آخر 10 مشاركات
يبقى الحب ...... قصة سعودية رومانسيه واقعية .. مميزة مكتملة (الكاتـب : غيوض 2008 - )           »          339 - على ضفاف الرحيل - آن ويل (الكاتـب : سيرينا - )           »          رواية المنتصف المميت (الكاتـب : ضاقت انفاسي - )           »          أطياف الغرام *مميزة ومكتملة * (الكاتـب : rainy dream - )           »          لعنتي جنون عشقك *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          *&* هنا يتم الابلاغ عن الكتابات المخالفة للقوانين + أي استفسار أو ملاحظه *&** (الكاتـب : سعود2001 - )           »          قبلة آخر الليل(15) للكاتبة: Gena Showalter *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )           »          دانتي (51) للكاتبة: ساندرا مارتون (الجزء الثاني من سلسلة الأخوة أورسيني) .. كاملة.. (الكاتـب : * فوفو * - )           »          صفقة طفل دراكون(156)للكاتبة:Tara Pammi(ج2من سلسلة آل دراكون الملكيين)كاملة+رابط (الكاتـب : Gege86 - )           »          أسيرتي في قفص من ذهب (2) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree1264Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-05-23, 08:38 PM   #371

سناء يافي

? العضوٌ??? » 497803
?  التسِجيلٌ » Jan 2022
? مشَارَ?اتْي » 447
?  نُقآطِيْ » سناء يافي is on a distinguished road
افتراضي ارض السيد


فصل راىع عيشتنا على اعصابنا الحمدالله كلهم بخير زعلنا على حذيفة أحداث رائعة تسلم ايدك

سناء يافي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-05-23, 08:53 PM   #372

امل ابراهيم

? العضوٌ??? » 256227
?  التسِجيلٌ » Jul 2012
? مشَارَ?اتْي » 772
?  نُقآطِيْ » امل ابراهيم is on a distinguished road
افتراضي

روووووووووووووووووووووووو وعة

امل ابراهيم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-05-23, 09:05 PM   #373

زهرورة
عضو ذهبي

? العضوٌ??? » 292265
?  التسِجيلٌ » Mar 2013
? مشَارَ?اتْي » 2,283
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » زهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond reputeزهرورة has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   ice-lemon
¬» قناتك mbc
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

مساء الخير .. الرواية بصراحة أكثر من رائعة قرأت الجزء الاول وكان رائع والان الجزء التاني لايقل روووعة أحداث كثيرة صارت رائف طلع عم بشر بس مين الي خطفه وبعدين هل هي البنت الي كانت معاه والسيد ايش بدو منه ..
حذيفة اتوقعت نهايته هو فعلا مريض واخيرا ارتاح زي ماقال الدكتور طارق أنه مش طبيعي زعلت ع موته بس الحمدلله خلصنا من سديم .
المعركة كانت رهيبة وكنا ع اعصابنا سلمت يداكي ابدعتي في وصفها والحمدلله أن الاسود خرجوا سالمين ماعدا حذيفة .
علي صعبان عليا بصراحة كنزي ماتستاهله مااعطته فرصة ومستعجل تتهمه عشان تتخلص منه وهو تتحملها كثير اتمنى تندم .
شيراز العسولة مسكينة قصتها الشافعية دمروها واعتقد انها لما تمسك الملجأ حتلاقي الراحة النفسية .
بعد موت غازي ياترى مين السيد الحقيقي ومن الي يعرفه وهل انتهت المعركة بموت غازي وعيسى هل مات وهو جري يهلوس
تصرف فارس مع كيان ماعجبتني حقير استغلها المسكينة الحمدلله ارتاحت منه .
متشوقين نعرف ايش راح يكون مصير الاسود وبعدين وسيادة ورائف
اتمنى لك التوفيق .


زهرورة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-05-23, 09:48 PM   #374

شوق سعد

? العضوٌ??? » 487713
?  التسِجيلٌ » Apr 2021
? مشَارَ?اتْي » 14
?  نُقآطِيْ » شوق سعد is on a distinguished road
افتراضي

ايه ده بجد... بسم الله ماشاء عليكي... مش قادرة اوصف لك فوران الادرينالين كأني اننا ال ف وسط النار

شوق سعد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-05-23, 01:24 AM   #375

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

الجزء الثاني من الفصل التاسع والعشرين



وستبقين ثابتة في قلبي حين يقرر
العالم من حولي أن ينجرف

يا إمرأة باتت سقمي ودمعي
وأرقي وخطاي التي ترتجف

لا شيء مثل حنانكِ روضني
وجعلني عن حافة ذاتي المذبذبة
إلى منتصف عمقك الثابت أنحرف

يا من مال إليها قلبي وعصاني
حتى جعلني لخطيئة العشق أقترف

نظراتك ترهق أحاسيسي وتدعوني
لأعتنق الصمت بدلًا من أن بما
يفيض في حشاي أقر وأعترف

قبولك بألمي كان أشد ألمًا عليّ
ودفيء ذراعيكٓ كان ضمادي
الذي به أتداوى واستكين وألتحف

كأنكِ خُلقتِ جميلة هكذا لأعاني
وجئتني بشرا عن كل البشر يختلف

يا إمرأة يسرقني الحنين إليها من
كل مكان ما عدت قادرًا على مدارةعشقي والجميع من لمعة عيناي يدرك بلوتي وبالفراسة يستشف …….
༺༻


كل الكوارث الطبيعية التي تغير خارطة العالم و تخلف في النفوس أثار جسيمة لا تقارن مطلقًا بكارثة الحزن، فالحزن شعور إذا تملك من الإنسان زلزل عالمه ودكه دكًا ليتفتفت كل ركن به دون أن يسمع أحد لأهوال صدره صوت ولا صدى.
هو إعصار يقتلع من حشاه الأخضر واليابس ويضرب مراكز الحياة بداخله حتى يبيد فيها كل ما يحفز النبض والنفس،
هو طوفان يجتاح الأعماق مهلكًا في طريقه كافة القواعد الثابتة
مسببًا دوامات عنيفة من عدم الاتزان التي تبتلعه كاملًا كأنها غرق بلا غرق،
هو براكين ودعت الخمول للتو فتفجرت تلقي حممها ما بين جوانحه بلا توقف لتفني النيران في فورتها كل ما كانه لتتركه مجرد رماد يتصاعد منه دخان كثيف يجعل كل من يقترب منه يكاد يختنق ………
༺༻


قد لا يخبركم العائدون من الموت عن أهوال التجربة ، قد لا يظلون على نفس المسافات التي اعتدوتها منهم، قد لا ترون في أعينهم التي تتأمل الوطن سوى غربة وشتات، ولا تشعرون في ابتسامتهم الجميلة سوى ببالغ الألم، قد تجدونهم يعتنقون الصمت دون إبداء أسباب كأنما بات الصمت لديهم كلغة شديد البلاغة، و قد تشعرون بغرابتهم حتى وهم يتصرفون كما المعتاد دومًا، فلا أحد وقف مع نهايته وجهًا لوجه إلا وضربته صواعق الإدراك التي تجعل رؤيته لكل ما حوله تتغير …تتعمق… تتخطى حاجز الدنيوية وتعبر نحو عوالم خفية كل شيء بها أكثر وضوحًا وألقًا، أكثر قوة وتأثيرا عوالم لا تحتوي على نزعة البشر السوداء، ولا ميولهم السادية، ولا أنانيتهم ونقمتهم، كأنما ما عاد للشر حيز بداخلها ..وما عاد للظلام داعي، وما عادت قوانين البشر مشروعة، وحده قانون نقاء السريرة هو الذي يملك كلمة الفصل في منحهم فرصة العودة أو وضع نقطة صغيرة تنهي آخر سطر في الرحلة ليسقطوا من علياء الحياة إلى قاع الموت، كانت شيراز تتحرك بهمة ما بين الفتيات وبيدها لائحة بمواعيد الطعام وجرعات العلاج وتفاصيل كل حالة منهم وعيناها لا تفارق وجوههن وعقلها يفكر في أن هؤلاء الفتيات شديدات الشبه بها، كانت تعيش حالة من الإحياء الذي يجعل وجدانها في حالة عصف ذهني مخلوط باندفاع كأنها تريد أن تعدو في تلك القلوب البريئة مسافة ألف ميل وأكثر في الدقيقة الواحدة، مسحت شيراز دموعها التي تتساقط دون إرادة منها وهي تفكر أنه منذ يومين والدموع لم تجف في مقلتيها حتى حين زعزعت روح ذلك المكان قيود الخوف التي تكبلها وابتسمت بكت حين شعرت بتلك الابتسامة، ثم بكت حين شعرت بإحترام كل من حولها لها، ثم حين شعرت بالأمان والطمأنينة ثم حين أخذت أصغر فتيات الدار بين أحضانها ثم حين لم يهتز هاتفها بمكالمة واحدة من حكم، كم آلمها أن رحيلها لم يزلزل الأرض أسفل قدميه حتى يقترب منها ويمنحها سلاما به كل السلام، يمنحها دفيء حديثه واجتياح نظراته وارتجافة نبضها في حضرته بل وانجراف مشاعرها الذي بات يماثل السقوط المدوي، ليومين صمت بالغ يحاكيها وتحاكيه تشكو له قسوة ذلك الذي كأنها كانت له حملًا وتخلص منه، كيف هان عليه أن يراها تركض نحوه فينظر لها بعين حازمة قيدتها، كيف يرفع كفه في وجهها كأنه يصد ريحها الذي سبقها إليه، ماذا فعلت له لكي لا يمنحها وعدًا أخير بأنه سيظل أمانها وحمايتها وملجأها وأن بابه سيظل مفتوحًا لها، أم أن كل ذلك لم يعد متاحًا الآن بعدما أخذت ميراثها واستقرت هنا، غامت عيون شيراز بالدموع التي تساقطت تحت عيون المشرفات اللاتي كن يراقبنها باستغراب منذ وصولها، فهي للوهلة الأولى تبدو مترفة لا يمكن الاعتماد عليها شديدة الاختلاف في الملامح والطباع كما لو أنها سائحة أتت إليهم عن طريق الخطأ وحين اكتشفت حقيقة ما عليها مواجهته انفجرت في البكاء كما الطفلة، ليتغير كل ذلك في غضون ستين دقيقة حين بدأت مديرة الدار الجديدة تولي مهامها بكل حرص وحب ومسؤولية لدرجة أنها تقف على قدميها منذ الأمس ليس للإشراف ولكن لمساعدة الجميع بلا استثناء، أسقطت الصغيرة ثجاج طبقها وبدت ضائعة وهي تبحث عنه بيدها فركضت شيراز نحوها بلهفة وانحنت تقول لها
" لقد سقط الطبق، لا تخافي …سنطلب من السيدة دولت منحك واحد أفضل "
ضمت شيراز الطفلة وقبلتها وبدأت بجمع ما تناثر من الطبق ثم فكت أصابع الصغيرة بلطف عن الملعقة التي ارتطمت بالطاولة عدة مرات لأنها لم تعد نظيفة وقالت
" أتفضلين شيئًا مخصص لأحضره لكِ، أم أنكِ كبيرة وتأكلين كل شيء"
مالت ثجاج التي كانت معظم أسنانها متساقطة نحو صوت شيراز كأنها تبحث عن أذنها وقالت
" السيدة لمياء لا تسمح لأحد بالاختيار وتقول أن تفضيل الصغار للسكريات يسقط أسنانهم وهذا بالطبع لم يحدث لي "
نظرت شيراز لفم الصغيرة الذي يكاد يكون خالي من الأسنان وقالت " أنا أصدقكِ، حسنًا هذا يعني أنكِ تريدين قطعة حلوى "
هزت الصغيرة رأسها بحماس شديد فجائهما صوت لمياء تقول بحزم
" بالطبع لا، ثجاج أسنانها تؤلمها عندما تكثر من الحلوى وهذا ما قالته الطبيبة الخاصة بها "
عبست ثجاج فنظرت لمياء لدولت وقالت
" سيدة دولت من فضلك أحضري طبق آخر لثجاج وخذي هذا الطبق من السيدة شيراز "
اقتربت دولت تبتسم لشيراز بلطف وهي تأخذ الطبق من بين يديها فهمت شيراز بقول شيء لتبتسم لها لمياء وتطلب منها أن تتريث وهي تقول
" ثجاج هل شكرتِ السيدة شيراز على مساعدتكِ، وحمل الطبق الذي سقط عنكِ "
قالت ثجاج بوجه حانق
" شكرا سيدتي "
مالت شيراز تحتضنها وتشد عليها كأنها تمنحها الأمان والدفيء وهي تقول
" لا عليكِ صغيرتي، وأعدكِ حين تسمح الطبيبة لكِ بتناول الحلوى أن أمنحكِ مفاجأة كبيرة حينها محال أن تتوقعي ماهيتها "
اتسعت ابتسامة ثجاج وقبلت شيراز بفمها المتسخ تفاجئت شيراز لوهلة لكنها ابتسمت وتحركت خلف لمياء التي أشارت لها أن تتبعها خارج قاعة الطعام، فنظرت شيراز للفتيات بقلق لكن لمياء أشارت نحو باقي المشرفات كأنها تطمئنها ثم حملت اللائحة وتبعتها فقالت لها لمياء
" أنا سعيدة بكم الحنان الذي تغدقينه على الصغيرات منذ الأمس، في الحقيقة لقد تخوفنا جميعًا مما ستؤول إليه الأوضاع بهذا الدار بعد وفاة كيان "
صمتت لمياء بتأثر للحظة ثم قالت
" لكن بعد ما رأيته منكِ أنا والجميع اطمأنت قلوبنا حقا ولذلك دعيني أوضح لكِ أن ليس كل الحنان نافع، كان عليك بالداخل ترك ثجاج لتتعامل مع سقوط طبقها ولا تتدخلي سوى حين يتحتم عليكِ ذلك، دعينا نتفق أن تلك الفتيات يحتجن ألا يحتجن لبشر، أحيانا لا يكون العجز فقد حاسة ولكن يكون العجز الاحتياج لبشر، لذلك أنا أحاول مساعدتهن على التعامل مع كل المواقف كأي طفل طبيعي حتى تتناسين أن لديهن ما قد يعجزهن عن ذلك، ألم تقابلي نورسين ومنى أنهن أكبر فتيات الدار وترين كيف تتصرفان وتتحركان وتتعاملان مع كل من حولهما بثقة بالغة سيجن لها جنونك في وقت ما "
قالت شيراز بتوتر
" تلك الفتاة الجميلة …نورسين لقد شعرتها تتجنبني، الفتيات الكبيرات تعاملن معي برسمية أرجعتها لحداثة علاقتنا لكن وحدها من شعرتها تتجنبني "
قالت لها لمياء
" نورسين أكبر فتيات الدار، كانت كيان تعاملها كأنها ابنتها البكر، موت كيان أثر فيها جدا وأنتِ تعلمين كيف تكون مشاعر الفتيات في ذلك العمر لكن أنا واثقة أنكِ ستتقربين منها في أقرب وقت وتساعديها على عبور تلك الأزمة لأنه من المقرر لها ولبعض الفتيات عمليات وتحتاج لنفسية مستقرة " قالت شيراز وعيونها تلمع بالدموع أكثر
" بإذن الله "
ثم صمتت للحظة قبل أن ترفع عينيها للمياء وسألتها بتفكير
" ماذا يعني إسمي ثجاج، أليس غريبًا وثقيلًا، لمَ ليس جميلة …حلا …زهرة "
قالت لمياء
" كيان يرحمها الله ويغفر لها من أثرت عليه، الفتاة حين أتت إلينا كان اسمها سعاد وأصرت كيان على تغيير الاسم لثجاج والذي يعني الماء الفياض "
قالت شيراز بصدمة
" فياض ! هل يمكننا تغيير الاسم ثانية، هذه الفتاة ظلمت جدا "
همت لمياء بالرد عليها لتقاطعهما دولت التي اقتربت تقول
" سيدة شيراز هناك رجل يريد مقابلتك ولكني لم أأمر الحارس بأن يتركه يمر "
أشرقت شمس قد غابت منذ يومين في عينيها واندفعت الدماء إلى وجنتيها وهمّت بالركض لتمسك لمياء يدها وهي تقول
" هل ستخرجين بهذه الملابس " توقفت شيراز وقالت
" ماذا، هل شكلي ليس بأفضل حال، هل عليّ تغيريها …لا ….لا هو ليس سطحي لتلك الدرجة ورأني في حالات أشد بشاعة " ركضت شيراز نحو البوابة لتضع دولت يدها على صدرها بصدمة وهي تقول
" لقد خرجت بالشورت، يا لها من فضيحة " ……
༺༻
وصلت شيراز إلى البوابة تنهت بوجه ساخن وعيون تائقة لتسكب فوقها أطنان من الخيبات وهي ترى بلال يقف على الباب ويقول لها وهو يرفع ذراعيه
" هل لا يسمح لي بالدخول؟! "
نظر الحارس لشيراز ليدير رأسه بسرعة مذهولًا من منظرها وهي تقول
" دعه يدخل من فضلك "
تقدم بلال نحوها يتأملها وهو يقول كأنه لم يتوقع ذلك مطلقًا "
تبدين بخير شيراز "
قالت له شيراز
" كيف حالك بلال، لم أظنك ستأتي لرؤيتي بتلك السرعة "
قال بلال
" أنا أحاول رؤيتك منذ ما حدث لكن السيد حكم كان يعاملني كما لو أني العدو رغم كونكِ تعلمين أني كنت لأفديك بعمري لو كنت أدري أن هذا سيحدث "
قالت له شيراز وهي تسبل أهدابها كي لا يرى دموعها
" أنا لا ألومك على ما حدث لي وربما تعامل حكم معك بهذا الشكل بناء على عدم معرفتكما الجيدة ببعضكما، أنا لا أحمل لك سوى كل خير يا بلال "
قال بلال
" ولأن ما بيننا أكبر من أن ينتهي بورقة طلاق أنا لم أيأس وجئتكِ فور أن استطعت ذلك لأطمئن عليك وأخبرك أني سأظل موجود لأجلك "
قالت له شيراز
" أعلم ذلك يا بلال، وأمتن لك عليه لكني لم أعد في وضع يدعوك للقلق، يمكنك الانصراف إلى حياتك وأنت مطمئن فأنا بخير "
قال بلال
" شيراز أرجوكِ اسمعيني جيدًا، أنا حاليًا تخلصت من تهديد الشافعية تمامًا بل وتوصلت مع غياث إلى اتفاقية لإدارة أعمالنا المشتركة ورغم أن أموري باتت أفضل كثيرًا إلا إني أشعر بالذنب الشديد نحوكِ، أشعر أن هناك ما يجمعك بحكم المنصوري وهذا يقلقني عليكٌ جدا، أنتِ لا تعرفين كم الغموض الذي يحاوط هذا الرجل، وكم النفوذ الذي يملكه، شيراز أنت هذه المرة تلقين بنفسك إلى التهلكة لذلك اسمعيني أنا عائد لدبي ويمكنك السفر معي بعيدا عن كل هذا، إن أردت أن تبني لنفسك حياة طبيعية سأدعمك بكل قوتي وإن أردت أن نعود لما لا أنا لن أتخلى عنك، انظري لهذا المكان وما تفعلينه بداخله، انظري إلى يديك ووجهك، هذا لا يليق بك شيراز ولا التورط مع ذلك الرجل يليق بك، ولذلك أنا هنا "
نظرت شيراز ليديها التي لم تكن نظيفة بعدما جمعت بها طعام ثجاج ثم رفعت كفها تتلمس موضع قبلة ثجاج اللزج وابتسمت وقالت لبلال " بلال لن أصف لك كم أنا شاكرة لزيارتك، لكن هل إذا طلبت منك شيء ستنفذه لأجلي "
قال لها بلال
" بالطبع "
قالت شيراز
" من فضلك بلال ليكن هذا آخر لقاء بيننا وقبل أن تفهم حديثي بشكل خاطيء أنا سأعيش ممتنة لك أراك شخص نبيل في زمن قل فيه النبلاء لكن لقاءنا هذا بات يؤلم أشخاص غيرنا …أقصد زوجتك، ويفتح لي ابواب ذكريات أنا على أول طريق إغلاقها، وأنا لا أحب أن أكون مصدر ألم لأحد ولم أعد مهيئة نفسيًا للتألم، اذهب يا بلال إلى حياتك التي تأخرت كثيرا في إنشائها وحافظ عليها قدر استطاعتك فلربما ليس بالقادم من العمر بقدر ما مضى "
نظر لها بلال بذهول اختلط باحترام وهو يدرك أنها تنهي علاقتها به نهائيا ليقول لها
" أتمنى ألا تتألمي أبدا "
فتقول له بتأثر
" وأتمنى أن تسعد في حياتك دومًا "
منحها بلال نظرة مودعة قبل أن ينسحب نحو سيارته فيركض الحارس وعيناه منخفضة يسحب البوابة ليغلقها تاركة شيراز لتنفجر بالبكاء الذي لجمته حين رأت بلال وهي تقول
" أي غياب هذا يا سيدي وأنت حاضر في كل شيء " ……..
༺༻

بنفس الوقت داخل دولة أخرى….


