آخر 10 مشاركات
3 - ارحل وحدي - بينى جوردان (الكاتـب : فرح - )           »          طلب مساعدة لاشراف وحي الاعضاء (نرجو وضع تنبيه بنزول الفصول الجديدة للروايات) (الكاتـب : قصص من وحي الاعضاء - )           »          روايه لا يغرك نبض كفي وارتجافه ضاق بي قلبي وشلته في يدي (الكاتـب : غِيْــمّ ~ - )           »          بعينيكِ وعد*مميزة و مكتملة* (الكاتـب : tamima nabil - )           »          عــــادتْ مِنْ المـــــاضيِّ ! (1) * مميزة ومكتملة *.. سلسلة حدود الغُفران (الكاتـب : البارونة - )           »          دموع رسمها القدر * مميزة ومكتملة *_ بقلم ديدي (الكاتـب : pretty dede - )           »          82 - الحمقاء الصغيرة - آن هامبسون - ع.ق (الكاتـب : pink moon - )           »          إمرأة الذئب (23) للكاتبة Karen Whiddon .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          315 - شمس الحب ...لا تحرق ! - رينيه روزيل (تصوير جديد) (الكاتـب : Dalyia - )           »          الإغراء الممنوع (171) للكاتبة Jennie Lucas الجزء 1 سلسلة إغراء فالكونيرى..كاملة+روابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree1264Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 14-01-23, 11:47 AM   #271

Dina abd elhalim

? العضوٌ??? » 434126
?  التسِجيلٌ » Oct 2018
? مشَارَ?اتْي » 242
?  نُقآطِيْ » Dina abd elhalim is on a distinguished road
افتراضي


الراوية رائعه والقفلات رهيبه
فليو فين لسه موصلش ليه 😭😭😭


Dina abd elhalim غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-01-23, 03:22 AM   #272

هبةحسين

? العضوٌ??? » 392364
?  التسِجيلٌ » Jan 2017
? مشَارَ?اتْي » 168
?  نُقآطِيْ » هبةحسين is on a distinguished road
افتراضي

رووووووووووعة كل كلمة كتبتيها حكاية يسلم ايدك

هبةحسين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-23, 01:49 PM   #273

همهماتى

? العضوٌ??? » 381805
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 261
?  نُقآطِيْ » همهماتى is on a distinguished road
افتراضي

متحمسه للفصل👏🏻 بخلص اشغالي بدري وبروق عليه ياليت تنزلين فصلين😊❤

همهماتى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-23, 04:16 PM   #274

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dina abd elhalim مشاهدة المشاركة
الراوية رائعه والقفلات رهيبه
فليو فين لسه موصلش ليه 😭😭😭
متشكرة جدا حبيبتي سعيدة برأيك في الرواية اتمنى تكون عند حسن ظنك للنهاية
فيلو في الطريق 🙈

Amira94 likes this.

شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-23, 04:18 PM   #275

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة dina abd elhalim مشاهدة المشاركة
الراوية رائعه والقفلات رهيبه
فليو فين لسه موصلش ليه 😭😭😭
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هبةحسين مشاهدة المشاركة
رووووووووووعة كل كلمة كتبتيها حكاية يسلم ايدك
حبيبتي تسلمي
كلك زوق ولطف ❤️❤️❤️

هبةحسين and Amira94 like this.

شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-23, 04:19 PM   #276

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة همهماتى مشاهدة المشاركة
متحمسه للفصل👏🏻 بخلص اشغالي بدري وبروق عليه ياليت تنزلين فصلين😊❤
حبيبتي أسعدتيني 🙈🙈🙈
بحاول بقدر استطاعتي صدقيني
دعواتك بس ❤️❤️❤️

Amira94 likes this.

شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 18-01-23, 11:26 PM   #277

yasser20
alkap ~
 
الصورة الرمزية yasser20

? العضوٌ??? » 192610
?  التسِجيلٌ » Aug 2011
? مشَارَ?اتْي » 1,405
?  نُقآطِيْ » yasser20 has a reputation beyond reputeyasser20 has a reputation beyond reputeyasser20 has a reputation beyond reputeyasser20 has a reputation beyond reputeyasser20 has a reputation beyond reputeyasser20 has a reputation beyond reputeyasser20 has a reputation beyond reputeyasser20 has a reputation beyond reputeyasser20 has a reputation beyond reputeyasser20 has a reputation beyond reputeyasser20 has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

رواية رائعة بمعنى الكلمة اشكرك على إبداعك .
Amira94 likes this.

yasser20 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-01-23, 01:36 PM   #278

همهماتى

? العضوٌ??? » 381805
?  التسِجيلٌ » Sep 2016
? مشَارَ?اتْي » 261
?  نُقآطِيْ » همهماتى is on a distinguished road
افتراضي

مافي بارت ؟؟؟؟👀

همهماتى غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-01-23, 04:25 PM   #279

ندى الابراهيم
 
الصورة الرمزية ندى الابراهيم

? العضوٌ??? » 275510
?  التسِجيلٌ » Nov 2012
? مشَارَ?اتْي » 492
?  نُقآطِيْ » ندى الابراهيم has a reputation beyond reputeندى الابراهيم has a reputation beyond reputeندى الابراهيم has a reputation beyond reputeندى الابراهيم has a reputation beyond reputeندى الابراهيم has a reputation beyond reputeندى الابراهيم has a reputation beyond reputeندى الابراهيم has a reputation beyond reputeندى الابراهيم has a reputation beyond reputeندى الابراهيم has a reputation beyond reputeندى الابراهيم has a reputation beyond reputeندى الابراهيم has a reputation beyond repute
افتراضي

وين بارت ليش مو موجود
Amira94 likes this.

ندى الابراهيم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 19-01-23, 04:57 PM   #280

شهيره محمد

? العضوٌ??? » 489212
?  التسِجيلٌ » Jun 2021
? مشَارَ?اتْي » 529
?  نُقآطِيْ » شهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond reputeشهيره محمد has a reputation beyond repute
افتراضي

