آخر 10 مشاركات
ليلة مع زوجها المنسي (166) للكاتبة : Annie West .. كاملة (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          اختلاف متشابه * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : كلبهار - )           »          بين قلبين (24) للكاتبة المميزة: ضي الشمس *مميزة & مكتملة* (الكاتـب : قلوب أحلام - )           »          هزيمة الكهرمان (38) -شرقية- للكاتبة المبدعة: زهرة اللافندر [مميزة] *كاملة&روابط* (الكاتـب : Just Faith - )           »          لك بكل الحب (5) "رواية شرقية" بقلم: athenadelta *مميزة* ((كاملة)) (الكاتـب : athenadelta - )           »          صمت الحرائر -[حصرياً]قلوب شرقية(118) - للمبدعة::مروة العزاوي*مميزة*كاملة & الرابط* (الكاتـب : noor1984 - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          حصريا .. الرواية السعودية الممنوعة .. بعت الجسد (الكاتـب : مختلف - )           »          حب في الباهاماس (5) للكاتبة: Michele Dunaway *كاملة+روابط* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          بين أزهار الكرز (167) للكاتبة Jennie Lucas .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree164Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-02-22, 08:51 PM   #171

هالة حمدي

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية هالة حمدي

? العضوٌ??? » 416048
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » هالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


الفصل الحادي عشر

يجلس خلف مكتبه يمرر عينيه فوق الأوراق المؤجلة.. يواري خزيه بردود مقتضبة على تساؤلاتها الخاصة بالعمل..
بينما تمرر هي عينيها فوق وجهه، لحيته المهذبة وشعره المصفف.. سعيد!
عينيه اللامعة وابتسامته الرائقة دليل سعادته، لا يبدو أمامها كمن فقد وزنه من الحزن والتفكير في هجرها!
خرج صوتها رسمي يخفي حنينها
-هناك بعض الأوراق تحتاج امضاءك..لا يمكن تأجيلها أكثر من ذلك.
تناوله ملف آخر كانت تحمله
-وهذا للاطلاع فقط..لمعرفة ما جد وقت غيابك
أشار بيده يتهرب منها، وشعور بالخيانة يستولي عليه
-لا حاجة لي للاطلاع يا أمينة.
ختم حديثه بكلمة أصابت عظامها فصدعتها بشراسة
-أنا أثق بكِ.
ابتلعت كلماته التي تبدو بدون قصد، لكنها أصابت قلبها الملتاع وهي تقول
-أريد التحدث إليك بخصوص سالم.
منحها اهتمامه لا عينيه، فعينيه ستفضحه حتما لو عاقرت عينيها، ستعلم أنه خذلها مرتين، واحدة لفقدها، والثانية لفقده نفسه بمعاشرة عاليا.
-سالم يشاغل إيمان برسائل عبر الواتس آب، وينتظرها أمام مدرستها، يعدها بإنفاق المال لمساعدتها في عودة سمعها، أوقفه إذا سمحت لأني أمنع نفسي عن صفعه بشق الأنفس، إنه لم يصُن معرفتي به ولم يتعامل معي برجولة فيحميهم، لقد سقط من نظري..
كلماتها عن سالم أزعجته وأخذها على محمل التلميح إليه هو، كمن على رأسه بطحة وسيتحسسها طوال الوقت.
لازالت عينيها تلتهمه بحسرة مضنية..تخفي انفعالاتها بحكمة مجبورة عليها..
شرد فيها وهي تغادر بعد أن أخبرها بأنه سيتحدث إليه، يرى سترها، وحجابها..كم هي بسيطة الحال..وكم تمنى أن تصبح زوجته دون المجنونة بمنزله..
حقا مجنونة..ببشرة بيضاء بغيضة..وجسد مغوي يستحق القتل..يجنب أفكاره الخانقة عنها..يجنب ماضيها في جانب مظلم من عقله.
يستمع لطرق الباب..لتعود أمينة مجددا إليه ..تناوله علبتين من دواء عاليا..فيعقد حاجبيه مستفسرا
-ما هذا؟
-دواء السيدة عاليا، لقد حصلت على علبتين وأوصيت على علب إضافية.
هل يسهب في أسئلته فيبدو كالمغفل، أم يصمت ليفهم من الأخرى؟
-ولماذا لم تخبرني لاشتريه لها؟
دب الأمل في قلبها..هو لا يعلم!
-الدواء غير متداول، يصرف بوصفة طبيب.
هب من مكانه يقبض على يديها فترتجف تحت كفه
-وما الذي يمنعها من جلب ورقة من الطبيب، هل الدواء ممنوع يا أمينة؟
تلعثمت من لمسه لها تتملص منه، وارتعشت مما فهمه جيدا دون أن تكمل
-لقد ترجتني عاليا ألا أتحدث في هذا الأمر مع أحد..ظننتك تعلم، ولولا ارتباطي بموعد هام ليلا لما أرسلته معك إليها، وذهبت في موعدي لها.
تتسارع نظراته المشتتة نحو مكتبه، كانت ستخرج أيضا بدون علمه، اليوم الأول الذي يدير لها ظهره ستخرج ودون إخباره..
يلملم ما نزف من كرامته أمامها، يصرفها إلى مكتبها..لتمر بعد ذلك ساعات العمل ثقيلة مرهقة..
إلى أن عاد لمنزله بوجه متجهم كالقبور..يراها تختض من رؤيته.
-هل أتيت مبكرا، أم يهيأ لي؟
يخرج من جيبه علب الدواء
يقذف بها إليها، لتقع عينه فوق فستانها المنبسط فوق السرير
-هل أنتِ على موعد مع أحد؟
يحمل الفستان ويضعه في خزانتها
-لقد وفرت عليكِ الوقت.
تترك فرشاة الزينة من يديها تستدير إليه ..ترتدي قناع السذاجة لا الخبث، وهي تفكر للحظات كيف وصل إليه الدواء، حتما هي" أمينة"
لن تسأله ..فيتخبط صوتها بكذبها..فقالت
-شكرا لك.
-أين كانت وجهتكِ؟
ترجع شعرها إلى الخلف بعصبية..
يفك أزرار قميصه يدعي اللامبالاة..
-لماذا تتناولي أقراص مخدرة يا عاليا؟
أسئلته الكثيرة تربكها..
لم تفق بعد من فعلة أمينة..لماذا لم تتحدث إليها وتخبرها بتأجيل الموعد أو تقديمه أو إلغاءه من الأساس، لماذا تعطي الدواء لعبد الرحمن..هل ترغب بعقلها الضيق في استرداده؟
-لا استطيع النوم بدونه.
ينزع حزامه بغضب..
-أنتِ مدمنة.
تصدع قناعها
-أنت لا تعلم ما أعانيه..لا..لا تعلم.
يمسكها من كتفيها..وقد انفجر المكان المظلم في الزاوية، لتتوالى الأفكار..دمائها التي صبغت يديه وهو يحمل سقطها، جنونها عندما تلقاها بيده يجلسها بالسيارة يوم أنقذوها من الاختطاف..
صوتها الصارخ ب
-أنا حرة..حرة..
فيصرخ هو الآخر
-أنا أعلم..أعلم كل شيء..كل شيء يا عاليا، ما كان يمنعني من زواجك هو معرفتي، ما كان يمنعني قربكِ معرفتي، ما يتأجج الآن بداخلي بسبب رؤيتي لكِ في كل الأوضاع المشينة..التي لا يتخيلها رجل.
يترك كتفيها، يتشرب كل نظرة انكسار من عينيها أمامه..ليست عاليا القوية..من تخطط، وتطوع الحديد بين يديها..
من يراها الآن امرأة عانت الخذلان.
يوليها ظهره متألما
كيف يرأف بحالها هكذا وهو من يتلظى بنار آثامها..
صوتها الخفيض يصله
-لازلت لا تعلم يا عبد الرحمن.
يلتفت إليها بغضب عارم، تشتعل حدقتيه بحنق مكتوم
-إذا أخبريني..اخبريني عن سبب يجعل طفلة صغيرة تتعرى عبر كاميرا هاتفها يوم زفاف أخيها في الحديقة..، أخبريني عن سقطكِ وأنت تحملين طفلا وأنتِ طفلة.
رذاذ كلماته الغاضبة بلل روحها حتى تعفنت، هو لا يعرف ما فعله كمال بها..ولا عن استسلامها بل وطلبها واستزادتها من تعذيبه..رضوخها وانكسارها له..
يردف بذات الغضب
-عما فعله كمال بكِ وقت اختطافكِ..أخبريني كل شيء.
كلماته التقريرية تقتلها.. لم تتخيل انكسارها أمامه بهذا الشكل، لم تشعر إلا بطعم دموعها المالح فوق شفتيها وهي تراه يعاني أمامها مما يعرف..فما باله بما لا يعرف؟
أخفت ظهرها عنه وهي تمارس حميميتها معه في الظلام لتعف نظره عن إثمها..
تظن نفسها بالذكاء القاتل بينما أول أمر كشف بمنتهى السهولة على يد أمينة..
كيف ارتجت حياة طبيعية معه وهي منذ ولادتها ليست طبيعيه..ولا حياتها..
تتمزق أسنانه تحت الضغط، قلبه يخفق بقوة، وعقله يعمل مشتتا وكأن الأيام الماضية التي أعطى له إجازة، عاد الآن إلى نشاطه وبأقصى ما يكون..
لقد تناسى وركض خلف مخططها واستمتع بها، ونسي بأن الماضي هو ما يبنى عليه المستقبل، نسي رفضه المستميت لها، وتوعده القاسي جزاء لما فعلت به.
يقف أمامها بغضب ظاهر وخزي مستتر أمام فعله هو الآخر..
الآن يحاسبها وقد أخذ منها ما أخذ..
أكان أجرا على موافقته بالاقتران منها..
انجذاب جسدي كما يخدر ضميره ويدعي..
الآن هو يشعر بنيران لا تفسير لها عنده..
-لماذا انت غاضب هكذا؟
زادت حدة نبرته ثورة عندما نكأت دائرة مبرراته، فاستوقفها بصوته العالي ليضعفها
-وكيف لا أغضب وقد زججتِ بي في لعبة لا يطيقها رجل، ولازلتِ مستمتعة بدور المرأة التي لا زوج لها تخفين عني الحقائق..لقد كنت كالمغفل أمام أمينة وهي تخبرني أنها على موعد مع زوجتي، بأن زوجتي تدمن الحبوب وأنا لا أعلم.
همست باسمها
-أمينة.
ثم ثارت هي الأخرى
-أمينة يجب أن تغادر العمل.
قال بتحدي غاضب
-لن يحدث.
تثور منفعلة بجسدها
-كيف تبقيها وأنت تعلم بأنها تحمل لك المشاعر.
-وكيف القي بها كما الكلاب بعد أن أمنتها وتركت عملها الآخر لأجلي.
هدأ فجأة
وقال بصوت خفيض ساخر
-ومن يجلب لسمو الأميرة عاليا احتياجاتها من الحبوب؟
يستمتع بتجمع الدموع في عينيها، احمرار وجهها..ينتفخ أنفها وتتحرك شفتيها باندفاع فتلجم نفسها بتردد..
يراقب تلك الانفعالات بهدوء زائف
-توقفي عن تناول تلك الحبوب، أصرف أمينة من العمل.
***
-لقد امتنعت عن القدوم إلى مدرستكِ.. إلا أنني شعرت بالحنين إليكِ كمن فقد غالي عنده..أعتذر إن ضايقتكِ يا إيما..أنا حقا وحيد..ليس لدي صديق..ولا أخ..أنهك نفسي في العمل ولا أملك الوقت لأحد..لكنكِ تقتحمين عقلي ..ووقتي..تعجبني رسمتكِ، علمت بأنكِ تدرسين في قسم الملابس الجاهزة..هل يدربوكن على تلك التصاميم الرائعة؟
كاذب..كلماته تقطر كذبا..ألم يخبرها بأنه يتحدث إلى النساء..وأنها من تدير الحديث وتتسبب له في ربط لسانه..
أين خاله..ألم يتربى معه؟ ..
تلك التساؤلات أنبئتها أنها في خطر..
وجوده التي اعتادته أمام مدرستها تفتقده..أحلامها التي بنت حولها حصون صنع فيها ثغرة صغيرة قد تهد الجدار كله....
رغم رؤيته عند مدرستها..وصورته على الواتس اب..إلا أن هيئته يوم عرس عبد الرحمن تلح على ذاكرتها كثيرا..
وكأنه..مجروح..
-إيما..هل تقرأين رسالتي؟
العلامة الزرقاء جوار رسالته أجابته بأنها تقرأ..
-أنتِ ماهرة في رسم الخطوط..والمنحنيات..لماذا لا ترسمي فتاة بالكامل لماذا أزياء فقط؟
ولماذا ترسم فتيات..تضحك على مخيلته الغير مهذبة حتى مع الصور..
حنين لاذع لوجوده حولها..تصارعه وهي تغلق التطبيق..
وتفكر
بينما هو أثارت الطرقات الهادئة خلف بابه حفيظته..
يفتح الباب ليباغته عبد الرحمن يسقطه أرضا ويكبل يديه من الخلف..يستند بركبتيه فوق ظهره..وفحيح الغضب يلفحه محملا بكلماته
-سمعة أبي..والمنزل الذي تسكنه، ليست للتلطيخ والقيل والقال با ابن أختي..تعلم بأني لا أحب الدلال الزائد..والدلال مع الصبيان يفسدهم، اترك الطريق الذي تسير فيه يا سالم وإلا أعدت تربيتك من جديد.
يحاول التملص منه إلا أن عبد الرحمن أوثق قيده، فيقول بغضب
-لا شأن لك بي..أنا لم أعد صبيا..أنا رجل قادر على إدارة حياتي جيدا
يديره عبد الرحمن إليه، فينظر إليه باستكانة تحته
-لست رجل..ولست بقادر على إدارة حياتك..وإلا انظر إلى ما وصلت إليه..أنت فقدت عقلك، توجهت نحو فتاة خرساء لا تستطيع فضح أعمالك وستصمت مجبورة عما ستفعله بها..انظر إلى سالم مدير الأعمال الذي يحبه الجميع الذي تزل قدمه نحو هوة السلاح التي ستبتلعك بلا رجعة.
تتسابق نظراته المكسوة بالخزي نحو خاله رغم مكابرته، فيردف عبد الرحمن وقد خانه فيض مشاعره
-افعل بي أنا ما شئت، لا تضيع مستقبلك..لا تفسد سمعتك..ضع في طريقي أشواك لأتعثر، اسقني العلقم وسأتجرعه برضا لكن لا تفسد نفسك..ولا أخلاقك، ولا تربية وتعب وسهر أمي عليك سنوات.
يستقيم يودعه بنظرة تحمل الكثير من معاني الهم والثقل..
يستمع لخطواته المغادرة ولازال يفترش الأرض بظهره..يشع ضوء المصباح في عينه وقلبه..صدره يعلو بأنفاس صاخبة..لقد هزته كلمات خاله ..
جدته التي تعبت معه وطالما غرزت فيه معنى الرجولة كما كان جده الذي لم يراه..لم ير رجلا في تلك العائلة كخاله..راعي البيت..والبيوت المتفرعة منه عندما تئن بحامليها..
يجلس من رقدته بتعب، وبصوت خالٍ من الحياة..يتجرع صلابة الأرض، يتعافى من كلمات خاله
"لماذا تزوجتها..لماذا هي بالذات!"
يستند إلى الطاولة ليقف وأفكاره تضايقه، هو حقا يدمر نفسه وليس خاله ..
صوت طرق على بابه يعيده إلى واقعه يرتفع صوته بحدة
-من؟
***
ينتقل إلى تطبيق الواتس اب، ليجد فستان جديد تضعه بديلا عن صورتها..وحالة الواتس خاصتها
-إذا ضاقت الأرض بالأمنيات فسماء ربي أوسع.
يمسح طرف أنفه باصبعه..يتحدث إلى نفسه
"ما هي أمنياتك إيما..ليتني اعرف"
تلتقط عينيه هذا السلاح الرابض على طاولته..فيستند بكامل جسده على الأريكة التي يشغلها..يكتف ذراعيه حول صدره..يفكر بالغد..مفكرا بأنه ليس الدرب الذي اعتاد سلكه..
عليه العودة منه الآن قبل أن يقطع الطريق
يتصفح الفيس بوك..فتمر عيناه على صفحات قد اشترك فيها منذ وقت قريب خاصة بلغة الإشارة ..
أنامل تسمع..
عيوب لغة الاشارة..
صدى الأصابع..
يشعر بالملل من تمرير عينيه بلا فهم.. ينتقل إلى تطبيق الواتس يحكي معها
-إيما..أنتِ هنا؟
-صفي لي شعوركِ عند فقدانك حاسة السمع.
يشعر بالشفقة تجاهها، فهو بكل من حوله لم يقدر أحد على مساعدته لتجاوز وفاة والديه، ماذا عنها وهي تفقد والديها ومعهم حاستي السمع والكلام.
-هل يزعجكِ رغبتكِ في الحديث مع إحدى أخواتك ِ في الظلام.
-إيما.
شعر بالممل من عدم استجابتها..
بينما هي ترى رسائله من نافذة الإشعارات دون فتحها..
تحمل الهاتف تقيِّم تصاميمها المحفوظة في هاتفها..
-احكِ لي معاناتك.
تبتسم بمرارة..فمعاناتها في بئر مظلم بلا قرار، أغلقته ولا تستمع لصداه.
رسائله مزعجة..حقا تزعجها..
ألا يمل..إنه كثير الكلام ..لحوح..لدرجة افقدتها صوابها..
-حسنا، طالما لا تريدين الحديث معي..سأتحدث أنا معكِ، سافتح لكِ قلبي كما لم أفعل من قبل.
تمط شفتيها بملل..فيرسل
-لقد اشتقت إلى أمي.
طريقة رخيصة لاستدرار عاطفتها..كشفتها..لكن..تأثرت بها..
-أتذكرها ورائحتها، حضنها الدافئ، وقت احتضانها رأسي واقترابي من نبضها، كنت أملك الدنيا وقد كانت كل الدنيا لي..
يتردد في وصف ما يريد، فتوقف عن إرسال الرسائل للحظات..
-عندما اقنعني خالي بالمكوث لديه يومان لحين عودتهم من رحلة..كان قد نال قرض حسن ليبدأ عمل جديد..فأراد أن يسعد أمي وأبي برحلة..قضت على حياتهم سويا كنت لم أتجاوز العشر سنوات
لا يعلم بأن الحديث عن الأمر سيرهقه..
ولم يكن يعلم أن بانتهاء حديثه سيرتاح هكذا..
يتحدث إليها في أكثر الأوقات سوءا بالنسبة إليه بعد مواجهة خاله
-هل رأيتِ أحد والديك إيما..باعتبارك الأخت الصغرى لأمينة.
توقف للحظات أخرى بحديث غير مرتب
-لقد جاء عبد الرحمن اليوم، وألقاني أرضا..وكاد أن يضربني لأجلكِ.
نال اهتمامها بما قال، فاتسعت عينيها تراقب كل ما يكتبه بنهم
-ذكرني بجدتي، وباسم جدي، نهرني عن سيري في طريق الحرام.
يشعر بالخطورة على نفسه من اسهابه في الحديث معها..لم تكن تلك خطته..
أنا آسف لو اقحمتكِ في شيء لا شأن لكِ به..أنا آسف إيما..أعدكِ بألا أتحدث إليكِ من جديد
وقبل أن يخرج وجدها متصلة، تقرا رسائله..بل..و..تكتب.
***
تجلس أرضا، في غرفتها..في وضعية اليوجا المعروفة..تحاول تصفية ذهنها..منذ زمن بعيد لم تقم بتمرينات اليوجا خاصتها..منذ أدمنت المهدئات..
تشتت في الذهن..هذا ما تشعر به الآن..غير قادرة على استعادة صفائها..
هذا الصداع الذي لا يتوقف..
تحاول التحكم في أنفاسها وهي في تلك الوضعية..لا تستطيع..أين إحساس الانسجام والانتعاش الذي كان يحفها عند المواظبة عليها..
منذ هاجمتها تلك الكوابيس اللعينة ..تذكرها بما حدث معها قديما، فباتت تخشى النوم..الذي سيتسبب لها في فتح نافذة على الماضي..
تجنب عبد الرحمن لها وفشل مخططاطها في تقريبه منها واحجامه عنها، لقد بدأت تمل من ذكره واسئلته التي توجعها.
زادت من جرعة المهدئات دون الرجوع لطبيبتها..حتى باتت تدمنها..
صوت فتح الباب جعلها تستدير تلقائيا نحوه..بوجه مغبر يدخل غرفته، صافعا الباب خلفه بحدة..
لم تتسائل أين كان ولا لماذا هو على هذا الحال..
تتجنب لحظات جنونه وهياجه..تجيب رنين هاتفها..فتصطدم بصوت أنفاس ..
تنتظر حديث المتصل فلا يجيب..
هتفت
-مرحبا.
لا أحد أجاب..
تتردد صدى الأنفاس في قلبها هلعا..لا تعلم لماذا انقبض قلبها وارتعشت..أغلقت الهاتف..توجهت نحو غرفته..
وجدته لايزال بثيابه..يرى انتفاضة مقلتيها فيسالها
-ماذا بكِ؟
جلست جواره، تحتمي باحضانه..تتفكك خلاياها بقربه
-لا شيء..أنا فقط..احضني يا عبد الرحمن.
ابعدها عن صدره الذي اخترقته..
-لقد ذهبت إلى سالم منذ قليل وفارت دمائي، ليس لدي مزاج لأي شيء الآن.
قالت تنازع خوفها، ملتهية باهتمام لما يقول..
-لماذا ذهبت إليه؟
يستند برأسه إلى وسادته
-كنت بحاجة لذلك، يجب أن يعلم بأن زواجنا ليس نهاية العالم..وأني لم أقبل بزواجي منكِ لأنقذه بينما هو يلقي بنفسه إلى التهلكة..فماذا استفدت أنا.
تطمئن نفسها..ربما المتصل سالم، أراد أن يغيظها أو يفزعها..ربما..
لكن انقباضة صدرها تنبئها بأنه ليس خيرا على الإطلاق.
***
لازالت كلمة تكتب تظهر إليه، عينيه متعلقة بها بسعادة..ينتظر بشغف ما سترسله له..
لحظات..وتوقفت عن الكتابة..ولم ترسل شيء..وانقطع الإتصال .
أصابه اليأس ليغلق هاتفه..
وإذا بصوت استقبال رسالة ، رقصت لها أوصاله
-هل أنا جزء من انتقام ما بينك وبين السيد عبد الرحمن..؟
يبتسم على نعتها عبد الرحمن بالسيد..
وتتسع ابتسامته لأنها أخيرا تحدثت إليه، لابد وأن لا يفقد هذه الفرصة..
لا بد وأن يخترقها..ينفذ إلى روحها..
-أنت نذل، عديم الرجولة ، لا تؤتمن..نحن ثلاث فتيات ليس لهن أحد، نكافح ونذلل الصعاب لننجو في ظل هذا المجتمع الذي لا يرحم..بدلا من أن تحمينا كجار ومعرفة عمل لأمينة .. تكون أول من يفكر في نهش لحمها، أنت لا تملك ذرة شهامة أو نخوة.
تتسع ابتسامته أكثر فأكثر
لازالت تكتب..لابد وأنها تجهز لسبابه مرة أخرى ..
-أي فتاة تلك التي ستهتم ببؤسك ورثائك لذاتك، سيد عبد الرحمن أراد راحة لوالديك وكانت وفاتهما حادثا، فتعلق الذنب في عنقه..وهل دبر لهذا الحادث أيها التعس، أنا أكره من يستدرون عطف الناس وشفقتهم..هل تريد مني لومه على شيء ليس بيده..بدلا من نعته بالأصيل لرغبته في الترفيه عن والديك من شقاء معيشتهم..أكاد أجزم بأنك سبب افتقارهم ونحسهم بولادتك.
يضم شفتيه بعد أن ذهبت ابتسامته..وشغفه لسماع المزيد
-تلعب ببنات الناس وتستحل أوقاتهن في رغي لا طائل منه، لقد ازعجتني برسائلك صدقا يا هذا، ليتك تعمل لكسب المال بدلا مما تفعل الآن من سفه وتضييع وقت.
تلبستها روح الشر عندما فطنت إلى أنها جزء من لعبة هو صاحبها
-المرة القادمة لن تشكو أمينة لخالك، بل سأقتص أنا منك في فخذك الآخر بدبوسي المدبب.
آخر ظهور منذ لحظات..
ماسورة قاذورات وفتحت..يجلس ينظر إلى الرسائل بانشداه..
وكأن أحدهم أغرقه بجردل مياة مثلجة فوق رأسه..
مرت لحظات وهو على نفس الوضعية..لا يصدق ما حدث معه للتو..من ..إيما
***
تتمطى لتبعد أثر النوم عنها، تزيح غطائها لتوقظ أخواتها..
تتفحص هاتفها اذ ربما هاتفتها إحدى صديقاتها بالأمس..
لتمر عينيها على صورته، وآخر تاريخ تحدث إليها فيه عدى عليه وقت طويل، لم يتحدث إليها منذ آخر مرة نهرته فيها..
يستحق..
تركت هاتفها بحدة وقد أثارت صورته حفيظتها..تقف لتتم مهامها اليومية..
تنظر إلى ساعتها البسيطة بترقب، فقد حان وقت مغادرتها إلى مدرستها..
تتمنى النجاح هذا العام..عامها الأخير الذي رسبت فيه لعامين على التوالي رغم سهولة التعليم وحبها له فهو ضمن هواياتها..
إلا أن وجود الطبيب الماهر العالمي الذي أتى مرتين لعامين على التوالي كان موعدها معه أهم من دراستها..
أمينة ترى هذا..ترى أن شهادتها ما هي ورقة ستزين غرفتها لكن بلا فائدة، فهي لن تعمل بها على أية حال.
تسير في طريق المدرسة وتشعر بمن يراقبها..
تشعر بعيون ثاقبة تخترق ظهرها..تمشي بثقة بثوبها الجديد الذي انتقته لها أميرة بالأمس وهي بصحبة أختيها..فأمينة نالت مكافأة بعد زواج عبد الرحمن..فقررت أن تهاديهن بملابس جديدة..
لا تلتفت ولا ترفع عينيها عن الأرض، تتابع وجهتها بثبات..
بينما عينيه المترددة لا ترتفع عنها، من يراها من بعيد لا يشك بأنها لا تسمع ولا تتكلم.
هذا الجسد الضئيل المتخفي بالثقة والمتحلى بالثبات..
جسد فتاة تعلم جيدا كيف تجابه الصعاب، مهما أنهكتها..
ينظر إلى بِنيته وهو يجلس داخل سيارته يراقبها..اليوم موعده مع فريق رياضة التجديف فقد قرر استغلال وقته كما نصحته، حسنا كما نهرته إيما.
كيف وهو ببنية اقوى منها لا يبدو بهذا الثبات..غاضب منتقم لا يرى الأمر سوى من وجهته هو..
أين هو من تفاؤلها..وطاقتها الهائلة المشعة..
يحك رأسه متذكرا.. لقد سبته..وتهكمت على وجعه..شفافية ملامحها لازالت مسيطرة عليه، ضعفها الذي تخفيه بقوة ردودها، تفاؤلها الذي حتما ينهار ولو للحظات مع مواجهة المجتمع..
عينيها الحية التي تتحدث وتعكس مشاعرها...
يراقب اقتراب سيارة منها توشك على الاصطدام بها..لكنها قفزت خطوات نحو الرصيف ونجت..
يرى السائق وهو يشيح بيده غضبا..يصرخ بها
-ألا تسمعين..لقد اشتكى الجميع من زامور السيارة.
لم تلتفت إليه فهي ببساطة لم تسمعه..تكمل طريقها لتدخل إلى مدرستها بهدوء وكأن شيئا لم يكن..
يحسدها على هدوء رأسها..وغاضبا من تطاول هذا البغل عليها..
نزل من سيارته..يتوجه ناحية سيارة الرجل الذي يكمل طريقه..يشير سالم إليه ليقف..أنزل الرجل..حاوطه بيده يشير إلى يافطة المدرسة الكبيرة التي تحوي اسم المدرسة وبجانبها"للصم والبكم"
فيبتلع الرجل ريقه يستحقر نفسه
-إن كانت هي صماء لا تسمع، فأنت أعمى لا تبصر..من في تلك المنطقة لا يعرف أن هنا مدرسة لهم..فمنهم الكثير حولك.
يستسمحه الرجل بأدب
-عذرا لم انتبه.
وكذلك هي لم تسمعك أصلا، حمدا لله أنها لا تستمع لكلمات متنمرة تزيد من سخطها.
-تنمر؟
هو لن يقف ليشرح له المعنى، لقد أخرج غضبه وكفى..
يركب سيارته مغادرا إلى موعده..
وصورتها وهي تقفز مسرعة لتنجو من موت محقق تحفر في رأسه تزيد من شفقته تجاهها ..لماذا لا يقوم أحد بتوصيلها؟
***
ارتعاشة باتت تلازمها طوال النهار وهي منشغلة بإعداد الطعام..وطوال الليل وهو جوارها يحظى بقسطه اليومي من الراحة..
لازالت تلك الأنفاس تؤرق راحتها، تقتلها صحوا، وتثير جنونها ليلا..
"كمال"
هكذا تردد اسمه في رأسها..لابد وأنه هو..
هل سيعود ليقتص منها، ليأخذ بثأر سلمى منها..
ليس لها ذنب فيما حدث لابنته..ليس ذنبها بأن"دائن تدان"..
تضع يدها فوق صدرها تثني قلبها عن القرع المدوي الذي يحدثه..
يتقلب ليراها مذعورة..يعتدل في نومه..
يستقيم يرفع رأسه على الوسائد..
يفتح النور جواره..
ليزعجه صوت أنفاسها..
-ماذا بكِ؟
يشهد انشطار روحها كل يوم وقت النوم..حتى بات هو من يحصل لها على المهدئات بنفسه..وبعيدا تماما عن أمينة..
يضمها إليه، يصارع شيئا بداخله
-تحدثي إلي يا عاليا..أخبريني عما يؤرق نومك ويقض مضجعك
نطقت الاسم الذي يؤرقها
"كمال.."
لا زال متفهما رغم حنقه، فهي تحدثه عن رجلها الأول وهو يبدي تفهمه واحتواءه في لوحة عبثية حالمة
-ما به؟
-لقد تحدث إلي.
يبعدها عنه بحدة متقنة
يراقب انطفاء روحها، هذا الهلع الذي لا يسكن بمهدئات ولا يشفى..
اثناه ذعرها عن نهرها..
أردفت وقد فطنت إلى حنقه عليها
-لم يتحدث إلي...لقد اتصل بي..استمعت لأنفاسه يا عبد الرحمن.
يضيق عينيه متمهلا في تفكيره، يخرج رده بطيء
-كمال في محبسه..وحتى إن خرج ..لا أظنه سيعاود الكرة مجددا، انسي الأمر.
يساعدها على الاستلقاء..يناولها المهديء الذي زادت من جرعته منذ أسبوع ..
-لقد شوه روحي، يعدني بالانتقام كل يوم بصوته الكريه، يأتيني في أحلامي كل ليلة، يمقت هنائي معك..يبغض استقراري مع رجل مثلك يحميني ويخاف علي.
يضحك بسخرية فتشعر به
-ألا تخاف علي يا عبد الرحمن..ألن تحميني؟
يربت على شعرها..
-نامي يا عاليا..نامي.
فتسكن بين يديه بعد حديث طويل، حفزت جميع خلاياه الغاضبة فبات لا يقوَ على النوم والاستكانة
-لقد عذبني، جلدني، استلذ بعذابي، انتقم من أخي بي، جردني من برائتي وطفولتي لأصبح عجوز متمرسة..تخيل..أنا تحملت الجلد، قيدت يداي، علمني بأن الألم يطهر الروح فيجعلها تستكين..وتخضع..علمني أن المتعة بالقوة وليس بالتفاهم والحب..أن الإكراه متعة وأن الرفض لذة..فكفرت بالنعيم واستصليت بالنيران.
بعض كلماتها كانت كالهذيان، والبعض الآخر كان يشتد جسدها متصلبا معها،..يرتفع صدرها بالشهقات بعد أن نامت..
وتتجمع عبرات ملتهبة على جانب عينيها..
وعلى ذات الضوء..رفع بلوزتها..يتأمل وشوم السياط فوقها، والتي يراها لأول مرة فاشمأزت روحه، يشعر بالغضب الشديد نحوها، ها هي تخفي عنه أشياء وقد ظن بأنها له كتاب مفتوح.
ينظر إلى وجهها بحاجبين معقودين ، يضغط أسنانه من هول ما سمع، متسائلا عما يجهله بعد.
يتردد في انفعالاته نحوها..
لا يبحث في الأسباب، وإنما يرى مصيبته أشمل وأوسع.
***
ترفع ايمان شعرها القصير تبعده عن عينيها، تبعد الغطاء عن أميرة لتوقظها، تهزها بحنان جارف رغم شعورها بشيء مقبض تجاهها، ترى اهتزاز جسدها ليلا وكأنها تتحدث إلى أحدهم.
عندما تقلق تجدها على ذات الحال، لا تعرف ما الذي يشغل أختها لكن شعور سيء يساورها.
تهزها مجددا فلا تهتم أميرة، وتلتفت لتوليها ظهرها فينكشف هاتفها الذي كانت تنام فوقه.
تمسك هاتف أختها تتفحصه، وعندما فتحت رسائل الواتس آب وجدت أسم رجل يدعى محمد، تجمعهم محادثة عبارة عن تسجيلات.
هي حتما لن تعرف مغزى حديثهم، فتفحصت المحادثة جيدا لتجد بينهم حديث عام هو زميل لها في الجامعة، وانتهت امتحانات نصف العام فيم الحديث اذا.
تركت الهاتف وقد تأكد حدسها، تخشى مصيبة تلوح في الأفق .
تهزها مجددا، وعندما اعتدلت أميرة انهالت عليها إيمان باشارات عصبية مشيرة نحو هاتفها
-هذه تربية امينة لكِ، تتحدثين إلى الشباب يا أميرة.
بهتت أميرة ولازال أثر النوم فوق وجهها، فأشارت ايمان
-فيم تتحدثين مع محمد هذا؟
شهقت أميرة ووضعت يدها على يد أختها تمنعها الحديث وكأن أمينة ستسمع الإشارات تكتم شهقاتها تتلفت حولها خائفة من وجود أمينة، حتما لم تغادر لعملها.
تشير لها بخوف
- هذا زميلي في الجامعة يرسل لي ملازم وأشياء دراسية.
أشارت إيمان بانفعال
-آخر حديث لكم كان ليلا، تسجيلات صوتية، هل يشرح لك المنهج أم ماذا؟
أزاحت عنها الغطاء لتقف متوددة من إيمان
-سنتحدث لاحقا يا إيمان، ليس هذا وقته، هل استيقظت أمينة؟
-وغادرت.
-حسنا، هو زميل لي في العمل والجامعة، كان يخبرني عن أشياء تخص العمل.
-اذا لتسمع أمينة المحادثات وتحكم بنفسها.
أشارت أميرة مسرعة
-لا، لا..أقسم بأني لا أفعل شيء خاطيء، فقط نتحدث عن العمل والدراسة والأصدقاء.
-اقسمي لي الآن بألا تتحدثي إليه مجددا، ما تفعلينه خطأ يا أميرة، أنتِ تتبعي خطوات الشيطان، أرجوكِ أمينة لن تتحمل صدمة منا.
قالت بلهفة لتسكتها
-أقسم لكِ بألا أعود للحديث معه..اتفقنا.
ثم طبعت قبلة سريعة فوق وجنتها وغادرت وهي تعي كذبها، لكنها لم تملك طريقا آخر.
***
تجلس الخالة فوقية جوار ايمان الصامتة، وجهها شاحب وكأنها تعاني أمرا ما.
هي لا تعرف الكثير عن لغة الاشارة فغالبية حديثها معها باشارات بليدة غير مدروسة تعلمتها من حديث اخواتها معها
وباقي التواصل بالعين، واللمس، بالتربيت والاحتضان.
عادت أميرة من العمل، القت السلام وقد بدت هي الأخرى شاحبة.
فقالت فوقية تلطف الاجواء بينما أميرة منشغلة بهاتفها، وايمان تتابع اختها بعينيها، الجو مشحون بينهم
-هل نصنع كعك الليمون، ما رأيكم؟
تحمست أميرة بشدة وقد وجدت أخيرا ما يلهي تفكيرها، وقالت
-لنعدها ونأكلها بعد الغداء، تكون قد عادت أمينة، لكن ليس لدينا ليمون.
خبطت فوقية على فخذها وقالت
-ولا أنا، كنت طامعة في أن أجده لديكم وقد نفذ رصيدي لأخبر عمكم سلامة.
قالت أميرة
-لتكن كيكة البرتقال، العم سلامة يحبه، لابد وأن لديكم برتقال.
-من شدة حبه له التهمه ولم يتبقَ سوى القشر، سنصنع كيكة قشر البرتقال.
قالت وهي تمد يدها
ناوليني هاتفكِ يا أميرة أحدثه، ليحضر معه برتقال وليمون-.
بحثت عن الرقم وضغطت زر الاتصال وناولتها إياه، فتتحدث إلى العم سلامة برسمية، وأنهت المكالمة بضحكة صاخبة لا يستطيع أحد إخراجها منها سواه.
كانت تعيد لأميرة الهاتف الذي أخذ يرن على الفور، لتظهر صورة ضخمة، صورة تعرفها جيدا..مهما مرت السنوات..
صورة جعلت قلبها ينقبض، وغيوم فاضت حولها بكآبتها القاتمة..
وجه نذير شؤم، يحل الخراب والموت فور رؤيته.
استردت منها أميرة الهاتف ولم تلاحظ أن فوقية رأت ما رأت..ولم تلاحظ اصفرار وجهها، ولا ارتجافة شفتيها.
هي نفسها استغربت من فعلته، يتصل على تطبيق الواتس آب فتظهر صورته التي يضعها خلفية لحسابه..
شعرت بالغيظ مما يحدث، فيكفيها ما حدث صباحا بينها وبين إيمان.
ضغطت الزر الأحمر تنهي اتصاله، فوجدته قد أرسل رسالة
-لقد تأخرت على العمل بسببكِ، لماذا لم توقظيني ككل يوم؟
لقد حاولت الإلتزام بقسمها لإيمان ولم تتحدث إليه، فيبدو أنه يتعجل صباحه.
أغلقت التطبيق، والانترنت عن هاتفها في دخول أمينة التي كانت لا تقل كآبة عن الجميع.


