آخر 10 مشاركات
في غُمرة الوَجد و الجوى «ج١ سلسلة صولة في أتون الجوى»بقلم فاتن نبيه (الكاتـب : فاتن نبيه - )           »          الإغراء المعذب (172) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 2 سلسلة إغراء فالكونيرى ..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          ثأر اليمام (1)..*مميزة ومكتملة * سلسلة بتائل مدنسة (الكاتـب : مروة العزاوي - )           »          588-المساومة -ديانا هاميلتون -ق.د.ن (الكاتـب : Just Faith - )           »          انتقام عديم الرحمة(80)للكاتبة:كارول مورتيمور (الجزء الأول من سلسلة لعنة جامبرلي)كاملة (الكاتـب : *ايمي* - )           »          غمد السحاب *مكتملة* (الكاتـب : Aurora - )           »          سيدتي الجميلة ~ رواية زائرة ~ .. للكاتب الأكثر من مُبدع : أسمر كحيل * مكتملة * (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          آسف مولاتي (2) *مميزة ومكتملة * .. سلسلة إلياذة العاشقين (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          تراتيل الماضي ـ ج1 سلسلة والعمر يحكي - قلوب زائرة - بقلمي: راندا عادل*كاملة&الرابط* (الكاتـب : راندا عادل - )           »          نيران الجوى (2) .. * متميزه ومكتملة * سلسلة قلوب شائكه (الكاتـب : hadeer mansour - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

مشاهدة نتائج الإستطلاع: في اي زمن تفضلون تكون الرواية القادمة باذن الله ؟
قديمة ومشابهة لزمن هذه الراوية 2 40.00%
عصور وسطى 0 0%
عصر النهضة 0 0%
حديثة 3 60.00%
المصوتون: 5. أنت لم تصوت في هذا الإستطلاع

Like Tree94Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-11-21, 10:53 PM   #41

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي


الفصل الرابع عشر – (دروب وكروب)


بعد ان استعاد الجنود عافيتهم وامرهم غالوس بالمسير جنوبا باتجاه المنطقة الوسطى توغلوا الى ان وصلوا الى مضارب قبيلة تدعى قبيلة قمعة وهم تربطهم قرابة بالانباط وملكهم عبادة الثالث وهي قريبة من قرى بطن الواد وفي مسير الجيش كان غالب يقلب طرفه في ارجاء بلاد العرب ويسرح في خياله ويتذكر ذلك المكان وذلك المكان، وحينما وصلوا الى مضارب قمعة لم يألف وجود قبيلة من قبل هاهنا في هذا المكان الا ان القبائل كثيرة الترحال ولكن قبيلة قمعة كانت من احلاف بنو ركاب وهم من قبائل الشمال ولعلهم ارتحلوا الى المنطقة الوسطى ولما نزل الجيش بالقرب منهم اتوا ابناء واعيان قبيلة قمعة يرحبون بايليوس غالوس وكان صالح او سيلايوس كما يسميه الرومان ترجمانا بينهم.


فمدت قبيلة قمعة يد العون للجيش الروماني بالطعام والشراب، واثناء مكوث الجيش في هذا المكان وكان غالب ومن معه يسير مع الجيش ليصل الى اقرب مكان لوطنه فيفر اليه، ذهب غالب الى مضارب بني قمعة ومعه اصحابه وكان بعض الجنود يذهبون هناك يقايضون ابناء القبيلة فلم يكن وجوده في المضارب امرا مستنكرا، بينما غالب يمشي باتجاه مرابط خيل القوم ومراح ابلهم واذ برجل كان يتبعهم من قبيلة بني قمعة يدعي مدركة بن طابخة القمعي.


وحينما وقف غالب وهو يرى الابل بدأ يشرح لصاحبيه عن هذه المخلوقات العجيبة وصفاتها الفريدة، وكان واقف بالقرب منهم مدركة يرقب تصرفات غالب الغير متوقعة من رجل روماني ان يهتم بالابل الى هذا الحد فصاح مدركة على الابل واخذ منها اربعة ركايب وساقها الى غالب وصاحبيه واناخ النوق وعرض عليهم ان يركبوها، فركبوها ومدركة يرقب طريقة تعامل غالب مع الابل فعرف انه متمكن منها وعلى دراية بها وهي ليست جديدة عهد عليه فمشى غالب ومدركة واوثو وايريك في القفار وغالب مازال متحفظا مع اولاءك القوم لم يخبر احد انه عربي سوى صالح الذي مازال غالب يتجنب لقاءه ومصادفته.


وفي طريق عودة غالب واصحابه الى معسكرهم وغالب منتشي بتجربة ركوب الناقة ورؤية العيس والاصايل منها والاشجان وذكريات الماضي تداعب مخيلته، واذ بصوت حوافر خيل خلفهم ولما التفتوا وجدوا مدركة بن طابخة فقال مدركة (انت (اشار الى غالب) والله ان تقاسيم وجهك ماهي الا تقاسيم قد شكلت من تراب هذا الواد وفعلك بالركايب ماهو الا فعل ابناء الصحراء واما حداءك فوقها والله انه حداء عربي وانت من العرب... فاصدقني القول ان كنت تعي ما اقوال ...) فلقد خاطب مدركة غالب بالعربية ولما سمع غالب مدركة طأطأ رأسه وقال لمدركة (ارجو ان تكتم خبري ولا تخبرن بي احد ولا تسالني عن السبب فان من الامور ان تبدى لصاحبها تسوءه ...) مدركة (اذاً قل لي من اي العرب انت ؟...) غالب (انا من بني ركاب انا غالب بن سعد بن زيد الركابي فارجوا ان تعفيني ولا تثقل علي....) مدركة بعجب واعجاب (حسناً يابن الاكرمين لنا لقاء قريب واني لأحتقرن رجلا مثلك في ثياب اولاءك العابثين ...) وضرب مدركة جواده بالسوط ومضى.


حينما سمع غالب كلام مدركة طابقه بكلام صالح وكأنه يقول ما بال هؤلاء القوم متذمرين من الرومان ومالئين صدورهم بالحقد عليهم وفي نفس الوقت يهادنونهم بل ويمدون ايادي العون لهم ويفزعون للرومان في مساعيهم ويحتقرونهم بنفس الوقت، وقد زادت الحيرة في نفس غالب اذ كيف يكون من القوم ما قد كان منهم بتناقض عجيب سيوفهم مع الروم وقلوبهم عليهم.


وعاد غالب الى معسكره يتفكر في احداث اليوم فلقد عسكر الرومان بالقرب من قبيلة قمعة الى ان تصل امدادات قادمة ستصل في غضون ايام فاستغل غالب مكوث عسكر الرومان في هذه الارض للبحث عن تفسيرات لحيرة اشغلة فكره وجدها في صالح ومدركة وهل جميعهم على نفس الرأي والفعل كصالح ومدركة ام لا.


وفي اليوم التالي ذهب غالب وحده الى مضارب قبيلة قمعة واما اوثو ذهب ينادم بعض الجنود وايريك كان ملازما لسترابو يزيده في قصة غالب على انها قصة سمعها وسترابو يؤرخ فيها شيئا فشيئا.


غالب كان يمشي باتجاه الابل ويراقب تصرف ابناء القبيلة مع الجنود الرومان فيجد مجموعة من فتيان قمعة حول جنديين من الروم وكانوا اولاءك الصبية يمازحون الجنود ويجعلون الجنود ينطقون بالعربية ولا يفقهون شيئا منها فيجعلون الجندي الروماني يشمت نفسه فيضحكون الصبية على تصرف اولاءك الجنود فتبسم غالب من ذلك الموقف الغريب واذ مدركة خلفه يقول (ان تبسمت على كل ظريف انكشف امرك وعلم القوم انك عربي ولا اخفيك ان مظهرك مختلف عنهم وبتبسمك هذا ستزيد الشكوك...) غالب (وانت يا مدركة هل لي بسؤال اشغلني طوال ليلي فحرمني النوم...) مدركة(ماهو؟...) غالب (لماذا تساعد الروم وانت تحتقرهم الى هذا الحد؟...) مدركة (ما يعنيك انت؟... ولمَ انت في جيش الروم ؟...) فقص غالب عليه قصته واخفى منها ما قد يوقعه في ورطة، فلما سمع مدركة قصة غالب قال له (لا اعلم ان كنت صدقتني القوم ام انك من اتباعهم كي تجذبني في الحديث الى زاوية لا اريد الذهاب فيها ولكن ان كان لك علي حق النصح فانصحك بالهرب ولا تزحف مع الجيش جنوبا...) ثم اراد ان يذهب مدركة فجذبه غالب من ذراعه وقال له (ما خبرك ببطن الواد؟...) فاشار مدركة بيده نحو الغرب وقال لغالب (انهم هناك على مسيرة نصف يوم اذهب واطلع على امرهم بنفسك...) ونفض يده من غالب ومشى قليلا ثم توقف والتفت الى غالب وقال له (ان اردتهم خذ من تلك النوق فلن يلحظها نقصها احد...).


فالتفت غالب الى تلك النوق وبدأ يمشي بينها يبحث عن ايسرها وابعدها عن المضارب، فاخذ ما كان يبحث عنه ولما ركب الناقة ووجه خطامها نحو الغرب وحدا لها وسارت الناقة باتجاه بطن الواد ارتعش قلبه حينما عرف ان وجهته الاخيرة هي موطنه ومسقط رأسه تسربت دمعتين من عينه وحده للذكريات السعيدة واخرى للمآسي الحزينة.


وحينما وصل اطراف القرى ودخل في مراع الخضراء فوجدها حمراء وصفراء لا نبت فيها فلقد طمست تحت الطين والتراب ولم يرى فيها ما كان يرى من قبل اذ كانت تزدحم بالابل فكان يرى الابل متفرقة جدا وبعضها لا راع له ومد نظره فوجد الى الشمال فوجد جبال ارض الغادية والى الجنوب هضاب وادي العيون وكلما تقدم اكثر ترائت له طفولته وصباه حينما كان يرعى في هذه المراعي ورأى شجرة كانت ابعد ما يرعون هو وابيه عن القرى واذ تساقطت اوراقها ويبست اغصانها فبدأ يرمقها وشحذ بصره فيه وكأنه يرى الارض من تحت رجليه بعد حمرتها اخضرت والشجرة بعد موتها حيت وكأن أبيه جالس جلسته المعتادة تحتها يستظل بها وهو يلهو امامه وابوه الكفيف يتلفت اليه وهو يبتسم فطأطأ برأسه وبكى ثم اعول بالبكاء فلاحظه احد الرعيان فاتى اليه حينما انكر هيئته وفعلته وحينما وصل اليه وجده بلباس غريب وهو لباس عسكر الروم فقال له (ويلك لما تبكِ يا رجل؟....) فالتفت غالب اليه والدموع تجري في مآقيه وقال (أفي ديار بني ركاب؟...) الراعي (لا..) غالب (افي الديار بني غائلة؟...) الراعي (ولاهم كذلك...) غالب (من بقي من الاصحاب والاعداء ...) الراعي (لا ادري ولكنها ديار قد خلت من اهلها ولم يبقى فيها الا حجر بن ثعلبة الحرزي ورهط من قومه...) فرفع رأسه غالب وشكر الراعي ومضى الى داخل القرى.


وحينما وصل الى القرى رأى بيوت قد هدمت ومراسم قد اعدمت وابار قد ردمت ونفر قليل من الناس النكرين لم يتعرف عليهم غالب وواصل ومر بجوار قصر حرب بن ورد فوجد بستانه اصبح عزبة للكلاب الضالة وبيته قد تساقطت جدرانه كالشيخ تتساقط منه اسنانه الى ان وصل الى قصر حجر بن ثعلبة فوجد رجلا قد بلغ من العمر عتيا يسحب بعيرا اسودا يعانده في المسير وبيديه خواتم ذهب وعليه حلة بالية تقطعت من صدره ومن عند ابطيه ولما ابصره جيدا واذ به حجر بن ثعلبة.


فاناخ ركابه غالب وهرع الى حجر يعاونه على جر خطاب البعير، ولما اوصلوه الى مكانه التفت حجر الى غالب وشكره ثم حدق به وقال له (والله كاني رأيتك من قبل فمن انت واعذر لي سؤالي فقد راعني امرك ...) فقام غالب واسند حجر اليه لانه كان يعرج وتقوس ظهره وقال له (لا عليك يا حجر لست بشر الناس ...) فاجلسه غالب في مجلسه المعتاد وجلس بجواره فقام حجر الى حلة فيها ماء فقدمها لغالب وقال له (اعذرني فليس عندي غيره اضيفك به...) ورد غالب (لا تثريب عليك ...) وحزت الخواطر في نفس غالب بعدما كان يرى حجرا عزيز قومه ان يؤول به الحال الى ماهو عليه الان.


فعرف غالب حجرا بنفسه، فلما سمع حجر اسم غالب نهض ومسك رأسه غالب وقبله وقال له (ماحسبت ان ارى من اصحابنا الغابرين احد قبل ان اموت ... واني لسعيد برؤيتك يا غالب واني اتذكرك واذكر الاحداث التي وقعت كما كانت بالامس واذكر اباك سعد حينما طلب مني ان استثنيه في الرعي ورفضت ذلك بغرور مني وجهل فلقد مزقت ملكي وضيعت حكمي من بيدي وبيدي ...) غالب (يا حجر اني قد رجعت بعد تلك السنين لا من اجل الاهل والاحباب فليس لدى مثلي اهل واحباب انما ارجعني الشوق الحنين لتراب هذه الديار ولكني تمنيت ان اراها على غير هذه الحال فأين القوم والناس وما حل المراعي والرعاة؟....)


فطأطأ براسه حجر وقال :

"
يا غالب بعد ان تم نفيك من القرى تزاحمت علينا الوفود من الرومان من حاكم سوريا والاسلحة وغيرها وقد نظمت تشكيلا للعسكر يشابه ما يوجد لدى الرومان الى ان اصبحت لدينا قوة متينة ندافع بها اعدائنا، وتمت خطبة خالصة بنت حرب بن ورد للكميت بن زرارة احد اعيان اليمن فخرج ابوها لزفافها حيث زوجها وما لبثوا بالخروج الا وقد عادوا فزعين حيث داهمتهم عاصفة هوجاء فهاجت الظعائن وهربت في القفار ومن ضمن تلك الظعائن الهودج الذي به خالصة وما ان ركدت العاصفة فبحثوا عن الظعائن من الابل فلم يجدوا هودج خالصة وواصلوا البحث فلم يجدوا شيئا وعادوا لنا مستسلمين لقدرهم، وما لبثنا نواسيهم في حزنهم الا وقد اتتنا انباء عن احتجاز خالصة بنت حرب لدى قبيلة قمعة وكانت قبيلة قمعة اتت حديثا للمنطقة الوسطى واستقرت بها، فاستشاط ابوها غضبا لفعلة قبيلة قمعة فلما سمعت بالامر تدخلت به وكنت اعلم ان بني قمعة على حلف قديم واصيل مع بني ركاب ولكن قبيلة بني ركاب كانما انقسمت الى قسمين قسم يمتثل لامر حاجب بن عازب وقسم لامر مالك بن الليث فذهبت الى حاجب بن عازب لانه الين واحلم من مالك فسألته وطلبته منه ان يتوسط في ارجاع الفتاة الى اهلها وانه عار قد اصابها واصابني وهم في جواري، ففوجئت برفض حاجب ذلك الطلب وقال "انك نفيت غالب ظلما وجورا ونحن في جوارك" فلا حاجة لنا بابنة الخاسرين.


وبعدما صدمني قوم حاجب ذهب الى مالك لعلي اجده في من اللين مالم اجده في حاجب ولكن مالك صدمني اكثر من الاول فلقد رأيت علامات الفرح والسرور قد علت محياه وقال لي "لقد كفونا بفعلهم هذا ...ونعم فعل الاكرمين" فزاد غضبي حنقي عليهم وقلت له "أبالنساء تشمت بالظعائن يكون النصر ؟..." فرد وقال "لا والله ولا يرضينا ما قد حصل ولكنك تعلم ان بيننا وبينهم حرب لا سلم وهم وقد اهانوا امرأة منا من قبل ولم نراك تسعى كسعيك الان فيهم وانما نفرح لحرقة قلوبهم على ظعانهم ونحن بني ركاب لا شأن لنا بتصاريف اقدارهم ان كانت مليحة ام قبيحة فهم دون عرضهم ولن نفتدي اعراض من استخفوا باعراضنا".


فسكتُ عنه وقد حاججني ولم استطع ان احجه ولكني مضيت منه وفي قلبي غصة من حديثه وذهبت الى بني قمعة لاتاكد صحة الاخبار وافاوضهم، فاستقبلوني كما تستقبل الضيفان فوجدت قبة قد نصبت وحولها من يحرسها، فلما سالت عن خالصة اخبروني انها في تلك القبة يريد امير قمعة اياد بن جديلة الزواج بها برضاها وهي تتمنع عنه فنصب عليه تلك القبة وجعل من يخدمها فيها الى ان تقر له وترضخ وتقبل بزواجه منها ولكنها عاندته فحبسها فيها.


ولما فاوضت القوم عليها رفضوا ان اذكرها بحديثي كونها ستصبح زوجة لاميرهم فايقنت ان لا طائل من المفاوضة فاستخدمت التهديد والوعيد فكان القوم متوقعين ذلك مني فلم يخافوا بل وزادوا في حماسهم ضدي فعدت ومن معي الى قرى بطن الواد وامرت الجنود وهذا يوم الامتحان لاولاءك الجند الموظفين باجرة من المال وبتنظيم عسكري ضد اولاءك البدو الاعراب.


وسيرت الجيش وذهبت في عسكر عظيم ومعي بني غائلة ودارت معركة من اشرس المعارك راح تحت وقعها سبعة من ابنائي العشرة وجمع غفير من بني غائلة وكان عروة بن محارب السمري ممن اضحى قتيلا فيها فخسرنا معركتنا الاولى معهم فلقد فاجئتني ردائة ذلك النظام العسكري المرتهن بالمال فلم اجد للعسكر جلد ولا عزيمة قتال انما وظيفة يؤديها الرجل فيأخذ فيها المال فاعدمت من هرب من المعركة فيهم وامرت باللحاق بمن تبقى من الهاربين.