كان الظلام الدامس بين عيونها المطبقة غير مستقر، كأنما هناك حالة من التزعزع ألمت بمواطن عقلها الذي بدى غير متزنًا إطلاقًا وهو يتقاذفها من يمين الماضي إلى يسار الحاضر، وجوه وأماكن وأصوات تتابع، ضجيج منفلت لا يمكن السيطرة عليه يغزوها وهي مستسلمة تماما له لا تقوى على تحريك أصابعها حتى لتسد أذنيها ليعم الصمت لتشعر بأنفاسه تلفح عنقها وهو يهمس لها
" لقد بت أشعر بك تزحفين تحت جلدي وتأسرين عيناي حتى إذا أقدمت على شيء متهور يختلط علي الأمر هذا أنتِ أم أنا "
حركت كيان رأسها فرفعت رودين وجهها عن الكتاب الطبي الذي كانت تقرأه وتحركت تقف بجوارها بينما كيان كانت ترى وجه فياض يبتسم لها بشر لم يعد يخيفها وهو يقول
" إذا حادت عيناكي إلى غيري فاعلمي أنكِ كمن يستدعي ملك الموت لزيارة أحدهم "
ركضت كيان خلفه تناديه بخوف
" فياض ..أين ذهبت "
لتشعر بذراعيه تحيط خصرها بقوة وهو يقول
" لأحدثك عن الحب سأحتاج لأن تسمعيني بقلبك لا بأذنيك لأن حديثي سيكون خاص جدا "
ثم صمت لحظة وقال بصوت غريب
" هل تسمعيني…هل أنت بخير " صوت فياض تحول لصوت أنثوي جعلها تفتح عينيها بصعوبة بالغة وتعود لتغلقهما بسرعة وهي تشعر أن الضوء يؤذيها ضللت رودين بكفيها على أعين كيان وسألتها
" هل تشعرين أن نبضك غير مستقر …أن ضغطك منخفض، هل تشعرين بالغثيان "
قالت كيان بلسان ثقيل
" رأسي …ألم شديد برأسي " تحركت رودين نحو الطاولة التي تتوسط الغرفة والتي وضع عليها جهاز قياس الضغط وبعض الأدوية وأخذت قرصين وكوب ماء وعادت لكيان تقول
" هذا مسكن قوي، سيساعدك جدا " حاولت كيان تستند على كفيها وترفع نفسها لكن شعرت كما لو أن ذراعيها لينة جدا لا تستطيع الاعتماد عليهما لكنها حاولت مجددا وهي تفتح فمها بضعف لتضع رودين به الاقراص وتسقيها وهي تقول
" أريحي رأسك حتى تستعيدي وعيك كاملا "
لم تمتثل كيان لأمرها بل جاهدت لتفتح عينيها على ااتساعهما لتتفقد المكان من حولها بذهن غائب للحظات لتقول بتخبط
" أين أنا "
قالت لها رودين
" سأخبرك بكل شيء ولكن حين تستعيدين اتزانك "
نظرت لها كيان بغضب وقد بدأ عقلها الذي مازال راكدا في الشعور بشيء خاطيء وقالت
" أين أنا بالضبط "
قالت رودين بخفوت
" مخيفة مثل زوجك "
قالت لها كيان بصراخ واهن
" ماذا تقولين "
قالت رودين بانفعال مكتوم
" أقول أننا سافرنا، وأنا وأنت حاليا بمنزل زوجك والذي هو بعاصمة الصيحات الحديثة …باريس " قالت كيان وهي ترفع شرشف السرير عنها بعنف
" ماذا …أين فياض …أين هو …أخبريه أني أريده "
تحركت رودين تحاول منعها فهي كانت تبدو غير متزنة لكن كيان دفعتها وهي تصرخ بها
" أين فياض "
قالت رودين
" افهميني، فياض بمصر ونحن الآن بباريس أنا وأنت وصلنا منذ ساعات، لقد كنتي نائمة طوال الطريق "
قالت كيان وقد بدأت تستوعب ما فعله
" نائمة …لقد نفذ ما يريد، لقد كان يخدعني "
قالت رودين لها
" اهدئي أرجوك "
لكن كيان كانت تزداد انفعالا وقد أدركت أنه الآن وكل من معه قد يكونوا قد فارقوا الحياة وصرخت برودين
" هل كنت تعلمين ما ينتويه، كيف فعلتي بي ذلك "
قالت لها رودين بحدة وقهر
" أنا لم أعلم شيء، كل ما في الأمر أن زوجك هددني بشكل أرهبني أنه إذا أصابك مكروه سيقتص مني "
تجمدت كيان ونظرت لوجه رودين ذو الملامح الطفولية والتي بدأت في البكاء ثم أخذتها في حضنها وهي تقول
"أنا أسفة، وصدقيني إذا كان لي نصيب والتقيته سأقتص لي ولك منه "
طفرت دموع الحرقة على وجنة كيان التي قالت لرودين
" أنا أحتاج أن أطمئن على زوجي والجميع فهلا ساعدتني "
قالت رودين بانهيار
" لا أحد يجيب على هاتفه منذ رحيلنا "
تجمدت كيان لوهلة ثم ثار نبضها شيئًا فشيء حتى بات كما لو طبول حرب تقرع فهزت رأسها برفض وهي تصرخ برودين وتبعدها عنها " أين هاتفك حاولي مجددا، أين هو …مؤكد سيجيبون "
كانت كيان تبحث عن الهاتف بجنون أسقط أغلب التحف التي تزين الغرفة فوضعت رودين يديها على أذنيها فيما اقتحمت فيلدا الغرفة وخلفها ماثيو الذي يقول
" ماذا يحدث"
لم تجبهم كيان ونظرت للباب الذي فتح وخرجت تركض منه فركض خلفها ماثيو وفيلدا لكن كيان كانت غير قابلة للسيطرة لتعبر ممر ممتد ثم تتوقف وحدها حين رأت المشهد الفخم أمامها، ظلت كيان تحرك عيناها ببطء شديد على أركان هذا المكان حتى سقطت عيناها على صورة فياض فبكت بحرقة وهي تقول له
" إذا حدث ما أخشاه محال أن أسامحك "
ثم جلست أرضا أسفل الصورة وكل ما تقع عيناها عليه يشعرها أنها بعيدة جدا جدا عن الوطن ……….
༺༻

بمركز الشرطة …….


كان الوضع يزداد تعقيدا و لا جديد سوى أن خبر حبس الفتيات قد انتشر بشكل أثار زوابع من المقالات التي فتحت في كل قديم وجديد يخص بشر العزايزي وشاهين الجوهري ومؤيد الجوهري، قضية كارما …قضية عابد الشافعي، وقضية اختطاف كنزي التي لم يمر عليها الكثير، الصحف الصفراء كانت تنشر أخبار غير منطقية كأنها وضعت من خيال الكاتب لتتصدر المشهد، الوجوه إذدات شحوبا، الأعصاب باتت على المحك، القلوب منهكة والعيون مشوشة بسبب بكاء لم تزرفه بعد، اليأس قد تملك من الكل بلا إستثناء حتى مؤيد الذي تحرك تجاه ليل ومال عليه يسأله
" هلا حدثت سمراء وسألتها عن ماسة "
قال له ليل وهو يحط بكفه على كتفه
" لقد أنهيت مكالمتي معها للتو، صغيرتك بخير والصغار مبهورون بها فمنذ زمان لم يروا شيئا ناعما هكذا "
قال مؤيد وبدا كأنه يعاني من ألم ما " أخشى أن يؤذيها الصغار دون أن يقصدوا، إنها صغيرة، أرجوك أخبر سمراء أن لا تغفل عنها مطلقا "
قال له ليل
" محال أن تغفل عنها صدقني، لمَ لا تسلم أمرك لله وتستودعها من لا تضيع ودائعه وتهدأ "
وضع مؤيد يده على صدره فاقترب منه شاهين يقول له بقلق
" هل أنت بخير"
نظر مؤيد لعلِيّ الذي يقف بجوار سلطان الصامت تماما كأنه يبحث عن أكثر شخص لا يريد أن يتبادل مع أحد الحديث والتصق به وقال لشاهين
" هل هو بخير منذ أتى وأنا أرى في عينيه شيء من الغضب، لو كان وجوده هنا لا يريحه بأي شكل أخبره أن يرحل ولا ملامة عليه مني أو من غيري "
قال شاهين من بين أسنانه
" إن كنت تتجرأ على قول هذا الحديث له هيا تحرك وقف في وجهه وقل له اترك زوجتك ملقاة في السجن وارحل، مؤيد أنا لأول مرة أرى علِيّ المتزن الهاديء في تلك الحالة وهذا لا يعني سوى أنه وصل حده لذلك لا تضغط عليه، شئت أم أبيت أختك زوجته ويحبها ولن تجد من يحافظ عليها مثله، وحقًا خوفك على كنزي المبالغ به منه لا داعي له الرجل وقف في وجه عائلته وترك ماله ثم ترك البلد ماذا يفعل أكثر ثم ألم تلاحظ أن كنزي تستمد قوتها فيما بينها وبين علِيّ منك، إنها تقف له كما تقف أنت له لقد صرت أشعر أنها تفعل ذلك بشكل غبي وكلها اعتقاد أنها إن لم تتبع خطاك ستكون حينها تخونك، تخيل أنك تضعها أمام اختيار غير منصف دون أن تدري، كأنك تخبرها زوجك أم أنا، لماذا تخطط يا مؤيد أن تبقي أختك بجوارك حتى يمر بها العمر وتصبح في سنك دون أن تنشيء أسرة "
نظر مؤيد لشاهين بغضب فقال له شاهين
" بات الحق يغضبك، نعم ..نعم دع عروق آل الجوهري تنتفض بك "
قال له مؤيد الذي كان في تلك الأثناء منحورا بعشق زاده وهنا على وهن ورغم ذلك يخشى على كنزي من أن يمسها وهن
" أن لا تنشيء أسرة خير لها من أن تحطمها التجربة، على الاقل هي الآن بخير "
قال له شاهين بانفعال خافت
" من قال إنها بخير، أختك ليست بخير لأنها تحب زوجها الذي يرهبها أخيها بأفعاله منه "
قال مؤيد بحدة
" هي تدرك أني أحميها أم نسيت كل ما حدث "
نظر شاهين بعجز وغضب لليل الصامت كأنه يقول له تكلم أنت فأخذ ليل نفس عميق قبل أن يقول
" مؤيد بمنتهى الصدق أنت لست قبلا للندم، تلك التجربة التي تحمي نفسك وأختك منها ربما فيها لكما كل الخير الذي قد تتندمان عليه للمات، وحتى إن لم يكن.. فتجربة الأمر ورؤية نتائجه مهما كانت صعبة أفضل من أن يمر العمر في كلمة يا ليت،ثم لنكن واقعيين قليلًا، نحن هنا اليوم ليس بسبب علِيّ أو الشافعية أو آل الجوهري، نحن هنا لأمر لم يكن بالحسبان، ناحية كنت تأمن لها وتدع أختك تتحرك بها كما شاءت وها هو ما حدث، أنا لا ألوم ملاك الفتاة طيبة وساذجة وقد استغل ذلك الحقير الفرصة وورطها معه، لكن انعدام الثقة في شخص لم يؤذك لمجرد الحذر أو لمجرد هويته أو لمجرد مشاعره …سامحني هو ظلم بين، علِيّ رجل لا يعوض وبدلًا من إقصائه من مجالك بتلك الطريقة كنت تستطيع كسبه ووضعه تحت ذراعك لكي تضمن أنه حين يحزن أختك تستطيع كسر عنقه لا كسر قلبها برحيله "
عمّ الصمت للحظة ليقول شاهين لليل
" بربك لمَ لم تتحدث من قبل "
نظر ليل لسلطان الذي يبدو في أسوء حال رآه عليه منذ عرفه وقال لشاهين
" وأنت ماذا ستفعل "
التفت شاهين ينظر لسلطان ثم ظهر البؤس على ملامحه وقال
" أنا في ورطة كبيرة وأعلم ذلك " تعالى رنين هاتف ليل فظنها مؤيد سمراء وانتفض جسده وزاد نبض قلبه كأن داخله مليء بالهلع ليجيب ليل على فخر من بين أسنانه ويقول " أين أنت، وكيف تتركنا في هذا الوضع، أبناء عمك جميعًا هنا حتى المحامي وأنت من تختفي "
قال له فخر
" ليل أرجوك بدون عصبية، أنا سأرسل لك موقع أحضر بشر ولاقني هناك الآن، لا تتأخر …الأمر هام جدًا "
قال له ليل
" كيف سنترك ما يحدث ونأتيك " قال له فخر
" أنا أريدك لأجل ما يحدث أرجوك ليل لا تتأخر "
أغلق ليل الهاتف فسأله مؤيد
" هل حدث شيء "
قال له ليل
" أنه فخر ولا أفهم شيء، انتظر " تحرك ليل نحو بشر الذي يقف بين نزار وعاصي وقال له
" فخر أرسل لي موقع وطلب أن نتحرك نحوه أنا وأنت في الحال، يقول أمر يخص القضية "
انتفض بشر الذي يستند على الحائط بشكل لفت الأنظار وبدون كلمة خرج ركضًا ليتبعه ليل الذي كان يدعو أن تنزاح تلك الغمة ……..
༺༻

كان بشر يقود بسرعة جنونية وهو يتتبع جهاز تحديد المواقع ليقول له ليل
" بشر …خفف السرعة …نحن هكذا لن نصل، أو سيقبض علينا " حاول بشر أن يسيطر على حواسه التي كانت في حالة فوضى من شدة الضغط الذي يمارس عليها
كلما شعر أن الورطة التي سقطت بها تولين هذه المرة بلا حل، ورغم أن غضبه منها بات كمعضلة في عقله تتخطى إدراكه وفهمه، ورغم أن قلبه موجوع منها إلى حد يجعله
يثرثر دون توقف كأنه ما عاد متزنا إلا أن هذا لا يمنع أن يخشى عليها بشكل يطيح به من مشرق الخوف إلى مغربه،
ضغط بشر المكافح بقوة جعلت ليل يرتد في مقعده وهو يقول له
" انزل …أنا من سيقود "
قال له بشر
" لقد وصلنا "
نظر ليل إلى الحديقة العامة التي توقفوا بجوارها ليجد فخر يقف يتلفت حوله كالمجنون فترجل من السيارة بانفعال هو وبشر في آن واحد يقتربان من فخر الذي قال حين رآهما
" لم تتأخرا، جيد "
قال له بشر
" لمَ جلبتنا إلى هنا "
قال له فخر وهو مازال يتلفت يمينا و يسارا
" يهدين تريد التحدث معكما ولكنها لم تصل بعد "
أمسك ليل عنق أخيه الذي يتحرك كما الرادار وقال
" أوقف عنقك هذا وأخبرني لماذا تريدنا "
جائهم صوت يهدين التي بدت كأنها ظهرت من العدم تقول
" هو لا يعلم "
التفتت إليها أنظار الثلاثة رجال فجذبت يهدين قلنسوة سترتها الفضفاضة تخفي وجهها تماما وهي تقول
" أنا أحتاج مساعدتكم على وجه السرعة، فما لدي لا ينتظر ويتوقف عليه الكثير لي ولكم "
سألها ليل
" وما هو ما لديك "
نظر فخر لليل يطلب منه بعينيه أن يعاملها بلطف أكثر تلك التي في بعدها يمارس السادية على نبضات قلبه حتى شعرأنه لولا وجود أضلعه لهجره قلبه، فتجاهل ليل رجائه وهو يسمعها تقول
" ببساطة حكم ورائف اشتبكوا مع الأشخاص الذين هم خلف أزمة تولين والفتيات وللأسف هما الآن مصابين ومعهم أشخاص آخرين يخصوني ويخصوكم ولذلك أريد مساعدتكم ليصلوا سالمين لأستطيع حينها إظهار دليل براءة الفتيات لينتهي هذا الكابوس "
قال بشر بصدمة
" هل رائف بخير "
ليقول ليل
" إذا كان دليل برأتهم معك أظهريه الآن أم تساومينا "
قال فخر بتوتر
" يهدين لا تقصد يا ليل، هي فقط تساعدنا "
احتد الرجاء في عيون فخر الذي لو أن الحب يرى لرأى الجميع في قلبه صرحا عظيما شيده لها من هول اجتياحها له فرقت نظرات ليل أرجاء أخيه وهو يسمع يهدين تقول " فخر أخبرني بأن لكم ماضي حافل سيد ليل لذلك أتوسم فيك خيرا أن تدرك أن ماضي البعض أشد قسوة من ماضيك الذي لم يكن لك ذنب به ولا لهم أيضًا ذنب به، أنا هنا أحاول المساعدة لا أكثر دون أن أبدي جهه على حساب أخرى، مصلحتنا واحدة سيدي فهل تفهمتني "
قال لها بشر بلهفة
" ماذا تريدين، ما المطلوب مني بالضبط "
قالت يهدين
" لقد توجه رائف وحكم ومن معهم جميعا للمركز الطبي الخاص بالطبيب مؤمن الصالحي وجميعهم مصابين بإصابات خطيرة أريد أن يتم لهم إسعافات أولية تساعدهم على الوصول إلى هنا سالمين ثم خروجهم في سيارات الإسعاف الخاص بالمركز كما لو أنهم ضمن الفريق الطبي لأن الأمن يطوق المكان بالكامل ومحال أن يستطيعوا العبور بشكل عادي، لا أريد أحد من المركز الطبي أن يطالبهم بهوية أو يضيع وقتهم فوصول الأمن للمركز الطبي وارد جدا ولن يتأخر ونحن لا نملك الكثير من الوقت " أخرج بشر هاتفه بسرعة وهو يقول " أنا سأهاتف مأمون ليتصرف بهذا، كل شيء سيكون على ما يرام "
كان كأنه يطمئن ذاته لتقول يهدين
" بمجرد أن يعبروا بسلام، ستكون زوجتك بجوارك لا تقلق، أنا وفاطمة نخطط لإنقاذهم منذ مدة وحتى الآن الأمر يسير كما خططنا له فأرجوك لا تخذلني فيما لجأت إليك فيه "
همت يهدين بالتحرك لتتوقف وتقول " دعوني أؤكد عليكم ألا يعلم سلطان بأمر فاطمة حتى يغلق ملف القضية تمامًا اتقاء لشر الضابط عماد والذي لولا إخباره لها عن أمر القضية منذ مدة ما كنت إستطعت إيجاد مخرج لهؤلاء الفتيات "
تحركت يهدين مبتعدة فهمّ فخر بالتحرك خلفها لكنها لوحت له بأطراف أصابعها الناعمة …البيضاء ثم اختفت فأمسكه ليل بقوة كأنه يمنعه وهو يسمع بشر يقول بانفعال
" مأمون اسمعني جيدا " ……..
༺༻

بنفس الوقت …….

كان أيوب يقفز من المروحية ويركض وخلفه عماد ووائل وباقي قوات الأمن الذين انتشروا بالمكان لترتفع الطائرات وتتركهم ليواجهوا ذلك المشهد المفزع، الجميع أشهروا أسلحتهم وهم يتبادلون النظرات الذاهلة مما يرونه في هذا المكان، أشار وائل للرجال ليحاوطوا البيت فتحركوا بين الجثث المتناثرة بحظر ليمسك أيوب ذراع وائل وهو يقول
" هذا المكان به متفجرات، أثار التفجير واضحة، أخشى أن يكون ذلك فخ "
قال عماد
" المشهد لا يصدق، ما هذا العدد …كيف لم يستمع أحد إلى ذلك " إلتفت وائل نحو الغبرة التي تقترب وقال لوائل
" أظنهم بدو جاءوا على الاصوات، اذهب إليهم يا عماد وأمرهم بالانسحاب "
ركض عماد تجاه سيارات الكواسر فيما تقدم أواب خلف وائل مشهرا سلاحه أخذا وضعية الاستعداد يتفقد وجوه الجثث بقلب وجل وجسد يرتعش ليلتقط نفسه بعمق شديد جعل وائل يلتفت له حين رأى جسد سديم الذي فارقته الروح بعدما نزفت الدماء من كامل جسدها وتوسد قلبها خنجر تمنى لو كان هو من طعنها به، سأله وائل باستغراب " أأنت بخير "
قال له أواب
" استنشقت الكثير من الرمال "
قال وائل
" هذا المشهد الدموي ربما يعني أن ذلك الرجل قد فتح المقبرة وأخرج ما فيها ثم قضى على رجاله لكي لا يشي أحد به كما قالت المرأة التي قبضنا عليها "
قال أواب الذي كان يتنفس الصعداء ودموعه المحبوسة في عمق أحداقه تشهر على تلك التي وهو يعبر من فوقها ضربها بقدمه بغل كأنه يخرج من ذاته كل القهر والفزع والانكسار الذي سكنه لأعوام
" أو ربما أمرهم أن يقضوا على بعضهم البعض مقابل شيء من تلك الآثار "
كان أواب في حالة من الانتفاض التي جعلت روحه الثائرة تقيم في مآتم الحزن الممتد ساعة النهاية وهو يقترب مع وائل نحو باب المنزل فيدخلان منه ثم يشير وائل للرجال لتتقدم لتفقد المكان ليقول أحدهم
" المكان آمن يا فندم "
تقدم أواب يتوغل إلى الداخل لتتوقف قدميه أمام غازي فيظل ينظر إليه كأنه يستمد من ملامحه اليقين أن السباع قد نحو، كان ذلك الجبار في تلك اللحظة مجرد جسد ملقى أرضًا بلا حول أو قوة يعبر فوقه بقدمه دون أن يبالي، عالجت أواب دمعة رفع رسغه ليمسحها بطريقة مموهة ليقول وائل
" ما هذا "
نظر أواب للجسد الموضوع على الطاولة وقد تقطع بشكل بشع ليقول بانفعال
" مؤكد قتلوها لفتح المقبرة "
قال وائل بغضب
" الوضع غير مفهوم أين من قتل كل هؤلاء "
فتح وائل مصباح صغير وهمّ بالعبور داخل المقبرة ليوقفه أواب قائلا
" دعنا نتواصل مع هيئة الآثار ونبلغ القيادة بالموقف أولًا "
قال وائل
" تأمين المكان مسؤوليتنا وهذا جزء من المكان الآن "
نزل وائل يتمسك بحبل غليظ كان معلق حتى شعر بالأرض أسفل قدميه فتبعه أواب الذي تقدم معه عدة خطوات حذرة لتكشف الإضاءة عن مكان كبير، جدرانه مليئة بالنقوشات الفرعونية وأغلب محتويات المكان موجودة بالفعل ليظهر الظفر بعيون وائل الذي قال " أظن أن قضيتنا ستكون السبب في إكتشاف كبير، أسرع يا أواب وبلغ القيادات بما يحدث واطلب من جاسم باشا إستخراج باقي المعلومات من المتهمة لأن لو كان لديها شيء خطير مثل هذا يمكنك إعتبار أن جميعنا قد ضمنا الترقية " …….
༺༻


بالخارج توقفت سيارات الكواسر التي هاجت من شدة انطلاقها رمال الصحراء مكونة زوبعة مهولة من الغبرة حين لمحوا عماد بالزي العسكري يشير لهم وهو يقف على بعد أمتار ألا يتقدموا، نظر حرب للجارح وقال له بصدمة
" ماذا حدث، هل تظن أن ما سمعناه كان إشتباكا بين قوات الأمن والوغد غازي "
أوقف الجارح سيارته وترجل منها دون أن يجيبه، فترجل حرب هو الآخر وعقله يصور له أن أصوات الانفجار التي وصلت إليهم لم تكن سوى إشتباكات بين الأمن والمجرمين الذين بالمكان وربما لم ينجو على إثرها أحد …شعر حرب بنغزة عنيفة بقلبه بينما أشار الجارح للرجال لكي لا يترجلوا عن سيارتهم وتقدم هو وحرب من عماد الذي قال لهما بصوت مرتفع
" هذه المنطقة ممنوع الدخول إليها، ماذا تفعلون هنا "
قال الجارح
" أنا الجارح ابن شيخ الكواسر، هذه الأرض في مضاربنا وقد ارتفع صوت انفجار زلزل أبداننا فجئنا لنرى ما يحدث "
قال له عماد
" لقد وصل الأمن وهم حاليًا يتعاملون مع الموقف لذلك تراجعوا فوجودكم هنا غير مسموح وخلال دقائق سيتم تطويق كافة الطرق المؤدية من وإلى المكان لدواعي أمنية مشددة "
قال له الجارح
" هل أمسكتم فاعل ذلك الانفجار " قال عماد
" جميع من في محيط المكان قتلى وبعد أن ننهي عملنا قد نلجأ لشيخ الكواسر عله يتعرف على أحد منهم لكن في الوقت الحالي أنتم مطالبون بالانسحاب "
رفع الجارح كفه بسلام وهو يتراجع فتراجع معه حرب بوجه ممتقع وركبا السيارة وانطلقا، ليقول الجارح لحرب
" يبدو أن الأمر كبير لذلك لم أذكر شيء يخصك كي لا تدخل في مشاكل، الظابط يؤكد أن جميع من في محيط المنزل موتى ومعنى ذلك أنهم إن وجدوا جثة ابن عمك وزوجته قد يظوناهما تبع القذر غازي وبناء عليه قد تتورط أنت ومن معك في الأمر، والآن من وجهة نظري ليس أمامك سوى حلين الأول أن تبتعد تمامًا عن الأمر حتى نفهم ما يحدث والثاني هو أن أتواصل من أجلك مع نسيب لنا يعمل بالأمن الوطني علّه يساعدك، فكر وأعطني جوابك " شرد حرب لوهلة وفي عقله تصطف الأولويات كما لو أنها جناح عسكري يترتب بحزم منحيا كافة مشاعره جانبا وهو يقول
" لعل نجدة الله لحقت بهم، لننتظر عسر أن يكون المخفي خير "
قال له الجارح
" إذًا أنت ومن معك في ضيافتي حتى يصل أبي تفاصيل ما حدث " ……
༺༻

في نفس الوقت …….