هالة حمدي غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم جنة ♥♥
رد مع اقتباس
قديم 16-02-22, 04:19 PM   #172

Hayette Bjd
 
الصورة الرمزية Hayette Bjd

? العضوٌ??? » 404791
?  التسِجيلٌ » Jul 2017
? مشَارَ?اتْي » 586
?  نُقآطِيْ » Hayette Bjd has a reputation beyond reputeHayette Bjd has a reputation beyond reputeHayette Bjd has a reputation beyond reputeHayette Bjd has a reputation beyond reputeHayette Bjd has a reputation beyond reputeHayette Bjd has a reputation beyond reputeHayette Bjd has a reputation beyond reputeHayette Bjd has a reputation beyond reputeHayette Bjd has a reputation beyond reputeHayette Bjd has a reputation beyond reputeHayette Bjd has a reputation beyond repute
افتراضي

#بطل_الحكاية
الفصل الحادي عشر
رنين الماضي يلوح في الأفق المستور سينكشف و يقلب الموازين فمن كان ظالما صار حملا وديعا يلقي احماله على من يرجوه سندا و من كان يتبجح باتهام للغير سيراه باطلا و يجلد ذاته ..
#عاليا من رداء الأنكوندا التي تخطط و تدبر و تنتقم تنفث السم و لا تبالي.. إلى رداء القطة الشريدة ترجو دفاء و طعاما..
للأمانة لم أحبها و هي ضعيفة وهي تلقي باحمالها على عبد الرحمن و تتعشم زواجا أساسه الشهامة!😩
#عبد_الرحمن يجمع المتناقضات لكن حتى لو لم يكن راضيا عن علاقته بعاليا فلن يستطيع البقاء على الحياد دوما ولا تجاهل وجودها حوله... لكن عل من نيات مبطنة هل يخطط لأمر ما قد يحمي مصالحه في العمل بما انه أصبح المسؤول حتى ان أشغال عاليا! 🤭
#أمينة أظن أنها كانت شجاعة كفاية بحضورها الزفاف غير ذلك هو جلد للذات ربما الوضع لايسمح بالتخلي عن عملها لكن ربما هي تراه من منظور آخر... بشكل او بآخر هي تؤمن أن زواجهما غير عادي و لم يكن أساسه هياما او حبا 👀
#سالم الغرق بارادتك رثاء الذات الحنق على العالم .. ضعف البصيرة قلة الإيمان هو ما جعله يهوي فجأة ... لكن مابعد الكسرة الا جبرا .. رغما مقته ولتصرفاته الغير مبالية بمدى اذيتها للآخر و تجبره كمن يريد حكم الأقدار بين يديه .. السطل البارد من إيمان كمن غسله من الداخل من الجيد انه ارتدع و لو مؤقتا في انتظار إلى ما سيؤول اليه حاله..
#إيمان هي تلك النقية التي ظهرت من قعر المعاناة هؤلاء هم من يبصرون الحقائق و يدركون حسن الأمور .. يضع سره في أضعف خلقه ❣
Hala Hamdy تسلم الأيادي تحفة 😍😍😍

هالة حمدي likes this.