الجزء الثاني من الفصل الثالث والعشرين


يا ضاري الهوى كأن عطرك مني ينتقم …ويبتر المسافات بيننا شوقًا وبأنفاسي الهاربة يلتحم، ويباغت نبضي المنفلت عشقًا بمشاعر تهيج في الحشا و كما النيران تضطرم، ويلملم أنصال الألم ليأتي بجرح جديد حشاه أبدًا أن يلتئم، يا مستوطنًا قلبي حتى الصميم دعني بالسقوط في تجويف عنقك أنهزم، دعني أخبرك أني أحببتك مثقال كوني وتكويني ومكنونات صدري الذي تكويني ولبقايا صبري وثباتي تلتهم، وأنك لي أكثر مما تظن وأظن فكلي بك صبا هائمًا مزدحم.
يامن تزداد بالبعد اقترابًا دع عنك من تراهم أحبابك فوحدي الذي يحيا بك ووحدي الذي بميله إليك يستقم، يا بضعة مني أنا معك وإن كنت ترأس صفوف العدا سأخترق سلام نفسي وأعبر إليك رغم أني أراني في عينيك بالخيانة متهم، وسأصنع من أشواقي فرص لأنتهزها كلما أخفق قلبي معك فقد بلغت فيه النصاب وبات لأجلك باللين يتسم، يا ورطة تخلق في فراغ عالمي فوضى لا تكن في الردود مختصر وتقتل على شفاهي كلمات تنتظر لمجالك أن تقتحم، تنتظر أن تطلق كل الحديث دفعة واحدة بعناق عساك من شدته ألا تنصدم، يا قدرًا أدرك أني لن أنجو منه إن الوضع ما بين جوانحي في غيابك كقتال محتدم، نبضًا بعد نبض جوارحي تمتليء بك ولدفعات جديدة من الضياع تستلم.
༺༻
هناك ذبذبات حين تخترق مدارنا يصبح القلب عاجزًا عن تجاهلها، ويصبح العقل عاجزًا عن ترجمتها وتصبح الروح ممزقة ما بين شعور وجد داخلنا بلا منطق يرشده عن طريقه الصحيح ما بين أروقة القلب، فليس من السهل مطلقًا أن تقف أمام نفسك وتنظر لها مليء عينيك وتعترف بكامل وعيك أنك سقطت في الغرام، أنك بت عاشقًا لشخص ربطتك به كل القيود الغير ملموسة في الحياة، شخص بات وجوده سببًا من أسباب السعادة التي لم تأتِك طوعًا مطلقًا، كأنك منسي أتى إلى هذا العالم فلم تلتفت إليه المشاعر التي تحوي بين طياتها ألوان تمحي رمادية التفاصيل، وكأن شمس عالمك التي غابت كثيرًا حتى امتلأت بالسقيع باتت تشرق من انفراجة شفتين بات مصيرك مرهون بهما وبإنسان لا تملك السلطة الكاملة لتجعله يظل في مدارك …يظل هناك وهو يدرك أن ما بينكما بات أقوى من أن يرفضه، من أن يراه أقل مما تمنى أو أن يشعر أن فسيح أضلعك لا يليق به، إنسان عليه تقبلك وتفهمك وإحتوائك وإدراك نقاط ضعفك التي تجعلك حين تقف أمامه متخبطًا كما لو أنك تسقط عن ارتفاع تخطى غيمات السماء، سقوط مهول عيناك وحدها من تشي به لكن جسدك رغم انتفاضة أدق خلاياه يبقى ثابتًا شامخًا مدعيًا محافظًا على آخر ذرات التعقل التي تجعلك تلجم ذراعيك كي لا تجذبه إليك أكثر وأكثر عله يستقر بين أضلعك كما تريد وتتمنى، مشاعر متضاربة ونبض منفلت وحزن شديد كل هذا كفيل بجعل سلطان الذي لا يرف له جفن وإن ضرب خاصرته مئة نصل يغرق في حمى شديدة كما لو أنه طفل يحتاج إلى أن تعتني به والدته وتبقى جواره حتى يذهب عنه بأسه.
وقفت سارة تتأمل أخيها بعيون كأنها وجدت سببًا قويًا لتزرف دموعها والتي كانت لا تظهر ولا تسقط إلا لأمر جلل، وهو هناك بهذا العالم من حولها أمر أعظم من أن ترى سندها بالحياة، الوتد الشامخ الذي تدعوا الله ألا ترى فيه ما يؤلمها خائر القوى بهذا الشكل، الممرضة تبحث له عن وريد بينما الطبيب يقف ليفحصه باهتمام بالغ كأنه يعلم أن من بين يديه شخص يجب ألا يمسه مكروه أو سوء، إنهارت سارة أكثر بدون مقدمات كأنها تخرج كل الضغط الذي يملؤها منذ
أيام طويلة فالتفت إليها الطبيب وقال بلباقة
" اهدئي أنستي الأمر لا يستدعي كل ذلك التوتر، لقد بدأ في استعادة وعيه، لقد كان تأثير الحمى شديد عليه، بعدما يأخذ المحلول الملحي بالأدوية المضافة له سيكون أفضل بكثير، وحينها سنتولى أمر جرحه الذي ضمدته بشكل مؤقت فهو يحتاج إلى التقطيب " هزت سارة رأسها وهي تقول
" الحمد لله "
ابتسم لها الطبيب ثم نظر إلى فاطمة الجالسة على الأريكة في أقصى الغرفة بوجه شاحب كأنما الدماء قد رحلت عنه وقال " اهدئي واجعلي الآنسة الأخرى تلتقط أنفاسها فهي تبدو فزعة أيضًا، ومن وجهة نظري ترك المريض يرتاح حاليًا أفضل شيء قد تفعلانه "
التفتت سارة ترمق فاطمة بطرف عينها ثم قالت للطبيب
" سنفعل بإذن الله، شكرًا جزيلا لك "
توجه الطبيب نحو باب الغرفة مغادرا فتبعته الممرضة التي نظرت لسارة وقالت
" أنا سأكون بالخارج لو احتجتي إلى أي شيء يمكنكِ استدعائي "
مسحت سارة وجهها وتنفست بعمق شديد ليخرج صوتها مكتومًا وهي تقول
" شكرًا لكِ "
خرجت الممرضة فاقتربت سارة من سلطان الذي كان عاقدا لحاجبيه ولمست كتفه تتمسك بسترته بقوة جعلتها بين يديها وهي تقول
" سلمك الله من الشر يا حبيبي " ثم انحنت تقبل يده وترفعها لتريحها فوق خصره لتشعر بأنامله تطبق على كفها وهو يقول بصوت متحشرج
" أين أنا "
تمسكت سارة بكفه وقالت
" أنت بالمشفى يا سلطان، لقد تعبت قليلا فنقلناك إلى هنا، استرح الآن وحين تصبح بخير سنتحدث "
وقفت فاطمة واقتربت بخطوات بطيئة مترددة تنظر إليه وهو يفتح عينيه وقلبها يهدر في صدرها بعنف جعل كيانها بأكمله كما لو أن زلزال عنيف قد ألّم به ليهدأ كل شيء لحظة واحدة فقط لا أكثر حين وقعت عيناها في أسر عينيه التي لأول مرة تنظر إليهما بشكل مباشر كأنها تبحث فيهما عن إجابة لما يدور حولها، تنظر إليه نظرة لم يشتتها عقدة حاجبيه ولا تغضن ملامحه ولا نفور عروقه ولا تحفز جسده، نظرة خاضتها كاملة كتجربة أقدمت عليها دون أي تعقل غير واعية أن تلك النظرة اخترقته بعنف أنّت جوانحه من شدته، كانت نظرة فعلت به الافاعيل وحديثها الذي لم يشعر أنه قد مضى عليه سوى دقائق يعود ليتردد صداه في عقله فينتفض جالسًا بسرعة أصابته بدوار شديد جعل سارة تقول له بذهول
" سلطان ماذا تفعل "
جذب سلطان إبرة المحلول من يده وقال
" سأغادر "
قالت سارة بصدمة
" تغادر كيف وأنت بهذه الحالة، محموم لا تستطيع التوازن وبيدك جرح غائر نزف كثيرًا، أنا مازلت لا أفهم كيف تهشمت المنضدة وكيف طال الزجاج يدك و…
قاطعها سلطان بانفعال شديد وهو يشعر أن حديثها يعريه أكثر ويكشف عن ضعفه ووجعه لأعين تلك التي يشعرها كنيران تنشب في جسده وكلما صارع ليطفئها ازدادت توهجًا وتوغلًا
وهو يقول
" سارة توقفي عن النواح أنا بخير "
قالت سارة بانفعال
" لا لست كذلك يا سلطان، كفاك مكابرة "
زغرها سلطان وهو يحاول الوقوف ليزداد دواره حدة ورغم ذلك يدفع قدميه دفعًا نحو الباب فتتحرك سارة خلفه وهي تقول برجاء
" سلطان أرجوك انتظر على الأقل دع الطبيب يقطب جرحك أنه غائر "
لكنه هدر بها من بين أسنانه بوهن عَكِس ضعفه
" سارة "
قالت سارة بانفعال
" لا تيبس رأسك، هذه صحتك يا سلطان "
ثم التفتت إلى فاطمة تقول بنفس الانفعال
" فاطمة تكلمي "
نظرت فاطمة لسارة بعجز ثم حادت بعينيها لسلطان لتنفرج شفتاها ببطيء قبل أن تعود لتطبقهما ثانية ثم تغمض عينيها وهي تقول
" سلطان "
لم يستطع أن يتجاهل النداء، لم يستطع المضي بعد أول سلطان تخرج من شفتيها بكل هذا الهدوء والدفيء، تيبس جسده فلم يقدم على خطوة بل تجمدت خطاه وسكن جسده للحظات قبل أن يحرك عنقه كأنه سيلتفت إليها لكنه يمنع نفسه بشق الأنفس ويدفع بخطاه تجاه الباب ويفتحه بقوة.
༺༻
كان شاهين يجلس بجوار آصف أمام غرفة الكشف الطبي التي أدخلا إليها سلطان حال وصولهما إلى المشفى ساهمًا ينظر للأرض بشرود وبعينيه نظرة انكسار تجعله مسبلًا لأهدابه كأنه يداريها قدر استطاعته، كان يتألم كأنما عظامه تنكسر ببطيء يجعل مجرد إلتقاط أنفاسه مهمة شاقة لم يعد يقوى عليها وصورة سارة وهي تركض نحو الباب والدموع تملأ عينيها والدماء تغطي يديها وشعرها الذي لم يتخيله مطلقًا بتلك الروعة وغمازتيها الغائرتين إلى أقصى عمق تكملان مشهد حزنها العتيق تجلد ذاته دون رحمة بسوط عنيف لا يهدأ، جائه صوت آصف يقول
" جلوسنا هنا لا داعي ولا معنى له، ماذا تنتظر ببقائك هنا"
قال شاهين بخفوت
" لا شيء سنطمئن عليهم وبعدها سننصرف "
قال آصف
" الطبيب طمأنك بالفعل، دعنا نعود لغرفتك فأنت تتألم " صمت شاهين للحظات ثم قال بصوت مستنزف
" هي أيضًا تتألم "
حرك آصف رأسه بعدم رضا وقال
" شاهين اترك الفتاة لتهدأ من قبل أن تعود لتواجه، أي حديث سيدور بينكما سيكون كسكب البنزين على النيران، الأمر سيشتعل أكثر، نصيحة مني عد إلى غرفتك لتأخذ علاجك وتستريح وبعدها اذهب لمؤيد، والتقي بعلِيّ وحل كل الأمور التي تستطيع حلها الآن لكن ليس من المنطقي أن تترك كل شيء خلفك وتسعى لمواجهة أنت لست حملا لها على ما أرى " قال شاهين بحرقة
" كلي يضيق بكلي، عقلي كأنه لا يقوى على التعامل مع أي شيء من حوله، ولعل الله وضعني معها في ذلك الموقف لكي يفتح بيننا طريقًا للحديث، أنا لن أصغط عليها أنا فقط سأحاول "
قال آصف وعلامات الرفض القاطع تلوح على وجهه
"حديثك هذا حديث شخص لا يفكر، بربك هل على الأقل رتبت الحديث الذي سوف تبرر به فعلتك "
