آخر 10 مشاركات
100- الإرث الأسر - آن ميثر - ع.ق - مكتبة زهران ( تصوير جديد ) (الكاتـب : Dalyia - )           »          ضلع قاصر *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : أنشودة الندى - )           »          وأغلقت قلبي..!! (78) للكاتبة: جاكلين بيرد .. كاملة .. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          نوفيــ صغار أسياد الغرام ـلا -قلوب زائرة- للكاتبة الآخاذة: عبير محمد قائد *كاملة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          18 - بين السكون والعاصفة - كاى ثورب - ع.ق ( نسخة اصلية ) (الكاتـب : امراة بلا مخالب - )           »          الــــسَــــلام (الكاتـب : دانتِلا - )           »          1027 - القدر المشؤوم - سالي وينتوورث - د.ن (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          مـــا أصعب الإبتعاد عنها *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : عيون الرشا - )           »          سجل هنا حضورك اليومي (الكاتـب : فراس الاصيل - )           »          همس المشاعر بين ضفاف صورة .. وحروف ماثورة... (الكاتـب : المســــافررر - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء

Like Tree12256Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-02-22, 08:43 PM   #71

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رنا الليثي مشاهدة المشاركة
حسنًا! أعترفُ بقدومى المتأخر للغايةِ لكننى قد وعدتكِ ،وسأنفذُ وعدى مهما حدثَ..لم أبدأ بعد فى الرواية لكننى أتيتُ حاملةً باقة مِن أزهارى المفضلة لصاحبة القلمِ ذى النكهة المميزةِ..حمدًا لله أنه لم يتمْ نشر سوى فصلين سألحقهم فى مواصلاتى ،أو بين صفحات المذاكرة..يا الله على الأسماء ،والتواقيع أحببتهم جميعهم لكن هناك اسمان جذبانى كما ينجذبُ الحديد للمغناطيس ،وهما (بحر) و (أمواج) أظنهما سيكونان الشخصان المفضلان لدى مِن اسميهما ،وأظنُّ أننا سنرى معهم الكثير مِن التقلبِ ،والتلاطمِ سأهمسُ لكِ سرًا مروتى أنا فاشلة فى كتابةِ رأيى عن أى روايةٍ لكننى سأحاولُ أن أكتبَ كلَّ ما أعجبنى فى مذكرتى خلال قرائتى حتى لا أنسى أى شىء فى ال(review) لقد فرحتُ للغايةِ مباركًا لكِ جميلتى الرقيقة روايتك الثانية ،والتى أثقُّ تمامَ الثقةِ بأنها مِن أجمل ما سأقرأ بإذن الله..اعذرى متابعة مبتدئة لكنها ستجدينها تقتحمُ خلوتكِ مِن وقتٍ لآخرٍ حتى تستفسرَ عن ما يسدُّ نهم قارئة فضولية
مفاجأة جميلة جدا جدا يا رورو

لا أريدك أن تقرئي وأنت مضغوطة لمجرد أن هذا الأمر سيسعدني.. نعم سيسعدني. ولكن سيسعدني أكثر أن تقرئي لأن المحتوى يقدم لك متنفسا بعيدا عن ضغوط المذاكرة وتكليفات الأساتذة في الجامعة..

بحر وأمواج لهما سحر خاص عند الكتابة ويستفزانني دائما خلال السرد، هناك رابط خفي بينهما يتسلل مباشرة إلى أفكاري وأرجو أن أوفق في التعبير عنه

أنتظر تعليقاتك بشغف.. ولست مضطرة لكتابة مراجعات مطولة.. فقط انقلي لي أحاسيسك عن الشخصيات وانطباعاتك عن الأسلوب.. وسأكون ممتنة .. لا أريد أن أكون طامعة.. لكن وجودك يضيء روايتي بكل تأكيد


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 28-02-22, 11:15 PM   #72

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewity Smile 1 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثالثة: القسم الأول

القصاصة الثالثة
(بين العتاب والوصال)


تظل تقنع نفسك أنك قد ودعّت الماضي بكل ما فيه، ثم تتآمر عليك الصدف، فيزورك طيف منه على حين غرة، ليتجدد لديك الشوق والحنين، ويعود الألم بنفس الاندفاع الأول ليحتل قلبك وروحك من جديد..

والحال أن اللقاء الثاني يتأرجح دوما بين كلمات العتاب وأمل الوصال، مهما كانت درجة الغضب وشدة الخلاف وقسوة الفراق..
وبين العتاب والوصال.. جدارٌ قُد من عند وكبرياء.. فهل مِن خلاص؟



"إنهما قطعة منك.. لم أتِ لك بهما من متجر الأطفال.. تعلم ذلك.. صحيح؟"،
حين تجاسرت أمواج بكلماتها الجريئة على مرأى ومسمع من الحاضرين، ثم ضاعفت جرعة الوقاحة بغمزة مستترة لم يرها سوى الشخص المستهدف، فوجئت أن هجماتها التترية على وجدانه وصلت إليه كرفرفات فراشة يائسة، فلم تصب عمق تماسكه بوخز أو تجرح جداره الخارجي بخدش..

فما رأته منه كرد فعل على هجومها المباغت بأعنف أسلحتها.. كان ببساطة.. لا شيء..
لم يكن بحر يناظرها بغضب أو غيظ، ولم يتشرب ملامحها بشوق أو عشق أو شغف او حتى رغبة.. بل ما تلقته من أسهم نظراته كان شفافا بلا لون ولا تأثير..

كان يطالعها بعينيّ رجل يائس منطفئ..
بل رجل ميت.. منته..!!

منذ عاد بحر من الأسر بعد شهرين طويلين مرا عليها كدهور، ظنت أمواج أنه سينجح بقوته التي لا حدود لها في تخطي فاجعة استشهاد نبيل وكارثة العاهة التي أصابت سفيان لتترك آثارها عليه أبد الدهر، وأن يعبر قبل كل ذلك صخرة هزائمه وما تلقاه من تنكيل وتعذيب في تلك البقعة من الجحيم..

عندما استقبلته عند العودة، فرحت أمواج بمعانقة بحرها الذي عاد إليها بدون خدش واحد إلا من ندبة صغيرة استقرت على رقبته بسبب شظية خلال المواجهة الأخيرة في ذلك اليوم المشئوم..

وقتها حمدت الله على عودته سالما، وظنت أنه سيعود كما عهدته دائما .. براح واسع تحده ضفاف لا آخر لها، ولكنها أيقنت بعد بضعة أيام فقط من رجوعه، أن من عاد إليها ليس هو بحرها الذي تعشقه وتحفظ كل أنوائه وشعابه وزَبده وشطآنه، بل مجرد كومات لا متناهية من المياة الضحلة التي فقدت مراسيها ومناراتها، وتمزقت سفنها بأشرعتها، لتتحول إلى بركة ضخمة راكدة..

عيناه اللتان كانتا تشتعلان بالحياة، أصبحتا فاترتين وقاسيتين.. حزينتين وغاضبتين.. والكلام مسجون بداخل أسوار الهُدب، فيعتنق صاحبهما الصمت..

بحر الذي كان طاقة هائلة لا يعرف التعب ولا الاستكانة، أصبح مرهقا نزقا، يحبس نفسه داخل فجوة زمنية هو وحده من يرى ما بداخلها ولامسه عن قرب..

ولمن يراه من الخارج، فقد صار يبدو كذئب بري وحيد انعزل عن قطيعه وخاض بمفرده غمار معركة حامية الوطيس في قلب الجحيم، فقاتل قطيعا من الوحوش المفترسة بكل ما أوتي من قوة.. لكنه في النهاية خسر ..
والأحمق.. طلقها..

بدلا من أن يتشبث بها ويضع همومه على صدرها ويطلب من أن تساعده بل تحميه وتزود عنه ضد هواجسه، وتعينه على تخطي هزائمه.. طلّقها ..
طلّقها لكي يغرق وحده في ظلماته التي ما تبقى من روحه المنهكة تنهش بوحشية ضبع خسيس منتهز للفرص..
حين لم يعلّق بحر على كلماتها سوى بابتسامة جانبية شبه ساخرة، اشتعلت أمواج غضبا..

وعند ارتفاع منسوب الغضب، يفور الزَبد، فيصبح ارتطام الأمواج بالشاطئ أكثر عنفا – ليس كمثل تلك العناقات الناعمة - على أمل أن ترسل التحاماتها القسرية مع سطح البحر بعض الشرارات الكهربية لأعماقه، فتدب بين روافد البحر الميت أمارات الحياة من جديد، ليستعيد قبسا من عنفوانه السابق وينفض عنه الركود..

التفتت أمواج إلى خالتها، وهتفت بنبرة مرحة.. كاذبة: "نسيت أن أخبركِ يا طنط فاطمة.. لقد تقدّم لي عريسا جديدا.. شاب مهذب يقرب لأحد معارف أمي في النادي"..

هتفت فاطمة بهلع: "صحيح يا أمواج؟"، ثم صمتت قليلا تحاول السيطرة على الحزن الذي غص به حلقها وهي تطالع ابنها الواقف متجمدا خلف حبيبته التي تعلن أمامه بلا مبلاة أنها قد تتزوج قريبا.. فبدا – على جموده - وكأن النيران قد أُضرمت من تحته، لتسري رجفة خفيفة على جلده، واهتزت مقلتاه بتردد، لكنه أصر على أن يستمر اقفا بثبات بانتظار أن تعلن هي موافقتها لينفجر بمكانه لشظايا تبعثرها الرياح كأشلاء عاشق مهزوم، ليرتاح من دائرة من العذاب لا فكاك له منها..

لكن تلك الأخيرة أطلقت عليه رصاصة الرحمة، حين التفتت نحوه من جديد، وقالت بنبرة منغمة متلكئة: "ولكنني رفضته.. فهو يعمل ضابطا بالجيش.. تعلمين أن هؤلاء يكون أغلب وقتهم مخصصا للعمل، ومنهم من لا يتحملون مسئوليات بيوتهم ويتركون الأعباء كاملة على زوجاتهم.. وأنا.. قد تعبت.. أريد رجلا يدللني.. يكون موجودا حين يصاب ابنه بسخونة أو إسهال متكرر.. وأن يحضر مع ابنته المقابلة الخاصة بالتحاقها بالمدرسة كي يطمئنها ويشد على يدها ويخبرها أنها ستبلي حسنا وأنه فخور بها في كل الأوقات.. أن ينتظر أمام باب المدرسة مع نهاية اليوم الدراسي لتركض إليه وعيناها تلمعان بالفخر بين زميلاتها.. تستدفئ بحضنه.. مصدر الأمان الدائم"..

هل سمعتم عن بحرٍ يغرق؟
الطمأنينة التي أصابت لُبه لم تدم سوى ثوانٍ، حيث نجحت أمواج بلسانها المنفلت من جديد في تزكية نيرانه الخاملة، لكنه لم يكن أهلا للمواجهة الآن..

بحر ببساطة لم يكن لديه ما يقدمه لتلك الأسرة برغم كل محاولات أمواج لسحبه إليها من جديد وإنقاذه من الغرق في مأساته الخاصة.. فما كان منه سوى أن استدار ببساطة وغادر المنزل كله.. دون حتى أن يغيّر ملابس النوم..

نهض فرات منفعلا، وركض خلف شقيقه، بينما تهاوت أمواج جالسة إلى جوار خالتها التي ربتت على يدها بتعاطف، ثم سألتها بتوجس: "أصحيح أنه قد تقدّم إليكِ عريسٌ جديدٌ؟"

ردت أمواج بصدق: "نعم يا خالتي.. ربما يكون هذا هو الرابع أو الخامس.. حتى الآن مازلت أرفض كل من يتقدم لي لأن بحر ما زال في قلبي.. وأنا لن أسمح لرجلٍ آخر بدخول حياتي ما لم يخرج ابنك من قلبي أولا.. لكنني لا أستطيع أن أعدك أنني سأتحمل حتى آخر العمر.. في وقتٍ ما
ستضعف قوتي أو يزداد عنادي.. ويكون وقتها الفراق واقعيا وأبديا لا رجعة فيه.. حين يجدني ابنك المحترم في عصمة رجل آخر"..

في تلك الأثناء، كان الجد عدنان الديب قد انتهى من إعداد الفطور وترتيبه على المائدة، لكنه لاحظ الوجوم المسيطر على الأجواء، كما لاحظ غياب ابنيه، فيما كانت الصغيرة كيان تجلس منكمشة متهدلة الكتفين وكأن صخرة قاسية قد سقطت على ظهرها، فهتف فيها بحيوية ومرح: "كيووونة يا حبيبة جدو.. تعالي لتساعديني في ترتيب الملاعق والخبز على المائدة.. وبعد صلاة الجمعة سأصطحبك لنزهة رائعة على البحر وأشتري لكِ بعض الصرمباء الجاف.. هل تشتاقين لتناوله؟"

تخلت كيان عن حزنها وهتفت بسعادة وقالت: "نعم يا جدوو.. وأريد أيضا أن أركب قاربا صغيرا"، فأومأ الجد موافقا، ثم أشار للجميع بالانضمام إليه في غرفة المائدة، فتحركوا تباعا، لكن أمواج تباطأت قليلا كي تطمئن على ابنها في عربته الصغيرة..

