آخر 10 مشاركات
62 - قل كلمة واحدة - آن ميثر - ع.ق ( كتابة / كاملة )** (الكاتـب : أمل بيضون - )           »          62 - قل كلمة واحدة - آن ميثر - ع.ق ( مكتبة زهران ) (الكاتـب : pink moon - )           »          جنون المطر (الجزء الثاني)،للكاتبة الرااااائعة/ برد المشاعر،ليبية فصحى"مميزة " (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          متزوجات و لكن ...(مميزة و مكتمله) (الكاتـب : سحابه نقيه 1 - )           »          [تحميل] لمحت سهيل في عرض الجنوب للكاتبه : ؛¤ّ,¸مــشـآعلـ¸,ّ¤؛ (جميع الصيغ ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          411 - سارقة القلوب - جاكلين بيرد (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          8 - نداء الدم - آن ميثر (تم تجديد الرابط ) (الكاتـب : pink moon - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          75 - كن صديقي (الكاتـب : فرح - )           »          مستأجرة لمتعته (159) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree164Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-03-22, 10:34 PM   #181

هالة حمدي

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية هالة حمدي

? العضوٌ??? » 416048
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » هالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الخامس عشر
يترنح فور دخوله إلى منزله، وهو يصطدم بالظلام الذي تركه منذ ساعات ليعود إليه، تلك الظلمة التي باتت تلازمه منذ دخول عاليا إليها.
كم مرة عليه أن يتناساها، أن يضعها في ذاك الركن المظلم من عقله الذي لطالما واساه على انتقامه.
هي من أرجحته بين الانتقام والشفقة، حقا كان يشفق عليها مما تعانية في بداية الأمر، والآن يجلد نفسه بسياط الندم، هو لم يخطط لانتحارها، هو فقط أراد أن يأخذ حقه الذي سلبته إياه..
حقه في الرفض أو الموافقة على الزواج..
حق الاختيار..
لقد أراد تأديبها، تخويفها، لكنه لم يقصد أن يدفعها نحو القمة لتلقى مصرعها.
-ساعة على الأكثر وأكون مستعد يا سالم.
يتوجه نحو الحمام، يغسل وجهه البائس، يبلل شعره، يرفع وجهه نحو المرآة الصغيرة التي كان يهذب لحيته أمامها والآن يقف أمامها طويلا بثبات، يرجوها إيقاف تلك الجيوش المهزومة داخل رأسه التي تشعره بالدوار.
يخفض بصره داخل الحوض ينظم شتاته بينما تلحظ الأشياء خيبته، لحظات وخرج يكمل شروده في باقي شقته، ليت هذا الركن ينسيه عذابه، أو هذا المطبخ ينسيه هلعها.
-كفاك ثرثرة، لست بحال يسمح لي بسماع غرامياتك.
-لا أعلم سببا لما تعانيه، كف عن نهر نفسك أنت لم تخطيء في شيء.
يدخل غرفة نومه يخلع حذاءه ويسير فوق الأرض لا يفصلها عنه سوى قماش الجورب الخفيف الذي يرتديه، فخلعه على عتبة غرفته، هذا ما يجعله يشعر بالثبات فوق الأرض، شعورة بصلابتها تحت قدمه، وبرودتها التي تخفف من وطأة مآسيه.
وكأنه دخل عالم آخر مشرع النوافذ، يتخلله ضوء بسيط يزيد من سخطه على الظلام
-كنت أقوم بكل شيء في النور يا سالم ولا أخشى لوم أحد، كنت أسير في الظلام لأجلها، أجلب لها الحبوب، أخطط لإفزاعها، ثم تفرغ خوفها فوق صدري ليلا.
يستمع لتنهيدة خاله التي تشكو تعبه
-وكأني بضمي لها أخفف من ثورة انسانيتي، أمنحها شفقتي وتعاطفي، أطعنها بالسكين ومن ثم أقطب جرحها..
يعلم بمعاناتها.. لكن ليس ذنبه..تمردها..عنادها..خطاياه ا..ليست ذنوبه.
يبسط كفه فوق رأسه يملسه إلى الأمام..
يستند بظهره على سريره، يفرد ذراعه إلى جانبه، يتنهد بخفوت.
-ربما عليّ زيارة طبيب نفسي ليصلح الخلل الذي خلفته بداخلي.
لحظات من الصمت مرت حتى تحدث سالم إليه
-أنا تحت منزلك يا خالي سأصعد إليك.
اعتدل من نومته يثنيه عن ذلك، لا يريده أن يراه بائسا في يوم كهذا بالنسبة إليه .
-أنا استعد يا سالم لحظات وسأنزل أنا إليك.
يحاول الترويح عنه
-تعلم أني سأجن شوقا لذلك الموعد.
قام بهدوء ظاهري يتنافى مع خرابه الداخلي..
-أعلم..هيا أغلق كي أجهز.
انتهى من حمامه يبعثر عطره البارد فوق جسده، يرتدي قميصه فيتشرب قطرات المياة الممتزجة برائحته.
حذاءه الأسود اللامع كمرآة تعكس تأنيبه وتردده، يخرج أنفاسه المحتقنة مع ضبط حزامه لقياسه الصحيح فيمنحه أناقة خاطفة.
السترة النظيفة، شظايا عطر تلامس وجهه وتلهب ذقنه التي رتبها للتو..
نظرة أخيرة مستصغرة لمرآته..وانعكاس لظهره.. منصرفا.
***
-لماذا توقفت هنا؟
يسأله سالم وهو الذي كان سيخبره بأن يقف
-إنه المحل المفضل لإيما يا سالم.
يظهر غيرته بأن مط شفتية بملل
-كيف عرفت؟!
فيشيح عبد الرحمن بوجهه يخفي بسمته ويقول
-لا يهم.
ينظر لأعلى ممعننا في غيظ الآخر، غير قادر على تفويت الفرصة
-هي لا تأكل إلا منه الآن.
يضغط على أسنانه بغضب وهو يفتح باب السيارة يهم بالنزول
-انتظرني هنا، سأبتاع الحلوي سريعا لنلحق موعدنا معهم.
بينما عبد الرحمن يخرج رأسه من النافذة يصيح فيه
-لا تفسد تأنقك.
يرفع كفه متفهما دون أن يلتفت إليه، فيضحك عبد الرحمن من لهفته.
دقائق قليلة تفصلهم عن الذهاب إلى بيتها..
سيراها على طبيعتها، ويلمس أرضها بخطواته..
سيسير نحوها في خطوات بطيئه..
لن يتسرع بعد خروجه من تجربته الفاشلة، وسيعطي نفسه وهي المهلة الحسنة التي قد تعيد الشغف بينهم..
لحظات مرت قبل أن تلتقطه عينيه يقترب منه يحمل علبتين من الحلوى، إحداهما كبيرة والأخرى أصغر حجما..ربما أحضر حلوى، وكعكة زواج!
-لقد نهبت المتجر يا سالم، ما كل هذا؟
يعدل من هندامه، يمسح عن ذقنه قطعة قشدة عالقة به..يلعق شفتيه وكأنه يضبط طعم الزبادي في متجر عم جلال..
-لقد تذوقت ما تركوني أتذوقه واشتريت الباقي.
يدير سيارته وابتسامة رائقة تتسلل إليه..عينه على الطريق، بينما سالم يشعر وكأنه يسير إليها على الأقدام، ينهج، ويتعرق، وكأنه يأتيها عدوا وهو لازال جالسا لم يتحرك
-هل تعتقد أنها ستوافق؟
يركز عبد الرحمن على الطريق ويجيبه
-نعم.
يسأله باستبشار
-وأمنية؟
يجيبه بمرح
-سترفضك، سيكون مشهد شغوف سأرى وأتابع بحماس لما ستؤول إليه الأحداث..
يمسك نفسه عن الضحك، فيقول سالم بنزق
-لا أعلم سببا لعرقلة زواجك منها، لماذا لا تطلبها وتريحنا من تزمتها؟
روحه المستجدية للشفقة لانت مع كلمات سالم عنها متعلقا بما يريح قلبه ويثنيه عن عناء وتأنيب بات يلازمه وقد ظن بأنه تخلص من سببه، يتمزق بينها وبين تلك البقعة السوداء التي افترشت قلبه..
توقفا عن الحديث وهو يصف سيارته تحت منزلهم..يهما بالخروج منها، حالما لامست قدميه الأرض شعر باهتزازها، رمى بثقل جسده بجسارة كي يخطو جوار سالم بثبات..لكنه مقيد بأفكار أوشكت على الفتك به.
**
-حسنا، طالما لا تريدين الحديث معي سأذهب، لن أخبركِ أن هناك خاطب سيأتي بعد لحظات لخطبة إيمان، وعلى ما أظن أمينة سترفضه.
استفزتها كلمات أميرة التي تتوسلها الحديث منذ أتت إليها.
هي لا تريد أن تفتح فمها بأي كلام كي لا تنساق خلف المزيد من الأسئلة..ولن تفتحه..
-من؟
إنها إيمان، وتين قلبها، لن تفرط في رؤية سعادتها ولن تترك أمينة ترفض أول خاطب لها إلا وتعلم السبب.
-سالم!
-من سالم هذا ولماذا سترفضه؟
قامت تهم بالمغادرة
-ظننتكِ ستصمتين للأبد يا خالتي، لقد تحدثتي سريعا عما ظننت!
ترددت فوقية وقد حسبت أن أميرة تراوغها..
-سالم هو ابن أخت عبد الرحمن.
اتسعت عينيها بدهشة
-وهل له عين بعد أن عشمها بالزواج وذهب لأخرى يأتيها الآن بابن أخته، والله لن تتم هذه الزيجة..على جثتي.
تجذب شالها سريعا وقد تناست همومها تهب للدفاع عن بناتها
-من يظن نفسه..
تخرج من شقتها لتفتح لها أميرة منزلهم فتدخل بصوتها القوي
-أمينة.. أمينة.. هذه الزيجة لن تتم.
وفي الداخل تصنع أمينة من حزنها العصائر وتسكب مرارتها بداخلها بديلا عن السكر.
كانت على شرودها منذ تحدث إليها وأخبرها أنه قادم، لم يمنحها وقتا للإجابة ولا الموافقة.
صيحات باسمها بصوت فوقية جعلتها تفيق، ودخولها المسيطر إلى المطبخ جعلها تلتفت
-كيف وافقتِ على مجيئه إلى هنا؟
أخيرا هناك من يشعر بها ويعينها على الرفض.
-لم يترك لي الوقت، اتصل وأخبرني أنه سيحضر برفقة سالم في الثامنة مساء لخطبة إيمان.
تقلِب الأكواب لتصفيها من المياة بعد أن غسلتها جيدا قبل أن تضع بها العصائر
-هكذا ألقى أمره وكأني مجبورة على التنفيذ كما أوامره في العمل، أسب نفسي لمعرفته عني كل شيء..عمي..وحدتنا..تصرفي في أمورهم.. فلم يترك لي حجة للتأخير حتى يحضر عمي.
تمسك ذراعها بلطف تلفها إليها، تمنحها حنانا غامرا
-من قال أنكِ وحيدة يا أمينة، أنا جواركِ يا حبيبتي، لماذا لم تخبريني؟
انحنت على كتفها تترك لدموعها العنان، هي تدعي القوة أمام الجميع، لكنها الآن ستراه بحميمية لا توجد في المكتب، سيدور بينهم حديث غير رسمي فكيف ستواجهه.
يهتز جسدها فتربت فوقية برقة وتزيد من ضمها.
-لقد طلقها يا خالتي..طلقها..
انتظرت باقي الحديث وهي تعلم أن آخره موجع، أمينة يمنعها عنه شئ قوي لهذا الحزن.
لملمت دموعها مع سماعها طرقات على منزلهم.
تساعدها فوقية في ترتيب نفسها.
-سالم هذا مجنون لازال محتفظا بعلبة حلوى بيده رفض أن يعطيني إياها.
قاطعتهم أميرة وهي تدفع بعلبة حلوى كبيرة نحوهم.
-اذهبي رحبي بضيوفكِ، سأرتب كل شيء وألحقكِ، وأنتِ يا أميرة بلغي إيمان أن تستعد.
فعلن كما طلبت لتبقى وحيدة منشغلة بأفكارها، هي لا تعلم أبعاد ما حدث، لكن ما يهمها الآن إيمان، لو كان خاطبها يريدها ومناسب لن تتوان عن القبول.
تقترب وقلبها يقفز مع اشتمامها عطره..
رغم امتزاجه بعطر آخر، لسالم على ما يبدو، إلا أنها تستطيع تمييزه جيدا..
تدخل إليهم لتلتقي أعينهم المتعبة..
كلاهما يريد، كلاهما يعيد حساباته..
ظنَّا أن عاليا حالما تبتعد عن المشهد سيكون القرب سهلا لكنه أبعد ما يكون على ما يبدو.
هي لن تغفر له تركها..
وهو لن يغفر لنفسه ما فعل..
تتبعها فوقية التي قطعت تواصلهم مرحبة بهم، فيقف ليحمل عنها بأدب..
-خالتي فوقية..
قطعت كلمتها..فهو يعرف.. كل شيء..
قدم سالم نفسه مرحبا بتلك السيدة التي رآها في مرته الأولى في حال يرثى لها
-سالم ابن أخته..أمينة تشبهكِ..
نجح سالم في إخراجها من كآبتها بكلامه..
قاطعه عبد الرحمن
-جارتهم..
يعلم..نظرته لها وهو يخبر سالم تؤكد على أنه يعلم، ويتذكر كل شيء عنها، منحها نظرة غائمة بذكرياته ليجلس فيتبعه الجميع.
-مرحبا بكم، أنرتم البيت.
كلمات فوقية الملطفة منحتهم هدنة قصيرة حتى عادت أميرة ومعها إيمان التي تمنت أن تنشق الأرض وتبتلعها بعد وقوفه واقترابه منها يمنحها علبة الحلوى التي تمسَّك بها منذ قدومه.
لا يعلم ما الذي يحدث له عندما يراها..هي مركز الكون ومحور رأسه..
تتسارع أنفاسه وهو يراها تمد يديها لتمسك بهديته..
وفي لحظات استحال خجلها إلى سعادة، لقد أحضر لها علبة كاملة مما تحب، وبدأ كلاهما حديثا مطولا بالعيون، شفتيه التي لم تتوقف عن الابتسام، ووجنتيها اللتين ازدادت حمرة، إغلاق عينيها برقة مداراة لخجلها ليتركوا الحديث الجديّ لأمينة وعبد الرحمن.
-لم أره على هذا الحال من قبل.
كلامه بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه لكن سمعه الجميع، يبتلع ريقه وقد تعلقت الأنظار به فلم يجد سوى عينيها مرسى لحديثه
-سالم يريد الزواج من إيمان، جئنا لطلبها وأرجو ألا تقابلي طلبه بالرفض.
يبدو مستجديا لا طالبا، عيني فوقيه التي جردته مما يظهره ونفذت لداخله بنظراتها، يشعر بأنها تعريه من تلك الهالة التي يحرص على رسمها وذلك التماسك الوهمي.
قالت بوهن وقد خذلها إنهاكها وتفكيرها المضني
-لست موافقة..
لازالت عينيها مرساه حتى في غضبها..
-لماذا؟
كان صوت سالم الحاد، غاضب هو من أنايتها..
تقلب في دفاتر قديمة تدعم حجتها
-لأنك أردت العبث معها من قبل.
-والآن آتيها خاطبا، لقد أتيت من الباب يا أمينة، لو أردت العبث لعرفت جيدا كيف أظفر بها، أنا أريدها زوجة لي، أما لأولادي.
-أنت تعلم أن هذا مستحيل يا سالم، هي لا تسمع ولا تتكلم، كيف ستسمعك وتلبي حاجتك.
-لقد تعلمت لغة الإشارة لأجلها، انظري.
وكرر كلماته بإشارة من يديه فتلجلج منطقها وهي تقول
-ما الذي يضمن بأنك لن تمل منها، لن تتحمل إعاقتها..لن تغدر بها.
واجمة هي ملامحه، وقلبه محاط بأسوار اللوم فأصابته كلمة الغدر لتزداد إرتفاعا.
هو لم يغدر بها، بل هو من تلقى كل الطعنات لأجلها، هو من خسر نفسه وخاض نزالا مؤلما استنزفه.
صوته الأجش أجاب عن سالم
-أنا أضمنه يا أمينة.
هدأت الأجواء وهي تنظر إلى عينيه بجدية
-أنتِ لا تعلمين ما الذي فعله لأجلها ولا ما الذي غيرته إيمان فيه، لا تعلمي في أي طريق كان ليسلك لولا وجودها وجعلها هدفا هاما يسعى للوصول إليه، ولا تعرفين شيء عن مثابرته للفوز بها.
أوشك على إخبارها بكل شيء فاستوقفه سالم
-خالي، لا تقل كل شيء أرجوك، أريد أن أجعلها مفاجأة لها.
أشار له عبد الرحمن ليتوقف، ليكمل حديثه
-سالم استأجر شقة واشترى مكن للخياطة لأجلها، ينتظر معرفة إن كانت قادرة على إدارة المكان بنفسها أم تحتاج لعاملين يساعدنها، سيتكفل بكل شيء لفرش منزله، أما المشكلات فلا بيت يخلو منها.
أصبحت لا ترى من غلالة الدموع التي كست عينيها، وكأنه يعدها هي بكلماته، وكأنه يخبرها فقط بان تحلم..
-سالم يحلم بأسرة كبيرة تجمعه بها، خالات لصغاره يساعدوهم على الحديث والنمو أصحاء، يحتاج لزيارات ودعم وعائلة.. هناك اصرار لضمان النجاح..وأنا أضمن لكِ إصراره وثباته.
-موافقة.
خرجت الكلمة من فم فوقية التي رأت الصدق في سمت سالم، واستمعت لما فعله لأجل الصغيرة، هي لن تفرط في فرصة كتلك لأجل أمينة التي لازالت تجهل مبررها.
انفلتت دموع أمينة من عقالها، لتقترب منها إيمان بعفوية تجلس تحت قدميها تشير إليها بانفعال وقد فطنت لما يحدث وشعرت بتصلب الأجواء والملامح
-سأستمع لقرارك، سأفعل ما تقوليه، لن أخطو خطوة واحدة دون إذنكِ وموافقتكِ.
تضم وجهها بكفيها تقبل جبين أختها التي على ما يبدو متعلقة بسالم..لا تعلم متى ولا كيف!
إلا أنها تستشعر أن بينهم قبول..
لن تحكم على حياتهم بالفشل لمجرد أنها سترى عبد الرحمن دائما وابدا..
لقد عاشت لأجلهم طوال هذه السنوات..لن تأتي اليوم تقابل نجاة أختها بأنانية..
ربما لن يتقدم إليها خاطب كسالم..
تمسح دموعها..لتستمع لصوته الحاسم
-وأنتِ يا أمينة؟
ترفع أختها عن الأرض لتقف معها
-موافقة.
لتصيح أميرة بزغرودة عالية، فتزداد دموعها..
عبد الرحمن يبدو رزينا، إلا أن داخله مبعثر..
غير قادر على لملمة ذلك الصخب الذي انتشر في أطرافه ..
زغرودة أخرى من القلب هذه المرة من أمينة، تتسابق دموعها معها..اليوم فقط شعرت بسقوط أثقل حمل عن كتفها..
-هناك شرط واحد، إيمان لازالت صغيرة، هي في الثامنة عشر، ليس لدي مانع من الخطبة حتى تتم العشرون على الأقل...
يقول سالم بلهفة
-دعينا لا نحدد وقت، متى جهز المنزل نتزوج، أعدكِ بألا تندمي يا أمينة على موافقتكِ، أتمنى أن أكون رجلا في عيني خالي الذي تحدث عني بثقة أنا لا أملكها.
يضربه عبد الرحمن على كتفه
-مبارك يا سالم.
-العقبى لك يا خالي.
لحظات وامتلأ منزلهم عن آخره، يتساءل الجميع عن سبب تلك الزغاريد، فتتزايد مع كل امرأة تعرف.
وقفت فوقية تتلقى التهاني ودموع فرحتها لا تتوقف، تجذب إيمان إليها بحب، تقبل وجهها كثيرا كثيرا.
اقتربت منها أميرة وهي تقول
-لقد ظننت أن هذه الزيجة لن تتم!
قالت فوقية بنزق
-لقد بالغت قليلا.
-قليلا! لقد سمعكِ عم سلامة وهو في عمله.
زغرودة أخرى قطعتها ثم قالت
-لا تنفعلي مجددا وتتخذي قرارات لن تنفذيها.
ضربتها على رأسها تستوقف سخريتها التي تذكرها دوما أنها امرأة بلا كلمة.
وحالما انصرف الجميع توجه عبد الرحمن بنظره إليها، يطلب منها وهو يثق برفض طلبه إن وجهه لأمينة
-هل يمكننا الخروج ليتحدثا سويا، أشعر بالحرج من وجودي هنا وأنتن بمفردكن؟
ثم إلتفت إليها وكأن رأيها تحصيل حاصل
-إن لم تمانعي يا أمينة، لنحتفل بخطبتهم، ونترك لهم فرصة للحديث.
صرامة فوقية الحكيمة لم تترك لأمينة مجال للرفض
-الجميع هنا يعلم أن أمينة بمئة رجل، أوافق بالطبع.
خرج صوت أمينة محرجا
- لقد تحدثت إلى عمي لكنه مريض، لم يستطع المجىء، ربما يحضر الخطبة.
يصر سالم على طلب خاله
-نتغدى سويا، ساعة على الاكثر، أود إخبارها بما حدث منذ لحظات.
قالت أميرة بخبث، تغمز نحو إيمان
-هي تعلم.
إصرار سالم المتلهف فضح مشاعره
-تعلم بخطبتنا لكن حديثنا الطويل لم تفهمه، أرجوكِ يا أمينة، ساعة واحدة فقط، أحتاج للحديث مع إيما بحرية.
يتنحنح عبد الرحمن مجددا يداري لفظة إيما التي تنفلت من سالم دوما.
ابتسمت أمينة بتعقل، تجيبهم
-حسنا..لا بأس.
***
يترك ثلاثتهم يمشون أمامه، يثني سالم عن الإقتراب من إيمان قائلا
-اهدأ يا بني آدم، انت تخيفها، تبدو كالثور الذي سيفتك بها.
يتنفس بعمق، يستمع إلى كلمات خاله يحاول السيطرة على مشاعره، وعندما وجد طاولة فارغة، نادى عليهم، ياخذ إيمان إليها هامسا إلى عبد الرحمن
-جد لنفسك طاولة أخرى..
يتلفت حوله ليجد طاولة تبعد قليلا عنهم..
يجذب لها الكرسي لتجلس، وهكذا لأميرة ..
لم يقم بتلك الأمور أبدا، ولا يعلم سببا لهذا الدلال الذي يبديه سوى أنه يشعر بأنه يهتم لأمرهم..يشعر بأنهم أصبحوا جزء من كيانه..جزء ضعيف..جدا.
يراقب انفعالات سالم وهو يتحدث بلغة الاشارة إلى إيمان التي تخفض بصرها عنه بخجل ليفوتها معظم كلماته..
تتعلق بيديه تارة، وبعينيه تارة أخرى..
وتخفض بصرها أحيانا كثيرة..
قامت أميرة بشرود عن كرسيها تقول
-أريد أن أتمشى هناك بالقرب من النيل، سأعود سريعا.
تسبل جفنيها بتعب، تشير إليها بأن تذهب..لا تعلم سببا لإنهاكها سوى قربه..
يراقب بعدها عنهم بشرود، ثم التفت إلى أمينة، مشيرا للنادل وهو يحدثها باهتمام
