آخر 10 مشاركات
1053ـ دليل الاتهام ـ جيسيكا ستيل. ع د ن (الكاتـب : عيون المها - )           »          واثق الخطى ملكاً فى قلبي *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : حياتى هى خواتى - )           »          السرقة العجيبة - ارسين لوبين (الكاتـب : فرح - )           »          متوجةلأجل ميراث دراكون(155)للكاتبة:Tara Pammi(ج1من سلسلةآل دراكون الملكيين)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          صفقة طفل دراكون(156)للكاتبة:Tara Pammi(ج2من سلسلة آل دراكون الملكيين)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          84-امرأة لورد الشمس - فيوليت وينسبير - ع.ج ( إعادة تنزيل)** (الكاتـب : * فوفو * - )           »          نوح القلوب *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : hadeer mansour - )           »          لُقياك ليّ المأوى * مميزة ومكتملة * (الكاتـب : AyahAhmed - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree1264Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-08-23, 08:27 PM   #471

رويف أنوار
 
الصورة الرمزية رويف أنوار

? العضوٌ??? » 432939
?  التسِجيلٌ » Oct 2018
? مشَارَ?اتْي » 181
?  نُقآطِيْ » رويف أنوار is on a distinguished road
افتراضي


لا إله إلا الله محمد رسول الله

رويف أنوار غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-23, 02:10 AM   #472

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

الجزء الثاني من الفصل الخامس والثلاثون
༺༻

أني مبتور في ذاتي ما بين ذهان يطمسني
ووساوس تشغل أفكاري وتنثر في الصمت رفاتي
وتحيل سلامي إلى فوضى من وهم وانفصامات…
أنا المتصدع لا أنكر من لا تكفيه الكلمات ……
يا أخر عهدي بإسقاط الألم على الذكرى مادام
البوح سيحينا فدعيني أصوغ على مهل قهري المختبئ بأناتي
إلى أحاسيس تتلفني وتزيد جموح انتكساتي
دعيني أحبك بجنون يثير هياج اضطرباتي
دعيني أحاول يا عمري أن أجمع في العشق شتاتي
يا نفسي الهارب من هلعي الوهن أصاب دفاعاتي
صدماتي لا تفتأ تبدأ وتعيد مرار انهزاماتي
و أنا مازلت وحيدًا في مهب عداء شيد ليكبل خطواتي
يا أجمل معركة تملك يا خرفي وغضبي وتسرع قرراتي
يا أرق كحل لي عين تبرق بمخاوف وإنكسارات
يا روح باتت تأسرني وتعادي في أزمة ثقتي واضطرباتي
وهذياني المنقوش على كبدي وفوق دفاتر كتاباتي
هستريا وإدمان شوهني وبدد في الصدق قناعاتي ….. إحساس تصدع إلى أشلاء في غمار صراعاتي
إني أموت من ندمي…أموت من ألمي …أموت من وعكاتي
كأني طوفان هائل ضربت الأحبة من بين اندفاع طياتي
وخسرت دون تردد كل ما أريد ووضعت مبكرًا كافة النهايات
فلا تتركيني مجددًا لوحدتي التي على حدودها تقهر الحكايات
خذيني إليكِ ولو قسرا وكبليني إن استطعتِ ولا تحاولي إفلاتي …..
༺༻

سنظل نرى أنفسنا لا نختلف في شيء عن سائر البشر حتى نقع في الحب ونسلم له، حينها فقط ستصبح جميع الفروق الضئيلة جلية، سيكون للإختلاف معنى يتعدى معناه الذي هو عليه، كما لو أن شمس المشاعر التي أشرقت بأحداقنا جاءت
بنورها لتضيء ظلام وعينا المحدود بدواخلنا لنعترف بعد عمر طويل نكاد لا نصدق أنه مر بنا أننا دون إرادة منا كنا نبحث عن الحب في كل شيء حولنا، كنا نسعى لإيجاده دون توقف كنا متعطشين إليه نكتم ظمئنا الشديد بشق الأنفس ونمضي في غمار الحياة على أمل أن تضربنا سيول العشق الجارفة على حين غرة وتروي فينا كل ما يبثه الانتظار الشاق، وكل ما أنهكته التجارب المؤلمة، كما لو أن الحب سيأتي باجتياحه الأبي ليمر بكل وريد وشريان حاملًا معه من الحياة ما لم نتوقع مطلقًا أن نمتليء به، سعادة ….وانفعالات مفرطة الجنون …ومنطق وواقعية لا يمسان للمنطق والواقع بصلة، وفوضى في منتهى اللذة، انجراف غير محمود العواقب لكنه آمن كما لو أنه رحم جديد يستقبلنا بعدما لفظتنا أرحام أمهاتنا والتي كانت آخر عهدنا بالحنان والاحتواء، حين نحب سنفقد هويتنا لا محالة لأن للعشق هوية ستكشف عن نفسها في أحداقنا مهما حاولنا التكتم على الأمر،
وها هو سلطان العطار يجلس بكامل قوته وهيبته وبأسه ما بين الرجال محاولًا أن يواري انتفاضة جسده الذي كأنه يعيش
تبعات صدمة عقله الذي مازال لا يستوعب هول تلك اللحظة التي هو على مشارفها، كان غارقًا في لجة من الاحاسيس التي تتدافع في صدره كأنما كلا منها على عجل لينال منه أولًا بينما يسمع الشيخ الرفاعي يقول بصوته الوقور
" إن في الزواج تيسير في الأمور وتوفيق من الله للعبد في كافة نواحي حياته، والزوجة الصالحة رزق وسكن وصلاح بالدنيا ونعيم بالآخرة، وقال الله تعالى " وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً" ويقول رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام" اذا تزوّج العبد فقد استكمل نصف دينه، فليتّق الله في النصف الآخر " لذلك نحن هنا اليوم جمعتنا محبتنا لهذا الشاب الذي يعد ابن بار وأخ داعم وصديق وَفِي
وجار محافظ لكل منا لنشاركه تلك اللحظة السعيدة التي سيعقد فيها قرانه على ابنة الشيخ إسماعيل العطار، ابنة الأصول التي سيتقي الله فيها ويكن لها ونعم الزوج بإذن الله "
ثم نظر للمأذون وقال
" دعنا لا نؤجل الخير أكثر يا شيخ، لنبدأ بعقد القران "
قال المأذون
" توكلنا على الله…أين وكيل العروس
والشهود "
نظر سلطان لطاهر الذي كان يقف بجوار بشر وعلِيّ بتوتر يترقبون وصول مؤيد الذي حاولوا بكل الطرق الوصول إليه ودفعه للحضور ليقول الشيخ رفاعي وهو ينظر لأيوب
" أين مؤيد لا أراه "
تحرك أيوب إتجاه طاهر يسأله بتوتر فغياب مؤيد بات ملحوظًا
" أين مؤيد، لما لم يصل حتى الآن، جدي لن يطلب يد ملاك علانية إلا في حضور ثلاثتكم، ألم تخبره بذلك "
قال له طاهر
" بشر أخبره بذلك وأكثر لكنه اليوم لم يكن بحالة جيدة، وأخشى ألا يستطيع الحضور "
قال بشر
" لقد أكد لي أنه سيأتي، لننتظر قليلا فقط "
تجهمت ملامح علِيّ والتزم الصمت بينما يلمح بطرف عينيه كنزي التي تقف بالنافذة المطلة على هذا التجمع وهي تبكي دون توقف قلقلا من غياب أخيها وقهرًا عليه، اقترب منهم شاهين يقول بقلق
" هل يعرف أحدكم لمَ هاتفه مغلق، هل أكد عليكم أنه سيأتي "
تنهد بشر بإرهاق وقال
" هذا ما قاله بالفعل "
بدأ المأذون بتسجيل البيانات والموقف يزداد توتر جعل ليل الذي اقترب منهم يقول
" إذا تأخر مؤيد أكثر فليشهد أحد منا على العقد لكي لا نفسد ليلة الرجل وبعدها يضع الله للأمر حلا من عنده "
لاح الرفض على وجوههم رغم أنه بات الحل الوحيد لديهم ليخرج طاهر بطاقته الشخصية ويقول
" معك حق دعنا لا نكسر فرحة سلطان، إنقاذ الموقف حاليًا أفضل من لا شيء " همّ طاهر بالتحرك ليشعر بكف تحط على كتفه لتمنعه من الحركة وصوت أيوب يقول وهو يتنفس الصعداء
" لقد وصل "
التفت عيونهم جميعا نحوه يتأملون خطاه الثابتة التي تقترب بتؤده، بعكس ملامحه المرهقة التي اشتدت بها خطوط العمر الدقيقة حول عينيه فزادت من اهتزاز نظراته عجز، وجهه كما لو أن ثواني زمنه تمر عليه كسنوات، اندفع عمر تجاه أخيه يسأله بريبة
" مؤيد ما الذي يحدث معك، لمَ أنت مختفي وهاتفك مغلق ولا أحد يعرف عنك شيء حتى أنا "
ضم مؤيد أخيه بقوة وقال بإقتضاب موجع
" أنا بخير "
دخول مؤيد جعل وصله ممتدة من الترحيب به تبدأ ما بين ذلك العدد المهول من الرجال ليعود عليّ ويرفع عينيه نحو كنزي التي كانت مازالت تبكي ولكن هذه المرة كانت متأثرة برؤيته سعيدة بحضوره، تحرك مؤيد حتى وصل للشيخ رفاعي وقال
" عذرا منك ومن الرجال على التأخير "
قال له الشيخ رفاعي
" عذرك معك يا بني، لم تكن فرحة سلطان وفرحة أيوب لتتم دون حضورك "
قال له مؤيد
" وصلني خبر بما يريده أيوب يا شيخ "
قال الشيخ رفاعي بإبتسامة لا يخص بها أحد كأيوب
" لقد كنت سأنتظر لبعد عقد القرأن لكن بما أنك من تحدث بالأمر، أنا أريد أمام هؤلاء الرجال وبحضورهم وبتلك اللحظة السعيدة أن أطلب منك ومن سلطان ومن طاهر يد ملاك التي يعرف الجميع أنكم بمثابة إخوتها الذين تولوا رعايتها وإكرامها من بعد وفاة والدها، أنتم الآن رجالها ولذلك أطلب يدها منكم لحفيدي أيوب وقد حضر رجال وشباب الرفاعية جميعًا ليشاركوا سلطان فرحته وليشدوا أزر أخيهم في مطلبه، ولكم ولها ما تشاءون، كريمتكم شرف للرفاعية بأكملهم " …..
༺༻


كيف طننت أني قادر على مقاومتك، وأنا الذي ترنح حين لمحك كما النعيم تقترب.

༺༻

كانت ملاك تقف بالنافذة لتشاهد ما يحدث بعيون كما عهدتها يترقرق بها الدمع ولكن شتان ما بين دموع الرهبة والرفض ودموع الرغبة والرضا، شتان ما بين انتفاضة الهلع التي اعتادها جسدها وانتفاضة السعادة والتأثر التي جعلت تولين تضمها وهي تقول
" مبارك عليك صاحب العيون الساحرة، أنا واثقة أن الأمر حظ لا أكثر فمحال أن تكوني قد أوقعته بمجهودك الشخصي "
اتسعت ابتسامة ملاك وهي تسمع زغاريد سارة تعلو ويعلو معها صخب النساء اللاتي يباركن لوالدتها، فتتمسك أصابعها بحافة النافذة وهي تنظر لأيوب الذي رفع عينيه لعينيها لتصيبها ومضات نظراته بانتفاضة عنيفة تهدجت لها كافة أبواب قلبها المؤصدة وفتحت على مصراعيها تستقبل وقع حضوره داخلها والذي بات معلنا في ذاتها التي تسلل إليها بنعومة تشبه نعومة ذلك اللون الأزرق الذي يبرق في أحداقه التي كانت في تلك اللحظة تشعرها سماء عالمها الجديد، اشتعل وجهها خجلا من ابتسامته التي اتسعت حين لمح دموعها فأسرعت تبتعد عن النافذة وهي تكاد تذوب وتذوي في نيران خجلها البالغ، أما هو فانتشى بالسعادة والرضا وهو يقف ليتلقي المباركات من كل من حوله كما لو أن الجميع يدرك أنه قد حظى بتلك التي يشعرها تلائمه في كل شيء حتى طفولتها التي تتمسك بها بإستماته كأنها لم تكتف من الدلال والحنان بعد لتتخلى عنها، قال الشيخ رفاعي
" لنقرأ الفاتحة إذا على أن كريمتكم لابننا بإذن الله"
قال مؤيد
" وأين سنجد أفضل من أيوب لنرتضيه لها يا شيخ، لنقرأ الفاتحة "
عمّ الصمت إلا من حسيس الأنفاس وعيون أيوب تكاد لا تتزحزح قيد أنملة عن النافذة التي كانت تقف بها، يتمنى لو أن بإمكانه رؤية وجهها بتلك اللحظة، ومعايشة انفعالاتها التي تشعره أنه بداخل أكبر لعبة أفعوانية رأها يومًا، ترفعه لقمة تسارع النبض ثم تسلبه قلبه بأكمله في لحظة السقوط التالية، تعالى صوت الزغاريد مجددا ليقول المأذون
" دعونا نعقد قراننا الميمون لتكتمل الفرحة "
أخرج مؤيد بطاقته الشخصية ووضعها أمام المأذون
الذي قال
" عذرا منكم ولكن عليّ أن أسمع من أخي العروس والاولى بولايتها موافقة على أن يكون خالها وليها بإذن الله "
وقف رضا يقول بغرور بالغ كما لو أنه صاحب الأمر والنهي
" أنا موافق يا شيخ ولكني لم أشأ أن أكسر بخاطر الحاج خلف فهو من رباها ويعدها كابنته ويظن أنه الأحق بولايتها "
امتقع وجه الحاج خلف فربت سلطان على ظهره بإحترام وقال بقوة
" الحاج خلف في مقام والدها بالفعل "
أخذ رضا نفس قوي وسارع يغير مسار الحديث وهو يقول بخيلاء
" هذه هدايا العروس من أخوتها "
أخرج رضا أطقم الذهب وفتحها ليتفاجأ قبل الحاضرين من فخامتهم ليمتليء بالحقد ولكنه يسره في نفسه وهو يقول
" لتصعد لأختك يا عيسى أنت وهلال بهم، وأخبرها أن كرم غائب بعذره لكنه حين يعود سيقدم لها هديته بنفسه " ارتفع صوت الرجال بالثناء على كرم رضا الذي كان يرفع ذقنه بصلف وزهو ليصمت الجميع متفاجئين بدخول أسطول من السيارات الفارهة للحارة.

