوثو وطوقه بذراعه فرفع اوثو للاعلى ووضع اوثو على كتفه وسحبه للاسفل بقوة فضرب راس اوثو بارض الرخام فكاد ان يقضي عليه فمسك اوثو راسه من الخلف بكلتا يديه ويتأوه من الالم فقام العملاق بركل اوثو في اضلعه فحاول اوثو الوقوف ما ان وقف حتى فاجئه العملاق بلكمة على وجهه اطارت من فمه ثلاثة من اسنانه رآها سقطت امامه ثم اتبع لكمته بيده الاخرى بلكمة في بطن اوثو، وكان الضجيج من الناس حول المعبد وتجمع الناس والمارة من صراخ الرجلين وكان ممن هرع الى الصوت غالب وحينما رأى ان مصدر الصوت هو المعبد نزل من العربة وهرع الى المعبد يركض يدافع الناس وكان يظن ان اوثو قد قام بامر ما فتقاتل مع صاحب العمل وما ان دخل الى المعبد الا وقد وجد ذلك العملاق انهال على اوثو بالضرب واوثو لا حول له ولا قوة تحت رحمة ذلك العملاق وهو يصرخ في كل ضربة واوثو مستسلم لتلك الضربات لا يقوى على دفعه.

حينما رأى غالب ذلك المشهد صارت عيناه في قفا رأسه واظلم نهاره وزبدت اشداقه وتعارك حاجباه وعض اسنانه وصاح على العملاق فالتفت اليه العملاق وحينما رآه فصاح الشاب الذي كان في السوق وقال للعملاق (انه هو انه شيطان تلال هاهو امامك وهو من قتل اخاك ...).

حينما عرف حقيقة امر هذا القتال غالب ركض نحو العملاق وكذلك العملاق فتناطحوا تناطح الاسود وكل منهم يريد ان على الاخر يسود فتماسكا فنفض العملاق يدي غالب كما فعل مع اوثو ثم نزل وطوق غالب من خصر يريد ان يرفعه كما فعل مع اوثو ولكن غالب ادخل رجليه من بين ارجل العملاق وعكفهما من خلف ساقيه كي يمنعه من رفعه فضغط ذلك العملاق على خصر وصدر غالب وادخل غالب يديه ووضعهما على صدر العملاق وقام بدفعه للخلف والعملاق يشد وغالب يدفع فكان العملاق يفقد سيطرته تدريجيا من غالب فسحب يديه وسقط غالب واستغل العملاق فرصة تخلخل توازن غالب ليسدد له لكمة قاضية فتفاداها غالب ثم اعاد اللكمة بيده الاخرى فصد غالب لكمته وسدد غالب للعملاق لكمة في وسط وجهه كسرت ثنيتاه ورباعيتاه تراجع العملاق من هذه الضربة ثم اندفع حاني جسده يريد ان يمسك خصر غالب للمرة ثانية وحينما مسك خصر غالب وهو منثني مسك غالب خصر العملاق من ظهره فاراد كل منهما رفع الاخر، فصدم العملاق بقوة غالب فاستطاع غالب ان يرفع العملاق الى مستوى كتفيه فضربه ضربة في الارض دوا صوتها وسمع الناس صوت كسر العظام منها وما ان سقط حتى جثى غالب على صدر العملاق وثبت يدي العملاق تحت ركبتيه وانهال على وجهه في اللكمات لكمة تتلوها لكمة، فخاف الشاب واراد الهروب فامسك به عمال المعبد، واما العملاق بدأ يصدر صوت شخير من شدة الضرب الى ان بدأ يركل الارض برجليه يريد الخلاص وغالب يزيد بلكماته على العملاق حتى انتفض نفضة ثم سكن وركن وغالب اكمل لكمه في وجهه فاحس بموت العملاق فنهض عنه وذهب الى اوثو الذي كان يرى ما يحدث وهو يغيب عن الوعي حينا ويعود اليه حين.