-كيف حالكِ يا أمينة؟
يسألها عن حالها الآن.. حقا!
بعد شهور مضنية من العذاب والتحلي بواجهة سوية، شهور يمتنع فيها عن توجيه كلمة مباشرة لها، وعد..إعتذار..تفسير..
الآن!
-لست بخير.
تجهم وجهه، لم ينتظر تلك الإجابة، ربما انتظر ادعاء جديد بالصلابة يمنحه الوقت للتعافي فوجد أن حديثهم بعد ما كان لن يكون طبيعيا أبدا.
-ما السبب الرئيسي لرفضك لسالم يا أمينة؟
-أنت.
تزداد ضربات قلبها إنهاكا..مع سماع صوته..
-استغرب من جرأتك في المجيء إلى بيتي
لطلب أختي للزواج وقد كسرت قلبي من قبل، وكذلك ثباتك أمام الجميع الذين يعلمون خيبتي ووجعي وتعلقي بك..يالبجاحتك.
هذا الجانب من المكان جنة، ليس حارا فيصيبها بالاختناق، ولا باردا فترتعش هي وصوتها..
أو ربما هي نسمة الهواء التي تهادن خجلها..
فتجيبه بتلك الصرامة
-كيف سنرى بعضنا وقت أطول، كيف سيصير بيننا نسب وأنا لا أقوَ على نسيان خذلانك لي دون تفسير أو تبرير، لقد ذكرتني بتلك التي تجري خلف رجل ووقت الزواج يقول لها أنا لم أعدكِ بشيء، أنت وعدتني يا عبد الرحمن، بأشياء..لقد وعدتني..
يقترب بجسده من الطاولة بعد أن لقن الناذل طلبه، يرى الألم بعينيها وغير قادر الآن أيضا على محوه بوعود قد لا يفي بها.
صمته أتلف أعصابها، تعبث بمفرش الطاولة مبتعدة بنظرها عنه وقد تنحت جرأتها ليطغى حيائها، لقد أخبرته ضمنيا أنها ما تزال تحبه!
هل حقا فعلت؟!
يحك ذقنه منتظرا بوحها بما تكتمه مستمتعا بنهرها له عوضا عن نهر نفسه، لقد وجد من تشاركه غضبه من ذاته، وجد من تمعن في إيلامه بوجعها وألمهم واحد.
هي تؤنبه على ما فعل بها وكل ما فعله لأجلها.
-أنا آسف يا أمينة.
-وماذا سيصنع أسفك، ما الذي سيعيده أو يبدله؟، لا أهتم به ولا أريده، الآن آسف، الآن تسمعني، هل عرفت مدى امتهاني وهي تأتيني لتمنحني بطاقة الزفاف، انتظاري لكلمة منك أو رد على اتصالاتي لأعلم ما الذي يمنعك عني، هل يمكنك الشعور بي وأنا أعرف أن ابتعادك عني كان لأجل عاليا!
تلمع الدموع بعينيها وهي تقول
-هل تعلم شعوري وأنا مجبورة على العمل معك لأكف أخواتي الحاجة بعد أن جعلتني أترك عملي في المستشفى، إحساس المهانة الذي يتملكني كل يوم وأنا أقوم بأعمالك لأنك مصدر رزقي، اصبعي تحت أسنانك.
تنهت بانفعال وهي تردف
-أنت لم تترك لي المجال لاختيار أي شيء، عثرة وأقلتها من طريقك ولم تلتفت لها بينما هي تتفتت امتهانا وضعف.
يخلل شعره بأصابعه منهك مما يعرف، لقد حسب للشرور الذي سيبعده عنها ولم يحسب لمشاعرها المحطمة، ظن بأنها ستتعافى منه لكنه كالمرض الذي يطول توطنه بالجسد فلا يشفى، يتراجع عن إصراره في معرفة ما تكتمه وقد أشفق على حالهم....
-لا..لا أعرف وقد كنت منشغل بما أنا غارق فيه، كنت أعلم بأنكِ قوية وستتجاوزي الأمر، راهنت على حكمتكِ وتعقلكِ ولم تخيبي ظني، نتألم وقت تنظيف الجرح لكننا نتعافى يا أمينة.
تهز رأسها بسخرية، عن أي تعافي لعين يتحدث وهي لازالت غارقة فيه حتى أذنيها.
تنظر لوجه السماء تستدعي الصبر وقد نفذ مخزونها منه
يزفر كلمته بتنهيدة محترقة ينهي استرساله في حديث يؤلم رأسه
-لقد طلقتها.
ألقاها وهو يرتشف قهوته البائسة، وكأنه يخبرها عن أسعار الذهب المتغيرة على مدار اليوم
-أعرف.
تعبث بكوبها بوجه مظلم
-لقد سمعت السيد طارق في مكتبك..
التحم حاجبيه باهتمام ..
-هل استمعتِ لكل شيء؟
تجيب بثبات
-صياحكم فقط.
يدرس سكناتها، فتقول بشرود
-لم تكن لك منذ البداية، لماذا تحملت عيبها يا عبد الرحمن؟ .
تجمد جسده..يجيبها متصنعا الجهل التام
-أي عيب؟!
-عدم عذريتها، سقطها، تعذيبها.
انقلب فنجانه الذي كان يحتويه بكفه، يهتز ثباته أمامها، يخفض صوته
-كيف عرفتِ؟
-كنت ضمن الفريق الطبي عندما دخلت المستشفى.
عبس وجهه وتجمدت نظراته الطويلة فوق وجهها، وقال فجأة يواجه اتهامها باتهام
-ولماذا كنتِ تحضرين لها الحبوب يا أمينة وأنتِ تعلمين أنها توقفت عن العلاج.
قالت بحدة وقد تلبسها الجنون
-ولماذا استوقفتني عن جلبها وتكفلت أنت بالأمر؟
شظايا معذّبة تتناثر حولهم لتجرح قلوبهم معا
نظرته كمن أضاع شيئا..
ونظرتها كسعادة المحتضر وهي تراه رث الروح بقلب مهجور.
تلقت أميرة تلك الشظايا بصدرها وهي تعود إلى جلستها..
تقطع حديثهم الملتهب..
-الهواء هنا منعش يا أمينة ، هل يمكن أن نتمشى قليلا أثناء العودة.
وكأنها تتحدث إلى الهواء..
لم تلقَ صدى لحديثها فالتزمت الصمت لحظات.
ينظف بنطاله بمحارم ورقية اصطبغت بالسواد والمرارة، وهي تراقب انفعالاته التي يتردد صداها في رعشة كفها، وشرود عينيها.
قالت أميرة وقد لاحظت التوتر بينهم
-سأذهب لأحضر مثلجات، هناك متجر صغير مزدحم يبدو شهي.
يستوقفها عبد الرحمن وهو يترك المحارم فوق الطاولة
-انتظري، سآتي معكِ.
قام بطوله الفارع لتبدو أميرة كالصفر جواره، هيئة تسفح من يقابلها، سارقة للأنظار، بملابس منمقة لم تهتم برؤيتها في المنزل وهي تصارع خجلها.
تتجمع دموع باردة داخل عينيها المتألمة لما آل إليه الحوار بينهم، تنتقل ببصرها نحو سالم، فيتبدد الحزن فيهما، بشيء يشبه الترقب، تتطلع لصدق وعوده، وألا يخذل أختها كما خذلها خاله.
***
يسير جوارها برزانة وهيبة، بينما هي لا تحمل له سوى الغيظ منذ أول لقاء جمعهم لدى الخالة فوقية، سلطوي النزعة، يريد الجميع أن يأتمر بأمره.
هي لم تنسَ له ما فعله بأمينة، ولا حدته مع محمد، تراه نار موقدة تأكل ما حولها دون تردد.
وصلا إلى ذلك الطابور الصغير، وقف فيه وهي تجاوره..
تحدثت إليه بلامبالاة ترد معاملته الفظة لمحمد
-كيف حال زوجتك، هل ما زالت تذهب إلى جامعتي؟
تستند على شجرة ضخمة خلفها تكمل
-لقد رأيتها من قبل هناك، أتت لزميل لنا وركبت خلفه دراجته.
يضيق عينيه.. أشبه بابتسامة لم ترق لشفتيه
-محمد؟!
أيخبرها أن صورها وهي بين ذراعيه مازالت بحوزته، أم يريها صورتها وهي خلفه فوق دراجته؟
انقلب سحرها عليها فاستقامت متفاجأة من معرفته
-لا أعرف زميلا لكِ بدراجة سواه، لقد أعادها سالم بنفسه يوم سقط في منزلكم.
يتقدم في مكانه في ذلك الطابور
-عاليا لم تدرس في جامعتكِ فلماذا تذهب إليها، لقد طلقتها بالمناسبة، ولا يجمعني بها شيء فتوقفي عن ذكرها أمامي.
تتجاهل صدمتها بالتوغل في إجابته
-لم تكن تشبهك على كل حال، لقد ضايقني ركوبها خلفه.
يعقد ذراعيه أمام صدره يضرب فوق ارتجافتها يستدرجها نحو حديث آمن
-شباب الجامعة في استطاعتهم فعل اي شيء لينالوا قلب فتاة خاصة لو كانت بريئة، يمكنهم تغيير مفاهيمها بكل الاشكال وابسطها، بينما هي تظن العكس، قد يبكي لها ويتوسل حبها، قد يقدم لها هدايا، وقد يقنعها بالمنطق ويجزم لها أن أي تقارب بينهم هو لا يقصده، المهم أنه ليس هناك أمان يا أميرة انتبهي لنفسكِ جيدا، واعلمي أنه كما شاهدتِ عاليا، هناك من يشاهدكِ ويشاهد غيركِ.
وهنا ارتجفت قدميها بشدة، وقد تذكرت كل ما حدث بينها وبين محمد في الأماكن العامة، تسب نفسها وتؤنبها لما كان بينهم.
لكن الآن..ماذا تفعل، إنها تحبه، كيف ستبتعد بعد أن رأته خائر القوى وقد تعلق قلبها به أضعافا مضاعفة.
إنها تعد الأيام والساعات حتى يعود للعمل فتتأخر لتراه، وتدعو الله عله يعود الجامعة، لقد أدمنته حد الوجع.
-تفضلي.
يناولها عبد الرحمن حصتها من المثلجات، وهي التي لم تنتبه للصمت الذي خيم فوق رأسها، ولا لمرور الصف وشراء عبد الرحمن ما أتت لأجله .
وفي طريق العودة قالت وكأنها لم تشرد
-لكن هناك أحاسيس حقيقيه قد نصفها بالحب، ويكون لديك الرغبة في مشاركة هذا الشخص كل شيء في حياتك كما لم تفعل من قبل.
ومع حديثها تعلقت عينيه بأمينة التي يراها شاردة من مكانه، يؤكد على كلمات أميرة بنظره إلى اختها.
-الفيصل في هذا هو صدق النية بالزواج، وخلال تلك الفترة لن يفيده العبث وتشويه سمعة من يحب، ليبتعد حتى يزن أموره ويأخذ قراره ومن ثم يعود وسيجدها بانتظاره حتما لو تبادله نفس الشعور.
تسير جواره، تزن كلماته وتقول
-وماذا لو كان الطرف الآخر في مشكلة
-لتكن جواره حتما لكن بحدود، الحدود التي تجعلها آمنة، وعزيزة.
كانا قد وصلا إلى أمينة، التي رفعت بصرها نحوهم، تنفض عنها أفكارها المتخبطة.
***
-لقد استأجرت مكان، واشتريت مكن للخياطة، لأجلكِ يا إيما.
لأجلكِ أشار نحو صدرها
إيما، نطقها بشفاهه ببطء لتشرع نوافذ قلبها جميعها له..وتجعله ينفذ من أيهما شاء..
حلاوة اسمها الجديد من بين شفتيه غير كتابته تماما..
ذلك التلامس البطيء لشفتيه وهو ينطق حرف الميم أشعل وجنتيها خجلا
. هل أنتِ موافقة على أن تكوني شريكتي-؟
تمسك بكفيها تحت الطاولة لم ترفعهما..
تهز رأسها توافقه..
فيشير
-هل تستطيعي تحمل مسؤولية التنفيذ بيدكِ، أم تحتاجين لعاملات يساعدنكِ في تنفيذ تصميماتكِ.
رفعت كفيها أخيرا تنزلق في حوارها الصامت معه، وتقول باشارتها
. سأصمم بنفسي، لكني أحتاج من يساعدني-
يشير بعملية
متى سنبدأ، لقد نجحتِ اليوم، مبارك يا ايما، أنا متعجل للبدء، أتوق إلى تذوق طعم النجاح.
كلمات ضخمة، صعب تعلمها بالإشارة، لكنه أجاد الحديث بها بلغتها..
تشير إليه بأصابعها الرقيقة
هل تعلمت كل ذلك لاجلي؟!-
يشير بحب، وتناغم، وهدوء
لأجلكِ، ولأجل أطفالنا .
تزوي ابتسامتها، وقد طغت مشاعرها على وجهها، تغيم بعاطفة لمست قلبه، يخرج من جيبه قلم فحم، مطلي بالذهب..يضعه على الطاولة، غير مجازف بملامسة يديها مرة أخرى، فقد كانت عاقبة لمسه لها آخر مرة..ليالي طويلة من الأرق لم يعوضها إلا برسوماتها التي تبدلها يوميا على تطبيق الواتس آب.
تمد يديها بخجل تفتحه، كيف استطاع النفاد بداخلها بهذه السرعة..
حسنا..ليس سريعا..بينهم علبتين من الحلوى، وكميات كبيرة من الخبز، ومشاجرة..
حسنا، لقد أصبح بينهم عشرة..
تتمسك بالقلم بحب، تتأمله، ترفع يدها نحو رأسها تشكره..
وفقط..دقائق من الصمت لم يتوقف على التدقيق بها..ستغادره بعد قليل..يجب أن يشبع من قسماتها الحبيبة..
عينيها البريئة، يغمرها شعاع الفرح، يود لو يضمها إليه مرة واحدة وينصرف..
لولا الناس حولهم..لولا خاله..لولا أمينة ..
وعلى ذكر أمينة وقف عندما سمع صوتها تتعجلهم للانصراف..
وفي طريق العودة، مع تجهم عبد الرحمن، وانهاك أمينة ..اتفق على زيارتهم مجددا بعد أسبوع، لشراء شبكة العروس..
والاتفاق على حفل الخطوبة..
***
خرجت من عملها للتو، تمسك هاتفها حاسمة حيرتها في الحديث إليه، لقد مر أسبوع على إختفاءه، ولم يأتِ للعمل ولا الجامعة، لابد وأنه ليس بخير.
يأتيها صوته الواهن
-مرحبا.
قالت باحراج، هي لم تحسب لخجلها، ولا لهفتها، ولم تحسب حسبانا لفيضان الشفقة الذي مر عبر صوتها وهي تناديه باسمه
-محمد..كيف حالك؟
ولولا وجودها في في الشارع لبكت في الحال.
-الحمد لله بخير.
إجابته التعبة رق لها قلبها، فقالت
-أين أنت؟
كان يعدل جلسته فوق فراشه
-في غرفة وردة.
عم الصمت فتنحنحت بغيظ وقالت مستفهمة
-هل أنت عند أبيك؟
-أجل، شعرت بالتعب فذهبت إليه .
-كيف أنت الآن؟
-أشعر بالتحسن يا أميرة، أشكركِ على إتصالك .
قالها وهو يشعر بالخزي منها، وقد حدث ما حدث أمامها، ومؤكد سألت عن السبب ويظن أن فوقية لن تقصر في إخبارها.
أتت حافلتها فأنهت الحديث معه.
-لا تشكرني، المهم أن تعود إلى عملك ودراستك، سأطمئن عليك ليلا.
لا تعرف كيف خرج منها هذا الوعد!
وهو لم يرفضه، رغم رغبته في الاختباء عن الأعين طويلا، وهي بالأخص فقد شهدت على بشاعته، لكن قلبه تعلق بها.
لحظات وفتح والده غرفته وهو يقول
-اللهم لك الحمد، لقد تحسنت كثيرا بني.
ربت على كتفه بود وقال
-سأذهب لصلاة العصر في المسجد القريب، هل تأتي معي.
اعتلى التردد وجهه، فلقد توقف عن الصلاة منذ ظن السوء بأمه، وكأنه يحرمها أي ثواب قد يذهب إليها منه، جاحدا باهتمامها وتربيتها الحسنة له.
سحب نفسا طويلا يجلي رئتيه من الضيق الساكن بها، يحتاج هو الآن القرب من الله، عل ثورته تهدأ، وأفكاره تترتب، وكرهه لذاته يتغير.
أزاح الأغطية عنه وهو يقوم ببطء
-حسنا أبي، سآتي معك.
***
عاد إلى منزله بعد أن أصر على المبيت فيه، فيكفيه بعثرة لعائلة أبيه بنوم وردة جوار أمها ونوم والده جواره.
يبتسم بوهن، لربيبة أبيه طابع خاص يجعله يبتسم الآن منها بمودة، يتذكر دخولها عليه الغرفة مرارا وهو في أوهن لحظات حياته، توقظه بحجة الاطمئنان
-محمد، محمد، محمد، هل أنت نائم؟
تأتي لتتأكد من نومه فتوقظه بطيب سريرتها.
الطعام الساخن الشهي المعد بأنفاس زوجة أبيه ساعد في شفاءه، لكن يكفي ذلك، ليعود كلا إلى حياته، لا يمكنه المكوث طويلا، يعلو رنين هاتفه فيأتيه صوت أبيه
-هل وصلت منزلك بسلام.
لقد رأى في تلك الأيام وجها آخر لوالده، لقد تركه يعتمد على نفسه منذ زمن طويل، إلا أنه جواره وقت الحاجة، سند صلب يحتمي به.
يضع علب الطعام التي أصرت زوجة أبيه على أخذها على الطاولة.
يخلع حذاءه وينزع سترته ليتوجه نحو السرير.
ساعدته الصلاة على الاسترخاء قليلا، استلقى فوقه ليسترخي أكثر..
يستمع لصوت الصغار في الشارع يلعبوا الكرة في هذا الوقت من الليل.
لحظات وسمع إحداهن تقذف فوق رؤوسهم الماء ليبتعدوا عن المنطقة، ليهدأ الجو إلا من انفاسه، فتلتحم عينيه بهدوء لينام نوما ثقيلا لم يفق منه سوى الواحدة ليلا.
***
يضع كوب شايه جانبا وهو يسألها بعد السلام الحار من قبلها والجاف من قبله، فلازال متحفظا في الحديث معها.
-لقد أخبرت الرؤساء بمرضك فمنحوك أجازة مسببة ستنتهي في الغد إن شاء الله، أشعر أن صوتك أفضل من الصباح، يبدو أن وردة اهتمت بك كثيرا.
اغمض عينيه مستشعرا ضيقها
-وأبي كذلك، كنت بحاجة شديدة إليه يا أميرة ولا أشعر.
يشعر بضربات داخل راسه ووهن في عظامه فقال باحتياج شديد
-وكذلك إليكِ .
اعتراف جديد أوهن دفاعاتها في محادثته، لم تسطتيع منع عتبها من الخروج للسطح
-كيف ولم تكن تجيب على رسائلي؟
أراحه عدم صدها فهو في مزاج لا يحتاج لتبرير أو ردع.
-كنت أفكر طوال الوقت في صورتي أمامكِ.
-كلنا نمرض ونسقط، لا تخجل مني
تنبه من قولها بأنها لا تعرف شيئا عما حدث، أيعقل أن فوقية لم تخبرهم بسبب سقوطه، أو لمنع أميرة عنه، رغم تخفيف الأمر عن كتفيه إلا أنه لازال داخل صدمته الغائرة
يبعثر شعره بحنق ويقول
-لست بحاجة لمن يسكن أوجاعي يا أميرة افهميني.
-إذا فيما تحتاجني، إن لم يكن في التربيت على روحك، لقد بدأت الترم الفائت بالاهتمام بدراستك، لقد نجحت بالمناسبة، علقت النتائج بالأمس .
قابلها بصمته فأردفت
-مبارك، أنت على وشك التخرج، ذلك يمنحك الأمل في الإستمرار على ما أنت عليه
-بل يمنحني الإستمرار على الحفاظ بكِ
لقد جرب صدر أبيه واحتواءه، فماذا عن صدرها هي
-أشعر بالألم في عظامي يا أميرة، مطارق داخل رأسي، غير قادر على التفكير سوى في مصيبتي وما أقدمت عليه
انفلت لسانه فأكدت على جهلها بالأمر
-ما هي مصيبتك يا محمد، أخبرني ما الذي حدث، لماذا سقطت بهذا الشكل، هل أهانتك خالتي فوقية، لقد كانت على غير طبيعتها في ذلك اليوم، لم نعتدها كذلك صدقني.
يستمع لكلماتها بتعب، بالتأكيد كانت على غير طبيعتها فصفعته وأهانته، ولم تخفف عنه الحقيقة، بل منحته إياها بمنتهى الصلف انتقاما منه.
لكنها امتنعت عن إلقاء التفاصيل، حسنا فعلت، فكيف كان لو علم التفاصيل.
يمسد رأسه بأنامل أصابعه، هو يريد التفاصيل، لن يهدأ إلا لو علم التفاصيل ليرسم المشهد في رأسه، يعلم بأنه قد يموت من معرفتها وهو سببا فيما حدث، لكن يدفعه جلد ذاته للحديث إلى فوقية الآن لمعرفة أدق التفاصيل التي تؤرق نومها، ليذبح نفسه مرارا ومرارا، ليتأكد من أنه قاتل دنيء.
-أميرة، هل يمكنكِ إرسال رقم فوقية لي.
-ماذا ستفعل؟
لو فقط يخبرها سبب ما حدث بينهم وتسبب في تلك الواقعة وتبعاتها
-ارسليه لي فقط، بدون أسئلة، بت لا أحتمل أي شيء.
-حاضر، لكن لا تخبرها بأني من أعطيته لك، ستغضب مني.
لحظات وأرسلته إليه بعد أن أنهت المكالمة، تبعته بحديث كتابي
-بالمناسبة، لقد جاء إيمان خاطب اليوم، ألا تريد أن تعرف من هو.
لم يبدِ اهتماما فقالت
-لقد أتى إلى بيتنا اليوم سالم بصحبة خاله، يطلب إيمان للزواج، وقد رفضت أمينة في بادىء الأمر ثم لانت لحديث عبد الرحمن المقنع.
أختها الصغيرة التي تحمل إعاقة ستتزوج، بينما الكبيرة والوسطى لازالوا بلا خطيب.
متعجبا من موقف سالم وإقدامه على هذه الخطوة، وذات التساؤلات التي مرت على رؤوس الجميع، لماذا إيمان بالذات التي يتزوجها سالم، ألم يقابل من هي أجمل وأصح منها!
يبدو أنه يحبها.
نجحت أميرة في تشتيت أفكاره وانتباهه عن فوقية ومشكلته معها، اردفت
-يبدو أنه يحبها بالقدر الذي يجعله يضحي بكل شيء لأجلها ، لقد استاجر لها مكان، واشترى مكن للخياطة لأجلها ، إيمان تدرس في مدرسة الصم والبكم دراسة عملية لصناعة الملابس ولها طابع خاص بالتفصيل.
تبتسم وهي تكتب له ما حدث بروح فياضة حالمة
-لو تشاهد سعادته بموافقة أمينة ، ولو شاهدته وهو يتحدث بالإشارة التي تعلمها لأجلها ، لصدقت قولي سريعا.
-أمينة منحته فرصة عامين للزواج فإيمان لم تتم العشرون بعد، لقد ازرق وجهه وأخبرها أن يترك الأمر للوقت ولا تحدد.
شعرت بأنها كتبت كثيرا فسألته
-محمد!، ما زلت معي.
-أجل، معكِ، وأصدقكِ، إنها خبايا الحب وصنيعه.
وعند حديثه عن الحب دق قلبها، واتسعت ابتسامتها
-محمد..
وصمتت وابتسامتها تتسع بدلال تحجبه عنه
-كن بخير لأجلي.
كان فوق سريره، مسترخيا بحديثها، يرى قصة سالم وإيمان كالقصص الحالمة التي لا توافق الواقع لكنها تحدث.
يرخي جفنيه دون وداع، وقد هدأت أعصابه بحديثها.
-محمد..
-لقد طلق عبد الرحمن عاليا بعد شهور من زواجهم..ولا أعلم السبب.
اتسعت عينيه، وانتصبت أطرافه، عاليا الرشيد الآن حرة..قادرة على لف القيود حول رقبته، هاهي علاقته بأميرة مهددة بكشف أسراره، الركن الآمن لديه بات على شفا حفرة من النار..المشتعلة!
***


