آخر 10 مشاركات
409 - غدا لن ننسى - تريزا ساوثويك (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          رواية قصاصٌ وخلاص (الكاتـب : اسما زايد - )           »          أنتَ جحيمي (82) للكاتبة المُبدعة: Just Faith *مميزة & مكتملة رابط معدل* (الكاتـب : Andalus - )           »          من يقنع الظلال ؟ أنك فـ أهدابي.*مكتملة* (الكاتـب : عمر الغياب - )           »          الصقر (50) The Falcon للكاتب اسمر كحيل *كاملة* (الكاتـب : اسمر كحيل - )           »          لاجئ في سمائها... (الكاتـب : ألحان الربيع - )           »          مذكرات مقاتلة شرسة -[فصحى ] الكاتبة //إيمان حسن-مكتملة* (الكاتـب : Just Faith - )           »          يبقى الحب ...... قصة سعودية رومانسيه واقعية .. مميزة مكتملة (الكاتـب : غيوض 2008 - )           »          حب في عتمة الأكــــــاذيب " مميزة و مكتملة " (الكاتـب : Jάωђάrά49 - )           »          رواية كنتِ أنتِ.. وأنتِ لما تكوني أنتِ ما هو عادي *مكتملة* (الكاتـب : غِيْــمّ ~ - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree129Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-10-22, 10:19 PM   #31

چورية

? العضوٌ??? » 505085
?  التسِجيلٌ » Jul 2022
? مشَارَ?اتْي » 40
?  نُقآطِيْ » چورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond repute
افتراضي


الفصل الرابع عشر
جلس أبو عمران بعباءته التي تزيده هيبة فوق كتفيه بجانب هيبته المكتسبة ككبير عائلة الباشا والذي يتصرف على أساسها حتى وإن كان خارج بلدتهم ومن إحدى جانبيه جلست تقى تتحدث إليه، وبجانبها إيمان ساهمة في كآبة تسيطر عليها وفريد يجلس ويراقبها ويحلل شرودها الحزين، بينما من الجانب الآخر لأبي عمران تجلس زهيرة في أبهى حلة لها حتى وإن لم يتغير اللون الأسود والعباءة التي لا تتخلى عنها، العباءة السمراء وحجابها كذلك لم تزد عليهم غير أنها كحلت عينيها كأمهات أهل الجنوب عادةً، فرحتها وحماسها لرؤية ابنتها تتسلم "درع تخرجها" كحماس طفلة صغيرة لارتداء ملابس العيد الجديدة، حماس طفلة... وفرحة أم... سعادة قلبها لا توازيها سعادة فصغيرتها انهت سنين دراستها والآن في عصمت رجل وليس أي رجل إنه حازم ابنها الذي عرفته صغيرًا وتربى بين أبناءها وكم كانت أمه تحبه وتبغى دلاله لكنها لم تعص أبدًا كلمة زوجها كما حال نساءهم جميعًا، لكنها كانت تزيد عن النسوة أكثر في طاعة زوجها لشدة حبها له وتعلقها به، وخوفها الدائم بأن يتركها ويتزوج من المرأة التي كان يحبها قبلا... آه أبناؤها يعيشون سعادتهم أخيرًا، نعم هناك في أعمق قلوبهم يعيش الماضي... لكنهم يمضوا قدمًا نحو الفرح، فها هي تسبيح ستزف قريبًا لحازم... وإيمان خطبت لرجل خير وعلى خلق... طويل وسيم... وطبيب أيضًا، ضحكت داخلها على حمق خاطرها الأخير... وفريد رأى طريقه نحو تقى تبقى فقط مفاتحته لعمه وخطبتها، ومروان... لقد قالت غرام أنهما في سعادة الآن لكن تشعر بالكذب حيال كلامها بسبب ما تشعره في نبرة ابنها عندما تحادثه على الهاتف.
نداء في مكبر الصوت باسم تسبيح انتبه له ستة رؤوس من بينهم حازم الذي كان يحتل المقعد بجانب زهيرة من الناحية الأخرى؛ حيث توهجت عيناه وهو يراها تصعد إلى منصة التكريم بزي التخرج الشهير بلون الأسود مع لون مضوي، التقطت لها الصورة ونزلت تجري إلى حضن والدها الذي استقبلها فاتحًا ذراعيه كوطن يتلقاها بعد طول اغتراب، تعلقت بعنق والدها طويلًا حتى ابعدها بعد أن شعر بارتعاشها باكية قاطبًا يسألها:
-لما البكاء الآن؟!
-إنه بكاء الانتصار يا أبي، أنا انتصرت ونجحت.
قالتها صارخة ثم القت بنفسها بحضن أمها، وزُهيرة كانت مرحبة كالأرض التي أهلكها الظمأ فلم ترتوِ بعد كل سعادة تكلل أبناءها ولن يشفى قلبها إلا أن ترى كل أولادها في بيوتٍ مستقرة.
خرجت تسبيح أخيرًا من حضن أمها، ونظرت لحازم تضم قبضتها وترفعها وتنزلها بصياح:
-نعم... لقد فعلتها أخيرًا.
فتح ذراعيه وقال ضاحكًا يمازحها:
-أكملِ صف الاحتضان ولا تكيلين بمكيالين.
-الكيل بمكيالين في هذه المواقف قمت الإيمان.
ضحك الجميع بينما ابتسم والدها وهو يقول:
-هذه ابنة أبيها، لن تقدر عليها أبدًا.
ابتسمت تسبيح ولمعت عيناها حتى ظهر البريق الأسود فيهما، وعادت لحضن أبيها تتوق خصره هامسة بتأثر:
-لا حرمني الله منك.
فضمها أبوها بقوة حانية، ولمعت عيناه بطبقة رقيقة من الدمع، سيطر عليها بإرادة حديدية، بينما قال فريد:
-ألن يكون لنا نصيب من المباركة.
حررها والدها بعد أن أتاه فرج التخلي عن مشاعره التي تصيبه بضعف التأثر، بينما تسبيح استدارت له وضمت قبضتها كما فعل فريد ويضربا قبضتيهما وهو يقول:
-مبارك يا سليلة الباشا، وزوجة الباشا.
ضحكت تسبيح بملء فمها حتى رجع رأسها للخلف لترفع يدها تسيطر على طاقية طاقم التخرج من الوقوع أرضًا، وقالت وهي تشكل علامة النصر:
-لأنه سليل الباشا أيضًا.
اقتربت تقى تضمها وهي تهنئها:
-مبارك يا تسبيح، مليون مبارك يا بنت، هيا إلى سوق العمل للأمام در!
شدت تسبيح من ضمها وقالت ضاحكة:
-لا أريد العمل، أريد أن أكون سيدة منزلي.
ضحكت تقى وهي تضرب كتفها:
-طوال عمرك لا تريدين الشقاء.
اتبعت إيمان تقى بعدما انتهت من مباركتها، وظل الاحتفال وبدأت الأغاني الراقصة بالنجاح.
༺༻
وقفت غرام أمام الدار بعد أن ترجلت من سيارة الأجرة التي طلبتها بعد خروج مروان، تنظر إلى نافذة مكتب ابنة عمها قرابة النص ساعة حتى ظهرت الأخيرة وهي تتحدث في الهاتف وتبدو منفعلة قليلًا، رأتها وهي تغلق الهاتف وتنظر للسماء الشاسعة فوقها في عادة تكون في مزاج قمة في التوتر والحماس في آن واحد.
أنزلت رهف نظرها للبقعة التي تقف فيها غرام وكانت تمني نفسها بوجود آخر أكثر طولًا وعرضًا شعره كثيف واسمه تيم!... نفضت رأسها وهي تنهر نفسها على تفكيرها به، وانحنت عيناها حزنًا على وقفة ابنة عمها هكذا، لا تعلم كيف تعقلت وهي تفكر بأن غرام ليس لديها ذنب، فهي ثاني ضحية للجدة ميسون التي لا تفرق بين الأشخاص إن كان الأمر يخصها من قريب أو بعيد، لذلك رفعت الهاتف وهي تتصل بها وعيونهما لا تزالان متصلتان.
نظرت غرام داخل حقيبتها وهي تكذب حدسها أن رهف تتصل بها هي، فبعدما أخرجت الهاتف تأكدت من صدق حدسها وهي ترى تزييل الشاشة باسم ابنة عمها، رفعت عينيها عن الهاتف تنظر إليها فرفعت رهف الهاتف في يدها تسألها الرد، ففتحت الخط ورفعت الهاتف ببطء إلى أذنيها وهمست:
-مرحبًا.
سمعت رهف همستها المهزوزة وقالت:
-اصعدي يا غرام، اصعدي يا ابنة عمي... يا سندي الذي مال.
رأتها وهي تنزل رأسها وتكتم نهنهت بكاءها بكفها، فصرخت فاقدة أعصابها:
-اصعدي وابكِ هنا لن أمنعكِ.
رفعت غرام عينيها فصرخت هي الأخرى لكن صوتها الكرواني أصبح شاذًا شديد الرفع يصيب بمسمار خارق لغشاء الأذن فأبعدت رهف الهاتف قليلًا وهي تستمع لصراخها:
-لقد خشيت عليكِ من الحزن وحدكِ، فصبرت على أن أعود من البلدة...
قاطعتها رهف بسأم:
-هل ستشرحين موقفك في الهاتف، اصعدي أو غادري.
ثم أغلقت الهاتف ودخلت وهي تحكم اغلاق النافذة، فنظرت غرام حولها بغباء ثم نهبت الأرض بعصبية إلى بوابة الدار ومنها إلى مكتب رهف بعد أن ألقت التحية على الحارس.
༺༻
بعد خروجه من مبنى القوات منهزمًا يرسل رسالة بصوته:
"أين أنت يا ملاذ؟! أخبريني ماذا فعلتِ؟! لا تدعيني أموت رعبًا مع كل دقيقة تمر هكذا."
ثم سجل واحدة أخرى:
"لا تهجريني هكذا، فلا رغبة لدي في الحياة إن لم تكوني مذاقها"
رسالة تلو الأخرى، وكل واحدة تزيده حسرة و... يأس بعدم وصول كل رسائله لها، صعد لسيارته ولا يعلم إلى أي جهة سيجول.
أما عن عصمت فكان يحتل مقعده بانهزام وقد أرسل للعميد شريف بتجميع الضباط الثلاثة عدى أنس.
وعندما وصل تيم ومروان، أخبره هذا الأخير أن حازم مع زوجته في حفل تخرجها، فابتسم عصمت وطلب من شريف:
-سيادة العميد هناك ملف عند الضابط "***"، اذهب وآتي به بنفسك ولا تأتي بدونه، فقط أخبره أني في حاجة لملف الشبكة التي نعمل على التوقيع بها.
بعد أن خرج شريف انتظر عصمت قليلًا حتى رن هاتفه بتنبه، فسألهم:
-هل دخلتم الشقة بعد خروج ملاذ مباشرةً؟!
قال تيم:
-تم تجنيد واحدة من الزميلات ودخلت المنزل على أنها سيدة لتنظيف المنزل ووجدت أن ملاذ قد كتبت بأصابع حمرة الشفاه على المرآة أنها تركت ورقة بداخل صندوق ذكريات طفولتها في شقتها القديمة، وقامت بمسح الكلمات.
تنهد عصمت وهو يقول:
-اعذروني يا شباب أعلم إني انغص عليكم حياتكم.
رد مروان بدفاعية وقوة:
-نحن نحمي أرضنا وأبناءها والسيدة ملاذ تنتمي لهذه الأرض.
بينما كان رد تيم:
-هذا ثأري فملاذ زوجة أخي وابنة من اعتبره أبي، فإن لم أكلف بهذا المهمة كنت سأتحرك بعيدًا عن الفرقة المكلفة بذلك.
ابتسم اللواء فخرًا بهم وباختياره لهم الصحيح والذي في محله، وقال مباشرةً:
-لم تصلني أخبار عن ملاذ حتى الآن، والرجل المزروع داخل تنظيمهم ما يزال تحت اختباراتهم، ولم يستلم الرسالة بعد ليوصلها لملاذ، وملاذ وصلت للبلد لكن لا نعرف عنها شيء بعد.
-هل سنظل نخبأ عن أنس هكذا؟!
كان هذا سؤال تيم فأجابه عصمت:
-يجب أن يظل هكذا... كل تحركاته مراقبة... ولن اريحه قبل أن اطمئن على ابنتي، كيف لا يضعها تحت المراقبة وهو يحيى في شقة تقبع جانب شقة مجرمة دولية كهذه، بل يفصل شقتهم عن شقتها جدار، دعه يهيم على وجهه... حتى ييأس ويصل لهم يأسه.
༺༻
بعد انتهاء الحفل قرروا جميعًا تناول الغذاء في أحد المطاعم، ليستأذن حازم عمه بأن يأخذ تسبيح في رحلة قصيرة بعد تناول الطعام ويعود بها من جديد.
وبعد ذهابهما ذهب أبو عمران للحمام، فلم يتبق على الطاولة غير زهيرة وتقى وإيمان والطفلين ماجد وسيف، فقالت زهيرة باستياء لفريد وتقى:
-وأنتما يا زوج الخيل ألم تفرحونا أيضًا بخبر خطبة لتتم سعادتي؟!
ذعرت إيمان وجحظت عيناها بخوف، وهي تستقيم مستندة لقائم مقعدها الخلفي، ووزعت نظرتها بين فريد وتقى باهتزاز في حدقتها وفي نفسها تصرخ عبارة واحدة:
"لا تفعلي يا زهيرة"
أما عن تقى فثبتت نظرتها على كفيها اللاتين مستندتين على الطاولة أمامها بحرجٍ بالغ لا تعرف كيف التصرف، هي لم تنس كلماته في تقريعه لها خفية، لم يُشفَ جرحها مما فعله وقاله أمس أو صباح اليوم، كانت نعم هذه غايتها ألا يفكر في ارتباطهما مطلقًا مرة أخرى، لكن لا تريده أن يكرهها أن يتلذذ بآلامها هكذا، إنها تتألم من كونها ترفضه من الأساس وأن تجعله يهيأ له أنها ذات خلق فاسدة، لكن لا تريده يكرهها فهذا ألم آخر أكثر قسوةً وحدةً على نفسها.
فالقلب يهوى ويخشى على من هواه
ويحدث بأن يفترق عنه ليحميه من زجاج يدمِيه
لكن يرفض في الفرقة كرهه وقسوة عذابه
وما زاد عذاب وآلام قلبها النزاف هو وقوف فريد وهو يقول:
-سأذهب إلى الحمام أنا أيضًا.
لم يخف على زهيرة ما يحدث من انفعال بين الثلاثة، كما لم يخف عليها فر الدمعة الوحيدة من إحدى مقلتي تقى والتي سارعت بمسحها بكفها، كل هذا قبض قلبها على اليتيمة التي كانت لا تعرف للحزنِ طريق، لقد كبرو أطفال أمس وأصبحوا لا يعرفون غير طريق الهموم المرصع بالأشواك... ونجحت الحياة في رسم طريقهم بالكثير من العثرات حتى شعروا أن النهوض مستحيلًا.
༺༻
تنهدت رهف بعد استماعها لما حدث مع غرام وكيف واجهت الجدة، فقالت:
-لم يكن من الداعي أن تأجلين اخباري، فأنا لست بهذا الضعف الذي تتحدثين عنه.
-لكني كنت أريد أنا أكون بجانبكِ في كل ما مررتِ به.
-ولقد وقع ما كنت لا تطيقين وحدث ما هو أفظع من ذلك وكانت القطيعة بيننا.
قالت غرام بغضب:
-هذا بسبب نجوى التي لم تطيق صبرًا بضع أيام قليلة اضافية لما صبرته من قبل سنوات.
قلبت رهف عينيها وهي تبصق كلماتها:
-لا تلقين أخطاءكِ على الغير كما تفعلين طوال عمركِ.
حاولت الرد لتقاطعها رهف بسؤالها:
-ما أخباركِ مع مروان؟! هل ذهبتما لطبيب كما اتفقنا قبل سفركما؟!
-وهل دبرتِ أنت الأمر كما وعدتني؟!
رفعت رهف حاجبًا شريرًا وهي تسألها:
-ماذا تقصدين؟؟؟ هل لا زال الوضع بينكما كما هو عليه؟!
أنزلت غرام عينين خجلتين وهي تحرك رأسها بالنفي وتقول:
-لا، لكن لم نذهب لطبيب الوضع كان يستدعي خوفي على ضياع مروان من بين يداي.
ضيقت الأخرى عينيها تسأل بعدم فهم:
-لما؟! ماذا حدث جعلكِ تتخلصين من عقدة الذنب التي ليست لها أساس من الصحة.
-مروان كان يخطب قبلي إحدى بنات عمومته.
-و...
زفرت وهي تلوح بيدها قائلة:
-كانت لا تزال لديها أمل، ولا مشكلة لديها بأن تكون الزوجة الثانية... تخيلي لقد كانت العائلة كلها تنتظر من مروان أن يتزوجها بعد اتمام زواجنا، آه لا تعرفي كيف شعرت عندما عرفت بذلك، وأنا أتركه يسافر وحده لتلك "صوت الحمام" هذه...
سألت رهف بغباء:
-من تلك؟! ماذا؟! لا أفهم.
شرحت غرام بهدوء وكأن ما قالته طبيعي:
-ابنة عمه اسمها هديل.
ظلت رهف تنظر لها تستوعب ما تقوله ثم انفجرت ضاحكة وسألت من بين ضحكاتها:
-هل لأن اسمها هديل اطلقتِ عليها صفة اسمها؟! إن الغيرة قاتلة بالفعل حقًا.
قلبت غرام عينيها ولم ترد بينما دخلت مديرة مكتب رهف بعدما دق الباب تخبرها:
-السيدة نجوى في الخارج وتطلب الدخول يا دكتورة.
نظرت غرام لرهف وتلك الأخيرة ترد:
-انتظري قليلًا ثم ادخليها.
خرجت المديرة بينما وقفت رهف رهبة وهي تقول بتوتر:
-لا تتركيني يا غرام، أنا جهزت نفسي لتلك المواجهة كثيرًا لكني خائفة، أشعر وكأنني طالبة تدخل امتحان لم تذاكر له قط.
وقفت غرام تهدئها بهمس:
-أنا معكِ، لا تقلقِ.
في هذا التوقيت سمعتا صوت دقة الباب ودخلت نجوى بعد أن فتحت لها مديرة المكتب وأغلقت الباب خلفها، لتقترب نجوى من مجلس الفتاتين، فرحبت بها غرام تشير على الأريكة بعد أن لم تبادر أي منهما بالسلام:
-مرحبًا بكِ، تفضلي.
ظلت نجوى واقفة تنظر لرهف التي امتدت يدها للسلام فاستقبلت نجوى يدها بلهفة وظهرت اللهفة أكثر في صوتها وهي تهمس:
-أريد أن احتضنك.
سحبت رهف كفها سريعًا، فهمست غرام بحرج:
-ما رأيك أن نأجل ذلك فيما بعد يا نجوى، قد يكون الوضع مربك الآن قليلًا... لكن مع مرور الوقت ومد أواصر الصلة من جديد سيكون هذا أقل خفة على النفس.
أنزلت نجوى رأسها وهي تهمس بضعف حزين:
-حسنًا، لا داعِ للحرج.
فهمست غرام من جديد:
-تفضلي بالجلوس.
༺༻
كانا يسيران على الشاطئ متجاورين وكفوفهما متعانقة، هي تحيا حلم المراهقة بأن تكون في نزهة على الشاطئ مع رفيق اختاره قلبها، وهو يمني نفسه باقتراب اللقاء باجتماعه مع هديته التي صبر في الحصول عليها كثيرًا.
تحدثت تسبيح وهي تضحك هزأة تفقع فقاعة صمت الأفواه بينما القلوب مشتعلة كدوي سريع الايقاع:
-تخيل أن تلتقط لنا صورة وأنا بهذا الفستان المرصع على شاطئ البحر، سأكون أضحوكة الجميع.
ابتسم أمام سحر عينيها شديدتين البريق، وسأل مستفهمًا:
-لما ستكونين مثيرة للضحك هكذا؟!
-نحن الإثنان سنكون مثار لسخرية وليس الضحك فقط، أنت ببذلتك الرسمية في أناقتها حتى وإن كانت دون رابطة عنق...
أرسلت له نظرة استياء وأكملت:
-وأنا بهذا الفستان نسير على شاطئ البحر في يوم مشمس للتنزه... وكأننا في زفاف، هل تنتظر غير السخرية؟!
قطب حاجبيه وهو يقرص أنفها بين إصبعيه السبابة والوسطى قائلًا:
-لا دخل لكِ بملابسي قط، لا رابطة عنق أو غيرها أما عن السخرية، فلا تعيريهم انتباهكِ المهم أننا سعداء.
تذمرت وهي تقف مبتعدة تلوح بيدها:
-وماذا عن مظهري الأنيق، واتباعي لأحدث صيحات الملابس.
-يمكنهم أن يحدثوا ويبدعوا من ملابسهم أكثر، لكن لن يكونن بروعة وجمال مظهركِ... فبعد تحليل عميق اكتشفت بعده أنك أنتِ من تضفي على ملابسكِ الرونق وليس العكس.
ابتسمت واحدة من أروع بسماتها فأذهبت عقله بحلاوة خطفت قلبه، وقالت بحروف خجلة كما خجل خديها:
-حسنًا لقد ربحت في اقناعي.
-بماذا؟!
-بأن إن التقطت لنا صورة سأكون جميلة في كل الأحوال.
ضحك وهو يقول بسخريةً:
-من سيصورنا من الأساس؟!، هل أنتِ من عارضات الأزياء؟!، بالله عليك يا تسبيح.
قفزت في مكانها ووقفت تمد كفها مفرودة أمامه طالبة:
-اعطني هاتفك.
هز رأسه في نفي هزئًا، وقال:
-أنتِ مجنونة.
-نعم هل تتعرف على جنوني الآن، اعطني هاتفك.
مرة أخرى هز رأسه وهو يخرج هاتفه من جيب سترته الداخلي واعطاه لها لتفتح الكاميرا الأمامية وتأخذ وضع التصوير وقالت:
-هيا تعال خلفي لنلتقط ثاني صورنا معًا بعدما كبرنا.
ضيق عينيه وهو يسأل:
-ثاني صورنا؟!
-أول، خرجت بالخطأ ثاني.
استدار ليقف خلفها واضعًا كفوف يده داخل جيب بنطاله، لتقلب عينيها وهي تقول:
-قليلًا من التواضع رجاءً.
-أن كنتِ تودين التقاط الصورة فافعلي قبل أن أتراجع.
استدارت تغمغم بكلمات لم يفهم منها غير "مستفز"، لكنه اكتفى بضرب رأسها من الخلف، فكظمت غيظها ولم تستدر له بل رفعت الهاتف مجددًا قائلة:
-ابتسم فقط على الأقل.
فقال بعنجهية متمسك بتقطيب جبينه:
-اسرعي.
التقطت الصورة وهي تضحك كالبلهاء وهو يقطب جبينه وظهرت الصورة وكأنها انتصرت عليه في لعبة الورق!
فقالت وهي تغيظه وتثير غضبه كما فعل معها وتذكره بصورتهما الأولى:
-هذه ثاني صورة لنا بالفعل، فالأولى كانت يوم اعترافك لي بالحب.
فهمس ببرود أغاظها:
-أعلم، وقد تركتك تنفذي وأنت تصدقين أنكِ خدعتني.
-أنت المخادع.
-كلانا حبيبتي، هيا بنا لنعود.
خفق قلبها بشدة للفظ التودد الذي ناداها به، لكنه على ما يبدو كان غير مقصود فكما خفق بشدة تفتت كالشظايا من عدم قصده، فهو لم يتودد لها غير بجملة واحدة تشعر بها سخريةً أكثر من تودد "سيدة الحسن والدلال" كما أنها كانت تخشاه إذ ناداها به، تنهدت وهي تسير له وتضع كفها في يده الممدودة فغاصت عميقًا في كفه الكبير.
بعد قليل أوقف حازم السيارة أمام المطعم الذي كانوا يأكلون به، قالت تسبيح سريعًا قبل أن يترجل من كرسيه:
-انتظر.
-ماذا حدث؟!
لم ترد بل رآها وهي تفتح حقيبتها وتخرج قلم حمرة شفاه فارتفع حاجباه وهو يسأل بهدوء يسبق العاصفة:
-ماذا تحسبين نفسك فاعلة بينما الرائح والغادي ينظر إليكِ؟!
نظرت له باستفزاز وأدارت وجهها ببرود نحو القلم تفتحه وغمست الفرشاة بالسائل ثم رفعت الفرشاة فامسك بكفها وهو يحذرها:
-تسبيح! لا تستفزيني أكثر من ذلك.
وقتها قالت وهي تقلب عينيها:
-أنا لا أصلح زينة وجهي في الشارع يا حازم، كما أني لا أضع هذا اللون مطلقًا للونه الصارخ أنا اشتريته لأفعل معك مثلما فعلت فتاة ما مع خطيبها في فيديو منتشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
نظر لها وقد تراجع غضبه وتجهمه قائلًا بشقاوة:
-ماذا فعلت؟!
نظرت له ببرود مكتئب وأعطت انتباهها لما تفعله على يدها، وعندما انتهت ظل تعبيرها كما هو، وهو يرى أنها رسمت نصف قلب تحت ابهامها، واغلقت القلم سريعًا ثم طبعت نصف القلب تحت ابهامه هو، ومن سرعتها خرج مشوه قليلًا، فقامت بضبطه بالفرشاة ذاتها وهي لا تزال عابسة الوجه، فأمسكت بكفه وقربته من كفها وعدلت من زاويتي كفيهما فأصبح كل منهما يحمل نصفًا من قلب الآخر وهذا ما شرحته وهي متجهمة، وأردفت بنفس تعابيرها:
-دعني أصور كفينا.
اخرجت هاتفها وصورتهما وبعد التقاط الصورة دق أحدهما على زجاج نافذة حازم لينتفضا الاثنين ليجدا والد تسبيح واقفًا شامخًا متجهمًا، ليفتح حازم بابه وينزل سريعًا قائلًا:
-مرحبًا يا عمي كنا سندخل الآن.
لم يعقب عمه بشيء بل رفع عصاه الغليظ عن الأرض رفع كف حازم ذا النصف قلب وقال:
-ما هذا يا حازم؟!
تحرج وأخفى يداه خلف ظهره بينما تطوعت تسبيح شارحة:
-كنا نقلد الخطابين يا أبي، ألا تريدنا سعداء.
قال بخشونة:
-وهل السعادة بلعب الأطفال هذا؟! لكن أنتِ فتاة وذات عقل عصفور، لكن ماذا عنه هو؟!
غلظته وقوة تعبيره جعلتها تنكمش، لكنها أجابت:
-ألا تريده أن يسعدني يا أبي؟!
-وهل السعادة بتلك التفاهات؟!
همست وقد تسربت سعادتها:
-السعادة نسبية متغيرة من شخص لآخر يا أبي.
لوح بيده وهو يثبت صحة حديثه:
-لا تتفلسفي يا تسبيح، دونما اكتفاء احتياجاتكِ من مأكل وملبس ومسكن لا توجد سعادة.
-سعادتي لا تتعلق فقط بمستلزماتي يا أبي؟!
-وهل يوجد سعادة في غيرها؟! تأكلين وتشربين وتلبسين وتدرسين... ليس ككل الناس بل الجميع يحسدكِ على كل شيء.
ثم ابتعد عنها وهو يطلب من حازم أن يتبعه، فأطبق هذا الأخير على كفها قبل أن يلحق بعمه، فنظرت أمامها وهي تشعر بصدمة حقيقية، كيف لوالدها أن يكون بهذا الجفاء... لقد أحبها ورعاها وكبّرها في الدلال والحب، هل يعامل أمها بهذا الجفاء؟! هل الحب والسعادة مقتصران على الأب وابنته من وجهة نظر والدها؟! ظلت شاردة في البعيد أمامها والحزن يظلل نظرتها، حتى جاء حازم ووالدها والبقية وعرض فريد أنه سيوصل والديها لمحطة الحافلات المتجهة إلى المدينة ومعهم أولاد مروان.
عندما احتضنتها أمها مودعة كانت جامدة النظرة تتحرك بآلية تحاول استيعاب ما قاله والدها وكأنها تتعرف عليه من جديد، ولما ابتعدت أمها ظلت تنظر لها طويلًا وكأنها تعذرها بكل موقف بكت فيه بسبب والدها، وتعتذر لها بدلًا منه عما فعله، لكن الكل لم يلحظ نظرتها غير حازم الذي ابتعد عنها مع والدها لكنه لم يبعد نظرته ونظرة قلبه عنها، تحركت سيارة فريد بعد انتهاء السلام والوداع بين الجميع، فتحرك البقية نحو سيارة حازم... وساد جو كئيب داخل السيارة، وكل فتاة ترثي حالها وتحاول رأب صدع قلبها.
عندما أوقف حازم السيارة أمام الفندق المقصود والمتفق عليه مع دفعة تسبيح طلب من شقيقته وتقى:
-هلا سبقتمونا إلى الداخل.
رحبت الفتاتان وترجلتا من السيارة وظلت تسبيح على شرودها، فنزلت إيمان وهي تشير له بالتريث ظنًا منها أن حزن ابنة عمها نتاج شجار بينها وبين شقيقها، بينما تحرك حازم نحو المرآب وهو يطمئنها بنظرته.
صف السيارة في مكان مناسب في مرآب الفندق واعتدل نحوها سائلًا وهو يشير نحو كفه ذي القلب قاصدًا اخراجها من حالة البؤس التي دخلتها رافضة الخروج منها:
-ماذا سنفعل حيال هذا؟ أنه لا يُزال مطلقًا.
-معي مزيلًا لزينة الوجه سيزوله مطلقًا.
فتحت حقيبتها تبحث عنه، ظلت تبحث وتبحث حتى تنهدت متذكرة قائلة بيأس:
-ليس معي في هذه الحقيبة، إنه في الحقيبة التي في الخلفية.
ابتسم وقال مشاكسًا:
-كيف سأدخل وأقابل الناس بهذا الكف؟
ابتسمت وقالت بفخر:
-يمكننا استخدام العطر في إزالته لك، لكنني لن أستغني عن بشرتي.
ابتسم بحنان وقال وهو يراها تبحث عن عطرها داخل حقيبتها:
-لا داعي لكل هذا الحزن يا تسبيح، يمكننا فعل كل شيء وحدنا، ولا نعلم أحد ما فعلناه، لا أريد أن أرى غير بسمتكِ، فالحزن لا يليق بمحياكِ الجميل في بشاشته.
أنزلت رأسها ثم رفعته هامسة:
-لا تشغل بالك، قليلًا من الوقت وسأعود كما كنت، أعطني يدك.
كانت قد أخرجت زجاجة العطر ومنديلًا، فلبي طلبها فنثرت القليل من العطر على المنديل وبدأت تمسح اللون الأحمر وقد أعارت تركيزها إلى ما تفعله تحركت رأسها صعودًا ونزولًا فكانت نعومة حجابها تلامس ذقنه، مع انتشار عطرها الكثيف يزكم أنفه لحداثة رشه، ولما انتهت عادت إلى كرسيها تعيد أشياءها لحقيبتها فاقترب من خدها سارقًا ثاني قبلة له على حين غفلة منها، فاستدارت منتفضة تدفعه في صدره وهي تقول مرتبكة:
-هيا ننزل لهم فقد تأخرنا.
تأجج صدره بمشاعر قوية في استجابة حسية بلمستها وهمستها معًا، مشاعر تحررت فجاءة بتلك اللمسة البسيطة يعززها شذى عطرها وقربها المهلك، مشاعر لا تتحرك بهذه القوة تجاه غيرها... هي، تسبيح وحدها ما تشعل صدره بكل هذا الكم المفرط بحبها.
تسبيح امرأته التي تسلمت درع تخرجها من سنين دراستها وسلمته مقاليد قلبها كما سرقت فؤاده فسهدت أحداقه حبًا... ودفئًا... وهدوء الاطمئنان بعدما كاد ييأس بأن تشعر به... كمدلله شقية تعرف مدى حسنها فتزداد دلالًا وبهاءً... ومن غيرها تملك الحسن والدلال.
-انزلي.
فترجلت سريعًا بعد أمره بالترجل قبل أن تنتصر مشاعره، وقد تضعف هي الأخرى بمشاعرها الحديثة في اكتشافها، القوية في تجريفها لهما.
༺༻
كانت الجلسة بين الثلاثة ودودة لحد كبير حيث بدأت رهف تتحدث وبدأ الوضع يكون مريحًا لها أكثر فهمست بسؤال كاد أن يقتلها منذ ما سمعته من جدتها:
-جدتي تقول أن أبي مات بسبب أنه ندم من الزواج بكِ، وأني سأندم مثله هل لديكِ تفسير لما تقول؟!
همست نجوى وهي تنظر للأرض في شيء أشد حزنًا:
-نعم جدتكِ تشير لعدم نسبي أنه سبب موت والدكِ، وأنه لم يتحمل ما يُقال عني في وجهنا وفي ظهورنا، لكن إن كان يجب وجود سببًا للموت فهو ليس الكلام الذي يقال، فهو يقال قبل أن نتزوج أو نعرف بعضنا البعض حتى.
سألت رهف تحاول فهم ما تقوله:
-إذًا ما معنى كلام جدتي؟! أشعر وأنكِ تخفين شيء.
-أخشى ألا تصدقيني، كما أن ما سيقال سيموتكِ قهرًا يا ابنتي، دعي الماضي للماضي... ودعينا في اليوم.
هبت رهف واقفة وهي تقول:
-أنتِ بذلك لا تودين امتداد الصلة بيننا.
-كيف يا ابنتي؟! إذًا لما جئت؟!
فقالت بإصرار:
-إذًا أخبريني.
༺༻
ظل أنس يجوب الشوارع هائمًا لا يعرف وجهة يستقر عليها، ويتابع رسائله علها تفتح وتراها وكل رسالة صوتية كانت تحمل اعترافًا بالحب، صف سيارته إلى جانب الطريق يراقب السماء المظلمة وقد تكاثفت السحب يدل على المطر القريب، فتح هاتفه يرى علامة وصول رسالته لكنها لم ترحمه، حاول الاتصال للمرة التي عجز عن عدها لكن النتيجة لم تتغير بعد فهمس يكلمها في تخيل وجودها:
-أين أجدكِ يا ملاذ؟ ما الذي جد لكي تهجريني هكذا؟!
رفع الهاتف إليه وبدأ يتكلم:
"ماذا فعلت لأستحق الهجر هكذا؟!"
ورسالة أخرى:
"أرجوكِ، أريد أن أطمئن، أنا بحاجة إليكِ... أنتِ لست امرأتي يا ملاذ، أنتِ ملاذي... قوتي... حمايتي... درعي المنيع"
قطرة لامعة تجمعت في زاوية عينه الخارجية لكنها أبت الانحدار، وما أصعب قهر الرجال يتفتتون داخليًّا بينما المظهر الخارجي جبالًا صخرية تتحرك، حفاظًا على قوة لن تكون منقوصة إن شعروا بضعف لحظي يخرجون من بعدها أشد قوة، فقد تكون قدراتهم خارقة في كل الأحيان، وتتضاءل أوقات ضعفهم لكنها تكون ضارية منهكة القوى كما حاله الآن فقد انحنى بجزعه للأمام يمسك المقود ويستند بصدره عليه، وأطلق زئيرًا كأسد يحتضر ويلفظ أنفاسه الأخيرة.
༺༻
وقفت تقى تراقب شمس المغيب وهي تسقط كحبة حمراء دائرية متوهجة في مياه البحر لتخمدها من شرفة الغرفة التي تم حجزها لها مع الفتيات، لا تعرف كيف امتثلت لكلام خالتها زهيرة بأن تبيت ليلتها معهم هنا وتحضر الحفل بكل سعادة، وأن تجتذب فريد نحوها وتثير غيرته، ابتسمت بسخرية لطيبة قلب زهيرة لأنها لا تعرف أنها سبب الرفض، وأنها من سعت لأجل أن يرفضها هكذا.
ظلت على وقفتها حتى سمعت نداء إيمان عليها فاستدارت تدخل وهي تصيح:
-قادمة.
دخلت لترى إيمان وتسبيح ينتظراها ليتناولن طعامهم، فانضمت لهن وشرعن في الأكل بصمت لكن الصدور تصم آذانهن.
إيمان التي لا تعرف كيف نمت كل تلك المشاعر داخلها في عدة مقابلات لا تذكر، تخشى أن تعود للمدينة فتفض الخطبة وينتهي حلمها الوردي التي كانت تحياه فوق نعومة السحاب العالية، فتسقط مكسورة القلب كالبلور المتناثر.
بينما تقى تشعر بالطعام كالصدأ في الحلق والعلقم ومزيدًا من الغصات التي لا نهاية لها، لقد نالت جميع الغصات تقريبًا، غصة الفقد بفقد والديها... وغصة الرحيل برحيل أخيها عنها وتجمعهم نفس المدينة، وغصة شطر قلبها فكانت مضاعفة في مرتين وكانت أقواهم أخرها.
أما تسبيح فكان عقلها يعقد مقارنات بين ما قاله والدها وعدم نطق حازم لفظ التودد صريح لها، لا تعرف هل إن أكملت تلك الزيجة ستبكي كأمها ليالي طويلة، ولا يعرف أبناءها سببًا لبكائها وعندما يشب عودهم يصدموا بحقيقة المودة التي تكاد معدومة بين والديهما كما حدث معها اليوم.
رنين هاتف تسبيح أفاق ثلاثتهن لتقف تسبيح وقالت مبتسمة:
-إنه حازم تناولا طعامكما فأنا قد شبعت، سأخرج للشرفة.
قالت إيمان مشاكسةً:
-أما حياة المتزوجات تغيرهن حقًا.
استدارت لها تسبيح وأخرجت لها لسانها مغيظة، بينما اكتفت تقى ببسمتها.
فتحت الخط هامسة:
-مرحبًا.
-كيف حالك الآن؟
-لا تقلق أنا بخير.
فسألها يحاول فتح بابًا للحديث:
-ماذا تفعلين؟!
-كنا نأكل أنا والفتيات، وأنت؟
-كنت أشاهد مباراة مسجلة، واشتغل فيلمًا تابعته ذكرني بكِ وأنا أتخيل حياتنا معًا.
-وماذا تخيلت بالضبط؟!
تكلم والحلم يظهر أمام عينيه فتحول الحلم في همس رغمًا عنه:
-تخيلتكِ وأنت مرهقة وتتحركين بين أدوات المطبخ تحملين طفلنا بين ذراعيكِ فأحمله عنكِ قليلًا وأنا أقف بجانبكِ لا أعرف كيف أساعدكِ بينما تدورين هنا وهناك، تنبعث منك رائحة الطعام ومكسبات الطعم، فتتذمرين من رائحتكِ وهيئتكِ فأخبركِ، أن دامت الرائحة وتلك الهيئة وصاحبتهما.
دمعت عيناها بينما أطمن قلبها الذي كاد يصرخ متحضرًا في صدرها، فهمست بصوت محشرج بسبب تأثرها وشعورها الذي يؤلم قلبها:
-دمت أنت ودام شعورك بي كحاسة سابعة مرفقة بحبك.
شعرت بأن تأثرها كاد يخنقها فتنفست كزفير يرطب اشتعال الجمر في صدرها وكان هو يبتسم وداخله يهمس "على مهلك يا ذات الشعر الأحمر، فإن مُتِ من الهوى الآن ماذا سأفعل أنا ففدائك عمري وفوقه عمرين"، بينما همست من جديد:
-نسيت أن أخبرك بأن قد رسمت تخيلًا آخر لحياتنا.
فكان دوره السؤال:
-وماذا كان تخيلكِ؟!
-سيبقى سري حتى أحققه.
༺༻
انتهى الفصل الرابع عشر
قراءة سعيدة
انتظروا غدًا الفصل الخامس عشر آخر الفصول التعويضية🔥
كونوا بالقرب❤