Hayette Bjd غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-02-22, 07:51 PM   #173

هالة حمدي

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية هالة حمدي

? العضوٌ??? » 416048
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » هالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة hayette bjd مشاهدة المشاركة
#بطل_الحكاية
الفصل الحادي عشر
رنين الماضي يلوح في الأفق المستور سينكشف و يقلب الموازين فمن كان ظالما صار حملا وديعا يلقي احماله على من يرجوه سندا و من كان يتبجح باتهام للغير سيراه باطلا و يجلد ذاته ..
#عاليا من رداء الأنكوندا التي تخطط و تدبر و تنتقم تنفث السم و لا تبالي.. إلى رداء القطة الشريدة ترجو دفاء و طعاما..
للأمانة لم أحبها و هي ضعيفة وهي تلقي باحمالها على عبد الرحمن و تتعشم زواجا أساسه الشهامة!😩
#عبد_الرحمن يجمع المتناقضات لكن حتى لو لم يكن راضيا عن علاقته بعاليا فلن يستطيع البقاء على الحياد دوما ولا تجاهل وجودها حوله... لكن عل من نيات مبطنة هل يخطط لأمر ما قد يحمي مصالحه في العمل بما انه أصبح المسؤول حتى ان أشغال عاليا! 🤭
#أمينة أظن أنها كانت شجاعة كفاية بحضورها الزفاف غير ذلك هو جلد للذات ربما الوضع لايسمح بالتخلي عن عملها لكن ربما هي تراه من منظور آخر... بشكل او بآخر هي تؤمن أن زواجهما غير عادي و لم يكن أساسه هياما او حبا 👀
#سالم الغرق بارادتك رثاء الذات الحنق على العالم .. ضعف البصيرة قلة الإيمان هو ما جعله يهوي فجأة ... لكن مابعد الكسرة الا جبرا .. رغما مقته ولتصرفاته الغير مبالية بمدى اذيتها للآخر و تجبره كمن يريد حكم الأقدار بين يديه .. السطل البارد من إيمان كمن غسله من الداخل من الجيد انه ارتدع و لو مؤقتا في انتظار إلى ما سيؤول اليه حاله..
#إيمان هي تلك النقية التي ظهرت من قعر المعاناة هؤلاء هم من يبصرون الحقائق و يدركون حسن الأمور .. يضع سره في أضعف خلقه ❣
hala hamdy تسلم الأيادي تحفة 😍😍😍


حبيبتي يا توتة..
ربنا يبارك فيكي ويسعدك..
ريفيو جميل وممتع جدا، دايما بستنى رأيك..متحرمش منك ابدا


هالة حمدي غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم جنة ♥♥
رد مع اقتباس
قديم 16-02-22, 07:54 PM   #174

هالة حمدي

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية هالة حمدي

? العضوٌ??? » 416048
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » هالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شمسالحياة مشاهدة المشاركة
الفصل العاشر
فصل ولا اروع وعودة للواقعية متجوز ملكة جمال ياعبد الرحمن وانت زيك زي اي راجل وقعت ومحدش سمى عليك مقدرتش تمسك جماح نفسك وربنا يستر بعد امتلاك عاليا ليك بالكامل مش العكس كما العادة بالنسبة لرجل وامرأة
محمد في حالة من فقدان الإتزان وأميرة متعرفش حاجه عن معاناته النفسية وربنا يستر
سالم وما ادراك ماسالم بيفكرني بأحمد رمزي الممثل القديم وهو بيستنى البطله قدام باب المدرسة ألعوبان
إيمان أكتر شخصية حبيتها في الفصل وهي بطلته بالنسبة ليه انسانة محترمة متربية موهوبة قنوعة
شابوه كالعادة حبيت


حبيبتي يا شوشو
يسلملي ذوقك يا غالية

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عزيزات مشاهدة المشاركة
شخصيات محبوبة رغم عقدها و احداث واقعية جدا . اما وصف المشاعر والاحاسيس حميمي . و الحبكة غامضة لم تتضح بعد . انا صراحة حبيييييييتك انت و رواياتك بالتوفيق ان شاء الله😍😍
ربنا يحبك حبيبتي
ممنونة لتعليقك الراقي


هالة حمدي غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم جنة ♥♥
رد مع اقتباس
قديم 22-02-22, 09:10 PM   #175

هالة حمدي

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية هالة حمدي

? العضوٌ??? » 416048
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » هالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثاني عشر

تستوقفها العاملة بتربيتة حانية فوق كتفها فتلتفت نحوها، تمنحها علبة قطيفة وتشير إليها بأن أحدهم طلب منها إعطائها لها..
التقطت العلبة من يديها، تعبر البوابة لتخرج من مدرستها، تتلفت حولها لربما تجده، فهو أول من طرأ على خاطرها..
تضع العلبة في حقيبتها، وكغير عادتها تتمشى حتى المنزل..
الطريق طويل، هي تعلم ذلك، أرادت أن تنفرد بمشاعرها وتنطلق سيرا على قدميها، تقترب من الرصيف لتسير فوقه وكأنها ريشة تلامس الأرض بخفتها..
ربما هي السعادة التي منحتها هذا الإحساس..
تنبض الهدية في حقيبتها..تدخل يدها تحاول فتحها دون أن تخرجها أثناء سيرها..
تتحسسها ببطء..
وما إن فُتحت أخرجت هذا الشيء الرفيع إلى النور..
تشهق بسعادة..
تتوقف خطواتها..تتسع ابتسامتها..قلم للرسم، سنه فاحم مكتنز..
لحظات واهتز هاتفها لرسالته
-لم أتمنى سوى تلك الابتسامة إيما، شكرا للقدر الذي منحكِ فكرة السير على الأقدام حتى المنزل.
لم تتلفت، فهي على يقين بأنه قريب..جدا..منها..
تتابع قراءة رسالته
-في المرة المقبلة سأحضر لكِ حقيبة صغيرة من الأقلام الرصاص والفحم..سأتابع لوحاتك على الواتس، أنا مهتم بذلك.
وضعت الهاتف ثم أخرجت العلبة..وبالقرب من مكب نفايات على الطريق، ألقت هديته بها على مرأى منه..
تراقب الطريق جيدا لتعبره..ومنه إلى المنزل.
***
تطرق مكتبها برؤوس أصابعها بتردد يعكس أفكارها، لم تشعر بالراحة وهي تفشي سر عاليا له، ولم تستلذ بجهله وغضبه.
هي لم تقتنع بكلماته عندما نهرها
-ماذا لو بلغ أحدهم عنك، أو رآهم أخواتكِ في حقيبتك؟
متجاهلا كونها ممرضة واحتمالية حملها للأدوية أمر طبيعي.
لازالت تتسائل حتى الآن، هل هو حريص عليها، أم يزود عن زوجته حتى لا تدمن؟
يقتلها قلبها الهش نحوه، أصبحت نجمة باهتة بحضوره وغيابه بعد أن جعلها متوهجة مشرقة لأيام.
تسند ذقنها بيدها، وأفكارها باتت كخيوط العنكبوت الواهنة فوق قلبها المهجور.
عليها أن تتوقف، أن تسير كما المعتاد بعملية متخطية أي عقبات لأجل استمرار حياتها لأجل أخواتها.
مئات الأشياء العالقة برأسه..وعلى رأسهم هي..يمر من أمامها ليدخل مكتبه
وخزات ضميره أعلى من أن يسكتها..
لهفتها عليه واضحة وضوح الشمس..
وهو الذي تزوج..ويحرم عليه أي مشاعر تبقت لها عنده..
ويحرم عليه تعليقها به..
ويحرم عليه طردها..
يمسك رأسه متألما فور جلوسه على مكتبه..عله يوقف هذا الصراع.
تمضي الأيام وقد أنهكته وبات عقله كالمركب المنخور، لاهو قادر على إصلاحه، ولا ركوب الأمواج بعلته.
يتنصل من تعاسته المحتومة فحالما يلتفت هنا يجد ركام أمينة، وهناك سعير عاليا.
تمضي وتمضي وهو بين حواجز تطبق حول صدره بروح متسولة للحياة.
***
يراها وهي تقتحم طابور الخبز لتحصل على حصتها من البطاقة التموينية، تدفعها هذه، وتؤخرها تلك..حتى استقرت في مكانها في الطابور واستقامت وقفتها.
يراقبها عبر مرآة سيارته التي صفها أمام سمكري السيارات يزيد من عجلات سيارته..
وعندما انتهى طلب منه تزويد باقي العجلات.
لقد مر من هنا عرضا..وفي أقل من دقيقة كان يمسح المكان بعينية بحثا عن حجة للوقوف هنا، بعيدا عن أنظارها، قريب من نظراته.
تطوي حقيبة قماشية وتضعها تحت إبطيها، وتمسك بكفها البطاقة..
يحمد الله بأن الطابور طويل، سيسمح له الزمن باقتناص النظرات لها على مهل، دون المتعجلة التي يخطتفها أمام مدرستها.
ترتدي عباءة لا تحدد ملامح جسدها..باللون الأسود ..
يمر الوقت ببطء لذيذ..تتسارع فيه نبضاته بشغف، يتمنى لو اقترب أكثر وتنفس ذات الهواء المحيط بها..
ترفع الحقيبة تضعها فوق رأسها لتحميها من الشمس التي توسطت المكان فاشعلت الطقس بحرارة عارضة.
تقف متململة في الطابور، تلعن نفسها لأنها تأخرت حتى هذا الوقت لتجد هذا الزحام..
تهز ساقها بملل وتحمد الله أنها وجدت مكانا فيه..رغم ما تعرضت له من النساء، إلا أنه أفضل بكثير من أول مرة.
دفعة بسيطة لتتخلى عن مكانها، أفضل من غضب إحداهن واشعال خناقة قد تستمر لساعات بتعطيل الفرن للخبز، وقد تنتهي لشجار بالأيدي.
انتهى العامل من نفخ جميع العجلات..وبات وقوفه هنا لأكثر من ذلك سيثير التساؤلات.
نزل من سياراته، يخرج محفظته ليحاسبه..وإذا بصراخ يأتي حيث مكانها.
التفت تلقائيا نحو الصوت، يتمهل..يبحث عنها بعينيه حول الشحار..
وصدم عندما وجدها بداخله، امرأة تصرخ فيها
-لقد سألتكِ خمس مرات هل هذا دورك، هل أنت آخر الطابور..وتتجاهليني، ابنة من أنتِ كي تتجاهليني؟
تخبطها في كتفها، تتبع كلماتها بتلامس منفر لإيمان، تسبها..
ولحسن الحظ أنها لا تسمعها..
لا تغفل عن حركات فكها، ولا ضمة شفتيها التي تنعتها بالصماء، وانفعالاتها ولمساتها الغاضبة..
تندفع للوراء إثر ضرباتها حتى أخذت مكانها..
يراقب ما يحدث بانفعال جارف، لم يشعر إلا وساقيه تسابقان الريح حتى وصل إليها، يستوقف السيدة التي بدأت الشجار
-صلي على النبي يا خالة، هي لم تسمعك، لم تقلل من شأنك ولا شيء.
يجذب إيمان من الطابور ويأخذ منها البطاقة لينهي ما حدث، ويقف في طابور الرجال الذي كان فارغا يطلب لها ما بداخل البطاقة جميعها، ولا يعرف بأنها تملك مخزون كبير من الخبز..
تقف فاغرة فمها مما فعل، تنظر يمينا ويسارا..ما حسن صورتها قليلا أن هناك رجال تدخلوا مثله من أصحاب الفرن..
بينما هي لم تتحدث، ولم يصدر عنها إشارة واحدة ليتبين لهم أنها لا تسمعهم أو لا تتحدث.
فوجيء بكميات من الخبز كبيرة، يناوله الخباز قفص مملوء بالخبز يتلوه الآخر والآخر ..
وهي تراقب ولا تتحدث، فحقيبتها لن تحتمل هذه الكمية..
يحمل الأقفاص يضعها على حامل تابع للفرن لتهويتها، حتى امتلأ الحامل جميعه بخبز إيمان وأخواتها ..
أشار لها بأن تقف أمامه حتى يعود..وللغرابة..تحدث إليها بلغة الإشارة بطلاقة..
متى تعلمها..بل أتقنها!
لحظات وعاد إليها بأكياس بلاستيكية يقوم بتعبأة الخبز لها بسرعة بعد أن هدأت حرارته..وهي لا تزال صامته..لم تتحدث إليه ولا بهزة رأس.
انتهى مما يفعل..أشار لها بأن تنصرف..وفعلت.
وعندما غادرت بأمان..صاح في تلك السيدة
-ألا تملكين ذرة رحمة..هي صماء، لقد أهنتها ودفعتها فكادت أن تسقط، لو كانت ابنتكِ هل تتمنين أن يحدث ذلك معها؟
حاولت السيدة الرد عليه إلا أنه وبهيئته التي تشبههم ظنته أخيها فلجمت لسانها..صاح فيها منصرفا
-من لا يرحم لا يُرحم.
غادر وهناك من يشيد بفعلته، ومن يتهمه بالتدخل فيما لا يعنيه، لكن اجتمع الكل على مروءته..ورفقه، بفتاة صماء..
ركب سيارته يشعر بضيق يكتم على صدره، كم عدد أصحاب الإعاقات في بلده يعانون مثل إيما..؟
هي مختلفة..لا تقللها إعاقتها في نظره..بل يراها مميزة..
إيما ليست بالضعف الذي رآها به اليوم..ليست هي من حدثته بجرأة وأهانت صنيعه..وتذمره..
إيما تعاني شيئا ما يجهله..
وجد نفسه يركن سيارته..يفتح هاتفه..يتحدث إليها وقد عهد إلى نفسه بعدم مهاتفتها مجددا..
-هل عددت الخبز؟
تفتح رسالته فور دخولها للمنزل، تضحك، هو يشير إلى كثرته
-هل ستأكلونه وحدكم أم أن هناك عزيمة؟
تتسع ابتسامتها، حقا لم تتوقع شهامته اليوم..وهو يبدو كأحد المارة المتورط في فض مشاجرة..تصرفه لم يتسبب لها بجرح أو اتهامات..لا تصفه إلا برجولة.
-لماذا تركتها تتصرف هكذا معكِ يا إيما؟
تخفت ابتسامتها..هل تخبره بأن أحوال أمينةتؤرقها، أم تخبره حال أميرة الذي يغضبها..
-هل خفتِ؟
أم تسأله كيف أتى إليها لينقذها في هذا الوقت، هل يراقبها؟
متأكد بأنها لن تجيبه..
يقسم على ذلك..
لكنها ترى رسالته..هل يعقل بأنها انتهت من تفريز الخبز..حتما لن يأكلوه كله اليوم..
ينظر إلى الطريق أمامه يفكر في سؤال آخر ، فلم يسعفه عقله..حتى انطفأ الهاتف بيده..يكفيه أنها قرأت رسالته..
يستمع لصوت استقبال رسالة، فنبض قلبه..يفتحها ..يرى مرسلها..فلا يسعه الكون بفرحته..إنها إيما ..تجيبه..
-شكرا لك.
***
فور أن اختلت بنفسها ليلا ..غالبها حنين نحوه جعلها تدلك مؤخرة عنقها بتعب.
تنظر إلى إيمان التي غفت..
تتنهد بملل..
تجذب الهاتف، وتفتح الإنترنت لتتوالى الرسائل على مفترق الساعات
-لقد استيقظت، أنا في طريقي للعمل.
-يبدو أن رصيدك نفذ.
-أشعر بالقلق حيال عدم ردكِ يا أميرة، هل أنتِ بخير، أجيبي علي برسالة واحدة، قولي بأنكِ بخير وانكِ منشغلة وسأصمت.
كانت تلك الرسالة في منتصف يومه وهو يعمل، ألهذا الحد تشغل تفكيره؟ .
تغلق ضوء الهاتف وتسنده فوق صدرها..
تساورها وساوس
-مرة واحدة.
-أخبريه أنكِ لن تستطيعي محادثته مجددا.
-ماذا لو أخبرتيه بتعلقك به؟
تنهيدة حارة من شفتيها تركتها تبرد جوفها وقد تخطت مشاعرها تجاهه الإعجاب .
يخفق قلبها بقوة، تمسك هاتفها وترسل له رسالة
-محمد، لا اعرف كيف أخبرك أن ..أني لن أتحدث إليك مجددا، لقد رأت الخالة فوقية جارتنا صورتك وأنت تتصل بي، وقد رأت إيمان محادثتنا، لقد عجزت عن سماع التسجيلات لكنها شعرت بشيء غير طبيعي بيننا.
أرسلت، وشرعت تكمل برسالة أخرى، فقاطعها
-ليس هناك شيء غير طبيعي بيننا يا أميرة.
-حديثنا معا خطأ يا محمد، لقد انسقت خلف مشاعر في مهدها نحوك ولم أستطع التوقف لولا نهرتني إيمان، وعندما رأتك خالتي شعرت بأني أخفي شيء إذا أنا أخطيء، لو كان حديثنا سويا صائبا لما شعرت بالخوف.
-اعذرني يا محمد لا تحاول الحديث معي مجددا، نحن زملاء دراسة وعمل.
-العمل أصبحت لا أراكِ، والدراسة لازال هناك وقت حتى الاختبارات، كيف اطمأن عليكِ؟
يحاول جذبها للحديث، طالما ستكون الأخيرة، فلتكون طويلة مرضية
-صديقة أمي كان اسمها فوقية، أين كانت تسكن؟
أخبرته عن مكانها وقد شغلها تجاذبه الحديث عن الاهتمام باسئلته، بينما هو أزاح أمر خالتها عن عقله رغم تطابق مكان سكنها مع سكن صديقة أمه.
هو لا يريد أن يتذكرها الآن، لا هي ولا صديقتها.
يستغرب تلك المشاعر واللهفة التي يتحدث بها، وكأن روحه ستفارفه
-علي أن أغلق الآن.
-أرجوكِ يا أميرة لا تفعلي، لقد ارتحت في الحديث إليكِ وتعلقت بكِ.
دغدغة أعلى بطنها أشعرتها بالنشوى، لقد تعلق بها.
-الله يعلم كم سيؤلمني ذلك، لكن اعذرني يا محمد، اعذرني، إلى لقاء عساه قريبا.
ثم أغلقت هاتفها تماما، ممتثلة لأوامر إيمان الصغيرة.
**
تمشي وسط زميلاتها، تركب معهن
الحافلة..
ليس كعادة الأيام اكتظاظا، ربما لقرب الإمتحانات فبات معظم الطلاب غائبين..جلس جميع صديقاتها ولم يتبق سوى كرسي واحد ظلت تقاوم السقوط حتى وصلت إليه ..
في العادة كان يسندها الركاب بأجسادهم فلا تسقط..أما الآن وهي تسير داخله وهو شبه فارغ..فتشعر وكأنها ورقة في مهب الريح..
عندما وصلت لمقعدها سقطت بقوة فوقه حتى ارتج مقعد الجالس جوارها..
لحظات مرت بعد أن استكانت..
بيتها يبعد محطتين عن المدرسة..رائحة غريبة تسللت لأنفها..ليست رائحة الكادحين التي اعتادتها..إنما رائحة أحدهم وكأنه استحم للتو..نظرت بجانب عينيها على بنطال الجالس جوارها..وحذاءه..
يخفق قلبها مرتجفا..
ترتفع بنظرها قليلا دون أن تلتفت برأسها ..
تنظر بجانب عينيها إليه ..
تراه ينظر إليها ..ترى..منذ متى!
تلتفت برأسها نحوه ببطء..وقد تيقنت من أنه ..هو..سالم
***
أهداه القدر اليوم مصادفة لم يرتبها..يعلم بأن الأتوبيس سيمر بمدرستها..لكن أقصى ما تمناه هو رؤيتها وهي خارجة من مدرستها وقد أقسم على عدم التعرض لها مجددا.
لقد قرر الإبتعاد حتى يقيم حقيقة مشاعره تجاهها، لا يضمر في نفسه شرا أبدا ..
وها هو القدر يخبره بأنه مهما ابتعد عنها سيقربه منها..
عطل سيارته أجبره على ركوب الأتوبيس وشعور الحنين يجتاحه للأيام الخوالي ذهابا وإيابا من مدرسته.
ينظر إليها وعلى وجهه ابتسامة هادئة زادت من مرح وجهه..
سهل هو..غير معقد..منبسط الوجه والقول..اتسعت ابتسامته وهو يراقب عينيها التي تتأمله بجانبها..بينما هو يتأملها بكله..ولو كان أحد يراقبهم لأقسم على حبه لها..
تلتفت شيئا فشيئا نحوه..فتنتشلها عينيه السوداء من شتاتها..لتعدها بالأمان..تنزل بنظرها على شفتيه المرخية بابتسامة سلبت ترددها لتسقط صريعة على عتبة ثقتها فيه..
يسقط بنظره على صدرها الذي يخفيه حجابها..لكن ارتفاعه وانخفاضه بسرعة وشى موقفها وشرح ما يحتجزه عجزها عن البوح به..
هواء النافذة على وجهه..جعله يسافر معها إلى المالديف وهي لازالت على كرسيها جواره..ترفع حاجبيها وكأنها تتحدث معه..
لمعة مع بريق مر سريعا بعينيها الناطقة تخبره بأنها تحتاجه..
انمحت ابتسامته مع ارتجافة ساقيها جواره..
انعقد حاجبيه بقلق وهي تمنع عنه نور عينيها مستعدة للرحيل..
شعر وكأن أحدهم يسحب عنه أسلاك موصدة بجسده لتبقيه على قيد الحياة..
يتجرأ على لمس كفها التي تقبض على محفظتها..
شهقت وارتعدت كفها ترغب في إفلاتها..
إلا أنه تمسك بها..يضغط عليها ومشاعر غريبة تجتاح صدره فيملأه بالهواء ليساعد على انعاشه..
لازال حاجباه منعقدين وعينيه فوقها..سيتألم من فراقها..يتوسلها البقاء..
قريبة منه للحد الذي لو تعرقل الأتوبيس في مطب..للامست ساقها ساقه..
يضغط ويضغط على كفها حتى نست مكان نزولها..
نست الزمان ..رؤيته عن قرب بتلك المسافة جعلها ترى جمال روحه..
ليست الروح الجامدة الخاوية التي يتحدث بها معها..
إنما لغة..وروح جديدة..هو نفسه يكتشفها معها..
يفلت يديها ببطء خوفا عليها من جنونه..يشير إليها بيده بأن هيا..غادري..
ففعلت كما قال..كالتائه في صحراء..وأخيرا وجد دليله...
***
مر شهر دون أي حديث أو رؤية، يشتاقها لدرجة مؤلمة، يهادن رغبته في وجودها بالاستماع إلى تسجيلاتها الصوتية، يشعر بالحنين لذاك التسجيل الذي قامت بمسحه تخبره بشوقها له.
عليه الآن الاعتراف بحبه لها وقد تسللت إلى عروقه فأدمن اهتمامها.
مرت الأيام الأولى عليه كسلحفاة بائسة، وكلما بعدت المسافة زاد الألم والشوق.
مستلقيا على ظهره فوق سريره وصوتها يتسلل دافئا في غرفته، ملهبا مشاعره، مؤججا شوقه، يراجع رسائلها كما لم يراجع دروسه.
يأخذه اهتمامه إلى صورتها التي تغيرت للتو، تبدو وسط أخواتها متوهجة شهية، يتأمل الصورة جيدا ليرى سيدة تقف خلفهن توازيهن طولا.
خفق قلبه بعنف، يدقق النظر..
إنها هي، فوقية..
صديقة أمه..
يعتدل من نومته متمسكا بهاتفه مندهش من معرفتها لأميرة.
ترك هاتفه يشرد في فراغ أفكاره، تتوالى الترتيبات في عقله.
أيذهب لصديقة أمه بحجة زيارتها!، كيف ولا شيء يجمعهم حتى البِر!
يذهب ربما يمنحه القدر صدفة يروي ظمأه لرؤيتها؟، لكن..كيف يتحامل على ذاك الغضب الذي يتغذى عليه كل ليلة من أمه وغدرها.
لا يستطيع نسيان تلك النظرة التي قذفته بها فوقية يوم وفاة أمه وكأنه من تسبب في وفاتها لا غيها وفجورها.
يضع كفه خلف رأسه بين حنين لأميرة وكره لكل ما يمت بصلة لأمه .
يمكنه الذهاب لرؤيتها في العمل أو في الجامعة رغم ندرة ذهابه، لكن في منزل فوقية قد تجمعهم جلسة وحديث وربما غداء..لن تكون زيارة واحدة ربما أكثر..
فوقية ستكون باب الحظ الذي ما إن يفتحه ستتوالى عليه اللقاءات.
مجرد التفكير فيها يزيد من ضربات الشوق في فؤاده، يزيد حماسته وتعلقه بالحياة، يجعله مندفعا لا يخشى شيئا حتى لو مواجهة باهتة لن يطيق محاورها لكن..أميرة تستحق.
عزم أمره، لقد أوصلها بالقرب من بيتها ذات مرة، ولو سأل عن عم سلامة حتما سيدله الكثير.
يزيح غطاءه عنه، اليوم الجمعة والجميع ملتحف ببيته حتما، الثامنة مساء وقت مناسب للزيارة، يحث الخطى نحو حمامه ليستعد للمغادرة، تأنق كعريس، نسب المخاطرة النصف بالنصف، قد يذهب ولا يرى أميرة لكنها ستكون خطوة تتبعها خطوات.
***
-أنا لن اترككِ يا عاليا، سأحيل حياتكِ إلى جحيم، لن تهنئي بمن حسبتيه أمانكِ وحمايتكِ.
تركت الهاتف من يديها بهلع..
تجوب الأرض ذهابا وإيابا..وعندما ارتعشت ساقيها وما عادت قادرة على حملها سقطت أرضا متربعة..تضع كفها على فمها تهدأ من اهتزازه..
ينتفض جسدها برعدة كمن يسلب روحه ملك الموت..
وقد أصبحت كالأموات في لحظة وضحاها.
تكاد تقتلع شعرها من منابته وقد أصابها الجنون، وبلغ التيه منها مبلغه..
-ماذا يريد مني..ماذا..لقد..أنا ..أنا أكرهه ..أنا لم اؤذِ سلمى.. ليس لي ذنب فيما حدث لها.
وتبكي بحسرة وخوف..تحتضن نفسها بكفيها، تزداد عينيها اتساعا..تشعر بتسارع دقات قلبها..رغم انحباس أنفاسها ..
تصارع لالتقاط نفسا يصلها بالحياة..
حرارة تغزو جسدها فباتت تعرق من كل جزء منه..
تلجأ لعلبة دوائها ترتجي الهدوء تنهل من حباتها، أفكارها متخبطة يسوقها الخوف.
تميل بجسدها إلى الوراء ليصطدم رأسها بالأرض فيمر عليها الوقت ولا تعي سيره إلا بذاك التركيز الذي أضاء عقلها، فعدَّلت من وضعيتها تمسك هاتفها تقربه من أذنها
-أريد أن أعرف هل هذا الأسم ما زال في محبسه أم لا؟
-لا بأس خذ وقتك، المهم أن تعود لي بالخبر اليقين.
دفعت خوفها جانبا أمام هلع دائم سيقتات على روحها، لابد وأن يتوقف هذا الألم..لابد..
إن كان هو فلتستعد لمواجهته، هي لن تدخل معركة دون تدشين، وإن لم يكن ستجد الفاعل وتحرمه لذة النوم كما فعل معها، فتقليب ماضيها الآن لن يجعلها تهنأ بانتصارها.
انتفاضة قوية أصابت جسدها وهي تستمع لصوت إغلاق الباب واقتراب عبد الرحمن منها..
يرمق وجهها المثخن بالأفكار، شاردة في شيء جديد، وربما خطة جديدة.
كلمات محمد تتردد برأسه تؤكد له على أنها شيطانة صغيرة، قادرة على الإساءة لأي أحد وفقا لما تحتاجه، وتحقيق ما تريده.
تركض نحو الحمام ..فيسير خلفها ويستمع إلى تقيؤها وهو بالخارج..
ينتظرها بغرفته ، يجلس فوق السرير..حتى تنتهي..يشعر بأن قدرته على رؤية وجهها نفذت..
غير قادر على تحمل متناقضاته أكثر من ذلك.
تمسح وجهها بعد أن غسلته..تقترب منه وقد بدت اهدأ قليلا رغم وهنها، تحتضن خصره
-مرحبا.
هو لم يلقي السلام منذ دخوله، لا يريد حديثا يجمعه بها، ممتن لما يحدث معها لتتوقف عن العبث معه.
لم تتحرك عاطفته نحوها منذ لقاءهم الوحيد، وجد نفسه ناقم على جسده وكيانه، لم يتمتع بها بينما المتعة تكمن في الروح لا الجسد.
لمسها له بات منفرا لا يطيقه.
قام مبتعدا عنها يدعي الجوع فيخرج صوب المطبخ محتميا بجدرانه مبتعدا عنها بصمت يغلفهم.

