آخر 10 مشاركات
الصقر (50) The Falcon للكاتب اسمر كحيل *كاملة* (الكاتـب : اسمر كحيل - )           »          |~ وَخْزةُ الوَشْم ! *مميزة& مكتملة* (الكاتـب : رُقيّة - )           »          طفل البليونير (74) للكاتبة Leanne Banks .. كاملة مع الروابط (الكاتـب : nagwa_ahmed5 - )           »          موريس لبلان ، آرسين لوبين .. الخدعة الكبرى (الكاتـب : فرح - )           »          بريئة بين يديه (94) للكاتبة: لين غراهام *كاملة* الجزء الثاني من سلسلة العرائس الحوامل (الكاتـب : Gege86 - )           »          قساوة الحب - أروع القصص والمغامرات** (الكاتـب : فرح - )           »          مع الذكريات(70)قلوب شرقية-للكاتبة المبدعة:منى لطفي(احكي ياشهرزاد)[حصرياً]كاملة&روابط (الكاتـب : منى لطفي - )           »          ظل مصاصة الدماء (7) للكاتبة: Meagan Hatfield (كاملة+روابط) (الكاتـب : Gege86 - )           »          مذكرات مغتربات "متميزة ومكتملة " (الكاتـب : maroska - )           »          أكاذيب صغيرة (42) للكاتبة:Chantelle Shaw *كاملة+روابط* (الكاتـب : Gege86 - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree6568Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-08-23, 03:31 PM   #1181

لاريننننننننن

? العضوٌ??? » 510041
?  التسِجيلٌ » Jan 2023
? مشَارَ?اتْي » 61
?  نُقآطِيْ » لاريننننننننن is on a distinguished road
افتراضي


شكرا على الرواية

لاريننننننننن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-08-23, 04:55 PM   #1182

نوف يوسف

? العضوٌ??? » 492854
?  التسِجيلٌ » Sep 2021
? مشَارَ?اتْي » 72
?  نُقآطِيْ » نوف يوسف is on a distinguished road
افتراضي

............

نوف يوسف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-08-23, 05:25 PM   #1183

اميرة امها

? العضوٌ??? » 462720
?  التسِجيلٌ » Mar 2020
? مشَارَ?اتْي » 74
?  نُقآطِيْ » اميرة امها is on a distinguished road
افتراضي

الحمدلله

اميرة امها غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-08-23, 05:54 PM   #1184

لاريننننننننن

? العضوٌ??? » 510041
?  التسِجيلٌ » Jan 2023
? مشَارَ?اتْي » 61
?  نُقآطِيْ » لاريننننننننن is on a distinguished road
افتراضي

شكرا على الرواية

لاريننننننننن غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-08-23, 08:14 PM   #1185

minion

? العضوٌ??? » 395753
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 684
?  نُقآطِيْ » minion is on a distinguished road
افتراضي

ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم


minion غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 15-08-23, 09:02 PM   #1186

Aurora

كاتبة ومصممة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضو في فريق مصممي روايتي وساحرة واحة الأسمر بقلوب أحلام

alkap ~
 
الصورة الرمزية Aurora

? العضوٌ??? » 346573
?  التسِجيلٌ » Jun 2015
? مشَارَ?اتْي » 6,779
?  مُ?إني » الرياض
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Aurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
وأكتبلك من حروفي شعر ..وأغزلك نجوم السما ..وأهديك من عمري عمر ...
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

سلام يا صديقاتي

خلصت الفصل بمعجزة اليوم

و جالسة ادقق الفصل بتركيييييز


الفصل أكيد بتوقيت الوطاويط????????

يعنب بعد الساعة 12 وحولها


Aurora غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-08-23, 12:56 AM   #1187

الزهراألزهراء

نجم روايتي وفراشة الروايات المنقولة


? العضوٌ??? » 117749
?  التسِجيلٌ » May 2010
? مشَارَ?اتْي » 1,026
?  نُقآطِيْ » الزهراألزهراء is on a distinguished road
افتراضي

هههههه
حظي حلو دايما يا ربي بانتظارك مش حنام


الزهراألزهراء غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-08-23, 01:09 AM   #1188

عمر الغياب
alkap ~
 
الصورة الرمزية عمر الغياب

? العضوٌ??? » 312449
?  التسِجيلٌ » Feb 2014
? مشَارَ?اتْي » 754
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » عمر الغياب has a reputation beyond reputeعمر الغياب has a reputation beyond reputeعمر الغياب has a reputation beyond reputeعمر الغياب has a reputation beyond reputeعمر الغياب has a reputation beyond reputeعمر الغياب has a reputation beyond reputeعمر الغياب has a reputation beyond reputeعمر الغياب has a reputation beyond reputeعمر الغياب has a reputation beyond reputeعمر الغياب has a reputation beyond reputeعمر الغياب has a reputation beyond repute
Icon26


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 53 ( الأعضاء 18 والزوار 35)
‏عمر الغياب, ‏فاتن حسن, ‏Kokinouna, ‏وردة شقى, ‏الزهراألزهراء, ‏صباح مشرق, ‏ألزنابق, ‏halloula, ‏ترانيم الزمان, ‏alwateen, ‏هنو.., ‏رحوبه, ‏حبة الكراميل, ‏المحبة ففي الله, ‏فتاة الحزن, ‏!!شيخانه, ‏نـاي

صـــباح .. جميل كجمال ارورا..
اشتقنا .. وكاد الشوق يقتلُ ..

سليفـــي من العيار الثقيل، ويـــارب تعطينا الصبر على جمال الاحداث.
بالإنتظــــار .


عمر الغياب غير متواجد حالياً  
التوقيع
ولي في الكتابة، خمسة الروايات :
المواجع والظنون - أزهـرتُ بهطولك
من يقنع الظلال؟ أنك فـ أهدابي
على ضِفَّة لوحة انتظار! وفي لحظاتٌ تُحَيك بهما الأَشواقُ
حنينٌ بقلبي
رد مع اقتباس
قديم 16-08-23, 01:10 AM   #1189

Aurora

كاتبة ومصممة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضو في فريق مصممي روايتي وساحرة واحة الأسمر بقلوب أحلام

alkap ~
 
الصورة الرمزية Aurora

? العضوٌ??? » 346573
?  التسِجيلٌ » Jun 2015
? مشَارَ?اتْي » 6,779
?  مُ?إني » الرياض
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Aurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
وأكتبلك من حروفي شعر ..وأغزلك نجوم السما ..وأهديك من عمري عمر ...
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 59 ( الأعضاء 20 والزوار 39)
‏Aurora*, ‏عمر الغياب+, ‏المسك الطيب, ‏وردة شقى, ‏فاتن حسن, ‏فاتن مصيلحى, ‏Kokinouna, ‏الزهراألزهراء, ‏صباح مشرق, ‏ألزنابق, ‏halloula, ‏ترانيم الزمان, ‏alwateen, ‏هنو.., ‏رحوبه, ‏حبة الكراميل, ‏المحبة ففي الله, ‏فتاة الحزن, ‏!!شيخانه, ‏نـاي


يلاااااااااااااا بنزل الفصل


Aurora غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 16-08-23, 01:11 AM   #1190

Aurora

كاتبة ومصممة في قسم قصص من وحي الأعضاء وعضو في فريق مصممي روايتي وساحرة واحة الأسمر بقلوب أحلام

alkap ~
 
الصورة الرمزية Aurora

? العضوٌ??? » 346573
?  التسِجيلٌ » Jun 2015
? مشَارَ?اتْي » 6,779
?  مُ?إني » الرياض
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Aurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond reputeAurora has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك mbc
¬» اشجع hilal
?? ??? ~
وأكتبلك من حروفي شعر ..وأغزلك نجوم السما ..وأهديك من عمري عمر ...
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي



الفصل الرابع والعشرون


.

.

و ظننت أن الحياة تبسمت
و أن البداية أزهرت
و غاب عن خاطري
أن الماضي قد يكون لغماً
لابد و أن ينفجر
يجرحني للمرة الثانية
يصدمني للمرة التي ما عدت أعدها
لكن و حتماً
ما ظننت أن الألغام تزرع بلا أجسام
و أن الجروح بلا دماء

.

.


طرّاد
====================


لقد انزلقت ودُفنت في الحفرة التي حفرتها له ..
هكذا فكّرت سحاب وهي تجلس هكذا منذ ساعات و ظهرها للحائط تضمّ ركبتيها لصدرها و تهتزّ كساعة “ البندول “ ..
هكذا فقط ببطء و على رتمٍ معين بلا أي هدف ..
ولا تعلم ماذا تفعل ؟!
أو الى أين تذهب ؟!
وقد نضبت الدموع من عينيها للتوّ ..
فالحزن قيّد ضلعها وروحها بقيد من الأغلال ..
و سمعت همسًا خافتًا يقول لمتى ستظلّ تغرق بالبكاء ؟!
لا تعرف حقًا من أين تجمّعت شلّالات الدموع لتذرفها دفعه واحدة …
فقد تراكمت أنهار دموعها على مدار السنوات مكونه طبقة الجليد المحيطة بفؤادها حتى ذاب الجليد الذي غلّف قلبها
بحرارة شمس الصباح …
ثم انفجرت الشلّالات دفعة واحدة لساعات تنوح وتتمزق ألمًا ..
تشعر أنها تصرخ في عرض البحر ولا أحد يسمعها ..
حتى فتحت أشرعتها وتركت نفسها للرياح العاتية ..
تصرخ بأنها تطلقت …
تصرخ بأنها مشوهة من الداخل والخارج .
تصرخ بأنها اتّقدت وحرقت النار قلبها ..
تصرخ بأنها بدأت تحقق جزء من أحلامها ..
طنين صاخب يطن داخل طبلة اذنها مُخلّفه دويًا صاخبًا …
و أصوات الناس من حولها تتلاشى مع الرياح ..
ثم فجأة تذكّرت حديثه لها ..
“ و كلام الناس لا يودي ولا يجيب أنتِ اللي تعطين قيمة لنفسك ما هو كلامهم اللي يعطيك القيمة “
وكأنه صدق مع كل حرفٍ نطقه ..
لا تعرف هل هي تحاول أن تعالج نفسها ؟!
أم تصرخ لتحرّر قيود الحزن في أضلعها ؟!
كأنها تواجه وحش ما و هي تهرب منه أن تكرر هذه الجمل في عقلها وتدخلها لرأسها قسرًا كان يُفيدها ..
أخيرًا دموعها التي ذُرفت من مآقيها ولسعتها لساعات طويلة شعرت بأنها أطفئت لهيب الحرائق في دمها ..
حتى احمرّت عينيها و تورمّت و كأنها ولدت من جديد من بعد قهرها …
فنثرت الترياق على جذورها التي خرجت للسطح وسممتهما معًا …
ولكنها تحتاج للوقت حتى تتعافى ويأخذ الترياق مفعوله ..
ارتعش جسدها وكأن رجفة بردٍ سرت على أوداجها و تهدلت شفتيها و انفرجت عن بعضهما و آلمها جسدها من الجلوس الطويل دون أن تشعر ..
حاولت أن تنهض بصعوبة تستند بكفها إلى الحائط
تجرّ أذيال الخيبة ..
والنفس يخرج بعُسر من رئتيها وهي على وشك الإنفجار من شدّة الألم
فبدأت تترنح بوقفتها ومشيتها حتى وصلت للأريكة التي كان يجلس عليها الغامد قبل أن يندلع بينهما الشجار …
فلم تستطع أن تقاوم اختلال توازنها فهبطت على الأريكة تنهت وفكّها يرتجف
وعينيها شاردتان على كوب القهوة الذي أصبح كالثلج و لم يشرب منه رشّفة واحدة ..
حتى كوب القهوة جعلته زقومًا خاف أن يشربه فيتسمم ..
ثم ألقت نظرتها نحو الغزالة الشيء الوحيد الذي بقي لها ذكرى منه ..
غرقت بعينيّ الغزالة الواسعة و همست تحدثها بجنون فلا أحد هنا يُواسيها غيرها :- لا تطالعيني كذه أدري إنّي الدبور الأصرّ على خراب عشّه ..
هزت كتفيها تمثل عدم الاهتمام لتتابع بفتور :- هو ما صدّق نفسه و أخذها حجه عشان يطلق و لا أعطانا الفرصة ..!!!
بعدها بدأت تبثها همومها همًا تلوى الآخر حتى شعرت بقيد حزنها ينكوي و ينكسر ..
في هذه الأثناء …
كانت رباب تجلس في غرفتها وتتصفح هاتفها كعادتها فوصلتها رسالة من أخيها أن تصعد للمنفى وتطمئن على سحاب ؟!
لم تفهم ما الذي حدث ؟!
فهزت كتفيها بلا اهتمام وصعدت للأعلى ..
لتجد سحاب تتحدث مع أحدهم و رأسها مسترخي على ظهر الأريكة ونظرتها شاخصة للأمام …
نظرت رباب حولها بعدم تركيز ولم تجد أحدًا فتهمس بذعر وعينين متسعتين :- اللهم سكنهم مساكنهم ..
ثم اقتربت منها ببطء شديد حتى تتأكد من ظنونها ربما تضع السماعات ..!!!
فلم تجد السماعات على أذنها فتصرخ بهلع :- بسم الله الرحمن الرحيم مين تكلمين انتِ ؟!
التفتت لها سحاب ببطء كجثة هامدة …
لتشهق رباب بقوة وهي ترى وجهها المصبوغ بالدم ..
وجنتيها أنفها عينيها شديدتيّ الاحمرار وكأنها بكت لساعات وساعات …
الآن اجتاحها الإدراك فنظرت من حولها فتشهق هذه المرة بشكلٍ أكبر و تسأل سحاب كمن يُقرّ واقعًا :- تهاوشتي أنتِ والغامد ؟!
فتكتفي سحاب بهزّ رأسها ..
فتسأل رباب بارتياب و حاجبين مقطبين وهي ترى الحُطام في كل مكان :- مين الكسر كل شيء هنا ؟! مجنن صدق ..
فترد سحاب بصوت فاقد الحياه :- أنا ..
فتحت رباب فمها بصدمة ..!!
ثم عقدت حاجبيها بعصبية لتهتف بصوت مرتفع وانفعال من شده الغضب :- وأنا صاحية اسأل بكل غباء ؟! أكيد بكون أنتِ ..
أجل أخوي العاقل اللي تعب عشان يسوي المكان ؟! الله يكسر يدك إن شاء الله ضيعتِ تعبه وشقاه و عرق جبينه ..
هدرت رباب كثيرًا ولم تتوقف عن عتابها وكانت سحاب تتلقى كلماتها كسهام من النار تُقّذف من فمها مع كل كلمة تهوي بها سبعين خريفًا ..
وهي محقّة ما كان عليها أن تكسر شيئًا ..
لذلك تلقّت السهام بصدرٍ رحب ..
فيبدو أن رباب لم تعرف شيئًا بعد عن طلاقهم وترك الأمر على عاتقها …
أمّا رباب فلم تفكر سوى بأخيها الحنون لقد وضع كلّ حيلته و شقائه ليأثث وينفذ المكان الذي يُعد ملجأ له ..
المنفى .. هو مكان إقامة المطرود ..
وهو دائمًا كان مطرودًا من والدتها وقت حضور الضيوف بما أنه " بيتوتي " لا يحب الخروج كثيرًا إلّا مع المقربين إليه ..
قاطع صراخها الغاضب صوت سحاب البارد كالصقيع في ليلةٍ مقمرة :- الغامد طلقني يا رباب ..
صمتت رباب تنظر لها باضطراب يشوبه الشكّ
فالغامد الفترة الأخيرة لا يتوقف عن مدحها وإظهار حبه لها دون خجل ..
هو لا يجيد إخفاء الحب و السرور و نثر التفاؤل والبهجة المختلطة بمزاحه السمج والسخيف ..
و لكنه يُجيد ببراعة مراكمة و تخزين الألم و أوجاعه في نفق الأحزان داخل قلبه ويُغلق عليه بالمفتاح ويُلقي بالمفتاح في أعماق البحر ..
هو أخيها و هي تعرفه كراحة كفّها
لطالما حاولت التحدث إليه ليبثها أحزانه ويخبرها عن ما يضايقه وإن كانت أبسط الأشياء …
فيرد ببساطة ..
" مستحيل أعوّر قلبك بأشياء مالك دخل فيها "
" متضايق شوي وبفك من نفسي ما عليكِ "
" رباب لا تحاولين ما أحب أفضفض لأحد غير ربِ هو اللي يفهمني "
نعم هو لا يفضفض إلّا لله وعندما ينتهي يذهب ويبث بعض همومه لــ " الغزالة " …!!
نعم ..!!
نظرت نحو الغزالة وكأنها استوعبت للتوّ وهمست لسحاب :- هو الي نقل لك العدوى وصرتِ تكلمينها انتِ بعد ؟!
صدق إنكم زوج مجانين ومختلّين مِثل المَثل الي يقول و تابعت بلهجةٍ شامية محببة :- طنجرة ولقت غطاها ..
تنهدت رباب بقنوط عذّب قلبها و هي من فكرت أن تُلطّف الجو المشحون و لكن سحاب لم تتفاعل معها ..
فاقتربت تجلس بجانبها وتهمس بقلق :- صدق الغامد طلقك ولا تمزحين معي ؟! مانيب مصدقة مستحيل يسوّيها تراه يحبك ولو انه ما يقولها بصراحة ..
رطّبت سحاب شفتيها بلسانها وشردت نظراتها للأمام وهمست بمرارة :- موضوع مثل كذه ما فيه مزح يا رباب هو طلع وخلّاني هنا لأني ما عندي مكان أروح له ..
عضت رباب شفتيها بتأثر لحالها الملتاع ..
ما الذي أوصلهما لهذا الحال ؟! كانت أمورهما بخير ..
ثم همست :- ودك تتكلمين وتقولين أي شيء ؟!
اكتفت سحاب أن تشتت نظراتها للمكان وتهزّ رأسها نفيًا ..
أومأت رباب بتفهّم ورغبت كثيرًا أن تفضفض لها سحاب وهي تسمع وحسب …
لا تريد أن تكتم ألمها في قلبها كما يفعل أخيها فهذا غير صحّي أبدًا فالحزن يُضعف القلب والإرادة
ولكن هي تعرف ..
علاقتهما لم تصل لهذه المرحلة من " الميانة "
لهذا سحاب لن تتكلم معها مُطلقًا ..
نهضت رباب من جانبها وخرجت من المنفى لتتحدث إلى أفنان فلقد عادت اليوم ظهرًا من الكويت ..
وقالت بصوتٍ منخفض :- الووو .. افنان فاضية ؟! تمام خلّي العيال عند رزان وتعالي أختك تحتاجك الحين … تقول الغامد طلّقها ولا عرفت أخذ منها حقّ ولا باطل يمكن أنتِ تفهمين ..