༺༻

سلامًا عليك وعلى ثغرك الذي في سر أحرفه المشاعر تبحر من أقصى قوتها ..وصلابتها …وصرامتها …إلى أقصى
الحنو …واللين …. والرخاوة.
༺༻

كان شاهين يقف بأقصى المكان عيناه تتحرك بين ما يدور بين الرجال وبين مدخل الحارة الذي سكنت به الحركة سكون أرهب أنفاسه من أن يكون خذلان والده له وشيكا، كان ممزقا ما بين حياة يريدها بإستماتة وحياة يريدها له والده الذي مازال لا يرى أن شاهين لم يعد هو صقره العنيف الجارح، لم يعد ذلك الذي لديه القدرة على أن يبطش ولا يبالي، بل بات آخر أعلن مع الحياة هدنة من النزاعات
وأعلن مع العشق احتكار أبدي ليس له منه مفر، فكيف له أن يفر من تلك التي تملك عليه نبضه وتستأثر في مدارها أنفاسه ، تلك التي تشد أوتار قلبه على أخرها فلا ترخها ولو للحظة ، اكفهرت ملامح شاهين بإنكسار فعدم حضور رجال عائلته سيعقد موقفه مع سلطان مجددا، الدقائق التي كانت تمر كأسهم ترشق في جسده، شعر شاهين بدوار عنيف من شدة ما يكتم انفعالاته وبدأت أفكار مليئة بالغضب تراوده ليتبدد كل ذلك في لمح البصر حين رأي أغلى سيارات والده تقف على مدخل الحارة وقد أعاقها الزحام من التقدم ومن خلفها سيارات أعمامه وأبناء أعمامه، رؤيتهم جعلته ينتفض من ثباته العاجز ويتقدم ليقف بجوار علِيّ الذي قال له
" شعرتك كدت تفقد الامل ووعيك معا "
زغره شاهين وقال
" وماذا فعلت وقفت تراقبني دون أن تحاول فعل شيء " قال له علِيّ
" هذا ما تظنه أنت لكن في الحقيقة أنا كنت واثق من قدومهم والدي كان يخبرني بما يدور هناك من خلال الرسائل لكن وجهك وهو مخطوف الدماء كان يجعل حقدي عليك يخفت قليلا، ها هي مشكلتك ستحل أما أنا فابن عمك لم ينته من عذابي بعد "
قال شاهين له وهو ينغزه بذراعه بعنف متوارى
" عساه لا ينتهي منك سوى العام المقبل "
همّ علِيّ بالرد عليه ولكن اقتراب عمه منصور جعله يقف بجمود ويصد بعينيه عنه وهو يسمعه يقول لشاهين
" لقد جئت والعائلة بأكملها لتفهم أنك أهم لدي من أي شيء، وأن الخلافات من الوارد أن تحدث ما بين أفراد العائلة لكن الشقاق هو ما ليس واردا أبدا، ولتدرك أن سعادتك تسعدنا حتى وإن كانت عكس ما أردناه لك " قال له شاهين بخفوت
" أبي، سارة لن تقبل أن تشعر أن أهلي الذين سنعيش معهم بمكان واحد يتقبلونها على مضض، هذا يعد من وجهة نظرها حط من شأنها وأنا محال أن أقبل بذلك، لذلك لا خيار لي أمام الجميع إلا تقبلها وإلا عدم تقبلنا أنا وهي معًا "
تجهمت ملامح منصور ونظر لابنه بغضب شديد لجمه وهو يقول
" مادام الأمر ليس خيارا فأنا لن أتخلى عن ابني وذراعي الأيمن تحت أي ظروف " زفر شاهين أنفاسه براحة ورضا ليتقدم منصور ويحط بكفه على كتف علِيّ ويقول
" هذا الكلام ليس لشاهين وحده "
لم تلن ملامح علِيّ فقال له منصور
" علينا أن نتحدث لكن لأنهي ما جئت لأجله أولا " تقدم منصور ومن خلفه عاطف وشاكر وباقي شباب العائلة ليقف منصور بمنتصف المكان قائلا
" أدام الله أفراحكم، لقد جئنا مهنئين، وكلنا أمل في استغلال هذا الجمع السعيد، واستغلال وجود رجال لا يشق لهم غبار
في أن نعتذر في حضرتهم على ما بدر منا في حق سلطان العطار وحق أخته والتي هي في مقام ومعزة ابنتي، ونقول أن ما حدث يوم الخطبة لم يكن مقصود ولكن شاء الله أن تتصاعد الأمور في هذا اليوم وتختطف ابنة أخي ففز شاهين لنجدتها دون تفكير تاركا كل شيء خلفه، حركته النخوة والشهامة والرجولة ولكن يبقى ما فعله ظلما بحق عروستنا ابنة الأصول نريد أن نعتذر عنه، ونجدد طلبنا ليدها على الملأ وكلنا طمع في أن جلسة هذه الرجال سيكون فيها الخير لنا بإذن الله "
قال المأذون بابتهاج
" ما شاء الله كم عريس وكم عروس سنفرح بهم اليوم " قال الشيخ رفاعي
" أكثر الله من جمع المتحابين "
ثم صمت ونظر لسلطان الذي يجلس بهدوء ولم يبد أي ردة فعل على حديث منصور كأنه يزيد من عزة أخته وقال
" الاعتذار من شيم الرجال، وسلطان رجل يقدر ما يأتي من الرجال، ويقدر قدوم الرجال وجلوس الرجال وبإذن الله يصلح الله بينكم الأحوال "
نظر رضا لما يدور بعيون تشتعل بالغل ليقف سلطان وينظر لشاهين الذي انقطعت أنفاسه بتوتر حتى سمعه يقول
" عفي الله عما سلف يا سيد منصور، وشاهين أخ حتى وإن أخطأ، أخ أريده لنفسي عونًا ولأختي سندا بإذن الله" اتسعت ابتسامة شاهين
وتحرك نحو سلطان يضمه لأول مرة بأخوة ومحبة شديدة جعلت سارة التي لم تتوقف عن إطلاق الزغاريد من الصباح تزغرد ولكن هذه المرة خرجت منها مهزوزة متأثرة جدا لدرجة أن دموعها الأبية طفرت فتمسحها بأطراف أصابعها وتأخذ نفسا أخر وتطلقها مجددا كما يجب.

༺༻

تجادلنا كثيرا حتى بات الأمر ليس شجارًا عابرًا بل حياة نرسمها بإنفعال قلبك وصخب مشاعري.

༺༻

وضع سلطان يده في يد الحاج خلف الذي لم يستطع التحكم في دموعه وقال بتأثر بالغ
" سلطان يا بني، سأقول لك أمرا واحدا قبل أي شيء، فاطمة ليست ابنة أختي وصديق عمري وأمانتهما في عنقي فقط، بل ابنتي التي رهنت عمري أراعيها وعشت فردا لكي لا يشغلني عن رعايتها بشر، أنت تأخذ مني كل ما أملك دفعة واحدة، تأخذ مني أغلى ما أملك فأسألك بالله ألا تحزنها أو تهملها يوما وأن تراعي بها الله، وأن تجعلها نصب عينيك وأن تكرمها ولا ترضى لها سوى ما ترضاه لأختك " أشار سلطان على عنقه وقال " كلامك سيف على عنقي، وابنة عمي في عيني وعلى رأسي مصانة "
ازداد بكاء الحاج خلف ليقول المأذون
" قل خلفي يا حاج "
عمّ الصمت والجميع يستمع إلى صوت سلطان القوي يقول بانتصار وظفر
" وأنا قبلت منك زواجها بنفسي ولنفسي "
في تلك اللحظة كانت فاطمة التي تجلس على أريكة بجوار الفتيات الواقفات بالنافذة تشعر أنه قد تم الإطاحة بها ما بين كلمتيه بنفسي ولنفسي، شعرت أنها تعاصر اجتياح حروفه التي قلما جادت وعبرت، شعرت صوته يتدفق إلى أدق خلجاتها بتملك عاصف، تخيلت نظراته في تلك اللحظة، تسارع أنفاسه، تحفز جسده، كانت كأنها تراه وتتأمل أدق انفعالاته التي تحفظها عن ظهر قلب لينهار ثباتها وهي تسمع الجميع يردد خلف المأذون
" بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير"
حينها فقط ألمت بها حالة من التأثر والوهن جعلتها تبكي بقوة خاصة حين اقتربت منها سارة تحضنها وهي تقول
" مبارك …مبارك "
قال المأذون
" من سيأتي بإمضاء العروس "
نظر سلطان لعيسى وقال
" أخوها "
اقترب عيسى بتوتر ومن خلفه هلال يحمل أطقم الذهب ليقف سلطان ويناوله دفتر المأذون ويميل عليه ويقول بخفوت
" إياك أن تحزنها حتى ولو بدون قصد، إن لم تتقبل منك حديث لا تثقل عليها بشيء وانسحب "
هز عيسى رأسه بطاعة ونظر لأعين سلطان كأنه يخبره بمخاوفه من أن تصده فاطمة ولكن سلطان وقف بثبات وقال له
" هيا "
وقف رضا يقول
" قل للعروس أن تأمر فقط جميع طلباتها ستكون مجابة "
نظر سلطان له بغضب شديد لكنه صمت وهو يرى عيسى وهلال ينسحبان نحو باب منزله.

༺༻

بالأعلى كانت لحظات التأثر تطايرت أدراج الرياح وفاطمة تقول بغضب شديد لسارة
" أنا لا أريد رؤيتهم ولا أريد شيئا منهم، لا تدخليهم هنا أحضري لي منهم الدفتر بنفسك ولننهي الأمر "
قالت لها سارة
" أخفضي صوتك يا فاطمة، نساء الحارة جميعهن هنا، أرجوكي لا تعطيهم مادة لللغط ستكفيهم لعام قادم " قالت لها فاطمة
" هل تريدين مني أن أغلق أفواههن على حساب سلام نفسي، أرجوكي يا سارة ليس اليوم وليس بتلك اللحظة تحديدًا، أنتِ لا تفهمين ما أشعر به وقد عقد قراني للتو فلا أجد صدر أمي ولا حضن أبي، ولا دعم إخوتي الذين جاؤوا ليقدموا عرضًا رخيصًا أمام الناس لأن الناس أهم لديهم مني، لا تضغطي عليّ، لأني لن أستجيب للضغط "
قالت لها سارة
" ومن جاء بسيرة الضغط الآن، يا فاطمة أنا أريد منك أن تكبري بسلطان وتمررين الموقف لكي لا تهزين صورته أمام الرجال وبعدها افعلي ما تشائين، هذا موقف وضعنا به وعلينا التعامل بما يقتضيه الظرف، أنت عقلك كبير وتفهمين ما أقصد، أرجوك أنت فسلطان يعتمد على رجاحة عقلك الآن " زمت فاطمة شفتيها
وبدت كأنها تسيطر على انفعالاتها وقالت لها
" لأجل سلطان لكن بمجرد أن أراه سأخبره بذلك "
قالت لها سارة
" هذا عين العقل "
ثم قبلت رأسها وخرجت من الغرفة تشق طريقها بين النساء لتستقبل عيسى وهلال.
༺༻
وقف عيسى وهلال على السلم ينتظران أن يفسح لهما مجال للمرور لتخرج أم شعبان وخلفها بناتها ينظرون للعلب المخملية بفضول، لتقول أم شعبان لهلال
" ألن نرى هدايا العروس، افتح هذه العلب لنرى ما بها "
توتر هلال وقال لها
" يا أم شعبان من فضلك أبلغي سارة أننا نقف بالخارج "
لوت أم شعبان شفتيها وقالت له
" الفتيات أخبروها، لكن هل تلك العلب ضد الفتح، دعني أرى "
سحبت أم شعبان علبة من يد هلال وفتحتها لتشهق وهي تقول
" بكم سعر الجرام اليوم، ما كل هذا ….بكم يقف هذا الطقم "
ثم التفتت لابنتها وقالت وهي تحمل العقد بيدها لتتأكد من ثقله
" انظري ثقيل وليس مظهر فقط "
قالت لها ابنتها
" لكنه مليء بالاحجار سيخسرون عند بيعه "
قالت لها أمها بخفوت
" هؤلاء لا يبيعون يشترون فقط، هل رأيت كم ذبيحة تم نحرها اليوم، هل لدى كل واحدة منكن كيسها الاسود " قلن في نفس واحد
" نعم يا أمي "
هزت راسها برضا وقالت
" وأنا من كانت ستعطي العروس مئتي جنيها، لا يكفينا النقوط الذي ذهب للهانم حماة سارة ولا نعرف متى سترده "
لتتفاجأ بسارة تسحب منها العلبة وهي تقول
" سأرده عنها يا أم شعبان، نقوطك في الحفظ والصون " ثم زغرت هلال الذي ترك لها العلبة فحرك أكتافه وقال لها
" بربك هذه أم شعبان ماذا تتوقعين أن أفعل "
قالت له سارة وهي تعيد ترتيب العقد بالعلبة
" ولا شيء اتبعاني " تقدمتهما سارة تزغرد بسعادة
ليمرا من خلال الصالة الواسعة حتى يصلا للغرفة التي تجلس فيها فاطمة بين الفتيات لتقف فاطمة بملامح جامدة حال رؤيتهما خاصة عيسى الذي اقترب منها بارتباك شديد ووضع الدفتر أمامها ثم انحنى يباغتها وهو يقبل رأسها وينظر لها بندم ويقول بخفوت
" أنا أسف "
ظلت فاطمة تنظر له بحزن وجمود لم يلن ثم خفضت عينيها تجاه الدفتر وبكف مهتزه أمسكت القلم لتضع توقيعها على ذلك الميثاق الغليظ الذي اشتد حول قلبها، اهتز كفها بقوة جعلها ترفع كفها للهواء لوهلة فيتحرك عيسى الذي أدرك حالها ووقف خلفها يحيط ذراعيها بدعم ويقول
" خذي وقتك "
فتبتلع غصتها منها بقوة
وتنظر لهلال الذي يقف أمامها خالي الوفاض من أي شيء إلا وجوده الذي لم يستخسره فيها مطلقا ثم نظرت لتوقيع سلطان الذي كان هو ركيزة دعمها في تلك اللحظة وأمسكت القلم ووضعت توقيعها ثم دفعت بإبهامها ليغوص في الحبر وبصمت على ذلك، ارتفع صوت الزغاريد فوضعت سارة الاطقم على المنضدة أمامها وفتحتهم لكي يراهم الجميع فتكدست الغرفة من حولها بالنساء لينحني هلال ليقبل رأسها وهو يقول بتوتر " مبارك لك سلطان رجل لا يوجد منه أسعدكما الله "
ثم انسحب أما عيسى فبدى لا يريد الرحيل قبل قول الكثير لكن الوقت لم يسعفه إلا لينحني ليقبل رأسها مجددا ويهمس بأسف أخر جعلها تنفجر بالبكاء فأسرعت سارة نحوها تضمها وهي تقول لها " لا داعي للبكاء، لقد انتهى كل شيء"
تمسكت فيها فاطمة بقوة وقالت
" ليت والدي هنا، ليته معي "
تأثرت سارة وحاولت أن تهون عليها الموقف فقالت لها
" سلطان يجيد أن يكون أب حين يتطلب الأمر لا تقلقي ".

༺༻

ربما يومًا إذا جف وريدي سأرحل عن دنياك ولكن وأنا أحملك في شرياني وداخلي.

༺༻

بعد قليل كانت أجواء الاحتفال قد بدأت فملأ الصخب والحركة المكان وقد بدأ فريق الضيافة بتجهير العشاء بينما تدافع الحاضرين تجاه سلطان يباركون له ويقدمون له الهدايا
التي تمثلت في مبالغ مالية وقطع ذهبية، كانت السعادة تضج من عيون سلطان الذي انفلت عقال تحكمة حين ارتسم شبح ابتسامة على طرف شفتيه، بينما شاهين وأيوب وعلِيّ يتحركون بالمكان ليتأكدون من راحة الجميع أما عيسى وهلال فوقفا بجوار سلطان لتجميع الهدايا التي يتلاقها من الحاضرين الذين لم يتوقف توافدهم، جلس ليل بوجه متجهم بجوار بشر يشاهد المقطع المصور الذي أرسله له فخر وهو يقفز من الطائرة ليميل بشر برأسه ينظر لشاشة الهاتف ويسأله
" لمَ تبدو متأثرا هكذا، هل تريد تجربة الأمر "
قال له ليل
" ولمَ سأكون متأثر، أنا فقط سأنفجر، انظر هذا أخي الذي زوجته منذ أربع وعشرين ساعة وهذه زوجته التي ستكون نهايته على يديها، فخر الذي يخشى من الكلاب يقفز من طائرة "
قال له بشر
" يبدو لي أنه قفز بالتراضي، أخوك ليس مكرهًا والفتاة حماسية سعيدة، لا أرى أن على الأمر أن يضايقك، هذا سيكون نمط حياتهما وعليك أن تعتاده "
قال له ليل بانفعال
" أعتاد ماذا، كم مرة سأقول لكم هذه الفتاة خطر، أتركها أسبوع بين الفتيات فقط وستعود من العمل لتجد سمراء وزوجتك يمارسون القفز من أعلى سقف المنزل وقد أقنعتهم أن الأمر رائع " ضحك بشر وقال
" أقسم أن الفتاة تروقك لكنك لا تبوح بذلك لتتقن دور الحما "
نظر ليل للمقطع أمامه نظرات مبهمة ثم أغلق الهاتف وقال
" المهم أنها تروق زوجها " نظر له بشعر بعدم اقتناع ليقول ليل متهربًا من نظراته " ما هذا الزحام، متى استطاع سلطان أن يبني علاقات مع كل هؤلاء الرجال "
هز بشر رأسه بدون أن يجد إجابة ونفس السؤال يدور بذهنه.

