آخر 10 مشاركات
دموع تبتسم (38) للكاتبة: شارلوت ... كاملة ... (الكاتـب : najima - )           »          مواسم العشق والشوق (الكاتـب : samar hemdan - )           »          323-ضاع قلبها -دارسي ماجوير -(كتابة/ كاملة) (الكاتـب : Just Faith - )           »          جئت إلى قلبك لاجئة *مميزة ومكتملة* (الكاتـب : آمال يسري - )           »          هذه دُنيايْ ┃ * مميزة *مكتمله* (الكاتـب : Aurora - )           »          عطش السنين ـ رينيه روزيل ـ 464 ( عدد جديد ) (الكاتـب : ^RAYAHEEN^ - )           »          24 - سجن العمر - جيسيكا ستيل ( إعادة تنزيل ) (الكاتـب : * فوفو * - )           »          لقاء الخريف / الكاتبة : طرماء و ثرثارة ، كاملة (الكاتـب : taman - )           »          2- أصابعنا التي تحترق -ليليان بيك -كنوز أحلام(حصرياً) (الكاتـب : Just Faith - )           »          تائــهــة في عتمتـك (الكاتـب : نسريـن - )


العودة   شبكة روايتي الثقافية > قسم الروايات > منتدى قصص من وحي الاعضاء > الروايات الطويلة المكتملة المنفردة ( وحي الأعضاء )

Like Tree37Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-06-18, 04:07 PM   #191

mayna123
 
الصورة الرمزية mayna123

? العضوٌ??? » 365675
?  التسِجيلٌ » Feb 2016
? مشَارَ?اتْي » 2,279
?  نُقآطِيْ » mayna123 has a reputation beyond reputemayna123 has a reputation beyond reputemayna123 has a reputation beyond reputemayna123 has a reputation beyond reputemayna123 has a reputation beyond reputemayna123 has a reputation beyond reputemayna123 has a reputation beyond reputemayna123 has a reputation beyond reputemayna123 has a reputation beyond reputemayna123 has a reputation beyond reputemayna123 has a reputation beyond repute
افتراضي


اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ريبانزيل مشاهدة المشاركة
هذا ظنها لكن هل سيكون صحيحاً
i wish nooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooo oooooooooooooo


mayna123 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 22-06-18, 05:38 PM   #192

ريبانزيل

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية ريبانزيل

? العضوٌ??? » 353483
?  التسِجيلٌ » Sep 2015
? مشَارَ?اتْي » 5,383
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
?  نُقآطِيْ » ريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
I have hated the words and I have loved them and I hope I have made them right
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة mayna123 مشاهدة المشاركة
i wish nooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooo oooooooooooooo
me tooooooooooooooo


ريبانزيل غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 22-06-18, 09:43 PM   #193

ريبانزيل

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية ريبانزيل

? العضوٌ??? » 353483
?  التسِجيلٌ » Sep 2015
? مشَارَ?اتْي » 5,383
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
?  نُقآطِيْ » ريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
I have hated the words and I have loved them and I hope I have made them right
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 3 والزوار 0)
‏ريبانزيل, ‏قمر الليالى44, ‏ansam elmalah


ريبانزيل غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 22-06-18, 09:44 PM   #194

قمر الليالى44

مشرفة اسرة حواءوذات الذوق الانيق وفراشة متألقة،ازياء الحب الذهبي ..طالبة مميزة في دورة الخياطة جزء1وأميرة فستان الأحلام ولؤلؤة بحر الورق وحارسة وكنزسراديب الحكايات و راوي القلوب

alkap ~
 
الصورة الرمزية قمر الليالى44

? العضوٌ??? » 159818
?  التسِجيلٌ » Feb 2011
? مشَارَ?اتْي » 18,208
?  مُ?إني » فى القلب
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » قمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   fanta
?? ??? ~
ياقارئا خطي لاتبكي على موتي فاليوم أنا معك وغداً في التراب فإن عشت فإني معك وإن مت فللذكرى وياماراً على قبري بالأمس كنت معك واليوم في قبري أموت ويبقى كل ماكتبته ذكرى فيا ليت كل من قرأ خطي دعا لي
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

غابريل وصراعه بين غقله وقلبه وامره للونا بالرحيل فهل سترحل ام ستبقى ?
والد لوناعلامة استفهام كبيرة?????
ماعلاقته ????وما الحقيقة???? ولماذا لايخبرون لونا الحقيقة؟
دافيد شخصيته محببة ومختلف عنهم وقدارتاحت له لونا
كارلوتا تكره لونا وتريدها ان تذهب وتتالم لاجل غابريل
يبدو ان عائلة غابرييل ثوار كمافهمت وخصصا والده
بانتظار الفصل القادم
يسلمووووو


قمر الليالى44 غير متواجد حالياً  
التوقيع





رد مع اقتباس
قديم 22-06-18, 09:45 PM   #195

قمر الليالى44

مشرفة اسرة حواءوذات الذوق الانيق وفراشة متألقة،ازياء الحب الذهبي ..طالبة مميزة في دورة الخياطة جزء1وأميرة فستان الأحلام ولؤلؤة بحر الورق وحارسة وكنزسراديب الحكايات و راوي القلوب

alkap ~
 
الصورة الرمزية قمر الليالى44

? العضوٌ??? » 159818
?  التسِجيلٌ » Feb 2011
? مشَارَ?اتْي » 18,208
?  مُ?إني » فى القلب
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » قمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond reputeقمر الليالى44 has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   fanta
?? ??? ~
ياقارئا خطي لاتبكي على موتي فاليوم أنا معك وغداً في التراب فإن عشت فإني معك وإن مت فللذكرى وياماراً على قبري بالأمس كنت معك واليوم في قبري أموت ويبقى كل ماكتبته ذكرى فيا ليت كل من قرأ خطي دعا لي
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 3 والزوار 1)
‏قمر الليالى44, ‏ريبانزيل, ‏ansam elmalah


