آخر 10 مشاركات
عن الحكيم إذا هوى (1) *مميزة و مكتملة*.. سلسلة في الغرام قصاصا (الكاتـب : blue me - )           »          361-جزيرة الذهب - سارة كريفن - روايات احلامي (الكاتـب : Sarah*Swan - )           »          أترقّب هديلك (1) *مميزة ومكتملة* .. سلسلة قوارير العطّار (الكاتـب : كاردينيا الغوازي - )           »          [تحميل] كنا فمتى نعود ؟للكاتبة/ الكريستال " مميزة " (جميع الصيغ) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          كنا فمتى نعود ؟للكاتبة/ الكريستال " مميزة "(مكتملة) (الكاتـب : فيتامين سي - )           »          323-ضاع قلبها -دارسي ماجوير -(كتابة/ كاملة) (الكاتـب : Just Faith - )           »          السرقة العجيبة - ارسين لوبين (الكاتـب : فرح - )           »          أعاصير ملكية (57) للكاتبة: لوسى مونرو (الجزء الثاني من سلسلة العائلة الملكية) ×كاملة× (الكاتـب : فراشه وردى - )           »          100- الإرث الأسر - آن ميثر - ع.ق - مكتبة زهران ( تصوير جديد ) (الكاتـب : Dalyia - )           »          ضلع قاصر *مميزة و مكتملة * (الكاتـب : أنشودة الندى - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree219Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-08-22, 06:25 PM   #31

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
:jded: الفصل السابع


الفصل السابع


" لن تشتري الأرض .. سأكون شريكا لك بها "
انتفض تمّام واقفا .. وقال مهاجما ..
" أنت بالتأكيد جننت !! "
وقف حاتم بدوره يمسك ابن عمه من مرفقه وقال يهدئه ..
" اهدأ تمّام .. الحديث ليس بهذه الطريقة "
نظر له تمّام بنارية تشع منه .. وقال .
" وماهي الطريقة المناسبة للرد على هذا الكلام في نظرك !! "
همّ حاتم ليرد .. فجاء صوت الرشيدي بهدوء مستفز ..
" اهدأ سيد تمام .. حديثنا من البداية عرض وطلب .. أنا عرضت وأنت وافقت ..والدليل أنك هنا اليوم "
" ولكن ليس هذا ما اتفقنا عليه .. وأنت تعلم هذا "
كان هذا صوت تمام الحاد .. والغاضب .. ولكن لمحة قسوة وشراسة علت ملامح الرشيدي .. حين عاتب تمّام بقسوة خفية في نبرات صوته ..
" وهل كان اتفاقنا أن تطلبها لأخيك ؟! "
صُدم تمّام .. أنه بالفعل من غيّر الاتفاق .. فقال بعدم فهم ..
" ولكن .. ما الفرق .. أنا أو أخي .. المهم عندك هو نسب العائلة "
صحح الرشيدي قائل ..
" الأهم عندي هو نسب تمّام النويري .. من أعرفه هو تمّام وليس يونس ذاك "
الاستخفاف في نطق اسم أخيه جعله يجن ..فقال موبخا ..
" صن لسانك وأنت تتحدث عن أخي .. فهو قبل أي شيء
(يونس النويري) .. "
رفع الرشيدي يديه باستسلام وقال ..
" على رأسي بالطبع .. ولذلك القرار بالنهاية قرارك "
سكن جسد تمّام الغاضب قليلا .. ولكن غليان غضبه يتأجج بداخله كلما تخيّل أن هذا الرجل فرض عليه شيء لا يريده .. وهذه سابقة في حد ذاتها .. وجد حاتم يضغط على مرفقه بدعم منه .. نظر إليه تمّام نظرات مستوعبة يحاول تدارك الوضع حين جاء صوت الرشيدي موضحا ..
" الأرض اعتبرها لك .. تستطيع التصرف فيها كما تشاء .. ولكنها ستبقى بإسمي حفاظا على المصالح المشتركة بيننا .. اعتبره ضمانا أطلبه منك لدوام العلاقة بين العائلتين .. "
حين قال تمام ..
" ولكن بيننا كلمة رجل "
حينها أوضح الرشيدي ..
" كلمة رجل هي لك أنت .. ولكن ابنتي ستكون زوجة لأخيك وليس لكَ "
هنا فقط تذكر تمّام عدم الراحة الذي شعر به حين عَلِم بموافقة أخيه يونس على الموضوع من أوله نهايةً بموافقته على شخص العروس التي من اختياره .. وللحظة شعر أن الرشيدي يضمن مستقبل ابنته معهم ..
ازدرد ريقه من هذا التفسير .. ولكن قلقه تزايد تجاه ما ممكن أن يصدر من أخيه تجاه عروسه .. وهذا بحد ذاته سيجعله تحت رحمة الرشيدي لفترة أطول ..
حينها جاء صوت الرشيدي مواكبا لتفكير تمّام ..
" ما دامت ابنتي في كنف عائلتك .. فالأرض تحت تصرفك "

*******

بعد إتمام الأسبوع كان المجلس يعج بالرجال وخاصة كبار رجال عائلة العمايري .. ويجلس جاسم الذي لا يعرف ما يحدث بجوار والده .. وعلى الجانب الآخر يجلس جابر بتحفز وخاصة بعد إعلان عمه عن هوية الرجل في الجانب الآخر من المجلس والذي لم يكن سوى
( إبراهيم اليماني ) ..
نشله من غيبوبة أفكاره صوت عمه الشيخ عثمان العمايري قائلا ..
" أولا .. أحب أن أرحب بضيف عائلتنا الذي سيصبح واحداً منها قريبا "
إلتفتت العيون لإبراهيم اليماني الجالس هو الآخر لا يفهم لما كل هذا الحضور! ..
أكمل عثمان قائلا ..
" هناك مشكلة حدثت ودون الخوض في تفاصيلها .. لجأ لي الشيخ إبراهيم لحلها .. والحمد لله الذي هداني للحل الذي يضمن .. الأمان والسلامة .. للجميع "
كان بطرف عينه قادر على رؤية اختلاجات جابر .. فأكمل الشيخ قائلا ..
" لسبب ما .. استطاع جابر ابننا الحصول على قطعة أرض من أراضٍ الشيخ إبراهيم .. ولكن لظروف ما .. أراد الشيخ ابراهيم استرداد هذه الأرض "
كان يتكلم عن الطريقة والأسباب بطريقة مبهمة منعا لإحراج اليماني وحفاظا على ماء وجه جابر العمايري الذي سيسوء لعائلته أكثر وأكثر لو تم الإفصاح عن طريقة حصوله على هذه الأرض .. ولكن بالطبع عائلة العمايري ليست غافلة عن أساليب جابر في الحصول على مثل هذه الأرض ..
أكمل الشيخ عثمان تحت العيون المرتقبة ..
" هذه الأرض ستعود ملك للشيخ إبراهيم مرة أخرى "
إلتفت جابر لعمه هامسا باعتراض ..
" ولكن .. "
لم يلتفت له عثمان ولكن حطت يده على فخذ جابر في محاولة منه لمنعه إتمام اعتراضه .. وأكمل ..
" ومقابل هذه الأرض .. أطلب منك شيخ إبراهيم أمام جميع العائلة "
سكت بتعمد .. وترقب لرد فعل ابنه .. ثم أتم حديثه ..
" أطلب منك ابنتك للزواج من ابني جاسم شيخ عائلته "
هنا كان الاعتراض والانتفاضة الواقفة من الذي يجلس بجواره على الجانب الآخر .. جاسم ..
نظر لوالده مذهولا مما قال .. وهتف بتعجب متسائل ..
" أبي .. كيف ...... ؟! "
لم يجد ما يقوله أمام هذا الجمع الغفير من العائلة الجالسين يتابعون ما يحدث وتعلو همهماتهم الجانبية المتسائلة ..
نظر له والده وقال بعتاب ونبرة صوت منخفضة تكاد لا تُسمع وسط الهمهمات حوله ..
" أخبرتني أنك تثق في .. أليس كذلك ؟! "
وكأن كل ذهوله استُبعد في لحظة .. فجلس ثانية بجوار أبيه الذي مال لجانب جابر قائلا بصوت خافت ..
" حسابك معي لم ينتهي "

*******

في التاسعة مساء ..
تجلس في غرفتها تذاكر محاضراتها لقرب امتحانات النصف الدراسي الأول .. كل فينة وأخرى تلتفت لفراش أخيها تراقب نومه الهادئ كهدوء وجوده حولهم ..
انتفضت على صوت الباب يُفتح وطلّ منه أكثر شخص يُفترض به أن يُمثل الأمان في حياتها ولكنه في نفس الوقت أكثر شخص ترتعب من رؤياه ..
ازدردت ريقها بصعوبة ثم استقامت واقفة ببطء وحذر وكأنها تستعد للهرب منه ..
تراقب جسد أبيها يقترب من مكان وقوفها يطالعها بجمود قائلا ..
" ماذا تفعلين ؟! "
رمشت بأهدابها تحاول السيطرة على ذعرها قليلا .. وقالت بخفوت ..
" أد .. أدرس .. قـ .. قليلا "
لم يقل شيئا .. فقط يضرب بتناغم بأطراف أصابعه على سطح مكتبها .. تتحرك نظراتها لاتجاه أصابعه و تراقب حركاتها الرتيبة وكأنها في انتظار انتفاضتها التي ستقع على وجهها أو أي جزء من جسدها عقابا على شيء لا تعلم ماهيته ..
كانت تكتم أنفاسها ذعرا في حضرته .. رفعت عينيها إليه باتساع وكأن العقاب الذي انتظرته جاء حين قال ..
" لقد تقدم لكِ عريس من عائلة معروفة وأنا وافقت .. وقرأنا الفاتحة أيضا .. والعرس سيكون بعد انتهاء امتحاناتك "
شعرت بكلماته المعدودة وكأنها خطبة عصماء طويلة تُلقى على مسامعها وللأسف رغم سوء هذه الخطبة إلا أنها مضطرة آسفةً الاستماع إليها ..
لا تعلم الحرقة التي تشعر بها تأتيها من أين ؟..
من قلبها الذي يتحطم ويتمرغ سحقا تحت نعال أبيها..
أو من عينيها اللتان تنظران إليه وتكاد تستحلفه السؤال
( هل أنت أبي حقا ؟! ) ...
ولكنها لم تنطق بشيء ..
استدار والدها ليغادر الغرفة وعلى عتبة الباب تسمّر مكانه مما جعلها تجفل بترقب .. فجاءها صوت والدها متحدثا دون الالتفات إليها ..
" ليكن بعلمك .. العريس مازال شابا في الثلاثين "
وغادر ..
هل عليها أن ترقص الآن لأنه مازال شابا .. أم تنوح على حظها ففي كل الأحوال ستكون عروس لعريس لم تره ..
( وحتى إن رأيتِه يا فاتن .. فما الذي سيتغير؟ ) ..
لا شيء ..
أغلقت كتابها بعجز لا تملك غيره متذكرة المرأتين اللتان تقابلت معهما اليوم عند عودتها من جامعتها .. لقد شعرت بهذا ..
شعرت أن هناك أمرا ما يتم صياغته وهي لا تعلم عنه شيئا .. لقد علمت أن هناك عريسا موعودا كما العادة ..
شعرت بترحيب حار من المرأتين ولكنها لم تستسغه .. شعرته طوق حول رقبتها ولا تملك الفكاك منه ..
استأذنت منهما بحجة إرهاقها ثم صعدت لغرفتها ..
رجعت من شرودها على نداء أخيها..
" فـ .. فاتن "
وكأن بندائه كسر جدار جمودها الوقتي..
إلتفتت له برأسها وعينيها أسيرة لنظراته الداعمة .. مد ذراعه لها بمناجاة .. فلبت النداء ..
تحركت سريعا تحتضن أخاها .. لا تعلم من يحتضن من .. ولكن كل ما هي متأكدة منه أنها غارقة بالأمان بين ذراعيه ولا تعرف لماذا .. يجوز بسبب لمساته الحانية على شعرها وكأنها هي الصغيرة .. أو من الممكن كلماته
( شش إهدأي .. لا تبكِ )
التي تصل لمسامعها .. ولكن ما هي على يقين به ما سمعته يهمس به و الذي أوصلها لأقصى درجات الأمان ..
" لا تخافي .. سيعوضك الله "
وكأنها كلمات امتلكت السحر .. فغفت بأحضان أخيها ..

*******

في نفس الوقت .. يقود سيارته في رحلة العودة للمدينة ودمه كله يغلي .. وقلبه يحترق ..
وأعصابه كلها على المحك ..
يتذكر مغادرة رجال عائلته وهمّ ليتحرك هو الآخر ليجد عمه يمسك بمرفقه دون الالتفات له يمنعه من التحرك .. هامسا بعزم ..
" انتظر .. لن تغادر قبل أن نتحدث "
وأذعن جالسا يراقب رحيل الرجال .. وجاسم يرمقه بفضول ممزوج بالغضب ..
حقيقةً الغضب داخل جابر أكبر بكثير مما بداخل جاسم .. يكفي أنه سرق منه أكثر ما تمنى بالدنيا ( دلال اليماني ) ..
تنهد بسخط يراقب وقفة جاسم بجوار الباب ... ثم وصله صوت عمه متوجها بالحديث لابنه ...
" اتركنا قليلا يا جاسم .. هناك ما أريد ابن عمك به "
ولم ينتظر جاسم أكثر .. غادر الغرفة بعد أن رمق جابر بغيظ..
وغضب يتفاقم داخله ..
.. وكلُّ له أسبابه ..
إلتفت لعمه الذي بدأ حديثه قائلا ..
" كنت أتمنى أن يكون ما سمعته خطأ .. ولكنك خذلتني للمرة التي لا أعلم عددها "
طرق بيده على عصاه .. وأكمل بنبرة خزي.. وعار يشعره تجاهه ولكنه يظل لحمه ودمه ..
" فعلت الكثير من الفواحش .. أعلم هذا جيدا فرائحتها تفوح منك .. "
" عمي أنا .. "
قاطعه جابر بتلعثم لا يعرف ماذا يقول .. فقال الشيخ بانفعال مقاطعا هو الآخر ..
" صه .. واسمعني للآخر "
سكت الشيخ قليلا مغمضا عينيه يحاول تنحية الغصة بداخل قلبه حزنا على أخيه وزوجته.. والديّ جابر..
أخيه الأكبر الذي أفداه بنفسه حين كان يعمل عثمان بالأرض غافلا عن آلة الحرث اليدوية حين كُسر ضلع منها وكان هو قريبا منها لدرجة أنه كان سيلقي حتفه لولا أخيه تحرك مبعدا إياه بسرعة فسقطت الآلة على أخيه وتلقى حته في التو واللحظة ..
وبعد عدة شهور لحقت به زوجته حزنا عليه .. ومن وقتها تولى هو تربية جابر ولكن الأخير كان يقابل تلك التربية بالتمرد على كل ما يقوله ..
وما يفعله ..
ولكن عثمان كان يتغاضى كثيرا عما يفعله ليتفادى تأنيب ضميره تجاه أخيه وزوجته .. وابن أخيه بالطبع ..
ابن أخيه الذي كان يُشعره أنه السبب في موت والديه في كل لحظة .. ولكن لم يكن أمامه سوى أن يتجاهل تلك الاتهامات الغير منطوقة حتى لا يفتح جروح إلتأمت .. أو يأمل أن تكون إلتأمت ..
حتى غلطات جابر الفادحة كانت تقلب عليه العائلة وكان هو يحاول جاهدا تهدئة الجميع .. ولكن الأخطاء مع الوقت كانت تزداد فداحة .. حتى أقرت العائلة تبريها منه وعدم مسؤوليتها عنه وعن أفعاله ..
ولكن الشيخ عثمان ظل يتابعه حتى بعد أن استقر بالمدينة ..
حتى وإن ترك ابنه وزوجته التي كانت لقطة تمرد أخرى ولم يقوى أحدا على الوقف أمام ذلك التمرد ..
حتى وإن كان يخطئ ..
ولكن هناك فرق بين خطأ وخطأ .. فهناك خطأ تتحمل نتيجته لأنه لم يطل آخرين .. وهناك خطأ يقتل آخرين ..
وهذا ما حدث مع آخر أخطاء ابن أخيه ..
هناك أب ..
وابن ..
وابنة ..
وزوجة ليس لها ذنب سوى أنها زوجة ابن أخيه ..
فتح الرجل عينيه ينظر للواقف أمامه بصرامة تلزم الموقف ..
ازدرد جابر ريقه بتوتر .. للمرة الأولى يرى عمه بهذا الانفعال ..
" تردد غضب العائلة عليك لدرجة المقت والنبذ .. وكان هذا يوجعني .. وللأسف لا أجد لكَ عذرا لما تفعله .. "
توترٌ غطّى ملامح جابر بينما عمه يكمل ...
" لكن أن يصل فجورك لأناس آخرين .. وتؤذيهم بفجورك ذاك .. فإلى هنا وكفى "
ومع آخر حروفه ضرب بعصاه على الأرضية ودوى صوت الضربة بقوة .. وارتجاج أصاب صميم جابر .. لأنه بالفعل آذى آخرين ..
وهؤلاء الـ(آخرين) أولهم قاسم ..
يعلم أنه تعامل معه بخسة ونذالة .. ولكنه لم يكن أمامه فرصة أخرى لينال مراده ..
قاسم بعناده أجبره على هذا الشيء وهذه الطريقة .. قال بشبه توسل يحاكي أفكاره بصوت عالٍ ..
" ولكني بالفعل أردت الزواج من ابنة الرجل "
حسنا .. هذا ( مربط الفرس ) كما يقولون ..
إلتفت له عمه ببطيء شديد مثيرا أعصاب جابر الذي يقف وكأنه على صفيح ساخن ..
" ولكنك بالفعل متزوج يا جابر .. أم نسيت هذا في وسط فجورك ؟! "
تسمّر جابر مكانه وقد شحب كثيرا .. ثم جاءه تساؤل عمه الذي قضى على ما تبقى من تماسكه ..
" أخبرني يا جابر .. بمناسبة وجودك في البلدة .. هل خطر ببالك أن تزور زوجتك وابنك ؟! "
زوجته ؟! .. ابنه ؟! ..
شحب أكثر وحاكى وجهه شحوب الموتى .. دائما يشعر أمام عمه وكأن الرجل يعريه .. ولكن هذا الشعور(شعور لحظي) سرعان ما يتلاشى ..
لم يرد على سؤال عمه .. وعلى يقين أن عمه يعلم الاجابة جيدا ..
رفع رأسه أمام الرجل بدفاع كاذب .. مغيرا دفة الحديث لما يريد ..
" ولكنكم خالفتم الشرع وخطبتم على خطبتي"
وقف الرجل يواجه جابر بعنفوان ..
" أتجرؤ على اتهامي بمخالفة شرع الله يا ولد ؟! "
يرتبك جابر للحظة ولكنه سرعان ما يجاهد في الدفاع عن وجهة نظره ..
" أنا لم أقل هذا .. ولكنكم بالفعل تجاوزتم خطبتي لها وكأنها لم تكن "
هدر الرجل فيه بانفعال ..
" أي خطبة هذه التي تتحدث عنها !! .. لم نسمع شيئا "
يدافع جابر أكثر ..
" خطبتها من أخيها "
يصحح الرجل بتأني وتوبيخ ..
" بل لويت ذراعه .. أليس هذا ما حدث ؟! "
يزداد ارتباك جابر والآن تأكد أن كل أطراف الحكاية عرفها عمه .. تلعثم مدافعا بيأس ..
" ولكـ .. ولكني أحبها "
" اخرررررس "
والكلمة وازت صفعة من الرجل لوجه جابر المصعوق .. ثم أكمل الشيخ من بين أسنانه ..
" إن نطقت بهذا الهذر مرة أخرة سأقتلك بيدي وأتلقى فيك العزاء بعدها "
سكت قليلا يراقب اتساع أعين جابر .. وتمتم الشيخ ..
" الفتاة أصبحت خطيبة لابن عمك أمام الناس .. وأنت لك زوجة وابن فراعيهما يا جابر قبل أن تخسر كل شيء "
لم ينطق جابر بحرف فقط يغلي ويغلي غضبا وحقدا ونقمة، وصله تهديد عمه الأخير ..
" إن لم تتوان عن أفعالك وتصرفاتك الحقيرة تلك .. صدقني هذه المرة .. "
سكت الرجل متعمدا .. ثم تابع بوعيد ..
" سأعيد تربيتك بنفسي وجعلك عبرة لكل أبناء العائلة "
خرج جابر من غرفة المجلس بإعصار غضبه .. وقبل أن يتحرك خارجا وجد جاسم ابن عمه يقف بجلبابه الأبيض وجسده الشامخ وعنفوانه المغيظ لجابر ..
فقط تبادلت الأعين بنظرات صاعقة من كلا الطرفين ..
تقدم جابر من وقفة جاسم الذي تأهب في وقفته يواجه نظرات جابر بأقوى منها .. ثم خرجت كلمات جابر المتوعدة بانتقام .. سيتحقق!! ..
" لم أفعل كل هذا كي تنالها أنت .. أنت مخطئ كثيرا يا ابن عمي إن كنت تتخيل أني سأقبل بهذا .. "
واجهه جاسم بقوة أكبر من غضبه .. ثم قال بثبات وثقة .. بل يقين..
وراحة لا يفسرها ..
" أرني ما تستطيع فعله "
عاد من شروده على أصوات عالية لبوق سيارة ضخمة قادمة كان سيصطدم بها ولكنه أفاق في الوقت المناسب منحرفاً يمينا بالسيارة واصطدم بأكوام رملية مما جعله يترنح للأمام والخلف في كرسيه داخل سيارته ..
أوقف السيارة ومازال مكانه يعاني الحقد والغضب المتناميان داخله ويأكلانه أكلا .. عينيه تحمر غضبا .. وأنفاسه تهذر شرا ..
" جميعكم تعديتم الحدود معي .. دلال لي بأي طريقة .. لن أجعله يهنأ بها أبدا "

********

العاشرة مساءً ..

