آخر 10 مشاركات
الأقصر بلدنا ( متجدّد ) (الكاتـب : العبادي - )           »          يا أسمراً تاه القلب في هواه (21) سلسلة لا تعشقي أسمراً للمبدعة:Aurora *كاملة&مميزة* (الكاتـب : Aurora - )           »          ظلام الذئب (3) للكاتبة : Bonnie Vanak .. كاملة مع الرابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة (1) * مميزة ومكتملة* .. سلسلة حكايات النشامى (الكاتـب : lolla sweety - )           »          الشيـطان حــولك .. *مميزة و مكتملة* (الكاتـب : smile rania - )           »          مواسم العشق والشوق (الكاتـب : samar hemdan - )           »          الدخيلة ... "مميزة & مكتملة" (الكاتـب : lossil - )           »          الفرصة الأخيرة (95) للكاتبة: ميشيل كوندر ...كاملة... (الكاتـب : سما مصر - )           »          106 - سيد الرعاة - مارغريت روم - ع.ق ( تصوير جديد ) (الكاتـب : Dalyia - )           »          على أوتار الماضي عُزف لحن شتاتي (الكاتـب : نبض اسوود - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة ضمن سلاسل (وحي الاعضاء)

Like Tree219Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-08-22, 12:46 AM   #21

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دانه عبد مشاهدة المشاركة
💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚💚
دانه الحلوة.. منوراني ❤❤❤❤❤❤❤❤

دانه عبد likes this.

راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-08-22, 06:00 AM   #22

أسماء رجائي

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية أسماء رجائي

? العضوٌ??? » 445126
?  التسِجيلٌ » May 2019
? مشَارَ?اتْي » 1,634
?  نُقآطِيْ » أسماء رجائي is on a distinguished road
افتراضي

مبارك نشر السلسلة هنا يا وردية💖💖💖
دانه عبد likes this.

أسماء رجائي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-08-22, 11:28 PM   #23

Faten Farid

? العضوٌ??? » 432211
?  التسِجيلٌ » Sep 2018
? مشَارَ?اتْي » 49
?  نُقآطِيْ » Faten Farid is on a distinguished road
افتراضي

كل تفاصيل الصورة برده يا تيمو ماشي نمشيها الصورة مؤقتاً
بس مش هستنى كتير
الانشودة الرائعة اللي انشدتها فاتن بتدخل قلبي كل مرة أقرأ فيها
حاتم .. وكمان مرة حاتم .. ومرة كمان عشان خاطري
ياخيبتك يا قاسم ومش هقول اكتر من كده
دمتي مبدعة يا قلبي❤️❤️


Faten Farid غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-08-22, 03:53 AM   #24

Diego Sando

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية Diego Sando

? العضوٌ??? » 307181
?  التسِجيلٌ » Nov 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,113
?  نُقآطِيْ » Diego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond reputeDiego Sando has a reputation beyond repute
افتراضي

ولكنه استغرق أكثر من دقيقتين في النظر لكل تفاصيل..( الصورة )..
يالهوى 🙈🙈🙈🙈🙈🙈🙈
يا بخت فاتن
يا حظ فاتن
تمام قعد الوقت ده بص فى صورتها 😒😒😒😒

دانه عبد likes this.

Diego Sando غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-08-22, 05:51 PM   #25

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أسماء رجائي مشاهدة المشاركة
مبارك نشر السلسلة هنا يا وردية💖💖💖
الله يبارك فيك يا سمسم تسلميلي 😍❤


راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-08-22, 05:54 PM   #26

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة faten farid مشاهدة المشاركة
كل تفاصيل الصورة برده يا تيمو ماشي نمشيها الصورة مؤقتاً
بس مش هستنى كتير
الانشودة الرائعة اللي انشدتها فاتن بتدخل قلبي كل مرة أقرأ فيها
حاتم .. وكمان مرة حاتم .. ومرة كمان عشان خاطري
ياخيبتك يا قاسم ومش هقول اكتر من كده
دمتي مبدعة يا قلبي❤️❤️

حبيبتي يا تونا يسعد قلبك يا حبيبتي ❤


راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-08-22, 05:55 PM   #27

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة diego sando مشاهدة المشاركة
ولكنه استغرق أكثر من دقيقتين في النظر لكل تفاصيل..( الصورة )..
يالهوى 🙈🙈🙈🙈🙈🙈🙈
يا بخت فاتن
يا حظ فاتن
تمام قعد الوقت ده بص فى صورتها 😒😒😒😒
يا حظ فاتن سبعتاشر مرة من عندي 🙂


راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 06-08-22, 05:57 PM   #28

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
:jded: الفصل الرابع

الفصل الرابع

" أنت تهذي بالتأكيد !! "
قالها تمّام فاقدا السيطرة على غضبه تجاه المسمى حسان .. وتجاه ابن عمه الذي يخبره بضرورة تنفيذ طلب الرجل ..
" أنا لا أهذي يا تمام .. إن كان هذا الرجل يريد لقاءك فليكن .. وخاصة أنه لم يبد اعتراض على شرائنا للأرض "
سكت حاتم ينظر لابن عمه .. ويري تعبير التفكير على ملامحه .. فأكمل مشجعا ..
" نعم الرجل تجاوز حدوده بما طلبه .. ولكن احسبها أنت "
سكت لحظة ثم أكمل بتوضيح ومهادنة ..
" إن كان هذا مقابل حصولك على الأرض .. ألن تفعله ؟! "
سيفعله بالتأكيد .. وبدون شك .. ولكن كل مشكلته أنه لم يعتد تنفيذ ما يمليه عليه أحد .. في الأساس لا يجرؤ كائنا من كان أن يملي على تمّام النويري شيئا سواء يريده أو لا يريده ..
" حسنا ..اتصل به وأبلغه بزيارتي "
" متى ؟! "
" اليوم يا حاتم .. أنا لن أنتظر أكثر .. يكفي الوقت الذي ضاع "
لا يعلم تمّام في هذه اللحظة أن بتعجله هذا يخطو بإتجاه أمر سيغير عالمه رأسا على عقب

*****

ماذا يفعل في هذه المصيبة التي ورط نفسه بها ؟..
لقد تنازل عن قطعة أرض من أملاك عائلته بكل سهولة بسبب طيشه وعدم تحمله للمسؤولية ..
يا الله لو علم والده ..
بالتأكيد سيتبرأ منه في فعلة مثل هذه .. إن لم يحدث لوالده شيئا ..
هذا غير فضيحته في وسط القبائل إن تهور جابر وأخرج تلك الورقة ..
يا الله سيجن ..
وكيف سيرد لجابر أمواله .. حتى سيارته خسرها بلعبة قمار .. يا ترى إلى متى سيخسر .. وماذا سيخسر أيضا ؟!
عاد من هذيانه لنفسه.. وضع رأسه بين كفيه بقلة حيلة .. مقررا أنه سيتصل بجابر علّه يُقطع تلك الورقة ويبحث عن طريقة أخرى لرد أمواله ..
نظرة جانبية لهاتفه .. ثم وبدون تردد التقطه .. ثم فتحه وضغط رقم بعينه .. وما هي سوى لحظات حتى وصله صوت جابر قائلا بهدوء مستمتع ..
" أهلا قاسم .. اشتقت لي بهذه السرعة ؟! "
وصله التهكم بين نبرات صوته .. ولكن ليس هذا وقته .. ولذلك قال بشيء من الحزم الواهي للأسف ..
" جابر أريد استعادة الورقة التي كتبتها بالأمس "
صمت ساد في الطرفين للحظات ثم سرعان ما انفجر جابر ضاحكا وصوت قهقهته تصل لأذن قاسم بشكل منفر ..
شيطاني الاحساس بها ..
" أنت بالتأكيد تمزح !! "
كان هذا سؤال جابر من بين ضحكاته .. متمتما ..
" أنت كتبت هذه الورقة بمليء إرادتك .. ناهيك عن الأموال التي تدين لي بها .. كيف تراك ستسد دينك هذا ؟! "
" جابر أرجوك .. إعطني الورقة .. وابحث عن طريقة أخرى لأسدد بها ديني "
ساد صمت ثقيل في كلا الطرفين بطريقة ظنّ بها قاسم أن جابر لن يرد على رجائه بشيء .. ولكن أخيرا نطق جابر قاصدا أن يدمر اعصاب قاسم أكثر ..
" سأفكر .. وسأعاود الاتصال بك "
ثم أغلق الاتصال دون انتظاره أي لحظة أخرى .. مما جعل قاسم يدرك حقيقة الجريمة الفادحة التي فعلها ..

*******

منذ أن هاتفه حاتم النويري وأخبره أن ( تمام النويري ) بنفسه سيأتي لزيارته اليوم وهو في حالة من السعادة غير طبيعية ..
في الحقيقة منذ أمس عندما كان يجالسه حاتم مخبرا إياه برغبتهم في شراء الأرض القريبة من محطة المياه ..
قطعة الأرض لا تشكل له فارقا .. ما سيشكل له فارقا ..
هو معرفة تمّام النويري بالفعل ..
منذ مغادرة حاتم بالأمس وعقله لا يتوقف عن وضع الخطط عن كيفية كسب شخص كـ تمّام .. ليس مكسب وقتي .. وإنما مكسب دائم ..
مكسب يفتح له الكثير من الأبواب المغلقة بسبب سمعته وجفاؤه مع الناس ..
أثناء مروره بالصالة التي تتوسط منزله وتفصل بين المجلس الخارجي للضيوف وباقي البيت ..
اصطدم أثناء شروده بجسد صغير حجما مقارنة بحجم جسده .. ولم يكن هذا الجسد الصغير سوى فاتن .. ابنته ..
التي انتفضت لا إراديا للوراء ..
ترفع قبضتيها تضمهما لصدرها كدعم وحماية لها خوفا أن يعاقبها أو يضربها على اصطدامها به ..
وجهها شاحب وتنظر له بذعر في انتظار عقابها الذي حتما سيأتي ..
أما هو فكان ينظر لها بشيء من الغضب بالبداية ولكن سرعان ما تغيرت نظراته لها التي كانت تمشطها من رأسها إلى أخمص قدميها ..
وسرعان ما ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة وعينيه تعلوها نظرة الانتصار الوشيك ..
أما هي فكانت تقابل نظراته بذعر حقيقي .. خوف داخلي تملكها وهي ترى تتابع ردود أفعاله تدرك أنه لن يبتسم هكذا هباءً ..
أبيها يخطط لأمر ما .. وبالتأكيد هذا الأمر يخصها .. إن لم تكن تعلم ماهيته بالفعل ..
انتفضت على صوته المتسائل رغم هدوئه ..
" إلي أين تذهبين ؟! "
ردت بتلعثم و نظرات مذعورة ..
" الجـ .. الجامعة "
تفحصها ثانيا وكأنه يُقيمها .. وأخيرا أفرج عن كلامه ..
" حسنا اذهبي .. "
تحركت خطواتها متعثرة .. خائفة .. تدعو الله أن تصل للباب الخارجي للبيت قبل أن تخر قدميها وتطرحاها أرضا ..
أما هو فظل ينظر في إثرها بتمعن لدقائق حتى بعد أن اختفت من أمام عينيه .. ثم تحرك باتجاه المجلس ليفكر جيدا فيما طرأ على تفكيره أثناء تفحصه .. لابنته ..