هالة حمدي غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم جنة ♥♥
رد مع اقتباس
قديم 16-03-22, 10:00 AM   #182

عزيزات

? العضوٌ??? » 479608
?  التسِجيلٌ » Oct 2020
? مشَارَ?اتْي » 211
?  نُقآطِيْ » عزيزات is on a distinguished road
Rewitysmile9

😍😍😍😍😍😍جميييييل الفصل 😍😍😍😍😍😍😍😍
هالة حمدي likes this.

عزيزات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-03-22, 09:08 PM   #183

هالة حمدي

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية هالة حمدي

? العضوٌ??? » 416048
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » هالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل السادس عشر

يبدو الكون منتعشا بسعادته، الهواء الصباحي البارد ينعش رئتيه، يدخل إلى المكتب فيجدها في انتظاره، لم يعرها اهتماما كما اعتاد منذ مواجهتهم الأخيرة، غير عابيء بسمتها المتحفظ، ولا ضيقها الدائم منه، يرى بعينيها لوم، وغضب يزيد بمرور الوقت، لا يعرف سر تحولها في معاملته!
يجلس خلف مكتبه، يتأمل الجدران حوله بشرود ممتع.
يبتسم فور تذكره لسالم الذي تركه للتو مبلل الثياب بعد انتهاء تمرينه، لقد أصبح ذهابه إليه وقت تمرينه من الأوقات المحببة لقلبه.
رؤيته وهو يحكم قبضته حول المجداف، يحرك جميع عضلاته، وهو واحد من ضمن فريق داخل قاربه تسعده.
لقد تمنى أن يكون معهم، سيسأل عن الأمر، لقد جذبه هذا الشكل المنتظم للتجديف وانتظام سرعة المركب على رتم محدد.
النيل، المركز، قبلة العاشقين، والبائسين، والمتعافين..
هواءه المنعش الذي يملأ رئتيه صباحا، يمنحه الرغبة في استكمال روتين حياته المضني.
حتى الأيام الخالية من تمرينات سالم، يذهب إليه صباحا بسيارته، يستمد من اتساعه طاقة ليبدأ يومه.
اليوم كان بصحبتة، يراقبه باستمتاع حتى أصاب قاربه خلل فأفلت الجميع تحكمه به، فيسقط سالم وأحد المتدربين داخل مياة النيل، فيثور عبد الرحمن ضحكا، وهو يراه من بعيد يصارع برودته.
تركه يبدل ثيابه قبل أن يغادر للعمل، قاطعا عليه عهدا بأن يحدد موعد اليوم مع أمينة لشراء الشبكة.
انمحت ابتسامته وهو يستدعيها، ينحي الأوراق جانبا عندما رآها تدلف إليه .
يشير إليها بالجلوس ففعلت..
-سالم يريد تحديد موعد للخطبة.
-إيمان أخبرتني.
يحك ذقنه في حركة عبثية، دغدت قلبها الذي ترغمه على التماسك، كي لا يتأثر برؤيته أو أفعاله.
-هل حددتِ الموعد؟
طال صمتها، فسالها بحيرة
-لقد وافقتِ على زواجهم؟
تسبل جفنيها، توافقه، فيقول
-اذا لم التردد في جعل الأمر رسمي؟، هو يحتاج للخروج معها، لترتيب أمر المشروع الخاص بهم، بحاجة لرابط يمنحه أحقية للدخول والخروج عليكم يا أمينة.
قالت بصوت مرتجف
-أنا خائفة.
يترك مقعده ليلف حول مكتبه ويجلس أمامها، يقول باهتمام
-ما الذي يضمن لي بأنه لن يتركها؟
يبعد رأسه عن محيطها ويقول بنزق
-عدنا من جديد.
تقول بحماس مرتجف
-ما الذي يضمن لي بأنه لا يشبهك؟
لا يفهم، حقا لا يفهم، ما دخله هو بسالم وإيما؟
يقول بإقرار
-هو يشبهني، ولماذا أنفي الأمر، المثل يقول الولد لخاله، أجل، نعم، هو يشبهني، ما الذي لا يعجبكِ بي يا أمينة؟
احمرار بياض عينيها بدموع جافة، تأبى أن تلتمع حتى في مقلتيها، منحه إحساس بأنها تكتم شيئا ما داخلها.
-إذا سيتركها، من هو ليحتمل صمتها الدائم، لعدم سماعها نداءه، لعدم اطرائها على فعل حسن قام به، من هو ليحتوي غضبها وقت يأسها، ماذا لو لم يحتمل وهرب، هو في العشرين من عمره لم ينضج بعد.
-ولماذا منحتِهم موافقتكِ المبدأية وتركتيهم يهيمون حبا، لماذا اقتنعتي بحديثي يومها، الأمر لا يخص سالم وايمان ..بل يخصني أنا.
يبحث عن صدق قوله في عينيها ويردف بثبات
-ضعيني جانبا ولا تربطي مستقبلهم بي.
يسند كوعه إلى مكتبه ويقول بصدق
-لا تخلطي وجعكِ بوجعها يا أمينة.. لن تكوني قادرة على استكمال حياتك وقد انطفأ نور الأمل بعيني إيمان، لست أول الرجال أو آخرهم لتخسري أختكِ لأجلي.
يعترف براحة لها، يقر بفعلته وذنبه
-كنت خسيس لأترككِ خلفي دون كلمة واحدة قد تطمئنكِ.
تمكن اليأس من صوته وهو يردف
-رغما عني، أقسم أني تزوجتها مرغما، هددتني بسالم ومستقبله، بإفلاسي لأعيد بناء نفسي من جديد.
انفلت عقال دموعها فانهمرت وهي تستمع لأنينه الصامت
-لم أحلم سوى ببيت مستور وزوجة تعي جيدا واجباتها، تتحمل عيوبي وتتحمل غضبي كأي رجل، زوجة تتفهمني كما أنا لأعطيها ما تحب وتحتاج، وجدت ذلك فيكِ، شابة مسؤولة عن أسرة فلن تثقلها مسؤوليتي، تعبنا لإثبات أنفسنا والعمل بالحلال، لم أركِ سوى رجل إن غبت عن بيتي، ستسنديني إن أغضبتني الدنيا وجئت إليكِ أشكوها، أقسم أن هذا ما نويت، وما أردت، لكني زدت عن الجميع بزواجي منها.
لازالت دموعها تجري ووجعه يشق قلبها
-أنا أتمهل، باستطاعتي طلبكِ للزواج الآن، لكنكِ لست قادرة الآن على إصلاحي يا أمينة، لقد استعمرتني بشرورها، أنا بحاجة للتعافي منها، كنت أعاقبها فجرحت نفسي قبلها.
يجلس بإنهاك وقد انتهي من إخراج الرصاص من جرحه، ينتظر من يضمده.
ما زالت تبكي بحرقة، لحظات واستمع إلى خطواتها تغادر مكتبه، وعندما لملم أشلاء أوجاعه انتبه أنها غادرت المكتب برمته.
لم يأخذ منها موافقة على زواج سالم، ولا وعدا منها بالصمود جواره حتى يشفى.
***
تأبى الشمس اختراق القتامة والسواد داخل شقته الباردة رغم تدفئتها جدرانها، لقد أغلق جميع الأضواء، وجذب جميع الستائر ليمنع أي ضوء من النفاذ، هو يريد أن يعيش في ظلام شاحب مثل مشاعره.
بعد أن سجل رقم فوقية بهاتفه، ارتعدت أصابعه فوق الحروف ليكتب لها في رسالة مقتضبة
-ارسلي لي التفاصيل، لا تغفلي شيئا عن أمي، أوجعيني كما شئت وحركى الخنجر المسموم بداخلي ولا ترأفي بحالي.
رسالته كانت بالأمس مساء، ورسالتها كانت الآن، وقد تخلف عن الذهاب إلى عمله يمط أيام اجازته غير المشروعة.
يجلس أرضا مفرود القدمين، يفتح رسالتها التي وجهتها إليه بلا رأفة.
رسالة محولة على لسان أمه، تحمل كل الوجع والبؤس الذي يملأ السماء التي بلا نهاية وتفيض
-يقود سيارتي عائدا بي إلى منزلي، أتابع سرعته المبالغ فيها، تجاهله لي وكأني لست صاحبة القضية أو السيارة.
شاربه الغليظ، ذقنه الحليقة، وشعره الأسود الكث ملائمان لحدة طباعه، يكفي أن يراه ابني ولو أخطأ سيعترف على الفور دون مجهود من الماكث جواري.
امتثلت لكلام صالح المترفق بحالي، هو لم يتهمني، لقد كان لين الحديث ومنتقي لكلماته، سأجرب..فماذا سأخسر.
صديقه ذو هيبة سلطوية وحتما سيصدق ابني ما أزعم.
أشرت له بالتوقف أمام البناية، وصعدت به إلى شقتي، انتفض محمد فور تعريفي له، يفسح له المكان للدخول.
يسأله
-أين غرفتك؟
توجه محمد ناحيتها دون أن يتحدث، لحظات غابا خلف باب غرفته الذي أغلق فور دخولهم.
لم استمع لأي شيء مما يقولون، فقط همهمات ضعيفة، وقلبي ينتفض بترقب، رغم قوتي في تنفيذ الأمر إلا أنني أموت رعبا من داخلي خوفا عليه.
أنا من ربيته وأعلم جيدا أنه ليس بسارق، لكن من؟!
لحظات مرت بطيئة، مجحفة في حق ترقبي، موجعة لضربات قلبي..
لكني انتظر.
وبذات السحنة التي دلف إلى محمد بها، خرج من غرفته، يثقبني بكلمة مختصرة، وابني من خلفه شاحب الملامح، وددت لو احتضنته واعتذرت له، لكن صوته القوي الذي يماثل وجهه منعني
-اتبعيني.
وفعلت كما أمر، نزلت خلفه، ركب السيارة فجلست بجانبه، انطلق وأنا جواره انتظره ليتحدث لكنه فاجئني بصمته، يتوجه نحو طريق لا أعرفه.
يشعل سيجارته التي لا تزيده إلا قبحا بعيني، الظلام بدا يستشري وعواميد الإنارة تختفي، ليذهب بي لمكان مقفهر.
ابتلعت ريقي وهو يتوقف بالسيارة في هذا المكان الدامس إلا من إضاءة خافتة داخل سيارتي بالكاد تجعلني أراه.
يفتح باب السيارة من جهته، وينزل ليفتح خاصتي
-انزعي ملابسكِ.
ذلك الرعب الذي كنت أشعر به منذ لحظات تحول إلى هلع وهو يخرج سلاحه ليضعه أمامي على تابلوه السيارة، يخرج مربع صغير بني اللون من علبة سجائره يبدأ في كسر إحدى السجائر الأصلية، ويشعل قطعة الحشيش، ليدمجها مع التبغ، وفي ورقة رفيعة يقوم بلفها
-حالما انتهي من لف تلك السيجارة، تكوني انتهيت أيضا.
بدأت دموعي في الهطول وأنا بين شقي الرحى، لا أعلم ما السبب فيما يفعل، لا أستطيع فعل ما يريد، وكيف أرفض؟
يحشو ورقة رفيعة بهدوء وكأنها احدى البنايات الهندسية التي ترسم بدقة متناهية
-ابنكِ من سرقكِ.
يلتف نحو السيارة، أراه يعبث في شيء ما بداخلها ليخرج حقيبة صغيرة يفتحها ويسقط المال فوق رأسي.
-لقد أخبرني بأنكِ تتحدثين إلى الرجال، وترافقين رجلا ما، يسمعكِ تتحدثين معه بالساعات، تتمايعين معه ضحكا وصخبا، علم بأن له أموال تحفظيها له فقرر سرقتكم والانتقام منكم.
صدمات كالمطارق فوق رأسي، ابني أنا؟!
بت ألطم وجهي دون أن أشعر، كيف يراني الآن؟!
ما الذي قصه على هذا النجس ليطلب مني أن أضاجعه؟!
-سنتزوج كما تعلم، إنها أمواله لتبديل غرفة النوم بشقتي، هو يدخر معي الأموال لذلك، أقسم بالله لست كما قال ابني.
يجذبني من شعري ليخرجني من السيارة لتتلوث ملابسي أرضا، يضع اللفافة بفمه ويدفعني لأسقط بقسوة على الأرض، يسحب نفس عميق من سيجارته وينزع ثيابه، يخرج من جيبه زجاجة صغيره يصرخ بي بقسوة
-هيا.
تلكأت أصابعي فوق ثيابي أهمس لها بأن تسترني، بألاَّ تنقاد ليدي أو ليده، شعر بتباطئي فاسرع نحوي ينزع الستر عني، يتنفس الحشيش ويسقط رماده فوق جسدي، يسكب فوقي من تلك الزجاجة الصغيرة التي علمت فور نزول محتواها على بطني بأنها خمر.
استحل جسدي بقسوة دون رفق، فقد كان الحكم والجلاد في قضيتي، تموت أحلامي بالستر تحت غطاء رجل يحفظني مع كل لمسة قاسية فوق سيقاني.
أقاومه بوهن مقياسا بقوته، ينال مني غصبا عني، ابني سببا فيما يحدث لي، بل انا السبب ربما..
يخطتف القبلات الواهنة وينعتني بأقذر الشتائم التي لم أسمعها أبدا، يقلبني يمينا ويسارا، ينتهكني بجسده وعرقه، لم يترك فعلا إلا وفعله ليتركني ممزقة الفؤاد والجسد.
ومن بين رحيل وعيي واستفاقني رأيته يحمل حقيبة المال، يكمل إهانتي ببعض الشتائم مع إتمامه لارتداء ثيابه..وغادر.
لقد نال مني..ومن مالي..وما أنا إلا قطعة من القماش ملقاة ارضا، مهترأة تعبث بها الرياح، لا يسترها سوى الظلام.
أكاد أن أموت يا فوقية وتتمزق روحي، لابد وأن امنحها الخلاص، لا تخبريه أبدا بما فعلت، ولا تجعلي حياته ظلام لأجلي، هو يستحق الحياة والفهم.
كوني له عونا يا فوقية وأخبريه بأني لطالما أحببته، لطالما أفنيت حياتي لأجله، أخبريه أني تقبلت سخطه، وحنقه، عدم بره بي، أخبريه أني أسامحه لأجل غيرته علي، لا ألوم حمقه وأنا أرى تصرفه الطفولي غيرة على شرفه وعرضه.
احتضنيه يا فوقيه وإن لم تنجبي اعتبريه ولدكِ، اعتني به لأجلي، الوداع يا رفيقة دربي.
يبكي دما، تتقرح عينيه وينزف قلبه مما تلتهمه عينيه من حروف، تنكتم أنفاسه غير قادر على الصراخ أو تخترق آهاته الصمت لتريحه، شهقات مكتومة متحشرجة بجحيم ما قرأ.
لقد طلب التفاصيل، وقد منحته إياها بينما صفعاتها هي أقل ما نال، حدتها معه لاتزن شيئا فيما قرأ.
لقد ظن بأن التفاصيل ستقتله وياليتها فعلت، إنما هي تمزقه، تعذبه، هو الآن يقتل بالبطيء، وسيف الندم يسفحه بحدة.
أمه تحمل همه وهي في أوهن أوقاتها، وهي تنزف متردية نحو الموت، تتوسل فوقية عدم الغضب منه!
أي غبي هو..وأي مصيبة فعل؟!
انتهت رسالة أمه ليرى رسالة فوقية المقتضبة
-لا تفكر بالبحث عنه أو للانتقام منه لأني لا أعرف صالح من الأصل، لا أعرف أرضه ولا أملك معلومات عنه..ثق بأن الماضي انغلق بموتها وأنت.. انت السبب..
خناجر تنتصب في أطرافه تؤلمة، تنزف دماء وتحدها فلا يستطيع الحركة حتى لا يكبر جرحه ويتعمق.
أما عن الخنجر الموصول بقلبه، سيتركه عن طيب خاطر لتقطر آخر دماءه الآثمة فتطتهر روحه وتنسل لبارئها.
لازالت الشاشة مضاءة، بينما عينيه أظلمت بوهن مرهق.
***
يركن سيارته تحت منزل محمد، أوشك أن يصدم أحدهم وهو يصفها ويضبط زاوية ركنته، وعندما نزل تأسف لذلك المسن على صدمته البسيطة، فتقبل الرجل الذي يسير على عجل، مهموم الوجه اعتذاره.
تزامن دخولهم لذات البناية، وتوقفوا عند ذات الشقة فقال
-هل أنت صديق محمد ابني؟
قال سالم باستبشار
-أجل، كيف حالك يا عمي، تجمعني صداقة قريبة به.
-اتصل به منذ ساعتين ولا يجيبني، ليست عادته، يبدو مريض.
كان يتحدث وهو يطرق الباب فيجيبه سالم
-كانت هذه بداية معرفتي به، مرضه، جئت للاطمئنان عليه.
كان جزء من الحقيقة ، فسالم جاء ليتابع أخبار أميرة، لربما أمسك هاتف محمد وقلب فيه ليصل إلى شيء.
قابلت طرقاته الصمت فشعر والده بالضيق، يبحث في جيبه عن المفاتيح حتى وجدها ليقول بقلق
-أشعر أنه ليس بخير.
كانت تهتهة الرجل تنم على خوفه الشديد على ابنه، الذي لا يعلم سالم سببا لتركه يعيش بمفرده طالما الأمر هكذا.
دخلوا لظلمة شقته، فتح والده النور لينتفض مسرعا نحو ولده الملقى أرضا، بينما هم سالم لمساعدته وهو يجد الهاتف جواره، حاول أبيه اسعافه فلم يفلح
-ساعدني يا ولدي، لنأخذه إلى طبيب، لم أعد مطمئنا وهذا الأمر يتكرر معه.
ساعده والده ليحمله سالم على ظهره، ووقت اعتداله التقط هاتفه بحركة خاطفة، يعتدل ليزن حمولته ويسير سريعا نحو سيارته.
يعدل رأس ابنه يسندها على كتفه، مترددا في سؤال سالم عنه وقد أخبره أنه معرفة قريبة، لربما يكون هو السبب، هل أعطاه شيئا ليجربه فلم يصمد ولده!
لحظات متجهمة مرت حتى الوصول، بين حركة سريعة وخروج الطبيب..
-اغماءة نتيجة انخفاض في ضغط الدم، لقد حقناه بالمحاليل لضبط الأمر، هل تكررت اغماءته من قبل؟
هنا تذكر سالم كلمات أمينة عن تلقيه صدمة ما فقال للطبيب
-نعم، لقد تكرر ت من قبل، هل للصدمات النفسية تأثير كهذا على المريض؟
-بالتأكيد، قد يتعرض الإنسان لجلطات بسبب ارتفاع ضغط الدم فور تعرضه للانفعال، أو صدمة لم يتوقعها.