" أبي .. هل لي أن أعرف أبعاد خطبتي المزعومة هذه ؟! "
لم يلتفت لابنه .. بل قال بنبرة ثابتة وحازمة ..
" ليست خطبة مزعومة بني .. خطبة حقيقية .. وتمت أمام كبار عائلتك .. وليس هذا فقط .. "
سكت الرجل وإلتفت لولده متمما لكلامه ..
" في أقرب وقت سيكون الزفاف "
انتفض جاسم من مكانه واقفا يناظر أبيه قائلا بعدم فهم ..
" لماذا أبي .. لماذا تورطني في هذا الأمر ؟"
حينها نظر عثمان لولده مطولا .. ثم قال بلطف ..
" لأني وجدتها فرصة بني .. نعم بهذه الطريقة ضغطت عليك .. ولكني لست نادما .. لعدة أسباب "
سكت قليلا وأكمل ..
" أولا .. أني أريد رؤيتك متزوجا وبحياتك امرأة تكون عوناً لك "
اقترب خطوة من ولده، يستدرك ..
" ثانيا أن ابن عمك أخطأ .. وليس هذا فقط .. لقد تمادى في خطأه ليورط الفتاة لأنه أرادها .. "
نار شبت بداخل جاسم لمجرد تخيل كلام أبيه ..
( ماذا فيها هذه الفتاة حتى تجعل جابر يجن هكذا ويفعل ما فعل )
كان هذا خاطر بعقله ولم يجد له إجابة فتمت خطبته دون رؤيته لعروسه حتى ..
هه .. وكأنه يحب أن يراها !! ألم يكفي الورطة التي وُضع بها بسببها ؟! ...
حاول التكلم مع والده علّه يرجع عما نوى رغم تأكده أنها محاولة فاشلة ..
" ولكن يا أبي أنا ... "
قاطعه والده قائلا ..
" اسمعني جاسم .. قد تكون الطريقة لا تعجبك .. ولكن بهذا الزواج بني ستحمي الفتاة .. وتُعين رجل هو في النهاية أب تم خذلانه من ولده "
فار دم جاسم بالغليان وهو يتخيل كسرة الرجل بسبب ابن عمه .. حسنا إن تم اختياره بالإجبار لهذا الدور فليفعله كما يحلو له ..
اشتد عزمه وقال لأبيه بإصرار ..
" حسنا أبي موافق على ما حدث .. ولكن أريد معرفة جميع ما حدث حتى أعلم بما أنا مقدم عليه "
ابتسم الرجل برضا قائلا ..
" سأحكِ لك كل ما حدث وكل ما أعلمه "

******

منتصف الليل ..

تطرق الممر أمام مجلس والدها بغير هدى لا تعلم ما به .. وما سر هذه الحالة التي عاد بها من بلدة (العمايرية) ..
لا تعلم إلى ماذا انتهى المجلس وماذا قرر شيخ عائلة العمايري في حق أرض أبيها ! ...
حاولت التحدث إليه عندما عاد ولكنه قال أنه يريد أن يرتاح ..
وهي الآن ستجن من التفكير ..
ولن ترتاح قبل أن تعرف وتطمئن عليه ..
وبعزم تسمرت أقدامها أمام الغرفة وبإصرار رفعت يدها ثم طرقت على باب المجلس .. وبعد لحظات وصلها صوت والدها يأذن لها بالدخول ..
دخلت .. فوجدته يجلس على الكرسي الكبير في المنتصف وكلتا كفيه فوق بعضهما متكئا بهما على قمة عصاه الخشبية .. تأملته قليلا ..
أكتافه محنية وملامحه غزتها الهم والحزن وكأنه أخفق ..
توجع قلبها من أجله ..
سارت بخطواتها إليه وجلست بجانبه .. هاتفة بتأثر من رؤيته هكذا ..
" أبي .. أخبرني بالله عليك ماذا حدث وجعلك بهذا الشكل؟ "
لم يتحدث بشيء .. فأكملت بقلق ..
" أخبرني أبي فأنت توجع قلبي برؤياك هكذا "
لم ينظر لها بل زاد وجع قلبه هو عليها وعلى ما ستعرفه .. قال أخيرا بالحكم النهائي ..
" لقد طلبك الشيخ عثمان للزواج من ولده جاسم أمام جميع رجال عائلته مقابل عودة الأرض لملكيتنا "
للحظة لم تع ما قاله والدها .. ولكن ما هي سوى لحظات حتى انتفضت واقفة تواجه والدها .. هاتفة بغضب ..
" جاسم ؟!! .. هذا القاسي والذي تصل سمعته وسيرة جبروته ونهبه لأراضي الناس لمسامع بلدتنا هنا "
دارت حول نفسها عدة مرات ثم توقفت تواجه والدها قائلة ..
" في كل الحالات فعل قاسم ما أراد .. لقد باعني في المرتين ولكن المشتري اختلف .. هنيئا لي بهكذا أخ "
قالت آخر كلماتها باستهزاء واضح ..
ارتفعت أعين والدها لها .. يناظرها بخزي .. ثم قال بضعف يملأه ..
" لن أقبل بهذا يا دلال .. لن أبيعك يا ابنتي .. أنتِ من تبقت لي "
التاع قلبها على وجع أبيها وكسرته .. همست اسمه بمناجاة حارقة ..
" أبي .. "
واجهها بنظرات مكسورة .. وقال بحزن ..
" لن أفرط بكِ بهذه الطريقة يا ابنتي .. فداكِ الأرض وكل ما أملكه"
سكت قليلا يبتلع غصة قلبه ..
" إن كنت لم أحسن تربية ولدي فعليّ أن أدفع ثمن هذا .. أنا المخطئ منذ البداية .. أنا من لم أُحسن تربيته .. أنا من تهاونت مع استهتاره وعدم مسؤوليته .. وتخاذله .. "
سكت قليلا يحارب حرقة عينيه وكسرة نفسه ..
" سأعتبره مات .. كان لدي أمانة والله أخذ أمانته "
شهقت بفزع من تخيل كلمات والدها والغصة تعتصر قلبها عصرا ..
ألماً على والدها الذي انكسر ظهره بسبب ابنه .. وابنته التي لم تعنه وترد له حقه ..
من هي لتكسر ظهر والدها هي الأخرى .. لن تستحق أن تكون ابنة هذا الرجل إن لم تكن هي ظهره ..
وبحديثها هذا اشتدت عزيمتها وقررت أنها لن تكون إلا وسيلة لرفع رأس أبيها ..
لن تكون السبب في كسر هامته أمام الناس حين يعلمون لما رفضت هذا الزواج وأن والدها لم يربي ابنه كما تستحق عائلة اليماني منه ..
لن تكون سببا في كسر عين والدها حين يعلمون أن ولده جلب له العار وفرط في أرض عائلته بلعبة قمار ..
لن تكون ( دلال اليماني ) إن لم ترفع رأس والدها عاليا ولن تجعله ينحني أبدا ..
وبعزم حوارها الداخلي وقفت أمام والدها .. وقالت بثقة ..
" أبي .. لن يحدث هذا "
ناظرها بنظرات مستفهمة .. فابتسمت قليلا ..
" لن تفرط في أرضك .. ولن تعتبر ابنك مات "
ضيق والدها ما بين حاجبيه، يهمس ..
" ماذا تعنين؟"
ابتسمت براحة من قرارها .. راحة لا تعلم مصدرها ولكنها رجحت أنها نتيجة عونها لأبيها ..
" أعني أني موافقة على الزواج من جاسم العمايري "

*******


راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-22, 04:28 PM   #32

دانه عبد

? العضوٌ??? » 478587
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 513
?  نُقآطِيْ » دانه عبد is on a distinguished road
افتراضي

اخ منك يا جابر 💚💚💚💚💚

دانه عبد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 10-08-22, 07:13 PM   #33

duaa.jabar
 
الصورة الرمزية duaa.jabar

? العضوٌ??? » 395763
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 946
?  نُقآطِيْ » duaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond reputeduaa.jabar has a reputation beyond repute
افتراضي

بدايه جميله جاسم شخصيه قويه شيخ في قبيلته تناسبه انثى قويه ذات عزيمه مثل دلال
يونس تصرفاته مزعجه طفل غيور من اخيه الاكبر وواثقه بعدم اتمامه للزيجه لانها من اختيار اخيه يضن بذلك انه سيكسر اخاه لكن هو يكسر صورته في عيون عائلته ويثبت قلة رجولته فاتن ستجد في تمام ماتفتقد له لكن تحتاج قوه وبعد نظر وصبر وتمام سيجد قطعته الناقصه فيها وخلي يونس يشبع بغربته 😁
قاسم غير مسؤول ومدلل ويجب ان تعاد تربيته
جابر مرفوع عنه القلم لم تظل سيئه لم يفعلها
بأنتظار القادم

دانه عبد likes this.

duaa.jabar غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-22, 06:16 PM   #34

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دانه عبد مشاهدة المشاركة
اخ منك يا جابر 💚💚💚💚💚

يعمل بلاااوي 🥺🤦‍♀️😭

دانه عبد likes this.

راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-22, 06:16 PM   #35

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة duaa.jabar مشاهدة المشاركة
بدايه جميله جاسم شخصيه قويه شيخ في قبيلته تناسبه انثى قويه ذات عزيمه مثل دلال
يونس تصرفاته مزعجه طفل غيور من اخيه الاكبر وواثقه بعدم اتمامه للزيجه لانها من اختيار اخيه يضن بذلك انه سيكسر اخاه لكن هو يكسر صورته في عيون عائلته ويثبت قلة رجولته فاتن ستجد في تمام ماتفتقد له لكن تحتاج قوه وبعد نظر وصبر وتمام سيجد قطعته الناقصه فيها وخلي يونس يشبع بغربته 😁
قاسم غير مسؤول ومدلل ويجب ان تعاد تربيته
جابر مرفوع عنه القلم لم تظل سيئه لم يفعلها
بأنتظار القادم
اه والله جابر خسارة فيه الكلام 🤭😂


راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-22, 06:18 PM   #36

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
:jded: الفصل الثامن

الفصل الثامن


في اليوم التالي في الجامعة ..

التقتا الصديقتان وكل منهما بداخلها هم تنحني له الجبال .. والأصعب قسوة من هذا أنهما غير مدركتين للقادم وكيفية التصرف فيه .. بدأت دلال الحديث لتلفت انتباه صديقتها أو تشاركها همها ..
" لقد تقدم لي عريس بالأمس "
إلتفتت لها فاتن منتفضة وكأن دلال قرأت ما كانت فاتن ستقوله .. همست بخفوت متسائل ..
" حقا ؟! .. كيف ومتى ؟! "
ابتسامة سخرية علت شفتي دلال وهي تجيب ..
" تمت مقايضتي بقطعة أرض والفضل لأخي "
علمت فاتن أن صديقتها تتألم ولكنها كالعادة تظهر في قمة قوتها .. همهمت فاتن هي الأخرى بإقرار واقع لتلفت انتباه صديقتها حتى تخرج من جو ما حدث معها وما تسبب به أخيها ...
" وأنا الأخرى تقدم لي عريس بالأمس "
كانت الانتفاضة هذه المرة من دلال التي تمتمت بابتسامة ..
" أيتها الخائنة .. وكيف لم تخبريني منذ التقينا اليوم ؟! "
ابتسمت فاتن على بهجة صديقتها ..
" هدئي من روعك دلال .. الأمر كالعادة .. الفرق فقط أن من الواضح أن أبي قرر بذل جهده لتنفيذ هذه الخطبة مهما كانت العوائق "
لم تقتنع دلال بتساهل صديقتها بالحديث .. وكأن ما تقوله أصبح شيئاً عادياً ..
شيء عادي أن يبيعها والدها ..
شيء عادي أن تُساق لمصير مجهول .. وجهلها به غير معلوم الأبعاد .. ولكن لحظة !!! ..
( ألم يتم بيعك دلال أنتِ الأخرى ؟! ..
ألم تُساقي أنتِ الأخرى لزواج مقايضة ..
اللعنة عليك قاسم .. أنت السبب فيما يحدث وما سيحدث لي! .. )
تنهدت دلال بقلة حيلة تجاه صديقتها .. على الأقل هي لديها والدها تعلم أنه داعمها إن حدث شيء لا يرضيها .. ومن لكِ يا صديقتي ؟! ..
ابتسمت بدعم لصديقتها وسألتها ..
" حسنا .. أخبريني هوية العريس المأسوف على عمره هذا "
ضحكت فاتن من مزاح صديقتها وبادلتها دلال الضحك .. وبعد لحظات هدأت ضحكاتهما .. وقالت فاتن ..
" لا أعلم الكثير .. ولم يأت كما علمت من أمي .. لم يأت سوى أخيه الأكبر ووالدته وأخته وزوجها .. "
سكتت قليلا قبل أن تضيف بخفوت مخزي ..
" وأبي .. أخبرني .. أنه شاب "
" حقااا .. "
نطقتها دلال باستنكار واستخفاف من والد صديقتها .. وكأن ما قاله الرجل يُطمئن .. أو من باب التفضل على ابنته ..
حين تسمع من صديقتها الحكايات عن والدها تحمد الله على وجود والدها هي في حياتها .. وتدعو الله أن يعوض صديقتها بما تستحقه من خير .. وصلها صوت فاتن الراضي ..
" لا تقلقي عليّ يا دلال .. أنا توكلت على الله وأعلم أنه معي "
مالت دلال برأسها على كتف صديقتها وتمتمت هامسة ..
" ونعم بالله حبيبتي .. "

******

يراقبها من بعيد تخرج من جامعتها بصحبة صديقتها .. يود اختطافها من كل من حولها وزرعها بداخله ..
فقط لو كان فكر بطريقة أخرى تجعلها طوع يديه وملكه .. للحظة تخيل أنه كان لابد أن يظهر في حياتها هي لا في حياة قاسم ..
ماذا فعل له قاسم ؟!! ..
لم يفعل شيء بل عقّد الأمور أكثر بغبائه ...
" اللعنة عليك قاسم "
نطقها لسانه بقهر وهو يراقب ابتسامتها الساحرة .. المغوية .. وكأنها تقصد هذا الإغواء ..
وكأنها تعلم أن هناك من يراقبها بوله .. متيماً..
( راغباً ) .. بها وبكل ما يصدر عنها ..
زفر بضيق أكبر يراقبها تغادر مستقلة الحافلة وتجلس بجوار صديقتها .. صعد هو الآخر .. وجلس على بعد كرسيين منها .. يراقبها بتمعن ..
وكأنه يودعها ..
يشعر بالخيانة من الجميع ..
من عمه وابن عمه ..
ومن قاسم ..
ومن والدها ..
وللحظة خُيل له أنها مجبرة على هذا الزواج فيأخذها ويعقد عليها حتى لا يكون هناك مجال لتنفيذ هذا الزواج المشؤوم ..
ولكنه مدرك تمام الإدراك أنه اذا فعل هذا !! .. سيتم إحلال دمه وتقتله عائلته رغبة في الخلاص منه ..
يدرك أن تهديد عمه ليس من فراغ .. وليس هباءً .. فإن نوى فعلا على تقويمه لن يتردد في فعلها ..
يراقب نزول صديقتها للبلدة المجاورة لبلدة اليماني .. فهمّ ليجلس بجانبها ولكن سبقت خطواته امرأة جلست بالمكان الفارغ .. فزفر غاضبا للمرة التي لا يعلم عددها ..
وما هي سوى دقائق أخرى وغادرت دلال الحافلة متجهة لبيت عائلتها .. وبالتأكيد لن يستطيع الحديث معها بالشارع وبوسط بلدتها .. فآثر الرجوع في طريقه والعودة لمكان جامعتها ليستطيع استقلال سيارته التي صفها هناك ليستطيع إمضاء بعض الوقت حولها والتمتع برؤيتها عازما على محاولة التقرب إليها في أقرب وقت ..
غير واعي لعيون تراقبه وتسجل ما يفعله ..