وقد قسمت الحرب ظهر بني غائلة وظهري واما حرب بن ورد اصابته حربة في رجليه اعطبت قدرته على القتال فصارت رهين عكازه لا يفارقه ابدا، فطمع بنا مالك بن الليث وسمعت انه يجهز للهجوم علينا في بيوتنا واتاني نذيرا من قبل حاجب ان لا تغفل عيني عن حراسة البيت، ثم سمعنا اصوات قد تعالت جهة بيوت بني ركاب ولما رحلنا وجدنا بني ركاب في قتال مع بعضهم فلقد اختلف مالك وحاجب في امر استيلائهم على قرى بطن الواد وقتلنا وبني غائلة فلقد كان حاجب وقلة من بني ركاب رافضين ذلك الشيء ومالك وبقية بني ركاب يريدونه، وانتهت المعركة في ساعات قليلة وراح ضحيتها خلق كثير من بني ركاب وكان من ضمنهم حاجب بن عازب.


وحدد يوم الغد يوم لقاءه معنا فعدنا وقد ملئت صدورنا باليأس وهرب من هرب في الليل مخافة بطش مالك، ولكن الليل خبأ لنا المفاجات فلقد تلبدت السماء بالغيوم وعصرت مائها ونفخت ريحها فتشكلت السيول وطمست الحقول واذهلت العقول، فحوصر الناس في منازلهم وكعادة سيولنا اول من يكتوي بنارها هم بني ركاب فجرفت منهم خلق كثير هلك مدفون بالطين من هلك، واصبحنا على حال غير حالنا الاول فهرب من هرب ولم يتبقى الا قليل لا يقوون على دفع عدو صائل فاستأذنوني بالرحيل فاذنت لهم واما حرب بن ورد فقد المه فقد عروة بن محارب واثقله عار اختطاف ابنته خالصة وهي وحيدته فقرر الانتقام وذهب للجنوب حيث الكميت بن زرارة يستنجده في رد ابنته، واما ابنائي ففي ذهابهم لجمع الابل التي جرفتها السيول فاستقرت في المراعي وعاثت في الارض وافسدت الزرع قبض عليهم مالك بن الليث وقتلهم، ولقد كان ابنائي عشرة في كل يوم يدخل علي احدهم بهدية او بنفيسة وكنت اقول ان ابنائي لم يبروني و الان ليس لي سوى زوجتي المريضة وذكرياتي الاليمة واخطائي الوخيمة.
"

لما سمع غالب تلك الحكاية اندهش منها وقال (واين حرب هل وصل مبتغاه؟...) حجر (لا ادري فلقد انقطعت اخبارهم عني منذ سنين واصبح المكان يأوي اليه كل من لفظه قومه وكنت في السابق اسال ولا اجد جوابا فكففت عن السؤال واعد ايامي وكلما غربت الشمس راقبتها وهي تغرب واقول في نفسي هل سأرى هذا المنظر من جديد؟...)


فلاطف غالب حجرا لا سيما انه في اخر ايامه وودعه ومضى عائدا لمعسكره يتفقد القرى ويرى اثار الطرقات ويتذكر ذلك الممر الذي كان ينتظر به اباه كل صباح وذلك البيت حينما وجد الطفل وبيده قطعة اللحم وتلك المهفة حيث استظل ابيه تحتها حينما كان يريد بيع النوق وذلك الجدار حينما انتظر ان يؤذن له بالعمل في بستان حرب بن ورد وذلك الطريق المتقطع الذي كان يسلكه كل يوم في عودته فانتهى بذلك البي الصغير الذي تهدمت اسواره وتخرمت اسقفه ومحطم بابه ومفتوحة نوافذه اذ به بيته وبيت ابيه، فوقف على حافة الباب وقلبه ينتفض وجوارحه ترتعش وكانه غادره بالامس فالتفت الى مسطبة كان يجلس فيها فوجد فيها قنديل قد كسرت عروته فامسكه يقلبه فعرفه انه منديله ومنديل ابيه وانه كسره حينما نفض من مكانه يتفقد ابيه حينما مات وقلب مد بصره في ارجاء البيت الصغير بحجمه الكبير بذكرياته ورأى مكان نوم ابيه فانفجرت عيناه بالدموع وجلس على ركبتيه واعول في بكاءه والناس يمرون بقربه لا يكترثون لان من يسكن تلك الديار به من الهموم تجعله عن هم غيره غير مسؤول، ثم مضى لقبر ابيه وجلس عنده يبكي لوقت طويل.


وبعد ان اطلق العبرات واشبع المآقي نهض من مكانه واكمل مسيره عائدا الى مصيره ولم يلتفت للوراء ليودع الديار، ثم عاد وارخى الناقة لتعود وعاد هو الى المعسكر حيث ايريك واوثو قد شعروا بالقلق عليه ازاء غيابه الطويل فاستعلموا سبب ذلك الغياب، فاخبرهم بخبر حجر فتفاجئوا لخراب دياره وهي سبب اسفاره، وشعروا بيأسه واستسلامه، فحزنوا عليه وناموا ليلهم بحزن.


وفي صبيحة اليوم التالي قد وصلت المؤن القادمة لنجدة عسكر الروم الذي بدأ بالتجهز للارتحال، فذهب غالب الى مضارب قبيلة قمعة ووجد مدركة فعمد اليه سائرا، فاستوجس منه مدركة لما رأى ملامحه قد تغيرت ونظراته زادت حدتها فقال له اتبعني ومضى به الى مكان متطرف من المضارب.


وحينما توقفوا قال له غالب (ماذا تعرف عن بني ركاب واين صاروا واين مالك واين خالصة ابنة حرب بن ورد؟...) فقاطعه مدركة (على رسلك يا رجل لقد جئت بوجه غير الذي رحلت به البارحة....) غالب (اعذرني فلقد تغرب عن الديار وامني النفس بالعودة وقد مررت بصعاب ومهالك الى ان وصلت هنا بعد طول انقطاع فلم اجد ما منيت النفس به ...) فتوقف غالب عن الكلام وضع راسه بين ركبتيه ثم جلس فقال له مدركة (سأنبأك بما اعرف عما تريد معرفته... واما خالصة فانها كانت عندنا بيد اياد بن جديلة فظلت تتمنع عنه حتى مات وخلفه بالامارة اخوه شريح بن جديلة ولكن شريح لم يكن كأياد في رغبته بها فسلمها لمالك بن الليث الركابي لانه طلبها من اياد قبل امارة شريح ورفض اياد اعطاءها له، ولما اخذها مالك بن الليث ارتحل عنا ونزح الى الجنوب قليلا وكذلك فعل من بقي في بني ركاب ...) غالب (ألم يأتكم الكميت بن زرارة لنجدتها ؟...) مدركة (لا ولكنه ارسل في طلبها وجوبه بالرفض من قبل اياد ولم يعد يراسل عليها ثانية ...).


هنا طأطأ غالب برأسه وقال (اذاً لقد مات ابوها حرب بن ورد فانه ماكان ليسمح ان تؤخذ ابنته ولا يسعى لطلبها وبه رمق حياة الا انه اصبح الان رفاة...) مدركة (وتمتدحه يا غالب؟...) غالب (بل اقول الحق فيه فلقد عشت بينهم سنين وعلمت اطباعهم وقست افعالهم...) قام غالب فشكر مدركة وهم بالرجوع لمعسكره ولكنه توقف والتفت على مدركة وقال (ومالك الا تواردكم اخباره؟...) مدركة (بلى فانه يرسل بعض الهدايا والبضائع لدينا واحيانا يزورنا بنفسه...) فوادعه غالب وهمس مدركة في اذن غالب وقال (لا تذهب جنوبا وان كان لابد فلا تقرب سبأ فان الموت ينتظركم هناك ...) تعجب غالب من مدركة فتبسم مدركة في وجهه ثم مضى وتركه في حيرته.


عاد غالب لمعسكره وحمل عتاده واصطف مع الجند خلف دليلهم سيلايوس (صالح) ونفخوا الابواق وقرعوا الطبول ومشت الجحافل تتقدمها الخيول ورفعت الرايات من فوقها نسرهم ولمعت دروع لا يمكن حصرهم، وغالب يمشي ويفكر في كلام مدركة ويتحين الفرص لاخبار صاحبيه بها الا انه خاف ان يسترق السمع احد من الجند، ووجدوا الحيرة ظاهرة في صفحة وجه غالب وعولوا السبب على حزنه لدمار دياره بعد طول اسفاره.


وحينما توغلوا الى القليل جنوبا رأى مضارب قبيلة فذهب يشق الصفوف الى ان وصل الى احد الانباط العارفين بالطريق فساله بالرومانية عن هذه المضارب ان كانت عدوة لهم ام حليفة كقمعة فضحك الانباطي وقال (بل هم احلافنا ...) فساله غالب عن اسمهم فرفض الانباطي الاجابة وقال له بامتعاظ (وما يعنيك اسمهم ورسمهم عد الى مكانك...) فعاد غالب وكان سيلايوس يرقب غالب من مقدمة الركب وقربه من ذلك الانباطي.

فحين وصلوا الى ضلع كبير اقترح سيلايوس على غالوس بالاستراحة هنا للوقاية من حر النهار، فوافق غالوس على طلبه ونصبوا الجنود خيامهم واشعلوا للقدور نيرانهم واستراحوا بعد مسير طويل، فبدا سيلايوس يمشي يتفقد الجنود بين الخيام فيراهم مابين قعود ونيام، حتى انتهى الى خيمة غالب وصاحبيه ولما رآه غالب غمز لغالب ان اتبعني، فمشى وغالب خلف بمسافة ليست قريبة حتى تطرف عن جمع الجنود فتوقف سيلايوس والتفت الى غالب وقال (بماذا تحادث ذلك الجندي وبما نطقت العربية؟...) غالب (لا لم انطق له بالعربية وكنت اساله عن اولاءك القوم الذين مررنا بهم قبل قليل...) سيلايوس (انهم بني ركاب ...) حينما سمع الاسم غالب خفق قلبه واكمل صالح وقال (لم اتي بك هنا لاستعلم عن هذا وحسب ولكن اسمع ما سأقوله لك، ان اولاءك الرومان حمقى يستعينون بالعرب لضرب العرب ولم يتعظوا من اسلافهم من قبل، فوالله لارمينهم رمي المقاليع للحصى ولاخذنهم بطرق طويلة حتى يشعرون باليأس ويرو ان جزيرة العرب ارض كبيرة لا طاقة لهم بها وسافسد المؤن كما فعلت في البحر انا وقومي واتفقت مع بعض اعيان اليمن ان يقاومونا ثم يستسلمون وما ان نمضي حتى يغدرو بالرومان ومن معهم وسأسلمهم لأيلي شرح يحضب او ما يسمونه الرومان ايلاساروس ملك مأرب ساتنزف قوتهم وطاقتهم في سفر طويل لا نهاية له وفي نهاية سد عظيم لا طاقة به لهم وينقض عليهم ملك مأرب فيمزقهم اربا اربا، واولاءك الحمقى يظنون اننا معهم وانما نحن سم قلوبهم السوداء وعقولهم الجوفاء، فاسمع لا تكمل معنا مسيرنا بعد نجران واذهب حيث شئت فان جل من في الجيش يريد المعارك انما نسوقه للمهالك ولم اخبرك به حتى الان لأتطمن منك وآمن جانبك واتجنب الوشاية فتضيع عن العرب الحماية...) غالب بدهشة فسرت حيرته من موقف سيلايوس ومدركة اذ كيف القلوب مع العرب والايدي مع الروم انما هي ايد مكر وخديعة فقال (اني انا من بني ركاب واظن القوم الذين مررنا بهم انما هم قومي وان كان لابد لي من الارتحال فلا ارى انسب من هذه الليلة لفعل ذلك ...) فشكر غالب سيلايوس ومضى الى اصحابه.


وحينما وصل وجد اوثو نائما فاستيقظه واخبره ان الليلة مسيرهم ثم مضى يبحث عن ايريك وقد شعر بتفائل يكاد يطير به عن الارض بعدما يأس يأسا كتم انفاسه ووجدوا ايريك بجوار سترابو يتبادلون اطراف الحديث عن الفلاسفة والعلماء فلما اتى غالب الى ايريك اخبره بانه سيرحلون الليلة لما يصدق ايريك الخبر وفرح لغالب ايما فرح، وذهب غالب الى خيمته يعد عتاده ويجهز حاله، فرآه بايك راحلا ساله عن السبب فاخبره انه وصل لمقصده وشكر بايك على موقفه تجاهه.


واما ايريك فحينما قام يودع سترابو مدعيا الذهاب للنوم توقف وقال له (يا سترابو اتظن ان ما اخبرتك به عن قصة ذلك الفتى هي امر واقع ام ضرب من الخيال؟...) سترابو ارجع ظهره وتبسم وقال (اتريد ظني ؟... فان الظنون لا ترجع بالشاب الى صباه ولن تصل الرجل الى مبتغاه... ولا اظنك صاحبة مخيلة فتألف شيئا من العدم، انما وصفك للاحداث وصف شاهد عليها لا ناقل، وفي الواقع كنت اشك في بداية الامر ولكني الان تيقنت وتلك القصة تستحق ان تكتب فيشتهر كاتبها ولكن ...) فمزق سترابو الصفحات التي كتبها بقصة غالب التي يرويها ايريك له، فشكره ايريك وذهب الى الخيمة حيث غالب واوثو.


فاخذ الرجال عتادهم وتسللوا الى خارج المعسكر دون ان يشعر بهم احد وقد حرص بايك على تغطية غيابهم بعذر نقلهم لمكان اخر، ففروا مسرعين الى ديار بني ركاب فلقد خرجوا في منتصف الليل ووصلوا الى مشارف مضارب بني ركاب مع بزوغ الفجر فكانوا على تل يطل على ارض بطحاء وتتوسطها مضارب بني ركاب وكان غالب تنفس الصعداء حينما رأى ذلك المنظر فراح يركض نحو بني قومه وتبعه غالب وايريك والفرحة ملئت صدورهم والشمس مشرقة في وجوههم.


واما جيش الروم لم يكترث ابدا بفقد ثلاثة رجال من المصريين حسب ادعاء غالب واصحابه انهم مصريين وواصل مسيره نحو مأرب يريد فساد البلاد واخضاع العباد ولا يدري انه يسير الى المهالك والمعاطب وهو يقود جيش عظيم العدد في صحراء حارة وامدادات متقطعة وقلة مياه لان سيلايوس يتعمد في مسيره تجنب الابار وعيون الماء واخذ بطريق ملتوي ليطيل المسافة ليجعل الروم يشعرون بان جزيرة العرب كبيرة جدا ولا طاقة لهم في السيطرة عليها وذلك ما اتفق به مع بني قمعة اذ كانوا يتاخرون بالامداد والتموين فجعل مكوثهم في ديار بني قمعة ايام اكثر مما ينبغي لهم المكوث لاطالة الوقت.


ولقد كان اوكتيفيان منزعج من تاخر هذه الحملة العسكرية التي كان يريد لها النجاح بأي ثمن من الاثمان ليفرض سيطرته على العالم كما يطمح ولكنه لا يعلم بمصير اولاءك الرومان وقائدهم غالوس ونوايا ومكر عبادة الثالث حيث اوكلهم الى سيلايوس ليريهم المهالك ويجرعهم المعاطب لكيلا يكرروا الطمع في هذه الديار وسيلايوس لا يسحب ذلك الجيش الا في اماكن قفرة وخرابات ليقلل في اعين الرومان الطمع في هذه الارض.


noor elhuda likes this.

Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-11-21, 03:11 PM   #42

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي

الفصل الخامس عشر – (عودة الراعي)

فلما اعتلت الشمس مع بزوغ فجر بزغ املا جديد على هيئة خيوط ذهبية من شعاع اضاء ترامى على الارض فصبغها بالوانها الزاهية، وقد خرج الناس مع ضوءها يطلبون اعمالهم ومقاصدهم، واذ بالقوم يرون رجال تركض ناحيتهم بوجوه قد صبغت حمرة بانعكاس ضوء الشمس منها.

فما ان اقترب غالب ومن معه حتى صاح والدموع تتطاير من عينيه وقال (يا لبني ركاب ...) وكان يرددها ويعلوا صوته لبني ركاب كلما اقترب منهم فتوافد من كان ناحية قدوم غالب من المضارب ولم يعرفوه او يألفوه فخرج الناس ينظرونه وهو يقترب وقد انبرى له احد شبان بني ركاب يقال له اسلم بن روحان فاخذ اسلم حربته وذهب مسرعا لغالب وصحبه.

فلما اقترب اسلم منهم اوقف فرسه وقال له (من انت؟...) فتوقف غالب وقال (انا غالب بن سعد بن زيد الركابي...) فرد اسلم (لم اسمع بك ومن اولاءك الذين معك ولمَ انت بحلة الغزاة الطامعين ؟...) فرد غالب (امالك بن الليث فيكم؟...) اسلم (نعم فهو سيدنا وصاحب الامر فينا...) غالب (خذني له..).

فنظر اسلم الى غالب بتعجب فلقد كان اسلم صغيرا حين تم نفي غالب فبدا أسلم يسترجع ذكرياته القديمة ووقع اسم غالب بدى ينقشع عنه ضباب النسيان فتذكره اسلم فنزل من حصانه وقال لغالب بلهفة (أأنت غالب الذي قتل شيبان ونفيت ظلما وجورا لدفاعك عن ظعائن بني ركاب؟!!....) غالب (انه انا بشحمه ولحمه ...) فتبسم اسلم لدهشته ببقاء غالب حيا بعد كل تلك السنين وقد ظنوا الظنون بهلاكه فمنهم من قال اكلته السباع ومنهم من قال مات حرا وعطشا وبقيت عظامه ومنهم من قال سرقته الجن واصبح جنيا يطيف في دومة الحصى والجندل.