وعندما عاد وجد جسدها مرتخيا..
رأسها للخلف ليرى التحام جفونها..
يرمقها من مكانه بضيق، هي مجموعة من التناقضات!
مجموعة من العقد والتعقيدات!
يعبأ صدره بالهواء الذي انعدم في وجودها..
لا يشعر بالسعادة وهو يراها هكذا، لا يشعر بالتشفي رغم ما فعلته به..
شفقة خالصة هي ما يشعر به نحوها..يبحث في أسباب وصولها لهذا الحد ولم يجد سوى إجابة واحدة..
عاليا تعاني خلل نفسي..هي مريضة ولا يعلم هل مرضها يرجي برؤه، أم ستظل هكذا إلى وقت لا يعلم مداه.

هو بالنسبة إليها مصدر الأمان الذي ادخرته لنفسها لتكافيء نفسها بعد طول معاناه..
يقترب ليمسح عن شفتيها العرق ثم قام يغلق الضوء..والباب..والأمس.
***

وصل سريعا بدراجته، لحظات وكان يطرق باب فوقية بينما عينيه متعلقة بمنزل أميرة، وقلبه يخفق بشدة، متلهف لسماع أي شيء من بابها المصمت.
لا يُعد كلاما لفوقية ولا يتخيل استقبالها، قدميه سبقت تفكيره يحمل قلبه على عجل ويأتي حيث وجود روحه.
-مرحبا.
يحك أنفه ملتفتا لمن فتحت له، فتاة ضئيلة الحجم، بوجه مشرق، فقال بأدب
-هذا منزل عمي سلامة وزوجته الخالة فوقية.
ردت أمينة بخجل
-أجل، من يريدها؟
-محمد، أخبريها محمد ابن صديقتها ستعرفني على الفور.
-لحظة أخبرها.
التفتت أمينة تعود أدراجها لتخبر خالتها بالضيف، وما إن فعلت حتى بهت وجهها وتبدلت ملامحها، تتساءل عن صحة ما سمعت، تمشي نحو الباب تحثها دهشتها وضيقها.
حتى وقفت بعيدا عن الباب تنظر إليه وينظر إليها، دخل دون دعوة متوجها إليها يمد كفه نحوها
-مرحبا خالتي.
بينما الجالسة على الناحية الأخرى تقف وتهمس باسمه، وإيمان تقف مصدومة، أنه هو، محمد الذي كانت تتحدث إليه اختها، فقد تأكدت من هجرها له بعد آخر محادثة تلصصت عليها بينهم، ما الذي يربطه بالخالة فوقية.
وأمينة تقف لا تفهم شيء مما يحدث، من هذا الضيف الذي قلب حال الجميع وقد كن يجلسن بمرح أنساها همومها.
ما إن غادر عم سلامة لغوث أخته المريضة، حتى جئن للمبيت معها ثلاثتهن.
وكأن ما يحدث يصور بطيئا بطيئا، كلا مع اختلاجاته، ما يؤكد هذا البطء هو عدم مد كف فوقيه نحو يده.
تنظر فوقية لهالته المتوهجة كخاطب آت إلى إحدى فتياتها، داخلها صراع.
هل تجذبه نحوها تحتضنه لتشم رائحة صديقتها فيه؟
أم تصفعه كونه سببا في موتها؟
أم تكرهه لعلاقته بأميرة التي لا تعرف مداها وإلى أين وصلت، تنتظر حديث أميرة معها، وغير ذلك لا يمكنها التدخل.
فخرج صوتها باردا تعف عن ضم كفيه إليها
-مرحبا يا محمد، كيف حالك؟
غلبها كرمها وهي تدعوه للدخول غرفة الضيوف
-تفضل
هممن البنات للمغادرة، فوقفن أمامها معتذرات، فتعلقت عينيه المتلهفة بعيني أميرة التي ذاب لرؤيتها فتحمل معاملة فوقية الخالية من الذوق، قال
-كيف حالكِ يا أميرة؟
قرأت إيمان ما قالته شفاهه، ولاحظت نظرته نحو أميرة، فبدأ الخوف يتسلل إليها ، تدعو الله في سرها
-ليس الآن يا رب، ليس بعد عدولها عن الحديث معه، سترك يا رب
قالت أمينة بابتسامة لطيفة تخفي قلقها
-هل تعرفينه يا أميرة؟
قالت مسيطرة على توترها ولازالت عينيها عليه تنهل من وسامته الزائدة
-أجل، محمد زميلي في الجامعة، والعمل، لقد أشرفت على تدريبه في العمل، مرحبا محمد.
شعرها الأشقر الذي رآها أول مرة به، الآن مبعثر بعشوائية برية، بينما حجابها مستقر حول عنقها بانسيابية، شفتيها البريئة تتحدث بثبات، بينما عينيها متعلقة بعينيه تسرد حقائق، وتخفي مشاعر فاضت بلمعة مرقت فوق بياضها.
مد يده نحوها بعد أن رحبت به، فصافحته، احتوى كفها بتمهل يتذوق تلك الرعدة التي سرت بسخونة فوق جسده ومنحته حبات عرق لمعت فوق جبينه العريض.
دافئة رغم البرد، غضة رغم ضآلتها، مرت اللحظات سريعا للجميع، بطيئة عليهم وهي مقتربة منه مسافة المصافحة، يضغط برفق فوق كفها، لا يتحدث وعينيه تفيض بالكلام، يخبرها بشوقه، وألمه، يخبرها بأهميتها في حياته، وهي تتسلم تلك العطايا بخجل وذهول.
لم تتخيل أن فراقها له سيكون له ذلك التأثير على وجهه، لابد وأنه خطط للمجيء، لحيته المهذبة تدل على ذلك، عدم تفاجئه برؤيتها، لقد رسم السيناريو في عقله، ومن حظها تحقق.
فقد اشتاقته حد الوجع، صبرت على الفراق لتحفظ نفسها وكلمتها لأختها، شعرت بأنها لو تمادت معه لربما أخبرته بحبها ولهفتها عليه، هذا الرمادي الوسيم.
مهلا، اليوم هو لامع، سعيد، هالة السعادة تلك بددت قتامته ورماديته.
عينيها لا تخطىء، هو يحبها وهي كذلك.
تنحنح مبتعدا ليحافظ على القليل من اللباقة، يشعر برغبته في المكوث بينهن وقت أطول، لا يتعجل وحدته، شعر بألفة بينهن لم يشعرها من قبل مع أحد .
-ابقوا بالغرفة يا أمينة لا تغادرن، لا يصح..أنا وحدي بالمنزل.
رغم جفاف قولها إلا أنه لن يغادر، سيكون ثقيل الظل عليها دوما ولن تكون زيارة واحدة، اليوم لها، غدا للعم سلامة، بعد غد للسؤال عن أخته وسلامتها، حتى ولو ركلته فوقية خارج منزلها سيتحملها في سبيل رؤيته وحديثه..وسلامه لأميرة.
خرج ثلاثتهن شاعرين بكره فوقية لضيفها متسائلين عن السبب.
فعلن مثلما أمرت، وتركوها منفردة بضيفها.
***
جلس أمام فوقية التي تجهم وجهها وهي تمنحه نظرة صامتة، يحافظ على توازنه في مواجهتها مترقبا، لقد نال ما تمناه مبكرا هل يغادر الآن؟
ربما تمر من هنا، أو من هناك، يلمح طرفها وهي تقدم له شيئا، يخفض وجهه أرضا وقد بدا كمتلصص على الحرمات.
-هي سبب مجيئك؟
لقد ضبطته بالجرم المشهود فقال
-هل حدثتكِ عني!
قالت بقرف يقطر من كلماتها
-ماذا تريد منها؟
هذا سؤال لم يمر على أفكاره المزدحمة بشغفه لتهدأة وجع اشتياقه، لقد اعترف بحبها بينه وبين نفسه، لكن ما بعد ذلك..فلم يفكر بعد.
أجابها صمته وقلقلة حدقتيه، فقالت بحدة
-ابتعد عنها هي ليست كفتيات هذه الأيام ، ليس لها في لوع أو دلال، ابنتي كالسيف.
لماذا يشعر بأن أميرة حدثتها عنه، قال بتمهل
-هي لا تتحدث إلي، هي زميلة جامعة وعمل كما قالت منذ قليل.
-ولماذا اتصلت بها منذ فترة، هل بين الزملاء مكالمات ومواعدات.
للمرة الثانية التي يؤنبه أحدهم لأجل أميرة.
ماذا تملك تلك الفتاة ليدافع عنها الجميع هكذا وكأنه وحش يوشك أن يفترسها.
تجاهل حديثها ليقلب دفة الحوار قائلا
-لماذا أشعر أن هناك نية مبيتة لمهاجمتي، لقد جئت للسؤال عنكِ.
-لم تفعل ذلك في حياة أمك.
تبدلت ملامحه على ذكر والدته.
ضايقها ما رأت من تبدل ملامحه فقالت بحدة وصورة صديقتها وحدها فوق سريرها وقد قبضت روحها تتراءى لها.
-ألم تسأل نفسك يوما يا محمد، ما سبب انتحار أمك؟
ركله قلبه فانتفض، لا يريد أن يتذكر الآن
-ربما تركها عشيقها، أو قاطعها بعد أن سرقت أمواله، أو نال منها ما أراد فباتت بالنسبة إليه بلا نفع.
صفعته، صفعة لا تعلم مدى قوتها إلا باحمرار وجنته بشدة، وهي الضعيفة المريضة، لم تتوان عن صفعه مجددا لكن هذه المرة بالكلمات، وقد انتفض واقفا يواجهها بحمرة عينه، فقامت تشيح بيدها نحوه
-يالبجاحتك وأنانيتك، لا أتعجب من جعل نفسك ضحية طوال الوقت، ولا ألوم أحدا سواها، هي من نحتك عن المشاكل ولم تشركك بها، هي من تحملت لأجلك كل شيء، لم تكن تستحق حبها ومحاوطتها لك.
تلتقط أنفاسها بعنف لتردف
-بل أنت السارق، أنت الجاني الوحيد في هذه القصة، لقد سوأت سمعة أمك أمام الرجل وجعلته يستبيحها، لقد اغتصبها وسرقها بعد أن اخبرته بمكان الأموال في سيارتها، أنت السبب في كل بلوى سقطت على رأس والدتك، وللعجب..أنت حتى لا تترحم عليها وإن كانت مخطئة فقد افضت روحها إلى بارئها وهو من يحاسب ويرحم.
تتسع عينيه وهو يستمع لهذه الحقائق المتسارعة، لا يجرؤ على تكذيبها أو أن يدعوها بالخرفة، يستعيد ذكريات ذلك اليوم، لقد عادت من الخارج ممزقة إلى حمامها تداري عري روحها عن عينيه.
-لقد أخفت عنك ما حدث، بل واستأمنتني بألا أتحدث إليك أبدا، كلما رأيتك تجدد غضبي، هي أمك وتستطيع مسامحتك أما أنا فلا، لا أسامحك يا محمد على وفاتها ولا حرماني منها، لا أسامحك على تلك الصورة التي لازلت ترسمها بداخلك عنها.
يشعر بخط ساخن يسيل من أحدى عينيه فيمسحه سريعا، إحمرار عينيه يزداد بشدة، وارتجافة ذقنه تشي بألمه
-أمك لم تخطىء مع أحد، لقد اتفق معها ذلك الرجل على الزواج منها، يترك لها ماله حتى يكتمل فتنتقلوا لشقة أكبر ليسكن معكم، كان يرتب لزواجه منها وقد اقترب المبلغ على الاكتمال، وبدلا من أن أشهد زفافها على من ارتاح له قلبها، زفت إلى قبرها بسببك.
تلاحقت يديه تمسح دموعه سريعا من شدة ما أمطرت
-لقد انتهكها ذلك الرجل وامتهنها باسوأ الطرق، هل تريد أن تستمع التفاصيل يا محمد، كلي استعداد لتقطيع قلبك بالتفاصيل، أدقها..فهي تعذبني كل ليلة.
يسقط فوق كرسيه وقد ارتخت أطرافه، غير قادر على تحريك أيا منها من هول ما سمع، سيول من ثلج في شتاء قارص تسقط فوق رأسه، هو مدفون الآن تحت كتل من الثلج أسفل المحيط، يتجمد جسده وترتعش أطرافه، تتلاحق أنفاسه المسروقة كي لا يغرق.
يتمسك بالضوء، الضوء يخفت، ورأسه تسقط، تنغلق عينيه على مهل وكأنه ينازع الموت، دقائق وصمت كل شيئ.
***


هالة حمدي غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم جنة ♥♥
رد مع اقتباس
قديم 23-02-22, 01:31 AM   #176

عزيزات

? العضوٌ??? » 479608
?  التسِجيلٌ » Oct 2020
? مشَارَ?اتْي » 211
?  نُقآطِيْ » عزيزات is on a distinguished road
افتراضي

كالعادة فصل جميل . وصف اكثر من راءع اسلوبك يزداد روعة مع توالي الفصول . محمد سوف يزداد تعقيدا بمعرفته للحقيقة الله يستر . اما سالم تعاطفت معه 😔 .عبد الرحمن فانا ناقمة عليه حسيته مهزوز . لكن كل شيىء ممكن يتبدل😉. ..تسلم الانامل و صاحبة الانامل...