******

يجلس بداخل غرفته ينتظر ابنه على غير هدى .. بعد ما علمه فلن يرتاح قبل أن ينتهي ويضع حدا لاستهتار وتسيب جابر الغير معلوم نهايته ..
رفع نظراته للباب الذي أطل منه ابنه ..
" أبي .. ماذا هناك !! "
مازال الأب على وضعه لا يحرك ساكنا مما جعل جاسم يقلق على والده فتحرك لداخل الغرفة وجلس بجوار أبيه قائلا..
" أبي أخبرني .. أنت بخير ؟! .. أتشعر بشيء يؤلمك ؟! "
تنهد الأب وقال بهدوء عكس البركان بداخله .. فما عمله من الرجل الذي أمره أن يراقب جابر وما فعله الأخير ومحاولته التقرب من الفتاة غير مراعي أنها أصبحت على اسم ابن عمه ..
" اسمعني بني .. لابد من الذهاب لبلدة اليماني وطلب الفتاة أمام أهلها كما تدعو الأعراف .. ولابد من عقد القران فورا "
حرك جاسم رأسه وقال بنزق ..
" ولما السرعة أبي ؟! "
إلتفت الرجل لابنه قائلا بصدق ..
" لا أضمن تصرفات جابر .. ولسنا معه كي نمنعه بني .. "
ضيق جاسم ما بين حاجبيه وقال متسائلا ..
" هل علمت شيئا .. هل وصلك شيئا عنه .. هل فعل شيء ؟! "
" اهدأ بني .. لم يفعل .. ولكني لا أضمن ألا يفعل .. "
نار الغضب تصاعدت بداخل جاسم .. ابن عمه لن يرجعه شيئا .. وبالفعل كما قال والده لا يضمن ألا يفعل شيئا .. نشله من غضبه صوت والده ..
" سأتحدث مع والدها ونحدد موعدا بعد يومين لنزورهم ومعنا كبار العائلة ونجعله عقد قران "
اتسعت عين جاسم وقال بعدم تصديق ..
" عقد قران !! .. لماذا .. أنا لم أرها حتى "
اتسمت ملامح الأب بالجدية ..
" أنا رأيتها وهذا يكفي .. أم كنت تريد رؤيتها والجلوس معها وليس بينكم رباط شرعي كما يحدث في المدينة !!"
قرأ جاسم التوبيخ بين نبرات صوت والده .. همّ ليوضح ..
" أبي .. أنا لم أقصد .. فقط أ..... "
قاطعه والده قائلا بحنان ..
" أعلم بني .. أعلم ماذا تقصد .. كما أعلم أني أضغط عليك كثيرا .. ولن أسامح نفسي إذا لم تسامحني أنت "
ارتعش قلب جاسم داخل صدره .. من يكون هو إذا لم يسامح والده .. أمسك كف والده ورفعه لشفتيه يلثمه قائلا بحنان يمتلكه بوفرة ..
" العفو أبي .. أنت فوق رأسي .. كيف تقول هذا .. أنا رضيت بهذا من البداية فلا تلم نفسك .. "
ابتسم والده وقال بفخر ..
" دوما جعلتني فخورا بك يا جاسم .. رزقك الله السعادة يا ولدي "
ابتسامة صغيرة علت شفتي جاسم وهو يؤمن على دعاء والده .. فوصله صوت والده العابث ..
" ولا تقلق من ناحية عدم رؤيتك للعروس .. لقد تقمصت دور أم العريس وأخبرك أنها جميلة "
حينها انفجر جاسم ضاحكا وشاركه والده الضحك .. وبعد أن هدأ كلاهما .. اتصل الشيخ عثمان بوالد دلال ( ابراهيم اليماني ) وأخبره بما قرره بخصوص الموعد وعقد القران ...

********

" وهل رأيتِها أمي ؟! "
ابتسمت الأم بفرحة وقالت ..
" نعم بني .. رأيتها .. جميلة وهادئة ومهذبة .. واسمها فاتن ..
متى ستأتي لتراها ؟! "
سؤالها الأخير لفرحة رؤياه لم يشعرها وكان كل ما يهمه هو لحظة الانتصار الوشيك .. نطق اخيرا ..
" في الخطبة أمي .. لا تقلقي "
وأنهيا الاتصال .. وماهي سوى لحظات ووجدت ابنها الأكبر تمّام ينزل من فوق الدرج المؤدي للطابق العلوي بملابس بيتيه مريحة .. قابلته بابتسامة أمومية هادئة ..
" ماذا كنتِ تفعلين أمي ؟! "
ابتسمت وقالت بمحبة وغصة تحكم قلبها من أجل صغيرها وكبيرها ..
" كنت أتحدث مع ... أخيك "
راقبت الألم ينتشر على ملامحه ولكنه سرعان ما خبئه حتى لا يؤلمها ..
" وكيف هو ؟! .. أيحتاج شيئا ؟! "
نظرت له بعمق وتجاهلت أسئلته ثم نطقت بسؤال آخر ..
" ألن تتحدث مع أخيك يا تمّام يا ولدي !! "
توترت ملامحه بكسرة دائمة ... كسرة وشمت روحه قبل أن توشم قلبه .. ابتلع غصته .. وقال بخفوت متعثر ..
" سأتحـ .. سأتحدث معه أمي يوم خطبته "
رأت ألمه المدفون داخله ولا يتحدث عنه مع أحد .. فقط الألم بداخله يقتات على إنسانيته .. ويظهر جموده يطفو على السطح .. ولكنه لحسن حظهم مازال محتفظ بإنسانيته معهم ..
" ألن تخبره بحقيقة ما فعلته بورثه يا تمام ؟! "
ازدرد ريقه ولف وجهه للاتجاه الآخر ..
" ليس الآن أمي .. ليس الآن أبدا "
اقتربت تضع كفها بلطف على كتفه قائلة ..
" من حقه أن يعلم يا بني .. حقه أن يعلم الحقيقة .. كما هو حقك أن يسامحك أخيك على شيء ليس لك ذنب به .. كما هو حقك أن تنال معاملة منه أحسن مما يفعل ويكف عن معاملتك كسارق لورثه "
تنهدت ثم تابعت محاولة اقناعه ..
" يا بني أنت لا تتأخر عنه في شيء .. ودوما تعطيه قبل أن يطلب "
تألم والألم أصبح لا يطاق .. أمه لا تستوعبه ..
هو يريد أخيه ..
يريده بدون أسباب تدفعه لذلك ..
لو علم أخيه حقيقة ما حدث من المتوقع سفره للأبد هذه المرة دون رجعة ..ففي هذه الحالة سينال ما أراد ولن يكون بحاجته بعد ذلك ..
ومن المتوقع أيضا أن يمسحه من حياته نهائيا .. ولذلك ليس هناك بد من معرفته بالحقيقة .. ستظل الحقيقة منزوية بداخله لا يعلمها سوى والدته .. ( وحاتم مؤخرا ).. ووالده رحمه الله كما أوصاه ..
تنهد بوجع مجيبا والدته ..
" لا تقلقي أمي .. أنا راضي بكل ما يحدث .. وبالنسبة لما أرسله له .. فهذا واجبي ناحيته ..إنه أخي الصغير في كل حال .. وبالتأكيد يوما ما سيعرف.. كنت حي وقتها أو ميت .. أتمنى أن يتفهم حقيقة ما حدث .. ولكن أرجوك يا أمي لا تخبريه كما أتفقنا مع أبي "
أدمعتا عينا الأم واقتربت تحتضن بكرها ..
" حفظك الله يا حبيبي من كل سوء وأبعد عنك الموت وسيرته "
ابتسم لها تمام مقبلا رأسها .. ثم وصله صوتها تطمئنه ..
" لا تقلق يا حبيبي لن أخبره بشيء "
تنهدت بحسرة وتابعت تغير الحوار ..
" أخبرني عن اتفاقك مع والد فاتن .. متى ستكون الخطبة ؟! "
تلاعب بهاتفه بين أصابعه وهو يجيبها ..
" ستكون الخطبة بعد امتحانات نصف العام .. وعقد القران مع العرس "
" على بركة الله بني .. العقبى لك "
و لم يعقب تمّام بشيء .. اكتفى بالألم بداخله والذي تعايش معه ..

****

بعد يومين في بلدة اليماني

يجلس عدد لا بأس به من رجال عائلة العمايري بصحبة الشيخ عثمان العمايري وولده ..
رغم شعور إبراهيم اليماني _والد دلال _ بالاختناق لأنه من وضع ابنته في هذا المأزق إلا أن وجود عائلة جاسم بهذا الشكل في مجلس بيته شيء يدعو للفخر..
عائلة العمايري ليست بهينة أبدا بل وجودها يمتد لعشرات السنين .. ولو عليه لم يكن ليجد نسب أفضل من هذا لابنته ..
دوما لم يصدق ما يسمعه من تداول كلام الناس بخصوص (جاسم العمايري) وقسوته ونهبه لأراضي الناس ..
بالعكس ما علمه خلال اليومين المنصرمين بعد اتصال الشيخ عثمان به، كان قد كلف أحد رجاله بتقفي أثر جاسم ومعرفة كل ما يستطيع معرفته عنه .. وقد علم أن (الشيخ جاسم العمايري) خير خلف لوالده ..
لقد علم أنه اشتهر بحكمته بل وقسوته نعم ولكن مع من يخطئ .. لقد علم أن جميع أهالي بلدته يهابونه بمحبة .. والكثير من الناس أشادوا بتواضعه .. بل لقد علم أيضا أنه يرحب بالشباب العامل من البلدان المجاورة من حوله ويوفر لهم ما يستطيع من سبل الراحة .. فكيف يكون شخص بتلك المواصفات بتلك الاشاعات التي تدور حوله ؟!! ..
حسنا إذا كان لابنته نصيب مع جاسم فسترى مميزات شخصيته هذه بنفسها دون إملاء من أحد ..
تنحنح الشيخ عثمان لتلتفت أنظار الجميع نحوه ..
" شيخ ابراهيم .. أتيتك بصحبة رجال العائلة لنكرر طلبنا بخصوص ابنتك المصون "
ابتسم إبراهيم بترحيب ..
" أنرتم بلدتنا وبيتنا .. وشرفنا طلبك يا شيخ عثمان "
ضرب عثمان بعصاه على الأرض بخفوت، يستدرك...
" فليكن على بركة الله "
وتطلع لوجه إبراهيم قليلا ثم أضاف مازحا ..
" أخبرتك أننا سنعقد اليوم .. هل أحضرت شيخ بلدتك .. أم أرسل في إحضار شيخ بلدتنا "
ضحك الجميع من مزحة الشيخ ولكن إبراهيم يقلقه شيء آخر .. ولاحظ عثمان هذا القلق ولكنه لم يتحدث ..
تحدث إبراهيم بتلعثم ..
" ولكـ .. ولكن أريد أن .. "
سكت قليلا فحثه عثمان ..
" ماذا تريد يا شيخ ابراهيم .. أخبرني "
يعلم أن ما سيطلبه خطأ في حق الرجال الموجودين ولكنه لن يرتاح قبل أن يفعل ما يريده ..
" أستأذنك أنت والرجال .. أريد الانفراد بجاسم قليلا "
تبادل الجميع النظرات .. ولكن عثمان قرأ حاجة الرجل بالفعل وأنه يريد أن يمحي قلقه هذا .. لم يتح لأحدٍ الاعتراض بشيء .. فابتسم موافقا وقال موجها حديثه لولده ...
" قم مع عمك ابراهيم يا جاسم .. واسمع ما يريده منك "
قرأ جاسم التلميح بين حروف والده .. فاستقام خارجا بصحبة الرجل ..

*******

في طريقه لغرفة ابنته .. بعد أن أدخل جاسم لغرفة مجلس أصغر من المجلس الآخر .. وطلب منه انتظاره قليلا،
ذهب لابنته .. فتح باب غرفتها ثم دخل .. فوجدها واقفة هناك بجوار نافذتها .. كان قادرا على رؤية توترها ..
وصل إليها .. مناديا باسمها..
" دلال .. ابنتي "
إلتفتت إليه بلهفة .. وبسرعة خاطفة ارتمت بين ذراعيه، كانت لحظات ضعف تحتاج إليها حتى تقوى على المواصلة ..
بعد أن هدأت نتيجة تربيتات والدها على رأسها .. رفعت نظراتها إليه بتوسل .. رجاء .. دعم تحتاجه .. أيا يكن لم يعد يهم التسمية ..
يكفيها وجوده بحياتها سنداً وقت أن تحتاجه .. بل قبل أن تحتاجه ..
احتوى وجهها بين كفيه وقال بصدق استشعرته ..
" أنا معكِ .. لا تظني أبدا أني أبيعك "
هتفت تنفي ..
" أبدا أبي .. أنا لا أظن ذلك "
ابتسم لها بأبوة ومحبة ..
" إذا كان هذا الزواج نصيبك ابنتي .. فتقبليه .. وجاسم شخص طيب .. حاولي معرفة حقيقته ولا تستمعي لما يقوله الناس "
" ولكن يا أبي إنه .. "
قاطعها بحزم..
" لا تكملي حديثك دلال .. فقط نفذي ما أطلبه منك "
نظرت له بتساؤل .. فأكمل ..
" اجعليني فخوراً بكِ كما عهدت منكِ دائما "
طلب هو في صيغة أمر .. ولكنه لمسها بشدة .. وخاصة أن ليس لديه سواها الآن .. فأخيها لم يعلموا له طريق منذ أن غادر ..
ابتسمت ثم أومأت له .. فاستطرد ..
" وتذكري دائما أني معك .. لن أقبل أن يمسك أحدُ بسوء أبدا "
" أعلم هذا "
نطقتها بيقين يحتاجه كثيرا .. فلا يريدها أن تفقد إيمانها به بعد أن فقدت إيمانها بأخيها ..
أبلغها أن تلحق به وتقدم واجب الضيافة لخطيبها ومن سيصبح زوجها بعد قليل بمجلس الضيوف الصغير ..
قصد هو تلك الخطوة فمن حقهما رؤية بعضهما على الأقل قبل أن يقع المكتوب ..

****

قبل أن تلتحق بأبيها .. وجدت أمها تتحرك باتجاهها بعيون دامعة وقلب انشق لنصفين، كلاهما يتعذب ..
" دلال .. ابنتي .. لأجل خاطري أنا لا تكرهي أخيكِ "
ابتسمت لها تطمئنها كذبا ..
" اطمئني أمي .. قاسم سيظل أخي حتى لو نسيّ هو ذلك "
توجعت الأم من أجل ابنتها .. وتوجعت أكثر لعدم تربيتها الصحيحة لولدها .. لا تعلم أين كمُن الخلل فيه ..
لا تعلم لما لا يشد عضد أبيه ويكون السند لأخته .. أخته التي ستدفع ثمن فسقه وفجوره وتعديه على ما ليس ملكا له ..
هو استغل مرض والدها وخان الأمانة ..
اقتربت تحتضن ابنتها باعتذار تستحقه ولكن ما فعله ولدها لن يمحيه مجرد اعتذار بكلمات ..
ابتعدت عن أحضان ابنتها التي كانت صلبة بطريقة تسلب العقل .. وهمست ..
" هيا يا ابنتي .. والدك بانتظارك "

*******

بعد أن ترك ابنته توجه لغرفة المجلس الصغير الذي ينتظره بها ..
صهره ..
يا الله كم يتمنى أن يحافظ جاسم على ابنته .. سيفعل المستحيل ليجعله يحافظ عليها ..
دخل الغرفة فوجده على جلسته التي تركه عليها .. ابتسم له وجلس مقابلا له .. ثم قال إبراهيم بمودة ..
" شرفتنا بنسبك يا جاسم يا ولدي "
ابتسم جاسم بمجاملة ولم ينطق .. بل ينتظر بثقة ما سيأتي من الحديث ..
" هناك ما أريدك أن تعرفه .. حتى لا يتأذى أحد "
لم يعلق جاسم بسوى ..
" كلي أذان مصغية "
اكتسى الألم والخزي ملامح إبراهيم حين بدأ حديثه ..
" أعلم أن الخطأ أولا وأخيرا يقع على عاتق ابني قاسم .. وغلطته لا تغتفر "
سكت إبراهيم يبتلع ريقه بألم .. ثم أكمل ..
" لكن أن تدفع ابنتي ثمن هذا الخطأ .. كان هذا فوق احتمالي .. ولولا إصرارها على تنفيذ الاتفاق لترفع رأسي وسط عائلتي وأمام عائلتك .. حقا ما كنت سأرضى .. وكنت سأجد حلا بديلا لما نحن فيه "
ابتسم جاسم بداخله من هذه المعلومة الواردة لأفكاره عن زوجته المصون .. وقال بسخرية مازحة ..
" أهذا يعني أنك لا ترضى بي زوجا لابنتك ؟! "
نفى الرجل سريعا ..
" العفو يا ولدي .. ولكني لاحظت أنك كنت لا تعلم شيئا عن قرار والدك حين نطق به في مجلس ببيتكم .. ولذلك "
سكت قليلا يرفع نظراته لجاسم ..
" لذلك لا أريدك مغصوب على هذا الزواج .. حتى لا تجعل ابنتي تدفع الثمن مضاعفا "
علم جاسم ما أخاف الرجل .. أو ما يخافه مستقبلا .. فسأله دون مراوغة ..
" هل حقا تظن أني سأوذيها ؟! "
همّ ابراهيم ليجيب .. ولكن قاطعه جاسم قائلا بحزم ..
" أنا جاسم العمايري يا شيخ إبراهيم .. إن كنت تظن أني سأؤذي امرأة .. هي زوجتي أو غيرها فأنت مخطئ .. "
تمتم إبراهيم باعتذار ..
" اعذرني بني .. ولكنني لا أعلم ما هي مقبلة عليه "
سكت إبراهيم قليلا .. ثم استدرك برجاء ..
" أريدك أن لا تأخذها بذنب أخيها وما فعله .. ليس لدي غيرها الآن "
وكم ود جاسم في هذه اللحظة أن تقع يداه على قاسم ابن هذا الرجل ليلكمه بوجهه حتى يدميه .. ويجعله يخر راكعا تحت قدمي أبوه طالبا منه السماح .. حاول تهدئة نفسه ليطمئن الرجل، ثم أجابه ..
" لا تخف شيخ ابراهيم .. ابنتك ستكون زوجتي سأراعي ربي فيها وأريدك أن لا تقلق عليها .. ستكون جزء مني "
سكت قليلا .. يريد قول المزيد .. فحسم أمره .. مسترسلا..
" شيخ إبراهيم .. أريد منك شيئا .. "
" تفضل بني "
قالها إبراهيم بصدق استشعره جاسم ..
" أريدك أن تطمئن على أرضك .. سأرسل من يهتم لك بها حتى تشفى .."
سكت متعمدا .. وتمتم ..
" أو يعود قاسم "
رأى جاسم الألم يرسم معالمه عبر ملامح الرجل .. فقال بمودة ..
" اعتبرني مكانه .. إلى أن يعود إليك سالما "
ابتسم إبراهيم له وقال بأبوة ..
" رفع الله قدرك وأعزك يا ولدي "
ابتسم جاسم.. ليخبره بما يريده ..
" سنجد
" و سأحاول جاهدا تقويمه وتعليمه كيف تكون المسؤولية على حق!! "
تجعد جبين ابراهيم بخزي يشعره .. وقال متمما لكلام نسيبه ..
" هو لك بني .. لعلك تفعل ما لم أستطع فعله أنا "
ومع نطق آخر الحروف كان الباب يدق بدقات خافتة .. أنثوية .. جاذبة للنظر دون إرادة ..
خطت بقدمها لداخل الغرفة حاملة بين يديها صينية ومرصوص فوقها فنجانين من القهوة العربي مصاحبة لحبات من التمر ..
تشعر بنفسها في أعلى درجات التوتر .. وقلبها يدق بشدة .. ليس لشيء وإنما ترقبا لما هي مقبلة عليه ..
وتوجسا من هذا الشخص الذي سمعت آخر كلماته يطالب بأخيها
(لتعليمه الأدب ) كما يُقال .. ترى ماذا سيفعل معها؟! ..
انتشلها من شرودها صوت والدها المتحمس ..
" تعالي يا ابنتي .. تعالي "
تحركت تحاول عدم النظر للجالس مقابل والدها ..
اقتربت ومازالت حاملة لصينية القهوة بين يديها .. مدت الصينية تجاه والدها حتى يأخذ فنجانه من القهوة .. ولكنه قال ببسمة سمحة ..
" اعطي خطيبك قبلا يا دلال "
دلال !! .. نطق اسمها بداخله .. وعينيه منصبتان عليها لا تفارقاها .. يراقب تحفز جسدها ..
توترها الواضح وهروب عينيها منه ..
تابعها تتحرك باتجاهه بعد حديث والدها .. ترتدي فستان بزخرفات عربية .. بخيوط ملونة مبهجة وحجابها بلون واحد من ألوان تلك الخيوط ..
كانت كتلة من الأنوثة المنطلقة رغم احتشامها .. وما زاد عليه كان ..
اقترابها ..
اقترابها الذي جعله يرى ملامحها بوضوح .. ملامحها المنمنمة المرسومة ..
وكانت القاضية له حين رفعت عينيها إليه لتنظر في عمق عينيه قائلة بصوتها الخافت .. المتوتر ..
" تفضل "
وكانت مجرد أربعة حروف أصابت توازنه ..
وبخ نفسه على ما هو فيه من مجرد لقاء أول عبارة عن نظرة وبضعة حروف هزوه بهذا الشكل ..
وعاد العقل لينجح في تبريره
( وماذا فيها .. وبعد قليل ستكون زوجتك ) ..
أخفض عينيه لفنجان القهوة .. ثم مد أصابعه السمراء الطويلة وأمسك الفنجان وبعد أن التقطه راقب التفاتها عنه ثم تحركها باتجاه والدها لتعطيه فنجانه ..
وبعدها وضعت الصينية على الطاولة الخشبية بينهما وتمتمت هامسة ..
" بالإذن "
وخرجت ..
وتركت هناك قلب يدعو لها بالسعادة والأمان ..
ورجل اهتز كيانه بنظرة تبعتها همسة ..