فعانق اسلم غالب وهو يقول (مرحبا بابن العم ...لعمرك خبرك هذا سيفرح فتيان بني ركاب وكهولها ...) وقدم حصانه لغالب ليركبه وامتنع غالب واصر اسلم فركبه غالب ومضى به ومن خلفهم ايريك اوثو يمشيان الى ان وصل مضارب بني ركاب واسلم يصيح فيهم قائلا (لقد عاد غالب ... لقد عاد ضليلكم... لقد عاد من فرطتم به صغيرا ... لقد عاد سليل ابائكم.... لقد عاد غالب) وكلما مر على احد البيوت حتى خرج اهل البيت ينظرون غالب واسلم يجر عنان فرسه من فوقها غالب فبدأ الاهازيج تحتشد حيث يمشي غالب وزغاريد النساء تعالت فضجت اطراف المضارب، وهم يمشون الى ان توسطوا المضارب حيث بدأت خيام القوم يكبر حجمها حتى وصلوا الى اكبرها وهي مجلس الرجال وقد خلى في صباحه الباكر من اعيانه وهو ايضا بيت مالك بن الليث فخرج لهم مالك وقد كانت لحيته بيضاء طويلة.

فلما رآه غالب نزل من الفرس وذهب يجر خطاه الى مالك فلما رآه مالك قال (يا ويحي انه غالب ...) فركض اليه غالب وعناقه وقبل يده ورأسه وخرج عكرمة بن مالك وعانق غالب وتوافدت الناس من بني ركاب يرحبون بعودة غالب ويهنئونه بالسلامة.

فنادى مالك بالولاءم والذبائح لغالب واصحابة لسلامتهم من اسفارهم ونصبت القدور وعمهم الفرح والسرور، بينما كان غالب وصحبه بلباسهم الروماني المصري اتاهم عكرمة واعطاهم من افخر ثياب العرب فلما رآها غالب جذبها منه وشمها وضمها على صدره وقبل تلك الثياب وهي ثياب وقال (لقد اشتقت لهذه الهيئات....) ولبسها وكذلك فعل اصحابه ثم انصرفوا الى الخيمة الكبيرة حيث مجلس بني ركاب.

وبينما هم كذلك ساله مالك عن حاله وما حل فاخبره غالب بما حصل به منذ ان غادرهم منفيا دون اخفاء لحقيقة كما كان يفعل بمن صادفهم في اسفاره لانه الان في مأمن من اعداءه وبين اهله واصدقاءه، فتعجبوا لقصته ورحلته وكيف ساقته الاقدار وجعلت من حلفاءه اعداء ومن اعداءه حلفاء وكأن الحظ العاثر قد ولد غالب به وهم لم ينسوا ماضيه حينما كان بينهم كيف لا وهم لا ينادونه بينهم وبين انفسهم الا بابن الطريد، فاعتذر مالك من غالب واخبره بندم القبيلة لانها لم ترفض عرضهم والقى اللوم على حاجب بن عازب الذي كان ضعيفا متراخيا مفرطا بجبنه بحقوق بني ركاب، فحزن غالب لهلاك حاجب بن عازب ولكنه لم يستطع مجادلة مالك لصحة ما يقوله في حق حاجب الا ان غالب كان يكن الاحترام والمحبة لذلك الرجل الحليم وما احزنه اكثر انه يعلم انه ما قتله الا بني ركاب نفسهم في فتنة مقيتة وقعت بسبب حجر بن ثعلبة.

فسال غالب عن احوال الابل والمراعي فاخبروه انهم باحسن ما يكون به الراعي لابله في هذه الارض فالغوث فيها كثير والمكان شاسع كبير، فرأى النساء وهن يعددن الولائم يشرفن على القدور بلباس اسود كلباس العزاء، وبعد ان حان وقت العشاء وهب الرجال الى الوليمة ياكلون منها اطايب الاكل، حتى انقضوا من ذلك فجلس غالب الى جوار مالك وقال (يا مالك الم يأتيكم الكميت بن زرارة في طلب خالصة؟...) فالتفت مالك اليه متعجبا (وما ادراك بالكميت بن زرارة وحاجته وانت قريب عهد بنا؟...) غالب (لقد مررت في طريقي اليكم بديار بطن الواد ولقيت حجر بن ثعلبة فاخبرني بما دار بينكم وبين بني غائلة ...) مالك (اما الكميت فلم يأتنا غازيا او عاديا وقد اكتفى بالرسائل وانقطعت اخباره منذ امد ولعل السبب هو هلاك حرب بن ورد لانه ما كان ليترك خالصة دون الرجوع اليها... وحجر ماذا قال لك ايضا؟...) فسكت غالب عن امر الفتنة التي وقعت بين بني ركاب ولم يخبر مالك عنها واخبره بلقاءه ببني قمعة وكيف هي احوالهم مع الرومان وحال المصريين وامضوا ثلث الليل في حديث عن مغامرات غالب.

ولما اراد الذهاب غالب قد نصبوا له خيمة في وسط المضارب وقد نصبوا خيمة ضيافة لاصحابه اوثو وايريك، ولما استيقظ غالب من صباحه الباكر نظر ناحية الغرب فوجد خياما صغيرة تبعد فرسخ من المضارب وهي خلف مراح ابل بني ركاب وحينما ابصرها غالب لم يجد حولها خيلا تطوف او دابة مسخرة وكانها خالية من اهلها فانتابه الفضول ومر به اسلم فقال لاسلم ( يا اسلم من اولاءك القوم؟...) اسلم وبدت ملامح وجه تتغير (يا غالب لقد تغربت سنين وتغيرت امور ان علمتها الان سائتك فدع عنك امرهم اقلها الان وستبدي لك الايام ما كنت به جاهلا وعوض ما قد فاتك في غيابك وقد فاتك الكثير ...) اشاح غالب بنظره الى اولاءك القوم بفضول قد اعتراه وهو يعي ما يقوله اسلم وقد استخبر الحياة فاخبرته ان بعضا من الامور ان تعجل المرء بمعرفتها قبل اوانها سائته.

وعاد غالب يتفقد حال صاحبيه ووجدهم بلباسهم العربي ووجوههم الاعجمية وتبسموا حينما رأوه من بادية العرب وسخاء كرمهم في الوليمة، فجلس معهم غالب يحدث عن اطباع العرب وغيرتهم وخصوصا غيرتهم على نساءهم وحذرهم من التعرض للنساء او الاقتراب من خيامهم او جموعهم لاختلاف ثقافة العرب عن الرومان.

فقام غالب وجمع امواله واموال صاحبيه وشتروا بهم قطع من الصوف المغزول وبعض البضائع المتواضعة لكي يرسلوها مع القوافل وقام ايريك وعرض ان يرافق تلك القافلة لولعه باخبار الامم والشعوب لا سيما التي قرأ عنها ولم يشهدها فوافق ان غالب ان يذهب معها وعرض اوثو مرافقتهم وأتمن عليهم نقيب القافلة فهم سيكونون له خير عون في حمايتها من الاطماع التي قد تحيط بها، وتلك القافل ستبقى للتجهيز وستغادر في غضون ايام، واما ما بقي من اموال قد اشترى بها غالب نوق وقد اهداه مالك ناقة عظيمة جميلة حمراء كلون ناقة ابيه العرجاء فاسمها العرجاء فصار ينادونه بابي العرجاء كأبيه.

وحينما اقتنى النوق اتوه الرعيان يعرضون عليه الرعي فيها مقابل اجر فرفض غالب ذلك العرض وشكرهم عليه وانما كان غالب يرعى الغنم في روما في جبال بيتيليا ومراعيها ومن قبل كان راعيا لناقتي ابيه ومن ثم لنوق معبد بن جارور واليوم هو صاحب النوق فلم يرد احد ان يرعى بها دونه لانها قد اشتاق لتلك الايام فهي رابطة الوصل بينه وبين ذكرى ابيه الراحل ومعبد الرجل المحسن ولايام كانت اجمل لحظاتها رعيه بالنوق فراح يمسح على نوقه وركب احداها ومشى فيها يحدو ومن خلفه بقية النوق يريد الابتعاد عن الناس قدر المستطاع ليكون ملك نفسه من دون خوف او جزع لاول مرة في حياته تنفس الصعداء حقيقة وهو ينظر لذراعه الموسوم وخلى بنفسه في المراعي والافكار تجول في رأسه تقدم الماضي وتؤخر الحاضر.

وكان يرعى بين مضارب بني ركاب وبين تلك الخيام الصغيرة وهو شاخص بصره نحو تلك الخيام واهلها التي لا يراهم ولا يسمع لهم صوتا، وعقله منشغل بغير الذي يرى يحسب ويقدر الامور، وقبيل مغيب الشمس وموعد الافول الى المضارب بدأ يرى الدخان يتصاعد جهة تلك الخيام الصغيرة فرأى اثنين من فرسان بني ركاب قد عمدوا تلك الخيام بخيولهم بسرعة يخال من نظر اليهم انهم اليها يتسابقون، ولكنه تذكر كلام اسلم فلم يتدخل او يتطفل وعاد يحدوا وخلفه الابل عائدا الى مراحها.

ما ان وصل الى مراح ابل بني ركاب حتى وصل ذانك الفارسين الى تلك الخيام وما لبثوا قليلا حتى سمع صوتا قادما من بعيد وهو كصوت صياح النساء وعويلهن فزادت حيرته تجاههم وهو ليس مطمئن من وجود اولاءك الخيام المريبة بالقرب من بني ركاب ولا احد يريد التحدث بشأنهم معه وكأن الكل متفق على التكتم بل وكأنهم لا يرون تلك الخيام.

فاعطى غالب حينما وصل الى مراح الابل احد الرعيان ليربط ابله، وحينما مشى قاصدا بيته واذ بعكرمة بن مالك قد انتصف طريقه وحياه ورد غالب التحية وعرض عليه ان يمشي مع غالب وهو عائد الى بيته فرحب غالب به ثم قال عكرمة

"

يا غالب في غيابك طرأ على بني ركاب مالم يطرأ على غيرهم فاصبوا اقل مما كانوا فيه من قبل رحيلك وانت ترى بنفسك لقد وجدت القوم على حال غير الذي فارقتهم بها، فاجهتد ابي في رأيه واستخلص بني ركاب من الفناء وانت تعلم حاجب بن عازب كيف هو من مهادن مداهن، يرفض الخير مخافة الشر ويقبل الشر اتقاء شر اكبر منه رجل بلا عزائم جلاب السقائم، والله ما فرط فيك الا خوفه وطمعه فخاف مغبة التمسك بك وطمع في رضى الخصوم فضعت وتهت مع التائهين، حتى بدأ القوم يطلقون عليه اسما جديدا وهو غائب بن عاجز لا حاجب بن عازب، ولم نعرف له جزيلة الا حلمه وماهو الا غلاف خوف وطمع صريحين.

وانت تذكر حينما سلمك للقتل بعدما كنت انت من انت وضربت ضربتك لظعائن بني ركاب ولا اظن ان حجرا قد اخفى عنك حرب بني قمعة وبني غائلة ووقوفه مع بني غائلة ومطالبته لنا بالوساطة فوالذي نفسي بيده لقد هب ان يتوسط ويعيد لهم ظعنهم وقد نسي استهتارهم باعراضنا وحادثة ميساء وشيبان، لولا ان تظاهر عليه القوم لطاوعهم فعلا فرفض الوساطة من حجر.

وحجر قد تظاهر لقبائل الجنوب عنصرية وما ان تنتهي حربهم مع بني قمعة سيفتكون بنا ونحن قد امددنا مملكة حجر بالسلاح والعتاد ودربنا عسكره فاصبحوا على قدر عالي من الاستعداد للقتال فلما كسرت شوكتهم مع بني قمعة اردنا انتهاز هذه الفرصة وقتالهم لكيلا لا تقوم لهم قائمة يرهبونا بها فصاح بنا حاجب وعارض تلك الفكرة ووصلت معارضته الى ان حمل هو علينا السيوف فحملناها مكرهين دفاعا عن انفسنا فاقتتل معنا بشجاعة ما شهدناها له من قبل بل وقد ظهرت شجاعته على بني قومه فقتل حاجب بتراشق النبال بفتنة عصفت ببني ركاب وكادت ان تفنيهم لولا جهود ابي في لم شمل المخالفين والمتخلفين.

فما ان رصصنا الصف من جديد حتى اتانا فج من السماء وسيل جارف فكانما حوبة حاجب قد اصابتنا فهلك منا جمع كثير ولم يتخلف ابي في نجدة رجال ونساء بني ركاب فلقد هب اليهم وقارع السيول حتى استنقذ من استنقذ منهم دون اكتراث ان كان من انقذه قد وقف في صفه ام صف حاجب ورحلنا عن قرى بطن الواد مخافة ان يستغل الحرزيين وبني غائلة ضعفنا وضياعنا فينحرون رقابنا ونحن في البيوت نائمين وما ان وصلنا الى بر الامان حتى تآلفت القلوب والعقول حول ابي مالك بن الليث وحتى من وقف الى جانب حاجب يعيش معنا الان بسلام ودون قتال وسمي عام الديات اي سقطت ديات القتلى في هذه الفتنة لما تالها من احداث اشد مرارة.

وها نحن اليوم كما ترى يا غالب ننعم برغد عيش هانئ وقد قل طالبنا وزاد مطلبنا فكما ترى كثرت مصادرنا وزادت ابلنا وكبرت مراعينا وها هو حليفنا بن جديلة قد دانت له رقاب العرب من شرق وغرب ونحن في منعة افتقدناها مئة سنة منعة لطالما سمعنا عنها من اجدادنا وما عشناها الا الان ولعمرك ما كان ليكون لولا الله ثم مالك ابي ماهو كائن الآن...)

"
وما ان انتهى عكرمة كلامه قد وصلوا حيث بيت غالب وكان غالب يسمع بتعجب اذ كيف ان الاحداث واحدة وكل منهم يلقى اللوم على الاخر لما يرى المسألة من زاويته ووجهة نظره بل وصل ذلك الاختلاف على الاقتتال بن ابناء العمومة والاحلاف وما اشبه اليوم بالبارحة واسباب الخلاف منذ مائة عام بخلاف صغير يفسره كل حسب ما يزعم انه صواب فينفذ امره فيما يرى.

فقال غالب لعكرمة (والله ما زدت عن قول حجر ولا هو زاد الا ما كان محجوب عن كليكما...) فتركه عكرمة بجوار بيته وذهب عكرمة قاصد بيته هو الاخر، ودخل غالب الى بيته وانضجع في فراشه ويقلب الاحوال التي مر بها وسمعها وكلما ابحر بفكره بعيد جرفت امواج التفكير سفينة خياله فارستها في موانئ تلك الخيام المتطرفة، فيقاوم خياله الجارف وفضوله المندفع، ما ان يتفكر بشيء حتى عادت صورة تلك الخيام في مخيلته ويرى ان حيرته امرها يزداد شيئا فشيئا وفضوله افزع سكينته وهجره الكرى وهو يتقلب في فراشه فحيرته سببها انه لا يريد ان تكون هناك حلقة مفقودة او شيء يجهله في اهله وبني عمه وهو للتو قد التحق بهم بعد طول هجر وفضوله كانما يغريه بان اليقين لهذه الوساوس والظنون انما يبعد فرسخا واحد في تلك الخيام ولا يضره ان ذهب اليها كما ذهاب ذانك الفارسان يتفقدها وقد يلقى اجوبة لتساؤلات كثيرة حولها، فغلبه النوم وهو على كذلك فغط في نومه دون ان يشعر...

وحينما استيقظ غالب في صباحه ذهب الى صاحبيه اوثو وايريك ليصطحبهما معه الى المراعي، وحينما توسطوا المراعي طلب منهم غالب ان ينتبها للابل حتى يعود من تلك الخيام، وذهب غالب الى تلك الخيام وكانما كان يعيش صراع بداخله فجزء يقول اقتل فضولك وحيرتك واستعلم الامر بنفسك وجزء منه يقول لا تستعجل بخبر قبل اوانه فلا تنال بره ويصيب حرمانه.

وحينما وصل الى تلك الخيام الصغيرة وجد بها جمع من النساء وقد كان لباسهم السواد كمن فقدن لتوهن شخصا عزيزا، فنزل من فرسه يمشي بينهن ولا يعرنه اي اكتراث او ينظرن اليه حتى فوجد قدور بها الماء المغلي وتغسل بها الاقمشة وتعلق على حبال مرفوعة، ووجد نسوة يغزلن الصوف ومجموعة من النساء يمشين وحملن في نطاقهن اباريق واواني للماء فكنا نساء عاملات يعملن لخدمة بني ركاب فتعجب من جمعهم الكبير غالب.

وبينما كان غالب يمشي واذ باحدى تلك النسوة وقد حملت حلة فيها ماء حول نطاقها وامسكتها بيد واليد الاخرى وضعتها على رأسها لتثبت ابريقا فيه ماء وهي تمشي، واذ بتلك الفتاة نظرت الى غالب فتوقفت تمعن النظر فيه وهو واقف يقلب نظره يمينا وشمالا يستطلع ويستكشف بعينيه المكان حتى وقع ناظره عليها فلما ابصرها وهي تبصره ارتجفت الفتاة واسقطت الابريق والحلة فتكسروا، فاستغرب غالب فعلها ومشت اليه وهو ينظر الى وجه ذو مآقٍ حمراء كمن لم تنفك يوما عن البكاء واجفان زهرية واهداب سوداء ولما اقتربت منه رأى منها العينان قد اغرورقتا بالدموع وامسكت يديه وهي تقول (لعمرك اننا قد متنا في الليل ونحن نائمون...انه هو ...) فلما ابصرها غالب رأى وجها مألوفا مصبوغا بغبرة العناء والشقاء وتحسس يديها فوجدها مشققة من كثرة الاشغال ولكنه لم يعرفها فقالت له (غالب...أأنت هو ...) فرد عليها (نعم يا امرأة انا غالب ومن انتي ؟...) فبكت وعانقته بحرارة ثم اتت اخرى لما رأت تلك الفتاة تعانق رجلا غريبا حتى جذبتها من شعرها وقالت لها (ويحك ماذا تفعلين يابنة الاكرمين؟...) فالتفت الفتاة اليها وقالت لها (انه غالب ...) فلما رفعت الاخرى بصرها الى غالب وهو ينظر اليها صعق الاثنين حينما رأوا بعضهما البعض وقالت (كيف يكون ذلك ...) وقال غالب (عفراء.. اهذه – واشار على الفتاة التي رأتها – ريماس؟....) فبكت عفراء وريماس وعانقتا غالب وهن بنات معبد بن جارور الذي أوى غالب حينما مات ابوه واختهم الكبرى الجليلة زوجته الاولى.