******

بعد ساعتان ونصف ..
في الجامعة حيث تجلس دلال وفاتن على رصيف حجري مرصوف بعناية ممهدة ليستطيع الطلاب الجلوس عليه ..
كانتا الفتاتان شاردتان كل منهما في هم يثقل الأكتاف .. دلال تموت قلقا على والدها المريض والذي تزداد حالته سوءً .. وأخيها الذي من المفترض أن يكون سنداً لوالدها لا تعلم متى يتحمل المسؤولية ..
تخاف إدراكها أن الأيام تدخر الأسوأ ..
ولكن سؤال حتمي يجول بخاطرها وهو ..
( ما مدى سوء المُنتظر ؟!!)
وإجابة هذا السؤال ليست لديها للأسف وإلا ما كان القلق ليتملكها بتلك الطريقة ..
أما فاتن .. فلم يكن شرود عادي .. كان ذعر .. ذعر ورعب يتملكها لمعرفتها الدقيقة بأبيها ..
فاتن لا تخاف من تخطيطه فهذا كان العادي بالنسبة لها .. لكنها مرعوبة من إمكانيته تنفيذ مخططه هذه المرة ..كما كل مرة يخطط فيها والدها .. هي لا تخشي أبدا مرحلة التخطيط ..
هي ترتعب خوفا الوصول لمرحلة التنفيذ ..
وكم تدعو الله أن يفشل التنفيذ كما كل مرة سابقة .. تنهدت بصوت مسموع مما جذب انتباه دلال بجوارها التي إلتفتت لها بتفحص قائلة ..
" ما بكِ فاتن .. تبدين وكأنك قلقة من شيء ؟! "
وهل هذا جديد على دلال التي تجيد قراءتها كما لم يعرفها أحدا من قبل .. وهل هناك من يعرفها حقا !! ...
نظرت فاتن إلى صديقتها التي قرأت على صفحة وجهها القلق والشحوب هي الأخرى .. فقالت ..
" ماذا بكِ أنتِ ؟! .. لا تبدين بخير .. "
أغمضت دلال عينيها للحظة ثم فتحتهما تنظر لها بيأس ..
" أبي مريض للغاية .. وأخي لا يبدي أي مشاركة ولو وجدانية في الأمر "
في هذه اللحظة بالتحديد .. تساءلت فاتن في نفسها وهي تنظر للضعف واليأس على ملامح صديقتها .. هل لو مرض والدها ستحزن مثل هذا الحزن الذي تراه بداخل أعين صديقتها الوحيدة ؟!
.. وأخيها؟!..
أخيها الذي لا يعترف والدها بآدميته ماذا سيكون موقفه من والدها إن مرض أو حدث له شيء ..؟!
ما تعلمه يقينا .. أن أخيها آدمي وإنساني كما لم يكن أحدا غيره .. رددت دعاء يخصه تظل تردده مسموعا وخافتا بأن يحفظه الله لها ..
" لا تقلقي يا دلال.. سيشفى والدك .. وأخيكِ بالتأكيد سيعود لرشده "
ابتسمت بداخلها بسخرية ... والدها يريد ابناً كاملاً سليم معافى من صلبه ولا يعترف بهذا تجاه فهد ..
فليأت إذاً وينظر لقاسم ..
قاسم هذا الشاب الوسيم السليم والمعافى.. والذي من صلب أبيه .. يأتي والدها وينظر للمفارقة ورغم أن قاسم تتوافر فيه الشروط من وجهة نظر والدها .. إلا أنه أيضا لا يتحمل مسؤولية كونه الابن الأكبر والوحيد لوالد دلال ..
" لم تخبريني ماذا بكِ أنتِ الأخرى ؟! "
ابتسمت بتهكم .. وقالت بتباعد ..
" كالعادة "

*****


في مجلس ( آل العمايري)
يجلس جاسم كما هو معروف عنه بهيبته وهالة الرهبة تحيطه ..
أمامه طاولة تعلو الأرض بقليل .. ومفرود عليها بعض أوراق يتابعها ويقف أمامه كبير خفر البلدة ..
سأله جاسم دون أن يرفع رأسه من أوراقه ..
" ما أخبار المخزون الشهري ؟! "
أجابه الرجل بصوته الرخيم الواثق ..
" كل شيء كما أمرت به "
ساد الصمت قليلا .. وعاد جاسم ليسأل ..
" الرواتب الشهرية للأسر المُعيلة ؟! "
أجابه الرجل ..
" وصلت في موعدها ككل شهر "
عاد الصمت مرة أخرى بينهما .. ثم قطعه جاسم ..
" هل ينقصك شيئا سواء عُمال أو مواد تخزينية ؟! "
أجاب الرجل نافيا ..
" ليس هناك ما ينقص يا شيخ "
أومأ جاسم برأسه .. وبعد سكوت دام قليلا .. أخيرا رفع رأسه لينظر للرجل بملامح لينة قليلا ..
" حسنا .. لم يتبق سوى دقائق على وقت الغداء .. تستطيع الذهاب "
فتحرك الرجل بالفعل مغادرا لغرفة المجلس ..
ما لا يُعرف عن جاسم أنه قام بتخصيص راتب شهري لعوائل فقيرة .. وعوائل فقدت مُعيلهم سواء موت أو لظروف أخرى .. كما أنه قام بعمل مشروع غذائي صغير لصنع الأكلات المحلية للبلدة وقام بتشغيله بأيدي النساء التي لا مُعيل لهن ... ويتمتعن بالصحة الجيدة .. ويقوم رجاله بتوزيع المأكولات الغذائية هذه بمقابل مادي رمزي على العمال الذين أتوا من بلاد جانبية للعمل في أراضي البلدة .. وما لا يعلمه الناس أنه يتكفل بأساس المأكولات الغذائية هذه من أراضيه .. وما يحتاجونه وما لا يزرعه يتكفل هو بشرائه .. كحال معظم البلدان القبلية .. تُعتبر دولة داخل الدولة ..
مرت دقائل بعد خروج الحارس .. مما دفع جاسم لرفع رأسه يميله يمينا ويسارا في تدليك منه لعضلات رقبته المتشنجة ..
تحرك واقفا ليخرج من المجلس .. ثم تجمد مكانه إثر انتفاضة الحراس الذين كانوا يفترشون الأرض ليتناولوا طعامهم .. سرعان ما ارتاح تفاصيل جسده بعد أن قال آمرا مشيرا بيده ..
" اجلسوا اجلسوا .. وأتموا غذاءكم "
وهم ليتحرك .. ولكنه فوجئ بصوت كبير خفره يقول بخفوت ..
" تفضل معنا يا شيخ "
تسمر جاسم مكانه يلتفت بعينيه لرجله الذي تكلم .. ينظر له بعينين ثاقبتين ويرى تردده الواضح وكأنه يتمنى الرجوع عما قاله .. ولكن جاسم كعادته مع رجاله فعل ما لا يتوقعوه .. ابتسامته علت جانب شفتيه ..
ثم توجه لمكان جلوسهم على الأرض ولملم جلبابه ثم جلس بجوار أحدهم قائلا بصوت مسموع قليلا ويديه تمسك أحد أرغفة العيش الطازج السخن يقطعها تحت أنظار الرجال من حوله ..
" بسم الله "
وكم كانت هذه الفعلة بسيطة من جاسم إلا أنه يدرك تأثيرها في نفوس رجاله .. وكأنه واحدا منهم ..
مضى نصف ساعة على جلوسه وسط رجاله وكان الجميع يراقب وجوده بينهم ببساطة .. واعتيادية حديثه ..
وسؤاله لكل منهم عن حاله .. ويسأل هذا الحارس عن حال ابنه .. وهذا عن حال زوجته التي توشك على الولادة .. وذاك على حال والدته المريضة .. هذا هو ( جاسم العمايري)
الجميع يحترمه .. ويهابونه بخشية ..
إلتفت لصوت أحد الحراس الذي يقوم بحراسة الساحة من الخارج ..
" شيخ جاسم .. هناك امرأة تريد رؤيتك "
قطب ما بين حاجبيه بسؤال ترجمه لسانه ..
" ألا تعرف من هي ؟! "
" لا يا شيخ .."
" حسنا .. ارشدها للمجلس .. وسأنتظر بالداخل "
استقام واقفا ليستقيم الجميع يتحركون كل إلى عمله بعد أمر جاسم لهم بالتحرك لكي يتم إخلاء الطريق للمرأة ..