كان جاسم يسير في أروقة مبنى الأمن الوطني يتلقى المباركات عبارات المدح والتحفيز من الجميع ليقابلها هو بابتسامة وقورة وذقن مرتفعة بشموخ ونظرة ترسم الثقل والخبرة ليهتز هاتفه فيخرجه من جيبه ينظر للإسم الذي ظهر على الشاشة برهبة ثم يقول
" أهلا يا باشا، مكالمتك غالية جدا" قال له محدثه
" الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ليس لها حديثا سوى عنك وعن فريقك وعن الاكتشاف الذي سيعد نقلة كبيرة للبلد، لقد هاتفتك لأخبرك أني لا أريد أن يعكر صفو هذا النجاح خطأ، اعمل كل ما في وسعك لغلق هذا الملف واستعد لتخلد اسمك في تاريخ الأمن الوطني المصري "
قال جاسم بصوت منضبط
" تحت أمرك يا باشا، أنا بالفعل أعمل على ذلك ولن يصلك مني سوى كل ما يملأك بالفخر "
قال له محدثه
" هذا ما أتمناه "
قال له جاسم
" بإذن الله لن يحدث سوى ما يرضيك، في حفظ الله يا باشا " أنزل جاسم هاتفه ووقف يفكر لوهلة ثم استدار يتوجه نحو المصعد بوجه جامد وضغط زره وهو يفكر أن تلك القضية التي وضعت مستقبله على المحك لا يجب أن يترك بها ثغرة لذلك سيقوم باستجواب الشاهدة بنفسه ولن يؤخر ذلك كما كان يخطط ، فتح باب المصعد فعبر إليه جاسم ينزل طابقين وفي رأسه تدور حرب ضروس يحاول أن يحسمها لكي لا يفقد في لمح البصر كل شيء ، عبر جاسم من المصعد ليقف رجال الطابق بأكمله يصفقون له بتقدير وأحدهما يقول
" لا يأتي بالصعب سوى الرجال " فيهز جاسم رأسه لهم ويرفع يده ويسير ببطء حتى يصل لغرفة التحقيق فيدخلها ليجد أثينات تجلس على الطاولة مكبلة بالاصفاد فيغلق الباب ويقترب ليجلس مقابلا لها ويقول
" لقد تيقنا من حقيقة معلوماتك، ويمكنني الآن أن أعتبرك شاهد بهذه القضية لكن ليكن الأمر قرار نهائي أخبريني بما بقي لديك من معلومات "
قالت له أثينات
" ما ضمانتي أنك ستنفذ حديثك بعدما أخبرك "
قال لها جاسم
" أتعلمين رتبة الجالس أمامك أم كنتي تريديني أن أتي إليك بالزي الرسمي لتتأكدي أني لست من قد يخرج من فمه كلمة واحدة لن ينفذها "
توترت أثينات من قوة كلماته ثم قالت
" هو أمر واحد لم اعترف به بعد "
صمتت أثينات للحظات قبل أن تقول
" لقد انتحلت شخصية فتاة اسمها ملاك شريكة في مكتب مقاولات وفتحت ببيانتها حساب دولي وصل عليه بالفعل مبلغ كبير كان دفعه أولى لأحد التجار الذين كان سيدخل في مزايده مع أكثر من تاجر على محتويات المقبرة، جميعهم هربوا الأموال بمعرفتهم لكن هذا التاجر وحده من أصر على أن نجد نحن طريقة لدخول الأموال مصر " أرخى جاسم ظهره للخلف بذهول وقال
" هل لديك دليل على ما تقولين " قالت أثينات
" اسم البنك .. ، رقم الحساب .. ، حجم المبلغ …. ، تاريخ فتح الحساب وتاريخ وصول المبلغ …، المكان الذي حول منه المبلغ و……صمتت لوهلة قبل أن تقول " جميع أسماء المشترين خارج وداخل مصر "
لمعت أعين جاسم بقوة وهو يقول لها "
أريدك منك كل تلك المعلومات حالا وبالتفصيل " ………
༺༻

بنفس الوقت داخل المركز الطبي وبجناح أرضي خاص بمرضى الحروق كان هناك فريق مكون من طبيب وثلاثة ممرضات يعملون في منتهى السرية والسرعة كمسعفين لعشرة من الأشخاص الذين من بينهم أربعة حالات حرجة
وثلاثة حالات أضرارها بالغة وثلاثة حالات في وضع مستقر
أما الحالة الاحدى عشر فهي كانت قد فارقت الحياة بالفعل، كانت عيون الجميع شاخصة ممتلئة بالدموع، صدور الرجال تهتز كأنها تكتم صرخات قهر وأبدان النساء ترتعش كأنها ما عادت قادرة على الصمود، عشرة أوجه يمثلون كل الانفعالات البشرية التي تنحصر تحت طائلة الحزن، لا أحد منهم كان قادرا على إستجماع شتات نفسه، حرك حكم عينيه بقلب مكلوم على سباعه لينتهي به الأمر وهو يحدق في وجه حذيفة الذي ينام على السرير المجاور له، أمسك حكم كف حذيفة التي كانت باردة ونزلت من عينيه دمعة وهو يقول له بخفوت
" سامحني إن قسوت عليك يوما، ليتني كنت أعلم أن فراقنا قريبا هكذا، ليتني كنت أعرف "
شد حكم على يد حذيفة ثم تركها بحنان ليتحرك بعرج شديد تجاه سيادة التي كانت تجلس على طرف إحدي السرائر بينما إحدى الممرضات تعقم لها جروحها وقال بخفوت
" أنت لم تخبري يهدين عن حذيفة "
هزت سيادة رأسها وقالت ببكاء
" لا لم أخبرها "
هز حكم رأسه وهو يستند على حافة السرير ليتحرك تجاه السرير الذي يرتاح عليه طايع وسأله
" هل أنت بخير "
قال له طايع بحزن
" مازلت حيا "
منحه حكم نظرة داعمة وهو أكثر من يحتاج إلى الدعم بينهم وتحرك نحو سراج الذي كان قد نزف بشكل كبير وربت على ساقه ففتح سراج عينيه ونظر له بصمت قبل أن يغلقها بحسرة مجددا، فتحرك حكم نحو رشيد الذي كان الألم ظاهرا على وجهه ورغم ذلك رفض أي شيء لتسكينه ليقول له حكم
" لماذا "
فيقول له رشيد بتعب
" لكي أدرك أني حي، ربما لو سكن ذلك الوجع لظننت أني ميت كما سكن جسد حذيفة "
أغمض حكم عينيه والتفت ينظر لبتول التي تجلس على ركبتيها بجوار سرير زوجها الفاقد لوعيه ثم يتحرك تجاه رائف الجالس بصمت ويسأله
" أأنت بخير "
رفع رائف عينيه إليه وبدا كأنه يريد أن يتحدث كثيرا لكنه هز رأسه وعاد لصمته ليدخل عليهم فياض وبيده حقيبة ضخمة كانت معدة بالسيارة التي فر بها طايع وسراج وقال
" ينتظرنا سياراتان إسعاف بالخارج ولدينا خمس دقائق لنتحرك، ارتدوا هذه الملابس بسرعة "
انسحب الفريق الطبي والذي كان في حالة ذهول مما يحدث
لتأخذ ملكوت زي سراج وتركض لمساعدته دون أن يطلب أحد كأنها ترد له اللطف باللطف، وتتحرك سيادة لتحمل زي طايع ورشيد وتبدأ في مساعدتهما بينما فياض ناول رائف وحكم زيهما ليبقى زيا واحدا بالحقيبة التي تحركوا جميعا بوهن بالغ ليلتفوا حولها ويتأملون الزي الذي ما عاد لينفع صاحبه قبل أن يقول حكم بقهر بالغ
" مريم هذا الزي لكِ " …..

༺༻

بعد دقائق …..

كانت هناك سياراتان تنهبان الطريق بسرعة كبيرة الأولى،
يقودها رائف يجلس بجواره حكم وبالخلف وضعوا حذيفة على السرير فيما ارتدت سيادة وملكوت وطايع يرتدون ملابس الفريق الطبي والبطاقات التعريفية مستعدين لأي تفتيش قد يحدث، والسيارة الخلفية يقودها فياض يجلس بجواره سراج وبالخلف فيلو وضع على السرير وارتدت بتول زي الفريق الطبي دون بطاقة تعريف بعكس رشيد الذي يجلس بجوارها، كانت قلوبهم تدق بعنف كما لو أن بكل صدر منهم جرس ألف كنيسة وأصوات سيارات الشرطة تقترب بشكل وتر رائف كثيرا فقال له حكم
" لا تتوتر وكن هادئا قدر إستطاعتك "
هدأ رائف السرعة بينما رجال الشرطة يشرعون في وضع الحاجز الأمني ليقترب منه ضابط يسأله بنزق
" إلى أين "
قال رائف
" نحن فريق المركز الطبي ولدينا حالتين حرجتين نقوم بنقلهما لفرع المركز بالقاهرة "
تحقق الضابط من الأوراق ثم صرخ برجاله
" أسرعوا "
ثم خبط على نافذة رائف وقال
" افتح لي الباب الخلفي "
تحركت ملكوت التي ترتدي الكمامة تفتح الباب فنظر الضابط نظرة سريعة وقال
" تحركوا "
اقترب فياض منه وهمّ بإخراج أوراقه لكن الظابط أشار له بيده ليعبر فهز له فياض رأسه شاكرا وانطلق خلف رائف يسابقون كل شيء للوصول لجدران المزرعة حتى أحزانهم لكنها كانت أسرع منهم بكثير فلم يفلتوا منها …….

༺༻


ولتعلم أنا أناضل لأراك عاديًا كما البشر، أحاول أن أراك بعيني فقط لكن قلبي الذي هو لي بالمرصاد لا يمنحني أبدا الفرصة …..
༺༻

ترجل بشر من سيارته أمام قسم الشرطة ليتفاجأ بعدد كبير من الصحافيين الذين جاءوا على حد قولهم ليقوموا بمقابلات صحفية مع أهالي المتهمات خاصة بعدما تزايدت الأكاذيب حول قضية الفتيات بشكل ورطهم في قصص كثيرة لا حقيقة لها، عبر بشر بصعوبة من خلال الصحافيين فقد تزاحموا حوله وحاصروه بعددهم وأسئلتهم ليساعده ليل وفخر على تخطيهم وهو يقول بغضب
" كأنهم لم يكتفوا بما نشر حتى الآن"
عدل بشر ملابسه بعنف وهو يقول " لا لن يكتفوا، فهذا عملهم …المزايدة على بعضهم البعض بكوارث البشر "
هز ليل رأسه بغضب حتى اقتربوا من الشباب الذين كانوا ينظرون لبشر باستغراب ليتحرك أسد تجاه بشر ويسأله بخفوت منفعل
" بشر أين كنت، كيف تترك تولين في هذا الوضع وتختفي دون أن تبلغنا بمكانك، أنا أعلم أنك غاضب منها لسبب ما لربما كونها ورطت نفسها بشيء لم تقصده لكن لنعبر تلك الأزمة وبعدها تعامل معها ومع الموقف كيفما شئت، تولين لن تصمد كثيرا هنا إنها منهارة وحامل وليس قبلا لتلك المهزلة "
أطبق بشر جفنيه للحظة وكل كلمة تصله عنها تسقطه في صراع نفسي عنيف ما بين وحشان ضاريان أحدهما قلبه الذي يئن ألما وقلقا عليها وثانيهما عقله الذي يريد أن بتنحى عن مجالها تمامًا ليرمم عطب كبريائه المهدور، كل شيء كان ليمر إلا أن يعبر من جدار حبهما المنيع أنفاس رجل آخر، التفت بشر لأسد وقال بانفعال مماثل " لقد كنت أحاول إيجاد حلا للأمر "
رفع بشر عينيه تجاه شاهين الذي يقف بعيدا عنه بأمتار وقال له
" شاهين أيمكنك تولي أمر الصحافة التي بالخارج لأن الوضع زاد عن الحد "
تحرك شاهين بتحفز وهو يقول
" بالطبع …لا تحمل هما، لكن أخبرني كيف تريد للحوار أن يسير ، هل تريده ودي أم ….
صمت شاهين دلالة على التعامل بحزم فقال له بشر
" خذ علِيّ وأخرجوا لتنكروا كل ما قيل، بكلمات مختصرة دون الخوض بتفاصيل وهددوا أن من ينشر خبر ليس له أساس من الصحة سيتم مقاضاته بتهمة التشهير وأن الأمر بسيط جدا" تحرك علِيّ يقترب نحوهم فنظر بشر لوجه مؤيد الشاحب ولوجه سلطان المنغلق وقال لعلِيّ
" تحدثوا بثبات وبإذن الله كل شيء سيحل "
اقترب أيوب من بشر يقول
" لا أظن أنها فكرة سديدة سيد بشر، فصمتنا حتى الآن في صالحنا لا العكس هكذا ساعد كل كلمة بتصريح يحسب علينا "
قال له بشر
" حان الوقت لنغلق الأفواه التي فتحت علينا من كل إتجاه "
اقترب عاصي يسأل بشر
" أين كنت، وهل أسفر خروجك عن شيء "
قال له بشر متنهدا
" أتمنى أن يكون قد أسفر عن كل خير "
في تلك اللحظة خرج الضابط عبد العظيم من مكتبه وقال
" سيد أيوب من فضلك تفضل إلى مكتبي "
نظر أيوب لبشر مستفهمًا قبل أن يتحرك بخطوات واسعة تجاه مكتب الضابط ويطرق الباب ثم يلج للغرفة وهو يقول
" خير يا عبد العظيم باشا، أهناك جديد "
قال عبد العظيم ببشاشة
" ما هناك أننا سنفتقدك وسنفتقد الاعتصام الذي بالخارج فقد وصلتنا معلومات تؤكد براءة الفتيات من التهمة المنسوبة إليهم، وسيتم إخلاء سبيلهن بعد الانتهاء من كافة الإجراءات المتعارف عليها، مبارك عليكم "
إمتلا وجه أيوب بذهول انقلب لراحة وهو يقول
" أيمكنني أن أعرف كيف حل الأمر "
اتكيء الضابط بذراعية علىالمكتب وقال
" حسب علمي أنه تم القبض على فتاة في قضية تخص الأمن الوطني ومن خلال التحقيقات معها اعترفت أنها انتحلت شخصية إحدى الفتيات وفتحت الحساب البنكي واستقبلت عليه أموال من شخصيات فاسدة، لولا هذا ما كنا وجدنا دليلا واحدا ينفي التهمة، إنها رحمة الله بهؤلاء الفتيات "
اتسعت ابتسامة أيوب وقال لعبد العظيم
" لديك في عنقي دعوة غذاء معتبرة مثل الايام الخوالي حلاوة هذا الخبر، لكن دعنا نسرع في الإجراءات لأن هؤلاء الفتيات استنزفوا بما فيه الكفاية "
༺༻

بعد بعض الوقت……

كان باب أحد غرف القسم يفتح وتخرج منه سارة التي ركضت نحو سلطان الذي كان واقفا ينتظرها على جمر شديد الاجيج كما لو أنه جحيم مستعر، تتبعها كنزي التي توجهت بخطى منكسرة تجاه مؤيد لترتمي بين ذراعيه سامحة له أن يلتقط أنفاسه بعد طول انقطاع، تتبعها تولين التي كانت أول ذراعين تتلقفها على ذراعي أسد بينما هي منكمشة على ذاتها تبحث بعينيها عن بشر الذي كان يقف بعيدا كأنه ليس متلهفا للقياها، تتبعهن ملاك التي كانت تحني رأسها بخزي واضح غير قادرة على مواجهة العيون من حولها وجسدها ينتفض نفضا من خيال ذلك الذي تشعر أنه ملتصق بها بشكل يدعوها للفرار السريع لكن كيف، تجاهلت سارة شاهين الذي حين رأها اعتدل في وقفته مترقبا كأنه يمنح سلطانها عليه سلاما عسكريا أو شيء أكثر إحتراما ونظرت بصدمة لوجه أخيها الشاحب وقالت
" سلطان …ما بك، هل أنت مريض "
هز سلطان رأسه وفتح شفتيه ليعقد حاجبيه كما لو أنه يخشى أن يطلق صرخة ألم دون أن يعي وقد عبرت من خلال صدره إمرأة على هيئة رصاصة ليقول
" دعينا نعود الحارة، ابقي معي بضعة أيام فأنا لست بخير "
اهتز قلب سارة لدرجة جعلتها ترفع يدها إلى صدره كأنها تبحث عن جرح أو ألم لا يفصح عنه وترقرقت عيناها بالدموع وهي تقول
" لا تقل هذا، أنت بخير لكنك مؤكد مجهد، دعنا نعود للمنزل..هيا يا حبيبي …لا أراني الله فيك شرا أبدا …أنا أسفة أني أفعل بك هذا " انفجرت سارة في البكاء فربت سلطان على ظهرها ونبضات قلبه تنتفض و تتزامن مع شهقاتها كأنها تشاركها النواح ليفقد شاهين ثباته ويقترب منهما مندفعا بلهفته محاذرا بمنطقه حتى وقف أمامهما تماما ينظر بأعين سلطان وهو يقول
" حمد لله على سلامة سارة "
كان اسمها من بين شفتيه كصعقة كهربية أنعشت كل مراكز الاحساس التي خدرتها بشكل إجباري ورغم ذلك ترفعت عن أن تلتفت له ليقول له سلطان
" أنا رأيت منك ما يجعلني لا أريد للمشاكل بيننا أن تتفاقم، لذلك من رجل لرجل أنا سأعتبر أن ما مر صفحة سوداء وانتهت لكن سارة ليست لك "
كأنما سدد سلطان لصدره طعنة نافذة فنفرت عروقه وتوسعت عيناه التي حادت إلى سارة فوجدها تهرب منه في حضن أخيها كأنها تمارس رفضه دون كلل وهو يمارس حصارها دون وقت مستقطع ليأخذ شاهين نفس قوي وقد داهمه شعور بالاختناق قبل أن يقول
" أنا مقدر الظرف، ومتفهم لموقفك مني، ولا أريد الضغط عليك الآن لكن كلمة من رجل لرجل أنا لن أتخلى عن نسبكم وإن سيقت لي الدنيا بأكملها لأفعل ذلك، لا أنت رجل يخسره عاقل بهذا الزمان ولا أختك قد يعوضني عنها بشر، خذ وقتك لتتعافى من ذلك الضغط وبعدها سأتيك وليحدث بيننا ما يحدث مادام سيردم تلك الفجوة التي اتسعت بيننا "
نظر سلطان لشاهين بجمود لا يلين وسحب ساره وتحرك لتمر من أمامه وما بينها وبين صدره سوى ذرات هواء ساخنة من فرط ما يعتريه، نظرت سارة له بطرف عينيها ليفكر شاهين بداخله
" سارة العطار جميع من حولي يقولون أنك في طريقي كما العثرة، فأقول لهم دعوني بها أتعثر حتى تكسر قدمي…سيدتي أنتِ لي دون إختيارك، كما لم يكن تورطي فيك قرارك " ………
༺༻


أما كنزي فكانت في حما ذراعي أخيها تبحث بعينيها عن طيف شخص آخر، شخص في تلك اللحظة كان يقترب بخطوات متمهلة كأنما ماتت اللهفة في صدره ومات الوله في عينيه، وقف علِيّ أمام مؤيد وقال له
" هلا منحتني لحظات مع أختك " كان أسلوب علِيّ مستفز لدرجة مريبة، نظر مؤيد لليل الذي اقترب منه حين رأى أن الوضع بات انفجاري لا يختمل احتكاك بينهما وسحب مؤيد بهدوء يقول له
" مؤيد أريدك "
تحرك مؤيد فأصابت كنزي رعشة حين ابتعدت عن صدره لذلك ضمت نفسها وهي تخفض رأسها فقال لها علِيّ
" مؤكد سعيدة، خرجت من السجن وقريبا ستخرجين من سجني "
لم تجبه كنزي بل رفعت عينيها إلى عينيه فبدت كأنها تحدثه بشيء لم يدركه لكنه يدعوه ليفتح لها ذراعيه وكم كان يريد أن يفعل ذلك، وبدلا من ذلك قال
" نظراتك باتت قهوة باردة كقلبك " تساقطت دموع كنزي فملؤه القهر من صمتها، لقد بدت له جامدة لا تبالي به لا تبالي بكل الدمار الذي ألمّ بروحه، لا تبالي بعجزه …وكبريائه الجريح …
واحتياجه ليقول لها بانفعال
" لماذا تبكين، مؤكد ليس لطلاقنا الوشيك كنزي فأنا في النهاية لست الرجل الذي تريدينه أليس كذلك، تكلمي ….أنا لست من ترين نفسك جواره "
زادت حدة بكائها فمسح علِيّ على وجهة بعنف وقال
" أجيبي على سؤالي، فأنا تعبت وبت لا أستطيع قراءة صمتك كنزي، صمتك الذي يهين كبريائي ويدعوني للتخلي وحقًا اتقي وجع المتمسك إذا زهد وتخلى "
قالت له كنزي بارتجاف
" ماذا تريد علِيّ"
قال لها بانفعال شديد كأنه أصبح كرة نار تأكل نيرانه نيرانه
" أريد أن أعرف ماذا لو أن ما بيننا ينعكس فأكون أنا الغافل الذي لا يبالي وتكونين أنت متورطة في كأنك عاشق مهووس، كيف ستصمدين أمام الرفض كنزي "
هزت كنزي رأسها عاجزة عن الحديث الذي يكاد أن يركع أمامها لتبوح به علّه يجد بين كلماتها ما يهدأ من روعه لكنها نظرت لمؤيد بطرف عينيها فقال علِيّ
" ولا لثانية كنزي ولا لثانية كم أنا أحمق، أنا راحل رتبي أموركِ وراسليني لأخلصكِ مني قبل أن أسافر لأني إن رحلت لن تري وجهي مجددًا "
التفت علِيّ مغادرا وقد أنهكه صراعه أمامها، عقله يقيد قلبه ويبث فيه نيران غضب لا تحاول ولو بلمسة لكفه أن
تطفئها كأنه لا يستحق كأنها للمرة المليون بينهما تثبت له أنها حقا لا تبالي، لقد بات يشعر نفسه مسخ لا يعرفه رجل غريب عنه …رجل ليس نتاج قرار مؤلم، بل هو محض تراكمات …….
༺༻

تحررت تولين من ذراعي نزار وسارت كما الطفلة التائهة التي تبحث عن دفيء منزلها، سارت إليه بخطى واهنة متخبطة ونظرات متألمة مليئة بالذنب ووجه شاحب وضعف بالغ، كانت تدرك كم أذته وكانت تتألم بقدر ذلك وندمها، كانت تخشى من عينيه التي كانت عن اجتياحه تقصها، كانت ترتجف بلوعة وانكسار ما عاشته بعمرها، وقفت تولين أمام بشر ثم اندفعت تنام على صدره وتحاوطه بذراعيها وهي تبكي بقوة شطرته وأدخلته في دوامات من الاستسلام الذي كاد أن يبتلعه وهي تقول
" أنا أسفة يا بشر، سامحني أرجوك، سامحني ولا تقسو عليّ لأني لم أتعمد أن أجرحك ، لم أتعمد مطلقا "
أبعد بشر ذراعيه عن جسده لكي لا يخونانه ويطوقانها بشدة بينما قلبه الخائن كان كأنه سيمر من بين أضلعه ويحويها في شغافه في التو، حاول بشر بكفوف مرتعشة إبعادها وهو يتهرب بعينيه من النظر إليها لتتمسك هي به بإستماتة وترفع وجهها إليه وتقول
" حسنا بشر، عاقبني كيفما شئت لكن وأنا بين ذراعيك، ضمني أرجوك، أرجوك "
استجمع بشر كل قوته التي تتوق لأن تحتويها حتى انقطاع أنفاسه وبمنتهى اللارحمة حولها لقوة عكسية فك بها ذراعي تولين من حوله ثم قال لعاصي
" خذها للمنزل ولا تسافر لأرض العزايزه حتى أعود، لا تسافر مهما حدث "
انفعلت تولين وهمّت بالتمسك وهي تقول
" تعود من أين، بشر لا تتركني " قال لها بشر بحدة جمدتها حتى شعرت أن نبضها تحول ككرة طارت إلى حلقها ثم ارتدت تضرب خافقها بعنف
" تولين …توقفي عن تلك الأفعال الطفولية وهيا إلى المنزل " صدمتها وانسحاب الدماء من وجهها جعلاه يلتفت بسرعة منسحبا وقد شعر أنه على وشك فقدان وعيه من منظرها ……….