چورية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 07-10-22, 04:18 PM   #32

چورية

? العضوٌ??? » 505085
?  التسِجيلٌ » Jul 2022
? مشَارَ?اتْي » 40
?  نُقآطِيْ » چورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الخامس عشر

كان الحفل صاخبًا رائعًا بأجواء البحر والشاطئ، كان الجميع يرقص صبيانًا وبناتًا في سعادة وهناك من التجاوز ما جعل فريد يقول ضاحكًا بصوت يعلو فوق الموسيقى لتسبيح التي تصفق بحرارة بجانب حازم الذي هددها بالقتل إن تحركت من جانبه خطوة واحدة، فوقفت بتهذيب مخادع يظهر للجميع ولحازم قبلهم والذي رشقها بنظرة مهددة حقيقية:
-بنت يا تسبيح ما هذا الكم الهائل من الفتيات المنفلتة لما لم تدعوني يومًا لنمرح قليلًا... ونتسلَ.
حدجه حازم بنظرة مهددة أخرى، فامتعض فريد قائلًا:
-اسحب نظرتك فلست تسبيح.
-لن ترقَ لمكانة تسبيح قط.
ضحكت تسبيح بعد أن كانت أخذت وضع الاستعداد لتناطحه، لكن حازم قد سبقها فقالت بتشفي:
-في منتصف الجبهة ولم ألوث يدي.
أعطاها فريد ابتسامة باردة في سماجتها بينما أردفت وهي تشير نحو أصدقاءها:
-وبالنسبة لإجابة سؤالك الأول، لم أدعوك لأن تلك الشلة قليلة العدد المنفصلة عن باقي الحفل هم أصدقائي وطوال العام نترك الجامعة كلها ونجلس وحدنا جميعًا.
-حتى أصدقاءك على نفس شاكلتك في الكآبة.
ضحكت بجذل وقالت فخرًا وهي تفرد كفيها كما وكأنها تشرح ما لا يحتاج لذلك، وهو الأبله الذي لا يفهم:
-هذا ما نصدره للجميع.
ثم غمزته، فاحترق الواقف بجانبها فكان يغلي ويزبد مما تفعله فقد كانت تهز كتفًا مناغشًا، أو تميل بخصرها ميلة بسيطة ولكنها في الأخير ميلة خصر... وخصرها شديد الليونة يتلاعب بدقاته فيخشى أن تخطف هذا وتناغش ذاك، فهو لم ينس رفضها الأول له بعد... التجاهل لا يعني نسيان وهو تجاهل ويتمنى النسيان فإن لم ينس سيظل مهددًا بخطر هجرها يومًا، وستظل هاجسه الذي قد يكون قتيله يومًا... وختمت أفعالها بتلك الغمزة الوقحة التي ضحك على أثرها شقيقه بصفو نية، لكن بالطبع هذا الذي وقف خلف فريد ينظر لها ويبدو مسحورًا لم تكن نيته صافية تجاهها بنظراته تلك.
يبدو أن اليوم موعده مع اختبار أعصابه، فما أكله غيرة أكثر هو اقتراب إبراهيم ذاك الذي كانت ترفضه لأجله، وجاء لخطبتها، ومع كل خطوة في اقترابه يزداد اشتعال جوفه وهو يكتم غيظه، ولهيب صدره يكاد يتخطاه حارقًا الحفل كله بمن فيه وينجو بها.
وصل إبراهيم وهو يحيهم:
-مرحبًا يا تسبيح لم نركِ منذ مدة.
استدارت تسبيح بتخشب بعد أن تبددت بسمتها بعد سماع صوت من يحدثها واقشعر بدنها نفورًا وهي تتذكر تلك النبرة في آخر لقاء بينهما، فاستدارت برأسها فقط تجاوبه:
-ومنذ متى ونحن نرى بعضنا أثناء الدراسة من الأساس يا إبراهيم.
تكلم حازم أخيرًا عندما وجده لم يتحرك من مكانه:
-يبدو أنك تحتاج إلى تدخلي كي تنسحب.
-من أنت لتتدخل من الأساس.
كاد حازم يضربه، لولا تشبث تسبيح بذراعه تمنعه الحركة تهمس له:
-أرجوك دعنا نذهب من هنا، ودعك منه... أرجوك.
كانت أرجوك الأخيرة بصوتٍ مبحوحٍ والدمع يلمع داخل مقلتيها، فتدخل فريد وهو يشير لتسبيح هامسًا لتقى التي كانت تنظر لما يحدث بعيون مفتوحة هلعًا:
-آتِ بها لنخرج من هذا الحفل.
༺༻
لا يعلم كيف سيطر على تصرفه ولم يضرب ذلك النذل حتى يتعلم كيف يستدير من حيث ما أتى عندما يلمح طرف تسبيح، زاد من سرعة قيادته للسيارة فتشبثت هي بالكرسي التي تجلس عليه وقلبها يدوي بهلع، وكأنها تشعر أنه سيتوقف من كثرة ما دوى، صرخة لم تكتمل بسبب كتمها لها ما جعله ينتبه لها، لعن بين أنفاسه الهادرة وهو يهدأ من سرعته حتى أوقف السيارة إلى جانب الطريق، وظل يراقب جفونها التي تغلقها بشدة وشفتيها التي تطويهما داخل فمها، لا يعرف كيف طاوعه قلبه ليصل بها لهذه المرحلة من الرهبة، همس بإسمها فكانت من الرعب ما جعلها تتوهم أن نداءه من نسج خيالها، أعاد نداؤه وكفه تستريح على كتفها فشعر بالكهرباء التي تستشري بجسدها بأكمله وليست انتفاضة خوف، فهمس وهو يربت فوق كتفها بحذر وقد استدار بأكمله نحوها:
-اهدئي يا تسبيح فقط اهدئي، أنا آسف... اهدئي رجاءًا.
ضمها إلى صدره يربت على كتفها يهدهدها كطفلة صغيرة، واستمرا على وضعهما حتى هدأ بكاءها ورخي تشنجها وهو يهمس:
-لم أقصد افزاعكِ، أنا آسف... لم استطع السيطرة على غضبي.
ابتعدت عنه قائلة:
-حسنًا لقد هدأت، لكن ما ذنبي فيما حدث حتى تفعل كل هذا، لقد ألجمت تطاوله علينا ماذا أفعل أكثر حتى لا أثير غضبك... لقد تعبت.
-ماذا تقصدين؟!
صرخت فاقدة أعصابها:
-أقصد أني لن أتحمل ما تفعله هذا، لن أتحمل غضبك الذي قد يقتلني رعبًا في إحدى المرات، وعندما بررت مخاوفي غضبت... ماذا يمكنني أن أفعل حتى أوقف غضبك دون أن أشعر بالخوف.
تنهد وهو ينظر أمامه وهمس:
-غضبي الآن لم يكن منكِ، بل كان منه... لقد كان يستفزني حتى أثور.
-فثورت وجعلته ينال ما يسعى إليه.
ضرب المقود وهي يهمس بغضب:
-لو لم تكوني أنتِ طرفًا لما فعلت.
نظرت له تبتسم هزئًا:
-أنا السبب في الأخير.
نظر لها وقلب عينيه وهو يقول:
-لا تدورين حول الكلام... لتقلبيه لصالحك.
ضربته في صدره بقبضة يدها فتوجع ماسكًا موضع ضربتها، فانتفضت مذعورة وهي تسأله:
-ما الذي يوجعك؟! أقسم لم أقصد أن تكون قوية...
ظل يدلك موضع الضربة، ويميل للأمام فقالت:
-أخبرني يا حازم، ما الذي يؤلمك.
أجابها وهو على نفس حاله:
-قلبي.
-هل كانت الضرب قوية هكذا؟!
رفع نظره وعيناه عابثة وهو يقول:
-بل عينيكِ سهامها هي القوية.
ضربته مجددًا فقال:
-وكأن ضربتك تؤثر في عصفور.
نظرت جانبًا فوجدت عربة بدائية لصنع المثلجات، فهمست بحنين:
-اشتري لنا اثنتين، افتقد طعمه منذ أن كنا صغارًا ونشتريه يوميًّا في البلدة.
نزل يلبي طلبها وهو يقول:
-تأمر سيدة الحسن والدلال فقط لنلبي نحن.
ابتسمت له وظلت في السيارة تنظر عودته، حتى سعمت رنين هاتف وهي لمحته يأخذ هاتفه معه، ظلت تبحث حتى أخرجت هاتف قديم الطراز، فتحت الخط والرقم كان غير مسجلًا ليصلها صوت رجلًا:
-حازم ملاذ في أمان الآن، و...
وانقطع الخط وظلت تنظر للهاتف كالمجنونة، من ملاذ... ومن هذا... لقد قال حازم في بداية حديثه... من ملاذ هذه التي يكون حازم على علاقة بها، لم تنتظر حتى يعود ونزلت تاركة الهاتف على الكرسي.
كان يقف مع الرجل وظل يشرف على كل شيء يضع في الواحدة الخاصة بها وأنقد الرجل واستدار عائدًا ليرها خلفه وهي تسأله ووجهها يبدو كالجحيم المستعر:
-من ملاذ؟
فسأل بتعجب:
-من هذه؟!
صرخت بجنون:
-أنا من أسأل.
-لا أعرفها.
-بلى أنت تعرفها.
صرخ بزئير مرعب وقد يرعبها في وقتٍ آخر:
-تسبييييح انتبهي لصوتك نحن في الشارع.
فصرخت:
-تبًا لك، وللشارع ولكل شيء... كيف تسمح لنفسك بخيانتي؟؟ كيف سولت لك نفسك بأن تخدعني؟! لقد قد تقتلني رعبًا وكنت قد ردعت ابراهيم وأنت تخونني... لن نكمل في هذا أفهمت... لفد ضجرت.
ألقى ببسكويت المثلجات في الأرض صارخًا:
-أخرسي، لا أود سماع صوتك حتى نعود.
-لن أخرس... أنت من تخرس هنا، لا أود رؤيتك وليس سماع صوتك فقط.
صرخ هادرًا:
-اللعنة على قلبٍ أحبك.
شعر بهول ما قوله من اصفرار وجهها كمن غرز في قلبه نصل شديد السموم، لكنه لم يتراجع عما قال فببساطة شديد الحقيقة تكمن فيه، فهي لعنة أصابت قلبه منذ الصغر، منذ أن حملها بين ذراعيه رضيعة وتلوح بيديها وتضم شفتها ولسانها يتحرك بغوغائية وكأنها تبحث عن شيء ما، وعندما نظر لعينيها شديدتي السواد كلؤلؤ محارب يسطع، وكان شعاعها مصوب لنابضه، فقد أدرك الآن انها كانت لحظة هلاكه، أغمض عينيه يحاول ضبط تنفسه وغضبه فلم ير انسحابها وهي تكتم شهقاتها وتوقف أول سيارة أجرة، ولمّا فتح عيناه ولم يرها فالتفت حول نفسه فلمح طيفها وهي تدخل داخل السيارة الأجرة، فجن جنونه وهو يسرع نحوها لكن السائق كان قد تحرك فرجع سريعًا لسيارته يستقلها ويسير خلف سيارتها، ودهس تحت اطارت سيارته المثلجات التي ألقاها أرضًا.
༺༻
عادت من الدار وهي مهمومة لا تعرف ماذا تفعل لتقنع رهف بالمبيت معهم هنا في المنزل حتى تحل مشكلتها مع جدتهما خاصة أنه اقتراح مروان في الأساس وهما على علاقة وطيدة معًا، لكنها تُصِِر على المبيت في الدار متمسكة بصلابة منقطعة النظير أن الحياة بينها وبين زوجها ما زالت لم ترس على شاطئ الأمان والاستقرار، كما رفضت الذهاب مع أمها التي قالت أنها ستكون أكثر من سعيدة إن وافقت على المبيت معها لكن رهف قالت بصلابة فظة في صراحتها:
-أنا لا أعرفكِ، أتفهم أنكِ أمي... لكنّي أيضًا عشت من دونكِ سنوات عدة حتى شبّ عودي، أعرف أن ذلك ليس بيدكِ أيضًا، لكن كلانا موجوع وأنتِ تحتاجين إلى وجودي كمداوة شافية لسنين شقيت بها كأم نزعت فلذة كبدها انتزاعًا دون رحمة، لكني لا أصلح لذلك على الأقل الآن حتى اتأكد من صدق ما تقولين.
لمعتا حدقيتي نجوى بدموع أم فقدت طفلتها لسنوات حتى كان الهجر هو ساكن قلبها الوحيد، سنوات أفاضت بشموس عاطفتها على أطفالها عدا بكريتها التي رشق الهجر سهامه في فؤادها فلم تشعر بطعم الأمومة كاملًا وكانت سعادتها دائمًا منقوصة، تريد أن يجتمع دربها مع صغيرتها وتعوض بها حنان أمومة سُلبت منها في لحظة غفلت فيها آمنة لأم أحسبتها من أهل الرفق مثلما أي أم تشعر بأي مكلومة، وما أبشع من أن تُطعن بسكين آمنت له يومًا، فهمست بصوت كالذبيحة:
-حقكِ ألاّ تصدقيني، لكن هذا ما حدث بالضبط.
أغمضت غرام عينيها وهي تتذكر إصرار ابنة عمها على معرفة سبب موت أبيها من أمها كما سمعته من ميسون لتسطيع الحكم بينهما فأن ترد رهف بتلك الإجابة فوجعتها قبل أن تقتل نجوى والتي أغمضت عينيها قهرًا... فهل تبقى شعورًا سعرًا يتغذى على بقايا سعادتها بعودتها لابنتها حتى وإن كان الطريق لا يزال طويلًا، وآهًا على نبرة تلك الأخيرة التي صدح الألم من روحها تقيحًا ورغم ذلك أجابت وكل كيانها يصرخ بألم قصف المحصنات التي واجهته طوال عمرها ولا تزال تواجهه حتى تلقى حتفها:
-جدتكِ بعد مولدك شككت في نسبكِ لأبيكِ بسبب اختلاف ملامحكِ ولون شعركِ عن بقية العائلة كما أنني لم أحمل نفس الصفات التي ولدت به وكلما تكبرين تزدادي ظهورًا وجمالًا...
كانت بسمتها تشع حنينًا رقرقًا، وأكملت بنفس شعورها مع بداية حديثها:
-فانتشر خبر الزوج الذي تستغفله زوجته الخائنة سريعًا بين الأقارب والمعارف كان يموت كل ليلة قهرًا وكنت أحاول التخفيف عنه، وطلبت منه مثلهم الذهاب لتحليل اثبات النسب، لكنه رفض قطعيًّا وفي تلك الليلة نام مهمومًا وقد قتله الطعن من الجميع ومن سلمتهم السلاح الطاعن له كانت أمه، وعندما حل الصباح كان والدكِ قد فارق الحياة ألمًا وغدرًا... وعندما مر اليوم الثالث على وفاة والدكِ أخذتك لتجرِ لكِ التحليل لتتأكد.
انقطعت أنفاس نجوى تهدجًا، وهي تتذكر قسوة ألم عاشته وحدها في إكمال مسيرتها، بينما رهف أغمضت عينيها هلاكًا عندما تذكرت مرورها بما يشابه، ألا يوجد خلاصًا من دوامة الكسر والحسرة التي تبلعها يومًا بعد الآخر، فامتدت كف غرام خفية تشد على كف رهف مؤازرةً لابنة عمها بينما نجوى تكمل غافلة عن ألم ابنتها:
-وبدأت أحارب معها كل يوم، كانت تنغص حياتي كل دقيقة تمر، ولما قابلت زوجي الثاني وأحبني كنت أحاول الهرب بكِ بعيدًا عنها وكانت توافق على زواجي وأخذكِ معي لكن تفاجأت بعد الزواج بقضية الحضانة، أذت زوجي كثيرًا لكنه لم يتكلم ولا يضجر حتى عرفت ما يعانيه على يديها لقد خسر الكثير من الأموالو الصفقات وأمور لا أفقة فيها البتة، وقتها قررت أن أعفيه القتال وأعيش أنا المكلومة الوحيدة وطلبت الطلاق فرفض وقال أنه سيستمر حتى يأتي بكِ لحضني، لكن تعرفين جدتكِ شرسة في القتال، فأعفيته منه واكتفيت برؤيتكِ من بعيد، أراكِ تبكين فأبك معكِ ولا أجرأ على الاقتراب واحتضنك داخل صدري علّه يهدأ من تقطع نياطه، وأراكِ تضحكين فيهرع قلبي فرحًا داعيًا استمرار سعادتك...
لا تعرف كيف لجدتهما فعل ذلك كيف تحرم أم من طفلتها والعكس، فلقد كانت انهيارات رهف كثيرة في مطالبتها بأمها كما باقي صديقاتها.
༺༻
جالسة في مكتبها كعادتها في هذا الوقت ترتب أوراق العمل فدخلت مساعدتها تعطيها كرتًا، عرفت صاحبه من أول اسم، فسيطرت على ابتسامتها بصعوبة رغم ما تعانيه من نزيف الكذب الذي يحاوطها من كل صوب:
-دعيه يدخل.
بعد قليل دخل تيم مبتسمًا يقول:
-مرحب يا طبيبة.
فضحكت وهي ترد له مزحته:
-مرحب يا ضابط.
وضع يده على صدره و رد ضاحكًا:
-مقبولة مقابل أن تقبلي طلبي.
حافظت على ابتسامتها قائلة وهي تشير على مقعد مكتبها:
-تفضل بالجلوس أولًا وبعدها يمكننا النظر في طلبك وإن كان في استطاعتي سألبيه.
جلس قائلًا وهو يشعر وكأنه يحلق في السماء:
-في استطاعتكِ للغاية جدًا بالطبع.
ضحكت من طريقته الهزلية وسألت:
-ماذا تشرب؟!
-أجلي الشرب قليلًا، فربما نشرب الشربات.
عرفت مغذى طلبه فحاولت التماسك بابتسامتها، وقالت بعفوية تمنت أن تخرج سليمة:
-شربات؟! لما... أقصد ما المناسبة؟!
-رهف أنا أعرض عليكِ الزواج، وأريد إجابة سريعة منكِ فأنا لا استسيغ نومكِ خارج منزلكِ دون علم أهلكِ، كنت قد أؤجل طلبي حتى اتقرب منكِ لكن هذا الوضع يؤرقني، أنا صريح قليلًا آسف إن كان كلامي ليس في وقته.
كادت ترد لولا رنين هاتفها بوصول رسالتين متتاليتين جذبا أنظارها لتقرأ الجملة التي استقرت على الشاشة المغلقة:
'هذا أكبر دليل أن كلامي صادق'
كانت الرسالة من والدتها، فبرقت عيناها بقسوة وهي تفهم معنى جملتها، فاستأذنت من تيم وهي تنسحب في أقصى البعيد عنه داخل الغرفة وتفتح الرسائل والتي كانت رسالة أخرى مسجلة غير المكتوبة، ففتحت الرسالة وهي تقرب الهاتف من أذنها تستمع لصوت الجدة:
-أيتها اللقيطة التي تبث سمها في كل مكان، لقد شتتِ أسرتي وحفيدتاي، وشوهتِ مظهري أمامهن وأصبحتا يبتعدن عني كل يوم، متى أتخلص منكِ ومن سمعتك الملوثة...
أغلقت الرسالة واكتفت مما سمعت من الصدق والحقيقة الخالية من الشوائب أخيرًا وما أصعبها وهي مجردة تمامًا هكذا!
"أيتها اللقيطة" ... "أنت ابنة لقطية"
الأولى كانت لأمها بلسان جدتها، والثانية بلسان طليقها وكادت الجدة يومها بتشويه وجهه أو انتزاع قلبه بيديها المجردتين.
عادت لمقعدها خلف المكتب يراقب تيم انفعالاتها بعدم فهم، وهو يرى شحوبها والصدمة المرسومة في عينيها، أخذت وقتها وملامحها تتحول لأخرى لا يعرفها وهي تسأله:
-لماذا تود الزواج بي؟!
ضحك سخريةً وأجابها بسخرية أكبر وهو يحاول اخراجها من القوقعة التي تسحبها داخلها، لكنه لم يزدها إلا انحسارًا داخل القوقعة:
-قد أكون أريد الحصول على أطفال يشبهون عرائس الباربي ويمتلئ حينا بمزيدٍ من الباربي الملونة.
-لكنّي لا أضمن لك ملامحهم المشابهة لي، فأنا لا أشبه أمي ولا أحد من عائلة أبي.
ضحك وهو يقول:
-بالتأكيد تشبيهين أحد من عائلة والدتك.
-من الممكن، لكن من؟! لا نعرف حقيقةً.
طريقة رفع كتفيها وانزالهما بلا مبالاة كانت شديدة الحزن، فسأل:
-ماذا يحدث معكِ؟ أنا لأفهم.
-أنا أخبرك أني لا أعرف من أشبه، قد أشبه ذاك الذكر الذي ساهم بجيناته في عملية الخصوبة لدى الأنثى التي ولدت أمي...
معنى عبارتها الفج جعل رأسه يتراجع كمن لكم في معدته، فظهر الألم بأشد أنواعه قرفًا على وجهه، لكنها أكملت غير متراجعة:
-أو أشبه الأنثى المساهمة في ذلك.
-تكلمي بوضوح، وتخلي عن الثوب الذي تحاولين ارتداءه لإنكِ تفشلين.
قالت بقوة:
-هذا الثوب يلبسني إياه الناس وكلما رفضت ازدادوا ضراوة في اصرارهم عليّ بارتدائه، وأمي من قبلي، فلا تطالبني بخلعه بعد أن اقتنعت بلبسه.
-ماذا حدث لكِ يا رهف؟!
همست بابتسامة قاسية:
-لم يحدث غير ما يراه الناس في وكنت أحارب حتى اثبت العكس، فقررت أن أكون ما يروني عليه بعد أن أُثبتَ لي بأشد الطرق قسوةً أن رأيهم صحيحًا.
سأل يحاول الفهم:
-وما الذي يروه الناس بالضبط؟!
-اللقيطة وابنتها يحملون جينات العهر، فلا داعي لتمثيل الفضيلة.
ظل ينظر لها وهو يحاول جمع قطع البازل في رأسه:
"من هي اللقيطة وابنتها؟ هل هي وابنتها، أم هي وأمها؟"
وبتفكير منطقي وصل للإجابة الصحيحة، فمنذ متى ورهف لها طفلة.
༺༻
ذلك اليوم ليلًا
كانت تجهز مكان نومها على الأريكة، حتى سمعت صوت سيارة تقف في الأسفل فابتسمت وهي تعرف أنه هو فاقتربت من النافذ والقت نظرة فخاب أملها، لكن ليس لأنه لم يكن هو بل لأن السيارة التي توقفت كانت أجرة وترجلت منها ميسون للتو، فدخلت سريعًا وهي تردي معطفها الثقيل فوق منامتها ونزلت تسابق الريح، حتى وصلت إلى الحديقة وتقابلتا هناك فابتسمت ميسون وقالت بحنان:
-كيف حالكِ يا رهف؟!
-لا داعي لهذا السؤال ودعيني أسألكِ أنا، ما الذي جاء بك يا جدتي؟!
فجاوبتها بقوة حانية:
-جئت لتعودي معي لمنزلكِ، فأنتِ لا تخذلين يد جدتكِ مطلقًا.
فقالت رهف بهدوء تحسد عليه
-كان هذا قبل أن اكشف قناعكِ الزائف يا جدتي.
-تأدبي يا رهف، فأنا جدتكِ مهما حدث... هيا بنا إلى المنزل ويمكنكِ الخصام والبعد كما تشائين لكن داخل حدود شقتنا.
ابتسمت بلذوعة وهي تقول بنبرة تماثل ابتسامتها لذوعة:
-جدتي أنتِ لم تضربِ كتفي عن طريق الخطأ، أنتِ حرمتني من حضن أمي...
قاطعتها الجدة وهي تصرخ:
-كنت أحميكِ منها من سمعتها الملوثـ...
قطعت كلامها وهي تدرك ما تقوله:
-وأنا ابنة اللقيطة ذات السمعة الملوثة التي كنتِ تحميني منها، لكنكِ لم تكوني شديدة الحرص بعدم التقاء دروبنا فأعرف أنا الحقيقة كاملة، وأحب أن أخبركِ أني أصبحت لا أصدق إلا ذات السمعة الملوثة من وجهة نظركِ، ولا أثق بكِ كما ثقتي بها الآن.
صرخت الجدة وقد جحظت عيناها:
-رهف هذه المرأة تخلت عنكِ...
-أنت من نزعتني منها وحاربتها وزوجها، وكنتِ أنت السبب في موت أبي... لا تحاولي يا جدتي فقد أضحيت أعرف الحقيقة كاملةً.
-حتى وإن كنت كذلك، ستعودين للمنزل معي ولن تباتين وحدكِ هنا كل الليالي، أنتِ رفضتِ دعوة غرام أيضًا، هيا ستعودين معي الآن.
كانت تمسك بمرفقها في آخر جملتها فخلصته منها وهي تدفعها عنها صارخة:
-سأنام متلحفة بالحيي ولن أنام في مكان يجمعنا، فمعكِ لن أكون آمنة.
-رهف.
كان نداءها مذهولًا وكأنها تقف أمام أخرى غيرها، فظلت رهف على موقفها ووارت انتفاضة جسدها بأن عقدت ذراعيها أمامها، تهدأ روعها على الشعور بالحسرة الذي ارتسم على وجه جدتها، فرغم كل شيء ستظل هي جدتها التي ربتها كما قالت مسبقًا، شاهدت تراجعها حتى خرجت بثابتٍ تحسد عليه، وعادت إلى أريكة مكتبها في الأعلى ووقتها انهارت بعد كل تماسك تحلت به طول يومها، ظلت تبكي حتى انتهى مخزونها من الدمع وسهدت أحداقها بعدما كانت تتمنى النوم تعبًا، لكن تكالبت عليها أحزانها وترصدت لها... مر القليل من الوقت وسمعت صوت سيارة تقف، تلك المرة لم تقف لتشاهده فلم يعد في قلبها مكانًا لخيبة جديدة.
༺༻
دخل إلى منزله فداعبت أنفه رائحة المنظفات الممزوجة بشذى عطر الجو التي تنثره في أرجاء المنزل، فابتسم وهو يرى بوادر رجوع زوجته كما كانت وتلك الرائحة التي تغمر المنزل، في الأيام الماضية تمنى بأن يعود زواجهما صوريًّا من جديد لو كان سيعيد زوجته لنشاطها وصفاء مزاجها، دخل يبحث عنها فوجد غرفة الطفلين مفتوحة دلف إليها فوجدها تحمل بعض الملابس المطوية بعناية ويبدو أنها كانت سترتبها في خزانة الطفلين، كانت واقفة تنظر لصورة عمران مبتسمة ومقلتيها لامعة بالقليل من الدموع، انقبض قلبه خشية من ندمها على المضي قدمًا في حياتهما ستكون القاضية لقلبه إن فعلت، دقات الناقوس الخطر ازداد وهو يسمع تنهيداتها القوية وما يزيد خوفه أنهما لم يتناقشا في تطور حياتهما معًا بعد عودتهم من البلدة بسبب ما يحدث مع رهف ورفضها مقابلتها، تنحنح ليشعرها بوجوده فاستدارت مبتسمة ترمش بعينيها قليلًا وبدلًا من أن يخف دمعها ويتلاشى سقطت إحدى دمعتها على خدها، فمسحتها بظاهر كفها وهي تقول:
-مرحبًا، حمدًا لله على سلامتك.
ظل واقفًا مكانه وهو يرد تحيتها:
-سلمك الله.
ابتعدت نحو الخزانة تضع الملابس في أماكنها وهي تقول:
-دقائق والطعام سيكون جاهزًا، لقد صنعت أكلتك المفضلة المكرونة بالصلصة وشرائح الدجاج المشوي مع الصوص الذي تحبه، هي أكلة سريعة لكن في الغد يمكنك اختيار أي نوع من الطعام الذي تحب.
قال وهو يلاحظ لأول مرة منامتها ذات السروال القصير، القطعة الفوقية التي دون أكمام كما أنها قصيرة فيظهر القليل من بطنها الصغير وهي تزين الجزء الظاهر بسلسال ذهبي، ويشبه آخر تزين به أعلى ذراعها الأيمن فرمش بعينه وهو يداري تأثره الذي ظهر في تحشرج نبرته وقد بح صوته استجابةً لم يراه:
-أبي وأمي على وصول ومعهما ماجد و... سيف، سيتوجب عليك زيادة كمية الطعام.
استدار فلم يرَ ابتسامتها وهي تجري حماسًا على المطبخ ولكنه سمعه في نبرتها:
-بدل ملابسك وتعال ساعدني حتى يسعفني الوقت.
استمر في طريقه نحو الغرفة وابتسامته تتسع تدريجيًا وهو يبتهل هامسًا بالحمد وهو يستمع إلى استمرار حديثها:
-كنت اتصل واخبرني يا مروان، عمي لن يحب هذه الوجبة.
سعفها الوقت بمساعدته في تحضير المزيد من المكرونة والصلصلة، وشرائح الفراخ كانت مخزنة متبله فكانت الأسهل على الاطلاق، وعندما انتهيا قالت:
-والآن سأحضر مزيدًا من الصوص.
فقال بصرامة:
-يمكنكِ تحضيره وهما موجودان، اذهبي الآن وارتدي شيئًا مناسبًا.
نظرت لنفسها وشعرت بالخجل المفاجئ يعتمرها وقد شغلها تحضير الطعام عن مظهرها، وعدم تعليقه إلا الآن أشعرها بالإحباط وقد طغى على شعورها بالخجل، انسحبت بخطواتها وهي تومئ بصمت فأمسك مرفقها ثناه للأمام وهو يحتضنها من الخلف ويميل على جيدها الطويل يلثمه وقد فقد كل ذرة من ضبط النفس، وكيف لرجل مثله يغريه عشقه بكل هذا السخاء الدافق الذي يفيض منه ويرفضه، لكنه مجبر الآن على تأجيل العبث والقبول بهذا الاغراء قليلًا... وكم كان هذا فوق قدرته على التحمل.
أما هي فرقص قلبها وهي تشعر بداية بيده التي مست مرفقها فسرت الكهرباء داخلها باستجابة وهاجة تدغدغ داخلها، وتهدجت أنفاسها في سرعتها أكثر مع لثمته الحارة، فهمست بنبرة مقطوعة الأنفاس:
-مروان... كفى رجاءً والدك قد يكونا في المصعد الآن، أرجوك لا أود أن يلاحظا شيء مما تفعله الآن.
ضحك وهو يدفن وجهه في كتفها وهو يسألها:
-ماذا أفعل؟!
حركت كتفها تحاول ابعاده لكنها كانت كمن تزحزح صخرة فصرخت به:
-تأدب واتركني وكُف عن الضحك يا مروان.
زادت ضحكاته وهو يحاول الابتعاد يديرها فرأت أحمر وجهه أثرًا للضحك:
-ما كل هذه الأوامر وما كل هذه العصبية، أنا أستفسر عن الفعل الذي لا تودين لأبوي معرفته.
-لا تستفزني.
رفعِها لإصبعها في وجهه وحرية حديثها وحيوية حركتها، كل ذلك جعلها تزداد بهاءً بثقتها الجديدة بنفسها، إنها حتى أثناء تحضير الطعام تزحزحت السماعة قليلًا رفعت يدها تثبتها من جديد دونما حزنًا أو خجلًا وهذا كله يجعله يزداد راحة بنفسها الهادئة الجديدة.
رنين الجرس هو ما أفاقهما وقطع تواصلهم البصري، فلطمت خديها وهي تقفز في الهواء سريعًا نحو غرفتهما لتبدل ملابسها، بينما توجه نحو الباب يصرف صورتها وهي تقفز فوق الأثاث عن ذهنه، وابتسم وهو يفتح الباب مرحبًا بأبيه وأمه.
༺༻
وقفت تحضر المزيد من الصوص في المطبخ بجانب التحضيرات الأخيرة للطعام، دخلت زهيرة خلفها فابتسمت لها غرام وقالت:
-تعال اجلسِ يا خالتي، دقائق والطعام سيجهز... لم يخبرني مروان إلا منذ قليل بمجيئكم، كنت أود صنع الكثير من الأطعمة لكما.
سألت زهيرة دون مواربة أو مقدمات:
-ماذا عن حياتكم أنت ومروان؟! هل ننتظر ابن مروان قريبًا؟!
-خالتي؟!
فأسندت زهيرة ذقنها إلى كفها وهي تتصنع الدهشة:
-نعم يا عيوني!
أغمضت عينيها وهي تجيب:
-حسنًا يا خالتي، نحن بخير وتم زواجنا.
سألتها وهي تضيق عينيها:
-حقًا؟
-والله يا خالتي كل شيء بخير.
فابتسمت زهيرة وهي تقول:
-مبارك يا عروس ابني.
-عروس؟! ألا تظنين أن مر كثيرًا على قول ذلك يا خالتي؟!
-إن كان لا يعجبك اللقب هناك من تنتظره.
قلبت عينيها وهي تقول:
-نعم، صوت الحمامة تنتظر أي نظرة من زوجي، لكن ليفعل مروان ذلك...
استدارت وهي ترفع السكين قبالة عينيها:
-سأفقأ عينيه وأنزع قلبه، وأقلب كبده للقطط.
فوقفت زهيرة بهدوء ووقفت بجانبها وهي ترفع يديها تهمس بأذنها:
-وأنا لن أفعل شيء، فقط سأشاهد ما سيفعله بكِ أبو عمران.
فاستدار وجه غرام تنظر لزهيرة بمفاجأة، وابتسمت وهي تتمسح بها وقالت:
-حبيبتي يا خالتي يا أم الغالي.
-الآن أصبحت حبيبتك وأم الغالي.
༺༻
انتهى الفصل الخامس عشر
قراءة سعيدة