*********************


عانقت أفنان سحاب بشدة حتى كادت تتحطم أضلاعها ألمًا ..!!
أبعدتها عنها قليلًا تُحيط وجهها بكفيها تنظر لعينيها المتمزقتين من الدموع الغزيرة التي نضبت بعد ساعات ولكن أثارها كانت واضحة على عينيها ووجهها ..
فتهمس افنان بشجن وحاجبين مقطبين :- بسم الله عليكِ يا حبيبتي وش الي صار علميني ؟!
ابتلعت سحاب غصة مسننة جرحت حنجرتها وحبالها الصوتية لتقول كل شيء لأفنان ..
لا تعرف من أين حصلت على تلك الطاقة الجبارة حتى تستطيع أن تخبرها كل ما حدث معها ؟!
وهي من كانت تخفي على الجميع كل شيء وتدفنه بأقصى أعماقها حتى انفجرت كبركان ٍخامد لسنوات ..
ارتفع صدر أفنان وانخفض برتابة وأنفاسها تتبعثر تحاول التقاطها دون جدوى و النفس قد ضاع وهرول عبثًا ..
عضت شفتيها بقوة حتى كادت تُدميهما و أغمضت عينيها تبتلع ريقها ..
كم هي أخت فاشلة ومتخاذلة ؟!
لم تشعر بروان في السابق و لم تشعر بسحاب و بألمها بعد أن التقت بها بعد غيابٍ طويل ..
لقد ظنت أن سحاب واثقة بنفسها تمامًا بقوتها الظاهرة من عينيها ..
إذ أنها كانت تُمثل ببراعة ….!!
والألم يحفر حفرته في جوفها حتى تغلغل داخله السوس ينخر أوجاعها ..
كم كان ماضيها مؤلمًا ولم تستطع أن تكون معها في ذلك الماضي البائس ..
بل غارقة في حزن والدتها و ألمها للغدر الذي تعرضت له من زواج والدهم ..
الناس ..!!
آآآخ منكم أيها الناس ..!!
إلى متى ؟!
إلى متى ستؤذون بعضكم وتنهشون بعضكم ؟!
متى ستتعقلون ويزوركم الوعي والنضج ؟!
كم هي أخت خائبة لم تشعر بأخواتها ولم تستشعر ضعفهما وألمهما و لم تستطع أن تقدم لهما المساعدة ..
كيف شعروا بكل ذلك الألم دون أن تفهم ؟!
خسرت روان ..!!
ولكن هذه المرة لن تخسر سحاب ..!!
زمّت شفتيها بتصميم وقبضت على كفيّها و قالت بتصميم :- اسمعي يا سحاب .. روان كانت نفسيتها كثير تعبانه ومرهقة و اكتشفت الموضوع متأخر ولا قدرت أجبرها تروح معي للدكتور النفسي …
بس هاذي المرة أنتِ بتجين معي غصب رضيتِ ولا ما رضيتِ باخذك واضح عندك تراكمات كثير عجزتِ تتخطينها ..
ابتسمت سحاب بفتور وهمست :- نشوف الله المستعان ..
لم تتمالك أفنان نفسها و صرخت بها غاضبه وبأمر قاطع :- ما في نشوف الحين تأخر الوقت بس من بكره الصباح بتصل وأخذ أقرب موعد ..
قاطعتها سحاب لتهمس بذهنٍ شارد :- أول شيء أبغى أتعالج من البهاق يا أفنان حالتي النفسية ما فيها شيء الي تعبني البهاق ..
دمعت عينا أفنان لترد بمساندة :- وبتتعالجين من البهاق ومن كلام الناس بإذن الله وصدقيني حالتك النفسية أهم من البهاق الحين و الغامد بيرجع لك إن شاء الله وحياتكم بتكون من أجمل ما يكون ..
ثم ابتسمت أفنان بخفوت تتذكر حديث الطرّاد عن الحالات النفسية ..
كم أن الناس يدفعون مبالغ طائلة لأشياء سخيفة لا قيمة لها …!!
وعندما يأتي الأمر للطبيب النفسي فهم يستخسرون الأمر على أنفسهم لكي تكون عقولهم سليمة ..
أبحرت سحاب في درب الظلال و سرح بها الخيال مما حرر بسمتها الخفيفة …
فقد أفرغت ما في جوفها له خلال شجارهما
وها هي الآن تفرغ لأختها بكل راحه وكأنها تحررت من تلك القيود ..
الآن تستطيع أن تسرح بخيالها و بذكرياتهم الجميلة دون أن يشوهها حقدها فلديها معه الكثير والكثير من الذكريات ..
قاطع ذكرياتها صوت أفنان الناعم :- سحاب ..
التفتت لها سحاب بحيرة ..
فتدمع عينيّ أفنان بتأثر قائلة :- أنا آسفه يا حبيبتي ما كنت معك ولا ساندتك من مبطي حسبي الله عليهم كل الي تكلم عنك بسوء وكل من اعتبرك عاملة وانتِ نيتك المساعدة لا أكثر ..
فكرت سحاب ماذا بإمكانها أن تفعل آنذاك ؟!
لقد كانت أفنان تكبرها بعامين فقط ..
والدها كان هو المسؤول الأول لما حدث معها ما كان عليه أن يتزوج ..!!
ما كان عليه أن ينجبها إذا لم يكن يستطيع الصرف على بيتين ولكن حدث ما قد حدث ولن تلومه الآن بل ستشكره وتدعوا له …
لأنه أصبح لديها أجمل إخوة بالرغم من كل ما حدث من مآسي ..
فردت سحاب بهدوء :- الحمد لله أيام وعدّت بحلوها ومرّها ولا ألوم أحد فيها لازم اسامح كل الي أذاني عشان أقدر استمر بحياتي الحين إحنا اللي نقرر مستقبلنا كيف بكون ..
ثم فكرت سحاب ..
يا إمّا أن تستسلم وتموت أو تحارب وتعيش ..
عادت أفنان تعانق أختها بحنان شديد فتبادلها سحاب العناق الودي ..
وهذه المرة سحاب من سألتها :- الحين خلّك مني وعلميني أنتِ وش سويتِ بالكويت ؟! جا دورك تتكلمين ..
وغمزت لها بمكر ..
احمرت وجنتيّ أفنان وتضاعفت ضربات قلبها بإثارة وتذكرت ليلتها الرائعة معه ..
ربااااااه …!!
لم تستطع تخيل أن الأمر بكل هذه الروعة ..!!
لقد كان يهمس بصوته المحموم بإسمها مرارًا وتكرارًا و يتغزّل بها وبجمالها طوال الوقت وهي بين ذراعيه ..
غزل لم تسمع به من قبل …!!!
مما جعل جسدها كلّه يحّمر وترتفع حرارته لمئة درجة و ليس وجهها وحسب ..
أما شعرها فكان له النصيب الأكبر من الغزل لم يتوقف لحظة عن التغزّل به و بجماله وبرائحته كزهور الفُلّ ..
ربااااه من أين جلب كل قذائف هذا الكلام المُنمّق ؟!
لا تصدق أن التمثال الحجري الخارج من أرض الأساطير يستطيع أن ينطق بكل هذا الجمال ..
من أين له هذا المعجم المكتنز من المغازلة ؟!
لقد ارتاعت حقًا ..!!
ولكنها تعرف أيضًا و بأقسى الطرق ..
إن أراد لأصبح جافًا وجلفًا لأبعد حدّ سليط اللسان فينقلب للنقيض تمامًا ..
منذ أن قررّ مصارحتها بإتمام زواجهم …
عقلها ومنطقها يتصارعان صراعًا جبارًا مع قلبها …
وقد انتصر قلبها عليهما بكل شغف لتجرب معه عاطفه لم تحلم بها من قبل و هي تحلق معه فوق الغيوم …
فيعود عقلها ليطرق أبوابها بشدة غاضبة وصارخة بعنف و ظلال روان تطاردها في أكثر أوقاتها ضعفًا ووهنًا و هي غارقة بنومٍ عميق مطمئن على ذراعه المفتول ..
لم تنم منذ زمن طويل بكل هذا الإطمئنان وها هو ينتزع منها الأمان بسببها …
وكانت تتساءل ؟!
هل كان يتغزّل هكذا بأختها ؟!
انهارت ألمًا وشعرت بالحقارة في نفسها الدنيئة
نار مستعرّة اندلعت في أحشائها وأحالتها للرماد ..
لإحساسها القميئ والذليل ..
أتغار من أختها والرمال تعانق جسدها و لا تريد منها إلّا الدعاء والصدقة ؟!
بئسًا لحالك يا أفنان ..!!
فتخر صريعةً كالشهاب المنزلق نحو الأرض مدركة هول المصيبة التي ارتكبتها بحق نفسها وحقّ اختها ..
و همست تثرثر بداخلها …
" يا رب اجبر واربط على قلبي يا رب .. يا رب دلني على الطريق الصح "
فالوصية لم تفارق رأسها منذ كانت أختها على فراش الموت بعد ولادتها وكأنها تشعر بذلك
هي حتى و إن لم توصّها ما كانت لترضى أن تتزوجه و لهذا رفضته مرتين ….
ولكن ماذا تفعل وقد تعلقت بأطفالها وشعرت نحوهم بالأمومة ؟!
هي كانت لهم الأم منذ ولادتهم ..
هي تعرف كيف تكون أم ..
وكيف تكون تكون ابنة ..
وكيف تكون أخت ..
وكيف تكون صديقة ..
وكيف تكون موظفة ناجحة وجادّة ..
ولكنها لم تعرف كيف تكون زوجة ؟!
معه هو فقط عرفت كيف تكون أنثى تتدلل على زوجها و تحاول جذبه ..
عرفت سحاب من إحمرار وجهها وخجلها و صمتها الطويل …
أطول من اللازم ..
أنها ارتكبت مصيبة ..!!
فتسألها بصرامة وعينين حادتين مرعبتين :- وش مسوية يا أفنان ؟! اعترفي بسرعة ..!!
لقد أصبحت مع سحاب تشعر بالانطلاق فتتحدث بدون أي قيود ..
فلن يكون لديها غير أختها من لحمها ودمها لتثق بها ..
فقالت أفنان بهدوء متأني وتشير بأصبعها السبابة نحوها :- مع إنك طلعتي اخرطي و منتِ وجه أحد ياخذ منك نصايح بس بعلمك ..
فأخبرتها بالمختصر المهم ما حدث و مغزى الأمر دون تفاصيل بالطبع ..
لترد سحاب بوجهها الشاحب كشحوب رسمةٍ قديمة بقلم الرصاص قد اهترأت :- تدرين يا أفنان اكتشفت إنه أنا و أنتِ صرنا أغبياء بعد ما تزوجنا .. بضحكة سمجة تابعت بمزاحٍ هزلي :- أكيد لأنه تزوجنا بنفس اليوم جانا نفس الغباء ما نعرف نتصرف ولا ندير دفّة حياتنا ..
ضحكت أفنان ضحكة متألمة صاخبة بعيدة عن المرح مليئة بالمرارة ..
و هي تتذكر كيف جرحته بكلمةٍ واحدة ..
كان بإمكانها أن تُخرسها داخل حلقها فلا تخرج و تُعيث بالأرض فسادًا ..
كلمة واحدة فقط كفيلة أن تشطرة لنصفين ..
فيشحن سيارته صباحًا للرياض
و يرسلها هي والأطفال مع والديه بالطائرة
ويذهب هو للصين وقد قدّم موعد سفره
ولا تعلم كم سيطول غيابه ؟!
لكنها تعلم أنه لن يرغب برؤية وجهها ..
ولم يكلمها كلمه واحدة حتى في " الواتس أب " يجيب على ما يريده فقط و يتجاهل باقي حديثها ..
فتكاد تموت قلقًا عليه لتجاهله لها و هي تريد الإطمئنان على وصوله بالسلامة وحسب ..
فأرسلت له الآن رسالة ..
( أنا آسفه رحت لبيت عمي وما أستأذنتك من بدري أختي كانت تحتاجني )
فيرد عليها باقتضاب ..
( إذا كنتِ في بيت أهلك لا تستأذنين روحي وين ما تبين )
فعادت ترسل له ..
( متى بترجع ؟! )
ظهر الخطيّن الأزرقين و لم يرد عليها …!!
فتزّم شفتيها بضيق احتلّ قلبها قبل عقلها ..
قاطع شرودها صوت سحاب الصارم :- افنان أنا سمعتك ودورك الحين تسمعيني …
نظرت لها أفنان قاطبة حاجبيها باستفسار ..
فتتابع سحاب :- إذا حجزتِ لي موعد الصباح إحجزي لنفسك قبلي .. ولا ما رح أروح ..
لازم تطلّعين روان من حياتك ومن عقلك ما يصير هالكلام يا أفنان …
زمت أفنان شفتيها بضيق أكبر من قبل وحاجبيها معقودين بتأزّم :- ما شاء الله تمشين وتوزعين نصايح وأنتِ يبغالك مين ينصحك …
ابتسمت سحاب فتهمس بخفوت مُحترق :- ما رح أتضايق منك لأنك صادقة يا أختي صادقة ..
و أنا صمّمت بتخطى الموضوع و أنتِ بعد بتتخطين ..
عضت سحاب على شفتها السُفلى بغصة و رمشت بعينيها بضع مرات حتى تمنع دموعها أن تهطل مجددًا ..
قد تتخطى كلام الناس و حديثه السيء عنها وتنمّره عليها خاصّة أنه قد اعترف بخطئه واعتذر منها مرارًا وبطرق مختلفة …
ولكن كيف تتخطّى أمر جرحه لها و رغبته بالزواج من غيرها ؟!
وهمست تبتلع ريقها :- المهم أنا قلت الي عندي ..
نظرت أفنان لساعة هاتفها وقالت :- تأخر الوقت بروح أشوف الأولاد أكيد طفّشوا رزان هي خلقه ما تحب الأطفال ..
