آخر 10 مشاركات
80 - العذراء والمجهول - جيسيكا ستيل (الكاتـب : فرح - )           »          أمير ليلى -ج1 من سلسلة حكايا القلوب- للمبدعة: سُلافه الشرقاوي *كاملة & بالروابط* (الكاتـب : سلافه الشرقاوي - )           »          412 - لن أكون لعبتك - ايما دارسى (الكاتـب : سماالياقوت - )           »          طوق نجاة (4) .. سلسلة حكايا القلوب (الكاتـب : سلافه الشرقاوي - )           »          بشاير غرام " وجدير بالذكر " (4) .. سلسلة بيت الحكايا *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : shymaa abou bakr - )           »          غيث أيلول -ج5 سلسلة عائلة ريتشي(121)غربية - للكاتبة:أميرة الحب - الفصل الــ 44*مميزة* (الكاتـب : أميرة الحب - )           »          42 - وانطفأت الشموع - كارول مورتيمر ( إعادة تصوير ) (الكاتـب : عيون المها - )           »          رواية المخبا خلف الايام * متميزه و مكتملة * (الكاتـب : مريم نجمة - )           »          موسم الورد* متميزه * مكتملة (الكاتـب : Asma- - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree12256Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-11-22, 07:56 PM   #1121

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سناء يافي مشاهدة المشاركة
الاقتباس راىع نزل فصل جديد اليوم نحنا بالانتظار
سانشره خلال دقائق عزيزتي سناء..
كانت هناك مشكلة بالمنتدى بالدقائق الماضية..
كوني بالقرب يا غاليتي


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 28-11-22, 07:59 PM   #1122

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة shezo مشاهدة المشاركة
مرحبا حبيبتى المبدعة

الفصل رائع..رائع..رائع
وإن بدا للبعض ممن لم يتعمق بعد في الأحداث انك قد أطلتى في الحوار
إلا أنه كان لزاما هنا السرد بالتفصيل لان الامور وصلت لمنتهاها بين ابطالنا ما بين تحليل لمشاعرهم الداخلية والحوارات التى دارت بينهما
وكنت اندهش لإنتهاء المشهد لان جاذبية المشهد لم تشعرنى بالملل ولا ثانية واحدة
فكل كلمة وحرف ومشاعر نزفتها بروحك في محلها تماما
فلك كل الشكر على هذا الجهد المتميز

ما أروع قدرتك على انهاء الحياة الزوجية بين بحر وامواجه بعبارتين وفوا وكفوا لشرح الموقف
دون زيادة او نقصان الاولى من جانب امواط وهى
(سبعة أحرف ملعونة، ضربتها كمحاقن الموت التي يحقنون بها عتيدي الإجرام لإنهاء حياتهم تنفيذا لحكم الإعدام..)
والثانية من قبل بحر
(أنا كتلة من الهزائم والأوجاع.. أنا جبل من احباطات وهموم.. ماذا أقدمه لكِ نظير كل ما تقدمينه لي؟"..)

كنت متشوقة جدا لمعرفة كيفية لقاءذكرى برفيقات الأسي فإذا بك تسوقينه بشكل طبيعى جدا دون اى إفتعال في ملمح إنسانى جميل كان طبيعيا بعده أن تنشأ تلك الصداقة القوية بينهما

وهذه العبارة بين آدم وذكرى
(آدم لم يصفع وجهها.. لم يصفع كبرياءها وكرامتها حتى، بل صفع قلبها المتخاذل صفعة إفاقة..
لماذا تتحمل وتصبر؟ ما الجائزة؟
"لم أشعر أبدا بعدم ثقة بنفسي إلا هذه اللحظة"..)

بالفعل كلمات مغزوله بنسيج الالم والاهانة والوجع عبرت بمنتهى الابداع عن حال ذكرى

بينماموقف عبد المنصف مع أمواح رائع جدا
نعم الاب ..فكم من إمراة تعرضت لظلم وقهر لان أهلها لم يعاضدوها ويكونوا سندا لها امام غوائل الزمن وغدر البشر
ما اروع مشهد المحكمة بكل حرف فيه يستحق التميز
خاصة عندما ركع بحر على قدميه يستمع لها كما أمرته
مشهد به كل الإذعان وكأنها تملكه
ورغم ذلك يغلبه إحساسه بالهزيمة فلا يحرى معها حلا لمشكلته

سلمتى حبيبتى
على الفصل المميز
كل السعادة لقلبك

حبيبتي شيزو

امتداحك لاسلوبي السردي يطمئنني على تعبيري عن شخصيات الابطال ومسار الحبكات، فلا يهمني سوى أن تصل مشاعرهم إليكم بالقدر الصحيح..
شكرا لتذوقك الرائع لوصف المشاعر المتباينة بين ثنائيّ الطلاق خاصتنا بحر وامواج، وذكرى وادم
والتعبير عن كل منهما بصورة تناسب سبب الطلاق وظروف كل حبكة..

وشكرا لانتباهك لدعم منصف غير المشروط لابنته..
اردت من خلاله المقارنة بين تصرفاته وبين شخص مثل جمال شعبان مثلا.. الذي لم تجده ابنته سندا لها ابدا في محنتها رغم انها لا تمتلك اي معين بهذه الدنيا.. ولكن يكفيها الله سندا ومعينا


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 28-11-22, 08:02 PM   #1123

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile21 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الرابعة والثلاثون: القسم الأول

القصاصة الرابعة والثلاثون
( حين يستقيل العشاق)


كيف يسقط الحب صريعا؟
ذلك حين تضربه زلازل الكبرياء المدمرة، وتصعقه أعاصير الخوف الباردة، وتسحقه قبضة العناد القاسية..
كيف يمكن لبحرٍ أن يحب في زمن يخشى فيه الماء ويبارك العطش؟ وكيف يعانق أمواجه الحرة وهو مكبل بأصفاد وتقيده أسلاك شائكة، وعقله محتجز بزنازين تُحرّم عليه مغازلة الأمواج؟؟
وكيف يكون لصراع العروش يدٌ في تحديد مصير قلبين مشتتين لا يكتمل أحدهما بدون الآخر؟
وشظايا الكلمات تخترق الصدور ولا تغادرها، فلا تُبقي سوى وجعا سرمديا تنزف له الأرواح بأنين كصراخ النايات يطرب له الحاضرين ولا يبكي بالنهاية سوى صاحب الناي..
حين يتحول سوء تفاهم إلى غيمة دخانية داكنة، تهطل أمطارها السوداء على المشاعر فتفتتها لركام يتهاوى تحت أنقاض الحسرة.. وحين تغرق مراكب الهوى بُعيد ضفاف العسل، فإن العشاق يقررون الاستقالة ظنا منهم أنهم سيستريحون من عبء التدوين بدفاتر الهوى كاشفين أوجاع أرواحهم..
وحين يستقيل العشاق، تغادر كلمات الحب الشفاه، وتهرب الألوان من الضحكات، ويختفي بريق الأعين..
حين يستقيل العشاق، تحدث ظواهر غير طبيعية، كأن يفقد القمر نوره، ويعتزل البحر أمواجه، ويجتنب آدم جناته، ويغيب دفء الشمس عن القلوب.. فؤلاء التعساء لم يصبحوا عاطلين عن محض عمل.. وإنما فاقدين للشعور بالحياة.. يجربون أساليب التأقلم والمسايرة، ولا يفلحون.. فهذا زمن الانطفاء والانطواء..