عزيزات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-03-22, 08:38 PM   #177

هالة حمدي

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية هالة حمدي

? العضوٌ??? » 416048
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » هالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثالث عشر

-ماذا بك؟
يجذبه من ذراعه ليدخله فيجلس على أقرب كرسي بإرهاق، يربت سالم على كتفه وكأنه يزيح عنه عبئه، فيتنهد بألم ينظر إلى السقف ممسدا رأسه ويقول
-ظننت أن بتحقيقي انتقامي منها ساشعر بالراحة لكني لست كذلك.
يستند برأسه فوق كرسيه بألم مضني يجتاح جسده بشراسة
-هي مريضة يا سالم، أتعلم ذاك الحب الذي يجعلها تضعني في أولوياتها تجعلني مدارا لكونها، الحب الذي نفقد أرواحنا معه فنبدو كالمجانين، قد تموت صدقا إن هجرتها.
يتابعه سالم باهتمام، يستقي كلماته، لايشعر بأدنى تعاطف مع عاليا فيقول بثبات
-لازلنا في البداية، هي الرسائل الأولى التي أرسلناها لها، لقد أعددت لها صيغ..ستذهب النوم من عينيها..كي تتعلم بعد ذلك كيف تعبث بأعراض الناس.
يلتفت إليه عبد الرحمن برأسه..فتابع سالم كلامه بغل زرعته فيه عاليا باستغفالها له
-أنا سأحيل حياتها إلى جحيم فعلي، كانت تعلم بأني أحتاجك حتى لو صببت عليك غضبي، كانت تعلم بأنك كل ما أملك في هذا الكون، أب وأخ وصديق، كيف تجرأت على إحداث قطيعة بيننا؟
عدل عبد الرحمن من وضعيته بسلاسة مناقضة لتعبه، وقد فاجئته كلمات سالم بذلك الصدق، تجري عينيه فوق وجهه الفتيّ، حماسته التي تقطر من عينيه، ينتظر المزيد من الكلمات التي تغذي روحه الخاوية.
مال سالم بجسده لينظر لعيني خاله بثبات ويردف
-عاليا تستحق كل الألم، تستحق سلب الروح، تستحق الإعدام لما فعلت معك.
يهز عبد الرحمن رأسه ينفي كلامه
-لا..هي مريضة يا سالم، أنت لم ترَ وجهها وارتعادها من أن يكون..
بتر جملته سريعا، فسالم لا يعرف قصتها مع كمال..
يبسط كفه إليه ويقول
-اعطني الهاتف ، لقد انتهينا.
يعقد سالم حاجبيه لتزداد عينيه ضيقا
-لن نكمل في هذا الطريق.
-هل أحببتها؟
ينتفض كمن لدغدته أفعى، كيف يحبها وهو يكره قربها، بل كيف يتصالح ولو بالعفو والغفران عن من هددت مستقبله وقلبت حياته رأسا على عقب..
لقد أحالت هي حياته إلى جحيم، لقد تعامل معها بخشونة في لحظته الحميمية ظنا منه بأنه ينفث جزء من سخطه نحوها، فاكتشف بأنها تستلذ بالأمر ولا تشعر بإهانة فيه..
يرى مرضها في ارتعاشة عينيها وانتفاضة جسدها..في تعلقها بعنقه ورفضها هجومه..
يصارع بين آدميته، وتربيته على الشهامة واغاثة الغريق..وبين ما فعلته معه..
-لن أكون خسيس بأن أقاتلها وهي بلا حول ولا قوة، لن تستقيم الكفة وقتها يا سالم، كيف سانتقم منها وهي لا تعي، وهي مسلوبة العقل..
يحتد صوته عليه
-ما بالك تتحدث عنها وكأنها مجنونة.
يلتفت إليه عبد الرحمن
-هي كذلك، صدقني.
-لا تخبرني بأنك قللت من جرعة الحبوب التي تتناولها!
-ساسعى كي تتركها نهائيا.
يصرخ به سالم..
-أنت لم تجبرها يا خالي على هذا الأمر، هي من تطلب تلك الحبوب وتستزيد منها.
-لكن أنا من يجلبها لها..سالم..أعطني الهاتف لقد قضي الأمر.
رغم حنقه وضيقه مما يقوله خاله، رغم رغبته في إكمال ما بدأوه من وقت قريب، إلا أنه أعطاه الهاتف باكبار..
فوجه خاله يعكس صراعه، تشي به عينيه المتعبة، وكتفيه المتهدلين..
يسحب كرسي ليجلس جواره، مستغلا تلك الراحة التي كست ملامح خاله، فيعود بذاكرته لذاك اليوم الذي جمعه وعبد الرحمن في بيته.
(-من؟
لم يجبه الطارق ففتح بصمت ليفاجئ بعودة خاله بنظرة تشبه التوسل.
عبد الرحمن ..غاضب..ويتوسله.
دخل وأغلق الباب خلفه، يوليه ظهره وقد رغب في المكاشفة مبكرا..
يكسب ثقته ومساعدته، فانتقام سالم وتسرعه لن يزيد الفجوة إلا اتساعا وتشتت في عدة حروب، والأصل واحدة.
يضغط سالم على أسنانه وهو يقول
-اخبرتني بكل شيء وفعلت عكسه!
أجابه بصوت خفيض
-كنت مجبور.
يقول ساخرا
-لا أحد يستطيع إجبار عبد الرحمن على شيء لا يريده.
التفت نحوه وعينيه تفيض بالعجز المضني
-هددتني..جعلتني كالفأر وأحكمت المصيدة، وأشهد الله أني حاولت الفكاك لكنها شدت الحبل حول عنقي كي أختنق.
يحني رأسه بخزي
-هددتني بأمينة ..بشرف إحدى أختيها، بفضيحة مدوية لها لو لم أمتثل لمطالبها.
يرتب الأحداث برأسه..يلتمس الصدق في حديث خاله، كان ينقصه التمسك، أن يتمسك به عبد الرحمن فلا يتركه كذريعة للتنصل منه وتركه على قارعة الطريق بقطيعة وتمرد.
كان ينقصه اليد التي تضرب من حديد فوق الخطأ دون التمادي بحجة أنه كبُر وعليه إدارة أموره بنفسه.
ينقصه هذه النظرة، وهذا الحب الذي يحتويك حتى في وقت غباءك وسوء تقديرك.
الجمارك... لا يعلم أحد موعد استلام الشحنة سواها، حتى عبد الرحمن كان جاهلا به حتى يوم الاستلام، لقد أجرى محادثة بالموعد أمامها في مواعدة على الافطار.
حوارها المقصود معه دوما عن عبد الرحمن، وكلما تشعب لشيء آخر كانت تعود لنفس النقطة..
-بمن هددتك من أخوات أمينة.
-لا يهم.
يأنف عن ذكر اسمها فهو لا يعرف بعد في أي جانب سيتخذ سالم..فاردف
-أقسم أني لم أردها لك ولا لنفسي.. ولم اهتم بخسارة أو إفلاس، لولاك و أمينة وخوفي عليها لتركتها تركض خلفي لأميال..ولم أهتم.
يجذب كرسيا هو الآخر ويجلس يسمعه بجدية، وقد تبدلت ملامحه الحقودة، إلى أخرى مشفقة لما يعانيه خاله.
-لماذا تتحدث إليّ الآن يا خالي؟
هدر صدره بأنفاسه، وقد عادت إليه الحياة من جديد..سالم يدعوه ب"خالي"هذا اللقب الذي يشعره بوجوده..
وتذوب معه تلال من جليد..
يملأ عينيه به.
-لا أريد أن تكون معاركي أنت إحداها، إن لم تقف جواري فتنحى من أمامي يا سالم، لا تجعل عاطفتك تسوقك نحو الثأر لنفسك والانتقام ممن هم ليسوا أهلا له..إن أردت فافعل مما كانت السبب فيما يحدث ليس من إيمان، ولا من نفسك.
همهم بعملية، فهو يكره تلك المشاعر التي تجبره على الاعتراف بحبه وانتماءه له.
يضع يده على كتف سالم ويقول
-أنت تشبهني لدرجة قاتلة، لو تزوجت مبكرا قليلا لكان لدي صبي مثلك يا سالم، أنا أخاف عليك كما لم أخف على أحد، إياك وطريق الانتقام المظلم.
-لا تخبرني بأن جعبتك فرغت يا خالي وأنك لن تنتقم ممن فرقتك عمن تحب، بل وقطعت صلتك بي.
يضيق عينه ويقول بثبات
-هذا لا يعد انتقام..بل استرداد حقوق.
-لماذا لم تخبر أمينة؟
-لا داعي لذلك، إن كان لي نصيب معها سيمنحني الله الوقت لاستردادها.
يستمع لصرير الافكار التي تحاك في عقل خاله وهو ساكن أمامه، يعلم بأن عقله ليس سهلا، وانه عندما يرغب في استرداد حقوقه سيستردها بالفوائد.
يتشرب كلماته ويتعلم منه ويقتدي به..
ليس هناك من لم ير حب خاله لأمينة، واهتمامه بها، حبه كالأرض المغلفة بالحرير، يخشى أن يطأها فتنزلق قدمه، ويستمر في نسجها لتكون لتكون كافية لهم معا.
وهي كالفراشة التي تتعلق بزهرة، بعد طول جوع لترتشف رحيقها.
حقا خاله لا يليق بعاليا، هو يحتاج لامرأة يسعد بها بعد نهاية المطاف والتحمل، والمجازفة..
يفرك كفيه بمرح، يؤكد على تصديقه له
-حسنا، ما الخطة.؟
تزور شفتيه الابتسامة أخيرا بعد أيام باهتة
-لا شأن لك بها، فقط..اهتم بشؤونك..وإن احتجت مساعدتك سأطلبها..
قام متعجلا يتوجه نحو الباب
-كن مستعدا.)
يعود من ذكرياته لجلسته على كرسيه ليقول مهادنا يقظة ضمير خاله، فلو حكَّمه أحد على عاليا لأوسعها ضربا ولم يكن ليتركها إلا في مستشفى المجانين.
-هل تتعشى معي، كنت أعد البيض الذي تحبه، ولدي ثلاثة علب من الزبادي..أنا اثنين ولك واحدة،ما رايك؟
يبتسم وهو يرى مكسبه الوحيد في هذه الليلة القاتمة..هو سالم.
كان يعلم..صدقا كان يعلم أنه مكسبه، مع كل انجاز للعمل..مع خوفه على كل قرش جمعاه سويا، لكن كان ينقصه اعتراف كهذا
-موافق.
غادر إلى المطبخ وتبعه عبد الرحمن، يراقب تحركه في هذا المطبخ الضيق..
يضع طاسة ليكسر البيض بداخلها فتسقط بقشرها..يضع أصبعه في الطاسة الساخنة ليزيل قشرة البيض بسهوله وكأنه معتاد على إسقاط البيض بقشره..
-هل توقفت عن ملاحقة ايمان؟
يضع البيض في صحنه، يجيبه بشفافية
-لا..
يخرج تبعه سالم يحمل الخبز والبيض، بينما هو يحمل الزبادي
يجلسا على طاولة بسيطة..يشرعا في الطعام..ليردف سالم بشرود
-لم تتوقف هي عن ملاحقتي.
يضع الطعام في فمه، وعينيه متعلقة بسالم، الذي تقمصته روح غريبة..
يشير عبد الرحمن باصبعه، يدور به..ويقول
-اكمل..
-لا شيء.
توقف عن الطعام للحظات
بينما عبد الرحمن يتناول ملعقة من الزبادي يقول بمشاغبة، متوقفا عن الاسترسال فيما يخص إيمان .
-ظننت الزبادي من صنع يديك في متجر العم جلال، يبدو أنك لست متفرغا لاي شيء.
يتنحنح بحرج، هو حقا غير متفرغ، إلا لها، والتفكير بها وكل ما يخصها حتى وهو في تمرينات التجديف..تشغل باله دوما.
***
-لابد وأن أذهب لأعد شيئا للضيف يا أمينة.
تجذبها أمينة تجلسها جوارها وتقول
-على ما يبدو هو ضيف غير مرغوب فيه، لا أظن أن الخالة فوقية ستريد إكرامه.
انزعجت أميرة من كلمات أختها، فأردفت أمينة وهي تناولها حجابها
-أنا أمقت استهتاركِ بحجابكِ يا أميرة، خرجتِ هكذا أمام الغريب.
تناولت حجابها منها تضعه حول رقبتها بضجر مغتاظة من تحكمات أختها ولا تستطيع مبارزتها بالكلام الآن.
دقائق وانتبهوا على صوت الخالة فوقية يرتفع، وصمت من جهة الضيف، تتوالى عليه بالكلمات التي يسمعنها بتشوش هي و أميرة بينما إيمان تشير إليهم
-ما الأمر
وهي تجد ملامحهم تتبدل وتتوجه ووجوههم نحو الخارج بتركيز.
أشارت لها أمينة بأن الخالة فوقية منفعلة، وتزعق بالضيف.
شحب وجه أميرة، تضع كفها فوق صدرها تتتوسل قلبها الهدوء، خائفة من انكشاف امرها معه، ستكون فضيحة أمام الجميع.
ترفع كفها نحو شفتيها تكتم انفعالها وأمينة غائبة عنها وهي مصدومة من صياح الخالة فوقية على هذا النحو.
عاصفة أزاحت في طريقها كل شيء حتى سكنت بصمت مطبق منتهيا بسباب لضيفها.
خرجن إليها ليجدوا محمد فوق كرسيه لا ينطق، والخالة فوقية تسيل دموعها بلا تمهل دون أن ترمش، وكأنها دخلت حالة عصبية تمنعها التفاعل مع ما حولها.
أهتمت بها أمينة تمسكها من ذراعها تصفعها برفق وهي لا تحيد بنظرها عن محمد الذي سقطت أميرة عند قدميه تهزه برعب، تهز وجهه وهو بين كفها تضغط على وجنتيه.
دموع تسيل من عينيه ساخنة ولا يسمعها أو يجيبها، فالتفتت نحو أمينة تنشد المساعدة، أزاحتها عنه وهي تقول
-أحضري عطر الخالة من غرفتها.
تضع يديها خلف رأسه تعدلها بدلا من ميلها، تسعفه حتى تأتي أميرة التي نزلت دموعها مدرارا وهي تراه على هذا الحال.
عادت بالعطر بيدها المرتجفة تناوله لأمينة، قدم منثنية بارتخاء للخلف، والأخرى مفرودة باهمال، كفيه متهدلين فوق مسند الكرسي، رأسه كالهلام بين يدي أمينة.
جلست مجددا جواره أرضا على ركبتيها، تهمس بجوار أذنه
-محمد، قم أرجوك.
تمسك كفه لتهزه فوجدتها باردة كالثلج، مع صياح أمينة الذي أفزعها
-احمليه معي هناك على تلك الأريكة يا أميرة، بسرعة.
حاولوا ولم يستطيعوا، ففطنت إيمان لما يريدان سريعا، أزاحت بساط الأرض الذي يفصلهم عن الأريكة، وأشارت إليهم أن يسحبوه إليها .
فسارعت أمينة لفعل ما قالته أختها، فاختزلت الطريق بأن سطحته أرضا
-فكي حزام بنطاله، واخلعي حذاءه.
رفعت كنزته الثقيلة وفتحت حزامه الضيق سريعا، ونزعت عنه حذاءه، حتى انتهت أمينة من توسيع ياقته الصوفية بيديها تبعدها عن رقبته.
وقفت ترفع قدميه حوالي 30سنتيمتر فوق مستوى قلبه تساعد دمه للتدفق إلى دماغه.
لازالت أميرة على ركبتيها تصارع الموت خوفا وهلعا مما يحدث.
أمينة ثابتة على زاويتها، عينيه لازالت تفيض بالدموع، ثم انفرجت قليلا، تشاهده في محاولة بائسة لاسترداد وعيه.
يحرك رأسه ببطء، لحظات وفتح عينه برؤية مشوشة.
خفضت أمينة قدميه برفق وتناولت هاتفها مبتعدة تجري اتصالا هاما، ليجيبها
-سالم، هل يمكنك المجيء إلى بيتي الآن بسيارتك.
-ظنتت بأنكِ تشعرين بالفراغ فاتصلتِ تسبيني.
-ليس هذا وقته، الأمر طارئ، سأتعامل معك كأي سائق غريب، كنت لأتواصل مع تطبيق سيارات الأجرة، لكني أحتاج لشخص أعرفه، هناك ضيف عندي أصيب بصدمة على ما يبدو وفقد وعيه، أريدك أن تعيده إلى بيته وفقط، هي مهمة إنسانية على كل حال.
-دقائق وأكون عندك.
بينما المستلقي أرضا لازال تائها لا يعي أين هو، يلحظ وجود أميرة جواره بشعرها الملتصق بخديها من كثرة الدموع.
هل تسكب الدموع لأجله..!
أين هو؟
يدور بعينيه حوله فلا يتعرف على المكان، هي تضع يديها فوق صدره، وتتحدث بشيء لا يسمعه، طنين بأذنه، ومطارق داخل رأسه.
يشعر بصداع حاد يكاد أن يفتك به.
تهز جسده ولازال يحلم بوجودها..هو حتما يحلم، من أين جاءت أميرة.
تراقب عينيه الغائمة، تجزم على تشوش رؤيته فعينيه غير ثابته فوقها وجفنيه مثقلين.
تهزه وهي تقول
-محمد هل تسمعني؟
بينما فوقية أغمضت عينيها أخيرا التي لم تفارق تسارع ما حدث، تتمزق من داخلها لأجله و شعورها بالتشفي فيه غير مكتمل.
لم تشعر بذرة ندم أو تراجع، كان لابد وأن يعرف، لا أحد يعرف حقيقة ما حدث سواها هي وفق الرسالة التي قد أرسلتها أمه لها قبل انتحارها.
عاش متبجحا طولا وعرضا ولا يعي حجم الكارثة التي خطها بحمقه.
تندم على موافقتها على لعبة أمه وصالح، ليته كان شرطي حقيقي لربما هربت من مصيرها لو كان التحقيق رسمي لأخذ كلا جزاءه.
يمسك كفها متمسكا بحلمه، يجذبها ليعتدل فلا يستطيع، لازالت الدنيا تدور حوله، فيتمدد مجددا.
ساعدنه هي و أمينة ليقف بمساندتهن، ليجلسوه على الأريكة المقابلة.
يستعيد تركيزه قليلا، ويمسك رأسه بقوة عل تلك الطرقات تتوقف.
تناوله أميرة كوب العصير فيرفضه.
يستند بظهره للخلف، ويرفع عينيه إليها ويقول بصوت خشن سحيق
-ماذا حدث؟
طرقات قوية على بابها جعلتها تفتح لتجد سالم يوليها ظهره وهو يطرق باب شقتها، بينما اصطدمت بعبد الرحمن يقف على طرف السلم حتى لا يكشف المنزل.
-ما الذي يحدث، أي ضيف هذا الذي عندكِ؟
يتحدث إليها بسلطوية وتملك، ليتخطى الدرجة الفاصلة بينهم ليسد الرؤية أمامها، فتشير بإبهامها إلى الخلف
-إنه ضيف خالتي فوقية، سقط مغشيا عليه فذهبت لإسعافه.
أزاحها باشارة من يده ليدخل فيتبعه سالم الذي ما إن دخل حتى خفق قلبه لرؤيتها هناك في الزاوية بوجه مترقب، ينتقل ببصره نحو الحزام الملقى أرضا في تساؤل عبد الرحمن الغاضب
-ما هذا؟
لا تستطيع السيطرة على سعادتها البائسة بتجهمه وغضبه، تحقق انتقام بسيط لم تحسب له، الآن ينزعج من وجود رجل وهي معها أختيها وخالتها، بينما هي تكاد أن تتمزق من انفراده بعاليا ونومه جوارها.
أهذا عدل؟!
نفخت في النار
-حزام محمد، لقد اغمي عليه وكان علينا التخلص من كل ما يضيق الخناق حول أنفاسه.
قال بسخرية قبل أن تنتقل عينه نحو "محمد"وقد استفزه نطقها لاسمه بهذا التباسط
-أنفاسه؟
وعندما رفع محمد رأسه المشوش، وأبعد يديه عنها حتى قال عبد الرحمن بغضب حقيقي
-أنت..ما الذي تفعله هنا؟
أمسكه سالم بقوة وقد أشفق على حال الرجل من غضب خاله، ما يسر قلبه هو انزواء حبيبته بعيدا عن كل ذلك، ولا يظن بأنها شاركتهم الإسعافات.
بينما عبد الرحمن ينازع سخطه عليها، حتما فكت حزامه، ولمست صدره، وجبينه، أذنه..
يا إلهي سيموت الآن، سيسقط صريعا لتلك النيران التي تملكته.
-وما الذي أزاح ذلك البساط ولماذا؟
-لقد أزاحته إيمان اشفاقا علينا من حمله، وجهتنا نحو سحبه أرضا، فقمت بإسعافه هناك.
كلمة قمت..أنا..بإسعافه..مزقته..
يشعر بضلوعه الآن تتمزق من شدة غيرته عليها، وهل يحق له؟!
تراخت يد سالم حول خاله ما إن سمع أن إيمان ساعدتهم، يا إلهي..كيف!