فجلسنا حول غالب وقد جلسن حوله بقية النساء ممن كان في ذلك الموقع لانهن عرفن غالب وكانت الاخبار شاعت خبر وفاته، فجلس معهن بعدما كان حائرا فما زاده ما رآه الا حيرة على حيرته فاستعلم منهن عن احوالهن وسال قائلا (اين الجليلة؟...) فسكتت الفتاتين وقالت عفراء وهي الوسطى (بعد رحيلك عنا يا غالب لم يبقى لنا من يرعى لنا بابلنا فسالنا من يرعاها فلم يقدم العون لنا احد بعد انا نقطع عنا الناس لانشغالهم بامورهم وعلو مراتبهم فكانت الجليلة تخرج وترعى هي بنفسها في المراعي وتعود قبل ان يعود الرعيان وخرجت باحد الايام فلم ترجع وسالنا عنها الرعاة فاخبرونا انها كانت تطارد ناقة قد شردت شرقا ثم انتظرنا لعلها تعود فلم تعود في ذلك اليوم واخبرنا مالك عن ذلك الامر ولكنه لم يكترث كثيرا بل اوصى الرعاة ان يبلغه من يراها ولم يرسل من يبحث عنها فاخبرنا حاجب فقام وذهب معه مجموعة من الرجال للبحث عنها واستمروا ببحثهم ثلاثة ايام وانا وريماس كنا في البيت نبكيها فعادوا خائبين من البحث بلا فائدة تذكر وايقنا انها لن تقوى على تلك الصحراء ولعلها قتلت او سبيت ...) فسالت الدموع من وجه غالب حتى تبللت لحيته وقبضة على لحيته اسفا واسى لما حل ببنات معبد وهو يذكر كلامه قبل مماته ووصيته ببناته فنشج ببكاءه وشعوره بالخزي ان يحل ببنات ذلك الرجل الكريم ما قد حل، ثم استعلم عن احوالهم ولماذا هم متطرفين عن ديار بني ركاب وسبب لبسهم السواد.

فقالت ريماس

"

ياغالب بعدما وجدنا في حاجب عون لنا بعد ضياع اختنا الجليلة والقائمة بامرنا كفلنا حاجب وكان يقضي حوائجنا ويراعي كسرنا ثم اندلعت فتنة بين حاجب ومالك فان مالك قد اصر على قتال بني غائلة وبني حرز فمنعه حاجب لان هناك نسوة من بني ركاب بيوتهم قريبة من بيوت بني غائلة كنا من تلك البيوت فنهاهم حاجب كي لا ينتقم بني غائلة وبني حرز من حرائر بني ركاب.

ولكن مالك ابى واصر على قتالهم فخرج اليه حاجب مقاتلا جنون مالك لكيلا تصيبنا ويلات حرب وتبعات كرب لم يراعنا فيها مالك وقاتله ولكن اكثر الرجال كانوا يرون ما يراه مالك لا حاجب فقتل حاجب بسهم مسوم باسمه فلما مات وقد تجهز الرجال لقتال بني غائلة.

حتى عصفت الرياح وامطرت السماء وجرت السيول وجرفت الخيول والناس والبيوت وكدنا نهلك انا وعفراء منها وما ان توقفت العواصف وهدأت الرياح حتى قمنا نسحب انفسنا من تلك الانقاض وخرجنا حيث اجتمع الناس وكان بينهم مالك بن الليث وامر بالرحيل فرحلنا مخافة فتك بني غائلة وبني حرز بمن بقي منا بعد السيل.

وما ان وصلنا الى بر الامان حتى امسك مالك من بقي ممن وقف بجانب حاجب من الرجال وقال اليوم يوم تسقط فيه الديات وقام بقتل اولاءك الرجال لكيلا يبقى من يطالب بدم اخ او اب او ابن فذهلنا منظر الرجال وهي تقتل صبرا من مالك ومن معه حتى خفنا سطوته وادركنا بالمعاطب فضرب لنا اقبية طرفية وامرنا بها وقال لولا تقول العرب ان مالك اهدر اعراض بني ركاب لسقتكم لبني قمعة سوق البهائم والبغال.

فهذه اقبيتكم ولكم وتاكلون بقدر ما تعملون فلا تشعل لكم نارا ولا ينصب لكم قدرا وتشربون بعدما ملالنا تملئون ومن تمت منكم ادفنوها بصمت لا تعولون.

ولبثنا حينا من الزمن وقد يأست النساء ومن ماتت منهن قهرا على اخ او اب او ابن او عم او خال ولا يرأف بنا بني عمنا ولم تطرف لهم عين وما ان اشعلنا نارا تقينا قسوة البرد خفية منهن جاءونا متى علموا امرها فاخمدوها وجلدونا بالسياط وزادوا علينا الاعمال كأننا وهم اعداء ولا تجمعنا في العروق الدماء، وعشنا في معزل عن العالم لا تاتينا الاخبار الا بحديث رجال بني ركاب اذا مروا قربنا صدفة او بعمل وهذا ما جرى لنا في غيابك الى حضورك

"

فلما انهت ريماس حديثها وغالب عض على اسنانه غضبا حتى سال الدم من لثته وانفه وقد قبض كف يد وضربه ببطن كفه الاخر وصارت عينيه في اعلى رأسه وزبدت اشداقه وتطاير الشرر من عينيه، بينما هم كذلك واذ بامراة تدافع النسوة تريد ان تتطلع على خبر هذه الجلبة وتزاحم النساء حول غالب وما ان اخترقت صفوف النساء فصارت امام غالب فلما انتبه عليها غالب وجد فتاة قد اجحظت عيناها من هول الصدمة وهو قد صعقه منظرها فاذ بها خالصة.

وبدأ يقلب نظره فيها وكيف ان الزمان غير هيئة الحسان فرأى الاختلاف في عيناها اللتان تحملان من الهموم ما قد اثقل الجفون نظرات كئيبة ولدت من عناء لم يعهدها فيها من قبل حيث كانت نظراتها نظرات العابثة غير آبهة همها يومها دون اكتراث لغدها.

واما خالصة فقد صدمها غالب كونه حيا وقد ظنت الظنون بهلاكه كغيرها ورأته بحال غير الذي غادرهم فيها، حيث غادر صبيا وعاد بهيئة الفرسان وتتسائل كيف لمثل هذا ان كان، وقد خالجتها مشاعر متناقضة كحالها كل ما رأت غالب فقد شعرت بالفرح وبنفس الوقت زاد منظره عليها الترح، ولما رأته ذكرت حبيبها شيبان وبدأ قلبها بالخفقان، واحست بالحنين للماضي والسنين وما زال قلبها وعقلها عليه غاضبين، فكانما تريد ان تهب اليه بشوق فتعانقه وتريد بالوقت نفسه بسكين تحز عنقه.

فقام لها غالب متسائل ماذا تفعل هي بمكان كهذا؟!، وهي قد انغتمست بين نساء بني ركاب لها ما لهن وعليها ما عليهن، فنظرت ريماس نظرات غالب وخالصة فقالت لغالب ريماس (اتانا مالك بخالصة بنت حرب بن ورد وقال انتن وهي سواء لها ما لكن وعليها ما عليكن فوالله ما وجدنا في بني غائلة من هو بلؤم مالك وصحبه فنسينا اننا وهي اعداء فاستقبلناها وهي تكثر بالبكاء فاستوجست منا خيفة فطمناها واطمئنت لنا وقاسمناها ما نملك وهو العناء والشقاء وبرغم انها من بني غائلة الا ان مالك قد استنزف من القلوب احقادها ومن الاضغان نيرانها فلم يترك لغيره مجال للكره والبغض...).

فلم يكلم غالب خالصة او هي تكلمه فحان حديثهما عبر العيون مليء بتساؤلات لا تفسير لها واسالة لا جواب لها، فالتفت غالب الى عفراء وقال لها (هل بقي من رجالكم احد؟...) قالت عفراء (نعم لقد نجى مجموعة من رجالنا لم يقدموا حول مالك بادئة الامر ولم يصدقوا وعوده فهم يأتوننا في الليل بصيد وشيء مما يكسبون وهم يسكنون البراري والقفار والاودية كالصعاليك ...) غالب ( وهل يعلم بهم مالك وقومه؟..) عفراء (اظنهم يعلمون ولا يكترثون...) غالب (اخبريهم اني عدت وليستمروا فيما هم عليه ولا يخرجن منكم خبر اني كنت عندكم اليوم ...).

فنهض غالب وركب حصانه وانطلق عائد الى اصحابه، فلما رأوا ملامح وجهه عرفوا بوجود خطب ما في غالب، فلما ساله ايريك عن حاله اخبره بما جرى وقال له (يبدوا اني لا احسن الفرح ولا الهرب من الترح ...).

وفي يوم غد في الصباح الباكر ذهب غالب كعادة الرجال الى مجلسهم حيث يوجد مالك بن الليث اميرهم جالسا يتشاورون في امور القبيلة وشؤونها، فسال غالب عن وجهة القافلة فاخبروه انها ستذهب الى الشمال، ثم غادرهم غالب وذهب لنقيب القافلة فاستاذنه بانزال متاعه من بينها وانه سيؤخر بضاعته عن هذه القافلة، واخبر اصحابه بقرار وقال انه سينتظر القافلة القادمة حيث وجهتها جنوبا.

ثم مضى الى المراعي بصحبة اوثو وايريك فاخبرهم ان يبقوا هنا كالبارحة وذهب حيث نساء بني ركاب المكلومات، وقد ربط في حصانه لحما وخبز ولبن فاعطاه عفراء لتوزعه على النساء بالخفاء، ثم ذهب حيث جدول للماء فوجد خالصة قد جمعت شعرها الى خلفها وحوته عقدا وخصال الشعر من جانبي رأسها تتدلى بوجه مليح تغيره السنين الا زيادة في الجمال، وكانت جالسة جلسة القرفصاء وبيدها قماشة تفركها على الصخور وترجعها في الماء وهي اقمشة بني ركاب اصحاب مالك.

فاقترب منها وقال لها (كيف حالك يا خالصة؟...) فالتفت اليه وقالت (لا تسأل عن الحال وانت ادرى به من غيرك... فاني ميتة من قبل عشر سنين فلا اخ صديق ولا اب شفيق ولا زوج رفيق ...) فعزاها ابوها في ابيها حرب وقال (اعلمي يابنة الاكرمين برغم عداوة استمرت سنين الا ان اباك من اكمل الرجال خلق وخلقة وانه احلمهم ان حلت الخضوب واسرعهم للسيف وقت الحروب، فله مكان في صدري مقيم واكن له من الاحترام شيئا عظيم، وان كان في كلامي ما يعزيكِ فاعلم يا خالصة اني اخيكِ...) وبينما كان غالب يتحدث كانت خالصة تفرك بيديها تلك الاقمشة وما ان انتهى بكلامه حتى طأطأت رأسها وسالت دموعها فاختلطت بالماء وهي تسمع غالب يعزيها بابيها، فشكرت غالب بصوت متقطع من غصة الالم المرير بسبب واقعها العسير.

فعاد غالب وصحبه الى المضارب، فبدأ في كل يوم يأتيهم غالب بشيء من الطعام ويجلس معهن فكان النساء يسالنه عن اخبار بني ركاب لوجود اخوات لهن في الطرف الاخر لانهم في واقع الامر كيان واحد انشق الى نصفين فيخبرهن بما يردن من اخبار، بينما كان غالب كذلك كان في الواقع هناك من يراقبه ويترصده وهو اسلم بن روحان الركابي.

فكان اسلم يذهب الى المراعي بزي الرعيان ويرى غالب وهو يروح ويجيء من حيث مكلومات بني ركاب، وقد اغتاظ اسلم من فعل غالب، ولكنه كتم الامر ولم يبح به ولا يواجه به غالب حتى الان، ثم ما لبث الا عدة ايام قليلة حتى نادوا على قافلة قد اتتهم من الشمال تريد الجنوب فتوقفت في مضارب بني ركاب لتبيع وتشتري وتكمل مسيرها، فذهب غالب حيث امين تلك القافلة فاستاذنه بالسفر معه جنوبا، فوافق الرجل وهو من قبائل الجنوب لا يمت لاعداء بني ركاب او احلافهم باي صلة.

فكانت تلك القافلة ستبقى في ديار بني ركاب عدة ايام ثم تكمل مسيرها، فتجهز غالب وصاحبيه للسفر معها .

وكان بن روحان حينما سمع بنية غالب للسفر جنوبا مع القافلة، جهز لنفسه بضاعة هو الاخر واستاذن امين القافلة بان يسير معه هو الاخر فرحب بذلك امين القافلة بسرور اذ ان كلما زاد عدد الرجال زاد امان القافلة.

فكان غالب يريد الجنوب لحاجة في نفسه واسلم بن روحان يريد الجنوب لعله لم يطمئن لغالب وظن به الظنون وهو يراه يذهب الى خيام نساء بني ركاب المكلومات وكون غالب اصبح فارسا مجربا للحروب مدبرا للخضوب، لم يأمن جانبه اسلم وهو يرى مالك وابنه عكرمة لا يكادون ينفكون عن مدحه والثناء عليه وسعادتهم الغامرة لوجوده بينهم لا سيما ومعه في صحبته رجلين وكانهما ليثين ايريك واوثو.


noor elhuda likes this.

Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-11-21, 10:02 PM   #43

نهى حمزه
 
الصورة الرمزية نهى حمزه

? العضوٌ??? » 422378
?  التسِجيلٌ » Apr 2018
? مشَارَ?اتْي » 262
?  نُقآطِيْ » نهى حمزه is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فصول جميله جدا واحداث كتيره وتقلب فى الاحوال كبير بس الواضح ان الغدر اكبر المسببات لهذا التقلب فى حيوات الابطال ونتابع بدون لحظة ملل كل الاحداث شكرا بحجم السماء

نهى حمزه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-11-21, 12:43 PM   #44

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نهى حمزه مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فصول جميله جدا واحداث كتيره وتقلب فى الاحوال كبير بس الواضح ان الغدر اكبر المسببات لهذا التقلب فى حيوات الابطال ونتابع بدون لحظة ملل كل الاحداث شكرا بحجم السماء
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته الشكر لله اولا ثم لكم انتم من يشجعني في الاستمرار في هذه الرواية واتمنى ان ينال القادم اعجابكم كما نال السابق استحسانكم


Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 21-11-21, 11:05 PM   #45

قــــلــــم
 
الصورة الرمزية قــــلــــم

? العضوٌ??? » 491808
?  التسِجيلٌ » Aug 2021
? مشَارَ?اتْي » 2,346
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » قــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond reputeقــــلــــم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» اشجع ahli
افتراضي





سرد وتسلسل مشوق جدا
اقدم كل شكري وكل تحياتي لما هنا
وبانتظار جديدك



كان هنا


قلم


قــــلــــم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 23-11-21, 04:42 PM   #46

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قــــلــــم مشاهدة المشاركة




سرد وتسلسل مشوق جدا
اقدم كل شكري وكل تحياتي لما هنا
وبانتظار جديدك



كان هنا


قلم

مشكور على مرورك الكريم وكلامك العظيم وان شاء الله ربي يقدرني واقدم كل ما يحوز على رضى الله اولا ثم رضاكم


Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-11-21, 04:09 PM   #47

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي

الفصل السادس عشر – الانتصاف

وفي طريق القافلة نحو الجنوب كان اسلم مرافقا لغالب وما ان ارسى الليل عليهم سدوله حتى اقترب اسلم بغالب منفردا وقد استل خنجرا ووضعه بظهر غالب ناحية قلبه ووضع يده في فم غالب وقال له (ما يفعل مثلك حول نسوة بني ركاب المتطرفات واصدقني القول والا لغرست الخنجر واعجل رمسك قبل ان يسمع صحبك همسك؟...) غالب حينما سمع كلام اسلم ارتاب قليلا واراد ان يقاومه فشد عليه اسلم وطرحه الى الارض وبدأ بالضغط على الخنجر حتى انفذ دبوس خنجره في طبقات جلده الاولى، فقال له غالب (بل ما يفعل الحر منكم وظعائنكم سباياكم لعداوة بينكم وبين بعولتهن اين مروءتكم وما تخفون شيء اليوم فان غد سيظهره فتكون سبة عليكم عند العرب ابد الدهر فقد جئتم بشيء لم يأت به احد من العرب فوالله اني ابرء من نسبكم واحتقر حسبكم...) بينما كان يتكلم غالب ارخى اسلم قبضته على غالب وتراجع للخلف وهو مندهش من غالب فقام غالب ونظر الى دهشة اسلم فساله عن سبب هذه الدهشة فرد اسلم (والله لقد ظننت بك الظنون وسوء النوايا لا سيما انك متغرب عن الروم لعلك تخلقت باخلاقهم ورجعت لنا بعاداتهم وما سمعنا من تلك الا كل ماهو قبيح ...) غالب (اذن لمَ فعلت ما فعلت؟...) اسلم (اعلم يا غالب ان تلك النسوة بينهن خالتي وابنتاها، ولكن يوم افترق الجمع كان ابي قد اختار منزله وموقفه مع مالك فكان من انصاره وانت تعلم ان بني ركاب انشقوا نصفين فوقفنا بجانب مالك وكنت صغيرا ولكن امي لم تكن ترى ما يرى ابي ولكنها كتمت الامر فلما مات ابي احسن مالك الينا واوصتني امي بان لا اقوم بعمل شيء من شأنه ان يحفز الشك بي، وكنت اذهب الى تلك النسوة في الليل بشيء من الصيد والاكل والطعام خلسة وارقبهن واذود ما استطعت عنهن ولكن ان علم مالك وقومه لقتلوني واعدموهن معونتي وما خرجت في هذه القافلة الا لظن سوء احاط بي تجاهك وقد حسمت امري على قتلك وتركك في القفار مقتولا وحمدا لله اني لم افعل...) فجلس غالب واسلم يتحدثان عن احوال بني ركاب ونسوتهن المكلومات.

وحينما اصبحوا اخبر غالب صاحبيه اوثو وايريك عن امر اسلم وكيف هو الواقع ثم سال ايريك غالب ان يسال اسلم ان كان غيره من بني ركاب يشاطرونه فيما يرى او ان الافئدة هناك على ما يرى مالك؟ فلما سال غالب اسلم اجاب اسلم بانه لايدري ولم ينبش بسؤال كهذا مخافة الوشاية.