همّ شاهين بالرد ليلتفت عنقه بسرعة نحو الباب الذي فتح بقوة لتتوسع عيناه ويقف ببطيء شديد يكتم كل أوجاعه خلف شفتين مزموتين وهو يجد نفسه وجهًا لوجه مع مواجهة كان يخطط لجعلها الأخيرة، مواجهة أدرك عواقبها من قبل أن يخوضها وأدرك أن أوان الانسحاب قد مضى، صدمة سلطان حين رؤيته بدت جلية لكنه كان في نفس الوقت كمن وجد ضالته، تقدم سلطان نحوه بعنف ينافي حالته حين وجده، عنف لا يدري من أين أتى بالقوة ليدعيه فهمّ بقول شيء ولكن الكلمات بترت على شفتيه حين زغر سلطان سارة بزغرة أسقطت قلبه ثم أمسك تلابيه دون مقدمات وهزه بعنف وهو يقول " ماذا تفعل هنا "
سؤال كان يملك له إجابة باتت هباءً منبثًا، نظر شاهين لسارة التي كانت تحاكمه بقسوة شديدة في محاكم صمتها ثم نظر لسلطان وقال
" سلطان أنا مقدر غضبك ومتفهم لكل ما سيصدر عنك لكني أريدك أن تسمعني وتفهم ما ….
قال سلطان الذي كانت رؤية شاهين القشة التي كسرت ظهر صموده فانفجر يقول
" أنا لا أريد أن أفهم شيء سوى أنك كما دخلت إلى مدارنا ستخرج منه دون عودة لأنك لست الرجل الذي أريده قريبًا مني أو من شخص يخصني مطلقًا، أنت لست رجلًا مطلقا …أنت لست سوى نذل حقير " طحن شاهين ضروسه والإهانة ألمها وقهرها أشد من ألم ضلوعه ورغم ذلك قال
" سلطان أنا ألتمس لك العذر فلو فعل شخصًا بأختي ما فعلت ل…
هاج سلطان يقاطعه قائلا وقد ركض نحوهما عدد من الممرضات
" لحفرت له قبرًا تحت قدميه وأسقطه فيه، لكن أنت لا تستحق أن أتعامل معك كما أتعامل مع الرجال، اغرب عن وجهي " لكم سلطان شاهين لكمة أخرج فيها كل قهره وتعبه وغصته ووجع قلبه، فهمّ شاهين بالسقوط وهو يصرخ صرخة مفزعة فحركته السريعة التي حاول بها تفادي اللكمة شعرها مزقت أضلعه لتتلقفه ذراعي آصف الذي جذبه للخلف وهو يقول بحدة
" أيها العنيد "
حاول شاهين أن يقف على قدميه فخذلته ورغم ذلك قال وهو يتلوى
" سلطان دع بيننا مجال للتفاهم لأني أريدك، فأنا باق عليك ..باق على كلمتك لي وكلمتي لك، أنا أريد أختك مهما بدا ذلك مستحيلًا، أنا أخطأت أعرف لكني مستعد لتحمل المسؤولية كاملة وتصحيح كل شيء " اندفع سلطان إليه بعيون يلوح بها الدماء لتتمسك سارة به وهي تقول
" سلطان أرجوك يكفي "
ليهدر به آصف بصوت تشع منه السلطة الآمرة
" كفى …هل ستتعدى على رجل لا يستطيع الدفاع عن نفسه "
ارتد جسد سلطان للخلف بعنف شديد وانتفخت أوداجه وهو ينظر لشاهين بغضب شديد ثم ينظر إلى يده التي لكمه بها وهي تعود لتتخصب بالدماء ويقول
" الزم حدودك يا ابن الجوهري أو سألزمك قبرك قريبًا "
كان الأمن قد وصل وحلّ على المكان لمسة من الفوضى خاصة مع صراخ آصف
" أريد كرسي متحرك وطبيب حالًا "
لم يعر سلطان كل ما حوله أي اهتمام وعيناه التي تشوشت بها الرؤية من شدة تعبه تنظر إلى وجه سارة متجاهلة تلك التي انكمشت خلفها وقال بحدة
" سيري أمامي "
سقطت دمعة سارة وعيناها تسترق نظرة أخيره للمشهد خلف أخيها لتقع عيناها بعينيه فتقول له بصمت مرير ..فقط ابتعد …فيجيبها من وسط صرخاته الصامتة التي زعزعت اتزانها وهو لا يجد حروف تصف زعزعة مشاعره …سأرحل ولكن نحو طريقي إليكِ، كان وعدًا تريده وإن أنكرت لا لتلتئم به الجراح ولكن لكي تستعيد كبريائها التي تموت كل يوم وهي تشعر أنه سُلِب منها، التفتت سارة تلتصق في فاطمة وهي ترتجف فتحتويها فاطمة قدر استطاعتها وكيانه المحلق في مداها يجعل كل ما مضى يمر بحلوه الذي أحبته وبمره الذي لم تدركه وقد فهمته فتلمع الدموع بعينيها حتى باتت لا تستطيع رؤية الطريق أمامها، كل البشر من حولها كانوا خيالات عابرة قد تكتشف يومًا أن لا وجود لها، انتفضت فاطمة على صرخة سلطان يقول بانفعال بالغ
" هل أنت نائمة "
التفتت إليه بضياع ودموعها قد فاضت فأرتفع صدره عاليا وانخفض وهو ينظر إليها بوجه ممتقع ويقول
" كدت تصطدمين برجل يمر، انتبهي لطريقكِ"
هزت رأسها بحركة بدت تائه وهي تلتفت لتنظر أمامها فأغمض سلطان عينيه والقهر يبلغ منه مبلغه ثم سارع ليسبقهما فاتح لأجلها الطريق وسط ممر الاستقبال المزدحم ليكملوا طريقهم في صمت نحو المدخل الرئيسي ومنه إلى المصعد، كانت رحلة كل منهما يعد فيها على الاخر أنفاسه وأدق اختلاجاته حتى وصل إلى باب الجناح الذي تنزل به الفتيات فنظر سلطان لسارة وقال
" كيف علم ذلك الوغد أني بالمشفى "
قالت سارة بارتباك
" لا أعرف، حين وجدتك فاقدا لوعيك ركضت لأستنجد بأحد الشباب فوجدته بوجهي، هو من نقلك وصديقه إلى هنا "
ضم سلطان قبضته بعنف و عقد حاجبيه أكثر ثم قال لها
" حسنا سارة، أظنكِ لا تحتاجين أن تعرفي أن ذلك الأرعن ماض وانتهى ولن نفتح بابه مجددا "
هزت سارة رأسها بطاعة فقال لها سلطان
" ادخلي وأنا سأرحل "
قالت سارة بلهفة
" ويدك التي تنزف "
نظر سلطان لكفه النازفة ثم وضعها بجيب سترته الرياضية وقال
" أنا بخير"
هزت سارة رأسها بيأس وقالت " على الاقل قل لي لمَ لم تكن تجيب على هاتفك "
قال لها سلطان
" لقد تهشم سأشتري آخر حين خروجي من هنا "
نظرت له سارة ثم نظرت إلى فاطمة وقالت
" إن لم تتوقف عن تلك العادة ستؤذي نفسك يومًا ما، أكلما غضبت هشمت هاتفك وكل ما تطوله يدك "
رفع سلطان عينيه نحو فاطمة كأنه وإن لم يدر يخشى أن تسوء صورته في عينيها أكثر ليراجع نفسه ويشيح بوجهه بسرعة وهو يقول لسارة
" توقفي عن الحديث الذي لا داعي له وادخلي "
نظرت له سارة بتعب ثم فتحت الباب وولجت إلى الغرفة بينما وقفت فاطمة أمامه فلم تقدم على حركة، عيناها تنظر له بشكل وتره، بشكل جعله يريد الركض والبحث عن مرآة ليقف أمامها ويبحث في نفسه عما يجعلها تنظر له هكذا وقالت بهدوء تصدعت في مغبته قشرة صموده الواهية وتهدلت من ثقله أكتافه
" سلطان، أنا أسفة "
نظر لها ولأول مرة يكن في حاجة ماسة للمسها
واللجوء إليها ولكن كرامته المتداعية زأرت من تحت أنقاض المشاعر وجعلته يقول بجمود
" على ماذا "
ثم يتحرك مغادرًا وخياله الشارد يهيء له أن ستتمسك بيده، لمسة فقط ستعمر بها كل الخراب الذي ألمّ بروحه، لمسة تاق إليها فلم تأتِ ويبدو أنها لن تأتي مطلقًا.
༺༻
في نفس الوقت وعلى بعد عدة طوابق داخل مقصف المشفى كانت ملاك تقف في انتظار القهوة التي طلبتها من أجل كنزي بعيون دامعة وقلب مازال ينتفض في صدرها تأثرًا للحال الذي رأتها عليه، تنظر إلى هاتفها بتوتر يفضح كل ما تريد أن تخفيه وعقل كأنه انفصل عن قلبها المصلوب بين ضلوعها
وقرر حسم الموقف مهما كان الثمن، ارتجف كف ملاك ومشاعرها تصبح كما الغصة المريرة التي تضيق أنفاسها وتشتت ركائزها ورغم ذلك ضغطت الزر وانتظرت إلى أن وصلها الصوت الأنثوي ذو البحة المغرية يقول
" أهلا أنسة ملاك "
قالت ملاك بانفعال
" لقد انتظرت تواصل منكِ لتبلغيني بموعدي لكنكِ لم تهاتفيني "
ردت عليها محدثتها قائلة
" أسفة أنستي فقد كنت أنوي مهاتفتك ليلًا بعد انقضاء يوم العمل والانتهاء من ترتيب مواعيد الشهر القادم "
قالت ملاك
" الشهر القادم، ماذا تقصدين " قالت لها
" أن مواعيد السيد هذا الشهر مكدسة للغاية، والموعد الذي أستطيع الحصول عليه لأجلك سيكون أول أسبوع بالشهر القادم وسأتواصل معكِ قبلها بأيام لأؤكد عليكِ الموعد وبأي فرع سيكون "
قالت ملاك بحدة
" ألم أخبرك أن لدي استشارة قانونية مهمة ولا أستطيع الانتظار، ربما أنا لست من عملاء مكتبكم لكني سأدفع مثلي مثلهم، وإن كان موعد قريب سيحتاج مبلغ أكبر مما طلبتم بالفعل لا مانع لدي لكني أريد أن أحصل على حل لمشكلتي اليوم أوغدًا على أقصى تقدير " قالت محدثتها
" للأسف هذا يعد مستحيل نظرًا لارتباطات المكتب بقضايا ضخمة بالفعل "
قالت لها ملاك
" ألا تفهمين، أقول لكِ استشارة قانونية مهمة…طارئة …وليست قضية الأمر لن يأخذ أكثر من نصف ساعة وسأضاعف لكم المبلغ المطلوب من أجل هذه المقابلة، هذه ليست طريقة احترافية للتعامل وكسب العملاء، أنتِ هكذا كمن يقول لي لتتحول مشكلتك إلى كارثة حينها سنتفرغ إليكِ "
قالت لها
" بالطبع لا يا أنستي هذا ليس ما أقصده لكن …
قاطعتها ملاك تقول
" دون لكن جدي لي موعدًا مهما كان الثمن إن كنتِ تفعلين كل هذا من أجل المال لقد قلت لكِ أني سأضاعف الثمن أم تريدين أكثر أنتِ ومن تعملين لديهم "
كانت ملاك تتحدث بانفعال بالغ وقد ارتفع صوتها جاذبا أنظار جميع من بالمكان حتى ذلك الذي تحرك نحوها متفاجئًا أن تلك القطة الجبانة لديها صوت لتصرخ به، ولديها أيضًا مواقف مبهمة تثير من حولها علامات الاستفهام.
༺༻
كان أيوب قد قرر البقاء في المقصف وتناول كوب من القهوة وإجراء بعض المكالمات لحين عودة المريض الهارب الذي جاء لزيارته فلم يجده وقد أبلغه التمريض أنه ليس هروبه الأول، بقي لأنه لا يعلم متى سيستطيع التفرغ لأداء تلك الزيارة مجددًا ولأن عقله كان مشغولًا بما رأه حال وصوله، طريقتها وهي تمزق تلك الورقة بدت له شبيه ب….هز أيوب رأسه يخرج منها تلك الأفكار الخطرة وهو يذكر نفسه أن الفتاة ملتزمة وليس عليها غبار كما أنها تبدو هشة ليست بالجرأة التي تجعلها تلقي بنفسها إلى الكوارث، ارتشف أيوب من فنجان قهوته وعقله يبارزه في ظنون تصول وتجول كأنما تلك الفتاة استدعت انتباهه لدرجة تجعله غير قادر على تخطي ما رآه والذي من الممكن أن يكون مشهدًا عاديًا لكن كونها باتت تلفت نظره كلما التقيا صدفة جعله يتعمق في انفعالاتها أكثر من اللازم، صوت منفعل خلفه جعله يلتفت بفضول خاصة وقد شعر أنه يعرفه لتحتل الصدمة ملامحه كأنما عقله يقول له أرأيت تريد محامي هذه الفتاة متورطة بأمر ما، وقف أيوب واقترب منها وقد استمع إلى حديثها كاملا وقال