انعقد حاجبيه يحاول السيطرة على نفسه كي لا يبدو مثل خاله..
ينظر إليها بلوم فاخفضت نظرها عنه، جلبابها الأحمر الثقيل وحجابها شفعا لها لديه ، فهدأ غضبه..
بينما أميرة تجلس جوار محمد، تحاول البقاء على تركيزه، تدفع نحوه كوب العصير مجددا فيشيح بوجهه مجددا.
فنحت أمينة اختها لتأخذ الكأس منه وتناوله لمحمد، على مرأى من عبد الرحمن وكأنها تخبره بعدم اهتمامها بوجوده..
-لابد وأن تشرب حتى تستعيد وعيك ونشاطك قليلا، هيا.
هذا القرب أشعره برغبة ملحة في تهشيم شيء فوق رأس هذا الكائن أمامه ، لم يشعر بنفسه إلا وهو يختصر المسافات ويجذب الكأس منها يزيحها إلى الوراء، ويناوله هو الكأس بنفسه عوضا عن تكسيره فوق رأسه ورأسها.
فأنهى محمد الجدل الذي يزيد من صداعه، تناول العصير رغما عنه.
ذهب عبد الرحمن إلى حذاءه ودحرجه بقدمه إلى أن وصل إلى محمد فقال
-ارتدي حذاءك.
ففعل بتعب وعينيها تلاحقه بيأس، تود لو تساعده، يدفع عبد الرحمن حزامه إليه بحدة، فانتفضت أميرة تصيح فيه
-ما هذا الذي تفعله، لماذا تتعامل معه هكذا، ألا تملك في قلبك شفقة؟
كانت تصيح فيه ولازالت شعيراتها ملتصقه بوجنتيها، بوجه محمر وصوت متهتك، فناظرها عبد الرحمن بتمهل.
-أميرة، كيف تتحدثين إليه هكذا؟
-ألا ترين طريقته في امتهانه، هو مريض، متعب، ويأتِ هو ليكمل عليه.
ظل عبد الرحمن يراقب انفعالاها، وقد تيقن بأنها أميرة، وتيقن أيضا أنها تحمل في قلبها شيء لهذا الوغد، لكنه يجهل هل ابتعد عنها كما أخبره في لقائهم الدامي الأخير، أم تمادى.
ليس لديه معلومة للأسف .
-أنا آسفة يا عبد الرحمن، أميرة رقيقة القلب، ليست معتادة على هكذا أشياء، عذرا..
التفت يوليهم ظهره منصرفا، تاركا كلماته خلف ظهره لسالم
-اسنده أنت، سأنتظرك بالسيارة.
وغادر بغضبه وغيرته، منحها حضورا طاغيا، ثم ذهب لتبهت ملامحها ويخفت توهجها المشاغب.
يضع حزامه فوق كتفه، يحاول الوقوف فكاد أن يسقط فاقترب منه سالم يسنده، يطوق خصره بينما لف أحد ذراعيه على كتف سالم، ليلقي بجسده عليه، متهالك ومنهك حد الألم.
ودعته بعينيها، هيئته تختلف تماما عن توهجه وقت قدومه، وبين انطفاءه الآن وكأنه ذاهب إلى قبره.
مسحت دموعها وجلست فوق الأريكة مكانه.
وإيمان لم تبرح مكانها بعد وقلبها لازال يدق بسرعة من أحداث اليوم، لقد خافت، وارتبكت، وشعرت بانهيار جدار الأمان الذي يحاوطها حتى جاء، في مجيئه راحة لقلبها رغم ركضه، وانتظام لكونها رغم صخبه.
وأمينة تنظر في أثره، لا تعرف هل هي سعيدة لأنها أثارت حنقه عن قصد، أم غاضبة منه ومن أفعاله .
توجهت انظارهن نحو الخالة فوقية، التي بدأ نشيجها يعلو، فيبدو أن تلك الليلة لن تمر على خير.
***
تضع بعض الملفات فوق رأسها اتقاء الشمس، تنتظره منذ نصف ساعة بعد أن أصبح على عاتقها كل شيء، فكانت الاتفاقات والاستلامات والاستحقاقات من نصيبها هي.
تراه قادما من بعيد..مرهق كثيرا وكأنه لا ينام، طبعا ليست هي وقصة الأمس السبب، مع أنها هي نفسها لم تنم جيدا حتى الصباح، فغادرت هي وأخواتها عند عودة العم سلامة.
وعندما اقترب أكثر لمحت خطوط منهكة حول فمه، دلالة على كثرة زمه بحدة..
هي تعلم ملامحه وقت التفكير العميق أو اشتداد أعصابه وانشغاله بشيء ما.
دون أن يقصد يضغط على شفتيه، يزويها إلى اليسار بشدة..فتترك أثرها خيوطا رفيعة حولها.
يقف امامها بثبات
-لقد انهيت الامور العالقة.
تنزل الملفات عن رأسها فتضرر من أشعة الشمس وتقول
-ليس كلها، لقد هاتفني أحد العملاء، يخبرني بأن شحنة أخرى قادمة وعلينا إنهاء أوراقها من الجمارك.
يسير فتتبعه، يقف في مكان لا تطاله الشمس، بعيد عن الأعين، يخرج نظارته الشمسية المتعلقة بقميصه..
-ارتدي هذه.
تمسكها تنفذ أوامره، وهي ترى العرق يغزو رأسه، فينزلق على جانب وجهه، وتفهم أنه بلغ الحد من الحرارة التي تستوقفه عن الفهم أو التركيز..
فقالت تنجز عملها
- وقع هنا، واذهب..سأكمل أنا باقي الإجراءات.
يوقع في المكان الذي حددته..
يشعر وكأنه سيسقط من كثرة التفكير والإنهاك...يتعامل معها ينهي الأعمال، إلا أن بداخله لهيب غير قادر على اطفاءه منذ الأمس.
كان محمد في حال لا يسمح له بصب غضبه عليه، يبدو أنه نال ما يكفيه هناك فلا حاجة له بالمزيد.
لقد ظل طوال الطريق كالتائه، كمن وجد في زمن آخر بروحه وجسده فلا يعي ما يحدث حوله.
وعندما أوصله عبد الرحمن حيث شقته، أخبره سالم بأنه سيتولى الأمر من هنا وليغادر هو.
يوم حار من أيام أمشير تصحبه الأتربة، والفارق بين الأمس واليوم كثير، تلك الحرارة قضت على تماسكه..وكأنه التقط ضربة قاسية فوق رأسه منها..تضيق أنفاسه ..
تراقب شحوبه
-سيد عبد الرحمن، هل أنت بخير؟
يزم شفتيه كعادته..
يسبل عينيه بتعب..
-هل تناولت فطورك.
لم يجيبها قد تراخت قدميه فمال بجذعه إلى الأمام كوضعية الركوع..
تخرج من حقيبتها مياة باردة تصبها فوق رأسه، ثواني قليلة مرت ولم يشعر بتلك البرودة حتى انتفض برأسه ..يستقيم وقد امتلات ثيابه بالمياة..يتنفس منتفضا..ينظر حوله وكأن الصورة قد اتضحت عما قليل..
زجاجة لبن بطعم الفواكه ناولتها له..اخذها وقد تذكر أن آخر وجبة تناولها منذ الأمس مع سالم..
هل اوصلك إلى السيارة؟-
يرفع وجهه المبلل بالمياة نحوها..يستشعر قلقها ويتشرب لهفتها عليه، مأخوذا بأي بادرة منها.
-هيا لنكمل باقي الأعمال.
يسيران معا ينتظران سويا سير الاجراءات وقد رفض المغادرة..
يراها وهي تتعامل بصوت خشن لم يستمع إليه من قبل تحث العمال على الإنجاز، ربما لأنها تراه منهك، وهو يراها رجل ينقصه شارب..
جفت ثيابه بتأثير الشمس، وشعره القصير عاد لطبيعته الغير متكلفة
في نهاية اليوم غادرا معا بسيارته نحو المكتب..
تعلم جيدا بأنه سيغرق نفسه في العمل ولن يتناول شيئا..لمحت رجل يقف بعربة صغيرة يصنع شطائر الجبن الرومي بشرائح الطماطم.. والمربى بالقشدة..فقالت
-عذرا..هل يمكنك التوقف هنا للحظات؟
كانت إجابته أن صف سيارته في المكان الذي أرادت، يتابعها عبر مرآة سيارته..
تشتري طعام..
منذ متى لم تحضر له عاليا إفطار أو غداء، وهي بالكاد تقف..
تعف عن الطعام وقد بصقت أدويتها آثارها الجانبية فباتت لا تفارق الحمام..من القيء والشعور بالغثيان..
يستمع لصوت باب السيارة يفتح فيخرج من شروده..
تمد يديها نحوه بالطعام
-مربى المشمش بالقشدة، وجبن شهي، لا أعلم كيف يحافظ البائع على سخونة خبزه، يبدو أن هذه العربة المتحركة تحمل الكثير من المعدات.
يتناول منها الطعام ، يشغل المحرك، يأكل وهو يقود كما كان يفعل قديما أيام بناء الذات وضيق الوقت..مع سيارة أصغر من هذه..وأفقر كثيرا..
-من محمد هذا؟
سألها ليعرف مدى علمها بالأمر .
قالت بعمليه، رغم حشر أنفه فيما لا يعنيه
-زميل أميرة في العمل والدراسة.
عين على الطريق ويد بها الطعام وتساؤل متطفل
-وهل ذلك يمنحه الحق لزيارتكم؟
يأكل ليصبغ حديثه بالألفة الممتزجة بالتسلية فتجيب
-كان ضيف خالتي.
-هل جاء لخطبتها
-الأمر مصادفة، أنا لا أعرف من هو بالنسبة لخالتي، ما أعرفه أن أميرة تعرفت عليه هو مجرد زميل، الأمر لم يتعد ذلك.
-انتبهي عليها جيدا.
تحذير مقتضب.
تجيبه وعينيها على طعامها، تزيل عنه الورق
-ستشتد ظهورهم... سيحدث مع الوقت.
يلف بالسيارة في ملف بسيط، يضم يديه معا لياخذه وهو يحمل شطيرته
-لن يصبحوا مثلكِ يا أمينة.
قالها وقد استبدت عاطفته بها عن غضبه بالأمس، بعد أن وضع نفسه مكانها فشعر كم هي تتألم.
لا يستطيع منع كلماته التي تنفلت رغما عنه، ولا السيطرة على غضبه كما حدث بالأمس.
يهز رأسه متفهما مشاعره التي قاطعها بتساؤله
-هل هناك شيء يحتاجني اليوم؟
-لا سيد عبد الرحمن.
قال بنفاذ صبر
-توقفي عن مناداتي سيدي يا أمينة.
تلعثم غاضبا من نفسه ومن تلك اللفظة التي تضعه فيها في مكانة حازمة بعيدة، لابد وأن يكمل جملته فقال مندفعا بغضبه
- اعتبريني أخ أكبر لكِ
لقد توقفت فعلا ..لكن عن الطعام..
لقد هزتها لفظة أخ ..
تنهر نفسها..وماذا لو لم يكن أخيكِ، رب عملكِ..لكن أبدا لن ترقي لأكثر من هذا..ثم كيف..وهو متزوج..إن كان يكن لكِ المشاعر لاختاركِ انتِ ايتها الغبية..
وصلا إلى وجهتهم..تجمع المخلفات..تحملها وتلقيها في أقرب مكان..
غير منتبهة لتجهمه وهو يسر خلفها..
**
لقد حافظت على الحد الأدني من التعقل وهي تتمالك نفسها الممزقة وهي تشاهده بهذا القرب منها لينفلت هذا التعقل الآن وقد رأته يدخل إليها بوجه هادئ متزن بينما هي تحترق، هو يتنازل عنها كالشجرة التي تتبرأ من أوراقها فتتساقط في الخريف
-كنت معها؟
تصرخ فيه محمرة العينين مشدودة العروق، بلغ منها الغيظ مبلغه
-تعطيها نظارتك، تأكل معها..تحميها من ظلال الشمس..أنت لازلت تحمل لها مشاعر يا عبد الرحمن أنا أقسم على ذلك.
باتت تمثيليته سقيمة..لم يعد بقادر على تحمل المزيد منها
-كنتِ تعلمين بحبي لها قبل زواجنا ، ألم يكن حبي لها واهتمامي لأمرها ولأخواتها سببا رئيسي في قبول زواجي منكِ.
تضرب صدره بعنف واهن فيقول وقد ثار خروجها تساؤلاته، هو جعلها تحمل اسمه لأنها وعدته بالمكوث في البيت..ما الذي يدريه لعلها خرجت لمواعدة أحدهم..
هو لا يثق بها..
-كيف خرجتِ وانت بهذا الحال؟
-أنت تركتني وأنا في عز حاجتي إليك، لقد استيقظت ولم أجدك.
-هل تريديني جواركِ وأنتِ تتعافين من ذنبك القديم، من علاقتكِ برجل شوه معالمكِ، حطم هويتك لتتكففي الحب ممن يكرهونكِ.
يفك أزرار قميصه ويلقيه على وجهها
-ازيلي عن هذا الوسخ..ليت باستطاعتي أن ازيلك عن حياتي التي لوثتها.
-لا تنكر علاقتك بها، هل تماديت معها يا عبدالرحمن..لربما تزوجتها..كانت تهتم بك اهتمام الأزواج.
تصرخ وتصرخ، حلمها الذي حاربت لأجله يتلاشى، فشلت في جعله يحبها، لقد حاولت..تقسم بأنها حاولت لولا ماضيها الذي هاجمها بضراوة..حاولت أن تحب نفسها وتلبي طلباتها في الفوز به عوضا عن كرهها لنفسها طوال الوقت..
ألم تكن أولى نصائح طبيبتها أن تحب نفسها أولا..وهل هناك أكثر من حبها لعبد الرحمن الذي أدر عليها حبا مماثلا لذاتها.
يخلع بنطاله يدفعه نحوها
-وهذا أيضا..إن كان ما تفعله معي حب زوجة لزوجها..إذا أريني أنتِ كيف تحبيني يا عاليا، أريني إخلاصكِ لي وتفانيكِ لإرضائي وأنتِ غير قادرة على الوقوف..امنحيني سببا واحدا لأبقيك على ذمتي..أنتِ مجنونة..هل تعلمي معناها..أنا لست مكافأة لصبركِ فأنتِ لم تصبري إلا على الأذى..تصبرين على التفريق بيني وبين من أحب ..تشوهين سمعة فتاة بريئة لا تفهم قبح العالم، تفرقين بيني وبين ابن أختي المتبقي لي من عائلتي..أنتِ فرغتني من كل شيء وتطالبيني بالمنح..كيف؟
يهزها بقوة
-أخبريني كيف وأنا فارغ..؟
تهز رأسها وقد مسح عقلها كل اتهاماته عدا حبه لأمينة
-لا..لا..لا تقل بأنك تحبها يا عبد الرحمن..لا.
-بل أحبها..أحب اهتمامها بي وحرصها على صلاح حالي حتى وأنا بعيد عنها..أحب حيائها وخفض بصرها عني رغم معرفتي جيدا بمشاعرها..أحب عفتها وبرائتها يا عاليا وذلك مالا تملكينه..أمينة التي تزن مئة رجل أو يزيد تكافح لتبقى هي وأخواتها..تربي وتعمل وتلبي بينما أنتِ تخططين لهدم بنائها، أنتِ خلقت للدلال..أنا أعلم كل صراعاتكِ والتي فشلتي في حلها باقتدار..حتى علاجكِ.
تجلس على كرسي قريب، تبلع ريقها باهتزاز وكأن جفاف حلقها عقوبة أخرى ..
تلتحم أسنانها بفقر مدقع فلا تملك قوة لضغطها..
يتركها خائرة القوى ليذهب إلى الحمام..يغسل عنه قذارة حديثهم..
تحاول رفع يديها تزيح شعرها عن وجهها المتعرق ولا تستطيع..
بوهن تفكر..
يقارن بينها وبين أمينة الوضيعة..
يقارن ما حدث لها بما تعانيه أمينة ..
يكفيها ما حدث لها حين شاهدت فيديو موت سلمى على الإنترنت ..
جسدها العاري الذي ذكرها بجسدها هي بين يدي كمال، تلك العلامات والكدمات على جسدها كالتي خلفها كمال على جسدها..مؤكد كان برضاها كما كانت هي راضية..
تحتوي رأسها بكفيها..
تتذكر أول مرة شاهدت فيه السوط ملقى أسفل السرير، أول هدية أهداها لها كانت القيد..أول درس تعلمته.أان تكون مقيده به وله..
ربما لم تشفى لتستبدله بعبد الرحمن..
هي مجنونة!
الأنها أحبته وامتلكته..
ألأنها استمعت لكلمات العجوز بأن العالم لم ينتهي وعليها بتجاوز الأمر ..
تصرخ عالياً ..
تسيل دموعها دون أن تشعر..هي تجن الآن وليس من قبل..هي ستفقده..تشعر بذلك..كيف ستعيش بدونه وقد طيب جروحها باهتمامه..
تنظر إلى ثيابه الملقاة ارضا..
تسقط جوارها تقربها من صدرها، تدس أنفها متنعمة في رائحته..
-لا..عبد الرحمن أنا احبك.
يسقط شيء من بنطاله ..تتناوله بشغف..
إنه هاتف..الذي اشترته لمحمد.. فتحت الهاتف تقلب في قائمة الإتصالات لتجد رقمها، رسائل مرسلة إليها ..
تتسع عينيها..تزيح البنطال عن رقبتها..تزحف على مؤخرتها للخلف حتى التصقت بالحائط..
تبكي وتبكي..جلدها الأبيض التهب من شدة البكاء..والرثاء..
عقلها يئن من شدة عمله، مؤامراتها، صلابتها، حقدها على كل من اهتم به غيرها..
ترفع نظرها إليه كالاموات..تصرخ..
تصرخ مجددا..يرمقها وقد شلت ردوده مما تفعل..يتركها حتى تفرغ كل غضبها..
مر وقت طويل عليه حتى فرغت وانهكت قواها..فتقول بوهن
-انت من تخيفني؟
يتعجب من انقلابها
-تتحدث إليّ وتغلق الهاتف..ترسل لي رسائل!
يزم شفتيه بتعب، وبخيبة أمل استند بيده على الحائط خلفه
-أنت كنت مخاوفي؟
بل حققت انتقامي فيكِ، لكنني للأسف لم أكمله.
قامت تتحامل على ما تبقى من قوتها تواجهه
-أنت مجنون لا تختلف عني في شيء.
-بل طالبا ثأري وثأر كل من ظلمته.
-من منحك الحق لتفعل هذا بي، أنت مخادع، أنت أخذت مني الكثير يا عبد الرحمن، الكثير في حين أنك لم تمنحني شيء.
-لقد منحتكِ زفاف تحاكى به الجميع، منحتكِ الستر الذي سيظل جميل يكبل عنقكِ ليوم الدين يا عاليا، منحتكِ صك الحرية من آثامكِ لتبدأي من جديد مع غيري.
تمسكه من تلابيب ثيابه تهز جسده بجنون، كيف يعايرها بأشياء لم تسعَ إليها .
لم تسع للستر، ولا للزواج من غيره، هي تريده هو..فقط هو.
-وأنا أعطيتك عقلي وقلبي، وجسدي يا عبد الرحمن.
يرد كلماتها المتخثرة، يقذف بيديها عنه وكأنها ستلوثه
-إن كان عقلكِ فقد صدقت، لقد استهلكته كثيرا للإيقاع بي، واما الباقي فكذب وافتراء، قلبك أحب لعبة بجنون فكسرتيها قبل امتلاكها، وجسدك فكان لغيري فاستباحه دون الحلال، توقفي عن الكذب وتصديقه.
تمسك رأسها بألم، تشعر بالدوار ورغبة عارمة في التقيؤ..
الآن يبصقها من حياته..يكفيها معاناتها من كمال..
تلك الأنفاس القذرة التي تعلمها..، همهمات مرعبة تصلها عبر الهاتف فيرتجف ثباتها، تلتهم المزيد والمزيد من المهدئات حتى اصبحت لا تستطيع التفرقة بين الواقع والخيال..بين الكوابيس والحقيقة.
تجلس بوهن أمامه..تشعر بالبرد..
تجذب سترته من جوارها تحتمي بها..تنتفض بخوف..
تمسك رأسها متزعزعة الروح..
-هل ظننت بأني ساذج إلى هذه الدرجة يا عاليا..اتنازل عن أحلامي بسهولة ولا أقاتل لأجلها..أنا لا أحبكِ، ولا أريدكِ، لقد دخلت إلى حياتي عنوة..تجاوبت معك تعلمت من ذكائك لاسترد حقي منك..حق أميرة التي اقحمتها بيننا، أمينة التي انطفأ النور بعينيها لفقدي..سالم الذي ابتعد وأوشك على تدمير ذاته.
ينزع سترته عنها بلا شفقة..
-أنتِ شيطان غير قادر إلا على الإيذاء..لا يحب، ولا يقدر قيمة الحب..لقد توقفت عند سن الخامسة عشر بعقدك وجنونكِ، أنتِ لم تشفي بعد يا عاليا وأمامك طريق طويل
يقذف سترته أرضا، يدهسها بقدمه
-طويل جدا..وستسيرين فيه وحدك
يشعر بثقل لسانها وقد أوشكت على التحدث، إلا أنها سقطت أرضا ليرتطم رأسها بقوة..لينتبه أخيرا إلى علبة الدواء الفارغة جوارها..
***
قراءة ممتعة🌸