سبنا 33 likes this.

چورية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 12-11-22, 03:23 PM   #33

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي

تغلق الرواية لحين عودة الكاتبة لانزال الفصول حسب قوانين قسم وحي الاعضاء للغلق

عند رغبة الكاتبة باعادة فتح الرواية يرجى مراسلة احدى مشرفات قسم وحي الاعضاء




(
rontii ، um soso ، كاردينيا الغوازي, rola2065, ebti ،
رغيدا)
تحياتنا

اشراف وحي الاعضاء



قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

رد مع اقتباس
قديم 13-01-23, 06:25 PM   #34

چورية

? العضوٌ??? » 505085
?  التسِجيلٌ » Jul 2022
? مشَارَ?اتْي » 40
?  نُقآطِيْ » چورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السادس عشر
أيا امرأةً ملكت الفؤاد ثمالةً
فكان الجوىٰ يفيض بالحب قداسةً
فيزداد تغنجكِ ضراوةً
فأزيد بحسنِك تعلقًا
ألا تعرفين أنه بك يحيى هائمًا متيمًا
يدور في فلككِ وإن تغير مداره تائهًا
بين سطو عينيكِ الناعسة، ونعومةِ أحاديثكِ ساهرًا
يعد نجوم اسقطتِها سهوًا قاصدةً كاذبةً
فسهد يربط حبال الرخاء صاعدًا من فوهةٍ كادت تبتلعه مصدقًا
بأن لغة غرامك محرابًا مقدسًا
وجب فيه الاغتسال تطهرًا
من أكاذيب كان يعيش بها ترنحًا
فقد هيئ له صدق الظلم في عينيك مرتسمًا
لكنه لم ينج بعد بلوغه لجة قسوتك
رآكِ منغمسة بعشقٍ آخر، فأراد أن يفر بلادًا
لكنه لم يجد سبيلًا آخرًا فيه الخلاص نافدًا
فعاود الطريق سالكًا من الحب دربًا مظلمًا
وفُرش له من الظلام رحى قاسية بين جنبات صدرك مصدومًا
صدمة المكروب بخبث مرض أرداه قتيلًا
فقتله في هواكِ الذي ظنّه منعمًا
فرحب بالموتِ صريع الهوىٰ عاشقًا
يرى العشاق الهانئين حاسدًا
فمن هواها كانت من الجحود بأن قتلته بحبيبٍ تبكِيه، ولو كان بكاؤها خاسرة انتقامًا مزيفًا
تنظرين له نظرة حاقدٍ
فأتأكد بأنه قد بنى من الخلد قصرًا مشيدًا
فإن هَجَرَ... بقى قصره يافعًا
وإن هدمته بقي أساسه معمد.
༺༺༻༻
قبل ثلاثة أيام…