خرج من سيارته، وهرول مسرعا إلى داخل المركز، حيث وجد مجموعة ضخمة من العاملين ما بين أطباء وأخصائيي علاج طبيعي وممرضات.. وحتى عمال التنظيف، يقفون جميعا متجمهرين في صدر البهو، ويحملون لافتة ضخمة مرسوما عليها طفلا صغيرا تلوّن وجهه بألوان قوس قزح، ويضع على صدره ميدعة وبفمه لهاية، بينما يمسك دمية صغيرة بيده يضمها لصدره بتردد..
شهق آدم منتفضا بوجع ليهرب من هذا الكابوس المزعج، محركا وجهه ببطء، لتتدفق آلام وجنته اليسرى من جديد، لتذكّره بوجعه الأول.. فيمد يده يتحسس خده المضمد بضمادات طبية، قبل أن تشخص أمامه فتاة ترتدي زي التمريض وتمنحه ابتسامة هادئة، قبل أن تقول: "حمدا لله على سلامتك"..
رد آدم بضياع: "أين أنا؟"
"ألا تتذكر؟"
سألته الممرضة باهتمام، ليرد بتشنج: "أتذكر الحادث.. ودراجتي البخارية وارتطام وجهي بطبقة الأسفلت.. ويديّ.. هل يداي بخير؟"
ابتسمت الممرضة وقالت: "أنت بخير.. اهدأ.. لا داعي للقلق.. كل شيء على ما يرام.. سأستدعي لك الطبيب لكي يتحدث معك عن حالتك.. بالمناسبة هل كنت بحفل تنكري قبل الحادث؟"
رفع آدم حاجبه الأيمن متسائلا، لتتابع الممرضة بنبرة تتأرجح بين الألفة والملل: "لقد كنت تهذي طويلا خلال نومك عن مهرج وطفل وألوان قوس قزح"..
مط آدم شفتيه عابسا، فتنحنحت الممرضة حرجا، وغادرت تستدعي الطبيب الذي أخبره أن وضعه مستقر تماما، فقد أُجريت له فور أن وصل للمشفى، أشعة على الرأس والصدر للتأكد من عدم تعرضه لإصابات داخلية، وبعدها تم التعامل مع إصابة وجهه الذي تشوه جانبه الأيسر بجرحين غائرين عرضيين وثالثٍ طوليٍ..
تابع الطبيب بنبرة أسيفة: "لا أفهم سر إصرارك على عدم الخضوع لجراحة تجميلية لتقطيب إصابات وجهك بطريقة تجعل الندوب تختفي بعد وقتٍ محددٍ"..
"أفضّل ألا أنسى هذا الجرح"..
قالها آدم بنبرة مريرة، فتنهد الطبيب بتعاطف، ليتابع المريض الراقد على الفراش: "أريد الخضوع لأشعة على كفيّ للتأكد أن شيئا لم يصبهما.. أنا جراح عظام.. وأحتاج للاطمئنان على سلامة كفيّ"..
ابتسم الطبيب، وقال: "بالتأكيد.. ولكن عليك أن ترتاح قليلا بعد.. لقد أعطيناك مخدرا موضعيا خلال التقطيب، ولكن بعده حصلت على مسكنات قوية لأن آلامك كانت شديدة.. بصراحة أتعاطف معك بشدة ولا أكاد أصدق نجاتك من هذا الحادث.. لقد كتب الله لك عمرا جديدا"..
أدار آدم وجهه للجهة الأخرى، يبتلع غصة مريرة بحلقه، وبداخله يتمتم:
(وبِمَ يفيد العمر المديد وهي ليست جزء منه.. لا أحسب عمري بغير وجودها)..
خلال الساعات التالية، خضع آدم للأشعة التي طلبها، وقد تعاون معه الجميع بعد أن عرفوا هويته، فأغلبهم تتلمذ على يد بعضا من أفراد عائلته، حتى أن اثنين من الأطباء أعلنا أمامه بفخر أنهما تدربا لدى الدكتور طاهر عزازي رحمه الله..
بالنهاية، أذن الأطباء لآدم بالمغادرة بعد أن استقرت حالته تماما، خاصة بعد أن أخبرهم أنه سيتكفل بالعناية بجرح وجهه بنفسه، ليشرع بطلب سيارة مستأجرة عبر أحد التطبيقات، ليتوجه بعدها إلى مركز (عزازي لجراحات العظام والتأهيل البدني)..
داخل مكتبه، دلف آدم إلى الغرفة الملحقة والتي يخصصها عادة للاستراحة بين الجراحات، إذ أنها تحتوي فراشا صغيرا كأسرّة المرضى، بالإضافة لخزانة يحتفظ بداخلها ببعض الملابس الاحتياطية..
تمدد على الفراش بملابسه بعد أن خلع حذائه، ثم أغمض عينيه، واستسلم للنعاس بعد أن ابتلع حبتين من الدواء المسكن بدون ماء..
استيقظ فجأة على جلبة داخل المشفى، ولم يدرِ أنه نام لساعات، إلا بعد أن اختلس نظرة سريعة لساعة الحائط، فنهض على مهل، ثم تحرك بقدمين متيبستين إلى الخارج، لتقابله إحدى الممرضات بحالة من الهلع.. تدور حول نفسها بالمكان، وكأنها تبحث عنه بين ذرات الهواء، فلمّا تجسد أمامها، هتفت بتعجل وأنفاسها تتلاحق بين الأحرف: "الدكتورة رقية هنا.. لقد دلفت من البوابة لتوها"، ثم خرجت حتى قبل أن تتلقى منه رد فعلٍ..
حاول آدم هندمة ملابسه بقدر ما استطاع، قبل أن يخرج لاستقبال والدته، ليجد الأطباء يسارعون بالركض بتحفز يشوبه الترقب في كل الاتجاهات، وكأن هناك حملة تفتيش مفاجئة من وزارة الصحة..
ابتسامة سخيفة كست محياه، قبل أن يصفق كفيه معا مرة واحدة لتنبيه الجميع، الذين تحولت أنظارهم جميعا إليه بلحظة واحدة، ليشير لهم بكفيه ليهدؤوا، قبل أن يقول بثقة حازمة لا تخلو من عبث: "اهدؤوا يا شباب وباشروا عملكم بلا قلق.. هذه الحملة من الدكتورة رقية موجهة لي أنا شخصيا، وليست لتقييم أدائكم.. بالنهاية أنا هو مديركم الفعلي وأنا من سيحاسبكم على التقصير إذا وُجد"..
ناظره الأطباء بحرج، وانصرف أغلبهم إلى أعمالهم بعد أن رمقوه مرة أخرى بدهشة، وكأنهم لاحظوا للتو الضماد الجراحي المغطي لوجنته اليسرى..
اقترب منه زميله الدكتور كريم، وسأله عما حدث له، ليرد ببساطة: "حادث سير"..
قبل أن يستطرد آدم في حديثه، كانت والدته الدكتورة رقية تدلف للممر مستندة بكفها على كتف أحد رجال الأمن الذي كان يسير بخطوات متمهلة حتى تتبعه دون مشقة، فأسرع بخطواته المتيبسة حتى أمسك كفها، وأشار للحارس بالانصراف لنقطة عمله، ثم قال: "مرحبا يا ماما.. لماذا أتعبتِ نفسكِ؟"..
ناظرته أمه بعتب ولم تعلق، مكتفية فقط بالتقاط أنفاسها القلقة بصخب، حتى وصل بها إلى داخل غرفة مكتبه، وساعدها للاسترخاء على الأريكة الوثيرة، قبل أن تسحبه ليجلس إلى جوارها، فترفع يديها تؤطر وجهه وتناظر مكان جرحه بهلع أمومي صادق، لتهتف بقلق يخالطه التوبيخ: "ماذا جرى لوجهك؟ كيف تعرضتَ لهذا الحادث؟ وكيف تخفي الأمر عني؟ أنا أمك.. من غيري سيقلق عليك؟"
أطرق آدم عينيه بأسف، وقال: "كان مجرد حادث بسيط.. الحمد لله خرجت منه على خير.. بضع رضوض فقط بجسدي تحتاج للراحة.. وجرح وجهي سرعان ما سيندمل.. لا تقلقي سأكون بخير حال"..
"كل هذا بسبب تلك الوضيعة التي تسرق أفكارك"..
هتفت والدته بغضب، فسارع يقول محذرا: "أمي"..
اختطفته أمه ليستريح رأسه على صدرها، بينما أخذت تربت على ظهره بحنان، وهي تقول معاتبة: "لقد هاتفني مدير المستشفى التي تلقيت العلاج بها، ونقل لي تقريرا مفصلا عن حالتك، وانتظرتك حتى تعود للبيت، لأن هاتفك كان مغلقا.. ولم تفعل، إلى أن...."
رفع آدم رأسه بنزق، وقال مقاطعا: "إلى أن اتصل بك جاسوسك هنا بالمركز ليخبركِ أنني قد جئت إلى هنا، فسارعت بالحضور، بينما كان من الممكن أن تنتظري حتى أعود للبيت بنفسي"..
سألته أمه بعتب: "لماذا جئت إلى هنا مباشرة؟"
رد ابنها بهدوء: "صدقا يا أمي.. احتجت للاختلاء بنفسي قليلا وتفريغ رأسي من كل الأفكار.. كنت سأبيت هنا ليومٍ أو اثنين حتى تلتئم جروحي قليلا، ويستعيد جسمي نشاطه المعتاد، وبعدها أعود للمنزل.. لكنكِ دائما يا دكتورة رقية لا تسمحين لي بأية مساحة خاصة ويصيبك القلق كلما ابتعدتُ عنكِ، فسارعتِ لإعادتي إلى... بيتكِ.. صحيح؟"
كاد أن يقول (قفصكِ الجميل الذي تحتفظين بي بداخله كببغاء مبهر الألوان)، لكنه ابتلع كلماته.. هو لا يريد حقا استفزاز والدته أو حتى الدخول معها بمجادلة جديدة..
لا يرغب سوى في بعض الوقت الخاص.. هل يطلب الكثير؟
أما الدكتورة رقية، فقد ناظرته بتفكر.. هناك شيء جديد بنظراته.. شيء ما قد تغير بداخله، وليس بسبب تعرضه لهذا الحادث..
كان يحدثها بلا مبالاة غريبة عليه.. في الحقيقة تلك الحالة ليست وليدة اللحظة، وإنما كست كل تصرفاته كطبقة من الثلوج، منذ أن رمى يمين الطلاق على الملعونة زوجته..
منذ تلك اللحظة، شعرت الدكتورة رقية أن علاقتها بابنها لن تعود كما كانت من قبل.. ورغم ذلك، فإنها قاومت هذا الشعور، وقالت بجزع غير مفتعل: "هل تريد أن تحرق قلبي عليك يا آدم ولم يعد لي سواك بهذه الدنيا؟ تريد أن تبتعد عني بعد أن سممت تلك الملعونة أفكارك؟ ماذا فعلتُ أنا؟ أليست هي المخطئة؟؟"
ناظرها آدم بضجر بينما أطلقت عيناه نظرات محذرة، لكنها تجاهلتها وتابعت بحميّة: "انظر كيف أهانتني أمامك.. إنها لا تتورع عن أي شيء لتخرج فائزة.. لم يبقَ سوى أن تصفعني.. إن شئت الصدق، أعترف أنني المخطئة، لأنني لم أحكِ لك يوما عما كانت تفعله بي بغيابك من إهانات وتوبيخ لسيدة في سني ومكانتي"..
شعر آدم بالشفقة تجاه والدته، فهو بالفعل قد حضر لحظة إهانة ذكرى لأمه واتهامها لها بالكذب، فاستغلت الدكتورة رقية الفرصة بعد أن لاحظت تعاطفه معها، لتتابع: "أخبرتك مرارا قبل زواجكما أنها لا تليق بك وأنت لم ترَ سوءاتها لأن ستائر الحب أخفت عيوبها عن عينيك.. لا تقل لي أنك غاضب مني لأن الله أراد أن يكشفها أمامك وجعلني سببا"..
تنهد آدم وقال بتعب حقيقي: "لستُ غاضبا منكِ أماه، إنما فقط متعب.. ولهذا جئت لهنا، حتى أتمكن من مباشرة العمل دون أن أضطر للتنقل بين المنزل والمركز.. دعيني فقط لبضعة أيام، وسأعود حين تتحسن حالتي.. اعتبريني محتجزا بالمشفى.. وسأهاتفك كل ليلة.. ما رأيكِ؟"
تنهدت أمه، وأعطته موافقتها على مضض، وهي تشعر أنها أصبحت بلا حيلة ولا تستطيع أن تضغط عليه بعد كل ما حدث له مؤخرا، فقررت أن تترك له مساحة صغيرة من الحرية حتى يعود إليها طوعا..
أوصلها آدم حتى السيارة، وأوصى سائقها بالقيادة بحرص وببطء، ثم عاد لمكتبه، ليُخرج بعض الأدوات من خزانة جانبية، فيقف أمام المرآة، نازعا الضماد الطبي عن جروحه برفق، ليعاود التربيت على الجرح بالمطهرات ثم يضع طبقة من المرهم، ويضع ضمادات جديدة على جرحه، قبل أن يغسل يديه، ويعود لمكتبه ليستخرج من أحد الأدراج السفلية صندوقا من السيجار الكوبي الفاخر، ليستخرج واحدا منها، ويبدأ في إشعاله، قبل أن يتهاوى على الأريكة، فيمد ساقيه أمامه لينفث دخان سيجاره في الهواء، ليتشكل بعين عقله بهيئة فتاة جميلة تتأطر ابتسامتها بغمازة طفولية جميلة، تناظره بلومٍ وعتبٍ، فينفث مجددا بحنق، وهو يتذكر شكل جروحه بالمرآة، ليهتف بعدم رضا: "تبا لكِ يا ذكرى.. وكأنكِ وصمتِني وتركتِ أثار لعنة الفقد على وجهي لتذكّرني كل لحظة بما خسرتُ"..
في اليوم التالي، قرر آدم تأجيل بعض الجراحات غير العاجلة، وتوزيع بقيتها على زملائه الأطباء، قبل أن يقوم بالمرور على بعض الحالات المحتجزة بالفعل تحت الملاحظة، ليطمئن على سير العمل..
سيركز من الآن فصاعدا بعمله فقط.. لا يجب أن يخسر كل شيء بعد أن تمزق قلبه.. ووجهه..
ألم يقم بتلك التضحية كي يظل كفاه آمنين ولا يخسر كفاءته كجراح ماهر؟؟
لن يتراجع الآن في عمله كما تدهور كل شيء آخر بحياته.. عمله هو الجسر الوحيد الذي يضمن له حنان والدته..
حين مر آدم على قسم التأهيل والعلاج الفيزيائي، لمح سفيان مرتجي يؤدي تدريباته البدنية بهمة ونشاط.. لقد نمت بينهما صداقة ناشئة قبل أشهر، خصوصا بعد وفاة والده، وإصرار الأخير على تقديم واجب العزاء له.. وبعد أن استجاب سفيان لفكرته بالخضوع لجلسات مع استشاري نفسي، أصبح تقاربهما كصديقين أمرا لا يمكن تجنبه، فكلا منهما يحمل بداخله الكثير من الألم، ما يجعله يشعر بالتأكيد بالآخر عندما تتكالب عليه الأحزان.. وهذا تحديدا مع جعل رجل العسكرية السابق ينهض من جلسته دون حتى الاعتذار من مشرفه العلاجي، والتحرك قاطعا الخطوات الفاصلة بينهما، قبل أن يسأله بدهشة مشوبة بالقلق، وكأنه يحدّث أخاه الأصغر: "ماذا حدث لوجهك؟ هل أنت بخير؟"
تنحنح آدم بحرج، فقد التفت جميع الأعين صوبه تناظره بفضول، ليقول بصوت خفيض مغلفا وجهه بابتسامة غبية: "حادث سير.. سقطت عن دراجتي البخارية، وعانق وجهي الرصيف"..
في تلك اللحظة، تذّكر سفيان معالجه الفيزيائي، فاستدار إليه رافعا كفه اليسرى معتذرا، ومشيرا لساعة الحائط، ففهم المعالج أنه يطلب بضع دقائق للراحة، لينصرف للخارج، بينما تحرك سفيان صوب المقعد الطويل المغطى بطبقة من الجلد الأسود، ليستقر عليه منتظرا انضمام الطبيب الذي أصبح بشكلٍ ما صديقا له مؤخرا..
الغريب أن سفيان لا يتخذ أصدقاء بسهولة، ولم يعرف بحياته سوى نبيل وبحر، ولكنه مؤخرا بات يشعر أن آدم وإيلاف يملآن بعض الفراغ الروحي الذي تركه رحيل نبيل وانعزال بحر، فلم يقاوم أبدا ذلك الرابط الغريب الذي جمع بينه وبين كلٍ منهما..
لم يملك سفيان التعاطف الذي أصبح يغلف معاملته لآدم، خاصة بعد أن غادرت المشاكسة والبهجة عينيّ الأخير وحل محلهما الجمود والكآبة منذ عاد من الأردن..
جلس آدم بإنهاك إلى جوار صديقه، وسارع يسأله مقررا إرجاء الحديث عن نفسه لأطول وقت ممكن: "أخبرني عن علاجك الفيزيائي.. هل اقتربت من التعوّد على استعمال يدك اليسرى؟"
حرك سفيان يده اليسرى، قبل أن يقول: "إلى حدٍ ما، لكن لا يمكن أن أقول أنني بِتُ استخدمها بنفس براعة اليد اليمنى"..
"لا بأس.. الأمر يحتاج للقليل من الصبر والاستمرار في التدريب بمثابرة وجدية.. وأنت لا تفتقر لأيهما.. ماذا عن الذراع التعويضي؟ هل جربت بعضها لاختيار الأفضل لك؟"
تنهد سفيان وقال: "اخترتُ واحدا بالفعل لارتدائه أمام التوأم تحديدا، فهما يصدعان رأسي بالأسئلة في كل مرة يلاحظان فيها اختفاء ذراعي الأيمن، وكأنهما ينسيان الأمر في كل مرة، فلا يعودان يتذكران الحادث إلا عندما يروي لهم إيلاف الحكاية من جديد، حتى أنه قد استعان بشخصية شهيرة من أحد أفلام الحركة"..
ابتسم آدم وقال بإنجليزية مبهرة: "Bucky Barnes the Winter Soldier for Sure"..
ضحك سفيان متسليا، قبل أن يقول ساخرا: "بالتأكيد كان يجب أن أعرف أنك تماثل إيلاف في حبه للشخصيات الخارقة، فأنتما تمتلكان نفس القدر من التفاهة"..
رد آدم بتهديد طفولي: "لا يجب أن توبخ أحدا من محبي (عالم مارفل) ولا تتوقع ألا ينتقم منك.. أظنني سأحب التعرف على إيلاف حتى نضع خطة مناسبة للانتقام"..
أطلق سفيان ضحكة ساخرة، وقال بثقة: "جربا فقط"، ثم صمت قليلا يناظر آدم بتفرس قبل أن يسأله: "هل انتهيت من محاولة تشتيتي عن السؤال الأهم؟ ماذا حدث لك في الفترة الأخيرة؟؟ منذ أن أخبرتني عن طلاقك وأنت لستَ بأفضل حال.. والأحمق الآخر في السويس قد طلّق زوجته ويحصد الآن نتائج تصرفاته المتسرعة.. هل هو موسم الطلاق؟"
لو كان آدم في حالة مزاجية مواتية، لسأله عن هوية الأحمق الآخر، لكن كونه الأحمق الأول، فإنه لا يحتاج الآن سوى إعادة ترتيب أفكاره والاعتياد على فراغ حياته بغياب مليكتها صاحبة الأثر الملكي، فتنهد وقال بنبرة تخلو من المشاعر: "لقد أنهينا إجراءات الطلاق بالمحكمة"..
"لا أريد التدخل بخصوصياتك، لكنني لا أفهم لماذا أقدمتَ على طلاقها طالما تحبها بهذا القدر الذي تكاد تنطق به عيناك"..
سأله سفيان بحيرة، ليرد بقنوط: "حدث بيننا خلافٌ حادٌ.. وتطور لإهانات متبادلة.. كانت عيناها تحتجزان الكثير من الصرخات، لكنها لسانها السليط الذي يمتلك عقلية مستقلة قد نعتني بكلمات جارحة، كعادتها كلما شعرت أنها بموقف ضعيف"..
أطبق سفيان شفتيه بحنق.. يعرف شيئا أو اثنين عن حماقة النساء عند الفراق.. ألم يكسر الكثير من القلوب في فترة من فترات غبائه حين كان لقبه الأشهر (مغناطيس الفتيات)؟؟
"لكنك لا تزال تحبها"..
قال سفيان بنبرة تقريرية لا تحمل أي شك، ليرد آدم مؤكدا: "حتى آخر أنفاسي"..
"إذًا لماذا لا تصالحها أيها الغبي؟"
حين سأله سفيان بنبرة لا تخلو من التوبيخ، قال آدم بحنق لا يتملكه كثيرا في ظل هدوء أعصابه الذي يعتبر سمة أساسية لعمله كطبيب جراح: "لقد أهانتني أمام والدتي.. وأهانت والدتي.. وأخفت عني بعض الأمور.. يمكنك القول فقط إن الخطوط بيننا قد تقطعت ولا يوجد مجال للصلح.. على الأقل حاليا.. أنا غاضبٌ بشدة.. كما أنني أيضا تهورت بشكل ما، وأذيتها بدون أن أعي، وهي غاضبة بدورها بدرجة أشد على الأرجح"..
لم يشأ آدم أن يعترف بصفعه لها بلحظة حماقة، فشعر سفيان برغبته في إبقاء أسراره الخاصة طي الكتمان، ليقول مهدئا: "لا بأس.. لقد تم الأمر وكل شيء نصيب.. لو كان هناك نصيب، ستعودان معا بإذن الله.. ما رأيك أن أصطحبك للغداء اليوم لكي تتعرف على إيلاف والتوأم مالك وملك؟ سيفرحون جميعا بالتعرف على شخص يشاركهم التفاهة"..
تعمد سفيان مضايقة آدم بمزحته الأخيرة حتى يخرج صديقه من حزنه ويغالب همومه، وبالفعل رد الأخير متحديا: "أنتظر فقط أن تجيد استخدام يدك اليسرى حتى أدعوك لمباراة لمصارعة الذراعين، وأهزمك شر هزيمة فأكسر أنفك المتضخم هذا من فرط الكبرياء"..
ضحك سفيان ضحكة صاخبة، ونهض يقول: "احلم لألف عامٍ ولن تتمكن أبدا من الانتصار علي حتى لو كنت مبتور الذراعين"..
تبعه آدم، يخبره أنه سينهي المرور على الأقسام الأخرى قبل أن يقابله بعد نهاية جلسته الفيزيائية لكي يتناولا الغداء سويا مع إيلاف والتوأم..



يتبــــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 28-11-22, 08:04 PM   #1124

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewity Smile 1 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الرابعة والثلاثون: القسم الثاني

لقد مر يومان منذ عودته من القاهرة بعد أن أطلقت أمواج قنبلتها الدخانية الملونة في وجهه لتصيبه بعمى مؤقت في التفكير..
هل كان عليه أن يردها؟ هل من الأفضل للرضيع أن يولد في كنف أب مثله؟؟
كيف يحتفل بطفل نشأ بفضل حبة زرقاء لعينة!!
أو أسوأ..!!
كيف يشعر بالسعادة لأن أمواجه أنجبت طفلا بعد أن حملت به على الأرجح بنفس الليلة التي كادت فيها أن تخسر حياتها كليا حين اعتصر رقبتها بأصابعه الفولاذية، وهو يظنها ذلك الشيطان يارو أتيبا، في لحظة تاه فيها وعيه بين الواقع والوهم؟
لا.. لن يعود.. هذا هو القرار الأصوب..
وجوده في محيط أمواج والطفلين سيكون ضارا بهم..
إن كان قد أذى عائلته من قبل بلا وعي، فإنه لن يقدر أبدا على أن يفعلها وهو بكامل وعيه..
بالأساس هو لن يتحمل إيذاء أي شخص بعد ما ارتكبه من فظائع داخل ذلك المستودع بإيعاز من زبانية الجحيم..
بضعة أشهر فقط.. كل ما يطلبه هو بضعة أشهر لكي يستعيد خلالها السيطرة على زمام الأمور، ويتخلص من كوابيسه المفزعة، ومن خوفه الغريب من القطط والمياه، وبعدها يعود لأحضان أمواجه ويعوضها وطفليه عن هجرته لهم..
إذًا لماذا يزداد شعوره بالفشل والقنوط؟
وكأنه محتجز بقفص صغير لا يدخله الضوء ولا الهواء، فلا يشعر سوى بالاختناق.. لا يكاد يطيق جلده.. يريد الخروج من تلك الحالة المريعة.. هدنة قصيرة، وبعدها يعود لرباطة جأشه من جديد..
فليجرب السفر بين سحب الدخان، علّها تبعده عن جحيم الأفكار..
مع نهاية مناوبته بالمرفأ، ورغم الأحمال الثقيلة التي ظل يرفعها ويكدسها بأماكنها المخصصة طوال عشر ساعات متتالية، إلا أن أنين عضلاته لم يفلح في طرد الصخب داخل رأسه، لذا فإنه قد اقترب من واحدٍ من العمال علم أنه يتناول تلك الأقراص المخدرة التي تبدد شعوره بآلام ظهره جراء نقل الأحمال الثقيلة، وسأله عن مورد للحشيش الفاخر داخل المنطقة..
في البداية، توجس الرجل ظنا منه أن بحر يسأله بدافع التجسس لصالح الإدارة، لكن الأخير طمأنه أنه سيحضر عُرسا، ويريد إهداء أصدقائه الشباب بضع لفافات مميزة تجعل مزاجهم مثاليا للرقص حتى الصباح..
حين أرشد الرجل بحر، لشاب آخر يعمل بموقع آخر بالميناء، أرشده ذلك الأخير لرقم هاتف واحدٍ من موردي مخدر الحشيش بالمنطقة، وبالفعل تواصل معه بحر، واتفق معه على مكان اللقاء، لتسلم ما طلبه..
وبعد لقائه بالمورد ببقعة نائية بالقرب من المنطقة الجبلية وحصوله على لفافاته السحرية، لم ينتظر بحر حتى أن يعود لبيت عائلته أو يذهب للكهف لإشعال إحداها، وإنما سارع بسحب بضعة أنفاس منها بعد إلحاح من المورد، ليتأكد أن جودة المنتج لاقت رضا زبونه الجديد، قبل أن يسأله الأخير ببلادة: "أتعرف مكانا بالمدينة حيث تقام منافسات الملاكمة؟"
ناظره الشاب بغموض، وقال: "هناك النادي الرياضي بقلب المدينة ومركز الشباب غرب الميناء.. يقيمان مسابقات للملاكمة بين الشباب"..
سحب بحر بعضا من الدخان لرئتيه قبل أن ينفثه ببطء، ليقول: "لا.. أسأل عن مباريات للملاكمة بلا إشراف.. أقصد مسابقات القتال السرية.. تلك التي تقام بنظام المقامرات، وبقانون واحدٍ فقط (البقاء للأقوى)"..
رفع الشاب حاجبيه، وقال: "قتالات شوارع؟؟ لا أعرف أماكنها تحديدا، ولكن يمكنني أن أجد لك من يرشدك إليها.. هل تريد أن تقامر؟"
التمعت عينا بحر بجنون، قبل أن يقول بابتسامة مريبة: "بل أريد أن أقاتل.. أريد اللعب لا المقامرة"..
قال الشاب: "إذًا لأقم باتصالاتي وأرد عليك قريبا.. إلى اللقاء"..
قاد بحر دراجته النارية القديمة إلى حيث كهفه المفضل القريب من موقعه الحالي، ثم حرر رسالة سريعة لوالده يخبره أنه سيبيت لدى صديق له الليلة، ليسارع لداخل الكهف ممسكا مصباحه اليدوي، حتى وصل إلى تلك البقعة التي يخفي بداخلها أغراضه التي يبقيها داخل حقيبة جلدية مقاومة للماء بدلا من نقلها بشكل متكرر.. فقد أمسى يبيت بالكهف أكثر مما يبيت بمنزل والديه..
أسرع بإشعال النار بعدة قطع من الحطب، ثم أخرج الفراش القابل للطي من حافظته، ونصبه بجوار النار مباشرة، ثم استرخى مستسلما للنوم بسلام بتأثير دخان حشيشه الذي طفا على سطح أفكاره ليسجنها جميعا تحت سحبه الكثيفة، فلم تزره الكوابيس المرعبة تلك الليلة مطلقا..
في اليوم التالي، استيقظ بحر وهمّ يطوي فراشه ويخزنه من جديد بحافظته الجلدية وبموقعه الأمين بعمق الكهف..
ابتسم بمرارة، حين تذكّر المرة الأولى التي أتى بها إلى الكهف بعد نجاته من الأسر، وكيف أخذ يبحث عن بقعة جديدة لم تطأها أمواج وتترك شبحها خلفها كي يؤرقه..
لقد تعب كثيرا حتى عثر على مكانٍ مصمت بعمق الكهف، لا تجمعه فيه ذكريات مؤرقة بأمواجه، فأصبح مكانه المفضل منذئذ..
تنهد بحر وقال بغيظ: "تبا.. وكأنها قد وشمت كل الأماكن بوشمها الخاص، لتحرّم عليّ نسيانها مهما حاولت إجبار نفسي.. تبا لكِ يا ابنة الحلواني"..
حين خرج من الكهف وقد قابله ضوء الصباح المشع، علم أنه قد نام لفترة أطول من المعتاد، فرفع ذراعيه بالهواء يتمطى بتكاسل، حتى سمع من يقول من خلفه:
"وأخيرا استيقظت.. كدتُ أن أتهور وأدخل بنفسي للبحث عنك"..
تصلب جسد بحر بالكامل، قبل أن يستدير لمواجهة صاحب الصوت قائلا بدهشة: "أبي!!"
على بُعد حوالي سبعة أمتار، كان يجلس المهندس عدنان الديب مسترخيا على مقدمة سيارته، وإلى جواره يقف ابنه الأصغر فرات..
لقد لاحظ بحر منذ عودته من بؤرة الجحيم اللعينة التي كان محتجزا بها أن شقيقه الأصغر يرمقه بنظرات غريبة متفحصة في كل مناسبة، وكأنه قد عيّن نفسه حارسا لأخيه الأكبر..
هل يظن أنه سيقدم على إيذاء نفسه بشكل ما؟
ابتسم بحر بمرارة.. ليته كان يستطيع، لكنه للأسف لم يفقد رأسه لذلك الحد.. لن يحطم قلوب أحبائه بإقدامه على حماقة كتلكِ.. فهو بالنهاية رجل، وعليه أن يتحمل هزائمه كالرجال..
تحرك نحو والده وشقيقه بتحفز، ظنا منه أن والده سيوبخه على تصرفاته غير المسئولة – كما يراها، فبحر للحق لا يزال عاجزا عن تعرية سوءاته أمام والده.. ليس ظنا منه أن والده لن يفهمه أو يشعر به، ولكن كيلا يكسر قلب أبيه ويُشعره بالعجز إذا أخبره تفاصيل ما تعرض له من امتهان وتعذيب على يد زبانية الجحيم، كما أنه يحرص دوما على زرع ابتسامة بلاستيكية على وجهه في حضرة أمه، ليخبرها دوما أنه بخير..
أمه التي تعرف جيدا أنه ليس بخير، خاصة وقد ارتحل بعيدا عن أمواجه، تتقبل ابتسامته بأخرى ضعيفة خالية من تفاؤلها المألوف الذي كان ينعكس صداه بداخل قلبه..
أمه – على وجه الخصوص – لن تتحمل أن تعرف ما أصاب ابنها الأكبر من خراب أهلك روحه، لذا فهو يبذل مجهودا مضاعفا من أجل الظهور أمامها بأفضل حال..
وكأن كلا منهما يخدع الآخر بإدعاء استقرار وهمي لمشاعرهما.. أما الصغير فرات، فإن بحر يشعر بالمسئولية عن رسوبه وضياع حلمه في أن يصبح أكاديميا بارزا بكليته، لكن الأخير أخبره أن ما حدث لا يقع على عاتقه نهائيا، وأنه لا يشعر بخسارة فادحة.. فقد أعاد الاختبارات وستظهر النتيجة عما قريب، فيحصل على بكالوريوس الهندسة، ليبدأ عمله كمهندس للتعدين..
بحر غاضب بشدة من تحوّل الأوضاع داخل هذا البيت.. وكأن جهود الجميع تتضافر للحفاظ على سلامته النفسية بحالتها الهشة تلك – متناسين أنفسهم، حتى أنه يكاد يشعر من تصرفات فرات، وكأنه هو الأكبر عمرا والأكثر خبرة بالحياة.. والأسوأ أنه لا يمتلك الطاقة ليوبخه أو يطلب منه الابتعاد عن محيطه..
تنهد بحر بصمت وتحرك الخطوات الفاصلة، حتى وقف أمام والده يضع كفا على الآخر أمامه بتهذيب، ليقول والده بابتسامة بسيطة: "هيا لنتناول الفطور في مطعم (عروسة البحر)"..
ابتسامة سخيفة زينت ثغر بحر، ليضربه والده بخفة على رأسه، قبل أن يسحبه من معصمه – كما كان يفعل عندما كان ابنه الأكبر طفلا صغيرا لا يحمل هما بالدنيا ويظن العالم مكانا نقيا لا يحركه الأوغاد أصحاب النفوس الضالة - لكي يتحرك إلى السيارة فيجلس الأب بالخلف، بينما يسارع بحر وأخوه بحمل الدراجة النارية إلى الصندوق الخلفي بالسيارة، ثم يستقران على المقعدين الأماميين، فيقود فرات إلى بقعتهم المنشودة..
خلال الأيام التالية، أخذ بحر على عاتقه مهمة استعادة بعضا من نفسه السابقة، محاولا التخلص من الفوبيا الغريبة التي أصابته كلما لامس وجهه الماء، خاصة عند الاستحمام، لذا فقد بدأ يمرن نفسه من جديد على سباحة البطن علّه يتعود على غمر وجهه بماء البحر لثوانٍ في كل مرة، حتى أنه قد استخدم قناعا مخصصا للتنفس تحت الماء خلال ممارسة الغطس، لكي يطمئن نفسه أنه لن يتم حجب الأكسجين عن رئتيه بأية لحظة..
أنّى له أن يعثر على بحر بلا بلل، أو ماء بلا غرق!!
كيف له أن يثق أن الدوار لن يكبل رأسه كما لن يعتقل الخوف أنفاسه؟
متى يستعيد البحر موسيقاه بأذنيه وتناظر عيناه من جديد ضوء القناديل وانعكاس القمر في الظلام؟
هل ستعانقه الأمواج وتقبّل وجهه من جديد؟
كم يشتاق لمداعبتها لأنفه بخفة.. وعنف.. وكم يشتاق لاختلاط أنفاسه بلطمات الأمواج النزقة التي تعيد بث الحياة بداخله!!
بعد تدريب شاق استمر لأيام متتالية، لم ينجح تماما بمسعاه بالتخلص من تلك الفوبيا اللعينة.. لكنه على الأقل بات أكثر ثقة بمياه البحر..
بحر السويس لن يغدر به ويعتقل أنفاسه ويهدد بتفجير رئتيه، فأصبح حاليا يمارس السباحة بقناع الأمان خاصته، أملا في أن يتخلص منه قريبا إذا نجح في مواجهة مخاوفه..
ولا يزال بحر يكافح بمعركته الخاصة للتخلص من كوابيسه المرعبة التي توقظه كل ليلة متعرقا فزعا بأنفاس محتقنة، بعد صراعه المتكرر مع أعدائه المجرمين، كما يحاول استرداد ثقته في الماء كما كان سابقا.. شاعرا أنه لن يأتي يومٌ أبدا يرى فيه نفسه يستحم بجسارة أسفل رشاش الحمام، فيندفع رذاذ الماء لعينيه وجبهته ووجنته دون أن يتجمد لاهثا بمكانه انتظارا للموت خنقا..
ومع كفاحه الخاص من أجل التخلص من كل المؤثرات التي تركها اعتقاله بنفسه، فقد رصد بحر تغيرا جديدا بنفسه.. إذ أصبح شحيح الكلام دائم الشرود.. لا ينطق إلا للإجابة على سؤال لا يمكن تجاهله.. وإذا فعل، تكسو عينيه مرارة مرعبة.. وكأنه يعايش بكل مرة ينطق بها، نفس جرح حنجرته من جديد.. بل وكأنه يستعيد كل ما عايشه من انتهاكات وعذابات أثقلت روحه وأورثتها ندوبا مشوهة..
ومع مقاومته المستمرة لآلامه التي لا يمكنه أن يرويها لأحد، يشعر بحر بالاشتياق لصديقه وقدوته سفيان مرتجي، لكن كيف سيضع على عاتقه أوجاعه والأخير ينوء كتفاه بما يحملان من آلام وخسائر..
وكيف سيحكي له عما تعرض له داخل المستودع.. بل كيف سيعلن لمسامعه خشيته أن مكامن رجولته قد تأثرت بتعرضه للتعذيب بوحشية، برغم حمل أمواج الذي ينسف ظنونه تماما..
هو نفسه لا يفهم ما يحدث.. لكنه لن يذهب من تلقاء نفسه لطبيب ليناقش معه هذا الأمر.. يفضل الموت على أن يتحدث عن هكذا أمر شديد الحساسية..
ليس أمامه سوى الصبر، حتى يبرأ من كل أوجاعه.. أو يتعايش معها..
فقط لو تتفهم أمواجه الوضع.. فقط لو تصبر قليلا..
فقط لو تيأس تماما وتنبذه خارج حياتها..