هالة حمدي غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم جنة ♥♥
رد مع اقتباس
قديم 08-03-22, 08:55 PM   #178

هالة حمدي

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية هالة حمدي

? العضوٌ??? » 416048
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » هالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الرابع عشر

ظلال باهتة تسقط فوق وجهها فتزيده شحوبا، غطرستها دهست مع كرامتها في مواجهته معها قبل السقوط.
بينما هيبتها وذكائها الكريه تخلى عنها وهي بهذا الحال، منهكة الحركة لا تقوى على الالتفات، نفس الجدران البيضاء وذات الرقدة التي عاصرتها مرارا في حياتها.
شعور بالشماتة يتغذى عليه وهو يستند بكتفه على نافذة غرفتها، لا يستطيع تنحيته جانبا وهو يتذكر غيرة أمينة الشديدة عليه، وغيرته عندما وجدها تهتم برجل آخر حتى لو مداواته.
تفتح عينيها بتعب فلا تتسع، إنما هو شق صغير رأته منه عبر نافذتها، جاءها صوته المضطرب
-هل تعلمين مدى نشوتي وأنا أقطف ثمار انتصاراتي عليكِ، رعدة وجهكِ، وخوفكِ الشديد، انتشائي وأنتِ بين أحضاني ترتجفين رعبا من أنفاس لا تعلمين هويتها فيرشدكِ عقلكِ المريض أنه كمال.
قالت بصوت واهن موازي لضعف جسدها
-أنت جبان..خسيس.
قال بسخرية مريرة
-إنما أنتِ كنتِ منتهى النزاهة وأنتِ تدمرين حياة الجميع.
ارتفعت حدة صوته وهو يميل إليها يمنحها نظرة غاضبة
-أقسم أن رغبتي في الإنتقام منكِ كانت لتتزايد لولا معرفتي بجنونكِ، فما نفع انتقامي من امرأة فاقدة لعقلها لا تفهم ولا تعي مشاعر الكره أو الحب.
قالت وهي ترتجف بجنون، ترفع يديها الواهنة نحوه لتخمشه بأظافرها
-لقد بادلتني إياها أيها الحقير.
يبتعد بوجهه ليتفادى حركتها، يجيبها ببرود شامت
-إنجذاب جسدي، أنتِ خير من يعي هذه الأمور.
تهز رأسها يمينا ويسارا غير مصدقة، صورته التي تتهشم أمامها..
عبد الرحمن ليس شهما..رجلا..ولا يملك شيئا من النخوة كما قال جد خلود، كان يحيك الخطط لينتقم من أنثى لا حول لها ولا قوة، يتسلى على حسابها..يسمح لابن أخته بمشاغلتها..
حتما سالم مشترك معه في لعبته الحقيرة تلك، لقد أعدت لافتراقهم ولم تحسب لاتحادهم ولم تُعِد له.
لقد أضاعت سنوات عمرها في مشقة دراسته لتحظى به ولم تكن تعي أنه سيكون سبب هلاكها، تبتلع دموعها لا تقوى على ذرفها أمامه، فالأمر لا يحتمل خزي أكثر من ذلك
-أخرج.
اعتدل منتصبا في وقفته وكأنها منحته روحه من جديد، فقد بات كل ما حولها يشعره بنزيف أخلاقي، تجعله ينحدر حتى وصل للقاع.
منحها نظرة أخيرة، شامتة وحاقدة، يجيبها بصوت ارتطام قوي للباب وهو يغلقه خلفه.
***
مرت الساعات عليه وهو في حالة بكاء لا يتوقف كطفل صغير، آهات ملتهبة، ضاق كفه ذرعا من شدة صفعه للحائط مرارا وتكرارا دون أن يشعر.
هو في عالم الخواء الفارغ الآن، وقد توقف عن الشعور، وكأن جسده هائما في الكون الفسيح، وربما على سطح المياة كجثة وجهها للسماء، تتناقله الأمواج بلا حول ولا قوة.
يراها أمامه، صورتها ممزقة الروح تلاحقه فيتحول الفراغ لجحيم يأكل جسده حتى يتفحم، جليد مجددا يرحمه ببرودته القاسية، فيتأرجح بين سخونة قاتلة وبرودة مميتة.
يتقلب على جنبيه فوق سريره كالمحموم.
هو حتى لا يملك صورة لها، ولا ذكرى.
لقد كره وجودها حية وميتة، والآن ماذا يفعل كي يبدل كل شيء، ماذا يفعل كي يحبها ويجتر ذكرياته معها، وماذا يفعل حتى ينطلق لسانه بالترحم عليها!
يستمع لصوت رسائل الواتس آب ولا يعلم أين هاتفه، وذكرى قريبة بوجود سالم جواره، لقد أوصله إلى سريره وأعد له كوب ليمون، ساعده على الاستلقاء وغادر.
أميرة، بكائها، توسلها بأن "يقم"و"يشرب"لمساتها الحانية فوق صدره وهي تهزه، متى خلع حذاءه أو حزامه؟!
يمسك رأسه وقد بدت تلك الذكريات مشوشة.
لازالت وسادته رطبة من أثر البكاء، أو ربما لحظات سقوطه في المياة المجمدة، بات لا يعلم أين الحقيقة وأين الوهم؟
يومين كاملين بين المياة لو تذكر عطشه، وبين قطع صغيرة من الشطائر يأكلها رغما عنه وهو يبكي.
يقف مترنحا يتوجه إلى الحمام وفي طريقه تذكر حنانها الذي ينكره، ويسقطه عمدا من ذاكرته، يتذكر الآن أنه لم يذق طعاما جيدا منذ وفاتها، ولم يهتم به أحد اهتماما حقيقيا منذ رحيلها.
يمسك هاتفه من فوق الطاولة وهو في طريقه إلى الحمام، يفتحه ليجد رسائل من أميرة، ورسالة من رقم غير مسجل.
-أنا سالم هذا رقمي إن احتجت لشيء، خوذتك على الكرسي بجانب باب منزلك، ومفاتيح دراجتك جوارها، هاتفك فوق طاولة السفرة، كن بخير يا رجل.
يرفع بصره يتمم على أقواله ويصدقها بعينيه، يعود بنظره إلى الهاتف
-أرجوك طمأني عليك، هل أنت بخير.
تلك كانت بتاريخ رجوعه من منزل فوقية
-كيف حالك اليوم، هل تأكل، أرجوك أجبني؟
-محمد رد على رسائلي لا تتركني في هذا الحال، لا أستطيع نسيان حالتك وأنت تغادر يسندك أحدهم، أخبرني بأنك بخير فقط.
ارتخت قدميه تحته فسقط على ركبتيه وقد خارت قواه، ولازال هذا الشعور المتردد الحارق لا يقاومه بل يهبه روحه طواعية.
دقائق مرت عليه وهو على ذات الجلسة حتى أنَّت ركبتيه فاعتدل وما زال أرضا، تناول هاتفه الذي لا يعلم متى سقط عندما سمع صوت رسالة أخرى
-مساء الخير، أرجو أن تكون بخير الآن، علمت بأنك لم تأتِ للعمل منذ أول أمس، علها راحة تستجمع بها قواك، لا بأس المهم أن تكون بخير.
تمالك ذاته وكتب لها
-أنا بخير.
إجابة مقتضبه، ليهيم في جلد ذاته من جديد
***
حين تتداعى كل الصروح العالية، لتشعر بالعري أمام الاغراب..
وتسقط دفاعاتك فتكون كالورقة خفيفة الوزن التي تتناقلها وتستبيحها الرياح..
منذ جاء طارق وخلود إلى المستشفى، والضربات تتوالى بتبعاتها بسقوط أبنيته ..فذهبت أدراج الرياح.
-محاولة انتحار؟، كيف..عاليا تحاول الانتحار بعد أن تزوجت ممن تحب..سعادتها بالارتباط بك لم تكن تضاهيها سعادة من قبل، عاليا لم تفرح إلا عندما تزوجتك..ماذا حدث؟
يتمسك طارق بهدوءه الظاهري بينما دماءه تقتات على غضبه فيشعر بنوبة غضب تستعر بداخله لم يصل إليها منذ سنوات..
-لماذا توجد تلك الحبوب في منزلك من الأصل، لقد توقفت طبيبتها عن صرفها لها.
لازال عبد الرحمن مستندا برأسه على الحائط خلفه...يعاني صدمة مضاعفة مما حدث..يكفيه صراعه الشخصي عندما حاول تنفيذ انتقامه منها..
يكفيه تأنيبها لنفسه بأنه استقوى عليها برجولته وصلابته وحدة كلماته..
يتناسى ما فعلته معه ليستبدله بنهر وقسوة على الذات.
صوت هامس داخله يحثه على الدفاع عن نفسه..صوت شحيح يحتضر ينبأه أنه لم يخطيء وأن رجوعه عن طريق الانتقام ما هي إلا شهامة ونخوة منه..وأنها تستحق العقاب كما أخبره سالم..
يمسح على شعره مغيبا، مرهق الفكر..يرفع نظره بوهن نحو طارق الذي لا يختلف وهنه عنه
-اسألها..اسألها لماذا تريد الانتحار وقد فازت بما خططت له من البداية..اسالها لماذا كانت تجبر سكرتيرتها على جلب تلك الحبوب لها..ابحث عن إجابة تجعلها تهدد إحدى الفتيات بشرفها فقط لتحقق ما تريد..أختك اتبعت أقذر الطرق لتحقق ما تريد، لتسرق ماتشاء، لتحطم من أحبته كما قلت.
يجلس طارق يمنح قدمية جرعة راحة من طول الوقوف جوارها..يبحث عن ترابط بين ما قال ولا يجد، لكن كلماته جعلت وخزة قلبه تزداد..فهو شاهد على جنونها منذ الصغر، يقول بنبرة تائهة
-هل خدعتني بشفائها، مثلت أنها بخير، كانت لا تزال تعاني وأنا لا أشعر.
يلتفت نحو عبد الرحمن يتهمه
-وأنت، أين كنت وهي على هذا الحال، ألم تلاحظ، لماذا لم تقومها؟
وبنبرة قاسية أجابه عبد الرحمن
-أنت لم تلاحظ، ولم تقوّم وأنت تعرفها أكثر مني فمالي أنا؟!
يقف بجنون تلبسه، شعر بغضب المقصر، وأحس بحنق المتخاذل فهب يقول
-أنت تتهمني يا عبد الرحمن؟
-بل أخبرك أن أختك متلونة، خبيثة، قادرة على فعل أي شيء وكل شيء..أنا لا ائتمنها على اسمي بعد اليوم، لقد مللت من مصائبها واصبحت غير مجبور على التمادي في قصة لست أنا بطلها.
يحاول الانصراف، فيمسكه طارق من ذراعه، مشفقا عليها من أن تفيق ولا تجده
-عبد الرحمن، أرجوك، هي بحاجة لك.
يهز رأسه بخيبة امل
-هي بحاجة لمعجزة، أختك تشوه المفاهيم وتقلبها لصالحها، لا ترى الكون على حاله، لازالت تهرب منك ومن حمايتها، لازالت تحيك القصص وتجمح بخيالها، وتطورت به لتمثل دور البطلة تعيش أفراحها وأحزانها، هي لا تحتاجني، هي تحتاج للاستشفاء مني ومن كل ما ظنت بأنه طوق نجاة..بحاجة لأن تعلق قلبها بالله وتتقرب منه، عله يلطف بكم.
لم يعد بقادر على إيقافه أكثر من ذلك، وقبل أن يغادر صفع طارق بكلمة خدشت روحه، واسقطته صريعا لأفكاره، وكل ما بناه وحلم به لأجلها هدم
-عاليا طالق، لن أتحمل جنونها من جديد، هي تحتاج لمصحة مدى الحياة.
***
-هل أنت جاد يا طارق؟
تساله بتشتت، فيوميء برأسه لها إيجابا، فتردف
-لم أتخيل عبد الرحمن هكذا، يتركها وهي في أضعف أوقاتها.
تنظر خلود إلى عاليا المغيبة وتسألها بهمس
-ماذا فعلتِ هذه المرة يا عاليا، أم أن الذنب ذنبه؟
يسند رأسه على كفه بحسرة
-بل ذنبي أنا يا خلود..ذنبي أنا.
تقترب منه تسند سقوطه، ويعز عليها رؤيته هكذا من جديد بسبب عاليا وأفعالها
-هي أدمنت الحبوب، فأصابتها بالاكتئاب ورغبة في الانتحار، عبد الرحمن لا ذنب له.
تربت فوق ظهره
-هل أخبرك بشيء؟
-لا يهم..المهم أن هذا الحمل..حملي أنا، وعليّ ألا أشكو منه أبدا.
-هي بخير يا طارق لماذا تتحدث هكذا؟
-ليست بخير، وعلى الأرجح لن تكون.
-ماذا قال عن طفله.
-لم يتحدث عنه، وكانه لا يعلم.
-كيف لقد أتى قبلنا بها لابد وأنه يعلم.
وقت خروج الطبيب لم يكن هناك، أنا من قابلته..
-لماذا لم تخبره يا طارق، لكان عدل عن رأيه.
-لن أتركه يتحمل جنونها لأجل طفل، الله أعلم كيف سيولد، أتظنين بأنه سيكون معافى وهي تتناول أدويتها وكأن شيئا لم يكن!
-كيف لم تعلم بوجود طفل باحشائها، ألم تشعر بالغثيان ولو لمرة؟
تبتلع ريقها وتردف بتفكير
-ربما اختلط عليها الأمر مع أعراض الدواء.
-كانت تتخفى بالمساحيق لتداري هزلان وجهها عنا.
تضع كفها على فمها بخوف، عاليا ومصائبها التي لا تنتهي
كادت أن تتحدث مجددا، إلا أنها تراه مع كل كلمة يزيد من تعبه وخوفه، هي تعلم معاناته أثناء مرض عاليا، عاشت معها أيضا أيام صعبة، خطأ وقعت فيه..جرأة وفضول للتجربة..فرصة مواتية..دمرت حياتها كليا وكأنها لن تنعم بالراحة أبدا.
تتفهم حالته فصمتت، لعل الفرج يأتي قريبا
***
لايعلم كيف ركب دراجته، ولا كيف وصل إلى ابيه في هذا الوقت والجميع نائم ، هو لا يعي كم الوقت ولا أيا ممن حوله، فتحت له وردة التي لم تفلح عينيها المتخاصمة في استدعاء سخريته الدائمة منها
-أريد أبي.
بصوت منهك، خرج كما خرج، مثقل، متعب، مشوش كحالة ذهنه.
-إنه نائم، تفضل..تفضل سأوقظه حالا.
لم يستمع لما يدور حوله من صخب إيقاظ والده، ولا صوت زوجة أبيه صائحة في وردة
-اتركيني أنام.
ولم يعي لهفة أبيه وهو يجري نحوه وقد خاف من قدومه في هذه الساعة، بل لم يعي هز والده له وقوله
-محمد..محمد..بني، ماذا بك؟
يشير إلى زوجته لتحضر شيئا يأكله، فاتجهت وابنتها كالسهم مذعورين نحو المطبخ
قال والده بلهفة وقد لاحظ تلك الهالات القاتمة أسفل عينيه وانهاك وجهه، ذقنه التي استطالت بعبثية لم يعتدها منه
-محمد، هل تعاطيت شيئا ما، أخبرني يا ولدي لعلي الحقك، محمد..بني، هل أنت معي؟
قال بصوت يشبه الهذيان، وكأنها خرافات من يصارع كابوسا مرير
-أخبرني عن أمي يا أبي، احكي لي عنها.
ثم سقطت رأسه فوق صدر أبيه بغتة، وجسده ينتفض، بحرارة مرتفعة وهذيان أوجع قلبه، وكأنه جاء ليلقي أوجاعه بين أحضانه، يبكي موت أمه الآن.
***
يقتحم مكتبه بغضب، تمنعه أمينة لكنه لا يستمع إليها ولا يراها، يقف مباشرة عندما رأى طارق يدخل مكتبه بهمجية، وعلامات الإرهاق تملأ وجهه
-أخبرني بكل صغيرة وكبيرة حدثت بينكم يا عبد الرحمن الآن،لا تغفل شيء، إن كانت عاليا محطة في حياتك فهي كل حياتي، هي أختي التي لن ينقطع حبل وريدنا أبدا.
يخرج من خلف مكتبه، يتمعن في وجه طارق الذي بدا وكأنه يحمل ثقل أكبر من سنوات عمره..
يعرف أن هذا أثرها على كل من تعرفه، أشار لأمينة بالانصراف وملامحه متغضنة.
يلتفت إلى طارق الذي لازال على وقفته..
يحتار عبد الرحمن في إخباره بالحقيقة الكاملة التي قد تضر بأميرة وسمعتها..
-أختك احكمت المكائد حولي، عطلت شحناتي بالجمارك ذات مرة كما تعلم، والأخرى وضعت المخدرات بها لترغمني على الزواج منها.
يرتفع صدر طارق بصدمة مستهجنا أفعالها..
-يكفي هذا أم علي أن أخبرك بأنها لفت حول سالم وجعلته يقف ضدي ويرغب في الانتقام مني لأنني اخذت حبيبته، عاليا أغوته وذهبت إلى بيته، سحرته بجمالها وتحررها فرغبها، وعندما ذهبت إليها ساومتني، إن أردت الابتعاد عن سالم فلأتزوجها أنا.
انعقد حاجبي طارق بتفكير فينتشي صدره بمعرفة أخيها حقيقتها، بات لا يهتم أن قتلها..لكنه لايظن بأنه سيفعل، وإلا قد فعل منذ زلتها مع كمال.
-عاليا كانت تحتاج لكسر الرأس، لا التوجيه، أنا أراها مدللة، دوما ما تنال ما تريد، وأنا كنت ضمن أمنياتها.
يفتح يديه بتعجب ليكمل
-ولا أعرف لماذا، ولم أكن في مرمى بصرها لتراني من الأساس، أختك كانت لعنة دخلت حياتي لتدمرها وهي تظن بأني مكافأة القدر لها.
صمت طويل، ذكريات عاليا مع طارق تنساب أمام عينيه، هو يعلم جنونها لكنه لم يكن يتخيل أن تدخل حياة أحد لتفعل بها الأعاجيب هكذا، لكن سؤال اقتحم عقله وترجمه لسانه
-لماذا أرادت الانتحار يا عبد الرحمن؟
-لأنها تعقبتني في هذا اليوم ورأتني بصحبة سكرتيرتي أُنهِ أعمالي، فهاجت واتهمتني بأني على علاقة بها.
-لا أراه سببا للتخلص من حياتها!
-أختك تدمن الحبوب من وقت طويل بحجة أن لها أشباحها، تعاني القيء والارتجاف، وهناك مكالمات ما كانت تصلها ظنتها من كمال وبدأت حالتها في السوء.
يعافر بين الغضب، والكلل، لقد فقد طاقته معها، لقد حاول انتشالها مما تعانيه، لقد أوهمت الجميع أنها شفيت وهي لاتزال تعاني..
-من كان يجلب لها الحبوب يا عبد الرحمن.
وباجابة حاسمة قال
-لا أعرف، أختك لها طرقها في كل شيء.
أسبل طارق جفنيه وهو يحك جبهته بارهاق، يقول بصوت تلاشت منه الحياة فخرج متجمدا مرتجفا
-عاليا هربت من المستشفى يا عبد الرحمن صباحا.
يرفع عينيه بأمل نحوه
-ألا تعرف لها طريق قد أجهله أنا؟
رغم غضبه منها إلا أنه يشفق على طارق صدقا من أفعالها..
-لا..لا أعرف عنها أي شيء، لم أرها تتحدث إلى أحد أو ترغب في زيارة أحد، حقا لا أعرف.
لقد كانت دوما ما تمتنع عن زيارة طارق كلما وجه لها دعوة قابلتها بالرفض متعللة بأنها عروس وترغب تمضية جميع أوقاتها معه.
-هل..كانت علاقتكم ..طبيعية.
يجيبه بصدق تام
-كان يتخللها بعض الخشونة، غضبا مني، وعلمت أن الأمر على هواها بعد أن اخبرتني بسادية كمال عليها.
يخفض طارق بصره أرضا، خزيا من أفعالها التي تطوق عنقه..
بينما عبد الرحمن يقدر موقفه تماما، فلطالما شعر بتلك الأحاسيس وهي على ذمته، أيخبره بشعوره بالتحرر منها منذ انفتح فمه ولفظ طلاقها..
الآن هو يشفق على طارق، وكأنه ليس طرفا فيما حدث بعد أن طلقها..
كأنها مشكلة لا تخصه..
لا يشعر بالحنين إليها ولا بالشفقة عليها..
يتعاقب شعور الخزي والتيه على وجه الرشيد فتلتقطه عيناه هو لا يلومه، حقا لا يلومه.
بينما طارق أيضا يشفق على عبد الرحمن، فابنه ينمو داخل احشائها وهو لا يعرف..
يعلم بتعاطفه معه، وأنه تحرر منها بالأخير، لكن ما يغفله، أن عاليا لو انجبت وتعافت، سيكون رباطها بها أزلي...
***
لا تستطيع السيطرة على خفقان قلبها المجنون، حاولت الالتهاء بما تعمل إلا أن صوتهما العالي اخترق الباب ووصل إليها..