بعد قليل غادر جاسم بصحبة والدها غرفة المجلس الصغيرة متوجهين للمجلس الكبير حيث سيتم عقد القران
غافلين عن وجود زوجين من العيون يراقبان البيت من الخارج كلٌ بمكان بعيد عن الآخر ..
أحد هاذان الزوجان يشعر بتأنيب الضمير لأنه السبب فيما يحدث ..
والزوج الآخر يشعر بالنار تنشب في جسده كله لأن الوقت لم يسعفه حتى لفعل أي شيء،
الشيطان يصور له أسوأ الصور لتنفيذ ما يريده ..


راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-22, 06:20 PM   #37

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
:jded: الفصل التاسع

الفصل التاسع


غادرت عائلة العمايري تحت تهليل من أهل البلدة الذين قدّموا التبريكات عندما وصل إليهم الخبر ..
وانهالت أصوات الطلقات في السماء كتحية فرح من الأهالي .. رغم غرابة ظروف وأسباب زيجتها إلا أن الأجواء حولها تدعو للبهجة .. ولحقيقة الأمر لم تمنع نفسها من التمتع ولو للحظات ..
فالفرحة في النهاية من أجلها ..
كانت الابتسامة تشق ثغرها وتجمدت في لحظتها حين راقبت عائلة العمايري .. عائلة زوجها ..
زوجها !!..
رددتها بخفوت لم يخرج من بين شفتيها ..
شردت في اللحظة التي رأته بها .. مجرد نظرة استطاعت فيها أن ترى ملامحه السمراء الخشنة بلحيته وشاربه المشذبان ..
يجلس بضخامة جسده في مجلس بيتهم بجلبابه الذي يشع بياضا وكوفية رأسه التي تنافس الجلباب في بياضه ..
والعباءة السوداء التي يرتديها فوق جلبابه تكسبه هيبة وشموخ متأصلين به .. تذكرت نظرة عينيه الحادة .. وكأنه يقرأها ..
يتشبع بها ..
وكأنه يرسل الكثير من الرسائل إليها في نظرة ..
كل هذا في نظرة؟!..
ولن تنسى أبدا توعده لأخيها .. وهذا حقه للأسف .. ولكن ماذا سيفعل معها؟ ..
قاطع شرودها دخول والدها مبتسما ..
" مبارك حبيبتي .. بارك الله لكما "
ابتسمت لأبيها بهدوء .. اقترب منها ثم أحاط كتفها بذراعه .. وقال ..
" تم تحديد موعد الزفاف بعد نهاية امتحانات نصف العام "
إلتفتت بكامل جسدها لتقف أمام والدها قائلة بذعر تلبسها ..
" زفاف ؟! .. أبي لم يتبق سوى شهر "
لوى والدها شفتيه .. وقال بقلة حيلة مصطنعة ..
" ماذا أفعل ؟! .. كان هذا طلب جاسم "
نعمممم ؟! ..
وكيف له أن يطلب هذا ؟!! ..
كيف سولت له نفسه طلب هذا دون الرجوع إليها ..
هتفت بضيق ملحوظ لوالدها ..
" ولكن يا أبي .. إنها مدة قصيرة .. كيف رضيت بهذا !! "
تنهد الأب .. يعلم أن ابنته خائفة من القادم .. هو أيضا خائف .. ليس خوف بالمعنى الحرفي ولكنه قَلِق .. قلق عليها وقلق من قدرتها وسرعتها لتفهم موضعها الجديد .. ولذلك يجب عليه التحدث إليها حتى تعي ما هي مقبلة عليه ..
" دلال.. بنيتي .. الرجل أصبح زوجك الآن .. ولا داعي للتأخير .. وأيضا "
سكت يمسك بيدها يجذبها ليجلس على طرف فراشها ويجلسها بجواره متابعا حديثه ..
" أنا أضمن جاسم .. إنه إنسان خلوق .. ورجل بمعنى الكلمة .. حاولي معرفته بنيتي .. أنا سعيد بنسبه .. نسب يُشرف على حق ولن أرضى لكِ بأقل من هذا "
وجدها تستمع إليه بإنصات .. فتابع توصيتها ..
" وليكن بعلمك .. ستكونين امرأة بيته .. ستكونين سند هذا البيت بالكامل .. فكما عرفنا .. والدته متوفاة .. فسيقع عليكِ عبء أكبر .. وعليكِ أن تكوني قدر المسؤولية "
يا الهي .. إن كانت متوجسة قليلا من قبل .. فالآن هي خائفة ..
خائفة للغاية ..
ولكن ليس هذا وقت الخطأ أو الخوف .. عليها أن تتعاطى مع وضعها الجديد كـ " زوجة الشيخ جاسم العمايري " ..

*******

قبل خطبة فاتن بأسبوع

دلف لغرفته فلم يجدها .. فذهب لغرفة ابنته .. وجدها هناك تهدهدها لتنام وعندما لمحته تصلبت ملامحها ثم اتسعت عينيها بحذر تهز رأسها بإشارة ليخرج ..
ابتسم من منظرها المرتعب ليقول أو يفعل شيء فيجعل ابنته تستيقظ ..
توجه لغرفة نومهما .. ثم دخل الحمام ليستحم ينزع عن جسده تعب وإرهاق اليوم بأكمله ..
خرج مرتديا بنطال منامة قطنية .. وجذعه العلوي عاري .. وهذا شيء يجعل زوجته الحنونة تتذمر منه وكأنه طفلها البكري ..
ابتسم بشقاوة حين تهادى لسمعه صوت شهقتها من وراء ظهره ..
إلتفت لها ورآها تتجه إليه بخطوات حانقة بطولها القصير هذا .. وجسدها الصغير الأنثوي الملتف بقميص بيتي مريح .. كل ما ترتديه يجعلها كاملة الإغراء في عينيه ..
هل هذه عين العاشق حين لا يرى في الدنيا غير محبوبه ؟! ..
تنهد بتخمة من حبها له وحبه لها .. ثم وقف متسمرا ..
مستمتعا ..
شغوفا بما تفعله معه ..
تمسك بيدها منشفة صغيرة كان يمسكها بيده يجفف بها شعره .. وتمررها على ظهره تمسح قطرات المياه المتناثرة هنا وهناك .. وفوق كتفيه من الخلف ..
ثم التفتت الآن لتقف أمامه تمسح على صدره ورقبته وكتفيه .. وبطنه مرورا بعضلات بطنه المجسمة ..
لم يعد بقادر على التحمل وقد اشتاقها بجنون ..
أمسك كف يدها الممسكة بالمنشفة بعنف .. فرفعت عينيها تنظر إليه فقرأت ما هو ليس بصعب قراءته على وجه رجل عاشق لزوجته المجنونة به .. ابتسمت بحب .. وقالت بنعومة ..
" ستمرض حبيبي .. دعني لأحضر لك ما ترتديه "
وتحركت بالفعل تجذب يدها منه ولكنها عادت وتسمرت مكانها لأنه لم يفلت يدها .. بل جذبها إليه أكثر لتصطدم بجسده العاري وأحاط خصرها بذراعه الآخر .. قائلا بخطورة ..
" لا داعي لما سأرتديه .. فبعد دقائق سأتخلى عنه بالفعل "
عرفت لما يلمح فاحمرت من تلميحه الوقح .. ثم عبست بطفولية محببة له وهمست بتوبيخ ..
" تحشم حاتم .. وكفاك وقاحة "
اتسعت عينيه ببراءة مزيفة، يقول بمكر مرح ..
" وماذا قلت لتتهميني بالوقاحة .. "
ألصقها به أكثر حتى وجدت نفسها تُرفع وقدميها لا تلمسان الأرض .. ويهمس أمام شفتيها ..
" انتظري لمرحلة الفعل .. حتى تعلمين إلى أي مدى أنا وقح حبيبتي "
ضحكت مقهقهة حتى أرجعت رأسها للخلف من قوة ضحكاتها ..
ينظر لها مبهوتا بلعبته .. هي لعبته المحببة الصغيرة ..
ابتسم بعبث يستمع لضحكاتها ويراقب إرجاعها لرأسها مما أتاح له النظر لرقبتها الصغيرة المغرية وفتحة قميصها الذي اتسع بسخاء نتيجة رفعه لها ..
لقد أحب هذا القميص بشدة .. وسيطالبها به كثيرا في الأيام القادمة .. وبدون شعور منه مال لرقبتها يقبلها بوله ..
لمسات رقيقة هنا وهناك حتى تحولت القبلات من الرقة للشغف للمطالبة بأكثر وأكثر من تلك القبلات ..
قبّل جيدها الذي شعّ بالحرارة نتيجة انفعاله .. همست تناديه بصوت مبحوح أثر تأثرها مما يفعله ..
" حاتم "
ولكن حاتم لم يستمع .. ولم يسمح لها بنطق أي شيء غير حبها له..

******

بعد وقت ..

ينام بأريحية على فراشه .. يستند بظهره على الوسادة من ورائه، وبجواره تستريح لعبته وحبيبته.. تضع رأسها على صدره ..
في حالة من الهدوء الناعم والمعبأ بذرات حبهما الذي عاشاه قبل قليل ..
يغطيهما شرشف ناعم باللون السكري، مطرز بفصوص من الخرز البني المتلألئ .. همست تناديه ..
" حاتم "
همهم..
" هممم "
ثم أردف ..
" عيون حاتم "
رفعت رأسها تنظر إليه فأصبحت مستندة بذقنها على صدره ..
" لما أشعر بأن هناك وضع مريب تجاه خطبة يونس لفاتن؟ "
سكت ولم يقل شيئا حتى ظنت أنه لن يرد عليها .. ولكن بالنهاية تحدث مستفسرا ..
" ما الذي جعلك تشعرين هكذا ؟! "
لوت شفتيها، تجيبه...
" هل تعلم أن يونس لم يتحدث لخطيبته أبداً ؟! "
ضيق ما بين حاجبيه .. بينما هي تتابع بحيرة ..
" وأمي طلبت منه كثيرا أن يتحدث لها .. ولكنه في كل مرة يقنعها بأنه سيعوضها بهذا بعد الخطوبة " ..
سكتت لحظة تفكر ثم تمتمت ..
" فقط أمي من تتصل بها وبوالدتها .. وتمّام يهاتف والدها من حين لآخر .. حتى لا يلاحظ أهلها عدم اتصال يونس بها "
سكتت لحظة أخرى .. ثم تابعت وكأنها تتحدث مع نفسها ..
" أشعر بوجود خطب ما .. وأخشى أن يؤثر هذا على علاقة تمّام ويونس .. وأنت تعلم بسوء علاقتهما من الأساس "
للأسف هو أيضا يشعر بما تشعر به .. وحذر تمّام من البداية ولكن تمّام نفسه لا يشعر بالراحة تجاه الموضوع برمته ..
وما جعل الأمر يهون قليلا أن الأرض التي بسببها يحدث ما يحدث الآن تحت إمرة تمّام وبدأ العمال العمل بها وتجهيزها لبدء المشروع بالكامل ..
شدد من احتضانه لها، يمنحها طمأنينة لا يشعر بها ...
" لا تقلقي حبيبتي .. تمّام قادر على احتواء أي موقف مهما كان خطورته .. لا تقلقي "
ثم مال إليها هامسا..
" هناك موضوع أهم كنا نتحدث به .. تعالى لأذكرك به "
وهمّ ليعتدل حتى يستطيع الشرح بطرق أسهل وأكثر عملية .. ولكن أوقفه صوت بكاء صغيرته في الغرفة المجاورة .. فلعن و شتم حظه..
" اللعنة.. "
عاد ليستلقي مكانه مرة أخرى تحت ضحكات زوجته الشامتة ..

*******

أما دلال فتجري تجهيزات عرسها على قدم وساق .. فعرسها بعد أسبوعين .. وكم حمدت ربها أن هناك فارق بين خطوبة فاتن وعرسها حتى تستطيع كل منهما أن تكون بجوار الأخرى ..
تتذكر المرات القليلة التي تحدثت فيها إلى .. زوجها ..
وكل ما يدور بينهما بعض كلمات قليلة مثل ..
( كيف حالك ؟! ..
ما حال دراستك ؟! ..
وكيف امتحاناتك ؟! .. )
والسؤال الأساسي في تلك المكالمات القليلة كانت ..
(هل تحتاجين لشيء ؟! )
فتنفي هامسة
بـ(شكرا)
وتنتهي المكالمة ..
كالآن مثلا وهاتفها يرن ..
" السلام عليكم "
أتاها صوته بكل هدوء العالم وردت بكل حنق تمتلكه تجاهه وتجاه نفسها لردها عليه ..
" وعليكم السلام "
وكيف لا ترد عليه وهي من وعدت والدها أن تتقبل ما حدث حينما أخبرها بعد عقد قرانها بيومين أن جاسم طلب منه رقم هاتفها .. وأبيها بكل سعادة أعطاه له .. وحين تذمرت أخبرها ..
( يحق له فهو في النهاية زوجك )
أخفت حنقها حين تذكرت والدها .. وفي نفس اللحظة .. جاءها سؤاله الروتيني ..
" كيف حالك ؟! "
كلامه يتسم بالهدوء المغيظ .. وكأنه يمتلك كل وقت العالم رغم عدم اتصاله باستمرار .. ولكن كل بضعة أيام يأتيها اتصاله ليطمئن على أحوالها ..
" بخير "
تنهدت بخفوت متذكرة المرة الوحيدة التي أتى بها ليطمئن عليها حين مرضت وأصيبت بالزكام .. ولم تره سوى دقيقة ..
" وكيف دراستك وامتحاناتك؟! "
مغتاظة منه للغاية وكأن كل تلك الأسئلة لم يسألها منذ يومين في آخر اتصال لهما.. وتجيب بنفس الإجابات..
" بخير "
ساد صمت ثقيل بينهما.. قطعه جاسم مناديا..
" دلال "
وهناك..
بعيد..
بداخل صدرها..
تحديدا في الجزء الأيسر منه حيث يقبع قلبها.. شعرت بوخزة طفيفة نتيجة تلفظه باسمها بذلك الخفوت.. والهدوء..
وكأنه يستلذ حروفها..
وردت وكأنها منصاعة لندائه..
" نعم "
قابلها الصمت قليلا حتى ظنت أنه لن يتحدث.. ولكن في النهاية جاءها صوته الذي لا تجد له وصف للآن ..
" انتبهي على نفسك "
اهتمامه رغم أنها بدأت تعتاده إلا أنه لا يعجبها.. لا يعجبها أبدا..
وخاصة أنها تشعر بتسربه لحياتها شيئا فشيئا وهذا أيضا يشعرها بالغيظ منها ومنه..
وما يزيد حنقها تعامله الهادئ.. المدروس لعقلها..
وكأنه يمشي معها بخطوات معينة في تفكيره حتى يأتي الوقت وينال الحيز الأكبر من حياتها.. تنهدت بخفوت وصل لمسامعه ثم قالت..
" حسنا "
لا تعلم ..
حقا لا تعلم وكأنها بدأت تعتاد وضعها .. ولكن ليس أكثر من التعود ووالدتها تخبرها أن بالعِشرة ستعتاد .. ووالدتها ترجح أن شعورها ذاك بسبب عدم رؤيتهما لبعضهما البعض كثيرا .. حتى حديثهما بالهاتف يكون مجرد دقائق ..
انتهى الاتصال بينهما بوداع هادئ في ظاهره.. مشحون بالكثير في كل طرف منهما..
فبعد أسبوعان ستصبح ببيته .. زوجته كما يقر الواقع .. وللأسف ليست مستعدة لهذا .. أو !!..
قَلِقة ..
ولا تعرف هل ستعتاد فعلا كما تخبرها والدتها أم لا ..
فاقت من حديثها على صوت رسالة لهاتفها .. فأخرجته ثم فتحته لتقرأ الرسالة التي كانت مصدر وجع لها ..
" سامحيني أختي "

*********

أما هو فأغلق الهاتف ولا يعلم.. ولا يريد أن يعلم تفسير لما يفعله سوى أن هذا واجبه..
واجبه تجاه زوجته..
أأصبح متزوجا؟!..
من كان ليصدق ذلك..
تجهم وجهه متذكرا ردودها عليه المتسمة بالتحفز..
ويعذرها في الحقيقة.. فبالتأكيد لن تنسى أبدا ظروف زواجهما.. ويدعو الله أن يعينه على تلك مسؤولية ..
فهي أمام نفسه وأمام أهله وأهلها.. وأمام الله قبل كل هؤلاء
.. مسؤوليته هو..
ابتسم متذكرا أول لقاء له بها..
أول نظرة..
ثم همسة أربكت ذاته..
همسة خافتة بصوتها المتوتر الخافت ساعدت في تشتيته اللحظي بها..
وعينيها البندقية وملامحها المنحوتة بجمال إبداع الخالق..
سيكون من الجحود إن أنكر جمالها..
وهو ليس بجاحد أبدا..
أبدا..
زفر أنفاسه بشرود .. وهمس لسانه بدون شعور منه..
" تنازل الجمال عن الجمال لجمالك..
فزاد جمالك على الجمال جمالاً "


******


أرسل لها الرسالة ثم أغلق الهاتف نهائيا ..
طوال الفترة الماضية تحديدا يوم عقد قرانها والذي كان كقربان لعودة أرضهم التي فرطّ بها بكل سهولة ..
حين خرج من بيت والده بعد أن صفعه .. سافر للمدينة وجلس أول ليلتين بفندق صغير .. وحين وجد أن المبلغ المحتفظ به سينتهي هكذا .. عرض عليه أحد أصحابه المكوث معه بشقته .. وللآن مازال قابعا معه بالشقة ..
يوم عقد القران لم يكن يعلم بما يدور .. لقد ذهب لهناك بالصدفة وتفاجأ بما يحدث من تداول لكلام الناس .. وبالتأكيد لم يتعرف إليه أحد لأنه كان يخفي نصف وجهه بكوفية رأسه البيضاء ..
كان يود الدخول وإيقاف تلك المهزلة ولكنه جَبُن .. وتسمر بمكانه متواريا عن الأنظار .. ليتابع ما يحدث كاللصوص ..
ومرت نصف ساعة أخرى حتى علت الزغاريد والتهليلات من داخل بيتهم .. وسرعان ما دوى صوت الرصاص فظل مكانه لدقائق معدودة .. وبعدها غادر ..
وجَبُن للمرة الثانية حين لم يفكر بالعودة مرة أخرى .. ليعتذر حتى .. وها هو يثبت جبنة للمرة الثالثة فيبعث برسالة نصية لأخته من كلمتين ..
ثم يغلق بعدها الهاتف بجبن لكي تجد الهاتف مغلق حين تهاتفه..
ولا يكون مجبر على الرد عليها ..
يكفيه تأنيب ضميره تجاهها ..
ولكن هل سيتجاهل ضميره كثيرا .. أم سيستمع له ووقتها يقع في فخ سيغير حياته القادمة ..