يتبــــــــــــــــــــــ ــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 28-11-22, 08:06 PM   #1125

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile14 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الرابعة والثلاثون: القسم الثالث

ماذا قالت الأسطورة؟
إن الأمواج تعيش دائما بكنف بحرها، تغمره بثورتها فيمنحها الخلود بغمراته.. لم يخبرها أحد عما يحدث إذا هجر البحر أمواجه..
لم تتأهب نهائيا لاستقالة معشوقها بوثيقة رسمية رفعها بوجهها بعد أن لفظها لسانه بنبرة ميتة لا روح فيها ولا حياة..
إن كانت تمضي أيامها بالانشغال بملايين التفاصيل لكي تصرف ذهنها عن التفكير فيه، وتحرّم على مشاعرها الاشتياق إليه، فكيف هي لياليها، حين يباغتها الحنين ويعذبها الجوى؟
من حطم كأس هنائها، ووضع مكانه العلقم المر؟
إنه بحرها الذي هجرها وحرّم عليها حديث الشطآن وغزل المرافئ ودلال ملامسة الموج للرمال تحت ضوء القمر محولا الأسطورة إلى لعنة.. لقد فقدت الأمواج عنفوانها وغابت ألوانها ورحل قمرها، فلم يعد يحيطها سوى الضباب والدخان..
هربت زهور اللوتس ونُفيت القناديل قسرا..
فماذا يبقى للأمواج برحيل البحر سوى قبور من رمال وقد تحولت أسطورتهما لسفينة مثقوبة في بحر القدر، تحفها الرياح وتستقر على مياه متلاطمة تهدر بعشوائية بلا منارة ترشدها؟
أمضت أمواج الأيام التالية لطلاقها، تركز فقط في استعادة بعضا من هدوئها كيلا يرتفع ضغط دمها ويشكل خطورة على جنينها الغالي..
غالٍ وإن جهل والده قيمته بسبب الغشاوة التي تكسو عينيه فتحجب عنها رؤية الأشياء بشكل صحيح..
وفي المساء.. كل مساء.. لا يزورها خلال محاولاتها البائسة للنوم سوى الدموع..
لن تخبر أمواج أحدا – حتى بحر نفسه – أنها لم تعد تستطيع إغماض عينيها للنوم إلا بعد أن ترش بعضا من عطره المفضل على وسادتها، كي تتنسم عبيره، فتخدع عواطفها المكلومة، وتخبرها أن عاشقها يتواجد في الجوار، وأنه أبدا لم يهجرها..
حين عادت من المحكمة، كان أول ما فعلته أن نزلت لمتجر العطور لشراء قنينتين كاملتين، حيث استهلكت حتى الآن نصف قنينة، اختلط شذاها مع أثار دمعاتها الغاليات على وسادتها..
تؤكد لنفسها بكبرياء زائف أن كل هذا الحنين لم يسكنها إلا بسبب اضطراب هرموناتها خلال الحمل، وما أن تضع مولودها ستتخلص من شوقها المذموم هذا وستجف دموعها.. ستتعلم الهجر كما فعل صاحبها..
وقفت تبدل ملابسها استعدادا لدرس اليوجا المسائي.. تتفحص قوامها في المرآة.. نحيفة للغاية إلا من بروز بطنها بفعل تقدمها بالحمل.. حتى بروز بطنها لا يبدو أبدا لامرأة ستدخل الثلث الأخير من حملها خلال أيام..
لولا إصرار شادن وزهو، وملاحقتهما لها ولكيان بالطعام، لكانت على الأرجح تتمدد على فراش المرض بإحدى المستشفيات، تتلقى التغذية الوريدية..
حتى ذكرى صديقتها الجديدة التي فقدت حملها مؤخرا، تشعر نحوها بنوع من المسئولية، فتحرص على إحضار بعض الطعام المنزلي معها في كل مرة تلتقيها، وكأنها تخشى أن تعيش أمواج نفس الفجيعة التي عانتها هي بسقوط حملها..
لا تزال أمواج تشعر بالأسف لعدم قدرتها على مغادرة بيتها للإقامة ببيت عائلتها، حيث يلح والداها دوما عليها بالانتقال لمنزلهما حتى تضع حملها.. لا يعوقهما عن إجبارها على التلبية سوى خشيتهما على حالتها النفسية الهشة من التردي، فيرتفع ضغط دمها، لتتأثر حالتها الصحية بشكل سلبي بهذا الوقت الحرج..
ارتدت أمواج قميصا قطنيا واسعا على سروالها ذات الأرجل الفضفاضة، ثم زمت شعرها في شكل كعكة علوية مفككة، وغادرت إلى المرآب، حيث كانت زهو تنتظرها بسيارتها، إذ أن الطفلين ساري وكيان سيجلسان برفقة الجدة منال والدة زهو بمنزل الأخيرة..
قادت زهو السيارة صوب المركز الرياضي، بينما تجلس أمواج إلى جوارها مسترخية فاقدة للحيوية كما هو حالها مؤخرا.. لتناظرها صديقتها بشفقة محاولة تذكّر المرة الأخيرة التي ركبت معها أمواج السيارة ولم تتوقف عن الحديث حول كل شيء ككومة من الألعاب النارية تشتعل ببريق بهيج الألوان..
كانت تلك المرة حين كانت أمواج تخطط لعطلتها مع بحر عقب عودته من المهمة الأخيرة بأفريقيا، إذ كانت ستصطحبه للسفر إلى قرية سياحية بالساحل برفقة ابنتهما كيان، ووقتها كانت ستحدثه عن رغبتها في الحمل من جديد..
ابتسمت زهو بمرارة، تهمس بالاستغفار.. لا تحب أبدا أن تأخذها أفكارها لتلك الفترة، ولا تزال تحاول استيعاب العواصف التي زلزلت حياتهن جميعا وغيرت معالمها للأبد..
كم تشتاق لنبيل.. لحنانه وحبه وخفة ظله.. لدلاله لها وقوته وقت الأزمات.. لن تنسى أبدا وقوفه إلى جوارها حين رحل والدها عن الدنيا فجأة متأثرا بإصابته بالسرطان مخفيا عنها أوجاعه وهي وحيدته..
الآن مَن لها ليعينها على تخطي وجع فراق نبيل..
وهل يُنسى نبيل؟
عزاؤها الوحيد أنه رحل كبطل متلقيا الشهادة.. كان نبيل من الصادقين الذين لا يطول وجودهم على تلك الدنيا الغادرة.. من الأنقياء الذين لا تتردد الحياة حاضنة الأوغاد في التخلص منهم سريعا، كي يخلو المجال للمحتالين الأفاقين..
شهقت زهو بخفة، فانتبهت أمواج الشاردة، لتستدير لها فتجد دموعها تسيل على وجهها ببطء كجمع من الرجال يسيرون بجنازة.. فتمد يدها تضغط على ركبتها بدعم، وتبتسم لها بتفهم، فكلاهما خسرت عزيزها وإن اختلفت الطريقة..
بعد ساعة ونصف من تمرينات اليوجا داخل النادي الرياضي، أسرعت رفيقات الأسى إلى المركز التجاري القريب، فجلسن بأحد المطاعم بطابقه الأرضي لتناول العشاء والتسامر كما تعودن كل أسبوع..
لقد مرت تقريبا عشرة أشهر منذ ذلك الحادث المشئوم، ولا يزال عدم التوازن مسيطرا على جميعهن.. حتى شادن التي ظنت أنها أفلتت من واقعٍ جافٍ خبيثٍ، عادت لموقعها المعهود كضحية لتنمر والدتها التي على ما يبدو قد استفاقت أخيرة من صدمة رحيل نبيل، فاستعادت هوايتها المفضلة بالتدخل بكل تفاصيل حياة شادن..
قالت أمواج بغيظ: "لقد تعبتُ نيابة عنكِ والله يا Shades.. لا أصدق كيف تحاول طنط لطيفة إجبارك على العودة لوليد لمجرد أنه مستعد للزواج منكِ من جديد.. ألا ترى كيف أساء لكِ وجرحكِ؟؟"..
تدخلت زهو تقول بعدم رضا: "بل قولي ألا ترى كيف أنه لا يؤتمن وقد خان الأمانة؟؟ كيف تظن طنط لطيفة أن وليد سيقدّرك كما تستحقين وقد باعكِ بالفعل عند أول اختبار؟؟"..
قالت ذكرى: "يبدو أن لديّ النسخة الرجالية من السيدة لطيفة.. فأبي المدعو جمال شعبان يقتحم بيتي ومقر عملي بين الفينة والأخرى، محاولا إجباري على العودة لطليقي برغم أن فترة العدة ستنتهي خلال أيام، لدرجة أنني لم أذهب حتى الآن لبيت طليقي لإحضار أغراضي وأشيائي المكدسة ببيته، فالشقة المستأجرة التي أعيش فيها مع والدتي ضيقة ولا تستوعب أشيائي التي تركتها لديه من ملابس وأدوات شخصية وأجهزة منزلية وخلافه"..
شهقت أمواج، وضربت كفيها بصخب لفت بعض الأنظار إلى طاولتهم، قبل أن تقول بحماس انعكس على التماع عينيها لأول مرة منذ أشهر فقدت خلالها البريق: "ما رأيكِ أن تستأجري شقة أبيه نادر ببنايتنا؟؟ إنها مغلقة دون استعمال لأنه يزورنا مرة كل عامين إذا كنا محظوظين"..
ردت شادن بشجن: "لكنه وعدني أن يزورنا هذا العام خلال سنوية نبيل رحمه الله"..
طاردت أمواج بقايا الحزن الذي لف المائدة بقولها: "أظنها فكرة لطيفة.. وتأتين أنتِ أيضا يا شادن لشقتك، فنسكن جميعنا معا بنفس البناية.. سنكون نعم الرفقة.. لو أن لنا فقط وسيلة لنتخلص من تلك البغيضة نرمين؟"
ابتسمت ذكرى وقالت بتفكه: "والله لا أفهم كيف تتقبلنّي بينكن بينما يصيبكن الكدر كلما أتت سيرة تلك الجارة نرمين.. أليست من نفس طبقتكن؟"
قالت زهو بانزعاج: "ليست مسألة طبقات.. إنها لا تشبهنا.. هذه المرأة جريئة للغاية وسليطة اللسان وفي عينيها خبث لا أحبه.. أما أنتِ يا ذكرى، فقد عرفناكِ لأشهر، ولم يختلف سلوكك أبدا عما تظهريه عبر حسابك العام على انستجرام.. أي أنكِ بعيدة كل البعد عن النفاق"..
تدخلت أمواج تقول: "أوقفا تلك الوصلة من المديح حتى يتم الأمر.. ما رأيكن؟ أنا سأحادث عمي عبد الجليل لإقناعه بانتقال شادن لكي تعيش معنا وتستقل بحياتها جزئيا بعيدا عن عزيزتنا لطيفة.. سأخبره أنني بحاجتها استعدادا للولادة وما بعدها.. وتأتي ذكرى أيضا وتدفع إيجارا مؤقتا لعمي جِلجِل.. وهكذا لن يمكن لوالدكِ يا كيري اقتحام بيتكِ من وقت لآخر وتهديدك لإجبارك على العودة لطليقك.. ما رأيكِ؟؟"..
شردت ذكرى وشادن لبعض الوقت، قبل أن تقولا معا بدون اتفاق مسبق: "أنا موافقة"، لتهتف أمواج بصخب وتصفق بيديها، لتستدير الكثير من الأعين نحو طاولتهن مجددا بفضول صريح..
"إذًا سنتفق على موعد لنقل حاجياتك من بيت طليقكِ بعد أن يعطينا عمي جلجل الموافقة"..
أنهت أمواج كلماتها بنبرة يقينية، فهي تثق بقدراتها الفذة على الإقناع عندما تكون لحوحة بما يكفي..


يتبـــــــــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 28-11-22, 08:08 PM   #1126

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile17 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الرابعة والثلاثون: القسم الرابع