ثم ألقت أفنان نظرة أخيره للمكان تمطّ شفتيها باحباط :- كان ودي أجلس وأساعدك بترتيب المكان .. الله يصلحك ويهديك بس تستاهلين ترتبينه لحالك ما أدري وين طار عقلك وأنتِ تكسرين كل شيء ؟!
تأففت سحاب وزفرت نارًا حارقة من جوفها ..
و ودّعت أختها لتعود أدراجها لدورة المياه فتغسل وجهها بالماء حتى تبثه بعض الانتعاش ..
غيّرت ملابسها التي كانت ترتديها منذ الصباح ..
وقامت بجمع قطع مكينة القهوة من الأرض و تضعها على قطعة الرخام حتى تجد لها حلًا فيما بعد ..
ونزلت للأسفل …
حيث كان الجميع متجمّعًا و من بينهم جدتها و عمّها ..
و قد التفتوا لها فورًا عندما لمحوا ظلّها …
وسألوها بوقتٍ واحد :- صدق طلّقك الخسيس ؟!
عضتّ باطن شفتيها بقوة فقد قامت رباب بالمهمة واختصرت عليها طريقًا صعبًا ..
و قبل أن تفتح شفتيها لترد …
ردت أميرة بفظاظة :- الله أعلم وش مسويه عشان يطلّقها ولدي ولّا هو عاقل ما منه حسّ .. من البيت للشغل ومن الشغل للبيت ولا طلع يغيّر جو جا عندنا ..
فهمست سحاب بفتور تقطع القيل والقال :- أنا الي طلبت الطلاق وهو كان رافض بس أصريت .. و ما أدري وش بصير بعدين ؟!
بس أكيد ربي كاتب لنا الخير ..
وجلست بجانب رباب ترفع ذقنها بخيلاء والدموع تعود وتشحذ مآقيها فتزجرها ببراعة ..
بينما أميرة تنظر لها بامتعاض لأنه اتضح لها أنها السبب بضيق الغامد الغير معتاد الساعات الماضية ..
فغضب عمّها بشدّة وزم شفتيه بسخط أطبق على صدره و يفهم من كلامها المتزن أنها لن تتحدث فيما يخصهم ..
زفّر أنفاسه الخشنة بلا هوادة كهواءٍ حار في نهار صيفٍ شمسه تلّسع :- حسبي الله على العدوين كانه قهرني وفشلّني ببنات أخوي من أول و تالي ..
ربتت والدته على فخذه تهمس بضيق من هذا الخبر و لكن لعلّ في الأمر خير :- ما عليه يا محمد بإذن الله تتصلح الأمور و غويمد مصيره يرد لها .. ما يخفى عنك قلبه والوله الي فيه ..
أطبق شفتيه بشدّة :- وهذا الي غابني يا يمه .. شلون يسويها وهو يبيها ؟! شلون ؟!
لترد الجدة تنظر لملامح سحاب الشاحبة كالأموات من كثرة البكاء :- لا تلومه يا ولدي عيّت تتكلم وتقول السالفة و هي بعد لا تستهين فيها تراها ما هيب سهلة ذا السحابة الغايمة ..
عسى ذا المشكلة تكون درس لهم الاثنين ويتأدبون
بس بنحلّها ما عليك لو اطقهم بعصاتي لين أكسرها على روسهم هم الاثنين لين يعرفون أنه الله حقّ و ان الطلاق ما هو لعبة ..
خلّهم لا تتدخل الحين لين يتسنعون وما عاد يعيدونها ..
هزّ رأسه بهدوء ولكن القلق ينهشه من الداخل ينظر لابنة أخيه التي ظُلمت كثيرًا في ما مضى مع أخيه المهمل ..
وها هي الآن تُظلم في بيته و بسبب ابنه ..
فيهمس :- لا حول ولا قوة إلّا بالله ..
أما سحاب فقد سألت رباب بهدوء خافت تستقصي منها الحقيقة :- رباب تدرين متى بيتزوج الغامد بنت خالتك ؟!
امتقعت ملامح رباب لتنظر لسحاب قائلة بفتور :- ما هو صحيح هالكلام من وين سمعتيه ؟!
ما رح يتزوج .. لا يكون هذا سبب طلاقكم ؟!
صغّرت سحاب عينيها لترد بصرامة تنظر بعمق عينيّ رباب القلقتين :- ما يحتاج تكذبين يا رب سمعتك تتكلمين معه وحنّا ما كملّنا اسبوع من زواجنا وعرفت كل شيء ..
ابتلعت رباب ريقها بغصّة مسننة وكأنها شفرة حلاقة جرحت حلقها وهي تشعر بإحساس سحاب ..
فترد بصدق يُشعّ من عينيها كالشهب :- ما ودي أحلف بس اقسم بالله إنه بعد فترة رجع وكلمني وقالي أكنسل الموضوع وهو بدأ يعرفك ويحبك وما يبي غيرك و ما يخفى عنك أكيد مدحه لكِ يا سحُّوبة ..
فتنكزها رباب بمرفقها وتغمز لها بمكر ..
و تزم سحاب شفتيها بضيق شديد ..
" منك لله يا الغامد .. بعد معلّمها عن سحُّوبة وصايرة تتمسخر الأخت "
تنهدت سحاب ثم عادت نحو المنفى و كأنها طُردت إليه فعليها أن تجمع ما بعثرته و تُصّلح ما تستطيع إصلاحه ..
لا تصدق أنها وصلت إلى هذه المرحلة من الجنون ؟!
دخلت ثم تسمرت في مكانها تلمح ظهره الصلب ..
لقد كان هو لا ريب …..!!!
استدار إليها ولم يجفلها بوجهه المحترق مثل كل مرة …
استدار بملامح تراها للمرة الأولى على وجهه ..!!
وكأنه غشاها الشحوب الشديد ..
فتقول باضطراب ووجهها مقطب بوجع لرؤيته ولم يمضي يومًا على طلاقهم الكارثي :- وش تسوي هنا ؟!
فيبتسم إبتسامة لم تصل لعينيه و يرد بتحشرج لم يظهر بصوته المُلتاع الذي يخفي حقيقة مجيئه :- في شي يخصني جيت باخذه وأمشي يا سحابه ..
نظراته المتوهجة قد اخترقتها وأجفلتها بقوة لقد قال وهو ينظر لعمق عينيها " تخصني " ..
هل يقصدها هي يا ترى ؟!
ابتلعت ريقها بصعوبة لتراه يعود ويستدير و كاد أن يأخذ الغزالة ..
فتنتفض كأن عقربًا لسعها فتندفع نحوه لتشد الغزالة من الطرف الآخر ..
بينما هو يشد وهي تشد ..!!!!
فيقول بملامح مذعورة مع لهجة انفعال :- لا يكون ناويه تخربينها بعد ؟! بلا حركات هبال يا سحاب وأعطيني غزالتي .. زين إنها سليمة للحين ..
اشتعلت عينيها بغضب وهي لن تسمح له أن ينتزع منها الذكرى الوحيدة التي بقيت منه هو ..
فردت بشراسة :- أنت خلّيها و ما بسوي فيها شيء ..
رفع حاجبه بارتياب وسألها بشكّ :- متأكدة ؟!
هزت رأسها مسبله اجفانها بتعب حتى تطمئنه ..
فيترك الغزالة على مضض و يقول بهدوء :- طيب بخليها .. بس وعد ما تسوين فيها شيء ؟!
تنهدت بنفاذ صبر لتنظر له بنظرات ملتهبة كعينيها المصبوغتين بلون الدم :- وعد ما رح أسوي فيها شيء …
تنهد بكبت ينظر لعينيها الجميلتين المتورمتين من أثر البكاء الواضح عليهما ..
ثم يسألها بخفوت :- ارتحتِ الحين ؟!
فيتابع وكأنه يُقرّ واقعًا :- شكلك بكيتِ كثير كل هذا متضايقة مني يا سحاب ؟!
ليتك معلمتني من أول كان اختصرنا على نفسنا كل هذا الأذى ..
ذابت عيناها ألمًا وهما تمتلآن بدموع ظنّت أنها قد نضبت …!!!
ولقد انهارت حياتها قبل أن تبدأ فعضّت باطن شفتيها بقسوة من سؤاله الغبيّ ان كانت قد ارتاحت تمنع أمطار عينيّها من الهطول ..
وهمست أخيرًا بفتور ولكن غمره الصدق :- أنا حسيت اليوم إني تحررّت من كثير أمور في حياتي شكرًا لأنك سكت وما حاسبتني على الي سويته في المكان ..
ونظرت حولها بحرج ارتسم على ملامحها المشرقة كشمس الضياء ..
فأسبل جفنيه على عينيه الداكنتين و قلبه يتمزق شوقًا من الآن …
حسنًا ….!!
لا بأس المهم أنها قد ارتاحت في بُعده وإذ أنه هو من سيتعذّب في هذا البُعد …
فيرد بهدوء :- فداكِ كل شيء ..
التفتت له بقوة متسعة العينين بذهول ولم تتوقع رده أبدًا ..!!
و شعرت و كأن الكلمات التي نطقها ما هي الا طعنة نفذت من صدره الى صدرها لينزف قلبها بشراسة ..
ثم لم تقاوم أن تسأله بهمس خافت يحده الألم :- ليش أخذت سلاحك الصباح لا يكون بتتهور ؟!
ابتسم إبتسامة صغيرة بالكاد ظهرت على شفتيه :- لا مانيب متهور شايفتني بزر ؟! قطعت إجازتي وبرجع للدوام من بكرة ..
ارتفع حاجباها بصدمة حتى كادا يصلان لمنابت شعرها …
هل سيذهب بوجهه هذا ؟!
وكأنه فهم و قرأ سؤالها على وجهها الجميل و المذهول ….!!
فيهز رأسه موفقًا ..
فليتلقّى بعضًا من لسعات الناس فهو يشعر بألمها بهذه الطريقة الفرق بينهما هو قُدرته للتحمل أعلى وأقوى من قدرتها
فلا ضرر من تلقّي بعض اللسعات علّه يستطيع مسامحة نفسه ..
ابتلعت ريقها بصعوبة …
ولكنها لم تتمالك لسانها فسألته بارتباك محرج :- من متى تعرف إني آخذ حبوب منع الحمل ؟!
ابتسم إبتسامة ميّتة لا حياة فيها وهمس :- من مبطي لاحظت انك تاخذين حبوب بوقت معين كل يوم .. في البداية فكرت فيتامينات أو أي شي ثاني فما اهتميت …
صمت قليلًا ليتابع باضطراب ارتسم على ملامحه التي باتت مشوهه :- وبعدين فجأة خفت و فكرت إنك ممكن تكونين مريضة وما علمتيني وشفت الحبوب ودورت على اسمها عشان أعرف حقت إيش ؟!
كتمت شهقة بكاء وعويل كادت ترجّ المكان بصوتها الملتاع …!!!!
إلى متى سيستمر ويردم الرمال عليها وقد دفنت نفسها بالحفرة التي حفرتها من أجله ؟!
بينما هو همس بخفوت :- يلا استأذنك بمشي …الصراحة جيت أتطمن عليكِ والحمد لله إنك بخير ..
فصرخت بقوة في داخلها صرخة جعلت جسدها يهتزّ هالهزّة الأرضية …
لا لست بخير ..
لست بخير ..
لقد ظنّت أنها ستكون ولكن لم يحدث ذلك ..
هي كانت تحتاج للصراخ والبكاء و فعلت ..
هو من طلّقها وكأنه لم يصدق ذلك ..!!!
استدار يوليها ظهره حتى لا ترى ملامحة المتعذبة و وقف مكانه فبدا طويلا ضخمًا و هي تراقب عرض كتفيه ...
و انتابها شعور ملح بالذهاب إليه و اراحة وجنتها على ظهره بين كتفيه ...
هذا إن استطاعت الوصول اليهما طولًا …!!!
ولكنها تسمرت بمكانها و كأن أغلالًا من حديد تقيّد قدميّها للأرض ..
من المفترض هو أن يُعيدها كما طلّقها …
ماذا عن كرامتها المهدورة ؟!
تريده أن يُعديها و أن يُعيد لها أيامها الجميلة والهادئة التي كانت معه و لم تعشها من قبل في حياتها …
أن يجلسا معًا لمشاهدة فيلم كما كانا يفعلان دائمًا
فتسمع صوت ضحكاته الرجولية الصاخبة على سخافة الأفلام التي يختارها ..
ويحتسيان القهوة معًا أو ربما الأفضل بعض الشاي مع المقرمشات التي يحبانها ..
بينما ينظر لها ويستهزأ بها لعبوسها الشديد دومًا وهي بجانبه ولكن هذه المرة لن تكون عابسة ومملّه ..
لن تكون ..!!
ستشاركه الضحك وإذ أنه لا يوجد ما يثير الضحك أو ربما تكتفي أن تنظر إليه وهو يضحك فالضحك يليق بوجهه الوسيم …
آه نعم ..!!
قبل أن يحترق بالطبع ويشبه " ذو الوجهين "
تريد أن يُعيدها …
ويملأ لها دُرجها بجانب سريرها ذاك الذي أسماه
" المطبخ الصغير " حينما أخبرته ذات مرة أنها في صغرها لم تملك تلك الرفاهية لتستمتع بالحلويات والمقرمشات ..
فتأكلها بشراهة وكأنها تعوض سنين الماضي ..
لاحظت بعد ذلك أنه يملأ درجها بكل الأنواع التي تحبها ولا يخبرها بذلك ..
ولكنها تعرف لا أحد غيره من يملأه حين ينضب ..
لقد كان قليل الخروج و دائمًا فهما معًا في كل وقت ويفعلان كل شيء معًا …
وإن خرج بدونها خرج لبعض الوقت مع ضرّتها
" المثنى " ..!!