༺༻

كان سلطان محاطا بعدد مهول من الرجال وقد تيبست قداماه من الوقفة وتخدرت يده من كثرة السلام وتقطعت أنفاسه من حرارة الجو والزحام ورغم ذلك كان يشعر بروحه تحلق عاليًا كما لو أنها بلغت غايتها بالحياة، وقف أمامه أحد أكبر تجار السيارات الذين يعرفهم يقول له
" مبارك يا سلطان والعقبى للليلة الكبيرة، جئنا دون دعوة لأنه عقد قرأن أخينا لكن بالفرح لن أتنازل عن أن تأتي بنفسك لتدعوني وتتناول معي الغداء "
قال له سلطان
" بارك الله فيك، أنت أخ عزيز وأنت تعرف ذلك لكن كل شيء حدث بسرعة، لقد قررت عقد قراني بالصباح فقط "
ضحك الواقف أمامه وقال
" هناك بشر هكذا أمورهم تقضى حين يفكرون بها، مبارك "
ربت الرجل على كتف سلطان وأخرج من جيبه ظرف مليء بالمال ووضعه بيده حاول سلطان الرفض وشكره قائلا
" لا داعي، أقسم بالله حضوركم لدي بمال الدنيا " قال له الرجل بسعادة
" صادق يا ابن العطار لكن هذا شيء بسيط لا يليق بك " أخذ سلطان الظرف وناوله لعيسى ثم التفت يمد يده للرجل الذي يقف أمامه لتكفهر ملامحه ويهم بسحب يده فيسارع سيد بإمساكها وهو يقول
" أسألك بالله وبالخبز والملح وبالعشرة الطويلة بيننا، وبالاخوة التي أحملها لك في قلبي ألا ترد يدي فأنا لم أستطع منع نفسي من أن أتي لأراك وأكون بجانبك كما تعاهدنا، مبارك يا سلطان مبارك "
امتلأت أعين سلطان بالألم الذي عاد فجأة كأنما جرح خيانته فتح للتو، لينظر له سيد بقهر شديد ثم تنكسر نظراته وقد اجتاحها شعور الذنب ليقول له سلطان
" منذ ما حدث وأنا لم يقهرني سوى سؤال واحد كيف فعلت هذا بي "
همّ سيد بأن يجيبه وقد لمعت بعينيه الدموع وبدأ تائها لا يعرف من أين يبدأ حديثه ليتفاجأ بسلطان يجذبه ليقف بجواره ثم يمد يده ليستقبل من كان يقف خلفه والذي حين منحه علبة مخملية وضعها بكف سيد الذي نظر لها ثم نظر له ثم بدأ يستقبل معه الرجال والذي كان يعرف أغلبهم بحكم عمله مع سلطان لسنوات.

༺༻

قبل دقائق ……

كانت سارة مازالت تقف بالنافذة مع الفتيات تراقب فرحة أخيها التي ستظل الحارة تتحدث عنها لأعوام، الخير كان كثير، الضيافة كانت مشرفة، المشهد كان يملؤها بالزهو والسعادة، ونظرات شاهين لها كانت تسحبها في دوامة غزل تدور فيها بكل عنف وهي واقفة مكانها لا تتحرك قيد أنملة، ضحكاته صخبه روحه المنطلقة وسعادته الواضحة يشعروها أنه عالمها الذي تنتمي له والذي تتخدر حواسها حين تدور في فلكه، قالت تولين التي بدأت تتعب من كثرة الوقوف
" من الذي يتحدث مع أخيك ولمَ تجهمت ملامحه هكذا " شبت سارة على أطراف أصابعها محاولة أن تحظى برؤية أفضل لكن الزحام كان يزداد حول سلطان فقالت
" أشعر أني أعرفه، لو تحرك الواقفون قليلا فقط لنرى وجهه "
قالت ملاك
" إذا تحرك الواقفون سيأتي غيرهم، ألا ترين ما يحدث " قالت كنزي
" لكني أشعره مؤلوف كما لو أنه …
صمتت كنزي ولم تشأ البوح بظنونها ليروا سلطان وهو يجذبه ليقف بجواره فتصبح الرؤية واضحة لتتوسع عيون أربعتهم قبل أن يتبادلوا النظرات بصدمة وحزن لتلتفت أعناقهم بحدة حين تعالى صوت زغاريد يحفظونها عن ظهر قلب، لوهلة ظن الأربعة أنهن يتوهمن لكن سما التي انتفضت تقول بسعادة غامرة " فرحة هذه زغرودة فرحة " جعلتهن يركضن خارج الغرفة لتسرع سمراء لتأخذ بيد سما وتتبعهما خارج الغرفة، ليجدن فرحة تقف على باب الشقة كأنها تنتظر منهن الإذن بالدخول وخلفها يقف إبراهيم يمسك أخته بكف وأخيه بكف وتنظر لهن بعيون ملأتها الدموع وهي تزغرد مجددا لتجذبها تولين بقوة لتدخل ثم تحضنها وتبكي وتقول
" والله اكتملت الفرحة " جذبتها سارة تحتضنها بقوة وهي تقول بتأثر
" افتقدناكِ بحجم هذا العالم يا فرحة، مهما وصفت لكِ لن أفي مقدار شوقنا "
كانت فرحة تبكي وهي تتحرك نحو كنزي التي ضمتها بقوة وقالت لها
" جمعتنا ناقصة دون وجودك يا فرحة، حمد لله على سلامتك "
لتتلقفها ذراعي ملاك التي قالت لها ببكاء
" أنا أسفة …أنا أسفة حقا، سامحيني "
لم تفهم فرحة مقصدها لكنها كانت متأثرة بذلك الاستقبال الذي لم تتوقعه حتى ظهر وجه سما فاندفعت نحوها لتتعلق بها سما كأن رفيقة روحها قد عادت بعد طول غياب وتبكي، التفت الفتيات حول بعضهن في مشهد لفت أنظار الجالسات اللاتي تساءلن عن سبب تأخر فرحة التي دومًا ما كانت قدمها توازي أقدامهن في كل شيء وسبب ذلك الاستقبال الحافل، نظرت لهن فرحة وقالت
" قطعت في البعد عنكن والله وصرت وحيدة وانهكت من كثرة السؤال عن السبب لكن مجيئي اليوم أعاد اليّ روحي "
نظرا اربعتهم لبعض فتداركت تولين الموقف وقالت
" لا تقولي هذا، حمد لله على سلامتك "
ولحقتها ملاك تقول بسعادة
" لقد خطبت "
ابتسمت فرحة من بين دموعها وعادت لتزغرد فيما شقت رحيل ذلك التجمع تاركة تولين وهنا واندفعت نحو إبراهيم لتحيط خصره بقوة ثم ترفع عينيها لعينيه وتقول بسعادة غامرة
" كنت أعرف أنك ستعود لنلعب سويا ".

༺༻


وإني لرهن الشوق يا إمرأة تكابر حتى خلفت في صدري تنهاهيد لا تنتهي وثقل لا يزول وأوقفتني على حافة القرارات العصيبة دون موعد ثم دفعتي على حين غرة إلى عمق أصعب الحلول.

༺༻

بعد قليل كانت كنزي تقف داخل المطبخ بعيدا عن الضوضاء التي تملأ المكان وتهاتف علِيّ الذي يبدو أنه لم يستمع للهاتف من شدة الصخب فظلت تهاتفه بإلحاح حتى وصلها صوته يقول
" بربك كنزي كيف سأجيبك وسط هذا الجنون، لا أحد منا سيستمع إلى الآخر "
قالت له كنزي
" أنا أريد رؤية مؤيد يا علِيّ أرجوك أنا سأنزل وأنت أخبره أني ….
قاطعها علِيّ يقول بإنفعال
" تنزلين أين، المكان يعج بالرجال، انتظري حتى ينتهي الحفل يا كنزي وبعدها افعلي ما تشائين "
قالت له كنزي بإصرار
" والله حاولت أن أصبر لكن قلبي يؤلمني، أخشى أن يكون غاضب مني أو غاضب عليّ، أرجوك يا عَلِيّ "
قال لها علِيّ برفض
" افهميني، الوقت ليس مناسب حقا "
قالت له كنزي برجاء
" أرجوك، أرجوك تصرف وأعدك ألا أخرج من مدخل البيت، سأقف بالداخل، اجعله يعرف أني أنتظره وأنا واثقة أنه سيأتي، أرجوك يا عَلِيّ " صمت علِيّ للحظات ثم قال
" سأحاول، أقسم أنك لن ترتاحي أنتِ وأخوكِ إلا حينما تفقدوني عقلي "
قالت له كنزي
" حتى إن فقدت عقلك سأحبك وأنت مجنون ولن أتخلى عنك أبدا "
وصلتها تنهيدة علِيٌ قبل أن يقول
" لا تخرجي من باب المنزل مهما حدث "
قالت كنزي
" لن أفعل "
أغلقت كنزي المكالمة ثم استدارت لتصدم حين وجدت سيادة تقف خلفها وتحمل على يدها ماسة التي بدت في مزاج سيء فاقتربت منها تسألها بقلق
" ما بها، هل تتألم "
قالت لها سيادة وهي تحاول تهدئة ماسة
" بل أظنها تريد الخروج، لقد اعتادت التنقل والأماكن المفتوحة على ما يبدو، كلما لمحت شخص يدخل من الباب أو يخرج تصرخ كأنها تريد أيضا أن تدخل وتخرج مثله "
ابتسمت كنزي وقالت
" ستصبح مشاغبة كعمتها، أنا سأنزل لأرى مؤيد دعيني أخذها عنكٓ لأريحك من بكائها قليلا "
قالت لها سيادة بتوتر
" ربما تتعبك ومؤيد ….
قاطعتها كنزي قائلة
" وماذا إذا أتعبتني وأتعبت مؤيد، إنه والدها وهذا دوره، وأنا واثقة أنه سيكون سعيدا ومتلهفا ليقوم به "
اهتزت نظرات سيادة للحظات قبل أن تسألها
" هل مؤيد بخير، كان يبدو منفعلا حين علم بذهابك لعلِيّ دون علمه "
قالت لها كنزي بحزن
" لن تتخيلي ما حدث، لكني آمل أن يسامحني، ربما رؤيته لماسة تجعله أكثر لينا "
ابتسمت لها سيادة وقالت
" أتمنى ذلك "
ثم أعطتها ماسة وهي تقول بمزاح باهت
" حظ سعيد مع والدكما الحازم "
نظرت كنزي لوجهها الحزين وقالت
" سيادة أنا لم أتدخل فيما بينك وبين مؤيد مطلقا، ولم أحاول أبدا اختراق خصوصية العلاقة بينكما والبحث خلف تفاصيل انفصالكما لأني لا أريد تعدي حدودي في أي أمر يخص مؤيد لكن أريد أن أقول لكِ شيئا واحدا، مؤيد ليس بالقسوة التي تظنيها …مؤيد أطيب قلب بهذا العالم، إنه يحبك حب جعلني أحيانًا أتعجب من كم السيطرة التي يفرضها على نفسه في حضرة أجمل الجميلات، هو بداخله يشعر أنه ليس حرا، يشعر أن هناك رابط قوي يجمعه بك رغم انفصالكما لفترة، أنه مخلص لأبعد حد فأتمنى لو أن سوء التفاهم الذي بينكما يمكن تخطيه لأجل ذلك الحب ولأجل ماسة، أنتِ وهي ومؤيد تستحقان فرصة ثانية فإن كانت بإمكانك أسألك بالله ألا تبخلي بها عليكم "
لمعت عيون سيادة بالدموع فقالت لها كنزي
" أنا سأنزل لا تقلقي على ماسة "
هزت سيادة رأسها متفهمة تراقب خروج كنزي من المطبخ ثم لفت ذراعيها حول نفسها كأنها تدعم ذاتها بكل ما أوتيت من قوة أمام تلك الوحشة التي تجتاحها وتملأها بالسقيع والحزن.