ليلة الخطبة
بعد أن أوصل إيمان وشقيقها فريد لمنزلهما، ظل هائم في الطرقات لا يعرف كيف الخلاص؟ إن أخبره أحدًا من قبل إنه قد يقابل من يتمناها زوجة بكل تفصيلة رسمها حولها ويقع في حبها بعد بضع مقابلات تتسم بالرسمية الشديدة من جانبها، أما من جانبه كان الاقبال بهجةً وسعادةً برؤيةِ المرأة التي رسم كل صفاتها يومًا فيقع في غرامها بإرادته دون عناء منها، لم يكن حبه لها ذاك الحب القدري... بل كان يرسم الهيام في قلبه بيده، من سعى ليعشق شاردتها وواردتها وهو يمني نفسه بقبولها فتمنحه القبول الذي يسعى إليه، لكن معه هدية بسيطة... غاية في البساطة... وهي أن قلبها معلق بآخر!
تفادى سيارة كانت قادمة من الجهة المقابلة وقد شردت عيناه، نظر إلى الطريق نظرات متيقظة أخيرًا فوجد أنه مخالفًا، عرج بالسيارة للطريق الآخر ثم أوقفها إلى جانب الطريق ومال بجذعه للأمام يسند جبهته إلى المقود كرجل هزم في معركة خرج منها مفتور القلب يخرج منه القيح فاسدًا، والآن ماذا يفعل؟ ما العمل؟ هل يعطيها خاتمها ناهيًّا الخطبة؟ أم ماذا يكون الحل؟! لقد أحبها، بلى... أنه تنفسها، هل يمضي قدمًا معها محاولًا إمالة قلبها؟! هل ستتحمل كرامته أن يميل قلبها له وهو يعرف أنه معلقًا بآخر؟!
رفع رأسه يرى الطريق المظلم أمامه حتى النجوم التي كان يراها لامعة احتفالًا مع حفاوة ترحيب قلبه رحابةً بمحبوبته التي قطع طريقًا طويلًا في البحث عنها.
-محبوبة حسناء ساحرة، سحرت العين فأضحت قبلتها... وناغشت القلب فأمست سكنه.
همس بهذا ووجيب دقات فؤاده يعلو في صمت الظلام، أخرج هاتفه بعد أن سمع رنين الرسالة التي وصلته للتو، فوجد أن أحد أصدقاءه أرسل له صورة له وهو منغمس في الرقص والسعادة ترسم محياه لكن ما لفت نظره ذاك الذي يقف خلفه في الزاوية، الذي اسمه غفران... نظرته كانت مصوبة في اتجاهه وبالتدقيق أكثر أنه ينظر لما يتعداه لكن زاوية التقاط الصورة لم تأت لأبعد من رقصته، لكن الوضع لم يحتاج لذكاء خارق ليعرف بأنه ينظر لإيمان خطيبته التي كانت تقف في زاوية نظرته، جز على أسنانه وهو يغلق الهاتف يعتصره بين قبضته.
ما بالهم تلك العائلة؟ هل ينظر لابنة عمه الآن بعد أن تزف لغيره؟؛ ألم تكن أمامه قبل أن يخطبها هو؟!
أسئلة وجدت صداها نارًا مستعرة في صدره، جعلته يقسم بأن تلك القاتلة، صخرية القلب في برودة مشاعرها هذه... هي له ولن تكون لغيره، وكرامته لن تهان قدر شعرة.
على هذا العزم أشعل سيارته قاصدًا منزله، يهدأ قليلًا ليرتب أفكاره التي سيبدأ تنفيذها بعد عودتها من حفل ابنة عمها، لكنه لا يعلم أن كل مخططه لن ينفذ منه فكرة واحدة فلتصاريف القدر رأي آخر، وأن حياة شقيقته على الحافة.
༺༻
دلفت ملاذ إلى الحمام بعد أن تصنعت التقيؤ ووجدت الغرفة الأولى والثانية ممتلئة ولا تعلم إن كان ذلك قدريًّا أو مدبرًا ولا تود العلم، فذهبت إلى الغرفة الثالثة تمامًا كما ربطت ما كتب على اللوحة خلف الأطفال وغنائهم في صالة المطار الخارجية، أغلقت الباب خلفها بسرعة وجدت مذياعًا صغيرًا ملتصق فيه ورقة مكتوب فوقها:
"اضغطِ زر التشغيل"
من سرعتها وضيق الوقت نفذت دون تفكير، وقربت المسجل لأذنها لكن ما صدر من المسجل صوت تقيؤ فاشمئزت وهي تعيده مكانه، ووقفت تفكر.
"ماذا الآن؟!"
ونسيت تفكر كيف أن تصنعها للقيئ كان مطابقًا لما وجدته في المسجل الصغير.
ظلت تنظر في أرجاء الحمام فوجدت نافذة صغيرة تفتح ببطء حذر فساعدت في فتحها، فأُدخل لها ورقة مربوطة بخيط، خلصتها بسرعة من الخيط فانسحب الخيط وعاد واحدًا آخر بجهاز صغير قبل ان تفتح الورقة فخلصته هو الآخر، ففتحت الورقة سريعًا بأصابع خرقاء، وأول جملة قرأتها كانت:
'احكمِ اغلاق النافذة أولًا ثم أكملِ القراءة...'
فعلت ما قرأته، ثم عادت لقراءة الورقة من جديد:
'هذا الجهاز خبئيه جيدًا في ملابسك، وأول ما أن تصعدي إلى الطائرة ادخلِ إلى حمامها، وركبيه في أذنك ولا تضغطي على زر التشغيل إلا عندما تصلين، الجهاز يشحن عبر النقل اللاسلكي اتصالًا بهاتفك...'
سمعت صوت ناردين في الخارج تناديها لا تعرف كيف تتصرف، لمعت الأفكار سريعًا فأوقفت صوت الجهاز وشهقت ترد وساعد في اتقان كذبتها ضجيج صدرها الصاخب:
-انتظري يا ناردين... لا...
أخذت تزيد من شهقاتها وهي تتحدث:
-لا أملك قوة لأفتح...
اخذت تشهق ثم أعادت تشغيل المسجل، وسمعت ناردين تخبرها:
-تحملي قليلًا لتفتحي الباب لأكون معكِ.
كانت قد فتحت الورقة من جديد تقرأ:
'وإن لم تعرفِ الطريقة بضع أيام وسيكون واحد من طرف والدكِ سيقابلكِ وسيقول لكِ أمارة شديدة الخصوصية بكِ، هذا فقط من ستثقين به، قطعي الورقة وضعيها في المرحاض واضغطي زر فتح المياه داخله والجهاز اغلقيه وضعيه على الأرض ناحية الغرفة التي بجانبك من جهة الدخول إلى الغرف'
تحرك بؤبؤي عينيها بين دموعها فاحمر خطي جفنيها وهي تنفذ ما قرأته وعندما وضعت الجهاز على الارض امتدت يد تنتشله فاقت اثر ضربة ناردين على الباب فاستدارت تفتحه تمثل الألم والتعب والشعور بالقرف، وما يجعلها تتقن تمثيلها انحسار أملها بالخلاص، والخذلان بأن أنس قد قرأ ما خطته فوق المرآة بقلم حمرة الشفاه وجاء لإنقاذها لكن من ينقذها كان فارسها الأول والأوحد والدها الحبيب، مع شهقات التقيؤ التي افتعلتها وهذا ما حفز شعورها بالقرف؛ فكان استنادها إلى الباب وانكسار نظرتها مع تألمها كان حقيقيًّا لأبعد حد وهذا ما جعل ناردين تصدق تعبها ورغم ذلك دخلت ناردين إلى الحمام تزجرها وتوجهت للمرحاض واغلقته ثم وقفت عليه ونظرت من النافذة لترى ملاذ قبلها شعاع ضوء الشمس ينفذ إلى الداخل رغم أنها لم تلحظه من قبل فهمست داخلها:
"هل قاموا بهدم الغرفة بهذه السرعة؟ أم أن لم توجد غرفة من الأساس؟"
التفت لها ناردين قاطعة أفكارها، فخرجت ولا تزال نظراتها تقتل، وانتظرت حتى خرج من بداخل الغرفة الثانية جهة الدخول ولم تكن إلا امرأة أجنبية، نظرت لهم قليلًا واستدارت نحو منصة الاغتسال لتقوم بغسل يدها، فالتقت ناردين كفها بعد أن تأكدت بأمان المكان تتظاهر بمساعدتها فوجدت نفسها تتحمل وزن ملاذ كاملًا التي كانت وجهها شاحبًا ويزداد شحوبه أثرًا لتفكيرها.
هل انتهى مصيرها منفية بعيدة هي وابنها، هل ستلده حقًا بعيدًا عن ابيه؟! لن يبتاعا ملابسه وكل ما يخصه معًا، لقد حلما كثيرًا بهذا... لقد وعدها أنه سيأتي له بكل ما يحتاج وسيقوم بكل ما يفعله الأهل من عادات متوارثة والعادات المستحدثة أيضًا، وأن تكون فرحتهم كبيرة بقدر كل لحظة قضوها انتظارا لهذا الطفل، كل ألم شعراه بنظرة حسرة في عين أمه، هل بعد كل هذا الانتظار لابنهما وكل الليالي التي رجوا فيها اظفر طفل... تلده وحيدًا شريدًا منفيًّا هكذا؟!
أن يكون منزوع الأهل وهم أحياء يرزقون، أن يولد يتيمًا ووالده لا يعرف عنه شيء!!!
كيف ستحافظ عليه وحدها من ناردين؟! هل ستصل هناك ويخلصونها من بين أيديهم، تتذكر كيف مضت الأيام الماضية وعقلها لا يفكر تفكيرًا منطقيًّا، وكأنها ليست الصحفية المعروفة بعقلها الديناميكي في التحليل والتفكير المتزن، وكأن أمومتها الحديثة ومشاعر الخوف التي تدخلت شلت عقلها، كيف أنها كتبت جوابًا لأنس في غرفتها القديمة ولم تفكر أن تكتب ما حدث معها من ناردين في ورقة وتجعله يقرأها بصوت خفيض، أو أن تكتب جملة من كلمتين بإصبع الحمرة على المرآة وهي تشير له بالصمت بإصبعها فوق شفتيها وهو يقرأها، ولا تكن الجملة غير:
"أنا في خطر"
رغم أنها فكرت في كتابة الورقة وعلى المرآة منذ فترة إلا أنها لم تفكر في تنبيه أنس أو غيره بتلك الطريقة، وكأن عندما توضع داخل الخطر نفسه ويتمكن منك الخوف الشديد تتصرف بغباء منقطع النظير.
༺༻
بعد انتهاء الثلاث أيام في اليوم الثالث تمامًا
وقفت غرام تستمع للجدة ميسون وهي تصرخ بتكذيب ما قالته نجوى بصبر تحسد عليه خاصة أنها كغرام تصدق نجوى بإحساسها، وأبدًا ما خانها إحساسها إذ قررت أن تعتمد عليه، لكن هذه الجدة ساهمت في تربيتها وتقويم كل أخطاءها هذه الجدة التي سهدت كثيرًا من الليالي لتمرض أي منهما وعندما تشفى تمرض الأخرى بالعدوى فتستمر ليالي الساهد، نعم ميسون أخطأت وتزعزعت مكانتها داخل كل منهن، لكنها لا تستحق كل هذه القسوة التي تتخذها رهف في حقها، قد يكون مروان على صواب في تحليله بأنها تتلمس العذر لميسون كونها أم ومرّت بالكثير في سبيل ابنيها وقد تكون عذرت الجدة فيما فعلته فقد تفعله هي الأخرى مع ابنيها استنادًا لمشاعرها، يعلم الله أنها لن تفعل ما فعلته ميسون لكنها شعرت بألم لو أن أحد وليدها قد يخوض تجربة كما خاضها عمها مع نجوى، ليس بالتأكيد لأفكار جدتها بتلوث سُمعة الفتاة وأن تكون تصرفاتها نابعة عن جيناتها الملوثة، لكن أن يعيش ابنها مثل هذا التجربة في هذا المجتمع الذي لا يرحم أي مختلف، خاصة وإن كان هذا الاختلاف... اختلاف شرف ينتج في سبيله حياة أخرى لطفل لا يعرف للحياة ضارًا أو ضرار فتختل المفاهيم ويحاسب الطفل على خطأ لم يرتكبه كما عاشت نجوى حياتها ومن بعدها عاشت نفس الآلام رهف الذي كان وجعها مختلفًا فقد زاد على هذا الوجع أوجاعًا أخرى، بأن طعنها زوجها السابق بترك أمها لها فترددت صدى وجع رهف في صدرها مآزرة لابنة عمها، دائمًا توجعا معًا وعاشا مكلومتان بالنبذ، ونجت رهف منه بالحقيقة التي تفشت مؤخرًا ولكنها كانت نجاة مصحوبة بوجعٍ هو أشد قسوة، سمعت الجدة تصرخ عبر الهاتف السماعة تتعلق بأذنها:
-لن أسمح بمبيتها خارجًا مجددًا، اذهبي إليها واقنعيها إما أن تعود إلى هنا وإما أن تبيت في منزلك... لم أعد صغيرة لدلالكن المبالغ فيه هذا.
تخشب جسد غرام كما تصلبت ملامحها وهمست بتخاذل رغم قوة الحق بين يديها:
-لا يا جدتي هذا ليس دلالًا، لقد طعنت رهف هذه المرة بأقسى طريقة ممكنة، وجرحها حديثًا وغائرًا يحتاج لتقطيب شديد الرقة كي تشفى مما فعلتِ وأوصلتها لهذا الوجع...
كادت ميسون تقاطعها، فقالت غرام بنبرة شديدة الانكسار سريعة:
-جدتي مروان آتى الآن سأذهب له، وسأذهب لرهف وأقنعها بما أخبرتني به.
وبعدها أنهت المكالمة، وشعور الوجع المر كالعلقم تحاول ابتلاعه، لكن هيهات... عندما يكون الألم من الأقربين يكون مضاعفًا في شدته حتى يصعب تحمله.
استندت إلى الطاولة الرخامية بكفيها وهي تتنهد بقوة وتنزل رأسها بانهزام جندي في معركة مات فارسها الأول بعد أن انهكه القتال بشراسة.
دخل مروان وجدها بهذه الحالة فاقترب منها وهو يقبل أعلى كتفها ويحتضن خصرها فنظرت له تتحدث واليأس يصبغ نبرتها بضعف:
-أوصلت عمي وخالتي.
أجابها بإماءة بسيطة من رأسه وهمس:
-ماذا حدث؟ لقد كنا نضحك جميعنا قبل أن أنزل.
ظلت تنظر له قليلًا ثم مالت برأسها على كتفه وهمست:
-سأطلب منك شيء، هل تأتي معي لنقنع رهف بالمجيء لتبيت لدينا، أنتما على علاقة وثيقة يمكنك اقناعها معي، وقد تنجح وتستحي هي وتأتي معنا.
مسح على رأسها وقال:
-هيا بنا، سنذهب الآن.
نظرت له وعيناها تفيض حبًا وهمست:
-كم أحبك يا مروان!
دفعها بيده بعيدًا عنه وهو يقول:
-ابتعدي يا غرام واذهبي لارتداء ملابسك لنذهب لرهف، تختارين الأوقات جيدًا لهذا الكلام.
ابتسمت وهي تقترب منه أكثر تربط على صدره هامسة:
-أنت من ترفض اعترافي الآن.
-اذهبي يا غرام.
قالها بفظاظة وهو يبعد يدها بنفس الفظاظة فابتسمت له وهي تبتعد، بينما هو ظل على تقطيب جبينه حتى دخلت إلى الغرفة واستدار نحو الثلاجة يخرج زجاجة عصير وفتحها يشرب منها مباشرةً، فسمع صوت الصغير سيف يقول:
-إن رأتك غرام يا أبي ستصرخ كما تصرخ علينا.
-اخفض صوتك يا ولد.
قالها وهو ينظر نحو الغرفة التي اختفت داخلها، وهمس:
-أمك تصرخ عليك أنت وليس عليّ.
فدخل ماجد وتكتف أمام صدره محققًا فبدى نسخه مصغرة عنه وهو يقول:
-إذا كنت متأكدًا هكذا، دعنا ننادي أمي ونخبرها أنك شربت من فوهة الزجاجة مباشرةً.
-من فعل ذلك؟!
كان هذا السؤال من غرام التي وكأن الأرض أنبتتها من العدم، فرد مروان:
-لم يفعل أحد شيء، كل ما في الأمر أن الأولاد يحتاجان للعصير.
فقال سيف ببراءة:
-لا يا أبي أنت من فعل وشرب من الزجاجة.
ارتسم الذهول والذي يصحبه الإصابة ببداية ذابحة صدرية حتى أن مروان خشى عليها بالفعل وعندما تكلمت سألت:
-ماذا فعلت؟!
-لم أفعل شيء يا حبيبتي، هيا يا أولاد لنقنع خالتكم رهف بالمجيء معنا.
فصاح سيف مع ماجد بسعادة وهما يتجهان نحو الباب، فابتسم مروان وهو يمد يده بحذر بالزجاجة نحوها هامسًا:
-هل تجربين شعور الشرب من الزجاجة؟!
استدارت بعنف، فصاح:
-حلال علي إذًا العصير.
فصاحت بلامبالاة:
-حلال.
فابتسم وهو يلحق بها والصغار، لم يستقلوا السيارة لقصر المسافة وكانت دقائق من الدفء تحتله وهو يشابك كفه بكفها والصغيران يسيران أمامهما، دقائق عاشاها الأثنين بمشاعر دافئة كأسرة صغيرة يتمتعون بالسير تحت جنح الليل كباقي الأسر التي تحيى حياة هانئة مختلطة بمشاعر أكثر توهجًا كخطيبين حديثي العهد... كعروسين لم يجتازا الحياة معًا.
عندما اقتربوا همست لمروان:
-يبدو أن الخالة نجوى لدى رهف هذه سيارتها، هل ننتظر ذهابها ثم نصعد لرهف أم نصعد لهما، لا أعرف لكن أقول أن لا بد من ترك مساحة لهما للحديث فليس من الجيد وجودي كلما اجتماعا.
-حسنًا، دعينا نقف هنا حتى تذهب نجوى.
نظرت له باعتذار صامت، فقرص أنفها وهو يخبرها بعد أن فهم مغزى النظرة والاعتذار معًا:
-حتى وإن لم تطلبي مجيئي هل كنت لأتركك تأتين وحدك في الليل هكذا.
لم يدركها الوقت لترد وأطفالها يجرون مهرولين نحو رهف التي نزلت مع أمها صارخين:
-رهف... خالتي.
استدارت رهف مبتسمة بسعادة وشعرها الأشقر يهفو مع نسمات الليل العليلة فتطير بعقل الجالس داخل سيارته مراقبًا في الجهة المقابلة والظلام يخفي وجوده.
وصل إليها سيف فنزلت تحمله وتدور به قائلة:
-أوحشتني يا ذا الصغير.
-لست صغيرًا.
فقبلت إحدى وجنتاه، وعضت الأخرى قائلة:
-أنت صغيري البطل لي وحدي.
فابتسم فخرًا، بينما احتضنت ماجد وهي تسأله:
-أين أمكما هل تركتكما تأتوا وحدكم؟!
فقال ماجد بحماس يائس:
-ليتها تفعل يا رهف.
ضربته على رأسه وهي ترى تقدم غرام من وقفتهم واكتفى مروان بإلقاء سلام عابر حتى لا يتحرج الوضع بوجود نجوى، قالت غرام بعد اقترابها:
-لا تؤاخذونا كنا نعود أدراكنا لكن كلا العفريتين هذين اقتربا دونما إذن.
فقالت نجوى بابتسامة حانية:
-أبناءك يشبهونك لحد كبير يا غرام.
-شكرًا لك خالتي.
قالتها بمودة حقيقية ثم وجهت الحديث إلى صبابيها:
-هيا يا أولاد، سنصعد نحن ننتظرك في مكتبك.
فقالت رهف بإحراج:
-سأذهب لأتعرف على إخوتي يا غرام.
وقفت غرام متصلبة قليلًا في مكانها، ثم استدارت مبتسمة بعد أن تمالكت نفسها تنظر لرهف ثم همست سائلة:
-إخوتك؟!...
أردفت قبل أن تجاوبها رهف محاولة الابتسام:
-نعم بالطبع اذهبي، وبلغيهم سلامي.
ثم حدثت أطفالها:
-هيا يا ماجد وأنت يا سيف لنذهب عند والدكما لنعود للمنزل.
فسأل سيف:
-ألن تأتي رهف للمبيت عندنا؟!
-يومًا آخر يا عزيزي.
وانسحبت وهي تبتعد بطفليها نحو مروان وسارت نحو طريق العودة فنظر لها مروان ثم لرهف من بعيد دون فهم، لكنه لحق بزوجته التي كانت تعبيراتها تحوي بكاء وشيك شديد الانهيار ولا يعرف سببه.
༺༻
صف سيارته خلف سيارة الأجرة أمام الفندق الذي نزلوا به مع دفعتها لقضاء يومين للاحتفال بالتخرج، وجد فريد في انتظارها وأنقد السائق أجرته، بينما هي ترجلت من السيارة وعندما تقابلت نظرتهما، يلون نظراته الغضب الشديد وعيناها قد أهلكهما البكاء حد الاحمرار، فأنزلت نظارتها وجرت نحو الداخل بانهيار دون انتظار حتى فريد الذي بدى غضبه هو الآخر واضحًا، فحاول الترجل من سيارته لكن قبل نزوله لمح في أرض السيارة الهاتف القديم الذي استلموه من اللواء عصمت وهو يحاول إدراك ما أشعل تلك الكتلة النارية من الكوارث المتحركة على قدمين، انتشل الهاتف فوجده مغلقًا فأعاد تشغيله فلم يكن ينتهي شحنه فعلم أن تلك المجنونة أطاحت به أرضًا فضغط زر ايقاف تشغيل بشكل تلقائي فانغلق الهاتف دون انتباهها، فتح الرسائل بعد أن وصله أكثر من رسالة وكانت كلها من تيم يخبره بأنهم توصلوا لمكان زوجة أنس ووصل إليها الشخص المجند للدخول بين صفوف العدو في الخارج، ورسائل أنه لم يرد حتى الآن، أرسل له رسالة بأنه وصله نهاية الأخبار وأنه لم ير الرسائل إلا الآن.