قمر الليالى44 غير متواجد حالياً  
التوقيع





رد مع اقتباس
قديم 25-06-18, 01:13 AM   #196

ريبانزيل

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية ريبانزيل

? العضوٌ??? » 353483
?  التسِجيلٌ » Sep 2015
? مشَارَ?اتْي » 5,383
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
?  نُقآطِيْ » ريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
I have hated the words and I have loved them and I hope I have made them right
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قمر الليالى44 مشاهدة المشاركة
غابريل وصراعه بين غقله وقلبه وامره للونا بالرحيل فهل سترحل ام ستبقى ?
والد لوناعلامة استفهام كبيرة?????
ماعلاقته ????وما الحقيقة???? ولماذا لايخبرون لونا الحقيقة؟
دافيد شخصيته محببة ومختلف عنهم وقدارتاحت له لونا
كارلوتا تكره لونا وتريدها ان تذهب وتتالم لاجل غابريل
يبدو ان عائلة غابرييل ثوار كمافهمت وخصصا والده
بانتظار الفصل القادم
يسلمووووو
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة قمر الليالى44 مشاهدة المشاركة
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 3 والزوار 1)
‏قمر الليالى44, ‏ريبانزيل, ‏ansam elmalah
سلامي لقمري المضيئ قمر الليالي ....اصعب الصراعات هي ان يتنازع القلب والعقل في جسدنا لكن في ميدان الحب الغلبة للقلب دوماً ....
ولد لونا سرٌ سيبقى لنهاية الرواية قد يستطيع البعض ان يستشف الحقيقة لكنها ستظل مبهمة حتى تكتشفها لونا بنفسها
عائلة غابرييل هي ببساطة نموذج البلد المصغر بكافة اطيافه وتناقضاته ....في الفصول القادمة سينعيش معها اكثر لنعرف عنهم اكثر ....
شكراً ثانية للمتابعة


ريبانزيل غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 26-06-18, 12:15 AM   #197

إنجى خالد أحمد

نجم روايتي

alkap ~
 
الصورة الرمزية إنجى خالد أحمد

? العضوٌ??? » 156140
?  التسِجيلٌ » Feb 2011
? مشَارَ?اتْي » 6,041
?  مُ?إني » مصر ..
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » إنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond reputeإنجى خالد أحمد has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
Bravo

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عزيزتى حنان ..

سأكتفى -حتى الانتهاء من الفصل الثانى- بأن أخبرك بشىء واحد:

"يبدو أننى سأقع فى غرام هذه الرواية بحق"!



تذكرنى بالروايات المنشورة العالمية ... رووعة! لونا وغابريال .. حب حب!!


إنجى خالد أحمد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 26-06-18, 02:09 AM   #198

ريبانزيل

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية ريبانزيل

? العضوٌ??? » 353483
?  التسِجيلٌ » Sep 2015
? مشَارَ?اتْي » 5,383
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
?  نُقآطِيْ » ريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
I have hated the words and I have loved them and I hope I have made them right
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إنجى خالد أحمد مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عزيزتى حنان ..

سأكتفى -حتى الانتهاء من الفصل الثانى- بأن أخبرك بشىء واحد:

"يبدو أننى سأقع فى غرام هذه الرواية بحق"!



تذكرنى بالروايات المنشورة العالمية ... رووعة! لونا وغابريال .. حب حب!!

حبيبتي انجي خالد لو تعلمين كم تعني لي كلماتك لقد رفعت معنواياتي حتى وصلت عنان السماء ولله سعدت بكلامك واتمنى حقاً ان اكون عند حسن ظنك بأنتظار ان تتمي الفصول واسمع رأيك فيها ويا ريت ان اعجبتك تشجعي صديقاتك على قرائتها ولكِ مني كل الحب والأحترام


ريبانزيل غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 26-06-18, 11:59 AM   #199

ريبانزيل

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية ريبانزيل

? العضوٌ??? » 353483
?  التسِجيلٌ » Sep 2015
? مشَارَ?اتْي » 5,383
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
?  نُقآطِيْ » ريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
I have hated the words and I have loved them and I hope I have made them right
افتراضي

سلامي للجميع معلش تأخرت شوية في تنزيل الفصل لكن دقائق ويكون عندكم ....بتمنى يعجبكم ...الحقيقة الفصل هذا اخذ مني جهد كبييير جداً وربما قرأت عددة كتب ومراجع حتى افهم حقيقة الي بحصل في الأرجنتين ....هو فصل مرثوني يعني طوووووويييييل ههههه....لكني ما قدرت اختصره ابداً لأهميته فهو محور القصة لكن قسمته لجزئين لتسهيل القراءة وهو مهم بنظري جداً جداً فأرجو من كل القارئات ما ينطوا عن بعض الفقرات الي بظن انه كارهي التاريخ بعتبروها مملة ههههه...الصراحة انا كنت في يوم مثلهم بس بصدق الرواية دي غيرت مفاهيمي ....هذا الفصل مليئ بالعواطف المحمومة والمشاعر الجياشة والصراعات.....وبيشرح بلغة اتمنى تكون مفهومة للجميع عن نبذة تاريخية راح يتفضل علينا الأستاذ الفذ غابرييل بتوضيحها ويشرحها حتى يعطينا ويعطي الست لونا درس مهم نستخلص منه العبر و بيضع ايده على جرح عميق عانت منه بلاده كما تعاني منه كتير من البلاد في العالم وبما فيها وطنا العربي الحبيب ....اتمنى تكرموني بصبركم وحلمكم وتفهمكم وعذراً على اي خطأ املائي فهو غير مقصود لكن من كتر ما رجعت الفصل معدتش قادرة اشوف هههه بدون طولة كلام هيا الى الجزء الأول من الفصل العاشر ....

