آخر 10 مشاركات
زوجة لأسباب خاطئة (170) للكاتبة Chantelle Shaw .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          كلمة واحدة..للكاتبة blue me .. *كاملة* المتسابقة الثالثة** (الكاتـب : ميرا جابر - )           »          [تحميل] عِشق بِلا قُيود../ للكاتبة شخصية خيالية (مميزة )(جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          ومضة شك في غمرة يقين (الكاتـب : الريم ناصر - )           »          [تحميل] مهلاً يا قدر ،للكاتبة/ أقدار (جميع الصيغ) (الكاتـب : Topaz. - )           »          داويني ببلسم روحك (1) .. سلسلة بيت الحكايا *متميزه و مكتملة* (الكاتـب : shymaa abou bakr - )           »          الفرصة الأخيرة (95) للكاتبة: ميشيل كوندر ...كاملة... (الكاتـب : سما مصر - )           »          38 - ضحية الاخرين - روزانا مارشال - روايات عبير الجديدة (الكاتـب : samahss - )           »          7 - شهر عسل مر - فيوليت وينسبير - ع.ق ( كتابة / كاملة )** (الكاتـب : أمل بيضون - )           »          جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة (1) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree12256Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-11-22, 06:38 PM   #1021

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile21 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الحادية والثلاثون: القسم الأول


القصاصة الحادية والثلاثون
(نشرة أرصاد الهوى)

طقس مضجر بارد بلا موج ولا بحر.. لا شيء يشعله.. لا برق ولا رعد..
وعينان كانتا هادرتين صاخبتين، باتتا جامدتين لا تتراقص بهما جذوة أو يضيئهما حطب..
وبحر بكهف الهوى منتحرٌ، لا أمواجه على عزف الهوى ترقص ولا شواطئه بالغرام تفيض..
يسقط على ساقيه متهاويا، يصرخ بوجع:
وحوش الحروب تنهش لحمي وكل ما بداخلي صار خرابا ودمارا.. تدنست مناراتي وتلوثت شطآني وسفني العالقة على بوابة الجحيم تصرخ.. تستغيث.. تطلب الإذن بالفرار.. للهاوية..
كيف ستسكن وجداني الذي لطخه الظلام ودنسه الظلم والقهر والإذلال؟..
كيف أحبها بقلب ضرير؟ كيف أبقيها بقلب ذبيح؟
أنا حيٌ أُهيل عليه التراب، وخاطري لآمالي الضريح..




مرت بضعة أسابيع ولا يزال يعجز عن لقائها منذ تلك المرة الأخيرة بمرآب المركز الطبي.. يشعر أن جميع الخيوط بينهما قد أوشكت على التمزق ولن يجد بعدها وسيلة ليقترب من عالمها النقي..
لقد حاول أكثر من مرة أن يغادر ذلك المستنقع الذي ألقى نفسه به قبل سنوات عديدة بذراعين مفتوحين، ظنا منه أنه يمكن أن يحظى بقبس من الجنة خلف كل تلك الأضواء المبهرة، فلمّا اقترب بما يكفي، أدرك أن تلك الأضواء ما هي إلا ألسنة لهيب، تحرق لا تدفئ..
كان اختياره لهذا العمل في بادئ الأمر بمثابة دفعة معنوية هائلة لكبريائه الممزق على يد حبيبته، لكنه مع أول مهمة، ظهرت له الحقيقة العارية..
أن عمله هذا وإن كان يروق لبعض الرجال ويزيدهم زهوا وغرورا بوسامتهم وفحولتهم، إلا أنه ينتقص من اعتداده بنفسه مرة بعد مرة.. تماما كنبتة (الدرع الفارسي) التي أصابتها شيخوخة مفاجئة فتخشبت أوراقها البنفسجية وصارت تسقط تباعا، حتى تغادرها الحياة تماما فتصبح حيزا مجوفا من الفراغ الذي لا يزوره لون ولا ضوء..
والآن وبعد قرابة عشرين عاما بهذا العمل القذر، يشعر بوران أوزديمير أن روحه بالفعل على وشك الاقتلاع من صدره لتترك محلها فراغا أبديا لن يفلح أبدا في ملئه وإن حيزت له كنوز الدنيا..
خرج من شروده على رنين هاتفه معلنا ورود محادثة مرئية جديدة عبر تطبيق Skype من مديره – أو مهندس المهمات لدى تلك المنظمة السرية المشبوهة – والذي افتتح كلامه بنبرة ظاهرها النصح وباطنها التهديد، قائلا بلغته التركية:
“Seni çok kolay davranıyorum.. Kendini gel, lan”
"إنني أتساهل معك كثيرا يا ولد.. عُد لرشدك"..
سخطٌ كسا نظرات بوران الذي قال بنبرة شبه دبلوماسية ولكن بكلمات صريحة دون مواربة:
“Yorgunum.. Bu işten çıkıyorum. Sıkılmıştım ya..Bıktım artık.. Anladın değil mi?.. devam etmek istemiyorum.. canım yakıldı işte”
"لقد تعبت.. لا أستطيع المواصلة بهذا العمل.. مللت يا هذا.. سئمت.. اكتفيت.. ألا تفهم؟ لا أريد المتابعة.. لقد احترقت روحي"..
بنبرة توبيخية خرجت كتهديد مباشر، قال مديره هاكان ألتان:
“çıkmak çok kolay, değil mi dersin?”
"تظن أن الانسحاب أمر سهل للغاية.. ألست كذلك؟"..
صمت بوران ولم يجد ما يرد به، فهو يعلم جيدا صعوبة الخروج من تلك المنظمة، خاصة وكثير من الأسماء المشهورة متورطة معها، لكنه كان يظن أن هاكان ألتان بإمكانه مساعدته، فهذا الرجل برغم كل شيء كان يعامله ببعض اللين، مقارنة ببقية العملاء الآخرين كونهما من نفس البلد، لكن الوجه الصلب الذي يواجهه به حاليا، يخبره أنه لن يفلح أبدا في جعله يلين بما يكفي لكي يمنحه صك التسريح من الخدمة ..
وكيف يتخلون عنه الآن، وهو بقمة نجاحه المهني كممثل ويلفت أنظار النسوة صاحبات الرغبات القذرة أكثر من أي وقت مضى!!.. وهذا تحديدا ما أكده مديره حين قال:
“En çok aranan erkek sensin. Kadınlar seni ada göre istiyor, nasıl ayrılmalısın?”
"كيف أسمح لك بالمغادرة بينما أنت أكثر الرجال طلبا؟ النسوة يطلبنك بالاسم"..
زفر بوران بغضب وقد اشتعلت كل خلايا جسده بمزيج من الانزعاج والاشمئزاز، لكن هاكان تابع بنبرة أهدأ، حرص على أن يغلّفها بتعاطف كاذب:
“Kız kardeşiniz için ne yaptığımızı unutma.. Tüm bu yardımı aldı çünkü sizi destekliyoruz”..
"لا تنسَ ما فعلناه من أجل شقيقتك.. كل المساعدات التي تلقتها كانت بفضل دعمنا لكما"..
رفع بوران كفيه يفرك وجهه شاعرا بالتخاذل.. هل سيقرر معاداة المنظمة الآن، بينما أخته بحاجة لهم؟؟
لينتظر قليلا حتى يطمئن لاستقرار وضعها الصحي وعدم حاجتها لهم، ثم يقرر وقتها الابتعاد وليكن ما يكون..
أخرجه هاكان آلتان من شروده، بقوله:
“Moskova'da yeni bir görevin var.. bu sefer, müşteri güçlü bir mafya patronunun kızı.. Tüm isteklerine uymanız ve onunla işbirliği yapmanız gerektiğini hatırlatırım.. Oturumun sonunda tamamen memnun olduğundan emin olun, ya da başka bir şekilde babasının herkesle öfkesi olur.. ”..
"لديك مهمة جديدة في موسكو.. العميلة هذه المرة ابنة رجل مافيا يده طويلة.. لا أحتاج لأن أنبهك لأن تنصاع لكل رغباتها وتجعلها سعيدة تماما بنهاية اللقاء، وإلا سيكون الرجل غاضبا من الجميع"..
بعد عدة ساعات، وبينما كان بوران يتأهب لركوب الطائرة التي ستقله إلى العاصمة الروسية موسكو برحلة قصيرة تستغرق يومين فقط، أسرع بإرسال باقة من زهور الفريزيا، للدكتورة مرح والي على عنوان عيادتها داخل المركز الطبي بدبي عبر أحد متاجر الزهور التي تقدم خدمة الدفع الإلكتروني، دون أن يرفقها ببطاقة أو توقيع، لكنه لم يستطع أن يحرم نفسه من إرسال رسالة صوتية لحسابها عبر انستجرام..
وبينما كانت طائرته تحط بمطار مطار موسكو شيريميتييفو الدولي، جلست مرح بعيادتها مساء بعد رحيل آخر مريض تنظر لباقة الزهور البيضاء ذات الشكل المخروطي المميز والتي ترمز للبراءة والنقاء، بينما تضع سماعة الأذن اللاسلكية تعاود الاستماع لرسالته التي جاء خلالها صوته مفعما بالوجع والهزيمة، قائلا بإنجليزية غير أنيقة:
“I have grown used to inferno burns.. Breathing blaze, and not being able to see but garbage in my reflection through the mirror.. Then, just one look at you and I have been craving pureness.. I have missed the scent of angels in your special odur. I have become greedy for the serenity of Eden and it’s rivers between your arms.. You are my pain, my illness and medicine.. Will there be repentance for devils?”
"كنت قد تعودت الاحتراق بالسعير .. أتنفس اليحموم ولا أرى سوى القمامة بكل مرة أنظر للمرآة.. ثم نظرة واحدة إليكِ واشتهيت النقاء.. اشتقت لشذى الملائكة في عبيركِ الخاص، طمعت بسكينة عدن وأنهارها بين ذراعيكِ.. أنا موجوع بكِ.. أنتِ دائي ودوائي.. هل من توبة للشياطين؟"
ظلت مرح تعاود الاستماع للمقطع الصوتي مرات ومرات، حتى بعد عودتها لبيتها.. وهي تسأل نفسها السؤال ذاته الذي ألقاه بوران على مسامعها: (هل من توبة للشياطين؟)..
في النهاية، قررت مرح أن الشيطان لكي يتوب يجب أن يكسر بنفسه قرنيه ومذراته، وإلا لن يصبح لتوبته معنى وستكون مجرد كلمات مرسلة لا تساوي شيئا على أمر الواقع.. لذا، أمسكت هاتفها وسارعت تحجب حسابه من التواصل معها عبر التطبيق نهائيا..
على قارة أخرى، كان بوران يجلس بغرفة سفلية فسيحة بقصر فخم بأحد ميادين مدينة موسكو.. ينتظر السيدة يالينا أورلوشكوف ابنة زعيم المافيا الروسي الشهير بوريس أورلوشكوف الذي تضخمت علاقاته حتى وصلت بكبار رجال الساسة في بلده وأغلب دول أوروبا الشيوعية..
الغرفة المقبضة كانت تبعث في النفس التوتر بديكوراتها الغريبة، فتقريبا كل جدرانها من القضبان السوداء المكسوة بطبقة من الزجاج الداكن الذي يحجب رؤية المتطفلين من الخارج.. أغلب مساحتها الشاسعة فارغة إلا من بعض قطع الديكور المحدودة، حيث لاحظ وجود ثلاجة صغيرة وأيضا موقد مسطح ومساحة جانبية خصصت كحمام، بينما يتصدر أحد جدرانها سرير ضخم بأعمدة معدنية طويلة تصل حتى السقف..
أخبره أحد الحراس بإنجليزية ثقيلة أن ينتظر (أميرة موسكو المدللة) - كما يُطلقون عليها بوسائل الإعلام المحلية - داخل الغرفة جالسا على المقعد الجانبي المواجه للسرير..
بعد قليل، دلفت الأميرة يالينا التي لاحظ بوران بالنظرة الأولى أنها تبدو بمنتصف الأربعينات من العمر.. أي تكبره بحوالي سبع سنوات على الأكثر..
كانت ترتدي تنورة جلدية سوداء قصيرة وقميصا حريريا ذهبيا بأكمام قصيرة وحذاء بكعبين مستدقين شديدي الارتفاع.. أما شعرها الأشقر المائل للون الفضة، فقد جمعته في شكل ذيل حصان.. ربما لكي تشد جلد وجهها حول العينين فتبدو أصغر عمرا.. بينما اكتشفت لزينة وجهها بتحديد عينيها بكحل أسود ثقيل ورموش اصطناعية ممتدة مع أحمر شفاه قرمزي داكن يطابق نفس درجة طلاء أظافرها الطويلة..
حين دلفت للداخل، كانت تمسك بيدها مشجبا خشبيا معلقا عليه فستانا مخمليا أزرق اللون، بتنورة قصيرة واتساع غريب لا يناسب قوامها الضئيل، فنهض فور أن اقتربت لتقف قبالته وقال على سبيل المجاملة بإنجليزيته:
“Nice dress”..
"فستان جميل"..
أما يالينا، فقد طالعته من أعلى لأسفل ببطء بنظرة تقييمية، لتلتمع عيناها برغبة ضارية تشبه شهوة الضبع حين يسيل لعابه عندما يقترب من جثة متعفنة، قبل أن تقول بلغتها الأم بنبرة متسلية:
“это не ко мне”..
رفع بوران حاجبيه بعدم فهم، ولو كان قد تعلم قليلا من اللغة الروسية، لكان فهم أنها قد قالت: "إنه ليس لي"، قبل أن ترمي المشجب بإهمال ليسقط الفستان على الفراش، فتمد كفيها تدفع بوران، ليتراجع للخلف بعنف حتى يلتصق تماما بالجدار، قبل أن ترفع أظافرها المسننة لتخمش جانبي رقبته، وكأنها تصر أن تترك علامتها الخاصة عليه، قبل أن تسحبه لقبلة متوحشة، تركت لديه - حين ابتعدت عنه لتلتقط أنفاسها - رغبة بالتقيؤ وكأنه قد تشمم مجددا تلك الرائحة القذرة التي تلازمه في كل مهمة جديدة..


يتبــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 07-11-22, 06:40 PM   #1022

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewity Smile 1 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الحادية والثلاثون: القسم الثاني

رمت هاتفها جانبا وتنهدت بتعب بعد أن أنهت مكالمتها مع شادن.. تطلعت أمامها لتجده يجلس أمام الشاطئ وعلى بُعد عدة خطوات آمنة من الماء، خوفا من غدر الأمواج لئلا تلهب وجهه ورئتيه بأسواطها الخانقة..
مرت أسابيع قليلة منذ عودة بحر من آسره، ولا تزال تقيم معه ببيت عائلته في السويس.. لقد أخبره الأطباء أنه لم يعد بحاجة للمتابعة الحثيثة فحالته أصبحت مستقرة تماما، ولكن عليه استكمال تناول بعض الأدوية الخاصة بالمعدة لفترة أخرى بعد..
بالفترة الأخيرة، لم تعد أمواج تظن من جدوى لتواجدهما هنا، فحاله لم يتغير كثيرا عما كان عليه منذ اليوم الأول.. يأتي كل صباح للجلوس أمام البحر حتى موعد الغروب تقريبا، ثم يغادر للمنزل ليجلس بغرفته التي تشاركه النوم بها، يشاهد أي برنامج تليفزيوني دون تركيز حقيقي للمتابعة، قبل أن يستدير مواجها الحائط متظاهرا بالنوم حتى الصباح..
منذ عاد بحر من معتقله اللعين، وهو يتصرف بآلية ولا يُظهر أي نوع من المشاعر، لكنه على الأقل بدا متماسكا..
لا تزال أمواج تتذكر النظرة الأولى التي رمقها بها عندما التقت أعينهما بالمستشفى بعد أن غادرته الحمى..
بدت مقلتاه ساكنتين، شواطئهما جامدة غادرتها الحياة ، حتى أنوائه وعواصفه هاجرت فأمسى الفراغ يسيطر على بنيتهما فيحولهما لأسود الكآبة... دكنة زادت نظراته الجامدة رعبا، كبحر خالط صفحته بقعة زيت ضخمة فثقلت ماؤه وباتت عاجزة عن التلاطم والتراقص أمام شطآنه.. تماما كبحر ميت..
حتى صوته كسته بحة تشبه أنين الناي.. تشبه تحطم الأمواج على صخور الشاطئ.. وتشبه عواء ذئب مهزوم سقط في الأسر..
سكنت شطآنه رياح الهجر وبواخره تبكي على الموانئ تخشى الوداع.. فماذا عن جنيّة أطلت من عرض البحر تنادي شريكها: (لا تخف لا تهرب.. سأكون لك مرفأ ومنارة وشراع)!!..
لم يعد هو بحرها المفعم بالحياة، فهذا البحر مهزوم كليا ولا توجد بداخله ذرة واحدة للمقاومة، لكنها تظن أنها قادرة على إعادته للحياة..
مَن للبحر سوى أمواجه لتبثه أنفاسها فتعيد لقلبه النبض من جديد؟!..
حين عزمت على تنفيذ خطتها التي كانت تفكر بها منذ مكالمتها الأخيرة مع شادن، قررت أن الآن هو أنسب وقت ولا مجال للتأجيل، فركضت نحوه وحرصت على أن تظهر علامات الحزن المريرة على وجهها – ولم تكن بحاجة لافتعالها، فهي بالفعل كانت حزينة على حال شادن وتشعر بالتقصير نحوها في ذلك الوقت الحرج من حياتها، لكن بحرها أيضا كان بحاجة أكبر إليها – ثم تهاوت جالسة إلى جواره وبدأت تنشج دموعا حقيقية حررت معها بعضا من حزنها وغضبها، بل وخوفها، والذين كانت تخفيهم جانبا لحاجتها أن تظل قوية متماسكة إلى جواره، فلا يجد سببا ليشعر بالألم إضافة إلى ما ألّم به بالفعل..
أدار بحر وجهه نحوها لبرهة يطالعها بعدم فهم، ومرت مسحة من قلق على ملامحه، قبل أن تبددها الرياح، ليسألها ببروده الذي كسا شخصيته مؤخرا: "ما بكِ؟"
لو كان بحرها القديم، لكانت الآن معتقلة بين ذراعيه ترتاح على صدره، وقبلاته تلامس جبينها بدعم بينما تنهمر عليه أسئلته القلقة لكي يعرف سبب بكائها ويحرص على تبديده كي تعود إليها ابتسامتها..
لكن بحر الجديد هذا.. بحر شواطئه منحسرة ومياة الداكنة يلوثها الفتور، لم يعد يكترث بشيء، ولهذا هتفت تبالغ في إظهار حزنها: "شادن"..
مجرد نطقها لاسم أخته بالرضاعة وشقيقة صديقه الشهيد، جعل جسده بالكامل يتشنج وكأنها قد لسعته الآن بضربة سوط حارقة، قبل أن يجبر نفسه على الاسترخاء من جديد، فيسألها باهتمام، لكنه لم يصل لحد القلق البالغ كما كانت ترتجي: "ماذا بها؟"..
كست نظراتها مسحة من كراهية، قبل أن ترد بانفعال: "الوغد وليد.. يرفض أن يطلقها بعد ما فعله بها"..
أغمض بحر عينيه بضيق، متذكرا ما قالته أمه منذ أيام عن زواج وليد سرا وإنجابه، ثم اكتشاف شادن للأمر وإصرارها على الطلاق..
كان بحر يجلس إلى جوار أمواج مغمضا عينيه يفكر فيما قالته أمه، فظنت الأخيرة أنه غير مهتم، فقالت تستحثه على التدخل.. على إظهار أي مشاعر: "كانت شادن تنتظر عودة نبيل حتى يقف أمام وليد ويجبره على تطليقها.. تعلم أن طنط لطيفة لا تريد حدوث الطلاق، وتريد أن تجبر شادن على الاستمرار معه"..
عاد التشنج ليسيطر على عضلات بحر التي فقدت الكثير من كتلتها بعد اعتقاله لشهرين ثم علاجه لحوالي شهر مع نقص اعتماده على الأغذية المتوازنة، لكن الحميّة لأخته بالرضاعة دفعته أخيرا للقول بنبرة ليست هادئة تماما: "وهل ستظل معه رغما عنها؟ وكيف يتزوج هذا الأحمق عليها بالأساس؟ ألا يعرف ممن تزوج؟"
سألته أمواج بنبرة يحدوها الأمل: "إذًا هل ستقف أمامه وتنفذ لها رغبتها؟ لا نريد لعمي عبد الجليل أن يتدخل مع هذا الوغد وينتقص من قدره أمامه"..
نهض بحر من جلسته البليدة، وقال بتحفز: "جهزي الحقائب.. لنعود للقاهرة"..
بحلول المساء، كانا قد وصلا لمنزلهما بالتجمع السكني على أطراف القاهرة، حيث انشغلت أمواج بترتيب ملابسها في الخزانة بعد أن جهزت له الحمام، عازمة على أن تمنحه وقتا كافيا ليعتاد من جديد على أجواء بيتهما، فهي تدرك جيدا أنه لن يعود بإمكانه التوجه إلى الكهف أو الجلوس أمام البحر كلما شعر بتكالب ذكرياته السوداء عليه..
كانت أمواج قد لاحظت أن بحر لم يعد يقبل على السباحة كعادته، وإنما يكتفي بالجلوس أمام الماء، وكأنه يناجيه أو يعاتبه.. أو يبثه بعضا من أسراره التي لا يريد الإفصاح عنها لها.. فقررت أن تمنحه حيزا من الحرية قبل أن تبادر سؤاله عن سبب عزوفه عن البحر..
بذات التوقيت، كان بحر يجلس منكمشا داخل حوض الاستحمام حريصا على أن يرتفع رأسه عن الماء بمسافة كافية..
منذ عاد من ذلك الأسر، لم يعد يتحمل أن يلامس الماء وجهه، خاصا إذا كان مغمض العينين، فلم يعد يستحم إلا داخل حوض يتحكم في مستوى جريان الماء به بحيث لا تتخطى ارتفاع صدره، كما أصبح لا يغسل وجهه إلا بفوطة مبللة قليلا دون أن يقذف الماء على وجهه بلا حساب كما سبق..
لقد بات وقوفه أسفل مرش الماء من ذكريات الماضي البعيد، بل بمثابة حلم صعب المنال لما تبقى من عمره..
لن يخبر أحدا أنه ظل لأيام لا يضع حتى المنشفة على وجهه، ويكتفي بتنظيفه – بعينين مفتوحتين - بمنديل معقم، لكنه ثار على استسلامه ذاك، وقرر أن يدرب نفسه من جديد على غسيل وجهه بمنشفة مبللة وكذا السباحة في مياة البحر الأحمر..
أحيانا يفلح ويمر الأمر بسلام.. وأحيانا يجد مشقة ثقيلة في إتمام الأمر، خاصة إذا تراءت أمام عينيه بعض اللقطات من ذكريات سوداء يحاول تجاهلها وطردها عن رأسه..
إذا سأله أحدٌ عن حاله، سيقول فورا: "بخير"، لكن بحر موقن أن قيامته قد أقيمت فعليا وتلقى عذايه في جهنم.. ورغم ذلك، فإنه لا يملك سوى أن يسأل نفسه: (لماذا لا أشعر إذًا أن ذنوبي قد غُفرت؟؟)..
يخبر الجميع أنه بخير، لكنه وحده من يشعر أنه يسير بكل مكان وإكليل العار يغطي رأسه دون أن يراه أحدٌ..
تنهد بحر بتعب ليمدد ساقيه المثنيين داخل الحوض ليحظى بمزيد من الاسترخاء، متذكرا صراخ أمواج عليه داخل الكهف حين عثرت عليه شبه فاقد للوعي..
لا يتذكر شيئا سوى صرخاتها.. أخبروه أنه قد أصيب بالحمى وكان يرقد مرتجفا لا يشعر بمن حوله.. لم يرَ سفيان ولا فرات.. فقط لاحظ والده بعينين مهتزتين، لكنه حتما سمعها تصرخ باسمه بصوت يخرج من عمق قلبها المفطور..
وبعدها... لا شيء!!
في المستشفى، اتخذت أمواج خطوة للخلف بسبب فتوره نحوها، فاكتفت بالمراقبة صامتة، تاركة لوالده وسفيان إدارة دفة الأمور والمناقشة مع الأطباء، بدت سعيدة فقط أنه حي أمامها..
ورغم صمتها البعيد تماما عن شخصيتها النارية سريعة الاشتعال، إلا أنه ظل يشعر بوجودها في كل مكان.. متأكدا أن نظراتها تلاحقه أينما حل.. حتى حين يعطيها ظهره ويتجاهلها تماما، كان يعلم أنها تقف خلفه تحرسه كجيش كامل من المقاتلين.. وكأنها تعوّض حرمانها من فرصة الزود عنه حين كان واقعا بالأسر اللعين..
لن ينكر أنه مندهش بشدة من عدم مبادرتها بالحديث عما جرى له.. سكوتها يحيره، لكن نظراتها أمر آخر..
استرخى بحر قليلا داخل حوض الاستحمام، وأراح رأسه للخلف لتستريح على منشفة مطوية عدة طيات كوسادة خشنة ليضمن أن تظل رأسه أعلى من ارتفاع الحوض نفسه، فلا تطالها الماء بغتة تحت أي ظرف، ثم همس بداخله متفكرا:
(لا تطالبني بالحديث لكن نظراتها كلها تستصرخني البوح.. كيف تجرؤ أن تطالبني بتسليم مفاتيح حزني؟ كيف تتجاسر على الوقوف أمام بوابات يأسي، وتظنني سأقاسمها وجعي؟؟ بل كيف أطلب منها الإبحار معي بسفينتي التي تلعنها الرياح؟؟)..
(ماذا أقول؟ وكلما انفرجت شفتاي.. زاد همي!!)..
(لقد اضطربت بوصلة مشاعري وتشوش وجداني.. روحي صارت كمصفاة بها آلاف الثقوب، فلم أعد أشعر بطيف فرح أو حزن يمر بها)..
انتهى بحر من حمامه بعد بعض الوقت طاردا كل الأفكار عن رأسه لينثر حولها طبقة من الرذاذ الجليدي تعوق نفاذ المشاعر إليها، ثم عاد لغرفة النوم ليتنفس الصعداء حين وجدها فارغة من وجود أمواج..
لن يأتيه النوم الآن.. ومتى أتاه النوم بسهولة منذ عاد من قاع جهنم؟
يحتاج لشيء أكثر صخبا من أفكاره المزعجة التي تحاول مداهمة عقله من جديد.. يريد الهرب منها.. قليل من السكون ليهدأ قليلا..
قام بفتح تطبيق للأغنيات على هاتفه، لتخرج من سماعته نغمات أغنية Demons لفرقة Imagine Dragons، ثم رفع الصوت لأعلى درجة واسترخى على سريره، يتخيل لقاءه المنتظر غدا مع ذلك الوغد..
بعد قليل، دلفت إلى غرفته ابنته كيان التي شارفت على بلوغ الرابعة من عمرها.. ربما اجتذبها صوت الموسيقى الصاخب لتأتي لزيارته بغرفة النوم..
لقد تغيرت علاقته بابنته كليا خلال الشهرين الماضيين.. أو لنقل فقط إنها تجمدت.. فبحر لم يعد يدلل ابنته كما تعوّد، وبالتأكيد لا يمتلك طاقة لكي يقرأ لها كتابها أو يشاركها الرسم أو ألعاب تشكيل الصلصال أو حتى يصنع لها دمية معدنية من خردة الحديد أو الملاعق البالية..
كل ما يريده بكل صراحة، هو أن يبتعد الجميع عنه..
يحتاج لاستراحة محارب كما يقولون.. لماذا لا يتركونه بمفرده؟
هل يظنون أنه سيؤذي نفسه؟
حمقى.. لكان قد فعلها بالفعل منذ اللحظة الأولى التي تركه فيها يارو أتيبا وأوغاده، لكنه رغم كل شيء يبقى مقاتلا لا يعرف الاستسلام، وإن ذاق مر الهزيمة وذل الاعتقال، فإنه لن يغادر العالم بتذكرة عاجلة يحررها بنفسه..
الفرسان لا يسقطون بعيدا عن ساحات القتال..
وبحر الديب ليس جبانا.. قد يكون مهزوما ومحطما لكنه لن يُوقّع بطاقة رحيله..
هو فقط أمسى ساكنا.. ليس لديه جديد ليقدمه لأحد..
فليعتاد الجميع على بحر الجديد.. فاتر وجامد ولا يهتم..
"ولماذا إذًا أسرعتَ بالعودة لمواجهة وليد يا وغد؟"..
سأل بحر نفسه، ليرد حانقا: "لأنني لا أطيق أن يحدث شيء لشادن.. ونبيل ليس هنا"..
سألته كيان بفضول: "هل تكلم نفسك يا أبي؟"
خرج بحر من شروده يناظر ابنته التي كانت تقف أمامه تشاهد انزلاقه من جديد في نوبة من نوبات جنونه العجيبة، فابتسم ابتسامة باردة، ثم حملها لترقد جواره على الفراش، ومد يده يربت على بطنها برتابة، بينما ظل يتابع الفراغ أمامه، وكأنه يتعجل الصباح أن يأتي كي ينفذ مخططه..
بعد قليل، دلفت أمواج للداخل، لتجد كيان ترقد إلى جوار أبيها، وقد غرقت في النوم.. همّت تحملها لتعيدها لفراشها، لكن بحر قال: "دعيها تنام بيننا"..
تنهدت أمواج بتعب، ثم تحركت لخزانتها تخرج منامة قصيرة واسعة لكي تتأهب للنوم، فهتف بحر موبخا: "هل سترتدين هذه المنامة أمام ابنتك بغرفة النوم؟"
كادت أن تجادله، لكن جحوظ عينيه باضطراب وتشتت نظره صوب الباب، جعلها تستدير لكي تلاحظ وجهة نظراته التي وقعت على قطتيها طمطم وطماطم..
كانت أمواج قد تركت القطتين لدى زهو لتعتني بهما خلال سفرها بالسويس، وقد استعادتهما منذ قليل لشوقها الشديد لهما، ولم تنتبه لتسللهما خلفها حين دلفت للغرفة، لكن رد فعل بحر الغريب أثار دهشتها..
تحركت أمواج تقود القطتين للخارج، وتخبرهما كأم صارمة أن عليهما النوم بفراشهما بغرفة كيان.. وبالفعل وضعتهما بصندوقي النوم خاصتهما اللذين يبدوان كفراشين منمنمين، ثم أغلقت باب الغرفة بإحكام، وعادت لغرفة النوم لتجد بحر قد أعطاها ظهره كالعادة، ونام مواجها للجدار..


يتبــــــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 07-11-22, 06:41 PM   #1023

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile14 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الحادية والثلاثون: القسم الثالث

مع بزوغ أول أشعة لصباح اليوم التالي، لم ينتظر حتى أن تجهز له زوجته الفطور، وسارع بالاغتسال وتبديل ملابسه ثم توجه إلى منزل العم عبد الجليل الحلواني، ووقف ينتظر خارج البوابة حتى رآها تدلف بخطواتٍ يبطئها تراكم الهموم..
كانت في طريقها إلى الروضة التي تعمل بها على حواف التجمع السكني.. ولمّا رفعت عيناها حين استشعرت زوجا من المآقي يتتبعاها، تركت حقيبتها تتهاوى إلى جانبها، وركضت كتائهة قد وجدت لنفسها طوق نجاة، فسبحت نحوه بكل طاقتها قبل أن يبتلعها إعصار مدمر..
ركضت الخطوات القليلة الفاصلة بينهما، حتى وقفت أمامه مباشرة، تفتح عينيها على اتساعهما، لا تصدق أنه هو الآن أمامها، لتهمس بدهشة كاملة: "بحر"..
كانت أمواج قد أخبرتها أنهما قد عادا بالأمس للقاهرة، ومنذئذ وشادن تتوق للحظة التي ستلتقي فيها أخاها بالرضاعة..
حين ناظرته يقف أمامها بتلك اللحظات، أيقنت أنه امتدادٌ نبيل الذي لن يهجرها مهما تكالبت عليه همومه.. شعرت أنها إذا اقتربت بما يكفي، ستتشمم بمحيطه رائحة أخيها الراحل، فلم تتمالك نفسها ورمت نفسها على صدره كطفلة ضائعة وجدت عائلتها أخيرا..
أما بحرٌ الذي فوجئ بها تقفز إلى صدره، فقد وقف جامدا متصلبا لا تُلح عليه الرغبة بضمها بين ذراعيه، لكنه رغم ذلك تركها تحرر بعضا من دموعها على كتفه، وهي تهمس من جديد بحنين مرير: "بحر"..
تنحنح بحر بخشونة، ثم مد كفيه يحرر ذراعيها المتعلقين بكتفيه، وطبع قبلة خفيفة على جبينها..
لم تستطع شادن تفسير دوافعها على وجه الدقة..
هل كانت للمواساة؟؟ للاعتذار؟؟ أم تراها تعبيرا عن الندم؟؟
لكنه لم يمنحها الوقت لتفسير تصرفاته، حيث باغتها يقول بنبرة متنمرة: "أريد عناوين وليد ذاك.. كلها"..
بتوجس، ضيقت شادن عينيها تحاول اكتشاف أهدافه، قبل أن تسأله مترددة بعد أن طالت حيرتها: "لِم تريدها يا بحر؟"
رد بنبرة قاطعة: "هذا شيء بين الرجال.. لستِ بحاجة لمعرفة التفاصيل.. فقط اكتبي عناوين بيت عائلته وعمله.. ومنزل زوجته أيضا.. لقد أخبرتني أمواج أنكِ زرتها بمنزلها من قبل"..
تحركت شادن صوب حقيبتها الملقاة على قارعة الطريق، ثم سحبتها لتخرج من داخلها دفتر ملحوظات صغيرا وقلما، وحررت بعض العناوين بسرعة، قبل أن تمزق الورقة من الدفتر وتمنحها له، وهي تقول محذرة: "بحر.. لا ترتكب حماقة بالله عليك.. سأرفع دعوى للطلاق أو الخلع وينتهي الأمر"..
قال بحر: "وأنا سأنهيه لكِ كما تريدين.. بشكل أسرع من تلك الإجراءات"، ثم تركها وغادر متحفزا بشراسة قبل أن تتمكن من الاستفاقة من صدمتها..
تحرك أولا صوب مقر عمله، فهذا أكثر الأماكن ترجيحا ليلاقيه به، مقررا تأجيل بيت زوجته الأخرى لوقتٍ لاحقٍ، متأملا فقط ألا يكون بمهمة عمل بأحد المواقع..
ظل جالسا أمام مرآب الشركة لأكثر من ساعة حتى ظن أنه لن يداوم بمكتبه اليوم، لكن توافد الموظفين المتتابع جعله يستمر في المراقبة، إلى أن لمحه يدلف بسيارته لداخل المرآب، فتحرك يقف أمام بوابة دخول الشركة مباشرة..
اقترب وليد من البوابة يوازن حقيبة حاسوبه على كتفه، حين انتبه للواقف أمام البوابة بعينين شرستين كذئب متوحش يريد تمزيق أحشائه..
اقترب منه مدعيا الثقة، وقال بنبرة مفتعلة الود: "مرحبا.. حضرة النقيب.. حمدا لله على سلامتك.. لقد علمت من شادن ما حدث لك"..
"لا تنطق اسمها على لسانك القذر"..
هتف بحر تحذيره بنبرة خطرة، ولم يكن يحتاج سوى أن يتلفظ ذلك الأحمق وليد بشيء من تفاصيل تعرضه للأسر حتى يفتك به..
ازدرد وليد لعابه شاعرا بالتوتر، فهمس بحر مهددا: "أقترح أن ننقل حديثنا إلى مكانٍ آخرٍ بعيدا عن بوابة عملك.. أم تراك خائفا؟"
لاحظ بحر بالفعل التردد والخوف يهرولان بعينيّ وليد، لكن الأخير تظاهر بقوة البأس، وقال مستنكرا بنبرة مفضوحة التوتر: "ومِمَ سأخاف؟ تفضل معي"..
تحركا معا لمسافة غير قصيرة، حتى وصلا لبقعة نائية خلف المرآب، وقبل أن يستوعب وليد ما يحدث، كان بحر قد لصق جسده بالجدار وقبض على رقبته بكفيه، يناظره بعينين تشيان أنه بالفعل يمسك نفسه بالكاد عن تحطيم فكيه، قبل أن يقول بشراسة زادها إرعابا بحة صوته الغريبة: "منذ عودتي وأنا أتظاهر بالهدوء.. أتصرف بحذر كمن يسير على طريق مرصوف بطبقة من الزجاج الهش، لكنني بقرارة نفسي كنت أبحث عن سبب واحد.. دافع بسيط.. كي أفرغ كل طاقتي السلبية على صاحب الحظ الأسود الذي ستوقعه حماقاته بين يديّ.. وصدقني كنت أحاول ترويض تلك الرغبة المتوحشة بداخلي، لكنك فعلا أيها الوغد اللعين عديم الوفاء تستحق ذلك.. هل تعرف من هي شادن الحلواني التي دعست كرامتها بقدميك القذرتيك؟ هل أكسر ساقيك الآن لكي تستوعب مدى فداحة ما فعلت؟"..
مدعيا القوة في مواجهة ذلك البحر الهادر، قال وليد محذرا: "اسمع يا بحر.. ما بيني وبين زوجتي لا يخص سوانا، وأنا سأحله بنفسي"..
بشكل مباغت لكمه بحر بقسوة أعلى خده الأيسر، فناظره وليد بذهول قبل أن يسكن الألم عينيه، لكنه لم يفلح في إخراج كلمة إضافية من فمه، إذ سبقه بحر قائلا بنبرة يتصارع فيها الجنون مع النزق: "أنت على الأرجح لم تفهم ما قلته لك قبل قليل.. أخبرك أنها لم تعد زوجتك ولن يجمعك بها شيء بعد اللحظة التي توقع بها ورقة طلاقها كفتى عاقل، وإلا لن تواجه إلا غضبي.. ولا تظن أن لدي ما أخشاه فيجعلني أتراجع.. أنا بالفعل جاهز لارتكاب جريمة حتى أخلّصها منك.. لا تظن أنها بلا سند بعد وفاة نبيل.. أنا موجود وسيكون من دواعي أسروري أن أهذّب ناقص للتربية مثلك.. ومن اللحظة لن تجد أمامك غيري فيما يخص شادن.. لن أجعل الأمر حتى يصل لعمي عبد الجليل وعمي منصف.. أتفهم؟"..
"لن أطلقها"..
قالها وليد بعناد برغم ارتجاف مقلتيه قلقا، قبل أن يصرخ متألما بصرخة مكتومة جحظت لها عيناه، حين شعر بآلام نابضة بين ساقيه بتأثير الركلة التي منحها له بحر بركبته، قبل أن يأمره بتنمر وقد برقت عيناه بوحشية بدائية: "أعد ما قلته"..
لم يرد وليد وقد تملك منه الخوف، فصرخ بحر يأمره بنبرته العسكرية الصارمة التي كان يستخدمها مع الجنود: "أعد ما قلته"..
خوف هائل اجتاح وليد، مبعثه النظرات الشرسة التي سددها له بحر.. نظرات رجل قادر فعلا على الفتك به ولم يعد يهاب تبعات همجيته إذا سمح لها بالسيطرة عليه.. جنون يطل من عينيه.. وشيء آخر بعد..
شيء يشبه كثيرا التعطش لإراقة الدماء والترحيب بالموت..
هذا الرجل يبدو بالفعل كمن اختبر سعير الجحيم ولم يعد يهابه، بعد أن تبدلت روحه كليا حين انغمست في قاع جهنم، لذا ردد وليد بجزع محاولا عدم الاستسلام أمام هذا الوحش البربري: "لن.. أطلــــــ..قها".. وكأنه إذا تمسك بكلماته، سينجح مثلا في نيل بعض الشفقة والتفهم أو قليل من الاحترام الهش من قِبل هذا الذئب المفترس..
صرخة مدوية جديدة تبعت خروج آخر حرف من فمه، حيث كرر بحر ركله بنفس البقعة بقوة أكبر، قبل أن يعتقل رأسه بين كفيه الضخمتين وينطحه بقوة بجبهته الفولاذة، حتى شعر وليد بدوار بسيط، قبل أن يشتد الألم برأسه بالكامل وكأنه أصيب بضربة برق صاعقة..
استغل بحر عدم اتزان غريمه، ليقول آمرا بنفس النبرة المرعبة التي ترجف لها أوصال الضعاف أمثال وليد: "أعد ما قلته"..
ردد غريمه مسرعا بنبرة يملؤها الخوف والاستسلام: "سأطلقها.. سأطلقها"..
ربت بحر على وجنته برفق كأنه يمازح طفلا صغيرا، قبل أن يقول بنبرة خفيضة لا تخلو من التهديد: "وستمنحها كل حقوقها.. هذا أقل تعويض لها عما فعلته بها يا حقير"..
استدار بحر مغادرا، ليشرع وليد بتعديل ثيابه التي تجعدت إثر تلك المواجهة العنيفة، قبل أن يعود بحر إليه من جديد باستدارة مفاجئة، فيرجع وليد خطوة للخلف ذعرا فيلتصق ظهره بالجدار وينكمش على نفسه رافعا ذراعيه لحماية رأسه، لكن بحر باغته بالربت على عضده، وهو يقول ناصحا بنبرة مريرة زادتها بحته بؤسا: "جرب أن تكون منصفا ومخلصا بحياتك.. لا تأمن غدر الزمان أبدا.. فحياتك قد تنقلب بلحظة، لتجد نفسك قد زهدت كل ما يبهجك بعد أن خسرت كل ما يجعلك إنسانا"، ثم أمره أن يستخرج هاتفه ليهاتف القبطان عبد الجليل ليحدد معه موعدا لإحضار المأذون وإنهاء إجراءات الطلاق رسميا ببيته..
بعد أن انصاع وليد منفذا أمره واتفق بالفعل على الحضور نهاية الأسبوع لإنهاء ارتباطه بشادن بشكل رسمي وفي هدوء، غادر بحر شاعرا أن واحدا من الأثقال التي تجثم على صدره قد تبخر..
تحرك بعدها صوب مقابر آل الحلواني.. يعرف المنطقة نفسها لكنه لا يعرف مكان المقبرة تحديدا، وبعد أن أرشده بعض حراس المقابر صوب بغيته، وصل إلى البوابة، ذلك عندما لاحظه الحارس الذي سأله عن هويته فأخبره فقط أنه (صديق نبيل الحلواني)، فأسرع الرجل يفتح البوابة له ويحضر له مقعدا، ليزرعه بحر مواجها لشاهد القبر، قبل أن يجلس مطأطئ الرأس مستندا بمرفقيه على ركبتيه، قبل أن يقول بصوت غاص في أحزانه: "مرحبا نبيل.. لقد عُدت.. أنا بخير الآن.. نعم بخير"..
صمت قليلا وكأنه يكاد يستمع لرد فعل صديقه الراحل، قبل أن يتابع بشجن: "لا تضحك.. على الأقل أنا أفضل حالا من سفيان.. انظر كيف انقلبت حياته.. لقد خسر كل شيء.. والأسوأ أنني لا أستطيع مساعدته.. كلانا بحاجة إليك يا أبا النبال"..
تنهد ثم أدار وجهه قليلا وكأنه يعجز عن مواجهة صديقه بكذباته، فلا هو ولا سفيان بخير، لكنه تابع يقول بنبرة أكثر ثباتا: "كنتَ دوما تستطيع ضبط إعداداتنا إذا حدث شيء يصيبنا بالاضطراب.. كنت خير داعمٍ لنا يا صديقي.. الآن هو حزين وأنا.. لا أعرف ماذا بي.. فقط أخبرك أنني بخير.. لأنني سأكون بخير في النهاية.. أليس كذلك؟"..
نهض بحر وطلب من حارس القبر منشفة مبللة، ثم أمسكها وأخذ يربت بها على القبر يزيل عنه الأتربة التي تجمعت عليه بفعل هبوب الرياح في المساء، ثم قال كأنه يحدث صديقه فعليا وجها لوجه: "لقد قابلتُ شادن اليوم.. تبدو بخير.. وأثق أنها ستكون بخير.. سأحرص على ذلك.. سألتقي زهو بعد قليل.. وساري أيضا"..
ابتسم بحر وكأنه قد تلقى من صديقه بعض التعليمات الصارمة برعاية أخته وزوجته وابنه.. وكأنه قد عاود الاستماع لرجاءات نبيل ووصيته التي أوصاها له قبل سنوات، فتابع يقول: "لا أعدك بشيء لكنني سأحاول.. لأجلك سأحاول"..
استمر بحر في عنايته بالقبر لثوانٍ، ثم قال أخيرا بنبرة يكسوها الحنين: "لم أظن أبدا أنني سأقول هذا ولكنني حقا أشتاق إليك يا صديقي"..
سقط بعدها متهاويا على ساقيه يستند بكفه على شاهد القبر، ويجهش ببكاء خافت موجع، بينما يتمتم بكلمات الدعاء له بأن يرفع الله مكانته في الجنة ويكافئه خيرا على عمله في الدنيا..
حين غادر المقبرة بعد أن استعاد شيئا من تماسكه الهش، عاد لبيته ليجد خطابا رسميا قد وصله من إدارته العسكرية يتعجل حضوره، فتجاهله تماما.. ليس مستعدا بعد لهذا الأمر..
هل يريدونه أن يفتح طوعا تلك الجرة اللعينة؟؟
لا.. لن يفعل..
أبدا لن يفعل..
صاحبته زوجته في المساء لزيارة زهو وابنها ووالدتها المقيمة معها، مقدما لهما تعازيه الصادقة، ثم أوصى زهو أن تخبره إذا احتاجت أي شيء منه..
بعدها بيومين، تكلف زيارة لمنزل عبد الجليل الحلواني بحضور خالته فايزة وزوجها عبد المنصف، لتقديم العزاء اللائق لوالدي صديقه الذين نال منهما الحزن، كما نال منه اليأس، بوحشية لا تعرف الرأفة..
على مدى الأيام التالية، دخل بحر طوعا شرنقة خاصة حاكها حول نفسه كدرع حمائي ضد الجميع.. حتى أمواج..
خصوصا أمواج..
وكأنه روبوت قد انتهت طاقة بطاريته، فارتكن إلى الجمود، إذ أنه لم يجد دافعا يحثه على أن يفعل أي شيء..
يتمنى فقط أن تكون مجرد أيامٍ ثقالٍ لتخف أوجاعه شيئا فشيئا..