فقال ايريك( لابد ان يكون في القوم بمثل اسلم لا يرضون ما صيرت اليه نساء قبيلتهم ولكنهم يخافون بطش القوي فيهم ورهطه اي مالك، وان كان كذلك لعلهم يكونون خير عون لنا فيجب ان نتحسس مشاعرهم كيف لا نظلمهم بظن فيكونون علينا...)

فاعجبت الفكرة غالب وبنى عليها، واخبر اسلم ان يعود الى الديار فيتعمد نبش صدور الرجال لما يحصل لبنات بني ركاب المكلومات ان في القوم مروءة، واخبره عن امر بقايا رجال بني ركاب ممن فر من بطش مالك انهم يأون نسائهن ليلا، فاخبره اسلم انه يعلم ذلك، فاوكل غالب اليه امر التنسيق والتحقيق وتمحيص قلوب الرجال في بني ركاب لحين عودته، ثم اوصاه ان لا يبالغ في السؤال.

فاجابه اسلم وكان فطنا ثم افترق عن القافلة وعاد من حيث جاء قاصدا مضارب بني ركاب، واما غالب وصاحبيه فانه يريدون الجنوب حيث الكميت بن زرارة، فيطلبونه القدوم معهم لنجدة عروسه التي اخذت منه عنوة ويحرضونه بالعار الذي اصابه منها.

واما خالصة فانها لما رأت غالب كان ملامح وجهه مرتبطة بذكرياتها الجميلة والاليمة، حيث كانت واقفة على اطراف بيوت النساء قبالة المراعي وهي ترى الابل ترعى فبدأت تناديها الاشواق لايام الصبى فكانت تبكي تارة وتبتسم تارة وانشدت تقول :

تذكرت الصبى فاشتقت لما * * * رأيت حمولها اصلا حدينا
فجلست بجانب الماء وقد اهملت اعمالها لهذا اليوم لشرود ذهنها، فكانت تتذكر غالب صبيا حينما كان في البستان، وتتذكر حينما اخبرت الجارية ان تخبره بقدومها وصارت تراقبه ما يفعل حينما يسمع خبرها فتراه يقطف ازهارا فيفركها بيديه ويحكها في ثيابه وهي من خلف ازهار البستان تتبسم، ثم تعصف بها الذكريات وترميها امام شيبان قبالة البحيرة التي تكونت من الامطار واحاديث الغرام، ثم ترى نفسها في منزل ابيها حيث حجرتها وحولها الخدم يخدمنها وهي تنظر الى مرآة لها فترى كم كان بليغا جمالها مدت يدها لتتحسس شعرها المنساب، كانت ترى احلامها في يقظتها، فلما لمست شعرها في احلامها كانت تلمسه ايضا في واقعها فايقظها من نشوتها احساس يدها بشعرها الذي تقصف اطرافه وتلاصقت خصلاته، فسحبت شعرها امامها تنظر اليه فرأت كيف ان الشعر نفسه تقلب بتقلب الاحوال وصار حاله اليوم كغير حاله الامس فرأت يداها الناعمتين وقد ملئتا بالشقوق واصفر لونيهما من كثرة الاعمال الشاقة، فانشدت وقالت

لكل شيء اذا ما تم نقصـــــان * * * فلا يغر بطيب العيش انســــــان

فجائع الدهر انواع منوعـــــة * * * وللزمان مسرات واحـــــــــــزان

تلك المصيبة انست ما تقدمها * * * ومالها من طوال الدهر نسيـــان

واما اسلم فانه عاد لقومه فاخبرهم بعذر ارتجله لعودته وعدم اكمال طريقه مع القافلة، ثم مضى في مجالس الرجال ونواديهم وقد اكثر من قصص شهامة الابطال ومروءة الرجال، وكان يرى اكثرهم تأثر بهذه القصص فيراقبه من ثم يفضي اليه بقليل من مكنون صدره وان وجد الرجل متوافق بما كتم صدره وهو اعتمده بحذر اللبيب الفطن، وامضى على هذه الحال وفوجئ اسلم بكثير من الرجال قد اتفقوا برأيهم ورأي اسلم ولكن كل منهم قد خاف بطش مالك ورهطه.

واما غالب فانه واصل قبيل نجران فوجد فلولا للرومان تسير امامهم وكانوا تشكيل عسكريا صغير متمركز في هذه النقطة فلما لحظهم الرومي عمد اليهم ومعه ترجمانه العربي واستوقفهم فسالهم الى اين ستذهب هذه القافلة فاخبره نقيبها وجهتها الجنوب وقد هم ان يستولي عليها باسم ايليوس غالوس ولكن تدخل غالب وحدثه بالرومانية وقال (ان في هذه القافلة امورا تخص احلاف ايليوس غالوس وقد امر الي والى هؤلاء – اشار الى ايريك واوثو – بالبقاء عندهم لحفظ امنهم وتيسير امورهم لان هذه القبائل هي التي تضمن لنا خط الامداد ...) دهش القائد الروماني حينما رأى عربيا شكلا ومضمونا يتحدث الرومانية بطلاقة وزادت دهشته حينما رأى ايريك واوثو فلم يستطع التشكيك خصوصا بعدما كشفوا عن اذرعهم فوجد النقش التابع للجيش الروماني، فقال له غالب ( سنمد تشكيلكم العسكري الصغير بشيء من الطعام والماء رأفة بحالكم ...) فشكره الرومي وتركهم في سبيلهم، نظر نقيب القافلة الى غالب وقال له (اشكرك على حسن تصرفك وانك انقذت قافلتي وهي كل ما املك في هذه الفانية ...).

وحينما دخلوا نجران وجد غالب العسكر الرومي بها كثير فتذكر ايامه في مدينة فيلا ولكن هذا الجمع لا يمكن ان يكون الجيش بكامله فلما سال اناس من نجران وكانوا من قبيلة مجاشع اخبروه انهم التحموا مع مقدمة الجيش الروماني فخسروا المواجهة الاولى فابرموا معهم صفقة ذل وعار ان يبقوا في ديارنا ليأمنوا خط امداد حملتهم العسكرية جنوبا حيث سبأ فاستولوا على الابار وعيون الماء ويأخذون اتاوة عليهم ولم يتركوا لهم الا القليل.

فراح غالب يتقصى اخبار الكميت بن زرارة فلم يخبر احد انه من بني ركاب بل كان يقول انه من بني حرز وانه يريد الكميت ليهديه هدية من حجر بن ثعلبة الحرزي، ولكن الاخبار لا تفيد بوجوده حيث نجران او قريب منها وعليه التوغل جنوبا اكثر حيث الكميت وقومه بني زاخم.

وحينما تحسس اخبار الطريق جنوبا وجد انه قد قطع بارساليات عسكرية للرومان لا ينفذ احد جنوبا الا بامر الرومان فبسطوا سيطرتهم حتى نجران، ولكن همة غالب لا يستوقفها أُحدٌ ولا ثهلانُ.

فلما علم غالب انه لن ينفذ الى مبتغاه الا عبر الرومان، تذكر اقوال صالح انهم لا يريدون للرومان خير وانما يريد اهلاكهم في درب طويل حتى يملوا قتال العرب ويعودوا من حيث اتوا، وانه حذره من قبل ان لا يدخل نجران وانه يسوق الجيش للمهالك، ولكنه وجد ان الرومان قد ركزوا الويتهم فيها ظافرين بما فيها وحولها، فسال غالب عن سيد القوم فدلوه الى رجل يقال له عمرو بن حنشة المجاشعي.

فدخل عليه غالب وكان مجلسه عامرا برجال بني مجاشع وبعض قادة الرومان وترجماناتهم، فجلس بجانب المجلس يستمع لاحاديث القوم فلم ينتبه لوجوده احد فاخفى ذراعه وانزل عمامته الى ان كادت تغطي عينيه، وطأطأ برأسه والقى السمع.

فكان قائد الروم يريد من بني مجاشع ان يحملوا الامداد والتموين جنوبا حيث ايليوس وجيشه لانه مهمة تستعصي على الرومان لجهلهم بالطرق المختصرة وهذا من شأنه ان يقلل التواجد العسكري حول ايليوس ان كان قسم جزء من جنده ليحملوا الامداد والتموين من نجران الى سبأ وهو لم يصلها بعد، وكان يغري عمرو بن حنشة بالمال وان وافق على ان يقوم ابناء بني مجاشع في هذا العمل سيقلل عدد الحرس والعسكر في نجران ويرسلهم الى سبأ لعدم حاجته لهم هاهنا.

ولكن بن حنشة كان يتمنع عن هذا القائد ويخبره انهم لا يقبلون بمثل هذه التسوية التي لا تليق الا بمرتزقة، فألح عليه القائد ورغبه اكثر من ذلك وعرض عليه ان يزيد له في مساحة الرعي ويفسح لهم في العيون والابار وان يسمح لهم بالرعي حول معسكر الجيش ولكن اشترط ان لا يرعى الرجال بل النساء ليأمنوا شر الرجال ومخافة ان طيش غادر منهم، فلما سمع عمرو بن حنشة ذلك العرض التفت الى قومه وقد كادت ابلهم ان تهلك لضيق المرعى وقلة الماء، فقبلوا قومه ذلك لاستنقاذ ما تبقى لهم من الابل، واخبره الترجمان بقبول العرض، فالتفت القائد على احد القادة وابتسم بخبث وقال له بالرومانية (ان لرجالنا رغبات وعسى نساءهم ان تلبي رغبات رجالنا في المراعي ورجالهم لدينا عاملون...) فضحك القائد الاخر، وغالب صعق مما سمع من هذا اللئيم فنظر الى الترجمان فرأى الترجمان بملامح باردة لم يبدي اي انفعال وهو عربي، واما غالب فقد غضب ثم نهض وقام من المجلس فجلس خارجه ينتظر خروج اولاءك العلوج.

ما ان خرج قادة الرومان حتى دخل غالب على عمرو فقدم نفسه، ورحب به عمرو واجلسه، وقبل ان يعجل عمرو القرى لغالب حتى قال غالب (احذر يا عمرو بن حنشة من امور في الخفاء مرعشة والله لقد غشك الرومان وستصبح في غدك ندمان سترسل المخدرات للمراعي ابكار ويرجعن ثيبات وسيصيبك العار ...) فلما سمع هذا الكلام عمرو صاح في وجه غالب ونهض في مكانه بغضب (ويلك يابن الخاسرين اتقول هذا في مجلسي...) فهم الرجال بالانقضاض على غالب فرفع غالب يده بان تريثوا واردف (انا غالب بن سعد بن زيد الركابي لقد كنت عبدا في ديار الرومان سنين كثيرة واتقنت لسانهم وعرفت اعرافهم وفهمت عاداتهم والله لقد قال لصاحبه بنفس خبيثة ان لرجالهم رغبات ستلبيها بنات بني مجاشع وانهم قوما وان علت بهم مراكبهم فاخلاقهم راجلة لم تركب وقد اتيتك ناصحا ...) فلما سمع هذا الكلام عمرو هبط الغضب في وجهه واسدل جفنه الى منتصف عينيه ثم جلس وحوله تذامر بني قومه يريدون الانقضاض على ذلك القائد قبل ان يعود لمعسكره فاشار عمرو بيده ان انتظروا.

ثم التفت الى غالب وساله عن سبب قدومه لنجران واهله في المنطقة الوسطى، فلم يخبره غالب حقيقة قدومه ولكنه استبدل الحقيقة بحقيقة اخرى وقال له (لقد كنت في هذا الجيش قدمت غازيا وهو سبب التحاقي به وهو التخلص من عبودية اولاءك العلوج وكان دليل الجيش رجل من الانباط يدعى صالح ويسمونه الرومان سيلايوس وحينما عرف اني عربي استوجس مني خيفة وما ان اطمئن الي وقبل ان نصل دياركم اخبرني ان لا ادخل نجران لانه يسوق الجيش الروماني للمهالك فعدت لبني قومي اتفقدهم واطمئنهم علي ومكثت فيهم حينا من الزمن ثم اردت ان اعود واقدم يد العون للتخلص من اولاءك الغزاة فلم ارد بعد التحرر منهم ان اسلمهم ديار العرب وهي داري او اموت دون ذلك وفي سبيل هذه الغاية....).

لما سمع عمرو اسم صالح الانباطي ورد في حديث غالب تفاجئ، فقال رجل من بني مجاشع وقد اصلت سيفه ورما عمامته غضبا (لسنا بحاجة العبيد اولسنا اكفاء لنستعين على الرومان بعبيدهم ...) فاغمض غالب عينيه غضبا من مقولة هذا الرجل وعض على شفتيه وهو يغلب رأسه محاولا ان يسر هذه الكلمة في صدره ولم يقوى ثم فتح عينيه ونظر الى الرجل وانشد قائلا:

ان كنت في عدد العبيد فهمتــــــــي * * * فوق الثريا والسماك الاعـــــــزلِ
او انكرت فرسان العُرْبِ نسبتـــــي * * * فسنان رمحي والحسام يقر لــــي
وبذابلي ومهندي نلت العــــــــــــلا * * * لا بالقرابة والعديد الاجــــــــــزلِ
ورميت مهري في العجاج فخاضه * * * والنار تقدح من شفار الانصـــــلِ
خاض العجاج محجلا حتــــــى اذا * * * شهد الوقيعة عاد غير محجـــــــلِ
لا تسقني ماء الحياة بذلـــــــــــــــة * * * بل فاسقني بالعز كأس الحنظــــلِ
ماء الحياة بذلة كجهنـــــــــــــــــــم * * * وجهنم بالعز اطيب منـــــــــــزلِ


لما سمع ابياته عمرو ادهشته فصاحة غالب وادهشة ذلك الرجل وكل من كان في المجلس ثم قال عمرو (تعال يا غالب واجلس بجواري واخبرني عن صالح وما دار بينكما...) فجلس غالب بجانب عمرو وهو يمشي ناحية عمرو استوقفه الرجل الذي اصلت سيفه ومد كف يده لغالب لمصافحته فصافحه غالب وقال لغالب (انا شراحيل بن عمرو المجاشعي واعذر قبح لساني لما سمعت منك الجنون اعتراني ...) فقبل غالب اعتذاره وجلس بجوار عمرو يحدثه بلقاءه بصالح الانباطي.

وحينما انتهى غالب سال غالب عمرو (يا عمرو لقد حذرني صالح الدخول في ديارك لانه يسوق الرومان للمهالك والمعاطب ولكني لم اجد الا الرومان قد نالوا منكم واسلمتموهم امركم ففيما كانت مهالك الرومان...) عمرو (لقد كان متفق ان يأتينا اعيان اليمن وعلى رأسهم الكميت بن زرارة الزاخمي فنلتقي بالرومان ناحية جبال السروات ولكن بني زاخم تاخروا علينا فخرجنا لمواجهة الرومان ولكننا امام طود عظيم من الجند ترى مقدمته ولا ترى مؤخرته، وبينام كنا كذلك جائتنا اخبار عن انتشار الاسقام ببني زاخم فتعذر وصولهم الينا في موعدهم، فبعد مواجهتنا الاولى ادركنا ان لا فاقة لنا بقتالهم منفردين فابرمنا معهم ما قد ابرمنا من هدنة للحفاظ على اكبر قدر من الارواح الى حين وصول بني زاخم ثم نزحف عليهم فنطيح بمعسكرهم ونقطع خط امدادهم وتموينهم فيجوع الغزاة الطامعين جوعا وعطشا في الصحراء، وانما نحن نهادهنهم ونماطلهم ولا ارى ان بني زاخم سيأتون قريبا...)

وحينما سمع غالب ذلك الكلام طرأت عليه حيلة يريد الاحتيال بها على اولاءك الرومان، فنادى صاحبيه ايريك واوثو واتفق معهم ان يلبسو ماكان عليهم من حلة الرومان ويذهبوا لمعسكر الرومان ويلتمسوا اي حجة تقبل دخولهم داخل المعسكر لا سيما ان هيئاتهم ولسانهم كالرومان لن يشكوا بهم ابدا، وان يبقوا فيهم وبينهم واخبرهم ان يشيعوا ان بنات بني مجاشع مليئات بالقمل والحشرات وان لهم صاحب قد اختلى بواحدة منهم فمات بعد يومين ويخوفونهم من مغبات تلك الافعال وعلامات ذلك كثرة الهراش وان يحذرونهم كل الحذر من الاقتراب منهن، وذهب الى عمرو واخبره ان يامر من تخرج للمرعى ان تلبس من الثياب اخشنها واغلظها ويغطين رؤوسهن، واخبره ان تلك الافعال نذير شؤم عند الرومان فلن يقربوا النساء ابدا.

ومن ثم ركب حصانه وانطلق حيث بني زاخم والكميت، ولما وصل ديارهم وجدهم في هزل وسقم وقد طليت بعض الابواب وكان القوم بالكاد استفاقوا من افة قضت على خلق منهم، فسأل عن الكميت فاشاروا الى بيت كبير في اعلى سفح جبلي، وما ان وصل وجد بجانبه بيت صغير وشيخ كبير جالس بجانب باب البيت وقد ملأ البياض شعر راسه ولحيته وحاجبيه وقد ربط حاجبيه الى راسه لكيلا تسقط على عينيه، فتجاهله قليلا ثم عاد يمعن النظر اليه، فوجده حرب بن ورد والد خالصة جالس تحت اشعة الشمس لتدفي عظامه البالية من الوهن والضعف، فرجف قلب غالب وتقدم اليه بحذر متسائل اهو هو؟!، ولما اقترب منه غالب ادار حرب وجهه ناحية غالب فقال (من انت ولمَ تجر الخطى متثاقلا؟...) فتوقف غالب وقد تحشرجت انفاسه حينما رأى ذلك القرم العظيم كيف مال به الحال الى الضعف والانكسار وقد ذهب بصره فاصبح كفيفا، رغم ما كان بينهم من عداء الا ان غالب حن اليه وتذكر ايامه الجميلة معه وقد انسته اسفاره كل قبيح جاء من حرب فقال له بصوت رقيق (انه انا غالب ياسيد المحجرين ...) فرعشت ملامح وجهه ورفع حاجبيه وفتح فاه ثم بلع ريقه وقال (غويلب؟...) وكان يناديه غويلب في صباه كلما فعل غالب امر استحسنه منه حرب ناداه بغويلب لما سمع غالب ذلك الاسم الذي قد نساه تماما سقط على ركبتيه قبالة حرب وبكى بحرقة ومسك يده وقبلها فتبسم حرب واذرف الدمعات وقال (لا تبك يا غويلب فالرجال لا تبكي ...) ووضع حرب كفه على رأس غالب ثم قال له (اعجبني عملك في البستان فقد اكفيت واوفيت عملك اليوم ساجزيك بان ادعك تذهب لترعى بقية يومك مع ابيك ...) فرفع غالب بصره والدموع مجراها المآقي فاستغرب لحال حرب.