******

يجلس على كرسيه المذهب المنتصب بشموخ وزهو في وسط المجلس ينتظر زائرته التي لا يعلمها .. من النادر جدااا أن تأتيه امرأة هنا لحاجة لها ..
هو دائما مُلِم بمشاكل عشيرته وليس هناك من هي في حاجة لعرض مشكلتها لأنه كان يعلمها مسبقا ..
رفع عينيه للباب الذي فتحه الحارس ودخل فاسحاً المجال لزائرته التي لم تكن سوى ..
( فداء.. زوجة جابر ابن عمه)
عرفها على الفور .. إذ تلاقى الاثنان مرات من قبل أثناء تواجدها ببيتهم لسماع أبيه لشكواها بخصوص نفور زوجها من بيته .. وسفره الدائم .. الذي لم يعرف أسبابه وقتها .. والآن علمنا ..
تنهد بثقل وغضب يتأجج ويتجدد كلما تذكر جابر ..
" السلام عليكم ورحمة الله "
كانت تحيتها التي رددها جاسم بحبور آمرا إياها بالجلوس .. وصرف هو حارسه .. وإلتفت لها قائلا ..
" أخبريني كيف حال الصغير "
مطأطأة الرأس .. ثم وصله صوتها الخافت الخجول ..
" بخير يا شيخ جاسم .. شكرا لكَ "
ساد صمت بينهما للحظات قليلة .. قطعته هي قائلة ..
" أعلم أن شكواي متكررة .. ولا فائدة منها .. ولكني لا أملك سوى أن أقولها "
ظل على صمته .. ينظر لها بتمعن يراقب توترها وشحوبها .. وسمعها تكمل ..
" جابر لم يعد يعود إلى بيته حتى وإن كانت زياراته خاطفة وتفرقها شهور .. لا أعلم ماذا أفعل؟ .. "
تهدمت حصونها واحدا تلو الآخر .. فرفعت كف يدها تكتم شهقتها التي كانت تكاد تخرج .. وأكملت باكية ..
" هو زوجي .. ووالد ابني الذي لا ينفك يسألني على والده .. وأين هو .. ولا أملك أية اجابات لأسئلته .. "
رفعت عينيها لجاسم قائلة بيأس ..
" ماذا على أن أفعل ؟! .. أخبرني "
لو عليه لعاقبه أشد العقاب على ما يفعله وفعله بعائلته الصغيرة هذه .. أي أحمق هذا يمتلك أسرة كأسرته ويهجرها هكذا؟!..
أغمض عينيه بعدم راحة .. يحجب غضبه تجاه فرد من دمه .. ثم قال..
" لا تحملي هم أي شيء .. عودي لمنزلك .. وسأتحدث مع أبي ونرى ماذا يمكننا أن نفعله .. "
تنهدت براحة .. تعلم .. بل تثق أن جاسم معروف بكلمته .. وإن قال سيتصرف في أمر ما .. فهو حتما سيفعل .. سمعته يكمل حديثه ..
" لو نقصكِ شيئا .. أو احتجتِ شيئا لا ترددي في طلبه مني "
شكرته مبتسمة ... ثم غادرت تاركة إياه يتوعد ويغضب ويزيد من توعده لجابر الذي يجلس الآن يعدد انتصاراته ..

*******

في مجلس بيت حسان الرشيدي..

يجلس تمّام بعلو ورفعة ويكاد ينقض على عنق حسان الرشيدي يدكها دكا ..
والآخر يجلس أمامه بهدوء مستفز لا يعير عدم رضا تمّام عن الحديث شيئا ..
قطع تمام الصمت قائلا من بين أسنانه ..
" ماذا تقصد بهذا العرض ..هل تعرض ابنتك عليّ للزواج مقابل الأرض؟!! "
لم يهتز حسان لهذا الازدراء المبطن .. وقال ..
" أنت قلتها بنفسك ..( عرض ).. والعرض إما قبول أو رفض .. ولك مطلق الحرية في الاختيار "
" والأرض؟! "
نطقها تمّام بسؤال ممزوج بتعجب .. فقابل حسان سؤاله بإجابته الهادئة ..
" أخبرتك لك مطلق الحرية في الحصول على الأرض من عدمه "
تلميح حسان أن رفض تمام لعرض الزواج هو رفض للأرض .. سكت تمام قليلا ليس رضوخا وإنما كاتما احتقاره للماثل أمامه .. وقال أخيرا قاطعا الصمت بينهما ..
" ولكن كيف تظن أن قبول مثل هذا العرض لن يُقل من ابنتك ؟"
تنهد حسان وقال بحزم قاطع ..
" لا تزايد على أبوتي سيد تمام .. أنا أكثر علما بمصلحة ابنتي .. وأظن "
صمت مدروس دار بالمكان .. ثم تابع حسان ..
" أظن أن كسب رجل مثلك من آل النويري يستحق أن أعرض ابنتي بهذه الطريقة ... كما تستحق الأرض التي تريدها "
ابتسم ابتسامة مدركة لأهمية الأرض بالنسبة لتمام وإلا ما كان نفذ طلبه وجاء إليه بنفسه .. وجاء سؤال حسان المتمم لكلامه الواثق ..
" أليس كذلك سيد تمام ؟! "
لم يجبه تمام بشيء .. ولكنه جاهد للنهاية ..
" ولكنني لا أفكر في الزواج أبدا .. "
لوى حسان شفتيه بلا مبالاة ..
" بالنهاية ستتزوج .. "
" ولكن !! "
لم يتمها وهو يرى نظرة حسان المستميتة بالعرض.. فقال بيأس ..
" ألا يشعرك هذا ببعض الخوف تجاه ابنتك .. هل ستطمئن عليها مع شخص لا يريدها ؟! "
رفع حسان رجله واستند بكعبه للمسند الجالس عليه .. ثم استند بذراعه لركبته المرفوعة .. قائلا بتفاخر منتصر
" شخص لا يريدها ومن عائلة النويري أفضل عندي من شخص يريدها "
وكانت نهاية الحوار العقيم الذي دار بينهما .. وبعدها انتفض واقفا مغادرا المجلس ... متوجها للخارج ..
استقل سيارته والتي كان ينتظره فيها حاتم بناء على طلب من تمام نفسه .. قال حاتم فور أن رأى ملامح ابن عمه الغاضبة ..
" ماذا حدث ؟! .. هل اتفقتما "
أجابه تمام جازا على أسنانه دون أن يلتفت إليه ..
" لم نتفق .. الحقير يريدني أن أتزوج ابنته مقابل الأرض "

*******

بعد يومان ..

جالس مكان أبيه لرعاية شئون العائلة وأراضيهم .. وتوزيع المحاصيل كما هو عادة أبيه .. ويملؤه الهم ويغمره التفكير في مصيبته ..
فجابر لم يتصل به منذ أن هاتفه آخر مرة وطلب منه حل آخر لرد ديونه .. وإن اتصل به لا يرد ..
حاول بالأمس السفر للمدينة وملاقاة جابر ولكن حالة والده ساءت واضطر الى المكوث بالبيت والمجيئ بالطبيب ..
يكاد يجن وعقله مشتت بكل الاحتمالات الممكنة .. هذا إن وُجِدت احتمالات من الأساس ..
( ما الذي فعلته بنفسك قاسم ؟)
قالها في نفسه وصاحبها خروج تنهيدة حارقة أحرقت كبريائه كرجل .. ففي النهاية تيقن أنه لم يكن قدر المسؤولية وأنه بالفعل ابن عاق لأهل بيته الذين استأمنوه على مالهم وحياتهم ..
وماذا فعل هو بالمقابل! ..
( لقد خذلتهم ببساطة )
نطقها عقله .. فهمس مستغفرا وكانت من النوادر أن يذكر ربه بعد انقطاع.. منذ أن تبدل حاله وأصبح بهذا الاستهتار واللامبالاة والبعد عن الله .. رفع رأسه ينظر للباب الذي طلّ منه أحد الحراس قائلا ..
" هناك رجل يطلب رؤيتك "
" ألا تعرف من هو ؟! "
سأله قاسم بخفوت فأجاب الحارس ..
" نعم .. لقد أتى قبل هذه المرة .. وقال أن اسمه جابر "
مع نطق الحارس للاسم انتفض قاسم واقفا وقال للحارس الذي تعجب حركة سيده ..
" ادخله .. ادخله بسرعة "
مازال قاسم يقف منتصبا بترقب في انتظار دخول جابر الذي ظهر جسده من فتحة الباب بملامح مرتاحة .. مسترخية .. منتصرة .. ولم يقرأ قاسم _الساذج رغم تبجحه _ هذا الانتصار ..
تحرك قاسم من فوره باتجاه جسد جابر الواقف .. واحتضنه بشعور سعيد متخيلا أنه أتى بحل أكيد من أجله ..
فهما في النهاية أصدقاء !!
لم يشعر قاسم اللاهي بفرحته بأن جابر لم يبادله نفس الاحضان وإنما مازال على وقفته وذراعيه بجانبه يطالع قاسم بشعور مليء بالتفاخر و..
وماذا !!
شعور من حصل على مراده بذكاء .. ولكن جابر تغافل متعمدا أنه انتصر على قاسم ليس بذكاء أبدا .. وإنما انتصاره أتى ثماره بخسة ونذالة ..
دهاء ومكر ..
" كنت متأكد أنك لن تخذلني "
قالها قاسم بصدق لجابر الذي طالعه و شعور بغيض يعكر مزاجه ويشعره بحقارة ما فعله ..
ولكن جميع الوسائل متاحة في الحب والحرب أليس كذلك؟! ..
وما يعيشه لا يختلف عن الحب ولا الحرب ..
لم يرد جابر بشيء .. بل ابتعد قليلا بعد أن أبعد كفي يد قاسم الممسكتان بكتفيه بود أخوي كرهه وشعره بالنقص ..
تمالك نفسه وجلس على كرسي بجانب طاولة موضوعة في طرف الغرفة .. كان قاسم يتابع تحرك جابر بعينين زائغتين وقلبه ينبئه بأن هناك شيء غريب بصديقه ..
( ولكن لما يشعر بأن هذا الشيء أسوأ من تخيله ..)
قطع جابر الصمت قائلا ..
" تعال قاسم .. أريد التحدث معك "
تحرك قاسم بثقل وشعوره بالترقب يزداد ويزداد واحساسه بسوء ما سيقال يعلو .. جلس قاسم بشرود على الكرسي المقابل لجابر ..الذي قال بتفاخر ..
" أعلم أنك انتظرتني أن أهاتفك .. ولم أرد على اتصالاتك لأني لم أكن قد توصلت لحل لمشكلتك "
تعمد كل حرف قيل بدايةً بعلمه أن قاسم ينتظره .. وثانيا أنه قصد عدم الرد على اتصالاته ..
وثالثا والأهم أن هذه مشكلة قاسم وليست مشكلته وإن وَجَدَ حل فهذا تَفضُل منه وليس مسؤوليته نهائيا ..
كان احساس قاسم يتفاقم داخله بصخب .. عاجزا عن التوصل لما يُلمح به جابر .. صديقه .. ازدرد ريقه وقال ..
" و هل توصلت لحل لمشكلتي "
ضيق جابر عينيه وهو ينظر لقاسم الذي قصد أن يوصل لجابر أنه فهم تلميحه أن المشكلة تخصه وحده .. تنحنح جابر وقال مراوغا ..
" تعلم أن بإمكاني مطالبة عائلتك بالأرض التي هي ملكي الآن بورقة منك "
اهتزت عضلة بفك قاسم .. وضغط أسنانه ببعضها .. فأكمل جابر بتعمد ..
" وتعلم يقينا أن بمجرد إثارة هذا الموضوع ستصبح فضيحة لعائلتك ولكَ خاصة "
زفر قاسم أنفاسه بعنف وهو يقرأ جانبا آخر من صديقه ..
يقصد من كان صديقه ..
فمن اليوم يدرك قاسم أن علاقته بصديقه لن تكون علاقة صداقة .. بل بعد انتهاء جابر من قول ما يريد الوصول إليه ..
" وما المقابل الذي تريده لعدم إثارة هذه الفضيحة يا جابر ؟! "
ابتسامة جانبية علت شفتي جابر الذي علم أن قاسم وصله المغزى من هذه الجلسة ..
" يعجبني بكَ ذكاءك يا قاسم .. "
سكت جابر قليلا وأكمل لاويا شفتيه بأسف مصطنع ..
" ولكن للأسف .. ذكاءك هذا لم يسعفك حين وقّعت بكامل إرادتك على ورقة التنازل عن الأرض "
استقام من مكانه يتحرك حول قاسم المتأهب بجسده .. وأكمل جابر بصدق هذه المرة ..
" لآخر لحظة ظننت أنك لن تفعلها .. أقسم أنني حاولت معك أكثر مرة حتى لا ألجأ لهذا الأسلوب معك أنت بالذات "
سكت قليلا وأكمل بأسف وتصميم حين تراءى له خيالها داخل عقله ..
" ولكنك لم تعطني فرصة يا قاسم .. وأجبرتني على استخدام هذا الطريق معك "
تطلع قاسم لعيني جابر يسبر أغواره .. فأكمل الأخير بخفوت هذه المرة ..
" جئت لبيتك طالبا إياها .. ولكنك رفضتني مرة واثنتان وثلاث .. ولم يكن أمامي سوى هذه الطريقة "
تنبهت جميع حواس قاسم لمقصد الواقف أمامه وقال بخفوت ميت ..
" ماذا تقصد ؟! "
أصبح الوجهان متقابلان بتحدٍ سافر بينهما .. فتكلم جابر بعزم وتصميم ..
" أختك .. "
قالها وسكت بتعمد.. ثم تابع..
" زواجي من أختك.. مقابل الورقة التي وقّعتها أنت "