يتبــــــــــــــــــــــ ـــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 07-11-22, 06:43 PM   #1024

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile17 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الحادية والثلاثون: القسم الرابع

جالسا بغرفة صغيريه اللذين طلبا منه أن يحكي لهما حكاية، كون مربيتهما تتحدث فقط الإنجليزية، ولن تسعفها كلماتها العربية القليلة التي التقطتها مؤخرا أن تروي من خلالها حكاية كاملة، فاستجاب بالفعل لإلحاحهما وبدأ يروي لهما قصة ربما تشبع بعضا من فضول أسئلتهما عما حدث لذراعه المفقود..
وضع سفيان الطفلين على جانبيه تباعا، ثم وضع بيد كلٍ منهما الكوب المخصص له لكي يرتشف بعض الحليب، بينما قال بنبرة هادئة: "ذات شتاء بارد، وقفت ثلاث شجرات بقلب الصحراء، لتهب فجأة عاصفة قوية.. رياح وأتربة وغيوم.. ورعد.. رعد مرعب الأصوات.. ثم ومض البرق في السماء بأضواء مبهرة.. أتعرفان ما هو البرق؟؟"
هز التوأم رأسيهما نفيا، فقال سفيان: "إنه بريق قوي يضيء الظلام.. يشبه الكهرباء لكنه أكثر خطورة.. أكثر خطورة حتى من النار.. هذا البرق قد ضرب في البداية الشجرة الأولى فتفتت تماما، فما كان من الشجرة الثانية والثالثة سوى التحرك لحماية بقية الأعشاب الصغيرة من أن تطالها صاعقة البرق فتحرقها، إلا أن تلك الصاعقة المرعبة قد أصابت إحدى الشجرتين، ففقدت أحد أغصانها القوية بعد أن تمزق"..
سأل مالك بحزن: "وهل فقدت ذراعك يا أبي كما الشجرة بسبب الصاعقة؟"
هز سفيان رأسه إيجابا، ثم قال محاولا تغيير دفة الحكاية كيلا يكسو الأطفال المزيد من الحزن: "ثم هطلت الأمطار ، وارتوت الأعشاب الصغيرة، وتلك الشجرة كان لها نبتتان صغيرتان،ظلتا تنموان في كنفها حتى كبرتا تماما لتوازياها قوة"..
"وماذا عن الشجرة المفتتة؟"
سألت ملك بتعاطف، فقال سفيان بشرود: "تركت خلفها نبتة صغيرة، ستكبر قريبا وتصبح شجرة قوية"..
"ماما أوحشتني"..
قالتها ملك بنبرة أسيفة، فردد أخوها: "وأنا أيضا"، لتقول أخته بحماس: "لنذهب إليها إذًا"...
انقبض قلب سفيان بوجع شديد، وكأن كل جروحه ذات القشور الواهية عادت لتنزف من جديد..
أمه.. نبيل.. أبوه.. حورية..
لا.. لن يحتمل أبدا المزيد من الفقد..
يا الله.. لن يحتمل أن يحدث شيء لطفليه، فسارع يقول باترا وكأن بإمكانه التحكم بالأمر: "ليس الآن.. ليس الآن"..
سأله مالك باهتمام راغبا في الاستماع لبقية الحكاية: "وبعد ذلك.. ماذا حدث يا أبي؟"
فكّر سفيان قليلا، ثم قال: "جاء الربيع.. وتفتحت الأزهار وغردت الطيور.. والفراشات تراقصت حول الأعشاب.. وعاش الجميع سعداء"..
صفق مالك وملك كفيهما بحبور، فتظاهر سفيان بعدم الرضا لعدم إكمالهما شرب الحليب، لكنهما وعداه بتناول المزيد في المساء، فتركهما والدهما لكي ينالا قيلولة قصيرة تحت رعاية مربيتهما، ثم غادر ليبدل ملابسه ويتوجه صوب المركز الأوليمبي لمقابلة مدرب التايكوندو الذي وافق على تولي تدريبه خلال الاستعدادات لدورة الألعاب..
في المساء، جلس سفيان بشرفة بيته يفكر في نصيحة الدكتور آدم بضرورة لجوئه للعلاج النفسي..
لقد انتهى لتوه من محادثة هاتفية مع فرات شقيق بحر يخبره أن بحر قد عاد لبيته بالقاهرة..
عاد بحر ولم يأتِ لزيارته.. لم يأتِ لكي يطلب منه المساعدة أو حتى يفضي لمسامعه ما مر به..
وماذا إذا تحدث بحر؟
هل هو بقادر على مساندته الآن؟
إن كان سيساعد بحر، فعليه أن يساعد نفسه أولا..
البلاء قاسٍ هذه المرة.. والاختبار شديد الصعوبة.. ولكنه لم يتعود أن يرتكن للهزيمة..
أهم ما يميز سفيان مرتجي كقائد، أنه يشبه مياه الأنهار.. لا تتحرك سوى للأمام.. لا تتراجع أبدا..
وهو لن يتراجع هذه المرة.. سيستمر في القتال في هذه الحياة إن كان هذا ما كتبه الله عليه..
لكنه فقط يشعر بالتعب..
كل شيء تكالب عليه.. لو كان فقط والده حيا.. لكان ساعده كي يعيد ترتيب أفكاره وأولوياته..
هل القرار صحيح هذه المرة بالتركيز على التفوق الرياضي كهدف؟ أم تراها حجة كي ينعزل عن كل ما حوله؟
لا.. ليست حجة.. هو فقط بحاجة ليجد هدفه يضع فيه كل طاقته كيلا يرتكن للاكتئاب..
إذا ترك الوجع ينتصر، فسيكون هو الخاسر الأعظم.. كما أنه ليس معتادا على الجلوس عند الزاوية والبكاء على خسائره..
سفيان مرتجي - القائد (حاتي عا) - سينهض مجددا، فهو وإن لم يعد ضابطا عسكريا، لن يمكنه أن ينتزع حسه القيادي وميله الدائم للإنجاز..
ليستجمع نفسه أولا، ثم يمد يده لكل من حوله..
فقط يرجو ألا يكون الوقت قد تأخر حين يبدأ المرحلة التالية من حياته..
في الصباح، اصطحب سفيان الطفلين والمربية إلى بيت والده الراحل.. لقد أجبرته سميحة على الالتزام بالعادة العائلية التي سنها والده قبل سنوات، بضرورة تناول جميع أفراد العائلة لطعام الغداء معا كل أسبوع عقب صلاة الجمعة..
كانت تلك العادة، محاولة من عاصم مرتجي لمقاومة انعزال ابنه البكري ودمجه قسرا في تفاصيل العائلة، حتى وإن أصر على الاستقلال بحياته..
فور وصوله لبيت العائلة، ترك سفيان المربية والطفلين مع خالته وأخته الصغيرة دانة، ثم صاحب أخاه الأصغر إيلاف إلى المسجد القريب للاستماع للخطبة وأداء الصلاة..
كانت الخطبة عن الصبر، حيث شدد الإمام كثيرا على تفسير آية (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)، مؤكدا على حسن ثواب من يصبر على البلاء، فالله تعالى قد وعده بجوائر لا حصر لها وأن يجبره بعوض لا يشبهه شيء..
شعر سفيان بشيء نوراني يملأ قلبه، وكأن الخطيب كان يوجه كلماته له خصيصا ببشرى من رب العالمين، فتمتم بالاستغفار والحوقلة محتسبا واعدا بالصبر على البلاء، سائلا الله أن يلهمه القوة وحسن البصيرة..
بعد نهاية الخطبة، ربت على كتف أخيه بفخر واعتزاز.. لم يفت سفيان كل محاولات إيلاف لاختراق حواجزه التي فرضها على نفسه منذ جنازة والده وزوجته، فإيلاف حقا يبدو وكأنه قد أخذ على عاتقه أن يكون عونا لأخيه متعهدا بعدم الابتعاد عنه وإن كان سفيان نفسه يميل للانزواء حاليا..
حين توجه الشقيقان لبيت العائلة، كانت الجلسة الأسرية أقل حزنا من سابقاتها، فقد شعر سفيان لأول مرة بعد أن سلّم بإرادة الله أن تلك المرارة التي تقبع بحلقه قد أصبحت أكثر احتمالا..
ربما إذا أحسن الصبر، سيستيقظ ذات يوم، ليجد أثرها قد زال تماما، وأصبح بإمكانه الاستمتاع من جديد بمذاق الحياة..
خلال تناولهما الطعام على الغداء، قالت سميحة عرضا إنها همّت بدعوة شادن لتناول الغداء اليوم لديهم، لكنها أخبرتها إنها ستأكل مع ساري وأمه وجدته منال، فقال سفيان متفكرا: "شادن لا تبدو بخير.. حينما كنا بالنادي قبل أيام، شاهدتها تتجادل مع زوجها.. كما سمعت بعض النسوة يتحدثن عنها بطريقة لم تعجبني"..
قالت سميحة بأسف: "ذلك الحقير وليد قد جعل والدته الشمطاء تنشر شائعة بالنادي حول شادن ليجبرها بالعودة إليه"..
ردد سفيان مندهشا: "العودة إليه؟"، قبل أن ينتبه لكلمات أمه، فيسأل باستنكار: "شائعة ماذا؟"..
قالت سميحة مفسرة: "أخبرتني لطيفة إن شادن تريد الطلاق، معترفة أنها تعارض هذا الطلاق بشدة، وحاولت أن تجعلني أتدخل لإقناع البنت بالاستمرار معه، لكنني رفضت.. تصور الوغد الحقير قد تزوج عليها وأنجب.. أكثر من عام ونصف أو قل حتى عامين وهو يخفي حياته السرية عن زوجته.. والآن يريد أن يستمر معها وكأن شيئا لم يكن.. كيف ستستأمنه على نفسها بعد أن خدعها بتلك الصورة؟"..
فغر سفيان شفتيه مندهشا من تلك الحقائق التي ترويها أمه على مسامعه وكأنها تحكي عن عمل درامي ذات حبكة مفتعلة شديدة المبالغة..
كل هذا مرت به شادن ولم يعلم نبيل شيئا عن الأمر؟؟
يا الله.. لو كان صديقه يعلم، لكان أخبره حتما..
سألها سفيان باهتمام: "وهل حددت هي ما ستفعله؟"
قالت سميحة بارتياح: "هذا المساء سيزور وليد وأبوه والمأذون بيت عبد الجليل الحلواني لإنهاء إجراءات الطلاق رسميا"..
"جيد"..
قالها سفيان بهدوء برغم العواصف التي تموج بعينيه، ثم تابع: "احرصي على التقرب منها يا سميحة.. تعلمين كيف تكون والدتها جافة ببعض الأحيان.. وأنت يا إيلاف.. اسألها من وقت لآخر إن كانت تحتاج لشيء.. بالنهاية هي شقيقة نبيل وعلينا رعايتها"..
أومأ إيلاف رأسه بطاعة، قبل أن يتابع سفيان بحزم: "عليّ أن أقابل بحر"..
بعد حوالي ساعتين، كان إيلاف يصف سيارة أخيه أسفل البناية التي يسكنها بحر وأمواج، إضافة إلى زهو وابنها، ليهاتف سفيان صديقه فيخبره أنه ينتظره بالأسفل، ليلحق به صديقه بعد قليل..
خلال انتظارهما لوصول بحر، قال سفيان لأخيه بنبرة معتذرة: "أنا آسف لأنني أجرّك خلفي لكل مكان.. لستَ بحاجة لكي ترافقني هكذا وتعطل شئونك.. من الغد، سأبحث عن سائق متفرغ، كما سأبحث عن سيارة مخصصة لذوي الهمم وأتعلم قيادتها.. لن يستغرقني وقتٌ طويلٌ، فأنا سريع التعلم والتكيف"..
ضرب إيلاف كفه على صدره بصدمة مفتعلة، وشهق بصخب ثم قال بنبرة تمثيلية: "هل مللتَ مني بهذه السرعة يا سفيان؟؟ وأنا الذي ظننتَ أنني سأكون رفيق دربك بكل مكان"..
ابتسم سفيان بشجن بسبب طريقة أخيه في محاولة رفع معنوياته، للتأكيد على أنه ليس عبئا عليه ولا يشغله عن متابعة حياته وهو في مقتبل العمر ويتطلع للكثير من التجارب والمغامرات..
ورغم امتنانه الشديد لأخيه، لكنه حقا عليه التركيز في التكيف مع ظروف حياته الحالية بأسرع وقت حتى تستقر أموره..
كاد أن يتفوه ببعض الكلمات التي تعبر عن امتنانه، ولكن ظهور بحر أمامهما بعد أن غادر البوابة الداخلية لبنايته، جعل إيلاف يهم بمغادرة السيارة، ليقول لحظة وصول بحر أنه سيصعد ليجالس ساري وكيان قليلا، ليترك للصديقين مساحة من الخصوصية حتى يتحدثا بحرية..
قال سفيان لائما فور أن استقر بحر بنفس المقعد الذي غادره إيلاف قبل قليل: "لقد عدتَ ولم تخبرني؟ لا أصدق ما تفعله"..
لم يرد بحر، فتابع سفيان بنبرة منفعلة يختلط فيها الأسى بالغضب: "لا تكتم كل شيء بداخلك يا بحر.. أتعلم؟ أفكر جديا في الذهاب لاستشاري نفسي.. ما رأيك أن تصاحبني؟"
هتف بحر بنزق: "هل أبدو لك كمجنون؟"
تنهد سفيان وقال محاولا استمالته: "بحر.. لا تكن غبيا.. أعرف أن ما تعرضت له هناك ليس قليلا، بدليل أنك لا تريد حتى الحديث عنه.. كيف بالله عليك سترجع للخدمة بوضعك هذا؟"..
ابتسامة زجاجية ارتسمت على شفتي بحر، فظهر انعكاسها على مقلتيه، دون أن يمنح قائده ردا، لكن الأخير بفطنته قرأ في عينيه ما لم يعترف به صراحة..
بحر الديب لا ينوي العودة مجددا لعمله العسكري، ولا يشعر برغبة في التبرير حتى..
"ماذا حدث لك هناك يا بحر؟؟ هذا ليس سلوك شخص تعرض لتعذيب معتاد كما تدربنا بتدريبات المحاكاة.. ماذا فعلوا بك يا صديقي ليتشتت وجدانك هكذا؟"..
هز بحر كتفيه ولم يعقب، حتى أنه فتح باب السيارة وقال بجفاء معلنا نهاية المقابلة: "سأرسل إيلاف كي يوصلك يا قائد.. الانتظار طويلا ليس من عاداتك"..


يتبــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 07-11-22, 06:47 PM   #1025

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
1111 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الحادية والثلاثون: القسم الخامس