" أنسة ملاك "
التفتت ملاك له بسرعة وهي تبعد الهاتف عنها تنظر له بوجه شاحب حتى ظن أنها لا تتنفس بشكل طبيعي ثم نظرت حولها كأنها تتأكد إلى أي مدى وصل صوتها ثم قالت له وقد عاد خوفها منه يملأ أحداقها كأن وجوده شتتها عن صراعها لأخذ موعدها وقالت
" نعم "
لم تبد تلك إجابة واضحة له فنعم بدت رد خرج بدون تفكير لذلك تجاهله أواب وهو يقول
" لقد كنت جالسًا لتناول قهوتي ولأن صوتك كان مرتفع استمعت إلى محادثتكِ، إن كنتِ تحتاجين إلى استشارة قانونية مهمة أنا يمكنني مساعدتكِ " قالت له ملاك بتيه
" هل تستطيع أخذ موعد عاجل منهم "
هز أيوب رأسه وقال
" مِن مَنْ؟ "
لوحت ملاك بهاتفها بحركة مشدودة كأنها تتحامل على ذاتها لتبادله الحديث وهي تتحاشى النظر في عينيه
" أقصد مكتب المحاماة "
ابتسم أيوب وقال
" للأسف أنستي أنا لا أعرف هذا المكتب لكني أعرف محامي ثقة "
قالت ملاك بلهفة
" هل هو ضليع في عمله، أنا لا أريد محامي فقط، أنا أريد محامي بارع "
نظر لها أواب بتدقيق وقال
" لتلك الدرجة مشكلتك معقدة " توترت ملاك وقالت
" من فضلك لا توجه لي أسئلة خاصة، وإن كنت تريد المساعدة أعطني رقم مكتب ذلك المحامي لأخذ موعد معه "
قال لها أواب وحزمها في إدارة الحديث الذي ينقلب لحظة إلى توتر ولحظة إلى خوف ولحظة أخرى إلى تيه يجعل اهتمامه نحوها يزيد
"تفضلي إذا لنتحدث "
نظرت ملاك ليده التي تشير للطاولة وقالت
" الأمر لا يحتاج إلى الجلوس، أعطني الرقم من فضلك "
قال لها أيوب
" لا داعي أنستي فأنا المحامي"
حينها نظرت ملاك إلى عينيه بشك وهمّت بالتحرك ليقطع أيوب دربها وهو يخرج محفظته الجلدية من جيبه ثم يخرج منها بطاقته الشخصية يلوح بها أمام عينيها ويقول
" أنا محامي وفقط أريد المساعدة فقد بدوت بحاجة إليها "
نظرت ملاك لبطاقته ثم لوجهه ثم عادت عيناها إلى بطاقته فقال أيوب
" لقد لفتنا الأنظار دعينا نجلس "
تحركت ملاك بخطوات كأنها تتعثر في ذاتها، بدت ناعمة وهشة ورقيقة وهادئة، بدت كأنثى يريد سبر أغوارها أكثر جلست ملاك على المقعد تفرك في يديها وتخفض رأسها وتنظر حولها مرتبكة كما عهدها في كل مرة التقى بها فقال لها أيوب " ماذا تشربين "
قالت ملاك
" لا شيء، شكرًا "
قال أيوب مصرًا
" يجب أن تشربي شيء "
قال ملاك بجمود
" شكرًا ، لا أريد "
أرخى أيوب ظهره للخلف وقال " حسنا دعينا ندخل في صلب الموضوع، ما هي استشارتك القانونية "
رفرفرت ملاك بأهدابها قليلا كأنها تفكر ثم قالت
" إنها مشكلة صديقة لي لكن يخصني أمرها للغاية "
رفع أواب حاجبه وقد أيقن أنها تكذب وقال
" ما بها صديقتك "
ازدردت ملاك ريقها ثم قالت
" هي …الأمر أنها "
تنفست ملاك بعمق ثم قالت
" لقد فتحت صديقتي حساب دولي من أجل مساعدة شخص كان لديه عدة مشاكل تمنعه من فعل ذلك …
قاطعها أيوب يسأل
" مشاكل قانونية "
هزت رأسها موافقة فأشار لها أن تكمل فقالت
" بعد مدة وصل هذا الحساب مبلغ مهول …مبلغ يقدر بملايين الدولارات"
استرعى الحديث انتباه أيوب الذي أراح ذراعيه على الطاولة بينهما وجسده ينحني نحوها ويقول
" وبعد ذلك ماذا حدث"
قالت ملاك
" بعد ذلك طلب منها أن تشتري أسهم محدده من شركات محدده باسمها ثم التنازل عنها لشخص سيخبرها بهويته حين تنتهي من الشراء "
قال أيوب
" يا إلهي …وماذا أيضًا " ازداد خوف ملاك من تعقيبه وقالت
" صديقتي تريد معرفة التصرف الصحيح في هذا، هي ليس لها علاقة بشيء "
قال أيوب بانفعال مكتوم
" صديقتك متورطة في قضية غسيل أموال وإبلاغ الشرطة سيقوي موقفها ومن الممكن أن يجعلها شاهد ملك إذا تعاونت معهم للقبض على ذلك الرجل " قالت ملاك بصوت مختنق بالبكاء
" هي لا تريد مشاكل، تريد التخلص من ذلك الحساب ومن الأموال الموجوده داخله دون أن يطول أحد أي أذى "
قال أيوب
" هل تقصدين بلفظ (أحد) ذلك الرجل الذي دفعها لفعل كل هذا"
قالت ملاك بارتباك
" أنا أريد التخلص من هذا الوضع تمامًا "
عقد أيوب ذراعيه على صدره وسألها
" أنتِ أم صديقتكِ "
تلجلجت ملاك وقالت
" صديقتي بالطبع "
نظر لها أيوب بتدقيق وقال
" لمَ لا تريد صديقتكِ أذية ذلك القذر، هل يمسك عليها شيء " عضت ملاك شفتها بقهر وقالت " نعم لديه أوراق وقعت عليها " قال لها أيوب
" ما محتوى الاوراق "
هزت ملاك رأسها وقالت
" لا أعرف "
قال أيوب وما رآه حين وصوله يعود ليلعب بعقله " هل هي أوراق زواج عرفي مثلًا " شهقت ملاك بصدمة كبيرة وتوسعت عيناها وقالت
" هل جننت "
قال أيوب
" لا مجنون هنا سوى صديقتك التي ورطت نفسها في أمر كهذا، أجيبني ما ماهية ذلك الورق الذي يكبلها عن خطوة الإبلاغ عنه، هل هي صورة غير لائقة يبتزها بها، هل وقعت معه في علاقة غير شرعية" فزت ملاك تقف وهي تقول
" اخرس …كيف تتحدث هكذا عن شخص لا تعرفه، كيف تتجرأ هكذا عن الخوض في أعراض الناس "
وقف أيوب وقال لها بجرأة
" أأنتِ هذه الفتاة "
هزت ملاك رأسها بعجز وقد شعرت أنها باحت بالكثير للشخص الخطأ وتحركت بسرعة كبيرة تبتعد عنه تاركة إياه خلفها وقد صارت دمائه نيران في مراجل دفعته ليسرع نحو المكان الذي رآها تمزق به الورقة لعله يجد منها قصاصة ترشده إلى إجابة سؤاله.
༺༻
بعيدًا جدًا عن المجمع الطبي وداخل أرض العزايزه تحديدًا داخل منزل يوسف العزايزي كانت جيلان بوجهها المتورم
وساقها المضمدة على إثر شرخ ألم بعظامها من فرط العنف
تتحرك في غرفة والدة يوسف ترتبها بإتقان بينما تقف والدته على الباب وتقول
" أريد أن أرى وجهي في الخشب من فرط لمعته، لا أريد ذرة غبار وإلا جعلتك تلعقيها بلسانك فيبدو أن ما يفعله ابني فيكِ لهو قليل "
نظرت لها جيلان بحقد شديد فقالت لها أم يوسف
" ضعي عينيك في عيني بجرأة لكي تعطيني سببًا لكي أجعله يمزق حدقتك هذه ويصبح وجهي آخر ما ترينه "
أشاحت جيلان عينيها بخوف شديد وهي تحمل ملمع الأخشاب وتبدأ في عملها الذي لا ينتهي ولن ينتهي حتى وإن سقطت أرضًا من فرط التعب، كان الوضع الذي تعيشه قد تخطى احتمالها وجعلها مستعدة لتجازف بأي شيء لتفر منه مهما كان الذي ينتظرها بالخارج، بكت جيلان بقوة تبحث في عقلها عن مخرج وقد أغلق يوسف كل النوافذ حولها بقضبان حديدية وسحب كل الهواتف الأرضية والمحمولة فلم يترك سوى مفتاح المنزل معلقًا بصدر أمه وبجواره هاتف بدائي ليس عليه سوى رقمه ورقم إخوته وليس به رصيد تستطيع من خلاله التواصل مع أية شخص، فتحت جيلان خزانة المفارش تسحب منها مفرش نظيف للسرير الذي انتهت من تلميعه لتجد والدة يوسف تقول لها
" أعيدي هذا المفرش للخزانة، هل فعلت شيء لتفرشي الغرفة، عملك هذا لا يناسبني فأنا أريدك أن تنزلي الستائر وتغسليها وتقومين بكيها وتعيدين وضعها واليوم لأني لا أرتاح إذا كانت الغرفة ليست كما اعتدت "
قالت جيلان بقهر شديد وهي تنظر للغرفة الضخمة المملؤة بطبقات من الستائر
" كيف سأفعل كل هذا اليوم، ففك هذه الستائر فقط سيحتاج مني ساعات "
قالت لها بحدة
" لهذا جعلت غرفتي أول غرفة تبدئين بها، تحركي هيا وامسحي الأرض مجددًا وغيري السجاد "
قالت جيلان
" قلت لكِ أنا لن أستطيع فعل كل ذلك اليوم ولدي باقي المنزل والشقة العلوية والطبيخ، لن أستطيع "
اقتربت منها أم يوسف وقالت بحدة
" أتصرخين في وجهي أيتها الحقيرة "
ثم صفعتها بقوة جعلت جيلان تصرخ بجنون وهي تدفعها إلى الخلف
" لا تضربيني، لا تضربيني، لا تضعين يدك عليّ "
شهقت أم يوسف وقالت بعيون متوسعة
" هل تمدين يدكِ عليّ، أقسم بالله أن أجعلكِ تدفعين الثمن غاليًا"
تحركت أم يوسف نحو مجلس الرجال فركضت خلفها جيلان تعرج وهي تقول
" أنا أسفة، أرجوك …أرجوك سيقتلني "
وقفت أم يوسف أمام باب المجلس تفتحه بسلسلة المفاتيح المعلقة بعنقها وتعبر إليها وهي تقول
" ليقطع خبرك من الحياة لنرتاح منكِ وأتي له بسيدتك من الصباح، أقسم بالله أن أجعله يمزق لحمك على فعلتك "
قالت لها جيلان وهي تجرها للخلف باستجداء
" أرجوك كفى ما فعله بي بالأمس، أنا لم أقصد …أنا أسفة، أعطني يدك لأقبلها …إن أردت سأقبل قدمك "
دفعتها أم يوسف بعيدًا عنها وهي تقول بصوت مرتفع
" أين أنت يا شيخ يوسف، لتأتِ لترى ما حدث لوالدتك على حياة عينك "
انحنت جيلان لتقبل قدمها بذل لم يهز في رأس تلك المرأة شعره، بل نظرت لها بجبروت يشبه جبروت ابنها الطاغية جعل جيلان التي انتهك الذل انسانيتها تنظر لها من أسفل قدميها نظرة حيوان شرس فقد جماح جميع رغباته الحيوانية فوقفت بسرعة باغتت أم يوسف وجذبت السلسة العريضة الذهبية الملتفة حول عنقها بقوة تضيفها حول عنقها وهي تدفعها نحو الخلف وقد أشعرها الخوف الذي طفى في عيونها باللذة كأنها تسترد لذاتها كل القهر والذل الذي عاشته بين تلك الجدران، حاولت أم يوسف أن تدفعها بعيدًا عنها وأن تتخلص من السلسال لكن جيلان استدارت لتقف خلفها تمامًا وتجذبه بكل ما أوتيت من قوة وهي تقول
" موتي أيتها الحقيرة إلى جهنم وبئس المصير"
ارتخى جسد والدة يوسف التي لم تتركها جيلان إلا حينما أدركت أن روحها قد فارقت جسدها وسقطت أرضًا أمام أقدام جيلان الذي نظرت لها من علو وقالت