بينما كانوا كذلك هرع الناس يخبرون اعيان المدينة ما يحصل في المعبد ولا يجرؤ احد على ان بتدخل بين الاثنين لقوتهما في العراك فاول من حضر حاكم مدينة سيوة واسمه اوكبارا، فحينما رأى ذلك المشهد استشاط غضبا ومن خلفه الجنود امرهم بالقبض على غالب وسال عن ذلك العملاق لان غالب لم يبقي على ملامحه من يتعرف عليه فاخبروه ان العملاق هذا انما هو حطرقة عظيم سيوة وحاميها، فتطايرت نظرات اوكبارا حاكم سيوة حينما سمع الاسم وكان حطرقة صهر اوكبارا حيث حطرقة متزوج من ابنة اوكبارا وهو فخر سيوة وحاميها كيف ان يفعل به احد كهذه الفعلة.

وبينما هم كذلك واذ بآبيس قد دخل المعبد بعد ان اخبروه ان قتالا يحدث في المعبد واتى مسرعا فرأى غالب واوثو بالاغلال، فاستعلم من كهنته الامر والقائمين على المعبد فاخبروه بما حصل وان حطرقة هو من دخل وهاجم اوثو ثم انقض على غالب ولكن غالب اسقاه كأس الحمام فلقد كان آبيس كارها لحطرقة واوكبارا وندا لهم في حكم المدينة اذ كان اوكبارا يحكم البلاد وآبيس قيم على العباد فلكل منهم نفوذ وسطوة متكافئة، فذهب مسرعا آبيس الى اوكبارا وقال له (ماذا تفعل بجندك وسلاحهم في هذا المعبد؟...) اوكبارا (اتيت اطبق العدل ولا عدل بلا سيف ...) آبيس (قبل مجيئك لقد دخل هذا الوحش -يقصد حطرقة- ودنس هذا المعبد بتهجمه على عمال البناء فيه وقتلوه دفاعا عن انفسهم...) اوكبارا بغضب (لقد قتلوا حطرقة عظيم سيوة وحاميها لو كانت لهم الف روح لقتلتهم الف مرة ..) ثم التفت آبيس الى الناس المجتمعة وقال (ان كنت تريد العدالة فقد تحققت وان كنت تريد الثأر لحامي سيوة فلكم من اولاءك له ثأر عند حطرقة ولم يدركه لقرابته منك، فهل انت مستعد ليثأروا منك لقرابتك منه ام ان العدالة لا تعرف الا ابناء الملوك واقربائهم والعدل الاساس به ان يتحقق لا فيمن يتحقق وهذا الوحش قد نال جزاءه بتعديه وانتهاكه حرمة المعبد وقد جازاه اولاءك خير الجزاء ليتعظ به من يتعظ، وان قتلتهم به ستهدم اساس ملك لن يقوم بعدها ابدا وتميل بميزان عدل لن ينتصف بعدها ابدا فاختار كيف تريد ان تحكم ومن تحكم كيفما شئت...) فنظر اوكبارا في اعين الناس فرأى منهم تأيدا لكلام آبيس وانزل رأسه وعظ اسنانه وشدد قبضته على صولجانه فرفع رأسه الى آبيس وقال (بشرط ان لا يبقو في سيوة ويغادروها ...) آبيس (لقد انصفت يا اوكبارا ولكن امهلهم ..) اوكبارا (لهم ثلاثة ايام لا غيرها ...) فسحب طرف رداءه ومشى للخارج ومن خلفه عسكره واقتادوا معهم الفتى الشاب الذي اخبر حطرقة عن مكان شيطان التلال حينما رآه في السوق.