الفصل العاشر
دماء ودموع

من بعد ما جرى بينها وبين غابرييل لازمت لونا غرفتها ورفضت الخروج ورؤية اي احد , لقد آلمها رفضه وصده لها وأربكها كثيراً ,وشعرت بالخذلان والضياع ولم تعد قادرة على التحدث مع احد او حتى النظر في وجوههم ,فهي تشعر بالنبذ والاقصاء, وكان ما يدفعها للصمود رغبتها برؤية غابرييل فقط ,لكن بعد ما حصل ادركت ان وجودها هنا صار مستحيلاً فلا احد يريدها حتى هو ...ولو استطاعت المغادرة لفعلت لكن كيف السبيل لذلك وهي ملاحقة ومطاردة ولا تملك المال او حتى جواز سفر ,لم تعد تدري ما تصنع لذا بقيت حبيسة غرفتها لأيام ,كانت ترفض دعوتهم لتناول الطعام معهم, وحين يحضرونه لغرفتها يرجع كما هو دون ان تمسه .
لم يغب كل ما يجري عن اليخاندرو ولم يعد يجد الامر مقبولاً ولم يستطيع السكوت اكثر ,فابنه يلازم غرفته منذ حضر ولا يخرج منها رغم ان صحته قد تحسنت كثيراً ,وهاهي لونا تحذو حذوه...لذا قرر التدخل لإنهاء هذه المهزلة ,فتوجه بغضبٍ صوب غرفة ابنه , فوجده منكباً على كتابة شيئٍ ما ..وبدون مواربة او مقدمات كعادته زمجر اليخاندرو بضيق وحنق " غابرييل ما يحدث يجب ان يتوقف والآن..."
"ماذا تعني؟؟ " رد غابرييل بفتور دون ان يرفع بصره عن الورقة التي امامه...
"كل ما يجري بينك وبين لونا.."
حدق غابرييل به بحدة وقال "انت تعرف لماذا افعل هذا..؟؟"
"اجل انا افهم دوافعك يا بني ولمَ تتجنبها ولن الومك ,لكن ...هذا لا يبرر تصرفك كجبان .."
نظر له غابرييل بحنق..فكيف ينعته بالجبان بعد كل ماجرى فرد بضيق " انا لست جباناً وانت تعرف ذلك.."
" اذاً لماذا تحبس نفسك بغرفتك ,وترفض الخروج رغم انك اصبحت بحال افضل ,ليس من المعقول ان تظل حبيس غرفتك طوال هذا الوقت!!هل تنتظر رحيلها؟! ولكن نحن لا ندري كم من الوقت يلزمنا لتأمين خروجها ماذا لو تأخر الامر اكثر؟!...هل ستظل هكذا تهرب من زنزانة لتحبس نفسك بأخرى!!...لقد مضى اكثر من شهر على ذلك ...وهذا الوضع قد بات سخيفاً..ويجب ان ينتهي"
توقف غابرييل عن الكتابة واخذ يفكر في ما قاله اليخاندرو.. كان يعلم في قرارة نفسه بأنه محقٌ في كل كلمة قالها..لكنه يخشى من نفسه اكثر من خشيته منها..وتذكر كيف نسي كل شيءٍ بمجرد ان رآها ولمسها ..بلوعة تذكر عناقهما المحموم الذي جاهد نفسه بشدة لينهيه بقسوة كان المبرر منها حمايتها من نفسها ومن نفسه ..
"انا ..لا اقدر على ..."تبعثرت الكلامات في حلقه ولم يجرؤ على الأفصاح عن مشاعره
فزمجر اليخاندرو بسخط وقال
"لا تقدر على ماذا؟؟ على ابعادها عنك ان رأيتها...(شخر بتهكم) سأبقيها معي او مع اخيك دافيد فلن تصل لها عندها "
نظر له غابرييل بحنق شديد واراد ان يعلق بتعليقٍ نابٍ لكنه احجم بصعوبة وعاد ينكب على اوراقه..
فتابع اليخاندرو بتعب وسأم "اعرف انك تحبها ولا ألومك على هذا لكن الامر لا يتعلق بك وحدك يا بني...امك تعبت ايضاً ونحن كذلك..هل تتصور قضاءها طول هذا الوقت معك...لقد اهملت كل شيء سواك...وزاد توترها واضطرابها ..كما انها تحمل لونا مسؤولية كل ما جرى معك....(زفر بضيق ) انها تكرهها "
انتفض غابرييل عند سماع الكلمة الاخيرة بينما تابع اليخاندرو قائلاً بضيق"ايدهشك هذا حقاً !! "
همس غابرييل بخفوت "ابي...ان لم ...الأمر اني .."ولم يكمل لأنه لم يعلم ما يقول ...زفر اليخاندرو بضيق وهو ينظر عبر النافذة ويرى السماء الملبدة بالغيوم كحال الغيوم التي تلبدت في سماء منزله منذ سنوات ...ثم اقر بخفوت "اعلم لمَ تهرب وصدقني لا ألومك ,ربما لو كنت املك عزمك هذا قبل سنوات لمَ اخطأت ذلك الخطأ المريع الذي سأظل اتحمله وأحملكم اياه طوال عمري....لكن انت لست مثلي انا....وادرك انك لن تخطئ كما فعلت انا ...لكن الحل ليس بالهروب .....وآن لك ان تنهي هذا السجن المقيت "
ادرك غابرييل ان اباه محقٌ في كل كلمة قالها عليه ان يواجه مخاوفه فلا يمكن ان يتجنبها للابد ..لقد ابعد لونا ليحميها من ان تتعلق به كما تعلق هو بها .. لكنه يؤذيها ويؤذي نفسه وكل من يحيط به بسبب هروبه هذا فأقر بخفوت
"معك حق يا ابي.."
"اذاً ...هل ستخرج من غرفتك وتبدأ بممارسة حياتك بشكل طبيعي..." سأل الخياندرو بترقب
"اجل.." رد بخفوت
استراح اليخاندرو وانبسطت اساريره "جيد..اذاً سنكون بانتظارك على العشاء الليلة"