*****


راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-08-22, 06:22 PM   #29

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
:jded: الفصل الخامس

الفصل الخامس


منذ أن غادر جابر بعدما نطق ما نطق وحاله كالصنم .. هل هذا هو صديقه الذي كان يتباهى بمعرفته رغم مساوئه ..
هل تم خداعه ووقع في فخ جابر حتى يحصل على أخته ..
وضع رأسه بين كفيه .. وزفر غاضبا شاتما ..
" اللعنة عليك جابر .. وعليّ "
أمواج من التفكير تتخبطه بين إحساسه بالذنب تجاه والده الذي استأمنه .. وإحساس بالصغر والاشمئزاز تجاه نفسه يملأه ..
إذا علمت أخته الصغرى أنه السبب في هذا الوضع .. تُرى كيف ستنظر له ..
وإحساسه بالخديعة التي وقع فيها بسهولة متناهية ليس سوء من جابر وإنما استهتارا وعدم مسؤولية منه ..
سيلوم نفسه أولا وأخيرا قبل أن يلوم جابر ..
هو ابن لأبيه .. وأخ لأخت ..
وسيكون السبب في تدميرهما إذا نفذ كلام جابر ..
( وهل هناك حل آخر !! )
سأل نفسه بيأس علّه يتوصل لأي خيط يصل به لبر الأمان .. عله يخرج به من هذا المنحدر القذر الذي وضع نفسه فيه ...
ولكن للأسف ليس أمامه سوى الحل الذي اقترحه جابر بنفسه ..
زفر بحرقة وغضب متوجه لنفسه قبل أن يكون متوجه لجابر ..
هو السبب ..
هو السبب فيما سيحدث.. والذي لابد أن يحدث ..
" ليس هناك حل آخر "
نطقها بفراغ صبر .. وكأن طاقته في التفكير استنزفت ..ثم استقام من مكانه متوجها لغرفة أبيه سيخبره بطلب جابر.. ويرى ماذا سيقول ؟! ..

*******

" هل يمكننا الحديث قليلا ؟ "
سأله حاتم بهدوء يراقب ابن عمه يُغرق نفسه إراديا بالعمل .. وكأنه يفصل نفسه عن العالم من حوله ..
أصبح أكثر جمودا من المعتاد .. أصبحت ملامحه وكأنها منحوتة من الجليد .. ويساعده في ذلك رمادية عينيه التي أصبحت بشكل دائم عاصفة .. وكأنها تحتاج لفعل صغير جدا لتهتاج فتخرج ما بها من عواصف فتبيد بالأخضر و اليابس ..
لم يرفع تمّام عينه من أوراقه وقال بصوت ثابت ..
" هل هناك ما يخص العمل ؟! "
" تمّام دعك من اللامبالاة الظاهرية هذه ودعنا نتحدث لنجد حل ما "
قالها حاتم بفراغ صبر ..وحدة صوت غير مقصودة جعلت تمّام يرفع رأسه لابن عمه الغاضب أمامه ..
أغمض عينيه يحجب انفعاله .. ويحاول الحفاظ على ثباته الظاهري .. ثم فتح عينيه ينظر للواقف أمامه .. وقال بسخرية ..
" حسنا سأدع لامبالاتي الظاهرية .. وسأتحدث معك .. ماذا تريد يا حاتم ؟! "
لم ينساق حاتم لسخرية ابن عمه .. بل قال بحزم قاطع ..
" ماذا قررت بخصوص عرض حسان الرشيدي ؟ "
تصلبت ملامح تمّام أكثر .. وراقب حاتم تصلبها وفكيه يصطكان ببعضهما بغيظ وغضب .. وقال بهدوء مصطنع ..
" لم أقرر شيء .. ولكني تغاضيت عن العرض برمته "
لحظات صمت تبادلاه .. قطعه حاتم ..
" أي عرض بالضبط ؟! "
ابتسامة جانبية علت فم تمّام الذي استشف فهم ابن عمه لكلامه .. وقال موضحا ..
" عرض الشركة العالمية "
انتفض حاتم من مكانه .. يقف مقابلا لابن عمه الذي مازال على جلسته .. وقال من بين أسنانه ..
" حقا !! .. هل ستتنازل عن عرض بهذه القيمة وتلك الأرباح لمجرد عرض سخيف من الرشيدي "
حينها انتفض تمّام واقفا كالطود هو الآخر .. وتحدث منفعلا ..
" أنت قلت ..سخيف .. ولشدة سخافته استغنيت عنه "
سكت قليلا .. ثم تابع منفعلا ..
" ماذا تريدني أن أفعل يا حاتم بالله عليك .. "
أكمل ضاربا بكفيه على سطح مكتبه ..
" أن أُساق لعرض الرشيدي كما يرغب هو ويفرض علىّ زواجي من ابنته "
اشتدت ملامحه غضبا .. وأكمل بحزم مخلوط بالوعيد ..
" لم يُخلق من يُفرض علىّ شيئا لا أريده .. أبدااا "
نطق آخر كلماته من بين أسنانه .. فتنهد حاتم قليلا .. وسكت يراقب الغضب مازال يلوح على ملامح ابن عمه .. وقال بمحاولة أخيرة ..
" ولما لا تفكر في العرض جديا "
إلتفاتة حادة من تمّام كل ما ناله حاتم .. وسرعان ما أكمل حديثه قبل أن يخرج شبح غضب ابن عمه ..
" حقا فكر به .. أنت تخطيت الثلاثين بسنوات ولم ترتبط للآن .. ماذا تنتظر أكثر .. فبالنهاية ستتزوج .. أليس كذلك ؟! "
لا ليس كذلك .. ليس كذلك أبدا .. وداخله شيء مفقود منذ الصغر .. داخله شيء تحطم .. وللأسف هذا الشيء جزء منه .. منذ أن وقف أخيه في وجهه بعد أن اضطلع الجميع على وصية والده وكتابة جميع الإرث بإسم تمام بعد أن يعطي زوجة والده إرثها الشرعي ..
وقف أخيه بوجهه قائلا بكل قسوة امتلكها ..
" أنا لا أريد منك شيء .. ولكن تذكر أنك شخص من حجر .. شخص لا يجوز أن يُصنف إنسانا .. أنت شخص انتهازي مريض .. ناقص .. أنت شخص ناقص وجاهل .. ولن تجد أبدا من يحبك لذاتك .. لأنك بالنهاية حقير ومتسلط "
كيف ينسى تلك الكلمات التي ظلت تطارده لسنوات عمره الماضية .. كيف يمكن تحاوزها و نسيانها وكأنها لم تكن يوما .. وكأنها لم تخرج كالسهام المسمومة من فم أخيه لتصيب قلبه بسمها فتميت جزءً حيا به ..
تذكره لما حدث وما سمعه من أخيه جعل ملامحه تُصاب بالتبلد الفجائي .. فتراجع جالسا على كرسي مكتبه .. معيدا انتباهه الظاهري للأوراق بين يديه .. ثم قال بصوت ثابت النبرات لا يخلو من الجدية ..
" لا أريد التحدث في هذا الأمر حاليا .. ودعني لأن لديّ أعمال كثيرة "
كانت دعوة صريحة لأُذني حاتم الذي أيقن أن ابن عمه يصرفه من أمامه .. ( بالذوق ) ..