༺༻

وقفت كنزي بمدخل المنزل تهدد ماسة وهي تترقب حضور مؤيد بقلب وجل، كانت كل حركة من ماسة كما لو أنها تترك صدى في جسدها الذي ينتفض هلعًا من أن يأبى مؤيد مسامحتها، ما بين لحظة وأخرى تمد رأسها للخارج علّها تلتقط اقترابه فلا ترى سوى زحام ووجوه غريبة، ابتلعت كنزي غصتها وحاولت ألا تبكي لتتفاجأ بظل يمنع عنها أضواء الحارة فرفعت وجهها لترتجف شفتيها وتنفجر بالبكاء وهي تندفع نحو مؤيد الذي تراجع من قوة اندفاعها ثم توازن وغمرها بلطف ثم عاد بها إلى الداخل وانحنى يقبل جبهتها ويشد عليها لتهدأ وهو يقول
" أنتِ تعلمين ماذا تعنين لي، تعلمين قدر كنزي بقلب مؤيد "
قالت له كنزي ببكاء
" وأنت تعلم قدرك بقلبي يا أخي، أرجوك سامحني، أرجوك وأقسم لك أني لن أتزوج دون رضاك ولو كانت روحي فيه، أنا أحب علِيٌ لن أنكر لكنك لدي أهم وأبقى، أنت أساسي المتين وحِمايا الدائم، أنت أبي الذي لم أعرف سواه، وأخي الذي قد أبيع كل ما أحب لأشتري رضاه، أنا أسفة …أنا أخطأت، سامحني يا أخي " عمّ الصمت وظل مؤيد يحني جبهته ليريحها على رأسها التي تريحها على صدره قبل أن يسألها فجأة
" بت لا تتوقفين عن قول أحبه، هل حقا تحبينه "
هزت كنزي رأسها بإقرار فقال لها مؤيد
" كنت أتمنى أن أزوجك لشخص لا يمت للجوهرية بصلة، لكن مادام هذا هو اختيار قلبك، والشيء الذي سيسعدك فليكن … فأنا ضحيت بعمري بأكمله لكي تكوني سعيدة، اسعدي يا حبيبتي وتأكدي أنه لو أبدل سعادتك بحزن يوما سأقتله " تفاجأت كنزي وقالت له
" أفعل به حينها ما تشاء، أعلم أنك ستفعل الصالح لي " جائهما صوت علِيّ المستنكر يقول
" هل تتفقان على قتلي، هذا لم يكن ضمن ما طلبته منك، لقد أردت أن أستعيد زوجتي وليس أن أعجل بنهايتي " نظر له مؤيد وقال
" ولكن لدي شرط "
قال علِيّ بحماس وهو لا يصدق ما يسمعه
" ولو أنهم ألف شرط، جميعها نافذة لأجل عيون كنزي لكن بما أنك قد وافقت على زواجي منها أخيرا، لمَ لا نستغل أن المأذون يتناول العشاء، وأن الجوهرية هنا جميعا، وأن أهل الحارة الذين ترتاح بينهم موجودين ونعقد القران، الجميع بالخارج يخطبون ويحددون أفراحهم فلا أظن أن أحد سيمانع أن نفرح نحن أيضًا "
قال له مؤيد
" هذه ليلة سلطان وليست ليلة إصلاح أخطاء عائلة الجوهري، دعنا نؤجل ذلك ليوم آخر "
امتلأ وجه علِيّ بالخيبة فنظرت له كنزي برجاء ألا يحزن ليحمل مؤيد ماسة بين ذراعيه بحب ويقول لكنزي
" عودي أنت للفتيات، واتركي لي تلك الصغيرة " قالت له كنزي
" قد تتعبك "
قال لها مؤيد
" تعبك وتعبها وتعب والدتها راحتي "
أمسكت كنزي يده وقبلتها ثم ركضت تصعد السلم فخرج علِيّ ومؤيد المنشغل بماسة يسيران جنبا لجنب ليعودان نحو تجمع الرجال ليقول مؤيد لعلِيّ
" لا أحد بالحارة يدري عن طلاق كنزي لذلك عقد قرانك بينهم سيثير الأقاويل، لذلك فضلت أن نؤجل الأمر "
قال له علِيّ
" هل هذا هو سبب رفضك الوحيد "
هز مؤيد رأسه بهدوء وهو يبتسم لماسة التي بدأت تلعب معه، فقال له علِيّ بحماس
" هل لو طلبت من طاهر إيجاد مساحة خاصة لنا وللمأذون في حضوره وحضور شاهد أخر ستكون أسباب رفضك مازالت قائمة "
رفع مؤيد حاجبيه باستغراب ثم هز رأسه بنفي فأسرع علِيّ في خطاه نحو أيوب وطاهر فيما عاد مؤيد لجلسته بجوار الشيخ رفاعي الذي قال له
" من هذه الجميلة التي تلعب معك، ومتى سنفرح بك ونحمل أطفالك "
قال له مؤيد بمنتهى الهدوء
" أنا متزوج بالفعل يا شيخ منذ مدة، وهذه الجميلة هي ماسة مؤيد الجوهري "
لم تبد الصدمة على وجه الشيخ الذي
" قال ما شاء الله، بارك الله لك فيها، وفي والدتها "
قال مؤيد وهو ينظر لأعمامه الذي ظهرت الصدمة على وجوههم وظلوا يحركون أعينهم ما بين وجه ماسة ووجهه
" اللهم آمين، لم أعلن زواجي من قبل خوفًا عليها وعلى والدتها من الشافعية، لكن الان لم يعد هناك داعي لذلك "
بدأ الجالسون في المباركة والتندر على كون أكبر العزاب لم يكن عازب ثم بدأو في التعليق على مدى الشبه بينه وبين ماسة التي كانت مستمتعة بكل ما تراه، كما والدتها التي لم تكن لتصدق أنها ستشهد بعينيها يومًا اعتراف مؤيد بوجودهم بحياته، اعترافه الذي نزل على روحها ليزيدها حبًا له واحتياجًا إليه.

༺༻

في الوقت الراهن لا خيار متاح سوى الصمت فعقلي لا يسعفني بكلمات تفوق الغزل و انفعالاتي من ستتولى الأمر.

༺༻

بعد مرور بعض الوقت….

كان سلطان يجمع عبائته ويصعد السلم وهو يحمل في يده العلبة المخملية ويتنحنح وهو يخفض عينيه ثم ينادي قائلا
" سارة "
خرجت سارة من باب الشقة تستقبله بالزغاريد التي انتفض من قوتها نبضه وهي تقول
" ادخل يا سلطان الطريق ممهد "
ثم استدارت تقول بسعادة
" سلطان جاء ليلبس عروسه الشبكة "
ارتفع صوت الزغاريد المختلط بهمس الفتيات والنساء ليعبر سلطان لداخل الشقة وهو يشعر أن ما بين جوانحه هناك حريق تطرفت ألسن نيرانه وارتفعت حتى عبرت جسده وخرجت تسبقه بعنفوانها الحامي وتبحث عن تلك التي باتت سكنه وداره وإتجاه خطاه حين تتوه به الخطى، كان يتبع سارة التي تخترق تجمع النساء الذي لا يعرف من هنّ ومن أين أتوا!، كان كما المساق إلى قدره الذي أرق عينيه ورجف قلبه وتلاعب بسلام عقله، كان منفعل لأبعد حد كما لو أن بداخله ألف ثوري يريدون استباقه إليها ليحظو بنعيم تلك اللحظة، كل ما به يقاضيه على تماسكه الكاذب، توقفت خطوات سارة فتوقفت خطواته لتلتفت له سارة بعيون دامعة وهي تقول
" مبارك يا سلطان، جعلها الله زيجة العمر، وملأ حياتكما بالبركة والحب، اليوم فرحتي لا تقدر بثمن، الليلة عشت من الفرحة ما يكفيني دهرا "
رفعت سارة ذراعيها لتتعلق بعنقه فزغرها وهو يحرك عينيه يمينا ويسارا مشيرا للموجودين لكنها لم تبال بأحد وهي تضم نفسها له وتقبل كتفه ثم تقول بتأثر
" مبارك يا حبيبي"
لم يستطع سلطان الصمود أمام حنانها وضمها إليه يربت على ظهرها بقوة تطمئن لا تؤلم وقبل رأسها لتقول له سارة
" هل أنت مستعد لرؤية العروس "
ازدادت زغرة سلطان حدة فابتسمت وقالت
" تفضل "
دخل سلطان نحو الغرفة التي تجلس بها فاطمة بين الفتيات لتفز فاطمة تقف بتوتر وهي تفرك كفيها بينما هو يرفع عينيه نحوها ببطء شديد جعله كمن يحط بقدميه أرض واقع مغايرة تمامًا لكل ما جال بخاطره وترقبه بالساعات الماضية، هو وهي والصمت يلفهما وشعور السقوط في حبها الذي عاشه على مراحل يمر به الآن دفعة واحدة، كانت عيناه كأسير حان وقت تحرره من الأسر فلم تترك بها لمحة لم تفتن بها، عيون ناعسة كانت حربه التي سقطت رائها من شدة السحر، وأهداب تطيح بثباته كما لو أنه لعبة في يديها ووجنتين أشهى في إحمرارهما من كل ما أشتهى في عمره وشفتين تناديانه بخجل ليتنبه لسارة التي أخذت منه العلبة وفتحتها لتبتسم وهي ترفع رزمة المال ثم قالت
" الحلقة الذهبية أولًا "
عقد سلطان حاجبيه وأخذ منها الحلقة ليضعها في إصبع فاطمة بعنف جعلها تنظر له بغضب شديد وقد ألمها لتتفاجأ من تجهم ملامحه الذي يظهره كما لو أنه مغصوب على تلك الزيجة سحبت فاطمة يدها بعنف والتقطت من سارة حلقته الفضية تضعها بإصبعه بنفس الطريقة ليزغرها سلطان فزغرته فاطمة لتدرك سارة أنها إن غامرت وجعلته يلبسها باقي الشبكة أمام الحضور سيحدث ما لا يحمد عقباه لذلك سارعت تغلق العلبة المخملية وهي تقول
" لقد أعددت لكما العشاء يا سلطان، هيا لتأكل شيء فأنت مؤكد بلا طعام منذ الصباح، خذيه يا فاطمة "
نظرت لها فاطمة برفض فدفعت سارة بالعلبة بين يديها ثم دفعتها قسرا لتتحرك فتبعهما سلطان.
༺༻

يصعب عليّ أن أصيغ مشاعري في جملة فحروف الهجاء مهما تشابكت لن تكن بتأثير انتفاضة ذراعي وهما تجذبانك لعمق أضلعي.

༺༻

دخلت فاطمة إلى الغرفة التي أعدتها سارة لهما وتبعها سلطان لتغلق سارة عليهما الباب فتلتفت فاطمة بإرتباك وتقول
" لا يحق لك أن تعبس هكذا أمام النساء بالخارج كما لو أنك مغصوب على الزواج مني، أتفعل هذا لكي لا تدع لي مجال لأعترض عما حدث "
تحرك سلطان بإجهاد ليجلس على الأريكة المجاورة للباب وهو يحاول أن يتدارك رؤيتها بذلك الفستان وبتلك الزينة وينتظر سقوط ذلك الحجاب عن شعرها الذي بات تخيله يصنع في وعيه مشكلة وقال
" وماذا حدث بالضبط لتعترضي عليه "
قالت فاطمة بإنفعال
" كل شيء حدث منذ الصباح أنا معترضة عليه لكن كله كوم وأن ترسل لي عيسى بالدفتر وتعطي مجال لرضا ليختال بين البشر على حسابي ويوهمهم أنه يمن عليّ بالهدايا كوم آخر، لقد أكبرت بك وتعاملت مع الموقف بهدوء احترامًا لك لكن هذا الذهب سيعود لهم الآن ولن يبقى هنا لدقيقة واحدة "
قال لها سلطان
" أهذا ما تريدين الاعتراض عليه "
قالت له
" بجانب وجهك المتجهم دون سبب، نعم هذا هو "
قال لها سلطان
" هذا الذهب من حر مالي يا فاطمة، إنها شبكتك لكني أردت أن أتجنب أذى رضا وكرم وأردت أن أعلي يقدرك بين الناس فغياب إخوتك كان سيكون سببا في القيل والقال، لذلك منحته هذا الذهب وقلت له اعتبر نفسك الكبير وافعل ما تشاء بشرط ألا يمسك منهم كلمة أو فعل " بهتت فاطمة للحظة ثم قالت
" لماذا يا سلطان، لماذا تمنحه تلك الفرصة ليختال كأنه الكبير وهو ليس بكبير مطلقا "
قال لها سلطان
" لأجلك "
ارتبكت من كلمته ومن نظراته وأسبلت أهدابها تفكر لوهلة فيما عليها قوله لتهز رأسها بحرج وهي تقول
" لم أظن أن ذلك ما حدث، أنا لا أريد أن يكون لمن لفظوني وأشعروني بأني بلا سند أو ظهر وجود بحياتي "
قال لها سلطان
" إن كنتِ بلا سند أو ظهر ماذا أكون إذا "
توترت فاطمة وقالت
" أنت تعلم "
قال لها
" أنا لا أعلم أعلميني "
قالت له
" هل تردها لي "
قال لها
" أنا لا أفهم لماذا ترمين حتى "
قالت له فاطمة
" سلطان توقف "
قال لها
" أريد إجابة حالا، أنا ماذا أكون "
قالت له
" جرب أن تعاني لتخرج الحروف من فمي "
تركزت نظرات سلطان على فمها فإزداد إحمرار وجه فاطمة وأسرعت نحو الباب تهم بالخروج ليسرع سلطان ويسد طريقها فترتطم به دون قصد وحين تهم بالابتعاد لا يسمح لها وقد بدأ زمام كل شعور بداخله يفلت،
كان في أوردته صخب عنيف مخلوط بإنفعالات لم يعد قادرًا على كبح جماحها نهائيا، كان يعيش قمة اللوثة التي دومًا ما خشي أن يقع بها، تثاقل صوته وهو يسألها مجددا
" ماذا أكون فاطمة "
اسمها من شفتيه كان كما عهدته فخما لكنه كان مخلوطا بأنفاس هادرة صدمتها وجعلتها ترتجف وهي تقول
" سلطان "
همسها الناعم بإسمه سكب بنزين المشاعر على نيران قلبه فبدأت تحتد نظراته وهناك اندفاع حارق يتصاعد ما بين جوانحه التي يشعرها جحيم اتقد، ذراعاه باتت أشد قسوة من حولها، وهي تسمرت كما لو أنها تدرك أن هناك طوفان سيطيح بها في أي لحظة ليخفض سلطان رأسه بكل العنف والاندفاع والهياج الذي يملأه ويجتاح شفتيها دون مقدمات، كان كمن يروي ظمأ السنين ويتذوق طعم الجنة، كان يعيش إحساس مبهم لكنه أقوى من كل الأحاسيس التي عرفها يوما، كان يشعر أنه قادر على سحقها بين ذراعيه، كان مغيبًا تماما فيها حتى انتفض كالملسوع حين اخترقت غيبوبته أصوات تأوهها فأحل يديه فورًا وقد امتقع وجهه لتنظر له فاطمة بصدمة وتبدأ في البكاء الذي جعله يهدر بها بإنفعال خافت " لا تبكي، أنا لم أقصد، لا تبكي بيوم كهذا، لا عشت يومًا ولا خرجت أنفاسي للحياة إن كنت سببا في نزول دموعك "
مسحت فاطمة دموعها التي لم تتوقف وهي تقول
" لا تتحدث هكذا أرجوك " قال لها
" أنا لم أقصد "
قالت له بخجل وحزن
" أنا لم أتوقع منك ذلك " تنهد سلطان بإنفعال وقال
" فاطمة "
قالت له
" نعم "
قال لها بسعادة اختلطت بالصدمة
" أنت أصبحتِ زوجتي، وفي بيتي، وتدركين أني أريدك ….وأحبك، وتفهمين أن قربي منكِ شيء أتوق إليه " اشتعل وجه فاطمة بخجل وغمغمت كما لو أنها تختنق في كلمات لا تجد القوة لتبوح بها فجذب سلطان حجابها الذي انزلق عن شعرها لينكشف صدر الفستان لعينيه فتنفر عروقه ويجذبها بعنف نحوه وهو يقول بصوت أجش
" أسبوعان كما اتفقنا، جهزي كل ما تحتاجين إليه،
وغيري كل ما تريدين تغييره، رتبي كافة أمورك، لأني لن أنتظر أكثر، أنا حاليًا لا أعرف كيف سيمر الاسبوعان عليّ "
همت فاطمة بجداله فهذا الوقت ضيق جدا لتجديد وفرش المنزل وشراء متطلباتها كعروس لكنه أنهى حوارهم ولأول مره بدون صراخ ولكن بإنفعال من نوع آخر أيقظ بداخلها أحاسيس هزت ثباتها وسحبتها لداومة دارت فيها دون هوادة ولكن بعنف أصابها بكدمة واضحة .......

༺༻

ولو هجرني العالم ما اهتز لي جفن، ولكن إن تهجرني يصبح عالمي دمارا لا ينتهي.