༺༻

تبعت ملاك مؤيد وكنزي نحو الخارج ولكنها كانت تشعر بظل طويل يحاصرها بشكل لم تفهمه، الخطى تتبع الخطى حتى أنها قد ساورها الشك من أنهما قد يكونا ملتحمين بشكل ما، التفتت ملاك بتوتر لتقع عيناها بأعين أيوب الذي كان لا يدري لماذا أرادها في تلك اللحظة أن تشتد به وتلجأ إليه كما لجأت كل واحدة من صديقاتها لرجل يمثل لها الامان، كانت هشة وضعيفة ككارثة ذا تبعات تغويه لارتكابها، كان بها شيء يجذبه نحوها …شيء يجعله يتفاعل مع سكناتها بانفعال غير منطقي، أسرع أيوب في خطاه حتى صار موازيا لها فنظرت له ملاك بطرف عينيها وانكمشت ليقول لها
" لا تسمحي لأحد أن يستغل طيبتك مجددا ليست كل مرة ستسلم الأمور "
بكت ملاك وبدأت في فرك كفيها فقال لها أيوب
" شعورك بالذنب الآن يعد جلد ذات لا داعي له، الاستفادة من الدرس حاليا تكفي "
لم تتجاوب ملاك معه فقال لها أيوب
" سأتركك لتهدئي ثم سيتوجب علينا أن نلتقي "
رفعت له عينيها بتساؤل ليشعر أن شفافية تلك الأحداق اخترقته بشكل مثير للذهول فابتسم ابتسامة لا تفسير لها ولمعة عينيه الزرقاء تلقي في صدرها رهبة تجعلها تزداد وجلا منه ليهز رأسه بحركة بدت مختالة وقال
" أنا حاليا المحامي الخاص بكِ، ولن أسمح لك بأن تخفي شيئًا عليّ مطلقا، أنا أريد أن أستمع للقصة لكن تلك المرة بمنتهى الصدق لأن صدقك معي سيترتب عليه الكثير من الأمور بيننا "
عقدت ملاك حاجبيها فقال أيوب
" هناك ما بات يجمعنا يا ملاك لذلك دعينا نتخطى نظرة الحذر والهلع في عينيكي لأنها لن تناسب المرحلة القادمة "
شعرت ملاك برعب حقيقي فأسرعت تركض خلف كنزي التي تركت باب السيارة مفتوح لها فظل أيوب يراقبها وهو عاجزا عن إدراك إهتمامه بذلك الملاك المذعور…ربما ….لأنها بمنتهى الهدوء….بمنتهي البساطة ….بمنتهى اللطف ….بمنتهى الصدق….بمنتهى الضعف الذي يثيره لإكتشافها فعل هو مستعد فعلا لما سيكتشفه …….

༺༻

بالمجمع السكني …..

دخلت فرحة منزلها تجر أطفالها خلفها بوجه مبهوت وقلب وجل لتجد سيد الذي هاتفها وأمرها أن تحضر الاطفال وتلحق به على وجه السرعة يسحب حقائب السفر من أعلى خزانة الملابس ويجمع بها ملابسه بعشوائية وانفعال فقالت له بقلب منقبض
" ماذا تفعل "
قال لها سيد
" كما ترين يا فرحة وبدون حديث كثير لأني ليس بي احتمال اجمعي كل ما يخصنا لنرحل"
قالت فرحة
" نرحل إلى أين "
أجابها سيد المستمر فيما يفعل
" سنعود لمنزلنا القديم "
تحركت فرحة لتقف أمامه وهي تقول
" تقصد الحارة "
قال سيد
" بل منزل والدتك وتوقفي عن الاسئلة ونفذي ما طلبته منك "
قالت فرح
ة " ماذا تعني بتوقفي عن الاسئلة، أنا لن أتحرك خطوة واحدة خارج منزلي قبل أن أفهم ما يحدث، لن أترك أحبابي وأصحابي وعشرتي الطيبة وأسير خلفك دون سبب منطقي "
أغلق سيد باب الخزانة بعنف وقال " السبب أنه قد انقطع عيشنا بينهم عند هذا الحد، لذلك اجمعي كل ما يخصنا دون أن تسألي سؤال آخر وإلا سأقسم عليك بالطلاق أن نرحل من هنا كما دخلنا …بلا مستقبل …بلا أهل …بلا أحباب …بلا شيء يخصنا "
كان القهر يتفجر من بين كلماته فبكت فرحة وذعنت لأمره بإنكسار بالغ بينما يقف إبراهيم والذي بات في مرحلة المراهقة يحمل أخته ويضم أخيه لساقه وصدمة ما يسمعه على نفسه تكاد تعادل صدمة والديه معا …….
༺༻

بعد أسبوع ….


لحظات الفقد الحقيقة لا تبدأ في لحظة الموت ولكنها تبدأ حين تكمل الحياة في المسير بينما أنت عاجز عن مواكبتها باقيا تنتظر كف شخص مازلت لا تستوعب حقيقة أنك فقدته …..

༺༻

مر أسبوع …سبعة أيام طوال مضت ثوانيهم عليها كأنها أسهم سددها الزمن إلى صدرها ولم يسمِ بل بكل قوته وبطشه رمى، سبعة أيام ودموعها لا تجف ورجفة جسدها لا تتوقف ونيران قلبها لا تخمد وإحساس الذنب الذي يحاوطها كشبح مفزع يجعلها في حالة تتمنى فيها لو أن الموت أمرا مشروعا لتنهي معاناتها وتلحق به، ذلك الذي قادته لموته بمنتهى الأنانية والغباء، رفعت يهدين عينيها اللتان باتا كبؤرتي دماء لا تنضب تنظر نحو الحائط الذي علقت عليه كافة الأوراق التي أتى لها بها فخر من ملاك، ومن حولهم وضعت ملاحظتها محاولة أن تجمع الخيوط لتصل لمركز الدائرة وسيدها، فمحال أن تجف دماء حذيفة وتضيع في انتقام غير كامل، كانت يهدين تجلس أرضًا تضم ساقيها لصدرها وتهتز للأمام وللخلف برتابة وعيناها سريعة الملاحظة تمر على ورقة كتب عليها تولين …ومنها سهم وضع أسفله إسم عادل …ثم كتب اسم حشاد وراضي العزايزي …..ثم قصقصات قديمة عن حادثة وفاة لرجل وزوجته ووالدة زوجته …ثم سهم طويل يصل كل هذا بصورة رائف التي كانت ويا للعجب تتوسط الدائرة بشكل غير منطقي تمامًا …حادت يهدين بعينيها نحو شاشة الحاسوب الذي وضعت به جهاز الذاكرة الذي أتاها مع أوراق ملاك لتجد نسبة التحميل الآمن صارت ثمانون بالمئة وقفت يهدين وتحركت نحو الحائط تلمس بيدها اسم غازي ومنه إلى اسم يونس ثم ترفع يديها عن الحائط وتقربها من شفتيها منغمسة في تفكير عميق تحاول أن تحل به اللغز الذي أمامها
فصورة رائف التي تتوسط دائرة المعطيات كان بها شيء غير مريح، أصدر الحاسوب صوت يدل على اكتمال التحميل الآمن فتحركت يهدين نحو حاسوبها وانحنت تنظر للمعلومات والملفات أمامها لتهتز الشاشة وتظهر أرقام صغيرة متتالية بدت كعد تنازلي ضخم ضيقت يهدين عينيها وركزت على الأرقام ليبدأ عقلها الراقد من صدمة موت حذيفة بالعمل بسرعة كبيرة، كل التفاصيل كانت تمر، كل المعلومات، كل الوجوه، كل الحقائق لتتوسع أعين يهدين وتبتعد عن الحاسوب بفزع أسقط كوب الماء الزجاجي أرضًا ليتحول إلى شظايا بينما سقطت هي جالسة على الكرسي خلفها بجمود للحظات قبل أن تتحرك نحو الحائط بغضب وتسحب صورة رائف لتمزقها وتلقها أرضًا قبل أن تمسك القلب وترسم دائرة في منتصف الأوراق وتكتب فيها اسم
رغم بالغ صدمتها إلا أنها كانت واثقة تمامًا الثقة أنها قد وجدت السيد وأنها رغم كل الحب ستنتقم ………

༺༻


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-05-23, 09:21 PM   #376

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

❤️❤️❤️❤️❤️❤️
زهرورة likes this.

شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-05-23, 07:52 AM   #377

hbooya

? العضوٌ??? » 393675
?  التسِجيلٌ » Feb 2017
? مشَارَ?اتْي » 183
?  نُقآطِيْ » hbooya is on a distinguished road
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

hbooya غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 17-05-23, 11:11 PM   #378

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الثلاثون


وتقتلني فجوة تغور في وجنتيك بلا قتال
يا إمرأة تزلزل عمقي رغم كل الثبات
يا من علمتني أن الحب لا يخط في مسيرة الرجال إلا انتفاضات النهايات
يا سوطًا يوسعني شوقًا إني أصرخ من هول مشاعري إليكي وأركض من عمق شتاتي إلى عمق الشتات
وأنصال الوجد في ليلي تمزقني
وتحرقني حتى أصير من هولها
محض رماد ورفات…..
يا من أهيم وأسير لأجلها فوق
جمر الهوى أترنح، لقد بات الشوق في صدري كأمواج تغزوني بجموح عات ….
وتنال مني ما لم ينله مني بشر
ولا تتركني إلا وأنا منثور فوق
شفتيك كما لو أني محض ذرات وفتات
يا من إيمائتك في الصمت ليست
إلا حديث وإن قيل فقد في غماره
كل ما أرخ للعاشقين من حكايات
يا مستبدة في قربك كما البعد ما
عدت أنا المهووس بحب الذات
ما عدت ذلك الصقر الجارح
الذي على غضبه ونيرانه يقتات
ما عدت ذلك العقل الذي يفر قسرا
مهابة الانجراف والتورط والبدايات
بل صرت آخرًا لا يريد أحد غيرك أن يسكن دقائقه ويعانق أنفاسه الأخيرة في تلك الحياة.
فريدة أنت سيدتي لحد قد أبهر قلبي
وأرهق كياني وجعلني صاغرا لأسرعشقك الذي أخضعني للسهد والويلات……
༺༻

لا شيء قد يستهوي النساء كفن الصمت، لا شيء قد يعبر عن معاناتهن مثله، فلا شيء غير الصمت قد يرسم في ظلمة الأحزان الابتسامات الخادعة التي لا تعكس مدى الانكسار، لا غيره قد ينحت في طيات الأحداق المليئة بالدموع نظرة تحيل الشجن العميق إلى بداية إحتفال، وحده من يعمر في خراب الروح المشتتة ملاجيء للدموع النازحة الذليلة ثم يؤلف حكايا من الوهم الذي لا ينتهي ليهون بها مرار التجارب، وحده الصمت من يستطيع أن يعزف مقطوعة الخرس القسري على أوتار القلوب المنهكة ليمنحها بعض السلام، وحين يحتد الموقف لا يمانع أن يتراقص دون هوادة ما بين أفكار تئن لها أجسادهن ليملأها بنوبات خدر هانئة، ليبلغ ذروة قوته حين يجسد شخصية إمرأة لا وجود لها لتحتل المشهد مخفية خلفها تلك التي تخشى أن تواجه العالم وهي تعتنق الصمت…
༺༻

****ب الساعة ليست عدو مادامت ستأتي بلحظات الفرح إلينا أو ستأخذنا نحن إليه، ليست منافقة مادامت ستمر سريعًا حين الألم وستتباطأ كيفما شائت حين تشرق شمس السعادة، الزمن ليس صراعا نحن طرف فيه وليس صاحب السلطة لنخشاه، هو فقط شاهد حاضر دومًا لا يغيب، يقف متواريًا بخجل حينما تضربنا موجات الحزن دون رحمة، متعاطفًا حين يفجعنا الفقد دون مقدمات، ومهنئا حين يزورنا الفرح ويطيل البقاء، ومودعًا عندما تحين النهاية التي لا نعلم موعدها، الزمن هو كل الحكمة التي نفتقدها …وكل المنطق الذي نحتاج إليه، وكل التفاصيل التي تفلتها الذاكرة دون أن تدري لذلك محال أن تمنحنا مهابته السكينة فجميعنا داخل دائرته نقود صراعنا الخاص وهو لم يكن ليأخذ بصف أحدنا أو يتورط، نظرت بهية بعيون منطفئة لتاريخ اليوم وهي تفكر أنه يوافق يوم طلاقها من يوسف، كأن اليوم هو عيد الثورة الذي يجب أن تقف عنده وتعيد شريط العمر من البداية إلى النهاية، لكنها تأبى أن تفعل لأنها لا تشعر أن ذلك الشريط يخصها، كل تلك الذكريات ما عادت تلزمها أو تعنيها، كل ذلك الألم الذي عاشته لفظ من رحمه لها بداية جديدة لا تريد سوى أن تتمسك بها بعدما طال مخاضها وتعثر حتى ظنت أنها ستفقدها كما كادت أن تفقد حياتها، شدت بهية على كف منذر الذي رفع وجهه عن شاشة هاتفه ونظر لها قبل أن يرفع كفها الذي ينام بكفه ويقبله قائلا
" إنه دورنا، بمجرد أن يخرج من بالداخل "
قالت له بهية بصوت مختنق
" أعلم أنا فقط متوترة مما سنسمعه بالداخل "
وضع منذر الهاتف بجيبه ثم ربت بكفه الأخرى فوق كفها بحنان وقال
" كوني واثقة أني لا يهمني سوى أن أطمئن عليكِ، أي شيء غير ذلك لا يشغل عقلي مطلقًا " هزت بهية رأسها بشكل يشي بخوفها فترك منذر كفها ورفع ذراعه يضمها إلى صدره ويقول " أنا واثق أنكِ قوية جدا لدرجة باتت تملأني بالقوة والرضا، لذلك أنا راضي بأن تكوني بخير حتى لو عنا ذلك أننا لن نحظى بطفل أبدا "
قالت بهية بإرتجاف
" لا تقل ذلك أرجوك يا منذر، أنا لن أحتمل "
قال لها منذر بهدوء
" أنا من لن يحتمل أن يأخذك طفل مني، أنا أحتاج لكل إهتمامك "
نظرت له بهية بحب إجتاح صحراء روحه القاحلة وأضرم فيها من الخضار جنان باتت تشعره بالكمال ليقول لها متأثرا
" لتعلمي بهية أنكٌ لم تكوني لي أول حب بل كنتي لي أول حياة " ابتسمت بهية أسفل نقابها ابتسامة مرتعشة جعلتها تتذوق ملوحة دموعها وهمت بالرد ليقاطعها صوت يقول
" السيدة بهية العزايزي …الطبيب بانتظارك ".
༺༻

وقف منذر يساعد بهية بتعديل ملابسها خلف الحاجز الذي يحاوط سرير الكشف الطبي وهو يسمع الطبيب يقول
" لا شيء يثير القلق إلى هذا الحد أيتها الطبيبة، لقد أصابني إرتجافك بالتوتر "
أمسك منذر يد بهية بدعم يقودها نحو المقعد المقابل لمكتب الطبيب ثم جلس في المقعد المقابل لكنه لم يترك يدها وهو يسأل الطبيب
" هل كل شيء بخير "
قال الطبيب
" لأكن واضحّا معكما الوضع الذي أمامي هو أفضل ما يمكننا الوصول له بالوقت الحالي، لقد شرحت لكما من قبل صعوبة ما تعرض له الرحم ووضحت أنه سيكون للأمر تبعات ستستلزم منا علاج مكثف قد يصل بنا إلى الحقن المجهري والذي لا أستطيع تكهن نسبة نجاحه إذا استلزم الأمر، لذلك إذا كنتما تخططان للحمل دعوني أوضح لكم خطة العلاج لكني أحبذ ألا نبدأها إلا بعد ستة أشهر "
قال منذر
" أنا بسؤالي لا أقصد شيء يخص الحمل بل أقصد صحة زوجتي ، هل كل شيء بخير، هل تعافت مما حدث "
ابتسم الطبيب وقال
" اعذرني لم أفهم سؤالك جيدا فاسم العزايزة مرتبط لدي بحالات غريبة "
ابتسم منذر وقال
" أنا حاليا لا أريد سوى أن تسترد زوجتي عافيتها، أما عن الحمل فهو رزق من الله حين أرسله لم أكن أنتظره وحين أسترده علمت أنه لحكمة يعلمها وحين يأذن لن نحتاج لشيء سوى أن تكون الطبيبة نفسيًا وجسديًا بأفضل حال "
توسعت ابتسامة الطبيب وقال
" لوهلة شعرتك ستكون متشدد فيما يخص الإنجاب فلدي مريضة من العزايزة مثل الطبيبة وصلت الاربعين بل وتخطته وجائتني مع زوجها تشكو تأخرها بالحمل الحادي عشر وقد جاءت بطفلها العاشر منذ سنتين "
ابتسم منذر ونظر لبهية وقال بصدق جعلها تشعر أن إنتمائها له بات بلا نهاية مع كل نظرة منه كأنه يبدأ من جديد
" أنا لن أطمع في أكثر مما بات لدي …أنا حاليا لدي الدنيا "
قال له الطبيب
" إذا سأكتب للطبيبة بعض الفيتامينات والأدوية التي يجب أن تنتظم عليها حتى الزيارة القادمة ".
༺༻

دعني أعترف أن قرار نسيانك كان أكبر مني بكثير ولذلك قررت أهون الحلول هي أن أنساني وأبقى بمكاني أنتظرك ..
༺༻

في نفس الوقت وعلى بعد أميال كانت سارة تقف داخل مطبخ منزلهم بالحارة والذي لم تغادره منذ أسبوع كأنها قررت الاعتكاف بين جدرانه لتهتم بسلطان ظاهريا ولتمنح نفسها هدنة من الحياة خفية كأنها تؤمن بأن الأمان لا توفره المنازل الفارهة بل المنازل الدافئة، أفكارها كخيول جامحة أطلق عنانها في برية لا آخر لها أو أول، تستغل كل الصمت من حولها لتبرحها حزنًا وشوقًا وندمًا واحتياجًا واحتجاجًا لساعات حتى تسقط على سريرها في آخر اليوم بوهن يشعرها كم هي بائسة، رفعت سارة المقلاة بحركة تعلمتها من فرحة لينقلب البيض بشكل سريع جعل عينيها تمتليء بالدموع وهي تفكر أن حتى اسم فرحة الذي كان مصدر الفرحة بات يشكل ألمًا لكن مؤكد لا ألم يرقى لألم شاهين الجوهري، قلبت سارة البيض بأحد الأطباق ثم بدأت بتقطيع حبات الطماطم لتسمع صوت عيسى ينادي قائلا " سارة هل استيقظت "
تحركت سارة خارج المطبخ فوجدته يقف على الباب كعادته ينتظرها أن تسمح له بالدخول وبيده أكياس الطلبات التي أرسلت له رسالة بها منذ نصف ساعة لتقول
" ادخل يا عيسى أنا أحضر فطور متأخر عسى ألا يكسر بخاطري سلطان ويقدر وقفتي ويضع لقمة بفمه "
دخل عيسى يضع الاكياس على رخامة المطبخ ويخرج ما به وهو يقول
" حال أخيكي مقلق وقلت لكِ أننا يجب أن نعرضه على طبيب" قالت سارة بحزن
" فاتحته بالأمر لكنه رفض وقال أنه بخير، أنا أشعر أن ما حدث لي صدمه وأثرت عليه وأنني السبب بما يمر به "
قال عيسى
" المهم أنكِ بخير وأن تلك الغمة قد انزاحت فأنتِ لا تعرفين كيف كان موقفكن معقد، لطف من الله أن تعترف على ذاتها الفاعلة " صمتت سارة تفكر في تلك الفاعلة التي لا تعرف من أين ظهرت وبأي منطق ورطت نفسها وملاك معترفة بما فعلت لتقول فجأة
" عيسى، أين فاطمة ..لماذا لم تأتي للسؤال عليّ أو تهاتفني أو تظهر منذ ما حدث "
قال عيسى بغضب
" لا تذكري اسمها أمامي، ومن الأفضل أن تنسيها تماما يا سارة "
عقدت سارة حاجبيها وهي تحمل طبق البيض وطبق السلطة وتتحرك خارج المطبخ وهي تقول
" لماذا تتحدث عنها هكذا، ماذا حدث بالضبط، لقد استغربت اختفائها وحاولت أن أسأل سلطان عنها عليّ أدفعه للحديث معي لكنه لم يجب "
قال عيسى
" بماذا سيخبرك سلطان، أن التي فتحتي لها منزلك حينما نبذها إخوتها أتت لقسم الشرطة لتشهد ضدك بتوصية من حبيب القلب " هزت سارة رأسها وسألت بعدم فهم
" من حبيب القلب، أنا لا أفهم شيء "
قال عيسى
" الضابط عماد، أختي المصون مرتبطة به عاطفيا وكانت تتلاعب بمشاعر سلطان حتى بعدما طلبها للزواج لم تعترف له لولا أني ضبطتها في وضع رومانسي مع ذلك الضابط وحذرتها إن لم ترفض سلطان بشكل لا يجرحه سأفضحها له لكن يبدو أن مخططها كان أكبر من ذلك بكثير "
توسعت أعين سارة وقالت بصدمة كبيرة
" سلطان طلب فاطمة للزواج " قال عيسى
" نعم وكان يخطط للذهاب لخالها لجعل الأمر رسمي لكنها كانت تؤجل مرة تلو الأخرى حتى ذهبت لها يوما فوجدتها هي والضابط يقفان معا كروميو وجوليت ثم كانت الصدمة الكبرى حين أتت لتدلي بشهادتها ضدك في موقف صدم الجميع "
طفرت الدموع من عيون سارة التي بدا حال أخيها الغير مفهوم منطقي تماما، منطقي إلى حد يشعرها أنها تتفهم ما يفعله حين يسكن جسده مغمضا عينيه قسرا بين جدران غرفته، تحركت سارة نحو غرفته وطرقت الباب وهمت بأن تناديه لتختنق بغصة حزن عاتية جعلتها تضم قبضتها وتقربها من شفتيها محاولة أن تهدأ قبل أن تعود لتطرق الباب مجددا وهي تقول
" سلطان …أنا أعددت فطور للمرة الثالثة اليوم وإن لم تخرج لتأكل شيء سآتي بالطعام إلى فوق السرير، قدر تعبي قليلا "
لم يأتها رد فقالت بصوت ثابت وملامح يملؤها البؤس
" إن لم تخرج لتأكل شيء سأحضر طبيبا ليراك وليحدث ما يحدث "
همّت بالطرق مجددا ليفتح باب الغرفة بعنف ويظهر سلطان بوجهه الشاحب وعيناه الغائرة يقول لها بصوت حاد
" ألم أقل لكِ ألا تطرقي ذلك الباب إلا لتنبهيني لمواعيد الصلاة "
قالت سارة وهي تنظر لأخيها بعقل لا يستوعب مقدار ما يعانيه " ما الذي تنتظره مني أن أتركك لتموت من قلة الأكل، سلطان هل هذا كله بسبب فاطمة "
توسعت أعين سلطان بشكل أربك نبضها وهدر وهو يضرب باب الغرفة بقوته
" هذا الاسم لا أريدك أن تذكريه مجددا هل تسمعيني "
أغمضت سارة عينيها برعب وألم وقالت
" على الاقل دعني أرتب الغرفة لك "
تحرك سلطان نحو المائدة وجذب أحد المقاعد وجلس عليه بصمت فيما ولجت سارة إلى الغرفة بسرعة كبيرة تفتح النافذة ثم تسحب شرشف السرير بكل قوتها وهي تشعر أن مشاعرها باتت خارج نطاق الاتزان ثم توجهت نحو الخزانة لتخرج شرشف نظيف لتسقط حقيبة ضخمة على الأرض ويسقط منها عدة صور فتنحني لتلتقط إحداها ليتوقف الكون للحظة يشاهد الحب الذي صحصح في صدر ابنة العطار كغزو يجعلها تتآكل من الداخل.
༺༻

بالخارج ….