أسابيع أخرى مرت ولا يزال التوتر يسود علاقتها به.. تشعر أنها أصبحت كلاعب توازن بالسيرك، تسير على حبل رفيع ممدد بين برجين شاهقي الارتفاع، بينما تحمل على أحد كفيها ابنتها الصغيرة، وعلى الكف الآخر زوجها الحبيب.. وتخشى أن تتحرك خطوة واحدة بشكل خاطئ فتتسبب في سقوط أيهما.. أو أن يكون حظها أسوأ بعد، فيسقط ثلاثتهم من علٍ دون أن تكون تحتهم شبكة للحماية لالتقاطهم وإنقاذهم من التهشم..
تشعر أحيانا أنها تقود باخرة بقلب عاصفة وقد تعطل محركها، فتحاول النجاة بمن معها بأية وسيلة..
وتشعر أحيانا أخرى أنها شابة صغيرة أصابها التخبط وتمكن الفقد منها دون أن تجد الوقت الكافي للحداد على ابن عمها والحزن على مآل صديقه سفيان وأختيّ قلبها شادن وزهو، ورفيق عمرها وتوأم روحها..
وفي بعض الأوقات، يسيطر عليها الضياع والتشتت.. وكلما تمكّن منها هذان الشعوران، تسارع بالبحث عبر محركات البحث عن تفسير لحالة بحر الغريبة منذ عودته من الأسر..
تعلم أن ما تعرّض له لم يكن سهلا على الإطلاق، ولكنها تريد أن تساعده، خاصة وقد لاحظت بعض الأمور الغريبة فيما يخصه، فهو أولا أصبح يجافي قطتيها ويبتعد عن أية غرفة تتواجدان بهما.. حتى أنها أحيانا تراه يناظرهما بكراهية صريحة وتلتمع عيناه بأفكار سوداء، وكأنه يخطط لإبعادهما عن المنزل.. أو حتى قتلهما.. وهذا ما دفعها مؤخرا لأن تترك القطتين لدى زهو، وتستعيض عن غيابهما بمجالستهما لديها كلما اشتاقت إليهما..
والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل إنها اضطرت لإخفاء الأواني والأكواب المصممة على شكل قطط.. حتى هداياه الخزفية والمعدنية السابقة، قد أبعدتها تماما، وتخلصت من غطاء السرير الذي كانت تزين به غرفة كيان والمصمم على شكل قطة ضخمة رملية الفراء..
الأغرب أنها كلما عرضت عليه الذهاب للسويس لكي يتشاركا السباحة في مياة الخليج، تجده يتهرب من الأمر.. حتى أنها حين قالت ذات يوم على سبيل المزاح إنها تريد أن تقيم معه سباقا للسباحة لكي تسبقه كما تعودت، فوجئت به يتفوه ببعض الكلمات الغاضبة قبل أن يغادر البيت لبضع ساعات..
أكثر ما يؤلم أمواج حاليا، هو عزوف بحرها عنها.. لقد هجرها تماما منذ عاد.. لم يعد حتى يمنحها بعض القبلات أو التربيتات الدافئة كما عوّدها..
أين هو من بحرها الذي لم يكن يمنحها وقتا كافيا لإعداد الطعام في حضرته؟؟
حقا تشعر أن أشرعة باخرتها تتحطم تحت وطأة الضغط والصراع، ودفتها باتت مائلة تهددها بالتيه والغرق بين أعاصير متلاطمة لا تعرف كنهها..
لا يقلقها عزوفه عنها، بقدر قلقها من الكوابيس التي بدأت تطارده ليلا في الفترة الأخيرة..
لم يعد يستطيع النوم بسلاسة لأكثر من ساعة مثلا قبل أن يستيقظ مفزوعا متشنجا متعرق الجسد.. حين بحثت في الأمر عبر شبكة الانترنت، اكتشفت أن الكوابيس هي وسيلة العقل للتعامل مع كثرة الانفعالات السلبية والذكريات السيئة التي يخبئها الشخص الذي يمر بأزمة نفسية بداخله..
توصلت أمواج بعد بحث متعمق أن ما يعانيه بحر من كوابيس مفزعة محطمة للأعصاب، هو نتيجة كبته لكل الضغوط والذكريات وتجاهلها تماما، لتتسبب ترسباتها في إصابته باضطراب نفسي، يحاول العقل بالتعامل معه بصور مختلفة، كالكوابيس..
بحثها أرشدها لمجموعات دعم عبر منصات التواصل الاجتماعي، تخص زوجات المقاتلين الذين عادوا من جبهات القتال يعانون أزمات نفسية.. وبمتابعتها لأحاديث أولئك الزوجات، اكتسبت بعض الخبرات التي ساعدتها بعض الشيء في التعامل مع كوابيسه.. وكذلك بعض الاجراءات الاحترازية لمقاومة أي كارثة قد تحدث إذا لم تكن غير منتبهة..
كأن تتأكد مثلا من عدم وجود أسلحة نارية في الجوار.. وهي قد فتشت المكان جيدا وتأكدت من عدم وجود سلاح زوجها العسكري.. من المؤكد أنه لم يتسلمه بعد عقب عودته من الأسر، فهو حتى الآن لم يتوجه لوحدته لتسلم مهام عمله من جديد..
وهي حقا ليست متأكدة إذا كان زوجها سيعود لاستئناف عمله أم لا.. فحالته هذه المرة مختلفة تماما عن كل المرات السابقة، ويبدو أن تأثره بما تعرض له على يد خاطفيه قد يعوق رغبته بالعودة لوحدته..
إن كان لها رأي في الأمر، ستمنعه تماما من العودة لهذا الخطر من جديد.. لن تتحمل أن يحدث له شيء آخر.. لقد شعرت بالمرة الأولى أنها قد خسرت بضع سنوات من المتبقي من عمرها بقلقها عليه.. وإذا أصابه مكروه آخر، فإنها ستفقد اتزانها تماما..
فقط لو أنه يفتح جرة أسراره لها.. لو أنه يثق بقدرتها على مشاطرته الوجع وإعادة البريق إلى عينيه، والدفء والحياة لشطآنه..
خرجت أمواج من شرودها على حركة متململة من زوجها الممدد كعادته على الفراش في مواجهة الجدار يتظاهر بالنوم، بينما كانت هي على الطرف الآخر غارقة بأفكارها..
وكلاهما متشنجان.. متوتران.. وصامتان..
بعد بعض الوقت، شعرت أخيرا بانتظام أنفاسه المتباطئة واسترخاء قامته المتشنجة، فعلمت أن ستائر النوم قد أُسدلت على عينيه، فاستدارت تناظره خلسة كما تفعل كل ليلة..
كانت أنفاسة بطيئة، ولكن صاخبة كمن يعاني من آلام شديدة.. تحرك مجددا متراجعا بجسده ليتمدد ظهره على الفراش، ويصبح وجهه مرئيا لها.. كان يضغط فكيه بتوتر ويعقد ما بين حاجبيه وكأنه غاضب لسبب ما.. أما جفونه، فكانت ترتجف بين وهلة وأخرى وكأنه يجاهد كيلا يسحبه وحوش الكوابيس إلى عالمهم المرعب..
مدت راحتها تملس كفه برفق، فاسترخى قليلا قبل أن تتشنج أعصابه كلها دفعة واحدة، ويصرخ بحشرجة كحيوان جريح، ثم ينهض جالسا يتنفس بصعوبة، وهو يهتف: "لا" بصوته المبحوح الذي لم تستطع التعود عليه بعد، وكأنه علامة تذكير بما تعرّض له من بشاعات بعيدا عنها..
على الفور، سارعت تفتح المصباح الجانبي كي يتعرف بحر على المكان حوله.. فهذه هي أولى مبادئ الفرار من الكابوس والنجاة من ويلاته..
أغمض بحر عيناه وفتحهما عدة مرات، حتى استقرت عيناه على أمواج، فتنفس الصعداء بإجهاد، لتقترب منه بحذر، وتسحب كفيه، فيضعهما بيديها طوعا وهو لا يزال متوترا بأثر ما رآه في حلمه، فتقوده أمواج لكي يستدير ويريح رأسه على فخذها، لتترك كفيه ليرخيهما كيفما اتفق، قبل أن تقول بنبرة هادئة تستخدمها عادة مع عملائها في تمرينات اليوجا: "استرخي قليلا.. ثق بي واغمض عينيك.. أنا معك.. لن أذهب لأي مكان"..
شعرت به يسترخي أكثر في نومته العكسية، فقالت بهدوء: "الآن خذ نفسا عميقا ثم أخرجه ببطء"، فينفذ دون معارضة، لتعيد عليه طلبها، ويكرر التنفيذ، ثم تقول: "الآن فكّر أننا داخل مركب صيد صغيرة في خليج السويس.. أنا وأنت فقط بنزهة قبل الغروب مباشرة.. الطقس خريفي جميل.. أشعة الشمس تملأ الأجواء، ونسمات الهواء اللطيفة تحيطنا.. لا يوجد شيء حولنا سوى السكون ورائحة اليود والفوسفور.. رائحة ملح البحر وغناء النوارس.. القارب الآن يهتز بخفة جراء الأمواج التي تحيطه.. الأمواج التي تدلل البحر ولا يمكنها أن تؤذيه.. كنت تحب دوما النوم داخل المراكب التي يهدهدها الماء"..