༺༻

في نفس الوقت كانت سيادة تقف أمام مؤيد في مدخل المنزل لتأخذ من بين ذراعيه ماسة التي غفت بعدما أهلكها لعبها معه، وهي تقول
" كنزي محقة ستصبح مشاغبة "
قال لها مؤيد
" فلتصبح كيفما يحلو لها وأنا سأكون في ظهرها دائمًا " قالت له سيادة
" أدامك الله لها، لقد رأيت ما فعلته اليوم، كان هذا أجمل ما حدث لي ولها منذ مدة "
قال لها مؤيد
" هذا ما كان يجب أن يحدث من البداية سيادة " قالت له سيادة بتأثر
" أنت لا تفهم وقع الأمر عليّ، فلأول مرة أشعر أني لست كائن مظلم، من حقي أن أخرج للنور وأصبح صاحبة حق "
صمتت سيادة للحظة ثم قالت بحزن "
أنا أعلم أني لم أعد زوجتك لكن اعترافك على الملأ بزواجنا وبأبوتك لماسة أثر في ولمسني "
قال لها مؤيد
" أنا لم أخبر أحد عن انفصالنا سيادة وكلي أمل أن نعود لبعضنا، فأنا أحبك سيادة وأريدك أن تضعي يدك بيدي لنتخطى كل ما مضى بحلوه ومره ونبدأ من جديد " نظرت له سيادة بصمت ثم نظرت لماسة وقالت
" حسنا مؤيد …ولكن هذه المره سأمنحك وأمنح نفسي الوقت الكافي لنعرف بعضنا أكثر ولنحدد كيف نريد أن تكون البداية التي سنعلق عليها آخر أمل لنا بهذا الحب الموجع الذي جمعنا "
قال لها مؤيد بتعب
" وقت اكثر مما أضعناه بالفعل "
قالت له سيادة
" أن نضيع وقت أكثر أفضل من أن نضيع أنفسنا بلا رجعة "
تنهد مؤيد وقال
" وكيف سنفعل ذلك سيادة " صمتت سيادة تفكر ثم قالت له
" ما رأيك أن نلتقي غدا لنتحدث وأخبرك بذلك "
قال لها باندفاع
" موافق بالطبع "
قالت له سيادة
" سنلتقي بمكان عام "
قال لها بسعادة
" حددي المكان الذي يروقك وأنا تحت أمرك"
ترقرت الدموع بعيون سيادة التي قالت
" هذه ستكون خروجتنا الأولى ستخرج بها معي ومعنا ماسة، سنواجه العالم كعائلة لأول مرة هذه ستكون لحظة مميزه لي ستكون لقائنا الاول الذي تمنيته ولم أحظ به "
نظر لها مؤيد بعمق ثم قال
" أنا أسف سيادة، أنا أسف على كل شيء "
اعتذاره المفاجيء زلزل حصونها فبكت أمام عينيه التي اشتد بهما النزاع والقهر على نزول تلك الدموع ليمد يده يمسح دموعها فتقول سيادة بخفوت
" لقد اشتقت لحضنك مؤيد، أنه أول مكان آمن ودافئ وحنون عرفته في حياتي "
ثم نظرت لعينيه للحظة وانسحبت نحو الداخل تاركة إياه ليتألم أكثر وأكثر على فراقها.

༺༻

وأنا الذي ما انحنى قلبه لبشر أنحني بكلي لعلّي أحظى بقبلة ما بين عينيك.

༺༻

بعد ساعات ……

نزلت الفتيات بإنهاك بعدما انتهى هذا اليوم الطويل من منزل سلطان يتحركن نحو السيارات التي اصطفت في انتظارهن وقد انطفأت الاضواء وسكنت الحركة إلا من بعض الرجال الذين يجمعون أدواتهم التي جهزوا بها الحفل، تحركت تولين نحو بشر الذي قال لها بقلق شديد
" لماذا تتحركين بصعوبة هكذا "
قالت له تولين
" أشعر أن أقدامي متورمة للغاية "
قال لها بشر بإنفعال
" مؤكد وقفت كثيرا وأجهدت نفسك "
فتح بشر باب السيارة وقال لها
" إجلسي واخلعي حذائك وأنا سأحضر الصغيرتين "
قالت له تولين
" طاهر سيفعل ذلك ابق معي "
انحنى بشر يخلع حذائها بنفسه فتتأوه تولين وهي تقول " كأنه كان زفاف جماعي، سبحان الله، رغم أنه لم يرتب له "
قال لها بشر
" لا تحاولي تشتيتي عن منظر قدميك، كيف تحملتِ الوقوف عليهما وهما بهذا الشكل"
قالت له تولين
" هذا يحدث لي كثيرا منذ بداية الحمل لكنه زاد اليوم عن كل مرة، مع النوم والراحة ستخف لا تقلق " نظر لها بشر بلوم وهو يقف ليفتح باب السيارة الخلفي لطاهر الذي اقترب يحمل تولين ورحيل النائمتان فساعده بشر بوضعهما بالسيارة وهو يقول
" الجميع منهك "
قال طاهر
" ليس الجميع في الحقيقة، انظر لعصاقير الحب روح الشباب مازالت تحركهم " نظر بشر لكنزي التي تتقافز بسعادة وهي ترفع اصبعها الذي بصمت به على قسيمة زواجها للتو، فيما وقفت بعيدا عنها بقليل سارة تتهامس مع شاهين بشيء ما يبدو أنه يسعدها، أما ملاك فكانت تتحرك بجوار أيوب متجهه نحو سيارته التي تجلس بها أمها وأختاها وهي تتحدث بحماس جديد عليها، أما سلطان فكان مازال يحتجز فاطمة في مدخل المنزل ولم يظهرا حتى الآن بعكس مؤيد وسيادة اللذان يقتربان منهما ليقول مؤيد لبشر
" ماذا تنوي بأن تفعلوا مع سيد "
قاله له بشر
" لقد تركت الأمر لسلطان ولا أعرف كيف سيتعامل معه "
قالت تولين بصوت واهن
" بشر أرجوك سامحه، فسيد يبدو كمن تورط بالأمر دون أن يدري عما خلفه، واجعله يعود هو وفرحة لمنزلها فلن تتخيل إحساسنا حين رأيناها اليوم، لقد وعدتها أن أحاول تسوية الخلاف الذي بينكم وبين سيد "
قال لها بشر بحدة
" هل نسيت بتلك السرعة ما حدث لك بسببه "
تغضنت ملامح تولين وقالت " جميعنا نخطيء يا بشر، وجميعنا نحتاج للعفو "
قال بشر
" هو لم يرتطم بكتفي تولين "
تدخلت سيادة تقول
" سيد بشر أسفة للتدخل لكن اسمح لي أن أخبرك بأن سيد كما تولين كما غيرهم متورطون بأمر يفوق استيعابهم فقط، وأنه لو كان ذا قوة أو نفوذ أو أغراض سيئة ما كان عاد ليطلب الصفح كما فعل، وأن الحكم على شخص مثله سيكون جائرا مهما حاولت العدل فيه لأنك محال أن تعرف ما الكرب الذي انتشله وجوده بينكم منه، أمثاله وأمثالي لدينا قصة طويلة فأن تحكم على آخر سطرين بها لهو ظلم، لذلك لا أرى ضررا في مسامحته، أنت بذلك ستعيده لدائرة آمنة قد يرسل لك الله من يعيدك إليها إن حدت عنها يوما "
ملأت الحيرة نظرات بشر الذي قال
" الأمر ليس سهلا عليّ "
همّ مؤيد بقول شيء لكن قاطعه أيوب الذي اقترب منه يقول له ولطاهر
" نهاية الأسبوع بإذن الله سأتي لأقدم الشبكة لملاك ونتفق على تفاصيل الخطبة والزواج "
قال له شاهين الذي اقترب
" أهم شيء في الأسابيع القادمة هو النظام لكي لا تتضارب أفراحنا مع بعضها، نحن أمام شهر مزدحم " جائهم صوت علِيّ يقول بمرح
" بالضبط، أهم شيء هو النظام، لكي لا نعطل بعضنا، دعونا حبايب "
ضحك الجميع ليأتيهم صوت سلطان المتسائل
" على ماذا تضحكون "
قال له علِيّ
" كنا نرتب جدول الافراح لكي لا تتداخل المواعيد ببعضها "
قال سلطان بإنفعال
" زفافي بعد أسبوعين بإذن الله، ضعوا هذا بالجدول قبل أي شيء "
قال له علِيّ
" في الحقيقة يا سلطان أنا أرى أنه لا داعي لتقيم زفاف، فيوم عقد قرانك عقد قران آخر وقرأت فاتحة وتحدد زفاف وتآلف الأحباب كما لو أن هناك سحر يسر الأمر، فلماذا تحتاج للزفاف " نظر سلطان لفاطمة التي أجلسها بسيارته
" تجهيز المنزل يحتاج وقت "
قالت كنزي
" محال أن يتم تحديث المنزل بأسبوعين "
عقد سلطان حاجبيه فأسرعت سارة تقول
" بل يمكن أنتِ من لا تلاحظ ذلك، هل يمكنك الصمت " وضعت كنزي يدها على فمها ليقول سلطان
" لنتحرك فوقفتنا هذه ليست لائقة "
تحرك كل واحد منهم نحو سيارته غافلين عن أنظار كرم التي كانت تمتليء بالحقد والغضب وهي تتحرك ما بين وجه سارة وشاهين وسلطان وفاطمة بينما يده التي جرحها وهو يحاول تحطيم باب الشقة حين أدرك أنه قد تم حبسه تنزف بقوة فلا يحاول تضميدها كأنه يريد أن يزداد ألمًا ليزداد حقدًا وعنفًا…..

༺༻

هائم بك، متلهفًا لعناق قوي منك، متعطش لدفء أنفاسك الذي سيبدد عن قلبي سقيع أربعين شتاء.

༺༻

بنفس الوقت بالمدينة الساحلية…
༺༻

تعالي رنين هاتف بهية لينبهها لصلاة الفجر، فتحت بهية عينيها بتثاقل ونظرت بجوارها لتتفاجأ أن مكان منذر خالي، استقامت بهية تجلس بتعب ثم نظرت لباب الغرفة المطل على البحر والذي كان غير مغلق بالكامل وضعت كفيها على وجهها للحظة كأنها تحاول أن تفيق وتتوازن ثم تحركت نحو الباب ووقفت تنظر إلى الخارج فوجدت منذر يجلس على أريكة الشاطيء خاصتهم بعيون شاردة ووجه حزين، شعرت بهية بالحزن على حاله وتحركت نحوه وفي صدرها ثقل من
مشهد جلسته الذي يخبرها أن هناك ما يضج مضجعه ويشغل عقله، حين وصلت بهية إليه انحنت تحيط كتفيه بحنان وهي تقول بخفوت
" لمَ تجلس هكذا يا حبيبي، ولمَ تبدو مهموما
وحزين، لقد لاحظت انطفاء روحك طوال اليوم وانتظرتك أن تتحدث لكنك حين التزمت الصمت لم أشأ أن أضغط عليك ، لكني قلقة حقا عليك " سحبها منذر من كفها وأجلسها ما بين ساقيه وبقي يضم ظهرها لصدره ويريح ذقنه على رأسها وعمّ الصمت بينهما لدقائق قبل أن يقول بخفوت مختنق
" أنا أسف "
لفت بهية وجهها تنظر لعينيه التي كأنما تلمع بها الدموع وسألته بصدمة
" أسف على ماذا منذر، لماذا تعتذر يا حبيبي "
صمت منذر لوهلة ثم قال بصوت متهدج
" أسف لأني جعلتك تتحملين تخبطي، وتنظرين استقراري الذي جاء بعد معاناة، أسف أني لم أكن أليق بكِ، أسف …..
صمت منذر فحاولت بهية الكلام لكنه قاطعها وهو يكمل قائلا
" أسف أنك الوحيدة التي تعاملت مع مصاب نفسي، أسف على صبرك وتفهمك الذي استنزفتهما حين فرضت عليك وضعا لا تستحقيه، فأنتِ تستحقي أفضل من ذلك بكثير بهية "
سارعت بهية تقول بتأثر
" أقسم لك أني لا أرى لنفسي من هو أفضل منك، أنت أفضل شيء حدث لي " رفع منذر يده يثبت رأسها
ثم ينحني ليريح جانب وجهه على جانب وجهها كأنه يريد الالتحام بها وهو يقول
" أعدك يا بهية أن أكون لكٌ كل ما تتمنين، وأن أسعى لأكون الرجل الذي تستحقيه، سأكون سندك وظهرك وأمانك ورجلك سأكون كل عائلتك وسأعوضك عما مضى وسأجعلك ترفعين رأسك بثقة فيما يجمعنا دائما "
هال بهية تعابير وجهه وقالت له بوجل واضح
" منذر، مابك…لماذا تتحدث بأسى كبير هكذا "
قال لها منذر
" ضميني فقط بهية، ضميني بقوة وامنحيني وعدًا ألا تفلتيني، وأن تظلي سكني وركيزتي "
تنهدت بهية وسلمت لأمره وهي تضمه بقوة بينما هواء البحر البارد يلفحهما حتى انفصلا عن العالم يغرقان داخل شعور من السكينة والاكتمال الذي لم يريدا أن يفيقا منه قط.

༺༻

تحوم بلا توقف في عقلي كأنك هوسًا بالغت به حتى بات منقوشًا على ملامحي يراه الجميع إلا عينيك التي مازالت تبحث في عن رجل لن أكونه يومًا.