عندما تأكدت أن كنان مازال نائما مستكينا، تحركت نحو غرفة المائدة، لكنها لاحظت خروج زوج خالتها وحماها السابق من جديد متذرعا بنسيانه لمشروب اللبن بالشوكولاتة الذي أعده خصيصا من أجل حفيدته..

حين خرج عدنان من غرفة المائدة، عرج سريعا على غرفة مكتبه حيث ترك هاتفه المحمول، فحمله وسارع بمهاتفة بحر، وهتف فيه دون أن يمنحه حتى فرصة للتحية: "أمامك خمس دقائق وتكون بيننا في غرفة المائدة تتناول الأكل مع ابنتك كالرجال.. لا أريد مجادلة ولا تأخير"، ثم أغلق الخط..

وبالفعل لم تمر سوى بضع دقائق، كان الشقيقان اللذان لم يبتعدا كثيرا بالأساس، قد عادا وانضما للجمع في غرفة المائدة لتناول وجبة الفطور والاستعداد للتوجه للمسجد لأداء صلاة الجمعة..

في المساء، هاتفت أمواج ذكرى كي تذكّرها بالعناية بصغيرتيها المدللتين ذوات الزغب، إذ قررت أن تتركهما بالمنزل ليومين تحت رعايتها لأنها أشفقت عليهما أن تسافرا لتلك المسافة الطويلة من أجل رحلة قصيرة.. فأخبرتها ذكرى أنها ستقوم بالمرور على شقتها بعد عودتها من حفل التكريم من أجل إطعامهما وتدليلهما قليلا قبل أن تعود لشقتها..

كما أرسلت رسالة قصيرة لشادن التي كانت قد وصلت بالفعل إلى مطار أبو ظبي، تطلب منها أن تطمئنها على سلامتها فور الوصول إلى هونج كونج، فوعدتها الأخيرة بذلك..

يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 28-02-22, 11:21 PM   #73

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile21 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثالثة: القسم الثاني

"ماذا تفعلين هنا يا شادي؟"

جاء سؤال سفيان العفوي ليعيد شادن لذكريات مناداته لها مع نبيل بهذا الاسم من باب المزح والتدليل قبل سنوات عديدة، لكنها لم تخبره أبدا كم كانت تكره أن يناديها هو تحديدا بـ "شادي"، لكنها استجمعت نفسها وهتفت فيه بغضب: "قلت لك مليون مرة من قبل اسمي شادِن.. وإذا كنت جاهلا لا تستطيع نطقه.. نادني Shades" ..

لحظات من الصمت لفتما، وكلٌ منهما يحدق في الآخر .. هو يرسل لها نظرات محملة بالدهشة والغيظ، وهي تردها إليها مغلفة بالتمرد.. و....
الاشتياق..
قلبها ينبض بعدم انتظام وأوردته تردد بترقب حذر (سفيان يا حلم المراهقة الوردي الذي تحول لكابوس أسود)

بينما يطالعها هو من أعلى لأسفل، ملاحظا لأول مرة كيف غيرّتها السنوات، فبدت أمامه امرأة جميلة، بعد أن دأب على النظر إليها كطفلة.. أو شقيقة صديقه التي هي بالتبعية أخته.. حتى أنه لم يكن يطيل النظر إليها فيما قبل، خاصة بعد أن تمت خطوبتها ثم زواجها..

رباه، وكأن تلك المناسبات قد حدثت قبل ألف عام..
عاود سفيان النظر إليها بفضول غريب.. وكأنه كان أعمى قد استعاد بصره للتو.. أو كأنه يتعرف عليها للمرة الأولى..

لفت انتباهه تصفيفة شعرها العملية الغريبة، فقد جمعت شعرها للخلف في شكل جديلة مفككة تبدو كالكعكة المستعرضة التي تمتد بمحيط جانبي رأسها من الخلف لتشبه واحدة من معجنات الكرواسون الفرنسية الشهيرة، لكنها تمنحها مظهرها أنثويا على نحوٍ غير مألوف بالنسبة له..

أرخى سفيان نظراته لثوانٍ، ثم رفع عينيه مجددا كي يمنحها رُغما عنه نظرة اعتذار صامتة رغم تيقنه أن أوان الاعتذار لم يحن بعد، لكنه لم يملك التحكم في الإعجاب الذي تبدلت نظرته إليه بعد قليل..

ليس إعجابا بهيئتها فحسب، بل بقوتها ونجاحها في تخطي كل ما مرت به طوال السنوات الماضية، فازداد تقديره لها وعقله يهمس بما يعتمل به من أفكار..

(إنها سيدة الجدائل التي تجدل من خيباتها وخساراتها ضفائر تمدها أمامها لتصنع منها طريقا تصعد به إلى السماء لتلامس أحلامها.. تماما مثل رابونزل أميرة الخيال)..
لكنه أخرج نفسه من الاستسلام لتلك الأفكار، وهو يرد بجلافة: "هل كبرتِ عليّ يا شادي؟ أعرفكِ منذ أن كنتِ بحجم الكف"..

ردت شادن بكبرياء: "وكنت أخبرك دوما أنني لا أفضّل أن تناديني بهذا الاسم السخيف.. أبي أسماني على اسم والدته المرحومة.. وأنا أعتز باسمها كثيرا.. فإذا كنت لا تستطيع مناداتي به ولا بـ Shades.. نادني Miss"..

هدر سفيان بحنق: "نعم؟؟؟؟ ميس؟؟ هذا للطفلين.. أتريدين من رجل قارب الأربعين أن يناديكِ بلقب رسمي وكأننا لا نعرف بعضنا؟"

هتفت شادن بحدة مماثلة: "أنت من وضعت تلك الرسميات بيننا قبل عامين.. وربما أكثر"..

رفع سفيان كفيه إلى شعره يحركه بغيظ وعشوائية وهو يزفر بانفعال، فتنحنح إيلاف قائلا: "أنا سأذهب لعمل Boarding وجلب تصريح الصعود إلى الطائرة على تذاكر السفر.. أعطني جواز سفرك يا شايدز"..

التفتت شادن لحقيبتها التي كانت قد تركتها على المقعد، فسحبتها وأخرجت منها جواز سفرها ومنحته لإيلاف الذي ناظرهما متوجسا ثم تحرك نحو مكتب الطيران..

أما السيدة سميحة، فقد قالت بنبرة ودودة تداري توترها: "أنا ودانة سنحمل التوأم إلى صالة الـ Lounge لكي يتناولا وجبة Snack سريعة ريثما تنتهي إجراءات السفر ويتم الإعلان عن بدء الصعود إلى الطائرة.. سنكون بالقرب.. هيا يا دانة"..

بمغادرة الجميع، خلا المكان إلا من شادن وسفيان، والأخير استمر في العبث بخصلاته بحنق وهو يهتف بداخله متسائلا بنزق وتردد..
(ماذا أفعل هنا؟ بل ماذا تفعل تلك هنا؟ لستُ مستعدا بعد)..

طوّقت شادن بطنها بذراعيها بحركة حمائية تريد من خلالها أن تدعم نفسها في مواجهة ذلك الذي يشعر بالضيق من مجرد لقائهما بالصدفة..

صحيح أنها صدفة مدبرة.. لكنه هو من تسبب في القطيعة بالأساس، فدفعهم للبحث عن حل جذري لانعزاله المتطرف..

قالت شادن بنبرة مهادنة: "اسمع يا سفيان.. لنضع كل روابطنا العائلية وتاريخنا معا جانبا وننظر للأمر ببعض الحيادية.. أنت تحتاج لجليسة ترافق مالك وملك لأسبوع حتى تتفرغ لمنافسات البطولة التي تعبت من أجلها لعامين كاملين.. صدقني لم أتعمد الظهور أمامك بهذا الشكل"..

وجه سفيان أنظاره نحوها محدقا بتفكر، فتابعت هي: "أنا.. أحترم رغبتك في الابتعاد بعد كل ما حدث.. ولكن أنا هنا بصفتي موظفة مؤقتة لديك.. لذا لنتعامل معا ببعض التحضر والحياد العملي حتى ينتهي الأسبوع ولن تضطر لرؤيتي من بعدها"..

تنحنح سفيان بحرج ثم قال: "لا أقصد أنني متضايق من رؤيتك يا شادي.. أقصد شادِن.. ولكنني لم أكن مستعدا لهذا اللقاء المفاجئ.. صدقا لم يخبرني أحد بقدومك"، ثم همس سرا: (لم أتأهب لتلك اللحظة)..

تنهدت شادن ثم قالت بيأس: "لأنك كنت سترفض حتما وتضيّع على نفسك المنافسة وتحقيق هدفك الذي عملت بجد من أجل إتمامه.. لن تضيع فرصة الفوز بإذن الله بإنجاز تاريخي على نفسك"..

أنزلت شادن عينيها ببطء لجانبه الأيمن، حيث يستقر بمحاذاة جذعه ذراع تعويضي اصطناعي بلون رملي قريب إلى لون بشرته الطبيعي، لكنه يقبع ساكنا فاقدا للحياة..

حاولت شادن أن تداري شعور الشفقة الذي سيطر عليها للحظات، فاستدارت وتصنعت العبث بحقيبتها بحثا عن شيء ما، ثم أخرجت قلما ودفتر ملاحظات ملونا صغيرا، ثم سألته بمنتهى الجدية والحياد: "أخبرني عن توقعاتك بالنسبة للرحلة.. هل تريد اصطحاب التوأم معك إلى مقر المنافسات لتشجيعك مع إيلاف؟.. أم تفضّل إبقاءهما في الفندق؟ هل تريدهما أن يناما معك بغرفتك داخل الفندق.. أم معي أنا؟ من المؤكد أنك ستحتاج للنوم بأريحية حتى تحتفظ بتركيزك كاملا من أجل المنافسات.. وأنا سأكون بالغرفة المجاورة لك بكل الأحوال وإذا احتجتُ شيئا.. سأراسلك عبر الهاتف"..

زفر سفيان بحنق من تحولّها سريعا إلى امرأة عملية متجاهلة كل شيء آخر عدا المهمة التي تقف هنا اللحظة أمامه من أجلها، فتنهد ثم أشار لها بذراعه الأيسر كي تعاود الجلوس على مقعدها.. وبعدها جلس إلى جوارها وقال: "ليس من المناسب أن نتناقش هنا حول تلك الأمور بينما سنصعد على متن الطائرة خلال عدة دقائق.. ما رأيك أن نرجئ تلك المحادثة لحين نزولنا بالفندق في مدينة فيكتوريا"..

ابتسمت شادن بمهادنة مخفية شعورا بالغبطة من تسليمه بضرورة مرافقتها لأسرته في تلك الرحلة، ثم ردت بنفس الرزانة السابقة: "وربما إذا شعرنا ببعض الملل في الطائرة، نتبادل الحديث قليلا حول ترتيبات متابعتي للأطفال خلال هذا الأسبوع"..

أومأ سفيان موافقا، ثم هم بفتح الحقيبة الجانبية المعلقة بكتفه لكي يخرج شيئا منها، فانتفضت شادن عارضة المساعدة، فزجرها بنظرة محتدة جمدتها مكانها، لتعود للجلوس مجددا، بينما نجح هو بفتح السحاب بمهارة من تعوّد على التصرف بيد واحدة فقط لفترة طويلة..

في تلك الأثناء، عاد إيلاف حاملا الجوازات وتذاكر السفر مؤكدا أنه قد أرسل الحقائب بالفعل إلى الطائرة وطلب تسلمهم في مطار هونج كونج الدولي، خاصة وأنه سيتم تبديل الطائرة في العاصمة الإماراتية أبو ظبي التي سينزلون بها مؤقتا لمدة ثلاث ساعات قبل التحليق مجددا إلى وجهتهم الأساسية.. فسارع سفيان بإرسال رسالة قصيرة لأرملة والده سميحة يخبرها أن تعود مع أخته والتوأم، لكي يستعد الجميع للصعود للطائرة..

الدقائق التالية شملت لحظات دافئة مغلفة بالشجن ونسائم الشوق، حيث ظلت سميحة ودانة تبكيان تأثرا بغياب سفيان وإيلاف معا للمرة الأولى، لكن الأم ظلت تربت على كتف سفيان وتبثه دعمها وثقتها، وتخبره أنها تنتظر أن يحقق ميداليتين ليعود بطلا كما عوّدها.. بينما ظلت دانة تحتضنهما تاركة دموعها تنساب في صمت، غير قادرة على الإتيان بآية كلمة وداعية، فأخذ إيلاف يدللها ويخبرها أنه سيشتري لها هدايا وملابس رائعة..