====================


تنهدت أم سيف ورفعت نظّارتها الطبية عن عينيها وقد انتهت من قراءة وردها اليومي من القرآن …
ونظرت بهدوء قاتم لزوجة إبنها البكر فلم تستطع أن تتمالك نفسها هذه المرة …
وقد طفح منها الكيل و قالت بنفاذ صبر :- رغد .. يعني إحترامًا لولدي سيف ولكِ أقول بسكت وما نيب متكلمه .. بس لين متى بتضربين تركي ؟! ارحمي هالولد أمه طست ولا عاد رجعت تاخذه …
على الأقل انتِ ارحميه ..
انتفضت رغد كالملسوعة تنظر لخالتها وهالها نظرة الغضب في عينيها الموجهه نحوها بالطبع ..!!
وهتفت بصدمة :- تصدقون البزر يا خالتي ؟! وما تصدقوني حرام عليكم ترى ما سويت له شيء بس كذه دفه خفيفة من كتفه …!!
واشارت بكفها في الهواء لتمثل الطريقة ..
فتتابع بانفعال :- مثله مثل ما أسوي مع عيالي إذا جننوني ؟!
ترى أنا أكثر وحده أعرف قيمة الضنا ليش أأذيه ؟! غير بيتي مفتوح للكل وصاير حراج للرايح و الجاي ولا عاد في أي خصوصية ..
تأففت أم سيف بضيق أطبق على صدرها كالمرجل فرغد تقلب المواضيع دومًا حتى تقفز لموضوع البيت المنفصل ..
الشيء الوحيد الذي لم تستطع رغد أن تقنع سيف به وهو الانتقال ….
فابنها لن يتركهم ويستقل في منزل لوحده بالرغم من استطاعته ذلك …
و لم تعد تعرف من تصدق رغد أم تركي ؟!
وهي تعرف أن تركي لا يكذب ..
ساد الصمت على المكان …
ثم قالت رغد بحاجبين معقودين بضيق ونبرةٍ هادئة و محترمه :- سمعت إنه ولد أختها لفرح الي كان مختفي رجع .. يعني العرس قريب صح ؟!
فترد أم سيف باقتضاب :- إيه قريب إن شاء الله ..
فتقول رغد :- عشان كذه جايه بستأذنك يا خالتي لو تسون عرس الرجال بيوم وعرس الحريم بعدهم بيوم أو يومين يكون أفضل ..
اتسعت عينا أم سيف من طلبها الغريب فتسألها بريبة وحاجب مرتفع :- و ليش الحوسة هاذي خلاص كلهم بيوم واحد و نفتك ..
فترد رغد بصدق :- تعرفين يا خالتي عندي ثلاث توائم وين باخذهم ؟! بجننوني في العرس والخدامة ما تلاحق تراكض ورا مين وتخلي مين ؟!
وما نقدر نحبسهم بغرفة هناك عشان كذه يصير عرس الرجال أول و في عرس الحريم سيف بكون فاضي و يجلس معهم في البيت ومعهم الخدامة تنتبه عليهم ..
امتقعت ملامح أم سيف فلم يعجبها أبدًا أن يبقى ابنها مع الأطفال بينما هي تذهب وتتسلّى ..
فقالت برفض قاطع تخلّله الغضب :- لا ما عليه يا بنتي دبري عمرك حطيهم عند أختك ولا عند أمك و شوفي لهم صرفة بنسوي العرس بيوم واحد ونفتك .
مال حاجبيّ رغد بضيق ارتسم على ملامحها و ردت :- انتم عازمين أمي وأختي وبيجون العرس
هزت أم سيف كتفيها بلا اهتمام فلا شيء تفعله حيال ذلك ..
و لم تجادل رغد أكثر إكتفت بابتسامه باردة ارتسمت على شفتيها كصقيع جليدي و ثرثرت بداخلها ..
" الشرهه ما هو عليك عليّ أنا الي أجي أستأذن وأعتبركم أوادم "
ثم نهضت بأناقتها المفرطة بالصباح
و هي تتحلى بالمجوهرات وطلاء الأظافر واللباس الخفيف البيتي والذي يُطبع عليه شعار إحدى الماركات باهظة الثمن …
وقالت بهدوء عن إذنك بطلع فوق ..
فسألتها أم سيف :- هو سيف راح دوامه اليوم ولا لا ؟!
ابتسمت رغد بداخلها و تذكرت تلك اللحظة التي أثارته بها قبل خروجه للعمل فلم يستطع مقاومتها ..
حسنًا ..!!
لو كان لديه عمل مهم ما كان ليستجيب لها و هي تستغل كل وقت يكونا به بمفردهما ..
فالحياة هنا أصبحت صعبة بوجود ثلاث توائم وخادمة في شقة صغيرة ..!!!
و أصبحت تعرف كل مفاتيحه حتى تكسبه وتكسب رضاه ..
آه ولكن الرجال مختلفين و تعرف الأسلوب الذي يجعله ينجذب إليها …
صحيح أنه عاقبها الفترة الماضية وحرمها من كل ما تحبه بسبب الفتنة التي أثارتها والدته فمنعها من التصوير أيضًا ..
ولكنها ليست بذلك الغباء لتتحدث عنهم أو تشتكي منهم أو تحاول أن تقلبه عليهم …
أو أن تغضب منه ..
بل كانت تجاريه بعقابه لها حتى عاد يلين معها من نفسه ….
فقالت بهدوء به بعض الصدق :- لا يا خالتي توه ما راح نايم عنده موعد مع وكيل بره المكتب ..
هزت أم سيف رأسها :- تمام قبل يروح خلّيه يمرني ضروري قبل يرجع سيّاف من المدرسة ..
أشارت باصبعها على عينيها بدلال :- من عيوني خالتي أبشري ..
وصعدت تتهادى أمام خالتها أم سيف ..
والأخيرة تشعر ببعض الغيظ منها و لكنها تصمت فهي لا تحبذ زرع بذور المشاكل ….
فقاطع شرودها صوت ابنتها غزل
تقول بقهر :- أقصّ إيدي لو ما تروح الحين تتدلع عند سيف عشان تسوّي الي تبغاه ..
ثم نظرت لوالدتها تتابع بغيظ أكبر :- شفتِ يمّة أمس على الغدا فتح لها علبة “ السفن أب “ عشان أظافرها توها مصلحتها ولا تخرب ؟!
ولا السيارة الي جابها لها عشان نجحت بأول ترم بالماستر ؟!
هذا لو تخرجت بجيب لها طيارة ..!!
تقققققهر ..
تأففت أم سيف بضيق ولكنها ردت بتشديد قاطع :- خلاص يا غزل ما لنا دخل فيهم يا بنتي بكيفهم زوجها و هو أدرى شلون يتعامل معها ..
وحتى لو اشتكت لسيف وعلمته ما يقدر يسوي شي دام الكل رافض ..
ثم قالت غزل بهدوء :- يمه صدق ودي أتزوج واحد مثل سيف يقول بي “ هه “ إذا ما هو مثل سيف ما أبيه .. ماشاء الله مثل الخاتم بإصبعها ..
فترد والدتها وهي من تستوعب وتفهم كل شيء حول أولادها وتعرف دواخلهم وتفاصيلهم فهي أقرب لهم كصديقة وليست كأم :- لا يغرّك الي تشوفينه يمه ولا تحسدينها على رزقن ساقه ربي لها .. الله يرزقك بالزوج الصالح الي يسعدك ويهنيك ..