نظر عيسى لسلطان بقلق بالغ وقال له بتردد
" هل مازلت تشعر أنك لست بخير، ربما عليك زيارة الطبيب يا سلطان "
قال له سلطان بصوت أجوف
" لقد قلت أني بخير، امنحني يومين وسأعود للعمل بإذن الله " قال عيسى بتوتر
" خذ ما تحتاج إليه من الوقت، أنا لا أصغط عليك والجميع يعملون بغيابك بنفس الأمانة التي يعملون بها في حضورك لكن سيظل لوجودك بينهم وضع آخر"
لاح شيء من الألم على ملامح سلطان الذي لم يرد ليقول عيسى " سلطان، هل لي أن أفاتحك بأمر "
نظر له سلطان عاقدا حاجبيه متسائلا ليقول عيسى
" أنا أريد أن أطلب ميراثي من رضا لأشاركك وأبقى جوارك …فأنا مرتاح في شركة الشحن أكثر "
عمّ الصمت للحظات قبل أن يقول سلطان
" عيسى، مكانك بجواري بالعمل بات موجود بالفعل دون أموال أو شراكة أما فيما يخص ميراثك فلندع الأمر لحين أن تستقل بذاتك لكي لا يظن رضا أني من دفعتك لطلبه، وعليك مراقبة الأوضاع بشركة الشحن جيدا وأنا يومين بإذن الله وسأعود "
هز عيسي رأسه بطاعة فربت سلطان على ذراعه بدعم لتخرج سارة من الغرفة تسأل بارتجاف
" سلطان، كيف أتت تلك الصور إلى خزانتك "
وقف سلطان وقال
" أحضرها شاهين لي بفترة سفرك وأنا لم أكن أريدك أن تريهم كما لا أريد لهذا الأمر أن يفتح بيننا مطلقا لأنه أخذ أكبر من حجمه بكثير "
تحرك سلطان نحو الغرفة ودخلها مغلقا الباب خلفه فوقف عيسى يستعد للرحيل لتنظر له سارة وتقول
" عيسى، أريدك أن تأخذني للمجمع السكني لأحضر ملابس أكثر لأنه يبدو أن بقائي هنا سيطول المهم أن أذهب وأعود قبل موعد الصلاة لكي لا يشعر سلطان أني تركته، هل لديك وقت "
قال لها عيسى
" بالطبع سأنتظرك بالسيارة، لا تتأخري "
تحرك عيسى نحو الخارج فسقطت سارة جالسة على المقعد الذي كان يجلس عليه أخوها تنظر للصورة الصغيرة التي بيدها وتبكي وهي تنظر لوجه شاهين الذي كان يرمقها داخل الصورة بانبهار واضح وتسأله
" كيف أبيحت لك كل المشاعر المحرمة في صدري كما لو أنها متيقنة من أنك ستكون أحد محارمي …كيف رغم كل الألم لم أفقد بك الأمل، كيف سيعود كل شيء كما كان وكيف ستلتئم الجروح، وألف كيف لا أستطيع سؤالك عنهم لكني أتمنى إن فعلت يوما أن أجد لديك ما يرمم وجعي ويجيب ".
༺༻

بعد قليل ……

نظرت بهية للطريق باستغراب واضح ثم نظرت لمنذر بطرف عينيها وهمت بأن تسأله عن وجهتهما لكنها فضلت الصمت، فهي لم تكن تريد أن تضغط عليه بأي شكل قد يصدع وجه الهادئ الذي تدرك أنه يضعه خصيصا من أجلها فمحال أن يكون هناك رجل لا يهتم بالأطفال، لا يهتم بأن يكون لديه ذرية يحملون اسمه، طفرت دموع بهية بحزن شديد امتزج بتقدير وحب لكل ما يمنحه منذر لها وارتخت على مقعدها تلمس بطنها بأصابع شاردة تبحث عن ذلك النبض الضعيف الذي كان ينتفض في أعماقها منذ أسابيع فاتت، لمح منذر حركة يدها فمد كفه يسحب يدها ويبقيها في حضن يديه وهو يقول
" لم تسأليني عن وجهتنا "
قالت بهية
" ظننتك ذاهب للمدينة لأمر ما ولم أرد أن أثقل عليك بسؤالي، يكفيك ما سمعته "
تنهد منذر بعمق وقال
" بهية أقسم لكِ أن ما قاله الطبيب لم يمثل لي سوى عثرة سنعبرها معا بإيمانكِ وحبي لكِ، أنا واثق أن الله سيرضينا حين يشاء "
قالت بهية بلهفة
" أنا أيضا واثقة من ذلك لكني أخشى أن يكون جزاء صمتي علىشر يوسف هو …
لم تستطع بهية أن تكمل حديثها فتفقد منذر المكان بعينيه ثم أوقف السيارة والتفت لها قائلا
" اسمعيني بهية …أنا لا أريدك أن تذكري اسم ذلك القذر بيننا مجددا، ولا أريدك أن تفكري بما مر عليكِ معه لأن هذا يجرحني، ودعينا نعتبر أننا فقدنا الطفل بحادث نجونا منه معًا ومنحنا بعده فرصة لحياة جديدة فهل من المنطق أن نتجاهل نعمة ما يجمعنا ونركز على الخسائر"
قالت بهية بانهيار ورهبة
" استغفر الله…استغفر الله، أنا لا أقصد أنا فقط أخشى أن يؤثر عدم إنجابي على ما بيننا، أنا أسفة إن كنت جرحتك حين ذكرته لكن صدقني أنا فقط ….
بكت بهية بقوة فشعرت بذراعي منذر يجذباها نحوه بقوة حتى فقدت إحساسها بالمقعد أسفلها كأنه بات يحملها وهو يقول
" قولي لي ما التعب في أن تسكنين قلقك بحضن دافئ مني يربت على قلبك ويجمع شتاتي بكِ "
تمسكت بهية به بقوة وبكت وهي تنام على كتفه وتشعر بكفه تربت على ظهرها بحنان لم تعشه حتى في كنف والدتها لتقول له
" أنا أحبك منذر، لا قبلك ولا بعدك "
لمعت أعين منذر بدموع وهو يقول بصدق
" وأنا أيضا يا بهية …أحبك "
عمّ الصمت للحظة ليقول منذر الذي انتشل ذاته من طوفان عاطفتها قسرا
" الحمد لله أن زجاج السيارة معتم وإلا كنا فضحنا يا سيادة الطبية، من فضلك انزلي هيا فقد تأخرنا بالفعل "
قالت بهية وهي تبتعد عنه بحرج " تأخرنا عن ماذا "
لمس منذر وجنتها يمسح دموعها بلطف وهو يقول
" سترين ".
༺༻

كانت بهية تتلفت يمينًا ويسارًا تحاول فهم ماهية المكان الذي تقف به، عقلها كأنه لا يستطيع تفسير الموقف، الموسيقي الغربية الناعمة الصادحة بالمكان تملأها بالتوتر كأنما أعصابها المشدودة باتت تتحسس من كل شيء عامدة حتى لا ترتخي، وكفاها المعلقان برسغ منذر يجذبانه كما لو أنها طفلة معلقة بذراع والدها، بينما منذر يقف أمام موظفة الاستقبال ويقول بتوتر يخفيه
" يوجد حجز باسم بهية العزايزي "
ابتسمت الموظفة وقالت
" بالفعل الموعد مؤكد عندي، يمكن للسيدة أن تتفضل هناك متخصصة بقص الشعر تنتظرها ويمكنك انتظارها هنا "
قرب منذر وجهه من العاملة وقال بخفوت
" أنا أريد مرافقة زوجتي، فهي تخاف أن تكشف شعرها أو يلمسه أحد لأنها تعرضت لظروف صعبة منذ مدة، أنا مستعد للدفع مقابل إخلاء المكان لها حتى تنتهي فأنا لا أريد لأحد أن يراها إذا بكت أو تأثرت "
تجمدت العاملة لوهلة تفهم فيها طلبه، خفوت صوته، عمق كلماته، صدق عينيه، وتمسكه بزوجته ثم قالت
" لدينا غرف معزولة، سأتولى الأمر لأجلكما، لكن للتأكيد هل السيدة ستقص شعرها فقط "
قال لها منذر وهو يلتفت لبهية
" هي لا تحتاج شيء غير ذلك "...
༺༻
دخلت بهية غرفة مجهزة بالكامل من أجل خدمات الشعر، جدرانها بالكامل مغطاة بالمرايا لتجد فتاة مبتسمة بلطف تشير لها نحو مقعد وتقول
" تفضلي سيدتي "
نظرت بهية للمقص وتراجعت للخلف فاصدمت بمنذر الذي أمسكها من كتفيها وقال بخفوت
" أنا لا أريد أن يبقى لذلك اليوم الغابر أثر، دعينا نخفي كافة أثاره بهية، دعينا نمضي "
هزت بهية رأسها وقالت
" أرجوك منذر …أرجوك "
قال لها منذر بحزن
" أنا لا أستطيع التعامل مع فكرة أنكِ لا تستطيعين النظر للمرآة، لا تستطيعين كشف شعركِ حتى لعيناي، أنا أشعر أن شعرك جزء مجروح منك لم تعالجه الأدوية أو الوقت ..أنا أشتاقك دون ألم بهية " التفتت له بهية وقالت بإنكسار
" صدقني أنا لن أستطيع الجلوس أمام المرأة، لن أستطيع تحمل صوت المقص وهو يبتر شعري "
قال لها منذر بهدوء
" أنا لن أؤلمك أبدا، هذا وعدي لك "
نظر منذر للفتاة التي تنظر لهما بتوتر وقال
" سيدتي زوجتي لن تستطيع الجلوس أمام المرآة، هل لديكِ حل "
نظرت الفتاة حولها وقالت
" بالطبع …بالطبع "
ثم حاولت تحريك المقعد الثقيل فتحرك منذر نحوها وحرك المقعد إلى منتصف الغرفة ثم سحب أحد المقاعد ووضعه مقابلا له وسحب بهية بلطف وهو يقول لها
" لأكن أنا مرآتكِ "
جلست بهية على المقعد بخوف وجلس منذر أمامها ثم أخرج سماعات هاتفه ووضعها بأذنيها لينطلق صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد في أذنيها يملأها بالسكون فترتخي تمامًا حتى شعرت بيد الفتاة تكشف شعرها فرفعت يدها تتمسك به ليمسك منذر يدها ويهز رأسه مطمئنا
فتغمض عينيها مستسلمة له، مرت الدقائق وهي معزولة في الغوص في ملامحه وسكينة التلاوة، تراه يتحدث مع الفتاة ثم يتأملها، يبتسم لها .. يطمئنها بلمساته حتى رفع كفيه يسحب السماعات من أذنيها ويقول
" لقد انتهينا "
رفعت بهية كفها بتردد تريد أن تلمس شعرها ليقول منذر
" حان الوقت لتلقي نظرة " هزت بهية رأسها برفض وقالت بخوف
" منذر "
لكنه جذبها بلطف نحو أحد الجدران ووقف خلفها يهمس لها
" ارفعي عينيكي بهية، ثقي في " رفعت بهية عينيها ببطء شديد لتتوقف على شعرها لتنفجر بالبكاء حين رأته، كان جميلا كما لم يكن من قبل، كان يلائمها إلى حد لم تتخيله فقال لها منذر
" أنا لست ضليعا في أمور النساء لكني لأجلك سأحاول دائما "
قبْل منذر رأسها فنظرت بهية لعينيه من خلال المرآة ليقول لها " مؤكد أرهقتي، دعينا نعود لتأكلي وتأخذي الدواء وترتاحي " هزت بهية رأسها بطاعة وهي تتنفس بعمق شديد وتشعر بأن دفء جسده الذي يحتويها …يغمرها … يعتصرها ….يتخللها حتى أزهق في ذاتها كل ذرات الألم، لأول مرة منذ أن فهمت ماذا يعني الدفئ بين ذراعي رجل تدرك أن لذلك الدفيء أوجه أخرى أكثر جمالاً ومودة …….
༺༻

بعد ما يزيد عن الساعتين كان منذر يحيد بسيارته عن طريق أرض العزايزه الرئيسي نحو طريق مختصر لمنزل رأفت العزايزي لتقول بهية
" متى سنرحل عن هنا "
قال لها منذر
" حين يعود بشر ويأتي بالشباب إلى الشيخ عبد الرحمن، فهو منذ أسبوع مختفي ولا أحد يعرف مكانه ولولا أنه أرسل رسالة ألا نبحث لظننا أن مكروه أصابه بعد ما حدث "
قالت بهية
" لقد اشتقت لأصالة كثيرا، لقد انهارت حين هاتفتها وباتت تشكو لي مني ومن رائف "
صمتت بهية للحظة ثم سألته
" هل تعرف أين رائف أنها تقول إنه اختفى تماما ولا أحدا يبحث عنه "
همّ منذر بأن يجيبها ليصمت حين رأى سيارة الشيخ عبد الرحمن تقف أمام المنزل يحاوطها رجاله وصوته الجهوري الغاضب يدوي بالمكان فترجل من السيارة مسرعا وهو يقول لبهية
" ابقي بالسيارة "
تم تقدم يدخل المنزل ليجد عبد الرحمن يقف أمام والده ويقول
" هل يتحداني ابنك وابن أختك، هل يكسران كلمتي، هل يظننان أني أعبث معهما "
قال منذر بتوتر
" ماذا يحدث يا شيخ "
التفت عبد الرحمن يزغره فيما قال سالم بتوتر وتعب
" ما أخرهم سوى أمر طاريء يا شيخ "
قال عبد الرحمن
" بلغتني فضيحة ابنة أخيك الجديدة، هي وزوجها كل عام بكارثة تجعل هاتفي لا يتوقف عن الرنين، الجميع يطلب تفسير لما يحدث فهل عليّ أن أذهب لهم بنفسي أم يتوجب عليّ أخذ موعد سابق "
قال منذر
" يا شيخ أتمنى أن تتفهم أن الوضع كان خارج عن يدنا لكن ….
قاطعه عبدالرحمن يقول بقوة
" أقسم بالله العظيم إن أشرق يوم الغد قبل أن أجدهم أمامي سيكون تصرفي كبطش أسود سيؤذي الجميع يكفي ما فعلتوه ويكفي كوارثكم التي لا تنتهي وحقًا بات الحساب ثقيل "
جمع الشيخ عبد الرحمن عباءته وخرج من المنزل بخطوات لها فعل الزلزال ليقول سالم لمنذر
" أين بشر، أين ذهب وترك خلفه تلك الكوارث، هاتفه حالا وقل له خالك سالم يقول لك هو لم يعد حمل هذه المصائب، هل تكبرون أنتم أم تصغرون ليظل همكم ثقيلا هكذا "
نظر منذر لوجه عمه المرهق ثم إلى سيارة الشيخ عبد الرحمن التي تتحرك مغادرة وأخرج هاتفه يحاول الاتصال ببشر الذي لا يجيب لينفعل ويرسل له رسالة يشرح فيها الوضع الانفجاري الذي واجهه للتو..
༺༻


لا تظن مكانك فارغا لأنه وإن كان يبقى فراغك أجمل الحاضرين..


حزن …وخمول …وشوق …وألم وأشياء أخرى يعجز عقلها وقلبها قليل الخبرة في المشاعر إدراكها يستنزفونها
دون رحمة، باتت الحياة لا شيء سوى شمس تشرق وتتسلل من نافذة الغرفة المغلقة، وشمس تغيب مرسلة الظلام ليرافقها حتى تظن أن الليل سيمتد إلى ما لا نهاية، كل شيء بات بلا طعم أو معنى …كل شيء منطفيء حتى روحها الثائرة على الدوام تشعرها عليلة مليئة بالسقم، نظرت فاطمة بشرود لانعكاس الشمس المتسلل من النافذة كما لو أنه شعاع
من نور ونار وتذكرت عينيه التي كانت تشتعل وتنطفيء وتحتد وتلين وتترقب وتتعجل وتمنحها بصمت كافة الانفعالات التي وجدت نفسها شيئا فشيئا تفسرها وتعتادها بل وتشتاقها، انتفضت فاطمة تجلس فوق سريرها بضيق وهو تفكر أنه ما كان للغة العيون في مذهبها يومًا تأويلًا والآن باتت دون تخطيط منها ملجأها وسلامها، سلام يعاديها ..
لمعت الدموع بعينيها ليهتز هاتفها فتمد ذراعها لتلتقطه بلهفة
خبت كما تخبو النيران حين وجدت يهدين قد أرسلت لها رسالة مضمونها
" لقد وجدت لكِ منزل صغير حسب مواصفاتكِ وأنهيت كافة الإجراءات الخاصة به، يمكنكٌ الانتقال إليه اليوم إذا أحببتي، سأرسل لكِ نسخ العقود وكل التفاصيل "
أغلقت فاطمة الهاتف ثم أغلقت عينيها بقهر شديد
وهمّت بأن تلقي نفسها داخل غفوة قصيرة تسرقها من ****ب الساعة التي تلدغها بكل ثانية تمر بها دون أن تعرف شيئا عنه لتتجمد للحظة حين سمعت صوت بالخارج، تحركت فاطمة وألصقت أذنها بالباب تحاول أن تسمع أي شيء لكنها لم تسمع سوى صوت ترحيب خالها فملأها الأمل الذي زار صدرها على إستحياء من أن يكون عيسى قد أتى لرؤيتها والحديث معها فأسرعت ترتدي عبائتها ووضعت على رأسها حجاب غير محكم وخرجت من الغرفة تقترب من غرفة الضيوف ووقفت بالخارج تقول
" خالي هل معك ضيف "
قال الحاج خلف بصوت مبتهج
" ادخلي يا فاطمة أنه الضابط عماد "
مات الامل وشيع في صوان جنائزي في لمح البصر ليحل مكانه مراجل نيران وغضب تكاد تأكل الأخضر واليابس، أحكمت فاطمة حجابها وولجت للغرفة بوجه ممتقع
ليقف عماد بابتسامة رائقة يقول مازحا سعادته بمزاح بدى لها ثقيل يكاد يقطع أنفاسها
" لقد أتيت بشكل ودي لأجدد طلب يدكِ من خالكِ وأريد الموافقة منكِ حالا لأحضر أبي والعائلة الكريمة لنتفق على موعد عقد القران فأنا لم أعد متفائل بأمر الخطبة، فكم خطبة لنا لم تكتمل "
قال الحاج خلف
" يا بني والله لو كان الأمر بيدي لزوجتها لك منذ أول مرة طلبت بها يدها فأين سأجد رجلا مثلك أطمئن عليها معه، ابن أصول ومن بيت أصول لكن الحمد لله أن الاوان لم يفت "
قال له عماد بابتسامة
" لقد حصلت على ترقية وأحببت أن تكتمل فرحتي بوجود فاطمة جواري خاصة وأني سأضطر أن أستقر بالعاصمة بناء على متطلبات عملي الجديد لذلك سأشتري منزل وودت أن تختاره هي لأنها من ستسكن به "
همّ خلف بالرد لكن فاطمة كانت قد وصلت لذروة انفلات التحكم بالذات فانفجرت تقول
" سيد عماد من فضلك لا تبالغ في رسم أشياء لن تحدث فأنا قررت أني سأكمل دراسات عليا بل وقررت أن أبيع ذلك المنزل وأغادر القرية بأكملها، لذلك فكرة الزواج أبعد ما يكون عن رأسي، أنت شخص طيب ومحترم ومليء بالمميزات التي حاولت أن أركز عليها بل وحاولت أيضا أن أقدر تمسكك بي لكن للأسف عقلي رغم كل ذلك مازال يرفض فكرة الزواج تماما "
وقف عماد يقول بتوتر
" إن كان أمر عقد القران قد فاجئكِ، إن كنتِ لست مستعدة لأمر كهذا، حسنا لنجعلها خطبة إذا كان ذلك سيرضيكِ "
قالت فاطمة بحدة
" للأسف الشديد لن ينفع مطلقا فأنا لا أراك سوى كأخ …لقد حاولت كثيرا ولا أظنك ستقبل أن يربطك علاقة بفتاة لا تبادلك المشاعر ولا ترى فيك ما تراه فيها، أنا أسفة لصراحتي لكني حاولت أن ألمح لك كثيرا لكنك كنت تتجاهل كل تلميحاتي حتى وضعتني في هذا الموقف الصعب، أنا للأسف لا أراك سوى أخ …أخ "
نفرت عروق عماد بقوة وامتقع وجهه وامتلأ بالغضب الشديد ليقول بعصبية
" مفهوم …مفهوم، أنتِ محقة أنا لن أقبل سوى بفتاة تراني كل عالمها ليس رجلها فقط في النهاية أنا لم أخسر شيء، أنتِ الخاسرة هنا ويوما ما ستفهمين عمق خسارتك وفداحة قرارك وربما ستظلين عمرك بأكمله ترين أني كنت لك فرصة لن تعوض وأنت من أضاعها بغبائه "
خرج عماد من المكان كزوبعة عنيفة فنظر خلف لفاطمة وسألها بحزن
" لماذا يا ابنتي، لماذا "
قالت له فاطمة ببكاء
" لأني لا أريده يا خالي ومن فضلك بل وأرجوك إن كان لديك هنا أمور عالقة تخص الأرض فلتنهها لنغادر هذا المكان لأني أشعر أني لو بقيت به لوقت أكثر سأختنق "
تحركت فاطمة نحو غرفتها لتسحب حجابها عن رأسها وتلقيه أرضا بعنف ثم تنظر لحقيبة السفر الضخمة الموضوعة بجوار مكتبها وتتحرك نحوها لتسحبها وتضعها على السرير ثم تفتحها وتتحرك نحو الخزانة لتحمل طقم الذهب ورزمة المال التي كانت كاملة وقد أعادت لها الورقة الناقصة والتي كان خطها الصغير المنمق يعلو خطه الكبير الفوضوي في كلمتان شعرتهما يمثلان كل ما مر عليهما معا وكل ما عاشاه، كان هذا أول ما وضعته في حقيبة السفر لتتحرك نحو خزانتها مجددا لتلتقط ذلك الظرف الذي وجدته يومًا في صندوق خالها النحاسي وتضعه فوقهما ودون أن تكمل حزم أمتعتها نظرت لثلاثتهم وشعرت أنها مستعدة للسفر..
༺༻