**************************
وقف غابرييل يحدق بالمرآة لوقت طويل يتأمل هيئته الهزيلة التي لم تفلح الثياب الانيقة بأخفائها...لا يعرف لمَ يكترث بأن يظهر بمظهر جيد رغم انه من المفترض انه يريد ان يبعد لونا عنه ,لكنه سعى لتبرر الامر لنفسه بأنه يفعل هذا من اجل امه التي تحب التأنق عند العشاء ..لكن تبريره لم يرحه بل زاده ضيقاً ,فزفر بتعب وعاد يخلع سترته بسأم ويلقيها بتذمر وهو ينازع نفسه بين انهاء اسره او البقاء فيه...
" يكفي هروباً ..يكفي..علي ان استأنف حياتي.." قال بتعب ,لكنه ما يلبث ان يعود لتردده ...دقت ساعة المنزل الكبيرة في الصالة مؤذنة بوقت العشاء ,كان يدرك انه ان لم ينزل بنفسه فقد يأتي اليخاندرو ويحمله على ظهره ويجبره على النزول وعندها سيبدو كفتى صغيرٍ متذمر ...تأفف بسخط وعاد يرفع سترته ويرتديها قبل ان يتشبث بعكازه ويخرج ..
كانت كارلوتا تهم بصعود الدرج حاملة صينية الطعام اللتي تحضرها دائماً في نفس الموعد لأبنها الحبيب وتصر على اطعامه بيدها لتتأكد بأنه يتغذى جيداً حتى يستعيد صحته ,وما ان خطت بقدمها اول درجة حتى سمعت صوت طرق عكازه الخشبي على الدرج فرفعت رأسها وتهللت اساريرها بعد ان رأته ينزل بمهابة وعزم وهو يرتدي تلك الحلة الجميلة التي احضرتها له منذ عامين والتي رفض ارتدائها سابقاً بحجة ان ثمنها يفوق ثمن راتبه الشهري وهو بفكره الاشتراكي وتضامنه مع الفقراء يكره هذا التبذير غير المبرر ... ولم يعلم انه بارتدائه لها اليوم أهداها اجمل هدية حصلت عليها يوماً ..اذ اتسعت ابتسامتها حتى اضاءت وجهها وبسرعة اعطت احدى الخادمات الصينية التي كانت تحملها وجرت نحوه بسرعة لتتشبث بذراعه وتقول بفرح
"كم انا سعيدة بخروجك من غرفتك ..حين اخبرني اليخاندرو لم اصدقه .."
تألم غابرييل حين ادرك كم كان يقيد الجميع بحبسه لنفسه وخاصةً امه التي لم يراها احدٌ سعيدة هكذا منذ زمن ,وبقدر فرحة امه كانت فرحة الجميع بقراره الخروج من قوقعته ,لكنه شعر بخيبة املٍ كبيرة حين استوى جالساً في كرسيه ولم يحاضره وجه لونا بين الموجودين ,وبدل ان يريحه غيابها ويشعره بالأمان , شعر بالفراغ والوحدة على رغم وجود اهله حوله ...
لم يتحدث احدٌ معه عما جرى ولم يخبروه انها لم تتناول الطعام معهم منذ ايام..تآكلته رغبة عارمة بالسؤال عنها لكنه كان يلجمها كل مرةٍ بقسوة حتى لا يفقد تحصيناته التي تعب في بناءها فأظهر عدم اكتراثه وبدأ بتناول طعامه بصمتٍ كحال الباقين الى ان قاطعهم صوت اليخاندرو الاجش لينسف كل ذلك بقوله
" اذهبوا واستدعوها..لا يمكن ان تظل بلا طعامٍ طوال هذا الوقت..."
" ماذا ؟!!! تظل بلا طعام ؟!! ماذا حدث لها ؟؟؟.." تسائل بخشية في سره ,ثم عاد يسمع اليخاندرو يقول حين لم يتلقى رداً من احد " الا يريد احدكم الذهاب لأستدعائها حسناً ...سأذهب بنفسي "
وهم بالوقوف ليذهب بنفسه لكن دافيد استوقفه قائلاً بصوت هادئ يشوبه الضيق "أسترح يا ابي ساذهب انا فهي تستمع لي...."ونظر لغابرييل بنظرة اتهامٍ وتحدٍ رفعت من ضغط دم هذا الاخير..
*****************************
دق دافيد باب غرفة لونا مرات عديدة قبل ان يفتحه بنفسه عندما لم يجد اي استجابة منها, وقال مستأذناً بلطف بعد ان رأها تجلس متكورة على سريرها
"اسفٌ لتطفلي ,لكنك لم تردي فظننتك نائمة..هل تسمحين لي بالدخول .؟"
نظرت له بعينين حمراوين منتفختين من شدة البكاء ..وهزت رأسها بأمائة لتدعوه للدخول..
اقترب منها وقال بعتب" يا الهي انت تبدين في حالةٍ مريعة ..لمَ كل هذا ؟؟؟"
فلم تجبه فتابع برقة.." هيا لونا الجميع ينتظرك على العشاء ..لقد اعدت امي طبقاً شهياً جداً كما أن غابرييل شرفنا بحضوره"
نظرت له بلهفة حين سمعت الخبر ثم ما لبثت ان نكست رأسها وتمتمت بمرارة " جاء بعد ان تركتكم ,ربما كان علي ان افعل هذا منذ زمن ....(ثم اكملت بكآبة شديدة ) ارجوك اذهب من دوني لا شهية لي.."وعادت تتكور على نفسها
" يا الهي لونا انظري لنفسك ..لقد اصبحت نحيلة كالعصى.... ستختفين ان بقيت ترفضين الطعام هكذا.."
اراد ان يحفزها بكلامه لكنه فعل العكس..حين ردت عليه بمرارة " ارجو فعلا ان اختفي..واريحكم " واجهشت بالبكاء..
دنى منها وجلس بجوراها عند حافة السرير ورفع ذقنها بلطف وقال بهدوء.."هاي مهلاً, لم كل هذه التعاسة اخبريني...اهو غابرييل...؟؟" هزت رأسها ايجاباً فتابع بحنق
"انه احمق..(نظرت له بلوم لشتمه لغابرييل ,فرغم موقفه القاسي منها لكنها لم تحتمل ان يسيء اليه " لا تقل احمق " قالت بضيق وهي تشهق باكية
فضحك بخفة من ردة فعلها وتابع برقة " تدافعين عنه رغم كل شيء.... جيد اذاً لمَ كل هذا البكاء ؟!!"