حين عانقت سميحة شادن، همست في أذنها: "أتركهم جميعهم في رعايتك يا ابنتي.. أعلم أنني أثقل عليكِ بتلك المهمة.. لكن قلبي لم يكن ليرتاح إلا إذا رافقتهم بنفسي.. وأنتِ خير بديل بإذن الله.. فقط تحملي جلافة سفيان قليلا.. فهي غير مقصودة ولا تعكس آية نوايا سيئة.. لكنها طريقته في التعامل مع الضغط العصبي الذي يعانيه منذ سنوات.. تحمليه قليلا وقفي بجانبه وسأكون مدينة لكِ"..

همست شادن: "لا تقولي مثل تلك الأشياء يا طنط.. سفيان بمثابة أخي.. تماما كنبيل رحمه الله.. لذا سأقوم بكل ما في وسعي لتيسير تلك الرحلة ومساعدته في التركيز على عمله وتحقيق إنجازه بإذن الله"..

فوجئ سفيان بدانة ترمي نفسها في أحضان شادن وكأنها.. وكأنها أختها الكبرى بالفعل.. ثم تذكّر أن قطعه لعلاقته مع آل الحلواني لا يسري كليا على باقي أفراد أسرته الذين على ما يبدو ظلوا على تواصلهم مع عائلة الراحل نبيل الحلواني.. وربما حتى بيت عمه عبد المنصف أيضا..

سارع إيلاف بإرسال أخته وأمها إلى الخارج مع بدء الإعلان عن جاهزية الطائرة لاستقبال ركابها، ثم حمل هو الصغير مالك وأخذ بعض الحقائب الصغيرة التي تخصه والتوأم، وتحرك نحو الطائرة.. أما ملك، فقد رفعت ذراعيها تجاه شادن تطلب منها صمتا أن تحملها، فلبّت الأخيرة بالفعل، ليصر سفيان على حمل حقيبة شادن الصغيرة مع حقيبته الجانبية ويتحركوا جميعا صوب سلم الطائرة..

حين وصلوا إلى مقصورة الطائرة، أرسلهم إيلاف إلى القسم المخصص لدرجة رجال الأعمال، وتوجه هو نحو المقاعد المخصصة للدرجة الاقتصادية، وحين أوقفه سفيان بنظرات متسائلة، رد إيلاف بأنه لم يجد مقاعد كافية في تلك الدرجة لهم جميعا، فقرر أن يحصل هو على تذكرة الدرجة الاقتصادية حتى تتولى شادن رعاية الأطفال خلال تحليق الطائرة، ثم تابع بمزح: "أريد أن أنام بضع ساعات.. تعرفني أحب النوم في وسائل المواصلات خصوصا حين نطفو أعلى السحب"، ثم تحرك مسرعا رافضا أن يمنح سفيان الفرصة لقراءة أفكاره واكتشاف كذبته التي اضطر لسردها حتى لا يعلم شقيقه أنه إنما يفعل ذلك فقط لكي يعطيهما المجال كي يجلسا معا لأطول وقت ممكن، فيذيبا الغضب الكامن بينهما..

تحرك إيلاف بنفس صافية صوب الدرجة الاقتصادية، ليجد مقعده إلى جوار النافذة القريبة من جناح الطائرة والتي تحجب الرؤية نوعا ما، ولذا فكر أنه قد يلجأ فعليا للنوم لو لم تكن الرحلة ممتعة..

على أنه لم يكد يضع رأسه على وسادته الحلقية التي تدعم رقبته، حتى سمع صوت سيدة يأتي من جواره: "سعيدة"، قالتها بنبرة حقا سعيدة..

التفت إيلاف نحوها، فوجدها امرأة تبدو في أواخر الأربعينات، تبالغ في زينة وجهها وتصبغ شعرها باللون الذهبي الذي لا يليق أبدا مع لون بشرتها الحنطية وتغطيه بوشاح أسود، ولكن غرة رأسها الذهبية تطل خارج حدود الوشاح..

كانت السيدة تمتلك ابتسامة بهيجة، فرد عليها بتحفظ يرد التحية: "مرحبا.. أنا الأسعد"..

قالت المرأة مصححة بعد أن وضعت كفها على صدرها: "اسمي سعيدة.. مسافرة لأبو ظبي في زيارة لابني الذي يعمل محاسبا ببنك دولي كبير هناك"..

رد هو بتلقائية: "وأنا إيلاف"..

سألته المرأة بدهشة: "ماذا؟ هل هذا اسمك؟ أم أن اسمك إيهاب وتتمازح معي؟ أظنه اسم فتاة"

رد إيلاف بضيق: "لا.. اسمي إيلاف.. وأنا كما ترين.. لستُ فتاة.. لكن أصدقائي ينادونني (إيلي)"..

ناظرته المرأة بتقييم من أعلى لأسفل، ثم سألته من جديد: "وأين تعمل؟ ما سبب سفرك للإمارات؟".

قال إيلاف: "أنا فنان موسيقي"..

ضحكت المرأة ببلاهة، ثم ردت: "موسيقي كيف؟ في الأفراح؟ ألهذا تسافر إلى الإمارات؟ لديك حفل زفاف ستقوم بإحيائه.. صحيح؟"

زفر إيلاف بضيق، ثم رد: "لست عازفا بالأفراح.. أنا فنان أكاديمي وأجهز للماجيستير والدكتوراه قريبا.. مثل هشام نزيه وعمر خيرت ونادر عباسي"..

سألته المرأة ببلاهة: "من هؤلاء؟"

قال إيلاف: "لا عليكِ"...

نظرت المرأة أمامها وقررت أن توقف الحديث معه، فهذا الشاب يبدو متوترا لسببٍ ما، لكنها تراجعت عن قرارها بعد مرور عدة دقائق وقررت أن تعاود الحديث معه حين امتلأت الطائرة بركابها وبدأ الإعداد للإقلاع، حيث لاحظت أن المضيفة قد قامت بسحب الستار الفاصل بين درجة رجال الأعمال والدرجة الاقتصادية، فقالت بلوم: "دائما يسحبون الستار الفاصل، وكأننا سنحسدهم مثلا على الوجبة الزائدة أو المقاعد التي تتحول لأسرّة مريحة.. هي مجرد وسيلة مواصلات لبضع ساعات.. فلماذا هذه الأبهة الفارغة لمجرد ركوب حافلة طائرة.. صدقا لا أفهم سبب تلك المبالغة"..

ضحك إيلاف من قلبه بسبب عفوية جارته في الرحلة، وزفر يأسا بعد أن أدرك أنه لن ينجح في النوم خلال تلك الرحلة، لكنه قال بصوت لم يتخلص بعد من آثار ضحكات صاحبه: "الأمر لا علاقة له بالأبهة الفارغة يا سيدتي.. فهناك من يسافرون لدواعي مرضية فيحتاجون لمقاعد يمكن فردها لتتحول لأسرّة يتسطحون عليها لعدم الضغط على عظامهم أو عمودهم الفقري.. وهناك من يسافرون لأجل العمل، فيحتاجون لأن تكون جلستهم مريحة حتى يتمكنوا من العمل خاصة إذا كانوا سيغادرون الطائرة مباشرة إلى اجتماع أو لقاء عمل عاجل"..

هزت المرأة رأسها بتفهم، ثم قالت باقتناع: "معك حق، ومع ذلك لا أحب فكرة العزل بالستائر تلك.. تجعلني أشعر أنها تقسمنا لطبقات"..

قال إيلاف: "هي بضع ساعات في الحافلة الطائرة كما تقولين، فلا تسمحي للغضب بأن يسرق منك متعة السفر"..

كانت السيدة سعيدة وقتها قد انشغلت بمحاولة تشغيل الشاشة المواجهة لمقعدها لكي تختار أحد الأفلام فتشاهدها تمضية للوقت، لكنها حين فشلت في تصفح القوائم المختلفة، طلبت من إيلاف أن يضبط لها الإعدادات وأن يخبرها عما يتم عرضه، فأخذ إيلاف يسرد عليها محتوى القوائم، إلى أن قالت هي بحماس: "الله.. أريد مسلسل (الضوء الشارد).. أحب رفيع العزايزي بشدة.. ألا تجده وسيما وله هيبة؟ رجل مثل الصقر"

رد إيلاف مستفهما بلا اكتراث: "رفيع العزايزي؟ لا أعرفه بالأساس"..

قالت السيدة بنفس الحماس: "إذًا لتشاهد معي المسلسل.. هيا".. ليمضي إيلاف الساعات التالية طوال الطريق إلى الوجهة التالية، وهو يشاهد ما لا يقل عن ست حلقات متتالية من مسلسل (الضوء الشارد)..

أما على الطرف الآخر خلف الستار، فكان سفيان وشادن يجلسان متجاورين وبينهما الطفلين، هي مع ملك وهو مع مالك.. وللحق كان الطفلين مطيعين للغاية، حتى أنهما ناما طوال الرحلة، ربما بسبب تحركهما للسفر في المساء، ولهذا وجد رفيقا السفر البالغان الأجواء متاحة للحديث عن ترتيبات العناية بالأطفال خلال فترة السفر، فأبلغ سفيان شادن بوضوح عن توقعاته لطريقة تعاملها مع الطفلين طوال الأسبوع، وهي طمأنته أنها ستعتني بهما جيدا لكي يصفو ذهنه فلا يركز سوى في المنافسات التي تنتظره..

حين وصلوا إلى مطار أبو ظبي، قام إيلاف سريعا بالحصول على تصاريح صعود الطائرة التبادلية، ثم تحركوا جميعا إلى البوابة المخصصة للصعود حتى تم الإعلان عن موعد إقلاع الطائرة، وحين استقروا جميعا في مقاعدهم على متنها، عاد التوأم للنوم، وتبعهما فورا شادن وسفيان اللذان بدا عليهما بعض الإجهاد..

أما إيلاف فقد استغل طول ساعات السفر من أبو ظبي إلى هونج كونج في إكمال مشاهدة مسلسل "الضوء الشارد" الذي أصبح متشوقا ومهتما بأحداثه بعد أن شاهد الست حلقات الأولى، لكن مع الإعلان عن هبوط الطائرة إلى مطار هونج كونج الدولي، كان إيلاف يرغي ويزبد لأنه لم ينهي مشاهدة المسلسل الذي لم يتبقى على نهايته سوى ثلاث حلقات فقط، ليترك الأحداث معلقة في الشق الأخير الأكثر إثارة وتشويقا..

أقلتهما السيارة التي طلب سفيان من إدارة فندق إقامتهم تجهيزها في انتظارهم أمام المطار، وصل الجميع إلى غرفهم بعد أن سجلوا الحجز مع موظفي الاستقبال.. فأقام سفيان في حجرة تقع بين حجرة شادن والتوأم إلى اليمين، وحجرة إيلاف إلى اليسار..

كان من المقرر أن يقيم سفيان بالفندق المخصص للبعثة المصرية المشاركة في البطولة من مختلف الألعاب، لكنه حصل على استثناء بسبب إصراره على سفر توأمه معه واستجاب له رئيس البعثة حرصا على استقراره النفسي خاصة وأنه من أبرز المرشحين لإحراز ميداليتين غاليتين لمصر بإذن الله، وبالتالي سيكون عليه فقط الالتزام بالتوجه إلى مقر الملاعب المخصصة لمنافسات التايكوندو والملاكمة في مواعيد التدريبات والمواجهات التنافسية..

تحرك سفيان نحو باب غرفة شادن التي كانت تهم بإدخال الطفلين، ليوقفهما ويقبّلهما بحنو، ثم يطلب منهما بنبرته الحازمة أن يحسنا التصرف ويستسلما للنوم، ووعدهما بأن يأخذهما في نزهة حول المدينة حين ينتهي من منافساته..

تحرك سفيان نحو غرفته، لكنه لاحظ أن إيلاف لم يدلف لغرفته بعد، فسأله عن سبب وقوفه جامدا هكذا، فأخبره إيلاف بحرج أنه يحتاج أن يسأل شادن عن شيء خاص..

رفع سفيان حاجبيه، لكنه أشار له بالتوجه نحو شادن التي كانت تتابع حديثهما الصامت، فاقترب منها إيلاف وسألها همسا: "هل تعرفين أين يمكنني متابعة حلقات الضوء الشارد؟"

عقدت شادن ما بين حاجبيها، ثم سألته بدهشة: "عفوا؟"

قال إيلاف: "لقد شاهدت سبع وعشرين حلقة من المسلسل خلال رحلتيّ الطيران ومازال أمامي الحلقات الثلاث الأخيرة، والفضول يقتلني لمعرفة مصير وهبي السوالمي وشقيقه.. أخبريني أين يمكنني مشاهدتهما؟"

ضحكت شادن بتسلٍ ضحكة صاخبة وصلت أصداؤها إلى سفيان الذي كان يقف على بُعد بضعة أمتار، فتسللت أذيال ضحكتها إلى مكان قريب من قلبه، فجعلت شيئا ظل نائما بداخله لسنوات يتحرك بتململ وكأنه يحاول الاستيقاظ من سباته العميق..