******

بعد أسبوع
تحديدا في يوم خطبة فاتن

فتيات العائلة تقفز حولها هنا وهناك ببهجة .. منتظرين وصول العريس الذي لم ترهُ للآن ..
وللمفارقة لم تسمع صوته أيضا .. ولكن لا يهم .. فلتنظر لنصف الكوب الممتلئ .. لقد أحبت عائلته كثيرا .. والدته .. أخته ..
وزوج أخته لطيف إلى حد ما ..
إنما أخاه .. رباه! .. تخافه كثيرا .. بل تشعر بالارتياب حين تراه .. رأته مرتين فقط وفي كل مرة كانت تنكمش على نفسها خوفا ورهبة ..
لم يوجه لها أي حديث ..
حتى كلمة .. وتحمد ربها على ذلك ..
نحت أفكارها عن تمّام نهائيا وركزت بتفكيرها على خطبتها الدائرة من حولها .. وجدت دلال تميل لأذنها هامسة ..
" سيأتي العريس من المطار لهنا .. أليس كذلك ؟"
نظرت لها فاتن .. ولا تعرف بماذا تجيب .. هي نفسها لا تعرف .. لم تفعل سوى أن هزت رأسها بنعم بشرود .. تنتظر أي خبر عن العريس المنتظر ..


*******


وصل الجميع منذ ساعتين وفي انتظار العريس .. تمّام الذي يقف بالخارج بصحبة حاتم يذرع المكان ذهابا وإيابا .. أوقفه حاتم قائلا ..
" تمّام اهدأ .. بالتأكيد هناك ما أخره "
إلتفت له تمّام بعصبية قائلا من بين أسنانه ..
" لا يرد على اتصالاتك ولا اتصالات أمي .. برأيك هل تظن أن هناك ما أخره بالفعل ؟! "
اللعنة .. بل هو متأكد أنه قصد هذا التأخير .. ولكن حاتم حاول عدم إظهار ما يشعره لتمّام المنفعل ..
همّ ليتحدث لكن زوجة عمه تدخلت تقول بقلق....
" تمّام .. أخيك لا يرد على اتصالاتي .. أخشى أن يكون به شيء "
تفكيرها كأم لا يسعفها لأكثر من هذا وبالتأكيد لن تتخيل أن يونس يقصد هذا التأخير ..
ولكن هل..؟! .. كتم سؤاله لنفسه حين قالت والدته برجاء ..
" هاتفه يا تمّام وطمئني عليه .. لعله يرد عليك أنت "
اللعنة هذا ما كان ينقصه .. كان ينظر لوالدته ولا يعرف بماذا يرد عندما جاء رجاءها الأخير قائلة بتوسل..
" أرجوك بني .. ارحم قلبي وطمئنني عليه "
رفع نظراته تجاه حاتم وكأنه يحتاج لدعمه فدائما كان الأخير لتمام السند الذي يحتاجه ..
اقترب حاتم منه ووضع كفه على كتف تمّام بمؤازرة يشجعه أكثر ..
" هاتفه تمّام .. وأيضا حتى نعرف بما نرد على أهل العروس المتسائلين عن سبب تأخير العريس "
تباً لهذه الورطة !! .
رفع يده لشعره يمرر أصابعه فيه بعصبية تحت نظرات حاتم ووالدته المنتظرة ..
اللعنة!.. اللعنة! ..
سيتصل بأخيه بالفعل ولا يوجد حل آخر .. وهو لم يفعلها منذ وقت طويل.. طويل للغاية..
مال لجبين والدته وقبله .. وقال يطمئنها ..
" سأتصل به أمي ولكن ادخلي الآن حتى لا تقلق العروس وأهلها "
ثم وجه كلماته لحاتم ..
" وأنت أيضا حاتم .. ادخل لعلهم يطمئنون أكثر "
حقيقة هو أراد أن يبعدهم حتى لا يشاهد أو يستمع أحدا لمكالمته لأخيه لأنه لا يضمن انفعالاته .. ولا يريد أن يرى أحدا ألمه من أخيه ..
انتظر حاتم دخول زوجة عمه ولأنه يعلم بما يدور في خلد تمام .. وقف قبالته يقول بحزم ..
" لن أدخل .. سأنتظرك هنا حتى تنهي اتصالك "
رغم أن تمّام من طلب منه أن يسبقه للداخل ولكن في حقيقة الأمر هو ممتن لانتظاره ..
رفع هاتفه .. ثم فتحه و بضغطة فتح قائمة الأسماء .. على إسم بعينه .. وتم تسجيله بـ (أخي) ..
ازدرد ريقه وضغط بارتعاش يبدأ الاتصال .. وبعد رنين متصل حتى كاد الاتصال ينتهي .. فُتِح الخط ووصله الصمت للحظات .. قبل أن تليه تمتمة بخفوت ناعس ..
" أهلا بك .. أخي "
للحظة شعر تمام وكأنه الصغير وفي انتظار التوبيخ من أخيه الأكبر .. شعر بأنفاسه تُحبس .. و عينيه تدوران حوله بزيغ حتى أحطت على حاتم الواقف بعيد نسبيا يراقب الموقف فقط ..
شعر تمّام بصغره وأنه لا يستحق أن يشعر هكذا .. ولذلك تنفس عدة أنفاس متتالية يحاول السيطرة بها على نفسه .. وكأن نظرته لحاتم جعلته يدرك قيمة نفسه ..
استعاد سيطرته المعتادة على الأمور .. ثم قال بصوت هادئ ظاهريا .. رخيم في نبرته .. مسيطرا وباردا للمستمع ..
" لماذا تأخرت .. أين أنت؟ "
أدرك يونس على الطرف الآخر تجاهل أخيه لسؤاله عن حاله .. وأجاب مباشرة بما يريده.. وهذا من الأشياء التي تجعل غيظه وحقده يتناميان تجاه أخيه .. ادعى البرود هو الآخر ..مجيبا بتهكم ....
" وأين من المفترض أن أكون برأيك .. ؟! "
أغمض تمّام عينيه يحاول جاهدا السيطرة على غضبه حتى لا ينفلت ..
" أنت تعلم أين من المفترض أن تكون! ... ولو كنت تناسيت هذا .. فها أنا أخبرك أليس من المفترض أن اليوم هو يوم خطبتك ؟"
تأتأ يونس بأسف مصطنع ..
" تؤ تؤ تؤ .. لقدد نسيت أتتخيل هذا ؟! "
إلى هنا وكفى لقد استشاط غضبا بالفعل .. وقال من بين أسنانه ..
" لا تتحاذق عليّ يونس .. وأخبرني أين أنت ولماذا لم تأت للآن والناس في انتظارك هنا "
ابتسم يونس بانتصار يرد بهدوء مغيظ ..
" هدئ من روعك أخي .. لقد حصل حادث مع صديق لي ولم أستطع تركه "
سكت قليلا بتعمد .. ثم تابع بخبث ..
" تستطيعون إكمال الخطبة .. وعدة أيام أخرى وسآتي لأرى عروسي بنفسي "
ساد الصمت من كلا الطرفين .. قطعه تمّام قائلا بغضب لم يستطع السيطرة عليه ..
" أقسم يا يونس إن كان ما أفكر به صحيحا.. وقتها لن تلوم سوى نفسك "
سكت ثم أكمل وعده بهيئة وعيد ..
" وهذا وعدي لك "
وأغلق تمّام الاتصال دون كلمة أخرى لم يستطع سماع ضحكات يونس المقهقهة .. وأتبعها قائلا ..
" سنرى أخي ... سنرى "

******

جالس بوسط المجلس الرجالي الذي لم يضم سوى عدد قليل من عائلة حسان الرشيدي .. وهو وحاتم فقط من جهة العريس ..
هه العريس ..
الرجال يهنؤونه وكأنه العريس .. تهادى لسمعه قول أحدهم مخاطبا حسان الرشيدي ..
" هنيئا لك نسب ابن عائلة النويري يا شيخ حسان "
زفر بضيق .. الناس بالفعل يظنونه العريس ..
( اللعنة عليك يونس وكأن هذا ما ينقصني ... )
سمع حاتم الذي مال لأذنه هامسا بعبث يغيظه ..
" مبارك يا عريس "
نظر له تمّام شزرا وهمس من بين أسنانه ..
" اخرس حاتم وإلا جعلتهم يقدمون لي العزاء فيك الليلة "
كتم حاتم ضحكاته يراقب ابن عمه الغاضب بسبب سوء الفهم هذا .. والذي لم يبادر الرشيدي لتبديله وكأن سوء الفهم هذا جاء على هواه ..
همس مرة أخرى لتمّام ..
" من الواضح أنك تُساق للفخ يا ابن العم "
نفس النظرة الأولى نالها ثانية مع ضربة بمقدمة حذاء تمّام لساق حاتم الذي تأوه متألما ولكن لم يقوى على منع ضحكاته أكثر ..

********

بعد مغادرة المباركين من النساء والرجال .. طلب الرشيدي الانفراد بتمّام قبل تناول العشاء الذي أصرّ على تناوله جميعا وها هما جالسان بصحبة بعضهما البعض بمجلس البيت .. بدأ الرشيدي حديثه ..
" هل لديك تفسير لما حدث اليوم ؟! "
شتم تمّام يونس بداخله للمرة التي لا يعلم عددها اليوم .. حاول جاهدا أن لا يُظهر انفعالاته أمام الرجل حتى لا يشك بشيء ..
" كما أخبرتك .. يونس حدث لصديق له حادث ولم يقو على تركه لأنه مازال بالمشفى "
رغم عدم اقتناع الرشيدي بهذا العذر إلا أنه لم يجادل تمّام المكفهر الوجه وأرجع ذلك لتفكير الناس أنه العريس ..
ولا يعلم لما لم يصحح هذا الغلط .. كان هذا ما أراده منذ البداية ..
كان يريد نسب تمّام شخصيا وليس أخاه الذي لا يعرفه أحد .. ولكن الخوف من يونس ذاك أن يهد كل ما يقوم به لينجح هذا النسب ..
جذبه من شروده صوت تمّام القائل بجمود ..
" لقد أخبرتك أنه سيأتي بعد ثلاثة أيام ويرى عروسه وتستطيع التعرف عليه .. "
قال الرشيدي بغموض ..
" لا يهم "
سكت متعمدا .. وتابع بتجهم ..
" ولكن بعد ثلاثة أيام .. إن لم يأت .. "
سكت بتعمد يراقب تمّام الذي ينظر له بترقب.. ثم تابع بروية..
" سيكون لي قرار آخر "
وأغلق باب الكلام هنا وكل منهما يحسب حساباته في حالة إن لم يوف العريس بوعده ويأت ..
بعدها عرض الرشيدي على تمام الذي مازالت ملامحه متجهمة ووجهه متصلب تناول العشاء بصحبة الجميع من الأهل كبداية تقارب بين الطرفين..

*********

كان يجلس على كرسي خشبي يراقب من تحت جفنيه عروس أخيه الجالسة بين أمه وأخته .. ووالدتها تتابع الخادمة وتوجهها لرص أطباق المأدبة لتناول العشاء كعائلة ..
حاتم يقف بجانب الصالة .. يحمل ابنته يلاعبها حتى لا تنام وتفيق بعد أن يغادروا وتتعب والدتها ..
عاد بنظره للعروس الهادئة .. وكأن هدوءها هذا سمة بها .. هو لا يعلم عنها الكثير ..
رآها مرتان تقريبا وكل مرة لا تتعدى الدقائق وكانت شبه متحفظة في الحديث أمامه ..
يراقبها تنظر حولها وتتجاهل النظر إليه لا يعلم إن كانت تتقصد ذلك أم لا؟ ..
يراقب والدته تميل عليها تُسِرها بشيء يجعلها تبتسم بخجل وخديها يحمران ..
تُرى ماذا أخبرتها ؟! ..
عاد يلعن نفسه ويلعن أخيه لتورطه بهذا الشكل .. ومازالت الورطة الكبرى التي يحضرها له الرشيدي ..
القرار المتعلق على مجيئ يونس بعد ثلاثة أيام من عدمه ..
" أأ .. أنـ .. أنت العـ .. العريس ؟! "
قاطع شروده هذا الهمس الطفولي الذي نطقه طفل صغير يقف أمامه بشعر أسود كثيف يتهدل على عينيه .. بنظرة واحدة للطفل أدرك حالته ..
لقد تذكر .. هذا أخ العروس .. لقد رأى صورته من قبل ..
قال تمّام بصوت جامد رغم لين ملامحه قليلا ..
" لا .. لست العريس "
ابتسم له الطفل ابتسامة بريئة رائعة .. جميلة وخلابة تسرق القلوب لم يقو تمّام أن لا يبادله إياها .. ابتسم ابتسامة صغيرة .. فتفاجأ بالطفل يندس بين ذراعيه معيدا كلماته ثانية بتأكيد ..
" بل أنـ .. أنت .. العـ .. العريس "
ضيق تمّام ما بين حاجبيه بغرابة .. الطفل وكأنه يقر واقع ..
لوى شفتيه بلامبالاة ولم يجادله فهو بالنهاية طفل ..
لاحظ الظل الذي خيم على جلسته .. فرفع نظره للأعلى .. فوجده الرشيدي يقف متصلب الجسم ينظر للطفل بين ذراعيه بطريقة غريبة .. سمعه يأمر الطفل ..
" لماذا أنت هنا ؟.... اصعد لغرفتك "
لاحظ تمّام انكماش الطفل بذعر بين ذراعيه .. مما جعله يتساءل عن السبب ولكنه أراد طمأنة الصغير أولا .. فقال للرشيدي بهدوء ..
" لا مشكلة .. اتركه قليلا .. ليتناول العشاء قبلا معنا وبعدها يصعد لينام "
وواجه الطفل سائلا بلطف ..
" أليس كذلك ؟! "
هز الطفل رأسه صعودا ونزولا بعنف مما رسم ابتسامة صغيرة على شفتيّ تمام، وابتسم الصغير على أثرها ..
وبعد أن غادر الرشيدي .. رفع الطفل وجهه وقبّل تمّام على وجنته بطفولية بريئة .. وتمتم بعدها وكأنه حصل على جواب انتظره ..
" أنت .. العريس "
ضيق تمّام ما بين حاجبية باستغراب .. لم يعلق بشيء وآثر الصمت رغم تعجبه من تصرف الطفل .. رفع نظراته ينظر للجميع ولكن اصطدمت نظراته بنظرات العروس التي كانت للمرة الأولى تنظر له .. ولا يعلم ما الذي قرأه بالضبط في نظراتها .. أو يعلم ولا يفسره ..
( لقد قرأ الامتنان بنظراتها ..)
وبخ نفسه وعاد ينظر لأي شيء متجاهلا تساؤلاته الغريبة .. ويدعو أن يوف أخيه بوعده ويأتي علّه ينتهي من هذا المأزق الذي وُضِع به ..