-حسنا، بماذا تنصحنا يا دكتور.
أطلعه على ما يمكن فعله في تلك الحالات، ووالده يتشرب ما يحدث وكأنه يشاهد حدث لا يخصه، استأذنهم سالم وقد رن هاتف محمد بجيبه.
وعندما ابتعد وأخرج الهاتف، وجد المتصل..أميرة، ألغى اتصالها ليفتح رسائل الواتس آب في حركة بغيضة إليه لم يعتدها وهو يتلصص على مكالماته معها، يبدو أنها خبيرة في التنمية البشرية لتعدل مزاجه بحكاويها عنه وعن إيما، ثرثارة هي تلك الفتاة، يكتم ضحكه عن تأويلها مشهد زواجه.
ما خرج به من تلك المحادثة، أنها لازالت تحدثه، وربما زاد حبها لذاك المخادع المريض.
مسح كل محادثاتهم سويا، بما تحويه المحادثة من تسجيلات صوتية.
ينتقل إلى باقي المحادثات لربما توصل لسبب ما هو فيه الآن.
وعندما وجد اسم فوقية مسجل، دخل بتطفل إلى المحادثة، يعي جيدا أن هناك شيء مهول جعل من هذا الضخم جثة متهالكة.
لحظات وكان والده يناديه فأغلق الهاتف دون أن يشبع فضوله، وانتهى أمره عندما سمع والده يقول
-هل هذا هاتف ولدي.
-أجل.
ولم يجد بدا من مناولته له، فوالده أولى به، وقد قُتل فضوله للتو.
-لا أريد أن أثقل عليك غادر يا ولدي شكرا لك، سأكون معه، أشكر تعبك معي، بارك الله فيك.
-أنا معك حتى ينهي هذه التحاليل ويصل لتشخيص محدد، سأوصلك للمنزل بنفسي، لا يصح مغادرتي الآن.
***
تمر الأيام وهو لا يعلم لأرضها سبيلا، يتخبط بين خوفه عليها وغضبه من أفعالها .
لقد قلب الأرض ليبحث عنها بين الموتى، بذل من الجهد ما يفوقه
-لا تحمل نفسك أكثر مما تحتمل يا طارق.
دوما ما كانت صوت العقل في أشد أيامه سوادا، هي وابنه من يجعلاه متمسكا بخيط الأمل الرفيع الذي يوشك أن ينقطع.
-الوقت ينفد يا خلود ولا أعرف مكانها، هل هي بخير؟، جنينها بخير، هل تحتاج إلى شيء؟
انحناءه ظهره تقصمها، إنها ضربة أخرى من ضربات عاليا التي لم تنتهي ولن تنتهي على ما تظن.
-لقد بحثت عنها في كل مكان، تقصيت عنها بكل طريقة أملكها.
-عاليا بخير لا تقلق.
يلتفت إليها لترى ملامحه الشاردة، التي لم تراها تغمر وجهه إلا بسببها "عاليا"
-أعطني بديلا للقلق يا خلود، احقنيني بدواء الاطمئنان واجعليه يسري في عروقي سريعا فالألم يمزقني.
يقف متخبطا ويكمل
-أنا لم أجبرها على الزواج، وإن اختارت أحدهم من علية القوم لزوجتها له لكن مع عبد الرحمن منحته ثقتي.
-هو لم يخنها، بل هي الأفعى.
يضع كفه على رأسه
-لا تنسي بأنها أختي يا خلود.
-لا يصيبك منها إلا الشر، قد أبدو قبيحة أمامك ، لكني لن أتركها تدمر ما تبقى منك، أنا أعيش على لملمة تلك الأنفاس الدافئة، لم يعد لي سواك في هذه الدنيا، هي أخذت الكثير، الكثير من الدعم من جدي ومني ومنك، دعها تعتمد على نفسها، تصلح نفسها، توقف عن اتهام نفسك دوما، أرجوك توقف.
تشهق بضعف
-أنت أخيها الذي كانت تبحث عن نزع رقابته عنها، تريد الابتعاد عنه لتتحرر، بينما أنت من تضيء حياتي، ما نفع المال وأنا بدونك، ما نفع الولد بدون أب يحتضن ويطمئن، لقد قمت بما يجب معها وما يزيد، أنا أحتاجك، ابني يحتاجك، لأجلي يا طارق توقف.
يعانقعا بقسوة، وهي التي يخلع همومه عند عتبتها، عاليا أثقلت كتفه بالهموم، ستعود، هي ستعود مهما مر الوقت حتما ستعود.
تبادله العناق القاسي بآخر متملك، تحتضن يديها حوله وتضمه إليها بقوة، ترفض دخوله تلك الدوامة التي ابتلعته قديما، هي لا تصدق من الأساس أنه خرج منها.
يقبل شعرها، فتستند بجبينها على صدره
-لقد نام يوسف.
يمسح على ظهرها، فتكمل
-إنه اليوم الثالث على التوالي الذي تمنع نفسك عنه.
ترتفع رأسها مع ارتفاع صدره بأنفاسه
-لن تفيد تلك الحيل بأن والدك عاد ليلا أثناء نومك، وأنت لا تغادر المنزل من الأساس.
وعند منتصف ظهره، مررت أصابعها بقوة فوق عموده الفقري وتكمل
-ستوقظه بنفسك صباحا، وتقضي معه اليوم
ترفع وجهها نحوه، تعلم أن عقله لم يتوقف بعد، تسأله
-اتفقنا؟
يهز رأسه بوجوم موافقا، ينهل من وجنتيها القبل، يسكن وجع جسده وعقله بها، هامسا بوهن
-اتفقنا.
***
دلفا إلى غرفته فبدى أفضل حالا، لكن وجهه عابس .. مبعثر، ليته قرأ محادثته مع فوقية التي تعد الصندوق الأسود له.
-مرحبا يا محمد.
تلقى ترحيب سالم بصمت، متجاهلا سبب رؤية وجهه مجددا، غاضب من نفسه ومن ذكرياته، بل ومن الوجوه المشفقة حوله، ومن الهواء.
قواه الخائرة لا تتوافق مع كتلة النيران التي لو قذفها لاحالت المشفى إلى ركام.
جفت الدموع من عينية وقد باتت لا تريحه، ربما لن يرتاح إلا لو تخلص من حياته جزاء لفعلته وفحشها.
جزاءه هو أن يموت كافرا بنعم الله منهيا حياته ليماثل أمه في الجزاء، لا..بل الله حكم عدل، يعلم بمصابها، لن يحاسبها..
هو من يستحق العذاب.
لا يستمع لكلمات أبيه ولا يجيبها، ولا يتحدث وكأنه فقد النطق، يتمنى فقده كل مباهج الحياة، لا يستحق الحب، ولا الدعم، ولا خوف أبيه عليه.
ربما لو لم يغتصبها ذاك اللعين لتركها المدعو بصالح لتعود لوالده.
هو خط نهاية لحياتها لا تتناسب مع غايته وقتها.
كان كالأحمق الذي يعرفه الجميع بينما هو يدعي الذكاء.
انصرف بوجهه عنهم وشرد بعالمه.
تمنى لو شنق نفسه وتعذبت روحه، أو سال دمه من معصمه لتسحب روحه بطيئة موجعة.
يريد موتة شنيعة تعذب جسده حتى تصعد روحه وتتعذب هناك العذاب الأبدي .
مربع بطول جسده بمسامير مدببه تخترقه حتى رأسه...
يشرد في أشد الوسائل وحشية، حتى لو لم يحققها يبقى ألم التخيل يضعف جسده.
حدثت أشياء كثيرة سريعة، بين أخذ عينات دم، وعمل أشعة، يوم طويل يتحرك من يد هذا لذاك..ولا يعلم متى عاد إلى شقته، ولا كم مكث معه والده تاركا بيته وزوجته لأجله.
ما يعيه الآن هذا الاتصال الأخرق منها..
يستمع لصوتها الملهوف..كلمات عن شوقها إليه، اهتمام صادق ومحبة خالصة بين حروفها، قطعها بجفاء مبهم لها
-أميرة..لا تتصلي بهذا الرقم مجددا، أنا لا استحقك، ولا استحق خوفك وقلقك، وذاك الحب الذي يقطر منكِ، أنا بائس حد الموت، مذنب حد الكفر، لا تغدقيني باهتمام وأنا بحاجة لجلد السياط..أنِت لا تعرفيني، ولا تعرفي كم الشرور بداخلي ولا ما اقترفت قبل معرفتكِ وبعدها..أنا منبع الشرور، توقفي عن الاتصال بي، والتفكير بي، والدعاء لي إن كنتِ تفعلي، لا تمنحيني أكبر من قدري وتضعيني في سلة واحدة مع والديك، أنا لست سند لأحد، اتركيني لحالي وانسيني تماما.
وأغلق الخط، والهاتف، وتركه يسقط أرضا، يحتمي بوهنه في غطاءه، مستسلما لذاك الجلد النفسي الذي يعذبه أكثر من تنفيذه لفكرة الانتحار نفسها.
**
تعبث في هاتفها تشغل وقتها لحين قدوم الحافلة، لقد أنهت دوامها مغادرة إلى المنزل.
لقد رفضها ولفظها بطريقة فجة وكأنها تلقي بنفسها عليه.
ألم يخبرها بأنه يحتاجها في محادثتهم السابقة؟
مزيج من الغضب والحزن من طريقة تحدثه إليها، ستعذره..تعرف أن هناك شيء يجثم على قلبه فيجعله عازف عن الناس بهذا الشكل.. لايهم..ستصبر إلى أن تنتهي تلك الشدة.
-أميرة...
تلتفت مندهشة من وجود عبد الرحمن خلفها خلفها في هذا الوقت، أليس لديه عمل؟!
-مرحبا..هل أمينة بخير؟
يعقد ذراعيه أمام صدره يتابع تحرك الأشجار أمامه بقوة
-حتى الآن هي بخير، لكن فيما بعد.. لا أعرف.
ضيقت عينيها تبحث عن إجابة لأحجيته فلم يطل عليه وقد عادت إليه هالته السلطوية التي ضايقتها في مقابلتهم الأولى، إلا أن الإكبار لازال يحاوطه فاستمعت لكلامه
-دعيني أخبركِ بحكاية قد تبدو مسلية بالنسبة إليكِ ..
شحب وجهها فقال بابتسامة يهادنها مكملا جملته
-لكن دعينا نعقد اتفاق أولي، تجهلي كل بنوده ما عدا ثقتكِ بي.
عدلت حجابها ، تصغي باهتمام
اقترب بوجهه منها رغم المسافات، وعينيه قاسية فوق عينيها
-هل تثقي بي يا أميرة؟
تحرك عينيها بقلق فوق وجهه لكنها منحته إجابتها
-نعم..أثق بك.
وبمن تثق إن لم يكن رجل بعمره، وخال خطيب أختها أي بينهم نسب، وله من الخبرة في الحياة باع طويل.
قال مستغلا تفاعلها
-كان هناك امرأة مغرمة برجل بشكل جنوني، مرضي إن شئتِ الدقة، أحكمت حوله كل القيود لتتزوج منه، كل ما تتخيليه فعلته، عطلت أمواله، جعلته يوشك على الإفلاس، وعندما علمت بحبه لامرأة اخرى قررت ضرب إحدى أخواتها في شرفها.
تستمع باهتمام، يساورها الشك في حكايته، هناك خيوط لكنها غير قادرة على جمعها.
أكمل ولازالت عينيه عليها يحافظ على نبرته الهادئة
-اشترت أحدهم بالمال لضيق حاله ليوقع بأخت حبيبة البطل(إن شئنا تسميته بهذا كي لا تتوهي مني)كان يعمل معها، وزميل لها في ذات الوقت، فاشل، يأخذ السنة باثنتين، تودد إليها ونال قلبها، فتمت المهمة بنجاح، نالت البطلة المريضة صور لها وهي خلفه على دراجته البخارية، ونجحت في التقاط صورة لهم وهم متعانقين، لكن البطل لم ينتظر حتى يرى صورة أخت حبيبته بأطفال بطريقة غير شرعية فوافق على الزواج منها ليتوقف كل شيء.
تسقط دموعها بعينين متسعة وقد فطنت إلى القصة وأبطالها جيدا فأكمل
-لقد ذهبت إلى محمد وضربته ولم يقاومني يا أميرة، هو يعلم بأنه مخطئ، وهددته حتى لايعود لكِ من جديد بينما أنتِ من ظللت تحومين حوله، يوم سقط مريضا سالم وجد رسائلكِ لديه واستمع لتسجيلاتكِ.
يضرب على الحديد وهو ساخن بصوت ثابت
لقد اتصلتِ به وسالم يحمل هاتفه عندما زاره - بالصدفة ووجده مريض بصحبة والده.
التقط أنفاسه وهو يعدل وضعية وقوفه يضع يديه بجيبي بنطاله
..-سالم مسح جميع محادثاتكم، وانتهى الأمر، فانهِ أنتِ أيضا وتوقفي عن ملاحقته.
ثم قال بوجه قاسي لم تعتده منه، بنبرة حاسمة
-هل فهمتِ؟
تهز رأسها بسرعة وهي تقول بخفوت باكٍ
-فمت، فهمت..فهمت.
-والآن، انتبهي لدراستكِ، وامسحي رسائله وانسي الأمر.
لازالت تهز رأسها بسرعة، ترفع هاتفها سريعا تنفذ ما قاله، ثم قالت بتوسل
-لا تخبر أمينة أرجوك..
يتأمل هلعها برأفة، يهز رأسه بهدوء، يعطيها ظهره منصرفا فقد انتهى مما أتى لأجله، يفتح أزرار قميصه العلوية وقد اختنق، فقد أعادت تلك المحادثة كافة ذكرياته الباهتة.
***
يعبث الهواء بنافذة فوقية فتفتحها أميرة تنتظرها؛ لقد أخبرها العم سلامة بأنها تنهي الغداء وهو يغادر ليشتري لها طلبات للمنزل.
تتسلل إلى أنفها رائحة الطعام التي تعشقها، غير قادرة على إسعادها، ولا اسعاد خالتها على ما يبدو بعد أن عادت لحزنها مجددا والذي كسر حدته خطبة إيمان.
تغمض عينيها بيأس، لقد كانت كالدمية، هو من استخدمها، وهو من ألقاها حالما فرغ منها يلعب بعرضها مستغلا براءتها وثقتها فيه!
-كيف حالكِ يا أميرة.
إلتفتت إليها تغلق النافذة، تعلم خوف خالتها من تسلل الحشرات لمنزلها
-اتركيها..
تقدمت خطوات تواجه خفوت عينيها بشرود تطوف عينيها على وجهها وهي تذكرها بأمها..يتبادلن الحديث المؤلم بأعينهما، حتى اغرورقت عيني أميرة بالدموع مندفعة نحو صدرها
-أنا متعبة.
تلقفتها يديها بحنان غريب على مزاجها المتقلب، الذي يرى كل الأشياء سواء؛ بعد رسالة محمد المقيتة إلى قلبها.
ذلك التيه الذي استوطنها؛ هو يشبهها.. صديقة عمرها.. هو يشبهها للحد الذي تتشتت فيه من ضمه أو إقصاءه، معاقبته أو احتواءه والشفقة عليه.
تشدد من احتضانها لأميرة وقد تخطت دموعها جفنيها هي الأخرى.
ترتجف أميرة ببكائها؛ تنعت نفسها في سرها بالغباء، كيف انساقت خلف مشاعر ليس لها مسمى خلفه، كيف لم تفكر ولم تتوقف، كيف انساقت وأحبت ومنحت..
يؤلمها صدرها وتختنق أنفاسها، فتهدهدها فوقية التي ما إن نضحت عينيها دموع قلبها، شعرت بأن سجن حزنها انفرج وباتت على أعتاب الشفاء، تتذكر رؤيتها له وهو على هذا الحال منحها الشعور بالتشفي والقصاص.
تربت على شعرها بحنان جارف
-ماذا بكِ حبيبتي؟
ترفع عينيها الباكية نحوها فتقول فوقية بحلم
-هل آذاكِ..
فوقية تعلم حتما أنه مؤذي بشكل أو بآخر، باتت لا تريد أن تعرف شيئا عن ماضيه أو حاضره، سبب سقوطه، سبب مرضه أو ابتعاده عن عمله ..
تحمل في قلبها غضبا منه ووهنا مرير من حبه، تلعن ذلك الصارخ بصدرها باسمه..
-صدمتي فيه تؤلمني يا خالتي، لماذا لم تحذريني، لماذا لم تمنعيني وتصفعيني لابتعد، هدديني باخبار أمينة، لماذا صمتي منتظرة كسر قلبي بهذا الشكل؟
تبكي بحرقة مثلها وأشد، وكأنها تكوي جرحها مع ابنتها
-كانت صدمتي أكبر من الحديث يا أميرة وأنا أرى ماضي هربت من قضبانه لطالما سجنت روحي فيه يتجسد أمامي في صورته.
شاردة..دامعة..منهكة..
-شاء ربي أن تكوني وسيلة لوصله بي..
قالت هامسة
-يبدو أني كنت وسيلة.. فقط وسيلة لكل شيء..
تمسح دموعها بينما قلبها ينهت بتقطع تسمعه أميرة المندسة في أحضانها
-علمت أنه سيترككِ بعد مواجهتي معه.
-لقد آلمني بشدة يا خالتي، لقد أحببته، منحته ثقتي وخنت عهدي مع أمينة، لم أكن على قدر كلمتي وثقتكِ أنتِ بي، كنت كالعصفور المقيد وحالما أتته الفرصة هرب، فتحت قلبي بغباء وبت أتشرب أحاسيس لأول مرة تغزوني.. أنا…
تقطعت حروفها باكية، فتصمت مردفة ببكاء شاحب..
غير قادرة هي على مواساتها وهي تحتاج من يواسيها، هي الكبيرة التي طحنتها الحياة بمعاركها سنوات طويلة، فقط الدموع التي تفرج يأس القلوب هي زادها..
صمت من نشيج كلتاهما يتردد صداه للحظات، حتى أتي زوجها فلملمت وجعها وقد انفرج القلب بعد أن فاض بضيقه..
ترتب شعر أميرة بحنان، تمرر يدها فوق وجهها تمسح دموعها،تتجاوز حديثها الشاق قائلة
-لقد نال جزاؤه، كسرة قلبكِ تلك لن تزن شيئا في عقابه.
تمنحها ابتسامة متدثرة بالتعب
-أخبركِ نكتة
لم تجبها أميرة فأكملت فوقية كعادتها وقت إلقاء النكات
- مدرس لغة عربية قال لتلاميذه حالما يأتي المدير حدثوني باللغة العربية الفصحى؛ فلما أتى المدير قال المدرس
-اغلق الباب يا محمد.
فقال الطالب
-أمرك يا أمير المؤمنين.
فسجن المدرس بتهمة انشاء جماعات ارهابية في المدرسة.
انفلتت ضحكة حزينة من شفتيها، بينما فوقية لازالت تحنو عليها بلمسة ناعمة فوق رأسها؛ ليصمتا من جديد.
***
كل سنة وانتم طيبين..لنا عودة واستكمال الفصول بأمر الله بعد رمضان💗