لم تهتم لسماع تللك التفاصيل إلا أن ما أسعدها أن عبد الرحمن الآن حر..
غير مرتبط بها، ولا بغيرها..
الآن تتحرر من غضبها وحنقها عليه..الآن..
تتوقف عندما تسترجع حديثهم الذي انتهى منذ ساعة أو يزيد، انتهى بخروج طارق بخطوات سريعة وكأن الشياطين تلاحقه..
تكمل عملها بشكل عادي إلا أن التفكير به لم يتوقف.
لقد انخفض صوتهم مرات عديدة، يبدو أنهم وصولوا للتفاهم وقتها..بينما ارتفع في مرات جلية سمعت حديثهم بوضوح..
ما يهمها في هذا الجدل الواسع لعاليا..هو أنه طلقها، وأنها انزاحت من طريقهم إلى الأبد..الآن سينظر إليها من جديد، ربما يطلبها للزواج غدا، فهو رجل ليس له عدة..
تزداد ضربات قلبها شوقا للوقت الذي يأتيها خاطبا لتطيب قلبه، وتزيل عنه ما خلفته عاليا من ندوب، يرن هاتفها فتجيب
-مرحبا يا أميرة، كيف حالك الآن؟
تتذكر حالة أختها في الأيام السابقة بعد ما حدث في شقة فوقية، كانت تبكي بكاء شديدا ببال مشغول، تشفق عليها من هول ما رأت، وزميلها ملقى أرضا على شفا الموت.
حظيت بيومين من الدلال الخالص بصحبة أختيها، رغم اهتمامهم بالخالة فوقية التي كانت في حال يرثى لها فور مغادرة محمد المنزل.
تستمع إلى ضحكة أميرة الخجول و تظنها تعافت أخيرا.
-حسنا ساعة على أغلب التقدير وأكون معكم.
تغلق معها..وتركز في الورق أمامها..تنتظر الأمل القادم المنبعث من طلاق عبد الرحمن.
***
"إلى اليسار"
يهتف بها سالم في أحدهم يحمل ماكينة خياطة فيحدد موقعها للعامل، بينما آخرين يلملوا عدة طلاء الحوائط ليغادروا..
اليوم انتهى من أعمال الطلاء، وفي نفس اليوم قام بشراء تلك الماكينات الحديثة..
هو لا يعلم هل يمكنها الخياطة أم تريد عاملات تحت يديها، هي تصمم وهن يحكن الملابس..
سيسألها..
هو لم يراسلها منذ أوصل محمد إلى منزله، كان آخر ما ناله نظرة جذابة من عينيها عندما عاد تحت بيتها ليعود بدراجة محمد، كانت تستمد من الليل هدوءه، ومن القمر هالته، سيموت فداء سعادتها.
رأته، ومنحته نظرة أمدته بالطاقة ليعود بدراجة محمد ويصعد مجددا إلى منزله ويضع مفاتيحه وخوذته.
وعندما أمسك هاتفه ليسجل رقمه، وجد رسالة من أميرة، كما يسجلها باسمها، ترجوه أن يطمئنها عليه، ليقرأ المحادثات بينهم، والتسجيلات، يبدو أنه لم يبتعد عن طريقها بعد ضرب عبد الرحمن له.
شعر بالحمية والغيرة الشديدة، دخل وقتها بهمجية ليوسع ذاك الأحمق ضربا، لكنه وجده على حال لا يحتمل معه أي شيء آخر، يبدو كمن يحتضر، لا ينقصه دفعة أو صفعة.
غادر لينظر في هذا الأمر لاحقا، ربما ستكون المرة الوحيدة التي سيفكر فيها بعقله منحيا غضبه.
انتهى العمال من تنسيق المكان، فعاد لسعادته الخاصة، يخطط في نفسه لتلك المفاجأة دون أن يتحدث إليها..
ربما يكون هدية نجاحها، هو يثق بأنها ستنجح، فحبيبته متفوقة في كل شيء..
ينصرف العمال، ويقف وحده أمام صرحه الصغير الذي أسسه لها..
لأجل عينيها..
إيما يجب أن تكون ملكة، رائدة، تدير العالم من عليائها..
لم يتردد للحظة في فعل ما أقدم عليه..
لقد حدد مشاعره، وبناء عليها تصرف..
يحبها..إلى الحد الذي يجعلها لا تفارق عقله..
يعمل لأجلها، ينجز هذا الصرح لأجلها..
كل أمواله وعقله وأفكاره لها وحدها..
هي لا ينقصها شيء بينما هو من يحتاجها..
يرن هاتفه ليجيب عبد الرحمن..الذي يريد مكانه، يحتاج للحديث معه..فأخبره سريعا بالعنوان، ليقف منتشيا بانجازه، في انتظاره..
يجوب المكان بتمهل، ينظر إلى مكتبها..
لقد اشترى لها أجود الأوراق، وأرقى الأقلام في عالم الرسم..
يتوق لرؤيتها لكنه ضرب على قلبه، وأخبره أن الحلال أقصر الطرق..
يستمع لخطوات داخل المكان، يلتفت إلى خاله مرحبا به، يحتضنه...
رغم تخلصه من عاليا وطلاقها، إلا أن وجهه ليس بخير، وكذلك جسده الذي عكس همومه فنحل عما كان.
لم يعد خاله القديم بل زادت الأعباء ارهاقه..
يتأمل المكان بوجهه
-ماشاء الله، ستكون خياط شهير قريبا يا سالم.
-لا..ليس لي.
يتصنع التفكير، يفرقع بأصبعيه
-آه..إيما.
يتذمر من ذكر خاله اسمها هكذا
-أرجوك ستفضحني، لا تلوك اسمها هكذا فتتهمنا أمينة أن شيئا ما يجمعنا خلف ظهرها.
وعلى ذكر أمينة ..لانت ملامح عبد الرحمن، رغم حزنها.
يحتاج إلى وقت ينسى ما حدث بينه وبين عاليا.
-أريد ان اتزوجها.
-هل أنت جاد؟
-نعم.
-كيف ستتحدث اليها يا سالم...
-هكذا.
وبدأ بعمل إشارات بيده، وعلى فمه، لامس عينيه..وجهه..وعبد الرحمن يقف عاجزا أمام ما يراه، لقد تعلم سالم من أجلها لغة الإشارة..
يحك ذقنه مبتسما
-وماذا لو أتى صغارك يحملون نفس المشكلة؟
-لها خالتين، وأنا وأنت، كلنا نتحدث، لن ننقطع عن بعضنا، سنكون عائلة كبيرة يا خالي..أنت وأمنية وأنا وإيما،لن أتوقف عن زيارتكم، أولادي لن يتوقفوا عن الحديث، سيكونوا مثلي، يميلون للرغي المتواصل بدون قيمة.
جمع سالم اسمه بأمينة جعل هذا الراكد المتوقف بفعل التراب يئن، متراخيا إلا أنه ما زال حيا في صدره..
يلقنه سالم درس في الحب والتراحم وبناء العائلة..
لكم أحب كلماته..
-حسنا، حدد الوقت الذي تريد الذهاب فيه لنطلبها، أنه اختيارك وحياتك بالأخير.
يصدم كفه بقوة علامة الموافقة..
سعيد هو بما وصل إليه..ينتظر نتيجتها بفارغ الصبر..
ونجاحها.
-أود الحديث معك بشأن محمد.
عقد حاجبيه متذكرا
-محمد!
-أجل، من كدت تفتح سيارتك لتتخلص منه ونحن ننقله إلى منزله.
-وهل أعجبك المنظر الذي وجدناه، بساط في غير مكانه، ثلاث فتيات ورجل مفكوك حزامه وحذاءه، وحوله ثلاث فتيات، ألم يثرك ويضايقك أنت الآخر.
لا ينكر ضيقه وغيرته إلا أن الأهم الآن شيء آخر
-أميرة لازالت تتحدث إليه ، وبينهم تسجيلات صوتية أيضا، وما استشعرته بأنها تكن له المشاعر.
مرق الغضب فوق عيني عبد الرحمن يستمع لحديث سالم بصبر
-لقد انقطعت عن الحديث معه لشهر كامل، لقد انبتها ايمان.
شعر بالفخر فلم يستطع منع ابتسامته الشقية مع تذكرها فصاح به عبد الرحمن
-أكمل.
تنحنح سالم وأردف
-وتلك المرأة التي كان في بيتها رأت اتصاله بها، لابد وأن ما حدث هناك يومها متعلقا بأميرة، ألا تظن ذلك؟
خوفه على أخت أمينة وتربيتها لهم جعلوه يشرد فلكمه سالم بلطف
-خالي، ما رأيك؟ ربما فوقية هذه علمت بما يحيكه محمد لها فطلبت منه المجيء لتأنيبه، ألم ترى لهفة أميرة عليه ودموعها ووجهها المتألم، وصراخها فيك، هي تحبه لا محالة.
يزن الكلمات برأسه
-ما علمناه أن فوقية هذه لها زوج، فهل تدعو رجل غريب لبيتها وزوجها غير موجود وهن لديها، حتما لكانت أمينة تعرف على الأقل، لو كان الأمر كما تقول لكان من الأفضل دعوته في منزلهم لا منزلها، ولربما دعته خارجا، لا أظن الأمر هكذا.
وازداد تفكيره فاردف
-ثم إن حالة الرجل لا تنم عن سب أو إهانة أو حتى تهديد بعدم الاقتراب من أميرة، الأمر مهيب كي يصل بشاب كهذا لتلك الحالة، ألم ترى ضخامته يا سالم، أن يسقط بهذا الشكل، هو غريب، وراءه سر.
أردف بشرود
-اتعلم ما الذي لا أفهمه حتى الآن، يوم ذهبت إليه لأضربه لم يقاومني، بل تلقى ضرباتي صاغرا وكأنه مستمتع أو ما شابه، لقد كان بإمكانه رد ضرباتي أو صدها على الأقل، هناك شيء غير مفهوم.
-ربما يحب أميرة بصدق، عندما طلبت منه الابتعاد امتثل ولم يراسلها.
-وما ادراك، ربما كان يهاتفها، لا نملك دليل.
يهز سالم رأسه لينه الحوار عند هذه النقطة، وقد أنهكه التفكير.
***
ترى حبات البوشار تقفز في الطنجرة أمامها، تعد ثلاثة أطباق لهن، ولا تستطيع رفع عينيها عن علبة الحلوى، التي يذكرها طعمها بسالم على الدوام..
تفتح العلبة، تتناول قطعة صغيرة وتعيد إغلاقها من جديد، التقطت حوالي خمسة قطع وهي في انتظار انتهاء البوشار..
تنحنحت براحة..
تضع ما صنعت في صحون عميقة، وقد أعدت أميرة حلقات تشارلي تشابلن كي تشاركهم إيمان المشاهدة..وقد ارتاحت بعد تلك الرسالة الفقيرة التي أرسلها لها بأنه بخير، لا تعرف المزيد عنه لكنها لا تتوقف عن التفكير فيه وفيما يعانيه.
تمنع نفسها بشق الأنفس عن الإتصال به، تخبر نفسها بأنها ستطمئن عليه من صوته ثم تعلق سريعا، وبعدها تتراجع عن أفكارها.
الخالة فوقية في حالة صمت وسكون تام، تمتنع عن الخروج من شقتها، وكذلك هن لا يثقلن عليها وهي بالأخص، تزورها وتتودد إليها وتغادر بهدوء، منزعجة من وجهها القاتم وصمتها الدائم، مشتاقة لنكاتها التي لم تكن تضحكها، وترغب في حديث تعلم منه ماذا جرى بينها وبين محمد أدى بهم لهذا الحال.
تأمل أن تخرجها تلك الحلقات من كآبة أفكارها وهلعها عليه، ولازالت هيئته وهو ملقى أرضا تراودها في أحلامها، شعورها بأن الإنسان ما هو إلا لسان يلقي بكلمات هنا وهناك ولكنه في لحظة قد يصمت للابد.
خافت فقده كفقد جميع من أحبت، بل أغلى من أحبت، بات الموت هاجسها الذي تخشاه، وها هي قد كانت على وشك فقدانه هو الآخر.
تتعالى ضحكات أخواتها بينما هي تكتفي بابتسامة تجاري الوضع، وداخلها لا يزال يحترق بمجرد التفكير فيه.
إيمان تراقب بصمت حكيم، ما حدث في شقة الخالة فوقية شيء كبير لم يعلموا سببه حتى الآن، لكن ما همها هي مشاعر أختها التي تيقنت بأنها تحب ذلك الشاب لا محالة، عينيها الشاردة الآن تخبرها بأنها لازالت تتوجع لأجله، ليتها تعرف ما حدث، فالجميع يمتنع عن الإجابة.
بينما أمينة تضحك بصخب، وكأنها تعاكس ما تشعر به، تتعجب من ضحكاتها بنفسها رغم حزنها وأرقها مما يحدث لها ولعبد الرحمن، وكأنها تفرغ بؤسها ونكدها بالضحك.
قطع سهرتهم الغريبة رنين هاتف أمينة، أجابت سريعا عندما وجدت اسم خلود
-مرحبا يا أمينة، آسفة لمحادثتي لكِ في هذا الوقت، لكني أريدكِ في أمر هام، اعذريني.
-تفضلي يا خلود..لازلت مستيقظة.
-ألا تذكرين مكان ما ذكرته أمامكِ عاليا ذات مرة، أو ربما اسم صديقة..هل تعرفين أي شيء أو مكان يمكنها الذهاب إليه؟.
-للأسف لا يا خلود، حدودي كانت العمل كما تعلمين، كنت أخبركِ بكل شيء، لقد علمت اليوم ما حدث، لقد أتى السيد طارق إلى المكتب اليوم وكان غاضبا، آسفة لمصابكم، ستجدونها إن شاء الله.
-يا رب يا أمينة، طارق يكاد يجن عليها..خاصة أنها حامل وتتعاطى الحبوب، خائف على الجنين من تهورها، عالقين نحن بين إيجادها وبين إخبار عبد الرحمن بالحقيقة.
وكأن أحدا ما شق قلبها بطعنة قاتلة في لحظة، تجهم وجهها..كاد الهاتف أن يسقط من يديها ونبضها تحول إلى نبض الموت، خافت..بارد..
-إن علمتِ شيئا يا أمينة أخبريني أرجوكِ، حتى لو من عند عبد الرحمن، ربما تلاحظين أي شيء..آسفة إن أزعجتكِ حبيبتي، إلى اللقاء.
أغلقت الهاتف وصدرها يؤلمها، يتابعنها وقد تحولت ضحكاتها إلى حزن وشحوب..
لم تنتبه لنفسها وهي تترك طبقها لتدخل غرفتها غير مصدقة ما يحدث معها..
عاليا تحمل طفله..
لقد كانت حياتهم طبيعية كأي زوجين، وهي التي تمسكت بآخر طرف لربما لم تعجبه..
حامل منه، تحمل نطفته..
والأصعب أنه لا يعلم..لقد حملت بطفله وهربت، أي مصيبة تلك التي حلت فوق رأسه..ورأسها؟!
***
يشعر بالخوف الشديد على ولده، هو لم يشاهده بحالة كتلك من قبل، حاول أن يستنطقه فلم يكن محمد بوعيه ليجيبه.
-الحساء يا عمي.
ناولته وردة الصحن الدافيء، يدعو أن يساعده ولده ويتناوله بعد أن رفض الدواء منذ قليل.
أنّاته في نومه تشعره بأنه يعاني شيئا ما، هل فقد حبيبة، تعاطى شيئا ما ،هو يثق به كل الثقة، ليس ككل الشباب ولا يعاقر شيئا سيء، ينظر إليه حيث الضوء الخفيض في غرفة وردة التي احتلها وولده الليلة حتى يفهم ما الأمر، سيجاوره اليوم فهو بحاجته.
-محمد، بني..استيقظ.
شفاهه البيضاء أخبرته أنه لم يتناول الطعام منذ وقت طويل
-قم يا بني لكي تأكل.
يضع كفه على جبينه وقد تعرق كثيرا أثناء نومه ففطن أن حرارته قد انخفضت.
يرفع بصره إلى أبيه ولازال متوسدا ومتلحفا بالأغطية، ربت والده بحنان فوق رأسه، يمسح عنه عرقه، فيقول محمد
-حدثني عن أمي يا أبي..أرجوك.
فتحمر عينيه فجأة وتنزلق الدموع من عينيه
-لماذا طلقتها يا أبي، لماذا لم تتحملا لأجلي، لماذا جعلتماني مشتت بينكما لا أعرف الصواب من الخطأ.
ينحي الصحن جانبا ويعتدل في جلسته ليقابل ابنه في نومته ويقول بنبرة حانية
-لقد علمناك الصواب والخطأ يا محمد، لقد فعلنا يا بني.
-لماذا طلقتها؟
تخرج الهاء بوجعه وأنفاسه الشاهقة كطفل في السابعة، يجذبه والده وقد رق قلبه لابنه، فأسند محمد رأسه على كتف أبيه مستسلما للوهن الظاهر من عظامه.
-هناك أشياء لا يجب أن تحكى يا محمد خاصة أن أمك توفت يا ولدي.
يبتعد عن احضانه، فيرى والده دموعه المتلألأة في هذا الضوء الأصفر.
-بل انتحرت.
تنهد أبيه قلقا، هو لم يتعاطَ حديثا عن انتحار أمه من قبل، ظن أن بتجاوزه لربما كان أفضل لهما.
-لا أعرف لذلك سببا، لقد كانت أمك إنسانة سوية فاضلة، شريفة، مؤمنة بربها، لا أعلم ما الذي جعلها تخطو نحو هذا الفعل، وأيا كانت أسبابها ليس من شأني محاسبتها.
يتشرب كلمات أبيه كالأرض العطشى، سأله بغتة
-هل كانت تحبني يا أبي؟
-أكثر من أي شيء، لقد فعلت كل شيء لأجلك، حتى طلاقنا كان لأجلك بني، لقد وصلنا لمرحلة في زواجنا لم يستطع أيا منا تحمل الآخر، هي متعلمة وعاقلة، وأظنني كذلك، جلسنا جلسة متحضرة خائفين على تأثير عدم تفاهمنا عليك، واتفقنا على الطلاق، منحتها حريتها شريطة ألا تحرمني منك وقد فعلت، بل حافظت عليك، وجعلتك رجلا أفخر به، لقد تركتها ثلاث سنوات ولم أهتم بامرأة بعدها، وانتظرتها ربما تهدأ ونعود، لكنه النصيب يا ولدي..النصيب.
يزداد بكاءه وارتجافة جسده فيقول أبيه
-ما الذي تعانيه يا محمد، أخبرني يا بني، إن كنت ضللت طريقك يمكننا العودة، أنا جوارك، لا تخشى شيء.
يعود إلى نومته مرتجفا، يجذب الأغطية حتى عنقه، وحب والده لها يصيبه بتأنيب مضاعف، لقد حرمه منها بغباء وحمق، وطيش أهوج.
يخرج صوته مكتوم من تحت الأغطية
-ذكرني بها يا أبي، قص لي ما لم تُسمِعني إياه يوما، احكي لي عنها وعما أحبت وكرهت.
يعذب نفسه، ويجلد ذاته بتلك الطلبات، لكنه لا يملك سبيلا للتكفير عن جرمه سوى ذلك.
-وأين ذكرياتك أنت عنها؟
أيخبره أنه محاها من عقله، بات يكرهها حتى توقف عن التفكير فيها
-سأحضر لك البوم الصور الخاص بنا، لكن بشرط، أن تحتسي هذا الحساء، وإلا ارسل لك وردة تطعمك إياه بيديها.
ثم يحرك رأسه بمسرحية، فتنفرج شفتيه بابتسامة، وعينيه لازالت تذرف دموع الأسف والحسرة.
***
قراءة ان شاء الله ممتعة🙈


هالة حمدي غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم جنة ♥♥
رد مع اقتباس
قديم 09-03-22, 12:35 PM   #179

عزيزات

? العضوٌ??? » 479608
?  التسِجيلٌ » Oct 2020
? مشَارَ?اتْي » 211
?  نُقآطِيْ » عزيزات is on a distinguished road
افتراضي

فصل جميل جدا واصلي يعطيك الصحة .

عزيزات غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-03-22, 04:03 PM   #180

sara13
alkap ~
 
الصورة الرمزية sara13

? العضوٌ??? » 129040
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,632
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » sara13 has a reputation beyond reputesara13 has a reputation beyond reputesara13 has a reputation beyond reputesara13 has a reputation beyond reputesara13 has a reputation beyond reputesara13 has a reputation beyond reputesara13 has a reputation beyond reputesara13 has a reputation beyond reputesara13 has a reputation beyond reputesara13 has a reputation beyond reputesara13 has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

شكرا على الرواية الرائعة

sara13 غير متواجد حالياً  
التوقيع

رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:08 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.