بينما هم كذلك حتى خرج من البيت الكبير رجلا عظيم البطن اصلع الرأس عريض المنكبين كث الحية فرأى غالب بجوار حرب فقال له (مرحبا بالضيف ..) واقدم الى غالب وقد فتح ذراعيه للترحيب فقام اليه غالب، فنظر الرجل الدموع تسيل من كلا الرجلين وهو يعرف حرب ولكنه لا يعرف غالب، فقال الرجل (ما بالك يارجل لعلك تعرف حربا او رثيت لحاله؟...) غالب (بل كنت اعرفه فيما مضى ورثيت لحاله الان، أهجر؟...) الرجل (لا ولكنه نوبات تعصف بواقعه فيعيش ماضيه وينادي على اسماء لا نعرفها ويامر بامرون نجهلها ولكنه سيعود لرشده لا بأس عليك منه تفضل ...).

فدخل غالب حيث مجلس ذلك الرجل واذ به مليء بالرجال فجلس، ومالبث الا قليلا حتى عاد ذلك الرجل وقد لبس حلة الاسياد وعمامة بيضاء خالجها سواد واذ بالقوم يرحبون به وهو سيدهم الكميت بن زرارة.

فالتفت الكميت الى غالب ورحب به في مجمعهم ثم قام غالب وقال (اعلم يا سيد القوم ان قد جئتك من عمرو بن حنشة المجاشعي وعلمنا ما احاطكم من بأس وهنيئا لكم سلامتكم بما خضبكم، قد استفحل للرومان شر في نجران، ولستم عنه بمأمن وقد دبرنا لهلاكه مكمن، فان اعنتمونا كنتم السابقين وان جفوتمونا فنحن لحالكم عاذرين...) فلما سمع الكميت كلام غالب غضب وقال (ان عذرتمونا فوالله ما انصفتمونا، فلسنا لانفسنا عاذرين ان كنا مع المتخاذلين...).

واما غالب فقد غير نيته وطلبه للكميت فقد كان مقصده ان يعينه الكميت في قتال مالك وتحرير حرائر بني ركاب ولكنه خاف ان يرفض الكميت ذلك فغير من خطته بان يجلبه حيث بني مجاشع ثم يلقي عليهم طلبه الاول فيحرجه امام احلافه وايضا قد يستميل بني مجاشع لقضيته.

فقال الكميت لغالب (من انت ؟...) غالب (اوتُسأل الضيفان في اول ايامها عندكم ؟...) اسرها الكميت وقال مبتسم بحرج (لقد غلبتني بفصاحتك...).

ثم شرح غالب خطته للكميت واتفق ان ياتي الكميت متى استطاع باقرب وقت ثم سيفتح بوابات الحصن فيدخلون جموعا على الرومان فيقتلونهم ويستولون على الحصن واخبر ان له اصحاب في ذلك الحصن ما ان يلتقي الجمعان سيلبسان لباس العرب لكيلا يقتلون خطأً، ثم استأذنهم ليعود لعمرو.

ولما خرج وجد حرب وقد عاد الى رشده وقد القى رأسه الى الجدار غافيا فجلس بجانبه غالب فاستيقظ حرب من يقظته فالتفت الى غالب وقال له غالب (يا حرب انا غالب هل تدركني..) حرب (غالب ! .. احقا انت؟... هل ادركني الموت؟...) غالب (لا بل ادركك السعد يا حرب...) حرب (واي سعد ياتي بتعيس مثلي ...) غالب (ابنتك خالصة...) فلما سمع الاسم حرب التفت الى غالب بجسده وامسك ذراعي غالب وقال (اين هي؟...) غالب (انها عند قوما نريد استنقاذها منهم...) حرب (انها عند قومك ...) ودنى مبتعد عنه، غالب (ان قومي ليسوا كما كانوا فانها عند قومي ويعينها قومي...) حرب (اتهزأ بي يا هذا ...من انت حقا اصدقني القول...) غالب (انا غويلب والله ان ما كذبتك بشيء ولكن اكتم خبري ولا تفشيه لاحد حتى اتمكن مما اروم فاخلص لك خالصة...) حرب ( والله ان فعلت لاكونن طوع بنانك وستحملني به دينا عظيما لا اخفر فيك ذمته...) فقام غالب وشكر حرب على كلامه ومضى حيث عمرو وبني مجاشع.

واما اوثو وايريك فانهم لما انغمسوا بين جنود الرومان فبدأوا يشيعون تلك الاشاعات حول نساء بني مجاشع بعدما علم جنود الرومان الاتفاق بين قائدهم وعمرو بن حنشة ومنوا النفوس بالاماني وعلقوا عليها من الشرور الامال تكدر صفوهم باشاعات اطلقها اوثو وايريك وتعمد الاثنين على الافتراق داخل معسكر الرومان لكي لا يكون مصدر تلك الاشاعات واحد، فما كانوا يرون مجمع جند الا وجلسوا ودارات الاحاديث بينهم حتى اطلقوا تلك الاشاعة وبعد حين وجدوا ان اشاعتهم تشيع من تلقاء نفسها في كل مجامع الجنود وثكناتهم.

وفي الصباح الباكر خرجن بنات بني مجاشع للمراعي يسقن الابل وعليهم ثياب خشنة غليظة وروسهم مغطاة وما ان وصلن للمراعي حتى اثارت الثياب هرشة في الجلد وبدأن بالاحتكاك فكل حين تهرش الفتاة بقعة من جسدها وكانوا جنود الرومان يرون الفتيات وهن يهرشن اجسادهن فتذكروا صدق الاشاعة بكثرة الهراش فخافوا الاقتراب منهن وتركوهن في حال سبيلهم يرعين ابل ذويهم بسلام من شر الرومان وشر غيرهم اذ ان معسكر الرومان شرد الطامعين الى غير هذا المكان.

فلما عاد غالب واتفق مع عمرو ان شارتهم هي قدوم بني زاخم على رأسهم الكميت بن زرارة، وامر عمرو الرجال على الاهبة والاستعداد، ولم يلبثوا الا ايام قليلة واذ بمرسول ياتي لعمرو يفيد بتموضع بني زاخم على شم الجبال متوارين عن انظار الرومان، فقام غالب وهيأ نفسه وجعل موعدهم الليلة.

فتجمعت الجموع وحشدت الحشود وسارعت الجنود بخفة ولم يصدروا للحديد قلقلة وازاحوا عن طريقهم كل عرقلة، فكانت السماء مرصعة بالنجوم وقد غاب قمرها مما ساهم في التخفي عن الرومان، فاشعل غالب شعلة وقرب من الحصن وصاح قائلا( جوليوس قيصر فيلا ... جوليوس قيصر فيلا ...) بنما احتشد الجنود حول مصدر ذلك الصوت من فوق الاسوار، واذ بصوت يجيبه وهنو صوت ايريك ويقول (سولونيوس فيلا ... سولونيوس فيلا).

فلما صاح غالب سمعه ايريك وتذكر خدعة جوليوس قيصر في مدينة فيلا حيث انغمس بين العبيد وفتح البوابات للجيش الروماني، فاجابه باسم سيده السابق الذي قتله في مدينة فيلا واسمه سولونيوس ليثبت انه قد فهم مقصده.

فبينما يتسائل الجنود عن مصدر الصوت واذ بصوت من بينهم خرج يقول سولونيوس فيلا حتى اندفع ايريك ونادى على اوثو ناحية البوابة وضرب عارضتها التي تؤصدها على اطرافها حتى قطع حمالاتها فسقطت العارضة وكان الجنود في بادئ امرهم مندهشين من هذا الفعل ما لبثوا حتى انقضوا على ايريك واوثو وتقاتلوا معهم وما ان فتحت البوابات حتى صاح غالب في اصحابه، فتطايرت في السماء اسهم برؤوس مشتعلة فاصابت من على اسوار المعسكر وبدأ من كان في الداخل يسمع صوت صيحات الجنود ينادون بثاراتهم ودبك الخيول زاد بالرعب نبضاتهم.

فوصل بني زاخم ومجاشع على بوابة المعسكر والتحموا باولاءك الرومان فدارت معركة في عقر دار معسكرهم وكانت خيمة القائد في وسطها فخرج مذهولا من هول ما يحدث فلبس درعه وامر الخيالة بالالتفاف من حول المعسكر ولكن هيهات لقد سبق تفكير غالب هذا الامر لا سيما وانه يعلم اساليب واستراتيجيات الرومان فلقد وضع فرقة لتصد الخيل من على النبوات رشق بالاسهم وفرقة اخرى على الابل تهجم على الفرسان وخيولهم التي لم تعتد مقاتلة الابل فخافت الابل والقت فرسانها من على ظهورها.

واما غالب فاقتحم مع المقتحمين ووجد اوثو يصرع الرجال يمينا وشمالا كاسد رئبالا، وايريك بخبرة المجالد يقاتل كمقاتل خالد، وغالب يخرق الاجساد بالرماح ويثخن في الرومان الجراح حتى تقلصت دائرة الرومان ومابقي مع قائدها الا الشجعان فتقدم ببطش شراحيل وبيده رمح سمهري طويل، فالقى نفسه خلف الحدود لم يبالي بحرس او جنود، واقتحم خيمة القائد برمح القنا السائد، فطعن شراحيل قائد الروم ببطنه واخرج رمحه من الحلقوم، فانقضت من العرب الجموع وحطموا جماجم الرومان والضلوع، ورفعت رايات الانتصار ليوم ما كان له طول انتظار.

ما ان انتصر غالب ومن معه في هذه المعركة حتى استبشر العرب بتحرير ديارهم من الغزاة الطامعين اللئام الجاهلين، فكتموا اخبار هذا الانتصار ليطيلوا على الرومان الانتظار، واعدوا الولائم وضربوا الدفوف في نجران وفرحوا بهذا ايما فرحٌ.

فقام عمرو بن حنشة وقال في الناس (يا ايها العرب قد انتصرنا اليوم على الروم، وان كان هناك فضل لأنسيٍ بيننا فانه لغالب بن سعد بن زيد الركابي – واشار الى غالب-...) فلما سمع الكميت ان هذا الرجل من بني ركاب امتعظ وعبس بوجهه، فقام غالب وشكر عمرو لثناءه عليه وقال (اعلموا يا قوم ان الروم قط قطع خط امدادهم ولا اظنهم سيرجعون بما عزموا الا خائبين خاسرين، واعلموا ان بني ركاب قد لا يخفى عليكم امر انشقاقهم، ونحن واياهم بنو عمومة فلسنا سواء فلقد مسنا الضر منهم وقد مس هذا الرجل منكم -واشار الى الكميت- ضر بني ركاب ومالك بن الليث حيث ان لهذا الرجل عروسا تنتظره وهي رهينة ذل عند مالك وقومه وان بني ركاب ليسوا على ما يرى مالك الا من خاف منهم بطشه وقد نئيت بنفسي عن ذلك مخافة العار، وجئتكم فازعا وطالبا فزاعكم لي في مقصدي وخهو تحرير حرائر بني ركاب وخالصة بنت حرب بن ورد من بني غائلة وهي عروس صاحبكم الكميت فان اجبتموني نكن لكم شاكرين وان ابيتم فلقد نوؤتم بانفسكم عن حرب لا ناقة لكم فيها ولا جمل وتكونوا بقراركم عاقلين لا مذممين...)

وحينما انهى غالب كلامه اذهب البهجة والفرحة في نفس الكميت حيث وضع نفسه والكميت في مركب واحد وهو دفع العار ان خالفه الكميت كمن رضي بالعار وان طاوعه فانه قد عاف تلك القضية لانه لما طلب يد خالصة انما اراد وجاهة ابيها وحينما ذهب عز حرب ووجاهته رغب عنها وتزوج اخرى تكافئه بحسبه ونسبه وانما ابقى ابيها كي لا تقول العرب الكميت يطرد اضيافه وهو معروف في الضيافة والقِرى.

وفي وسط هذا الليل اتوا بحرب بن ورد واجلسوا معهم وحادثهم بما قاسى وضياع جاهه وماله ولكنه كتم امر تخاذل الكميت والتمس له العذر امام الرجال وفاءا له بحسن ضيافته، فاحس الكميت بالحرج الشديد ولا سيما من ابناء عمه واعيان قبيلته حيث يعلمون ان الكميت قد تخاذل عن نصرته وهو يلتمس له العذر امام الاقوام واسيادهم.

فتقدم عمرو بن حنشة وقال (ان حربنا مع الروم لم تنتهي بعد فهم يقصدون سبأ حيث ملكها ايلي شرح يحضب ونحن لن نتوانا عن نصرته وتضييق الخناق على الروم، ولكن اعلم يا غالب متى تنتهي حربنا سنخوض معك حربك...ونسترد لك ما ضاع منك ومن حرب بن ورد...) فلما سمع حرب بن ورد ذلك الكلام من عمرو انشد قائلا:

الا ليت شعري هل ابيتن ليلــــــــــــة * * * بجنب الغضا ازجي القلاص النواجيا
فليت الغضا لم يقطع الركب عرضـه * * * وليت الغضا ماشى الركاب لياليــــا
لقد كان في اهل الغضا لو دنا الغضا * * * مزار ولكن الغضا ليس دانيـــــــــــا
تقول ابنتي لما رأت وشك رحلتــــي * * * سفارك هذا تاركي لا ابا ليــــــــــــا
واصبحت في ارض الاجانب بعدمـا * * * اراني عن ارض الاجانب نائيـــــــا
اقول وقد حالت قرى الغرب بيننــــا * * * جزا الله عمراً خير ما كان جازيــــا

ولما انهى قصيدته شكره عليها عمرو بن حنشة، واثنى على فصاحته الحاضرين في المجلس، فاتفق غالب والكميت ان يذهبوا جنوب مع عمرو لنصرة الملك ايلي يشرح حضب ويضيقون الخناق على الرومان للاسراع بحسم نصر العرب، ويعودون الى بني ركاب ومالك بن الليث فيحسمون امرهم وينصرون حرائر بني ركاب ويخلصون خالصة من براثن الظلام وظلم العدوان.

---------------------------------------------------------------------------------------------------

ملاحظة : لقد قمت باضافة ابيات شعرية لشعراء سابقين متوافقة مع بعض المواقف وقد قمت باضافة تعديل على بعض الابيات لخدمة السياق الروائي .. ارجوا افادتي ان كان هذا الامر قد نال على اعجابكم ام لا لكي اعتمده ببقية الفصول، متمنيا لكم قراءة ممتعة

noor elhuda likes this.

Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-11-21, 07:46 PM   #48

نهى حمزه
 
الصورة الرمزية نهى حمزه

? العضوٌ??? » 422378
?  التسِجيلٌ » Apr 2018
? مشَارَ?اتْي » 262
?  نُقآطِيْ » نهى حمزه is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الفصل رائع جدا وغالب بطل بعقله واخلاقه العاليه وكل موفف يستعد له بما كان له من خبرات الحياه القاسيه التى خبرها منذ نعومة اظفاره اما عن الشعر فانا لن افيدك لانى لست من قراءه ولكن ان وضعت شعر تكتب قائله بين قوسين او تجعل بطلك يقول مثلا ولا ارد على قولك الا بقول الشاعر فلان وهكذا لان ليس كل من يقراء يجهل الشعر وتنبيهك ربما لن يصله فيظن انك تنسبه لنفسك --- كما ان لك ان تضع من الشعر ما تحب وتعدل به بما يناسب روايتك ولكن فى نهايه الفصل توضح اين غيرت ولمن الشعر وده رئيى ولك مطلق الحريه ان تاخذ به او تتركه وشكرا جدا للفصل الرائع

نهى حمزه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 25-11-21, 09:29 PM   #49

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نهى حمزه مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الفصل رائع جدا وغالب بطل بعقله واخلاقه العاليه وكل موفف يستعد له بما كان له من خبرات الحياه القاسيه التى خبرها منذ نعومة اظفاره اما عن الشعر فانا لن افيدك لانى لست من قراءه ولكن ان وضعت شعر تكتب قائله بين قوسين او تجعل بطلك يقول مثلا ولا ارد على قولك الا بقول الشاعر فلان وهكذا لان ليس كل من يقراء يجهل الشعر وتنبيهك ربما لن يصله فيظن انك تنسبه لنفسك --- كما ان لك ان تضع من الشعر ما تحب وتعدل به بما يناسب روايتك ولكن فى نهايه الفصل توضح اين غيرت ولمن الشعر وده رئيى ولك مطلق الحريه ان تاخذ به او تتركه وشكرا جدا للفصل الرائع
شكرا جزيلا على ردك الكريم وبالعكس مشاركتك مفيدة جدا بالنسبة لي خصوصا انسب الشعر للشاعر واحدد موضع التعديل فيه


Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 28-11-21, 09:43 PM   #50

Cigarno

كاتب في قسم قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 459381
?  التسِجيلٌ » Dec 2019
? مشَارَ?اتْي » 85
? الًجنِس »
?  نُقآطِيْ » Cigarno is on a distinguished road
افتراضي

الفصل السابع عشر – الوفاء والجفاء

بعد ان انتهى القوم من احتفالهم بنصرهم الاول في مواجهة الرومان، قاموا بتجهيز رجال من بنيهم ليذهبوا الى الجنوب يسيرون قبلهم ومعهم المؤن ليسحبها الرومان الامدادات القادمة من نجران، وقام غالب وايريك واوثو بلبس لباس الرومان وسايروا اولاءك الرجال جنوبا يستطلعون الطريق ومن خلفهم زحف جيش جرار من بني مجاشع وبني زاخم يترأسهم الكميت بن زرارة و عمرو بن حنشة.

واما الاحداث في مضارب بني ركاب فبعد ان كان اسلم ياتي نساء بني ركاب المكلومات سرا حيث خالته ويخبرها بمستجدات الاخبار تنفست الصعداء وشعرت بانتهاء العناء، فيدأت تنشر تلك الاخبار بين نساء بني ركاب اللاتي اخبرن بها رجال بني ركاب المتصعلكين خشية بطش مالك بن الليث بهم مما وقف الى جانب حاجب بن عازب.