بعد بضعة أيام، خرجت أمواج من غرفة الكشف بعد أن طمأنتها الدكتورة حنان على استقرار حملها ووصفت لها بعض الأدوية للمحافظة على ضغط دمها من الارتفاع وكذا بعض المكملات الغذائية، لتدلف ذكرى إلى داخل غرفة الكشف، لكي تخضع لكشف احترازي، طمأنتها خلاله الطبيبة أن بإمكانها استئناف محاولة الحمل من جديد، وأخبرتها أن تتابع معها إذا كانت تنوي الحمل قريبا، لكن ذكرى ابتسمت بمرارة، وأخبرتها أنها قد حصلت على الطلاق، ولا تنوي مجددا الزواج أو الإنجاب..
حين خرجت ذكرى من غرفة الكشف، كانت شادن أول من لاحظت الحسرة تستقر بمقلتيها، فهتفت بترقب تستثير حماسها: "لقد أخبرني أبيه نادر أنه سيساعدني في مسألة تأسيس الحضانة فور وصوله لزيارتنا خلال أشهر قليلة.. كما أن أبي يدعونا جميعا لتناول العشاء ببيته اليوم بعد أن ننتهي من حزم كل أغراض ذكرى من بيت طليقها"..
التفتت شادن تجاه ذكرى تقول: "ويدعو أيضا طنط آمال والدتك للعشاء معنا، وبعدها سيساعدني وعمي منصف في نقل باقي أغراضي لشقتي.. لا أصدق أننا سنصبح جارات يا بائساتي الصغيرات.. هيا.. هيا"..
قادت زهو سيارتها، بينما تجلس إلى جوارها شادن التي سارعت تؤكد على شركة النقل تحريك سيارتين إلى عنوان منزل الدكتور طاهر عزازي في الزمالك، كما اتفقت معهما منذ أيام..
أما ذكرى، فقد سارعت بتحرير رسالة نصية جديدة إلى حساب طليقها عبر "واتساب"، تخبره أنها في طريقها لبيت عائلته كما اتفقت معه منذ أيام.. فهي تخشى مواجهة والدته بدونه، لأنها لن تتحمل أن تكيل لها الدكتورة رقية الإهانات والاتهامات من جديد، فأرادت لطليقها أن يقف بينهما كجدار عازل يمنع الصدام المحتمل..
حين وصلت سيارة الفتيات إلى العنوان المنشود بحي الزمالك العريق، كانت سيارتا النقل بانتظارهما، حيث وقف بعض الحمّالين جانبا ينتظرون التعليمات بالتحرك لنقل الصناديق والأجهزة..
بنظرة واحدة لمدخل الxxxx، علمت ذكرى أن الدكتور آدم لم يصل بعد، لذا فقد حررت له رسالة تخبره أنها ستصعد للشقة وتستخدم مفتاحها للمرة الأخيرة، وستتركه على المنضدة فور أن تنتهي..
بعد حوالي ثلاث ساعات، بدأ العمال ينقلون الصناديق التي كدستها الفتيات الثلاثة عدا أمواج التي منعنها جميعا من حمل الأثقال، فاختارت أن تجلس حارسة في وضع الاستعداد للزود عن ذكرى إذا ما ضايقتها والدة طليقها، لكنها لحسن الحظ لم تتحرك لمقابلتهن، واكتفت فقط بإرسال عاملتها المنزلية ببعض العصائر وزجاجات المياه للضيوف..
حين وصل آدم، دلف لشقة أمه أولا بعد أن لاحظ أن العمال يحتلون المصعد ويكدسون الصناديق به..
فور أن شاهدته الدكتورة رقية، قالت بانزعاج: "من الجيد أننا سنتخلص من القمامة أخيرا"..
رد آدم بنبرة محذرة: "أمي!!"..
تنهدت والدته وقالت بنبرة دفاعية مشوبة باللوم لوحيدها: "هل ظلمتُها؟ ألم ترَ بنفسك كيف كانت تعاملني في حضورك؟ ناهيك عن غيابك.. إنها لا تحترمك يا بُني.. كان هذا جليا حين رفضت إخبارك بمكان مبيتها ليلة طلاقها.. لقد ارتحت من همها وما كادت أن تسببه لك من فضائح"..
لماذا تبدو نبرة صوتها غير مكترثة لأوجاعه أو عاجزة عن رؤية صرخات عينيه بأنين..
هتف آدم بنبرة عصبية: "أمي.. ماذا تقولين؟ لماذا تتحدثين عن أخلاقها هكذا؟ ذكرى ليست فتاة سيئة السلوك.. لم تكن أبدا سيئة الأخلاق وكبرياؤها لا يسمح لها أبدا أن تهين نفسها بتلك الصورة"..
ضحكة قصيرة ساخرة صدرت عن الدكتورة رقية التي قالت بتشفٍ قاصدة أن تقطع الطريق على أية فرصة لعودتهما سويا من جديد: "وتلك الخلوقة حسنة التربية ذات الكبرياء قد اشترت لتوها شقة فاخرة داخل تجمع سكني على أطراف العاصمة.. مِن أين لها بثمن امتلاكها؟؟ هل مؤخر صداقها يغطي سعر شقة في تلك المنطقة؟"
نفث آدم هواء غاضبا من أنفه يبدد القليل من النار التي تشتعل بداخله.. بضع كلمات من أمه لمسامعه كفيلة بإحراق أعصابه..
تنهد ببطء طاردا حنقه، وناظر والدته باشتعال دون أن يتمكن من الرد.. ليس وكأنه يشكك في أخلاق حبيبته.. فهو يثق بها تماما ويعرف أنها لن تخونه أو تحقّر من قدر نفسها بتصرف مذموم كهذا، لكن يقتله أنها ترفض أن تعترف له بما حدث لها تلك الليلة..
يشعر أنها بشكلٍ ما كانت واقعة بمأزق صعب ورفضت أن تسمح له بمساندتها.. كانت حالتها غريبة ذلك اليوم وبدت جامدة وشاحبة..
يعرف بقرارة نفسه الآن بعد أن هدأت انفعالاته كيف أساء التصرف بحقها، بل زاد الطين بِلة بصفعه لها.. لن يغفر لنفسه أبدا تصرفه الهمجي بدلا من الانفراد بها ومحاولة استكشاف ما تخفيه.. لكنه لم يكن بوعيه نهائيا بعد يومٍ كامل بالمطار ينتظر طائرة تعيده للوطن بينما تتفتت أعصابه رويدا رويدا فيما كان رأسه غارقا بأفكار سلبية مرعبة بشأنها.. وحين وصل للبيت، لم يكد يراها أمامه حتى أخرج انفعالاته في شكل نوبة توبيخ لا تشبه طبعه، وهاله الطريقة الوقحة التي تعاملت بها مع أمه، فلم يشعر بنفسه إلا بعد أن لطمت أصابعه القاسية وجنتها الرقيقة كوغد يتخذ العنف بديلا للحوار..
كان العقاب المناسب له هو الطلاق، ولو كان بإمكانه أن يقبّل يديها ويعتذر لها ألف مرة سيفعل، لكنها لا تحاول أن تفعل المثل.. تعامله وكأنها ارتاحت من عبء تواجده بحياتها، ولا تريد أن ترمم شرخ كبريائه بالاعتراف أمامه بمكان تواجدها تلك الليلة..
يغضبه أنها صرخت بملء فيها أنها تراه فقط كطفل أمه المدلل، وأنها قد ملت من معاشرته.. لو كان هذا الكلام قد صدر عن رحاب مثلا، لم يكن ليتأثر هكذا به، لكنها هي من قتلته.. لقد سحقت رجولته ببضع كلمات، وتترفع عن الاعتذار وطلب الصفح..
لو أنها خطت نحوه نصف خطوة.. نصف خطوة فقط تعلن له من خلالها تمسكها به، وترمم بها شروخ كرامته المحطمة، لركض إليها يجثو معتذرا يطلب الصفح، ولا يتركها حتى يناله مقدما لها الترضية التي ترجوها..
خرج آدم من شروده على كلمات أمه السامة التي لم تقتحم مسامعه فقط، وإنما استقرت تماما في قلبه كرصاصات قاتلة: "أخبرتك أنها ليست نظيفة تماما.. يبدو أنها قد تعرفت على رجلها التالي خلال فترة زواجكما.. على الأرجح ستتزوج فور انتهاء فترة العدة.. سترى لتصدّق"..
تحرك آدم مسرعا كالممسوس إلى المصعد، ليجد الصناديق تملؤه والعمال يُخرجون منه بعضها تباعا، فركض إلى السلالم، وصعدها بكل عنفوان حتى وصل للشقة التي كانت عش غرامهما حتى وقتٍ قصير.. فدخلها لاهثا مقاوما الشعور الذي تملكّه حين سحبت أنفاسه بعض الهواء الذي يتشاركه معها اللحظة بنفس مكانهما المفضل..
دلف إلى الداخل، فوجد سيدة حامل تجلس على مقعد جانبي مريح ذات مسندين، بينما تقف إلى جوارها سيدة أخرى بملابس رياضية وقد جدلت شعرها في شكل عدة ضفائر خلفية مجموعة معا بربطة شعر مطاطية لتبدو كذيل حصان منخفض..
كانت كلاهما تتحدثان بصوت خفيض، لكنهما توقفتا لتديرا رأسيهما لتناظراه معا حين استشعرتا وجوده..
كانت نظراتهما لائمة ممعتضة، فأطرق رأسه بتحية مقتضبة دون أن يتحدث، ثم وضع كفيه بجيبي سروال بدلته وتحرك صوب غرفة المعيشة، ليجدها تحدّث أحد العمال، بينما تجمع بعض الأغراض بشرود لتضعها داخل صندوق..
اهتز كفاها قليلا وارتعشت الكلمات بحنجرتها، فعلم أنها استشعرت وجوده.. ربما من رائحة عطره.. أو ربما فقط هي تلك الهالة الخفية التي تربطهما معا برغم كل شيء.. إلا أنها تجاهلت النظر إليه، واستمرت بجمع أغراضها..
وقف خلفها يراقبها، فوجدها تحمل بعض التحف الخزفية التي كان قد أهداها إليها، وتضعها جانبا على الطاولة، قبل أن تعود لجمع لوحها الذكي وحاسوبها المحمول، وتضعهما في حقيبة ظهر جلدية تخصها، وتتركهما جانبا إلى جوار حقيبة يدها..
اقترب بخطوات متثاقلة حتى وقف خلفها تماما، وهمس بنبرة حزينة: "ألن تأخذي تلك الهدايا؟"
شهقت ذكرى، ثم تمالكت نفسها وقالت بتوتر: "لا أحتاجها.. سآخذ فقط الأشياء التي اشتريتها بنفسي.. أو التي كانت تدخل ضمن تجهيزات العروس.. فهي حقي كما تعلم"..
نطقت كلماتها الأخيرة بعناد، وكأنها تحرص على أن تجعله يصدق أن ارتباطها به لم يكن سوى اتفاق مادي، تحرص الآن على جمع أرباحها منه..
تنهد آدم ولم يتكلم، لكنه لم يتحرك أيضا من موقعه على بُعد خطوتين خلفها، لتمسك هي بعض الكتب التي كانت تقرأها للاستزادة فيما يخص رسالتها للدكتوراة والتي أهملتها طويلا بسببه، فبدأت تكدسها داخل صندوق آخر خصصته للكتب والمحتوى العلمي..
كانت يداها تتحركان برتابة، بينما تستشعر هي وجوده خلفها فتقاوم الرغبة في البكاء، وهي تنهر نفسها هامسة صمتا:
(تستحقين تلك الخيبة وهذا الوجع مرة أخرى، لأنكِ يا بائسة لم تتعلمي عند النكبة الأولى حين هرع للزواج من أخرى.. لم يكن لكِ أبدا حظوة لديه.. دائما تأتين بمرتبة متدنية خلف أمه وأمنيات أمه وطلبات أمه وكرامة أمه"..
خرجت من شرودها، حين استشعرت أنفاسه ترتفع خلفها، فانتبهت أنها تحمل بيدها ذلك التمثال الخزفي الوقح للممرضة بملابسها الجريئة شبه العارية لتومض برأسها بضع ذكريات من تلك الليلة التي جمعتهما باحتفال عيد ميلادها، فشهقت بذعر، وتركته من بين يديها ليسقط على الأرض فيتهشم بصخب..
استدارت تتظاهر برغبتها بالتوجه لغرفة النوم لجمع بقية ملابسها، لكن عينيها ارتطمتا بمقلتيه الحزينتين قبل أن تسقطان على خده الأيسر الممزق طوليا وعرضيا بشكل بشع، فشهقت ووضعت كفها على فمها، وهي تهتف بقلق: "ماذا حدث لك؟"..
القلق المختزن بعينيها، وبحار الدموع التي تؤطر مقلتيها كانا بمثابة البلسم لجروح كرامته..
ها هي برغم إدعائها القوة والجفاء، تكاد تتهشم أمامه لأشلاء لمجرد رؤيتها لإصابة وجهه اللعينة.. الفزع في صوتها بمثابة مسكن قوي المفعول لآلام قلبه..
ذكرى تعشقه حتى ولو أنكرت لألف عام..
ومن لآدم سوى ذكراه عندما تسجنه الأفكار ويتلقفه التيه من جديد؟
ناظرها بجمود مماثل لذلك الذي قابلته به في المحكمة واستقبلته به اليوم قبل أن تقع نظراتها على جرحه، ثم قال ببرود جراح يستعد لدخول غرفة العمليات: "لا تكترثي.. ليس شيئا مهما يستحق أن أحكيه لكِ.. تماما كما لم يكن مبيتك بالخارج لليلة كاملة أمرا مهما لتفسريه لزوجكِ"..
ازدردت ذكرى ريقها، وقالت بكبرياء: "معك حق"، ثم تحركت لغرفة النوم تجمع بقية أغراضها، فشيّعها يقول: "لن تصعد أمي لمضايقتك.. لا تشعري بالقلق من هذا الشأن.. وأنا أيضا لن أضايقك.. لا أظنكِ تحتاجينني الآن.. وداعا"..
تحرك آدم بنية المغادرة، فاصطدمت به فتاة رابعة تحمل صندوقا ضخما يغطي وجهها تقريبا، فلم تفلح في رؤيته أمامها..
أخذت تطلق كلمات الاعتذار، بينما تابع هو طريقه صمتا دون أن يمنحها ردا لبقا كعادته..