وقف إيلاف متلهفا بانتظار الإجابة، فأجابته شادن قائلة: "لا أتذكر أنه مذاع الآن عبر إحدى الفضائيات كما لا أظن أن أجهزة التلفاز داخل الغرف تلتقط القمر الصناعي المصري أساسا.. لذا أظن أن الحل الوحيد أمامك حاليا هو اليوتيوب.. وإذا لم تكن الحلقات متوفرة، سيكون عليك انتظار رحلة العودة أو مشاهدتها في مصر"..

زفر إيلاف بضيق، وقال: "لا أستطيع الانتظار.. سأبحث في اليوتيوب.. ولكن سأخطر الفندق بفتح خدمات الـ Wi-Fi بغرفتي أولا"، ثم تحرك مندفعا صوب غرفته، وأخذ يسحب حقيبته بانفعال..

أدخلت شادن الحقيبتين في إثر الطفلين اللذين سبقاها بالدخول، ثم رفعت كفها ملوحة لسفيان لتدلف إلى غرفتها وتغلق بابها، أما الأخير فقد اندفع لغرفته كي يحصل على حمام سريع ليرخي عضلاته التي تعبت قليلا من الرحلة الطويلة نسبيا، ثم يستسلم للنوم استعدادا للتدريبات والمنافسة الهامة المقبلة..

يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 28-02-22, 11:25 PM   #74

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile17 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثالثة: القسم الثالث

أمام صفحة النهر التي يشرف عليها أحد الفنادق الفخمة في القاهرة، كانت المواجهة مازالت محتدمة بين ذكرى، وذلك الذي باغتها دون سابق إنذار..

أخذت هي تتنهد ببطء عدة مرات محاولة تهدئة نفسها.. ولمّا لم تفلح أعادت تشغيل سيجارتها الإلكترونية وأخذت تنفث بها بانفعال واضح، فهتف بها: "قلتُ لكِ توقفي عن تلك العادة السيئة"..

تجاهلته ذكرى التي كانت توليه ظهرها وتحدّق أمامها في صفحة النيل التي اكتست بالسواد في ذلك الوقت من الليل، لتترك في قلبها كآبة تنافي السبب الرئيسي الذي دفعها للوقوف أمامها، فهمست بصوت مجهد: "لا تهتم"..

أجابها هو بغرور: "لست مهتما"..

التفتت ذكرى إليه وسألته بهدوء: "دكتور آدم.. ماذا تفعل هنا تحديدا؟"..

رد مغيظا: "أنا أيضا مدعو لذلك الحفل"..

جادلته بتحدٍ: "أقصد هنا.. في تلك البقعة تحديدا.. لمَ لست في الداخل مع باقي المدعوين الذين يليقون بمكانتك العالية؟"

زفر آدم بضيق، ثم تابع معلقا بحنق لم يستطع مداراته: "عدنا من جديد لتلك النغمة المزعجة"، لكنه للحظة تذكّر لحظة بعيدة تركت على وجهه أثرها، فمد يده نحو ندبته وتحسسها بأنامل مرتعشة بالغضب، فتابع بنبرة قاسية: "لقد تساوت الرؤوس على أي حال.. صحيح؟"..

كانت ذكرى قد لاحظت كيف تبدلت ملامحه منذ أن لامس جرحه، وعلمت تماما إلى أين أخذته أفكاره، لكنها رفضت أن تسمح له بإهانتها هكذا لمجرد أنه يظن أن الحق معه.. فاقتربت منه خطوة محتدة كجندي متأهب للقتال، وتصلبت باعتداد، ثم ردت: "لقد حصلت على الدكتوراة فقط كي أحقق حلمي الذي تنازلت عنه مرتين من قبل.. لم أكن في حاجة لإثبات شيء لأحد.. لكن البعض هم من يحتاجون لأطر ملونة براقة تزين صورتهم المثالية، فتمنحهم كمالا لم ينبغي لأحدٍ غيرهم"..

ضيّق آدم عينيه ورمقها بنظرة تحتقن بالتوبيخ، فبادلته ذكرته النظرات المفعمة بالغرور والتحدي، ثم أكملت بثقة: "حصولي على الدكتوراه لن يرفع من قيمتي التي أعرفها جيدا.. ولكنه ربما يكون سببا في تخلصي أخيرا من نظرات أصحاب النفوس المريضة والتفرقة الطبقية.. فرُغما عن أنوف هؤلاء، صرت الآن مساوية لهم ولكل من كانوا يقللون من قدري"..

التزم آدم الصمت لا يجد ردا، فحركت ذكرى شفتيها إلى الجانب بابتسامة نصفية باردة، ثم تابعت بنبرة غلفتها بالهزء: "وبما أنني قد حققت أحلامي المهنية والحمد لله.. أظن أنه حان الوقت لكي أعثر على رجل يراني كافية ويجعلني عالمه كله.. بل ويحمد الله ألف مرة في صلاته كل عشية أن رزقه بي.."

اشتعلت جذوة من سعير بعيني آدم البنيتين، فأطبق كفيه معا أمامه، محاولا السيطرة على الغضب الذي أججته كلماتها السامة، لكنه استعاد ثباته بسرعة، ثم ضحك ضحكة قصيرة، وقال بنبرة صادقة صدمتها: "أردت فقط أن أبارك لكِ على نجاحكِ.. كان مستحقا"..

منحته ذكرى ابتسامة مجاملة، كتلك التي تخصصها لأقارب المرضى حين تضطر للحديث معهم عوضا عن الطبيب المختص، ثم قال: "وصلت زهورك وبطاقتك .. المبهمة.. أظنك لم تجد ما تقوله لي.. أو لم يعد هناك شيء لديك لتقوله لي"..

بجانب عينيها، لمحت ذكرى اقتراب المهندس شريف أسامة الذي تعلو وجهه ابتسامة بسيطة ويحمل بين أصابعه هاتفه المحمول ، فمنحته ابتسامة ودودة، بعد أن أدارت ظهرها لذلك الذي يقف أمامها وأعصابه تستعر غضبا، فقال هو مستبشرا: "هاتِ رقمكِ يا دكتورة لكي أرسل لكِ المقطع على (واتساب)"..

منحته ذكرى ابتسامة متدلـلة قليلا، ثم سألت بنبرة ممازحة لا تفتقر إلى الرقة: "هل تنوي أن تراسلني بخصوص العمل؟ أحذرك يا بشمهندس.. أنا لن أرد قبل أسبوع على الأقل.. أحتاج لعطلة للاسترخاء قليلا بعد ضغط المذاكرة والتوتر النفسي طول الفترة الماضية"..

ضحك المهندس شريف، ثم قال مبتهجا: "استمتعي بعطلتك.. أعدكِ ألا أُزعجك قبل أسبوعٍ كامل.. ما لم يُلح عليّ مديري بالطبع ببدء العمل على الحملة.. عموما هاكِ الهاتف.. سجلي رقمكِ عليه"..

حملت ذكرى هاتفه، ثم قامت بتسجيل رقمها سريعا، ليقوم هو بإرسال مقطع الفيديو لها، لتبدأ في مشاهدته وهي تتبادل معه المزحات البريئة، غير منتبهة لذلك الذي تحرك منفعلا بغضب مخرجا علبة سجائره بضيق..

بعد قليل، دخلت ذكرى إلى القاعة مجددا، بعد أن ودعت المهندس شريف، ثم بدأت تودع رفيقات الطاولة، مقررة التوجه نحو ممثلي إدارة الشركة المنظمة للحفل لكي توجه الشكر لهم وكذلك فريق إدارة المستشفى..

سارت بضع خطوات صوب رب عملها، لكنها فوجئت باندلاع صافرات التنبيه معلنة عن نشوب حريق مفاجئ في مكان ما بالقاعة، ليمطر سقف القاعة رذاذ الماء بعنف على الحاضرين جميعا ليغرق ملابسهم ويتلف إطلالاتهم الأنيقة بفعل اندفاع المياة بقوة من المراش المثبتة في عدة فتحات بمحيط السقف لتغطي كل أركان القاعة بالكامل..

مرت حوالي دقيقة واحدة، لكي يستوعب الجميع الصدمة ويبدأ كلُ واحدٍ في الركض بعشوائية لخارج القاعة التي عمت الفوضى بها..

ولم تكن ذكرى بالطبع أقل تعجلا من الخروج من القاعة قبل أن تنشب النيران بكل محتوياتها ويصبح من العسير الفرار منها..

لكنها رغم ركضها للخارج بأقصى سرعة ممكنة مع ارتفاع كعب حذائها المستدق، كانت خطواتها مازالت بطيئة مقارنة بالبعض، لذا لم يكن غريبا أن تلاحظ ذلك المرابض أمام بوابة القاعة، واقفا بهدوء شديد مستندا بجانبه على الجدار المقابل، وترتسم على وجهه ابتسامة متسلية.. متشفية..

كقطٍ نجح لأول مرة في تدبير مقلبٍ ذكي يشاكس به الفأر بعد سلسلة هزائم فادحة أمامه، لتتعادل نتيجة الأشواط أخيرا..

تمهلت ذكرى في حركتها قليلا وأكملت سيرها حتى وقفت أمامه تماما، تناظره بتساؤل وعدم تصديق، بينما تتسع ابتسامته ليشرق وجهه وتلتمع عينيه بخبث طفولي يميز شخصيته، لكنها قبل أن تنبس بكلمة واحدة، كانت إحدى الفتيات تركض بعنف واضطراب، فلم تنتبه لوقوف ذكرى المتسمرة أمامها، فاصطدمت دون قصد، لتجعلها تندفع بضع خطوات للأمام..

صرخت ذكرى إثر المفاجأة، حيث لم تشعر سوى بنفسها تتعثر اندفاعا للأمام بينما ينزلق كعبيّ حذائها أسفلها للخلف فتنثني ركبتيها وتميل اقترابا من الأرض..

شهقت ذكرى ذعرا بعد أن أيقنت أن وجهها سيعانق الطبقة الرخامية القاسية لأرضية مدخل القاعة خلال ثانيتين على الأكثر.. لكنها وقبل أن تلامس الأرض، وجدت نفسها تسقط بالفعل.. ولكن بين ذراعيين قويين التقطاها بسهولة، ثم مالا بها إلى جانب الجدار بعيدا عن التدافع والفوضى..

رفعت عينيها بتوتر، لتجد آدم مازال محافظا على نفس ابتسامته السخيفة، لكن القلق يظهر واضحا بمقلتيه، فأخذ يرفعها بذراعيه العضليين حتى استقامت واقفة من جديد بكل اعتداد، ثم مال هو مرة أخرى لكي يجلب لها حقيبتها الصغيرة التي تشبه صندوق الهدايا المعدني الأنيق..

وبينما كان آدم يستقيم واقفا من جديد، فوجئ بذلك الذي كانت تحادثه ذكرى قبل دقائق بعفوية وألفة، يقف إلى جوارها، يسألها عما إذا كانت بخير..
هتفت ذكرى بحنق وهي ترمق آدم بنظرة مؤنبة: "لقد تبللت ملابسي بالكامل.. لا أعلم كيف سأتحرك بهذا الشكل!"..

على الفور، خلع المهندس شريف سترته، واقترب منها لكي يضعها على كتفيها، لكنه فوجئ بمن زرع نفسه بينهما، وقال بكبرياء: "شكرا لذوقك.. هي ليست بحاجة لسترتك"، ثم ناظر ذكرى زاجرا يحذرها من الرفض، وهو يقول بنبرة راقية: "تفضلي سترتي يا دكتورة ذكرى.. هيا لأوصلك لسيارتك.."

تلكأت ذكرى قليلا، فاقترب هو منها ووضع السترة على كتفيها، ثم همس لأذنيها بانفعال مكتوم: "هيا.. تحركي أمامي ولا تخرجي شياطيني أمام الناس"..

تحركت ذكرى إلى جواره بصمت حتى وصلا إلى المرآب، ثم تمهلت بخطواتها حين اقتربت من سيارة آدم التي كانت مصفوفة بالقرب من سيارتها، فخلعت سترته ووضعتها بهدوء على سطح سيارته، وقالت بنبرة محذرة: "كنت سأشكرك على لمستك الراقية يا دكتور آدم، لولا أنني لم أطلب مساعدتك ولستُ ممتنة لها في الحقيقة.. أنا فقط تبعتك للخارج في هدوء كيلا تثار فضيحة يُزج باسمي فيها.. تعلم أنني بت الآن شخصية شهيرة إعلاميا شئتُ أم أبيتُ، وبالتالي عليّ مراعاة تصرفاتي في الأماكن العامة"..

ضحك آدم، ثم قال ساخرا: "بالفعل كنت تراعين تصرفاتك وأنت تمازحين ذلك اللزج وتتضاحكين بميوعة.. وتعطينه رقم هاتفك الشخصي"..