تنهد بحر متخلصا من بعض التوتر لتتابع زوجته بنفس نبرتها التي تغلفها السكينة: "أنت الآن تنام بأرضية القارب.. ورأسك ترتاح على ساقيَ.. وأناملي تعانق خصلات شعرك الناعمة.. النسيم يداعب أنفك وأشعة الشمس تضايق عينيك، فأمد قبعتي الضخمة أمامك لكي يغطي ظلها رأسك، لأنني دائما أعتني بك"..
صوت همهمة غير مفسرة تصدر عنه، لكنه لا يفتح عينيه ولا يبتعد عنها، فتتابع قائلة: "والآن نتنفس سويا بنفس الإيقاع.. هل تشعر بإيقاع أنفاسي يا بحر؟"..
لا يأتيها رده، لكنها تشعر به يسترخي أكثر ، فتتابع بنبرة حانية: "اتحاد أنفاسنا المنتظمة يعني أن كل شيء بخير.. لستَ في خطر.. ولسنا بخطر.. كيان نائمة بغرفتها بأمان.. وأنت هنا بأمان معي.. نم يا حبيبي.. أنا معك"..
مدت كفها الأقرب إليه تربت على ذراعه وتملس عليه برفق، ليسترخي تماما حتى يغرق في النوم..
ظلا هكذا لبضع ساعات.. هي تستند بظهرها على مسند السرير وتريح خدها أعلاه وقد اختطفها النوم بعد تعب.. أما هو فقد انكمش على نفسه في وضعية الجنين أو كيرقة لا تريد أن تتحول لفراشة فتضطر لمواجهة العالم، وقد غرق في نومٍ هادئٍ، فلا يسمع سوى صوت أنفاس أمواجه كتهويدة خيالية لجنية البحر خاصته، ولا يتشمم سوى عبيرها الخاص، ولا يرى بعينيَ أحلامه حاليا سوى ذلك القارب الخشبي الصغير بمياه الخليج بلحظة الغروب في مساء خريفي منعش..
هو وأمواجه.. ولا شيء آخر يؤرقهما..
مرت الأيام التالية، كنسخ متكررة من هذا اليوم.. صمت وانزواء وكوابيس خفيفة تساعده أمواج على مقاومتها، حتى أنها قد اقترحت عليه أن تدربه على ممارسة اليوجا للتخلص من الضغط العصبي لكنه رفض.. كما رفض كل شيء أيضا..
ذات صباح جديد، وجد بحر نفسه أمام تحدٍ جديدٍ.. ليس جديدا تماما، فما تفعله أمواج منذ عودتهما إلى منزلهما لا يخفى عليه..
لقد أخذت على عاتقها محاولة إغوائه من أجل إعادة إشعال جذوة الشغف بينهما، ظنا منها أنه إذا عاود تذوق عسل شفتيها، سيعود إليه شعوره بالرضا والاكتفاء بدلا من الخواء الذي يغلف كل جنبات حياته كسرب من السوس ينخر كل زوايا حياته حتى يدمر ما تبقى منها..
أما أمواجه، فلا تزال تحاول بشكل حثيث إعادته للحياة.. فقد تحولت مناماتها من واسعة مريحة كالمعتاد لكاشفة مع مرور الوقت، حتى أصبحت الآن تختار منامات شبه فاضحة لا تصلح نهائيا للنوم.. بل وتنام بوضعيات غريبة تبرز مفاتنها بدلا من استرخائها بشكل طبيعي للحصول على الراحة..
الوقحة قد وصلت مداها بحيلها اليائسة، حتى أنها لم تمانع أن تقف أمامه شبه عارية تتظاهر بعدم قدرتها على اختيار ما يجب أن ترتديه.. وكل هذا كي تعيد إليه بعض الشغف وترى في عينيه المنطفئتين جذوة مما كان بينهما..
إصرارها المستميت يستحق الثناء والإشادة.. فقط لو كان ذلك البحر يمتلك بقية باقية من المشاعر..
تنهد بحر بامتعاض حين وصل لغرفة الجلوس وهو يتوقع ما سيلاقيه فور أن يدلف إليها..
وبالفعل، وجد زوجته تعسكر بها كدأبها كل صباح بعد أن أخذت زهو كيان لتوصلها مع ساري للروضة.. فهي تحرص كل صباح على ممارسة نصف ساعة من (اليوجا الإيروتيكية) مرتدية أكثر سراويلها ضيقا ليلتصق بفخذيها كطبقة من الدهان الملون الرقيق وليس كقماش مطاطي..
ناظر بعدم اكتراث زوجته التي اختارت أكثر أوضاع اليوجا إثارة للمشاعر، وبدأت تتحرك أمامه بإغواء كقطة تملؤها الرغبة.. لتتنهد هي بيأس بعد أقل من خمس دقائق، وتهاوت جالسة متوقفة عن محاولاتها، حين اختلست نظرة إليه لترى الموت لا يزال يسكن عينيه..
لقد عرفت اللحظة أنها حتى وإن تعرت بكليتها أمامه، فإنه لن يتأثر نهائيا..
لقد انطفئ شيء به ولم تعد قادرة على استنفار مشاعره..
أين هو الآن من ذلك العاشق الشغوف المشتعل الذي كانت براكينه تنفجر بنظرة.. بلمسة.. بغمزة أو بسمة!!..
ناظرها بعدم مبالاة، وبداخله وجع لا يستطيع حتى أن يحصي أوله وآخره..
بات يشعر نفسه في محيطها كنصلٍ من النحاس، لا شيء يدفئه..
أو كزئبق سائل، لن يتصلب أبدا مهما أضرمت النيران به..
كيف ترجوه الهوى وقد أمسى صدره لوحا من جليد وأنامله قُدت من حديد؟؟
كيف تطلب وصاله وأنفاسه صارت مثقلة بأشواك الهزيمة ونظراته غارقة في الخزي؟؟
أما هو، فقد رأى بنظرتها المهزومة شيئا أوجعه بالداخل.. كان يظن أنه لا يمتلك أي مكان آخر بصدره ليشعر بوجعٍ جديدٍ، ولكن تلك النظرة فتتت بعضا مما تبقى من تماسك لديه..
تراجع غاضبا صوب غرفة النوم، وأخرج هاتفه يجري بحثا عبر محركات الانترنت.. كيف سيذهب لطبيب الآن يخبره بما حدث له؟؟ هل أصابه معذبوه بعد الصعق والحرق بتلفٍ دائمٍ يفقده قدراته كرجل لهذا لم يعد يشعر نحوها بأي شيء مهما حاولت استنفاره؟؟
بحثه الطويل الذي استغرقه ساعات لم يوصله لإجابة شافية..
هل فعلا خسر قدراته تماما؟
لم يكن فاقدا للحياة بما يكفي ليتقبل الإجابة التي همس بها جنونه.. أما شيطانه، فقد وسوس له بفكرة لعينة..
أن يجرب وسيلة مساعدة، فيكتشف من خلالها إذا كان بالفعل قد خسر رجولته ضمن كل ما قد خسره خلال فترة أسره، أم أنه ربما فقط يعاني من ضغط نفسي يفقده الرغبة في كل شيء..
خصوصا وصال أمواجه..
في الأيام التالية، حاول بحر طرد الفكرة من رأسه نهائيا، لكن أمواجه ظلت تُلح بأساليبها الغريبة في محاولة إغوائه.. فبعد فشلها بإغرائه بملابسها الجريئة والتدريب بأوضاع مثيرة أمام ناظريه، بدأت مؤخرا تتصرف بطريقة أغرب..
ذات مساء، وجدها منثنية بشكل غريب أسفل طاولة السفرة، ثم نادته بغنج وإغواء وهي تقول: "أدركني يا بحر.. لقد انحشر ردفاي أسفل مقعد المائدة"..
حين ركض إليها، وجدها راكعة بتلك الوضعية الغريبة، فزفر ورفع الكرسي ودفعه بغيظ ليصطدم بالجدار، ثم تحرك صوب غرفة النوم، مغلقا الباب خلفه بصخب..
لا يشعر بشيء.. لا يشعر بأي شيء..
أما صباح اليوم الذي يليه، فقد استغلت غياب كيان من جديد، حيث طلبتها جدتها فايزة لتبيت لديها يومي العطلة الأسبوعية، وخرجت له مرتدية فستانا شفافا من قماش الشيفون، فما كان منه سوى أن ناظرها من أعلى لأسفل باشمئزاز، قبل أن يقول ببرود: "بدلي ملابسك.. ما هذا القرف؟ هل نحنُ في لندن؟"
بعدها غادرت أمواج الغرفة وارتدت فستانا بيتيا محتشما، ثم انزوت عنه طوال النهار متظاهرة بتنظيف المطبخ..
لقد قلبت المطبخ كله رأسا على عقب، وهمَت تنظف كل إناء ووعاء وبرطمان.. غسلت الأرفف ومسحت الأرضية، ولمّعت كل الأسطح، حتى أنهكت نفسها تماما..
راقبها تفرك الأسطح بكفيها بعصبية ووجهها يكسوه العبوس واليأس، فانزوى لغرفة النوم يجتر هزائمه، ولمّا أصابته الأفكار السلبية بالصداع، سارع بتوصيل الهاتف بالسماعات الخارجية بغرفة المعيشة، وقام بتشغيل أغنية حمزة نمرة (اوعدوني) عبر تطبيق الأغنيات، ثم استرخى متكئا على الأريكة يستمع للغناء الشجي رافعا الصوت لأقصى معدلاته.. علّها تسمع:
لفيت كتير.. خفت المصير اللى انتهاله ناس كتير
ألقاه انا.. في الدنيا ليه دايما نهايه محزنة؟
جوايا خوف من كلمة الظروف
تبقى طريق للوحدة تذلنا
اوعدوني.. تبقوا جنبي تطمنوني
اوعدوني.. مهما كان مش هتسيبوني