***************


في الأعلى دخلت رغد لغرفتها وفتحت جزء من الستارة ليدخل ضوء الشمس الدافئ من النوافذ …
و اقتربت برقه من زوجها الرائع و النائم بعمق حتى توقظه بلمساتها الساحرة وصوتها الهامس بإسمه فيستقظ مبتسمًا على طلّتها المبهجة ..
يكره أن يوقظه أحد بالإزعاج و الصراخ لأنه سينهض و رأسه يؤلمه وهي دائمًا تحرص على راحته وقت النوم لأنها تعرف مقدار تعبه في العمل وخارج العمل ..
قال سيف بصوته المبحوح من ثقل النوم على جفنيه :- وراك مقومتني الحين ؟! حاط منبه باقي وقت للإجتماع ..!
شبكت ذراعيها على جذعه لتقول بنعومه لا تظهر إلا له وحده :- يا حبيبي وعمري أنت أنا ما أبغى شيء خالتي الي تبغاك تكلمها قبل يرجع سيّاف من المدرسة ..
عقد حاجبيه وهمس يهمهم :- هممم سيّاف يعني
فتكمل ما كان يود أن يقوله :- يعني أكيد مسوي مصيبة تبيك تحلها يا سند البيت أنت يا الي مافي أحد مثلك بالكون ..
تنهد سيف بقوة ثم قال بهدوء محرج من غزلها له حين تكون رائقة المزاج :- طيب وخري كوعك يا حبيبتي عورتيني ..
لتنتفض وتقول بنعومه تربت على جذعه :- آسفه يا عمري يلا قوم غسل و البس ثوبك لين أجهز لك فطورك ..
بالرغم أن لديها خادمة ولكن أي شيء يخصهما تفعله هي ولا تسمح لأحد أن يتدخل به ..
وبمجرد ذهاب الأطفال للمدرسة هذا الصباح ..
أرسلت الخادمة للأسفل عند خالتها حتى تتسلى مع العاملة الأخرى ريثما يذهب سيف للعمل ..
على طاولة الطعام ..
احتسى سيف رشفة من الشاي وسألها :- متى يرجعون العيال ؟!
فتتنهد رغد بحزن تشبك ذراعيها على الطاولة وتقول :- باقي الساعة 11 يرجعون ..
لاحظ سيف شرودها فسألها كأنه يقر واقعًا :- للحين متضايقة إني دخلتهم المدرسة ؟!
هزت كتفيها وهمست :- لا مانيب متضايقة بس غصبٍ عني أخاف عليهم تدري هم توائم ويشبهون بعض ويهبلون أخاف عليهم من العين وكل شيء ..
فيرد سيف بهدوء :- حصنتيهم ولا لا ؟!
أومأت برأسها بتأكيد :- كل يوم أحصنهم الحمد لله بس تخيل مرّة وديتهم المدرسة وشافتهم أم واحد من الأطفال و شهقت عساها الي ما نيب قايله هي وشهقتها … قالت لي تأشر عليهم هذوووول توأم ؟! لو تشوف عيونها ترتاع منها أنا جتني النفاضة من كلمتها صرت أقول المعوذات و أتفل من الروعة ..
ضحك سيف بمرح غمر روحه فهي خفيفه دم نوعًا ما و حين يتطلب الأمر فلم تكن جافه كالحطب أبدًا ..
فيقطع الحوار قائلًا :- خلاص أجل توكلي على الله دام حصّنتيهم ربي بيحفظهم ما يصير يا حبيبتي تقفلين عليهم بالبيت لا يشوفون أحد ولا أحد يشوفهم ماهوب في صالحهم لازم يختلطون بالعالم المهم نكون حريصين عليهم ..
غامت عينيها و قالت بقصد لحاجةٍ في نفسها فقط :- وش أسوي ؟! عشر سنين ننتظر هاذي اللحظة استودعتهم الله ..
أطبق سيف شفتيه و غرق بذلك الضيق القديم الذي يشطر قلبه ليقول بصوتٍ فاتر :- تعايريني يا رغد ؟!
تكورت شفتي رغد في تأوه صامت ثم انتفضت من مكانها و اقتربت منه فتعانقه بقوة وتقبله على وجنته بحب تنظر له وعيناها تحملان فيضًا من العتاب ..
قائلة :- الله يسامحك دايم تفهم غلط و بعدين معك يا سيوفي ؟! مستحيل أعايرك بهالشيء مهما صار .. لو يهمني الأطفال كان تركتك بالوقت الي اكتشفنا فيه الموضوع وما أعطيتني وقتها أي خيار غير الطلاق ..
نظرت بعمق عينيه الساحرتين و قالت بحب عميق :- بس أنت عندي أهم من أي أحد حتى من عيالنا المشاغبين ..
حسنًا هو يصدقها …..!!
لقد جن جنونها عندما قرر فجأة بلحظة ألم أن يطلقها و يفرط بها لتستطيع أن تنجب الأطفال من غيره فلا يضيع عمرها معه في الإنتظار ..
انتظار لم يكن يعلم كم سيدوم ؟!
ولقد كان عشر سنوات عجاف من الإنتظار ..
لطالما كانت تهتم به كثيرًا خلال عشر سنوات تحاول أن تخلق السعادة بينهما لتُنسيه هذا الوجع الذي ينخر عظامه فكان يدللّها ويعوضها عن هذا الألم لأنها تستحق الدلال …
هي حتى رفضت أن تخبر أحدًا بخصوصياتهم فلا أحد يعلم مِمّن هذه المشكلة …
ولكنهم يدركون أن هناك مشكلة ..!!
لقد كانا سندًا لبعضهما وهما يتحملان آلم بعضهما ..
الكثير كانوا يظنون أن سفرهم الدائم للسياحة أو الاستمتاع بالطبع هو كذلك ولكن أغلبه من أجل البحث عن العلاج ..!!
فيبقى بجانبها وتبقى بجانبه يواسيان بعضهما في نفق الأحزان
و لم يتوقفوا عن محاولة أن ينجبوا ولو طفلًا واحدًا فيكرمهم الله بثلاث دفعة واحدة ..
خاف أن يختفي هذا الإهتمام بعد ولادتها فتصبح مشغولة جدًا عنه فلا تلتفت له …
خاصةً أول أشهر كانت متعبة للجميع وتغيرت الحياة بزاوية مئة وثمانون درجة و كانت هي أكثر من تعب معهم ولم يكن ليلومها ..
ولكن بعد ذلك اعتادت و نظمت الوقت و عادت تهتم به و تحب تجديد الروتين بحياتهم …
دائمًا منفتحة ومتجددة بأفكارها وحركاتها اللذيذة و لا يذكر أنه شعر بالملل في حياته الخاصة معها ..
اقتربت منه رغد بخطى مدروسة و ماكرة تعانقه و ترسم بإصبعها دوائر على صدره ..
وهمست بخفوت رقيق و عميق :- نقدر نستغل الوقت دام ما في أحد بالبيت ونطلع مشوار لحالنا ؟!
لم يظهر تعبير معين على وجهه و لكن ضاقت عيناه في تأملها وزم شفتيه …
وهي تمط شفتيها ممعنة في التفكير الذي طرحته ..
فيرد بهدوء :- للأسف ما نقدر خلّيها يوم ثاني نطلع لحالنا المكان الي تبين …
الحين بشوف أمي وش تبي و ألحق الإجتماع ..
فتهز رغد رأسها بهدوء دون اصرار فهي تريد أمرًا آخر على العموم …
لتقول بخفوت وما زالت ترسم دوائر على صدره :- طيب يا حبيبي إذا ممكن دام إنه عرس أخوك قريب وش رايك تخلّي عرس الرجال بيوم و عرس الحريم بيوم .. هي نفس المصاريف بس اليوم الي بيتغير عشان تكون أنت فاضي وتجلس هنا مع العيال رح يجننوني في العرس ..
بدأت تتدلل أكثر لتردف :- يرضيك يا حبيبي أروح وما انبسط وأنا من زمان ما رحت عزايم ولا مناسبات عشان العيال ؟!
حتى سفر من لمّا ولدت من اربع سنين ما سافرنا مكان لحالنا مع أنه عندي أفكار كثيرة بجننك فيها إذا سافرنا مجهزة لك مفاجآت ..!!
ورفعت له عينيها المغويتين الماكرتين برجاء صامت ..
فيرتفع حاجبه بتفكير عميق و طالت لحظات الصمت يفكر بمفاجأتها وهو يصدقها بالطبع ..!!
و لكنه كان مشغولًا السنوات الماضية ومضغوطًا في عمله ..
لذلك قرر أنه ربما يحتاج بعد زفاف معن أن يرفه من نفسه و يسافر معها سفرة خاصة ..
ولن يخبرها الآن بل سيتركها مفاجأة لها فهي تحب المفاجآت على عكسه ..!!
ولا يجد إلا أنها محقّة أن تستمتع لبعض الوقت في العرس دون الأطفال فهما منذ البداية اتفقا على التعاون في تربيتهم والاهتمام بهم …
نظرًا لأنه انتابها الرعب حين اكتشفت أنهم ثلاث توائم وشعرت بالخوف فيطمئنها بأنه سيكون بجانبها …
فيعتقل خصرها يقبلها و يقول بحنان :- خلاص أبشري بشاور أمي ومعن ويصير خير ..
لم يرى ابتسامتها المنتصرة فالجميع يظن أنه كالخاتم في اصبعها ..
ولكن هذا غير صحيح فهي لم تعتبره يومًا خاتمًا حتى تخلعه وتلقيه في أي وقت …
هي فقط تعبت من تنفيذ الخطط والكثير من الكيد الأنثوي حتى وصلت لهذه المرحلة من الحب والتفاهم و الإنسجام بينهما ..!!!!