واما اسلم بعدما ان استمال عدد لا بأس به من رجال بني ركاب حيث بدأ ينبش مكنون الصدار وما تخفيه الانفس فوجد كثير منهم على نفس الرأي ولكنهم يوارون ذلك الرأي مخافة ان يفتك بهم مالك بن الليث.

واما مالك برغم انه قد ظلم كثير من بني ركاب لا سيما النساء منهم الا انه كان يتمتع بحس القيادة وكان عادلا منصفا في شؤون بني قومه الاخرى، وكان سيدا مطاعا وقد جمع بني ركاب بعد ان كادوا يندثروا بين العرب، واسس قواعد الحياة لهم وضمن لهم الاحلاف، وانتشر له صيت في ارجاء العرب، فكان الكل يحسب له الف حساب ورجل لا يستهان به، رغم قلة عدد قومه الا ان لديه من الاحلاف ما يسد ويعوض ذلك النقص، وكان يزور الملوك فاصبح الناس يسمونه زوار الملوك.

واما خالصة فانها بدأت تشعر بعدما توقفت مشاعرها منذ زمن بعيد، وكانت مشاعرها كالمغشي عليها سنوات ولتوها صحت، واصبحت كثيرة الشرود والانعزال عن بقية النساء تتفكر في غالب وتقلبات الحياة وقسوتها وكيف عصفت بها وبه.

واما عفراء وريماس فكن اسعد النساء واعزهم واكثرهم افتخارا بعودة غالب فلا يجلسن بمجلس الا وتحدثن عن غالب وحياته السابقة.

فبينما كان اسلم يحادث الرجال حيث جلس واخبره بعض ممن يثق بهم ان رجل له اخت من امه في نساء بني ركاب المكلومات حيث ان ابيها وزوجها كانا مع حاجب وحينما تشفع ابوه فيهما رفض مالك شفاعته لهما ولعله اكثر الرجال حنقا على مالك واسمه علقمة بن ساعدة.

فذهب اليه اسلم فكان يعرفه وهو كثير الابتعاد عن المضارب يقضي ايامه في الصيد فيذهب لايام ويعود الى المضارب حيث والديه فيمكث يوما او بعض يوم ثوم يعود الى البراري والقفار، فانتظره اسلم الى ان عاد وقرر اسلم ان يذهب معه في الصيد ورأى ان الصيد والتطرف عن المضارب خير مكان ليحادثه في الامر.

مالبث اسلم الانتظار الا وقد عاد علقمة بن ساعدة ومعه صيد فذهب به الى بيته ورأى كيف ان علقمة بار بوالديه ما ان وصل حتى قبل الارض من تحت قدميهما ثم احضر اناء به ماء ووضعه تحت رجلي والده فبدأ بغسلها له وتدليكها، ثم دخل الى بيته وفعل نفس الشيء مع والدته وقد كان علقمة لا ينام الليل وبيده قدح به ماء قاطع ليله ينتظر ان يستيقظ احد والديه طلبا للماء فيعطيه الماء من قريب حيث هو قائم فوق رأسيهما.

فلم يكن شخصا ابر لوالديه ولا اعن عليهما من علقمة بن ساعدة، وكان حضوره قليل في بني ركاب وبين شبانهم وانديتهم فكأنما علقت روحه بالقفار لا بالديار، وبعد يومين من مراقبة اسلم له وجده يعد العدة للارتحال للصيد وكان في عادته يخرج وحيدا فقرب اسلم منه وحياه ورد التحية بابتسام فقال له اسلم (هلا صحبتك في صيدك هذا؟...) علقمة (يا اسلم ولكنك تعلم اني لا اعود قبل ايام واني اعلم انك لا تحب كثرة الغياب فما حملك على هذا الرأي أهي شفقة منك علي؟...) اسلم (لا ولكني اراك كثير الانطواء وبعيد عنا ولطالما اردت الذهاب للصيد ولا اجد من هو اخبر منك به فاسير معك اتقرب منك وافهمك...) فكر علقمة ثم قال (والله ما اخرجك هذا ان لم تصدقني القوم فلا صحبة لك معي ...) ثم ابتسم اسلم وقال (لعل ما سأقول سيزعجك ولكني انا وشباب من بني ركاب وضعنا رهانا ان كل من جاءك يريد صحبتك رددته فراهنتهم على ان اقنعك باصطحابي معك فرجوتك بوالديك وبمن تحب ان لا ترجعني خائبا...) فكان علقمة بجانب حصانه يسرجه ويربط به متاعه ثم قال (وبكم رهانكم؟...) اسلم (تراهنا على عشرة دراهم.. ولك ثلثها...) ثم اعتلى علقمة حصانه وقال (بل نصفها ... وان كنت ما تزال عليها فاني راحل الساعة فالحق بي ان استطعت...) ثم اعتلت الفرحة ملامح اسلم حتى بانت نواجذه وقال (في الحال...).

واما نساء بني ركاب فكانت همتهم بالعمل قد زادت بعد سماع تلك الاخبار، وكانوا يرون الخلاص قريب على يد غالب النسيب الغريب، الا خالصة فكانت اكثرت عزلتها لانها وان كان الخلاص قادم فانه على يد غالب، وهو ما اثار حيرة مشاعرها لا تعلم مشاعرها بماذا تقابله بالبغض او الحب، فكلما تذكرت غالب وايام عزها في بيتها ابيها صغيرة تبسمت وزاحت الاتراح، وان ذكرت شيبان حبيبها وفقيدها لعنت غالب وبدأت تردد قصيدتها فيه حينما شتمته هو واباه قائلة:

ودعت من كان الضياء نوره وان الخبائث تحشتم من شيبان
طعنه ابن ابي العرجاء خسة وخبثا لم يرى مثله الثقـــــلان
حقير ابـن حقير هــالــك كفيف يمشي بحــــقد بلا عيـــنـان
ورائحته التي كان يعرف بها اقرب ما تكون من الــحدثان
لم تطق البهائم مر جواره فكيف يطيق جواره انســــــــان
الا ابنه القرد قد طاقه فلا يطيق الحيوان غير الحيـــــوان
غلب الحياة امه حين جائت به بوجه حرم قلبها الخــفقان
كما حرم عيني الكـــرى لفقد من حوت عيناه القمـــــران
وموت قرب شيبـــان لا بـــغيره بــدل العمـــر عـمــران

وما ان تنتهي حتى تبكي وتخمد في عينيها شموع الافراح، واستمرت على هذا الحال ما بين ذكرى شاردة واخرى واردة مابين صورة جميلة وصورة عليلة.

واما جنوبا فكان غالب ومن معه يقطعون الدرب وما ان وصلوا الى نقطة يجتمع فيها اعوان الروم حتى انزلوا عليهم بعضا من الطعام حتى اذا وصل بني زاخم وبني مجاشع الى تلك النقطة هاجموها وقتلوا كل من فيها، حتى قاربوا مشارف سبأ ووجدوا عسكر الروم العملاق وقد نصب آلات الحصار وتجهز الجند فلم يصل الرومان الى هذه البقعة الا حديثا ولم تحدث بعد اي مواجهة بينهم وبين الملك ايلي يشرح حضب.

فذهب غالب ومن معه فساروا في المعسكر ولما استوقفت ضابط مسؤول عن التموين والامداد اخبره غالب ان هذه المؤنة قادمة من نجران احلافهم وكعادة غيره من الرومان لم يستشك به احد لوجود ايريك واوثو وطلاقة غالب بالرومانية هذا غير اللباس الروماني المختلف تماما عن لباس العرب.

فلما انزل غالب تلك المؤن في المعسكر واستطاعوا في تجولهم من بداية المعسكر حتى المواقع الذي توضع به عدة التموين ان يستطلعوا المعسكر فدرسوا الرجال المكان بدرايتهم وفطنتهم وعادوا الى حيث بني زاخم وبني مجاشع وعاد معهم غالب متسللا واخبر الكميت وعمرو بان يدعوا الرومان يأمنون في مواقعهم قليل ويتركوا حذرهم فانهم ما زالوا يتفقدون كل شيء داخل او خارج من المعسكر، وان ينتظروا الاشارة وكان بجانبهم جبل يدعى خزاز(1) فقال لهم غالب (اشارتكم ان رأيتم النار في خزاز فاعطفوا عليهم وميلوا كل الميل...فلا يدرون من اين اتاهم الضرب وبماذا يتقون منه...).

ثم عاد غالب الى معسكر الرومان واجتمع بصاحبيه واخبرهم بان يستطلعوا المعسكر حتى يجدوا به موضع ضعف كي يستغلونه ويكون هو نقطة هجوم احلافهم عليه، فانطلق اوثو وايريك يتفقدون ما اخبرهم به غالب، واما غالب فذهب يبحث عن بايك ذلك الرجل المصري الذي اخرجهم من ويلات الضياع ووضعهم في بر الامان، وحينما وجده تفاجئ برؤيته بايك هنا وذهب اليه غالب والقى عليه التحية وردها عليه، فطلب غالب الاختلاء ببايك بعيدا عن اعين الجند فاستغرب بايك طلب غالب فرافقه حيث اشار اليه غالب ان يلقيه.

فقال له غالب (ان في القلب غصة وان في المروءة شرخ، فلقد رددت احسانك بسوء، وانه حينما غادرتك قبل نجران بحجة الوصول للاهل وبر الامان، لم اصدقك القول كله وفي الحديث متمة، ولكني خفت ان تشي بي ويذهب عنائي هباءا منثورا والاقي بعد النجاة ثبورا،.. يا بايك لقد حذرني من خاف سلامتي الدخول في هذا الجيش العرمرم نجران فلم ينبغي ان ينتظركم سوى سيوف مرهافات ورماح برزت للطعان، ولكن اله الورى قدر المقادير والقت الحلوف المعاذير، فاصابهم الجذام فتاخروا عن الاقدام، فظفرتم بهم واحبطتم تدابيرهم... واليوم ارد لك صنيعك فانج بنفسك وبمن يطيعك، فان جنود الرومان لن يكون لهم امان، فخذ قومك واخرجوا بين هذين الجبلين فهو معبر امن لمن سلكه من الاعادي...) حينما انتهى غالب حديثه وجد بايك وقد تطاير الشرر من عينه غضبا واسفا فقال لغالب (اتريدني ان اخرج بجيش مصر دون ان يلحظنا احد وانت بذلك حالم، ام تريد لي النجاة بنفسي واترك خلفي من يؤرق منامي خذلانه؟... ) غالب (انك لك علي لحسنى فوددت ان اردها اليك فانظر في امرك...) بايك (والله لم ترددها انما زدتها سوءا على سوءها وقد تاخرت كثيرا فلقد كان قبل نجران مجال واما قولك الان محال ...) ثم ضرب يديه على بعضهما بايك من شدة الندم واردف قائلا (والله تمنيت اني عجلت بالرحيل قبل ان القاك او مت في طريقك قبل ان تصل الي فلولا ودائع ايبس لدي لأسلمتك الى قادة الروم يصلبونك او يحشون احشائك التبن والشعير فيجعلونك في سفح جبل تذري اعضائك الرياح، والله لن ابرح مكاني وساقاتل مع قومي دون الرومان وما ان الفينك في رحاها فتكت بك فاغرب عن وجهي فقُبح هذا الفعل وقُبح صاحبه، وان لقيتك انت وصاحبيك بين صفوف الرومان والله لأفضحن امرك فلديك حتى مطلع الشمس حتى تخرج وتعود من حيث اتيت...) غضب غالب من كلام بايك ولكنه تمالك نفسه، فدفع بايك كتف غالب وتركه وذهب.

واما غالب فانه لم يخبر بايك من اين الهجوم وكيف تكون الخطة انما حذره من كمين في الخفاء يحضر، فخاف وعيد بايك له وذهب مسرعا لصاحبيه واخبرهم بما دار بينه وبين بايك فخافوا هم ايضا، ثم حملوا انفسهم وخرجوا من المعسكر متسللين وما ان اصبحوا بين بني زاخم ومجاشع حتى اخبروهم بما دار فعرفت الرجال ان الروم سيتوقعون الكمائن وسيزيدون من حذرهم.

وخرج بايك الى قائد الروم واخبره انه سمع احد الرجال يتحدث بالمصرية قد حذر احد الجنود بان هناك كمين يحضر للرومان وانهم سيحاصرون في معسكراتهم ولا يدرون من اين يضربون وبماذا يتقون شر الاعادي، فامر ايليوس بالاستعداد وشدد الحراسة على مخارج ومداخل المعسكر وارسل العيون يطوفون حول المعسكر باتجهات يحددونها قبيل مسيرهم حتى ان فقد احدهم ولم يعد يعلموا من اي جهة فُقد فيتحققون منها.

بينما كانوا كذلك كان اسلم وعلقمة قد ابتعدوا عن الديار حتى استقروا في تجويف صخري في احد التلال، فهيئا مكانا لهما يستقران به واشعلوا النار لتقيهم قسوة برد قارس، قال اسلم لعلقمة (ياعلقمة اني اراك كثير البر لوالديك مع كثرة غياب عنهما كيف يكون لك الجمع بين هاتين الخصلتين؟...) علقمة رمى عود كان يعبث بجمر النار به وقال (اشكاني ابي؟...) اسلم (لا والله لم يدر بيني وبينه اي حديث...) علقمة (يا اسلم اني مرتهن بحب هذه البادية والقفار، ولا يرجعني عنها الا كبيري الذان كلاهما شفيق ناصح قد نهانيا، وان عدت فصيدي لهما ولا ابرح قدماهما عسى البر ان اقطع الليل ارعاهما، ثم اعود للصيد والخلوة فلقد كرهت رسم المضارب والديار...) اسلم (معك حق فكل منا قد كره بعض منا ...) علقمة (لا تحمل قولي مالا يحتمل يا اسلم...) اسلم (لا عليك فقد تمتم صدري بمكنونه فتجاهل ما انكرت عليه ونم الان يا علقمة...).

ومضى اسلم وعلقمة في هذه الحال يستدرجه اسلم بفضفضة من صدره يقلب بها فؤاد علقمة، ويلمز بني ركاب ويخص بني مالك دون غيرهم ليرى ما رأي علقمة وكان علقمة لا يبدي له رأيا ويخالفه في رأيه انما كان حسن الاستماع، ان تحدث اسلم لا يجاوبه علقمة ولا يقطع له حديثا.

وفي احد الليالي وهم على ماهم عليه قال اسلم لعلقمة (يا علقمة ارأيت ان لم تحدث الفتنة يوم اختلف حاجب ومالك وما حدث بيوم الديات اترى ان كنا سنكون على ما نحن عليه اليوم؟...) انتبه علقمة لسؤال اسلم وكانت عادته لا يجيبه ولا يعيره حديثه كثيرا من الاهتمام الا هذا فالتفت اليه علقمة وقال (يا اسلم انك تقلبني منذ ايام فما حملك على هذا السؤال؟...) اسلم (انه مجرد سؤال..) علقمة (قصدت المغزى خلف السؤال لا السؤال عينه...) اسلم (يا علقمة كما تعلم ان لي خالة وبناتها في مكلومات بني ركاب وذهبن ظلما خلف ازواجهن وقد انتقم مالك منهم بالقتل صبرا، ولن اخفي عليك امر ماكان له ان ينتظر كل هذا الامد، وهو اني اعود اولئك النسوة بين الفينة والاخرى، واعلم ان لك اختا قد اصطف زوجها وابيها مع حاجب فتشفع ابوك فيها فرد شفاعته مالك بالخيبة والخذلان، اما ان الاون يا علقمة بان نثأر من هذا التمادي ونترك مانحن فيه من تراخي، السن اولئك النسوة من بني ركاب فمن خالتي واختك، فلم الخوف والتردد؟، قد كنا صغارا ففتينا وصرنا شبانا ورجالا، ان لم نحمي ظعائننا فما نورث ابنائنا؟، لقد جمعت من رجال بني ركاب من يوافقنا في هوانا فكلهم مكلوم موصوم بالعار الا بني مالك بن الليث، فهل نحن بامرهم مستعبدون؟، والله ما لحقت بك حبا في الصيد ولا الانس خارج الديار، لكن صحبتك لامر جلل وما ارى اكثر منك تحفزا، فان غالب قد دق نواقيس الخطر عليهم وسعى يجلب العون والاحلاف وما ان يعد نستقبله بما ظن ان يلقاه منا وهو الانفة والعزة كما عهدنا انفسنا أباة ضيم قشاعم، فهل انت معي...).

حينما انهى حديثه اسلم كان علقمة وقد لمع بريق عينيه وهو يسمع الكلام اذ لا يسعه ان يصدق ان يكون هناك من هو بجرأة اسلم وقال (معك يا اسلم معك ...)