*******


راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 11-08-22, 06:22 PM   #38

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
:jded: الفصل العاشر

الفصل العاشر


عاد تمام ووالدته وأخته وزوجه للمنزل .. وهمّ أن يرحل حاتم وزوجته فأوقفتهما والدة تمام قائلة ..
" إلى أين الآن .. الوقت تأخر .. والصغيرة نائمة .. هيا لتبيتوا هنا الليلة "
اعترض حاتم ..
" عذرا زوجة عمي .. سنرحل ليس هناك مشكلة .. وأيضا لدي عمل في الصباح "
إلتفت له تمّام قائلا بمزاح ..
" هيا أيها الغليظ .. فلتنام هنا الليلة وسأتوسط لك عند مديرك في الصباح إن تأخرت "
ضحكت والدته متممة لحديث بِكرها ..
" صحيح حاتم .. أنت معك المدير نفسه وتتحدث بني .. هيا انزل "
وجد حاتم أن ليس هناك بد من فعل ذلك ولكنه انصاع لكلامهما في النهاية ونزل من سيارته حاملا طفلته بين ذراعيه ..
تحرك الجميع لداخل المنزل .. وكان تمّام يسير بجوار حاتم، يقول بمزاح ..
" لن يطير العمل .. هيا اصعد مع زوجتك واسترح .. ولو أردت الكسل غدا عن العمل .. فليس لدي مشكلة "
امتعضت ملامح حاتم بانزعاج مصطنع وقال ..
" لالا .. لا كسل .. لدي مدير أحمق ولا يتفاهم "
ضحك تمّام وضرب بقبضته على كتف حاتم من الوراء .. يرد بغيظ ..
" أنت هو الأحمق يا أحمق "
كان حاتم يشاركه الضحك بمراعاة حتى لا تستيقظ الصغيرة بين ذراعيه .. شعر بكف تمّام يحط بخفوت على كتفه .. نظر له متسائلا .. فأجاب تمّام تساؤله قائلا ..
" أنت صاحب العمل قبلي يا حاتم .. وأنت تعلم هذا .. "
شعر حاتم بالامتنان .. رغم شراكته بالنسبة الأقل مع ابن عمه ولكنه دوما يشعره أن ما له أكثر بكثير من مجرد نسبة .. تمتم بخفوت ممتن ..
" أعلم هذا .. شكرا لك "
ابتسم تمّام وقال ..
" هيا اصعد لتستريح .. وأراك على الفطور صباحا بإذن الله "
أومأ حاتم قائلا ..
" حسنا تصبح على خير "
" تصبح على خير "
اطمأن تمّام على الجميع .. ولكن لم يصعد لغرفته كالبقية .. بل عاد أدراجه لخارج البيت الكبير .. وجلس على أرجوحة موضوعة بحديقة المنزل ..
جلس ساكنا دون حراك .. وعينيه شاخصة للأمام بجمود .. يتذكر أحداث اليوم الطويل .. يوم طويل يشعر به كسنة ..
هاتف فيه أخاه اليوم ..
لا يصدق أن هذا حدث بالفعل .. ولا يصدق كيف تغلب على شعوره و واجهه بتلك القوة ..
تنهد بثقل متذكرا تبجح يونس في حديثه .. وشعوره بالخطر يزداد .. واحساسه بالضيق تجاه يونس تعلو .. لا يعلم ما الذي يمكن أن يفعله.. يعلم أن أخيه يمتلك قدر كبير من اللامبالاة وعدم المسؤولية ما يكفي الدنيا أجمع.. وهذا هو ما يزيد توجسه.. فلامبالاته جعلته يتغيب عن خطبته.. يا الله لقد وافق أخيه من البداية على المبدأ.. فلماذا يفعل هذا.. ولماذا لم يأتي.. زفر غاضبا متذكرا الموقف الذي وُضع به.. وتشدق الرشيدي بالقرار المنتظر.. زفر غاضبا و تمتم بوعيد ..
" أقسم يا يونس إن كنت قصدت ما يحدث .. سأدفعك ثمن هذا وسأحاسبك عن كل ما صدر منك "
استقام من مكانه يتجه لغرفته ينشد الراحة قليلا منحيا أفكاره التي تتجه كلها للحظة واحدة .. لحظة لا معنى لها في اعتباراته..
مؤقتا على الأقل..
( حين تقابلت الأعين .. وقرأ الامتنان بها )

*********

في نفس الوقت .. تجلس على كرسي أمام مرآتها تنظر لنفسها جيدا علّها تصل للخطأ أين هو؟ ..
أصبحت خطيبة لشخص لم تره .. والله أعلم إن كانت ستراه أم لا ..
لالا .. في الحقيقة هي رأته اليوم .. لأول مرة ترى خطيبها الغائب كان يوم خطبتها .. يا لسعدها ..
تنهدت متذكرة رقية أخت يونس حين علمت أنه لن يأتي وبعد عدة محاولات لتجري اتصالا مرئيا لتجعله يرى عروسه وتراه ولكن تلك المحاولات كلها باءت بالفشل .. فاكتفت رقية بجعلها ترى صورة له على حسابه الشخصي لموقع التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك) حتى تكون الصورة حديثة بما أن رقية لا تمتلك صور حديثة لأخيها على هاتفها ..
كانت تراقب حركات رقية العفوية حين طلبت هاتفها لتفتح نقطة اتصال بينهما عن طريق ( البلوتوث ) لترسل لها الصورة وتظل على هاتفها بما أنها أصبحت خطيبته ..
هه .. خطيبة دون خطيب ..
أمسكت هاتفها وعدة ضغطات لتفتح الصورة أمامها وترى ملامحه المشرقة والجذابة وكأنها تسخر منها ..
همت أن تغلق الهاتف بغضب ولكنها تسمرت تنظر للصورة مرة أخرى حين حطت عينيها على عيني يونس بالصورة .. ظلت تنظر للعينين أمامها كثيرا ..
تحولت نظراتها لباقي ملامحه، هناك شبه كبير بينه وبين أخيه..
وخاصة لون العينين .. نفس اللون الرمادي ..
ولكن الفرق بالصورة هي الشقاوة التي ترتسم على ملامح يونس..
شعرت أن هذه هي طبيعته ..
لكن ما يفرق بين يونس وأخيه بالفعل .. هو جمود ملامح الأخ الأكبر .. والعبوس الدائم المرسوم على ملامحه ..
تلقائيا كانت ملامحها تعبث نتيجة تذكرها لعبوسه .. ولكن سرعان ما انفك عبوس ملامحها حين تذكرت أخيها بين ذراعي هذا الأخ الجامد .. الذي أثبت لها اليوم أنه ليس جامدا كما يظهر عليه .. رغم تيقنها بذلك إلا أنها مازالت تشعر بالخوف تجاهه
ولا تعلم السبب للأسف! ..

*********

قبل ساعتين من الآن .. دلفت دلال لداخل منزل والدها تزامنا مع رنين هاتفها .. فأخرجته و فتحت الاتصال الوارد والذي لم يكن سوى .. (زوجها) .. جاسم العمايري .. ردت بخفوت ..
" السلام عليكم "
رد بخفوت مماثل ..
" وعليكم السلام .. كيف حالك .. دلال "
" بخير .. وأنت ؟! "
" بخير نحمد الله .. هل انتهت خطبة صديقتك .. دلال ؟! "
تنهدت بخفوتٍ وصل لمسامعه .. وهي تجيب بتعب ..
" نعم انتهت .. "
" وما به صوتك .. لما تبدين حزينة ؟.. "
انحبست أنفاسها داخلها بعد سؤاله العفوي .. هذه المرة ليست الأولى التي يُظهر فيه اهتمامه ..
ولا تعلم أهذا اهتمام من الأساس أو من باب الواجب عليه فقط !..
ولن تنكر أن اهتمامه هذا يروق لها .. يروق لها جدا .. ويجعل دقاتها تضطرب قليلا .. قليلا فقط .. وسبب هذا الـ (قليلا) أنها تخاف .. تخاف أن تفتح لقلبها الباب ليشعر بأكثر وأكثر ويكون هذا سببا في كسرها .. وخاصة أنها لن تنسى ظروف زواجهما ... ولن تنسى أيضا كلامه عن أخيها وتوعده له .. تنبهت لشرودها .. وأجابت سؤاله ..
" بعض الظروف حدثت لخطيب صديقتي ولم يأتِ لحضور الخطبة " وصلها صوته الرزين ..
" بالتأكيد كان الحضور فوق مقدرته .. لا تقلقي .. دلال "
أومأت برأسها كأنه يراها .. ولم تتحدث .. فقال منهيا الحديث ..
" والآن حاولي أن ترتاحي .. بالتأكيد أُجهدتِ نفسك اليوم "
" حسنا .. تصبح على خير "
" تصبحين على خير .. دلال "
اغلقت متذمرة..
" اووووف.. دلال .. دلال .. دلال .. "
لا تعلم السر وراء تكراره لاسمها بهذه الطريقة .. أيستصعبه مثلا .. أو لا يحبه .. لا تعرف الاجابة ..
اتجهت لغرفتها لتبدل ملابسها وتنام .. وقررت أن تعرف إجابة هذا السؤال في مرحلة ما من حياتها القادمة ..

********

في اليوم التالي ..
صباحا على مائدة الافطار يجلس الجميع يتناولون فطورهم .. إلتفتت رقية لوالدتها بعد أن أطعمت صغيرتها لتقول بفضول ..
" أمي .. أهناك ما تعرفيه بخصوص غياب يونس بالأمس ؟! "
رفعت والدتها رأسها عن طعامها لتنظر لابنتها ..
" أبدا رقية .. لقد حاولت مهاتفته عندما عدنا ولكنه لم يرد عليّ "
سكتت قليلا ثم أردفت ..
" لم يجب سوى اتصال تمّام به "
تجهمت ملامح رقية .. وقالت بتفكير ..
" بالتأكيد عدم مجيئه أساء لصورته أمام العروس وأهلها .."
سكتت قليلا .. وأكملت بذعر ..
" يا الهي .. أتمنى أن يَصدُق ويأتي بعد غد كما قال .. حتى لا تنتهي الخطبة قبل أن تبدأ "
وكأن الذعر انتقل لوالدتها التي قالت ..
" يا الهي .. ستكون فضيحة لنا وللعائلة "
كان هذا الحوار بين الأم وابنتها تحت مسامع حاتم وتمّام اللذان يتناولان فطورهم في هدوء ظاهري لسبب بسيط جدا ..
لأن هذا ما يخشيانه منذ البداية ورغم ذلك تجاهلاه ..
وزاد فوق هذا ..
القرار المنتظر من قِبل الرشيدي ومتوقفا على عودة يونس من عدمه .. وهذا القرار المنتظر ما سبب لتمّام الأرق في الليلة الماضية يفكر ما الذي ينوي الرشيدي فعله إذا لم يأتِ أخيه؟! ..
لم يتجاوب مع الحديث النسائي .. بل توجه لحاتم قائلا ..
" أنهِ فطورك .. وألحق بي .. سأنتظرك بالخارج .. سنذهب سويا "
تذمر حاتم ..
" يا للسادية التي بكَ .. أهناك أحدا يترك هذا الفطور الدسم الرائع ويذهب للعمل؟ "
عبس تمّام بمزاح ..
" انهض يا حاتم .. يكفي هذا .. هذا الفطور الدسم إن تركتك تلتهمه ستتحول بعدها لهيئة البغال .. "
همّ حاتم بالرد ولكن سبقته رقية قائلة بدفاع ..
" لا تقل عنه هكذا يا تمّام .. حاتم مثل القمر .. وأنا أحبه بأي شكل "
وضع حاتم كف يده على فمه يمنع ضحكاته بعد أن لمح ملامح تمّام الممتعضة .. والذي قال أثناء تحركه ليغادر ..
" قمممر !! أين القمر هذا وهو يشبه الحائط .. أأخبركِ شيئا !! "
سكت قليلا وإلتفت ينظر إليها قبل أن يتم خطوته للخارج ..
" اشبعي به "

*******

بداية المساء

انتهزت فرصة مغادرة ابنتها قبل أن يصل زوجها لبيتهما .. وقبل أن يصل تمّام .. قررت أن تتصل بابنها لتعلم إلى أي مدى سيورطهم ..
ولدهشتها أجاب الاتصال ..
" أهلا أمي .. اشتقت لكِ "
لم تجبه ..بل هاجمت مباشرة ..
" ما الذي منعك من الحضور أمس يا يونس؟ "
يعلم أن التعامل مع والدته ليس كالتعامل مع أخيه .. ولذلك عليه المهادنة ..
" لقد أخبرت أخي يا أمي .. ألم يخبرك ؟! "
ادعى البراءة بحرفية .. فأجابت الأم تسأل بقلق...
" وهل ستأتي بعد غد ؟! "
تلكأ في إجابته عليها وأخيرا نطق ..
" بالتأكيد أمي "
ثم أردف بخبث ..
" كيف يفكر أخي بخصوص مجيئي غدا .. أخبريني "
تنهدت الأم بخوف من أن يخذلهم ابنها ..
" يا الهي يا يونس .. بالتأكيد مشغول البال ومتخوفا من عدم مجيئك .. "
ثم تابعت بذعر من مجرد التخيل لما يمكن أن يحدث ..
" ستكون فضيحة له وللعائلة يا يونس "
لمعت عينيّ يونس بلؤم .. فهذا ما يستحقه أخوه .. وليريه كيف سيتعامل مع تلك الفضيحة؟ ..
" لا تقلقي أمي .. بالتأكيد لن يحدث هذا .. والآن سأغلق لدي عمل "
قال منهيا الحوار .. وأجابته والدته ..
" حسنا بني .. سننتظرك "

******

في اليوم المنتظر .. كان تمّام متوترا .. وعصبيا للغاية .. لقد مر أكثر من نصف اليوم ولم يأت أخاه ..
كان حاتم يراقب حركاته المنفعلة أثناء حديثه .. وأثناء قيامه بعمله .. حتى بين العمل والآخر لا يظل جالسا .. يستقيم من مكانه ويذرع غرفة المكتب ذهابا وإيابا ..
" لن يأتي .. أشعر بهذا إن لم أكن متأكدا "
كان هذا التعليق البائس ما تفوّه به تمام .. للأسف حاتم أيضا لا يشعر .. هو متأكد من عدم مجيئ يونس .. والخوف كل الخوف من القرار المنتظر من جهة الرشيدي .. هل سيأخذ الأرض ثانيةً .. كيف وهم بدأوا العمل بزراعة المحاصيل فيها .. سيخسرون كثيرا .. وبقية الأرض بكاملها ستموت عطشا لأنها يتم ريها بالمياه عن طريق الوصلات المارة بأرض الرشيدي .. ستكون الخسارة فادحة بالفعل ..
قال يحاول تهدئة ابن عمه ..
" اهدأ تمّام .. لا تستبق الأحداث .. مازال هناك بقية اليوم .. لعله يأت "
وصله صوت تمّام الغاضب .. ضاربا بكفيه على سطح المكتب ..
" لن يأتي .. أعلم هذا .. ولا يجيب اتصالاتي .. الحقير!"
التفت لينظر الى حاتم وتابع وعينيه تنطق بالشرر ..
" أقسم إن لم يأت .. سأحاسبه وسأجعله يدفع ثمن كل أخطائه "
اقترب حاتم مهادنا أكثر ..
" اهدأ يا تمّام .. فقط اهدأ وما تريده سيحدث "

******

بعد أن دقت الساعة الثانية عشر منتصف الليل وأعلنت بداية يوم جديد ..
كان هاتف تمام يرن وشاشته تضيء باسم ..
( الرشيدي ) وكأنه ضبط نفسه على الساعة بانتهاء الثلاث أيام ..
" اللعنة عليك يا يونس "
لعن بصوت مسموع .. يمرر أصابعه في شعره بعصبية ..
زفر بضيق قبل أن يفتح الاتصال ..
" السلام عليكم "
أجاب حسان بهدوء مغيظ لتمام وكأن ما يحدث يعجبه
" وعليكم السلام تمّام .. كيف حالك !! "
السؤال الأخير غلفه السخرية الواضحة لمسامع تمّام الذي تنهد بصوت ملحوظ للمستمع الآخر .. فقال تمّام مباشرة ..
" ما القرار الذي اتصلت لتخبرني به "
ضحك الرشيدي بقهقهة أغاظت تمّام بشدة .. ووصله صوت حسان قائلا باستمتاع ..
" أراك جاهز للسمع ؟! "
زفر تمّام أنفاسه بغضب .. فهو يكره هذا الاحساس أن يكون تحت رحمة أحد .. وللأسف ما يحدث الآن بمساعدة أخيه الذي يكن له الكره وبشدة ولا يعلم تمّام إلى متى سيظل أخيه يكرهه بهذا الشكل؟..
وللأسف أيضا تمّام لن يسامحه بسهولة فيما يحدث له الآن ..
" جاهز للسمع .. فلننته وتخبرني بما قررت "
اكتسى صوت الرشيدي بالجدية والحزم ..
" حسنا تمّام .. فليكن بعلمك وعلم الجميع .. بعد عشرة أيام من اليوم .. سيكون عقد القران والزفاف .. أخبر أخيك بذلك "
تجمد تمّام كأنه لم يسمع .. مما جعل حسان يظن أنه لم يسمعه فعلا .. فسأله ساخرا ..
" أسمعتني .. أم أعيد ما قلته ؟! "
" لماذا ؟؟ "
همس بها تمّام .. غير مصدق للبساط الذي يُسحب من تحت قدميه والفضل يعود لأخيه ..
لم يكن استفهام تمّام عشوائي أو مطلق .. وإنما كان استفهام عن لماذا يفعل الرشيدي هذا معه! .. والأخير فهم هذا جيدا .. ولذلك أجابه مباشرة ..
" منذ البداية وأوراقنا مكشوفة لكلينا تمّام .. ولذلك سأكون واضحا معك "
سكت للحظة يرتب أفكاره .. ثم تابع ..
" أخبرتني منذ البداية عن أهمية الأرض لك وعرضي كان واضحا .. قد أكون انتهزت الفرصة لمصاهرتك ولن أنكر هذا .. وأنت وافقت أيضا منذ البداية .. وحين لم أوافق على شراءك للأرض ودخولي بها كشريك كان لحماية اتفاقنا بعد عرضك أن يونس سيتزوج ابنتي .. وحين تعجبت أنت .. أخبرتك أنني أحمي ابنتي ومصلحتي معك.. فبالأخير سأزوجها لشخص لا أعرفه .. ولكنني أعرفك .. ووافقت على أخيك لكونك أخيه ليس إلا.."
سكت الرشيدي لحظة .. ثم تابع ..
" ولذلك .. عقد القران والزفان سيحمي اتفاقنا .. من جهة ستتم المصاهرة بيننا كما أملت .. وبالمقابل تظل الأرض تحت تصرفك .. وخاصة .. "
قطع كلامه متعمدا .. وتابع ساخرا ..
" وخاصة أنك بدأت العمل في الأرض فعلا .. أم لم تعد تحتاجها!! "
وصلت السخرية اللاذعة في سؤال الرشيدي لأذن تمّام ..
ولم يجب ..
بعد عدة لحظات صمت فقط قال غير واثق مما سيقول..
" حسنا .. فلنستعد للزفاف بعد عشرة أيام "
وأغلق تمّام الهاتف شاتما أخاه بكل ما يعلمه من ألفاظ خارجة ..

*********

أغلق حسان الهاتف وضحكاته الصاخبة تعلو وتعلو .. وبعد أن هدأت ضحكاته ..
توجه لغرفة نومه فوجد زوجته بالغرفة تقوم بتنسيق الفراش للنوم وحين فتح الباب توقفت يديها عن العمل ونظرت له .. تفاجأت بملامحه المرتاحة والشقية رغم سنه .. دنى منها بتكاسل .. حتى اقترب وأصبح لا يفرق بينهما سوى خطوة واحدة .. جذبها فجأة فارتطمت به .. وكانت تنظر له بوجل ..وحين لمح ذعرها .. قال ساخرا ..
" ماذا بكِ يا امرأة .. هل تخافين مني !! "
لم تجب .. فاقترب منها بوجهه هامسا بعينين تلمعان ..
" لا تخافيني .. فالليلة أعدك ستكون طويلة .. "
ولم يتح لها حق اعتراض لم يكن متاح لها من الأصل ..
و بعد وقت ..
كان يعتدل في جلسته يتركها تداري جسدها .. كارهة لنفسها لإيمانها أنها مجرد خانة يفرغ بها طاقته .. يلتقط سيجارة بين شفتيه ليأخذ منها عدة أنفاس .. وأخيرا قال بهدوء ..
" رتبي أمورك .. فزفاف ابنتك بعد عشرة أيام "
إلتفتت له منتفضة لمباغتته لها بما قال .. وهتفت بخفوت متلعثم ..
" كـ .. كيف هذا .. وكيف بعد عشرة أيام فقط ؟!!! "
نظر لها نظرة أخرستها .. وقال من بين أسنانه ..
" أتحاسبينني ؟! .. أنا والدها وأقرر ما هو في صالحها "
حاولت ترضيته فقالت ..
" لم .. لم أقصد .. كيف سنوفي بالتزاماتنا .. فقط في مجرد أسبوع! "
عاد هدوءه له .. وقرب السيجارة المشتعلة من فمه ثانية يمج منها باستمتاع .. ليتحدث منهيا الحوار ..
" لا تقلقي من هذه الناحية .. خلال هذا الأسبوع سيكون كل شيء جاهزا .. فقط رتبي أنتِ أمورك من الآن "

*******

بعد مرور يومين .. قام تمّام بإبلاغ الجميع بالموعد الجديد للزفاف والذي سبب الهرج والمرج داخل عائلته وكل شخص فيهم له سبب لتذمره ..
حاتم ولم يعجبه هذا القرار الذي اتخذه وكأنه يضعهم جميعا تحت رحمة الرشيدي والبركة بيونس الذي قبل بالعروس منذ البداية ..
أما والدته وأخته تذمرا لأنهما لن تجدا الوقت لتنفيذ ما عليهما من التزامات لاستقبال العروس ..
وحسم تمّام الأمر حين أخبرهما أنه سيعمل على تجديد غرفة يونس القديمة وخلال يومين سيشتري غرفة نوم جديدة تليق بالعروس ..
وهكذا سيكون الأمر منتهي ..
وحين علم يونس بهذه القرارات العظيمة .. صمت قليلا وبعدها لم يعلق وقام بتغير محور المكالمة مع والدته التي كانت سعيدة للغاية ..
ولكن داخله كانت تموج الكثير من الخطط نتيجة استيائه من أخيه وتسلطه في حياته وليس الآن فقط .. بل منذ زمن مضى _كما يعتقد _ ..
وأقسم أن يكون رده على تلك القرارات عنيفا كعنف ما يعتمل بداخله
( وليس هناك مانع من الاستمتاع قليلا ..)