******

بخطوات مرتعشة في باطنها .. ثابتة في خارجها .. يخطو لغرفة أبيه بقلب وجل .. وعقل شارد في تبعيات ما سيقوله ..
ماذا لو رفض والده ؟! ..
وخاصة وهو يعلم عن جابر ما يعلمه الجميع من غضب عائلته عنه ..
تنفس بعمق ليشحذ همته وثباته أمام والده .. دقتين على باب الغرفة ودخل..
" السلام عليك يا أبي "
قالها قاسم بخفوت ووجه شاحب حين رأى شحوب والده الذي أجاب بوهن ..
" وعليك السلام بني .. تعالى "
وأشار بيده مربتا بجانبه ..لينصاع قاسم لأمر أبيه وجلس بجانبه بالفعل .. وقال محاولا كسر توتره ..
" كيف حالك أبي "
ابتسم والده بشحوب وقال ..
" بخير بني .. ما دمت بخير أنت وأختك ووالدتك "
إجابة والده عادية جدا في نطقها العاطفي للسامع .. ولكن لعقل قاسم الذي يحكي آلاف التخيلات لما سيحدث ليست عادية بالمرة ..
بل كانت مُرة .. وكأن والده يشعر بما فعل ..
وكأنه يخبره بفطنة أنه سيكون بخير ما دام حافظ على أخته ..
( يا الهي .. ماذا فعلت بأهلك يا قاسم !! )
نطقها عقله .. وفضحته رعشة عينيه وتوتره الظاهر لوالده .. فسأله ..
" ماذا بك قاسم .. لما أشعرك مترددا !! "
بلع قاسم ريقه .. ويديه تتعرقان .. ثم أجاب بتلعثم ..
" هنـ .. هناك عريس لدلال "
قطب الوالد ما بين حاجبيه بعجب قليلا .. فسأل ..
" ومال العريس ومال توترك هذا .. أتعرفه ؟! "
جف حلقه وهو يتمتم بخفوت ..
" نعم .. أعرفه "
تنفس الوالد قليلا بتعب .. ثم واصل أسئلة ابنه .. الغريب المتوتر ..
" حسنا .. من هو ؟! "
رفع قاسم عينيه لوالده وكأنه يترجاه الموافقة قبلا .. وقال بتعثر مذنب ..
" جـ .. جابر "
تعالى عدم الفهم لملامح الرجل ..وكأنه يستنبط ما ينطق به ابنه فهتف مستفسرا ..
" جابر من ؟! "
عينيه يكسوها الذنب أكثر حين قال ..
" جابر .. جابر العمايري "
صدمة الرجل ألجمته من الحديث والتعليق على ما تفوه به ابنه الذي كان يناظره بذنب مقروء بوضوح على ملامحه لسبب يجهله وكأن الموضوع يتعدى شخص جابر نفسه ..
" أنت تمزح يا قاسم .. أليس كذلك ؟! "
الألم وتأنيب الضمير هو ما حدد ملامح قاسم الذي نطق بحروف تغلفها الذنب ..
" لا أمزح أبي "
سكت لحظة وأكمل ملوّحا بيده بحركة واهية ..
" وثم أنت تعلم جابر "
حينها صدح صوت والده الغاضب بوهن ..
" ولأني أعلمه .. وجيدا أيضا .. أقول أنك تمزح يا قاسم "
قاطعه قاسم ..
" ولكن يا أبي "
" اخرررس يا قاسم .. "
هدر به أبيه منفعلا .. ثم أكمل ..
" كيف تتخيل أني سأوافق على هذه المهزلة ؟! "
استقام قاسم من مكانه .. يتحرك في الغرفة بغير هدى .. ثم وصله صوت أبيه يتحدث من بين أسنانه ..
" أنت تعلم أنه متزوج .. وغير هذا عشيرته جميعها غاضبة عليه يا ولدي بسبب سوء سمعته وتصرفاته .. كيف ترتضيه لأختك .. كيف ؟! "
همس استفهامه الأخير بعتاب مزق قلب قاسم .. الذي تنهد بيأس يرفع أصابعه يمررها بشعره يكاد يقتلعه من جذوره ..
رفع عينيه لأبيه بانتفاضة حين سمعه يتحدث بحزم ..
" انس هذا الموضوع قاسم .. وأخبره أن ليس لدينا بنات لطلبه هذا "
تقابلت الأعين في تحدي واضح .. وأكمل الأب ..
" ويُفضل أن تقطع علاقتك بهذا الشخص "
انتفض قاسم في وقفته .. وتحرك سريعا لفراش أبيه .. يجلس بجوار جسد أبيه .. ويمد إحدى يديه يمسك كفه ويقول راجيا ..
" لا يا أبي أرجوك .. لابد أن توافق على زواجهما .. "
سكت لحظة .. وأكمل بمحاولة أخيرة ..
" إنه يحبها جدا يا أبي أقسم لكَ .. أرجوك وافق يا أبي "
استشعر الأب أن هناك ما يخفيه ولده .. الرجاء في صوته .. واليأس في عينيه .. كل هؤلاء علامات دليل تأكيد له ..
ولما هذا العناد المضني للموافقة ؟! ..
اعتدل الأب في جلسته الواهنة المرهقة .. قائلا.. مضيقا عينيه يريد سبر أغوار ابنه .. فقال بصوت جاهد أن يخرج ثابتا ..
" ماذا تقصد من وراء إلحاحك هذا يا قاسم .. أخبرني !! "
الارتباك والتوتر والذنب غزوا عيون قاسم الذي ترك يد والده برهبة واضحة .. وكأنه سيعرف ماذا يُخبئ عنه .. تلعثم هاربا ..
" لا .. لا أقصد شيئا أبي "
استقام قاسم من مكانه يخفي ارتباكه بحركات خرقاء من ذراعيه .. وأكمل ..
" فقط لأني شعرته صادقا في حبها وطلبها للزواج "
قلب الأب يخبره أن هناك شيئا أكبر مما يقوله ابنه ..
جاهد الرجل لينهض من فراشه .. يستشعر أن الأمر جلل وأكثر خطورة مما يظهر عليه ..
نزل الأب من الفراش .. يستند على العمود الحديدي ..
كان يتحرك بصعوبة حتى وصل لمكان وقوف ولده .. وكان قاسم يعطي ظهره لأبيه ولم يشعر بتحركه ..
فانتفض حين استشعر يد والده على كتفه .. إلتفت بسرعة ليواجه عين أبيه .. ويقرأ المواجهة الحتمية التي ستكون خلال دقائق .. ارتباكه زاد أكثر ووالده يسأله ..
" ستخبرني حالا بما تخبئه عني .. الآن يا قاسم .. الآن "
أمسك والده من ذراعيه في محاولة منه لإسناده وجعله يعود لفراشه ..
" أبي ..فقط ارتح رجاء .. ليس هناك شيء أخبئه عنك "
نفض الرجل ذراعي ابنه و واجهه حازما ..
" انطق يا ولد .. ستخبرني والآن ماذا فعلت .. "
تلجلج قاسم أمام شفافية أبيه .. قرأه .. علم خباياه .. كتاب مفتوح أمام والده الذي يتضح من عزمه أنه لن يتركه حتى يعلم ..
تنحنح قاسم يجلي حلقه الذي جف بذنبه .. ثم نظر في عيني والده بانكسار واضح ..
" كنـ .. كنت في المدينة .. ولعـ .. لعبت القمار .. وخسـ .. خسرت ما معي من أموال "
ألم .. ألم يعتصر قلب الأب الذي خاب أمله في ولده .. يعلم يقينا أن بقية الحديث سيكون أَمّر مما فات .. كتم تأوه متوجع .. يحاول الثبات أمام ابنه يحثه على البوح أكثر وعلم قاسم أن والده ينتظر ما بقى من الحديث .. فأكمل بخزي ..
" خسـ .. خسرت كل شيء .. وكنت على وشك ربح كل شيء مرة أخرى.. وحاولت اقتراض مال من جابر .. ولكنه أخبرني بشيء آخر مقابل اقراضه لي المال حتى يضمن حقه "
سكت قاسم ينظر لوالده والذنب يقطعه حسرة .. فسأل الأب بتوجس ..
" وما هو الشيء الذي أراده ؟! "
رفع قاسم عينيه لوالده يستجديه الغفران قبل التفوة .. فأجاب بكسرة ..
" قطـ .. قطعة أرض "
للحظة لم يعي الرجل مقصد ابنه .. أو يحاول تكذيب ما سمعه .. أو ينتظر ولده يخبره بسخافة ما نطق .. ولكن لم يقابله سوى الصمت ..
و سرعان ما تسرب الوعي لعقله متسربلا بخزي .. بألم ..
بعار لحقه بسبب ولده ..
وبلحظة تالية كانت الصفعة تهوى بعنف على وجه قاسم الذي وقف مذهولا بعينين تغشاهما الدموع .. وكف يده تحيط جانب وجهه المصفوع ..
وبالحظة التالية كان باب غرفة أبيه يُفتح ببرود .. وتطل منه أخته بعينين تبكيان وملامح شاحبة .. وبنظرة واحدة أدرك حقيقة الأمر
( لقد سمعت أخته خطة بيعها لصديقه ) ..
تحرك مهرولا ليغادر الغرفة متجاوزا أخته التي تقف تنظر إليه بعينين ميتتين ..
( لقد كسرها وكسر مكانته في عينيها ) ..