لكنها لم تجبه واشاحت ببصرها عنه فتابع قائلاً "اسمعي لونا ربما انا لم اعرفك سوى من مدةٍ قصيرة لكني اعرف اخي جيداً, قد يتصرف بحمق احياناً,لكن صدقيني هو لم يقصد ان يجرحك "
"هو لا يريد ان يراني..."قالت من بين شهقاتٍ باكية
"هذا ليس صحيحاً "رد بأنكار
" لقد قالها صراحةً وبوضوح بأنه لا يريدني بقربه..انه يكرهني.."قالت بأسى
"اه لا لا.. هذا غير صحيح بالتأكيد وأنت تعرفين هذا جيداً .. انه يعشقك...(حين رأى نظراتها المشككة قال بحرارة مؤكداً )لو شاهدت ما اصابه بعد خروجك من الغرفة ..كان يبكي..تصوري اخي الصلب..يبكي !! انا لم اره في حياتي كلها يبكي ...واجزم ان سجانيه لم يستطيعوا دفعه للبكاء رغم كل ما فعلوه به ,لكنه بكى من اجلك " نظرت له لونا بدهشة وهي تتذكر الأمر ,ففعلاً لم يكن يبكي رغم كل العذاب الذي تعرض له ,لكنه بكى حين اغتصبوها ,كان يبكي فقط من اجلها وعاد دافيد يؤكد لها "انه يحبك يا حمقاء ...لكنه بائس مثلك..وربما اكثر منك"
همست بخشيةٍ وتردد " لكنه قال..لي.."
فقاطعها " اعرف ...ربما قال لكِ غادري ولا اريدك معي ....(فهزت رأسها بمرارة ,لكن دافيد ابتسم بتهكمٍ واقر ) كان يقصد عكس ذلك تماماً ....لكن ماذا عساي ان اقول سوى انه محبٌ احمق..(زفر بتعب وتابع بجد )انه يكذب رغم انه غير بارعٍ في الكذب ...يوهمك بأنه لا يريدك معه ,لكنه يخادع نفسه فهو يستميت لبقائك "
"إذاً لماذا يبعدني عنه " همست بمرارة
فرد دافيد بفتور "قصةٌ قديمة لا يسعني الأفصاح عنها لكِ ,يجب ان تعرفيها منه هو "
فتابعت بكآبة "لكنه يتجنبني "
رد دافيد بقوة "عليك ان لا تستلمي ويجب ان تكوني اقوى من ذلك..فانت محاربة شجاعة لقد تمكنت من الهروب معه وساعدته حتى وصل الى هنا بامان ولم تتخلي عنه ساعتها ولا يجب ان تتخلي عنه الآن....ان كنت تحبينه حقاً حاربي من اجله..انا نفسي كنت سأعشق المرأة التي تحارب من اجلي.."
همست بأمل "انا قد افعل اي شيءٍ لاكسب قلبه وابقى بجانبه "
"بالنسبة لقلبه فقد حصلت عليه بالفعل ...لكن المهم ان تدفعيه ليظهر هذا ..." هتف دافيد بمرح وحين رأى نظراتها الحيرى قال بمكر "اتعلمين قد استطيع ان احرك الجليد الذي يعتمل في قلبه..ان رضيت ان تلعبي معي.."
" ماذا ..تعني..؟؟" سألت بريبة ..
"سأخبرك "رد ضاحكاً..ودنى منها واخذ يطلعها على خطته ...
*************************
كان اليخاندرو يطرق بأصابعه على طاولة الطعام بتوتر ..وحين لم يعد يحتمل اكثر زمجر قائلاً
" لمَ استغرق هذا الاحمق كل هذا الوقت..كاد العشاء ان ينتهي وهو لم يأتي بعد ...ماذا يفعل؟" وما ان تلفظ بكلماته الاخيرة حتى شد غابرييل قبضتيه بتوتر واخفض رأسه حتى لا يرى احدٌ التماع الغضب والغيرة في عيونه ,حاول ان يسيطر على شذوذ افكاره التي انحرفت لطريقٍ ملتوي سيؤدي به لأن يضرب احداً الليلة وعلى الاغلب سيكون شقيقه اللعوب دافيد..
"لا ..لا ..يمكن ان يكون بينها وبين دافيد شيئاً ,هذه فقط مجرد ظنون سخيفة ,دافيد الأحمق لن يستطيع استمالتها بكلامه المعسول وألاعيبه الصبيانية ...انها اوعى من ان تهوى فتى غراً مثله ..."حاول ان يواسي نفسه بهذا الكلام غير انه لم يقدر,ثم افاق من هواجسه حين سمع دافيد يقول بمرح .
"ها قد اتينا ارجو ان لا تكونوا انتظرتم طويلاً.." التفت الجميع نحوهما بحدة بينما زمجر اليخاندرو بسخط
"كاد العشاء ينتهي ...لمَ تأخرت "
هز دافيد كتفيه بقلة اكتراث وأقر "يجب ان انتظر فتاتي لكي تستعد جيداً "
وخطى بمرح وهو يضع ذراعه على كتف لونا بتملك ويمشىي معها بكل راحة دون ان يكترث بالنظرات الغاضبة والمستهجنة التي رمقه به معظم الحاضرين..لكنه بالتأكيد سر بنظراتٍ كهرمانية ساخطة كادت ان تحرقه من شدة الغيظ...وهي بالتأكيد نظرات اخيه الذي يحترق بنار الغيرة كما خطط لذلك ...فنظر له بتحدٍ مستفز وأدنا لونا منه اكثر , وشد على ذراع رفيقته الحسناء التي تبدل حالها بعد ان غسلت وجهها الجميل وسرحت شعرها الساحر وتركته منسدلاً ولأول مرة منذ حضرت هنا ,فبدى كشلال ذهبي يتدفق من رأسها الجميل وحتى منتصف ظهرها ..
كان غابرييل يجاهد بضبط اعصابه المستفزة بشدة من تصرف اخيه الارعن ومن تأثيرها الساحر عليه بعد ان اغرقته بجاذبيتها الطاغية ,لم يكن يدرك قبل الآن مقدار طول شعرها فلقد كانت تعمد لرفعه على هيئة عقدةٍ محكمة اوتظفره ,وحتى في الاسر..كانت المشابك تلفه بشكل مشعث...
شعر بنار تسري في بدنه وهو يراها تجلس بجانب دافيد المرح الذي اخذ يمزح وينكت ومعها بخفة ويحرك يده على كتفها بكل راحة مدعياً مواساتها.