اشتعلت عينا ذكرى بالغضب، ثم صاحت بانفعال غير مكترثة لدخول البعض للمرآب من أجل المغادرة: "تهذب يا آدم.. لا يعجبني ما تلمّح إليه ولا أقبله.. انتهى الكلام بيننا.. صدفة غير سعيدة وأرجو ألا تتكرر.."، ثم تركته وتحركت مسرعة لسيارتها، حيث فتحت الباب الخلفي كي تخرج منه وشاحا ضخما لتلف به جسدها الذي التصق به فستانها المبلل، ثم أحضرت دمية قطنية مسطحة تشبه الوسادة ووضعتها على مقعد القيادة، قبل أن تجلس عليه وتغلق بابها بعنف وتبدأ بالتحرك بغضب لتصطك إطاراتها بأرضية المرآب مطلقة صريرا مزعجا..

تحرك آدم نحو سيارته عابسا منفعلا، وحين جلس إلى مقعد القيادة شعر بنغزات متتابعة بالقرب من قلبه، فرفع يده لكي يدلك موضع الألم، وهو يسب شاتما الانقباضات العضلية التي تصيبه من وقت لآخر..

يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 28-02-22, 11:30 PM   #75

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
Rewitysmile14 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثالثة: القسم الرابع

بعد أن أسرعت بسيارتها إلى منزلها، وحصلت على حمامٍ دافئٍ وبدّلت ملابسها المبتلة، ثم اطمأنت على والدتها التي كانت نائمة في سريرها منذ تركتها قبل بضع ساعات، حملت ذكرى سلسلة مفاتيحها وتوجهت نحو شقة أمواج في الطابق الذي يعلوها، لتدس المفتاح في مقبضه..

دلفت ذكرى إلى داخل شقة أمواج، ثم تحركت صوب الركن الصغير المخصص للقطتين اللتين تربيهما أمواج منذ بضع سنوات، فالفتاة تعشق الحيوانات الأليفة خصوصا القطط، وقد حصلت على قطتين رضيعتين من أحد المراكز التطوعية قبيل زواجها من بحر، وبدأت في رعايتهما حتى كبرتا وأصبحتا طفلتين مشاكستين مدللتين..

نادت ذكرى بهدوء: "طمطم.. طماطم.. هيا.. أقبلا لأضع لكما طعامكما"..

تحركت القطتان نحوها بتدللٍ، ولولا أنهما تعودتا على رعاية زهو وذكرى لهما عندما تبيت أمواج في بيت والدها أو خالتها، فإنهما قد تتحولان لكتلتين من الشراسة تخمشان كل من يقترب منهما..

ورغم أن ذكرى ليست من عشاق القطط الأليفة، لكنها لا تمانع الحصول على بعض الحب غير المشروط من تلك الكائنات اللطيفة التي لا تتعامل مع البشر سوى بمقياس واحدٍ هو مشاعرها تجاههم بعد استشراف نواياهم..

ليتها كانت تمتلك رادارا لاكتشاف نوايا البشر كما تفعل القطط..

كانت ذكرى في تلك اللحظات تشعر بوحدة خانقة، ويبدو أن القطتين قد شعرتا بذلك، حيث توقفتا عن تناول طعامهما من الطبقين الممدودين أمامها، وتحركتا نحو ذكرى لتلتفا حول ساقيها تتمسحان بها بفرائهما الناعمة، تعرضان المحبة وتطلبان الدلال، فجلست ذكرى على ركبتيها وأخذت تداعب آذانهما ورقبتيهما بحب، وذهنها يتنقل جبرا بين لحظات متباينة من الحب والألم والغيظ والقهر .. والخسارة..

ابتلعت ذكرى مرارة علقت بحلقها، وتجاهلت دمعة ثقيلة تقرص عينها، وهتفت بحنق: "لماذا عاود الظهور في حياتي الآن؟ ألم نكن قد انتهينا؟"

لم تتلقى ردا من القطتين، فشعرت بغبائها، خاصة بعد أن فطنت أنها قد ابتدأت حفلة سرية لرثاء الذات، فتنحنحت قليلا تسترجع ثباتها الانفعالي ورباطة جأشها، ثم أخذت تقرّب الطعام من القطتين اللتين عادتا لتناوله في صمت، بينهما نهضت هي لكي تتفحص هاتفها الذي كانت يرن ويصدر اهتزازا بجيب سروالها المنزلي الفضفاض، لتجد مكالمة واردة من زهو، فضغطت على زر استقبالها، ليأتيها صوت الأخيرة ملهوفا: "مبارك يا دكتورة.. كيف كان الحفل؟"..

ردت ذكرى ضاحكة: "كان رائعا.. إلى أن نزل المطر وتحممنا بملابسنا"..

سألتها زهو بدهشة: "أي مطر؟ الجو رائع والسماء صافية.. متى أمطرت؟"

ابتسمت ذكرى ابتسامة جانبية، ثم ردت: "كان مطرا داخليا.. هطل على القاعة فقط؟"

عاودت زهو سؤالها بتوجس وعدم فهم: "ماذا تعنين؟ ماذا حدث؟"

قالت ذكرى بغيظ: "قام أحد الحمقي بتفعيل خاصية إنذار الحريق، فأمطر سقف القاعة رذاذ الماء الغزير من مرشاته ليغرقنا جميعا ويتلف جمال إطلالاتنا.. لقد ركضنا ذعرنا لخارج القاعة بعد أن غمرنا الماء فور أن انتبهنا لصوت جرس الإنذار المفزع، قبل أن يتبين لنا لاحقا أن الأمر كان خطأ غير... مقصود"..

تنهدت ذكرى وحركت رأسها بغيظ، وهي تتذكر تصرف آدم الطفولي العابث الذي أفسد حفلا كاملا بسبب شعوره بالقلق لظهور من قد ينافسه على لعبته الأثيرة..

ضحكت زهو ثم قالت: "على الأقل كان الجو لطيفا.. لن تصابي بنزلة برد.. لا تقلقي.. أردتُ فقط الاطمئنان عليكِ.. فشادن مازالت على متن الطائرة الآن.. وأمواج على الأرجح مشغولة مع الطفلين وحكايات خالتها"..

سألتها ذكرى بلا مواربة: "وأنتِ؟"..

ردت زهو بتكلف: "وأنا ماذا؟ ما بي؟"

عاودت ذكرى سؤالها: "هذا ما أسأله تحديدا.. كيف أنتِ هناك؟ مع السيدة لطيفة.. والدة شادِن؟"

زفرت زهو بضيق، ثم قالت: "أقضي محكومية مؤقتة حتى أخرج من هذا السجن للحرية مجددا.. والله لا يهوّن علي تلك الزيارات سوى
استقبال عمو عبد الجليل بارك الله لنا في عمره.. وكأنه يحاول بكل طاقته أن يعوض ساري عن فقدانه لوالده.. حتى أنه يعاملني كابنته فعليا فيعوضني عن رحيل أبي.. في الحقيقة هو يتعامل معي بأبوة خالصة منذ وفاة أبي رحمه الله قبل سنوات"..

هزت ذكرى رأسها باقتناع، ثم غمغمت ببعض الكلمات التي تهوّن على زهو، قبل أن تقول بمرح تلقائي لا تتسم به عادة: "ما رأيكِ أن نذهب جميعا في رحلة هذا الأسبوع.. لقد حصلت على إجازة من عملي"..

زفرت زهو، ثم ردت بانفعال: "كانت هذه فكرة رائعة لثانيتين فقط، لأنني تذكرت الآن أن علينا متابعة العمل في روضة شادن طوال الأسبوع.. حظ أوفر المرة القادمة"..

هتفت ذكرى بحنق، ثم قالت بيأس: "وأنا، ماذا سأفعل طوال ذلك الأسبوع؟"

صمتت زهو بتفكر لثوانٍ، ثم أجابت: "يمكنك تجهيز عدة منشورات جذابة لحسابك على الانستجرام.. أو عمل بث مباشر أو اثنين لتقدمي بعض نصائح التغذية لمتابعيكِ.. ألستِ حاصلة على دبلومة للتغذية؟ يمكنكِ أن تستغليها في تثبيت فقرة أسبوعية تصوري خلالها مقطع فيديو تعرضي فيه مزايا وعيوب الأنظمة الغذائية المختلفة"..

ردت ذكرى بحماس: "فكرة جميلة.. ولكن سأحتاج لمساعدة من شخص متخصص في عالم الجرافيك حتى يصنع لي مقاطع (برومو) تسويقية قصيرة للدعاية ولقطات مونتاج مبهرة.. وما إلى ذلك"..

قالت زهو: "أعتقد أن شادِن يمكنها مساعدتك بهذا الشأن.. فهي قد أخبرتني مؤخرا أنها اتفقت مع مصمم جرافيك محترف من أجل بعض المحتوى الدعائي الخاص بحضانتها".

أجابتها ذكرى باقتناع: "لا بأس.. لأطلب منها المساعدة فور أن تعود بإذن الله.. وحتى ذلك الحين.. سأكتفي بنشر بعض المقاطع السريعة عبر خاصية المقاطع الدوارة المصورة القصيرة reels"..

قالت زهو: "كنت لأدعوكِ لتناول العشاء معي، ولكنني أعتقد أنكِ قد تناولت عشاءك بالفعل في ذلك الاحتفال"..

تمتمت ذكرى ببعض كلمات التأييد، ثم أنهت المكالمة، وهي تمني نفسها باحتساء كوب من القهوة الساخنة بالحليب مع قطعتين من المخبوزات قبل النوم، كعشاء خفيف..


وصل إلى البناية الفخمة التي تقع في حي الزمالك - أحد أعرق أحياء القاهرة - والتي تمتلكها عائلته بأكملها، فالطابقين الأرضي والأول، مخصصان لوالدته والمربوطيّن معا بسلم داخلي ليتحولا معا لما يشبه فيلا صغيرة كانت قديما تتعامل معها والدته الدكتورة رقيّة وكأنها قصر ملكي، لكنها وبعد أن قاربت عامها الخامس والسبعين قد تخلت نوعا ما عن حبها للسلطة فيما يتعلق بإدارة منزلها، واكتفت فقط بالتركيز في المصدر الرئيسي والأهم لسلطتها..

ابنها آدم.. مدللها ووحيدها الذي أنجبته بعد أكثر من خمسة عشر عاما من محاولات الإنجاب المتكرر إلى أن وهبها الله نعمته وهي في عمر الحادية والأربعين..

دللته كثيرا وتحوّل حبها به لما يشبه الهوس، فصارت تتحكم في كل تفصيلة تخصه، وهو كان يقتات على ذلك الاهتمام المبالغ فيه من أمه، خاصة وأن والده لم يكن متفرغا له.. غير أن علاقته بأمه كانت معقدة بعض الشيء، فهو من جهة طفلها المدلل الذي يتملكه الغرور في كثير من الأحيان خاصة حين يفعل ما يرضيها ويحظى بامتداحها..

ولكنه من جهة ثانية، هو مشروعها الوحيد كوريث للأسرة، وبالتالي كانت تحرص على أن يكون في أقرب صورة للكمال..
والطفل حينما يكبر في محيط كهذا، فإنه يكتسب بعضا من الصفات التي يصبح من العسير أن يتخلص منها فيما بعد، خاصة إذا كان تأثير والدته كبيرا عليه..

تحرك آدم صوب المدخل الخلفي للبناية والذي يحوي مصعدا يصل للطوابق العليا..

الطابق الثاني كان مخصصا لعيادة تخص والده الراحل.. الدكتور طاهر عزازي طبيب العيون الشهير والتي ظلت مغلقة بعد وفاة والده قبل عامٍ واحدٍ..

والثالث يحوي عيادته كطبيب عظام شهير، لكنه قد هجرها أيضا بعد أن افتتح مؤخرا المركز الطبي المتكامل لجراحات العظام والطب التأهيلي..

أما الطابق الرابع والأخير، فهو شقة الزوجية.. أو ما كانت عليه قبل أن تهجرها شريكته..

منذ وقوع الطلاق، كان آدم قد قرر نقل حاجياته وأغراضه الأساسية إلى فيلا والدته في الطابقين السفليين، وعزف عن الإقامة بمفرده في شقته العليا.. لكنه اليوم شعر باختناق شديد جعله ولأول مرة منذ سنوات يهرب من استجواب والدته المسائي المعتاد، فقرر الصعود لشقته..

لا.. في الحقيقة.. هو لم يقرر.. بل سار مدفوعا بالحنين والشوق إلى ذلك الطابق المُحرم من أجل تشمم شذى صاحبته الغادرة.. أو اجترار طيف لحظة حميمية دافئة جمعتهما يوما، فتطرد الصقيع الذي يغلف أوردته في تلك اللحظات..