هالة حمدي غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم جنة ♥♥
رد مع اقتباس
قديم 26-03-22, 04:54 PM   #184

ايمان منصور ابراهيم

? العضوٌ??? » 476644
?  التسِجيلٌ » Aug 2020
? مشَارَ?اتْي » 38
?  نُقآطِيْ » ايمان منصور ابراهيم is on a distinguished road
افتراضي

كل سنه وانتم طيبين رمضان كريم
هالة حمدي likes this.

ايمان منصور ابراهيم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-05-22, 10:14 PM   #185

هالة حمدي

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية هالة حمدي

? العضوٌ??? » 416048
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » هالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اقتباس من الفصل القادم

تصلب جسد اميرة بين يديها عندما هدمت ادعاءاته المنقوصة، هل يمكن ان يكون اخبرها عبد الرحمن عن إثمها لتحسين صورته امامها؟
ابتعدت عن اختها تبحث بين عينيها عن اجابة.
تسكن قلبها بان مشكلة أمينة الان ليست زواجه من عاليا بقدر ما هي حملها منه.
***

في انتظاركم يوم الثلاثاء الثامنة مساء
مع فصل جديد من الرواية..تحياتي🌸

chaimaeM likes this.

هالة حمدي غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم جنة ♥♥
رد مع اقتباس
قديم 10-05-22, 11:32 PM   #186

هالة حمدي

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية هالة حمدي

? العضوٌ??? » 416048
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » هالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل السابع عشر
تقضي أوقاتها بين المطبخ والتنظيف ببؤس تتفرسه عينيها عن كثب، تراقب وهنها في إنجاز مهام وهمية تمنحها الوقوف بالساعات داخل المطبخ دون أن يحاسبها أحد.
لا تستطيع الفكاك من عيني إيمان التي تنطق بتساؤلاتها، لماذا تمكث أمينة بالمنزل كل هذا الوقت؟
تسربت أمينة من أمامها مشفقة عليها مما يرهقها، إيمان تعد جرحا نازفا أمامها متجدد الآلآم.
-لا يمكنني كسر قلبها.
تهمس بتلك الكلمات بسخونة منبعثة من داخلها بعد تذكرها لقاءها معه، لقد عادت للمنزل ذاك اليوم كالقطار السريع الذي لا يتوقف في محطات وإنما يعرف وجهة واحدة للتوقف فيها..بيتها..والذي لزمته حتى الآن.
ترفع ساقيها وتستند برأسها على وسادة صلبة كما حياتها، لم يكن لديها الوقت للملمة وجعها، وكل شيء يحدث بسرعة بغيضة.
-يا إلهي.. أنا سأموت.
تنتقل السخونة من كلماتها، إلى عينيها التي التهبت باحمرار قاسي، معترضا على تناحرها.
تضم ساقيها إليها، تضع كفيها فوق وجهها، تشهق بألم يشبه الإحتضار وهي تتذكر وعوده..
ألم تكن نظراته تعدها، حلواه، صمته، غيرته الشديدة عندما رآها تسعف محمد، توتره وقلقه في الآونة الأخيرة قبل نهاية علاقته بعاليا.
تلك اللعينة، لم تتركه إلا وهي منتصرة، تحمل جنينها منه وتهرب، مراهنة على ركضه خلفها!
ماذا لو إجتمعت بهم في مناسبة عائلية تخص إيمان، ماذا لو تقاطعت طرقهم من جديد ورأتها في شركته تحمل ابنته؟
تتعالى شهقاتها بأنين مكلوم يائس ممن حوله ومن نفسه.
هل ستذبح أختها لأجله، ألا يكفيها روحها لتشرك أختها معها.
إيمان، التي لم ترَ يوما سعيدا في حياتها فتأتي هي لتصبغ سعادتها بالسواد.
إستمعت لحفيف ملابسها لترفع وجهها إليها، فتهمس باسمها
-إيمان!
فتشير لها بانفعال مصر
-ماذا بكِ، لماذا تبكي يا أمينة؟
فتجذبها بقوة نحو أحضانها، تصرخ وتئن بشدة، تعلم بأن أختها لن تسمعها.. والأخرى بالخارج يجتاحها الصمت منذ حديثها مع عبد الرحمن، تراقب ما يحدث بينهما كطرف ثالث شفاف لا وزن له.
تقبض على جلباب أختها بقوة ودموعها تسيل على كتفيها، بينما إيمان مستشعرة شهقات أمينة القوية، وأنفاسها المكتومة تارة، والصارخة تارة.
هي حقا صماء، لكنها تشعر، وكيف لا تشعر بتلك الحرقة التي تلمسها بكفيها تخرج من ظهر أختها، تلك الأنات التي تقتلها، هذا المكوث البليد واحتمائها بالمنزل.
تفلتها إيمان، تحتوي وجهها بكفيها، تسألها بعينيها وحاجبيها المعقودان ، فتهز أمينة رأسها نفيا مجيبة بصمت
-لا شيء.
يرتعش جسدها بقسوة، هذه المرة يجب أن تعلم ما الذي يؤرقها، وقفت مبتعدة عنها، تشير إليها بقوة وعزم
-لن أخرج من تلك الغرفة حتى أعرف ما الذي يجري، هناك حمل فوق صدرك، ثقيل، وقد فاض الكيل بكِ، تكلمي.
تنزل ساقيها عن السرير، تضرب فوق فخذيها بشدة، تردد
-أنا أحب، أحب..
فهمت شفتيها بسهولة، فأرخت إيمان ملامحها، متسائلة في نفسها
-وهل الحب مبعث هذا الشقاء؟
توليها ظهرها تخفي ما تبقى من دموعها، تخبرها بأنها لن تتحدث، لو تحدثت لتبدلت الأدوار لتصبح إيما معها في جعبة الفراق خاصتها.
تفتح شفتيها، تغلقهما، تلتفت اليها ثم تستدير عنها، أشارت إيمان
-أنتِ تحبين عبد الرحمن؟
أومأت أمينة برأسها، فعادت إيمان بحاجبيها إلى الإنعقاد، واختلج القلق بقسماتها.
ضاقت عيني أمينة بالبكاء مؤكدة استنتاج أختها، فتشير إيمان ببشاشة
-هو مطلق.
-أعرف.
-ما المانع إن طلب الزواج منكِ؟
دارت في غرفتها الضيقة تقول بجنون
-لا، لا.
تسيل دموعها من جديد وآلام قلبها توخزها، تستوقفها إيمان
-ما الذي يمنع زواجكِ منه إن تقدم إليكِ.
تتمسك بقوة واهية، تقف أمامها وقد استعادت صلابتها، تقول بحسم
-عبد الرحمن طليقته حامل، ومن المرجح عودته إليها.
تبتلع ريقها وهي تردف بحيرة
-بيني وبين عبد الرحمن شيء، لا أجرؤ على تسميته، هو لم يطلب مني شيء وكذلك أنا، لكن..
انهارت كلماتها مع صوتها المرهق
-لقد حاولت، وربي حاولت أن أنساه، لكن هناك لقاءات ستجمعنا، أنتِ لا تعلمين ما يحدث لي وأنا أراه برسمية داخل العمل، فما بالك برؤيتي له وهو يمزح أو يداعب طفلكِ، وهو يتحدث إلى سالم ويوجه أميرة، سيكون عبد الرحمن عنصر مؤثر في عائلتنا، سيكون له كلمة حتى لو ليست عليكِ فستكون على ابن أخته الذي يُكبره ويحبه.
تنهار مجددا لتبكي غير منتبهة لنظرات إيمان الحنونة
-ماذا لو وجه لي الحديث ذات مرة وبان إشتياقي، سيكون له طفل يا إيمان، أنتِ لا تعلمي مقدار حب عبد الرحمن لسالم فما بالكِ ابنه.
قبضت على يديها تضمهم أمام صدرها بعد إن انتهت من حديثها مع إيمان.
لتناظرها الأخرى بجمود.
فكرة واحدة سيطرت على رأسها لإنقاذ أمينة وهي أن تترك سالم من الأساس، ليس هناك حل سواه..لكن..
كيف تنسى هي الأخرى سالم، تطفيء توهج الليل في عينيه.
لقد تعلم الإشارة لأجلها، تبع خطواتها وأحب ما تحب واهتم.
كان جديا وتقدم لخطبتها، ولم يعبث معها ويرافقها إلى أن يمل منها ويتركها، لقد لاحقها وهي الناقصة في عرف البشر، مكتملة بعينيه.
مقر لتصميم الأزياء، هي المتحكمة فيه، هدايا قيمة، اهتم بعقلها واعاقتها التي ستكلفه الكثير والكثير.
كان لا يجب عليها ألا تطمح لشيء كثير مثله.
دوما ما كانت واقعية، تكره الأحلام، ما الذي تغير؟
فلتسقط عن غيمة الأحلام خاصتها لأجلها هي، أمينة، التي عانت وعانت لأجلهم، ألا تستحق هي معاناه جليلة كتلك في سبيل راحة اختها.
-وماذا عن العمل، هل ستتركيه؟
تحتوي وجهها بكفيها ليخرج صوتها مكتوم
-لا أعرف يا إيمان..لا أعرف..ليس لدينا سبيل للعيش سواه..هكذا تضيق الدنيا حولي ولا أجد متسع..
أومأت برأسها متفهمة، تجذب يدي أمينة إليها، تقبلهم بامتنان وبِر
-لا يهم، يأتي خاطب ويذهب آخر، لا يهم يا أمينة، المهم أن نكون معا، كان لابد وأن أرفض أنا، يليق بي أصم مثلي، وربما لا يحق لي الزواج من الأصل، أنا راضية يا اختي، انتِ تستحقي الراحة، لا الدوران خلف عجلات الحياة، التقطي أنفاسكِ يا أمينة، من حقكِ أن ترتاحي، فقط امنحيني الوقت لصياغة رفضي .
بينما الواقفة خلف الباب دموعها تجري أنهارا على صدق كلتاهما، و إيثار كلا منهما لحب الأخرى والتضحية لأجلها.
بينما هي السبب الرئيسي لسقوط عبد الرحمن وأمينة في تلك الهوة السحيقة.
خرج صوتها متحشرجا ببكائها، نادما على بوحها، لاعنا تسرعها واستجابتها لأول من يسألها ماذا بكِ، كان لزاما عليها الصمت فضلا عن استرسالها خاصة معها هي.
-لا..أنا لم أقصد هذا يا إيمان، ولا أسمح لكِ بالتقليل من شأن نفسكِ..ليس هناك شيئا يعيبكِ يا أختي، أنا.. لن أرتاح إن تركتِه، سالم فرصة لكِ لن تعوض.. أنا.. فقط..
تحاول لملمة بقايا دموعها تثنيها عن قرارها..فعصتها عينيها لتشتد غيمتها مجددا
-أنا فقط عجزت عن كتمان ألمي هذه المرة..أنا آسفة..
لم تجادلها إيمان وقد حسمت أمرها..وعزمت على الفراق، هي لن تهنأ برؤية أمينة بهذا الحال في كل مرة ترى خاله.
-لابد وأن تجدي عمل آخر..
تهز رأسها بشرود تزامنا مع دخول أميرة إليهم تعلن عن وجودها، قالت وهي تنفذ الجانب الخاص بها من اتفاقها الغير منطوق مع عبد الرحمن
-عبد الرحمن يحبك يا أمينة، لقد أخبرني بذلك.
التفتا إليها إيمان تلتقط ما تستطيع التطقاته من شفتي أختها، بينما أمينة من شدة دموعها لا ترى أمامها.
-حبه لك بادي للأعمى، ولقد اعترف لي بذلك.
-متى؟
-لقد قابلته اليوم مصادفة في محطة الحافلات.
جلست أمامهم بوجه محمر انفعالا تردف
-لقد حاصرته عاليا جيدا.
ثم ارتعش وجهها وهي تردف بدموع حارقة
-جدا، حاصرته بطريقة بات رفضه لها يعد انتحارا، كانت ستؤذي من حوله بشدة، فآثر الزواج بها.
تزداد دموع أمينة وقد شعرت بأنه قلَّب أختها عليها .
-دعينا من كل ذلك يا أميرة لقد ولت المشاعر الحالمة والحب والشوق لتحل المشاعر الواقعية التي لابد أن نعترف بها، عاليا حامل..وعبد الرحمن لا يعرف بعد.
هذا ما رأته وهي تشير لإيمان منذ لحظات فلم تصدم، لكنها ارتمت بين ذراعيها تبكي، فلم تسأل أمينة عن السبب سوى شفقة أختها عليها، بينما تتعلق أميرة بها تعلق المذنب، بدموع التائب الذي لا حيلة له.
-هل تريديني أن أصدق أنها أحكمت الخناق حوله، حسنا سأصدق، فيم اجتمع بها وحملت منه، كيف يقربها وهو مجبور عليها، كيف اقترب منها وهو يدعي حبه لي وأنه زاد عن ماله وابن أخته بزواجه منها، كذبات رخيصة غير مقنعة
تصلب جسد أميرة بين يديها عندما هدمت ادعاءاته المنقوصة، هل يمكن أن يكون أخبرها عبد الرحمن عن إثمها لتحسين صورته أمامها؟
ابتعدت عن أختها تبحث بين عينيها عن إجابة.
تسكن قلبها بأن مشكلة أمينة الآن ليست زواجه من عاليا بقدر ما هي حملها منه.
***
أوشكت الشمس على المغيب ولازال يهيم في الشوارع بوجه مكفهر عاصف، لايهتدي إلى أي مكان، تمشية بين أعشاش القمامة في منطقته الشعبية وقد ارتأى بأنها مكانه بما يتناسب معها من عفن الرائحة وقرف المنظر.
منحه جبنه براءة العدول عن الانتحار، فهو يتألم من صداع رأسه ووهن عظامه، والتي عرف فيما بعد من والده بأنها أعراض ما بعد الصدمة التي لا يتوقف أبيه عن سؤاله ما هي فيبرر محمد بأنه كلام أطباء فلا تصدقهم، هم يصنعون من الطحين خبز فكيف له بألم قطع شرايينه بآلة حادة، وماله والصبر حتى تزهق أنفاسه شنقا، وما أدراه بأنه سيموت على الفور دون الإحساس بألم لو قذف جسده من الطابق العاشر.
ينظر إلى الطريق أمامه بشرود وقد أنهى الطريق المسكون بالبشر إلى طريق نائي، يمشي فيه وحيدا، خالي من البشر مليء بالورش القديمة والقمامة التي تشبه روحه القميئة.
أميرة ابتعدت كثيرا بطلب متوسل إليها، أبيه يحاول توسله للرجوع إلى بيته بعد أن أصبح قاطنا معه بشكل مستمر يخشى عليه سقوطه بلا مجير.
يتذكر حديثه معه والهواء البارد يزلزل حركته ويصفع جسده الواهن للوراء.
-لقد فصلوك عن العمل.
-شيء متوقع
-اختباراتك على الأبواب، لقد أخبرني سالم أن لديك شهر من الآن.
-لا يهم
-أخبرني ما بك، مم تعاني يا ولدي، لكل مشكلة حل، توقف عن قتل نفسك بهذه الطريقة، أنا لن أضيع أمانة وتعب والدتك فيك، لقد حافظت عليك لسنوات بدوني وأنا الرجل لا أستطيع.
لانت ملامحه على ذكر أمه، وحنين يائس يجذبه إليها، تجمعت الدموع في عينيه اشتياقا لها وندما على إثمه، طالما لن يفقد حياته، فعليه ألا يفقد والده أيضا وإلا مات من الصدمة التي ستتبع موته.
يربت على كتف والده
-سأذهب إلى الإختبارات يا أبي، لا تقلق.
استبشر وجه أبيه فتبع قوله
-وعد إلى منزلك أنا بخير، سالم معي ويتابع خطواتي، لا أعلم ما الخير الذي فعلته لأحظى بصديق مثله وأنا على هذا الحال.
لمح سيارة قادمة من بعيد، سيارة متهالكة تخرج من بين أكوام القمامة حوله، متسخة تصدر صوتا مزعجا بحديدها الصديء، سيارة نصف نقل فارغة مفتوحة من الخلف رمى جسده فيها وقد ضل السبيل، يغادر المكان القميء، ولولا ذكرياته التي جذبته بين هذا وذاك لما تعمق في السير لهذه الدرجة، يكفيه تيه أفكاره فضلا عن وجهته.
لقد بات سالم يعني له الكثير في تلك المحنة، يهادن الوقت بذكرى آلمته، ومواجهة تعرت روحه فيها أمامه منذ أيام….
-ما رأيك في المكان؟
يمشي محمد في الشقة التي تحوي المكن ويقول
-هل ستفتتح مشغل؟
قال سالم وهو يفتح نافذة الشقة التي لازالت رائحة الدهان عالقة بها للتهوية
-فلنقل هذا، رغم أنه مشروع خطيبتي، لكن أنا من سيديره..
إيمان، خطيبة سالم..أخت أميرة..شرد بملامحه فقال سالم فجأة
-انظر إليّ يا محمد، أنا لا أحب المراوغة ولا الكلام خلف الظهور ولا أريد أن تكون صديقي وأحمل شيئا ما في قلبي نحوك.
توتر محمد منتظرا التتمة
-هل تجمعك علاقة بأميرة؟
تحركت مقلتيه فوق وجه سالم بقلق، هو لن يفقد صديقا مثله الآن في الظروف التي يعانيها، هو أكثر من تمسك به ووقف جواره في محنته، ويشبهه في كثير من تعثرات حياته مهما اختلفت التفاصيل.
يضغط على أسنانه فيقول سالم
-لقد أخبرني خالي بما فعله معك، أنا أعلم عن اتفاقك مع عاليا للإيقاع بأميرة، ولولا اشفاقي عليك مما تعاني لهشمت رأسك بالمثل وأنا أرى محادثاتك مع أخت خطيبتي، لقد علمت بأنك لم تبتعد حتى مع ضرب وتحذير خالي لك.
يضع يديه في جيبي سترته الخفيفة، يستتر بدفئها عن برودة ما يسمع.
-اتفاقي مع عاليا لم أنفذه، فبالتالي ما بعده لم يكن ضمن الإتفاق.
يجر كرسيين في الزاوية يدفعه إلى الجلوس
-فسر لي.
-تحدثت إليّ ذات يوم تطلب مني الإيقاع بفتاة مقابل مبلغ مغري، أخبرتني أنها زميلة عمل ودراسة وسيكون الأمر سهل ولن يكلفني مشقة.
-ماذا طلبت منك
-صورة تجمعنا، أي تقارب بيننا.
-وهل حدث؟
-أبدا لم يحدث.
انفعل سالم واحتد صوته
-أنت كاذب، لقد أرسلت عاليا إلى خالى صور تجمعكم إحداها وهي خلفك فوق دراجتك، والأخرى في مكان مغلق وأنت تعانقها.
تنحت أحزانه وآثامه لتفرغ المكان للمزيد والمزيد، يقف مصعوقا بوجه ممتعض
-ماذا؟، ماذا تقول؟
يمسك رأسه ويدور مستفهما يبحث عن إجابة، لتنفلت من بين أسنانه سبة
-اللعينة.
يلتفت مسرعا نحو سالم الذي أخذ يتفحصه
-الأمر ليس كما يبدو، عليك أن تعرف أولا أنني لا أرافق الفتيات ولا انجذب إليهن وربي، ولدي قناعة مترسخة بأنهن مخادعات ، فلا تتوهم بأني سأفعل ما فعلت، أو أصور ما وصل لخالك..أنا..
غير قادر على إيضاح فكرته، يمسك رأسه وهو كالتائه في إيصال ما يريد، يبدو أن أيامه البائسة أنسته كيف يدير حوار
تماسك ليقول سريعا كمن تلقى حكما بالإعدام في الحال
-يوم الدراجة كانت الأمطار تعصف بالمكان، وهي كزميلة لم أرضَ بأن تُترك هكذا، لقد رفضَت كثيرا عرضي أقسم لك، لم ترد ذلك لولا إلحاحي عليها لتعتبرني كأي سائق مأجور في هذا الظرف، الفارق أنها تعرفني فلابد وأن تأمني، وافقت وأوصلتها حتى ناصية شارعها وغادرت.
-والعناق؟
-لقد جاءتني وقتها في المكان الذي أركن فيه دراجتي تبكي منزعجة مما حدث بالأمس وأنها لن تسامح نفسها على ركوبها خلفي، أقسم لك أنها لم تضم ظهري إليها ولم تضع يديها فوق ظهري متمسكة بي، لقد تمسكت بالدراجة لدرجة افقدت سترتي التي منحتها إياها اتقاء المطر، أقسم أني رغبت أن أهون عليها بكائها، هي لم تصل إلى جسدي حتى وابتعدت عني سريعا.
يدقق في أقواله، ورغم غضبه مما يسمع إلا أنه سيستمع حتى النهاية بهدوء
-والمحادثات بينكم والتسجيلات، وكلامكم عني وعن إيمان، هل بلغت الأريحية بينكم إلى الحد الذي يمنحكم الحق في الحديث عن العائلة.
يمسح محمد وجهه ويقول
-بما أنك قرأت المحادثات كلها فلابد وأنك علمت أنها توقفت عن محادثتي لوقت طويل بدافع الشرف والإحترام، فيما تتحدث إذا.
-عن عودتها للحديث معك!
-لقد رأتني مسطح لدى فوقية فاتصلت للاطمئنان.
-وماذا عن مكالمتها لك والهاتف بيدي.
-لا أعلم، صدقني لا أعلم، لقد كنت ملقى داخل المشفى يا رجل كيف لي أن أعرف .
-هل تحبها؟
سؤال مباغت من أسئلة سالم، لم يقو على إجابته
-أميرة لا تستحقني يا سالم، أنا أجمع خصال الشر بين جنباتي وهي ملاك، صفحة بيضاء لم يخط فوقها قلم.
يقف متوجها نحو النافذة وسالم يرافقه بنظراته
-لقد اتصلت بها بعد عودتي من المشفى ورجوتها أن تبتعد عني وأخبرتها أني لا استحقها وقد فعلت.
يقف وراءه ويقول بخفوت
-وهل تظن بأن أميرة ابتعدت لأجل توسلاتك؟
التفت إليه بحدة فأردف سالم من هذا القرب
-لقد تحدث إليها عبد الرحمن وأخبرها بكل شيء.
يتابع غضبه المتزايد
-لماذا، لا يحق له، لماذا فعل ذلك؟
بينما هدوء سالم يستفزه
-ألم تقل بأنك توسلتها الفراق.
يوليه ظهره
-اذا لا يهمك الطريقة، المهم النتيجة كما أردت.
يمسك لسانه عن الحديث وهو يفكر فيما قيل، سالم معه حق،لكن..ليس بهذه الطريقة..
هي الآن لابد وأنها تكرهه!
أليس هذا ما أراد !
هو لا يريدها أن تتألم وقد علم بأنها تكن له المشاعر.
ألم يخبر نفسه مرارا وتكرارا ممعنا في جلد نفسه بأنه لا يستحقها، فلماذا يتوجع الآن من كلمات بدت كالخناجر بكبده.
التفت سالم ليرى التخبط فوق وجهه، العرق الذي بدأ يسيل فوق صدغه، يراقب نظراته المرتعدة ويشفق عليه من حديث نفسه.
-ألن تسألني عن سبب مجيئي بك إلى هنا؟
حاول فك عقدة حاجبيه بأصابعه، يدلك جانب رأسه ليفصل تفكيره عن واقعه، وساعده سالم في ذلك.
-أريدك أن تعمل معي في هذا المكان ؟
قال بسرعة متخليا عن أي مسؤولية قد تحط على كتفيه
-لا..لن أعمل.
قال سالم بتحدي
-بل ستعمل، وتكمل دراستك، إنه عامك الأخير، إنه حق الصديق على صاحبه، لن أتركك لهذا العبث أكثر من ذلك ولو اضطررت بأن أشرف على مذاكرتك بنفسي.
-وكيف ستثق بي، إنه عمل خطيبتك؟
-حسنا، دع الثقة جانبا فعملك لن يكون معها، بل سيكون معي أنا، أريدك معي في ابتياع الأقمشة وما تحتاجه إيما..إيمان، ستكون المدير الذي أرأسه.
يجذب ياقتي قميصه مردفا بنزق
-ستتكفل بانجاز الأعمال، اختيار الأقمشة وجودتها وأسعارها، ولوازم الخياطة من أزرار واكسسوارات وخيوط، متابعة الأرباح وزيادة المال ستكون مسؤوليتك، وعرض كل شيء علي بالأخير، وراتبك سيكون.....
اقترب من إحدى الماكينات واردف
-صيانة المكن، رواتب العاملات، كل التفاصيل لك، لن أمنحك فرصة للتفكير، أمامك شهر من الآن تنهي دروسك وتأتيني بشهادتك، امنحك العمل، لك كلمتي..والعقود فور استلامي نجاحك..اتفقنا.
لازال مترددا في منح القدر له فرصة أخرى للحياة وقد توقفت حياته لأيام، قدر منحه سالم، وعمل، وأب ترك كل شيء لأجله.
هل يتمسك بما يمنحه الله من وقت لتكفير ذنوبه وتطهير روحه بديلا عن شنق روحه بآثامه.
وكما العادة قرأ سالم تردده، ففرد كفه وأمسك بكف محمد عنوة ليصافحه وهو يقول
-قل اتفقنا يا رجل..
يجد نفسه مرغما على قبول الفرصة، التي على ما يبدو لن يتركها سالم.