"هل فعل هذا حقاً..الغبي " زمجر غابرييل بسخط واخذ يتتبع كل حركة يقوم بها اخوه اللعين الذي جلس ملاصقاً لها حتى ان ذراعه كانت تحتك بذراعها في كل مرة يحركها بها مدعياً انه يمرر لها احد الأطباق الشهية التي ضجت بها السفرة العامرة...لكن لونا بالكاد كانت تأكل شيئاً ,كان يدرك هذا لأن كل تركيزه كان منصباً عليها وعلى فمها الشهي فقد اسرته تماماً بهيئتها الجديدة المبهرة ,فقد بدت له فاتنة جداً بثوبها الزهري الناعم المصنوع من الشيفون المورد والذي امتاز بقصةٍ ابرزت تفاصيل جسدها باغراء مثير,فتظافرت مع تورد وجنتيها الندية ولمعان عيونه الزرقاء وبريق شعرها الذهبي بخطف انفاسه .....
"من اين اتت بهذا الثوب؟؟؟ اللعنة ..لم يكن عليها ان ترتديه فهو مثيرٌ جداً..تباً..سأحطم رأس دافيد ان عاد يلتصق بها هكذا اويلمس ذراعها..سأمزقه.."كان غابرييل يحدث نفسه بغضب شديد بينما دافيد يسترق النظر اليه بين الفينة والآخرى بأستمتاعٍ تام...
"غابرييل..بني..لمَ لا تأكل..؟؟ألا يعجبك الطعام ؟!!" سألت كارلوتا باهتمام..فنكس غابرييل رأسه حتى لا تفضحه نظراته الحانقة واكتفى بالقول بخفوت "انه لذيذ ..." لكنه كان يقصد شيئاً آخر بالتأكيد .
لم تستطع لونا رفع عينيها طوال فترة العشاء لانها تخشى ان وقع بصرها على غابرييل ان تبدأ بالبكاء.. لذا اكتفت بالرد باقتضاب وهدوء على ثرثرة دافيد المرحة التزاماً منها بخطته التي لا تظنها ستنجح ,فجبل الجليد الذي ينتصب امامها يرفض التزحزح عن جموده ,ولم تدري انه يذوب بهواها بصمت .
استمر العشاء بهدوء حذر معظم الوقت ,وحين اخذ خوسية يتحدث عن بعض المشاكل التي تواجهه في المزرعة وعن مشكلة تعطل مضخة الري ثانية ,حينها اشار اليخاندرو الى دافيد الذي كان غارقاً تماماً في حديثه الجانبي مع لونا ..
" سيذهب دافيد غداً لشراء قطع الغيار ..اليس كذلك ؟؟..دافيد..!!!!" ناداه اليخاندرو بصوته الاجش ..
التفت دافيد صوبهم وفي عينيه نظرة تساؤل.." ماذا ؟؟"
"ستذهب غداً لأحضار قطع الغيار من المدينة ..."اخبره اليخاندرو بأمر قاطع.
" لا استطيع فغداً لي ترتيبات اخرى.(اجاب بتثاقل..)لن استطيع..."
ضاقت عينا اليخاندرو بغضب وقال بنفاذ صبر " وماهي الاشغال الاهم من مساعدة اخيك...؟؟"
فرد بدون اكتراث.." لقد وعدت لونا بأن اصطحبها غداً في جولة ...."وعاد ينظر بتحدٍ مرحٍ لغابرييل الذي عبس بشدة ونظراتٌ متوعدةٌ غاضبة تشع من عينيه
"لا .." خرج التصريح الرافض من اليخاندرو وغابرييل في آن واحد ولكل واحد منهما سببه بالرفض ..فنظر لهما دافيد بتحدٍ وقال بفتور"ولمَ ..لا؟؟؟"واخذ يقلب بصره بينهما باستمتاع
تكفل اليخاندرو بالاجابة.".لان النزهة يمكن ان تنتظر لكن العمل لا ينتظر..كما ان تجولها معك سيثير الريبة..."
لن نذهب بعيداً سأريها.." وقبل ان يكمل قاطعه اليخاندرو بصوت مجلجل" قلت لا.."
صاح دافيد بعصبية "لست خادماً هنا..تأمروني فأنفذ.."
"دافيد.." نهرته امه بحرج من تصرفه لكنه لم يبالي بذلك ونظر بغضب وقال
".انا اكره العمل في المزرعة وانتم تعرفون ذلك جيداً...سأسافر في اقرب فرصة ,الحقيقة اني قررت ان اسافر مع لونا الى امريكا..."
تعلقت الابصار به اثر تصريحة المفاجئ وجلس عاقداً ذراعيه فوق صدره بتحدٍ ...(ولم تكن لونا بأقل دهشة منهم فهي لم تتخيل ان يقول ذلك...هو اخبرها برغبته في السفر لكن ليس الان وليس معها ,تصريحه فاجأها تماماً...خاصة مع كل العيون المحدقة لهما بأتهام..)
" ماذا قلت.؟" زمجر غابرييل بحنق..
" هل ستسافر لبلد الامبريلية بقدميك.." هتف اليخاندرو بغضب..
لم تصدق لونا تصريح الخاندرو الشنيع, لقد شعرت بكلامه الفظ عن بلدها وكأنه يصفعها على وجهها..ورغبت بالحديث والدفاع عنها لكن دافيد سبقها بقوله
" وماذا في ذلك..انا لست اشتراكياً يسارياً مثلك ومثل غابرييل..ولست مكترثاً بسياستكم الفارغة كلها..وأمريكا افضل مكانٍ لأسافر اليه واتمتع بحريتي "
"احمق تظن نفسك ذكياً ,انها بلد التسلط والشر"صرخ اليخاندرو غاضباً
شهقت لونا بفزعٍ من وصفه بلادها بهذا الشكل المريع وكادت ترد عليه بحدةٍ لولا ان قاطعها دافيد بقوله "انا لا اظنها كذلك ....هناك يمكنني ان ابدأ بحياتي من جديد واقيم مشروعي الاستثماري الذي احلم به ...انا لن ابقى هنا لأرى مستقبلي يضيع امام عيني..انا لست كخوسية لا اهوى العمل بالارض...ولا اكترث بالسياسة مثلكما أنت وغابرييل ..اريد ان سأسافر واجول الدنيا ..و..أعيش بـ..."ولم يدعه اليخاندرو يكمل فزمجر بسخط
"يكفي .." ثم نظر لغابرييل وقال بغضب جم ."هل يعجبك ما يفكر به اخوك الصغير... "