لقد غفت جميع مشاعري إلا حبك الذي أشقاني ثائر بين جوانحي لا ينام…
༺༻

بالمجمع السكني كان ضجيج المنازل ساكنًا كأنما أصحابها غادروها وإن لم يغادروها، كان شيء من الحزن يلوح في الأفق، لا يُرى ولكنه يشعر، جميع الأبواب مغلقة كأنما أصبح خلف كل باب من الهموم ما يعوقه عن أن يفتح، والوجوه باهتة فاقدة لكافة لمحات الحياة، نظر أسد لتولين التي تتقوقع على الأريكة في وضع الجنين تحتضن وسادة ضخمة تخفي جانب وجهها فلا يظهر منها سوى عين واحدة تورمت من كثرة البكاء، وجانب واحد شحب من كثرة السهر وقلة الأكل بحزن شديد لينظر إلى نزار الذي تبادل معه النظرات بعجز فتحرك أسد تجاه تولين وجلس على ركبتيه أمامها وقال
" ألن تخبريني بما حدث بينك وبين بشر ليختفي هكذا ويتركك بحالتك هذه هو الذي لا يحتمل عليك نسيم الهواء، أخبريني يا تولين لعلي أستطيع مساعدتك " دفنت تولين وجهها بأكمله بالوسادة تبكي بصوت مكتوم ليقول أسد وهو يجذبها لتجلس
" أنا لا أقول ذلك لتبكي بل لعل الأمر بسيط ويمكن أن نجد له حل، أخبريني ماذا فعلتِ، هيا يا توتا جميعنا نخطيء ونصيب وهو مؤكد سيسامحكِ "
هزت تولين رأسها وقالت بوهن
" لن يسامحني، أنا لا أصدق أني لم أره منذ أسبوع، لم أسمع صوته، لم أطمئن عليه، إنه يعاقبني ولكنه لا يدري أني أشعر أن قلبي سيقف قلقًا عليه "
ربت أسد على رأسها وهو ينظر لعاصي الذي اقترب منهما قائلا
" يا حبيبتي بشر بخير وقد أرسل لي رسالة ألا نقلق عليه أو نبحث عنه، هو فقط يحتاج لبعض الوقت وسيعود فورا، نحن نريد أن نفهم سبب الخلاف بينكما لعلنا نستطيع إنهائه "
أخفت تولين وجهها خلف كفيها وظلت تبكي بصمت زاد الأجواء توترا كأن صمتها يخبرهم دون حديث أنها قد ارتكبت كارثة، أشارت تبارك التي تقف بعيدا عنهم لنزار فتحرك نزار نحوها لتسأله بخفوت
" ألم تخبركم بشيء "
هز نزار رأسه نافيا وقال
" لا وهذا يقلقني كأنها تخفي شيئا جللا لا تقوى على البوح به " قالت تبارك بتأثر
" أو ربما شيء خاص بهما لا تستطيع الإفصاح عنه، لكن حالها هذا لا يرضي بشر، فليحاول أحدكم التواصل مع بشر، لأنه يجب أن يعود لأجل زوجته ولأن تجاهلكم لأمر والدي كل هذه المدة إشعال لمشاكل لا داعي لها، هو مؤكد منزعج من أمر قضية تولين ومن أمر تأخرنا عليه وأنا لا أريد لعلاقتكما أن تتوتر أكثر " نظر لها نزار بتوتر عكس لها مخاوفه من والدها وقال
" صدقيني نحن نحاول الوصول إليه، إنه يرى كافة الرسائل ولا يجيب، أسد يصور له تولين خلسه ويرسل صورها له ليضغط عليه ويدفعه للعودة لكن كما ترين لا جديد "
صوت توقف سيارة عنيف بالخارج جعل نزار يتحرك نحو النافذة لتتوسع عيناه بذهول وهو يقول
" إنه بشر "
قفزت تولين تركض نحو الباب تفتحه بلهفة وتقف لتراه يترجل من السيارة بحضور بدا مستبدا في قربه كفيض لا يروي مهما زاد، كانت ملامحه منغلقة في وجهها الذي يقف مقهورًا على بابه، وعيناه معتمة إلى حد جعلها تشعر أن الشمس قد غابت، وذقنه مستطيلة كأنما تفارقا لسبع سنوات لا سبعة أيام، كانت المسافة بينهما لا تذكر لكن جموده أشعرها أنها أميال فلم تبال وسارتها إليه حافية القدمين، مشعثة الشعر، متورمة العينين، منحورة المشاعر تتمنى لو أن ثرثرة قلبها تعبر حواجز الصمت وتصله ولا ترى أن ذلك الطود العظيم في عينيها كان رجل عاد النبض ليضرب في صدره بعد إنقطاع دام سبعة أيام، كان رجل ضائع ويائس يتعثر بين شوقه وظلمة ليله وما خلفته له من فراغ، كان رجل مطعون منها إلى الصميم، يقف دون أن يهتز وكله يهتز، يكبل ساقيه وذراعيه عنها فيفلت من قيوده قلبه وعيناه، اقتربت تولين ترتجف بلوعة وهي تلقي بنفسها على صدره وتبكي وهي تقول
" كيف هنت عليك بشر، كيف هانت لياليك دوني، أنا أسفة، قل لي ما يرضيك وسأفعله لكن لا تغيب عني ثانية "
دفيء جسدها الذي غاب عنه ملقيا إياه لزمهرير الجوى جعل ذاته من الداخل تئن وتذوب وتسقط من علياء ثباتها ولكن قبل أن ترتطم بقاع أحضانها قال بصوت منفعل
" كيف تخرجين من البيت بمنظركِ هذا، ماذا هل تظنين الحجاب لعبة من ألاعيبك، ادخلي المنزل هيا "
رفعت تولين عينيها إليه بصدمة جعلته يبتعد عنها حتى ارتطم بالسيارة خلفه وهو يتجاهل عينيها قائلا لعاصي
" عاصي أريدك بأمر هام "
نظر عاصي بذهول لما يحدث لتهم تولين بالاقتراب منه مجددا ليتحاشاها كما الملسوع وهو يصرخ بانفعال
" نزار خذها للمنزل لكي لا أفقد أعصابي "
اقترب نزار من تولين التي نظرت لعيون بشر بعينيها التي تتقاطر منهما الدموع كما لو أنها سيل وقالت بإنكسار
" لا داعي لتفقد أعصابك يا بشر، أنا سأدخل "
إستدارت تولين بأكتاف متهدلة تعود إلى المنزل لترى تبارك وأسمهان وعزيزة ينظرون لها بتعاطف جعلها تلقي نفسها بين ذراعي تبارك وتنهار بشكل جعل الواقف خلفها يطيح في انتفاضتها التي كانت تغتاله..
༺༻
دخل عاصي خلف بشر منزل أسمهان والذي كان خاليا إلا منهما وهو يقول بعصبية
" هلا وضحت لي لمَ تعامل زوجتك بتلك الطريقة، الفتاة منذ أسبوع لا تأكل ولا تشرب ولا تنام تنتظر عودتك لتحتويها وتصلحا ما بينكما ليس لتفعل بها ما فعلت "
قال بشر بانفعال
" عاصي ما بيني وبين زوجتي لا تتدخل به، واجلس واسمعني جيدا لأن ما أريدك به أمر هام " قال عاصي
" مؤكد ليس أهم من زوجتك والتي هي بالمناسبة تعد حامل ولا يجب أن تتعرض للضغوط النفسية"
دار بشر حول نفسه كأنه يحاول ألا ينفجر فلا أحد متفهم ومقدر لصعوبة موقفه وصعوبة ما يعانيه وقال بصراخ فاجأ عاصي
" لا تتدخل فيما بيني وبين زوجتي "
صمت عاصي مأخوذا بحالة بشر ليسأل بخفوت
" ماذا فعلت تولين بالضبط " حرك بشر رأسه بانفعال ثم سقط جالسا على الأريكة خلفه محاولا تنظيم أنفاسه وقد بدا أن ضغطه ليس مستقر ليعم الصمت للحظات قبل أن ينظر لعاصي بهدوء ويقول له
" اجلس واسمعني "
جلس على الأريكة المقابلة له يعطيه كامل اهتمامه وآخر ما توقعه هو أن يقول بشر
" قبل أن أخبرك بأي شيء أريدك أن تعلم أن ما سأقوله لن يغير شيء أبدا، حديثي الآن مجرد حقيقة ستحتاج منا التعامل معها لكنها لن تؤثر على حياتنا إطلاقا، هل تسمعني …لن تغير شيء "
بدا عاصي تائها وقد استبد به القلق وهو يقول
" أي حقيقة تقصد يا بشر " استجمع بشر قوته ليقول
"هناك أمر علمت به أنا وخالي سالم وليل منذ فترة، تحديدا منذ اختطاف تولين لكني لم أخبرك به لأني لم أرد أن تتعقد حياتك أكثر خصوصا بعد كل ما عانيته مع الشيخ عبد الرحمن، لقد رأيت حينها أنه مادام الأمر لن يؤثر على حياتنا لا داعي لأعكر صفو أيامك بشيء لن يقدم ولن يؤخر، صمتي حينها كان لأجلك عاصي فأنا لم أرد أن تنقلب حياتك لأجل لا شيء "
قال عاصي ودقات قلبه تتصارع " المقدمة وحدها أسقطت قلبي في قدماي… ماذا يا بشر ؟؟؟ ماذا سيكون هذا الأمر مثلا، هل سالم بخير أم أنه ….
قاطعه بشر يقول
" جميعنا بخير يا عاصي، لا تجعل ذهنك يتطرق لنواحي لا داعي لها واسمعني، هل تتذكر شهادة الميلاد التي وجدتها حين كنت أعد الجناح العلوي لتولين حين ولدت وسألت عنها خالي
سالم فأخبرني أنه كان لي أخ توأم ومات "
قال عاصي
" لا أتذكر جيدا لكن ما علاقة هذا بما تريد قوله "
قال له بشر وهو يفرك جبهته
" الحقيقة التي علمتها أن أخي هذا لم يمت، بل من ظنوا أنه مات لم يكن سوى خالي الذي ولد قبلي بأيام، ونظرًا للأوضاع حين ذلك منح جدي رأفت هوية الطفل لأخي لكي يحميه من نبذ العائلة، فطفل منبوذ أفضل من طفلين " صمت بشر فحرك عاصي رأسه متسائلا بصمت عما يعنيه ذلك ليقول بشر
" هذا يعني أنك أخي، نحن توأم غير متطابق "
قال عاصي
" توأم …أنا وأنت إخوة، هذا يعني أني لست ابن رأفت العزايزي بل ابن من ….أنا لا أفهم، لا أفهم شيء، أنا من وابن من وما دليلك على ما تقول "
قال بشر
" أنت آسر هاشم العزايزي، أخي …نحن إخوة يا عاصي ولدنا في يوم واحد من أم واحدة، أسمهان رأفت العزايزي"
قال عاصي بضياع
" من عاصي إذا من أنا "
أمسك بشر كتفه وشد عليه قائلا " افهمني يا عاصي "
وقف عاصي يقول بغضب
" لا تقل عاصي …ثم …هل البنات تعرفن بهذا الأمر …مؤكد تعرفن وأنا آخر من يعلم، الآن يبدو لي أن جميع تصرفاتهم منطقية للغاية "
وقف بشر يقول له
" اهدأ يا عاصي "
قال عاصي
" لن أهدأ، لمتى كنت تنوي إخفاء الأمر عني يا بشر "
قال بشر بانفعال
" كنت سأخفيها للأبد إذا تطلب الأمر لكي لا أقلب لك حياتك رأسا على عقب، فأنت لا ذنب لك في تعقيد الماضي، لا ذنب لك في كل الشر والكراهية التي جعلت جدك يمنحك اسمه "
أمسك عاصي رأسه فقال بشر محاولا أن يهدأ قدر استطاعته
" عاصي حاول أن تهدأ لأن هذا نصف الحقيقة فقط، وما بقي منها هو الثقيل بحق "
نظر عاصي لبشر والدموع تلمع بعينيه وقال
"ماذا بعد، ماذا تخفي عني أيضا "
قال له بشر
" لقد ظهر عاصي الحقيقي، فهو لم يمت كما ظن جدك "
توسعت أعين عاصي وقال
" ما هذا الجنون، عقلي يكاد لا يستعب ما تقوله، ظهر كيف …وإن كان حيا كل تلك السنوات أين كان، أتعرف كم عمري يا بشر، كم عام عشته لا أعرف حقيقتي "
قال بشر
" أنه شخص تعرفه جيدا، شخص تعذب وظلم كثيرا في حياته، شخص لم يمنح رفاهية كل ما بين يدينا، شخص مهما رأيت نفسك مغدور بك فاعلم أن ما حدث له أشد فظاعة، على الاقل أنت نشأت بين جدران قصر ..بين وجوه تحبك لم ينقصك شيء حتى الحقيقة تأخرت لكنها أتتك وحدها لم تبحث عنها بعكسه تماما، شئنا أم أبينا يا عاصي جميعنا مدينون له وبات علينا أن نفسح مكانا له بيننا ونحاول أن نعوضه عما مضى "
سأله عاصي بوجل
" من هو "
أخذ بشر نفسا عميقا وقال
" رائف "
ضيق عاصي عينيه وقال
" رائف من …
ليصمت بصدمة كبيرة فيهز له بشر رأسه مؤكدا وقبل أن يقول شيء عاجله قائل
" لقد عرف الشيخ عبد الرحمن بالأمر وثارت ثائرته ولهذا أرسل في طلبك، أنه يظن أننا كنا نعلم بالحقيقة وخدعناه بأن تتزوج أخته شخص لم ينسب لأبويه "
مطرقة بقوة ألف ريختر نزلت على رأس عاصي الذي شعر المكان يلف من حوله وقال
" غفران "
أمسكه بشر من كتفيه وقال له
" لا تخف، محال أن يسلبك أحد زوجتك، جميعنا حولك وسنذهب معك لنحل هذا الأمر، اطمئن، ولا تفكر بتلك الطريقة، فكل شيء سيمر صدقني "
جذب بشر عاصي لحضنه يطمئنه ويدعمه ليتمسك به عاصي الذي كان كمن بدأ مرحلة انجراف غير آمن لا يعرف كيف ستكون نهايتها ….
༺༻

بعد دقائق …….

خرج عاصي من المنزل خلف بشر ليجد غفران تبكي وهي تحمل ابنته وتسرع نحوه فأسرع يقطع المسافات بينهما بينما وقف البقية ما عدا تولين ومعهم فخر وليل الذي أخبرهم بكل شيء، بدت الصدمة جلية على وجوه الجميع ليقول عاصي بخوف
" أنا سأترك غفران هنا حتى نرى ما سيحدث، أنا لن أغامر وأخذها لمكان قد لا أعود منه بدونها "
قالت غفران
" لا تقل هذا، أنت لا ذنب لك، وعبد الرحمن سيتفهم ذلك بإذن الله، ثم لا شيء تغير أنت زوجي ولا يهم شيء آخر "
قال ليل
" بالطبع لا شيء تغير وما يحدث ليس إلا أمر سنتجاوزه بإذن الله، وسنتجاوزه معا لأن هذا ما يحدث دائما "
قال أسد الذي بدا منفعلا ومصدوما في آن واحد
" لا أفهم كيف تريدون منا تقبل شخص خطف تولين وطاردها وقلب حياتنا رأسا على عقب، أليس من الممكن أن يكون هذا مخطط جديد من مخططاته ليطولنا بسوء مجددا "
قال بشر بقوة
" أسد أحذرك أن تفتح بهذا الماضي مجددا ولو بدون قصد، ما تتحدث فيه أمر ورحل والآن لا يجمع تولين ورائف سوى علاقة عم بابنة أخيه، وأقسم بالله إن ضربت رأسك حين تراه وفلت لسانك بما قد يجرحه سيكون حسابك عسير "
قال أسد بغضب
" ما تطلبه يا بشر صعب "
قال بشر
" ليس أصعب مما عاناه رائف، وقبل أن تحكموا عليه تذكروا أني أكثر من تأذى بسببه ولكني فهمت أن كل ذلك الاذى لم يكن سوى بحثا عن ذاته التي كانت يجب أن تنشأ بيننا وتمنح كل ما منحناه من نعم، أي كان ما صدر عن رائف سابقا فهو لا يقارن بما عاناه طوال عمره، قلتها لعاصي وسأقولها مجددا …نحن جميعا مديون …لذلك لن يرى منا سوى الاحترام والحب والاحتواء أم لديك رأي آخر "
قال أسد
" لا يا بشر ليس لي رأي آخر " قال نزار
" ماذا سنفعل الآن "
قالت تبارك
" رأيي هو أن نعجل بالسفر لنطفيء نيران غضب أبي بذهابنا جميعا ومهما تضخم الأمر بإذن الله سنتداركه "
ثم نظرت لعاصي وقالت بلطف
" وستبقى عمنا الوقور مهما حدث "
ربتت غفران على كتف زوجها بدعم ليقول بشر
" استعدوا لنتحرك ".
༺༻

كفانا كبرياء سيدتي فأنا أدري أنك مثلي أتلفك الشوق وأهونك الحنين …محتل عقلك …مسلوب نبضك …مستوطنة أضلعك حتى صرتي مأسورة في ذاتك لرجل يعاني من مرار الأسر…
༺༻

تتحرك كجسد بلا روح تقطع غرفة المعيشة ذهابا وإيابا وهي تهز ماسة التي غفت بين ذراعيها، جسدها يقطن هذا المنزل لكن عقلها هدم كل الأسوار وأعد كافة حقائبه ونزع قلبها من صدرها دون رحمة وفرا هاربين منها نحو ذلك الذي مازالت كلماته ترن في أذنيها دون توقف كأنها نغمة حزينة كلما انتهت تبدأ من جديد ، قلبها وعقلها اللذان لم يعرفا يومًا معنى الترحال تمردا كاسرين كل الحواجز والمخاوف وتركاها خلفهما تقف على ركام الماضي الذي يملأ المكان حولها بالضباب المخيف والذي لا تثق فيما يداريه خلفه، تحركت كنزي نحو المطبخ المفتوح وشغلت مكينة القهوة وأسندت ظهرها لرخامة المطبخ وأغمضت عينيها مستسلمة لذكراه
كما استسلمت له بكل جوارحها في هذا المكان من قبل، غاصت بالذكرى حتى انتفضت روحها كأنها تشعر بذراعيه وشفتيه ونبضه …وخوفها، تساقطت دموع كنزي ورائحة القهوة تذكرها بما قاله لها …نظراتك باتت قهوة باردة كقلبك زاد الألم في صدرها فأحنت رأسها تلصقه برأس ماسه بإنكسار ليتعالى طرق على الباب فظنت كنزي أن مؤيد قد عاد وتحركت نحو الباب تفتحه بعيون تحاول أن تدعي الصلابة لتجد شاهين يقف أمامها مبتسمًا وهو يرفع عدة أكياس تحمل علامة شهيرة لأحد المطاعم ويقول
" ألن تسمحين لي بالدخول " أفسحت كنزي له المجال فولج شاهين إلى المنزل وقال
" لم أنس الصغيرة، لقد أحضرت لها طعام أطفال صحي لكني لم أكن واثقا بأي عمر هي فأحضرت عدة خيارات يمكنكِ أن تطعميها المناسب لها "
جلست كنزي على الأريكة المقابلة له بصمت فسألها شاهين بفضول وصوت بشر المنفعل يصل إليهما
" ماذا يحدث، لقد فكرت في إلقاء السلام لكني شعرت أن ما يدور خاصا لا يحتمل تدخلي "
قالت كنزي
" تقصد لا يحتمل تطفلك " صمتت للحظة تحاول التعامل بلباقة تناسب لطفه معها وحرصه عليها منذ خروجها من تلك الكارثة وقالت
" أعتقد هناك مشكلة عائلية وعليهم السفر لحلها"
أخرج شاهين محتويات الاكياس على المنضدة التي تتوسط المكان وقال
" هذا جيد، العقبى لنا حين نحل مشاكلنا العائلية نحن أيضا" أشاحت كنزي بوجهها متهربة من تلميحاته فقال لها شاهين
" بربكِ كفي عن أسلوبك هذا وتعاملي مع حديثي ببعض النضج الذي يناسب حتى مظهركِ البائس هذا فأنتِ تبدين كمتزوجة منذ قرن بات لديها ألف طفل"
نظرت له كنزي بغضب وقالت له
" احفظ لسانك وإلا سأمنعك من القدوم إلى هنا بحجة الاطمئنان عليّ وأنت في الحقيقة تأتي لتراقب منزل الجيران المغلق منذ أسبوع "
سألها شاهين بلهفة
" هل هاتفتكِ…هل تعرفين متى ستعود، ألم تفهمي منها لمَ لم تعد حتى الآن"
قالت له كنزي وهي تنظر لباب المنزل المفتوح بشرود
" بلى فعلت لكنها قرنت عودتها باستقرار حالة سلطان ومن حديثها يبدو أن انتظارك سيطول وستتكلف العديد من الفطور والغذاء والعشاء والتحلية "
تنهد شاهين بيأس وقال
" لا تقلقي، كل هذا سأخصمه من مال زوجك والذي بت أديره أنا بدلًا منه "
لاح عدم الفهم على محياها وهي تقول
" لا أفهم، لماذا تدير أعماله بدلًا منه "
قال لها شاهين
" ألم يخبرك مؤيد أنه حين علم علِيّ بسفركِ جن جنونه وعرض أسهم عمي شاكر للبيع مقررا السفر بلا عودة وقطع كل ما يجمعه بآل الجوهري لولا أنني حاولت إقناعه بترك إدارة أعماله لي "
أحنت كنزي رأسها بصمت فقال شاهين
" نصيحة من أخ لقد بات صمتك مضر لما بينك وبين علِيّ "
فزت كنزي واقفة وتحركت مبتعدة بانفعال وهي تقول
" وماذا بيني وبينه لأخشى عليه " قال شاهين بتأكيد قوي
" إنه زوجك "
قالت له كنزي بأسلوب إنفجاري " تقصد رجل تورط معي في زواج بلا أساس، ولم نكتف بذلك فورطنا نحن الاثنين مشاعرنا بالأمر، رجل أشعر من داخلي بوهن شديد تجاهه ويشعر بداخله بألم شديد تجاهي، رجل كل تجاربي تجعلني لا أثق في نواياه نحوي وكل انفعالاتي تجعله غير واثقا فيما بداخلي له، أنا وهو لسنا سوى علاقة هشة مؤلمة مؤذية لا أعرف كيف أنهيها ولا أملك القوة لأخوضها، زوجي …نعم زوجي لكن ما بيننا لا يمثل مقدار تلك الكلمة مطلقا، ما بيننا مشاعر ما عاد يربطها تعقل أو شيء منطقي وهذا مخيف، الأمر بات إختيار صعب جدا فحاليا ليس أمامي إلا أن أسير الطريق معه دون حسابات أو توقع وتقبل العواقب مهما كانت أو أن أظل على البر أحمي نفسي من الألم أطول فترة ممكنة حتى وإن كان هذا يعني أن أشطر ذاتي نصفين وأفارقه، قل لي لو أنك مكاني ماذا كنت ستفعل …حسنا أعرف ماذا ستقول، مؤكد ستبرأ ساحته من مخاوفي لكن لو أن هذا الإنسان صادق كما تقول هل يستحق أن يرتبط بإنسانة مذبذة مثلي، بربك كفى ضغطا عليّ …لأسبوع كامل وأنت تأتي لتصف لي حاله الذي يمزقني ولكن ماذا بيدي أن أذهب إليه وأقول له أني أحبه حبًا يؤلمني ورغم ذلك أخشاه ولا أثق في قوة ما بيننا ولا أستطيع تخطي كل العقبات التي تجمعنا بل ولا أستطيع حتى أن أشعر بالأمان بجواره وفي رأسي مئة خاطر يدمرها، لعلها مشكلتي شاهين …لعل الأمر مآساتي وحدي، فما ذنبه ليتورط معي، وما ذنبي لأتورط فيه أكثر " ضرب شاهين على ساقيه وهو يقول
" يا للنساء….أيتها الغبية ذنبه أنه زوجك وعليه أن يعلم ويفهم ما يدور بداخلك ويساعدك لتتخطيا الأمر، أتعرفين لقد كنت أتحدث مع سيدرا عنكِ لأني أحيانا أشعر بالعته من تعقيد النساء فأخبرتني أنكما تحتاجان إلى زيارة استشاري علاقات زوجية ليحاول أخذ تلك العلاقة لمسار آمن وأرسلت لي عنوان عيادته ورقم هاتفه …انتظري "
أخرج شاهين هاتفه ليشعر أن جانب وجهه تخدر تماما من شيء قذف نحوه كما لو أنه قذيفة هاون، التفت شاهين لكنزي ليجدها بدأت تقذفه بكل ما حولها وهي تصرخ بصوت أفزع الصغيرة
" هل تناقش خصوصياتي مع أختك، الخطأ ليس منك ولكن من عقلي الغير سوي والذي تعاطف معك، أخرج من هنا ولا تريني وجهك مجددا، أخرج "
أعاد شاهين هاتفه إلى جيبه بسرعة وتحرك يحمي وجهه وهو يقول
" عرق آل الجوهري يظهر فيكي وفي أخيكي وزوجك في أوقات غريبة، لقد كنت جائع " قذفته كنزي بأحدى المزهريات فصرخ شاهين
" ستجعلين الرجل يفر من جنونك هذا ثم ستبكين بدل الدموع دما "
قالت كنزي وهي تهز ماسة التي بدأت بالبكاء بذراع وذراعها الآخر تمده لتلتقط وسادة تقذف بها شاهين الذي يقف أمام الباب
" الدم هذا سيقطر من رأسك إذا لم ترحل "
اندفع شاهين نحو الخارج ليصدم بجسد لم يتبينه لأنه تلقى الوسادة في وجه بدلًا عنه فتراجع شاهين كما الملسوع حين تبين أنها أنثى ليتجمد فورا وعبقها الذي ملأ الدنيا يتدافع إلى صدره بجنون لتنزل سارة الوسادة عن وجهها وتقول بريبة
" خير، ما هذا الصراخ "
ركضت كنزي نحوها تضمها بقوة وهي تقول
" سبعة أيام لا أراكِ بها، مهما أصف لكِ لن تفهمي كم أخافني الأمر …خفت كثيرا أن يطول ويطول حتى نفترق "
امتلأت أعين سارة بالدموع وقالت لها
" لا داعي للسودوية فالاوضاع تبدو سوداء بما فيه الكفاية، لقد جئت لأخذ بعض أغراضي وأراكن وسأعود للحارة، ما رأيك أن تعودي معي "
قالت كنزي بانهيار
" نعم خذيني من هنا ولنأخذ تولين وملاك وفرحة ….
صمتت كنزي تضع يدها على فمها بألم شديد فربتت سارة على وجنتها وقالت
" سلطان سيقتلني لكن لا بأس أعدي حقيبتكِ وحقيبة تلك الصغيرة هيا، سأذهب لأحضر أغراضي وسأمر عليكِ "
هزت كنزي رأسها بطاعة وتحركت للداخل فتجاهلت سارة شاهين تماما وهي تتحرك نحو منزلها ليسرع شاهين يسير بجوارها وهو يقول
" ألا يوجد كيف حالك شاهين، شكرًا على وقوفك معي شاهين، اشتقت إليك شاهين "
توقفت أقدام سارة فتوقف بدوره لتلتفت له سارة وتقول
" ماذا تريد يا شاهين "
قال شاهين بصراحه
حولت نبضها المنتظم إلى حوادث تصادم لا تعد داخل صدرها
" أريدك سارة "
قالت له
" وإن قلت لك أن ذلك مستحيل " قال لها
" سأظل أريدك رغم كل الموانع ورغم كل المستحيل "
قالت له
" بأي نوبات جنونك تود أن نغرق هذه المرة يا شاهين …ماذا …هل ترى أن ما مررت به بسببك قليل "
قال شاهين بانفعال هزها
" سارة ليس عليكِ أن تكوني بتلك القسوة خاصة وأنكِ من علم هذا القلب الكافر بالحب حلاوة الإيمان، ليس عليكِ أن تجرحيني وأنا بالفعل في فراقنا تملأني هلوسات مخيفة تقودني إلى الهلاك، ليس عليك أن تحاكميني بالإقصاء وقد حاكمت نفسي عنكِ، انظري إليّ ها أنا أطرق باب كنزي وأطلب ودها لأني تغيرت لأجلكِ، ها أنا أحاول أن أبتعد عن كافة المشاكل وأركز في عملي ومستقبلي لأني تغيرت لأجلكِ، ها أنا أتمرد على عائلتي وأسير خلفكِ كل طريق يصل بي إليك لأني سأفعل هذا وأكثر لأجلكِ، ها أنا أجلس أمام منزلكِ منذ سبعة أيام أراقب النوافذ والجدران والأبواب كأنه ما عاد بالكون شيء آخر قد يجذب تفكيري أو يصرفني عنكِ فبات كلي لكِ ولأجلكِ، سارة اطلبي مني ما تشائين …ما يرضيكِ وسأفعله مهما كان صعبا، أنا لست واقفا أمامكِ الآن إلا لكوني بت لا أعرف لأين أذهب، جميع الطرق إن لم يكن نهايتها أنتِ بت لا أريدها وباتت لا تعنيني "
لم تتحكم سارة في دموعها وهزت رأسها بقلة حيلة فقال شاهين بعجز وأعصاب منفلتة
" أنا أشعر بالضياع داخل عينيكِ فهلا أرشدتني، أرشديني لطريق العودة وأعدكِ ألا أحيد عنه " همّت سارة بالتحرك مبتعدة فأمسكها شاهين بقوة يسمرها مكانها وقال
" سارة أنا أحبك "
أغمضت سارة عينيها فقال لها شاهين
" أعلم أنكِ وإن رددت عن عيناي عينيكِ سيبقى قلبك للهفتي مراقب، واثق مما بقلبي لكِ ..وواثق فيما بيننا لأبعد حد "
جذبت سارة ذراعها من قبضته بقوة ليقول لها بهياج
" قولي لي فقط أهو سلطان "
قالت له سارة ببكاء
" اتركني "
قال شاهين بانفعال
" حسنا يا سارة، أنا ذاهب إليه، لقد كنت أنتظر أن تهدأ الأمور لكن لو فسر عقلك انتظاري بشكل خاطيء دعيني أثبت لكِ العكس وليحدث ما يحدث "
تحرك شاهين بغضب نحو سيارته فقالت له سارة بغضب
" انتظر هنا، إلى أين أنت ذاهب، دع أخي وشأنه "
لكن شاهين تجاهل صراخها وأغلق باب السيارة وانطلق ليقترب عيسى الذي كان يقف مع فخر على بعد عدة أمتار ليسألها
" ماذا يحدث يا سارة "
فلا يجاوبه سوى الصمت وبكاء زاد قلقه وتوتره..
༺༻