====================


صافح رداد معن بمودة قائلًا بنبرته الحادة :- يا هلا وغلا شرّفتنا يا عريس أي مساعدة و تجهيزات حنّا حاضرين ..
بيده الأخرى وضعها على رقبته ليتابع :- على ذا الرقبة ..
فيبتسم له معن واضعًا كفه على صدره :- ما تقصّر يا رداد العرس والتزاماته كلها جاهزة من مبطي و الحمد لله على سلامتك مرة ثانية ..
وذهب ليقبل رأس والد فرح مودعًا إياه …
رد رداد بهدوء رزين :- الله يسلمك في أمان الله ..
كانت فرح تتنصت عند الباب وتعضّ شفتيها بخجل و فور أن ودّع رداد زوجها حتى ركضت عتبات الدرج على إستحياء لشقة لطيفة ..
فرداد منذ مجيئه من المهمة لم يسمح لمعن بزيارتها نظرًا لاقتراب موعد العرس ..
و جلست على الأريكة تبتسم ابتسامه عريضة ..
دخل رداد بوجهه المتجهم ..
فتعبس فرح وقد التقطت عبوسه :- وش فيك انت ما هو على بعضك ؟!
فيرد بهدوء جاف تخلل صوته عواصف :- ما فيني شيء يا قليلة الحيا وش تسوين تحت عند الرجال ؟! على بالك ما حسيت انك فيه ؟!
فتتنهد لتقول متخصّره :- ما هو شايف كيف حال وجهك المصفوق ؟! تراني خابرتن البير وغطاه لو إنك مليونير كان قلت إنك أفلست وخسرت كل شي ..
هز رداد رأسه بقلة حيلة ونظر لوالدته المقبله عليهم فيقول :- شفتِ يمّه هاذي ما عاد في وجهها سحا يلا زين بنزوجها ونفتك منها ..
فتقول فرح تعبس بوجهها :- يا سلام وليش ان شاء الله تفتك أصلًا وش بتسوون بدوني بصير بيتكم بيت الأشباح و المكتئبين ..
زمت شفتيها وأردفت :- أعووذ بالله ..
ابتسم رداد ابتسامه صغيرة لم تصل لعينيه …
ثم رد يمد لها المفتاح :- فرح اطلعي لشقتي و شوفي جمب سريري في اكياس جيبيها وتعالي وانتِ ساكته ..
قفزت فرح لتنفذ ما قاله ثم عادت سريعًا تعطيه الأكياس التي عرفت ماذا يوجد بها فلن يخفى عنها اسم متجر المجوهرات ..
فيُخرج طقمًا من الذهب ويعطيه لها قائلًا بجلافة معتاده منه :- خذي هاذي هديه عرسك ….!!
ويخرج الآخر من الكيس فيعطيه لوالدته يُتابع باحترام :- وهذا لكِ يمّه عشان سلامتك وتلبسينه في عرس فرح ..
فلقد إستأذن والدته أن يُعجّل بزواج فرح بالرغم أن كسر ذراعيها لم يندمل حتى الآن لحاجةٍ في نفسه ..
ووافقت سريعًا ..
فقالت فرح تنظر بإنبهار للطقم :- ماشاء الله تبارك الله .. يجنن يا رداد صدق مرره يجنن و ذوق ..
ثم تابعت باللهجة المصرية اللذيذة :- بس يعني لو جبت معها حتة وردة ولا حتة شوكولاته .. كده يعني هدية ناشفة ..
عادت تتحدث بلهجتها توبخه بعتاب لطيف :- لين متى بعلّم وبفهّم فيك يعني ؟! ها لين متى ؟!
قلّدت صوته الحاد وطريقته الجافة بإعطاء الهدايا :- خذي هذا هدية عرسك .. يمّه هاذي هدية سلامتك ..!!
ضحكت لطيفة ببهجة فلقد عادت أيامهم الجميلة كما كانت دون أي أحدٍ غريب ينغص عليهم ..
ثم قرصت فرح على فخذها بأصابعها الظاهرة من الجبيرة ..
وقالت بعصبية زائفة :- انطمي واحمدي ربك جاب لك ولدي هديه عرس ولا هو ما هوب مكلف فيك خذي هديتك و نقطينا بسكوتك ..
صرخت فرح من قرصتها فقالت تعبس بوجهها تلمّح لرداد :- إيه أكيد ما هوب مكلف فيني .. مكلّف بزوجته وتاركها عند أهلها للحين بتكمل اسبوعين ..
امتقعت ملامح لطيفة ونظرت لإبنها وقد لاحظت تبلّد ملامحه ….
فقالت لطيفة رغمًا عنها لأجله و عليها أن تحاول التخطي :- إلا صدق ما هي ناويه ترجع زوجتك ؟! والثانية خلاص طلقتها ما عاد فيه رجعة ؟!
ثم دققت النظر لوجهه الحبيب منذ طفولته لم يكن يبتسم كان متجهم الوجه دائمًا و الابتسامه نادرة على شفتيه القاسيتين ..
لم يرى قبس السعادة والبسمة إلا مع زوجته التي اختارتها بنفسها و ها هي تنتزعها منه بكل قسوة بسبب افعالها ..
فيرد رداد باقتضاب :- ريناد خلاص طلقتها وقد هي طلبت الطلاق ..
فهو لم يخبر أحدًا بنيته و جاءت منها للطف الله به حتى لا يشعر بتأنيب الضمير ..
حتى موضوع زواجه الغريب لم يخبر به أحد رغم أن الفضول يتآكلهم …
ولكنه لا يستطيع التفريط بخصوصيتها أو كرامتها حين يعلمون أن خالها من عرضها عليه ..
فتدخلت فرح بشجن تنظر لرداد بعتاب :- وين ترجع فنار وهو ما كلف على نفسه يروح يجيبها حتى ؟! ما ظنتِ بترجع ..
للحظات بهتت ملامحه ثم لم يلبث أن عاد وجهه سريعًا لقناع الجمود وهو يقول بخفوت :- سوّيت الي عليّ وكلمتها كل يوم و عيت ترد للحين و أخرها سوّت لي بلوك في الواتس ..
ليتابع ببعض العصبية :- مانيب فاضي لحركات البزران .. هي راحت لأن أمها تعبانه بس تصير زينه بترجع من نفسها مثل ما طلعت .. عاد هي تدل الدرب …
أي جبروت هذا الذي تمتلكه الصغيرة ؟!
من أين لها كل هذا الاستبداد ؟!
لم تكن هكذا حينما استقبلته بعناقٍ طويل ومشتاق حتى تختفي بعده بساعات كالفراشة التي احترقت و انتثر رمادها ..
وكأنها تُذيقه رشفةً من العسل ثم تنتزعه عنه بنفس اللحظة بكل جبروت و يزأر جسده مطالبًا بالمزيد ..!!
زمت فرح شفتيها فأشارت بعينيها للطيفة أن تذهب وتتركها بمفردها مع رداد ..
تضايقت لطيفه ولكنها آثرت النهوض فهي ما زالت في طور العلاج وبالتأكيد ما ستسمعه لن يعجبها ..
ارتدت فرح قناع الجدية ..
و التفتت له وهي تفهم طبيعة تفكير فنار فتشرح له :- حبيبي يا رداد أدري إنك تضايقت من طلعتها و كنت تحتاجها عندك بس لا تلومها أبدًا و لا لك حق تلومها على أي حركة تسويها أو كلمة عتاب وزعل تطلع منها .. تراها مرررره كانت تعبانه و مضغوطه و خاصة من سالفه ريناد الي ماندري من وين طلعت ولا علمتنا ولا بررت وطلقتها ولا نعرف وش الي صار حتى ؟!
ولا خلّيت أحد يتكلم قلت خصوصيتنا واحترموها و إحترمناها ..
هي حتى ما تعرف إنك طلّقتها و يمكن ما تبغى تعيش حياه مزدوجة وتركت لك القرار عشان أنت الي تقرر تبغاها أو لا ؟!
نظرت فرح لعمق عينيه القاتمتين المتوهجتين في جوف الظلام يستمع بإنصات لكلامها ..
فهو لم يفكر بهذا العمق ..
هل تترك له القرار و هو قد اتخذه منذ أول مرة رأها بها كدميةٍ صغيرة ألبسوها لباس العروس لتصبح عروسه ..
فتسأله فرح بضجر :- رد على كلامي …!!
فتح شفتيه بغباء :- على وش أرد ؟!
تأففت بضجر :- هفففف تبغاها ولا لا ؟!
فهم الآن ليرد بعصبية :- وش ذا السؤال الغبي ؟! أكيد أبغاها ..
فتقول تضربه على كتفه :- أجل خلاص لازم تروح لها لبيت أهلها وتكلمها وتراضيها هناك و تتفاهم معها يا رداد ..
لتتابع بانفعال :- وبعدين معك ؟! البنت تبغى تشوف انك مهتم وتسأل عنها وتروح لها أكيد … ليتك ترجّعها قبل عرسي ودي أشوفكم مع بعض وأصوركم ..
فيقول بنفي قاطع وغاضب :- لا تصوير لا يا فرح ما تتصور فنار …!!
همست فرح بقنوط :- لا حول الله ولا قوة إلا بالله ..
نظرت له بهدوء ثم تابعت بذات النبرة :- لازم تكون رايق لو بتروح لها وتتفاهم أهم شي تتفاهم يا رداد ما يصير ذا الأسلوب كل شوي ترفض بدون أي سبب مقنع لازم تشرح لها السبب ويكون مقنع أكيد ما ألومها تهج منك المسكينة ..
تنهد تنهيدة عميقة خرجت من جوفه وزفيره كشرارات اللهب المنفلتة من حوله ..
لا يبدو أن المنارة هي من تُغيّره وحسب ها هي فرح ترتدي قناع الخالة المؤدبة الجادّة وتحاول تغيِّره أيضًا …
فتخرجه من بئر الماضي السحيق كذراعٍ طويلة تمتد له بحنان ليتواكب مع الزمن الحالي ..
فقال بهدوء يُحرّك حبات مسبحته ببطء :- إن شاء الله نشوف وش بصير ..
فترد فرح تنظر له بابتسامه :- متحمس إنك بتصير أب ؟! متأكدة إنك بتصير أحلى و ألطف وأحن أبّ ولو إنه طبعك شوي خايس بس بيتعدل مع الوقت
وأنا وراك وراك ..
ها هي تسأله عن عمق مخاوفه أن يصبح أب مسخًا كوالده …!!
ولكنه سعيد و سيتخطى ذلك كما تخطى الماضي فهذا الشعور بالتخطّي والمغامرة والتجربة هو ما دفعه للزواج ..
و يشعر بشعور يدغدع روحه طفلٌ صغير سيأتي ليُضيء لهم حياتهم ويملأ عليهم البيت بضحكاته وحركاته و صخبه ..
فيرد بإبتسامة جذابة هذه المرة قد ارتفعت لعينيه الحادتين :- إيه متحمس الحمدلله على نعمه .. وش تتوقعين ولد ولا بنت ؟!
فترد فرح بحماسها المعتاد :- هممم كلهم حلوين المهم يطلعون يشبهون فنار إن كان ولد ولا بنت …
عبس بوجهه ليقول بتجهم :- أفهمك لو البنت تبغينها تشبه فنار بس الولد صعبه يشبهها ..
فترد بكل صراحة :- لا يا حبيبي ما هيب صعبة نحسّن النسل ويصيرون يشبهون فنار ..
فيضربها ضربه خفيفة على رأسها هامسًا :- الله يعين معن عليك ما أدري متى تعقلين ؟!
فترد فرح ببراءة :- إذا صرت عاقلة و ساكته يقولون لي ليش زعلانه ؟! و أنا ما نيب زعلانه و الله حيرتوني .. لازم تشكروني وأنا أساعدكم و ألطّف الجو عليكم ..
حوقل رداد في داخله عدّة مرات ثم استمر يستغفر و هو يحرك حبّات سبحته بإنتظام …
ولقد شعر بالعدل في حياته فهو لم يخسر و لم يربح ..
لكن سيربح لا ريب عندما تقرر تلك الدمية الصغيرة العودة الى وكره ..


====================


أن تكون اللحظات أثمن من أن تضيع إحداها و يزأر العقل بذلك ..
ولكن المنطق يزيح العقل جانبًا في كل مرة …
فيقول هذا مستحيل وغير ممكن …!!!
هذه القصص لا تحدث إلّا في الخيال وفي المسلسلات والأفلام ..!!
وللأسف قد حدثت في واقعهم ببساطة لأن كل السُبل قد تيسّرت و لحظاتهم الثمينة ضاعت …
ضاعت و غاصت لأعمق نقطة في بحرٍ لا نهاية لإمتداده بسبب دناءة وخساسة امرأة حقيرة …
لا يسعه أن يقول عنها إلّا هكذا …!!
و في نفس الوقت يصيب العضلات وهن مصدره صدرٌ نازف ...
أصدر القلب بداخله الأوامر للساقين بأن تتساقط لوقت من الزمن ...
هذا ما كان عليه حاله و هو يجلس على الأريكة في منزله الفخم مستندًا بمرفقيه إلى ركبتيه و كفه قابضة على الورقة المتجعدة ..
عيناه تطوفان في شرود بالضياء من حوله ..
لكن الوهن الغريب كان يتسلل غادرًا لكل أعضاء جسده الرشيق ...
جحظت عيناه ثم نظر المُثنّى بنظراتٍ ميتة لوالدته التي تغلق فمها المرتعش بكفها وتبكي دمًا مُراقًا من عينيها ..
فبدا العالم يدور من حولها في دوائر صاخبةٍ مرعبة و غدرٌ مزق قلبها تمزيقًا و سكين شُحذت جيدًا وطعنت ظهرها ..
و كم تتمنى ان يكون كل ما حدث هو مجرد كابوس ..
كابوس فقط لا حقيقة له ..
جسدها كله يرتعش ويهتزّ من فرط الصدمة المتوقعة ..
نعم ..!!
فهي كانت تتوقع عندما أخبرته أنها باتت تشك من حركات أختها الغريبة التي تزداد غرابة في كل مرة ..
فالسنوات الماضية لم يكونوا على ذلك الوصال ..
لا يُطيلون البقاء في الوطن ويعودون لأمريكا سريعًا حيث عمل والده كدبلوماسي ..
أما هذه الفترة المتواصلة من بقائهم وعودتهم النهائية …
فكانت حركاتها واضحة جدًا …
مفضوحة جدًا ..
وبغيضة جدًا …
فالخوف الذي تشعر به أختها أميرة و يرتعش بداخلها كالغربال ..
هو السبب في فضحها وكشف أمرها و هي تحاول دائمًا إبعاد الغامد عنها لا تسمح أن يقترب منها للحظة ..
دائمًا تنفيه وتقصيه عنهم بكل ما استطاعت ..
حتى في المشفى عندما احترق لم تسمح لها ببقائها طويلًا ولم تسمح بزيارته بعد خروجه …
شبههم الكبير كونهم توأم بالشكل والحركات والتصرفات ..
والكثير من الأمور الأخرى …
التي كان المنطق فيها يزيح العقل المدرك ويتضمّن الوعي والتفكير جانبًا فلا يصدق هذه الحقيقة …!!
أختها من لحمها ودمها كيف ستفعل ذلك ؟!
ولكنها شكت وشكت حتى انفجر الشك في عقلها كقنبلة نووية ..
وأرادت أن تتأكد وحسب حتى ترتاح ..
فقد ظنت أن هذا الشبه بين الغامد والمثنى يعود لجينات العائلة ..
فزوجها وزوج أختها أقرباء بالدم ..
فصعقته والدته حين أخبرته أنها أخذت كوب العصير عندما قامت بزيارة الغامد آخر مرة لإجراء التحليل ..
وليتها ارتاحت ؟!
ما خافت منه قد حدث …!!
والغامد هو أخوه التوأم الذي يظن الجميع بأنه قد مات إذ به يتنفس معهم نفس الهواء و لكن بعيدًا عنهم …
نظر المثنى لوالدته يقول بصوتٍ ميتٍ لا حياة فيه :- وش بنسوي الحين يا يمه وش بنسوي ؟!
ابتلعت ريقها ونظرت له كشرارات اللهب وحدقتيها تتوهج ببريق خاطف للأنظار :- أول شيء بنمهد لأخوك يا المثنى ما أبغاه ينصدم مثلنا .. قلبي يتقطع عليه بس يعرف و أنت أبخص أخاف يصير فيه شيء مستحيل أسكت عن هالموضوع ..
بينما رفع المثنى كفيّه الى شعره بيأس و هو ينظر حوله كوحشٍ محتجزٍ في زنزانة …
كيف يهدأ ويمهد له وهو يشعر بالقهر ينهش عظامه وجلده ؟!
فيقول بصوتٍ متوحش وعيناه مظلمتان كالليل الحالك الأسود :- وخالتي الحقيرة وش بنسوي فيها ؟!
زفرت فاتن نفسًا حادًا مُحترقًا كالفحم لترد بصوت تخلّله إعصار :- خالتك حسابها عندي حسبي الله عليها ونعم الوكيل ..
حسبي الله عليها الله يحرق قلبها مثل ما حرقت قلبي كل ذا السنين الله يحرق قلبها ..
كانت تهتزّ للأمام والخلف وكأنها تهذي من فرط الصدمة التي اجتاحت خلاياها وعقلها لا يستطيع أن يستوعبها حتى الآن ..
عيناها المظلمتان تحدقان من حولها بجنون لا يزال بداخلها شعور مسعور يخبرها بأنها مجرد مزحة سخيفة …
ولكن تلك الورقة التي يمسكها ابنها هي دليل قاطع اختصرت بها مسافات من الشكّ ….!!
ثم لم يلبث أن رفع المثنى وجهه و قد أظلمت عيناه و انبثقت القوة المفقودة في جسده و هو ينتفض من مكانه كمارد …
قائلًا بصوتٍ مرعب :- يلا يا أمي إمشي بنروح نواجه خالتي و زوجها وخليه يعرف الكذبة و الخدعة الي خلّته يعيش فيها كل ذا السنين …!!
والله يصبرنا لين نمهد للغامد ..
ارتعشت فاتن في مكانها ولم تقوى على النهوض بينما يساعدها ابنها ليسندها إليه …
غافلان عن تلك العينين المتسعتين برهبةٍ عند السلّم وهي تسمع حديثهما …
وجسدها يرتجف كورقة في مهبّ الريح العاتية ..
وهي لا تستوعب أن الغامد أخيها ..!!!