***
امتحانه بالغد ولا يستطيع التركيز في كلمة واحدة، وصورتها تاتي أمامه في كل وقت تشتمه وتصفعه على ما فعله معها.
سفالته في التقرب منها، لربما تراه زير نساء الآن وهو بريء من تلك التهمة الغاشمة.
ينزل ببصره فوق الحروف فلا يفهم ولا يفطن لما تليها من جمل، فيغلق الكتاب ويقوم لصنع شيء يشربه.
لقد غادر والده مع تحسنه البطيء ومناشدته الصادقة بالمغادرة، لقد ترك له الفراغ وافكار تراوده بين الفينة والاخرى لائمة محرضة، بين ماضيه العالق فيه، وبين حاضره برغبة في التخطي بدعم من حوله.
أمه وأميرة ..
بائستان أمام حمقه واندفاعه..
ضحيتان لدناءة أفكاره وانسياقه خلف دنس تصرفاته..
يمسك كوب الشاي ويعود إلى سريره، لا..سيجلس قرب النافذة لتتجدد أفكاره وينتعش صدره.
كيف ينساها في وحدته التي تنبض بقبح دواخله، أمه الغالية..
يؤنبه ذنبه ويؤرق مضجعه، لتزداد المآسي واحدة قاصمة لم تنتهي بنهاية أمه بل قائمة ومتحركة أمامه سيراها في الغد ولا يضمن ردة فعلها.
أيهتم بردة فعلها حقا!
أم يعاني لما تعاقر من حزن وضيق من فعلته، لابد وأنها حزينة دامعة..
لا..أميرة قوية ستتخطى الأمر..ستنساه، لقد مر الوقت وحتما نسيته..
ينهي شايه، ولازال مبتعدا عن المذاكرة.
شمر ذراعيه متوجها إلى حمامه ليتوضأ آملا في أن صلاته ستمنحه السكينة للمذاكرة.
وعندما أنهى صلاته، بدل ثيابه وحمل كتابه مغادرا..
سيستأنس بالناس ويذاكر بالخارج، حركتهم وضوضائهم حتما لن تجعل له سبيلا للشرود، أو جلد الذات..
ليست حديقة..إنما مكان عام للانتظار، خضرة حوله، ومقاعد، مكان حي قريب من منزله، كلفه التمشية عشر دقائق ليكون بين العامة..
يفتح كتابه، يدرس بجد، ضوضاء السيارات، شجار طفل وأمه على لعبة يرغب في شرائها، رجل عجوز يمر بين السيارات يشير إليهم بأن يتوقفوا فارتفعت أبواقها في وجهه.
صخب لا ينقطع يثنيه عن التركيز.. ليس هناك أمل في المذاكرة..
لم يشعر إلا وهو يهاتف سالم ليأتي إليه في غضون دقائق، يفتح باب سيارته ويقول بعملية
-اركب.
وصل إلى بيته، أجلسه سالم في غرفة الضيوف، كان قد طلب طعام معد، دخل إليه بشطيرته، ثم ذهب ليعد له الشاي
-إنهِ مذاكرتك، ولنا حديث.
ما إن امتلأت معدته ونظر في كتابه حتي ثقلت جفونه وقد كان سببا مقنعا للهرب من كل شيء.
...
***
صباحا، داخل سيارة سالم
-احضر لك الطعام كالدادة، وأهيء لك مكان للمذاكرة، وأذهب فيغلبني النوم لاستيقظ أجدك نائم، أي شهادة تلك التي ستنالها بالنوم.
يشير بيده بأن يصمت لعله يلتقط شيئا من الكتاب الذي يحمله، فيقول سالم بحنق
-من ذاكر ذاكر يا حبيبي، اذهب إلى الإمتحان وليفرجها عليك الله بلجنة سهلة تمكنك من الغش.
يبتسم ابتسامة خالصة لم تزر شفتيه منذ وقت طويل وهو يتذكر حديث أميرة عن الغش..وقال بشرود
-تبنا إلى الله.
-غش هذه المرة وتب بعدها، لا بأس، أقول لك، غش هذا الترم فقط لتنجح وبعدها تب، ربك عالم بحالي، أنا لن أتحمل باقي الإمتحانات على هذا الحال.
-هلا أغلقت فمك قليلا، رجاء؟
فعل ما طلبه منه محمد وقاد في صمت، عل وعسى يفلح.
لحظات وكان يركن سيارته لينزل محمد، دون أن يتحدث إليه بكلمة واحدة وكأن ما حفظه للتو سيتبخر لو حدثه أحدهم، اكتفى بإشارة من يده مغادرا.
استل سالم هاتفه مترددا في مراسلة إيما. .والتي لا يراسلها إلا للسؤال عنها، يحفظ شوقه لها في قلبه ويسقيه من حبه حتى عقد القران
-صباح الورد على عيون الورد خاصتي.
-مرحبا سالم.
-سأقضي بعض الوقت أمام جامعة أميرة، متى سينتهي اختبارها؟
-في الواحدة
-هل أوصلها إليكِ؟
-لا أعلم ، سأسأل أمينة واجيبك.
أنهى اتصاله ونزل من سيارته يبحث بعينه عن مطعم هنا أو هناك ولازالت الثامنة صباحا، وجد مقهى قريب توجه إليه لينال قهوته، فقد استيقظ اليوم باكرا على غير عادته.
يعبث بهاتفه يمرر الوقت..منتظرا ردها.
***
لم يمنحه القدر مكوثها جواره هذه المرة، تجلس في المقعد الثالث من أمامه يفصلها عنه ثلاث رؤوس طويلة تستوجب القص كي لا تحجبها عنه.
لم تستطع منع نفسها من البحث عنه في الخفاء من تحت رموشها، تكره ما فعله معها، عدم نخوته معها باستدراجها مدفوع الأجر، تفكر في مخططاته، هل فكر في ذهابها إلى بيته أثناء مرضه واندفاع مشاعرها نحوه، هل ذهابه إلى فوقية مدبر، غيرته عليها، لمعان عينيه وهو قربها بالمصعد كل هذا أعده ثعلب ماكر لافتراس ضحيته.
استلمت ورقتها تلف وجهها يمينا..
يرفع وجهه نحوها ليرى رموشها الطويلة وعينيها البراقة وبؤبؤها البني يتحرك حتى يبلغ بياض عينيها كله.
لا تعرف بأنه خلفها ولم تره، هل تبحث عنه!
لقد أخفقت كل أفكاره في الظهور، كل ما كان يعانيه قبلا الآن تبخر، وتبقي اهتزاز قلبه وهو يراها الآن.
ينتبه لورقته فور انتباهها لخاصتها، يكتب ما يتذكره كعادته، ينفذ وصيتها التي منحته إياها من قبل
-لا تترك مكانا فارغا لسؤال، اكتب أي شيء يجعل المصحح يمنحك ولو درجة عوضا عن صفر.
حتى وهو في أدق لحظات حياته صعوبة يتذكرها.
مر الوقت وانتهى الإختبار، يراها تبتعد تنظر في هاتفها، يبطىء الخطى يراقبها ولا تراه، يوليها ظهره ليمنع تلك المشاعر من الطفو، علها تغادر ولا تذبحه بطلتها الحزينة.
تخبط على زجاج السيارة فينتفض سالم من نومه، ليفتح لها
-مرحبا كيف حال الإمتحان؟
اغلقت باب السيارة وهي تجلس في الخلف وتعامله كسائق
-لقد أخبروني بأنك في انتظاري فقد كنت في عمل قريب.
يبعد أثر النوم عن وجهه بمسحة سريعة من كفه
-هذا عوضا عن شكري وأنا انتظركِ ولم أعد لمنزلي.
-هيا..أوصلني إلى عملي..
-لست سائقكِ يا أميرة، تأدبي.
لحظات وكانت السيارة تفتح ليدخل محمد ويغلق بابه
-كيف كان الإمتحان؟
أجابه باقتضاب وبوجه متجهم
-بخير.
تلك الصفعات الصاعقة التي أصابت سيارته من المشاحنة القاسية بينهم، أصابته بالعجز عن إدارة حديث.
لم يتبادلا حتى السلام، هو يكتم مشاعره التي تطفو بداخله برغبة عارمة في الإعتذار يرجوها العودة، وبين غضبه من نفسه بأنه جارى عاليا ليتعرى أمامها بقبح نفسه.
وهي لم ترحب به..فكيف..؟
كيف لقلب صدأ في الفراق وتغذى على الماء فتعثرت مفاصله وتفككت من صدأ تروسه.
كيف تضع قناع اللامبالاة وهو الذي امتهنها وقلل من مشاعرها بدناءة ، سوء خلق.
قاد سيارته وهو يلتقط ما يحدث داخل سيارته.
ورغم كل ما يشعر به محمد إلا أنه لم يستطع منع نفسه من النظر لها في مرآة السيارة جواره..
غاضبة، حانقة..حزينة، سيتحمل حنقها..أجل..وغضبها..لكن حزنها لن يحتمل.
توقف تفكيره عند فرملة السيارة وقول سالم
-لحظات وأعود، سأشتري شيئا من هنا.
وبعد مغادرته مرت اللحظات بصمت..
تجلس خلف كرسيه مباشرة ، تتصاعد بداخلها أبخرة الحنق ترغب في صفعه
جاءها صوته الخافت
-لا تحزني هكذا يا أميرة، فأنا قذر لا أستحق.
لم تجب
-اعلمي أني لن أبرئ نفسي وأخبركِ أنني كنت ضمن خطة رخيصة من عاليا التي لم أتفق معها على شيء ولم أعطها شيء إنما هي من دبرت بمكر وخسة، مخطط لم أخطُ فيه خطوة واحدة..
يلتقط أنفاسه المتسارعة بفيض حبه لها
-كوني متأكدة بأن كل نظرة منحتها لكِ كانت مصبوغة باهتمام حقيقي، كل لمعة من حديث جمعنا إنما هو إعجاب بكل ما يحاوطكِ، أن غيرتي كانت حقيقية، وأني تألمت شوقا لفراقكِ وأنت تخبريني بمعرفة إيمان وفوقية، وتأكدي أن بعدي عنكِ ما هو إلا حب، وخوف عليكِ مني.
يترك بؤسه صداه على صوته المتقطع وهو يقول
-أنا اسوأ شخص ممكن أن تعرفيه في حياتكِ ويمكن إلا تقابلي من هم مثلي كثيرا في عالمكِ البريء، تأكدي بأنه لم يقربني منكِ مخطط عاليا الباهت الذي لم أستسيغه، ولا بضع ورقات من الأموال لم تدفعها ولم أكن لأقبلها ولا أن أتم اتفاقها معي، إنما ما أريده هو ألا تحزني..لا تحزني لأجلي يا أميرة، ولا تحزني على خروجي من حياتكِ، أنا كنت ولا زلت أحبكِ، أنتِ من علمتني معني النجاح ووضعتني على طريقه، فلا تجعليني سببا في حزنكِ وضيقا لحياتكِ.
لم تجيبه بحرف واحد وهو يراقب انشغال عينيها بما حولها ودموعها تنهل من خديها فتخضب ببريقها
-لا تبكِ أنا لا أستحق، وربي لا استحقكِ، الأمر بات أكبر من خطة لنيل فتاة، الأمر بات معقد بداخلي ولا اقوَ على العيش بطبيعة ولا المنح ولا الحب، لقد فكرت في الانتحار..
لم تشهق، ولم تبد شفقتها فشعر بأنها في طريق التعافي منه
-لكنني كنت أجبن من أن أخطو هذه الخطوة، ورغم وجعي غلبني جبني.
-لا أطلب سماحك وغفرانك، امضي قدما يا أميرة وانسيني.
ليتها قادرة على النسيان، لو فعل هو، هي ليست مثله، استفزها سهولة هروبه
-كيف أنساك..؟
اجابتها باحمرار وجهها أدمى قلبه، يرغب لو يلتفت الآن فيضمها إلى صدره يبكي لها وبها، يشعر بعذاب يحرقه من أعلى رأسه وحتى أخمص قدميه..
-كيف أنساك وأنت في كل الوجوه والكتب والشاشات، كيف أنسى أول حب وأول رجفة وأول متعة وانشراحة صدر، أول خفقة، أول تعلق.
يرق صوتها بدموعها الشجية
-بل كيف أنسى خديعتك التي تمزقني بين حبي لك وخداعك لي، أنا غبية يا محمد، غبية أكثر منك وقد ربتنا أمينة على خداع الشباب والتفاف طرقهم للايقاع بالبنات لكني لم أحذر وأنا أسقط فيك.
ترفع كفيها منفعلة..تهز كتفيها بحسرة مردفة
-كنت أول تجاربي التي وضعت فيها كل ثقتي وأملي في الغد، كنت لأواجه أمينة بكذب مزاعمها واخبرها بأن هناك رجال بحق فكنت كمثلهم بل أسوأ ..
يرتفع صوتها بخيبتها..تجتر أحزانها
-بدأت بمخطط، و ألقيت بي حالما مللت، أنا أكرهك، أكره كل ما يذكرني، أكره المصعد، وكرسيك الذي شغله غيرك، أكره استماعي لنصائحك بألا أركب المصعد مع رجل ينفرد بي، أكره تفكيري بك وأنت مريض بين أيدينا أنا وأمنية، وأكره تباسطي معك لأقص لك كل شيء عني، فتحت لك قلبي فطعنتني بنصل مزقني.
قلبه الذي يحبو نحو التعافي بات الآن مهلهلا مما تنوء أذنيه بسماعه، يعبث بورقة يحملها بين أصابعه شاردا فيمن يمرون أمام السيارة
-لقد تسببت في انتحار أمي يا أميرة.
يطوي الورقة بين يديه لتصبح أصغر حجما وأكبر سمكا، وكأنه يحاول تصغير أفكاره فتهاجمه بضخامتها
-كنت سببا في اغتصابها، ومن ثم انتحارها، لقد سرقتها وكنت سببا في تحطيم حلم العودة الذي كان ينتظره أبي بعد طلاقه لها.
أصبحت الورقة كمكعب الثلج بين يديه يمده ببرودة حديثه، لكن القلب يذيبه بحرارة جحيمه
-وزيدي فوق تلك الكوارث التي ارتكبتها أني لم أعرف الحقيقة سوى من أيام قليله فباتت كل قناعاتي وأفكاري عنها محض هراء..مثل الطفل البائس الذي أخذ يحفر داخل حفرة حتى ابتلعته، لا هو قادر على الخروج منها، أو ردمها.
تراقب انتفاضة جسده ورعدته من كرسيها، تتذكر اتصالاتها به، سقوطه المدوي، فصله عن عمله، كل تلك الأحداث كانت بعد تلك الزيارة لخالتها، وذاك السقوط.
لم يمنحها الفرصة للتفكير، ولم يهدر وقته في التفاصيل، إنما منحها رسالة تشرح لها مدى قبحه وسواد سريرته، رسالة أمه ..من حقها أن تبتعد عنه دون ألم..لابد لها وان تعرف كم هو أحمق غبي يسيء لمن هم من دمه، بل من منحته دمه..فما بالها هي الغريبة عنه؟!
صوت وصول الرسالة..تزامن مع خفض بصرها نحو هاتفها، فكان صوت ارتطام باب السيارة بعد أن نزل منها..
تتابعه يبتعد، ثم تتمعن في تلك الرسالة..لم تعِ كم من الوقت تأخر سالم..ولم تشعر بتوقف سيارته تحت مقر عملها..
-لقد فعلت ما أمرتني به إيما ..رغم سماجتكِ، لكن لأجل عيونها.
-فيم غادر محمد..؟
-ألم يقل شيء..ترك لي اعتذارا على مغادرته السخيفة؟!
تخرج من السيارة غير منتبهة لحديث سالم ولا حتى شكره..شاردة نحو المصعد متجمدة
***


هالة حمدي غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم جنة ♥♥
رد مع اقتباس
قديم 12-05-22, 10:36 AM   #187

عزيزات

? العضوٌ??? » 479608
?  التسِجيلٌ » Oct 2020
? مشَارَ?اتْي » 211
?  نُقآطِيْ » عزيزات is on a distinguished road
افتراضي

فصل جمييييل كالعادة واصلي وفقك الله

عزيزات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-05-22, 06:02 PM   #188

صل على النبي محمد
 
الصورة الرمزية صل على النبي محمد

? العضوٌ??? » 404607
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,174
?  نُقآطِيْ » صل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond reputeصل على النبي محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

لا تنسوا الباقيات الصالحات

سبحان الله

الحمد لله

لا إله إلا الله

الله أكبر

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


صل على النبي محمد غير متواجد حالياً  
التوقيع
لا إله إلا الله وحده لا شريك له
له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
رد مع اقتباس
قديم 14-05-22, 01:30 AM   #189

هالة حمدي

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية هالة حمدي

? العضوٌ??? » 416048
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » هالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

-تزوجيني.
يمسك كتفيها يجلسها ويكمل
-تلك المسرحية التي تمثليها باقتدار لم تعد تروقني، ماذا لو بدلناها بنهاية سعيدة؟
يقترب من وجهها وهي مبهورة مما يفعل، يردف وقد اقترب بانفاسه منها
-بأن يقبل البطل البطلة هكذا!
مال بشفتيه نحوها فارتعدت مبتعدة قبل أن يلمسها، ارتجف جسدها الذي اجتاحه الصقيع من فعلته.
لا تستطيع ايقاف تنفسها المتسارع، ولا تقوى على رفع كفها لصفعه، لقد هز حصونها بهذا التقارب السريع..المدمر.
لازال قريبا بوجهه، تبتلع ريقها وما زالت أنفاسه على وجهها، جاء دور الدموع التي تجمعت بلا إرادتها، ولو كانت تملك إرادة الآن لقالت أي شيء، لفعلت أي شيء.
-أنتِ تحبيني.
ينظر إلى سقوط دموعها الناعمة فوق وجنتيها فيترفق بها مردفا
-لمَ العناد أخبريني؟
يشفق عليها من احمرار وجهها ودموعها الكثيفة فيجلس على الكرسي المقابل لها
-لقد طلقت عاليا ولم يعد يربطني بها شيء، أنا لم أكن أحبها من الأساس، أنا أريدكِ أنتِ زوجة لي.
ياله من إحساس ماتع بأن يطلب هو زوجته ويختارها وليس العكس، يالها من قوامة أن ينتظر قبولها أو رفضها، وعزة في أن تكون من اختارها هي أمينة.
يخرج صوتها وكأن هناك من يقيده بالداخل
-بل يربطك بها شيء.
ينظر اليها بقلب منفطر من منظرها وصوتها المتألم، ينتظر البقية التي سيدحضها حتما، هي له مهما حاولت التملص.
-عاليا تحمل طفلك.
لا، لم يكن هذا ما يتوقعه أبدا
-طفل من؟
-طفلك أنت يا عبد الرحمن.
أخيرا فاقت من ولهها وسحر قربه، لتواجهه بما تعرف
-عاليا هربت وهي تحمل طفلك.
تراقب تعاقب الردود على وجهه، ثواني معدودة افاق من مشاعره لتضربه كلماتها على رأسه، اعتدل بثورة لم تعهدها، وان ظنت أن ما رأته في الشهور المنقضية قسوة، فهي مخطأة، هي الآن تراه ثور هائج، بصوت يصم أذنها، وكما أجلسها بهيام منذ لحظات، أوقفها الآن بضغطة مؤلمة على ذراعها
-أين؟، هربت إلى أين؟
هو لم يكذبها فهو يعلم بقدرة عاليا على فعل أي شيء، لكن عتبه ليس عليها انما على أخيها.
تهز رأسها ودموع العشق انقلبت لدموع توسل بأن يترك ذراعها
-لا أعرف، أقسم بأني لا أعرف.
يتركها وصدره يضج بالاسئلة، ويعلم بأن أجوبتها لدى طارق الرشيد.
هي مؤامرة رخيصة لا يعلم أبعادها بعد، يجلس على الفور يحاوط رأسه التي تضج بما فيها
-متى عرفتِ؟
-منذ أربعة أشهر.
-لماذا لم تخبريني؟
-لم أكن أعلم بأنك تجهل الأمر.
وقف بقوة بعثرت الهواء حولها فشعرت برجفة باردة تجتاحها
-أنتِ كاذبة، أنتِ تعلمين منذ اليوم الأول يا أمينة، لهذا خططتِ لإبعادي عنكِ فلربما أعود لزوجتي وطفلي.
يضرب بقوة ناء بها خشب مكتبه
-كلكن مخادعات.
يلتفت إليها ودموعها لا تتوقف
-أنتِ أنانية لا تهتمي سوى لنفسكِ، نفسكِ فقط، أجبرتِ أختكِ على ترك سالم وانتِ تعلمي بأنه الأفضل لها، ابتعدتِ عني ولم تجاري مشاعركِ نحوي، لأنكِ متعنتة غبية، خبأتِ عني أمر طفلي كي لا تتألمي وهو معي، العالم كله يدور حولكِ يا أمينة.
ثارت في وجهه بحدة، تعالى صوتها المقيد تواجهه
-بل أنت الأناني، أنت من تعلقت بالعاملة الفقيرة وتركتها لأجل الأميرة، أنت من أحببت واستمتعت وعندما فرغت متعتك بطلاقها، عدت آملا في انتظاري، لكن لا، لا يا عبد الرحمن، أنا لا أنتظرك، ولا أحبك، ولا أريد لأختي المعاناة مع ابن أختك الذي حتما يشبهك.
تشهق ببكائها، تجلس وقد رقت ساقيها فاشفقت عليهم من الوقوف.
ليقول بعنف متجاهلا كلماتها
-بل تحبيني، تكابدي وجعكِ أمامي، منحتِ نفسكِ خيطا رفيعا متمسكة بالعمل كي لا تفلتيني، أخبريني ما ذنب ابن اختي في وجعك، وما ذنب أختكِ في كل هذا، بل، ماذنب طفلي كي تخفيه عني؟
تصيح به
-أنا!، أنا من أخفيته عنك، أنا.. أم هي؟، هي من هربت به وكأنه جريمة، أو ربما تعاقبك، أو لتربطك به، تترك لك الوقت لتراجع نفسك لربما عدت لها ولطفلك.
تواجهه بأسوأ شيء، أسوأ حب عرفه على يديها وجنونها، تردف بانكسار
-لقد نبت حبك في قلبي لينمو واتعلق بزهوة خضاره، دللتني بالقليل فقرت عيني به، لاصدم بخبر زواجك منها هي، أنت لم تقدم أعذار، ولا دوافع، أنت ابتعدت فقط، والآن تطالب بولائي، بخوفي عليك، بضرورة التفكير فيك وفي طفلك، وأنت لم تعرني اهتماما.
تقاوم بؤسها، تمسح دموعها المنهمرة
-لقد كنت أموت ألف مرة وأنت معها، أنهار وافقد رغبتي في الحياة وقد أحلت خضار قلبي لرماد زهوره، لقد تمنيت فقط الستر والاحتماء بك، لتكون رجلي وسند أخواتي.
هذا ما كان يريده، صدقا هذا ما كان.
لقد أرادته حمى، وقد أرادها أرض
-أجاريك في كذبك بقولك أنك كنت مجبور عليها وهل المجبور ينجب؟
زلة أخرى علمت بها وهو على فراشه، عاليا هدمت ماضيه ومستقبله
يمسح شعره للامام بغضب، لازال عالقا، مقيدا، هائما في لعنتها بعد أن توهم العكس.
-ابحث عن طفلك يا عبد الرحمن وانساني، توقف عن السير خلفي، انا لن أعود هنا مرة أخرى، فارجوك لا تبحث عني.
تخرج بهدوء كما دخلت، بينما عقله كالأمواج المتناطحة.
**

اقتباس طوووويل اهو🙈
يا رب يعجبكم😍

zezo1423 likes this.