ثم ترجل بغضب وهو يتوعد تلك المجنونة التي تفكر بأن ملاذ هي واحدة يعرفها كعشيقه سرية مثلًا، ابتسم وهو يتخيل شكل أنس إن علم بشكها في أخلاق زوجته هكذا... فلن يكون منه غير قتلها وقتله هو انتقامًا عن تسبيحه أو تكفيره الذي لا يعرف عما يكفر عنه.
أوقفه فريد في منتصف الطريق قائلًا:
-تريث، ماذا فعلت لتتهور تلك الحمقاء إلى الحد الذي يجعلها تستلقي سيارة أجرة في هذا الوقت من الليل.
-هذه المجنونة تفكر بأني أحب غيرها أو شيئا من ذي القبيل.
أشاح بوجهه وهو يخبط كف في كفٍ، فسأل فريد:
-ما الدليل الذي أمسكته ضدك بالضبط؟!
-هل جننت أنت الآخر؟ ملاذ هي زوجة زميلي أنس في القضية التي نعمل بها، لم أكن لأنظر لها من الأساس كل ما في الأمر أنها كانت في خطر، وأخبرني أحد الأصدقاء أنها أصبحت في أمان، ثم منذ متى وأنا أحب غيرها أنا لست أنت يا فريد متعدد العلاقات.
أراد فريد الحديث، فقاطعه حازم مردفًا من جديد وهو يناوله مفتاح سيارته:
-خذ هذا وصف السيارة داخل المأرب وأنا سأذهب لها.
أخذ فريد المفتاح وهو ينظر في أثر خطوات شقيقه الذي هرول خلف زوجته؛ فتنهد وهو يهمس في الهواء:
-وليت هذا التعدد يحمي قلبي يا أخي فالمرأة التي أحببتها بصدق لا تتهاون في قتلي بسهام وخناجر من الحب المسمم.
واستدار نحو السيارة ليصفها كما قال حازم الذي عندما وصل لغرفة الفتيات يضرب على الباب بعصبية مفرطة حتى فتحت تقى وقد ارتدت حجابها فصرخ بسؤاله:
-هل إيمان وتسبيح في الداخل؟!
قالت تقى بعصبية هي الأخرى:
-نعم، لا تصرخ ثم ماذا فعلت بتسبيح؟ ماذا فعلت لك لتجعلها تصل لتلك الدرجة من الانهيار؟!
-لا دخل لك، وابتعدي عن الباب لأدخل.
-لن أدخلك.
فزئر حازم:
-إيمان... تسبيح أية واحدة تأتي لتبعد تلك القزمة من طريقي حتى لأبطش بها.
فصرخت تقى بغضب وما يغذي اندفاعها انهيار تسبيح وهي تدخل إليهم وكأن أصابها الأذى، فخرج صراخها غير منتمي لسبب غضبها:
-من القزمة يا همجي؟!
فجاءت إيمان سريعًا بسبب صراخ تقى وحازم، وتلك الأولى إن نفخ بها ذاك الأخير ستكون العواقب وخيمة؛ فخرجت تقول:
-حازم رجاءً دع تسبيح الآن وتكلما فيما بعد... هي لا تكاد تجمع كلمتين لنفهم ما حدث.
فثار تدفق دماؤه وضجيج قلبه؛ فطلب منهزمًا وكأن انهيارها كفيلًا بإخماد ثورته:
-دعنيني أدخل لها يا إيمان، أنا أعرف ما تمر به، أنا أشعره وأعيشه معها كل يوم دعني أدخل إليها.
نظرت إيمان لتقى التي هزت رأسها بالإيجاب، ثم أخبرته:
-حسنًا، سننزل أنا وتقى للحديقة لكن لا تحزنها أكثر يا حازم.
أومأ هامسًا:
-لا تقلقا.
فانسحبت الفتاتان، بينما حث خطواته إلى الداخل وهو يبحث عنها في الغرفة فوجدها منكبة على وجهها تكتم صوت بكاءها في وسادة الأريكة، فاختنقت أنفاسه وهو يراها بهذا الضعف، فجلس بجانبها فقالت بأنفاس متقطعة مكتومة:
-دعوني وحدي رجاءً.
-لم أكن لأفعلها وأتركك وأنت تشعرين بمثل هذا الشعور.
هبت جالسة وشعرها كومة من اللفائف الحمراء الحلزونية، تصرخ وهي تدفعه في كتفه:
-اسكت لا أريد سماع صوتك، ماذا تعرف أنت عن شعوري أيها الخائن... أنت لم تتحمل نظرة رجل لي وأطحت بكرامته وكرامتي أمام الجميع، ومع ذلك لم تسمح بثورتي وأنت تصادق تلك الملاذ.
فصرخ هو الآخر وهو يكبل حركاتها:
-يا غبية، يا ذات العقل الضحل...
صرخت بعنفوان رغم أنها لم تتخلص من تكبيله لها:
-وتجرأ على شتيمتي.
-ولمَ لا أجرئ وأنت كذلك... أخرسي...
صرخ بآخر كلمة كما لو أنه سينقض عليها يقطعها إلى أجزاء متناهية الصغر وهو يراها تكاد تقاطعه، وأكمل:
-أنا أعيش هذا في الشهور الماضية يوميًّا وأنا أوصلك بيدي إلى الجامعة وأتخيل أنك تقابليه خاصة بعد أن علمت عن طريق الصدفة ذهابك واعتذارك له عما تعرض له من رفض...
كانت تعي ما يتحدث عنه بعلاقتها السابقة بإبراهيم، والتي اكتشفت أنها لم تكن له مشاعر من الاساس وان مشاعرها مع حازم من البداية، بينما كان يلاحظ هدوءها خفف قبضته عنها لكن تصلب جسدها بين يديه وهي تهمس بسؤال شديد الغباء:
-ممن عرفت؟! هل أخبرتك إيمان؟!
جز أسنانه هامسًا:
-لا يهم من أخبرني، وليست إيمان من تفعل ذلك بك، لكن هل لم يورد عليك اسم ملاذ من قبل... وحتى إن لم يورد هل لو كنت على علاقة بأخرى كنت لأجعل رجل آخر يطمئنني عليها أيتها الغبية.
كانت توازن كلامه وشهقات بكاءها تتسارع وهمست من بينهم تسأله:
-هل تقصد أنك لا علاقة لك بأخرى؟!
أمسكها من أعلى ذراعها وشكل قبضته ومثّل بأنه يوجهها في وجهها بتسديد، فصرخت وهي تحمي وجهها بكفيها، فرفع حاجبيه وانتظر حتى تنزل كفيها وحدها وهذا ما حدث فقد كانت تنزلهم ببطء، حتى رأت بسمته السائلة في سخريتها حتى الوجع، فكزت أسنانها وهي تقول بغضب:
-أمح هذه الابتسامة الساخرة فورًا.
لم يتجاوب، بل نفض ذراعها وهو يقف على قدميه، ليست سخرية أكثر منها يأس من أفكارك حولي يا تسبيح.
-ماذا؟!
تلك الـ "ماذا" الضائعة كانت في السراب الذي أخلفه حوله.
فقد خرج من الغرفة كرجل قتل توًا على يد أنثى جرى عشقها مجرى دمه.
༺༻
ثلاث أيام تجلس مع امرأة في عقدها الثالث من العمر، تراعيها بكل شيء من مأكل ومشرب، لكنها وكملاذ لم تنس بمنتهى التعنت أن تجعل تلك المرأة تتذوق من كل شيء تأتي به إليها، لا تعلم لمَ تلك المرأة صابرة معها هكذا... أو بمعنى آخر لمَ ناردين تجعل المرأة في خدمتها بكل هذا التعاون، فببساطة يمكنها ألا تلقي بالًا بأكلها من الأساس، لم تكن المرأة لتتصرف بحماقة من نفسها وأن تتذمر من معاملتها التي تقترب من الفظاظة والسوقية المنفرة، لذلك هي واثقة إن لطف المرأة ما هو إلا تعليمات من ناردين نفسها، لكنها تود أن تفعل كل هذه التصرفات علها تيأس وتغادرها تشكو ما تفعله بها، وبتكرار الفعل مع الكثيرات سينتشر خبر إن المرأة التي تحتجزها ناردين متعنته، فلا تقبل الأخريات بهذه الوظيفة... كان فكر في غاية التفاهة والسذاجة والسطحية، لكنها كالغريق الذي يمني نفسه بقشة قد تكون سببًا في غرقه أكثر من نجاته.
تتذكر كيف مرت الأيام الماضية في دوامة تبتلعها والحراس يتغيرون عليهما وأمام كل حارس تقف منتظرة الاشارة بأنه هو الحارس المجند من قبل والدها، أولهم وقفت أمامه تبحث في حنايا وجهه عن كلمة تهدأ لوعة النار المتقدة داخلها تغذيها مدى خوفها على جنينها، أما ثاني رجل رأته في نهاية نفس اليوم كادت أن تبدأ هي الحديث من كثرة ما كانت تتمنى أن يكون خلاصها.
-ليتني مت قبل أن أقبل حبك يا أنس، ليتني لم أحبك هذا الحب الذي جعلني أضحي بكرامتي وأعود إليك بعد أن تزوجت عليّ في عبارة واضحة "بأني لست كافية، وامرأتًا ناقصة"، وكلفتني تلك التضحية حياتي وحياة طفلي الذي رجوته من الحياة لسنين اقتات فيها على أمومة كنت أظنها مستحيلة.
قالتها وهي تستقيم واقفة أمام مغسلة الحمام، تلاقت نظرتها بالمرآة أمامها وظلت تنظر لصورتها حتى مالت برأسها وهي تتسأل:
-من هذه، هل هذه أنا؟!
إن ملامحها تغيرت، هل كبرت لهذه الدرجة؟! أم أنها تغيرات الحمل التي تطرأ على الأم في شهور حملها.
ابتسامة جميلة رغم شحوبها وهي تتذكر أنها قالت يومًا لأنس في أول زواجهما "إنها لن تكون من الأمهات المتذمرة من شكلها أثناء الحمل، وستكون أكثر من سعيدة في كل حمل وأبناءها يقتنصوا من جمالها، لن تبالي بأنفها الذي يكبر ويصيبه الاعوجاج ولا ببشرتها وهي تصيبها الجفاف رغم استخدامها لكل المرطبات ".
وتزيل آخر كلماتها بأن مقاييس الجمال الحقيقية هي النظرة المتوهجة في عينيها لتكور بطنها وانتفاخها ككل، فسخر منها هو كعادته:
-نعم كما كرهك لانتفاخ خديك والذي يعد معيار للأنوثة.
يومها ضربت كتفه وهي تقول:
-لا دخل لك بخدودي، ولا تتغزل بي في شيء أكرهه.
فاقت وهي تنظر لنفسها وتبتلعها دوامة حيرة تغير ملامحها، هل هذه تغيرات الحمل حقًا؟ أم أن هذه تغيرات ارهاق ذهنها حتى الرعب للهرب والنجاة بطفلها بعيدًا.
حاولت الابتسام وهي تقنع نفسها أن تلك التغيرات هي تغيرات الحمل وستسعد بها وتتعايش كما تعودت دومًا أن تتعايش مع جميع أوجاعها، وجع اشتياقها لحضن أمها خاصة مع كل مرة كانت تصيبها حسرة من حماتها و أنس، ومع كل مرة تُكسر فيها نفسها بسلبية نتيجة الحمل.
أخذت نفسًا طويلًا وزفرته على مهل استجابة لعودة مزاج رائقًا ومالت تضرب وجهها بالماء الجاري من جديد.
خرجت من الحمام بعد مدة فوجدت المرأة التي تسكن معها وتساعدها واقفة وقد تجهزت وأخبرتها مباشرةً:
-السيدة ناردين أرسلت لنا من يأخذنا للترفيه قليلًا ويعود بنا كما طلبت.
ابتسمت وهي تسأل بفرح أنساها ما هي داخله من كارثة ويرجع نسيانها لحالة الانغلاق والانعزال التام عن العالم الخارجي وهي لم تعتاد ذلك دائمًا ما كانت طليقة الروح، فكان سؤالها من السرور الذي زرع الشك داخل تلك السيدة والتي تبدو كالمرسال الوفي لصاحبه:
-حقًا؟ هل سنخرج؟! صدقًا تتكلمين؟!
أجابت السيدة وهي تحاول سبر داخلها وأفكارها:
-نعم هذا ما أمرت به السيدة.
-حسنًا سأرتدي ملابسي وآتي.
وقالتها وهي تستدير نحو غرفتها لتبدل ملابسها، تشيعها نظرات المرأة بريبة.
༺༻
وقفت أمام البحر وحدها بعدما كانت وإيمان يسيران بجانب بعضهما كهائمتين فأخبرتها تلك الأخيرة أنها ستذهب لتسبيح بعد أن مضى من الوقت ما يكفي لمناقشة ما بينها وحازم، فإيمان تخشى من أن يبطش حازم بتسبيح.
ظلت تراقب حركة النجوم الخفية عن أعين الناس لكن ليس عن عينيها، ابتسمت على تلك الخاطرة التي تبقت معها منذ الطفولة؛ فكانت تعتقد أن النجوم متراصة بجانب بعضها لكنهم لهم أيدي يمدوها بطريقة مخفية ليتماسكوا في حركة الهواء شتاءً ويتدفئوا، والنجمة الساطعة من بينهم هي التي تستمد أكثر قدر من الدفء لذلك تستطيع ابراز جمالها.
ارتعشت قليلًا فلمحها فريد من الشرفة الأرضية القريبة نسبيًّا من الشاطئ، فشتم غير قادرًا على التدخل منذ البداية ويأمرها بالصعود للغرفة، لكن في هذا الحين خرج وهو يسبها على تلف عقلها.
لكنه خرج في التوقيت الغير مناسب تمامًا، فقد كانت قد استدارت تنظر في الهاتف بعد أن وصلتها رسالة تحوي صورًا لها مع... حبيبها الأول، كانت من بينهم صور حقيقة هي من التقطتها لكن يتضح من ملامح وجهها واهتزاز الصورة ولو قليلًا نفورها من الوضع الذي اتخذه في آخر لحظة للالتقاط، كانت قد مسحت تلك الصور بنفسها بعد كل مرة يتجوز حده، ويستمر الجدال بينهم قائمًا ويتصالحا دون حل للمشكلة الأساسية لمفهومه حول ارتباطهما.
لكن أن يستخدم تلك الصور ضدها هكذا، والأفظع وجود صور لها بملابس بيتيه فاضحة وهي بين أحضانه، متى حدث ذلك؟ لا تتذكر...
ارتعاش الهاتف بين يدها ويدها الأخرى تمسد جبهتها وانزلاق دمعة شديدة الثقل من كثرة ما كبتتها وكان استقرارها شاشة الهاتف المضاء هو ما جعله يقف مكانه يراقب ما يحدث لها محاولًا فهم أسباب تلك الحالة التي هي عليها، رآها تستدير للبحر من جديد وترفع الهاتف نحو أذنها فاقترب بخطواته يستمع لما تقوله.
وكانت هي من الغياب ما جعلها لا تشعر بما حولها، فصرخت مجرد أن انفتح الخط:
-كيف تجرأ على ذلك؟! كيف؟!!! وكيف حصلت على الصور الحقيقية من الأساس؟!! لقد حذفتها بنفسي...
وصل صوته من الطرف الآخر ولكن بعد أن انتشله فريد من على أذنها وملامحه لا تفسر عن شيء غير الجمود الذي يرسل الرعب في الأوصال، لكن رعبها على سمعتها كانت أشد وطأة على أعصابها.
وبعد أن أخذ الهاتف من يدها عنوة وضع على المكبر بينهما، فهو يعرفها جيدًا فلن تكتفي بتدخله لحل الأمر وستريد معرفة كل شيء، استمعا الاثنين للصوت الخارج من الهاتف بمشاعر متباينة هي الخوف يحتل أعماقها بأن تكون سببًا في تلوث سمعة والدها بعد وفاته ويصدق أهل البلدة في أحاديثهم عن أمها، وهو الغضب يحتله بأكمله من داخله وخارجه:
-أنا لم أفعل ذلك إلا بعدما يئست من أن تغفري لي ما حدث، أنا أحبك أنت... زوجتي لم أحبها قط، تزوجتها كرغبة في الزواج والاستقرار ليس إلا، لكن بعد أن ظهرت من جديد سطعت معك كل مشاعري القديمة نحوك، أحبك يا تقى... ولا أستطيع فرقتك.
صرخت بانهيار:
-اللعنة عليك وعلي، لأني أحببتك يومًا... كيف عميت عن حقيقتك؟! كيف لك أن تقول ذلك عن زوجتك، دعنا من زوجتك، ماذا عن ابنتك؟! تخيل مشاعرها بعد أن تكبر وتدرك أنك يومًا تشارك مشاعرك وقلبك مع امرأة أخرى غير امها.
كانت من الانهيار الذي عاق ادراكها بأن فريد أغلق الخط بعد الجملة الثانية، فريد الذي ذهل من حقيقة ما تفوهت به منذ قليل فهمس بصدمة:
-هل كنت على علاقة برجل متزوج يا تقى؟! إلى أي مرحلة تدنيت بالضبط؟!
كانت ما زالت تهذي فاقترب منها يمسك بمرفقها يهزها لتفيق وتستمع إليه:
-هل كنت تحبي رجل متزوج؟! هل كنت تسرقيه من زوجته وطفلته؟! إلى أي شيطانة تحولت؟!
صرخت وهي تشعر ببوادر اهتزاز الرؤية:
-لم أكن أعلم... لم أعرف... كان يجيد الكذب، حتى جاءتني هي تهددني إن لم ابتعد عنه.
ترك مرفقها وكأنها ستلوثه:
-حقيرة، أنت تحولت إلى حقيرة... كيف لا تعرفين أنه متزوج، لا أصدقك... فلست معدومة الذكاء ولم أعهدك كذلك.
ظلت تنظر له بصدمة، لكنها فعلًا لم تحاول البحث ولم تفكر... لأن لا يزال جرحها الغائر بموت والدها والتحاق أمها به، جعلها خائرة القوة مهزومة الإرادة، أو ربما ثقتها بأنه حب الطفولة المتأخرة وبداية المراهقة الحقيقية، واعتقادها وقتها بأن الله أرسله لها في هذا التوقيت لتضميد جراحها الحديثة.
همست بعد مدة بحشرجة:
-علي الصعود للغرفة.
فقال بجمود غاضب:
-ليس قبل أن أرى الصور.
فصرخت وقد اتسعت عينيها:
-لا، بالطبع لن أسمح لك.
زيغ عينيها والرعب المحتل داخلهما جعله يقول ببرود قاسي:
-إذن يمكنك العودة بدون هاتفك.
-لن أسمح بذلك أيضًا بالطبع.
༺༻
جلست ملاذ في الحديقة تتنفس بعمق وهي تمسد فوق بطنها ذي الانتفاخ القليل، كانت تجلس بجانبها المرأة التي تساعدها، فطلبت أحد المشروبات الساخنة وهي ترى بائع لها، فذهبت المرأة وطلبت من الحارس بالإنجليزية ألا يغادرها، وبعد ابتعدت اغمضت عينيها وتنفست، لكنها سمعت الحارس يتكلم العربية الصحيحة وقال:
-لا تنظري خلفك سيدتي، وتصرفي بطبيعية... أنا الحارس المكلف بحمايتك من قبل والدك، ستجدين ورقة في حقيبتك اقرئيها عندما تعودين للمنزل وتكونين وحدك وتخلصي منها بنفس الطريقة التي تخلصت بأختها في المطار.
༺༻
دخلت تقى إلى الغرفة بعد أن تنازلت عن هاتفها رغمًا عنها، أغلقت الباب واستندت إليه قليلًا حتى خرجت كلًا من تسبيح وإيمان إليها، فقالت تسبيح سريعًا:
-نحن سنعود الآن وحدنا، أنا وإيمان أقصد... ولن نخبر أحد وسنغلق هواتفنا، هل تأتين معنا في المغامرة؟! أم تبقين وتدارين علينا كما دورك دومًا.
نظرت تقى لساعة يدها وقالت بذهول:
-إنها التاسعة والنصف مساءً، وسنسافر وحدنا على طريق ومواصلة غير آمنين.
ردت تسبيح ببداهة:
-وكيف ستكون مغامرة إن كان الأمر آمن؟!
-نحن في الليل، لم نغامر يومًا في الليل.
كانت محاولة تقى الأخيرة لإثنائهم عن الأمر، أو لإثناء تسبيح فهي الرأس المدبر دائمًا، التي ردت مجددًا:
-لأننا كبرنا على المغامرة في النهار، ويمكننا فعلها ليلًا.
كانت تقى من الحالة والنفسية التي تجعلها القيام بأي شيء، وليس مجرد السفر ليلًا كثلاثة فتيات في طريق لا يعلم خطورته إلا الله.
فخرجن الثلاثة محاولين التخفي من حازم وفريد ولقد نجحن في ذلك حتى وصلا إلى مكان المواصلة، واحتللن المقعد الأخير وهن يضحكن ويسخرن من مواقفهن على مر عمرهن، فقالت إيمان من بين ضحكاتها:
-دائمًا لك نصيب الأسد يا تقى في المواقف المضحكة عندما يتملك منك التوتر... لم تريها يا تسبيح وحازم يقول لها "أبطش بك" وكلام يحوي التهديد، وتركت كل شيء وتقول "من القزمة أيها الهمجي؟!".
ارتفعت موجة الضحك وكان الناس المستقلين تلك المواصلة ينظرون لهن باستياء وغضب منهن، ويتحسرن على أهلهن الذين ضاعت تربيتهم هباءً.
بعد قليل، وقفت المواصلة في لجنة طريق، وكان الضابط حريص على رؤية الهاوية لكل الأفراد الركاب، فقالت تسبيح توجه حديثها نحو إيمان:
-واضح أن المغامرة قد انتهت، وشقيقك فكر في الاتجاه الصحيح بذكاء منقطع النظير.
لكن بعد قليل وجدوا أن المغامرة لم تنته وأنهم لم يحملن هويات لتعريف الشخصية!!!
༺༻
انتهى الفصل السادس عشر
إلى اللقاء في الفصل السابع عشر