ظل بحر يستمع للأغنية، وهو يتأمل أن تسمعها أمواج فتصفح عن تصرفاته المخزية بحقها، لكن ماذا يفعل؟ لا يجد بداخله أي جذوة لتشعل ما كان بينهما من جديد..
أما أمواج، فكانت بالمطبخ تعيد آخر مجموعة من البرطمانات لمكانها، حين ارتفعت الأغنية لتلف الأجواء من حولها، فسقطت دموعها أسفا وهي تسمعها، ثم سارعت تجفف وجهها بمنديل مبلل لتنضم لزوجها بغرفة النوم، حين سمعت المقطع الذي يقول:
لو يوم لقيت نفسي انحنيت
واحتجت من ضعفي.. بلاش تتأخروا
الناس تغيب.. بس انتو لازم تفضلوا
خايف أكون في الدنيا وحيد
عمري يهون.. أضيع وانتو بعيد

اقتربت منه أمواج بحذر لتجلس إلى جواره على الفراش، فترفع رأسه من جديد لتضعها أعلى ساقها، وتدلكها برفق لتمنحه بعض الاسترخاء ممتزجا بغفرانها، فينهض بحر جالسا أمامها، لتتلاقي عيونهما على نفس المستوى، خاصته تعتذر صمتا وخاصتها تحثه على البوح علّه يستريح..
لم تشأ أن تتركه أسيرا للأفكار التي توخز وجدانه كنصال مدببة، فقررت أن تحاول مرة أخرى جره للحياة بالطريقة التي تظنها ستذيب الأثقال التي ينأى بها كاهله وتجثم على صدره.. اقتربت تزرع ثغرها على شفتيه، لتراه يتباعد للخلف، يغمض عينيه بلوعة ويطأطئ رأسه يائسا، قبل أن ينهض ويركض نحو باب الخروج كمن يطارده جيش من الأشباح..
لم يشعر بشيء.. تبا له.. لم يشعر بأي شيء..
ركض منكس الرأس مغادرا منزله لكي ينفذ تلك الفكرة اللعينة التي أرجأها طويلا..
وليلعن الله شيطانه..
أسرع يقود سيارة الأسرة لخارج حدود التجمع، وسار بها في طريق آخر.. مر بأحياء عديدة حتى وجد صيدلية ببقعة غير صاخبة، فصف السيارة جانبا، وترجل ودلف للداخل، فوجد صيدلانية تقف بمفردها بالداخل، فهمس بجفاء: "أريد شيئا للصداع"، ثم دفع ثمن الدواء، وغادر للسيارة ليقودها لرحلة جديدة..
مر على ثلاث صيدليات أخرى، لم يجد سوى بالأخيرة رجلا يتولى المعاملات بينما تجلس فتاة أمام آلة رصد الأصناف وتحديد أسعارها..
اقترب من الصيدلاني الشاب، وهمس في أذنه يطلب منه واحدا من المقويات سريعة المفعول، فتنحنح الشاب، وطلب من الفتاة الذهاب للمخزن للبحث عن منتج مستورد لعلاج الجلطات، ثم أسرع مستغلا غيابها، ليحضر عبوة دواء من رف جانبي، ويمررها عبر جهاز مسح البضائع ثم وضعها بكيس داكن، وهمّ يعطيها لبحر الذي رصد بعينيه نظرة تعاطف وإشفاق، فسارع يضع النقود على الطاولة الزجاجية، ليغادر فورا..
قاد السيارة لعشرات الأمتار من جديد، ثم صفها جانبا وقرأ التعليمات على علبة الدواء، وعلم أن مفعولها يبدأ فعليا خلال ما بين ثلاثين إلى خمسين دقيقة، فأسرع الطريق إلى بيته، ثم توجه إلى الحمام حاملا عبوة الدواء وقارورة من الماء..
ابتلع الحبة، ثم أخذ يسترخي من جديد في حمام منزله لمدة نصف ساعة متظاهرا بالاستحمام، إلى أن بدأ يشعر بالحرارة تدب في عروقه، فسارع يلف المنشفة حول خصره غير عابئ حتى حتى بارتداء ملابسه، ثم توجه لغرفة النوم، ليجد زوجته جالسة على حافة الفراش تتظاهر بالتركيز في تصفح شيء عبر شاشة جهازها اللوحي، وهي تقول بتردد: "أرتب جدول حصص اليوجا للأسبوع المقبل.. وأحاول أن أقنع شادن وزهو بالعودة للانتظام في التدريبات"..
كانت أمواج تثرثر بتوتر، وتحاول الإبقاء على أنظارها مغمضة عن منظره بتلك المنشفة وقد خرج لتوه من الماء..
لقد اشتاقته كثيرا، لكنه قد أوضح لها أنها لم تعد تؤثر فيه كما اعتادت..
تابعت تقول دون أن تناظر عينيه: "سيقوم المركز الرياضي بالتوسع بفرع جديد داخل المول الجديد الذي سيتم افتتاحه على الجانب الآخر من التجمع خلال شهرين، ويريدون مني مضاعفة الحصص.. وأنا رفضت لأنني......"
بترت كلماتها شاهقة بصدمة، حين وجدته يسحبها من جلستها، ويضع اللوح الذكي جانبا على الكومود، ثم يغيّبها كليا في قبلة جامحة متوحشة تشبه قليلا من الغضب الكامن بداخله، قبل أن يبعدها عنه، ليتنفس ببطء محاولا التمسك ببعض الهدوء.. فهذه أمواجه..
إنه يريد أن يكافئها.. لا يعاقبها..
يدهشه أن الدواء قد أتى بمفعوله بالفعل، لكنه يكره أنه اضطر للاستعانة بمحفز طبي في حضرتها.. يشعر وكأنه يهينها بابتلاعه لتلك الحبة، لكنه لم يستطع الاستمرار في تجاهلها أو استفزازها بالإهانات الوقحة لمجرد أنها تسعى لأن تعيد حياتهما لنسقها الطبيعي..
غاب معها لساعات بين غيوم عشق آلي، أرضت بعضا من رجولته المهزومة، وأعادت إليه القليل من الإتزان..
على الأقل هو ليس تالفا كليا... صحيح؟؟
مع بوادر الأشعة الأولى للفجر وبعد أن أنهكها كليا، نامت أمواج كمن فقدت الوعي.. حاول أن يتتبعها إلى أرض الأحلام حيث يمكنه العثور على القطع المفقود من نفسه.. لكن رأسه المثقل بالأفكار حرمه حتى من تلك الراحة المؤقتة..
استدار يناظرها وهي تنام بسلام إلى جواره، رغم أنه لم يغب عنه أنها ربما قد فطنت إلى استعانته بوسيلة مساعدة لتبديد أشواقها إلى شريكها، لكنها على الأقل لم تعلق على الأمر نهائيا، بل وتظاهرت بعدم الإدراك..
أما هو فقد اكتشف أن الانتصار الوهمي الذي حققه قبل قليل لم يكن له أية قيمة فعلية..
حبة زرقاء حققت له انتصارا شكليا بأداء ميكانيكي لم يمنحه أي شعور باللذة التي كانت تغمره كأعاصير عاتية كلما التقى حبيبته..
انتشاء آلي لم يؤججه شغفه المعتاد نحو توأم روحه.. فما قيمة هذا النصر المؤقت وكله غارق في الهزيمة؟؟


يتبــــــــــــــــــــــ ــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 07-11-22, 06:50 PM   #1026

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
New1 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الحادية والثلاثون: القسم السادس

تسلل بخفة إلى داخل المنزل بعد أن أعد خطته جيدا.. لقد أخبرها قبل قليل عبر مكالمة هاتفية أنه سيتأخر في عمله لإجراء جراحة عاجلة لحالة طارئة، فكشفت أنها ستنام لساعتين لأنها عادت لتوها من زيارة لوالدتها وشعرت ببعض الإجهاد..
حرص على أن يظل جالسا بالمرآب لفترة كافية، حتى أنه مر على والدته أولا ليطمئن على أحوالها، كي يمرر بعض الوقت لتسترخي في نومها..
هذا هو أول مقلب له بعد عودته من اعتزال مؤقت بسبب رحيل والده قبل أسابيع قليلة، وهي من بدأت بمقلبها السخيف وعليه الآن الانتقام..
زوجته المصون قد أرعبته عامدة قبل بضعة أيام، حين أهدته قارورة من العطر.. وحين فتح اللفافة التي تحتوي هديته، رمى القارورة فورا، حيث كان يقف عليها بُرص، مثيرا في نفسه الرعب والنفور..
في الواقع، لم يكن البرص حقيقيا، ولكنه كان مجسما من الزجاج الأخضر الداكن من نفس لون زجاج القارورة، يقف عليها وكأنه كائن حي، ما أزعجه للغاية، وكاد أن يخاصمها، لولا أنها اعترفت له أنها أرادت أن تفعل أي شيء لتعيد له مشاكساته المعهودة، فقد افتقدت شخصه المفعم بالحياة منذ رحيل والده..
كان آدم قد ازداد انشغالا منذ رحيل والده حتى أن واحدا من أبناء عمومته الذين في مقام أعمامه بسبب فارق العمر، قد تولي مهمة إدارة المستشفى الخاص الذي تركه والده بعد تصويت أقاربه الذين هم شركاء أيضا برأس مالها ومجلس إدارتها، وذلك بعد اعتذاره عن إدارتها بنفسه، لأنه لا يمتلك وقتا سوى لمركزه العلاجي، خاصة وأنه بات يسافر كثيرا مؤخرا خارج البلاد لحضور ندوات طبية ودورات تدريبية لرفع كفاءته الطبية وتعلم أحدث تقنيات جراحات العظام والغضاريف.. كما أنه صار ينهك نفسه في العمل كي يتخطى مشاعره المتضاربة بعد رحيل والده.. لكن مقلبها السخيف أشعل بداخله روحه العاشقة للشغب والمشاكسات، فخطط للانتقام..
تحرك بخطوات صامتة صوب المطبخ وأحضر وعاء من المعدن، ثم تسلل لغرفة النوم، حيث كانت ذكرى تستدفئ بغطائها حتى رأسها وتغط في نوم عميق، فاقترب حتى وقف بالقرب من الفراش وأخرج مجموعة من أصابع الألعاب النارية ورتبها بالوعاء، ثم أشعل بها النار، ووضعها على الكومود جوار رأسها، ثم تراجع بخفة ليقف في مواجهة الفراش..
مرت لحظة، وأخرى، وثالثة، ثم اندلعت الانفجارات الصاخبة من المفرقعات التي كانت تصطدم بجسم الوعاء المعدني فيتضاعف تأثير صوتها المرعب، لتنهض ذكرى من نومها تصرخ وتشعث شعرها ذعرا، قبل أن تتوقف الأصوات تماما في ذات اللحظة التي ضغط فيها آدم زر الإضاءة، لتجده شاخصا أمامها ينحني ممسكا بكفيه ببطنه، غير قادر على التوقف عن الضحك، فهتفت بحنق: "أيها المزعج الغليظ.. أكرهك"..
استقام واقفا وتحرك نحوها بينما يشير لسبابته لها بسخرية وهو يعاود الضحك، قبل أن يمسك ذراعيها ليحررها من غطاء الفراش، فيرفعها لتستقيم واقفة أمامه، ليطبع على شفتيها قبلة متملكة، ويقول: "لا يمكنكِ أبدا أن تكرهيني.. مهما حدث.. أنا أسكن هذا القلب ولا فكاك لكِ مني"..
"هل هذا احتلال؟"
سألته ذكرى باعتراض بعد أن تخصرت بكفيها، ليرد هامسا بعد أن طبع قبلة خفيفة على أذنها: "هل يحتل العاشق وطنه؟"
دفعته بغيظ، ثم عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت: "أنا المخطئة.. كنتُ قد أعددتُ لك اسباجيتي بصوص البيستو.. لقد أتقنت الطريقة أخيرا بعد محاولات عديدة.. لن أدعك تأكل منها.. انزل وتناول عشاءك عند الدكتورة رقية"..
مط آدم شفته السفلى بطفولية، وسألها بنبرة بائسة: "أهون عليك يا صاحبة الأثر الملكي؟"
رفعت ذكرى كفها تمسك جبينها وقد بدأت مقلتاها تدوران داخل عينيها قبل أن تميل فاقدة للاتزان، فأسرع آدم يحتضنها قبل أن تسقط أرضا، ليمددها على الفراش، ويسرع بإحضار قارورة العطر.. تلك التي عليها مجسم البرص، متجاهلا شعوره بالنفور والذعر، ثم بدأ ينثر منها القليل على وسطاه وسبابته قبل أن يمررهما أسفل أنفها حتى تستعيد وعيها، وهو يتمتم بكلمات الاعتذار ويتحسس نبضها..
فتحت ذكرى عينيها تناظره بمكر ومشاغبة، قبل أن تعتدل في جلستها وتستند بظهرها على مسند الفراش، وتبتسم بتشفٍ وتقول بنبرة متلاعبة: "وهذا ردي الفوري على مقلبك يا دكتور.. حتى تتوقف عن مقالبك السخيفة تلك"..
عاود آدم الضحك، فدفعته بغيظ، وقالت لائمة: "أوقفت قلبي قبل قليل.. ظننتُ أن هناك انفجارا.. إذا كنتَ تخطط للإنجاب، فعليك أن تبحث عن زوجة ثانية"..
طبع قبلة عاشقة على كتفها ثم قبلة أخرى على رقبتها وثالثة لوجنتها، لينتهي بقبلة ناعمة على شفتيها، وهو يقول فيما يشبه الوعد: "لن يكون لي أطفال سوى منكِ"..
أغمضت ذكرى عينيها، واحتضنته بقوة، وقلبها يهمس بالدعاء أن يحدث الحمل قريبا.. لقد أوقفت استخدام الموانع قبل فترة، ولم يحدث الحمل حتى الآن..
ابتعدت عن زوجها قليلا، قبل أن تقول بنبرة متحمسة: "لقد حجزت اليوم للمشاركة في دورة تعليمية للتغذية، وسأنتظم بها بداية من الأسبوع القادم.. ثلاثة أيام بالأسبوع"..
رفع آدم حاجبيه باستفهام، فتابعت تقول: "أصبح علم التغذية متداخلا في كل مناحي الحياة.. سينفعني في عملي وفي رسالة الدكتوراة، وأيضا سأقدم من خلاله أفكار جديدة للمتابعين عبر (انستجرام).. صحيح أن نصائح الموضة خاصتي تعد محتوى مفيدا، ولكنني أريد أن أقدم نصائح تعتبر بمثابة الصدقة الجارية، خاصة لأصحاب الأمراض المزمنة.. إذا ساعدتهم على اختيار الأكلات المناسبة والبدائل الصحية.. سيكون ثوابي كبيرا عند الله"..
ابتسم آدم، ورفع كفيها يقبلهما، وهو يقول: "لا أمانع يا حبيبتي.. خاصة وأنك قد أنهيتِ جانبا كبيرا من العمل على المحتوى النظري لرسالة الدكتوراة خاصتكِ.. يمكنكِ بالمناسبة الانتظام في المستشفى مجددا إن أحببتِ"..
قالها آدم بنبرة هادئة لا يشوبها أي اعتراض، لكن عينيه وشتا باشتياقه لطفل منها، فأغمضت عينيها تجدد الدعاء لله أن يتحقق الحمل لكي تفاجئه بالخبر، وإلا ستضطر لزيارة الطبيبة والخضوع للفحص والعلاج إن كان هناك سبب للتأخير..
ستؤجل عودتها للمستشفى قليلا، فهي تشعر حاليا أن الوقت مواتٍ تماما لحدوث الحمل.. لتكبر أسرتهما أولا وتستقر جذورها، وبعدها تستأنف رحلتها نحو المجد بالعودة للعمل واستكمال رسالتها للدكتوراة..

يتبــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 07-11-22, 06:52 PM   #1027

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:sss4: وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الحادية والثلاثون: القسم السابع

مزيج من الضيق والانزعاج وشيء ثالث لا يستطيع أن يضع له مسمى.. هذه هي المشاعر التي ظلت تتكالب عليه مؤخرا..
لا يؤمن بسوء الطالع ولا يعتقد أن هناك من يناظره بحسد، ولكنه يميل الآن لتصديق أن أحدهم قد لعن حياته بشكلٍ ما..
كلما حاول تحديد موعد لزواجه من عروسه، يحدث شيء سيء لعائلتها.. بداية من موت والدها مرورا بموت والدتها ثم موت قريبها واختطاف الآخر أسيرا.. وحتى بعد عودة الأخير من الأسر سليما، أخبرته أن عليه إرجاء الأمر مجددا لأن شادن تلك التي لا يفهم تحديدا صلة قرابتها بعروسه، قد حصلت على طلاقها مؤخرا، ولا تزال تعيش الحداد على أخيها الراحل..
أي عذاب هذا!!..
لولا أنه يعلم جيدا أن شذى تحبه كثيرا، لظنها تتهرب من الزواج منه، لكنها ربما لا تزال تعاني من أصداء رحيل والدتها قبل أشهر، وتتخذ من كل ما يحدث حولها ذريعة لتأجيل الزفاف..
حتى أختها مرح لا تساعده كثيرا في مسعاه، فهي تبدو أكثر كآبة وحزنا من شقيقتها وكأنهما قد أصيبتا بصاعقة حزن مفجعة..
وذلك الصديق المصري صاحب الملامح والنشأة الغربية، والذي يلتصق بالشقيقتين كجدار للحماية.. كان في البداية يظنه متعلقا بشذى بل وحاول إبعادها عنه أكثر من مرة لدرجة اصطدامه بها في أكثر من مشاجرة، لكنه حين شعر بانجذابه لمرح، استرخى قليلا واطمأن أنه لا يسعى لاختطاف عروسه..
الآن لم يعد يعرف ماذا يريد هذا الشاب منهما.. فهو لا يتصرف كصياد حسناوات، ولا يبدو أنه يسعى للارتباط بمرح.. إذ أن معاملته لها لا تشي أنه عاشق متيم..
هل حقا علاقته بالفتاتين قائمة على الود الصادق والأخوة النابعة من مشاركة الغربة؟
هذا ما بات يستشعره مؤخرا برغم غرابة الوضع..
وعندما يفكر مازن بعلاقته بشذى، فإنه يجدها لا تزال غير محكمة التفاصيل بعد، إذ أنه لم يفلح في إثنائها عن الاستمرار في الصداقات التي تجمعها بمجموعات ضخمة من الأصدقاء من الجنسين.. يريد أن يكون محور حياتها الوحيد كأي رجل شرقي.. أن يكون هو رجل حياتها الوحيد، لكن نمط حياتها المتحرر نوعا ما يثير غيظه.. ورغم أنها لا تقوم بأي تصرف غير مقبول، فهي لا تنفرد بلقاءات خاصة مع أصدقائها الشباب، لكن الفكرة نفسها تغيظه وتثير غيرته..
في كل مشاجرة تنشب بينهما بسبب صداقاتها تلك، تغضب شذى وتهدده بفسخ الخطوبة لأنها لن تغير نمط حياتها من أجله، خاصة وأنها لا تشعر أنها تفعل شيئا خاطئا، فيحاول كبح غيرته والصبر عليها.. سيتحمل الوضع حاليا، لأنه يخطط بعد الزواج أن يفرض كلمته عليها بهذا الخصوص..
الأغرب أنه يلاحظ بعض النظرات المتفرقة نحوها من جانب شاب أوزبكي يعمل مهندسا تقنيا بقسم تأمين الشبكات.. والشاب متدين خجول الطباع لا يخالط النساء من الأساس، لكنه قد لاحظ أنه من وقتٍ لآخر يرمق عروسه بنظرات مختلسة، قبل أن يتمتم لنفسه ببعض الكلمات ويستدير مغادرا بعيدا عنها..
كان يريد مواجهته وتهشيم وجهه، لكن الشاب فعلا لا يفعل ما يمكن أن يلومه عليه، فهو بالأحرى يغض بصره عنها كلما طالعتها عيناه..
يا الله.. كيف سيتحمل كل هؤلاء المعجبين من حولها.. هذا كثير.. كثير..
أسوأ ما يقلقه حاليا أنه يشعر الآن أنه في أضعف حالاته منذ تعهد لها بالتوقف عن مطاردة الفرائس واقتناص الطرائد.. لقد أعلن الاعتزال كصياد متمكن لأجلها.. فهل يمكنه احتمال الأمر وهو العاشق للنساء حتى تحدد موعدا للزفاف عما قريب؟؟


يتبــــــــــــــــــــــ ـــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 07-11-22, 06:55 PM   #1028

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:jded: وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الحادية والثلاثون: القسم الأخير

عالمها كله أصبح يتحرك بعشوائية.. ليس مقلوبا رأسا على عقب، فتعيد ترتيبه، وإنما يسير بغير هدى أو إتجاه، كسفينة تمزقت أشرعتها وتحطمت دفتها وفقد قبطانها بوصلته، فتاهت في عرض البحر بعد أن ابتلعتها الأنواء واختفت من الأفق المنارات وصارت الشطآن بعيدة المنال، فلا مستقر ولا سلام..
لقد مر ما يقارب ثلاثة أشهر منذ عودة بحر، وتم بالفعل إرسال استدعاء جديد له للوحدة، حتى أن أحد قادته قد زاره ووبخه بسبب تجاهله للأوامر العسكرية، الأمر الذي يمكن أن يؤدي به في النهاية لمحاكمة وعقاب صارم، لكن قائده كان مقدرا لكل ما مر به خاصة بعد سجله المشرف، فأخبره أنه سيمد عطلته حتى موعد حفل التكريم الذي ستقيمه إدارتهما تزامنا مع يوم الشهيد..
ومنذ علم بحر أنه سيضطر للعودة للوحدة لتلقي التكريم مع سفيان وأسرة نبيل نيابة عنه، وقد تبدلت حالته تماما.. أصبح صامتا واجما مكفهر الوجه دائم العبوس، حتى أصابته الحُمى من جديد..
لم يحتمل جسده كل الضغوط التي يمر بها مؤخرا، إضافة إلى ما يختزنه بالفعل بعقله، فانهار مستسلما لتلك الحمى التي رفعت من درجة حرارة جسده وأصابته بأوجاع متفرقة في عظامه، بل وجعلته يهلوس من وقتٍ لآخر..
لم تفهم أمواج من هلوساته شيئا، سوى قوله: "القط.. المسدس.. رقبتي.. يارو.. اللعنة عليك"، ثم يبدأ بوصلة سباب أخرى باللغة الإنجليزية، وبلغة ثالثة تظن أنها السواحيلية..
ربما التقط بعض الكلمات المحلية بسبب إقامته التي طالت لأكثر من عامين ونصف في أفريقيا..
تحسنت حالته قليلا بعد أن زاره الطبيب ووصف له بعض الأدوية لمقاومة الحمى وعلاج تكسر الجسم وآلام العظام، لتبدأ بعدها معاناة بحر من جديد مع الكوابيس، حتى أنه قد ازداد نحافة وشعث شعره وطالت ذقنه وغارت عيناه..
لقد أصبح فعليا يبدو كذئب أسير عانى من صنوف من العذاب لا تُحتمل..
تفكر أمواج أن تصاحبه في رحلة إلى السويس بعد أن يكتمل شفاؤه.. بالتأكيد بعد الوقت مع الخالة فاطمة والعم عدنان وفرات سيحسن من حالته النفسية..
كانت أمواج قد أرسلت ابنتها لوالدتها لتقيم معها خلال الأيام الماضية حتى تتفرغ لرعاية زوجها الذي بات يحتاج لمراقبتها أغلب الوقت..
كلما شاهدته بهذه الحالة تضعف وتفقد شيئا من تماسكها المعهود، لكنها لا تزال تتمسك بالأمل، حتى أنها تفكر باستشارة اختصاصي نفسي دون أن تخبره، لكنها تجبن عن هذه الخطوة، وتكتفي بما تستخلصه من معلومات عبر مواقع الدعم النفسي ومجموعة زوجات المقاتلين عبر منصات التواصل..
كان بحر ممددا إلى جوارها غارقا في النوم، بينما تتصفح هي بعض المواقع النفسية عبر شبكة الانترنت، ذلك حين سمعته يتمتم بكلمات غير مفهومة بتلك اللغة الغريبة، قبل أن يصرخ ويضع كفيه أعلى نحره، وكأنه يعيش من جديد ألم إصابة حنجرته، ثم بدأ يهتف بعصبية: "القط.. لا.. المسدس.. المسدس لا.. لن أفعلها.. لن تجبرني"..
ربتت على كفه برفق بعد أن فتحت المصباح الجانبي وهي تهمس اسمه بخوف: "بحر.. بحر.. أنت بخير.. أنت هنا.. أنت معي"، لكنه كان غائبا كليا في كابوسه ولا يسمع نهائيا ما تقوله، فحاولت أن تزيد من ضغط كفيها على بطنه مُقدِرة أن محاولتها لإيقاظه وبينهما مسافة آمنة أفضل من مد كفها لخده كيلا يستيقظ مفزوعا..
ورغم ارتفاع صوتها بالصراخ، إلا أنه لم يسمعها نهائيا، وبدا غارقا في عذابه الخاص، حيث تصلبت أطرافه وأخذ يتململ بجذعه متحركا بعصبية وتشنج كالممسوس، ليدب الرعب في أوصال أمواج، التي سارعت تصب كوبا من الماء من الدورق المجاور لها على الكومود، قبل أن تبلل وجهه بالقليل من نثرات الماء من الكوب، فيفتح بحر عينيه فجأة صارخا، ليزداد ارتعابها فينسكب محتوى الكوب بكامله على وجهه، ليشهق كلا منهما..
هي ارتباكا وقلقا عليه، وهو ذعرا وقد تعالت أنفاسه كأنه يقاوم الاختناق، قبل أن يعتدل في جلسته، فيدفع الكوب جانبا ليسقط فيرتطم بالأرضية ويتحطم بصوت شبه مكتوم ابتلعته السجادة الوثيرة، قبل أن يطبق على رقبتها بكفيه، فيعتصرها بعنف لتلهث وتجحظ عينيها وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، بينما مقلتاه لا تريان سوى وحشا يستحق القتل..




نهاية القصاصة الحادية والثلاثين
قراءة ممتعة
أرجو الدعاء لي بالشفاء


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 07-11-22, 08:27 PM   #1029

al gameel rasha

? العضوٌ??? » 424155
?  التسِجيلٌ » May 2018
? مشَارَ?اتْي » 244
?  نُقآطِيْ » al gameel rasha is on a distinguished road
افتراضي

حبيبتى الف سلامة عليكي
تسلم ايدك عالفصل
رووووووووووووعة


al gameel rasha غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-11-22, 09:16 PM   #1030

Ektimal yasine

? العضوٌ??? » 449669
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,966
?  نُقآطِيْ » Ektimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond repute
افتراضي

خسلامة قلبك يارب ربناةيشفيكي ويعافيكي ويعطيكي الف عافية يارب رغم تك نزلتوالفصل بميعادو الف الف شكر
جاري القراءة


Ektimal yasine غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:30 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.