يا الله.. كم فتاة أحضرت معها؟ ومن أين عرفت كل تلك النسوة؟
ألهذا لم تعد بحاجة إليه؟
حين نزل آدم للأسفل، وقف بجوار محل الزهور يتظاهر بالتسامر مع صديقه صاحب المحل، بينما كان يراقب العمال يرتبون الصناديق بسيارتي النقل، قبل أن تتحرك السيارتان تباعا، وفي إثرهما سيارة ملاكي تستقلها الفتيات الأربعة، إذ لمح ذكرى ترمقه بنظرة أخيرة من زجاج نافذة مقعدها الخلفي، قبل أن ترخي رأسها على المسند وتغمض عينيها تتظاهر بالاستسلام للنوم، بينما يعلم هو أنها تخفي عنه دموعها..
تلك هي النهاية..
أنهى حديثه مع جاره صاحب متجر الزهور، ثم ركض صوب مرآب بيته يهم بركوب دراجته النارية التي وصلت صباح اليوم من مركز الصيانة بعد إصلاحها، لكن عامل الحراسة بالمرآب، أخبره أن عامل الصيانة المسئول عن التوصيل قد منح المفاتيح للدكتورة رقية..
هرول آدم صوب المنزل، يطلب من والدته المفاتيح، لكنها أعلنت بنبرة لا تقبل الجدال أنها لن تسمح له بعد الآن بركوب الدراجة النارية..
صرخ آدم بهيستيرية: "ماذا تعنين لن تسمحي لي؟ هل أنا طفل بالروضة؟ أمي أنتي تصغرينني أمام حارس المرآب.. توقفي رجاء.. تلك الدراجة تخصني وأنا وحدي من أقرر إذا ما كنت سأمتنع عن ركوبها مجددا أم لا.. أعطني المفاتيح"..
ردت أمه بصلف: "أخبرتك أنك لن تقودها مجددا.. انظر ماذا حدث بالمرة الماضية.. لن أساعدك على إيذاء نفسك من جديد"..
صرخ آدم كحيوان حبيس، ثم ركض كالمجنون للخارج بعد أن سحب مفتاح سيارة لوالده لم يقدها أحد منذ نحو خمس سنوات على الأقل، وتحرك بها صوب الطريق الصحراوي راغبا في أن يقودها حتى ينتهي وقودها أو يفسد محركها أو يتخلص هو من حالة الاختناق التي تلف رئتيه اللحظة..
كان يتنفس بصخب كمن يجاهد لسحب الأكسجين، وهو يحدّث نفسه: "تستحق التيه بعد أن ضحيت بوطن أهدته صاحبة الأثر الملكي لك.. صنعته ببسمتها وفرحتها وضوء عينيها.. تستحق التيه بعد أن تخليت طوعا عن سلامٍ منحته لك بعد طول ارتحال.. تستحق أن تختبر التبه وقسوة الحال يا من هدمت أسوارها وحطمت جدرانها وأحلت مروجها لبحار من رمال"..
تنهد آدم وضرب المقود بيده، وهو يفكر أن ذكرى على حق..
نعم.. هو مدلل أمه..
همس مجددا يقول وكأنها قد شخصت أمامه: "أنا مدلل أمه الذي ظن أنه يملك أمان الدنيا كلها لكنه لم يعرف الخوف إلا حين غادرتِ أنتِ"..
كان الشرود قد ابتلعه، فلم يشعر بانحرافه عن الطريق إلى مسار جانبي، فارتفعت أبواق السيارات الأخرى تنبهه، فناور مرة واثنتين حتى عاد من جديد لطريقه، لكنه لم ينتبه أن ضباط الكمين المروري الأمامي قد انتبهوا لتصرفه المنبوذ، وظنوه ثملا أو يعاني من مشكلة صحية تفقده التركيز، فأشاروا له بالتوقف..
أوقف آدم السيارة جانبا، فناظره الضابط متفحصا، لتستقر عيناه على إصابة وجهه، فيسأله متحفزا: "أين بطاقة هويتك ورخصة قيادتك؟"
مد آدم يديه لجيب سترته الداخلي، لكنه اكتشف أنه لم يرتدِها من الأساس، حيث قد تركها بسيارته الخاصة التي يصفها الآن بمرآب بيت عائلته، فتصنع الانشغال بالبحث عن البطاقة بجيب سرواله، فلم يجد شيئا، فقال بابتسامة باردة: "لقد نسيتها بجيب سترتي بالسيارة الأخرى"..
رد الضابط متهكما: "سيارتك الأخرى؟ لا تبدو لي ثريا بمنظرك هذا.. هل أنت ثمل؟"..
رد آد مستنكرا: "ماذا؟ لا بالطبع.. لقد.. شردت قليلا، ثم استعدت السيطرة على السيارة هذا كل شيء"..
طرق الضابط يده على مقدمة السيارة هاتفا: "انزل لكي نفتش السيارة"..
غادر آدم السيارة، يقول بحنق: "لا أفهم سببا لكل هذا"..
رد الضابط متسائلا باستياء: "هل ستعلمني كيف أقوم بعملي؟ قف جانبا وانتظر حتى ينتهي الفحص، وبعدها ستشرفنا إلى قسم الشرطة لأنك تتحرك بدون بطاقة هوية ورخصة قيادة.. ما الذي يمنع أن تكون متورطا بجريمة بشكلك هذا؟"
رد آدم منفعلا: "لا أسمح لك"..
سأله الضابط بنبرة مستفزة: "من أنت أصلا كي تسمح ولا تسمح؟"..
رد بعنفوان: "أنا الدكتور آدم طاهر عزازي"..
منحه الضابط ابتسامة سخيفة، وقال: "في القسم سنعرف من أنت"، ثم أشار لأحد العساكر لموافاته، فجاء ممسكا بكلبٍ بوليسي ليحوم حول السيارة باحثا عن أي مخالفة..
بالنهاية، أجبر الضابط آدم على ركوب صندوق سيارة الشرطة، وقام بتكبيل سيارته بموقعها، ثم اصطحبه للقسم..
بقسم الشرطة، أحدث آدم جلبة صاخبة بسبب طريقة تعامل الضابط معه بجلافة غير مبررة، إلى أن مر بالمصادفة رجل شرطة ذو هيبة، صمت الجميع في حضوره، واعتدلوا في مواقعهم رافعين أكفهم بالتحية العسكرية، قبل أن يسأل بنبرة هادئة لا تخلو من صرامة: "ماذا يحدث هنا؟"
رد الضابط قائلا: "سيادة العقيد خالد باشا الكومي.. هذا الرجل لا يحمل بطاقة هوية وقد كاد أن يرتكب حادثا بالكمين المروري، كما أنه يتواقح منذ أحضرناه للقسم.. و....."..
رفع العقيد كفه ليصمت الضابط حديث التخرج تماما، والذي لم يتبين آدم رتبته كونه يرتدي الملابس المدنية، قبل أن يقول العقيد مستفهما: "لماذا لا تحمل بطاقة هويتك؟"
رد آدم محرجا شاعرا بهيبة هذا الرجل صاحب النظرات الثاقبة: "لقد قدت سيارة أبي بدلا من سيارتي، ولسوء حظي نسيت كل شيء بسترتي بالسيارة الأخرى.. أنا فقط أطلب فرصة للاتصال بأحد ليحضرها لي من البيت، أو بمحاميّ ليأتي لمساعدتي"..
"وهل هذه أشكال تمتلك محاميا؟ انظر إليه سيادتك.. يبدو لي مثل الشباب المستهتر الذي يدخل مشاجرات بالسلاح الأبيض لإثبات تفوق وهمي"..
ردد الضابط سؤاله بنبرة مستنكرة وهو يناظر الجرح الغائر الذي يشوه الجانب الأيسر من وجه آدم، فسأله العقيد خالد الكومي باهتمام بينما يناظره بتفحص: "كيف أصيب وجهك؟ يبدو لي الجرح جديدا.. لم يكد يمر عليه أكثر من شهر على الأرجح"..
رفع آدم حاجبيه باندهاش، وسأله: "كيف تعرف هذا؟ هل سيادتك دارس للطب؟"
ابتسم الضابط بشجن، وقال: "لقد درست القليل من (الشرعي) ضمن علم الجريمة.. فأنا كضابط للمباحث لا يجب أن تفوتني مثل تلك التفاصيل"..
ابتسم آدم وقال بشئ من الثقة: "أنا جراح عظام.. اسمي آدم عزازي.. وهذا الجرح عمره فعلا حوالي شهر.. إذ أنني قد تعرضت لحادث سير بدراجتي النارية"..
"يبدو أنك مسبب للكوارث أينما ارتحلت"..
قالها الضابط ساخرا، ليرد العقيد خالد الكومي: "يكفي هذا.. اذهب أنت واستكمل عملك.. أنا سأحقق معه"، ثم اصطحب آدم عزازي إلى مكتبه، وأشار له بالجلوس إلى المقعد المواجه لمقعده، قبل أن يستقر على مقعده الجلدي الضخم الذي يضاهيه هيبة، فيسأله: "لا تبدو لي من مسببي المشكلات.. يمكنك أن تطلب محاميك أو أحدا من المنزل إحضار بطاقة هويتك ورخصتي القيادة والسيارة للقسم"..
أخرج آدم هاتفه المحمول من جيب سرواله، وسارع يتصل بمحاميه، لكن الأخير أخبره أنه مسافر لمحافظة قنا لحضور مرافعة مع موكل آخر، فأنهى المكالمة واستأذن الضابط لإجراء مكالمة أخرى، فناظره الضابط متسليا، بينما يبدو عليه الحرج وكأنه لم يدلف لقسم شرطة من قبل.. يبدو حقا كشخص لا ينتمي إلى عالم الإجرام برغم ذلك الجرح الذي يغطي وجهه والذي فشل الضابط الشاب في تفسيره كونه لا يمتلك خبرة كافية..
هذا الرجل لا يمكنه حتى أن يقتل قطا دون أن يقتله ضميره ندما..
فكّر آدم بطلب والدته، لكنه لم يرغب أن يستمع لتوبيخها مرة جديدة أو أن يقلقها عليه فتظن أنه واقع بكارثة أو تعرض لحادث آخر، فأخذ يفكر قليلا بمن يتصل حتى استقر على ذهنه على صديقه الجديد.. سفيان مرتجي..
حين تلقى سفيان المكالمة، همس بخفوت كان مسموعا بوضوح لمرافقه بالغرفة الفسيحة والذي يجلس على بُعد مترٍ واحدٍ منه: "اسمع يا سفيان.. أنا في ورطة.. أريدك أن تذهب لبيتي بالزمالك، وتدلف للمرآب وتخبر العم حسان أن يفتح سيارتي ويستخرج منها سترتي ويمنحها إليك لأنني بقسم الشرطة الآن .. أحتاج لبطاقة الهوية ورخصة القيادة فورا.. رجاء أسرع"..
أخبره سفيان أن يهدأ، ووعده بحل الأمر، قبل أن يطلب منه إخباره بموقع القسم، ليمليه آدم له، بينما يناظر العقيد خالد بحرج بنظرات معتذرة..
حين انتهت المكالمة، سأله العقيد: "هل أنت بخير؟ تبدو متوترا وغاضبا.. لولا أنك أخبرتني أن إصابة وجهك سببها حادث سير لظننتُ أنك ذهبت للانتقام ممن فعل بك هذا"..
"ليتني أستطيع الانتقام منها"..
همسها آدم بنبرة خفيضة، فرفع الضابط حاجبيه ملتقطا آخر كلمة، ليسأله مستنكرا : "عفوا؟؟"
رد آدم بحرج: "أقصد لم يفعل بي أحدٌ هذا.. لقد انحرفت دراجتي النارية واصطدمت بعدة صناديق للقمامة قبل أن يصطدم وجهي بالرصيف"..
"لابد أنه كان حادثا مؤلما.. لماذا لم تخضع لتقطيب تجميلي إذًا؟"
سأله العقيد خالد باهتمام، ليرد آدم معاندا: "لا أريد أن يزول أثر الجرح.. أريده للأبد"..
أشفق عليه الضابط الذي يكبره بنحو ست سنوات على الأقل، مستشعرا أن هذا الرجل يعاني كثيرا، فقال متعاطفا: "ولكنه يجعل قليلي الخبرة أمثال الملازم أحمد يظنون أنك تميل للتصرفات الإجرامية ويسيئون الحكم عليك"..
رد آدم معاندا: "لا أكترث"..
تنهد العقيد، وضغط زر الهاتف يطلب عامل المقصف، وأمره بإحضار اثنين من العصير المعلب وقارورة من المياة المعدنية..
بعد نحو ساعتين، دلف إلى مكتب العقيد خالد الكومي، رجل يضاهيه هيبة وإن كان أنحف منه قليلا، فضلا عن بتر ذراعه الأيمن.. الأمر الذي لاحظه فورا مضيفه، لينهض واقفا فور أن قال الضيف: "مساء الخير.. أنا العقيد قوات مسلحة سفيان مرتجي"..
رد العقيد خالد الكومي التحية، وأشار له بالجلوس إلى المقعد المجاور لمقعد آدم، قبل أن يخرج بكفه الأيسر من جيب سرواله أوراق هوية آدم عزازي ويقدمها للعقيد، محاولا تبديد سوء التفاهم الذي حدث مع الضابط الأصغر عمرا، مؤكدا أن الطبيب آدم عزازي رجل خلوق يحترم القانون ورجالاته..
ابتسم العقيد خالد الكومي، وأعاد بطاقات الهوية للطبيب الشاب، وأخبره أنه لن يحرر محضرا بالواقعة احتراما للعقيد سفيان مرتجي، لكنه طالبه أن يتمالك أعصابه قليلا، فليس من الحكمة محاولة التشاجر مع ضابط شرطة، وإلا فإنه يعرّض نفسه للاتهام بمحاولة الاعتداء عليه خلال أداء عمله..
بعد خروجهما من قسم الشرطة، أخبر آدم سفيان بحرج أن الضابط السخيف قد كبّل سيارته بالقيود المعدنية العملاقة، وأنه على الأرجح لن يستطيع استعادتها إلا بعد دفع غرامة كبيرة بمقر إدارة المرور، فأخبره سفيان أن أخاه الأصغر إيلاف يقود سيارته، وسيقله أولا إلى بيته بالزمالك، قبل أن يعودا إلى تجمعهما السكني..
حين نطق سفيان اسم التجمع الذي يسكنه، انتبه آدم إلى أنه نفس التجمع الذي قالت والدته أن ذكرى ستسكن به منذ اليوم، فأطلق سبة بذيئة همسا خلال توجهه للجلوس بالمقعد الخلفي بالسيارة..