" الآن أنتِ من نام تحت أقدامي أيتها الحقيرة "
أغمضت جيلان عينيها وقد بدأ الادرينالين في عروقها يخفت ليبدأ كل شيء بالهدوء ويبدأ عقلها الذي كان منتشيًا بروعة الانتقام يواجه حقيقة ما حدث.
༺༻
بالخارج توقف الشيخ عبد الرحمن بسيارته ومن خلفه توقفت سيارة رجاله الذي لم يكن ليسير بهم كما الحاشية لولا أن القدوم لمنزل يوسف
وما سيقال يحتاج إلى ذلك، لم يفكر لحظة في الإرسال لطلبه لأنه واثق أنه سيتقصى قبل القدوم إليه ليعرف فيما يريده وسيعلم بلا شك بوجود منذر بأرض العزايزه وحينها كما الثعبان سيبث سمومه في رجال العائلة ويعد لهم فخًا يجعل مما يملكه ضده الآن محض اتهامات لا دليل لها، بل هو قادر على جعل ما يخطط له يُهدَم في لمح البصر بمكره وشره لذلك باغته بعنصر المفاجأة جاء ليأخذ الطفل من قبل أن يأخذ يوسف احتياطاته ويخفيه، جاء ليخبره بما لديه ضده ويخبره إما أن يرحل عن أرض العزايزه بصمت تاركًا كل شيء خلفه وإما الفضيحة التي يريد تفاديها من أجل الطبيبة التي ستلوكها الألسنة فما قبلته على ذاتها لا تقبل بها إمرأة عاقلة، ترجل عبد الرحمن من السيارة يتبعه منذر الذي سأله
" ربما ليس بمنزله يا شيخ " قال عبد الرحمن
" بلى إنه هنا، الرجال أبلغوني، لا أريدك أن تتكلم بشيء فقط حين يأتي الطفل تأخذه وترحل حتى وإن لم أخرج معك "
هز منذر رأسه بطاعة وما فعلته بهية لأجله يجعله مستعدا لما سيلاقيه حتى وإن كان عكس ما يتمنى.
༺༻
كان يوسف يحمل يوسف الصغير ويتحرك به ذهابًا وإيابًا وهو يتحدث في الهاتف ينهي بعض أعماله ليسترعي انتباهه سيارة الشيخ عبد الرحمن تقترب، خلع يوسف السماعات من أذنيه وضيق عينيه يراقب وجهتها لتعبس ملامحه حين توقفت أمامه منزله، تنفس يوسف بعمق ينفخ صدره وهو يتقدم ليستقبله ليغص بأنفاسه حين رأى منذر يترجل من السيارة، توسعت أعين يوسف وبدأ عقله يعمل بسرعة كبيرة وهو يراهم يتوجهون نحو المجلس، دار يوسف حول نفسه، يتساءل عن سبب وجود منذر عقله ذهب في إتجاهات عدة وكلها مدمرة، نظر ليوسف الصغير على يديه وأسرع نحو المدخل الرئيسي يفتح الباب بالمفتاح ثم يدخل إلى شقة والدته يبحث عنها بعينيه فلم يجدها، توجه يوسف نحو غرفتها فوجد الغرفة لم ترتب بعد، انفعل يوسف بعنف وانحنى يضع الصغير النائم ثم خرج من الغرفة وأغلق بابها بالمفتاح ووضعة بجيب جلبابه ليسمع صوت صراخ جيلان يأتي من المجلس، عقد يوسف حاجبيه وأسرع نحو المجلس لتتوقف قدميه وتتوسع عيناه ويغور قلبه في صدره وهو يرى والدته ملقاة أرضًا كجثة هامدة ومنذر ينحني ليتفقد نبضها بينما الشيخ عبد الرحمن تبدو على وجهه إمارات الذهول وينظر إلى جيلان التي ركضت نحوه وهي تصرخ
" منذر قتل والدتك، لقد خنقها بالسلسال، لقد كان يريد قتلي وحين حالت بيننا قتلها ".
༺༻
يا مارد حسب على أهل الغرام عنوة، ما ظنك بقلب هشًا نحرته قسوة، قلب حين ظن أنه من جنون رصدك قد نجا
أسقطته في فخ الظالمين كبوة، يا من له عينان بريقهما أشد خطورة من الموت ما كان يوم هوس المحبين نزوة، وما كان نضال المشاعر جحيم مستعر له تنشب في القلوب جذوة، ارحل عن ضلوعي سيدي فإن نبضي الخافت يرقب موته، ارحل وخذ معك شتات أمري الذي بترت بيننا الدروب من بعده، يا رجل حين هزيمتي وجدته في قلبي كآخر ذرات من الصمود من أين تأتيك القوة …لتكن في عمقي نضالًا وثورة تقاوم خوفي وتدعوني إلى الصحوة، لتكن في روحي التي خارت قواها للعزيمة مثالًا وأسوة، يا قاهرا أعراف الهوى ما عاد لي من الرحيل فدوة، فياليت روحي قد تهاوت روحها جهرا لعلك أتيتني مسرعًا ترفق خطاك بالنجوى، لعلك أقبلت تجتاحني بعصف يمنحني الملاذ والمأوى، فقد أيقنت أخيرًا أني مثقلة لك بدين من العشق يستقر بصدري كما البلوى، وقد آمنت سيدي أن لا فرار منك وإن لم أختر حبك وإن لم أسع إليه فقد قدر وكتب للقلوب من تهوى.
༺༻
لو كان الموت خيار متاحًا لمتنا جميعًا، لم يكن ليتأخر عن صفوف الرحيل أحد، لا أحد سيجازف بالبقاء حيًا فقد أصبحت الحياة مخيفة أكثر بكثير من الموت.
صور تمر بسرعة كبيرة داخل عقلها المشوش تخلط الماضي بالحاضر في لمحات خاطفة، الألم الذي بعثر شتتاتها يزحف ببطء إلى جسدها كما لو أنه حيوان بري وجد فريسة سهلة،
أنفاسها مزكومة كأن هناك ما يحول بينها وبين الهواء النقي، ولسانها جاف كأنما الماء لم يجري إلى جوفها منذ سنوات، البرد يزداد حدة كما لو أنها عارية ملقاة في الخلاء والسكون حولها ثقيل ومخيف رغم كونها تكاد لا تعي أسباب واضحة لذلك، وعيها الذي ظنته غاب عن الدنيا تمامًا بدأ يعود إليها ببطء جعلها تحرك أصابعها بحركة بدأت بالتصاعد حتى تحركت جفونها لتسقط دموعها حين تذكرت ما تعرضت له، فتحت كيان عينيها على وسعهما لكن الظلام من حولها أشعرها أن عينيها مازالت مغلقة، أغمضت كيان عينيها وعادت لتفتحها مجددًا لكن وهي تحرك يدها لتشعر أنها كما لو أنها بداخل شيء محكم لا تستطيع الحركة، جاهدت كيان لتجذب يدها اليسار لأعلى تبعتها باليمين وفسخت ذلك الشيء الملتف حولها وبدأت تحرك مقلتيها يمينًا ويسارًا فلم تجد سوى السواد، فرفعت كفيها تتحسس جسدها لتكتشف أنها عارية تمامًا ويغطي جسدها قطع من القماش واحدة تحيط خصرها وأخرى على أكتافها كما لو أنه ….كفن، عند تلك الفكرة رفعت كيان يدها إلى رأسها لترتجف يدها حين لمست خمار الرأس التي كانت ترتديه، اهتز جسد كيان بعنف وعقلها قد أدرك تمامًا مكانها، تحرك كف كيان بعيد عن جسدها ببعض السنتيمترات لتستشعر برمال أسفل منها فتصرخ صرخة مكتومة وقلبها ينتفض رعبًا وتبدأ حنجرتها في إصدار صوت لا إرادي من شدة الفزع، جسدها أصابه شلل تام، والارتجافة التي ألمّت به اشتدت كأنما ستصاب بسكتة قلبية وستموت في التو وهي تتخيل الأموات من حولها، أسنانها تصطك ببعضها بعنف جعلها غير قادرة على ذكر الله فبات قلبها يهدر وفي داخلها تصرخ بجنون وإن لم يخرج منها صوت، ورائحة المسك التي أدركت ما هيتها جعلت أنفاسها تكاد لا تصل إلى قلبها فباتت تشهق بعنف وهي تغمض عينيها بقوة، كانت كأنما تمر بأشد سكرات الموت، كانت روحها تنازع للخروج لكن لا شيء يحدث كأنها ستظل عالقة في هذا الرعب إلى يوم يبعثون.
༺༻
بالخارج توقفت سيارة فارس بعنف وترجل منها وهو يصرخ بعماد
" من أمر بدفنها، كيف خرج لها تصريح دفن من الأساس "
قال له عماد بانفعال
" الفتاة ماتت ماذا كنا سنفعل، لقد بلغنا العاملات في الدار لكونهم الأسرة الوحيدة التي تملكها وقالوا أنها لا تملك مدفن خاص فوجب عليّ التصرف " قال فارس وهو يتحرك نحو المقابر
" ليس دون علمي يا عماد، هل رأها طبيب …هل قام بتشريحها ليدرك سبب الوفاة "
قال عماد وهو يجذب فارس
" بالطبع رآها طبيب، لكن لماذا قد أحتاج لتشريحها وأنا وأنت نعلم سبب الوفاة، هبوط حاد في الدورة الدموية عائد لما تعرضت له، يا فارس استعذ بالله من الشيطان ودعنا نرحل من هنا، بربك من يأتي للمقابر في هذا الوقت "
قال فارس وهو ينزع ذراعه من قبضة عماد بعنف ويقول
" أنا لأثبت لكم جميعًا أن تلك الفتاة محال أن تمت بهذه السهولة، وأن كل ما يحدث فيلم رخيص خطط له من أجل أن تغلق القضية "
تبعه عماد وهو يقول بغضب
" فارس هل تسمع نفسك، هل تدرك صعوبة ما تقوله "
قال فارس
" ليس صعبًا عليهم عماد، هؤلاء يستطيعون فعل أي شيء حتى التلاعب بنا "
قطع عماد دربه وقال
" يا فارس افهمني، أنا وأواب ووائل دفنت الفتاة أمامنا وأغلق عليها القبر "
قال فارس لن أصدق ذلك حتى أراها بعيني "
دفعه عماد للخلف وقال
" هل ستنبش قبر لمجرد ظنون تملأ عقلك "
قال فارس بجمود وهو يتابع طريقه نحو المكان الذي يجلس بها حارس القبور
" بل يقين سأستعيد به وظيفتي ومكانتي فعلى جثتي أن يغلق ذلك الملف، أنا سأكمل القضية وسأثبت للقيادات أني رغم اندفاعي كنت وسأظل الشخص الأنسب لحل القضايا الشائكة " هز عماد رأسه بعصبية وقال
" يا فارس ما تفعله لا علاقة له بالمهنية، فبدلًا عن إيجاد طرف خيط جديد ها أنت تسير خلف سراب وتتصرف كما يحلو لك كأنك لم تتعلم مما حدث "
نظر فارس لعماد بغضب وتابع طريقه بتصميم ليأتيهما صوت يقول
" من هنا "
لوح فارس للحارس وهو يقول " شرطة ونريد فتح القبر حالًا".
༺༻
وقف الحارس أمام قبر كيان يقول بتوتر
" يا باشا أنا أعمل هنا منذ سنوات وأعرف النظام، فتح القبور يكون بقرار وتخرج لأجله حملة على رأسهم طبيب وبصراحة أنا لا أريد التورط بمشاكل "
نظر له فارس بغضب وقال
" افتح القبر إن كنت فعلًا لا تريد التورط بمشاكل "
نظر الحارس لعماد وقال
" قل شيئا يا باشا فما يحدث هنا فيه خراب بيتي "
نظر عماد لفارس وقال
" دعنا نرحل يا فارس، فأنت أعصابك متعبة من الضغط الذي تمر به ولو تركتك لتفعل ذلك سأكون كمن تركك لتؤذي نفسك أكثر، كيان ماتت والقضية لم تغلق والوقت مازال في يدنا لنجد طرف خيط جديد تثبت من خلاله ما تريد "
قال فارس بإصرار
" أنا أصبحت هنا الآن ولن أبارح هذا المكان حتى أنهي ما أتيت لأجله "
قال له عماد
" أنا تعبت منك وسأخبر أواب ووائل بما يحدث سامحني فأنا لا يمكنني السكوت كما المرة الماضية "