༺༻

بمنزل فياض بباريس…

༺༻

عبرت سيارة من بوابة المنزل تسير بالطريق الممهد للسيارات حتى وصلت إلى الباب الداخلي فتوقفت ليفتح بابها ويترجل من السيارة فياض الذي وقف ينظر للمنزل نظرة حملت في طياتها الكثير، كأنما في صدره سجل حافل انطوت صفحاته التي خط فيها الكثير من الدماء والجنون والحزن والآن هناك سجل آخر سيفتح ولكن بأيدي فقد في وصلها الأمل أكثر مما أمل بها، كان متلهفا لرؤية تلك التي كانت عيناها دومًا النافذة المضيئة لظلام قلبه الدامس وكان مترددًا يصارعه الاسى حيال ما يحمله هذا اللقاء، كان ممزقًا ما بين حقيقة وواقع رؤيته لها التي لم يعد يطيق عليها صبرا وبين حقيقة ما يحمله لها والذي يتمنى لو أنه قابل للتأجيل لنهاية العمر، استدار فياض ينظر لماثيو الذي ترجل من سيارته وفتح الباب الخلفي لملكوت التي ترجلت أيضًا تنظر للمنزل بانبهار ليقول لها
" هذا من اليوم سيكون منزلك، وأنا بمثابة أخيك، وجميع من هنا عائلتنا الصغيرة، المكان هنا آمن لذلك يمكنك التخطيط لمستقبلك كيفما شئت"
نظرت له ملكوت بإمتنان وقالت
" شكرا لك سيد فياض "
فتح باب المنزل وخرجت منه فيلدا تقول بإبتسامة واسعة
" عودا حميدا سيد فياض، افتقدناك جميعا، وتمنينا أن تكون سفرتك هانئة"
قال لها فياض
" سعيد برؤيتك فيلدا، كيف هي الأحوال "
قالت فيلدا
" كل شيء يسير على نفس النظام الذي اعتدناه ماعدا بعض الأشياء التي غيرتها سيدتي لكنك نبهت أن لها حرية التصرف المطلق لذلك لم أعترض "
قال لها فياض
" جيد جداً، من فضلك فيلدا خذي الآنسة ملكوت لغرفتها "
قالت ملكوت
" ألن أرى رودين "
قالت فيلدا بلطف
" ولمَ لا، أظنها مستيقظة رغم تأخر الوقت، تفضلي " تحركت ملكوت خلف فيلدا ليقول ماثيو لفياض
" علينا أن نتحدث "
قال له فياض باستنكار
" نتحدث الآن، ماذا تغير في غيابي، هل انفصلت عن زوجتك ماثيو وأصبحت حرا طليق "
ابتسم ماثيو وقال
" لقد توقفت عن شكوكها نحونا بعدما علمت بوصول زوجتك، أنت حاليا مصنف لديها كأفضل رئيس عمل " قال له فياض
" إنه الوقت الأفضل لتطلقها، زوجتك متسلطة ماثيو "
ضحك ماثيو وقال
" سأفكر في الأمر لكن الآن…..
قاطعه فياض وقال
" أنا الآن أريد رؤية زوجتي، أجّل ما لديك للغد فأنا متعب "
قال ماثيو
" لكنه مهم جدا "
قال فياض وهو يتحرك
" ليس أهم مما لدي، أنزل الحقائب وغادر "
دجل فياض إلى المنزل وأسرع يقطع البهو نحو السلم ثم صعده بسرعة وخفة حتى الطابق الثاني لتأخذه خطاه نحو غرفته والتي يعرف أنها تتواجد بها.
༺༻
فتح فياض الباب بهدوء وتقدم للداخل ثم أغلقه خلفه ووقف ينظر للمشهد أمامه ط، مشهد انتظره منذ دهر، وظل يحلم به في ليالية الموحشة، كان يحلم أن يعود يومًا لغرفته ويدخلها ليجدها تستوطن سريره وتنام به بعمق وهي ترتدي ملابس إحتار كثيرا في تخيلها، فهو لم يعرف مطلقا ماذا تفضل
وهل تغير ذوقها في سنين فراقهما أم بقي على حاله، شعرها الناعم يغطي جبهتها وقد أحالت فراشه الكبير لفوضى ينتقل صداها لمشاعره، خلع فياض سترته وألقاها أرضًا ثم فتح أكمام قميصه وبدأت قدماه التي خلع منها الحذاء تقترب من السرير حتى توقف أمامه تمامًا لتتسع ابتسامته ثم تهتز بحنين وشوق، وتجري فوقها كما لو أنها جنون يسرح في أدق خلجاتها لتتوقف فجأة على خصرها المكشوف وقد ارتفعت قميص المنامة التي ترتديها لينظر فياض لخصرها كما لو أنه ينظر لوجه طفلة ويبدأ في لمسه بحنان جارف كان يزداد كما تزداد لمساته توغلا لتشهق كيان بفزع وهي تفتح عينيها لتحل عليها صدمة رؤيته قبل أن تعتدل بسرعة كبيرة وهي تقول
" فياض "
جذبها فياض بين ذراعيه يضمها بقوة ثم دار بها وهو يقول
" حبيبة فياض، وهوس فياض، وكل ما يريد …اشتقت اليكِ…يا إلهي ….رؤيتك في منزلي أروع مما ظننت، أنت هنا أخيرا " شعرت كيان بالدوار يلفها فتمسكت به ليطيح بها على السرير لتشعر بيده تحل أزرار منامتها وبشفتيه تغزوان بشرتها التي تشتاق لمساته ورغم ذلك تمسكت كيان بمنامتها بإستماته وسحبت نفسها بقوة لتبتعد عنه لينظر لها فياض بجنون ويهم بلحاقها فتقول له كيان بحزم
" لا ..نحن على خلاف أتذكر "
قال لها وهو يقترب منها بإصرار
" أنا لا أذكر شيء سوى أني أشتاق إليك"
ركضت كيان تبتعد عن السرير وهي تقول بجدية رغم مظهرها الغير جدي في عينيه
" علينا التحدث فياض "
قال لها بإستنكار
" الآن"
قالت له بغضب
" ولمَ ليس الآن"
نزع فياض قميصه وألقاه أرضا بعنف فنظرت كيان لعضلات صدره النافرة بإرتباك ثم ركضت تبتعد أكثر وهي تقول
" نعم الآن، وكفاك فرض في سيطرتك عليّ بتلك الطريقة الغير قابلة للنقاش، فياض أنا حامل "
اقترب منها متلهفا وقال
" أعلم يا كيان أعلم، هذا الحمل دليل انتصاري في معركتك التي تعبت من كثرة ما هزمتني وكسرتني، اقتربي "
قالت له كيان
" فياض كن جديا قليلا، واسمعني "
اندفع ليمسك بها فركضت تقفز على السرير وهي تقول بقوة
" فياض، ما تفعله لن يمنعني أن أقول ما لدي، وأنت ستسمعني"
تخصر فياض وقال لها
" ما الأمر الملح الذي تريدين قوله "
قالت له وقد تركت صدر بيجامتها المفتوح أخيرا
" فياض أنت يجب أن تتغير، يجب أن تكمل علاجك ..يجب أن تكون صريح معي، وتمنحني الفرصة لأرى كافة أوجهك، يجب أن تجعلني شريكتك بذاتك والوحيدة التي تدري بحقيقة وجعك ومرضك وعلاجك، فأنا بعد كل ما مررنا به يجب أن أكون بحياتك الأحق بكل ذرة إنسانية وخير بداخلك، أرجوك يا فياض افهمني أنا أقول لك ما أقول لأني لا أريدك أن تدمر الركيزة الوحيدة في زواجنا، لا أريدك أن تدمر آخر شيء أشعر أنه قابل لأستند عليه في طريقي نحوك، وهو قلبك "
تجمد فياض للحظات وتهدلت أكتافه فنزلت كيان عن السرير واقتربت منه وقالت
" أنا وأنت وطفلك نستحق منك حياة مستقرة، وهذا لن يحدث ما دمت تخفي عني كل شيء وترفض علاجك " ضمها فياض بحنان وقال لها
" ليست كل الحقائق مريحة كيان، فأنا منذ وصولي وأنا أتمنى أن يموت ضميري أكثر لكي أكذب عليك متى شئت بكل راحة فلا أؤلمك بحقيقة أيا كانت "
أمسكت كيان وجهه بين كفيها ونظرت لعينيه الذي انطفأ فيهما العبث وحل مكانه الحزن والانكسار وقالت
" ماذا تقصد فياض، ما الذي تخفيه عليّ ويؤلمك لتلك الدرجة "
قال لها فياض
" سأخبرك ولكن ليس الآن أرجوك، لن أستطيع "
قالت له
" بل ستستطيع فياض، لأن هذا ما أريده منك وأريده بيننا، صراحة مطلقة مهما كانت قاسية ومؤلمة "
هز فياض رأسه برفض كأن ما تطلبه فوق طاقته، ليزداد هلعهًا وهي تقول له
" أرجوك فياض تكلم، لا تصمت هكذا أرجوك، ماذا تخفي عليّ، هل نحن بخطر، هل ما حدث لي سيعاد، هل كل شيء لم ينته،
هل مازلنا اسرى لماضي اسود ولم نتحرر منه، هل سيضعوني في القبر مجددا، أرجوك تكلم "
قال لها وهو يحيط وجهها بكفيه
" أرجوك كفى، لا تضغطي عليّ، سأخبرك لكن ليس الآن "
قالت له
" أنت تخيفني "
قال لها
" أنا خائف عليكِ "
قالت له
" هل فعلت شيء يهدد أمن طفلي فياض، هل سأفقده " أغلق فياض فمها بكفه بقوة وهز رأسه لا يطيق فكرة أن تكون وطفله الذي لم يعرف بوجوده سوى من ساعات بخطر ثم قال
" سامحيني كيان، سامحيني أرجوك "
هزت كيان عيونها بتساؤل فقال فياض بقهر شديد
" حذيفة مات "
سكنت للحظة بين يديه كما الجثة تحاول استيعاب ما قاله ثم تساقطت الدموع من عينيها ليرفع كفه ببطء سامحا لصرخة القهر بداخلها أن تنطلق بينما قدميها يتهاويان فتسقط أرضًا وهي تصرخ فيسقط بجوارها يضمها ويحتويها وهو يقول
" كان الأمر صعبا علينا جميعا، لكننا انتقمنا لموته "
ظلت كيان تصرخ وتبكي بإنهيار لتقتحم رودين الغرفة ومن خلفها ملكوت وفيلدا ليرون ذلك المشهد المروع وفياض يقاتل ليسيطر على انفعلات كيان التي سألته بانهيار
" من قتل أخي يا فياض، لقد انتظرت أن ينتهي كل هذا لنعود سويًا كما كنا، لقد كنت آمل أن يمنحني وإياه القدر فرصة لنعود إخوة كما كنا قبل هذا الظلام الذي ملأ حياتنا، من قتل أخي، أرجوك أخبرني "
قال لها فياض وهو يحاول تهدئتها
" سديم "
الإسم كان كمطرقة جبارة حطت على رأس رودين التي شعرت بكل ذرة فيها تسحق دون هوادة ليكمل حديثه قائلا " لكننا انتقمنا له وقتلناها، لقد ماتت شر ميتة وياليت كان بإمكاننا أن نقتلها أكثر من مرة لفعلناها "
حينها شعرت رودين أن تلك المطرقة الساحقة ترفع عنها شيئًا فشيء لكن بعدما ساوتها بحبات التراب وجعلتها أشلاء بلا كيان أو قيمة، سقطت رودين في هلع أحكم قبضته حول أنفاسها التي اضطربت لتفقيق على صراخ فياض
" استدعوا طبيبا حالا " فانتفضت تركض نحو كيان التي تبدو قد دخلت في نوبة هلع من أثر الصدمة.

༺༻

إرتجافتك بين ذراعي ستظل تستوطن جسدي ما بقي من الدهر كما لو أنها سجن عتيق أغلقت أبوابه على أحاسيسي ومشاعري، أنا الآن في أسرك.

༺༻

بعد أيام داخل أحد فنادق العاصمة ليلا ……..

كانت بتول تقف في الشرفة تتأمل منظر النيل الساحر والذي تتلالأ على صفحته الصافية انعكاسات أضواء الأعمدة والمطاعم العائمة، كانت تحاول تصفية ذهنها قدر الإمكان وإقناع ذاتها أن الضغط الذي ترضخ تحت طائلته الآن كونها باتت زوجة رجل كفيلو لا يقارن بكل ما تعرضت له بحياتها وأنها أقوى من أن تقيدها رهبة مؤقتة قد ترحل أو مشاعر كراهية تنضح من حروف أهل زوجها والذين تحاول تجاهل أصواتهم التي تخترق باب الشرفة المغلق وتصلها، هزت بتول رأسها بيأس وهي تشعر أنه لا مفر من هذه المواجهة
أيضا، لذلك تحركت نحو باب الشرفة وفتحته وولجت إلى الداخل لترى حرب يقول بإنفعال لفيلو
" هل أنت بلا عقل لتضعنا في كل ما وضعتنا به وبدلا من تنتظر عودتنا نعد لنجدك تركت لنا رسالة ورقم، لقد ظنناك ميت، لقد أبيت إلا أن أعود للشيخ سفيان إلا بك أو بجثمانك، لقد ظللنا بالصحراء لأسابيع نحاول أن نجد شخص يساعدنا في استلام جثمانك لو كان بين الموتى، لقد عشنا فزع لنجد زوجتك وماذا فعلت أنت، أخذتها وذهبتما للمدينة الساحلية، ماذا كنت تفعل هنا بربك، بعد كل ما حدث لك لماذا لم تحاول إيجادنا لنغادر معا تلك البلد بدلا من التعامل بلا مسؤولية مريبة وجحود، كأنما حدث لعقلك غسيل "
وضعت بتول يدها على وجنتها وجلست على أريكة بعيدة عن جلستهم تكاد لا تفهم سر الكره الشديد الذي يكنه هذا الرجل لها، حتى أنه يتهمها أنها تسيطر على فيلو، ليته يعلم أن فيلو قادر على أن يسيطر على بلد بأكملها، نظر فيلو لحرب بهدوء وقال " أنا حين عدت ظننت أنكم رحلتم، حتى حين علمت أنكم لم تسجلو خروجكم من الفندق ظننت أنكم لم توفقوا بالعودة إلى الفندق فرحلتم فورا بعد تعقيد الموقف مع ذلك القذر، ورغم ذلك تركت الرسالة لكي لا أترك مجال للتخمين فإن كنتم هنا سأعلم وإن رحلتم كنت سأتي إليكم لم أكن لأمرر كل ما فعلتوه معي دون شكرا وامتنان مني ومن زوجتي د، أما عن سفري فهو كان هام لتسوية بعض الأمور التي تخص عملي ولذلك لم أستطع تأجيله، أنا مصدوم في الحقيقة ….أنا ظننت أنكم ذلك اليوم رحلتم وتركتوني خلفكم بعدما اكتفيتم من كوارثي "
قال سلام باستنكار
" لو أنك تعرفنا جيدا لأدركت أننا لم نكن لنتخلى عن أخ لنا وهو في مأزق، نحن فقط قررنا أن نجد حلا ولكن الوقت لم يسعفنا فقد تصاعدت الأمور "
قال له فيلو
" هذا الأمر يزيد من صدمتي، كأني أتيقن أكثر أني في النهاية أملك أصل طيب "
عم الصمت للحظات قبل أن يقول حرب
" تركض وتركض ثم تعود لنفس النقطة، أنت تلومنا كما تلوم والدتك على ما حدث لك لذلك مهما قدمنا لك من محبة وترحيب ستختار البعد حين يكون متاحا ….وقد بات بالفعل متاحا "
نظر حرب لبتول بطرف عينيه ليعتدل فيلو في جلسته المسترخية ويقول
" أنا لا أريد أن أظهر أمامكم في مظهر الوضيع الاستغلالي، الغاضب المتحامل لأني حقا لم أملك يوما أشخاص منحوني الدعم المطلق مثلكم، أنت من الوهلة الأولى كنت عائلة وأنا من الوهلة الأولى كنت رجل بلا عائلة وهذا لا يعني قطيعة أو خلافه، بل سنظل على تواصل، ربما نتبادل الزيارات أحيانا فأنا أتمنى حين أحظى بطفل أن أخبره أنه يملك عائلة كبيرة، قد يفعلون أي شيء لأجله ومحبتهم جلية وغير مشروطة، أنا انتظرتكم كثيرا حرب لقد وصلتم متأخرا لكن وصولكم كان بالنسبة لي أفضل من لا شيء لذلك أنا ممتن لكم "
صمت حرب ثم سأله بغضب
" ما الذي تنتوي فعله الآن، وبعد أن وجدت زوجتك وتخلصت من أعدائك، وتعرفت على عائلتك " أرخى فيلو ظهره للخلف ثم نظر تجاه بتول وقال
" أظن أني وزوجتي نحتاج أن نستعيد حياتنا، أنا سأعود لباريس، سأستعيد ممتلكاتي وأعمالي، سأحاول التوسع والاستقرار وتكوين أسرة … وربما سأحظى معهم بإجازة لنزور العائلة، أليس هذا رائع "
قال له سلام
" لمَ لا تعيد التفكير في ذلك، فنحن نريدك بيننا ومكانك بيننا محفوظ "
قال له فيلو
" أنا بت أخيرا أعرف أين سيكون مكاني لذلك لا تقلقا وأبلغا تحياتي للشيخ سفيان ".
༺༻
بعد بعض الوقت بأحد ساحات مطار القاهرة كانت بتول تنظر للطائرة الخاصة التي في انتظارهما وتقول لفيلو
" بربك، أهذا وقت بزرح غير مبرر، أتدري كم تكلفتها فيلو، نحن قد نعلن إفلاسنا إذا واجهنا مشكلة مع الحكومة على خلفية إختفائك وما حدث "
قال لها فيلو وهو يلمها تحت ذراعه ويتحرك معها بهدوء نحو الطائرة
" بتول أنا وأنتِ سنحتاج مساحة من الخصوصية " توسعت عيناها وقالت بإستنكار
" في الطائرة "
ضحك فيلو وقال
" أنا لست مسؤول عما ذهب إليه عقلك "
توردت ملامح بتول بخجل فقال لها
" لقد نظمت العديد من الأشياء مع فيرينيل، أهمها أنه سينظم مؤتمر صحفي وسيدعوا العديد من المصورين لاستقبالنا بالمطار، ونحن سنحتاج وقت لنرتب أفكارنا ونتفق على كل تصريح سنخرج به، يجب أن تكون عودتنا قوية لكي تمثل للحكومة نوع من الإرهاب تجعلهم يتعاونون معنا بأقصى جهدهم حتى أسترد أموالي ومكانتي بسلاسة ودون تعقيد ولتبرأتك من التهمة المنسوبة إليك "
قالت له بتول
" أنت لا تفهم مدى عدوانيتهم في التعامل معي، فيلو أرجوك لا تحاول إثارة حفيظتهم "
قال لها فيلو
" لمَ أنت هلعة هكذا، لقد مررنا بما هو أسوء وخرجنا لنكمل حياتنا، ولأحظى بفرصة لأمنحك دروس غاية في الدقة والأهمية ط، كم أنتِ محظوظة لأني أمنحك عصارة خبراتي دون قيود " قالت له بتول
" الرحمة منك ومن خبارتك أنا أجهدت حقا "
قال لها بعبث
" هذا هو المطلوب "
هزت بتول رأسها بيأس منه فمال فيلو يقبل رأسها وهو يقول
" هذه آخر خطوة في رحلتنا الصعبة وبعدها سيكون كل شيء بخير "
تنهدت بتول وقالت له
" أتمنى هذا حقا "
صعدت بتول سلم الطائرة وصعد فيلو خلفها ليجدا مضيفة لطيفة في استقبالها ليقول فيلو لبتول
" استرخي واطلبي شيئا لتشربيه وأنا ستأكد من الطيار هل موقع الهبوط كما اتفقت مع فيرينيل أم هناك تغيرات "
قالت له بتول بقلق
" لو أن هناك تغييرات لمَ لم يخبرك بها السيد فيرينيل " قال لها فيلو
" أحيانا تكون هناك قرارات لحظية، ثم أنا أتأكد لا أكثر " أمسك فيلو كفي بتول يدلكهما بحنان وهو يقول
" استرخي فقط …لحظات وسأعود "
هزت بتول رأسها بطاعة فتحرك فيلو نحو مقصورة القيادة ودخلها ثم أغلق بابها خلفه ليقول له الطيار الذي يجلس على مقعده ليتأكد ويهيء الطيارة للإنطلاق
" تسعدني رؤيتك حى تتنفس فيلو"
خلع فيلو الخاتم الغريب من إصبعه وقدمه له وهو يقول
" أنا أيضا سعيد لأنها آخر مرة سأراك بها "
نظر له الطيار بطرف عينه وقال
" آخر مرة التقينا بها كان لديك يقين قوي أني سأجدك جثة مشوهة وربما لن أتعرف عليها سوى من خلال ذلك الوشم الذي وضعته من أجل أن نتعرف عليك إذا ساءت الأمور "
قال له فيلو وهو ينظر له بعنف
" لقد ساءت بالفعل، ساءت كثيرا لكن يبدوا أني أملك ملاك حارس "
قال له الطيار بعبث
" زوهرية "
انفعل فيلو وقال من بين أسنانه
" إياك أن تلمح لهذا الأمر ولو على سبيل الطرفة، ما بيننا انتهى الوشم زال والاتفاق أيضا، حاليا نحن أحرار من بعضنا "
قال له الطيار ببرود
" هذا المتوقع، لكن أظن لديك رسالة لي "
نظر له فيلو وقال
" قبل أن أبلغك بها ألن تخبرني تبع من أنت وما دورك في تلك القصة، كل الذين مروا عليّ أدركت موقعهم وقوتهم وأهدافهم لكن تبقى أنت ومن خلفك اللغز الوحيد الباقي "
ضحك الطيار وقال
" سؤالك لا جواب له لدي، ثم ألا ترى أنه سؤال متأخر "
قال له فيلو
" حين التقينا لم يكن للأسئلة مكان، فأنا حينها كنت مهدد وزوجتي مهددة أعقد صفقة مع أنثى الشيطان، فلم يكن لدي ما أخشاه إن تبادلنا المنافع "
قال له الجالس أمامه
" ذكي ووضعت رهان ضخم أنك ستنجو "
قال له فيلو
" وضعته مع من "
أجابه الطيار
" مع من شاهدوا المباراة التي حدثت دون أن يكون لديهم صلاحية للتدخل، فكنت أنت عينهم بالداخل وكانو هم أمانك بالخارج "
قال له فيلو
" أما عن عيناي فقد شهدت موتهم فردا فردا وأما عن الأمان فها نحن سنصل وسنرى كيف ستسير الأمور أما عن الرسالة فتقول إن كنت أديت مهمتك بنجاح فارحل دون عودة ودون أن تقترب من أحد إخوتي وتذكر أني سأفتح لك الباب لترحل بسلام ليس ضعفًا منا ولكن ليكن في عنقك وعنق من خلفك دين لي قد أطالبكم يومًا بسداده، أظنك تفهم ما تقصده "
هز الطيار رأسه بتأكيد وقال " وصلت الرسالة، علم وسينفذ "
وقف فيلو وقال له
" سنرى "
ثم فتح باب المقصورة وتحرك خارجها ليخرج الطيار هاتفه ويكتب رسالة فحواها
" هناك دائرة على وشك أن تغلق وتترك المساحة لدائرتنا لتتسع دوائر أرض السيد لن تنتهي أو تموت ".
༺༻