چورية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 20-01-23, 10:50 PM   #35

چورية

? العضوٌ??? » 505085
?  التسِجيلٌ » Jul 2022
? مشَارَ?اتْي » 40
?  نُقآطِيْ » چورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond reputeچورية has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السابع عشر
نقشتُ حروف اسمي بالحب وأحسبتها وشومًا
لكنها كانت موشومة فسادًا
فوجب محوها كليًّا فأصابني التشوه
لكنه كان تشوهًا يصيب الروح عميقًا
والروح جروحها لا شفاء منها
وعند إصابتها تحيا مبتور الأطراف
أو تموت مكلومًا، أي أنك هالكًا
ولا محال من موت قلبك حيًّا
فيدق كعضو هيكلي ويضطرب وظيفيًّا
ويكسر حسيًّا
حتى يظهر منقذك الأخير أخيرًا.
༺༻
كانت جالسة في مكتبها وحدها تفكر في زياتها لأخواتها كم كانوا مختلفين عنها، ولذلك لم تكمل ليلتها معهم واكتفت بأن جلست قليلًا وغادرتهم وجاءت إلى هنا تنعي وترثي حالها...
قاطع أفكارها دخول تيم عليها وخلفه كانت مديرة مكتبها، فهبت من خلف مكتبها وهي تقول:
-ماذا يحدث بالضبط، لماذا تدخل دون إذن.
فقالت مديرة المكتب بخفوت وارتباك:
-والله يا دكتورة هو من دخل، وحاولت ايقافه كثيرًا،لكن لم ينصت لي
-اخرجي أنتِ الآن.
قالتها رهف وهي ترى نظرات الخطر من تيم، فخرجت المديرة مسرعة بينما تحدث هذا الأوسط:
-أنا لن اسمح بمبيتك هنا مجددًا...
احتدت هي الأخرى صارخة:
-من أنت لتسمح أو لا.
-أنا أحبك وأريد الزواج بكِ.
ظلت تنظر له مبهوتة، وتحدثت عندما استوعبت ما قاله:
-ماذا تقول أنت؟ أنت لا تعرف عني شيء.
-بل أعرف كل شيء.
تنهد وأكمل:
-تقصدين عن والدتكِ، لا يهمني شيء.
اهتزت نظراتها عند ذكر والدتها، وتذكر أهم حادثة مرت بها أمها عندما أنجبتها.
-وماذا عن الاطفال، قد يكونوا لا يشبهوني ولا يشبهونك.
تنهد واطلق نفس حار مضطرب:
-يكفي أنك ستكونين أمهم، يكفي أنك رهف وزوجتي، ثم كيف لا يشبهونك؟.
-أنا لا أشبه امي ولا أبي.
-يكفي انك انت رهف حبيبة الفؤاد.
نظرت له مبهوتة، ودقات قلبها تعلو وتعلو بين جنباتها؛ ليقول هو بعد فترة صمتها:
-أنا أحبك يا رهف، ومنتظرًا اجابتك.
ثم انسحب خارجًا على وعد بالإجابة على طلبه... غادر تاركًا لها أحزانها
༺༻
بعد أن دخلت إلى المنزل هرولت نحو الحمام بعد أن أخبرت المرأة التي تجالسها:
-لوريا، أنا سأدخل إلى الحمام.
اطمأنت من انغلاق الباب جيدًا استدارت تُخرج الورقة من حاوية بنطالها وبدأت قرأتها، في البداية كان شرح مفصل لكيفية استخدام الجهاز الذي استلمته في الحمام الخاص بالمطار تجاهلت الشرح وذهبت لباقي الرسالة فوجدت بالفعل الشيء السري والغاية في الخصوصية حيث أنه كان يخص عادتها الشهرية، شيء لا يعرفه أي شخص غير والدتها رحمها الله فدمعت عينيها لذكراها، وأيقنت أن هذا الشخص تابعًا لوالدها بمنتهى الغباء الذي قد يذكر في البشرية كلها.
وكيف لا تصدق وهي كغريق تريد القشة لتستند عليها، ابنها بين احشائها يركلها كل يوم حزنًا وتعبًا.
تريد أن تغمض عينيها وتفتحهما وينتهي ذلك الكابوس الذي سيقضي على روحها قطعًا.
༺༻
جالسة منذ أن خرج ساهدة الجفون والقلب، تحاول اسناد قلبها جانبًا والتفكير بالعقل فقط لكن لا فرار من قلبها، هي تحب تيم وهذه حقيقة توصلت إليها منذ زمن لكنها أجبن من أن تقولها وتوافقه الجنون.
لكن ماذا عن حياتها... حياتها الآن واقفة لا تدور كعجلة الأيام، فقط أيام تشبه بعضها البعض لا اختلاف، مع عدم موافقة الجميع على مبيتها هنا في الدار، وهي لن تعود للجدة هذه الأيام، ولن تكون ضيفًا ثقيلًا على غرام واسرتها.
فأرسلت له بتسرع دون تفكير في جملة شديدة الرسمية:
'حضرة الضابط، أنا موافقة على طلبك'
انتظرت قليلًا، وفي الطرف الآخر نظر للهاتف بعيون مسبلة، ثم جحظت عيناه غير مصدقًا ونظر إلى نافذتها وجدها مضاءة، اعتدل في مقعده يقرأ رسالتها مرارًا، ثم أرسل:
'علام، أقصد أي طلب'
'طلب الزواج'
كانت رسالتها شديدة الرسمية، فكاد توأد فرحته فأرسل لها يداوي قلبه:
'اخيرًا ستكونين زوجتي وعندما يشتد الشجار بينا يومًا ما، وأقول لك "من تظنين نفسك" ككلمة أقولها وقت الغضب عادة، فتأخذك الجلالة وتخبرني "أنا الدكتورة رهف" فأرد أنا بعد تذكري موقف مشابه في أحد الأفلام لأجعل الموقف كوميديا "دكتور على نفسك إلى الخارج يا كلب"'
كانت قد فتحت نافذتها فرآها وهي تقرأ الرسالة ثم أغلقت الهاتف والنافذة بعصبية وهذا ما بغاه تمامًا.
༺༻
يكون التهور أحيانًا دربًا من الجنون وأحيانًا أخر دربًا من الوقع في الحبِ
قد يسيق بك الدرب لحبِ أهوج ومضيئ لامع بالزهوِ
نيتك تكون الفرار، فتجد نفسك تجر لما تفر منه
ترعرع الحب في قلبي منذ الصغر، فعشقت قلبك الأبيض الطفولي
والذي لم يكبر معنا بعد، وكل ذلك ويبقى لديك الشك في قلبي يا جاحدةً.
أحبك ولو مرت السنون والحياة أدهرًا.
༺༻
ثلاث ساعات من البحث عنهن وعندما يأسوا طالبوا من الفندق بفتح الغرفة، وبعد البحث اكتشفوا عدم وجودهم في الغرفة والفندق بأكمله بعد أن قرأوا الرسالة التي تركوها والتي لم تكن غير:
'لقد سافرنا للمدينة عبر الحافلة العامة'
قرأها فريد بصوت عالٍ، فقال حازم:
-هؤلاء لا يعرفون الطريق كيف يفعلون ذلك.
فقال فريد:
-نتصل بتقى هي أعقلهن وستجيب.
ثم تذكر أمر الهاتف فقال:
-لكن هاتف تقى ليس معها.
نظر له حازم مخبرًا:
-هل ذاك وقته أن تأخذ هاتفها، إنهم تركوا بطاقات الهواية الخاصة بهم.
رد فريد بتخوف حقيقي:
-إذا ماذا سنفعل.
-هناك نقطة شرطة يجب أن يمرون بها في طريق وصلولهم، سأتصرف.
༺༻
بعد ساعة أخرى وقفن الثلاثة فتيات أمام حازم كما ثلاثة طفلات مذنبات، ولولا أن الحافلة وقفت كثيرًا لتحميل الركاب لما توصلوا إليهن بتلك السهولة، فقالت تسبيح تهاجمه قبل أن يهاجمهن:
-ماذا الآن؟ ألا نستحق الهرب قليلًا حتى بعيدًا عنكم؟!.
فصرخ بها فاقدًا لأعصابه:
-أخرسي يا تسبيح، ما فعلتموه تستحقون عليه الجلد! هل هذا مفهومك عن الخصام؟ الهرب بعيدًا هكذا!.
كان صراخه مفزعًا فتراجعت قليلًا بخوف لحظه هو فندم على اندفاعه فبعد كل تقدم معًا يعودا للخلف مجددًا، فقالت بصوت متداعي:
-لم أهرب فقط أحببت المغامرة.
شبح ابتسامة سخرية ظللت شفتيه، بينما خفض صوته:
-أعلم أنك الرأس المدبر في الأساس.
ظهر تمردها واضحًا وهي تقول بصراخ هذه المرة:
-نعم أنا من خططت لذلك ألا يكفي ما فعلته معي بأن تصرخ بي كطفلة صغيرة أمام الجميع.
ظل ينظر إليها بعتب طويلًا فشعرت بالذنب تجاهه لكنها تجاهلت حزنها لخاطره، وتمسكت بقناعها الصلب فهمس بصوت وصلها واضحًا عن الباقية:
-ألا لحبك من شفاء.
ابتسمت بحزن وقالت وهي تقترب منه بنفس الهمس:
-نعم لا شفاء من حبي، لأني أحبك بمثله وأكثر قليلًا.
ابتسم لها فابتسمت بالمقابل في دلالة لصلح جديد ونية جديدة تبنى على الحب والحب وفقط... والقليل من تمردها وهو سيداوي الموقف ويحتويه في كل مرة تخرج صبره عن عقاله، فهي تسبيح القلب وطريق هدايته.
وبينما يتجهون نحو السيارات طلب فريد:
-أريد أن أتحدث معك يا تقى قليلا، من فضلكم جميعًا.
نظرت له تقى مبهوتة بينما تفهم الجميع وانسحبوا نحو السيارات، فهمس بعد أن أصبحوا وحدهم:
-ماذا الآن؟ تسبيح وهي مجنونة بالفعل… وإيمان يبدو أنها لم تسطع السيطرة على جنونها هذه المرة، ماذا عنك؟ كنت تمتنعين عن الخوض في جنونهن... ماذا حدث لك؟!
ظلت صامتة قليلًا ثم همست بما يحمله قلبها له، وكأن حديث تسبيح وحازم قد أثر بها:
-كنت أتهرب من مشاعري في لحظة جنون خرقت قلبي، كنت أريد المغامرة، والهرب من حبك... فلقد علمت بعد كل تلك السنين أن لا خلاص من حبك... مهما مرت السنون والأيام... لا زلت أحبك.
-وماذا أفعل الآن؟ ماذا بعد؟! ماذا عن المصيبة في هاتفك؟!
صدمت من ردة فعله ثم صرخت:
-ماذا بعد؟! ألن تخطبني؟! آه هاتفي، أتركني يا فريد، اتركني ومصيبتي وحدي.
-اترككِ!، أنا سأقتله.
صرخت بسرعة:
-لا، لا تقتله، لا تلوث يداك، هو لن يفعل شيء هو أجبن من ذلك، أنا أعرفه حقًا لن يفعلها.
-لا تتكلمي هكذا عن رجل غيري، أفهمتِ؟!!!
ابتسمت ثم أومأت له، وهمست:
-اطلبني.
تنهد وهو يقول:
-لقد تقدمت لك بالفعل، وأنت رفضتني.
زجرته قائله:
-تقدم من جديد، وادخل البيت من بابه، تقدم لي كرجل يرى زوجته المستقبلية لأول مرة... إن كنت تريدني حقًا.
كانت الزمجرة هذه المرة من نصيبه:
-بالطبع أريدك، هل لازال لديك شك.
قالها بمشاعر مندفعة، فاحمرت وخجلت، وهمست:
-لا، لكن تقدم لأخي.
-حسنًا، سآتِ لأخيكِ… لكن لا تعيديها مرة أخرى يا تقى.
سألت باستغراب من جملته:
-أعيد ماذا؟!
-أن تتهربي من مشاعرك نحوي مهما حدث.
-بالتأكيد لن أفعلها مجدًدا، أنا كنت أجهل مشاعري من قبل، لكن الآن أنا اعرفها جيدًا.
وعاودوا جميعًا للمدينة، فقد ركبت تسبيح مع حازم، وايمان الشاهدة على كل ما حدث وتقى مع فريد.
༺༻
-لقد ذهبت لرؤية أخواتها هل تصدق؟!
قالتها غرام بعد أن عادوا جميعًا لشقتهم، وأووا الاطفال لأسريتهم، كانت نبرتها كمن يسرد صاعقة واقعت فيها، فهمس بهدوء:
-يمكن أن تكون قد رأت أنها يجب أن تتعرف على أخواتها.
فهمست بصعوبة:
-وأنا؟!
قال بهدوء وتفهم يناسب موقفهما:
-أنت ستكونين أنتِ، أختها التي تربت معها منذ سنين.
نظرت له بوجهه مستعطف، فعطف عليها وأخذها بين ذراعيه هي والشطيرة التي كانت تحضرها له.
وفي تلك الأثناء ارتفع رنين جرس الباب فوقف من مجلسهما كل يعدل من ثيابه، ومروان يتذمر:
-من الذي أتى في هذا الوقت.
ثم خرج ليرى من المزعج الذي يضرب الجرس، ولم يكن سوى حازم وفريد، وتسبيح وإيمان وتقى وجوههن في الأرض، فريد يقف عند باب شقة تقى منتظرها لتدخل وتغلق الباب، وفعلت ذلك بعد أن أذنوا لها، وبعدها رحب بهما مروان:
-مرحبًا، ألم يكن من المفترض أن تصلوا غدًا.
دخلوا وجلسوا حتى قال حازم:
-شقيقتك لن يهدأ تهورها قط.
صرخت تسبيح:
-حازم!
-ماذا؟! يجب أن يعرف... أنتِ أقدمتِ على فعل خطير يا تسبيح.
سأل مروان مرتابًا:
-ماذا فعلت هذه المرة.
قال فريد هذه المرة:
-اهدأ يا مروان، هي لم تفعل ذلك بمفردها، فلقد شاركها الاثنتين الأخيرتين... إيمان وتقى، ونحن أنقذنا الموقف.
صرخ مروان فجاءةً حيث يخشى دائمًا من مرات تهور تسبيح فدومًا ما تكون خطيرة:
-ماذا فعلت بالضبط؟
قال حازم منفعلًا:
-لقد نزلت هي وايمان وتقى وذهبوا لموقع الحافلات الأجرة واستقلوا واحدةً دون مراعاةً لأي اعتبار...
-ماذا؟!
هذه كانت صرخة غرام وهي تدخل لإلقاء السلام، فقالت تسبيح:
-لا تزوديها يا غرام!
فقال مروان:
-لا تزيدها!!؟ الأمر يحتاج لأكثر من ذلك، كيف لك أن تفعلين ذلك، كيف؟!!
-أنا لم ارتكب جريمة، أنا استقللت مواصلة أجرة عامة، يركبها العديد من الناس.
صرخ مروان لعدم لامبالاتها الصريحة في فجاجة:
-ليس في الليل وحدكم.
-نحن لسنا صغار، أفهمت لسنا صغار.
وقتها فقط صاح حازم بها:
-تسبيح لا يعلو صوتكِ، كما أنك تجادلين وأنتِ اعترفت بخطأك.
-وأنت لم تخطأ؟!!!
قالتها بسخرية فقال فريد:
-تسبيح، لا تجادلي في الخطأ ولا تدخلي أمور العمل في حياتكم الشخصية.
تنهد مروان وهمس بصوت مسموع:
-إلى متى أداري عليك وعلى أفعالك، لقد تعبت يا تسبيح... هل أخبر أبي وأرفع يدي عنك أم ماذا أفعل؟!
وقفت تسبيح أمام مروان وهمست:
-اعترف اني اخطأت وخطأ كبير، لكن تعرفني وتعرف روحي طليقة وحرة، وهو من اجبرني على فعل ذلك.
ثم اجلسته وقبلته فوق جبهته قائلة:
-آدامك الله لي يا أخي.
༺༻
-أين أنتِ ملاذ؟!
سؤال يملأه اليأس تنهد به وهو يلقى بمفتاحه على الطاولة، ثم جذب أحد كراسي طاولة الطعام ويخرج من جيب سرواله ورقة كان قد طواها بعناية ليلة أمس، فتح الورقة وبدأ يضع علامة على كل مكان بحث عنها فيه، وبعدما انتهى وجد أنه لم يتبق من الأماكن ما لم يبحث عنه، فأعاد سؤاله الأول صراخًا:
-أين أنتِ يا ملاذ؟؟؟؟؟
كانت صرخة شديدة اليأس قبل أن يضع رأسه على الطاولة في عدم جدوى ويأخذه النوم إلى الصباح عندما استيقظ مفزوعًا على ضربات قوية على باب المنزل؛ فصاح:
-ملاذ!!!
حزن وجهه قبل أن يقوم مثقل القلب والجسد، وفتح الباب وتوالت قبضة كارم على أول قميصه وهو يصيح به بغضب:
-أين أختي، أين، ماذا فعلت بها؟! لقد طوفت بقاع الأرض بحثًا عليها!
استسلم أنس لضرباته كارم الهوجاء ولكماته حتى انتهى وسأله بضعف:
-ماذا فعلت لك لتفعل ذلك بها، ليتني لم أتركها تعود لك... ليتني أجبرتها على تركك وطلب الطلاق منك.
-فقط تعود وسأفعل أي شيء.
༺༻
وقفت رهف تنظر الى السماء شاردة في ابنة عمها التي لا ترد على اتصالاتها مطلقًا، تعرف غرام وهن صغار وهي لا تحب ان تنشغل عنها بأي أحد آخر، لكنها كانت في حاجة لرؤية أخواتها من والدتها، كان يجب أن تراهم، لكن ليتها ما رأتهم كانوا جميعًا مختلفين عنها شكلًا وشخصًا عدا الصغيرة التي كانت نسخة مصغرة عنها، ولكن لها خدين لا تملكهما هي غاية في اللطافة، وهي في الصف السادس الابتدائي، شخصيتها مرحة اجتماعية، روحها قريبة من القلب تخطف نظرتك وقلبك بضحكتها، تخشى أن تكبر وتصبح مثل أخواتها، كانت جملتها وهي تتحدث إليها في الليل والجميع نيام وهن الاثنتين ساهرتين وهي الوحيدة التي ودعتها قبل أن تترك المنزل في الليل وتأتي إلى هنا.
رنين الهاتف هو ما أفاقها من شرودها فنظرت ووجدتها غرام، رفعت الهاتف تتحدث اليها قائلة:
-ماذا يا غرام... لقد اتصلت مرارًا، أين أنتِ؟!
-كنت نائمة.
قالتها بكسل، فابتسمت رهف وقالت:
-تنامين أنت، وأنا احسبك غاضبة مني.
-ولما اغضب منك؟!
قالتها بطريقة جعلت رهف ترد:
-مثلًا لأنني ذهبت مع أمي إلى اخواتي.
همست غرام ببرود وهي لم تسمع كلمة امي، وقد اكتفت بسماع اخواتي:
-وماذا وجدتي اخواتك؟!
قالت بصراحة قوية:
-لا يشبهوني، ولا اشبههم، لكن تبقى أمي هي أمي...
صرخت غرام بسعادة حقيقية:
-أخير قلتي امي.
ابتسمت رهف وهمست:
-نعم، وقبلت الزواج من الرائد تيم لقد عرض عليّ الزواج ووافقت.
-دون رجوع للجدة؟!
-نعم، سأغلق الآن.
-انتظري لن اضغط عليك لتعلميها، لكن من باب العلم أخبريها.
-لا... انا لا اغلق لهذا السبب، أنا في الدار ولدي الكثير من العمل لذلك قلت سأغلق.
قالت غرام بسماحة:
-حسنًا إذا، إلى اللقاء.
-إلى اللقاء.
قالتها وهي تتلقى بطاقة من مديرة مكتبها باسم أنس، قرأتها بعد أن اغلقت الهاتف بغرابة ثم أشارت لمديرة مكتبها بأن تدخله.
بعد قليل دخل بذقن غير حليق ووجه يملأه العلامات من اللكمات التي تلقها من كارم، فنظرت له مصدومة فتجاهل نظراتها قائلًا دون مقدمات:
-دكتورة رهف، أين زوجتي؟ إن كنتِ تعلمين أخبرني.
من لهجته اللهفة في صوته قلقت على واحدة من صديقاتها ومن أشد المساهمين بالدار، فسألت بقلق:
-ماذا حدث بالضبط؟! أين هي ملاذ؟! وماذا تلك العلامات التي تشوه وجهك؟
-لا أعرف أين هي ملاذ، وكنت آمل أن أجدها هنا أو أنك تعرفين عنها شيء... أي شيء يطمئنني...
قالها بانهزام، وقاطعه رنين هاتفه باسم حموه فرد:
-مرحبًا سيادة اللواء.
-أريدك أمامي في مبنى القوات حالًا.
-حسنًا... هل وجدتموها؟!
-شيئا من هذا القبيل.
كان صوت اللواء عاليًّا إلى الحد الذي جعل رهف مستمعة لحديثهم، وطالبت مرافقة أنس وذهبت معه بالفعل، ويتغذى قلقها على مشاعرها.
༺༻
مع دخول رهف برفقة أنس المشوه الوجه قليلًا جعلت الجميع يتفاجأ فقابل نظراتهم بالهدوء فرفع تيم رأسه لرهف – بشعرها الأشقر الذي دائمًا ما يتطاير هكذا – بدهشة لم تدم طويلًا وارتسمت الابتسامة المتسعة على فمه، فقد وافقت أخيرًا على طلبه للزواج وقالتها في رسالة مكتوبة واغلقت الهاتف متهربة حتى لا يتصل بها، وكم هو أكثر من سعيد بذلك، لأنها اثبتت بالبرهان أنها تكن له مشاعر وتتهرب منها خجلة، استفاق من افكاره على صوت اللواء وهو يقول بغضب مصحوب بقلق:
-رجلنا انكشف ولم يعد أحد منا عيننا هناك على ملاذ.
-أين هي ملاذ بالضبط، هل تعلمون مكانها؟!
كانت جملة أنس بعصبية شديدة، فأجابه تيم الموجود مع اللواء ومروان واقفًا لا يدري كيفية التصرف:
-اهدأ يا أنس، كان الأمر من البداية محكم التخطيط لكن لا ندري كيف انفرط الحبل من بين ايدينا.
-ماذا يحدث بالضبط أنا لا أفهم شيء؟!
كانت جملة رهف البسيطة والتي جعلت عصمت يفور غضبًا وكأنما عاصفة وهبت تجرف ما تراه:
-دكتورة رهف يمكنك أن تغادري الآن.
احمر وجهها احتقانًا وحرجًا، ثم انسحبت من الغرفة، وفي خروجها قابلت في طريقها المقدم شريف والذي كان في طريقه لغرفة الاجتماع.
بعد أن خرجت رهف سأل أنس بتوجس وخشية من تحقق ما فهمه:
-أين ملاذ؟!
لم يجد رد، فمس مجددًا:
-أين زوجتي يا تيم؟ من الواضح أن الجميع يعرف أين زوجتي إلا أنا.
رد تيم بهدوء دب الخوف في صدره:
-ستصبح في أمان إن شاء الله.
كان قد دخل المقدم إلى الغرفة وسأل:
-لمَ أين هي، هل هي في خطر؟؟؟
نظر له اللواء عصمت وقال:
-هل أنجزت ما أمرتك به؟
-نعم سيادة اللواء...
قالها باحترام، فقال اللواء بانهزام:
-ملاذ يا أنس في الخارج، بسبب زوجتك الثانية.
ثم خرج وخلفه شريف بعد أن طلب منه الأول اتباعه، وجلس أنس على أقرب كرسي ببطء شديد وهو يهمس:
-كيف ذلك ولما لم يخبرني أحد؟
كان الرد من نصيب كارم الذي دخل هائجًا إلى الغرفة يوجه حديثه لأنس
إسأل نفسك ماذا فعلت بها وكيف أوصلتها لتوافق تلك الحقيرة زوجتك، إلى أي حال نفسي اوصلتها لتفكر في الرحيل دون الرجوع لاحد اطلاقًا.
تحدث أنس بأنفاس ذاهبة:
-نعم أنا من فعلت، أنا السبب... ماذا أفعل لاسترجعها... ماذا أفعل؟؟؟
༺༻
-أنا في حالة نفسية سيئة، ويبدو أن خطبتي لن تكتمل يا فتيات.
قالتها إيمان وهم في جلسة نسائية في تجمع عائلي صغير فصرخت غرام وتسبيح:
-ماذا؟!
واستكملت غرام:
-لا تقوليها مرة أخرى.
دمعت عينيها وهي تتوالى الحوار وشرح ما حدث ليلة الخطبة وتباينت انفعالات الجميع بين غضب وثورة وحزن فقالت غرام:
-لمَ تحبين آخر لا يحبك، بل وكان ينتقم منكِ،
-كنت واهمة الآن أنا أكنّ بعض المشاعر لكارم، قد أكون سقطات في غرامه، ولا أعرف متى حدث ذلك...
فقالت تسبيح سائلة لها:
-هل تشعرين تجاه كارم بمشاعر الحب حقًا، أم أنها خديعة تخدعين نفسكِ بها قبل الجميع.
هزت رأسها إيجابًا وكلها يختض أثر للبكاء وللحالة التي توصلت إليها، فقالت غرام:
-كارم في أشد الحاجة لك الآن لسبب شقيقته التي هي بين يدي أعداء لا يرحمون.
صرخت إيمان وتسبيح وغرام:
-ملاذ!
فتكلمت إيمان وهي تشعر بالخطر والخوف من مجهول لا تعلمه:
-لمَ أين هي ملاذ؟! ومن العدو؟؟؟
-العدو هو زوجة أنس الثانية.
صرخت إيمان:
-كيف وافق كارم بزوجة ثانية لشقيقته، ثم لماذا زوجة الثانية تشكل خطر لتلك لدرجة .
-لا أعرف الكثير، لأن مروان أخبرني أنها أسرار عمل.
والجميع لم يذكر أكثر من ذلك في هذا الموضوع.
༺༻
وبالفعل أخذت إيمان بنصيحة غرام بعين الاعتبار واتصلت بكارم وعندما فتح الخط، قالت بلهفة كانت لتسعد الآخر في وقتًا آخر:
-مرحبًا يا كارم، كنت قد يئست من أن ترد، لا تحزن مني أرجوك أنا أحبك أنت واكتشفت ذلك مؤخرًا، عندما كنت في حفل تخرج تسبيح لم اجدني غير بأن أفكر بك طوال الوقت، اعلم أن هذا ليس الوقت المناسب لقول ذلك، لكن شعرت بذلك فقلته، رغم أنني متصلة لأطمئن على ملاذ شقيقتك، هل وجدوتها؟!
تنهد طويلًا وهمس:
-ليس بعد.
كانت مكالمة طويلة جدا بها من المشاعر والانفعال، والحب والمودة... حتى قررت ايمان فض الحزن بالمرح وهمست:
-كيف توافق على زوجة ثانية لأنس هل تنوي بالزواج بثانية.
تجاهل كارم الوجع والألم وقرر أن يجاريها في مزحهما:
-أنا لم أتزوج الأولى بعد.
قالت إيمان:
-لكن أخبرني حقيقتًا كيف وافقت على الزوجة الثانية لشقيقتك.
تنهد مخرجًا نفسًا طويلًا:
-لم أوافق لكنها كانت تحب أنس لدرجة العشق هما الأثنان لهم قصة حب مثالية حتى تزوج أنس من ناردين.
༺༻
بعد خروج الجميع من الاجتماع توجه مروان نحو مكتب رهف، وبعد السلام، قال مروان دون مواربة:
-رهف ستعودين معي للمنزل الآن.
ردت بسرعة واندفاع:
-مروان هذا أمر لا نقاش فيه.
دخل تيم في هذه اللحظة قائلًا بنفس اندفاعها:
-وأنا لن اسمح بأن تباتين في الدار وحدكِ مجددًا، أنا لا أعلم ماذا يحدث معكِ بالضبط لكن ما أنا متأكد منه هو أن لا وجود لهذا التهور من جديد.
صرخت:
-اي تهور، انها دار محترمة.
-لم اقصد أنها غير محترمة، أنا أغار.
كان مروان يراقبهما رافعًا حاجبه بصمت، وعندما رفع تيم بصره إلىه خجل وهرب بنظرته، ثم قال بحياء رجولي:
-كنت قد عرضت الزواج على رهف وهي وافقت، وكنت سأتقدم لكن الظروف التي نحن بها جعلت الأمر يكون به صعوبة.
قالت رهف بحرج من موقفها:
-مروان أعتذر لأني خبأت أمر كهذا، لكن كما قال الظروف التي نمر بها.
قال مروان وهو يستغل موقفها:
-هل ستعودين مع الجدة أم معي.
فقال تيم:
-أو معي أنا، أتزوجها الآن وتعود معي.
صرخت رهف:
-لا كيف هذا؟!
-ألم توافقي بكامل ارادتكِ؟
سألها مروان لإصرارها على عدم الذهاب معه إلى منزله أو إلى منزل الجدة.
انتظر كل من تيم ومروان اجابتها وكان اللواء يستمع للحوار منذ قليل، فدخل وهو يقول:
-إذا كانت أبدت موافقتها ستكون بكامل ارادتها، لذلك أقول لكِ يا ابنتي أنك غاضبة من جدتك، ولك الحق ولكنها جدتك، سأتصل بها لتحضر ونتفق على مكان نجتمع به ونعقد القران.
ثم التفت نحو تيم وقال:
-وانت يا بني لو كنت جاهزًا اتصل بوالدتك واخواتك واخبرهم، او نأجل للغد.
قال تيم سريعا:
-لا، اليوم أنا جاهز اليوم.
ابتسم اللواء، ثم سأل رهف:
-يبدو أنه قد قرر يا ابنتي، ماذا عنكِ؟!
ابتسمت بخجل وهي تقول:
-لا أعلم.
فقال اللواء:
-هيا يا ابني اذهب وبلغ والديك وآتِ بالشيخ.
ابتسم تيم وهو ينظر لرهف التي ظلت مبتسمة بخجل وخرج سريعًا بينما عصمت قال:
-وأنت يا مروان اذهب وحدث زوجتك.
༺༻
بعد عقد القران في أحد المساجد احتضنت غرام رهف والسعادة ترسم معالمها على وجهها ثم جاءت السيدة ميسون تبارك لها:
-مبارك يا ابنتي، مبارك... لا تغضبِ مني كنت أحميك، لكن الحماية جاءت بالعكس وأصبحت أضرك ولا أنفعك، سامحيني.
ابتسمت رهف وهي تقول:
-لا داعي للاعتذار يا جدتي، لقد انتهينا من هذا الموضوع... تمامًا، أمي ستبقى أمي، وأنتِ جدتي كما انتِ.
كانت كلماتها حاسمة فالجدة ربتها وتعبت حتى كبرتا هي وغرام، كما أن غرام وسيادة اللواء محقين في أنها جدتها وليس لها الحق في الانسلاخ منها.
بعدها ودع العروسان الجميع ليبدؤوا معًا حياتهما الخاصة، حتى وإن كانت ليست كأي عروسين في مقتبل حياتهما.
༺༻
بعد أيام في مبنى القوات
قال عصمت بعد تردد:
-ملاذ في أمان داخل مصر ولكن يا أنس لقد خسرت جنينها، بسبب كثرة التنقلات عبر وسائل الطيران.
جحظت عيون الجميع وقال أنس بلهفة:
-أين هي؟ المهم هي، أريد أن تكون بخير.
قال اللواء وأمام عيناه تتوافد صور أحداث الأيام الماضية:
-ملاذ قد كتبت على المرآه أنها في خطر قبل خروجها من الشقة وحاولت لفت نظر أنس لها مرارًا ويشاء القدر أن تسمعهما ناردين عندما طالبت ملاذ بالعودة للمنزل أمام باب عملها لأنها نسيت مفتاحها، لذلك دخلت الشقة ومحت المكتوب على المرآه.
سأل أنس بتوتر:
-إذا أين هي ملاذ؟
بينما سأل حازم محاولًا فهم ما يتحدث عنه اللواء:
-اسمح لي سيادة اللواء، من أين لك بهذه المعلومات.
صرخ اللواء بغضب:
-ماذا جرى لك يا سيادة الرائد، هل تحاسبني على مصدر معلوماتي.
-آسف لم أقصد سيادتك.
-عمومًا مصدر معلوماتي هو السيدة التي تساعد ملاذ في المنزل، يومها دخلت لترى ما ينقص المنزل ولمحتها واتصلت بي تخبرني، فأخبرتها بالخروج من الشقة وتركها كما هي، وبعدها وصلت للشقة ولم أجد شيء.
بينما قال أنس:
-أريد أن أعرف أين زوجتي يا سيادة اللواء، ملاذ ليست زوجتي فقط، هي روحي.
آزره تيم بأن وضع كفه على كتف الآخر قائلًا:
-لننتظر قليلًا يا أنس.
-أريد أن أطمئن عليها فقط.
قال اللواء بهدوء:
-اليوم هو حفل زفاف أخيك يا حازم... مبارك سنحضره ثم نتجهز للعملية من جديد.
༺༻
في الليل في قاعة حفل الزفاف
قد يكون يوم فرح هو الذي ينتصف أيامًا من التوتر هو يوم استراحة محاربين وهذا ما قصده فريد... وقد تقدم لأخ تقى وطالب بها زوجة وحصل على موافقة أخيها، وتعمد هذا اليوم لأن يوم مولدها
اجتمع الجميع في فرح وسعادة، وقف الشباب يتضاحكون انتظارًا للعروسين، وعلى بعد وقفن الفتيات.
كانت الزفة جميلة بشكل مبهر خاطف للعين، مشاعل، وعمدان قصيرة محفوفة بالورود البيضاء الكبيرة.
كانت تقى متعلقة بذراع فريد بفرحة وسعادة ظاهرة غير قادرة على السيطرة على مشاعرها.
لكن الفرحة لم تكتمل بأن جاءت الأنباء بخبر أن الدار تحت تهديد والاطفال في خطر.
خرج الشباب الثلاثة لأن أنس لم يحضر الحفل تاركين فريد وحده بعد أن كلّمه حازم في اذنه مبلغه بما يحدث ومن هنا بدأ الزفاف ينهار.
حيث دخل بعد خروج الشباب إلى القاعة سطو ملثمين الأوجه.
كانت الاحداث سريعة فأخذ كل اثنين من الشباب الأربع بعدما تقابلوا مع أنس فرقة من الجنود وانقسموا مجموع نحو الدار ومجموعة نحو القاعة.
༺༻
قبل قليل عند ناردين
وقفت غير مصدقة عينيها عندما رأت زوجها أمامها لا تعرف كيف، فقالت:
-چو أنت حقيقي أم أنني أحلم!
ابتسم لها فظهرت وسامته الشقراء، وقال:
-حقيقي مائة بالمائة... جئت لنكمل انتقامنا.
-أي انتقام أنا كنت انتقم لك.
-انتقامك من أنس لأنه تركك وتزوج ملاذ.
قالت بهمس حزين:
-لكني لم انتقم لذلك، أنا أنتقم لأنه كان سببًا في قتلك.
-أي قتل أنا أمامكِ الآن.
-لكن ذراعك الأيمن هو من أخبرني بذلك.
ابتسم مجددًا واجابها:
-كل ذلك لنوهمك، حتى ندخل إلى هذه الأرض وننتقم من أناس أخر، أنت مجرد خطوة.
-أنا زوجتك چو، أنا زوجتك كيف لك أن تفعل بي ذلك؟!
ضحك ضحكة طويلة وهو يستمع إليها، فصاحت:
-علام تضحك؟!
قطع ضحكته وكشر عن أنيابه قائلًا:
-على سذاجتك، أنا لم أتزوجك قط، كان ذلك خدعة.
صدمت وهي تعود للخلف وتفكر بأن عصمت كان على صواب عندما أبلغها ذلك، فأصبحت تشكر ربها الآن لأنها عملت بكلامه؛ فقد كان واثقًا مما يقوله، وها لم تمر الأيام وقد ظهر يوسف، فقالت تجاري حديثه:
-والآن أنت عدت لتنتقم لأناسك، وأنا؟!
-ستكونين زوجتي.
ابتسمت باهتزاز وقالت:
-وهذه المرة ستكون حقيقة.
وابتسم لها وقال:
-نعم، والآن نحن سنقتحم ونبدأ انتقامنا معًا.
ابتسمت له، وقالت:
-حسنًا، ماذا سنفعل.
كم من خديعة خدعت وكم من ألم تألمت
كم من حب زائف تجرعت
أفلا من خلاص
༺༻
في الدار من الجهة الخلفية بدأت عناصر الجنود في الانتشار سريعًا في هدوء وخطوات ثابتة تمامًا، بدأت القوات في الاقتحام، واقتناص رجال العناصر الارهابية ببسالة وقوة.
كما حدث في القاعة حتى حدث الاشتباك الاكبر وكانت القوتين يحاولوا تفادي النفوس البشرية المنتشرة والأطفال.
وفي الدار كانت ناردين تمسك بهاتفه، الذي جاءه رسالة بأن بينهم خائن، فأخذه منها يوسف ورأى أنها تتواصل مع اللواء عصمت فرفع سلاحه وصوبه تجاهها واطلق رصاصة، مع دخول أنس وكانت الرصاصة الثانية من نصيبه...
وها قد مات الزعيم، وماذا بعد هل تدوم المعركة
༺༻
انتهى الفصل السابع عشر