ثم ذهب العمال فحملوا اوثو الى دار الحكيم ليعاين جراحه فوجدها رغم شدتها الا انه سيتعافى منها وطمئن غالب وايريك بهذه الاخبار فقال لهم ذلك الحكيم آبيس (ان لكم من الايام ثلاثة واظن انها ستكفي صاحبكم اوثو لأن يتعافى واما ايريك فلا ارى له حاجة للعلاج الان، وقد كفيتكم شر القتل ولكني لا استطيع منعه من نفيكم خارج سيوة ولكن خذوا هذه (اعطاهم صرة فيها اموال) انها اموال جمعها العمال الذين عملوا معكم من اجلكم لتعينكم في سفركم ولكم مني هذه (واعطاهم صرة مثلها) وسأزودكم بدواب تركبونها وتحملون عليها متاعكم لتعينكم على مشقة الطريق وتبعوا في طريقكم نجمة الشرق الى ان تصلوا الى نهر عظيم وسلوا في بلاد النوبة عن رجل يدعى بايك واعطوه هذا (اعطاهم خاتم) سيرشدكم الى مقصدكم فانه خبير بطرق التجارة بين العرب والنوبة ولا املك الا ما قدمته لكم فاعذروني على سوء مصيركم ...) غالب (والله انك انقذتنا يا آبيس من موت محقق لولا تدخلك ومروءتك معنا وودت لو اننا نبقى فنرد ذلك الدين الذي حملتنا اياه ...) قاطعه آبيس (رد الدين في ان تصلوا الى وجهتكم سالمين فلقد سمعت ما جرى لك من ايريك ..(فقال ممازحا) ... لو كنت شابا واقوى على السفر لرحلت معكم حتى تقر عينك برؤية الاهل والاحباب ..) تبسم غالب (لا اهل ولا احباب يا ايها الكاهن انما الارض تطلب اصحابها ...).

ومضوا في دار الحكيم وقد تجمع العمال وكهان المعبد حول ذلك المعبد يطوفون حوله لحراسته من بطش وغدر اوكبارا، الى ان انقضت الايام الثلاثة فحمل غالب وايريك اوثو الذي بدأ يستعيد عافيته وقد استطاع الوقوف بمفرده ونظر الى ايريك وقال له مبتسما (يا ايريك هذا الذي كنت تخشى عليه غدري ... فلقد ادركت الموت لولا نجدته ورأيت من فعله ما استحق عليه لقبه شيطان التلال... ولو اردت ان اغدر به لفتك بي قبل ان اقدر عليه)، فتبسم ايريك ومضى يجهز الركب.

ثم وركبوا على الجمال وحملوا على جمل اخر متاعا ومعهم فرسين يحملن الطعام والشراب، ومضوا يتبعون نجمة الشرق فكانوا يسيرون في الليل ويبيتون في النهار، واستمروا على ذلك الحال اياما.

الى ان وصلوا مشارف النهر فوجدوا ساحله يعج بالصيادين اغلبهم من النوبة وكانوا يسالون الناس عن بايك فلم يستطيعوا التحدث معهم لاختلاف اللغات اكملوا مسيرهم بمحاذاة النهر باتجاه الجنوب يعبرون القرى الى ان وصلوا الى قرية صغيرة فوجدوا امرأة بيدها حلة تغرف بها من ماء النهر فلما اقتربوا منها اشار غالب بيديه يحييها فوقت تنظر اليه منكرة فقال (بايك ... بايك ...) فحاول يفهمها مقصده ففهمت وتبسمت وقالت (بايك ...) فأومأت برأسها انها فهمته فطلبت منهم اللحاق بها فمشت الى ان وصلت الى بيت قد توسط موقعه القرية وفتحت حجرة بطرف ذلك البيت وطلبت منهم الجلوس فيه وجلوا ورحلت تلك المرأة.

فجلس غالب ومن معه يتحدثون ويتسائلون ان كانت فهمت مقصدهم ام لا واذ برجل نوبي طويل الشعر قد جمعه بربطة يتدلى فيها من خلفه فحدثهم بالرومانية وسالهم عن سبب سؤالهم عن بايك فقام غالب واظهر الخاتم واخبره انهم قدوا من سيوة حيث الكاهن آبيس وانه طلب منهم ان يطلبوا مساعدة بايك لدرايته بامور الملاحة بين العرب والنوبة.