====================


كانت أفنان تقف في مطبخ منزل عمها و تستند بكفيّها إلى ظهر الكرسي الذي يجلس عليه سعود حيث هي تقف خلفه ..
فيلعب بهاتفها وقد أعطته إياه لساعةٍ من الزمن لا أكثر فهي تعرف ضرر هذه الأجهزة على عقول الأطفال ..
فلا بأس إن أمسكه قليلًا بإتفاق بينهما فقد أصبحت تأتي كل يوم لمنزل عمها حتى تطمئن على أختها ريثما تعود إلى زوجها ..
فذهبتا معًا إلى الطبيبة النفسية لمرتين فقط ..
و منها تبدد شرود ذهنها و شوقها لذلك القاصي البعيد الذي يُجيد زراعة جذور قسوته ببراعة دون أن يسأل عنها فيكتفي بسؤاله عن الأطفال ..
فتقول أفنان تُحدّث سحاب بضجر :- وين رباب تجي تساعدنا ؟! صدق ما منها فود هالبنت الله يعين الي بياخذها بيتزوجها هي وجوالها ..
فترد سحاب بشرود وهي تعرك العريكة الجنوبية :- هذاكِ قلتيها ما منها فود في الصالة تهزأها جدتي كالعادة عشان تتسنع و هي أذن من طين وأذن من عجين …
فتضحك أفنان ضحكةً بلا مرح :- عاد الله يعينها جدتي مهما حاولت ما رح تقدر تعدّلها خلاص أبو طبيع ما يجوز عن طبعه ..
لم تلاحظ أفنان أن سعود قام بإتصال فيديو لطرّاد وقد أصبح يعرف لهذه الأجهزة أكثر من أفنان حتى
فيُحدّث والده يوميًا على علم من أفنان التي تجلس بجانبه و تحرص أن لا تظهر عبر الكاميرا ..
ان كان هو قاسي ومستبد لا يُريد التحدث إليها فهي أيضًا ستحرمه منها وقد أصبحت تعرف كم ينجذب لها فنظراته لم تعد تلك النظرات الغامضة و أصبحت تفهم ماذا يُواري خلفها من شغف ..
فهي لا تريده أن يراها عبر الهاتف ويعتاد عليها بعد ان طال الغياب ..
تريد أن ترى نظراته لها فور أن يراها في منزلهم ..
هل يشتاق إليها ويعذبه الشوق كما تشتاق إليه ؟!
أم لا ؟!
أما طرّاد فلقد أجاب على الإتصال مخمنًا أنه أحد أولاده هم من يتصلون به مكالمة فيديو ..
فتلك تعرف جيدًا أنه يرفض الحديث معها فلا تجرؤ حتى على المحاولة وكأن الأمر يعجبها ومرتاحة أكثر بهذا البُعد …
وفي غمره انشغال أفنان بالثرثرة مع سحاب لم تنتبه وتسمع سعود يتحدث مع والده ..
و سأل طرّاد إبنه عنها فهو يسمع صوتها الناعم “ يُلعلع “ بحماس ..
فيمُدّ سعود الهاتف نحو السقف فيلوح لطرّاد “ اللغلوغ “ في الأفق و هي تقف خلف ابنه الجالس على المقعد ….
و تتحدث قائلة بمرحٍ لطيف :- إيه يا سحاب أنتِ فنانه طبخ إرسلي لي وصفات صحية ولذيذة ما أبيها ماصخة لازم أتعلم كم طبخة صحيّة قبل لا يرجع بعلولي من السفر عاد هو ما ياكل إلا أكل بط وبغبغاوات …
كتم طرّاد شهقته المصدومة الصامتة و لكن لم يستطع منع اتساع حدقتيه ..!!!
“ بعلولي “ ماذا تقصد ؟!
“ بط وبغبغاوات “ ؟!
هل تسمي طعامه الصحي هكذا ؟!
لا تعرف أفنان ما الذي جعلها تخفض رأسها حتى تطمئن على سعود وماذا يُشاهد ؟!
فتفتح فمها بذهول وهي ترى صورة طرّاد وشعره الأسود الداكن ينسدل على جبينه بجنون همجي ..
ويرفع حاجبه بشدّة وفمه القاسي مشدود دلاله على أنه سمع ما قالته للتوّ ..!!
ابتلعت ريقها وابتسمت إبتسامة عريضة مُحّرجة …
فتختطف الهاتف من يد سعود وتغلق الخط في وجهه بتهور ..
ولكن هيهات هل تركها وشأنها ؟!
فعاد ليتصل إتصالًا عاديًا ..
تمنت أن تتجاهل الإتصال بسبب إحراجها …
فترد بخفوتٍ عذب و بُهتان :- ألو آسفه سكّرت بوجهك ما هو قصدي …
فهي تقصد وتقصد وتقصد ..!!!
تجاهل إعتذارها وهو يعرف لماذا تعتذر فيقول يُراوغها بمكر :- أجل أكلي أكل بط وبغبغاء ..!! هااا ؟!
فتجيب بصراحة لذيذة ووجهها مُحمّر بحرج :- ما هو كله .. بس العلب الي كانت في المطبخ إيه أكل بط ابحث بجوجل وشوف بنفسك ..
ارتفع حاجبيه من جرأتها ها هي المتبعثرة تعود مجددًا لطبيعتها معه ..
ولا يعرف ما الذي تريده منه ؟!
ما الذي تريدينه أيتها الأميرة ربانزل ذات الشعر الطويل ؟!
باتت تُشعره بالحيرة و الارتباك كثيرًا ..!!
ولكن هذه المرة لن يسقط بالفخ للمرة الثالثة ..
يخاف أن ينظر إليها فيضيع أثناء النظر ..
ويخاف أن ينظر إليها فينسى الدنيا والزمن ..
فيُجرح مرارًا وتكرارًا وقد تعب …
تعب كثيرًا من هذه الحرب الضارية بينهما ..
فيرد بإقتضاب جاف :- بس أرجع نتفاهم يا أفنان ..
أغلق الخط قبل أن تسأله بغصّة متى ستعود ؟!
لقد أضناها الإشتياق إليه ..
و أتعبها الفراق …
و أتعبتها الحياة …
تريد أن تصرخ وتخبره بكل شيء علّها تجد الراحة كما قالت لها الطبيبة ..
المواجهة هي الحل ..!!
ولكن هل حقًا هي الحلّ فتجعله ينسى نفورها الشديد منه والغير مقصود
وقد جرحته بالعُمق ؟!!