******

في اليوم التالي .. مساءً..
يجلس على مائدة الطعام يتناول عشاءه مع والدته التي تحكي له عن أخته وزوجها .. وكيف يحبها رغم شقاوة أخته .. وتتحدث والدته في كل شيء وأي شيء .. حتى قطع حديثهما رنين الهاتف الأرضي للبيت .. ومن الرنين الطويل أدرك كلاهما أن الاتصال من الخارج ..
استقامت الأم بفرحة مهللة ..
" هذا يونس .. قلبي يشعر به "
تحركت الأم باتجاه الهاتف غير واعية لتشنج ابنها الآخر ..
وضع الملعقة من يده بخفوت مميت .. وكأن أخيه يقف أمامه يعايره كما اعتاد منه ..
قسوة غلفت ملامحه .. وأنفاسه تتسارع .. ويصله صوت والدته قائلا ..
" يونس يا حبيب أمك .. كيف حالك .. اشتقت إليك يا يونس "
شهقت ببكاء ضعيف يقطع نياط قلبه هو .. ألا يشعر أخاه بالمثل تجاه شهقات أمه فيحن عليها .. أكملت أمه محدثة أخيه ..
" متى تعود بني ؟! "
سكوت ساد لبرهة .. ثم يأتي صوت والدته مرة أخرى ..
" وهل أنت بخير .. تأكل وتتدفأ جيدا ؟! "
ساد صمت قليلا يقطعه شهقات والدته التي واصلت هزرها ..
" يا الهي بني .. لقد اشتقت إليك ..لما لا ترحم قلبي وتأتي لتعيش معنا .. نفتقدك بني .. وأنت لا تقدر حالنا في بعدك "
ساد صمت تستمع فيه والدته لصوت أخيه على الطرف الآخر .. وأخيرا قالت بحزم مصطنع ...
" اسمع يا ولد .. لقد أفسدتك تدليلا .. ليكن بعلمك .. سأبحث لك عن عروس تربطك ببلدك .. و بأهلك حتى لا تفكر في السفر ثانية "
الحزم تصبغ باللين قليلا ..فتابعت موبخة بتدليل ..
" لا تضحك يا فتى .. ما زلت في عيني صغير وتحتاج لمن يرشدك لما هو في صالحك .. وأنا سأتكفل بهذا .. وسأتكفل بإعادة تربيتك إن لزم الأمر "
سكتت تضحك ببهجة قائلة ..
" هذا هو ابني .. فتايّ الحبيب الذي يُرضي والدته التي تعشقه "
سكتت قليلا .. وأتبعت ..
" حسنا يا حبيب أمك ..لا تتأخر عني في الاتصال .. فأنا أشتاق لكَ دوما "
سكتت ثانية .. وقالت بختام ..
" اعتن بنفسك يا ولدي .. حفظك الله يا حبيبي "
وانتهت المكالمة .. وفي اللحظة التالية كانت والدته تحلس بجواره مكانها .. تمسح دموعها المتأثرة بصوت ابنها ..
أعاد إمساك الملعقة ..وبدأ يحرك الطعام بشرود أمامه .. ثم قال بنبرة شاردة تشبه شرود حركة ملعقته ..
" هل هو بخير ؟! "
ابتسمت الأم غير واعية لما يحدث بداخل من بجوارها .. وقالت بمرح ..
" نعم حبيبي هو بخير .. أتعرف !! "
قطعت حديثها تضحك بصخب .. وأكملت من بين ضحكاتها ..
" أخبرته أني سأبحث له عن عروس .. "
سكتت تكمل ضحكاتها .. ثم قالت بانتصار ..
" ووافق "
عبس تمّام قليلا .. متعجبا .. وقال متسائلا ..
" حقا !! "
ابتسمت الأم بتفاخر واضح . وقالت تربت على صدرها ..
" نعم يا ولد إنه مفعولي الذي لا يُقاوم "
ابتسامة صغيرة علت شفتيه تأثرا ببهجة أمه .. ثم شرد .. هل فعلا وافق أخيه على كلام أمه .. هل سَيَصدُق ويطيعها ..
( هل سيأتي أخيرا ويبقى في الجوار )
فسأل مجددا ليتأكد ..
" حقا أمي .. أوافق يونس على الفكرة ؟! "
ابتسمت الأم بفرح .. وقالت بتخطيط ..
" نعم تمّام .. لقد وافق .. من الغد سأبحث له عن عروس "
شرد قليلا في حديث أمه .. ولحظة وعي كل ما احتاجه ليربط أطراف الحديث ببعضه
( عروس )
( وافق على الفكرة )
.. ووعيه يأخذ الجانب الآخر ..
( عرض الرشيدي )
( ابنة الرشيدي )
( يونس ابن النويري )
.. حسنا يظل يونس هو يونس النويري ..
أي أن في كل الأحوال سيقترن الرشيدي بعائلة النويري في النهاية ..
أي أنه سيحقق غرضه ..
وجد لسانه يترجم تفكيره ..
" إذا كان موافق كما تقولين أمي .. فأنا لدي عروس من أجله "

*******

" أين تذهب أبي ؟! "
قالتها دلال بذعر وهي ترى والدها يستند على عصاه الخشبية .. تقترب منه مسرعة .. فتمسك بذراعه ..
" سأذهب لعائلة جابر يا ابنتي "
زفرت بغضب من المدعو جابر هذا .. ومن أخيها الذي منذ خرج بعد مواجهته مع والدها لم يعد للبيت من لحظتها ..
" يا أبي .. بالله عليك ماذا ستفعل عندهم ؟! "
زفر والدها بضعف .. وقال بقلة حيلة ..
" سأذهب لكبيرهم يا ابنتي .. أشرح له الوضع .. قبل أن يأتي هذا الجابر ويطالب بأرضي "
سكتت قليلا .. وقالت بمحاولة أخيرة ..
" أبي بالتأكيد هناك حل .. "
إلتفت لها والدها بحزن .. يحتوي جانب وجهها بحنانه .. يعلم خوفها أن يُطالها هذا الحل .. وخاصة إن كان هذا الحل يتضمن ( جابر ) ..
لقد كسرها .. كسرها حين أساء تربية أخاها فيعرضها للبيع كما حدث .. فهو بالفعل قد باغ أخته .. لحمه ودمه .. شرفه وعرضه ..
وأرضه لا تقل مكانة عن أخته ..
ألم يُعلمه أجداده أن ( الأرض عرض ) ..
وللأسف لم ينجح في غرس هذا داخل ابنه فتنازل في لعبة قمار عن أخته وأرضه ..
ابنه الذي كسره .. ابنه الذي لم يره منذ صفعه .. يا ليته صفعه منذ زمن .. كان الحال سيكون غير الحال ..
عاد من شروده يبتسم لابنته الخائفة عليه ..
" لا تقلقي حبيبتي .. سأجد حل مع كبيرهم بالتأكيد "
" حسنا .. على الأقل خذ أحدا من العائلة معك "
تنهد والدها مبتسما بارتعاش وخزي .. وقال ..
" لا أريد أن أسعى للفضيحة مبكرا يا ابنتي .. سيكون عار على جبيني لو علمت العائلة ما فعله قاسم "
شتمت أخيها في سرها تراقب والدها يتحرك ليغادر ..
وعند باب البيت أوقفته منادية ..
" أبي "
إلتفت لها بضعف .. فرأى الحزم على ملامحها .. تقترب منه وبإصرار قالت ..
" سآتي معك أبي "
ضيق ما بين حاجبيه .. وهتف متسائلا ..
" ستأتين معي إلى أين بنيتي !! "
أمسكت ذراعه تشد عليها بدعم .. قائلة بدفاع ..
" معك أينما تذهب أبي .. لن أتركك بمفردك أبدا .. وخاصة وأنت مريض هكذا "
تنهد بإرهاق .. وقال ..
" يا ابنتي ..كيف ستأتين معي .. ستكون جلسة رجال ولا يجوز دخولك "
حينها عاندت بعنفوان ..
" أبي لن أتركك هكذا .. سآتي معك .. ولن أتركك في هذه المواجهة بمفردك أبدا "
نظر إليها قليلا .. فقالت بمحاولة أخيرة كمهادنة ..
" حسنا سآتي وسأظل بالسيارة ولن أغادرها حتى تنهي ما
ذهبت من أجله "
نظر لها والدها قليلا .. فعلت ملامحها التوسل مصاحبا للإصرار .. علم أنها لن تتركه يغادر إلا وهي معه .. فتنهد قائلا ..
" حسنا هيا بنا .. ولكن ستجلسين بالسيارة حتى أنتهي "
أومأت له وبسرعة تحركت لتبدل ملابسها .. لتغادر بصحبة والدها غير واعية أنها ستكون الثمن بالفعل لحل هذه الأزمة ...

*****


راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 09-08-22, 06:23 PM   #30

راندا عادل

? العضوٌ??? » 401171
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 285
?  مُ?إني » مدينة نصر.. القاهرة
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » راندا عادل is on a distinguished road
¬» قناتك max
:jded: الفصل السادس

الفصل السادس

داخل السيارة يجلس والدها في الكنبة الخلفية وهي بجواره .. وبمقعد السائق يجلس السائق الخاص بوالدها .. همّ بالنزول فأمسكت بذراع والدها ..
" أبي .. فلنعد لبيتنا يا أبي .. قلبي ليس مرتاح لهذه المقابلة "
ابتسم والدها مطمئنا .. وقال بهدوء مزيف ..
" لا تقلقي دلال .. سأنتهي سريعا .. والله يقدم الخير "
أومأت له بتوتر يملأها .. تراقب والدها يترجل من السيارة بمساعدة عصاه وقبل أن يترجل كليةً إلتفت لها ثانية .. وهتف آمرا ..
" لا تتركي مكانك مهما كانت الظروف "
ابتسمت له ببراءة مزيفة مما جعله يضحك رافعا عينيه للسماء بمعنى لا فائدة منها ..