يتبــــــــــــــــــــــ ـــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 28-11-22, 08:09 PM   #1127

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
1111 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الرابعة والثلاثون: القسم الخامس

بعد نقل صناديق الأمتعة والمنقولات إلى شقة ذكرى الجديدة بالتجمع السكني على أطراف المدينة، انتقلت الفتيات مرة أخرى إلى بيت عبد الجليل الحلواني، حيث أقام مأدبة عامرة لاستقبال الجميع..
كان البيت حافلا باستقبال عدد كبير من الضيوف لأول مرة منذ عزاء نبيل، والأجواء هذه المرة كانت ملونة نوعا ما، ما أنعش قلب الرجل العجوز الذي ينفطر حزنا لفراق ابنه الأوسط الذي كان يملأ جنبات البيت بهجة ومشاكسة منذ طفولته..
داخل البيت، كانت منال والدة زهو وآمال والدة ذكرى وفايزة والدة أمواج يتبادلن الحديث مع لطيفة خلال تجهيز الغداء، بينما جلس عبد الجليل بحديقة المنزل مع الفتيات والصغيرين ساري وكيان..
بينما كان ينشغل بتركيب قطعة من البازل للصغيرين في محلها، قال الجد بنبرة مازحة تخفي الألم الساكن في حلقه: "لن أنسى كيف دخلتن عليّ المرة الفائتة كعصابة صغيرة تتزعمكن تلك القصيرة المكيرة ذات العيون الاستثنائية، لتنشر سحرها بالأجواء وتقنعني كالمنوم مغناطيسيا بالسماح لشادن قلبي بالانتقال لشقتها بنفس البناية، بل والموافقة على انتقال صبيحة الوجه تلك إلى شقة نادر"..
شهقت أمواج بتصنّع، وقالت: "هل تغازلني أنا وذكرى.. عماه؟ لن يكون الوضع لطيفا أبدا إذا سمعتك لطيفة"..
ضحك عبد الجليل بمرح، وقال: "ليتها تسمعني، لتخرج بعضا من الغضب المختزن بجوفها"، ثم سقطت عيناه مجددا على ذكرى ليقول بتفكّر: "أليس هناك أمل في رجوعكِ لطليقك يا ابنتي؟"..
هزت ذكرى رأسها نفيا، وقالت: "لا أفكر بالأمر حاليا، يا سيادة القبطان.. سأركز فقط على رعاية أمي التي حُرمت من رفقتي طويلا، وسأنشغل أيضا بدراستي للدكتوراة.. لقد تأخرتُ كثيرا"..
"سدد الله خطاكِ يا ابنتي"، قالها عبد الجليل بصدق، قبل أن تنادي لطيفة الجميع بالخارج من شرفة داخلية تطلب من الفتيات مساعدتها في ترتيب المائدة بعد أصبح الطعام جاهزا..
بعد عدة دقائق، جلس الجميع على المائدة يتناولون وجبة عائلية دافئة ويتقاسمون الحب وقليل من البهجة التي شح تواجدها في هذا البيت منذ أن زاره ذلك المسئول العسكري ليعلن الخبر المشئوم قبل أشهر..
وبينما كانت زهو منشغلة بإطعام صغيرها ساري، همست لطيفة بنبرة ليست خفيضة تماما: "لماذا لا تتابعي مع أخصائي تغذية يا زهو كي تتخلصي من وزنك الزائد.. لقد أصبحتِ بدينة فعليا"..
فغرت زهو فمها بعدم استيعاب، بينما قالت أمها التي كانت تجلس إلى جوارها، وسمعت كلمات لطيفة بوضوح: "عفوا يا لطيفة.. ما شأنكِ بما يخص وزنها؟ هذا أمر يخصها تماما"..
من مقعده على الطرف الآخر للمائدة، ناظر عبد الجليل زوجته بلوم، فمطت شفتيها بعناد، ثم قالت مستدركة بصوت لم يعد خفيضا: "ماذا قلتُ؟ إنما أنصحها لأنني أخشى على صحتها.. وشكلها"، ثم همست بداخلها بلا صوت فلم يتلقى كلماتها أحد وإن كان عبد الجليل قد فطن لتلك اللمعة المستنفرة بعينيها..
(كما أن نادر شارف على العودة لمصر)..
قالت منال بتحفز: "شكرا على نصائحك يا لطيفة.. لكن ما تحتاجه زهو حاليا هو مساحة من الهدوء في حياتها حتى تستعيد نفسها السابقة"..
كلمات منال أثارت انتباه جميع الجالسين على المائدة، فتدخل عبد الجليل يقول ملطفا: "زهو ابنتنا يا منال هانم.. بالطبع لطيفة تنصحها كوالدتها لكنها لا تقصد أن تضايقها بكلماتها.. أليس كذلك يا لطيفة؟"
هزت لطيفة رأسها مؤيدة رغم اشتعال نيران الغيظ بعينيها، كاظمة سيلا من الكلمات منعت نفسها بالكاد من رشق منال به، لتتدخل آمال والدة ذكرى وتقول ملطفة: "بسم الله ما شاء الله.. كل واحدة منكن يا فتيات بها ما يميزها.. كلكن رائعات"..
تبادلت الفتيات الابتسامات، بينما علقت لطيفة صمتا بداخلها:
(هذا لأن ابنتك الأجمل بينهن جميعا.. لا أفهم أي ريح أتت بها نحونا.. بالتأكيد ستخطف الأنظار من شادن وأمواج ويصطف الخاطبون على بابها، فتسطو على فرصهما في الزواج من جديد)..
كانت لطيفة قد قررت أن تكره ذكرى تلك، منذ اللحظة التي اقتنع فيها زوجها بالسماح لشادن بالإقامة بمفردها بشقتها داخل بناية الفتيات..
لولاها، لكانت شادن ظلت ببيت عائلتها، ولنجحت لطيفة في التأثير عليها لإقناعها بالعودة لوليد الذي يرجو الزواج منها مجددا، حتى أنه نقل للطيفة عن طريق والدته بإحدى جلسات النادي، أنه لا يمانع أبدا أن تجرب الحقن المجهري مجددا حتى يتحقق رجاؤها..
لكن ابنتها التي تغيرت شخصيتها تماما منذ رحيل نبيل، لم يعد يملأ رأسها سوى أفكار غريبة مثل الاستقلال بحياتها وتأسيس مشروعها الخاص..
الحمقاء ستدمر مستقبلها بنفسها، ولن تستفيق إلا بعد أن تمر سنوات عمرها أمامها، فلا تعود قادرة على جذب أي رجل للارتباط بها، فيفوتها قطار الزواج لتستكمل عمرها كله وحيدة..
فكرت لطيفة بإصرار:
(اصنعي ألف خطة يا شادن.. بالنهاية ما أريده أنا هو ما سيتم.. أنا أمك التي تعرف مصلحتك جيدا.. وتلك البليدة زهو.. لديّ خطة أخرى لها.. سأفعل كل ما بوسعي لحماية عائلتي)..
بعد عدة أيام، تجمعت الفتيات مجددا في شقة أمواج، فقد انتهين للتو من ترتيب شقة شادن بعد أن فرغن من مساعدة ذكرى بشقتها، لتصبح البناية نابضة بالحياة تزورها ضحكاتهن بصورة شبه دائمة، بينما تسارع زهو كالدجاجة الطيبة، بإطعامهن كل يوم بأصناف لذيذة من صنع يديها..
قالت زهو بينما توزع قطع الحلوى في أطباق الفتيات، وتقدمها لهن تباعا: "صحيح أنني لا أمتلك حق التدخل بينهما، خصوصا أنني لا أفهم بعد تفاصيل الانفصال، فتلك الغامضة الصامتة لم تفصح الكثير، لكنني في قرارة نفسي ألعن الحمق والحمقى كلما تذكرت ما دار بينهما.. لا تؤاخذيني يا Mu-Ji، فأنا في تلك الأحيان تنتابني رغبة ملحة أن أحضركما أمامي لأصفعكما معا"..
كسا الغضب ملامح أمواج التي زمجرت بغيظ ولم تعقب، لتلتقط شادن أطراف الحديث قائلة: "وما ذنب أمواج؟ إن بحر هو الأحمق.. هو من تعجل الفراق"..
نهضت أمواج واقفة كالملسوعة، وقالت باندفاع: "لا تنعتا بحر بالأحمق أمامي، وإلا أنا من ستصفعكما حتى تتورم كفاي"..
تنهدت شادن بهيام مفتعل، قاصدة السخرية من أمواج التي لكزتها بمرفقها في ذراعها، ثم استدارت تسأل ذكرى بفضول: "لِم تبدين حزينة هكذا؟ وكأنكِ على وشك البكاء"..
كانت ذكرى بتلك اللحظات شاردة من جديد، وقد استدعى عقلها للمرة التي لا تعرف عددها تفاصيل دعوة الطعام في بيت آل الحلواني، كانت تلك هي المرة الأولى التي تشعر فيها بالألفة في تجمع ضخم كهذا، مقارنة بتلك الجلسات الرسمية الباردة التي جمعتها بأفراد عائلة عزازي في مناسبات نادرة..
لم تختبر يوما الحياة في كنف عائلة ضخمة كما هو الحال مع أسرة الحلواني، والذين رغم الكوارث التي تحفهم، إلا أنهم يعيشون في تعاضد واضح، فيتحايلون على الهموم لكي تمر الحياة..
رجفت شفتاها بحزن، وكتمت لوعة الفقد التي تقبض على قلبها بيد حجرية قاسية، فمنذ رحلت من بيتها – بيت طليقها – لم تشعر سوى بوحدة جافة مؤرقة.. لن تستطيع أن تنكر أن آدم عزازي كان هو سكنها وعائلتها إلى جوار آمال..
على مدار سنوات، كان ملخص شعورها بالانتماء العائلي يقتصر على شخصين فقط.. والآن انقسم نصف نصيبها من الاحتواء العائلي، فلم يعد لها سوى أمها فقط..
أية وحشة تنتظرها بتلك الحياة!!..
حين انسابت دموعها على وجنتيها، قالت أمواج تغير اتجاه الحديث: "علينا أن نستعد من الآن لزفاف شذى.. هي وعدتني أنها ستقيمه فور أن أضع طفلي.. لكنني أرى أن نبدأ الترتيبات منذ الآن.. سأقترح عليها أن نقيم حفل عقد القران ببيت والدي، والزفاف بقاعة فاخرة.. تعرفن ملكة جمال مصر تحب جدا أن تسلط الأضواء عليها"..
قالت شادن: "وأنا بدأت التسجيل بمجموعة من الدورات التعليمية استعدادا لتأسيس روضتي، كما أن سلمى لديها اقتراح لشركة أخرى ولكن عملها سيكون نوعا ما تطوعيا بلا أرباح حقيقية، لذا قد نرجئ تأسيسها لبعض الوقت حتى نفتتح الروضة أولا"..
مطت أمواج شفتيها بامتعاض بعد أن التهمت قطعة كبيرة من الكعك، ثم قالت بعد أن ابتلعت ما بفمها من طعام: "أشعر بالغيرة كلما أتت سيرة الآنسة سلمى تلك"..
ابتسمت شادن وقالت بتعاطف: "والله الفتاة لطيفة للغاية، كما أن ظروفها صعبة"..
لفّ الصمت الأجواء لوهلة، قبل أن تقول أمواج: "لديّ فكرة.. لِم لا نقيم حفلا بمناسبة انتقال شادن وذكرى للإقامة هنا.. حفلا يضم أربعتنا فقط.. بشرط"..
سألتها زهو باهتمام: "وما هو الشرط؟"
ردت أمواج بتحفز: "سنستأجر مصورة فوتوغرافية محترفة، ونقيم جلسة تصوير لأربعتنا تحت عنوان البدايات الجديدة.. أنا مثلا أفكر في ارتداء فستان مخصص للحمل لتكون الصور ذكرى جميلة لطفلي حين يكبر.. وأنتن؟"
فكرت ذكرى قليلا، وردت: "لديّ فستان مزين بالقلوب الحمراء.. ارتديته بحفل خطبتي قبل أعوام.. أفكر بارتدائه مجددا"..
عاودت ذكرى الصمت وشردت قليلا، وكأنها تتخيل لقطات حية أمامها، ثم قالت باستنفار: "أظنني جهزت فكرة جلسة التصوير الخاصة بي"..
ابتسمت شادن، وقالت: "أعجبتني فكرة فستان الخطوبة تلك.. أفكر في استخراج فستان زفافي من مدفنه، سأقص ذيله الطويل، وأحوّله لفستان عصري لدى خيّاطة ماهرة.. وسأضيف إليه حزاما وبعض التفاصيل والحليات باللون الوردي.. وأنتِ يا زهو"..
هزت زهو كتفيها بعدم اكتراث، ثم قالت: "لا أعرف.. سألتقط بعض الصور مع ساري"..
في تلك الأثناء، رن هاتف ذكرى التي ناظرت شاشتها ثم زفرت بضيق، فسألتها شادن بتعاطف: "والدكِ مجددا؟"
أومأت ذكرى، لتقول أمواج بحمائيتها: "من الجيد أنكِ قد أنفقتِ جانبا من مؤخر صداقكِ على تأسيس هذا المنزل، ووضعتِ البقية كوديعة بالبنك من أجل علاج والدتكِ.. ودفعتِ إيجار شقتكِ لعام كاملٍ مسبقا"..
كان والدها قد تمادى بمطاردته لها ومطالبتها بالمال بل ومحاولة إجبارها على توسل طليقها لتعود إليه، بعد أن انقطعت إمداداته وتوقف الراتب الشهري الذي كان يخصصه لها..
قالت شادن بتفكر دون أن تنتبه لمسار أفكار ذكرى الكئيب: "عندما يعود أبيه نادر بعطلته المقبلة، سأقيم معكِ يا أمواج هانم حتى يقيم مع زوجته وابنه بشقتي خلال تلك الفترة"..
ردت أمواج ممازحة: "كم ستدفعين؟"
أخرجت شادن لسانها بمزح وقالت: "سأتحمل بكاء طفلك، وأساعدك في تغيير حفاضه"..
ارتفعت ضحكات الفتيات تشي بتوقهن للفرح، ورغبتهن في خداع الحزن الذي يأكل قلوبهن والتحايل عليه ببعض بسمات وضحكات مسروقة..


يتبــــــــــــــــــــــ ـــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 28-11-22, 08:10 PM   #1128

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
New1 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الرابعة والثلاثون: القسم السادس

منذ حصلت على وثيقة الطلاق، والأحزان تجثم على أجفانها والمطر الأسود يتحين الفرصة للهطول بقسوة، ولكنها تقاوم وتزداد بأسا..
لا تعول كثيرا على الاسم الذي يلي اسمها ببطاقة الهوى، فصار سعيها نحو اللقب الذي يسبق اسمها أقرب إلى الهوس.. لقد صار نيلها لقب "دكتورة" يوازي هويتها بالكامل..
حين خسرت أجمل الأحلام، لم يعد لديها سوى هذا الحلم لتقبض عليه بعنف..
أمسكت حاسوبها اللوحي تتصفح مجموعة الصور ومقاطع الفيديو التي تلقتها للتو عبر بريدها الإلكتروني من المصورة الفوتوغرافية..
أخذت تتابع أول مقطع، إذ ظهرت فيه بفستانها الأحمر المطبوع عليه القلوب الحمراء البراقة وهي تجلس على الأريكة الوثيرة ببيتها الجديد، بينما تمسك بيدها بالونا ضخما أحمر اللون مكتوبا عليه بالإنجليزية (Marriage Life) أي الحياة الزوجية، لتقوم داخل المقطع بثقبه لينفجر بصخب فتنتشر الشظايا بكل مكان، بينما تمسك ببالون آخر ذهبي اللون مكتوبا عليه: (Doctorate) أي الدكتوراة..
سارعت ذكرى بنشر المقطع عبر حسابها على انستجرام الذي عاود انتعاشه مؤخرا بفضل منشوراتها المتتابعة بعد أن خسرت الكثير من المشاهدات نتيجة توقف منشوراتها بصحبة من كان زوجها..
أرفقت ذكرى مع منشورها تعليقا كتبت فيه: (Doctorate, here I come) أي
(أيتها الدكتوراة.. ها أنا قادمة)..
وحرصت على أن تنشر لقطات أخرى خلال الأيام التالية من نفس جلسة التصوير، كتبت بتعليقها على إحداها: (نقع ولكن لا ننكسر.. ننهض أقوى.. ولا عاقبة للمتخاذلين)..
وبصورة أخرى علقت قائلة: (ملكة وإن كانت الأرض كلها لا تستحقني)..
ومع صورة ثالثة كتبت: (الدكتوراة لي.. بعدها سأمنح قلبي لمن يراني كافية بل ويحمد الله في صلاته كل ليلة أن رزقه بي)..
ومع كل منشور جديد تستعرض فيه قوتها، وكأنها تعرف أنه لا يزال يتقفى أخبارها برغم البعد، كانت تشعر أن طبقة جديدة من الجليد تكسو قلبها برغم الدموع التي تخنق مقلتيها، فتهمس لنفسها: (مجرد اضطرابات هرمونية نتيجة عدم الاستقرار النفسي بعد الإجهاض، وليست شوقا لذلك الأحمق الذي نسيني تماما)..
أما ذلك الأحمق، فكان يتابع منشوراتها مبتلعا غصة بحلقه، وآلام الفراق تمزق صدره، خاصة بعد أن أمضى الأيام القليلة الماضية يتابع حسابها الذي استعاد نشاطه بحيوية منذ أن أهملته صاحبته نتيجة انشغالها بإجراءات طلاقها وعودتها للعمل..
كان يتابع تفاصيل بيتها الجديد من اللقطات المنشورة، شاعرا بالغيظ كونها نجحت – كما يتضح – في استئناف حياتها بلا مشاكل، وكأنه هو الخاسر الوحيد بهذه القصة، والعلامة القبيحة على وجنته توشمه كأعظم الخاسرين..
بأحد المقاطع، كانت تجرب غسولا للبشرة من ماركة شهيرة وتقدم عرضا له لتحث متابعيها على استخدامه كنوع من الدعاية المدفوعة، فالمقطع تم تصويره باحترافه مركزا على بشرتها النقية ليثبت أن المنتج لا يسبب التهابات أو تصبغات..
تبدو شديدة الجمال بتلك اللقطات، بخلاف المرة الأخيرة التي رآها بها بالمحكمة..
تبدو وكأنها نسيته تماما..
بمقطع آخر، كانت تقوم بالدعاية للمستشفى الخاص الذي تعمل به.. كانت ترتدي زيها الرسمي كممرضة وتتحدث بلباقة عن الرعاية الطبية الاحترافية بالمستشفى، بينما بنظره تبدو وكأنها تتغنج وتتمايل أمام الكاميرا.. يشعر بالقهر والغيرة، بينما يداه مكبلتان عن منعها عن نشر تلك المقاطع الدعائية المصورة..
يلعن اللحظة التي قررت أن تحوّل بها حسابها لنشر المقاطع الدعائية الصريحة بهذا الشكل..
يغلق تطبيق (انستجرام) غاضبا، بينما برأسه يلعنها بمئات اللعنات كما نالت منها لعنته.. الصخب برأسه يزعجه، فيهم بالبحث بتطبيق الأغنيات حتى يستقر اختياره على القصيدة المغناة (إذا هجرت.. فمن لي؟).. فيرفع الصوت لأعلى درجاته، ويخرج من درج مكتبه السفلي سيجارا كوبيا ضخما، فيشرع في إشعاله ونفثه ببطء بينما يستمع للأغنية..
إذا هجرتَ فمن لي.. ومن يجملُّ كلي
ومن لروحي وراحي.. يا أكثري وأقلّي
أَحبَك البعض مني.. وقد ذهبتَ بكُلي
يا كُلَّ كلي فكن لي.. إن لمْ تكن لي فمن لي؟
يا كلَّ كلي وأهلي.. عند انقطاعي وذلي
مالي سوا الروح خذها.. والروح جهد المُقلِّ



يتبــــــــــــــــــــــ ـــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 28-11-22, 08:12 PM   #1129

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:sss4: وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الرابعة والثلاثون: القسم السابع

مرتحل مع أصدقاء السوء إلى حيث تعربد الشياطين بأقبية الرذيلة عندما تغادر مصابيح الغسق تلال المناقب..
هذا صيادٌ يجيد التخفي خلف الشجيرات، فلا يترك دليلا خلفه فتفطن فريسته إلى أساليب الحيل والخداع التي يجيدها..
وهل من تعوّد الاستسلام لغريزته وعدم تهذيبها، بقادر على التوقف عما تصرخ به أوردته، فتذلـله له شياطين الإنس..
لقد مل الانتظار.. حقا مل الانتظار.. كم مرة اضطر فيها لتأجيل زواجه بها.. إما لوفاة أحد من عائلتها أو اختطاف آخر أو حمل ثالثة أو ذكرى وفاة..
وكأن البؤس لم يعرف طريقا لحياتها إلا منذ ارتبط هو بها.. حتى الفترة التي كانت مواتية تماما للزواج، تم غلق جميع المطارات بها بسبب تفشي وباء مفاجئ، فلمّا تم رفع الإجراءات الاحترازية، حدثت تلك الحادثة المفجعة التي تركت ظلالها على عائلتها في مصر من خلال سلسلة من التبعات الكارثية المتتالية كتوابع لزلزال مدمر..
والآن تعده أن هذه هي المرة الأخيرة التي تؤجل بها الزواج، فقط حتى تضع ابنة خالتها طفلها، وتمر الذكرى الأولى لاستشهاد قريبها الذي لا يفهم تحديدا صلة قرابته بها حتى الآن..
لن يعترف لها أبدا، أنها في كل مرة رفضت التعجيل بالزواج، كان ينشد مُسكّنا سريع المفعول بمكان آخر، حيث تعرف على مجموعة من الشباب من جنسيات مختلفة، قادوه إلى تجمعات سرية تزينها سائحات غربيات ينشدن المتعة والمغامرة، فكان الطريق سانحا له لكي يُشبع معهن غريزته المشتعلة، مبررا لنفسه أنه هكذا لا يخونها لأنها هي من تؤجل الزواج طوال الوقت بانغماسها في أوجاعها العائلية التي لا تنتهي، واعدا نفسه أن يبدأ عهد الولاء لها منذ اللحظة التي سيُغلق عليها باب بيتهما معا، لكنه الآن كصياد يتضور جوعا، بحاجة لبعض الفرائس كوجبات سريعة تعينه على الصبر الطويل..
خرج مازن الحريري من شروده حين توقفت السيارة رباعية الدفع بقلب الصحراء، حيث المخيم المتنقل الذي أقامه أصدقاؤه لتمضية ثلاث ليالٍ تحت ضوء البدر مع مجموعة من الجميلات اللاتي تبهرهن رمال الصحراء الذهبية ومنظر الشروق الآخاذ خلف الكتل الجبلية المتراصة..
أما شذى، فلتتفرغ لمسئولياتها العائلية حاليا، وبعدها لكل حادثٍ حديثٍ..