اجعل من قلبي هدفا لك وأطلق دون تردد كافة مشاعرك فأنا لها…

༺༻

بالمزرعة كان هناك عزاء مقام في صدور جميع من حوتهم أسوارها، عزاء ممتد منذ سبعة أيام كاملة ولم يحدد أحدا منهم متى سيحين موعد انتهائه فلا الجروح التأمت ولا الآلام سكنت ولا مواسم الحزن والدموع التي أطالت بقائها حولهم قد رحلت، الكل بلا إستثناء متضرر، الكل بلا إستثناء طالته الخسارة …جميعهم ضحايا وجميعهم مصابين، وقف حكم أمام المرآة يتأمل الكدمات العنيفة التي تملأ وجهه وجسده وفي أحداقه سرداب عميق من الألم مفتوح على مصراعيه
منذ زمن بعيد شعر أنه آن أوان ردمه وإغلاقه، كل ما به في تلك اللحظة كان مشوه إلا قلبه الذي باتت دقاته حرة خفيفة لا يثقلها ثأر ولا يسلسها ماضي، تنفس حكم بعمق شديد وهو يتذكر لمحات من غسل حذيفة فيرتجف جسده تأثرا وتشتد قبضته …وتنفر عروقه كأنه يجلد ذاته على إخفاقه في حمايته، يجلد ذاته على عدم إدراكه لعمق نكبته، سدد حكم قبضته للحائط بعنف ليرن هاتفه منتشلا إياه من الدرك الأسفل للحزن معيدا إياه لأرض الواقع ليتحرك حكم نحو هاتفه ويفعل خاصية السماعة الخارجية ويقول وهو يرتدي قميصه
" ماذا "
جائه صوت أحد رجاله يقول
" السيد مؤيد الجوهري أتى اليوم أيضا، وحاولت أن أصرفه بمنتهى الهدوء كما أفعل كل يوم لكنه يبدو غاضبًا نافذ الصبر ومصرًا على الدخول "
صمت حكم قليلا ثم قال
" أدخله إلى غرفة المكتب، حتى أتي إليه "
أغلق حكم الهاتف وحمله ثم توجه خارج الغرفة وعقله يعمل في ألف إتجاه مختلف، مر حكم بالغرفة التي يوجد بها فيلو وبتول وتوقفت أقدامه لوهلة كأنه يفكر بشيء ثم هز رأسه قبل أن يتحرك نحو غرفة سيادة ويطرق الباب.
༺༻
كانت سيادة تجلس فوق السرير تضم ساقيها لصدرها وتريح رأسها عليها تمسك بيدها اليمنى أحد فساتين ماسة وتمسك باليد اليسرى صورة لمؤيد الجوهري كانت بأحد المجلات التي تحدثت عن قضية كنزي، كانت تشعر أن روحها مسلوبة …ممزقة …يستنزفها غريزة البقاء التي لا تعرف لمَ مازالت موجودة داخلها بعد كل ما مرت به وعايشته،
صوت الرصاص مازال يدوي بأذنيها …منظر الدماء، منظر الجثث المترامية، ومنظرها هي حين كانت تقف على الحد الفاصل ما بين الحياة والموت ، كل شيء مازال ماثلا أمام عينيها كأنها لم تغادر ذلك المكان باقية وسط كافة التفاصيل التي تؤكد لها أنه سيظل بينها وبين الحياة الطبيعية عوالم كثيرة من الصعب أن تخوضها، تؤكد لها أنها صعب أن تكون أم سوية أو زوجة أو إنسانة طبيعية وأن عليها أن تختار أن تتخلى عن جميع من تحبهم بمحض إرادتها بدلًا من أن يتركوها هم بطريقة تجعل قلبها يقطر دما كما فعل بها مؤيد من قبل، تساقطت دموع سيادة بصمت لتنتفض حين لمحت خيال يقترب من باب الغرفة وتحفزت بلا أسباب لترتخي أعصابها المشدودة حين طرق حكم الباب وقال
" سيادة أيمكنني الدخول "
لم تجبه سيادة بل تحركت تفتح الباب وهي تداري وجهها المكدوم بشعرها وتقول
" تفضل يا حكم "
لم يلج حكم إلى الغرفة بل قال لها
" مؤيد هنا، هذا سابع يوم على التوالي يأتي ويقف محاولًا الدخول إلى هنا ومقابلتكِ، لقد كنت أنتظر حتى تهدئي ونتكلم معًا بشأن ما تريدينه وبعدها نقرر ماذا نفعل معه، لكنه مصر ويبدو فاقدا للسيطرة لذلك هلا سمحتي لي أن أتولى الأمر عنكِ هذه المرة بصفتي المسؤول عنكِ، كأخ كبير إذا قبلتِ "
نظرت له سيادة بتأثر بالغ وهزت رأسها بموافقة فقال حكم
" دعيني أسمعها منكِ، هل أنتِ موافقة "
قالت سيادة بحزن
" نعم …نعم أرجوك "
ربت حكم على كتفها وقال
" اذهبي لترتاحي ولا تشغلي بالكِ بما سيدور "
نظرت له سيادة بامتنان شديدة ففرصة أن يحمل أحدهم عنك مخاوفك لهي منحة غير متاحة بهذا العالم، دفعها حكم إلى داخل الغرفة بلطف وأغلق الباب ثم استدار ينظر لآخر الرواق حيث غرفة يهدين والتي عزلت نفسها ودخلت في حالة صعبة من الانهيار حين علمت بموت حذيفة، تنهد حكم بحزن ثم أكمل طريقه نحو الضيف الذي ينتظره..
༺༻

كان مؤيد يجلس بغرفة المكتب كالجالس على الجمر، أعصابه كما لو أنها لعبة أفعوانية ضخمة تعمل بشكل خطر جعل كل ثباته واتزانه على المحك، نبضه يتصارع بعضه مع بعضه كأنما شبت في صدره حرب أهليه والدقائق ما هي إلا منجنيق شرس كلما حاول إطفائه زاد إشتعال، مؤيد الجوهري كان في تلك اللحظة رجل ما عاد يملك زمام أنفاسه، دخل حكم المكتب بهيبته الطاغية يقول
" أهلا سيد مؤيد، عذرا منك على ردي لك كل يوم لكن ها أنا قابلتك حين سمح وقتي "
وقف مؤيد منفعلًا لتصدمه ملامح حكم التي كانت كلوحة سريالية اختلطت فيها كل الالوان المفجعة ورغم ذلك كان ينظر إليه بعيون تكاد أن تخترقه، تجمد مؤيد كأنه عاجز عن استيعاب المشهد أمامه ثم قال بعصبية
" أنا أريد سيادة "
قال له حكم بهدوء
" تريد سيادة بأي صفة "
تلجلج مؤيد لوهلة قبل أن يقول
" بصفتي والد ابنتها "
هز حكم رأسه ثم دار حول مكتبه ليجلس على مقعده مرخيا ظهره قبل أن يقول
" من الجيد أن حددت صفتك وحصرتها في ابنتها لا أكثر، وأتوقع منك أن تكمل مسير الأمور على هذا الشكل "
قال له مؤيد بغضب
" ماذا تقصد "
قال له حكم
" بالمرة السابقة حين أتيت لأخذ سيادة ظننت أن صفتك بها قد تتعدى كونك والد ابنتها، ظننتك ستصبح لها أمان وحماية كانت تحتاجهما بشدة آن ذاك لكن حاليا للأسف الأوضاع تغيرت وبناء عليه رؤيتي للأمور تغيرت لذلك اسمعني سيد مؤيد، أولا أنا أريدك أن تحضر ماسة لوالدتها، ثانيا سنتفق أنا وأنت على وضع متحضر يتيح لك ولسيادة أن تتشاركا في تربية الصغيرة دون أن يؤثر وجودك على حياتها أو العكس، ثالثا ولأني أعرف جيدا ما تفكر فيه في هذه اللحظة أنا بت المسؤول عن سيادة والذي سيسعى بكل ما أوتي من قوة ليمنحها الاستقرار النفسي الذي تحتاج إليه بعدما أثبتت لي أنها قادرة على حماية نفسها ولا تحتاج إليك أو لغيرك ليحميها لذلك وبمنتهى الوضوح هل سيسير الأمر بيننا بتحضر أم لك رأيًا آخر سيد مؤيد "
تجمد مؤيد لوهلة ثم هاج كانتفاضة شعب ثوري وقال
" بأي صفة تتحدث عنها وبأي صفة تتولى شؤونها وتجعل نفسك مسؤول عنها "
قال حكم
" صفتي لا تعنيك، نحن نتحدث عن طليقتك وليست زوجتك سيد مؤيد لذلك محيطها الخاص هو قرراها وليس قرارك "
قال مؤيد وغيوم من الغيرة الغابرة تشوش عليه رؤيته وتفكيره
" بل قراري مادام هناك شيء يربطها بي هو قراري، وليكن بعلمك أن كل ما أريد تسويته معها لن يتدخل به طرف ثالث " قال له حكم ببرود
" ما يدور بيننا الآن حديث رجال واضح مفاده أن حاليا سيادة بات ورائها من عليك أن تحذر غضبه، لذلك حاول أن يسير بيننا الوضع ودي ومتحضر لأجل راحة الجميع "
قال له مؤيد بحدة
" وهل التحضر في نظرك أن أترك ابنتي لتتربى بهذا المكان وأخضع لقراراتك "
وقف حكم بقوة وقد تحولت ملامحه الهادئة لأخرى نارية وهو يقول
" ما به هذا المكان فحسب علمي أن قاطنيه أصحاب فضل عليك، على أية حال أنا أقول أن الصغيرة ستبقى بجوار والدتها حيثما قررت البقاء وكما أرى يبدو أن قررارها حسم أنه سيكون بعيدا عنك "
طعنة مباغتة تلقاها مؤيد في صدره الذي نغزه بعنف جعلته يرتكن على طرف المكتب بكفيه ليقول حكم بترفع
" مع السلامة سيد مؤيد "
نظر له مؤيد بغضب شديد ثم خرج من الكتب يجر ذيول الخيبة والغضب وأشياء أخرى لا يعرف كيف يحصيها..
༺༻
خرج حكم من غرفة المكتب وهو يفكر بحال سباعه الذي يدمي قلبه، يفكر فيما ينتظر كل واحد منهم خارج تلك الأسوار، يفكر في جراحهم التي مازلت تنزف إلى الداخل بشكل يعجزه عن تنظيفها، سمع حكم صوت أقدام فتوقفت أقدامه والتفت ليتفاجيء بيهدين تنزل السلم بهدوء تام، لا بكاء ولا انفعال ولا رجفة خفية، كانت هادئة تماما، هادئة بشكل أعجزه عن فهم ذلك الهدوء وماهيته، نظر حكم ليهدين بتدقيق مبالغ فيه وقد ملأه الوجل من أن تكون صدمة وفاة حذيفة أثرت عليها لتتوقف يهدين أمامه وتسأله " لماذا تنظر لي هكذا يا حكم " قال لها حكم
" أأنتِ بخير"
قالت له
" الحمد لله، أنا أفضل وفكرت أني تركت الحمل بأكمله على رأسك لأسبوع كامل، وأن عليّ مساعدتك فمهما حزنت لست وحدي الحزينة ومهما تألمت هناك من يتألم أكثر، أسفة يا حكم أني لم أكن بجوارك بالأيام الماضية "
لم يشعر حكم بالارتياح لهدوئها التام وحديثها العقلاني وقال
" يهدين أنتِ لست مطالبة بشيء سوى أن تكوني بخير، لا داعي لتتدعي الهدوء والصلابة فجميعنا نتألم "
قالت يهدين
" أنا لا أدعي ذلك يا حكم، أنا بالفعل صلبة أكثر مما تظن لأني تربيتك، هل أنت ذاهب للشباب، فأنا كنت سأتوجه إليهم فمؤكد فياض سيجن ليتواصل مع كيان، وملكوت تريد أن تطمئن على رودينن وأثينات ورائف يحتاج للتواصل مع عائلته وما عاد يجب أن أتركهم لقلقهم أكثر "
قال الذي كان يشعر بالقلق البالغ عليها
" دعينا نذهب إليهم إذا "
تحركت يهدين تسبقه فيما سار حكم خلفها يفكر في أن حالها لا يشبه حالها في شيء، يهدين لم تكن طبيعية بالمرة..
༺༻

محال أن تجدي في نرجسيتي وإختلافي فأنا من يعدك أنه حتى في أسوء حالاته سيظل يثيرك لتأسريه حبا…
༺༻

كانت الأجواء هادئة الجميع يكتنفهم الصمت كأنه ما عاد هناك ما يقال، جميعهم في مكان واحد لكن معزولون خلف أحزانهم وأفكارهم التي تجعلهم غائبين رغم سطوة الحضور، أخرجت ملكوت آلة التصوير الخاصة بها ومسحتها بإهتمام وهي ممتنة لنصيحة سيراج بألا تأخذها معها وإلا لكانت فقدتها في خصم تلك المعركة، ثم رفعتها أمام وجهها تنظر من خلال عدستها للمكان الذي حولها، تتأمل عيون رشيد الشاردة، ووجه فياض الإجرامي، وتفاصيل طايع الوسيمة، وجلوس رائف المهموم ليدخل مجال رؤيتها وجه سراج النائم والذي كان من وجهة نظرها أكثر الوجوه التي رأتها في حياتها دفئا، فاقتربت منه تلتقط له عدة صور لتنتفض حين قال لها طايع
" لقد كنت أحب كثيرا أن أرسم زوجتي، كنت أشعر أن ألواني تجسدها أفضل من الصور، فالصور كانت تظلمها كثيرا، انظري "
أخرج طايع صورة نيلوفر من أسفل وسادته ومدها إليها فالتقطت ملكوت الصورة بانبهار ارتخى له فكها وهي تقول
" هل هذه زوجتك "
قال لها طايع
" كان قلبي دوما حين تخطو إلى مجال رؤيتي يرتجف، وحين قبلت بالزواج مني شعرت بأن كلي سينهار على دفعة واحدة، اسمها نيلوفر "
قالت ملكوت
" اسمها جميل مثلها، كيف تعرفت عليها، هل تعرف كل شيء عنك "
صمت طايع بألم لتنتفض ملكوت على صرخة فياض الذي يزرع المكان ذهابا وإيابا وهو يقول
" كفى …كفى "
نظرت ملكوت لطايع بتساؤل ثم تراجعت تجلس على مقعدها المجاور لسرير سراج ليقول رشيد بنبرة تهكمية سوداء وهو ينظر لسقف المكان
" لديك كل الحق في كلمة كفى …كفى يا فياض "
همّ فياض بالرد عليه ليقاطعه دخول يهدين التي حين رأها همّ بأن يحدثها بجنونه المعتاد ليحذره حكم بعينيه من أن يتمادى فتمر يهدين من أمام فياض بتجاهل تام كأنها تستفزه وتتوجه نحو رائف وتقول
" بشر قلق عليك جدا، هذا الهاتف بخط آمن يمكنك التواصل معه ومع من شئت من عائلتك وقريبا جدا بمجرد أن يخبرني أواب أن الوضع آمن ستكون حرا لتخرج من هنا وتذهب أينما شئت "
رفع رائف عينيه إليها لكنه لم يتبين شيء من ملامحها كما العادة ليأخذ منها الهاتف وهو يقول
" شكرا لكِ "
ثم وقف وتحرك بعرج واضح نحو الممر الخارجي ليعبر أمام فياض الذي كان ينظر له ثم للهاتف وهو يفكر بالقتل فيمسكه فياض من كتفه المتضرر فينظر له رائف بألم ويقول "
كتفي متضرر بالفعل "
رفع فياض كفه يظبط حامل ذراعه بانفعال ثم يربت على صدره بغضب شديد جعل رائف يتراجع للخلف متأوهًا ليقول حكم بحدة
" فياض توقف "
رفع فياض كفه بالهواء وبدا كأنه يقتلع روح شخص ما فتحرك رائف نحو الخارج يسند جسده بتعب للحائط ورغم أن كل جوارحه كانت تطالبه بالتواصل مع أصالة، ركن رائف لعقله وهاتف بشر، تعالى الرنين مرة وانقطع ليحاول رائف ثانية وبعيونه نظرة رجاء ألا يخذله ذلك الرابض على الطرف الثاني من الخط ليتنفس الصعداء حين وصله صوت بشر يقول بحدة
" من معي "
قال له رائف
" أنا رائف "
اللهفة التي ملأت صوت بشر تجاهه ملأت عينيه بالدموع وهو يسمعه يقول
" رائف، أين أنت، هل أنت بخير، أنا قلق عليك، وخشيت أن يصيبك مكروه وأنت بعيد عنا فلا نستطيع الوصول إليك، فيما كنت تفكر حين قررت أن تذهب لمواجهة هؤلاء المجرمين دون أن تخبر أحد، هل روحك رخيصة لديك لهذا الحد، هذه تصرفات طفل وليس رجل سيملأ الشيب رأسه "
قال له رائف
" هل تولين بخير "
صمت بشر للحظة وقال
" بخير …جميعنا بخير "
قال رائف بوجل
" وأصالة "
قال بشر بهم
" حزينة لغيابك، تتهتم الجميع بالتقصير نحوك، تمتنع عن التواصل مع كل من حولها و الأكل والشرب إلا تحت الضغط لكني وصيت عليها عزيزة منذ رحيلك فهي طيبة القلب مثابرة '" ابتسم رائف وهو يتخيلها تحيل حياة كل من حولها إلى جحيم لأنها لا تستطيع الوصول إليه وقال
" أنا لن أستطيع الاتصال بها لأنها ستنهال عليا بأسئلة مازلت لم أحضر لها إجابات، لذلك أصالة في أمانتك حتى أعود، أرجوك بشر لا تجعل أحدا يؤذيني فيها "
تنهد بشر بعمق وقال له
" لا تقلق يا رائف، وأخبرني متى ستعود لأني أحتاج وجودك جدا " قال له رائف بتوجس
" هل كل شيء بخير "
قال بشر
" حتى الآن نعم لكن ما سيحدث لاحقا لا أعرف، نحن الآن متوجهون لأرض العزايزه بعدما أخبرت عاصي بكل شيء لكن المشكلة الكبرى هو أن الشيخ عبد الرحمن ثائر وأخشى أن يتفاقم الوضع، في الحقيقة أنا أحتاج إليك بجواري في هذا الموقف تحديدا ليدرك الشباب حقيقتك ومعدنك، ولكي يصبح موقفك واضح للشيخ عبد الرحمن بنفسه فنطرق على الحديد وهو ساخن ونطلب أن يعقد قرانك بأصالة، أليست الفتاة موافقة "
قال رائف بتأكيد
" موافقة …موافقة بالطبع "
قال بشر
" إذا يجب عليك أن تكون هنا بجواري ولكني لا أدرك كيف من الممكن أن يحدث ذلك "
صمت رائف للحظات ثم قال برعب
" بشر أين أصالة، لا تقل أنها عائدة معكم "
قال له بشر
" بالطبع لا، فأنا ما كنت لأخذها لهناك بعد ما حدث للطبيبة " تنفس رائف بعمق شديد ثم نظر لأعلى لوهلة قبل أن يقول بتصميم " أنا قادم " …..
༺༻