******

قبل زفاف دلال وجاسم بثلاثة أيام .. تفاجأت دلال بهاتفها يرن برقم غريب .. فتحت الإتصال بلامبالاة ..
" السلام عليكم .. من معي ؟! "
لم يأتيها رد .. فانتبهت وسألت ثانية ..
" ألو .. من معي ؟! "
ولم يأتيها رد مرة أخرى .. ظلت تستمع للصمت على الطرف الآخر للحظات ... وحين طال الصمت .. همت لتغلق الهاتف .. فوصلتها همسة معذبة ..
" دلال "
انتبهت أكثر والهمسة اخترقت وجدان قلبها .. وعرفت لمن الهمسة فورا .. فقالت بصوت متحشرج ..
" أخي ؟! "
وصلها صوت أنفاسه المتحشرجة وكأنه ... يبكي !! ..
حين تأكدت من تخمينها لما سمعت .. صوت نهنهات متقطعة .. مكتومة وكأنه يمنع خروجها ..
" قاسم .. أخي .. أجبني "
بعد لحظات صمت سادت بينهما وكأنه يتدارك حالته .. فقال أخيرا ..
" كنت أتمنى المباركة لكِ يوم زفافك حبيبتي .. ولكن "
سكت يبتلع ريقه .. وتابع ..
" أنا السبب في ورطتك هذه دلال .. فكيف أبارك لكِ وبأي عين أواجهكِ "
" قاسم .. لا تقسو على نفسك أخي .. ما حدث قد حدث .. لا تحمل نفسك فوق طاقتها .. لا تقلق قد تكون سبب غير مباشر في الزواج بهذه الطريقة .. ولكن كل شيء بالنهاية قضاء وقدر "
لحظة صمت .. وسأل ..
" كيف هو معك ؟! "
علمت من يقصد .. فأجابت بصدق .. وما ستبوح به يقلقها من الأساس وكأن الجدران بينها وبين زوجها تتم إزالتها من تلقاء نفسها ..
" اطمئن قاسم .. جاسم رجل بحق كما قال أبي .. ويهتم بنا كثيرا .. ويهتم بي وبتفاصيل حياتي .. ومراعي للغاية .. لا تقلق "
سكتت هي الأخرى .. وسألت ..
" قاسم .. زفافي بعد يومين .. ألن تحضره ؟! "
سكت وكأنه يفكر ..
" لا أعلم دلال .. تعلمين أبي .. وما حدث "
تكلمت هي الأخرى وقلبها بين نارين ..
" أبي سينسى حين يراك أمامه قاسم .. بل إنه يشتاق لك .. فقط تعالى أخي حتى تكون بجواري وبجوار أبي في يومي هذا "
جاءها صوته المتردد .. في الحقيقة هو اشتاق لأخته ولوالده ووالدته .. وبيته وكل شيء ..
حتى اشتاق لنفسه ..
اشتاق لـ(قاسم اليماني) ..
" لا تشغلي بالك بهذا الآن .. انتبهي لنفسك .. وكوني سعيدة حبيبتي "
لم تقوى على منع دمعاتها أكثر فقالت متوسلة ..
" تعالى أرجوك .. سأنتظرك أخي .. ليس لدي سواك "

******

قبل الزفاف بيوم .. دخلت الغرفة لترى أبيها .. وجدته يجلس على فراشه وقد بلغ منه التعب مبلغه ..
اقتربت من الفراش بروية .. جلست بجواره .. فالتفت لها .. و قالت بحنان ..
" بماذا تشعر أبي ؟! .. هل أُرسل أحدا ليأتي لك بالطبيب ؟! "
ابتسم لها وقال بنبرة متألمة رغم عدم اظهاره لألمه ..
" ما أشعره .. ليس له تخصص بالطب حبيبتي "
توجعت كثيرا من أجله ..
" أبي .. لا تفعل هذا بنفسك .. "
أغمض اليماني عينيه بألم .. وما يشعره أكبر بكثير من الألم الجسماني ..
" وماذا أفعل بنيتي .. لقد كسرني ولدي .. وكسرك .. وها أنت تسددين دينه "
اقربت تدفن نفسها بين أحضانه تضع رأسها على صدره .. وتقول بتسامح ..
" أرجوك أبي .. يكفي لهنا .. أنا لا أسدد دينه .. قد يكون نصيبي وقدري مع جاسم ولم يكن قاسم سوى سبب .. أنا رضيت أبي فلا تحمل نفسك وتُحَمل أخي فوق طاقتكما .. "
شد ذراعه حولها و تنهد ولم يعقب .. أما هي فكانت تتألم بسبب حالة أبيها وكسرته تجاه ولده .. ويتردد داخلها أتخبره بمكالمة قاسم ..
أو تسكت وتترك لقاءهما للظروف ..
ولكن داخلها يتألم من أجل أبيها .. فقررت إخباره عله يطمئن عليه على الأقل .. فهمست بتردد ..
" أبي .. "
" نعم حبيبتي .."
رفعت رأسها تنظر إليه .. وهمست ..
" أريد أن أخبرك شيئا "
أومأ لها وانتظر لتتحدث .. فقالت ..
" لقد هاتفني أخي .. ومن الجائز حضوره يوم العرس "
تنبه لها والدها بكل حواسه واتسعت عينيه .. للحظة ظنت دلال أنها تحدثت بما هو خاطئ .. فانتشلها من ظنها صوت والدها ..
" أخبريني بكل ما حدث "
أومأت وحكت له عن الرسالة التي بعثها قبل أيام .. والمكالمة التي دارت بينهما ..

بعد وقت ..
بعد أن غادرت دلال غرفة والدها .. تركته لاشتياقه وحنينه ووجعه على ولده الغائب الذي ساهم بدوره في عدم مسؤوليته ولامبالاته .. ساهم في تكوين شخصيته وأنه قام بتدليله منذ البداية ولم يعلمه منذ صغره كيف يعتمد على نفسه ..
ولذلك قرر ولن يرجع عن قراره .. سينقذ ولده ويستغل ضعفه تجاههم في هذا الوقت .. هو متأكد أن قاسم سيأتي يوم العرس .. معرفته بولده بل يقينه بما يفكر به وما يشعر به تجعله متأكدا بأنه سيأتي ولذلك ..
( حُسم الأمر ) ..
رفع هاتفه وضغط على رقم بعينه .. وحين أتاه الصوت .. قال ..
" جاسم بني .. أحتاج إليك "
وحين أتاه صوت جاسم مرحبا وموافقا .. قال ..
" قاسم ابني من المحتمل أن يأتي يوم العرس .. وأحتاج منك أن تعينني على إعادة تربيته "

*******

yasser20 and دانه عبد like this.

راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 13-08-22, 01:39 AM   #39

دانه عبد

? العضوٌ??? » 478587
?  التسِجيلٌ » Sep 2020
? مشَارَ?اتْي » 513
?  نُقآطِيْ » دانه عبد is on a distinguished road
افتراضي

💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚

دانه عبد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 14-08-22, 06:00 PM   #40

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
:jded: الفصل الحادي عشر

الفصل الحادي عشر


يوم الزفاف قبل العصر بدقائق ..

كانت تجلس أمام مرآتها تقوم بتمشيط شعرها .. والفستان الأبيض موضوع على الفراش في انتظار ارتدائها له بينما عقلها شارد وقلبها ينتظر بشوق لترى أخيها وتتساءل هل سيقوى على الحضور.. أم سيتركها في يومها هذا..
.. لقد سامحته .. فقط تدعو من قلبها أن يتعلم من خطأه فهذه المرة هي من دفعت الثمن .. المرة القادمة من سيدفع ولم يتبقى سوى والدها ووالدتها .. وهو .. قاسم ..
" يا رب اهديه واحفظه "
تمتمت بالدعاء له .. وفي نفس اللحظة صدح صوت الأذان فعلمت أن أبيها سيذهب إلى المسجد القريب لأداء الصلاة بصحبة رجال العائلة وباقي أهالي البلدة الموجودين للمباركة وحتى لا يتركون كبيرهم في يوم مثل هذا اليوم بمفرده وخاصة بعدما أُشيع في البلدة أن قاسم أخيها سافر خارج البلاد لتبرير غيابه ..
تنهدت بصوت مسموع .. ثم انتفضت حين سمعت باب غرفتها يُفتح فجأة ويدخل رجل بهيئة غريبة ومغطى الرأس ونصف الوجه .. ذُعرت وهمت أن تصرخ .. فاقترب منها الغريب ووضع يده على فمها واليد الأخرى ممسكا برأسها ليثبته ..
اتسعت عينيها بذعر تراقب وجهه وعينيه .. همهمت تحت يده .. فوصلها صوته قائلا بخفوت ..
" اهدأي دلال .. إنه أنا .. "
سكنت تحركاتها وقد علمت هويته .. و لاحظ هو هذا .. فأفلت يده ببطء وحين شعرت بابتعاد كفه .. همست ..
" قاسم .. أخي "
ابتسم لها.. ثم جذبها لأحضانه يكتم شهقاته ويتمتم بكلمات متحشرجة هو الآخر ..
" آسف حبيبتي .. آسف دلال .. سامحيني "
كانت شهقاتها تعلو ..
" يكفي حبيبتي .. يكفي أنا آسف .. أقسم لكِ أني آسف "
هدأت شهقاتها قليلا .. ورفعت وجهها تنظر إليه ..
" كيف دخلت ؟! "
ابتسم يحتوي جانب وجهها ..
" كنت متخفي وراء البيت .. وحين خرج الرجال للصلاة دخلت .. والنساء مشغولات بتجهيز الموائد "
رغم بساطة شرحه إلا أنها أدركت معاناته ..
" إلى متى قاسم ؟! "
أغمض عينيه .. وهمس بوجع ..
" لا أعلم دلال .. لا أعلم "
تشبثت بجلبابه الأسود المغبر ..
" ابقى قاسم .. صدقني أبي يشتاق إليك كثيرا وكم يوجعه عدم تواجدك بجواره في مثل هذا اليوم "
تغاضى عن حديثها .. وسأل بشي أهم آخر يؤرقه للغاية ..
" دلال .. إن كنتِ لا تريدين إتمام تلك الزيجة .. أخبريني وسأتصرف "
ابتسمت وقالت بإقرار واقع ..
" أنا زوجته الآن بالفعل قاسم .. أم تراك نسيت "
تغضنت ملامحه بألم .. قائلا ..
" سامحيني أختي أرجوكِ .. وإن كان جاسم كما أخبرتني به .. فكوني سعيدة معه رجاءً .. وأتمنى أن يستحقك كما تستحقين أنتِ السعادة أختي "

********

بعد مرور عشرة دقائق اضطر قاسم للمغادرة قبل أن يعود الرجال ظلت تبكي لدقائق .. ولكن سكنت وانتبهت للضوضاء القادمة من نافذة غرفتها .. فوقت لترى .. سرعان ما كانت ملامحها تتسم بالذعر وهي تراقب أخيها يتم تقيده من قبل رجال لا تعرفهم ملتفون حول أخيها ومتجمعين في خلفية الفناء بعيدا عن تجمع رجال البلدة في المقدمة..
.. ارتفع صوتها تصرخ ..
" اتركوه .. ليس لص .. إنه أخي .. قاسم اليماني "
ولكن لم يسمعها أحدا بسبب الهرج والمرج في مقدمة الفناء الخارجي لمنزلهم ..
ولكن ذعرها وغضبها تفاقما حين حادت بنظرها للجانب الغربي للفناء ورأت والدها يقف وأكتافه محنية .. وتكاد تقرأ الألم على ملامحه .. وبجواره يقف ..زوجها !! (جاسم العمايري) يراقب إمساك الرجال لأخيها .. تحركت لتغادر ولكنها تسمرت مكانها حين وجدت النساء تندفع لداخل الغرفة مهللات ومباركات وبعض النسوة تزغردن فرحة .. ثم وجدت والدتها أمامها تخبرها ..
" هيا دلال .. العريس بالأسفل في انتظارك .. ووالدك يخبرك أن تتجهزي فلم يتبق سوى القليل "
كانت تنظر حولها وتكاد لا ترى أي شيء أمامها .. وحين وعت لما يحدث .. اقتربت من والدتها قائلة ..
" أمي لابد أن أرى أبي قبلا .. الأمر ضروري .. هناك خطأ "
ابتسمت لها والدتها .. تخبرها ..
" هيا حبيبتي .. فلتتجهزي قبلا .. وبعد قليل سيأتي والدك لهنا .. أخبريه ما تريدين "
همست باعتراض متوسل ..
" ولكن يا أمي ..... "
أمسكتها والدتها من ذراعها قائلة ..
" هيا حبيبتي .. ليس هناك وقت للاعتراض .. العريس ووالدك ينتظران "
استسلمت ليد والدتها وإحدى النساء المتخصصات بتجهيز العرائس تقوم بتلبيسها .. ووضع بعض اللمسات الجمالية لها .. وتركت شعرها بطوله القصير الواصل لكتفيها .. ثم قامت في النهاية بتغطية كامل هيئتها بإرتداء (الكاب) _ يشبه الخمار ولكنه يغطي كامل الجسد _
وأيضا وجهها مغطى بقطعة شفافة من ضمن تكوين الخمار الأبيض المطرز باللؤلؤ الأبيض والخرزات الملونة البراقة ..
بعد وقت انتهت المرأة من تجهيز العروس .. وماهي سوى لحظات وسمعن دقات على باب الغرفة .. ولم يكن سوى والدها الذي دخل بملامح مرتاحة .. وكأنه تخلص مما يؤرقه .. اقترب منها بسعادة .. يبتسم لها بحب وأبوة .. للحظة تناست ما حدث حين راقبت ملامح وجه أبيها .. ووجدت نفسها تقترب منه تندس بين ذراعيه .. وهو بدوره يشدد من احتضانه لها ..
مال هامسا بجوار أذنها ..
" مبارك لكِ صغيرتي .. مثل البدر يوم تمامه "
ابتسمت هي الأخرى وبادلته همسه ..
" أدامك الله لنا وأطال بعمرك أبي "
تفرقن النسوة ليفسحن المجال لوالد العروس ليصحبها للموكب المتحرك لبلدة العريس وفي مقدمته العريس بنفسه ..
قبل أن يصل بها للسيارة التفتت له ..
" أبي .. أخي كان هنا "
وجدت حاجبيه يقتربان ولم يتحدث وكأنه ينتظر إكمالها لكلامها .. فأكملت ..
" لقد أمسكه رجال جاسم .. تقريبا ظنوه لص .. أبي عليك أن تتحدث معهم وتخبرهم أنه قاسم أخي .. "
لم يتحدث أيضا فتوترت ملامحها .. وضيقت حاجبيها هي الأخرى .. وهمست بتردد ..
" إنه الشخص .. الذي .. !!! "
سكتت تنظر لوالدها وقالت بتفكر ..
" أنت .. كنت هناك .. وهم يمسـ .. يمسكونه "
سكتت وكأنها أدركت شيء .. فقالت بوعي ..
" أنت .. أنت تعلم أنه أخي !!! "
اتسعت عينيها بإدراك .. وهمست متألمة ..
" تركتهم .. يفعلون به ذلك "
سكتت مدركة لأمر آخر .. التفتت تنظر لزوجها المنتظر بجانب السيارة بكامل هيئته الرجولية المعتادة له بجلبابه الأبيض والعباءة العلوية السوداء وشال الرأس الأبيض .. التفتت مرة أخرى لوالدها وهمست بإقرار واقع ..
" وجاسم يعلم !! .. "
همت لتكمل كلامها ولكنها توقفت حين شعرت بأصابع رجولية تلتف حول ساعدها بتملك ليلفت انتباهها .. التفتت لترى زوجها قريبا منها ينظر لملامحها بثبات من فوق القماش الشفاف ..
" هيا يا عروس .. لقد تأخرنا .. هيا عمي "
تحركت بتثاقل بين والدها وزوجها .. وقبل أن تجلس بداخل السيارة مال عليها والدها .. وهمس بالقرب من أذنها بخفوت لا يسمعه غيرها ..
" أنا أحاول أن أعيد لي ابني يا دلال .. فلا تقلقي عليه "
ضيقت ما بين حاجبيها بعدم فهم .. ولكنه ابتسم لها وهو يومئ لها برأسه مشجعا .. وقال ينهي وقفتهما ..
" هيا حبيبتي اصعدي لتبدئي حياتك .. واسعدي بأيامك صغيرتي "

********

وصل موكب العروس لدار العريس الذي يعم بالزغاريد والطبول والنغمات الفلكلورية والتراثية ..
العروس التي ظلت طوال الطريق صامتة غير مستوعبة لما حدث .. ولم تتجاذب الحديث بكلمة مع العريس الجالس بجوارها في المقعد الخلفي .. ظن جاسم صمتها هذا خجل فلم يرد إحراجها و آثر الصمت .. وتفسيره هذا منطقي من وجهة نظره لأنه لا يعلم برؤيتها لما حدث لأخيها..

وصل الموكب .. وتوقفت السيارة الخاصة بالعروس أمام المدخل الداخلي للبيت ..
ترجل العريس قبلا.. وخرج من السيارة ملتفا حولها ليفتح الباب لعروسه.. ومد يده لها..
وانتظر.. انتظر أن تمد يدها بالمقابل لتتقبل مساعدته.. وكم ودت أن لا تفعل..
ولكنها تعلم أن العيون مسلطة عليها بترقب.. ومهما كان الخطأ في حق كبيرهم فلن يغفروه لها.. ولذلك..
بدون تفكير أكتر مدت يدها بهدوء وتردد تحول لقشعريرة حين استقرت يدها داخل راحة يده الدافئة .. قشعريرة شعر بها جيدا وقابلها هو بتوتر طفيف أصاب جسده ولكنه سيطر عليه بسهولة..
احتوي يدها بدفء.. وكم شعر بالألفة.. بالسكن.. وكأن هذا مكانها الذي وجب أن تكون به..
حين استقامت من مكانها بالسيارة ووقفت مقابلة له.. لا يظهر منها إنش واحد للأعين حولها.. ولكنه هو فقط القادر على رؤية عينيها من تحت قماش الساتر الشفاف على وجهها..
شد أصابعه حول يدها برفق.. وسار بجوارها بهدوء مراعيا لخطواتها حتى لا تتعثر في مشيتها بسبب فستانها..