نظر فارس لعماد بغضب ثم استدار للحارس وقال
" افتح هذا القبر ".
༺༻
بعيدا عن هذا المشهد يقف جسدا متواريًا في ظلمة لا تقارن بالظلمة التي وضع فيها جسد أحب إليه من ذاته ومن خلفه خيالان إحداهما كان صامد والآخر منهارًا يدعي الصمود، وقف فياض تبتره الدقائق بxxxxبها السامة وتحرقه الثواني ببطئها القاتل حتى تحيله إلى بقايا ركام يتطاير نحو ذلك القبر ويرقد فوقه ملتمسًا طريقه إليها علها تشعر به، كان يراقب ما يحدث وبعينيه نظرة تكشف أن هناك فوهة بركان قد فارت حممها وبلغ سيلها الزبى، حين بدأ الحارس بفتح القبر رفع فياض سلاحه بعنف ووجهه صوب فارس وشد أجزائه
ليوقفه سيراج الذي قال
" تحكم في ذاتك فياض "
قال فياض والانفجارات المتتابعة بداخله تصبح غير قابلة للسيطرة، فكرة قتل فارس مسيطرة عليه، يشعر أن بداخله قوة عاتية تجعله قادر على المضي إليه وقتله بطريقة أبشع من مجرد رصاصة تعبر من رأسه، يريد أن يبتر أطرافه جميعًا ثم يهشم جمجته بمنتهى العنف، قال فياض وعيناه تبرق بجنون
" لا أستطيع "
قال له سيراج وهو ينظر لعينيه بقوة "
لأجلها عليك أن تفعل لقد وعدت حكم، لقد أرسلك معنا لأنك أعطيته وعدك "
قال فياض من بين أسنانه
" طلقه فقط وسينتهي كل شيء "
قال سيرجو
" طلقة وستفتح على كيان أبواب الجحيم، تعقل يا فياض وتذكر أننا استطعنا إخراجها من مبنى أمن الدولة وأقل خطأ منك سيعيدها إلى هناك ولكن هذه المرة ولديهم يقين لا تشوبه شائبة أنها خطر وسيجعلونها تتحدث بطرق بشعة، يكفي ما تعرضت له، لأجل كيان توقف "
كم كان الخضوع صعبًا، بدا كأنما فياض يحارب كفه التي تمسك السلاح، يخرب سبابته التي تضغط على الإبهام، يخرب بضراوة انفجاراته بها ولأجلها ليقول طايع الذي كان يتذكر في تلك اللحظة نيلوفر
" أيصعب عليك ترك السلاح، ماذا إذا لو كان عليك تركها مجددا "
التفت فياض ينظر لطايع الذي قال له
" ماذا هل تستبعد أن يفعلها حكم معك مجددًا "
كما الطفل الذي لسعته الهواجس ترك فياض السلاح مسرعًا كأنه سيقبل أن تحتله المخاوف من كل جانب لكن ليبقى جانبها آمنا حتى وإن عنى ذلك أن يبقى ساكنًا ينتظر رغم إحتراق جوفه.
༺༻
انتهى العامل من فتح القبر وهو ينهت ويمسح عرقه الذي سال من شدة الخوف والتوتر وقال
" لقد انتهيت "
نظر فارس إلى القبر المفتوح أمامه ليأتيه صوت عماد الذي قال
" لا أصدق أنك ستنزل القبر وتكشف وجه جثة لأجل هواجسك، علي أية حال لقد أبلغت وائل وأواب وهما في طريقهما إلى هنا "
التفت فارس ينظر إلى عماد بصمت وقد بدى في تلك اللحظة مقهورًا ضائع …يائس يبحث عن طوق نجاة يمكنه من ألا يخسر كل شيء دفعة واحدة، قال الحارس
" هل أحضر المصباح لأجلك " أخرج فارس هاتفه وأضاء نور الكاميرا القوي واقترب من القبر لينقبض قلبه بشدة من الظلمة التي يراها في العمق، ويرتعد جسده برفض فلا يقوى تحريك قدميه لكنه تمالك ذاته ليفعل ويتحرك نحو أول درجات القبر ليتراجع سريعًا برهبة وهو يمسك رأسه من الجانبين ويقف محدقًا في القبر فيقترب منه عماد يربت على كتفه ويقول
" يكفي فارس، يكفي ودعنا نرحل لكن فارس الذي كان قد خسر كل شيء بالفعل لم يستمع إليه بل التفت إلى الحارس وقال له
" أنت من سينزل، خذ هذا الهاتف، وصور لي وجه الجثة التي دفنت اليوم "
نظر الحارس لعماد ليهدر به فارس
" هيا "
نظر عماد لفارس وقال بحدة
" أنت بالفعل فقدت عقلك " أمسك الحارس الهاتف وأضاء طريقه نحو الأسفل منصاعًا لأمره وهو يلهج بأيات التحصين لتتجمد قدميه من وضعية الجثمان، لقد بدا الكفن كأنه قد حل والجسد كأنه تحرك، ازدرد الرجل ريقه وقد تملك منه الفزع وهو يقول
" سلاما قولا من رب رحيم …سلاما قولا من رب رحيم " اقترب الرجل أكثر وانحنى بكف ترتعش يكشف عن وجه كيان ليتوقف قلبه من الرعب من منظرها، لقد بدت متخشبة شاخصة العينين فبكى رعبا وهو يحرك يديه إلى وجهها يغلق عينيها ويقول
" سلامًا قولًا من رب العالمين" ثم يلتقط الصورة بسرعة كبيرة ويغلق الكفن قبل أن يركض برعب نحو السلم يصعد إلى فارس ويعطيه هاتفه وهو يقول " سلاما قولًا من رب رحيم ، سلاما قولا من رب العالمين" بدى الرجل كما المجاذيب وهو يسارع لإغلاق القبر أما فارس فقد نظر إلى الصورة التي تكشف وجه كيان وتغضنت ملامحه كما لو أنه في تلك اللحظة رأى شهادة تحطيمه، رأى دليل قاطع على فشله وضياعه.
༺༻
راقب فياض رحيل فارس بقهر شديد وبدأ يتحرك مقتربا من ذلك القبر دون أن ينتظر الإشارة من طايع الذي ركض خلفه وأسقطه أرضًا وقال له
" مضى الكثير، انتظر فقط رحيل الحارس، نزولك إليها سيكون هينًا، مادة البناء التي وضعها الحارس مازالت لينه " أغمض فياض عينيه وقال بحرقة
" فكرة أن يضمها قبر بدل أضلعي تجعل الموت ليس كافيًا لدحض الألم "
نظر له سيراج وقال
" جميعنا نتألم، ولا أحد منا قادر على تسكين ألمه بالموت، لأجلها تريث "
ابتعد سيرجو عن فياض الذي اعتدل يراقب الحارس الذي أنهى عمله أسرع ما يكون وولى هاربا كأنما الشياطين تلاحقه ليقتربوا يتقدمهم هو حتى وصل إلى القبر ووقف منقطع الأنفاس كأن ذاته كانت في صراع عتي بلغ أشده وأنهكها تماما، سارع سيرجو يحث طايع على مساعدته في فتح القبر وهو يزغره قائلا
" لا تقف هكذا فلا وقت لدينا " بدأ طايع ينفذ المطلوب منه بدقة ليجد فياض باب القبر يفتح أمامه وسيراج يناوله مصباح صغير ويقول
" هيا …أسرع "
نزل فياض أول درجة وعقله المشتعل تنطفيء نيرانه ليتصاعد منه دخان ضبابي يزكم أنفه ويخنق صدره ويغير على نبضه ويملأه بالرهبة، ليس من المكان ولكن من هول رؤيتها بكفن، لقد ألمها كثيرا يعلم لكنه كان كمن يصرخ بها لتشعر بألمه فيذيقها منه رشقات لا تحتملها كما لم تحتمله لكن لم يكن ليغامر يوما ويفقدها ويبقى هو في ذلك العالم كما اللاجيء الذي لا يرى في الأوطان وطنًا يحويه، تابع فياض نزول الدرجات والماضي يغتال قوته شيئًا فشيء حتى إذا داست قدمه أرض القبر خارت وجهته فأصبح كما لو أنه طفل يبحث بين الأكفان عن كفن والدته وهو يبكي، لقد بكى ولكن بضعف شديد وقدماه تقترب منها وقد ساقه قلبه إليه فلم تجري عيناه في أركان ذلك المكان ولم ير غيرها، كان المشهد يضعه وجهًا لوجه مع أشد مخاوفه، يجعله يعايش كل شيء حقيقة من بعدها تصبح كل الحقائق سراب، بكى فياض بحرقة اهتز له جسده …كأنه ينوح خوفًا من أن يقترب فيجدها قد فارقت الحياة وتركته عالقًا بها، انحنى فياض يكشف عن وجهها ليتملكه الزعر الحقيقي وهو يجد جسدها في حالة تشنج عيناها مفتوحة وتبكي وأسنانها تصطك ببعضها بعنف جعله يحملها بسرعة كبيرة كأنه يفر بها من ظلمة ماضيهما ….ومن الألم والخوف، لم تكن كيان قادرة على التحكم في تشنج جسدها، لم تكن قادرة على الصراخ والبكاء حين رأت وجهه، لم تكن قادرة على التمسك به وهي تشعره يركض بها بسرعة، يركض كما لو أنه يسمعها تصرخ به أن يبتعد بها عن تلك المقابر، يركض حتى وصل إلى مكان وقوف السيارة تاركة خلفه سيراج وطايع ليغلقوا القبر ثم فتح الباب الخلفي ووضعها ثم حشر نفسه جوارها حشرا وأغلق الباب ليسحبها على قدميه وبين ذراعيه، ضمها بعنف لم يخيفها مطلقًا، لم تفزع له بل وجدت به الأمان، بل لوهلة كانت كأنها تريده أن يضمها أقوى وأقوى ليعتصر خلاياها مخرجًا منها كل ما عاشته ومرت به، نظر فياض إلى وجهها الشاحب وقال
" أنتٓ لي وللموت من ماتوا، فإن حان الأجل فمعًا وإن بقي في العمر بقية فتلزمني أنفاسك لأحيا بها كيان "
أغمضت كيان عينيها وبدأ يعلو من حنجرتها صوت صراخ فأخرج فياض من جيبه شريط أقراص وأفرغ على المقعد بجواره أربعة أقراص وضع اثنين على لسانه، ومرر اثنين إلى فمها وقال
" ابلعيها كيان لتهدئي، ابلعيها ليرتخي جسدكِ "
حاربت لتفعل فقد كانت فاقدة لزمام أمورها لتمر الدقائق وهي تشعر به يستر جسدها ويغطيها بسترته فتسترخي بين ذراعيه وتتحرك يدها لتتمسك به كأنها تريد العبور إلى داخله فيتنهد بقوة وهو يضمها أقوى وأقوى ويقول
" اخترقيني بكل ما تملكين من قوة فأنا ينقصني أنتِ، وأنتِ كل شيء كيان "
ارتفع صوت بكاء كيان الذي جعلها المهديء أخيرًا تعطي رد فعل طبيعي فرفع فياض رأسه يقول بحرقة ومن عينيه تتساقط الدموع
" لقد عشتِ العمر تقتليني والآن تبكيني كما تبكي، ما تأخذكِ بقلبي الشفقة "
صمت فياض وهو يلمح سراج وأواب يركضان نحو السيارة وفي لمح البصر كانت السيارة تتحرك نحو مزرعة حكم.
༺༻
في نفس الوقت كان باب المزرعة يُفتح على مصرعيه لتدخل منه سيارة سوداء ضخمة يقودها رشيد الذي حين وجد حكم يقف أمامه بوجه غاضب يعقد ذراعيه على صدره وقد شمر عن ساعديه التفت ليهدين وقال
" حللي لغة الجسد لأن ما أراه وضعية قتال ستأتي بأجلنا " نظرت له يهدين بحدة ثم تنفست بعمق شديد وهي تترجل من السيارة وتقترب من حكم الذي هدر بها بغضب مهول
" أين كنتٓ "
قالت له يهدين
" حكم أنا كنت سأخبرك دون أن تسأل فمن فضلك لا داعي لل …
قاطعها حكم يقول بانفعال
" أين كنتٓ، وكيف تخرجين دون علمي "
قالت يهدين بتوتر
" لا تصرخ بي أرجوك "
قال حكم
" بل سأفعل وسأكسر عنقك إن استدعى الأمر يهدين، أين كنتِ …أخبريني "