فاخذ الرجل الخاتم يتفحصه وجلس على الارض وقد تكدر صفاء جوه وعبس وجهه فقال لهم (لقد تاخرتم...) غالب (لمَ؟ احصل مكروه لبايك ؟..) تبسم الرجل وقال (كلا انا بايك... ولكنكم تاخرتم لان الرومان قد حرموا طريق التجارة وعلقوا الرحلات التجارية فلقد اتى رجل يدعى ايليوس غالوس وحكم الاسكندرية فحشد الحشود لغزو الحزيرة العربية وقد طلب من القرى تزويده بالجنود وانا من ضمن جند مصر في هذه الحملة...) غالب (ما العمل يا بايك؟؟...نريد الذهاب الى بلاد العرب ...) بايك بدأ يفكر فطرأت عليه فكرة (لا سبيل لك بالعودة الى بلادك الا بالتنكر بانك احد جنود مصر السائرين مع غالوس فتدخل بلادك مع الداخلين من الجنود ...) غالب (أأدخل وطني غازيا !!؟...) بايك (لا اعلم سبيل اخر ...) غالب (ومتى الرحيل؟..) بايك (لقد هممت بالرحيل ولن ابقى طويلا هنا فتجمع الجنود سيكون في مدينة كليوباتريس في الشمال...)

فوافق الرجال مرافقة بايك معهم ثم بدأوا بنقش النقوش على اكتافهم لاخفاء وشم الجيش الروماني الذي كان يوشم المتطوعين والمجندين على اكتافيهم لكيلا يتعرف عليهم احد انهم كانوا في الجيش الروماني واما عن الفيالق ففيلق ايليوس غالوس يختلف عن فيلق فيسبانيوس فلم يخشو الرجال ان يتعرف على وجههم احد في هذا الجيش الجديد.

فمضوا مع بايك الى شمال مصر حيث مدينة كليوباتريس وجلس الكل في خيام العسكر ينتظرون اشارة غالوس لبدء الزحف على العرب بينما هم كذلك وجد بين الجيش الروماني رجلا مختلف لباسه وكانت بيده محشة ينظف بها جسد الحصان فلاحظ غالب ان سرج الرجل به علامات مألوفة فحياه غالب ورد التحية عليه فقال له (ما اسمك يا رجل ... وماحكاية العلامات على سرجك؟...) رد الرجل (اسمي سيلايوس...وهذه علامات لقبيلتي وحيث انتمي فيما يهمك امرهم ؟...) غالب (انما خيل لي اني رأيتها من قبل ...) غالب (وكيف سيغزي الرومان العرب وما ستكون النتائج حسب ظنك لها ؟...) الرجل ترك المحشة وقال (ان العرب اناس اذا خاصتمهم استأسدوا وصبروا عليك وان هادنتهم وادعوا وفيك حلموا ...) غالب (تثني عليهم وكأنك منهم؟....) فرد الرجل (انما انا منهم ...) صعق غالب فقال بدهشة (أأنت عربي؟؟؟....) الرجل (نعم...) غالب (وكيف ذلك واسمك سيلايوس؟...) الرجل (هم اسموني سيلايوس واسمي هو صالح...) فلمع بريق عيني غالب لانها المرة الاولى التي يرى فيها عربيا منذ سنين فاحس بالحنين واقشعر بدنه فقال غالب باللغة العربية (صالح...) فنظر صالح الى غالب مندهشا وقال له (ويحك أأنت عربي ام مصري ؟....)، فاخبره غالب انه عربي واخبر بقصته ولكنه اخفى امورا منها خاف من مغبة الاخبار بها وان كان عربيا فانه يجهله ويجهل نواياه فلم يبح له بكل شيء انما اقتصر على طول الرحلة والعناء، فتعاطف معه صالح ايما تعاطف وقال له (يا غالب لازمني فانني دليل القوم في بلاد العرب ساخذهم من هاهنا الى جنوب الجزيرة العربية حيث مملكة سبأ لان الامبراطور اوكتيفيان اغسطس يريد السيطرة على خط القوافل التجارية وتجارة التوابل وفرض سيطرته على العرب واخضاعهم وقد تحالف معهم ملكنا ملك الانباط عبادة وقد تسمعهم ينادونه باسم اوبوداس الثالث...)


فشعر غالب بمشاعر مختلطة تجاه هذا الرجل اذ انه العربي الوحيد الذي راها منذ سنين وفي نفس الوقت هو من سيقود هذه الجيوش لطمس حضارته ومهد اباءه وموطنه وهو ما ضاق به صدر غالب واذ اراد ان يعود لدياره فيراها كما تركها ومؤملا بان يلقى من اصحاب الجيل الماضي من يبقي له اثر متصل لابيه.