هالة حمدي غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم جنة ♥♥
رد مع اقتباس
قديم 17-05-22, 09:17 PM   #190

هالة حمدي

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية هالة حمدي

? العضوٌ??? » 416048
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » هالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثامن عشر
***
تفرك كفيها بعصبية مفرطة تنبع من عجزها عن صياغة الأمر له فكيف ستخبره بأنها ستفسخ الخطبة التي لم تتم من الأساس، هل تخبره بأن أختها تحب خاله، أم أنها لم ترتَح للأمر، أو ربما هو النصيب.
تحمل هاتفها تضيء شاشته ومن ثم تغلقه، ظلت تكرر فعلتها وكأنها تلعب بقابس الإنارة.
هو لن يقبل عِلتها مهما كانت مقنعة، هي تعلم مدى تمسكه بها، وإلا لما طلبها إلى الزواج من البداية.
رنة خافتة كانت رسالة منه
-موجودة؟
رأتها من الخارج ولم تجب، ولازالت تدور في دوامات الإقناع التي أثقلت رأسها.
تفتح هاتفها وقد قررت الإرتجال، ربما تهبط عليها الكلمات بفتح من الله.
-أجل، أنا هنا.
يرسل وجها يحمل قلبين بدلا من عينيه، فتضحك بسخرية مما تضمره له
-لقد أنهيت أوراق مقر الأزياء خاصتكِ، وانتقيت ثلاث بنات لمساعدتك يفهمن لغة الإشارة، بينما تعاملكِ مع الزبائن سيكون عبر الواتس آب، ولن تتحدثي مباشرة إلى العملاء.
غارت عينيها بداخل وجهها، تجتمع بها الدموع، فلم يحرص أحدهم من قبل على الخوض في تفاصيل لإسعادها مثله.
يرسل إليها صورة لأحدى ماكينات الخياطة التي بالطبع ستحتاجها لتنفيذ تصميماتها، تليها صورة أخرى لأثواب القماش الأساسية التي ستستخدمها، خيوط منوعة، معدات تسهل عليها المهام.
وأخيرا صورة لدفتر كبير وألوان من الرصاص والفحم، تفتح الصورة وتكبرها، لترى نوعا مختلف عما تعرف، تبدو جديدة على عينيها، لقد إقتنى لها كل ما هو جديد وذو جودة.
استرسلت في نزف الدموع وهي تودع هذا الإهتمام المغوي، تكتب إليه بيدٍ مرتعشة
-سالم، أنا غير موافقة على الزواج منك.
وضعت نقطة بعد كلامها لتنهي الحديث ببساطة من جانبها، بينما فُتحت طاقة النيران بصدره، يهز رأسه مستفهما وكأنها تراه.
-عفوا؟
وكأنه لم يرَ، لم يقرأ، لم يفهم.
-لقد إستخرت وأشعر بعدم الراحة لإرتباطنا.
حقا يشعر بالغباء من عباراتها المجحفة، القاسية على سعادته بما صنع لأجلها.
-وأنا استخرت وأشعر بالراحة وتيسير الأمور، لقد وافقت أمينة، وكذلك عبد الرحمن، أميرة سعيدة، وعمكِ موافق، أرى أن راحتكِ من عدمها لن تقدم الكثير.
شدت شفتيها بابتسامة فخورة هزيلة بتمسكه بها، يتمزق قلبها لأجله
-لا، أعتقد أن أمينة موافقة لقد ضغط عليها عبد الرحمن وأحرجها وكمم عدم رضاها أمامنا، وضعها في خانة التعسف لو رفضت عريس مثلك.
تعبث بمفاتيح هاتفها تكتب وتمسح، وتعود للكتابة من جديد
-عمي لن يأتي على أي حال، وأميرة مبهورة بما يحدث.
شعر بأن كلماتها ليس دلالا، ولا رغبة منها في قياس حبه لها وتمسكه بها، لقد شعر بالخطر.
-لماذا لا تشعرين بالراحة نحوي يا إيما، هل نسيتِ لمسي لكِ، يداك وما فعلته بي، أنا لم أنم يومها رأفة بقلبي الذي سيعنفني في الصباح أنني لم أعطي لمستك حقها في المشاعر، لقد قلبتي كياني، كلماتكِ عن بؤسي وتقوقعي حول نفسي ورغبتي في الانتقام من خالي، كلماتكِ ما جعلتني أتوقف عن الكثير من الأفعال الخاطئة.
ترتعش عينيه فوق الحروف يكتب بسرعة
-لقد لملمتي وجعي في وقت ظنتت بأن طريقي بجانب الشيطان أفضل، كنت سأتاجر في السلاح ساعيا حول ربح سريع، ونجاح يضاهي مكانة خالي، لقد رغبت في تدمير حياته لظني أنه السبب في موت والدي متناسيا أنها أقدار الله.
تتوالى الكلمات برأسه فيحد منها بكلمات موجزة
-أنتِ من قدتني بطهارتكِ إلى النور يا إيما، أرجوكِ لا تتخلي عني الآن.
كلمات تحمل الكثير من الاستعطاف سددها بقوة نحو قلبها، كارها لفكرة الفراق.
لم يسألها عن أسباب أخرى، إنما عاجلها بفيض من المشاعر يحملها في قلبه لها، تستشعر صدقه، وهي التي لم يكذب حدسها يوما.
-أخبرتني أمينة بأنك كنت معجب بزوجة خالك؟
تلك الضربة لم تحسب لها، ولا هو، لقد كان فيض الكريم عليها واسعا عندما ألهمها بتلك الكلمات التي تذكرتها من قبل، في ثرثرة بينهم على طاولة الغداء.
وقد أخبرتها أمينة ذات مرة بأن سالم يخرج مع عاليا.
يحاول استجماع قوته، امتنع عن الكتابة لثواني ولازال متصل.
-عاليا كانت تحب عبد الرحمن، وأرادت وضعه في المصيدة بكل الحيل التي يمكنكِ تخيلها لقد انهالت عليه بخسائر لا طاقة له بها
توقف عن الكتابة
-ماذا؟
-لقد اتفقت مع محمد زميل أميرة باستدراجها وتصويرها لتقوم بالضغط على خالي عندما لمحت مشاعر تجمعه بأختكِ.
تضع كفها على فمها برهبة، تلك الشيطانة هي السبب فيما حدث لأختها.
-وأنا كنت جزء من خطتها، تلونت كالأفعى حولي لتجرني نحو شباكها ليأخذ مكاني خالي للدفاع عني.
جذب انتباهها كاملا بقصة عاليا
تراه يكمل كتابة، منتظرة كلماته بحماس
-أنا لا أهتم لها ولا لغيرها يا إيما، فقط أنتِ.
-كنت تخرج معها، لابد وأنها فتنتك، لقد رأيتك يوم زفافها مثل التائه.
هذا ما يريده، إتسعت ابتسامته وهو يرى غيرتها، وكلماتها الشغوفة تلمس وتينه، هي أمينة السبب، ربما ضغطت عليها لتبتعد عن عبد الرحمن قدر المستطاع.
هو لا يراها سوى أنانية متعنته، تبدِّي سعادتها على تلك التي لا ينتظرها سوى البؤس مع أحد غيره.
لا، لا غيره سيتزوجها، لا أحد.
في لحظات حسب حسبته، إن واجهها بالأمر لابد وأنها ستنكر فطبيعتها المضحية سترفض إظهار صورة أمينة بهذا السوء.
ومن ناحية أخرى إن تمسك برأيه سيزيدها عذابا فوق عذابها في اقناعه.
ومن الناحية الأهم هو، كسرة قلبه بأنها تضحي به وبسعادتها لأجل تلك الأنانية التي حتى وإن وافقهم بفسخ خطوبته مع إيما، فهي لن ترتاح بالبعد عن خاله.
ألا تعلم فتك الفراق، ألم تشعر بهذا الجزء العميق داخله الذي تألم حالما لوحت له إيما براية الهجر.
شتم في سره
-غبية.
هو بحاجة لتلقينها درسا للتمسك به، وبحاجة لتأديب تلك الأناية بالمثل.
تكتب بقلب منقبض
-سالم، اعذرني، لا أستطيع التكملة في هذه العلاقة التي تؤذي قلبي، المنطق يقول بأني لست مناسبة لك، لن أنظر لك بعين الطمع وأوافق على الفور، لقد فكرت كثيرا، هذه زيجة غير متكافئة.
تباً، هل وجب عليه بعد كلماتها تلك تركها، أم جذبها إلى أحضانه ليخبرها بأنها خيرة البنات وأمهرهم ، وأعقلهم.
يتمنى لو كان بقربها الآن رغم غضبه منها، لكنه سيقبلها، بعنف، مؤكدا على سفاهة قولها، وبقسوة ليخبرها كيف تألم.
-إيما!
-نعم.
تحدث بطريقة تبدو حاسمة
-والعمل؟
تلجلجت في كتابتها، كيف ستعمل معه لتكرر مصيبة أختها وألمها كلما رأت عبد الرحمن
-آسفة لقول ذلك، لكن اسمح لي، كيف أرفضك كزوج، وأتقبلك كرئيس؟
كم هي مؤلمة كلماتها، لقد كان قاب قوسين أو أدنى من الزواج بها، من دفء عينيها ونعومة وجهها.
يكتب بعملية
-لم أصرف تلك الأموال لأخسر في النهاية يا إيمان، العمل شيء، وحياتك الشخصية أمر آخر.
توقف، وتوقفت.
تنظر إلى الهاتف ولا تعرف ما تحتم عليها قوله
-أعدكِ بألا أقربكِ، وألا ألتقي بكِ، أنا لن أجبركِ على الزواج يا إيمان، لكن بالمقابل خسارتي لن ترضيكِ، على الأقل حتى أعوض رأسمالي.
إيمان، هكذا ناداها، تلك الرسمية السخيفة وهي التي اعتادت الدلال، تسللت كالنصل الحاد إلى قلبها.
لابد وأنه يتألم، كما هي.
استعادت عينيها الدموع، لتزيدها بريقا حائرا.
بينما هو عاقدا لحاجبية، ينتظر ردها، هو في جميع الحالات لن يتركها، أبدا لن يفعل.
-سأخبر أمينة، وأعود إليك بالرد.
هكذا أنهت حديثها معه، لقد جاهدت قبل مكالمته لتبعده عنها، تحاول ترتيب الحروف، والآن تجاهد هذا الألم الذي نال منها، نفس الموضع، العميق، بالداخل، بداخل الصدر.
***
تمر الأيام برتابة، أشهر تفوت وهم على ذات الحال منذ مواجهتهم الأخيرة، عمل بلا توقف، لم يطرأ عليه جديد سوى المزيد من تجهم الوجه.
تثق بأن سر طفله لازال في بئر عميق لا تعلم سببه.
يمكن لأن الرشيد لا يعلم مكان أخته بعد، وربما عبد الرحمن يعلم ويبحث فلم يصل إلى شيء لهذا يتجهم وجهه.
قطعا عصبيته الزائدة ليست بسببها هي، ولا صوته المرتفع عليها بسبب حبه الذي يقطع أحشائه لها.
تمسح وجهها تكمل عملها، تنظر في تلك الأوراق التي أمامها بدون تركيز، هي بحاجة لكوب من الشاي الدافيء.
ديسمبر الحزين، الكئيب، كما يدعوه البعض، هو الوحيد بأجواءه القادر على تحسين مزاجها.
تقوم متوجهة نحو الكافيتريا الصغيرة أسفل البناية، وتقف أمام النافذة تراقب الأمطار حتى ينتهي العامل من كوبها.
تتذكر وجه إيمان وهي تشير إليها بضيق عما يطلبه سالم بعد أن نفذت كلامها بعناد دون الاعتبار لرفض أمينة ما فعلت، يريد مساعدتها له في تقليل خسائره المادية، وطالما دخل المال في تضاد مع المشاعر إذا هو لا يحمل لإيمان مشاعر قوية، فبها ونعم.
وافقت بترحاب، لا تقبل خسارته. .
تراقب انزلاق الأمطار فوق النافذة، لتعود لواقعها مع مناداة العامل لها
-آنسة أمينة، الشاي.
حملت كوبها لتعود أدراجها نحو مكتبها، بعد أن استمتعت بلسعة البرد التي أنعشتها، ليدفيء أصابعها كوب الشاي وأبخرته المتصاعدة.
هي تحب التضاد والتناقض في كل شيء، وربما هي طبيعتها منذ وقت طويل، كإمرأة تحمل الهشاشة والصلابة في ذات الوقت.
رغم ألمها من قربه، رغم سعادتها بأنها تراه، كيف كانت تفكر في ترك العمل، متى كانت ستطمئن عليه وتملي عينيها من وجهه الوسيم.
ترتشف من كوبها رشفة دافئة تذيب الأعصاب، ماذا لو عدلت إيمان عن رأيها فلتتزوج سالم، لترى عبد الرحمن في كل حالاته، هي تحلم به، تعشقه، أصابعه ومسكة القلم التي تليها إمضاءه، طيه لأكمام قميصه بعملية مفرطة، قوة نظراته الصاخبة.
تنفض عنها تلك المراهقة، متذكرة عاليا وولده، أو ابنته، ربما توأم.
تتسائل على بشرود
-كيف ستكمل عاليا حملها وقد كانت تتناول المهدئات، ربما فقدت جنينها، أو أنهت حياتها كما سمعت أنها حاولت من قبل.
تتمسك بكوبها بكفيها الأثنين، تستند بنظرها إلى كرسيها.
هي تعلق سعادتها على أوهام، على توقعات، لو كان عبد الرحمن يريدها ويتمسك بها فما المانع؟
حالة من الركود أصابت مشاعرها على مدار ثلاثة أشهر، ولا جديد، تكاد تجزم بأن عبد الرحمن لا يعلم أمر حملها.
وعصبيته؟
تنهي كوبها ولم تصل إلى شيء، لا في قرارها، ولا مشاعرها، ولا حتى إن كان عبد الرحمن يعلم أم لا.
**
يتابع العالم الأزرق عبر هاتفه، يشاهد صور ممتعة لسالم وهو يجدف، يجهز نفسه إلى بطولة قريبة.
يتسائل عن سبب عزوفه عن اشتراكه بأي مكان لتفريغ غضبه وطاقته.
لقد اكتشف على مدار الشهور الفائتة أنه يحبها، يعشق حيائها، قوتها، سيطرتها، وأنانيتها.
فخور بها لأنها دمرت عائلتين لكانوا قائمين الآن لولا تعنتها الذي يتفهمه جيدا.
وتيقن عندما أخبره سالم بما طلبته إيما.
يعبث بقلمه، يستعيد ذكرى حديثهم
-كما قرأت يا خالي، لقد أرسلت لك حديثنا معا.
-أنا لا أصدق.
-حتما أمينة هذا قرارها، أنا لا أطيقها.
يضحك بشدة وهو يعد قهوته، يعجبه كلام سالم، ولولا تلك الدغدغة التي داعبت بطنه لصدق على قوله.
-ردك عليها أعجبني.
-تربيتك.
يعبث بحاسوبه
-وماذا بعد؟
-أكمل خطتك كما بدأتها يا سالم.
-وأنت؟
-لا تقرب أمينة، ودعها لي.
ومنذ ذلك الوقت، امتنع عن حديثها، ولا النظر إليها، ما بينهم عمل وفقط، كما أرادت.
يعلم جيدا فيما تفكر، هو أيضا بحاجة إلى الوقت لاسترداد مشاعره وقد ظن للحظة بأن عاليا جردته من كل المشاعر.
مر الكثير من الوقت وتأكد برغبته القوية في إتمام زواجه من أمينة، لكنه لن يتعجل الأشياء، ستأتي إليه حالما تتيقن من مشاعرها.
لا، هو لن ينتظر يكفي ما مر من عمره، سيبني عائلته الخاصة معها، هي من تنطبق مواصفاته عليها.
أرسل في طلبها فجاءته متسائلة عن السبب وقد إقترب وقت الانصراف.
قام من مكتبه ليجلس على حافته المقابلة، عينيه الوسيمة تخبرها بتبدل حاله، مزقت صورته المتعالية المتجهمة الباهتة.
يزوي جانب فمه بابتسامة
يشير إليها بالجلوس، ففعلت.
ولا زال مستندا على حافة مكتبه
أمينة
-أنا أطلبكِ للزواج.
هذا التسارع في إنتاج الهيموجلوبين بدمائها سيفقدها وعيها لا محالة.
قامت تقول باستغراب مزلزل
-نعم.
-تزوجيني.
يمسك كتفيها يجلسها ويكمل
-تلك المسرحية التي تمثليها باقتدار لم تعد تروقني، ماذا لو بدلناها بنهاية سعيدة.
يقترب من وجهها وهي مبهورة مما يفعل، يردف وقد اقترب بانفاسه منها
-بأن يقبل البطل البطلة هكذا.
مال بشفتيه نحوها فارتعدت مبتعدة قبل أن يلمسها، ارتجف جسدها الذي اجتاحه الصقيع من فعلته.
لا تستطيع إيقاف تنفسها المتسارع، ولا تقوى على رفع كفها لصفعه، لقد هز حصونها بهذا التقارب السريع.. المدمر..
تبتلع ريقها ولا زالت أنفاسه على وجهها.
جاء دور الدموع التي تجمعت بلا إرادتها، ولو كانت تملك إرادة الآن لقالت أي شيء، لفعلت أي شيء.
-أنتِ تحبيني.
ينظر إلى سقوط دموعها الناعمة فوق وجنتيها فيترفق بها مردفا
-لمَ العناد أخبريني؟
يشفق عليها من احمرار وجهها ودموعها الكثيفة فيجلس على الكرسي المقابل لها
-لقد طلقت عاليا ولم يعد يربطني بها شيء، أنا لم أكن أحبها من الأساس، أنا أريدكِ أنتِ زوجة لي
ياله من إحساس ماتع بأن يطلب هو زوجته ويختارها وليس العكس، يالها من قوامة أن ينتظر قبولها أو رفضها، وعزة في أن تكون من اختارها هي أمينة.
يخرج صوتها وكأن هناك من يقيده بالداخل
-بل يربطك بها شيء.
ينظر إليها بقلب منفطر من منظرها وصوتها المتألم، ينتظر البقية التي سيدحضها حتما، هي له مهما حاولت التملص.
-عاليا تحمل طفلك.
لا، لم يكن هذا ما يتوقعه أبدا
-طفل من؟
-طفلك أنت يا عبد الرحمن.
أخيرا فاقت من ولهها وسحر قربه، لتواجهه بما تعرف
-عاليا هربت وهي تحمل طفلك.
تراقب تعاقب الردود على وجهه، ثواني معدودة أفاق من مشاعره لتضربه كلماتها على رأسه، اعتدل بثورة لم تعهدها، وإن ظنت أن ما رأته في الشهور المنقضية قسوة، فهي مخطأة، هي الآن تراه ثور هائج، بصوت يصم أذنها، وكما أجلسها بهيام منذ لحظات، أوقفها الآن بضغطة مؤلمة على ذراعها
-أين؟، هربت إلى أين؟
هو لم يكذبها فهو يعلم بقدرة عاليا على فعل أي شيء، لكن عتبه ليس عليها إنما على أخيها.
تهز رأسها ودموع العشق انقلبت لدموع توسل بأن يترك ذراعها
-لا أعرف، أقسم بأني لا أعرف.
يتركها وصدره يضج بالأسئلة، ويعلم بأن أجوبتها لدى طارق الرشيد.
هي مؤامرة رخيصة لا يعلم أبعادها بعد، يجلس على الفور يحاوط رأسه التي تضج بما فيها
-متى عرفتِ؟
-منذ أربعة أشهر.
-لماذا لم تخبريني؟
-لم أكن أعلم بأنك تجهل الأمر.
وقف بقوة بعثرت الهواء حولها فشعرت برجفة باردة تجتاحها
-أنتِ كاذبة، أنتِ تعلمين منذ اليوم الأول يا أمينة، لهذا خططتِ لإبعادي عنكِ فلربما أعود لزوجتي وطفلي.
يضرب بقوة ناء بها خشب مكتبه
-كلكن مخادعات.
يلتفت إليها ودموعها لا تتوقف
-أنتِ أنانية لا تهتمي سوى لنفسكِ، نفسكِ فقط، أجبرتِ أختكِ على ترك سالم وأنتِ تعلمي بأنه الأفضل لها، ابتعدتِ عني ولم تجاري مشاعركِ نحوي، لأنكِ متعنتة غبية، خبأتِ عني أمر طفلي كي لا تتألمي وهو معي، العالم كله يدور حولكِ يا أمينة.
ثارت في وجهه بحدة، تعالى صوتها المقيد تواجهه
-بل أنت الأناني، أنت من تعلقت بالعاملة الفقيرة وتركتها لأجل الأميرة، أنت من أحببت واستمتعت وعندما فرغت متعتك بطلاقها، عدت آملا في انتظاري، لكن لا، لا يا عبد الرحمن، أنا لا أنتظرك، ولا أحبك، ولا أريد لأختي المعاناة مع ابن أختك الذي حتما يشبهك.
تشهق ببكائها، تجلس وقد رقت ساقيها فاشفقت عليهم من الوقوف.
ليقول بعنف متجاهلا كلماتها
-بل تحبيني، تكابدي وجعكِ أمامي، منحتِ نفسكِ خيطا رفيعا متمسكة بالعمل كي لا تفلتيني، أخبريني ما ذنب ابن أختي في وجعك، وما ذنب أختكِ في كل هذا، بل، ماذنب طفلي كي تخفيه عني؟
تصيح به
-أنا!، أنا من أخفيته عنك، أنا.. أم هي؟، هي من هربت به وكأنه جريمة، أو ربما تعاقبك، أو لتربطك به، تترك لك الوقت لتراجع نفسك لربما عدت لها ولطفلك.
تواجهه بأسوأ شيء، أسوأ حب عرفه على يديها وجنونها، تردف بانكسار
-لقد نبت حبك في قلبي لينمو واتعلق بزهوة خضاره، دللتني بالقليل فقرت عيني به، لاصدم بخبر زواجك منها هي، أنت لم تقدم أعذار، ولا دوافع، أنت ابتعدت فقط، والآن تطالب بولائي، بخوفي عليك، بضرورة التفكير فيك وفي طفلك، وأنت لم تعرني اهتماما.
تقاوم بؤسها، تمسح دموعها المنهمرة
-لقد كنت أموت ألف مرة وأنت معها، أنهار وافقد رغبتي في الحياة وقد أحلت خضار قلبي لرماد زهوره، لقد تمنيت فقط الستر والاحتماء بك، لتكون رجلي وسند أخواتي.