واما ما كان في الجنوب فكان ايليوس غالوس جالسا في خيمته ومعه قادته وكان سيلايوس او صالح جالسا معهم ففجأة دخل احد الجند ليستأذن لبايك بالدخول عليهم فلما اذن لبايك بالدخول دخل وحياهم فردوا التحية فقال بايك (يا سيدي لقد وجدنا احد عيون الاعادي بالقرب من المعسكر فقبضنا عليه ...) ايليوس غالوس (وهل هذا خبر يستحق ان تقتحم علينا مجلسنا به ...) فنظر بايك الى صالح فقال (بل امر ادهى من ذلك يا سيدي...) فقال ايليوس وقد بدا عليه التساؤل والقلق (ماهو؟...) فقام بايك واشار الى صالح وقال (لقد غشنا هذا الدليل بان تبعناه في ارض العرب فظنينا انه معنا واما واقعه فعلينا لقد مشينا في ارض العرب مسيرة ستة شهور قطعنا فيها شمالها الى جنوبها، وقد تخلف عن جيشي مجموعة من الرجال قبل نجران منذ شهرين فسارو من نجران الينا هنا في خمسة ايام فقط، فساورتني الشكوك فلما امسكنا بذلك العربي وسالناه كم هي عدة المسافر من سبأ حيث الانباط فقال في ستين يوم تقطعونها ورسم الينا الطريق فوجدناها مختلفة عن تلك التي سرنا عليها، واما هذا الشيطان فلقد جعلنا نظن ان بلاد العرب اكبر من ان يسيطر عليها احد واوعور من ان يقتحمها احد، فاخذنا بالطرق الوعرة فاصابنا الجوع والملل والعطش والكلل، فلم يرد الا ان تخور عزائمنا وتنهد سواعدنا ...) ولما انتهى بايك من كلام وسط دهشة وذهول الاخرين كان صالح جالس صامت هادئ لم يبدي اي ردة فعل لما يقوله بايك ثم التفت اليه ايليوس غالوس وهو مندهش وقال له (ما هو ردك عليه احقا دعاك فيه...) فالتفت صالح يقلب نظره في اعينه الرجال ثم قام من كرسيه ووضع يده في نطاقه وقال بالعربية الفصحى (وحق رأسي وعينيه .. ولساني وحديه .. ورأيي وما صبى اليه ... وسيفي وشفريه ... لا يعين الحر عداه بيديه...) ثم استل سيفه تحت دهشة من قادة الرومان في خيمتهم واندفع اليهم وبادرهم بالضرب والطعان فخرق السوابغ وحير النوابغ، فحاولوا صده فلم يقدروا عليه فاسقط الاول اذ اطار رأسه من كتفيه، وحاصر الثاني بكثرة الضرب ووقع صريع من شدة الكرب، فالتفت الى ايليوس الروم فايقن ايليوس بالموت المحتوم، ثم دخلت الجنود والحراس ودقت في المعسكر الاجراس، فتوسط صالح دائرة موت مقدر والدماء من سيفه تتحدر، فانقضوا عليه معا كالضباع يدافعهم كانه فحل السباع، وماكان للشجاعة ان تغلب الكثرة فمات بعد ان اطاح منهم عشرة.

حينها غضب ايليوس اشد الغضب بعد ان شعر بالاهانة والضعف والشتات والضياع والعار، فنادى على السلاح في صباحهم الباكر وجهز الجيوش وحشد الحشود فامر بالانطلاق حيث اسوار مملكة سبأ، فما ان خرجت الجيوش من خلفها معسكرهم حتى انتبه غالب لامرها فاوقد النار على جبل خزاز فرأت بني زاخم وبني مجاشع النار وامرت فرسانها بالنزول من شم الجبال وتلاقت الابطال بالابطال، فاصبح الروم من امامهم سد مملكة مأرب العظيم ومن خلفهم فرسان قبائل كالقشاعم، فلما رأى بايك ذلك الامر عرف ان غالب من وراءه فاستاذن قائد الروم للعودة للمعسكر لصد اولئك العصبة فاذن له، ولما رجع بايك ومن معه ووجد العرب قد عاثوا بمعسكر الرومان، صد ذلك الهجوم بدفاع معلوم، فاستطاع حشر طلائع بني زاخم ومجاشع الى خارج المعسكر ثم نزلت بقية الفرسان وتقابل الصفان، ودارت رحى الموت، وكان اشد ما لاقاه غالب قتال اولئك العصبة يرأسهم بايك، فشد غالب على ناحية منهم وكان بايك يبحث عن غالب والاخر يبتعد عنه لا يريد قتاله، ولما حمي الوطيس وزاد الفطيس، وصبغت الارجل والايادي برشاش دماء الاعادي، تلاقى البطلين بايك وغالب ولابد لاحدهم ان يكون هو الغالب، فصاح بايك قائلا والدماء تتقطر من نصليه (اليوم تعرف من انت ومن انا وليس الكريم بمحرم عن القنا...) فغضب غالب ورد عليه (طلبت النزال فرمته وستصبح بما رمت حزينا ...) فعطف كل منهما على الاخر، فتبادلا الضربات والطعان ارعشت قلب كل رعديد جبان، وكان كل منهما يتحين من الاخر فرصة وقد اخذ كل منهما حرصه، فعاجل بايك غالب يريد نحره فالتف غالب واعطاه ظهره، فاخطأت من غالب مقتله اذ السيف بالدرع اصدر قلقلة، فسحبه غالب من نطاقه وصاح بايك على رفاقه، فسبق سيف غالب النداء فمزق لبايك البطن والاحشاء، بحديد مخذم صلب شطر لبايك القلب.

ما ان رأى اصحاب بايك مقتل زعيمهم حتى خارت قواهم، وشد عليهم فرسان العرب فطاردوهم حتى دخلوا معسكراتهم وتحصنوا بها، واما ايليوس غالوس فلقد فشل هجومه كما قال الاعشى:

يا ناطح يوما صخره ليفلقها * * * فلم يضرها واوهى قرنه الوعل


ولما ذهب غالب يبحث عن اصحابه ايريك واوثو، لم يجدهما فاستمر بالبحث ووجد اوثو مكبا على وجهه وظهره غدى كالقنفذ من كثرة السهام ويده ما زالت محكمة قبضتها على سيفه فحزن عليه غالب واذرف الدمع، فتذكر ايريك فنهض مسرعا يتفقده بين القتلى والمصابين فوجد رجل اسند ظهره الى حطام عربة هربت خيولها منها واذ به ايريك فنظر الى رجله فرأى اللحم قد تفتق خارج رجله عند منتصف فخذه، ولكنه ما زال به رمق الحياة فحمله غالب واسرع به لحكيم تم اسره من الرومان فطلب منه تطبيبه وتعجيل علاجه وكان عند ذلك الطبيب سترابو الذي كان يكتب هذه الملحمة ما ان رأى ايريك حتى عرفه فنهض اليه والح على الطبيب بعلاجه فلما رأى الطبيب ذلك من سترابو وسمع الرومانية من غالب اجتهد بعلاج ايريك ظنا منه انه احد الرومان وان كان بلباس عربي، لان هذا الطبيب اسره العرب هو وسترابو في معركة بوابة المعسكر.

وباءت جموع الرومان بالخسارة والخذلان وجروا اذيال الهزيمة ولم يبقى لهم للقتال عزيمة، ولم يستمر حصارهم لسبأ اكثر من سبعة ايام حتى اعلنوا الاستسلام وطلبوا لخروج جندهم السلام.

فطالبوا بافتداء الاسرى ووافق العرب لان لديهم عند الرومان اسارى فتفادوا الاسارى، ووقف غالب على رأس ايريك وقد كان بالكاد استعاد وعيه، فاخبره غالب بما آلت اليه الاحداث ولمن الدائرة، فتبسم ايريك وقال (لقد وفيت عهدي ونذري اليك يا غالب ..) فعرف غالب انه الوداع فهلت العبرات من عينيه حتى ارتعش لبكائه منكبيه وجلس بجوار ايريك وقد امسك يده بكلتا يديه ونادمه ايريك الدموع تسري فوق خديه، وجلسوا يتحدثون عما لاقا حين تلاقا الى ان افترقا، وهم في حديثهم يضحكون ثم يسكتون ويبكون، وبقوا على هذا الحال الى ان اتى قائد الروم ومعه اسارى العرب فدفعهم الى عمرو بن حنشة، وقام عمرو فاطلق اسارى الروم وجاءت جماعة من الرومان وحملت المصابين ومن جملتهم ايريك، فلم يترك غالب يده وسار معه يوادعه ويبكيه وكذلك ايريك الى ان خرجوا من معسكر بني مجاشع، فشعر غالب بالغصة والضياع، والحزن والفراغ، ولكنه قدر على الاثنين محتوم، فلا بد لايريك ان لدياره يعود وقد شقت عليه حياة العرب.

فقام ملك سبأ ايلي شرح يحضب بعدما الارض بالدماء خضب، ومن باعطاء الامان لفلول المهزومين الرومان، ثم فرح العرب بنصرهم برغم العداوة التي جمعت بينهم لا سيما اهل نجران وايلي ملك سبأ حيث سبق له ان قاتلهم فانزل بهم خسائر كبيرة، الا انهم رأوا المصلحة العامة للعرب تقضي بطرد هذا الغازي، ثم فتحت مملكة سبأ ابوابها ودخل من العرب اعيانها، فاشعلت النيران وضربت الدفوف وتمايل الناس طربا لهذا النصر المبين، وذهب عمرو بن حنشة وحرب بن ورد والكميت بن زرارة الى حيث ملك سبأ.

وفي حضرة الملك السبأي هنأوه بالنصر والظفر بالاعادي، ثم قام عمرو بن حنشة فاستأذن الملك بالرحيل وحينما ساله عن سبب رحيله اخبره ان في عنقه دين يجب ان يوفيه، فقال ايلي يشرح حضب ملك سبأ (واي دين هذا ينقض مقعدك فينا؟...) عمرو اشار الى غالب وكان يتطرف الحضور في مجلس الملك وقال (ان في عنقي لهذا الرجل دين اذ انه هو من سعى ودبر واستنقذنا من الروم بعدما حبط مخططنا...) الملك (ان كان في عنقك دين له فعنقي اولى بذلك البدين ...) فاشار الى غالب ان ياتي فحضر بين يديه وقال له (انتسب يارجل...) غالب (انا غالب بن سعد بن زيد الركابي...) فوضع الملك يده في لحيته وقال (وماحمل مثلك على القدوم هاهنا...) غالب (لاستنقذ حرائر بني ركاب من ظلم بني ركاب...) الملك نظر الى حرب بن ورد وقال (اليس هذا حرب بن ورد ...) فقال حرب (بشحمه ولحمه ...) فتبسم الملك وارجع ظهره الى الوراء ونظر الى غالب وقال (كم هي غريبة هذه الفانية لقد كنا وهذا الرجل -يقصد حرب بن ورد- رهط واحد وبني عمومة فدارت بيننا الخلافات فناجزناهم الامر بعد عداوة المت بنا فارتحلوا عن الديار، وانت اليوم تريد مناجزة ابناء عمومتك امرهم لرأي ترتأيه، وهذا حرب قد حاربكم وعاداكم واليوم تسعى ويسعى معكم في امركم كأن العداوة ما قامت والا الدوائر بينكم كانت، ونحن وبني مجاشع وبني زاخم كان بيننا عداء قريب فتقاتلنا واصبنا دماء بعضنا البغض واليوم يهرعون لنا كانسابنا وابناء اصلابنا، ان الايام في عجلة تدور ما ان تصل اليك حتى تذهب لغيرك وما اشبه اليوم بالبارحة وما زلنا على الاسلاف نواصل الاختلاف... فان كان هناك ما يرد دينك ودين الرجال الذي اثقل عنقي فعلى مثل هذا ترد الديون...).

لم يكد غالب ان يصدق ما سمعه من الملك السبأي ودخوله في هذا الحلف فالتفت الى اصحابه وقد علت المهجة في محياه بعد ان اغتره فراغ ايريك، ثم شكر الملك واثنى عليه وقبل الارض بين يديه وعاد لمكانه.

واما اسلم وعلقمة بعدما اطلعه اسلم على مخططه وشرح له تفاصيله، انتهت ايام الصيد وعادا للمضارب والديار وذهب كل منهما لبيته، وفي صباح اليوم التالي ذهب اسلم كعادته وعادة رجال بني ركاب الى مجلس مالك بن الليث فدخل المجلس وفيه مالك وابنه عكرمة واغيال بني ركاب فجلس، ثم التفت اليه مالك وقال له (كيف هو صيدك يا اسلم؟...وكيف كانت صحبة علقمة...) تفاجئ اسلم من سؤال مالك ودرايته بصحبة علقمة فقال (صائد فائد وصاحب رائد...) مالك (حدثني عن غالب يا اسلم...) صعق اسلم وبدأ التوتر والقلق يظهران عليه فقال (في اي شيء احدثك وانت اعلم مني به يا ابا عكرمة...) مالك (اولم تكن قد خرجت معه في قافلة فاوكلته بضاعتك؟...) اسلم (نعم...) مالك (اوتوكل من لا تعرفه ولا تثق به؟...) هنا بدأ العرق يتصبب من اسلم واحس بالريبة فقال (لقد اخذت عليه الضمان...) مالك (حقا؟ وما كان ؟....) اسلم (ان اخذ نوقه ومتاع بيته...) مالك (ومن اشهدت على ذلك؟...) فنظر اسلم الى الحضور ورأى علقمة بن ساعدة فقال (اشهدت علقمة عليه..) ثم التفت مالك الى علقمة وقال(اصحيح ما قال؟...) علقمة (لا...) صعق اسلم حينما سمع ان علقمة انكر عليه مثل هذا في مثل هذا الوقت ثم قال مالك لاسلم (لم نعهد عليك الكذب يا اسلم فما حملك عليه الان؟...) اسلم في محاولة اخيرة لكي ينقذ نفسه اصر على علقمة بانه كانه شاهدا وقال (يا علقمة اما شهدت على اتفاقي انا وغالب وقد قلت لي في رحلة صيدنا ان لا استعجل بتخوين احد حينما هممت ان اخون غالبا؟...) علقمة وهو ممتعظ مما يدور قال (كلا لم تشهدني ولم يدر بيني وبينك ذلك الحديث انما ما كان منك الا تقليب الافئدة وشق الصفوف وتفريق الجموع ...) قاطعه مالك وقال (حسبك حسبك يا علقمة لقد اثقلت عليه...) صعق غالب حينما سمع من علقمة ما سمعه منه، ثم قال له مالك (اسمع يا حقير العرب قصير الذنب والله لقد دلى علقمة علي بدلوك الذي ابديته له وخبث ظنك وسوء نيتك وان كنا قد اكرمناك بابيك فابيت الا المهانة كانها موضوعة لديك مصانة، والله لاجعلنك عبرة للاولين والسابقين...) فقام حينما كشفت الصحف وفتحت الصدور بعزة وانفه وقال اسلم لمالك (بل والله انك قد اصبحت عبرة للخائنين وقدوة للسافلين اتسبي نسائك بيديك وتضع العار تاج فوق عينيك، قبح هذا الرأس وقبح حامله...) فبصق عليه فقاموا عليه الرجال وطرحوه ارضا وقيدوه.

ثم خرج لبني ركاب مالك بن الليث ونادى فيهم فجائوا وقال فيهم (اسمعوا يابني ركاب والله جمعتكم بعد كربكم وانقذتكم بعد موتكم، فهل انتم منتهون عني، ومن كان في صدره مخمصة فليفصح عنها ولا يأتيني بشره بياتا كxxxxب ليل تحمل سمها كالوغد هذا – اشار الى اسلم – والله مافعلته خير لكم وان كنتم ترونه شر، قتلت منهم الرجال كيلا يطالبوا بالثأر وبشر ثأرهم نبور، واما النساء فاقصيتهم لان احقاد النساء هي كالبلاء، وكفيتكم شر ان ياتيكم يفرق جمعكم، فخلو بيني وبين ما رأيت لكم ان اردتم النجاة وللسلامة الدوام...) ثم التفت الى اسلم ولطمه بسوط على وجهه فشج به جبينه وعاود عليه الضرب حتى خرجت امه تركض ورمت نفسها فوقه وتوسلت الرحمة لابنها وسط تجمع لبني ركاب فامتنع عن ضربه لوجود امه، ثم امر بسحبه وقال (والله ان اولئك النسوة شرهم طائل وبيننا وبينهم المرعى حائل، فماذا يصنعون ان كانوا بيننا يعتاشون...).

فامر بان يذهب واخذ معه رهط من جماعته وذهب الى مكلومات بني ركاب فارتعبن منه حينما رأينه فنزل وانزل معه اسلم ووضعه في منتصف الخيام ونادى قائلا (ايا حيات بطن الواد فتكتم برجالكم حينما آزرتموهم على عصيانهم وتمردهم ورغبتموهم بزيف مطالبكم ...) بينما كان مالك يخاطب النساء التفت اسلم الى علقمة وقال (لماذا؟...) علقمة (والله ما وشيت بك كارها مطلبك ولا محتقرا مقصدك ولكنك رأيت بري بوالدي وهم من اذود عنهما فاردت منع الشر بشر اقل منه، فحين تتغلغل الاضغان والاحقاد في نفوس الرجال لا يطفئها الى حد القواطع ومضي الصوارم، وبماذا يتقي مثله من خلفه؟...).

وبعد ان انهى وعيده للنساء وتعالت اصواتهم بالبكاء خوفا من بطش مالك وضياع املهم بالخلاص من هذا الجور عمد مالك الى اسلم ومسكه من رأسه وحز رأسه بغير بر فتطايرت الدماء منه رشراشة حتى صبغة الارض كلون العندم، وسط ذهول بني ركاب وابنه عكرمة وعلقمة التي عض اضراس الندم، فلم يكن احد منهم قد توقع هذا الحد من التنكيل، وفقام وصلب جثته وهدد النساء من ان ينزلنه ويدفننه وامر ان تترك جثته معلقة حيث هي، ثم ذهب يستقصي اصحابه فعثروا على بعض منهم ولكنه لم يفعل بهم كفعله باسلم ولكنه نفاهم واعطاهم مهلة ثلاثة ايام ليخرجوا والا فان دمائهم مستباحة لإن ظفر بهم.

اما غالب فقد احتشد له من بني زاخم ومجاشع ومعهم جيش مملكة سبأ قد جدوا بالمسير شمالا حيث بني ركاب ومضاربهم، واما مالك فقد ارسل لشريح بن جديلة القمعي بما ورد من الاخبار الحديثة، فنادى بني قمعة احلافهم وجمعوا رجالهم وجهزوا سلاحهم وشحذوا نصالهم، واما ملك الانباط عبادة الثالث فلقد اتاه مقتل صالح فاغتم بهذه الاخبار، وكان على دراية باموراهل نجران وتخاذلهم عن صد هجوم الرومان، ولكنه لم يكن ملم بالاسقام التي حلت ببني زاخم فظن باهل نجران الظنون، وارسل لقريبه شريح بن جديلة القمعي بان يتحسس الاخبار ويتيقن ممن قتل ابن عمه وهو في جوار الرومان مؤمنا من اهل نجران، فرد قريبه كتابه بان مملكة سبأ وبني زاخم ومجاشع من نجران سائرون حيث بني ركاب، فحينما وقعت تلك الاخبار عليه كمن تيقن بقاتل صالح ولا شك لديه بانهم اهل نجران، فاظلم نهاره وابرم قراره، فخرج ونادى بقومه وحفزهم للقتال ولنزال الابطال، فبرزت الرجال وتقلدوا النصال، وساروا بركب غفير حيث بني قمعة لنصرة بني ركاب.









noor elhuda likes this.

Cigarno غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:03 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.