وحينما عاد غالب لاصحابه وجد ايريك جالس مع احد الرجال ويتحدثون واوثو يلهو بسلاحه جلس غالب وهو متحيرا من امر ذلك العربي وكيف انه كان يمتدح العرب ويخبر عنهم انهم يتحدون في وجه العدو مهما كانت خلافاتهم وبنفس الوقت هو من يقود ذلك العدو لارضهم فلم يطمئن لجانبه ورغم انه اراد الحديث المطول معه بلسانه العربي الذي لم ينطق بالعربية منذ امد طويل الا انه في نفس الوقت يحبذ الابتعاد عنه قدر الامكان لان امره مازال مريبا بالنسبة له ولا سيما ان غالب لا يفكر بمواصلة المسير مع هذه الحملة بل يريد العبور للطرف الاخر من البحر فيتحين الفرص ويهرب باتجاه اهله.

واما ايريك فانه جلس مع رجل اتضح انه من المقربين جدا لقائد الحملة ايليوس غالوس وهو ليس مقاتل انما كاتب ومؤرخ يكتب الملامح ويعظم الاباطرة واسمه سترابو واما جلوسه مع ايريك فانما ايريك هو من عرج اليه حينما رآه يقرأ في الواح ويكتب في اخرى فتبادلوا الاحاديث ولم يخبره ايريك باي شيء مثير للاهتمام او يخبره عن قصة غالب، ولكنه حكى له قصة غالب كانها لاشخاص اخرين فاستمتع سترابو بها وكتبها في مجلداته واخبر انها ستنال على اعجاب غالوس بل وحتى القيصر اغسطس بنفسه.

ولم يلبثوا الا وقد وصلت بقية القوات وكانت قادمة من شتى ارجاء مصر وقد قدم من الشمال الانباط العرب واليهود وقد اختلفت الرايات المرفوعة ثم حملوا الرجال على الافلاك قاقصدين ارض العرب فارتفعت الرايات الرومانية الكبيرة وتحتها الرايات المختلفة الصغيرة وعلى رأس هذا الركب كان ايليوس غالوس صاحب الحملة ومعه دليله سيلايوس او صالح الانباطي فابحروا من مدينة كليوباتريس وكان الانباط مسؤولين عن تخزين الطعام اثناء الرحلة فلم يخزنوا الطعام بشكل جيد مما تسبب في تضرر كثير منه وقد عصفت بهم عاصفة قد تحطمت منها بعض السفن وغرقت بمن فيها ولكن غالوس اصر على مواصلة التقدم.

بسبب سوء التخزين وضعف خط الامدادات والتموين فقد مرض كثير من الجنود واصبحوا هزيلين لا يقوون على القتال ووصلوا الى شواطئ العرب بعد ابحار دام خمسة عشر يوما وما ان وصلوا حتى امر غالوس بان يبنوا المخيمات ويعسكروا في هذا المكان وحينما رأى اصحابهم منهكين لا يقوون على دفع الذباب فكيف سيقاتلون الاعراب امر بان يمدد فترة بقائهم في هذا المكان لمدة الى ان يستعيد جميع طاقم حملته العسكرية عافيتهم رغم ان كثير منهم قد مات من شدة الحر والامراض.

واما غالب حينما وصلت السفن ولامست الشاطئ كمن لامست الحياة قلبه وعاد يبنض بالحياة وقفز من مركبه فوطئت رجلاه ارض جزيرة العرب بعدما غادرها منذ سنين عديدة ففاضت عيناه بالدموع وكتمها لكيلا يشعرن به احد وكان ممن اصابه مرض الهزال ذلك فجلس هو وايريك واوثو بهذ المعسكر الى ان يستعيدون عافيتهم ليواصلوا المسير نحو مقصدهم وهي منطقة بطن واد حيث قرية الوداعة وبني ركاب وبني غائلة رغم العداوة والمآسي الا انهم احن الى قلبه من نعيم الرومان وحياتهم فلقد اشتاق الى الامطار بالبرية والليالي السرمدية واصوات الحديث العربية، بمجرد ان مشى في رمال شواطئ العرب حتى انشغل قلبه بالافراح وزالت من صدره الاتراح.


noor elhuda likes this.

Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:58 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.