" لست صغيراً ..انا في الخامسة والعشرين.."رد دافيد بحدة
" اصمت دافيد .." رد غابرييل بعصبية ثم تابع القول" ان بلدك بحاجة لك...اتفهم...!!!!"
" ان بلدي تقتل ابناءها يا اخي...تعتقلهم تحطم احلامهم....ثم اخبرني غابرييل..لمَ ابقى..ها ؟؟..حتى اراها تحترق بالكامل..انظر ماذا حل بك... ان رغبتم في البقاء فافعلوا اما انا فلن افعل "
" اخبرتك غابرييل هذا ما سنجنيه من سياستك المستكينة "علق اليخاندرو بحنق
"وما علاقتها الان فيما نحن فيه...؟؟؟" رد غابرييل عليه بغضب
."لان سياسة الاكتفاء بالخطب والمحاضرات لم تفلح بتغير الوضع...لذا بدأ الكل بالتفكير بالهروب ,لا حل سوى العودة للسلاح..والكفاح.." علق اليخاندرو بقوة وهو يضرب بكفه الطاولة فأهتز ما عليها
" هذا سيحرق ما تبقى منها..الا تدرك هذا ...لا ..ليس هذا هو الحل.." رد غابرييل بحزم
" وما هو الحل برأيك؟؟..ان ندع هؤلاء القتلة في سدة الحكم..عندها لن يظل لنا شباب..لانهم اما سيقتلون .. او يهربون كالجبناء.."ونظر اليخاندرو لدافيد بازدراء والذي رد عليهم ببرود
" حتى لو كنت جباناً بنظركم..سأسافر...ولن اغير رأيي"
صاحت الام بضيق " كفى ..هذه اول مرةٍ نجتمع فيها منذ سنين وانتم تفسدونها بالشجار كعادتكم ...هذا مخجل ومقيت..انظروا لخوسية..انه ليس مثلكم..فلمَ لا تتعلمون منه وتدعوكم من حربكم الحمقاء تلك..هناك الكثيرون يعيشون بسلام ولا يصطدمون مع الحكومة.. لمَ تحاربونها..دعوكم من هذا الامر المجنون "
" اهذا هو ما تفتق عنه ذهنك يا عزيزتي(صرح اليخاندرو بتهكم وحنق) ..ان نرضى بالعمل في الارض كاقطاعين..ونترك بلادنا تسيرها المصلحة ,ان نعيش كالدواب بحظائر الدكتاتوريين ونكون رعاع تقودهم الأمبريالية الرأسمالية "
" ليس بالضرورة ان يكون كل من يعمل بالارض ويمتلكها اقطاعياً يا ابي ,ونحن لسنا دواباً يقودها كل من هب ودب...نحن نملك ارضنا وحياتنا ,وبنظري الرأسمالية والأشتراكية وجهان لعملةٍ واحدة "رد خوسية بغضب مريع فاجأ لونا حقاً فهو و ان كان هادئاً فهو لا يتحمل الازدراء بسبب عمله الذي يعشقه ,وسمعته يتابع بسخط واضح "وحسب ما اعلم كلكم تعيشون من خير هذه الارض التي تحتقرون العمل بها.."
اكدت كارلوتا على كلام ابنها البكر حين قالت " اجل خوسية محق ان الارض هي من تعيلنا..وهي من تبقينا احياء...بدونها نحن لا شيء"
زمجر اليخاندرو بحنق قائلاً "ماذا اقول لك...انت ابنة الغاوتشو لن تفهمي السياسة ابداً....ويبدو ان خوسيه قد ورث ذلك عنك حتى يقارنا بالأمبرياليين الملاعين "
ضرب خوسية المائدة بسخط وقال بغضب شديد"افضل ان اكون غاوتشو او اقطاعي على ان اكون ثائراً يسارياً فاراً "ً
ضاقت عينا اليخاندرو بحنق من تصريح ابنه الذي زادته زوجته حين تابعت " ان كان اصلي ونسبي يسؤونك فلما اقترنت بي ...لمَ لمْ تتزوج من ابنة عامل ثوري اشتراكي..ربما لن تحزن عليك ان قتلت انت او ابناؤك في سبيل قضيتك ..." ردت كارلوتا بصوت مهتز وحزين
ضرب اليخاندرو بكفيه على المائدة فاهتزت بقوة اكبر هذه المرة وذعرت الصغيرتين روزا وريتا فقامت ادونيكا باصطحبهما للغرفتهما بأستياء فجدال كهذا ما ان يبدأ لن ينتهي ابداً...ثم نفث بغيظ من بين خياشيمه "انتِ تعلمين لمَ فعلت هذا يا كارلوتا ...تعلمين جيداً "
شهقت كارلوتا ملتاعة وكأنه قام بطعنها بالصميم بتذكيره هذا فهمست بمرارة " انا لم اجبرك اليخاندروا على ذلك ..."و وضعت يدها على فمها تكتم شهقاتها الملتاعة ,فأستاء اليخاندرو بشدة وزمجر بكآبة "أنا لم اقصد....(لكن كلامه لم يخفف من استيائها فتابع بحرقة ) لمَ تعتبرون حلمنا بوطن اشتراكي كان عبثاً..هل رغبتم بالبقاء تحت اللامبريالية الاقطاعية للأبد.....لا افهمكم..كل ما قمنا به كان من اجل عدالة اجتماعية للجميع...ضحينا بانفسنا من اجل الشعب حتى يعيش الجميع متساوين بالحقوق والواجبات ولننقذكم من حكم الدكتاتوريين..هل اصبحنا نحن الحمقى والمجرمين الآن " كان اليخاندرو يتحدث بأنفعالٍ شديد وغضب الجم الجميع ,ولم يتكلم سوى غابرييل الذي رد عليه بهدوء
" ليس الامر هكذا يا ابي ,لكن لا نستطيع ان نجر البلاد للحرب مرة اخرى ,لقد رأينا نتيجة الثورة المسلحة ولا نريد تكرارها..."
"لقد وصلنا للحكم بثورتنا المسلحة يا غابرييل ان كنت قد نسيت!! " قال اليخاندرو بعنفوان
"اجل تمكنتم بثورتكم المسلحة وبالخطف و القتل والعنف من الوصول للحكم..فماذا استفدتم!!!..اعدتم بيرون في عام ثلاثة وسبعين لكنه تخلى عنكم..وسلمكم للعسكر.." رد غابرييل بحنق