****************


كعادتها الجدة كل يوم في هذا الوقت تقوم بقراءة أذكار المساء بعد أن صلّت المغرب ..
وضايقها وجود رباب تنظر لهاتفها بنهم دون أن تتركه من يدها للحظة أو تشتت عينيها عنه ..
وقد أسر هذا الهاتف عقول الكبار قبل الصغار حتى ..
فيسبب المشاكل و الكثير من المنغصّات …
وشتت العائلات فكل فرد من العائلة في يده هاتف ..
يجعل النساء يهملون بيوتهم و أطفالهم ..
والرجال يدمنون الوحدة فلا أنيس له إلا الهاتف
و لا ينظرون لبعضهم ولا يتحدثون مع بعضهم ويتركون الأمور و مشاكلهم تسبح وتسري كما تشاء وتشتهي السفن حتى تغرق ..
فتذهب السكرة وتحلّ الفكرة ..!!
إلّا من رحم ربِ فيستطيعون الموازنة واستغلاله لصالحهم ..
ضربتها الجدة بعصاتها على خصرها قائلة بوجه عابس تخلّله الغضب :- وبعدين معك يا الرفلة ؟!
ورى ما تقومين تساعدين بنات عمك بالمطبخ … يشتغلون لحضرتك ..
صدق الله يعين الي بيتزوجك بيحذفك علينا من اول شهر ويقول خذوا بنتكم سنّعوها …!!!
تأوهت رباب بألم وتنظر لجدتها قاطبة حاجبيها ..
وتقول بفمّ ممطوط وصوتها به الكثير من الجدية فهي تعرف ماذا تريد :- عاد الله أكبر يا الزواج ما نيب متزوجة إلّا واحد مطنوخ يجيب الخدامة والسواق قبلي للبيت ..
غضبت الجدة من أفكارها الغبية و لكنها سألتها بفضول :- أموت وأعرف انتِ وش تسوين بذا الجوال ؟!
فتتحمس رباب قائله :- كل شيء أسويه أتفرج و أتصفح و أكتب و أرسل البلا حتى هواياتي صارت من ضمنه وشغلي كله عليه بالتصميم ..
و بقول لك الحين وش أسوي وما رح تصدقين الي تشوفينه بس لا تعصبين عليّ ترى صدفة الموضوع ما هو قصدي أتجسس على أحد ..
أثارت فضولها كثيرًا وقالت الجدة بتوجس من حديثها :- قولي .. قولي .. شكله ما من وراك إلا المصايب والبلا …!!!
فتتحمس رباب أكثر قائله :- هذا يا جدتي المزيونة يقولون دايم الغامد يشبه المثنى ولد خالتي و أنا ما صدقت يعني ما أشوفه إلا وين وين و ما هو ذاك الشبه بس شبه طفيف بالغامد بما إنه قريبنا ….
هزت الجدة رأسها فهي أيضًا تسمع بذلك و لم تعره الكثير من الإهتمام …
فالله يخلق من الشبه أربعين فما بالها وهم أقرباء بالدم من جهه الأب و الأم ..
كما يخلق من الصوت أشباهٌ أربعون ..
ولكن و الآن وهذه “ الرفلة “ تتحدث عنهم انتابها الفضول أكثر ..!!
فتتابع رباب بتركيز وتضرب كفيها ببعضهما كصفقة وكأنها اكتشفت سرًا :- عاد و أنا أتفرج بالانستغرام بحساب أخوي الغامد إلا أطيح بحساب المثنى …
اتسعت عينيّ رباب فتتابع كمن يروي قصة مثيرة :- وانصدمت وارتعت والله من الشبه يوم كبروا كلهم ..
فتقول الجدة تلتقط نظارتها من جانبها :- جيبي أشوف ..
و لا تعرف لما انتابها شعور بالتوجس والقلق ..
فتعطيها رباب الهاتف وهي تضحك لأن أسلوبها القصصي أثار الجدة حتى ترى الصور ..
ارتاعت الجدة من هذا الشبه و شحب وجهها و زاغت عينيها و أعادت الهاتف لرباب التي نهضت خوفًا أن تقوم الجدة بتوبيخها أكثر كالعادة ..
بينما كانت الجدة غارقة في بؤرة عالمٍ آخر قبل ثلاثون عام وأكثر …!!
نعم..!!
كانت مريضة آنذاك …
وتتذكر جيدًا حديث أميرة عن حملها بالطفل وأن حملها ضعيف قد يموت الطفل بأي لحظة ..!!
ولكن بعد أن أنجبت هي وأختها في نفس الليلة القاتمة الممطرة بغزارة ..
حتى شعرت الآن بقطرات المطر هذه كالسكاكين تهبط على قلبها و في هذه اللحظة ..
كانت قد اطمئنت أن ابن ولدها محمد بخير وقد عاش عكس ما قاله الأطباء ..
فلم تهتم بالسؤال بعد ذلك رغم تصرفات أميرة الغريبة في ذلك الوقت والخوف الذي يرتسم على ملامحها ..
لم تدرك الجدة آنذاك ولم تتوقع و لقد عرفت أن أختها فاتن قد أنجبت توأم مات أحدهما ..!!
هل من الممكن أن يكون ؟؟!!
لم تشك بذلك مطلقًا فأميرة علاقتها جيدة مع أختها لن تطعنها في ظهرها بهذا الشكل القاتل ..
لم تشك إلّا في هذه اللحظة حينما رأت الشبه بين الغامد والمثنى ..
ففي صغرهما لم يكونا يشبها بعضها لهذا الحدّ ..!!
وما زال الشك يراودها ..
لن ترتاح هذا اليوم ولن يهنأ لها بال قبل أن تعرف الحقيقة وتطمئن ..
هناك حل واحد فقط حتى تتأكد أن تسأل تلك القابلة التي قامت بتوليدهما ..
فما زالت تتواصل معها لأن حفيدها يرعى حلالها في القرية ..
اتصلت عليها و بعد فترةٍ من الشد و الجذب أغلقت الجدة الهاتف و قلبها يرتفع وينخفض بصدمة هائلة ..!!
وكأنها صاعقة رعدية مجلجلة بين السحب قد أصابت قلبها …!!
فهبّ اعصار دمّر كل ما حولها وبقت شاخصة بالفراغ ..
لقد سألتها الجدة بشكلٍ صريح لتجيب القابلة بذعر ودموعها هماليل …!!
هل تذكرت الآن الله وعقابه ؟!
هل تذكرت الآن ضميرها الميّت منذ سنوات ؟!
وكأنها تنتظر أن يسألها أحد فتجيب ليقع هذا العبء عن عاتقها ؟!
قاطع شرود أفكارها دخول أميرة وكأن المغناطيس جذبها إليها عنوة في الوقت المناسب …
كانت أميرة تنهت ببطء وتعب وقد أنهت أعمالها المتراكمة فتلحظ وجود الجدة ..
تجلس بتصلب وكفها المتشنجة تقبض بقوة على عُكّازها الذي يقف أمامها كالمسطرة …
و عينيها شاخصتان أمامها من فتحات البرقع …
فانتابها الهلع أن تكون مريضة ..
فاقتربت تريد أن تلمس كتفها ..
فتصفعها الجدة بعنف تبعد يدها عنها قبل أن تلمسها ..
و تقول بشراسةٍ غاضبة والشررّ يتطاير من عينيها من خلف فتحات البرقع :- لا تلمسيني يا الوسخة ..
شهقت أميرة بقوة فهذه المرة الأولى التي تتحدث بها الجدة معها بهذه الطريقة الغير محترمة والمدججة بالغضب ..!!
و ظنّت أنها جنّت ..
فتقول أميرة بتوجس من حالها :- بسم الله عليكِ يا خالتي وش بلاك ؟! فيك شيء ؟! تعبانه ؟!
لو أنها أشعلت نارا في غابة لم يكن ضوءها ليماثل اشتعال الغضب في عينيّ الجدة في تلك اللحظة التي قالت :- ترى عرفت كل شيء و لا عاد تقدرين تنكرين مهما حاولتِ عبالك الموضوع محد بيدري فيه و أنتِ الي من الأساس فاضحة نفسك بنفسك وحركاتك من يوم جت خيتك ..
ابتلعت أميرة ريقها بصعوبة وصمتت ..
لتتابع الجدة :- عرفت أن الغامد ما هو ولدك يا أميرة يا بنت الحمايل ….!!
هو أكيد توأم المثنى الي خطفتيه من أختك بلا إحساس ولا ضمير ..!!
رفعت الجدة هاتفها فتتابع بذات نبرة الغضب العميق في آخره جذوة تتوهج :- مكالمة وحده بس مع القابلة الي ولّدتكم كانت تكفي أعرف منها كل شيء .. حسبي الله عليك ونعم الوكيل من مرة ما في قلبك ذرّة رحمه و انسانية …
ولد أختك ؟! تخطفين ولد أختك ؟! وين عايشة أنتِ ؟! بأي زمن ؟! على بالك الدنيا سايبة ؟!!!!
لم تكن تدرك أن صوتها يرتفع بانفعال تدريجي وتنهت بعذاب مع كل كلمة تخرج من فمها كالزبد الذي يخرج من فم الميّت ..
فلقد قتلتها حركتها القذرة وهي تختطف طفلًا من حضن والدته …
دون أي وجه حقّ …
بهت وجه أميرة وشحب و كأن الدماء انسحبت من وجهها …
حتى أصبح كالملاءة البيضاء يُحاكي بياض الكفن ..
شعرت أنها طوال هذه السنوات الثلاثون وكأنها تسير على حافة وادٍ سحيق كالسراط المستقيم تحاول أن تتوازن فلا تسقط في جوفه الغائر …
و نجحت ..!!
أكثر من ثلاثون سنه نجحت ..
وها هي الآن تخرّ صريعة و تسقط في هوةٍ منعدمة الجاذبية و تحتضر ..!!
ساد صمتٌ مُريع يُسمع بها دويّ المسمار لو سقط أرضا ..
ثم سمعا فجأة صوت شهقةٍ عالية و خشنة متحشرجة ...
تكاد ان تكون صرخةً كهزيم الرعّد قد شقّت سكون المكان ..
فاستدارت كلٌ من أميرة والجدة نحو الصوت فتتسع عيناهما ذهولًا …!!
لقد كان آخر شخص توقعا رؤيته هنا …
الغامد ..!!
ابتلع الغامد غصة مسننة بحلقة مزّقت حنجرته و هو يقول بصوتٍ خشن متحشرج باختناق غاضب ..
و غاضب جدًا من هذه السخافة التي يسمعها وعينيه مستنكرتين غير مصدقتين :- وش ذا الخرابيط الي تقولونها ؟!
لا يصدق ما يسمعه ..!!
لا يصدق ……!!
هل العقل تغلّب على المنطق ؟!
لطالما كان يشتم رائحة ما تخفيها والدته وكان يعرف ..!!
يعرف أن هذه الرائحة ستفوح يومًا …
لكنه لم يتوقع قطعًا أن تكون الرائحة قذرة بهذا الشكل المريع ..
نعم كان يتخطى العقل دائمًا في كل مره يكبر بها فيزداد شبهه بأخيه أكثر و أكثر نظرًا لتلك القرابة المرتبطة بالدم ..
ولكن لم يصدق ولا للحظة واحدة أن والدته قد تفعل ذلك ؟!
فهذا لم يكن المنطق أبدًا و من غير المعقول ..
قصص كهذه غير موجودة إلّا في الحكايات الخيالية ..
عاد الصمت الرهيب يحّتل المكان مجددًا
بينما سؤاله يتردد في الأرجاء كصدى يبحث عن الجواب الذي قرأه بعينيها المرتعبتين …
تلك من تكون خالته في الحقيقة ..!!
أغمض عينيه وهو يشعر بالجدارن تطبق على صدره فجأة وتكتم أنفاسه ...
هدير فظيع اندلع بأعماقه و تعالى ضغط دمه حتى بدا كالمطارق في أذنيه ...
لم يعلم الى متى ظل واقفا مكانه مسمرًا و مغمض العينين يجد صعوبةٍ في التنفس حتى بصورةٍ طبيعية …
التقط أنفاسه وجسده الضخم يرتجف بشدة ليصرخ كما يزأر النمر المرقط :- ليييش ؟! ليش سوّيتِ كذه و أخذتيني من هلي ؟!
سرت رعشة هلع لأوداجها من صوته المرعب الذي تسمعه بهذا الشكل للمرة الأولى في حياتها ..
ولا مجال للإنكار و كل شيء واضح فهمست وفمها يرتجف وعيناها زائغتان وقد تجمع داخلهما فيضان من الدموع :- تكفى أهجد واسمعني وقتها مات ولدي و كنت متضايقة و لا قدرت أفكر زين ما لقيت نفسي إلا باخذك و أخمك لصدري وأربيك مثل ولدي ..
ادري ما لي عذر بس هذا الي صار وندمت و الله ندمت بس ما اقدرت أتراجع وقد مرّ الوقت ..
ضحك ضحكة مختنقة ساخرة بعيدة عن المرح ..
ضحكة غير مصدقة :- عشان ذا السبب التافة تاخذيني من هلي وتمنعيني عن شوفتهم ؟!
على بالك ما لاحظت هاذي الفترة وأنتِ تبعديني عن أمي وعن أخوي ؟!
فهي السبب التي فضحت نفسها منذ البداية ..
لينظر لجدته التي وقفت على قدميها ترتعش من هول الموقف فلم تتحمل الجلوس منذ دخوله المفاجئ على حين غرّة ..
وهمس بصوتٍ مختنق :- وجدتي وراه ما تخليني أشوفها وأحبّ على يدها أو راسها ؟!
بينما أظلمت عيناه بشدة و قد تحول الانقباض بصدره الى وحشٍ يفترسه وهو يتذكر أخته أيضًا ….
فتأوه بداخله بشدة حتى كاد يفترس نفسه و سمح لتأوهه أن يخرج للحياة ….
قائلًا بصوتٍ خطير و عينان متسعتان بذهول
مخيفتان بجنونهما :- و أختي … أختي الي من لحمي ودمي خطبتها وكنت أبيها زوجه حتى ذا الموضوع ما خلّاك تفكرين تعلميني الحقيقة ؟!
لو إني أصريت عليها وقلبي تولّع فيها ؟!
وش كنتِ بتسوين ؟!
ليصرخ الجملة الأخيرة بقهر مزق قلبه الملكوم ..
يالله …!!
يا الله لطفك ..
كم يشعر أنه في كابوس لا يعلم متى يستيقظ منه ..
وضع كفيه على رأسه مذهولًا مرتاعًا …!!!
وصداع شديد اجتاح خلايا عقله ودماغه كان يشعر بالعالم يدور من حوله في دوائر مجنونةٍ صاخبة ...
ذات صراخٍ عالٍ مؤذي ..
أما أميرة فكل نفسٍ تسحبه كان يبدو كالسكين المشدود بوتر ينحر قلبها و هي تراه بهذا الحال لأول مرة ..!!!
فقالت بصوتٍ مهتز والدموع تنهمر من عينيها بانهيار لم تستطع مقاومته لتصعقه وتصعق الجميع :- الجدة ما هي حليلتك عشان كذه ما خليتك تشوفها وتحبّ على راسها أو يدها ..
ابتلع ريقه بصدمة وشعر بإرتجافه تبدأ من اصابع قدميه فتشتد الإرتجافة وتنتقل لساقيّه الصلبتين فيقول بصوتٍ مذهول وشفتين منفرجتين بصدمة :- يعني إنتِ بعد ما رضعتيني ؟!
فوق ما أنتِ معيشتني بكذبه كبيرة معيشتني بالحرام بينكم ؟!
فصرخت أميرة ودموعها تزداد و تسيل كالأنهار على صفحة وجهها المجعد من شدّة ضغطها :- لا .. لا لا تقول كذه رضعتك ..
والله رضعتك و أنت ولدي و روحي و رباب أختك و محمد أبوك بالرضاعة ..
ليصرخ بجنون وهذيان وعيناه حمراوان من شدة الانفعال و الغضب و الألم الذي يشعر به في قلبه :- طيب ليش تحرميني من جدتي ؟! ليش ؟!
رفعت الجدة رأسها بخيلاء و الآن فقط فهمت السبب ..
فالغبية أميرة لا تعرف أنها أيضًا تكون جدته من الرضاعة …!!!!
فتقول بصوت يهدر ويشقّ عنان السماء الملبدة بالغيوم الباهتة و الرمادية توشك على اندلاع إعصار من جوفها ..
إعصار سيحطم كل شيء من حولهم ولن يعود كما كان :- لأن السروق جاهلة بالأحكام الشرعية و لا تدري إني بحكم جدتك بالرضاعة ..
فالحة تسرق الصغار و لا تحسب حساب لبعدين و لا في المستقبل ..
هزّ الغامد رأسه دون تصديق من هذا الكابوس الذي يعيشه في هذه اللحظة …
كابوس ..
لابد أنه كابوس و سيستيقظ لا ريب …
أنفاسه تهدر من صدره بلا هوادة و لكنه همس ببطء ميت وصوت كالجثة الهامدة :- ما رح أسامحك بحياتي كلها أقسم بالله العظيم ما رح أحلّلك .. الله يحرق قلبك مثل ما حرقتي قلبي وحرقتي قلب أمي عليّ ..!!
أطرقت أميرة رأسها و شعرت بدعواته تحرقها كالنار في الهشيم ..
فلقد انتهى كل شيء و لا مجال للعودة للخلف ..
كان الغامد قد اندفع الى الباب الخارجي
و هو يشعر بالجنون يتضاعف أمام عينيه الحمراوين ...
متنفسًا بسرعة لاهثاً من شدة العنف بداخله ...
ثم استدار حول نفسه بجنون في ساحة الديار و سبحان من مكنّه من السيطرة على نفسه ..
كيف استطاع كبح جنون ما شعر به في تلك اللحظة في الداخل ...
لقد شعر بأنه على وشك أن يقتلها ..
و يحطم اضلعها بين أصابعه حتى تصير فتاتًا تذروه الرياح على ما فعلته به ..
على هذا الظلم الذي جعلته يعيشه كل هذه السنوات بعيدًا عن عائلته ..
على قلب والدته المحترق و هي تظنه تحت التراب ..
مسّد الغامد جبينه مسبلًا جفنيه بقوة هائلة على عينين حمراوين تحاربان بضراوةٍ الدموع التي ظلت حبيسة قلبه بكرامةٍ رجولية ..
ثم أطرق برأسه وهو يضع يديه في خصره يسند وزنه الضخم و يتنفس بصعوبة ...
و كأن كل نفسٍ من أنفاسه كان يشق صدره مخلفًا جرحا غائرًا …
و كل نفس يغادر رئتيه كان حادًا كسكين و بدا تنفسه كشهقات متتابعة بإختناق ..
يريد الفرار ..
لكنه لا يملك القوة على دفعه بل يختنق كما يختنق غاز ثاني أوكسيد الكربون ...
وصوت صرخته المعذبة تشقّ عنان الفراغ ما بين الأرض و السماء …
الذي يشقّ السكون فيغرق صوته بين أصوات الرعد ..
والألم الشديد يكتنز صدره ..!!
ألم شديد يشعر به داخل صدره الذي يضخ الدم لأوردته ..
شعر بالدوار وشعر بمعدته تتمزق من الغثيان الذي اجتاحة ..
فيشعر أنه ينجرف مع التيّار و يسحبه للأسفل قسرًا و رمال البحر تبتلعه فيختنق بها ..
فينظر بعينيه الزائغتين إلى ابن خالته وصديق روحه ..
لا ..لا حتى هذه كذبة بل هو أخيه و توأمه …
وقد بدأ يفقد الرؤيا ليغرق في جوف الظلام الدامس شاحب الملامح ..
وقد همد جسده تمامًا …!!!


.


.


انتهى الفصل

*********************



التعديل الأخير تم بواسطة **منى لطيفي (نصر الدين )** ; 29-01-24 الساعة 08:35 AM
Aurora غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:50 AM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.