هذا ما كان يريده، صدقا هذا ما كان.
لقد أرادته حمى، وقد أرادها أرض
-أجاريك في كذبك بقولك أنك كنت مجبور عليها وهل المجبور ينجب؟
زلة أخرى علمت بها وهو على فراشه، عاليا هدمت ماضيه ومستقبله
يمسح شعره للأمام بغضب، لازال عالقا، مقيدا، هائما في لعنتها بعد أن توهم العكس.
-ابحث عن طفلك يا عبد الرحمن وانساني، توقف عن السير خلفي، أنا لن أعود هنا مرة أخرى، فأرجوك لا تبحث عني.
تخرج بهدوء كما دخلت، بينما هو عقله كالأمواج الهائجة.
**
حجابها الطوبي أكثر أناقة على وجهها من الأصفر الذي ارتدته بالأمس، حلتها البيضاء مناسبة له، حقيبتها الجلدية التي يغار منها لأنها تلمس ساعدها الذي يحلم باحتواءه.
تضجر من أشعة الشمس فترفع حقيبتها تحتمي بها، حذائها ذو الكعب العالي يبطئ حركتها، عكس المسطح الذي يساعدها على تسريع خطواتها، والانفلات من ناظريه لتغادر محيطه.
يراقبها كعادته منذ وطئت قدميها دار التصميم"إيما ستور"، فقد منحها من اسمها لعل الحظ يلازمها كما لازمه بمعرفتها.
التزم من جانبه بوعده، ولم تلمحه ولو لمرة واحدة، لقد كان حريص على ذلك، وهي أيضا إلتزمت من جانبها على استعادة رأسماله كي لا يتكبد خسائر بسببها، حتى أدمنت العمل، وأصبح تعاملها مع الزبائن هو ما يعطي نكهة لحياتها.
يلمحها تستقل عربة أجَّرها خصيصا لها، تأتي بها وتغادر معها.
هذه اللحظات التي تعد على الأصابع هي زاده في الدنيا ليكمل حياته بشكل حي، يجافي الموت ببعدها.
اطمئن على ركوبها مغادرا هو سيارته ليصعد إلى مقر الدار، يتلمس رائحتها في غرفتها كعادته، يتطلع إلى تصميماتها المبهرة، وفساتينها الفريدة التي تجذب أنظار وقلوب العملاء بخطوطها الرقيقة.
يجلس فوق كرسيها بينما العاملات مازلن بالخارج، يتفحص التصميم أمامه، لقد رسمت الأكمام فقط، والصدر، حتى الخصر، يتسائل هل سيكون ضيق حتى الركبة، أم منفوش يصل إلى الكعبين.
لقد رأى هذا وذاك في تصاميم تسلمها الزبائن الشهور الماضية.
هي تهتم بالتصميم، والدعايا، وصدقا يشهد لها بحضور الذهن، والكاريزما الجذابة.
في ذات اللحظة بالأسفل، كانت السيارة الأجرة تعود إلى المقر، فقد نسيت التصميم الذي ستعمل عليه ليلا ليتم حياكته صباحا، تدخل المصعد، تضغط على رقم الطابق، وابتسامة زاهية لا تفارق شفتيها، فخورة بما وصلت إليه، ظنت بصعوبة العمل لكنها تفاجأت بسهولته، فهي إدارية ومصممة، لم تثق بأنها قادرة على إدارة مكان جديد، كبير كهذا باعاقتها، لكن للأمانة تلك القواعد التي وضعها سالم أراحتها كثيرا.
وعلى ذكره إنحسرت ابتسامتها، وانفتح باب المصعد، رغم اشتياقها له، ورغم صدق وعده وتنفيذه، إلا أنها تود رؤيته، شهور كثيرة مرت ولم تراه، تتابع تمارينه، صوره عبر الانترنت، لكنها اشتاقت حركة عينيه، انفعالات جسده وهو يشير إليها، تكمل طريقها نحو مكتبها وصورة ابتسامته لا تفارقها، قوة ساعديه وهو يجدف في تلك الصورة الشتوية في النيل، تفتح باب مكتبها وتستدير لتغلقه، وعبثية شعره بفعل المياة تذيب قلبها شوقا.
تلتفت نحو مكتبها لتجلب التصميم وتصطدم عينيها بعينيه التي فاضت بالشوق والعذاب في فراقها.
توقفت عن السير بينما هو وقف من مجلسه، ضربات قلوبهم المرتجفة صارخة، إلتحام عيونهم مترقب لا يقدر أحدهم على كسره، لكم اشتاقها،سوداويته تبعثر بنيتيها، ارتجاف قلبها ونبضها المتسارع يثير جنونه.
يقف فتتحرك شفتيه بإسمها
-إيما.
لقد اشتاق أسر عينيها وتوجُه وجهها نحوه، اشتاق نظرتها واضطراب أنفاسها في حضرته، رغم رؤيته لها كل يوم، إلا أنه يشتاق تلك النظرة التي تخصه بها.
هي ترى صدره يختض بأنفاسه، ترى أسنانه الضاغطة على فكيه، وتشعر باختلاجه صدره العنيفة برؤيته لها.
يرفع لها الدفتر أمامه يقول
-التصميم.
ما باله لا يشير لها، هل نسي بأنها لا تسمعه، أم شلت يداه، ربما يُشعرها بالنقص وأنها أقل منه.
يترك مكتبها متوجها إليها، يناولها الدفتر بعد أن أغلقه، فتنسحب من هالة سحره مشيرة بتعجب
-ما الذي أتى بك اليوم؟
انفجرت مشاعره فبات غير قادر على كتمانها أكثر
-أنا آتي كل يوم.
يتحدث بشفتيه مجددا دون إشارة، وفهمته
تلف كفها ب
-لماذا؟
-كي أراكِ.
لا تعلم ذلك البركان داخلها سببه شوقها، أم حبها، أم رغبتها في هذا الكائن المجنون أمامها
تشير
-ألم تعدني بأن طرقنا لن تلتقي؟
خرج من صمت إشاراته ليعبر بما تعلمه بيديه
-وقد وفيت، لقد غادرتِ.
لقد قيد قولها الآن، ما عساها تقول، هي حقا غادرت، ولم ترَ وجهه منذ وعدها، مهلا لقد قال بأنه يأتي كل يوم.
تقسم بأنها كانت تشعر به، لكنها كلما تلفتت لا تجده، ولم تصادف مرة لقاء بعينيه.
التقطت دفترها من يديه، حرص على أن يلمس طرف يديها، لتسري كهرباء لذيذة بظهره وساقيها، شهقت بخفوت، تستدير لتغادر فاستوقفها يشير إليها
-كيف حال أمينة؟
فتجيبه
-بخير
-هل كنتِ تعلمين بأنها تكتم سر معرفتها بابن عبد الرحمن؟
تشير إليه بتساؤلها
-هل وجده؟
يتصنعوا الاهتمام للبقاء، لا هي تهتم بابن عبد الرحمن، ولا هو يهتم بحال أمينة.
لازال متصيدا لعينيها، يشير إليها
-هل أنتِ بخير يا إيما.
حرص على أن تكون إيما بشفتيه، فالتهب النازف داخلها بشدة، أوشكها على فقد وعيها.
هي تحبه، تقسم على أنها تحبه ولن تنساه، ولن يتقدم إليها خاطب مثله، ولن تأتمن أحد على نفسها غيره.
حاولت نسيانه لم تستطع وكل ما هي فيه بسببه، نجاحها، سيطرتها، شخصيتها التي اختلفت خلال أشهر عن ذي قبل، بعد أن أصبحت هي ربة البيت بدلا من أمينة التي لازالت تجلس في المنزل بعد مرور أشهر على تركها العمل مع عبد الرحمن.
تعاملها مع الزبائن، العاملات، لقد ربى داخلها شخصية قيادية لم تتخيل وجودها داخلها، حتى نمت ونضجت.
هو السبب في قوتها، واعتمادها على نفسها، واليقين بأن ما هي فيه ليس نقص، وإنما هبة.
تعاقب السعادة على وجهها أخبره انه حان وقت الإنصراف، الآن وليس بعد ثانية أخرى، يشير إليها باقتضاب
-آسف لو أزعجتكِ يا إيمان.
ها قد عاد للرسمية بعد أن انفلت اسمها من بين شفتيه بمنتهى الحرارة، تبا لتلك الإتفاقات، تبا لغضب أمينة، تبا للوعود المجحفة، هي تحبه.
يمر من جانبها ليختلط هوائها برائحته، فتقشعر من فكرة انصرافه، سينصرف ولن يعود.
ألم يكن قرارها هي منذ البداية، ألم تختر التضحية بقلبها وبه، إذا لتتحمل.
يفتح بابها مغادرا، يسحب حنيته وشوقه معه، لتركها جرداء قاحلة.
**
ما إن فتح الباب حتى دخل بصخبه المجنون، وحالما رأى طارق اندفع نحوه بغضب يشتعل بعينيه
-كيف لم تخبرني بحملها؟
لقد انتظر طارق تلك المواجهة منذ وقت طويل وهو على علم بأن لا شيء يظل طي الكتمان، هو أدرى بذلك.
-ظننت بأنك لا تهتم..
قاطعه ولأول مرة بعدم احترام وتقدير، لأول مرة ود تحطيم وجه طارق لأنه سببا في كل شيء، الآن يتذكر حنقه عليه يوم علم بأن المحبوسة داخل القبو هي عمته، لم يشفع له عنده اهتمامه بها فيما بعد، لم يستطع وقتها محاسبته وهو السائق الفقير
-أنت مختل وأختك، ما رأيته هنا بين جدران تلك الفيلا لم أكن لأسمعه خارجها، أنت تحبس عمتك وتنتقم منها بجنونك، وهي تهرب بطفلي وتتستر عليها، كيف منحتك ثقتي وخضعت لتوسلاتك لأخبرك بكل شيء عنها وعن علاقتي بها مدعيا أنها أختك ومهما كان خلافي معها فأنت لا تتبرأ منها، بينما يحق لك أنت أن تخفي عني وجود طفل لي يحمله رحمها، تبا لكم آل الرشيد.
لولا تعافيه للكمه الآن بعد ما سكبه على مسامعه من غضب، ولم يرأف به ولا بما يعاني، لكن الآن هو يشفق عليه من فعلة عاليا.
يترك مواجهته ويوليه ظهره ويجلس على كرسي فخم مما يملك
-ليس لك طفل يا عبد الرحمن.
نظر إليه بحنق لا يأمن مكره
-كيف؟
- لقد أسقطت جنينها منذ خرجت من المشفى.
تردد في إخباره بالبقية، لكنه وقت المكاشفة
-بنفسها.
قال وقد هاج وهو يتقدم إليه ينحني نحو وجهه
-وهل علي أن اصدق هذا الهراء؟ .
-كما صدقت أنا أن زيادة تناولها للحبوب لم تكن أنت سببا فيه، ولا وصولها لما هي فيه أنت أيضا سببا فيه.
يكاشفه ولم يبعد وجهه عن وجه عبد الرحمن
-لقد تحدثت إلى خلود وأخبرتها بكل شيء.
ثم أردف ساخرا
-شكرا لك يا عبد الرحمن على كسرها.
يضيق عينيه وهو ينتصب يزن كلماته
-أنا من كسرتها وجعلتها تدمن وهي من عانت من الإدمان ورغبتها في الانتحار قبل أن تكن لي المشاعر، أنا من دمرت حياتها لتقف عند نقطة باهتة وغير قادرة على الاستمرار، أختك دمرت حياتي الماضية وجعلتني أخسر نفسي بانتقامي منها، جعلتني أخسر من أحب ودمرت سمعة عائلتها، أختك دفعتني نحو الإفلاس والتفت حول ابن أختي الذي يصغرها بخمسة أعوام، هي مختلة مجنونة مدللة، لم يقف أحد أمامها من قبل وهذا سبب تمسكها بي لأني أجمح جنونها بقسوة وبغض وهذا ما استغربته لأيام، أختك لا تميل للرفق يا سيد طارق، هي خاضعة ذليلة لكل من يقسو عليها ويقيدها كالكلاب.
يلتقط أنفاسه ويردف
-أريد مكانها، أود أن أتأكد بنفسي بأنها لا تحمل شيئا مني.
جاءه صوتها الخافت من خلفه
-تأكد يا عبد الرحمن أنها لا تحمل شيئا منك، لقد أسقطت عاليا جنينها بإرادتها وقد كان سليم معافى، وباتت لا تكن لك سوى الكره لدرجة تجعلها تفر من الطريق الذي ستسلكه، هذه كلمتي ويقيني دون مراوغة أو كتمان.
ثم نظرت لزوجها وتردف
-طارق لا يحملك ولا يتهمك بشيء فنحن خير من نعلم بجنون عاليا، لربما لو واجهتنا وأخبرت طارق بكل شئ لوفرت علينا طريق طويل.
تردف ولا زالت عينيها بعيني زوجها
-الإنتقام طريق مظلم، لايؤذي سوى صاحبه.
يهز رأسه، وقد استعر الجحيم في صدره، لقد قتلت طفلهم، يختض قلبه من جبروتها، يحمد ربه بأنه ليس شريك لها فيما فعلت فيناله عقاب الله.
يعاود النظر إلى خلود يفهم كلماتها ويزنها بميزان حساس حقيقي، يأخذ كلماتها بشرف لا تحيد عنه خلود أبدا، هو يعرفها جيدا فهي تربية جدها.
نجحت في تهدئته ووثق في كلمتها، فانسحب مغادرا، يقسم بألا يقرب هذه الفيلا مجددا، ويحذف من عقله هذه المدة التي كان زوجا فيها لتلك الملعونة.
***
يجمعهم المصعد كما يفعل دائما، فسحة من الزمن برفقة أثواب القماش التي يشرف على إيصالها المتجر بنفسه.
لا يدخل بناء على أوامر سالم، إنما يضعهم بجوار الباب الخلفي للمكان دون أن يلجه.
لقد أتت لتمضية الوقت مع إيما فهي لم تعد تحتمل وجود أمينة الحزين دوما، تخرج من عملها لتمر عليها ساعتين وتعود.
لولا ترتيبه للأثواب داخل المصعد قبل مجيئها لما ركبت معه، ولولا شوقها الذي لا تستطيع كتمه له لانتظرت المصعد حتى يفرغ منه واستعملته هي.
إنغلق الباب كما أفكارها، وضغط على رقم الطابق فأنزلت يدها إلى جانبها وقد أوشكت على الضغط هي الأخرى..
مجرد لحظات، انتبهت فيها لارتخاء كتفيه وكأنه يحمل أثقال الدنيا، وانعقاد حاجبية وكأن مديره سيخصم نصف راتبه.
هموم متعاقبة على وجهه تفهمها جيدا وتعي معاناته، وهي التي ظلت تعاني من صدمتها بعد ما واجهها به في سيارة سالم، الرسالة مؤلمة، َالنهاية صادمة، والسبب غير متوقع.
أن يكون سببا لموت والدته بذلك الخزي والوجع
تتابع يده المتعلقة بمؤخرة عنقه بتعب، العرق الذي تغلغل إلى مقدمة قميصه من حمل الاتواب وترتيبها.
عينيه المنخفضة عنها تضايقها، جسده المبتعد حتى أقصى اليمين منحها إحساس أنها كالعلقة المتطفلة عليه.
وكأنه يحسب الثواني لينتهي إجتماعها معه.
توقف المصعد يسبقها بخروجه وهو يحمل عدد من الأتواب ملتفا حول الشقة إلى بابها الخلفي، غير منتبه لها..متى خرجت أو بقيت.
لم يبادلها بحرف وهو يشعر بنظراتها تخترقه، نظرات مؤكد لائمة وحاقدة على كل ما يخصه.
فكيف ستبادله نظرات الاشتياق والحب بعد ما أخبرها عن نفسه.
يشعر بتعاظم نبضه وهي بالقرب منه فاختار إقصاء نفسه عنها بعيدا..
يحجب نظراته التي حتما لو التقت بخاصتها لكان من نصيبه الخزي والكره.
لم يستطع حتى قول مرحبا لها كي لا يشعر بالخيانة تجاه صديقه الجديد وعائلته.
لم يشأ في إدارة حديث بالتأكيد سيكون خاسرا فيه وهو النذل المستبيح للأعراض.
منحها بصمته وخروجه، إعفاء من المزيد من اللوم والتأنيب.
***
يدس يديه بجيبي سترته، فهو يشعر بالبرد الشديد، وكأن جسده بحاجة لحمام ساخن حتى يخرج البخار من أذنيه.
ينظر في ساعته فقد حان وقت زيارته اليومية لإيما.
لحظات وكان يصف سيارته تحت مقرها، ينتظر نزولها، يتأكد من وجودها بالأعلى من السيارة التي تنتظرها أمامه.
مر الوقت ولم تغادر، يرى العاملات ينصرفن أمامه بينما هي لم تنزل بعد، لحظات أخرى ووجد السائق يتحرك مغادرا، فتح سيارته على الفور متوجها إليها.
الباب مفتوح، وكذلك باب مكتبها، تجلس وبيدها القلم منهمكة في الرسم، بينما خصلات من شعرها ثارت على تعنتها لتخرج فوق جبينها، يقترب وهي لا تسمعه، رموشها التي تحجب عينيها عنه يبغضها رغم طولها ونعومتها.
يجلس فترفع ستار رموشها لأعلى لتراه وهو المعذب المتيم بها.
يبدو وكأنها لم تتفاجأ، أشار إليها
-لماذا لم تغادري؟
لم تترك القلم من يديها تجيبه بأشارتها
-أنهي عملي.
-باب المقر مفتوح يمكن لأي أحد الدخول دون أن تشعري.
-أعلم بأن لا أحد سيدخل وأنت تحميني.
كاد أن يرفع يديه ليشير لها بثورة، لولا كلمة "تحميني".
تخرج أنفاسه مع ابتسامة ساخرة، ينتظر تأكيدها لما قالت، تخرج من حقيبتها نظارة شمسية مدهبة من الجوانب، تنظر إليه بامتنان
-شكرا لك.
لقد ظن بأنها ستلقيها بوجهه حين وضعها على مكتبها بنفسه الليلة الفائتة، لم يتخيل تلك الإبتسامة الممتنة من شفتيها، التي تطيح ببرودة جسده، ليشعر بسخونة وكأنه على المرجل.
ولولا معرفته باتهامها له بالتحرش لو خلع سترته الآن لفعل.
-الأمر بسيط، لا يستحق الشكر.
-أنا أشكرك على كل شيء، منذ منحتني فرصة للتعلم وإدارة هذا المكان، وحتى جعلت مني شخص آخر قوي، نافذ الكلمة، متخذ للقرار.
ابتسامة
-كنتِ كذلك قبلا يا إيما، لطالما كنتِ قوية، قراراتكِ حاسمة.
ثم أردف بمرارة مشيرا إلى رفضها له
-أم نسيتِ؟
ترفع حاجبيها بوهن محب، تترك مكتبها لتستند بكفيها فوق الكرسي المقابل له، وذلك الدلال بإسمها يدغدغ بطنها، هذه هي النظرة التي حلمت بها منذ رأته في مكتبها يتأمل تصميمها، هي نظرة الفخر بها، والألم في البعد عنها.
-سأكون ناكرة للجميل لو لم أشكرك يا سالم.
تنطق اسمه بشفتيها عوضا عن الإشارة، فالتهب قلبه ليضخ سخونة سارت بين عروقه ليهب واقفا ينزع سترته فقد أصبحت كلماتها تشعره بالحر الشديد، وكأنها قررت اليوم مراضاته، يقسم أنها لو تمسكت به بقيد شعرة لترك أسلحته لتربيتها، وللقن نفسه درسا في كيفية الانقضاض عليها بدلا من تلقينها درس في التمسك به..
تفتح درج آخر قريب تخرج منه هديته الأولى التي أرسلها لمدرستها..
-القلم!
تزلزل ما بداخله من عاطفة لتطفو على السطح، لازالت محتفظه به؟!
-أنتِ لم تلقهِ في القمامة.
تهز رأسها نفيا بابتسامة جذابة، أضاءت دنياه، تردف باشاراتها
-لقد عدلت عن رأيي، وقررت أنك الرجل الوحيد الذي أرتضيه زوجا لي.
الدور على ماذا الآن ليخلعه، ربما ذلك الشال الذي يحتوي عنقه، ففكه بسرعة فهو يشعر بالإختناق من شدة مشاعره، فيبقى مفرودا فوق صدره، وهي تستنكر أفعاله.
فتشير
-ما الذي تفعله؟
-أشعر بالحر.
يقترب من الكرسي الذي يحمل أصابعها الطويلة التي يرغب في تقبيلهم ويكمل
-الشديد.
تتشبث بسترتها متسائلة عن سبب شعورها بالبرد إذا.
يستند بركبتيه على الكرسي الذي تمسكه ليندفع بجسده ووجهه أمامها، فترتد للوراء خطوات، ثم تمسك حقيبتها بسرعة، وتركض نحو الباب مغادرة بسرعة، لكن ليست أسرع منه ليستوقفها يمسك أسفل ذراعها، يلفها إليه.
-تقبلين الزواج مني!
تهز رأسها بنعم فيردف
-وأمينة؟
-لم أعد أهتم بالأسباب التي تبعدني عنك يا سالم، أهتم فقط بسعادتي معك، أم تراك بدلت رأيك؟
أشارت له بعبوس شق قلبه نصفين فقال سريعا بحرارة أنفاسه
-أبدا، لم أبدله، حددي موعد آخر معها وسآتي بالتأكيد.
تنزل قبضته عنها بيدها الحرة، ويحاول التفكير باتزان، ماسبب تغييرها رأيها الآن، قطعا ليست النظارة التي أهداها لها!
يحتوي نظراتها ويشير إليها ببطء
-لماذا عدلتِ عن رأيكِ يا إيما؟
ترتد خطوة إلى الخلف مجددا بارتباك، فيستند إلى الماكينة جواره.
تتردد شفتيها وإشارتها، وهو قاسي لا يفلتها بعينه.
تترنح في إجابتها، وهو يعقد حاجبيه منتظرا، فيهز رأسه محركا كفه يكرر سؤاله
-لماذا؟
***
قراءة صاخبة🌷


هالة حمدي غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم جنة ♥♥
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:21 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.