*******

داخل مجلس عائلة العمايري ينتظر..
الحارس الواقف بالخارج أخبره بعدم وجود الشيخ جاسم .. ولكنه نظرا لظروف الرجل الصحية قال الحارس أن الشيخ عثمان العمايري موجود وبإمكانه مقابلته ..
وها هو ينتظر دخول الشيخ عثمان بنفسه .. ولم يطل انتظاره ..
دخل الرجل بهيبة لا يفوقها هيبة .. رغم انحناءة أكتافه البسيطة .. وشيبته إلا أنه يبعث بالنفس رهبة ..
وقف إبراهيم مكانه مستندا على عصاه .. ثم تحرك قليلا باتجاه الرجل الكبير سنا .. رغم تقارب السن بينهما إلا أن الشيخ عثمان كان أكبر ببضع سنوات..
بعد السلام والتحية والتعارف بين شيخين لعائلتين في بلدتين مختلفتين .. بدأ الشيخ عثمان قائلا ..
" أهلا بك يا شيخ إبراهيم "
" الله يعطيك الصحة شيخنا "
تنحنح إبراهيم بحرج بادئا الحديث بخزي يملأه ..
" هناك مشكلة كبيرة يا شيخ عثمان وأتمنى منك التفهم .. وأنا أثق في حكمتك "
قطب عثمان ما بين حاجبيه بغرابة ... ثم قال بإقرار وثقة ..
" ليجعله الله خيرا بإذن الله .. أخبرني "
اكتست ملامح ابراهيم باليأس .. وهو ينطق بحروف تتسم بالكسرة ..
" لي ابن عجزت عن تربيته كما اتضح لي مؤخرا .. تورط بشي ما مع قريب لكم "
تساءل الشيخ عثمان بغرابة ..
" قريب لنا !! .. من هذا ؟! "
رفع الشيخ ابراهيم ليواجه نظرات الرجل أمامه وقال ..
" جابر العمايري "
اكتست ملامح الشيخ عثمان بتعابير حزينة .. مصدومة .. وهو يسأل نفسه
( متى تكف عن أذية غيرك يا جابر ؟! ) ..
أخذ الرجل عدة أنفاس وسأل ..
" ماذا فعل ؟! "
صمت ساد بينهما للحظات قطعه إبراهيم قائلا بخفوت حزين ..
" لقد أقنع ابني في لعبة قمار أن يتنازل عن قطعة أرض مقابل إقراضه للمال .. و.. "
سكت قليلا .. ثم أضاف بتلعثم حرج ..
" ثم ساومه .. على .. على الورقة .. مقابل زواجه .. من ابنتي "

*******

بعد مرور ساعة ونصف من الوقت .. تجلس في السيارة تكاد تجن وعقلها يصور لها أسوأ التخيلات ..
( لقد تأخر بالداخل ) ..
( ترى ماذا أسمعوه ؟! )..
( هل أذاه أحدا بكلام عن سوء تربيته لابنه ؟! ) ..
( أبي مريض ولن يحتمل كلمة ) ..
" يا الهي اجعله خيرا "
كانت تدعي الله كل دقيقة أن يحفظ والدها .. وتوترها يعلو ..
واحساسها بالخطر يتضاعف ..
وتفكيرها بأسباب تأخر والدها تفتك بها .. والشيطان بوساوسه يساعد خيالها المُعذب على والدها في زيادة رعبها، وخوفها أن يكون حدث له سوءً بالفعل ..
وعند هذه النقطة كانت تهب من مكانها .. ستدخل لوالدها تطمئن أنه بخير وتعود لسيارتها مرة أخرى .. تحركت مغادرة ولم تلتفت لنداء السائق لها ..
وصلت لمكان وقوف الحارس تخبره بثبات وعنفوان ..
" أبي بالداخل وأريد الاطمئنان عليه "
نظر لها الحارس قليلا بتفحص وكأنه وقوفها هنا خطأ .. وسألها ..
" من أبيك ؟! "
أجابت ترفع ذقنها بشموخ ..
" أبي هو .. الحاج إبراهيم اليماني .. شيخ عائلة اليماني "

******

طرقات على باب المجلس جعل الرجلان يصمتان وينظران باتجاه الباب الذي طلّ منه الحارس معتذرا .. ثم قال موجها حديثه للشيخ عثمان ..
" اعتذر شيخنا .. ولكن بالخارج فتاة تقول إنها ابنته "
ونظر لإبراهيم في إشارة منه للصلة بينه وبين الفتاة بالخارج .. وأكمل قائلا ..
" تقول أنها تريد الاطمئنان عليه "
عبس إبراهيم بضيق ..واستقام مستندا لعصاه قائلا بلهفة ..
" إنها ابنتي .. سأخرج أُطمئنها .. بالإذن شيخ عثمان "
تحرك الرجل بالفعل .. ولكنه تسمّر مكانه حين صدح صوت عثمان من ورائه قائلا ..
" انتظر شيخ إبراهيم .. "
التفت إبراهيم لينظر لعثمان باستفهام .. فأكمل الأخير قائلا موجها كلامه للحارس ..
" دعها تدخل بني "
تعالى السخط بداخله نتيجة تهور ابنته .. فجلس في انتظارها سرعان ما كانت تخطو بداخل الغرفة عينيها مطرقة للأسفل .. وحين دخلت رفعت نظرها ببطيء وسقطت نظراتها تلقائيا على والدها الشاحب والغاضب في نفس الوقت .. فتحركت مسرعة إليه غافلة عن وجود الرجل الآخر فقالت باستفهام قلق ..
" أبي .. أنت بخير ؟! "
مع آخر حروفها كانت قد وصلت إليه تمسك ذراعه .. مكملة بجزع ..
" أبي يا إلهي .. تبدو متعبا .. "
أمسكها والدها برفق قليلا يوقف هذرها ..يعلم أنها خائفة .. ولكنه غاضب أيضا ..
" اهدئي يا ابنتي .. أنا بخير .. لما تركتِ مكانك بالسيارة ؟! "
تجاهلت سؤاله .. لتسأله بخوف من ملامحه الشاحبة ..
" أبي هل آذاك أحدا بكلمة .. هل تطاول أحدا عليك ؟! "
أشرست ملامحها لتكمل بوعيد ظهر بنبرات صوتها ..
" أخبرني وأقسم أن ... "
" ماذا ستفعلين ؟! "
جاءها هذا الصوت من الخلف .. فتسمرت مكانها كما تسمّرت ملامحها واتسعت عينيها .. تنظر لوالدها عله يخبرها بالإشارة حتى ماذا يحدث .. ولكن والدها كان خوفه عليها هو المسيطر ..
التفتت ببطيء مميت لأعصابها ومازالتا عينيها متسعتين .. وزاد اتساعهما حين حطتا على ملامح الرجل المهيبة .. والقوة المعاكسة لعمره ... عضت على شفتها السفلى بخزي ..
" أنا .. أنا "
تلعثمت فابتسم الرجل .. ورفع إحدى حاجبيه باستخفاف وكأنه يخبرها أنه ينتظر توضيح أكثر ..
حين رأت ملامحه المتسلية المنافية لهيبته الواضحة .. استعادت شيءً من قوتها الظاهرة فانتصبت بشموخ مفضوح لعيني الرجل .. ثم قالت بثبات ظاهري ..
" أردت .. الاطمئنان على .. أبي .. وإذا كان هناك من أساء إليه "
ضمّ الشيخ عثمان قبضتي يده فوق عصاه .. وقال بقوة مشددا على كل حرف ..
" ما دام بداخل بيت الشيخ عثمان يا فتاة .. "
قطع كلامه بتعمد مغيظ لها .. ثم أكمل ناظرا لعينيها بقوة ..
" فلن يجرؤ كائنا من كان أن يسيء لأحد بداخله ويلجأ إليه "
لا تعلم لما خافت .. بل وارتعبت رغم كلام الرجل النابع منه الأمان .. ولكن إصراره وعزمه والقوة التي نطق بها حروفه جعلتها تدرك على أي أرض واهية هي واقفة عندما جابهته بقوتها المخزية ..
ابتسم لها عثمان ولكن الابتسامة هذه المرة كانت حانية .. متفهمة .. أبوية خالصة .. وهذا سبّب لها تعجب لحظي .. وفاجأها أكثر حين قال ..
" والدك بخير يا ابنتي .. انتظريه لدقائق فقط وسيلحق بك "
وجهت نظراتها لأبيها الذي هز لها رأسه في سماح لها بتنفيذ الكلام .. رجعت بنظراتها للرجل الآخر .. فقال يطمئنها أكثر ..
" سأحدثه قليلا وسيلحق بكِ لا تقلقي "

******

ملامحه متجهمة .. سارحة .. ولا يعلم ماذا سيكون الحل الذي قال عنه الشيخ عثمان .. بل كان مرتاحا جدا وهو يطمئنه ..
استفاق من شروده على تربيتة من يد ابنته القلقة للغاية حين رأت والدها يصعد للسيارة بهذه الحالة الشاردة ..
نظر لها مطولا .. وهي كانت تنظر إليه بدورها علّها تطمئن برؤيته على الأقل ولكن قلبها يخبرها أن الآتي لا يمت للخير بصلة .
" ماذا حدث يا أبي ؟! .. ولما أنت بهذا الشرود ؟! "
تنهد والدها وقال بصوت شارد ..
" لم يحدث شيء يا ابنتي .. وأنا بخير اطمئني "
وكيف تطمئن وهي تراه بهذا الشكل ..
" وماذا قال لكَ هذا الرجل ؟! "
كانت تقصد الشيخ عثمان بكلامها .. فنظر لها والدها وكأنه لا يفهم مغزى الرجل هو الآخر ..
" قال لي أن أعود إليه بعد أسبوع .. سيكون توصل لحل لجميع الأطراف وفي نفس الوقت يحمي ابنتي "
وبالفعل هذا ما قاله عثمان بعد خروج ابنته من غرفة المجلس .. وحين نظر إليه باستفسار .. ابتسم له وقال ..
" اطمئن "
وفقط .. ولكن من أين الاطمئنان وهو لا يفهم ..