التفتت يهدين تنظر لرشيد الذي ترجل من السيارة وأغلق الباب يرتكن عليه باستمتاع وهو يشاهد ما يحدث لتظهر خلصة من شعر يهدين التي تخضبت بالدماء فتوسعت عينا حكم وهو يجذب القلنسوة عن شعرها ويقول بصدمة
" يا إلهي، تحدثي يا يهدين لا تفقديني صبري "
توترت يهدين وهمّت بلمس شعرها وهي تقول
" ما به شعري "
أمسك حكم يدها بسرعة قبل أن تلمسه وقال ليشتت انتباهها
" ماذا كنت تفعلين بالضبط " أحنت يهدين رأسها وأمارات الذنب تلوح على وجهها ثم قالت " في الحقيقة أنا لم أرتب للأمر كل شيء جاء عن طريق الصدفة، لقد كنت أبحث لأواب عن رجال غنام وتفاجأت أنهم في المجمع السكني"
عقد حكم حاجبيه وقال باستغراب
" أين "
رفعت يهدين عينيها وقالت له
" أقصد كانوا بجوار منزل فخر ….
قاطعها حكم صارخًا بذهول
" فخر !! "
قالت يهدين بسرعة كأنها تلقي كل ما بجعبتها
" نعم يا حكم، كانوا يحاوطون منزل فخر وخشيت أن يأذوه فأخذت سلاحي وتسللت ولكن رشيد رآني وصمم على القدوم معي "
صمتت يهدين تلتقط أنفاسها وهي تنظر لوجه حكم الذي أصبح جامد كصخر في إشارة أنه لم يتقبل ما قالته لذلك أكملت كأنها تعلم أن الأمر في كل الأحوال سيتحول إلى كارثة
" لقد اشتبكنا معهم، لقد كانوا يرصدون فتاة وطفل يقيمون بنفس المنزل، الوضع كان كارثي، في الحقيقة لقد قتلناهم جميعًا كانوا اثنى عشر رجلا، ثلاثة سيارات كل سيارة بها أربعة رجال، وفخر بخير "
هز حكم رأسه بانفعال وصرخ بها بهياج عنيف
" قتلتما اثنى عشر رجلًا، لأجل شاب لا علاقة لنا به، عجلتي بحرب أدور حول نفسي لأؤجلها حتى أطمئن عليكِ وعليهم وأنتِ بمنتهى الاندفاع تشعلين فتيلها، منذ متى تتصرفين دون العودة إليّ، منذ متى تأخذين قرارات غير محسوبة، منذ متى يهدين "
قالت يهدين بصوت مرتجف
" حكم "
هدر بها
" اخرسي يهدين، اخرسي …أنت لم تعودي ابنتي التي تسير في طوعي، لم تعودي تلك التي أثق أنها عيني التي لا تنام، لم تعودي تخافين على نفسك أو علينا، ألا تدركين أنكِ على وجه التحديد لا يجب أن تظهري لهم، هل أصبحت لا تبالي بما قد يحدث لكِ، هل تعلقك بذلك الشاب الغير مسؤول أففقدك عقلكِ "
قالت يهدين ببكاء
" حكم أنا ….
قاطعها قائلًا وقلبه قد دقت فيه طبول الحرب يرقص على أنغامها خوفه عليها
" لا تبرري فعلتكِ، اثني عشر رجلا …ماذا لو كان هناك أكثر، ماذا لو أنه رآكِ …ماذا لو تبعوكم إلى هنا، بربك هل نسيتِ ما مضى "
صرخت يهدين وقالت له
" لا حكم لم أنس، إذا نسيتم أنا لن أنسى ..ونعم كانوا اثني عشر رجلا وإن كانوا اثنى عشر ألفا سأقتلهم جميعًا سأرى الدماء التي لا أطيق رؤيتها تصفى من أجسادهم لأشعر بأرواحهم تغادر لعليّ حينها أنسى، لعلّي حينها أرى نفسي بشرًا وليس حيوان قد يقطع عنقه ويوضع في قدر، لعلي أستطيع التنفس وأنا لا أظن أن الدماء قادرة على إزهاق روحي وروح من أحب، لعلّي أعود طبيعية ….
قاطعها حكم يقول
" يهدين ليس عليك أخذنا لتلك النقطة "
قالت يهدين وهي تفرد ذراعيها
" تلك النقطة لي هي كل شيء حكم، فأنا لن أنسى أني كنت سأباع كوجبة لأحد أكلي لحوم البشر الذي يظن أن أمثالي من النادرين أكلهم سيمنحه الخلود، لم أنس أن جرحت وعلقت لكي يتصفى دمي وتنقطع أنفاسي ببطء أفضل من أن أقتل فلا أعد بالنسبة إليه كوجبة طازجة، أنا قتلت رجال غنام وسأقتل البقية وسأقتل السيد نفسه حين أعلم من هو وكيف مٌنِح السيادة ولمَ خطط لكل ما يدور الآن "
رفع حكم رأسه للأعلى يلجم غضبه ويقول
" يهدين توقفي "
قالت له
" لن أفعل فأنت لا تقدر أني ذهبت لإنقاذ شخص أحبه رغم كوني لا أدرك نهاية هذا الحب ولا أدرك كيف سيجمعني يومًا به مستقبل وحياة، أنت لا تشعر بي حكم …لا تفعل رغم أني أفعل وأفكر بك أكثر من ذاتي " بكت يهدين بقوة وركضت مبتعدة فنظر حكم لرشيد الذي كان يتابع يهدين بشرود وحين فطن لنظرات حكم اعتدل يقول بمرح
" الحمولة لم تنته "
طرق رشيد على النافذة لتترجل سيادة من السيارة وهي تحمل ماسة فيقول حكم بصدمة
" ماذا تفعلين هنا، هل أخذتِ ابنتكِ وهربتِ من المشفى " قالت سيادة بقهر شديد
" نعم فعلت يا حكم، وأنت حاليًا مطالب بتنفيذ جانبك من اتفاقنا، هوية جديدة وحياة جديدة لي ولها بعيدًا عن هنا " قال حكم وهو يفرك وجهه بعنف
" أنا سأفقد عقلي بسبب النساء " ثم نظر إلى سيادة وقال بحدة
" الوضع الآن تغير، والد الفتاة علم بوجودها، مؤيد الجوهري لن يتخلى عن طفلته، إنها الحياة تمنحك فرصة اقتنصيها سيادة فحياة الفرار لا تدوم "
قالت سيادة بقهر
" تمنحني فرصة بجوار رجل تخلى عني، رجل حتى وإن أخطأت لم يكن بداخله من الحب ما يجعله يغفر لي ويبقى عليّ، رجل لم يبحث عني لم يفقد عقله في غيابي بل بقي صامدا فلم تلمس أوداجه شعره بيضاء كأنه لا يتأثر لا بالحب ولا بالزمن، رجل له في قلبي ما لا يجوز بغيره لكنه أجاز لنفسه القسوة، بربك كيف تظن أني سأعود لرجل مثله "
قال حكم بانفعال
" لأنه والد ابنتك الذي خدعتيه سيادة، بربك لقد تزوج امرأة لا يعرف عنها شيء، كل ما يعرفه حكايات لا وجود لها، كيف تستنكرين ما فعله "
قالت له سيادة وهي تضم ماسة التي بدأت بالبكاء
" أنت لن تفهم، فالرجال لا تفهم، الرجال لا تشعر بما نشعر به أتدرك كمية القهر التي تملأ صدري لكوني أعلم أني هونت عليه رغم كوني لم أكن لأؤذيه وأخته رغم كل مشاكلها وحروبها لم تهن لقد كاد يموت حزنًا عليها، كاد أن يرحل دون أن أعلم هل بكى غيابي ولو لمرة أم لم يفعل "
تحركت سيادة تتبع يهدين فقال لها حكم الذي يشعر أنه على وشك الانفجار
" لا تجعليها ترى بقعة الدماء فوق رأسها لأنها ستصاب بالذعر، ساعديها في التخلص منها "
لم تلتفت له سيادة التي كانت تبكي ليعود حكم بعينيه لرشد ويقول بغضب
" أنت …
ليقاطعه رشيد وهو يقول
" الحمولة يا كبير مازالت لم تنته لكن اقترب أنت هذه المرة فالراكبة ليست باللياقة البدنية المطلوبة "
نظر حكم للسيارة مظلمة الزجاج وعيونه الآملة لم تشأ أن ترى بشر غيرها، أسرع حكم نحو السيارة وقد أدرك معنى حديث يهدين فانسحب رشيد نحو اسطبل الخيول ولم ينظر إلى الخلف أما حكم فوقف أمام باب السيارة ينظم أنفاسه قبل أن يفتحه فيراها جالسة يكاد لا يمنع جسدها من السقوط سوى حزام الأمان المشدود حولها بقوة شعرها الناري هائج في أمواج تتلاعب بثباته ووجهها الذي نقش على جدار قلبه ساكنًا ببهاء صافي لم تعكره المحن، كانت تنظر إليه بصمت وعيون ناعسة، كانت كل الاشياء الحلوى التي تمناها في عمره، كانت كل التفاصيل التي حرم منها حين تحتشد، كانت كأنها علمت بشوق يعقوب الذي يضج بأضلعه وأتت، كانت هشة تأخذ حيزًا صغيرًا من الكون ورغم ذلك تحتل كل قلبه، تجمد يتأملها وهو يصرخ بداخله …لقد اشتاق سمعي منكِ لفظا …. فتجيب هي بصوت ضاعت منه الحياة ودموعها بدأت تسيل
" لقد عدت "
تنفس حكم بعمق بالغ وهو يجيبها في صمته
" متى رحلتي وأنتِ تستقرين في عمق فاق القلب وفاقني" ثم تنهد بقوة كأنما قلبه في صدره يحارب وقال
" عدتي إلى حيث يجب أن تكوني شيراز "
أغمضت عينيها وقالت
" كان بيننا وعد "
حينها فقد زمام الأمور وقال
" ليس واحدًا، أنتِ وفيت بما نطقته الشفاة وأنا سأفي بما قالته العيون "
فتحت شيراز عينيها ببطء شديد جعله يرفع يديه إلى رأسه وهو يقول لأول مرة بصوت مسموع " تميت …تميت"
سألته شيراز بصوت خافت
" منْ؟ "
همّ بأن يجيبها ولكن باب المزرعة الذي فتح علي مصرعية قطع اللقاء ولجم المشاعر وكبل الاحاسيس وتركه ضائع.
༺༻
داخل المجمع السكني كانت سيارة علِيّ التي أعطاها لرائف تتوقف بحدة لينزل منها رائف ويركض تجاه منزل ليل وعيونه في حالة ذهول من الدمار الذي تراه، الشرطة كانت بكل مكان، سيارات الإسعاف تقف متجاورة والدخان المتصاعد على يمينه يخرج منه جثث حالتها جعلته يشيح بوجهه بعيدًا متألمًا من بشاعة المنظر، كان رائف كما التائه وسط الحشود التي توقفت خلف الحدود التي وضعتها الشرطة يشاهدون بفضول ما يحدث، حاول رائف العبور فقال له شرطي بغلظة
" ممنوع الدخول إلى مسرح الجريمة "
قال رائف بذهول
" جريمة ؟؟ أهذا حادث أم جريمة …هل من بالداخل بخير "
قال له الضابط
" تراجع فهذا ممنوع "
قال رائف
" ما الممنوع …هذا منزل ابن أخي …وهذا منزل ابن عمي، هل حدث لهم شيء "
التفت ليل الذي كان يتحدث مع ضابط آخر هو وبشر على صوت رائف ليقترب ليل وهو يقول للضابط
" افتح له الطريق من فضلك فهذا منزله "
نظر لهما الضابط بامتعاض وجعل رائف يمر ليبتعد ليل برائف قليلا ويقول
" ادخل لتطمئن على أصالة وأنا وبشر سننتهي من هذا وسنلحق بك، لأن علينا أن نتحدث "
قال رائف بذهول
" أنا لا أفهم شيء، ماذا حدث…ومن فعل كل هذا " ربت ليل على كتفه وقال
" سأخبرك لكن الان ابتعد عن هذا المكان، فلا أظن أنك مستعد ليحرر اسمك في محضر رسمي "
أدرك رائف ما يرمي إليه ليل وأسرع إلى المنزل واسم أصالة الذي ارتبط بالكارثة التي بالخارج قد أسقط قلبه بين قدميه، دخل رائف إلى المنزل فرأى فخر يجلس علي أريكة محني الرأس وبجواره سمراء وبالأريكة المقابلة تجلس أسمهان وأصالة التي تضم أدم لصدرها وتبكي بحرقة فاقترب يسألها بوجل
" ماذا حدث "