فور أن دلف آدم إلى الشقة، غص قلبه بظلامها الدامس.. كيف تحولت جنته إلى كهف مقفر حالك السواد هكذا؟

أين ذهبت ضحكاتها الملونة ؟ أين ذهبت لمساتها الحانية التي كانت تبدد صخب أفكاره، وتلك التي كانت تلفح مشاعره بلهيبها فيطفو معها على غيمات عشق ذهبية كبريق الشمس؟

كيف سمحت للرياح أن تشتت عشهما وتفتت أساساته لتتحول لكومة من الأطلال؟

همس محدثا نفسه دون أن يسمح لأحرفه بمغادرة سجن صدره:
( تبا لكِ يا ذكرى.. غادرتِ بعد أن أطلقتِ لعنة تبعثرت آثارها في المكان لتحجب عني أي شعور بالفرح بعدكِ.. لماذا يبدو الأمر وكأنه قد صار منذ سنوات طويلة؟.. آه.. لقد تحولت أجمل سنوات عمري إلى جفاف مقفر.. لم يبقى لي من حبكِ سوى ذكرى.. وتلك الندبة التي استقرت على وجهي.. ومثيلتها بقلبي لا تظهر مرأى العين، ولكنني أشعر آثارها كلما نبض قلبي باشتياق)..

"تبا لكِ يا ذكرى".. هذه المرة صرخها بكل ما يعتمل بقلبه من مشاعر مضطربة بين ندم وكراهية..

وقبل أن تتحول ليلته إلى جلسة اجترار للحظات من السعادة الخالصة، قاطع لحظة انفراده بنفسه رنين هاتفه..

كان موقنا أن من تطلبه هي أمه التي تلاحقه كعادتها من النغمة التي خصصها لهاـ فضغط زر رفض المكالمة، وأخذ يجوب جنبات الشقة كالمجنون، ووالدته تعاود مهاتفته مرارا وتكرارا، إلى أن أرسل رسالة صوتية قصيرة يخبرها أنه سينام في الأعلى الليلة..

الليلة.. فقط..
وغدا سيعود من جديد آدم عزازي.. عاشق الدُمى الذي لا تكسره لُعبة..

يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 28-02-22, 11:35 PM   #76

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
B11 وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثالثة: القسم الخامس

في مدينة فيكتوريا، كانت الأجواء حماسية بعد أن نجح سفيان في تخطي المراحل الإقصائية في منافسات بطولة التايكوندو الباراليمبي، ليصل للدور قبل النهائي.. أما في بطولة الرماية بسلاح المسدس، فقد تخطى المرحلة الإقصائية الأولى وما زال أمامه منافسة جديدة صباح الغد من أجل المنافسة في الدور الإقصائي الثاني المؤدي مباشرة إلى المنافسة النهائية بين أصحاب أفضل الأرقام من المتنافسين..

كان سفيان قد عاد إلى الفندق بالسيارة التي خصصتها له ولزملائه بعثة اتحاد الرماية، بينما عاد إيلاف والتوأم وشادن بالسيارة المستأجرة بسائق خاص، والتي وفرتها لأجلهم إدارة الفندق بعد أن طلب سفيان تخصيصها لعائلته طوال أسبوع الإقامة في المدينة..

في المساء، كان سفيان قد توجه لمركز التدريب من أجل حصتين تدريبيتين جديدتين، بينما توجه إيلاف وشادن مع التوأم إلى مطعم الفندق لتناول العشاء..

وحين تحركت شادن أولا إلى موائد الطعام المجهزة لاختيار الأصناف التي ستتناولها مع الطفلين، فوجئت بملك تلحق بها بفضول لتناظر الأطعمة المرصوصة بشكل جذاب وألوان ملفتة، حتى أشارت بإصبعها نحو أحد الأصناف وقالت بنبرة ملحة: "أريد هذا؟"..

فكرّت شادن قليلا، ثم قالت: "لوكا يا حبيبتي.. إن هذه الشطائر الملونة الجذابة تحتوي على شرائح سمك نيئة قد لا تحبين طعمها أو تصيبك بالقرف"..

لكن الطفلة أصرت بعناد وقالت: "تبدو حلوة (شهية).. أريدها"..

أخذت شادن تفكر قليلا، ثم قالت بعد أن حسمت قرارها موقنة أن ملك لن تستسيغ طعمها في النهاية وستعزف عن تناولها: "لا بأس.. سأضع لكِ القليل منها.. ولكن تناولي معها بعض الخضر والفاكهة"..

أومأت ملك بطاعة، فأخذت شادن طبقا صغيرا، ووضعت به بضع شطائر ملفوفة صغيرة، الواحدة منها بحجم كف طفل صغير.. ثم أحضرت طبقا آخر ووضعت به بعض الخس والتفاح المقطع ومكعبات البطيخ، ووضعت لنفسها القليل من المكرونة الشريطية بصوص الجبن مع قطع السلمون المدخن والأعشاب الآسيوية..

عادت شادن وملك للمائدة، ليتوجه إيلاف هذه المرة إلى الموائد برفقة مالك، ثم عادا بعض قليل بطبق ضخم ممتلئ بالمقبلات الآسيوية..

انشغل إيلاف بتجربة المشهيات الصينية اللذيذة، فكان يأخذ من كل صنف ويغمسه في الصوص المخصص له ويتناوله ببطء مستلذا بطعمه.. فيما أخذ مالك يقلد توأمه ويتناول من طبقها بعض شطائر السمك النيء الملفوفة.. ويبدو أن كليهما لم يستسيغا طعمه تماما، حيث بدأت ملك بالتقيؤ ووجهها ترتسم عليه أمارات النفور والتقزز، ليتبعها مالك بعدها بثانيتين.. إما تضامنا معها أو لأنها نقلت إليه حالة النفور المرتسمة بوضوح على محياها.. أو ربما ببساطة لأنه توأمها ويشاركها نفس الشعور بنفس اللحظة..

شعرت شادن بالقلق والإنزعاج لكنها أخذت تنظف الطفلين سريعا وتجعلهما يشربان الماء حتى يتخلصا من حالة النفور، ثم طلبت من إيلاف الذي هب لمساعدتها، أن يتحرك نحو مدير المطعم ويطلب منه قدحين من الأعشاب الطبيعية المهدئة للمعدة على أن تكون محلاة بالقليل من العسل الطبيعي..

أحضر نادل قدحيّ الأعشاب، وأخذ التوأم يرتشفان المشروب الدافئ.. كلٌ من فنجانه الصغير الذي يقبض عليه بكفيه الصغيرين.. إلى أن أتما احتسائهما تماما، فأخذتهما شادن للأعلى لكي يبدلا ملابسهما ويعودون جميعا للانضمام لإيلاف في جلسة هادئة أمام منظر طبيعي جميل تحده الجبال التي يشرف عليها الفندق..

في تلك الأثناء، عاد سفيان من تدريبه، وصعد لغرفته للاستحمام وتبديل ملابسه، وحين غادر غرفته، كانت شادن والطفلان يخرجون من غرفتهم.. فركض التوأم إلى ذراعيّ والدهما الذي نزل على ركبتيه وفتحهما لهما، وقال بحماس: "كنت نازلا للبحث عنكما في المطعم.. اشتقتُ إليكما"..

قالت ملك بمسكنة: "لقد تقيأت يا أبي"..

هتف مالك محاولا استدرار حنان والده كتوأمه: "وأنا أيضا يا أبي"..

هتف والدهما بقلق: "ماذا؟"، ثم نهض بانفعال تاركا الطفلين يقفان موازيان لجانبيه، كلٌ منهما يرتكن إلى أحد ساقيه، ثم صاح في شادن بانفعال وضيق: "ما الذي حدث لهما تحديدا؟"

قطعت شادن المسافة الفاصلة بينهما بسرعة وقالت: "لقد تذوقا بعض الطعام الصيني النيء ولم يستسيغا طعمه فأصابهما القيء"..

تبدلت ملامح سفيان الغاضبة أساسا، ليبدو كبالون مطاطي أحمر على وشك الانفجار، ثم قال: "كيف حدث ذلك؟ وكيف سمحتِ لهما بتناوله؟ ما هي وظيفتك هنا؟ هل أنتِ هنا للسياحة والتجول؟"

هتفت شادن بنبرة حازمة دون أن تصرخ: "آية سياحة؟ أنا لم أغادر الفندق إلا لمركز المنافسات الأوليمبي.. كل ما حدث أن ملك أصرت على تذوق تلك الشطائر الملفوفة.. ومالك قلدها.. وأنا.. لم أجد مشكلة في ذلك؟"

صاح سفيان بانفعال: "ومن أنتِ لتقرري لهما؟ هل أنتِ والدتهما؟ أنتِ مجرد جليسة لهما.. لا أكثر.. ووظيفتك هي مراقبتهما والتنبؤ بما قد يسبب لهما الضرر وإبعادهما عنه.. ما الصعب في هذا؟"..

ابتلعت شادن غصة ألم ضربت قلبها كزلزال مفاجئ، لكنها قالت بنبرة عملية جادة: "اسمع يا سيد سفيان.. أنا لست امرأة جاهلة.. دراستي أساسا كانت تخص الأطفال.. وأنا أعلم الكثير عن سيكولوجية الطفل.. وطرق التعامل معه في مثل تلك الأمور.. لم أجد غضاضة في أن أجعلها تجرب شيئا جديدا.. لم أشعر وقتها أن هناك خطرا عليها"..

قال سفيان بغيظ: "هل أنتِ طبيبة أطفال؟ ماذا إذا كان التوأم يعانيان من حساسية؟ أو أصابتهما نزلة معوية مثلا؟ بل ربما قد أصابتهما بالفعل.. يجب أن أعرضهما على طبيب فورا.. لن أنتظر حتى تتفاقم الأعراض".

قالت شادن: "أنت لم تحذرني أن الطفلين لديهما حساسية من أي نوع.. وإيلاف كان معي.. لو كان يعلم عن آية محاذير تخص غذاءهما لكان أخبرني فورا.. وبالتأكيد ليست لديهما نزلة معوية.. الطفلان بالكاد ابتلعا الطعام.. هما فقط قاما بإفراغ ما بجوفيهما فور أن تشمما رائحته وتذوقا طعمه عندما لامس فميهما.. وأنا تصرفت فورا وجعلتهما يشربان أعشاب مهدئة للمعدة
بالإضافة للكثير من الماء.. وأظن أن أمورهما بخير ولا خوف عليهما"..

بجلافته المعهودة، قال سفيان يقاطع استرسالها: "أنا لن أقف هنا الآن معك وأناقش ما حدث وما لم يحدث.. لن أهدأ حتى يخبرني الطبيب بنفسه أنهما بخير.. من الواضح أنكِ غير مؤهلة.. كان يجب من البداية أن اتركك في المطار"، ثم أمسك هاتفه وأرسل رسالة صوتية لإيلاف يطلب منه موافاته فورا أمام بوابة الفندق لكي يتوجها إلى إحدى مستشفيات المدينة..

بقنوط، تحركت شادن صوب غرفتها والخطى ثقيلة والأنفاس مختنقة، ولسانها يهتف بما يفطر قلبها منذ سنوات: "كم مرة ستجرحني بعد يا سفيان؟"..


مرت من الساعات أربع، وشادن مازالت حبيسة غرفتها يزداد توترها كلما تحرك عقرب الساعات مضيفا ساعة أخرى حتى تخطت منتصف الليل..

وفي الوقت الذي قررت فيه أن تتهور وتهاتف إيلاف لتعلم مكان تواجدهما وتتوجه إليهما، فوجئت بطرق خافت على باب غرفتها..
حين فتحت الباب، كان إيلاف شاخصا أمامها وبحضنه مالك وملك اللذان كان كلا منهما يحتضن لعبة صغيرة..

قال إيلاف بحرج: "لقد أحضرتهما ليناما.. رغم أن عيونهما اليقظة تقول أنكِ على الأرجح ستسهرين لبضع ساعات إضافية، فقد ناما بالسيارة طوال رحلة العودة، ولكن ما أن نزلا منها حتى استفاقا بالكامل، لدرجة أنني عرجت بهما على أحد متاجر الهدايا المفتوحة طوال أربع وعشرين ساعة، لكي أحضر لهما لعبتين ليتلهيان بهما إلى أن يزور النوم جفونهما"..

كان إيلاف يثرثر باندفاع محاولا تلافي ما فعله شقيقه الذي حكى له بعضا من تفاصيل ثورته المحتدمة على شادن، فقاطعته باندفاع والقلق يغلّف نبرتها: "ماذا قال الطبيب؟ هل هما بخير؟"

ضحك إيلاف بتوتر، ثم قال: "كان الطبيب متعثرا جدا بلكنته الإنجليزية الغريبة ولم نفهم منه الكثير لكنه أكد لنا أنهما بخير حال ولا يحتاجان حتى لتناول أي دواء.. قال إنه من الجيد أنهما شربا الكثير من الماء.. لا تقلقي.. الأمر بسيط.. إن سفيان فقط.. يقلق عليهما بشدة.. تعلمين وضعه"..

ببلادة ورتابة، ردت شادن بالكلمات المعتادة التي تسمعها كلما أتى أحد على ذكر سفيان: "لقد مر بالكثير مؤخرا"..

تنحنح إيلاف، ثم قال مشددا على كلامه: "ليس لأننا نمرر بعض تصرفاته الفظة، فإننا نعامله بمحاباة.. هو بالفعل يستحق أن نترك بعض هفواته تمر دون أن نحاسبه أو نعاتبه.. أنا متأكد أنه نادم على تصرفه معكِ"..