يتبــــــــــــــع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 28-11-22, 08:13 PM   #1130

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:jded: وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الرابعة والثلاثون: القسم الأخير

أمام الشرفة، تجلس متدثرة بوشاحها الصوفي الثقيل تنتظر عودته ككل ليلة..
لم تسمح له بالتأخير هذه الليلة أيضا كما يحلو له، إذ هاتفته قبل قليل، وأخبرته أنها تنتظر عودته لأن هناك ما ستخبره به..
وقد مرت ثلاث ساعات منذئذ..
على الأرجح، ذهب ابنها محطم النفس إلى تلك المنافسات السرية لكي يتلقى بعض الضربات أو يلكم بعض أوجاعه وخيباته بوجه أحدهم، فيعود أهدأ حالا..
هكذا هو كل ليلة.. إما يذهب لذلك الكهف أو يتوجه لمباراة ملاكمة سرية، فيعود إليها مكدوما متألما مستعدا للنوم..
وهي.. لا توبخه.. لا تلومه.. لا تحاول حتى أن تهدده..
بِم ستهدد رجلا قد خسر كل شيء ولم يتبق بحوذته سوى جلده وبقايا ملامحه؟؟
رباه.. حتى صوته قد نهبوه..
من يعيش ببيتها الآن ليس هو بحر الذي ربته بيديها كأفضل ما يكون من ثمار الرجولة، وإنما مجرد رسم دخاني له على نفس هيئته ولكن تنقصه روحه المعهودة..
لكن، الليلة عليها أن تنحي صبرها وأمومتها جانبا، فهناك أخرى بحاجة إليه الآن، خاصة بعد أن خذلها أكثر من مرة..
خرجت فاطمة من شرودها، عندما انفتح الباب، ودلف للداخل ابنها الأكبر بحر بوجه مكدوم كما توقعت..
كان شعره قصيرا، ولكن لحيته شديدة الطول وغير مدرمة على الإطلاق، ليبدو بنفس الملامح التي شاهدته بها بالكهف عندما عاد لوطنه بعد ذلك الأسر اللعين الذي أخذ من روحه ما أخذ..
طبع بحر قبلة آلية على رأس والده، قبل أن يجلس إلى جوارها، لتهمس بأمومتها السخية: "أغلق سحاب سترتك الخفيفة تلك وإلا ستلتقط نزلة برد"..
ابتسم بحر بسخافة، لكنها أسرعت تنفذ بنفسها ما أمرته به للتو، عالمة أنه سيماطل لأنه لا يهتم كثيرا بصحته كما لا يهتم بأي شيء آخر من حولته..
قررت أن تقطع جموده، فهمست بعناد: "غدا ستوصلني إلى القاهرة"..
فهم بحر أنها تريد زيارة خالتها وابنتها.. ربما تشتاق لحفيدتها..
ألا يشتاق أيضا؟
ربما.. ولكن هكذا أفضل..
خرج من شروده، حين قالت أمه: "وستلغي مبيتك بذلك الكهف طوال فترة إقامتي بالقاهرة"..
"إقامتك؟"
سألها بحر بدهشة، فأمه لم تغادر بيتها أبدا، ولا تطيق الابتعاد عن عائلتها لأكثر من ثلاثة أيام..
سألها بتحفز: "كم ستبقين بالقاهرة؟"
"لمدة شهر ونصف على الأقل.. وقد تطول المدة"..
سألها بحر بحذر: "هل حدث شيء مع أبي؟ هل تشاجرتما؟ لم أشاهدكما تتشاجران يوما"..
ابتسمت أمه بشجن، وقالت: "بالطبع تشاجرنا مرارا.. لكن والدك لم يكن يطيق أن نضع رأسينا على الوسادة ونحن على خلاف.. كان يقول إن الكوابيس ستزوره إذا تركني حزينة بنومي، فكان يسرع لمصالحتي قبل أن نخلد للنوم"..
تشنج جسد بحر وقد شعر أن شيئا غير طبيعي يحدث على الرغم من نبرة والدته الهادئة، فسألها بنفاد صبر: "ماذا يحدث يا أمي؟ هل.. الجميع بخير؟؟"
أنهى بحر سؤالا مزدردا لعابه، لتقول أمه: "أمواج ستضع مولودها غدا صباحا بالمستشفى.. ستلد قيصريا لأنها تعاني من ارتفاع ضغط الدم.. وأنت ستوصلني"..
"دعي فرات يوصلك"، قالها بحر بتوتر، والخوف قد سكن مقلتيه، لتقول والدته بصرامة: "أمواج طلبت حضورك.. لديها ما تقوله لك قبل الولادة.. لا أظنك سترفض الحديث إليها وهي على وشك الولادة وتعاني بالفعل من ارتفاع ضغط الدم.. هل تريد أن يصيبها مكروه؟"
نهض بحر واقفا، وغادر إلى غرفته، وأخذ يقطع المسافة الضيقة بين الفراش والخزانة جيئة وذهابا، يحاول السيطرة على أنفاسه المرتفعة.. وبرأسه تتشكل عشرات الأفكار المرعبة كصور مرئية تحرق أعصابه..
تهاوى جالسا على المقعد الجانبي أمام النافذة، ينهل الهواء ليعبئ رئتيه اللتين أصابهما الانكماش جراء قلقه الزائد على حبيبته التي هجرها ظنا منه أنه هكذا يحافظ عليها من أي خطر يحدق بها بسببه، ليكتشف أنه لا يزال يؤذيها دون أن يدري..
(يا رب.. لتكن بخير)..
أخذ يبتهل صمتا، ويحاول السيطرة على أفكاره السلبية..
لو كان بظرف مختلف، لكان بالتأكيد قد استعان بواحدة من لفافاته البنية لكي تهدأ أعصابه قليلا، لكنه لا يستحق الآن أن ينعم بالراحة وهدوء الأعصاب، بينما حبيبته تواجه الخطر بمفردها..
خرج مندفعا من الغرفة، ليجد والدته تجلس بغرفة الاستقبال، فسألها بقلق: "أمي.. لماذا ستمكثين معها شهرا ونصف؟ هل تعاني من شيء؟ هل أخبرتها الطبيبة شيئا؟"
تنهدت أمه وقالت: "بل لأراعيها.. إذا كنتَ أنت قد تخليت عن واجبك نحوها، وهي بعنادها ترفض الإقامة مع أمها، لأنها لا تريد أن يُغلق بيتك حتى بغيابك، فأنا لن أتركها وحدها، وسأعتني بها بنفسي حتى تنتهي فترة نفاسها"..
"حسنا.. سأوصلك غدا وأقابلها.. وسأنتظر قليلا لأطمئن عليها بعد الجراحة.. وبعدها سأعود للسويس.. لأن لدي.. عمل.. لا يمكن تأجيله"..
رمقته أمه بغيظ، وقالت بعدم اقتناع: "عمل؟ لا بأس.. بكل الأحوال هي لم تعد زوجتك ولن تجد صفة للجلوس معها حتى وإن كنت ابن خالتها"..
زفر بحر بغيظ، ثم دلف لغرفته فاستلقى مكوما على فراشه، ينتظر مرور الساعات التالية حتى يغادر ووالدته مع أول شعاع للشمس..
في الصباح، وصل بحر وأمه بسيارة والده إلى مركز "ثمرات" حيث ستضع أمواج وليدها كما أخبرتها، وتوجه مع والده لسؤال موظفة الاستقبال عن زوجته، فعلم أنها لم تصل بعد..
جلس مع أمه على مقعدين بمنطقة الانتظار لحوالي ثلث ساعة، إلى أن دلفت إلى الداخل أمواج مع والديها وشادن..
نهض مسرعا، يهم بمساعدتها، لكن نظرة جليدية محذرة من عبد المنصف الحلواني، جمدّته بمكانه، فيما تحرك الأب مسندا ابنته حتى ساعدها على الجلوس على مقعد جلدي وثير، بينما تحرك لإنهاء إجراءات تسجيلها والسؤال عن طبيبتها..
استغل بحر تلك اللحظات، واقترب منها ليجلس أمامها القرفصاء، ويسألها: "هل أنتِ بخير؟ هل تشعرين بشيء؟"
ضمت أمواج شفتيها بعناد، تقاوم رغبة ملحة في البكاء، فظنها بحر تمتنع عن الحديث معه، ليطرق رأسه بأسف، قبل أن تقول: "تعال لنتحدث بالحديقة"..
نهض واقفا، ومد يده يساعدها على النهوض، ليسمع زوج خالته يقول من خلفه: "ماذا تظن نفسك فاعلا؟ لماذا أنت هنا أساسا؟"
تنهدت أمواج، وقالت: "أنا من طلبت حضوره يا أبي.. أريد الحديث معه قبل الولادة.. سأخرج لأتمشى قليلا بالحديقة.. لا أريد لضغط دمي أن يرتفع أكثر"..
نبهت كلماتها والدها لحالتها، فالتزم الصمت برغم نظراته النارية الموجهة صوب بحر..
سارا معا بصمت لعدة دقائق، قبل أن تسأله أمواج بنبرة مليئة بالشجن: "ألا تريد أن تعرف نوع الجنين على الأقل؟"
وقف بحر بمكانه، وتنهد ببطء، قبل أن يسألها بنبرة جافة: "أي جنين يا أمواج؟ ذلك الذي تكوّن ليلة خنقتك بيدّي هاتين بغرفة نومنا؟ المكان الذي يجب أن يكون الأكثر أمانا لكِ؟"..
رفعت أمواج كفها تحيط عضده برفق، وتقول بنبرة حانية تخالف جنونها الذي يعرفه جيدا: "بل تكوّن يوم أن توقفنا عن تجاهل المشكلة وتأكدنا بشكل فعلي أننا بحاجة للعمل معا على تخطي تلك العقبة لكي نستأنف حياتنا بسلام... لكن أحدهم لا يزال أحمقا عنيدا يمانع معاندا"..
استدار بحر وأستأنف المسير، فتبعته أمواج صمتا، ليقول: "صدقيني يا أمواج.. ما فعلته هو الأفضل لكِ.. هكذا أنا مطمئن أنني لن أؤذيكِ بأي شكل.. لِم لا تفهمين؟"
"ماذا عن الأفضل لك؟ لماذا ترفض العلاج يا بحر؟"
سؤالها أصابه بتوتر وغضب، فسأل باستنكار: "أي علاج؟ ما الذي سيفعله العلاج لي؟ بضعة أدوية مسكنة ثقيلة تفقدني ما تبقى من عقلي؟ أم طبيب يتظاهر بالإشفاق والاهتمام، بينما كل ما يهمه هو زيادة رصيده البنكي على حساب مثقلي الأرواح مهزومي الوجدان؟"..
"لماذا تظن أننا سنستعين بطبيب سيء النوايا معدوم الخبرة؟ سنبحث لك عن الأفضل في مجاله.. لكن العلاج النفسي لا يفلح بدون رغبة من المريض نفسه"..
ردت أمواج بهدوء، لكن كلمة (مريض) كان لها وقع سيء على مسامعه، فاستشاط غضبا، وقال قاطعا: "اغلقي الحديث في هذا الموضوع.. وركزي فقط في الحفاظ على مستوى ضغط دمكِ لتضعي الطفل بأمان"..
استدارت أمواج وغادرت للداخل دون أن ترد عليه، فتبعها صمتا، ليتخذ لنفسه زاوية جانبية يقف بها حين صاحبتها الممرضة لتجهيزها للولادة بمساعدة شادن..
على الجانب الآخر، كان عبد المنصف يجلس على مقاعد الانتظار إلى جوار زوجته فايزة وشقيقتها فاطمة، يدعون الله أن ييسر الولادة وتخرج أمواج وطفلها بخير..
بعد حوالي ساعة، خرجت الطبيبة تبشر أهل أمواج بانتهاء الجراحة بسلام، لتضع الصغير بين ذراعي جدته لأمه، بينما تخبرهما أن شادن بغرفة الإفاقة تنتظر استيقاظ أمواج تماما..
حين اطمأن بحر أن أمواج قد أصبحت بخير، رمق صغيره المتدثر جيدا بكومة من الأقمشة، ثم غادر هاربا، فرمقه عبد المنصف بغيظ، بينما ربتت فايزة على كتف زوجها، تنبهه أن شقيقتها جالسة، فابتلع ما كان ينوي التفوه به من كلمات موبخة بحق بحر..
سارعت فاطمة تحتضن الصغير بعينين دامعتين، وأخذت تدعو الله من جديد أن يجتمع شمل تلك العائلة الممزقة، واثقة أن الله سيتقبل دعاءها كما استجاب لابتهالها من قبل وجعل لكلٍ منهما نصيب من الآخر..
في اليوم التالي، حينما غادرت أمواج المستشفى مع أمها وخالتها، صوب سيارة والدها أمام مبنى المستشفى، لمحت على الجانب الآخر من الطريق، من يقف خلف سيارة رمادية يرمقها بقلق، وقد ظنته عاد للسويس بالأمس..
يبدو أنه قد أمضى ليلته بالسيارة، وعاد صباحا لكي يطمئن عليها مرة أخيرة قبل أن يعود أدراجه..
ساعدتها خالتها على الجلوس بالمقعد الخلفي وجلست إلى جوارها، بينما جلست فايزة تحمل الصغير إلى جوار زوجها..
رمقت أمواج حبيبها المتباعد خلف زجاج السيارة، ثم أمسكت هاتفها، وطلبت رقمه تقول بنبرة واثقة تخفي خلفها وهنها جراء الولادة القيصرية: "تعال لتسجيل طفلك واستخراج شهادة ميلاده.. سأسميه كنان"، ثم أغلقت الهاتف..
رمقها والدها من مرآة السياة الأمامية، وعلى وجهه علامات الامتعاض لأنها هاتفت ذلك الأحمق المتخاذل بنظره، قبل أن يسألها باهتمام: "كنان؟"
أومأت أمواج رأسها، وقالت: "كنان.. بمعنى الستر والحماية"..




نهاية القصاصة الرابعة والثلاثين
قراءة ممتعة


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:39 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.