الختام
سلام من الهوىٰ إني ارتضيت سعادةً
وعشت فيها رخاءٍ وازدهارٍ بين ذراعي الحبيب
وكدت الموت غريقة في أنهار الغرام الصافية
صافية من الشوائب، أنما هي عطرة مطهرة
༺༻
قد نعيش سنين ضحلة من الحب فتأتي سنين رخاء بعد سنين عجاف
نعيش ونتعايش في صعاب وتمر بنا نتجاوزها باللين مرة والحب مرةً أخرى
فنعيش هانئين بالحب وتبقى الأفئدة ملوعة بالشوق
في الحياة نحيا سعداء بعد سنين علقم مرارة أضنت على كل بريق.
༺༻
بعد مرور السنين.
تلقى أنس ابنه الجاري نحوه بالحضن من النادي، بينما خرجت ملاذ متهادية في ثوبها الأنيق بابنتهما الصغيرة، رحب أنس بزوجته:
-مرحبًا يا أم الأولاد.
شعرت بزهو وهي تقول:
-مرحبًا بك أنت يا أبا الأولاد.
ابتسم لها ابتسامة خاصة وهو يقول:
-هيا بنا، لدينا مهمة الشراء لهدايا الحفل في الدار.
༺༻
تضمك عيناي وهي تسابق ذراعاي
والاثنان ليس الأكثر شوقًا مقارنةً بقلبي
༺༻
"لحن الحياة قد يكون حزينًا لكن ليس بجانبك"
جملة وجدها كارم في أحد دفاتر إيمان في المنزل مزينة بإسمها مرسلة لإسمه، لا يعلم متى كتبتها لأنه من كثر الجراحات في الأونة الأخيرة جعلته غير منتبه لكلماتها التي تزيلها هكذا كل فترة فتناغش قلبه بحب فيدفئ خاصها بغرام من أوتار العشق.
هي أضحت بالنسبة له كالوتين تسير فيه سير الدَمِ، هكذا فكر وهما يتجهزان لحفل الدار، نظر نحوها فوجدها تعاني مع حذائها بسيط المبلس وبطنها المنتفخ أثر حملها الأول، فاقترب منها وأخذه من يدها وقال وهو يواري بسمته:
-دعني أساعدك.
فصرخت مغتاظة من بسمته:
-لا تضحك، أفهمت لا تضحك.
-أنا لا أضحك كيدًا، أنا أضحك سعادة بك، وبطفلنا.
قال يهادنها، فقالت بهمس:
-أعلم ولكن أغتاظ من شكلي، كما التي ابتلعت ثمرة بطيخ كاملة دون مضغ.
فهمس:
-ماذا برأيك أن نجلس ولا نذهب للدار ونقضي النهار في المنزل سويًّا.
ابتسمت بخبث، ثم تذكرت قائلة:
-لا فملاذ ذهبت لشراء الهدايا وحدها والجميع شارك في الحفل عداي أنا وتقى بسبب انتفاخ بطننا.
فقال وهو يملس خدها:
-اذا هيا بنا.
فقامت معه بالفعل وغادرا للحفل.
༺༻
في الحفل، كان الجميع سعيدًا وقد تم بناء الجزء الذي كان يبنى من التبرعات، وتم استضافة أطفال جدد، كانت كل زوجة ترتب المهام التي توزعت عليهم.
وصل أنس واسرته، وتقابل الشباب واكتمل لمتهم من جديد، ست شباب أصبحت بينهم صداقة غير عادية، يجمعهم الود والمحبة.
ست أسر اجتمعوا معًا بحب وسعادة لتنظيم حفل الدار على أكمل استعداد.
ناوش فريد كارم فجرى خلفه، فضحك الاربعة شباب الباقية عليهم، وعندما انتهى الضحك، قال أنس بتذكر لأيام مضت:
-من كان يصدق أن المقدم شريف سيكون الخائن بيننا، لقد كدنا نشك في بعضنا.
قال تيم بفخر باللواء عصمت:
-لكن سيادة اللواء كان يعرف، وكان يحسب حساب كل شيء لولاه لما قبضنا على التشكيل.
فقال حازم بوجهه الصارم:
-للعمل أسرار... ولولاه لم يكون كل منا مقدم.
أما مروان قال:
-ستظل ذكرياتنا جميلة يا شباب، وسنتقابل ونتجمع، أتوحشكم من فترة لما بعدها.
أما عن تجمع الفتيات، قالت غرام:
-آسفة يا بنات لم أشارك معكم في شراء الهدايا، لأني كنت اجمع من أموالي لأشتري لفارس الجهاز الموجه نحو الصوت المرجو سماعه، تعلمونه كبر ويحتاج لهذا الجهاز في دراسته.
فسألت تقى:
-ما فائدة هذا الجهاز يا غرام.
-هذا الجهاز تضعيه قرب الصوت الذي تريدين سمعه وتوجهه نحوه ثم تصليه بالسماعة... فيلتقط الصوت المرجو وحده.
فقالت رهف:
-جزاك الله خيرًا يا غرام، كان يحتاج إليه بالفعل.
༺༻
في الليل جلست تسبيح بجانب حازم وطفلهما يلعب بالألعاب أمامها، فقالت:
-غرام قاربت على الولادة هي وتقى... وسأنشغل الفترة القادمة.
ابتسم هامسًا:
-سأكون معكِ.
ابتسمت له:
-أرأيت طفلي رهف وتيم التوأم، بشقرتهم.
-نعم شديدي الوسامة.
ضمت نفسها إليه، قائلة:
-ليسوا أوسم منك يا حبيب عيوني وقلبي.
-لا تنامي يا تسبيح.
قالت مبتسمة:
-أتعلم، تذكر عندما كنا في حفل تخرجي وكنت تحكي لي عن حياتنا معًا.
-نعم، عندما ذكرت قصة المطبخ الذي لا تدخلينه هذا.
تغاضت عن تهكمه وقالت:
-هذا كان تخيلي عن حياتنا معًا... أن أنام بين ذراعيك وبيننا ابننا.
فضمها اليه اكثر وظلت هكذا حتى غفت ككل ليلة ويحملها لسريرها.

تمت بحمد الله
السبت
٢٤/١٢/٢٠٢٢


چورية غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 02-02-23, 12:32 AM   #36

قصص من وحي الاعضاء

اشراف القسم

 
الصورة الرمزية قصص من وحي الاعضاء

? العضوٌ??? » 168130
?  التسِجيلٌ » Apr 2011
? مشَارَ?اتْي » 2,558
?  نُقآطِيْ » قصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond reputeقصص من وحي الاعضاء has a reputation beyond repute
افتراضي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تم تمييز الرواية وتثبيتها بتميز اسلوب كاتبتها اسلوبا وطرحاً

الف مبروك ونتمنى لك دوام التميز ونرجو أن يعجبك الغلاف الاهداء من احدى مصممات فريق وحي الاعضاء



اشراف وحي الاعضاء








قصص من وحي الاعضاء غير متواجد حالياً  
التوقيع
جروب القسم على الفيسبوك

https://www.facebook.com/groups/491842117836072/

رد مع اقتباس
قديم 02-02-23, 12:53 AM   #37

فوزية عرقوب

? العضوٌ??? » 434441
?  التسِجيلٌ » Nov 2018
? مشَارَ?اتْي » 243
?  نُقآطِيْ » فوزية عرقوب is on a distinguished road
افتراضي

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺💐💐💐💐💐💐🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌼🌻🌻🌻🌻🌻🌻🌻🌻🌻

فوزية عرقوب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 03-02-23, 05:06 PM   #38

hanaa85

? العضوٌ??? » 55639
?  التسِجيلٌ » Oct 2008
? مشَارَ?اتْي » 1,649
?  نُقآطِيْ » hanaa85 is on a distinguished road
افتراضي

اللهم صل على نبينا محمد

hanaa85 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 04-02-23, 11:41 PM   #39

اهتمام

? العضوٌ??? » 504827
?  التسِجيلٌ » Jul 2022
? مشَارَ?اتْي » 75
?  نُقآطِيْ » اهتمام is on a distinguished road
Rewitysmile7

سبحانك ربي لا الاه الا انت اني كنت من الظالمين

اهتمام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-02-23, 10:59 AM   #40

ليلو عمر

? العضوٌ??? » 397691
?  التسِجيلٌ » Apr 2017
? مشَارَ?اتْي » 42
?  نُقآطِيْ » ليلو عمر is on a distinguished road
افتراضي

لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم

ليلو عمر غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:41 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.