******

بعد يومين .. تجلس على كرسي جانبي للهاتف المنزلي .. وتقول بدلال أمومي ..
" لا يا يونس .. أنت لا تحبني مثلما أحبك .. "
يضحك يونس مقهقها من دلال والدته المتزايد مؤخرا .. وقال ..
" كفاكِ دلالا أمي .. أنتِ تعلمين أني أحبك جدا .. ولكن ما تطلبينه صعب "
غامت عيناها بدموع سخية .. وقالت ..
" لما يا ابني صعب .. أخاك يحبك يا يونس كفاك جحودا وقسوة بني "
قسوة غلفت ملامحه وصوته ..
" فقط لا تقولي أخاك يا أمي .. وإلا أغلقت الاتصال "
" لا يا ابني لا تغلقه .. بالله عليك دعني أملأ روحي من صوتك إذا كانت رؤيتي لك أصبحت أمنية "
يتألم .. يقسم أنه يتألم .. ولكنه لا يغفر أبدا .. لا يغفر تفضيل أخاه في كل شيء ومنذ الصغر .. سحبه من قسوته صوت والدته المحتار ..
" ولكن أخبرني كيف تقول أنك لن تعود .. وفي نفس الوقت سمحت لي بالبحث عن عروس لكَ "
ضحك مليء شدقيه ويقول من بين ضحكاته مراوغا ..
" أي عروس يا أمي .. هل صدقتِ فعلا ؟! "
شهقتها وصلته وقالت معاتبة ..
" كسرت بخاطري يا يونس .. كنت تضحك عليّ وتجاريني بالحديث وأنت لن تنفذه "
هم ليرد عليها ولكنها قاطعته وقالت مما جذب انتباهه وعلّت حس الثأر لديه ..
" يا خسارة العروس التي رشحها أخيك "
قطب ما بين حاجبيه .. وعينيه ارتسمتا بنزعة خبيثة .. وقال باستفهام ..
" أي عروس هذه التي رشحها هو ؟! "
لم تنتبه والدته لنبرة صوته التي تغيرت .. وقالت ما سيجعل جميع الكِفاف تنقلب رأسا على عقب ..
" ابنة رجل بينهما بعض الأعمال .. ويقول أنها تدرس آخر سنة في الجامعة "
" وهل رأيتها ؟! "
قاطعها ولدها متسائلا .. فأجابت بعفوية ..
" نعم .. رأيت صورتها "
تنهدت وأكملت ..
" لو كنت وافقت .. كنا سنذهب أنا وأختك لنراها قبل أي حديث للرجال "
التمعت عيني يونس على الطرف الآخر .. وابتسامة متشفية علت فمه وقال بإقرار ..
" من الواضح ثقة كلام .. أخي .. بخصوصها "
لم تلاحظ والدته كيف نطق أخي وكأنه يغرس بها بعض الأشواك حتى تهدأ نيران انتقامه ..
" أكيد بني .. وإلا ما كان رشحها من أجلك .. ولعلمك .. الفتاة فعلا جميلة "
جميلة أو لا .. المهم أنها ستكون خطوة لتوريط أخاه وجعل صورته تهتز بين الناس .. ابتسم بلؤم وقال ..
" حسنا أمي .. فلتكن عروسي من اختيار أخي الغالي "
قالها باستهزاء لم تلاحظه .. فقالت بعدم فهم ..
" ماذا تقصد يا يونس ؟! "
ضحك ووصلت ضحكاته لأمه الغير مصدقة لما فهمته ..
" أقصد أني موافق على العروس .. وليس هناك داعي من الذهاب لرؤيتها .. اذهبوا لطلبها فورا .. وأنا سأضبط بعض الأمور هنا وأعود قبل الخطبة "
مازالت لا تعي موافقته فعليا .. وقالت بذهول فَرِح ..
" حقا يا يونس .. أنت موافق فعلا ؟! "
ابتسم ابتسامة ذات مغزى .. وقال بنبرة مغايرة لكلامه ..
" نعم موافق .. فأنا أثق في اختيار أخي "

******

" حقا يا أمي .. وافق فعلا ؟! "
قالها تمام بذهول موجها لأمه التي تحدثه عبر الهاتف تخبره بالحديث الذي قاله أخيه يونس .. وبالمناسبة هو غير مرتاح لهذه الموافقة السريعة .. ولكن ماذا بيده ليفعله .. هو عرض العروس وأخيه وافق ..
" نعم بني وافق وأخبرني أن نطلب العروس فورا "
وهذه الـ(فورا) غير مرتاح لها أيضا ..
منذ متى ويونس يوافق على أمر من طرفه .. ومنذ متى يوافق على أمر بهذه السرعة وخاصة أن يكون هذا الأمر بتلك الخصوصية ..
" حسنا أمي .. سأخبر والدها ونحدد موعد لطلبها رسميا "
قال ما قال غير واعي لنظرات حاتم المسلطة عليه من بداية الحوار ولا واعي لعينيه اللتان اتسعتا مع آخر ما نطقه تمّام ..
أنهى المكالمة مع والدته وسكن قليلا .. ولكنه رفع رأسه بمباغتة حين وصله صوت حاتم المتسائل ..
" ماذا هناك .. ومن هذه التي ستطلبونها رسميا ؟! "
أغمض تمّام عينيه للحظات يسيطر فيها على مشاعره .. وإحساسه المتفاقم بوجود شيء غير مريح في ازدياد..
رفع رأسه لحاتم الذي ينتظر منه تفسيرا .. وقال بلامبالاة يدعيها ..
" ابنة الرشيدي "
تنبهت حواس حاتم للحوار ومازال ينتظر باقي التفسير .. ولكن صمت تمّام أخبره أنه لن يقول شيئا آخر.. ولكن حاتم لن يصمت وفضوله يقتله ..
" تطلبونها لمن بالضبط ؟! "
زفر تمّام أنفاسه .. وقال ناظرا لابن عمه ..
" سنطلبها ليونس "
" ماذاااا "
نطقها حاتم بذهول لم يسيطر عليه .. وقال مستفسرا ..
" كيف ليونس ؟! .. افهمني حالا ماذا يحدث "
طريقة حاتم في استجواب تمّام جلبت ابتسامة لشفتيه .. وقال وضحا ..
" لا يحدث شيء .. كل ما في الأمر .. أن والدتي اقترحت على يونس أن يتزوج .. وهو وافق على المبدأ .. فاقترحت أنا العروس عليها .. وعرضت كلامي على يونس .. ووافق على العروس المختارة "
" وأنت مقتنع بما تقول "
نطقها حاتم وما زال ذهوله مسيطر عليه .. فجاء صوت تمام المهزوز بضعف عدم الثقة في أخيه ..
" لا .. لست مقتنعاً .. أبدا "
ولكن ليس هناك سبيل آخر .. فتابع يُخبر حاتم ..
" سأتصل بالرشيدي أخبره أننا سنذهب بعد يومين "

*****

بعد مرور يومان ..
يدخل الغرفة لوالده فيجده شارد .. ولكن عينيه تلمع بغرابة .. ولا يعرف ماذا يحدث .. أو ما الذي يفكر به ويشغل تفكيره هكذا لدرجة أنه لم يشعر بدخوله ..
تنحنح ليلفت انتباه والده الذي شعر به .. فرفع رأسه ينظر لولده .. ثم ابتسم ابتسامة فخر لهذا الرجل من صلبه ..
خَلَفُه في الدنيا .. وقال بهدوء ..
" تعالى يا جاسم .. تعالى بني "
اقترب منه جاسم وجلس بجوار أبيه .. وقال ..
" ماذا هناك أبي .. أراك شاردا منذ أيام .."
ابتسم الرجل برزانته المعهودة .. وقال ...
" لا تشغل بالك بني .. فقط أمر ما .. وأتمنى أن يكون ما توصلت إليه هو الصواب "
ربت جاسم على يد أبيه وقال بمحبة ..
" إشركني بما يقض تفكيرك هكذا .. "
ابتسم الرجل ابتسامة حلوة .. متفهمة وفخورة بولده ..
" لا تقلق بني .. فقط ثق بي "
ضيق جاسم بين حاجبيه وقال بصدق ..
" ثقتي فيك ليس لها حدود أبي "
ابتسم الرجل الكبير .. ورفع يده يربت على كتف والده وقال فخورا ..
" دمت لي بني .. هذا هو عشمي بكَ "
سكت لحظة وأكمل بشرود ..
" كل ما أحتاجه .. هو ثقتك "
لم يفهم جاسم ما يقصده والده وهمّ ليسأله حين قاطع والده تفكيره وقال ..
" أريدك أن تبعث رجالك ليأتوا بجابر ابن عمك في ختام هذا الأسبوع "
" جابر !! .. لماذا ؟! "
جاء صوت والده الثابت والهادئ والذي يشع حكمة ..
" لا تسأل الآن .. فقط افعل ما طلبت "

******

ليلا بمنزل حسان الرشيدي
يجلس كل من حسان .. حاتم وتمّام .. بمجلس الرجال ..
ووالدة تمّام وأخته تجلسان مع النساء بمجلس البيت الداخلي ..
تنحنح تمّام بادئا الحديث بحدة ..
" سيد حسان .. نحن هنا اليوم من أجل عرضك "
ابتسم حسان بنصر .. متفاخرا بنفسه وما استطاع تنفيذه بالضغط على شخص كـ (تمام النويري) .. قال بهدوء ..
" وأنا يسعدني أنك ستتزوج ابنتي يا تمّام "
ضيق تمام عينيه عندما نطق الرجل اسمه مجردا وكأن كل الحدود أُذيلت بعد طلبه .. فنطق ما جعل الصدمة جلية على وجه الرجل ..
" ولكني لا أطلبها لي "
شعر بالنشوة حين نظر للرجل المصدوم .. وقال بتأني ..
" أطلبها لأخي الصغير .. يونس النويري "
للحظة ساد صمت مريب بين الثلاث رجال .. قطعه حسان قائلا بما جعل الصدمة تتبادل بينه للرجلين أمامه ..
" موافق ولكن بشرط "
لم ينطق كل من حاتم أو تمّام بشيء .. لقد ظن كلاهما أن الاعتراض سيكون من حسان الرشيدي نفسه .. جاءت همسة تمّام ..
" وما هو ؟! "
قلّب الرشيدي نظره بين الرجلين وقال بثقة .. وإدراك ..
" لن تشتري الأرض .. سأكون شريكا لك بها "

*******


راندا عادل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:33 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.