لو أنك الموت الوشيك فهلا منحتني نهاية ملحمية وسلمتني عنقك لأجعل مقبرتي في عمق الترقوة ما بين ثغر النحر والعاتق.

༺༻

باليوم التالي …. ..

توقفت سيارة أيوب أمام بيت الرفاعية الذي نظرت له ملاك برهبة بعكس طيف التي فتحت الباب بحماس وترجلت من السيارة تضبط حجابها وحقيبتها التي تحمل بها بعض أشغالها اليدوية ليقول لها أيوب
" انظري لأختك، تنظر للمنزل الذي ستتزوج به كأنه بيت الاشباح "
نظرت له ملاك من نافذة السيارة المفتوحة وقالت
" قل الكلام هذا لشخص غيري، بات يعلم تاريخ العائلة بأكمله "
ضحك أيوب وقال لها
" أتهدديني بسري الذي معك "
قالت له ملاك
" بل أذكرك "
ثم سحبت كتيب الأذكار من حقيبتها وفتحته ليقول لها أيوب بصدمة
" ماذا تفعلين يا ملاك "
قالت له بإصرار
" أحصن نفسي ط، دقائق وسأكون معك "
نظر أيوب لطيف وقال لها
" تفضلي يا طيف الفتيات في انتظارك اعبري ساحة المنزل وستجدي الورشة في الخلف، فيبدو أن أختك تحتاج بعض الوقت "
نظرت له طيف بإستغراب وقالت
" تحتاج وقت لتفعل ماذا، ألا تلاحظ غرابة أطوارها كلما خص الأمر منزلك وعائلتك، ألا يسبب لك الأمر أي ضيق، أسفة ولكني في حالة ذهول "
ضحك أيوب وقال
" ليس أكثر مني، لكن لندعها تفعل ما يحلو لها هي في النهاية عروس "
قالت طيف لملاك
" يا عروس، ماذا هل لن تدخلي معنا "
أعادت ملاك كتيب الأذكار للحقيبة وقالت
" أنا مستعدة "
ثم فتحت باب السيارة وترجلت منه تقف بجوار أيوب فأسرعت طيف تسبقهما للداخل ليقول لها أيوب بمرح " أهلا بك ببيت الرفاعي " قالت له ملاك فجأة
" هل لديكم سراديب "
رفع أيوب حاجبه متفاجئا وقال
" سراديب "
هزت راسها بتأكيد فقال لها
" هيا يا ملاك، تحركي لأن الوقت يمر والحكايا تتوسع منا بشكل لا يعقل "
تحركت ملاك بجواره بخجل فقال لها أيوب
" ربما وجهة المنزل لا تعكس ضخامة مساحته لكنه كبير، الباحة التي سنصل إليها يمكننا أن ندور حول المنزل لنصل إليها، أو نعبر من وسط المنزل ونخرج نحوها من الباب الخلفي، سأريك المنزل من الداخل لكن بعدما تلتقي بالفتيات فهمن متحمسات للقائك " سألته ملاك
" من صاحب فكرة الورشة "
قال لها أيوب
" جدي يخشى على فتيات العائلة كثيرا، وكان يحرص على ألا يذهبن لمدارس بعيدة عن المنزل أو لجامعات تستلزم سفر وبيات لكنهم أعلنوا عليه التمرد منذ أربع أعوام لأنهم يريدون العمل وقد جاء لمعظمهن فرص لا تعوض، لكنه رفض وليتدارك الأمر أقنعهم بأن يأسسوا مشروع خاص بهم ومنحهن مبلغ من المال، أعتقد أنه في ذلك الوقت كان قد زاع صيت مكتبك أنت وسارة وحور وكنزي فتشجعوا وبدأو بالبحث عن مشروع جيد وبعد تجارب وخسائر، استقروا على ورشة أعمال يدوية
ذات أنشطة مختلفة من ضمنها تصميم الذهب والفضة ولحسن الحظ المشروع نجح فعلا بل وبدأ يدر ربح ساعدهم على التمرد أكثر "
ضحكت ملاك برقة وقالت
" أنا متوترة جدا من مقابلتهم "
قال لها أيوب
" لا تقلقي بعضهم يعتبرك مثل أعلى فقد استلهموا مشروعهم منك انت والفتيات "
توسعت أعين ملاك بصدمة وقالت
" حقا "
قال لها أيوب
" بالطبع، لا تظني عكس ذلك "
نظرت ملاك للمبنى المكون من طابق واحد والذي يبدو حديث وغريب كما لو أنه مقهى شديد الحداثة داخل قصر عتيق الطراز، ثم ولجت إلى داخله لتصدم من مساحته وتنوع القطع الفنية الموجودة داخله،
قال لها أيوب بهمس
" إن لم يعجبك الأمر أخبريني فقط، لا تخجلي " هزت راسها وهي تلمح أربعة فتيات يقتربن منهما يتسمن بالاحتشام والجمال والعيون الوامضة لتقول إحداهن
" أهلا وسهلا أنسة ملاك، أتعرفين كم كلفنا إحضارك إلى هنا "
نظرت ملاك لأيوب بعدم فهم فقالت لها يارا
" لا تنظري إليه هكذا، إنه استغلالي كبير، ورطني في تحضير عشائه المفضل وبعدها خمسة فناجين من القهوة وكي كامل أقمصته، وبعدها …..
قاطعها أيوب يقول
" كفى، ليس بأول مقابلة "
قالت سارة
" أنت محق، سأخبرها بالباقي في وقت لاحق "
قالت لها فتاة أخرى وكانت تبدو أكثرهم عملية
" أنسة ملاك بعيدا عن كونك ستصبحين عروس ابن عمي لكن إصرارنا على تصميم شبكتك يعود لأسباب خاصة، نحن نريد أن نسوق لأنفسنا من خلالك فعلى حد علمي وسطك الاجتماعي زاخر بالمعارف "
كتم أيوب ضحكته فقالت لها ملاك
" أنا …
قاطعتها زاد تقول
" نحن لن نضغط عليك ليس مطلوب منك سوى مساعدتنا في إعطائنا توقعاتك عن تصميم الشبكة وبعدها سننفذه لك وإن عجبك عليك الظهور به في المناسبات العامة " قالت لها ملاك
" لكني ….
لم تمنحها زاد الفرصة وهي تقول
" قد تظنيننا ورشة لفتيات مبتدئات لكني أريد أن أوضح لك أننا محترفات جدا و…
قاطعتها طيبة تقول
" انتظري يا زاد، لنسألها الاسئلة المهمة أولا، متى بدأت قصة حبها هي وأيوب "
نظرت ملاك بحرج بجوارها فلم تجد أيوب بل وجدته يقف بجوار طيف بعيدا أمام بعض المشغولات، فنظرت لهن وقالت
" الأمر ليس هكذا، أقصد لا يوجد قصة، كل ما في الأمر أني تورطت في قضية كبيرة وهو كان المحامي الخاص بي "
تكلمت رابعتهم بأسلوب يشبه المحققين وقالت
" هل دخلت الحبس "
هزت ملاك رأسها بتأكيد فضحكت بإنطلاق فاجأها وقالت
" إذا قصة حب داخل الزنزانة "
ضحكن جميعا فقالت ملاك بتوتر
" بالطبع لا، الأمر ليس هكذا، لكنه تقدم كأي خاطب ثم بدأنا في تبادل الحديث، كان يحكي لي عن ….
صمتت ملاك بإرتباك فقالت لها زاد وهي تضيق عينيها
" عن ماذا ولماذا تغير لون وجهك هكذا، هل الأمر محرج "
أسرعت ملاك تقول بإنكار
" لا …لا، هو كان يحكي لي عن الجنية التي تزوجها جدك وكيف تعرف عليها، لقد قدرت صراحته، رجل غيره ما كان ليعترف أن لديه صلة بعالم الجن "
صمتن لوهلة ثم انطلقت ضحكاتهن لتقول يارا
" أعجبتني، بربكم أليس اختيار موفق، أيوب ليس سهلا "
قالت طيبة
" بالطبع ليس سهلا الفتاة صدقته، انظري لوجهها " قالت زاد
" لهذا ستعجب زوجة عمي أنها تحب من يصدق أولادها "
تجمدت ملامحهم للحظة قبل أن تسارع كامليا بتغيير
الموضوع وهي تسأل ملاك
" ماذا أخبرك بالضبط " قالت ملاك وهي تشعر أنها ضائعة بينهم
" أخبرني أن جدك كان يعمل لدي تاجر ثري زوجه أخته التي اكتشف أنها من الجن " قالت لها يارا
" إن ساعدتينا في الانتشار من خلال معارفك سأخبرك بالحقيقة، ما رأيك"
قالت لها ملاك وهي تقطب حاجبيها
" أيوجد حقيقة غير هذه " غمزتها طيبة وقالت
" حقائق، هل اتفقنا "
اقترب منهم أيوب وقال وهو يجذب ملاك من بينهم
" ماذا تفعلون يا عفاريت، هذه ضيفة "
قالت ملاك بهمس
" بسم الله الرحمن الرحيم" قالت له زاد
" بربك كيف أقنعتها بأنك نصف جني "
قال لها أيوب
" هي لا تحتاج إقناع ثم لا تنكرين الأمر "
قالت له زاد
" لا أنكر أم لا أفسد حكاياتك"
قال لها
" إلا حكاياتي، أتسمعن "
ثم قال لملاك
" أم أيوب تريد رؤيتك، تعالي وسنعود لهؤلاء العفاريت بعد قليل "
تحرك أيوب بملاك فقالت طيبة
" زوجة عمي سعيد بالعروس، كأنها ستفك اللعنة وستحضر الغائب، وتصلح ما كسر"
تنهدت يارا بحزن ثم قالت وهي تنظر لطيف
" الفتاة تبدو متحمسة وموهوبة وأظنها ستتعلم بسرعة كبيرة "
نظرت لها زاد نظرة تقيمية وقالت
" بالفعل ".

༺༻

بالخارج …..

كان أيوب يقترب بملاك من الباب الخلفي للمنزل ليتوقف فجأة ويقول لها
" عنقك "
أسرعت ملاك تضع يدها على عنقها وهي تنظر له بتساؤل فقال
" عنقك مكشوف "
حاولت ملاك تظبيط الحجاب لكن توترها كان يزيد الوضع كارثية فمد أيوب يده وبدأ يرتب لها حجابها بهدوء وقال " لقد عدلته "
أسبلت ملاك عينيها بخجل وقالت له
" لماذا يخبرني الفتيات أن هناك حقائق لم تخبرني بها " ابتسم أيوب ابتسامة لمعت لها عينيه وقال
" لأني لا أريد لكل الحكايا بيننا أن تنتهي دفعة واحدة، دعينا هكذا ملاك نقول كل شيء دون أن نقول شيء، وليكن ما بيننا هادئًا ومميزا لا يمكن لأحد فهمه غيرنا "
تمنت لو أنها تفهم ما يرمي إليه، تمنت لو أن حديثه البسيط أكثر بساطة لكنها في نفس الوقت كانت تشعر أنها توافقه الرأي بشكل غير مفهوم، أن تقبل وتقبل بما قرره للقادم بينهما.