أومأت شادن رأسها بتأييد، لكن عينيها عكستا عدم اقتناعها تماما بما يسرده إيلاف، فتنحنح من جديد، وأنزل التوأم عن ذراعيه، ثم لوّح لهما مودعا، وغمغم بتحية مقتضبة لشادن ثم غادر لغرفته..

في الصباح، كان سفيان قد استيقظ متأخرا بعض الشيء، فأسرع بالاستحمام وتجهيز حقيبته الرياضية وحين ناظر ذراعه الاصطناعي، علم أن تأخره سيزداد ريثما يتمكن من تثبيته..

تنهد سفيان مخفيا ضيقه.. يعلم أن انفعاله كان مبالغا فيه مساء الأمس ولكنه شعر بذعر على صحة توأمه، وليس لأحد أن يلومه لأنه أراد الاطمئنان عليهما والتأكد أنهما لا يعانيان من التسمم أو ما شابه..

لم يكن نادما تماما على تأخره بالنوم لما بعد منتصف الليل، خاصة وهو يعاني بالأساس من صعوبة في النوم منذ وصل إلى مدينة فيكتوريا بسبب اختلاف التوقيت فيها عنه في مصر ..

وحين استيقظ متأخرا اليوم، لم يكن مندهشا بشدة، وإن كان عليه الإسراع الآن في إتمام مهمته حتى يلحق بتصفيات الإقصاء الأخيرة في منافسات الرماية بسلاح المسدس، لذا أمسك هاتفه وأرسل رسالة صوتية سريعة لإيلاف، لكي يخبره أنه سيستقل السيارة معهم اليوم، وطالبه بإخطار السائق وإرسال أحد العاملين بالفندق لحمل حقيبته الرياضية الضخمة، ثم أنهى تثبيث ذراعه التعويضي مكان ذلك الذي تم بتره قبل أكثر من سنتين، ثم تحرك للخارج تزامنا مع حضور العامل لمساعدته بإنزال الحقيبة للسيارة..

حين استقل سفيان السيارة إلى جوار السائق، وجد إيلاف وشادن يجلسان على الأريكة الخلفية وبينهما مالك وملك اللذان كانا منشغلان باللعب باثنين من الألعاب التي أحضرهما لهما إيلاف الليلة الماضية برغم أن النعاس مازال لم يغادر مآقيهما بالكامل..

همس سفيان بــــ "صباح الخير"، فجاءه الرد من ثلاثة من الأفواه، بينما كانت تلك الممتنعة عن الكلام تناظر الزجاج بعبوس، فتنحنح ببطء، ثم تابع النظر أمامه، إلى أن شرع السائق بالتحرك نحو مقر منافسات الرماية..

خلال التنافس، لم يفلح سفيان في شحذ كل تركيزه بسبب الإجهاد، فأخذ يصوب برعونة ليخسر بعض النقاط، حتى أنه سقط إلى مركز متأخر، جعله يوقن أنه لن يتأهل إلى المباراة النهائية والمنافسة على ميدالية إذا استمر في اللعب بعصبية ورعونة هكذا.. لكنه نجح بعد ذلك في لملمة شتات تركيزه ورفع أرقامه بالكاد إلى أن أحرز مركزا جيدا بمنتصف قائمة المتنافسين ليصبح ضمن اللاعبين المؤهلين للمباراة النهائية..

رفع سفيان كفيه يعانق الهواء بفرحة، رغم أنه كان بداخله يوبخ نفسه على رعونته.. لقد نجح بالكاد.. ولكنه حصل على بطاقة التأهل للنهائي.. وهذا هو الأهم..

وحين تم الإعلان عن صعود سفيان للمباراة النهائية، قفز إليه إيلاف من مقصورة المشجعين الأمامية، وعانقه بفرحة حقيقية، ثم أخبره أن عليهم الاحتفال قليلا بالتنزه قليلا بمجمع الحدائق النباتية والحيوانية القريب من مركز المنافسات، فأومأ سفيان موافقا، خاصة وأنه لن يتدرب مجددا اليوم، فغدا، سينافس على ميدالية في مسابقات التايكوندو، وإن كان قد ضمن البرونزية على الأقل.. بينما في اليوم الذي يليه - والذي سيكون الأخير له في المنافسات -سينافس على ميدالية أخرى في مسابقة الرماية بالمسدس الحر..

توجه سفيان إلى مدربه يطلب منه الإذن بالمغادرة بالسيارة مع عائلته، فعبس الأخير ووبخه قليلا بسبب تأخره في الصباح، لكن سفيان وعده بالالتزام والتركيز في مباراياته المقبلة، مؤكدا أن ما حدث اليوم كان خارجا عن إرادته..

بعد أن استقل الجميع السيارة وتحركت بهم لبضع دقائق، فوجئت شادن أنهم قد مروا من بوابة أخرى، ثم عبرت السيارة بضع مئات من الأمتار قبل أن يقوم السائق بصفها في مرآب مفتوح، ليصفق إيلاف بحماس، وهو يقول: "سنحظى بنزهة قصيرة مع التوأم في مجمع الحدائق النباتية والحيوانية ونلتقط بعض الصور للذكرى"..

قالت شادن بصوت جامدٍ حيادي: "عذرا يا إيلاف.. أنا لستُ هنا للتنزه.. لستُ سوى جليسة للتوأم.. فإذا كنتم لن تحتاجوا إليّ في تلك الجولة العائلية.. أُفضّل أن أعود للفندق لأرتاح قليلا"..

التقط سفيان كلمات شادن بوضوح، فهتف فيها بحنق: "اسمعي يا شادي"، فناظرته الأخيرة بحنق، فسارع يصحح: "أقصد يا سيدة شادن.. طالما أنكِ في عهدتي هنا.. فلن أترككِ تتحركين بمفردكِ.. ستتنزهين معنا ثم نعود جميعا للفندق.. وهذا بالمناسبة جزءٌ من عملك"..

فتحت شادن باب السيارة بانفعال، ثم اندفعت منها كدانة مدفع تم إطلاقه للتو، لتسحب ملك إليها برفق رغم انفعالها حتى تخرجها من السيارة، ثم تلتها بسحب مالك أيضا، قبل أن تحتضن كفيهما بيديها، وتنطلق معهما بخطوات متأنية في صمت..

ناظرها سفيان بغضب، واندفع خطوتين، وهو ينوي اللحاق بها وتوبيخها، لكن إيلاف وقف أمامه وهتف بغيظ: "سفيان.. بالله عليك.. يكفي ما أسمعته لها من كلمات قاسية بالأمس.. لها حق أن تتجنب الحديث معك.. فلا تحاول إثارة ضيقها أكثر من ذلك.. أمامنا ثلاثة أيام بعد هنا.. حاول أن تسيطر على غضبك الذي يشتعل بمستصغر الشرر.. هي بالفعل لم تخطئ وتعاملت مع الأمر بشكل جيد كما أخبرك الطبيب.. فلا تثير حنقها بالمزيد من التوبيخ"..

زفر سفيان بانفعال، لكنه استمع لكلمات شقيقه.. وقرر التنازل هذه المرة..

مع مرور الوقت، كانت شادن قد بدأت تفقد فتورها وضيقها، وأخذت تتصرف بعفوية وتلقائية، فكانت تمرح مع الطفلين وتقفز بينهما وكأنها في مثل عمرهما، تشاركهما فرحتهما وشعورهما بالانبهار كلما شاهدا حيوانا آسيويا نادرا..

أما إيلاف فكان يلاحقهم بالتقاط العديد من الصور تسجل بعفوية لحظات من السعادة والبهجة، حتى أنه نجح في جمع سفيان معهم ببعض اللقطات.. رغم تحفظ شقيقه المعتاد..

حين شعر التوأم بالجوع والإجهاد، كان ذلك إيذانا بإنهاء الجولة، فعادوا جميعا إلى السيارة وتحركوا صوب الفندق..

في المساء، كان التوأم قد استسلما لقيلولة قصيرة بعد رحلتهما الممتعة إلى الحديقة البيئية، فاستغلت شادن الوقت في إجراء مكالمة جماعية بالفيديو مع صديقاتها لكي تطمئنهن عليها، وتتطمئن هي على أحوالهن..

يتبع


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 28-02-22, 11:41 PM   #77

مروة سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية مروة سالم

? العضوٌ??? » 482666
?  التسِجيلٌ » Dec 2020
? مشَارَ?اتْي » 1,756
?  مُ?إني » مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » مروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond reputeمروة سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
?? ??? ~
Why so serious?
:sss4: وانطوت صفحة الهوى - القصاصة الثالثة: القسم السادس والأخير

مر يومان منذ عادت أمواج من السويس بعد زيارة أخرى – فاشلة - إلى منزل خالتها، لتكتشف من جديد أن بحر لا يزال.. كما هو.. معلقا في فجوته الزمنية دون تزحزح..

هذه المرة كانت قد تعبت بالفعل من جموده تجاه الجميع وبالأخص طفليه..
ترى في عينيه في كل زيارة الشوق لها ولطفليه حبيس أجفانه، ولكنه يغطي مشاعره بغلالة داكنة.. ويجهل أنها ترى من بين خيوطها السميكة..

فهي تحس به، برغم كل محاولاته الفاشلة في إثباته أنه لم يعد يشعر بشيء..

الغبي يظن أنه هكذا يسهل عليهم المضي بحياتهم بدونه.. وكأن طفليهما سيكتفيان بوالدتهما بعيدا عنه..

ألا يرى حال زهو؟ وكيف تتعب في رعاية ابنها ساري بمفردها بدون أب يقدم له قدوة فعلية؟

كانت أمواج قد بادلته جفاء بجفاء، فحرصت طوال يومي إقامتها ببيت خالتها على تجنب لقائه من بعد تواقحه معها صباح الجمعة، وهو نفسه كان مصرا على عدم التواجد في المنزل أغلب الوقت..

لكنه على الأقل، قد صاحب الصغيرة كيان في جولة قصيرة بالبحر على متن قاربٍ صغير.. والصغيرة لم تكف عن سرد تفاصيل هذه النزهة مرارا وتكرارا على مسامع والدتها طوال رحلة العودة للقاهرة..

وحين عادت للعاصمة، كانت زهو قد سبقتها بالعودة بعد أن أمضت مع طفلها يوما كاملا ببيت عائلة والده الراحل، وبدا على زهو – كالمعتاد - ضيقها الشديد بتلك الزيارة، لكنها لم تكن لتحرم ابنها من جديّه بعد فراقه لوالده..

حين انضمت إليهما ذكرى، عارضة مرافقتهما إلى الروضة لأنها في عطلة، ولا تريد تمضية اليوم بأكمله في المنزل، أبدت الفتاتان موافقتهما بحبور..

وبالفعل رافقتهما ذكرى ليومين متتالين إلى الحضانة التي كانت تمضي بها بضع ساعات خاصة في القسم المخصص للأطفال الأقل من عامين، حيث كانت تغني لهم وتقرأ لهم بعض الحكايات بصوتها خلال فترة القيلولة بالرغم من تيقنها أنهم لا يفهمون حكاياتها، بل لا يستمعون إليها من الأساس..

وصباح اليوم، فوجئت أمواج بزهو تهرع إليها من شقتها في الطابق الأخير، وهي تحمل بين كفيها اثنين من البرطمانات الزجاجية، وهتفت ببهجة: "لقد صنعت عجينة الصلصال لساري كي يشكّل بها بعض التماثيل، وصنعت قطعة إضافية من أجل كيان وأخرى لـ فهد ابن نرمين، سأنزل لها لأمنحه لها، ثم أنتظرك في السيارة كي نذهب للحضانة.. هاتفي ذكرى لتلحق بنا"..

نزلت زهو درجات السلم مسرعة، فوصلت إلى الطابق الأرضي وهي تلهث بفعل تسارع دقات قلبها، لكنها ضغطت على الجرس بحماس، وحين فتحت لها نرمين الباب، منحتها البرطمان وهتفت بود: "هاكِ.. لقد صنعة عجينة الصلصال من أجل الأطفال وخصصت قطعة لفهد"..

تناولت نرمين منها البرطمان بانفعال غير مفهوم، لكنها ابتسمت بسماجة وشكرتها، ثم قالت بنبرة أقرب إلى الشماتة: "مالكِ تنهتين وتتعرقين هكذا من بضع عشرات من السلالم؟؟ اسمعي يا زهو.. أنا صديقتك وأريد أن أنصحك.. إذا لم تكن الحمية التي تتبعينها فعالة.. يمكنك أن تستعيني بجرّاح شفط لكي تتخلصي من تلك الترهلات والشحوم التي تجثم على أنفاسك.. فتعودي رشيقة وتتمكني حينها من العثور على زوج جديد"..

فغرت زهو فمها غير مصدقة لوقاحة ما تفوهت به نرمين أمامها، لكنها آثرت عدم الرد وافتعال مشكلة تكبر لتتحول لمشاجرة، خاصة بعد أن خرج فهد على صوت حديثهما، فغمغمت زهو بأن عليها الذهاب لتشغيل السيارة، وهمت بالانصراف..