قفزت أصالة تقف لتركض نحوه بقوة كأنما قد أتى من تستطيع أن تخبره بما عانته، من تدرك أنه سيحميها وسيحرق الاخضر واليابس لأجلها، جاء الإنسان الوحيد الذي يهتم لأمرها، تمسكت أصالة بملابس رائف بقوة وهي تقول بانهيار
" لقد عادوا، لقد كانوا يريدون خطف آدم، كادوا أن يأخذوني ويأخذوه، أنا لست بأمان هنا، سيقتلوني كما كادوا أن يفعلوا من قبل "
قال لها رائف وحديثها الذي كان مختلطًا بالبكاء كان كنصل حاد انغرس في قلبه
" أصالة اهدئي، اهدئي وأخبريني ما حدث "
قالت أصالة وهي ترتجف وتلتصق به وتتمسك بملابسه أكثر وأكثر دون أن تبالي بمن حولها
" هؤلاء الذين خطفوك حين وصلنا أرض العزايزة، وجوههم البشعة لم أنساها جاءوا لاختطافي وآدم مجددًا، لقد كانوا على وشك فعل ذلك بالفعل، لقد نجونا منهم بأعجوبة، أنت تركتني وحدي هنا وغفلت عني، تركتني لهم دون حماية حتى سكيني لم يكن معي، لقد شعرت حين أمسكني ذلك الرجل أني لن أراك مجددًا، وسيحدث لي أشياء بشعة …بشعة وأنت لست جواري لتدافع عني، شعرت أني لم أعد أعني لك شيء لتترك كل ذلك يحدث لي "
رغم هول ما يقال كان وقع انتفاضة جسدها عليه أعظم، لمها رائف بذراعه كأقصى ما يستطيع فعله لكن قلبه كان له من الأفاعيل من أحرق صدره، كان يتخيل أن يصيبها مكروه فيغمض عينيه منحيًا الفكرة التي بدت كما السعير تتفشى في عقله وهو يقول
" أنا أسف …أنا أسف "
رفعت أصالة عينيها إليه وقالت " إن كنت تملك في تلك الحياة من تهتم لأمرهم وتغيب عني فأنا لا أملك سواك، فلمن تركتني "
زلزلته كلماتها فهز رأسه مختنقًا وهو يقول
" لا أحد أهم منكِ يا أصالة، لا أحد مطلقًا أهم منكِ ….أنا أسف"
هزت أصالة رأسها وقالت
" بلى تولين أهم مني "
قال رائف منكرًا وقلبه يتخبط في صدره لوعة
" لا أصالة …لا أحد أهم منكِ ، أنت قدري …ووطني …وسكني …ورحلتي التي تخبطت قبل أن أبدأها …لذلك لا تقارني نفسك بأحد مطلقًا، وامسحي دموعك هذه "
مسح رائف وجه أصالة بيديه كأنما العالم من حولهما اختفى وعادا إلى تلك الصحراء ونظر لها بخوف شديد يسألها
" أأنتِ بخير؟ "
قالت له بهدوء
" أصبحت ألان كذلك "
شعرت سمراء أن وتيرة المشاعر تتصاعد لذلك وقفت تقطع همسهما وهي تقول لرائف " لقد كنت أحاول تهدئتها منذ ساعات، وحين أتيت بكلمة واحدة ذهب كل شيء، سبحان الله "
تنحنح رائف بحرج والتفت إلى سمراء يقول مبررًا
" لقد تعرضت أصالة للكثير لذلك أعصابها لم تعد تحتمل
" نظرت سمراء لأصالة التي بدأت في تعديل حجابها بيدها الحرة ثم عادت لتتمسك به وقالت
" واضح …واضح، تفضل لا تقف هكذا "
وقفت أسمهان تقول بتعب
" سأصنع قهوة، هل يريد أحدكم بعض القهوة "
قالت سمراء
" اصنعي للجميع حتى رائف لا أظنه سيمانع "
نظرت أسمهان لرائف وقالت
" هل تحب قهوة معينة "
هم ّرائف بأن يجيبها لكن أصالة سبقته تقول
" هو سيأكل لقد حضرت له عدت أصناف وتسخينها لن يأخذ دقائق "
احمر وجه رائف وهمس لها
" أكل ماذا الآن "
قالت أصالة ببكاء
" أكل صنعته لأجلك وانتظرتك أن تأتي ولكنك لم تأتِ، ألم تشتاق إليّ "
نظر لها رائف وقال
" أنا لا أشتاق لبشر سواكِ أصالة " قالت أصاله له ببكاء
" وأنا أحبك ولا أريد البقاء في مكان لست فيه، خذني معك رائف لا تتركني هنا، أنا لست بخير بعيدًا عنك، أستيقظ صباحًا لأفكر فيك وانتظرك فيمر نهاري ويأتي الليل لأسهره شوقًا إليك، بربك لمَ قد أعيش ذلك وأنت تستطيع أن تبقيني جوارك"
قال لها رائف
" نحن تحدثنا في هذا من قبل يا أصالة وقلت لكِ أني لن أتزوجك بتلك الطريقة "
بكت أصالة وقالت
" كيف سنتزوج إذًا، كيف رائف"
السؤال كان صعبا لدرجة جعلته على وشك أن يهادنها كما العادة لكن دخول ليل وبشر جعله ينظر إليهما بتوتر بالغ، كان يخشى أن يعود في علاقته معهم إلي نقطة الصفر لذلك قال
" بشر أنا أسف على ما حدث، أنا لا أفهم كيف وصلوا لمكان أصالة لكن يبدو أنني السبب، من البداية أنا لم يكن عليّ التواجد بينكم "
قال له بشر وهو يجلس على الأريكة بتعب
" هذا الحديث رائف لندعه للغرب نحن الآن عائلة ومصابنا واحد "
نظر ليل لبشر وسأله
" أنت محق لكن ماذا سنفعل الآن "
أجابه بشر بعيون تضيق بتفكير " سنعمل على إيجاد حل لهذا الجنون بأسرع وقت لكن بعدما نؤمن أنفسنا "
تحرك ليل ليجلس مقابلا له وهو يقول
" وكيف سنفعل ذلك "
قال له بشر دعني أفكر في الأمر من عدة جوانب وسأبلغك"
قال رائف الذي تخونه الكلمات من شدة التوتر
" أنت لست مضطرًا للتورط بشر ف…
قاطعه بشر يقول
" بلى رائف أنا مضطر لأني لست على استعداد لإلقائك في النيران للنجاة بنا "
كلماته المصرة أشعرت رائف بسكينة لا تناسب الموقف فسأله " أتقصد أننا سنلجأ لكبير العزايزه"
نظر له بشر وقال
" سنفعل ولكن لنجعل هذه آخر بطاقة لدينا، فاللعبة بدأت للتو".
༺༻
ولأني أحبك أريدك محتلة بمشاعرك إلي، أريدك أن تعتنقي سرمدية العشق المدفون في جسدي، يا ظلي الذي زاغ مني في فيالق ظلمتي يا عدوي اللدود ويا عشقي الأبدي، لو أن لدي ألف قلب ينبض بالحب فكلها تهواكي لكنك تأبين إلا أن تذيقها من نبيذ الذل والكمد، ولو أني لا أملك اليوم معك فسأحرق مداك لأملك معك الدهر وما يحوي دون حساب أو عدد، فأنا من مت كثيرًا بك في سبيل أن أعيش معك ومن عقدت عشقك رغم الغياب حول عنقي كحبل من مسد، وأنا الذي أحبك أجلا طويلًا فما وجد منك سوى سيف النبذ البتار يعبره كما الغمد، يا إمرأة تأسرني في فلكها كما لو أنها ثقب أسود كجحافل جموحي العاتية في الرجال لن تجدي، فأنا لأجلك سأكون جبار ممتلأ بمشاعر يختلط بها جنون اللحظة بالحقد، وأنا سيدتي من سيغرس سلطته في شريانك علي أستعيد حينها ذاتي ورشدي، يا إمرأة تتقن فن التمرد أنتِ لست أضعف من أن تعدي …من أن تمنحيني كلمة سيدتي تنغرس في أرض مخاوفي كما الوتد، كلمة إما أن تحيي في صدري ركام ما مضى وإما أن تريق الدماء على جوانبنا مرارا إن كنت ضدي.
༺༻
حين تشعر بالوحشة داخل ذاتك فعليك أن تدرك أنك لست بكامل حضورك فهناك شخص أخذ منك الكثير ورحل.
السيارات كانت تنهب الطريق نهبا كأنها على عجلة من أمرها أكثر من الجالسين داخلها، الشمس كانت حارقة كما لو أن أشعتها ألسنة من نيران، والرمال بدت على مد البصر تخفي خلفها عالم مقفر لا حياة فيه، الطرق بدت كأنها تشبه بعضها، والتفاصيل تكرر وتعاد دون توقف داخل أعين فيلو الذي كان النعاس يزحف إلى وعيه، أغلق فيلو عينيه مستسلمًا لسلطان النوم لكنه شعر بثقل شديد يتمكن منه ويكبله، ثقل مخيف أطبق عليه من حيث لا يعلم، فتح فيلو عينيه ينظر إلى حرب الذي يتحدث مع سلام وهو يصرخ بصوت مكتوم أن يساعدوه لكن صوته بدا كأنه لا يعبر حنجرته، حاول فيلو أن يتحرك لكنه بدا كأن لا أحد يشعر به، التفت سلام ونظر إليه ثم عاد ليكمل حديثه مع حرب دون أن يتفاجيء من توسع عينيه وحركة فمه الصارخة، جاهد فيلو ليتذكر الآيات القليلة التي علمته إياها بتول لكن عقله لم يسعفه ونظر من النافذة فوجد الشمس يخفت نورها لتصير السماء ضبابية والأجواء موحشة باردة، عاد فيلو بعينيه نحو حرب وهمّ بأن يناديه ليرتفع من حوله صوت صراخ مفزع لبتول، صوت صراخها جعله يحارب أكثر لكي يتخلص من ذلك الثقل ليشهق فيلو بفزع حتى وجد وجهًا مظلمًا ظهر من العدم ينظر إلى وجهه بابتسامة مفزعة فهمّ بالصراخ مجددًا ليرفع ذلك الشيء أظافرة ويجرح صدره بعنف فيشهق فيلو وهو ينتفض معتدلًا يتنفس بعنف شديد ثم نظر لحرب خلال المرآة وقال
" أسرع فبتول ليست بخير " نظر حرب لابن عمه بعدم رضا كما العادة وضغط مكابح السيارة لينطلق بسرعة جنونية جعلت سلام يربط حزام وهو يقول
" لمَ العجلة ..نحن هكذا سنموت"
نظر فيلو من النافذة ليتفاجيء بالليل الذي حل من حوله فتنفس بعمق وهو يرفع كفه ليتحسس وغزة الألم في صدره ثم نظر إلى أصابعه ليصدم بقطرات الدم التي تؤكد له أن ما رآه لا يعد حلمًا.
༺༻
بعد قليل توقفت سيارات فيلو أمام منزل غازي العتيق لتستنفر الرجال يشهرون أسلحتهم وقد لاح الاستغراب على وجوههم من الموكب الذي يقترب وعلى رأسهم موسى ويونس، نظر موسى لأخيه وقال
" من هؤلاء "
قال له يونس
" لا أعرف لكن لا أظن أن أخاك ينتظر أحد "
قال موسى بعصبيه
" مؤكد مصيبة جديدة بسبب تلك الفتاة فلم يعد لدينا سوى هذا"
قال له يونس
" هذه المرة لا أظن الأمر كذلك "
توقفت السيارات بعنف ليقفز فيلو من إحداها فيسرع موسى نحوه وهو يقول بصدمة
" شيخ طميم، ماذا تفعل هنا " صرخ به فيلو وقال
" أين النورانية …إنها تناديني، إحضرها أمامي الآن أو إنس أمر تلك المقبرة للأبد.
༺༻

في نفس الوقت داخل المشفى كان بشر يسير نحو جناح الفتيات، ويطرق الباب ثم يلج ليجدهن جميعًا جالسات وعلى وجوههن لاح تساؤل نطقته تولين التي قالت بخوف
" بشر، ماذا يحدث"
اقترب بشر منها وانحنى يقبل رأسها ثم اعتدل و نظر للجالسات أمامه وقال
" ما يحدث أن لديكن طائرة " نظرت له سارة بعدم فهم وقالت " لدى من تحديدا منا طائرة " قال بشر
" لدى الجميع، جميعكن مغادرات وعلينا الخروج بهدوء لأن لا أحد يعلم عن ذلك الأمر شيء ".
༺༻
انتهى الفصل الثالث والعشرون
قراءة ممتعة للجميع ❤️❤️


شهيره محمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:15 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.