༺༻

كفاك تماديا باستعماري فقد بات صدري كمدينة لا يملأها إلا ضجيجك، وباتت أحداقي كقاع محيط عميق لا يتلاطم به إلا سيل هواك الجارف.

༺༻


بنفس الوقت بأحد محلات ملابس الاطفال …

كانت سيادة تقف بجوار مؤيد أمام قسم ملابس الفتيات وتقول بسعادة بدأت تنعكس على كل لمحة منها وقد تقربت من مؤيد الأيام الماضية بشكل لم تفعله من قبل
" أنت هكذا تفسد ابنتي"
قال مؤيد
" أنا من كان ينتقي ملابس كنزي دومًا وها هي باتت عروس وتزوجت رغمًا عني "
قالت له سيادة وهي تكتم ضحكتها
" هذا أدعى أن تترك لي أمر اختيار الملابس، فكنزي فيما يخص الملابس لديها تحرر رهيب "
قال لها مؤيد
" هذا لأني عودتها أن تفعل ما يحلو لها مادامت لا تفعل شيء خاطيء "
قالت له سيادة
" هل تمزح معي، مؤيد أنا أخشى الملابس المكشوفة جدا لأسباب خاصة بي فأرجوك لا تشجع ابنتي على ذلك " نظر لها مؤيد وقد فاجئه حديثها وقال
" كيف لأسباب خاصة بك " ظهر الألم على وجه سيادة التي قالت
" دعنا لا نتحدث في هذا، وانتقي لها ما تريد وأنا سأذهب لأحضر لها بعض رداء استحمام وردي "
همّت سيادة بالتحرك فأمسك مؤيد الذي يحمل ماسة رسغها بقوة فنظرت لعينيه برهبة من أن يسألها سؤال تخشى من أن تبوح بإجابته لكنه فاجأها وهو يقبل وجنتها ويقول
" لا بأس "
أغمضت سيادة عينيها للحظة ثم ابتسمت وقالت
" لقد لمحته بالقسم المقابل، دقيقة وسأعود "
تحركت سيادة تتخبط في ذاتها وومضات مما كان يحدث لها وهي طفلة تطوف برأسها لتهز رأسها بإنفعال أفاقت منه حين كادت أن ترتطم بطفلة تركض وهي تضع في فمها لهاية لا تناسب سنها، انحنت سيادة لتسألها عن كونها تأهة لتسمع صوت جمدها يقول بحدة
" جوري، أين لهاية أختك " تحركت الفتاة يمينًا ويسارا كأنها تريد الهرب فيما تجمدت سيادة تنظر لحيان الذي كان يقترب من الطفلة ثم انحنى وحملها وهو يقول
" سأشتري لكِ واحدة غير هذه لكن لا تخبري ورد هل تسمعيني "
اسم ورد الذي أدخل عقلها في ذكريات ذلك الوكر العفن جعلها تقول
" حيان "
تجمد حيان يضم ابنته بتحفز وينظر لسيادة وهو يهز رأسه متسائلًا عن هويتها ليأتيهما صوت ورد المنفعلة تقول
" كم مرة سأقول لك أنك تفسدها، اللهاية لمثل سنها خطأ …خطأ، هل لا تصدقني "
قال لها حيان
" لمَ خطأ، هل هي لهاية قاتلة، ابنتي تريدها فتبًا لرأي الطبيب "
حركت ورد رأسها بغضب ليقترب رابي يدفع بعربة أخته وهو يقول
" توقفا عن الشجار "
قالت سيادة بصدمة
" هل تزوجتما حقا "
زغرها حيان فيما نظرت لها ورد وقالت
" عفوا هل نعرفك "
قالت لها سيادة
" أظن ذلك، لقد كنا نعرف بعضنا منذ سنوات طويلة، داخل وكر البدري "
توسعت أعين حيان فيما قالت ورد لرابي بحزم
" خذ أختك وقف بعيدا " تراجع رابي بتوتر
" لتقول سيادة بخجل
" أنا لم أقصد، أنا أسفة، أنا سيادة هل تذكراني"
ضيق حيان عينه ليقول بصدمة
" الفتاة التي هربت " ابتسمت سيادة وقالت
" نعم أنا "
صمتت للحظة ثم قالت
" مبارك لكما ما وصلتما إليه، لقد كونتما عائلة، هذا رائع "
قالت لها ورد وهي تتعلق بذراع حيان وتجذبه للخلف كأنها لا تريد أشباح الماضي أن تخترق عالمهما
" شكرا لكِ "
قالت سيادة بتخبط
" لقد ظننت دومًا أن حيان سيسير على خطى أبيه "
قال لها حيان
" هذا ما ظنه الجميع لكني أبيت، أنا في ذلك الوكر كنت طفل شوارع إن أثبت مهاراته سيتصعد لمستوى أكثر خطورة، فقررت ألا يتم ذلك، أنا منذ زمان اخترت لنفسي طريق غير طريق البدري، فما كان خلف إجرامه سوى باب إن فتحته لن يغلقه سوى الموت، وأنا ما كنت لأرمي نفسي للتهلكة وبرقبتي أمانة "
نظر حيان لورد التي مالت برأسها على ذراعه في مشهد تأثرت له سيادة التي قالت
" أنا سعيدة من أجلكما " قالت لها ورد
" ونحن سعيدان لنجاتك " همت سيادة بالرد عليها ليقاطعها صوت مؤيد الذي ينظر للمشهد أمامه باستغراب ويقول
" هل وجدت ما تحتاجين إليه "
قالت سيادة بتأثر
" لا لكني وجدت معارف جمعنا الماضي، هذا السيد حيان وهذه زوجته السيدة ورد "
قال لها مؤيد
" لقد التقينا من قبل سيد حيان "
مد حيان يده لمؤيد بخشونة وقال
" السيد مؤيد غني عن التعريف"
قالت سيادة دون تفكير رغم تفاجئها
" إنه زوجي، وهذه طفلتنا " قالت ورد لها
" سعيدة لأجلك "
حركت سيادة رأسها بإمتنان
قال حيان
" عذرا منك سيد مؤيد فلدينا يوم طويل "
قال له مؤيد
" بالطبع، تفضل …فرصة سعيدة حقا "
لمّ حيان ورد تحت ذراعه وتوجها نحو رابي فيما وقفت سيادة تراقبهما بصدمة ليقول لها مؤيد
" ما بكِ "
أجابته بصوت مختنق
" أشعر أن الله يخبرني أن هناك أشخاص مروا بأصعب مما مررت به لكنهم استطاعوا النجاة وإكمال حياتهم "
صمتت سيادة ثم نظرت لمؤيد بعيون لمعت فيها الدموع وقالت
" أتعلم أني أستطيع قتل عشرة رجال بمفردي ورغم ذلك لا أستطيع أن أشعر أني آمنه، أمان ذراعيك أقوى بكثير من كافة قدراتي، أقوى من كل ما بإستطاعتي فعله لحماية ذاتي،
أنا قوية في كل شيء إلا أنت مؤيد، إلا أنت "
قال لها مؤيد بلهفة واحتياج
" لنتزوج سيادة، لنتزوج ليجمعنا منزل واحد
نربي به ماسة ونأتي لها بإخوة ونعرف به معنى السعادة "
بكت سيادة وهزت رأسها موافقة فقال لها
" لنذهب للمأذون الآن " هزت رأسها برفض ثم مسحت دموعها وقالت
" ليس هذه المرة مؤيد، فهذه المرة ليسير الأمر كما أمل عليك أن تذهب لحكم وتطلب يدي منه وتتزوجني حسب الأصول، لقد وليت حكم أمري كأخ دعمني وساعدني كثيرا، ولن أستطيع تخطيه " قال لها مؤيد "
أطلب يدك من حكم "
قالت له
" وتحضر لي خاتم وفستان وربما أطلب زفاف ضخم " بدا عليه التفكير للحظة ثم قال
" هل سيحتاج الأمر أن أخذ منه موعد أم يمكننا الذهاب أليه الآن "
اتسعت ابتسامة سيادة وأمسكت ياقة سترته وجذبتها بقوة ليقترب منها حتى تعانقت أنفاسهما وقالت
" لنذهب إليه الآن ".

༺༻

سرمدية وقاتلة تلك الحرب التي أشنها على طرف ثغرك، كل نجاة تكتب لي منها يرافقها طريقة جديدة للموت.

༺༻

بعد أسبوعين بمطار القاهرة.


كان ليل يقف في قاعة الانتظار تتحرك عيناه ما بين شاشة الهاتف ووجوه الوافدين، ترقبه لظهور فخر بعد ما يقارب الثلاثة أسابيع من الغياب يتلاعب بنبضه، الدقائق تمر وهو يتحرك يمينًا ويسارًا ليفرغ توتره حتى سمع صياح فخر يقول
" أخي "
ركض ليل كما لو أنه يستقبل غائب منذ ثلاثين عامًا يحضن فخر الذي كان سعيدا كما لم يره من قبل، حضنه فخر بقوة وقال
" اشتقت اليك، ليتك كنت معنا، لقد اتفقت مع يهدين ألا نسافر مجددا بدونك أنت وسمراء "
ابتعد ليل عن فخر وسأله
" هل أنت بخير "
قال له فخر
" بل بألف خير، أخوك بات رياضي "
نظر له ليل بتهكم ثم نظر ليهدين التي كما عادتها تخفي معظم وجهها أسفل قلنسوة سترة فضفاضة تظهرها كمراهق صغير وقال لها
" حمد لله على السلامه، سمراء سعيدة بعودتكما المفاجئة وتنتظركما بالمنزل، لا أحد سيصدق أنكما قطعتما شهر عسلكما وعدتما "
قال له فخر
" ولا نريد لأحد أن يعلم، فيهدين قطعت وصلة جنونها خصيصا لكي تزور أرض العزايزه، منذ علمت بدعوة عمي سالم وهي تستيقظ وتنام وهي تتحدث عنها لذلك نحن سنتوجه لهناك مباشرة "
قال له ليل باستنكار
" على الاقل ارتاحوا ليومين وبعدها سافرا كما يحلو لكما "
تكلمت يهدين وقالت
" حينها ستكون أجازة فخر قد انتهت، وفي الحقيقة أنا متحمسة جدا لزيارة هذا المكان وخاصة أني قررت ألا أذهب بدونك "
ظهرت الصدمة على وجه ليل وهو يسمعها تقول
" وجودك في تلك الزيارة أهم من الزيارة نفسها لقد تعمدت أن نعود في أجازتك الأسبوعية لكي لا يكون لديك عائق لمرافقتنا، أنا بالفعل خططت للأمر فأتمنى ألا تفسد مخططاتي الأولى، فأنت الآن بت في مقام أخي الكبير وهذا ما لا أتوقعه منك ".
༺༻

انتهى الفصل على موعد الاسبوع القادم مع الفصل الأخير بإذن الله
قراءة ممتعة للجميع ❤️


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-08-23, 12:19 AM   #473

Maro na

? العضوٌ??? » 381686
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 231
?  نُقآطِيْ » Maro na is on a distinguished road
افتراضي

Oh my god روعةةة

Maro na غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-08-23, 10:05 AM   #474

سما إسماعيل

? العضوٌ??? » 504389
?  التسِجيلٌ » Jun 2022
? مشَارَ?اتْي » 33
?  نُقآطِيْ » سما إسماعيل is on a distinguished road
افتراضي

❤️❤️❤️????????????????مبدعة كالعادة . بالتوفيق

سما إسماعيل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-08-23, 10:02 PM   #475

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

السلام عليكم ❤️
كلنا عارفين ان الفصل الأسبوع ده الفصل الأخير

فصل هيربط طرفي الدائرة لنغلقها ونضع كلمة الختام

فصل شامل نهاية رحلتنا مع الجميع أبطالنا الأساسين والسباع

????أكدت في أكثر من مرة ان ارض السيد مكتملة وعلى الرغم من ذلك الكثير متوقع العكس ( أين الثقة أنا لا اراها????)

باذن الله موعدنا الخميس الساعه ( ١١ مساءً) مع الفصل الأخير من رواية أرض السيد زي ما نبهنا فصل اساسي فيه كشف عن هوية السيد لذلك أتمنى من الجميع عدم ح""" رق ألأحداث وترك فرصه لقارئ ال pdf ومن لم يتمكن من القارءة ان يستمتع بالنهاية

الفصل غصب عني محكوم بتوقيت زمني لذلك لازم كل المشاهد تكون ورى بعضها فلازم ينزل كامل وده لوحده ضغط وتوتر فوق التوتر انا حرفيًا مش بنام علشان أقدر انزله في معاده ويكون على قدر المستوى

هترك باب التوقعات مفتوح في اخر ساعات تفصلنا على نهاية رحلتنا في ارض السيد
مع انتظار الخاتمه الأسابيع القادمة بإذن الله وإسقاط على حياة أبطالنا وتمهيد للأجزاء القادمه من سلسة (( خداع الأديم ))
عسى أن يكتب الله لنا لقاءات عدة ويرزقنا التوفيق والنجاح ويملأ ايامنا الحب والسعادة والرضى ❤️❤️

لا تنسو موعدنا غدًا واترككم مع هذا الاقتباس ????????????

"" أرخت يهدين عينيها ووجه فايا التي لم تتمكن من وداعها يعانق وجه حذيفة الذي مازال شحوب الموت فيه يزلزل قلبها كأنهما حضرا في أحداقها ليشهدا ساعة النهاية، ثم رفعت يهدين عينيها تنظر لها نظرات اختلط فيها ألم الموت برهبة الدماء """"
????????????????????????????????

اقتباس فتفوته ☺️☺️


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-08-23, 01:57 AM   #476

موضى و راكان

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية موضى و راكان

? العضوٌ??? » 314098
?  التسِجيلٌ » Mar 2014
? مشَارَ?اتْي » 6,242
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » موضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond reputeموضى و راكان has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   cola
¬» قناتك max
?? ??? ~
سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile25

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 17 ( الأعضاء 4 والزوار 13)
‏موضى و راكان, ‏نور أنس, ‏إيناس, ‏شهيره محمد


تسلمى يا شهيرة فصل ممتع و فى انتظارك يا مبدعة


موضى و راكان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-08-23, 08:31 PM   #477

عيوش نعيم

? العضوٌ??? » 510275
?  التسِجيلٌ » Jan 2023
? مشَارَ?اتْي » 45
?  نُقآطِيْ » عيوش نعيم is on a distinguished road
افتراضي أرض سيد

بإنتظار الفصل على نار حبيبتي

عيوش نعيم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-08-23, 09:17 PM   #478

يضحو

? العضوٌ??? » 491035
?  التسِجيلٌ » Aug 2021
? مشَارَ?اتْي » 45
?  نُقآطِيْ » يضحو is on a distinguished road
افتراضي

السلام عليكم
شطحة عالسريع بخصوص السيد : فخر ????????????


يضحو متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-08-23, 11:23 PM   #479

حميدة حميدة

? العضوٌ??? » 471793
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 533
?  نُقآطِيْ » حميدة حميدة is on a distinguished road
افتراضي

بانتظارك

حميدة حميدة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-08-23, 06:03 AM   #480

حميدة حميدة

? العضوٌ??? » 471793
?  التسِجيلٌ » May 2020
? مشَارَ?اتْي » 533
?  نُقآطِيْ » حميدة حميدة is on a distinguished road
افتراضي

وينو الفصل ترا موعد فات

حميدة حميدة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:45 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.