كادت نرمين أن تغلق الباب، لكنها استمعت لصوت خطوات ذكرى وأمواج، فأخبرت ابنها أن يحضر حقيبته فورا ليذهب معهما للروضة، فأخبرها فهد ببؤس: "لم أتناول فطوري بعد يا أمي"..

قالت أمه بغيظ: "لا بأس.. أحضر كيسا من رقائق البطاطس من صندوق المقرمشات على طاولة المطبخ وعد فورا مع حقيبتك"..

في تلك الأثناء، كانت أمواج وذكرى قد وصلتا إلى الطابق الأرضي، فألقيتا تحية الصباح باقتضاب، فقالت نرمين بمرح مصطنع: "مرحبا يا صديقتايّ.. انتظرا ثانية سيأتي فهد.. أرجو أن تصطحباه معكما إلى الحضانة.. فيومي طويل جدا وأمامي الكثير من الأشياء التي عليّ فعلها"..

رفعت أمواج حاجبها، ثم سألتها: "ولمَ علينا توصيل ابنك للحضانة؟ تلك مسؤولية لا أحب تحملها"..

زفرت نرمين بضيق، ثم عاودت الابتسامة بطريقة آلية مصطنعة وقالت: "اليوم فقط تسديان لي خدمة.. كانت شادن تقله معها يوميا. ولكنني لم أرد أن أثقل عليكما.. اليوم فقط ولن أكررها ثانية"..

في تلك اللحظات، كان فهد قد خرج ممسكا بحقيبته بيد، وبكيس الرقائق باليد الثانية، فسألته أمواج بغيظ: "ما هذا؟"
قال الطفل بوداعة: "فطوري"..

شهقت ذكرى بارتياع وحركت شفتيها بتقزز، ثم ناظرت نرمين بضيق، وقالت: "تجعلينه يفطر رقائق مشبعة بالملح والمواد الحافظة ومليئة بالكربوهيدرات ومقلية بالزيوت المهدرجة بعد؟"

همست نرمين لنفسها بغيظ: (ستبدأ أبلة نظيرة حصة النصائح)، لكن ذكرى فاجأتها بأن سحبت الكيس من يد الطفل ووضعته بين كفيّ أمه التي تلقفته بذهول، ثم هتفت: "تعال يا فهد.. سأحضر لك شيئا صحيا في طريقنا للروضة.. هل تحب أن تفطر موز وتوت ومثلثات جبن؟"

أومأ الطفل برأسه، فأمسكت ذكرى بيده وقالت لأمواج: "لنسبقك للسيارة"..

عادت نرمين لتهمس في نفسها: (ليس وكأنها خبيرة بالأمومة)، لكنها قررت أن تنتقم منها في التو واللحظة، إذ التفتت إلى أمواج وهمست بنبرة محذرة متصنعة نصحها: "لا يجب أن تفتحي بيتك لذكرى هكذا يا أمواج.. تتركينها تطعم قططك وتعبث بين أغراضك الشخصية.. أرجو أن تأخذي حذرك منها.. تلك المرأة تضع عينها على حبيبك.. حتى أنها كانت تسألني عنه منذ بضعة أيام وتستعلم عن سبب عزوفه عن زيارتك مؤخرا.. صحيح لماذا توقف بحر عن زياراته لكِ؟"

زفرت أمواج، ثم رفعت سبابتها في وجه نرمين وقالت: "بحر مشغول بعمله الجديد في السويس فلا يجد وقتا كافيا للحضور للقاهرة لزيارة الطفلين، لذا سافرت له أنا مطلع هذا الأسبوع.. ولا تقلقي عليه من ذكرى أو غيرها.. ليس لديه وقت حتى ليحلق لحيته المشعثة"

زفرت نرمين بضيق، لكنها تابعت في محاولة أخيرة للإيقاع بين الصديقتين: "أنصحك فقط لأن هناك صنفا من النساء لا يجدن الجلوس مستكينات دون أن يشغلن أنفسهم بمطاردة رجل ومحاولة صيده"..

هتفت أمواج بنبرة باترة: "بحر ليس صيدا.. بل قناصا، كما أن ذكرى لا تنظر لرجل في يد امرأة أخرى.. "..

ضحكت نرمين بشماتة، ثم قالت ساخرة: "وبحر لم يعد في يدك.."، وحين زجرتها أمواج بنظرات مشتعلة، هتفت مصححة: "أقصد أن الطلاق قد تم بالفعل ومرت عليه سنتان وبالتالي يحق لذكرى أو غيرها أن تنظر إليه كرجل حر.. وصيد ثمين"..


حين وصلت النساء إلى الحضانة، أخذت كل واحدة منهن تهتم ببعض الأمور، فذكرى ركزت في متابعة الأطفال في حديقة الألعاب الصغيرة خاصة مع إضافة اثنتين من ألعاب التزحلق بعد إزالة حوض السباحة القابل للفك..

أما أمواج، فقد ركزت في مقابلة بعض أولياء الأمور الذين ملؤوا طلبات لانضمام أطفالهم للحضانة تزامنا مع بداية شهر سبتمبر المقبل..

وبالنسبة لزهو، فكانت قد أعدت مسبقا بعض الأفكار الخاصة بالصناعات الفنية اليدوية البسيطة للأطفال، وذهبت إلى مخزن الحضانة لإحضار الأغراض التي ستحتاجها، ثم استغلت مواعيد الحصص الفنية في ثلاثة فصول لكي تقوم بتطبيق بعض تلك المشروعات الصغيرة، مما أضفى جوا من البهجة بين الأطفال..

ومع اقتراب الظهيرة، كانت هواتفهن ترن في نفس التوقيت معلنة استقبال مكالمة بالفيديو من صديقتهن الحبيبة التي فوجئت أن جميعهن يتواجدن حاليا بروضتها بسبب فارق التوقيت، ودهشت شادن كثيرا لمرأى ذكرى التي اعترفت لها أنها قد داومت في الحضانة منذ بداية الأسبوع لأنها قد حصلت على عطلة بالفعل من المستشفى.. ولأنها لن تستطيع الاستمتاع بمفردها، فآثرت مرافقتهن إلى الحضانة لتمضية الوقت..

قالت زهو بفخر: "لقد انتصف الأسبوع بالفعل يا Shades ومرت ثلاثة من أيامه بسلاسة ودون مشكلات، لكي تعلمي أن وراءك رجال.. أقصد فتيات جميلات يجدن تحمل المسؤولية"..

كانت سلمى بالفعل ترسل إلى شادن تقارير صوتية كل يوم تطمئنها من خلالها على سير العمل في روضتها، وتؤكد لها أن كل شيء يتم بسلاسة بتعاون صديقاتها، لكنها لم تكن تعلم أن ذكرى أيضا انضمت لفريق المتطوعات..

هتفت شادن بنبرات مفعمة بالحب والامتنان: "لا حرمني الله منكن يا جميلاتي"..

ردت أمواج بنبرة عملية فاترة مبعثها تبعثر مزاجها الرائق جراء كلمات نرمين البغيضة: "لقد تلقينا طلبات جديدة من عدة أولياء أمور لكي يداوم أطفالهم في الروضة مع بداية سبتمبر.. فأخبرت سلمى أن تجهز لكِ ملفا ببياناتهم حتى تطلعي عليه فور عودتك من السفر وتقرري بنفسك السعة المقررة للفصول خاصة مع التعديلات والتوسعات التي ستتمينها فور عودتك"..

ردت شادن بسعادة: "لا بأس.. لا أستطيع أن أعبر عن شكري وامتناني.. لكنني حين أعود سأدعوكن جميعا ليوم كامل في مركز التجميل.. لنتدلل قليلا"..

قالت أمواج بفرحة طفولية تخلصت بها من آثار مزاجها المتقلب: "ما رأيكن أن نذهب للمركز الرياضي بأحد أيام العطلات وأن نعاود ممارسة الرقص النقري قليلا؟.. لقد اشتقت لجمعتنا.. لقد تحسنت ذكرى كثيرا بعد عدة تدريبات وأريد أن نجرب
جميعا رقصة معا.. رغم أنكما يا Shades وزهو قد توقفتما عن التدريب منذ عامين"..

زفرت زهو بحنق وكلمات نرمين مازالت تدور بأذنيها، وقالت: "كيف يا Mu-Ji تريدنني أن أرقص بقوامي الممتلئ هذا؟"

زفرت أمواج وردت: "قوامك ممتلئ لكنك تتمتعين بليونة ولياقة معقولة.. خاصة مع ممارستك لليوجا وعدم انقطاعك عنها"..
جادلتها زهو قائلة: "واظبت على ممارسة اليوجا لأنها كانت تساعدني على التخلص من الضغط العصبي والتوتر.. لكنني لم أرقص ولم أمارس حتى الإيروبكس منذ عامين"..

قالت شادن تحثها على العودة لحياتها الطبيعية السابقة: "عليكِ أن تبدئي في وقتٍ ما يا زهو لكي تستعيدي رونقك القديم.. ولا أجد سببا يمنع الآن.. لنعاود سويا التدريب على الرقص النقري.. والله كان وقتا ممتعا وكنت أشعر خلال تلك التدريبات بخفة وأنوثة"..

هتفت أمواج وذكرى تؤيدان كلام شادن بتناغم عفوي لتنتشر ذبذبات الفرح بين الصديقات الأربعة..


صباح اليوم التالي، وصل سفيان إلى مقر منافسات نهائيات بطولة التايكوندو البارالمبي..

كان ذهنه اليوم متقدا وقد عزل نفسه عن كل شيء آخر سوى نقاط ضعف منافسيه وخطته للإيقاع بهما..

كان أمامه مبارتان فقط لكي يعانق الذهب من جديد، ويتم إعلانه بطلا عالميا من ذهب..

وقد وقف أمام منافسه في منتصف البساط استعدادا لصافرة الحكم معلنا بدء اللعب..


نهاية القصاصة الثالثة – قراءة سعيدة


مروة سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 01-03-22, 04:56 AM   #78

وفاء الفيصل

? العضوٌ??? » 443379
?  التسِجيلٌ » Apr 2019
? مشَارَ?اتْي » 137
?  نُقآطِيْ » وفاء الفيصل is on a distinguished road
افتراضي

للتو بدأت الرواية وصراحه يا مروة اهنييك على الابداع ما شاء الله تبارك الرحمن
فكرة الرواية مبتكرة وجديدة السرد والاسلوب رااااائع
وللامانة تعاطفت مع بحر بالرغم من اسلوبه الخاطئ في التعامل مع مشكلته لكنه ينرحم لان محد يدري وش شاف لما انخطف
اما ادم زين ان ذكرى تطلقت لانه مجرد طفل اناني
شادن وسفيان احس بينهم قصة اندثرت بفعل الزمن

الفصل الاخير مشووق جدا وننتظرك بكل حب يامروة


وفاء الفيصل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-03-22, 09:39 AM   #79

Ektimal yasine

? العضوٌ??? » 449669
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,963
?  نُقآطِيْ » Ektimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond repute
افتراضي

صباحوووواخيرا قدرت فتت عالمنتدى اليوم امبارح لما دخلت ما كان نزل الفصل واليوم عمل المنتدى Errorوالحمد لله مشي الحال هلأ عالقراءة وراجعة باذن الله بتعليقي تسلم ايدك يارب

Ektimal yasine غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 01-03-22, 04:11 PM   #80

Ektimal yasine

? العضوٌ??? » 449669
?  التسِجيلٌ » Jul 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,963
?  نُقآطِيْ » Ektimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond reputeEktimal yasine has a reputation beyond repute
افتراضي

مسا الورد
فصل روووعة ولسى بتاسرني عباراتك التبيهية وتوصيفك.لكل علاقة
زهو شو سرجفاء حماتها الها رغم علاقتها الجيدة بوالد نبيل وشادن
ادم طفل مدلل فعلا هل راح يبقى اسير تسلط والدتو وهل السبب الفوارق الطبقية والعلمية متل مو مبين ياللي لعبت عليها والدتو شو سبب الندبة بوجهو ورغم.عرةرو وتصرفو كطغل لهلأ ما كرهتو لكن استفزني فعلا
امواج وكلامها لبحر عن زوج محتمل عا امل يخلي بىكانو يتحرك للاسف بحر لسى عايش شهور الخطف وماراح يوعى الا لما امواج توافق على زوج اما متل ما قالت لأنو خرج من فبها او عنادا فيه
شادن وسغيان واضح تعلق شادن بسفيان من الطغولة رغم عدم شهورو بهالشي سغيان كل احغتقو واضطرابو عم يطلعو فيها لانو وجودها ذكرو بالماضي وبذنب هوي بعيد عنو كليا
حبيت قوة شخصيتها
ايلاف سكرة ووعسل والله
نيرمين بكل مكان في الجارة الاناتية والمتطلبة والمستفزة
لهلأ الفصول ماشية بسلاسة وجمالية رغم اني حاسة اعواصف قادمة ابدعت تسلم ايدك يارب


Ektimal yasine غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:21 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.