بالداخل ………

وقفت يهدين أمام فياض وقالت له " أسفة لجعلك تنتظر كل هذا، لكني سأهاتف كيان من أجلك حالا "
كانت كمن باغتت شعلة نيران عنيفة بطواحين هواء أعنف فانتشرت النيران بشكل جعل من المشهد قمة الجنون والرعب، ملامح فياض كانت تنتفض بكل ما تعني الكلمة من معنى، كفوفه ترتعش وعضلاته تشتد كأن بين ضلوعه هناك معركة محتدة ليقول حكم
" لا تخبرها بشأن حذيفة حتى تسافر إليها وتصبح بجوارها، إنهيارها وأنت هنا وهي هناك سيزيد جنونك وألمك، احذر أن يفلت لسانك يا فياض "
ناولت يهدين فياض
جهاز لوحي ضخم وقد طلبت من خلاله مكالمة مرئية …..
༺༻

كانت كيان تجلس بجوار النافذة شاردة بعدما أفضت بكل ما لديها من بكاء، باهتة المحيا تكاد هالات عينيها أن تبتلع وجهها بأكمله والذي برزت عظامه كأنها صارت مموياء محنطه، نظرت رودين لها بشفقة وعجز ملأها بعدما جربت معها كافة الحيل لتخرجها مما هي فيه ثم عادت بعينيها للكتاب الطبي بين يديها ليشوش أفكارها رنين هاتف، بالبداية ظنته هاتف أحد العاملين بالمنزل لكن قرب الصوت جعلها تقفز بلهفة نحو الهاتف تجيب باندفاع
" يهدين أهذا أنتِ "
لتصدم بوجه فياض الذي صرخ فيها بعنف أرعبها
" أين زوجتي "
سقط الهاتف من يد رودين أرضًا لتلتقطه وتنظر لكيان التي وقفت تنظر لها بترقب وقالت
" زوجك "
ركضت كيان تسحب منها الهاتف وتنظر لوجه فياض الذي لم يكن أفضل حالًا من حكم ورائف وهي تقول بانهيار
" هل أنت حي، هل هذا أنت …فياض أخبرني هل أنت بخير، هل أنت حي …أرجوك أخبرني "
نظر فياض إليها بعيون ليتها تملك المدى لاختزلت المسافات بينهما ومحتها حتى وإن عنى ذلك أن يحيل الكون إلى منحنى مغلق لا يسع سواهما معا وقال
" أنا بخير يا حبيبة فياض، ولكني أنا سيد العاشقين صرت من الشوق أجن "
نظرت له كيان بلهفة وقال
" الجميع …هل الجميع بخير، حكم .. يهدين …حذيفة …
سارع فياض يقول لها وهو ينظر لحكم بتوتر
" جميعنا بخير "
صمتت كيان للحظة ثم قالت له ببكاء
" أقسم لي أنك بخير "
قال لها فياض بابتسامة تحيا فيها المشاعر ويموت فيها كل الواقع من حوله
" أقسم لكِ"
قالت كيان
" أقسم لي أن الجميع عندك بخير "
نظر فياض لحكم مجددا ليقول حكم بصوت قوي
" جميعنا بخير يا كيان، لماذا لا تصدقي الرجل "
صوت حكم منحها سلام تام أنها حرب قلقها الشعواء والتي دامت لأيام لتقول بحدة
" لا أصدقه لأنه مخادع، ولا يؤتمن ولا يمكن الوثوق به، حكم طلقني منه "
صفعت كلماتها إدراك فياض الذي انتفض يقول
" أقسم بالله إن سمعت منك كلمة الطلاق هذه مجددا سأقص لسانك من بدايته "
قالت كيان بانفعال
" أسلوبك السادي هذا لم يعد يناسبني، وليكن في علمك أنا الآن في دولة الحريات وجرائم العنف المنزلي تؤخد بعين الاعتبار " ضيق فياض عينيه وسألها قائلا
" ماذا أيضا "
قالت كيان
" أنا جادة في كل كلمة أقولها لك ولأثبت لك أن حياتي لن تقف عليك أنا ذاهبة لأقص شعري واغير من شكلي وأمنح نفسي طلة عصرية ومبتكرة "
هاج فياض بشكل جنوني أشعرها أنه سيمر لها من خلال الشاشة وقال
" لا تلمسي شعرك، لا تقتربي من شيء يخصني …هذا ليس حديثك، أنت لا تجيدين سوى النواح والارتجاف والترجي من أين أتيت بتمردك هذا "
قالت له كيان
" لا تصرخ في هكذا، توقف عن إفزاعي وإفزاع الفتاة "
قال فياض بلهجة خطرة
" الفتاة …الفأرة الصغيرة كنت أعرف…أخبريها أن حسابها معي حين أعود "
ضمت رودين نفسها ووقفت خلف كيان ترفع سبابتها محذرة وهي تقول
" لا تهددني، أنا لن أخافك ثم بدلا من الصراخ والصياح برر موقفك أم لا تجد ما تقوله، لعلمك صراخك هذا دليل على ضعف موقفك "
ابتسم رشيد ابتسامة واهنة حين سمع إرتجافة صوتها ليصرخ بها فياض بشكل أصم أذني حكم
" لماذا تريدين من زوجتي أن تقص شعرها، ما الذي تسعين إليه بالضبط "
قالت له رودين وهي تنظر بريبة لكيان كأنها تسألها عن سلامة قواه العقلية
" ماذا تقول أنت، وبما سينفعني شعر زوجتك، هل سأبيعه وأتربح من خلاله، اعقل حديثك قليلا، كل ما في الأمر أنها في حالة اكتئاب منذ استيقظت وعلمت أنك جعلتها تسافر عبر الاثير وهي في عالم الاحلام، وسألتني عن شيء يهون ما تشعر به فنصحتها أن النساء تتغير دواخلهن حين يقمن بقص شعرهن لقد كانت نصيحة هادفة " نظر فياض لرودين كما لو أنها تهديد بات يهدد علاقته بزوجته وقال لحكم
" أنا سأقتلها "
قال حكم محذرا
" فياض "
لتقول كيان ببكاء
" لا تأتي بسيرة القتل على لسانك مجددا فياض لأني عشت الايام المنصرمة خوفا مهما حاولت وصفه لك لن أستطيع "
قال لها فياض
" كان خوفك عليّ "
قالت كيان وهي تنظر لعينيه
" على الجميع "
قال لها برجاء مستتر في جنونه المعلن على الدوام
" قولي أنكِ تعشقيني وترتعبين من فكرة فقدي "
قالت كيان بانفعال وهي تشعر أن قلبها بات ليننا من غير ميل إليه يميل
" أنا لن أقول شيء من هذا يا فياض حتى تدرك ماهية الزواج وأهمية الوضوح بين الزوجين أو ليذهب كل منا إلى طريقه "
همّ فياض بالرد فسارعت كيان تغلق الهاتف ثم ترفعه لتضمه إلى صدرها وهي تقول براحة كبيرة " الحمد لله…الحمد لله"..
༺༻

دار فياض حول نفسه وبدأ يهدد ويتوعد وهو يحاول الاتصال بها مجددا ليهز حكم رأسه بيأس ويتحرك نحو رشيد ويسأله وهو يربت على رأسه
" هل أنت مرتاح لنومك هكذا " قال له رشيد
" لا …ساعدني لأعتدل "
انحنى حكم يحاوط خصر رشيد الذي تعلق بكتفيه حتى رفعه ليجلس بشكل غير كامل ليسأله حكم
" هل تتألم "
قال رشيد
" ما عاد يؤلمني الألم، كأنما بات شعوري به معدم، كأنما بات جسدي يتعامل معه بطريقة غريبة لا أفهمها "
نظر حكم إلى عينيه وقال
" أن تعاقب نفسك بترك الألم ليقتل إنسانيك لهو غباء يا رشيد، موت حذيفة لم يكن ذنبك …فلا تحمل نفسك ما لا طاقة لها به " التقط حكم المسكن الموضوع على المنضدة المجاورة لسرير رشيد وأخرج منه قرصين وقال له
" امنح نفسك وقت مستقطع تعد فيه مجرد إنسان عادي "
تغضنت ملامح رشيد بألم والتقط القرصين من كف حكم وألقاهما بفمه دون ماء فربت حكم على عنقه وانحنى يقبل رأسه قبل أن يتحرك نحو طايع الذي حاول أن يعتدل فتألم ليقول له حكم بعدم رضا
" لا تتحرك "
قال طايع بعيون راجية
" لقد كنت أنتظرك يا حكم "
قال له حكم والذي كان جسده في تلك اللحظة يئن
" هل تحتاج إلى شيء "
قال طايع بأسى
" نيلوفر أريد أن أطمئن عليها، أرجوك يا حكم …أنا لم أكن لأطلب منك هذا الطلب في هذا الوقت لو لم يكن قلبي ينغزني قلقا عليها، أرجوك يا حكم "
قال له حكم
" هل أخذت دوائك "
قال طايع
" أخذته يا حكم أخذته "
قال له حكم
" ارتاح الآن وأنا سأحدث يهدين بهذا الشأن "
نظر له طايع بامتنان فربت حكم على كتفه وتحرك تجاه سراج يضع يده فوق جبهته لتقول ملكوت
" درجة حرارته بدأت تنخفض، أنا أتابعه وأتابع مواعيد الأدوية لا تقلق "
قال حكم
" أنا في الحقيقة قلق جدا لذلك سأمضي ليلتي بجواره وأنت يمكنك أن تعودي للمنزل " اقتربت يهدين تقول لحكم
" لا …أنت اليوم في إجازة، اذهب أنت لترتاح وأنا سأبقى بجوار أخي فقد قصرت في اهتمامي به بشكل مخزي "
همّ حكم بالاعتراض ليقترب رائف منهم ويقول
" أنا أحتاج أن أخرج لأمر هام " التفتت يهدين له وقالت معترضة " بالطبع لا أنا لن أغامر ب….
قاطعها رائف يقول بتعب
" الأمر هام ولا ينتظر "
سأله حكم
" إلى أين تريد الذهاب بالضبط " قال رائف
" لأرض العزايزه إنها قرية صغيرة لا أعرف إن كنت سمعت عنها لكن جميع الشباب في طريقهم إلى هناك وعليّ اللحاق بهم "
نظرت له يهدين بعيون بدت زجاجية لا تعكس ما يدور في زواياها ليقول له حكم
" خروجك الآن سوف …
قاطعه رائف يقول
" بك أو من دونك سأخرج، الأمر هام جدا حكم "
قال له حكم
" إذا كنت مصر دعني اوصلك " قالت يهدين
" لكن …
ليقاطعها حكم وهو يقول
" أنا أعلم أنكِ ستجدين حلا " تنفست يهدين بعمق شديد وقالت
" لأجلك سأفعل حكم "
ثم نظرت إلى رائف وقالت
" متى تريد أن تتحرك "
فأجابها رائف بصوت قاطع
" الآن "..
༺༻

بعد ساعات ….


لم أظن يوما أن بالعمر شيئًا مجديًا حتى رأيتك وبات حتى صمتي يلقنني فنون الغزل ..


الانغماس في وهب ذاتك لمن يستحق لا يفني روحك بل يمنحها منحة من الإنسانية التي ستظل أبدا ودوما ضد الفناء،
لذلك كل لحظة كانت تهبها شيراز لهؤلاء الفتيات كانت تصلح في عطب روحها شروخا ظنت دائما أنها غير قابلة للإصلاح، كانت تمنحها شيء من البداية التي تشعر معها أن كل ما مضى لم يكن، وأن كل المعاناة التي عاشتها لم تكن سوى ومضات مظلمة داخل عالم مليء بالنور لكنها من ضلت الطريق، حملت شيراز ثجاج ذا الثلاثة سنوات وظلت تتحرك بها في حديقة الدار حتى غفت ورغم ذلك لم تشعر بالتعب أو تشعر أنها تريد أن تفلتها، اقتربت منها دولت تقول بابتسامة
" لا داعي لأن تتعبي نفسك هكذا، الفتيات لديهم أخصائية صحية متواجدة بدوام كامل وإذا مرضت إحداهن تظل بجوارها حتى تتعافى "
قالت لها شيراز بخفوت
" ثجاج متمسكة بي وأتعبت الجميع حتى غفت، ألم أسنانها كان يشتد دون سبب واضح، وقد غفت للتو "
قالت دولت وهي تنظر لظلمة السماء الحالكة
" على الأقل ادخلي غرفتك فبرد الساعات الأولى من الصباح يمرض الأبدان "
قالت لها شيراز
" دقائق وسأدخل، اذهبي أنتِ لترتاحي فقد دفعتك للسهر معي وأنت لديكِ الكثير من المشاغل غدا "
قالت دولت
" حسنا يا سيدتي، أنا ربما لن أنام حتى أصلي الفجر إن احتجتِ أي شيء أبلغيني، أنتِ بت تعرفين طريق غرفتي "
هزت شيراز رأسها بابتسامة سمحة فتحركت دولت مبتعدة تاركة خلفها شيراز تسير بلا هدى كما تسير بها الأفكار التي باتت تنتظر الليل خصيصا لتزورها، لمعت الدموع بعيون شيراز وقالت بحزن
" هنيئا لك حكم المنصوري لقد بت تستوطن آهاتي التي تتساءل كل ليلة منذ رحيلي لماذا انتهى حديثنا ومازال لم يمل الكلام منا " أغمضت شيراز عينيها بشوق وهي تضم ثجاج أكثر وأكثر ليهتز هاتفها الذي تضبطه على الوضع الصامت فحاولت شيراز أن تمد يدها في جيب بنطالها الخلفي لكنها خشت أن تسقط ثجاج فتجاهلت الرنين
كأنها لا تتوقع أن يكون أمر مهم، فهي إمرأة لا شيء لديها بهذا العالم أكثر مما تفعله الآن مهم، عاد الهاتف ليهتز مجددا بإصرار ضايقها فأحكمت ذراعها حول ثجاج وسحبته لتجد رقم غريب جعلها تجعد أنفها بضيق شديد وقد قررت ألا تجيب لكن إصرار المتصل جعلها تجيب بعصبية قائلة
" من؟؟ "
قال لها حكم بعصبية
" لماذا لا تجيبين "
فتحت شيراز شفتيها ثم أغلقتهما بضياع لتقول بصوت مهتز
" حكم "
قال لها حكم
" جعلتني أكاد أضع فوهة السلاح برأسي ندمًا على وضعك بهذا المكان، هل أنتِ بخير" طفرت دموع شيراز وقالت له بكلمات يتقاطر منها العتب
" كأنك تأخرت كثيرا بسؤالك سيد حكم "
عمّ الصمت بينهما للحظات قبل أن يقول حكم
" شيراز أنا بالخارج "
ركضت شيراز كأن قلبها أدرك ما قيل وإن كان عقلها الضيق دفعها لتقول
" بالخارج أين "
قال حكم
" أمام الدار شيراز "
اتسعت ابتسامتها وكادت أن تتوجه نحو الداخل لتضع ثجاج بسريرها لكنها خشيت أن تتأخر لذلك حملتها وركضت بسرعة كبيرة نحو الباب الخلفي للدار، كانت تتسلل بكل حماس لتراه …لم تبد وهي تندفع بكل رعونة لتقابله في ذلك الوقت المتأخر شخص مسؤول عن هذا الدار بمن فيه، بل بدت مراهقة لم تتوقف لحظة لتحكم عقلها قبلما تركض خلف أهوائها، حاولت شيراز أن تفتح قفل الباب الحديدي بيد واحدة، حاولت كثيرا حتى ألمتها يديها لتسمع صوت يهمس خلفها سائلا
" إلى أين "
شهقت شيراز بصدمة والتفتت لتجد نورسين تقول لها
" إلى أين أيتها المديرة "
امتلأت شيراز بالحرج وقالت
" لماذا مازلت مستيقظة نورسين، هل تعلم المشرفات أنكِ خارج غرفتكِ "
قالت نورسين
" أرسلني القدر لأشهد صراعك مع القفل الحديدي، يا سيادة المديرة "
قالت شيراز بتوتر
" أنا كنت خارجة لأقابل شخص من أهلي بأمر هام لا أكثر "
قالت لها نورسين
" مادام من أهلكِ لما لم تخرجي من البوابة الأمامية، اعترفي سيدتي هل هو شاب "
تورد وجه شيراز بقوة وقالت
" بالطبع لأ "
قالت نورسين
" إذا رجل "
قالت لها شيراز بحنق
" ماذا تريدين الآن"
قالت نورسين
" سأفتح لك الباب وأكتم سرك لكن لكل شيء مقابل "
قالت شيراز بدون تفكير
" حسنا لك ما تريدين …افتحي هذا الشيء أولًا "
ابتسمت نورسين بتهكم وتوجهت نحو الباب وفتحته بكل سلاسة لتنطلق شيراز تركض كأنها لا تطيق صبرا فيما ترتسم إبتسامة حالمة على شفتي نورسين التي كانت للمرة الأولى بحياتها تشهد لمحات من قصة حب…
༺༻

وقف حكم تحت جناح الليل البهيم يراقبها تخرج من الباب بلهفة يقسم أنها لا تنصف لهفته ولا تقارن بشوقه ولا هي بالشيء الذي يذكر أمام ما يعتريه، كانت تبحث عنه بعينيها ولا تدري أنه منذ زمن قد وجدها، كانت كما رآها أول مرة مشعثة …منهكة …وبريئة براءة أحلت عنه كل القيود التي لفها لسنوات من حوله، كانت أنثى بروح طفلة وإغواء إمرأة، كانت كل ما لم يخطر له على بال حين يجتمع، كانت فتنة ولا شيء آخر غير ذلك قد يفيها حقها، اقترب منها حكم فبدى كجسد ضخم معتم تفصله عنها خطى لم تكن قوية لتبادر وتقطعها وهي تقول
" حكم …ظننت أني لن أراك مجددا، ظننتك تخلصت مني ولن تهتم بأن تسأل عن حالي حتى "
قال لها حكم
" كيف حالك شيراز "
غامت أحداقها بالدموع واهتزت ابتسامتها وهي تقول
" سعيدة جدا، سعيدة كما لم أكن يومًا …كيف حالك أنت "
تحرك حكم نحوها أكثر ليدخل إلى دائرة الضوء فتظهر لها ملامحه المكدومة لتتسع عيناها وهي تقترب منه بصدمة كبيرة وتقول
" ماذا حدث لك "
قال لها حكم
" نجوت "
قالت شيراز
" هذا أفضل ما بالأمر دائما، النجاة …أنا سعيدة أنك قد نجوت "
شكل كدماته البشع فجع قلبها وجعل سيقانها ترتخي حتى شعرت أنها لم تعد قادرة على الوقوف فجلست على السلم الخلفي وأشارت لحكم ليجلس بجوارها وقالت
" شكرا لأنك أتيت لأجلي، شطرني غيابك كأني فقدت كل أهلي مجددا "
كان حكم مرهق ومليء بالكثير مما لا يستطيع شرحه، كان متورطًا بتفاصيلها فلا يكاد ينجو من النظرة حتى تهزمه الابتسامة ليقول
" هل ظننت أنني لن أتي إليكِ؟ " قالت شيراز
" بل خفت ألا تأتي "
قال حكم
" أمازلتٌ تخافين "
قالت شيراز
" لا أحد منا لا يخاف حكم لكن هناك فرق بين الخوف من شيء والخوف على شيء "
قال لها حكم
" أيهما أفضل بالنسبة إليكِ "
قالت له شيراز
" هناك ألم بالإثنين يا حكم " نظر حكم لثجاج وقال
" تبدو متعلقة بكِ "
قالت شيراز
" لن تصدق ما اكتشفته، أتدري ما اسم هذه الصغيره …أنه ثجاج …أتدري ما معناه …أنه الماء الفياض، أتدري ماذا يعني ذلك، أن كيان كانت تحب فياض دومًا وإن أنكرت، تصور كيف ستكون حالة فياض إذا علم بذلك، مؤكد سيسعد …لا أحد يدرك أن حبيبه كان يخفيه بين طيات قلبه منذ زمن ولا يفرح، ألا تشاركني الرأي "
قال حكم
" هل تشاركيني أنت القادم " نظرت له شيراز بعدم فهم ليقول حكم
" هل تتزوجيني "..

༺༻

بعد ساعات

كانت ملاك تترجل من السيارة أمام باب المكتب بوجه جامد متحفظ وعيون حسم فيها القرار لكنها أجلت موعد إعلانه حتى تهدأ الأوضاع من حولها، فمحال أن تتخلى عنهم في هذا الوقت ومحال أن تستطيع أن تكمل حياتها بينهم كأن شيئا لم يكن، لقد ضرتهم بما فيه الكفاية..آلمتهم دون مبرر، وردت لهم كل معروف صنعوه لها كصفعة مدوية حتى شعرت أنها ليست سوى ناكرة للمعروف مؤذية لجميع من حوله، مسحت ملاك دموعها بجمود وهي تتحرك نحو مدخل المكان بآلية وقد نحت مشاعرها تماما، أقصتها خارجها كما لو أنها نفذت في ذاتها عملية بتر، كل المشاعر التي لا تعرف متى عبرتها ومتى توغلت فيها ومتى سيطرت حتى انقادت دون شعور منها لتغرق في قصة غريبة معدومة الملامح، شديدة التعقيد، قصة شيبت حشاها فباتت لا تصلح لشيء إلا الابتعاد عن البشر، ضغطت ملاك زر المصعد وهي تبكي لتباغتها كف تكمم فاهها وذراع تحاوط خصرها وتجذبها للخلف كأنها تجذبها نحو هوة سحيقة ربما لن تنجو منها أبدا…
༺༻

انتهى الفصل الثلاثون قراءة ممتعة للجميع ❤️


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-05-23, 12:31 AM   #379

al gameel rasha

? العضوٌ??? » 424155
?  التسِجيلٌ » May 2018
? مشَارَ?اتْي » 244
?  نُقآطِيْ » al gameel rasha is on a distinguished road
افتراضي

روووووووووووووووووووووووو ووووووووووووووووووووووووو وووعة
يونس هو اللى سحب ملاك ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ طيب هى كانت رايحة فين


al gameel rasha غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-05-23, 12:32 AM   #380

al gameel rasha

? العضوٌ??? » 424155
?  التسِجيلٌ » May 2018
? مشَارَ?اتْي » 244
?  نُقآطِيْ » al gameel rasha is on a distinguished road
افتراضي

اخييرااااااااااااااااااا قالها
تزوجينى
حكم هيتجووووووووووووووووووووو ووز يا ناااااااااااااااااااااااس


al gameel rasha غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:08 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.