دخلا للمنزل تحت زغاريد النساء وتهليلاتهن وغناءهن الشعبي .. ومع أول خطواتهما لمدخل البيت مد يده على ظهرها داعما لها.. مبددا رجفتها كما يعتقد .. ولكنه لا يعلم أن بذلك زاد ارتجافها وتوترها.. ولكنها حاولت جاهدة عدم إظهار ذلك.. ونجحت.. نجحت لأعين الجميع..
إلا عينيه هو..
ويده هو..
وجسده هو..

أوصلها لمكان جلوسها في وسط الصالة التي تضم احتفال النساء .. وحين توقفت ..
وقف أمامها .. ينظر إليها بترقب وعينين تلمع كرجل مبهوت بعروسه .. مد يده ببطيء ليفعل المفترض به أن يفعله ..
( أن يزيح الخمار عنها ..)
وبثبات مترقب عملت يديه على فك الأربطة التي تضم طرفي الخمار .. ورباط تلو الآخر حتى تراءى له ملامحها المزينة ببساطة ولكن بإتقان في نفس الوقت ..
حركة والأخرى حتى تراءى له منابت شعرها البنية .. وتاج شعرها البسيط.. الذي زادها ملوكية..
ازدرد ريقه وأكمل يزيح طرف الخمار من فوق رأسها واكتمل المشهد الجمالي تحت عينيه مما جعل أنفاسه تنحبس بداخله..
هذه العروس الجميلة ذات العيون البنية اللامعة هي
زوجته ..
وحلاله ..
رغم ظروف زواجهما إلا أنه انجذب لها من نظرتهما الأولى بعينيها المرسومة بطبيعية لن ينكر هذا الآن... مستحيييل ..
ورغم عدم تصنيفه لما شعره تجاهها خلال الشهر المنصرم بعد عقد قرانهما إلا أنه غير متعجل لما سيحدث ..
بل سينتظر كل دقيقة بينهما ليتآلفا كليهما ..
عاد من شروده حين وجد شعرها ظهر بكامله .. أو بقصره ..
انزاح الخمار عنها كاملا .. ورغم احتشام فستانها إلا أنه شعر بالضيق تجاه تحديق النساء لها .. اقترب من جبينها.. وبهدوء.. مترقب.. قبّله ببطء يستمتع بملمس جلدها تحت شفتيه .. ولكم أراد أن تطول تلك اللمسة.. ولكنه ابتعد مجبرا.. هامسا لعينيها ..
" مبارك يا عروس "
وابتعد كارها.. تاركاً لها تحارب احساسها .. ودقات قلبها المتقاذفة أثناء مراقبته يزيح خمارها ..
ويقترب منها يقبل جبينها وتدغدغها شعيرات شاربه ولحيته .. ثم ابتعاده متجها للساحة الخارجية للبيت حيث تجمع الرجال ..
عادت من مراقبتها له ... وعاد لها مظهر أخيها ورجال زوجها يقيدونه .. تنامى الحقد والغضب داخلها تجاه زوجها الذي له اليد العليا فيما حدث مع أخيها .. ترى ماذا سيفعل معها ؟! .. وماذا سيفعل مع أخيها ؟! .. لن تسامحه أبدا إذا أساء له ..
أنقضت ساعتان بين غناء النساء بالداخل وتجمع الرجال ورقصهم بالعصا والخيل في الخارج ..

*******

في الطابق العلوي تحديدا بداخل غرفة نومهما الجديدة الخاصة بالعروسين .. كانت تذرع الغرفة ذهابا وإيابا بِغِل ينمو داخلها تجاه زوجها ..
لقد لعب الشيطان بعقلها وهي ترى زوجها ووالدها يبتسمان، وزوجها المبجل يراقص رجال عائلته بالعصا والخيل كما هي عادة الأفراح في مثل هذه المناطق والبلدان ..
وكأنه لم يفعل شيء ..
وكأن رجاله لم يقبضوا على أخيها ..
فقط يأتي وستتحدث له وتعلمه كيف يقيم لها وزنا حتى لا يستخف بها هي الأخرى ..
أما هو فبعد أن هدأ الجمع وبدأت الناس في المغادرة .. جاء الوقت ليصعد العريس لعروسه فلقد صعدت قبلا ولكنه اضطر البقاء لنهاية احتفال الرجال كما تقتضي قواعد الترحيب..
لقد فكر أثناء العرس في كيفية التعامل معها .. وقد قرر أن يمهلها الوقت الذي تحتاجه .. ولن يغصبها على شيء ..
سيكون كل شيء بخير ما دام يعطيها مساحتها ووقتها كي تتعود عليه .. فإن قُدِر لهما اللقاء منذ البداية لسبب ليسا لهما يدا فيه.. فالآن هي زوجته وستكون جزء من حياته ..
تمتم بخفوت عندما وقف أمام باب الغرفة قبل أن يطرقه ويدخل ..
" الرفق بها يا جاسم .. الرفق ثم الرفق "
وفتح الباب ودخل .. وتقابلت الأعين وبداخل كل منهما ما يعكس الأفكار.. وقف قليلا يراقب وقفتها المتوترة.. وبهاءها وحُسن صورتها..
تنهد بخفوت متذكرا لحظة اقترابه منها.. وأغمض عينيه قابضا على شعوره.. ثم فتحمها ناظرا لها ..
اقترب منها بعد أن تمتم بسلام لم ترده وأرجعه لخجلها .. همّ ليقترب أكثر فإذ بها تتحرك باندفاع تجاهه صدمه للوهلة الأولى .. وجدها تنظر له بكبرياء .. وندية..
" رجالك من قبضوا على أخي ؟! "
لم يتأثر بهجومها رغم مفاجأتها له .. ولم يتحدث أيضا .. فتابعت ..
" كنت تشاهد تقيدهم له وتركتهم "
لم يتحدث أيضا .. وتابعت ..
" كنت تعلم هوية من يقيدوه ومع ذلك تركتهم يفعلوا ذلك "
أغمض عينيه يذكر نفسه بما قرره من قبل .. ثم فتحهما وقال بصوت ثابت..
" أنتِ لا تفهمين شيئا "
وتحرك من أمامها ينزع عباءته السوداء .. وظل على جلبابه الناصع البياض .. وحين لم يزد في الحديث.. تحركت تقف أمامه تقطع خطواته بداخل الغرفة ..وفستان زفافها يتحرك معها بأمواج قماشه البيضاء المطرزة .. فوقف ينظر لها من علوه وهي تناظره بدورها بتحدي سافر منها .. فقالت تزيد الطين بله ..
" اسمع يا هذا .. إذا كنت تعتقد أن الورقة التي تجمعنا ستهبك حقوق لن أعترف بها إذاً فأنت مخطئ ... كل ما حدث وما يحدث لن يفرق معي إذا كانت نواياك هكذا من البداية .. فلا تحلم أن تنال ما لن أرضى أن أجود به أنا "
للحظة ظن أن هناك خطأ فيما سمعه ولكن الشرارة بعينيها ونظرة التحدي داخل عينيها اللامعتين .. وحركات جسدها المتحفزة والشعيرات البنية اللون المتقاذفة حول وجهها بعشوائية نتيجة انفعالها .. كل هذا أثبت له أن كل كلمة سمعها خرجت بالفعل من بين شفتيها ..
ازداد غضبه منها ومن تبجحها .. مناطحتها له .. وتمنيها عليه ..
اقترب منها بخطورة حتى أصبح لا يفصلهما شيء .. قبضت أصابعه القوية على مرفقها وهمس بصوت كالفحيح ..
" إذا كنتِ تحلمين بتحقيق ما قلتيه إذاً فأنتِ المخطئة .. أنت زوجتي شرعا وقانونا ولي الحق في فعل كل ما يحلو لي "
ارتدت بجسدها للخلف في محاولة منها لكسر الإتصال العنيف بينهما ولكنه لم يسمح بذلك .. وهو يتابع من بين أسنانه..
" أنت هنا ستكونين كما أريد أنا .. وكما أأمر أنا .. وما عليك سوى التنفيذ والطاعة "
غامت عينيه بغضب أكبر ..فلم يُخلق من يتحدى (جاسم العمايري) .. تذكر ما كان يفكر به قبل دخول الغرفة .. فزاد الغضب داخله تجاهها وتجاه نفسه .. فتحدث بعنف ..
" أتعلمين ؟! "
كانت تتململ تحت قبضته .. فهزها بعنف يوقف تحركاتها وتابع بهمس مخيف ..
" كل ما كنت أفكر به لا تستحقينه .. ستكونين كأي شيء ليس له لزوم داخل بيتي .. عليك حساب تصرفاتك وكلماتك جيدا فالعقاب عندي لا يُحتمل "
وتركها بعنف ماثل عنف كلماته .. فوقعت على الأرض إثر تركه لها .. وراقبته بعينين دامعتين يجذب عباءته السوداء وشال رأسه الأبيض الذي وقع في مرحلة ما من الحديث بينهما ..
وحين خرج تماما من الغرفة .. دفنت وجهها بين كفيها تنتحب زوج قاسي _ كما تعتقد _.. وحياة لم تكد تبدأ وأخ وضعها في هذا المأزق وحين سامحته بطيب خاطر واستلمه زوجها ليعاقبه فكما أخبرها
( فالعقاب عنده لا يُحتمل ) ..

*******

خرج جاسم من البيت .. واستدار يمينا للجهة الخلفية للمنزل .. حتى لا يراه أحد من الحراس ..
وصل لمكان مظلم ووقف فيه .. بحث بين الأشياء المهملة الموضوعة في الفناء الخلفي على أي شيء يصلح للجلوس فوجد صندوق خشبي جلبه وضبط موضعه على الأرض وجلس يفكر ويعيد حساباته ..
قاسم الآن بين يديه ..
وجابر تحت عينيه ..
وأرض اليماني أمر رجاله بالاهتمام بها ..
وكل هذا شيء .. ومن أصبحت زوجته شيء آخر ولها حساب آخر ..
منذ قرار والده أن يتزوجها .. تقبل القرار بكل رحابة صدر رغم رفضه في البداية ...ولكن بعد علمه بما يحدث .. وأنها فتاة محترمة وابنة لأناس معروف عنهم الطيبة والأخلاق _ وإن شذّ ابنهم_ كل هذا جعله يفكر بمنطقية ..
لما لا ؟! ..
لقد أصبح في سن الزواج وليس هناك سبب عظيم يمنعه من التفكير فيه .. تأخره بالزواج للآن لأنه كان محط المسؤولية من بداية مراهقته .. وبعدها وفاة والدته .. وتعب والده .. ثم استلامه لمكان والده رسميا .. انشغل بالعمل ولم يخطر على باله الزواج بل اعتبره شيء ثانوي وليس بالضرورة ..
حتى ظهرت حكاية جابر وما فعله وحُكم والده بالزواج منها ..
تعامل مع الموضوع بعد ذلك بما يستدعي الواجب منه حتى رآها وما عرفه عنها وما سمعه عنها منذ ظهرت سيرتها في حياته منذ أول يوم ..
وحين قرر المهادنة معها كان من باب الرفق بها كما تمليه رجولته وشهامته ..
ليس جاسم العمايري من يؤذي امرأة ..
هو فقط توصل لمرحلة عليا من الرضا والسماحة في حكايته معها لم تصل لها هي ..
و رغم استيائه لطريقته في الحديث معها ولكنها زادتها بتبجحها وعليها أن تتعلم مع من تتحدث .. ستحتاج منه طاقة كبيرة في التعامل والتفكير ..
تنهد براحة فلقد احتاج لهذه الخلوة القصيرة مع نفسه .. استقام من مكانه و اتجه للمدخل الرئيسي للبيت ودخل بسكون حتى لا يشعر به والده ..
ولكنه لا يعلم أن والده بالفعل رآه عند خروجه من البيت وشعر به الآن حين عاد ..


*******


صعد لغرفة نومه .. فتحها بخفوت لظنه أنها قد تكون نائمة .. وجدها بالفعل نائمة ولكن على الأريكة الموضوعة بجانب الغرفة .. ومازالت بفستان زفافها فمن الواضح أن نومها هذا نتيجة ارهاقها ..
حدث نفسه أن يوقظها لتنام على الفراش لكنه عدل عن رأيه واكتفي بتغطيتها بغطاء خفيف .. ودخل هو حمام غرفته .. وأبدل ملابسه بمنامة قطنية مريحة للنوم ..
عاد للغرفة فوجدها اعتدلت بجسدها للجانب الآخر فأصبح باستطاعته النظر لوجهها بأريحية .. اقترب منها بخفوت ..
ظل ينظر لوجهها قليلا .. رسمت عينيه ملامحها وبالنهاية تعلقت بخصلة شعر مبعثرة على وجهها .. مد يده بهدوء وجمع الخصلة وأعادها لشعرها ..
اعتدل بجسده ثانية.. ثم تنهد بثقل .. واتجه للفراش .. ثم أزاح الغطاء الخفيف واستراح بجسده عليه ..
ظل ينظر للسقف تارة و لوجهها الساكن تارة أخرى حتى راح في ثبات عميق

*******

صباح اليوم التالي استيقظت بظهر متألم .. وعنق متوجع ...
تأوهت تعتدل في جلستها .. فاستندت لمسند الأريكة تنظر حولها فوجدت الفراش فارغ وغير مرتب .. نظرت لنفسها .. فوجدت أنها مازالت بفستان عرسها من الأمس .. والذي زاد هو الغطاء .. للحظة تساءلت
(هل جاسم من فعل هذا حقا ؟! )
وبما أن ليس هناك أحدا آخر.. بالتأكيد هو ..
تنهدت بتعب ..ثم انتفضت على صوت الباب يُفتح وطلّ من خلفه شاغل أفكارها قبل لحظات مضت .. وراقبت وقفته بوجل ينظر لها للحظات بصمت .. ثم خطى بداخل الغرفة وتجاهل وجودها .. فتحركت تقف على قدميها .. ولكنها ظلت مكانها تراقب تحركاته ..
همست بخفوت تلفت انتباهه ..
" صباح الخير "
سكنت يداه عن الحركة قليلا ثم تابع ودون أن يلتفت لها مجيبا..
" صباح الخير "
نظرت للساعة الموضوعة على المنضدة فوجدتها تشير الى السابعة صباحا .. وسألته …
" هل استيقظت باكرا؟! "
سكنت يداه مرة أخرى وزاد عليه تشنج جسده .. يرد باقتضاب ..
" منذ صلاة الفجر "
همت لتسأله مرة اخرى ولكنه باغتها قائلا ..
" قومي بترتيب الغرفة.. فأنا لا أحب لأحدٍ من الخدم الدخول لغرفتي "
ثم نظر لها من أعلى رأسها لأخمص قدميها، يتابع آمراً...
" واتبعيني للأسفل لتناول الفطور مع والدي "
وتحرك مغادراً الغرفة بعد ضبط وضع شال رأسه وثنى طرفيه للخلف ..

*******

في الطابق السفلي .. تحديدا في غرفة المعيشة ذات الأثاث الخشبي ذو التصميمات الإسلامية والعربية .. غرفة تشبه كثير من البيوت العربية في هذه المنطقة .. كان الأهالي يعتمدون في أشكال بيوتهم وأساسهم على هذا الطابع العربي الإسلامي
دخلت دلال بخطى مترددة للغرفة بعد أن تنحنحت لتجذب انتباه الأب وولده المستغرقان في الحديث، قالت بخفوت متردد ..
" صباح .. الخير "
سكتت الأفواه وتطلعت الأعين .. إحداها بمحبة أبوية .. والأخرى بشغف وإعجاب حديث المولد ..
تطلع لها بعينين نصف مغمضتين يخفي اعجابه بطلتها .. إعجاب لن يعترف به حتى تثبت أنها تستحقه .. وفي خضم مشاعره واحساسه .. تذكر مشهد تمنيها عليه وأنها لن تعطيه سوى الذي تجود به ..
( حسنا دلال .. سنرى إلى متى ستتحملين؟ )
قالها في نفسه ..متوعدا أن يجعلها طوع بنانه كما من المفترض أن تكون زوجة شيخ عائلة العمايري ..
سمع والده يحييها مرحباً ..
" صباح الخير بنيتي .. تعالي .. "
سكت برهة... ثم تابع ممازحا ..
" منعت جاسم أن يبدأ الفطور حتى تنزلي ونأكل سويا "
تقدمت بخطوات صغيرة .. كانت ترتدي جلباب حريري أبيض واسع من تحت الوسط مزموم بحزام من نفس القماش من تحت الصدر فأعطى هيئتها أنوثة تستحقها .. وتغطى شعرها بحجاب بلون سماوي يحاكي ألوان تطريزات الجلباب .. كان يراقبها ويراقب هيئتها بتفاصيلها المؤرقة.. ولكن استطاع أن ينحي كل هذا بعيدا.. مؤقتا..

وصلت لمكان الشيخ عثمان الجالس على الأرض .. ونزلت بركبتيها بجواره .. مدت يدها فأعطاها يده .. ومالت تقبل يده تحت أنظار جاسم الغير متوقعة لفعلتها ..
راقب والده يربت على رأسها بيده الأخرى .. ويقول بمحبة ..
" بارك الله بكِ يا ابنتي .. هيا فأنا أشعر بالجوع وانتظرتك "
ابتسمت براحة شعرتها في ملامحه وتجاهه .. اعتدلت في جلستها لتجلس بجوار عثمان فتصبح بجلستها تلك مقابلة لزوجها المسلط نظراته عليها يتابع تحركاتها المنمنمة من طبق لآخر .. واللقيمات التي تحط على طرف شفتيها ثم تدخل برقة لفمها .. ثم حركة فمها للمضغ .. تركزت عينيه على شفتيها بدون شعور منه وكأنه يدرس حركاتها ..
نفض رأسه مما سرح به وعادت عينيه وتركزت على أطباق الطعام في محاولة منه لنفض شروده بها ...
كان عثمان يراقب بدقة ما يحدث لأبنه .. وتوتر بل وشحوب زوجة ابنه .. أدرك بحكمته أن ما حدث بينهما بالأمس لا يمت لما يحدث بليلة الزفاف بصلة .. إلتفت لابنه الذي قال ..
" لقد شبعت .. سأذهب للمجلس "
رفعت نظرها إليه .. وسمعت والده يسأله ..
" أي مجلس ؟! "
نظر لوالده بعدم فهم .. وقال يوضح ..
" أي مجلس!! .. مجلس البلدة يا أبي "
نظر له والده بعمق وقال ..
" كيف هذا وأنت عريس ؟! "
هز جاسم رأسه وقال باستفهام غبي ..
" ما دخل كوني عريس بذهابي للمجلس ؟! "
تنهد عثمان بنفاذ صبر .. وقال آمرا بثبات ..
" لا دخل لك بالمجلس "
اعترض جاسم..
" ولكن يا أبي .. العمل وشؤون البلدة ؟! "
أجابه عثمان بتقرير واقع وأمر غير قابل للنقاش..
" سأكون أنا موجود .. لا تقلق "

*****


راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:00 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.