" تتحدث عن الامر وكأنك لم تكن واحداً منا ياغابرييل؟؟(علق اليخاندرو بأزدراء )هل نسيت حين حملت السلاح وكنت تحارب معنا.؟؟؟ماذا حصل لك ؟؟!! اين غابرييل المحارب الجريء الذي يرغب باقتفاء طريق جيفارا القائد الثوري المحارب؟؟..هل نسيت رفقاء سلاحك؟؟ ...هل نسيت مبادئ جيفارا !!! الم يكن ملهمك؟؟ "
اشاح غابرييل بوجهه بسأم وكأنه استاء لمجرد ان تذكر تلك الأيام ثم همس بخفوت " انت تعلم ان الامر ليس كذلك..انا لم انسى شيئاً ولم اغير مبادئي لكني ادركت خطأ النهج الذي اتبعناه سابقاً ,وندمت على اشياء كثيرة حدثت...لن الطخ يداي بالدماء مرة اخرى..لقد تبينت خطأ هذا النهج ,لم تعد المسألة بنظري من يفوز او يحكم بل كيف يحكم..المهم نهضة بلدي وحريتها لا من يحكمها ...."قال غابرييل بحزم
" حريتها اين هي تلك الحرية يا واليش؟!! (عاد اليخاندرو يطلق عليه لقب الصحفي ادولفو واليش)أوه نسيت بالحكمة والسياسة سنحل الخلاف..هههه (علق بسخرية وتهكم )..اليس هذا مبدأه الذي تبنيته؟!! لقد اصبحت مثله..تكتفي بالكتابة والقراءة والقاء الخطب التي لا تفيد احداً ؟ اخبرني ماذا كان مصير واليش ها !!..اليس القتل؟؟؟ الم تكد تواجه نفس مصيره...؟؟"
"اليخاندرو يكفي ..." صاحت كارلوتا بحنق وقد شحب وجهها من تذكر ما تعرض له ابنها , لكن اليخاندرو متى ما بدأ ثورته يندفع بجنون ولا يتوقف ..
"اخبرني متى سيكون ذلك النصر المزعوم ؟؟!!! وهم لا يصغون لنا ولا لأي احد ..وكل من يتكلم يقتلوه..."
" اخبرتكم ان هذه البلاد مجنونة..وستقتلنا ان بقينا..او سنظل نعيش بخوف..وانا لن ابقى هنا سأغادر..." عاد دافيد الذي فجر القنبلة يتكلم..فزاد الوضع سوءً بكلامه
كانت لونا تنصت بذهول وصدمة لكل ما يجري حولها ,فهي تشهد لأول مرة خلافاً حاداً بالرأي كهذا..."هذه الاسرة على حافة الانهيار" فكرت باسى قبل ان يخرجها من ذهولها صوت كارولتا الحاد وهي تتهمها بحنق
" كله بسببك لو لم تأتي هنا,لما حصل كل هذا..؟؟"
"كارلوتا!!"
"امي !!!"
صاح كلٌ من اليخاندرو وغابرييل بستياءٍ في آنٍ معاً ,لكن من رد عليها كان لونا نفسها حين قالت ببرود شديد لا يشابه الغضب الذي يعتمل في صدرها من جراء اتهامها المتعسف.
" بسببي انا..لماذا ؟؟؟ هل لأني امريكية امبريالية كما ينعتنا زوجك ...ام لأن ابنك اعتقل وتعذب بعد ان اخذني معه !؟؟ (وتجرأت على النظر نحوه لاول مرة كانت عيناها كئيبتان ودامعتان ثم اكملت بمرارة ) "أنا لا ذنب لي في خصامكم السياسي مع بلدي ....ولم اطلب من ابنك ان يحميني....انا لم اكن اعرفه في ذلك الوقت حتى...لكني اقسم اني لم اشأ ان يمسه اي سوء بسببي صدقيني ,ولم اكن حتى اتصور ان يحدث ذلك ,ولم اكن اعرف بكل هذا الجنون الذي تعيشونه ,كل ما اردته ان اجد ابي..وقد اوصلني بحثي عنه لغابرييل (لم تعد تحتمل اكثر وبدأت دموعها تسيل على خديها وهي تهمس بتعب والام ) وهو من ..اخذني ..ليحمي ابي..."
وفجأة بدأت تضحك بشكل هيستيري رغم دموعها المنهمرة بغزارة وتابعت بهيستيرية واضحة "اخذني ليحمي ابي.....ابي...وياله من اب!!!...يحدث كل هذا لأبنته ويشح حتى برؤيتها..انا اعرف انه يعلم بوجودي واعرف انكم جميعاً تعرفون من هو ..لكنه ببساطة لا يكترث بي"..اخذت ترتجف من شدة الانفعال.
"لونا هذا ليس صحيحاً "هتف غابرييل باسى
نظرت له بمرارة وقالت باتهام "بل هو صحيح ...لهذا لم تخبرني بشيء...لتحميه ...(وعادت تبكي بحرقة وهمست بألم )كنت تعلم اني لن احتمل تعذيبهم..وكنت سأبوح بمكانه...لقد فديته بروحك فهل يستحق هذا؟؟"
"لونا ..ارجوك توقفي.." همس غابرييل باسى لكنها تابعت بمرارة
"انا لم اقصد ان اتسبب لك او لأي شخص بالاذى..لم اكن اعرف ان قدومي للبحث عنه سيورطك هكذا وإلا لما اتيت ...امك تتهمني بأن الذنب ذنبي بما جرى لك ولأسرتك..فهل هو ذنبي حقاً ؟؟"
"طبعاً لا.."رد بثقة وتأثر
ابتسمت بمرارة وتهكم وعلقت " مما رأيته وأراه هنا ...فأن دافيد محق بكل ما قاله (صدمهم كلامها فتابعت) عليكم جميعاً الهروب من هنا...."
"لونا!! "هتف غابرييل باستنكار لكنها لم تبالي به وصاحت بغضب
"اجل هو محق .. يريد الهرب والفرار لأن هذه البلاد تقتل اولادها ..وتغتصب نساءها وتلقي بهم من الاعالي ليسقطوا جثثاً ممزقة الاشلاء...تحرق كل شيء..فلمَ تريدون ان تبقوا بها.."
" لأنها رغم كل هذا تظل بلدي..." صرخ غابرييل بأسى وألم
فتأملته بحزن قبل ان تكمل بمرارة " اذاً ستقتلك بلدك "
"لونا ...ارجوك "قال بلوعة فهو لم يرها مضطربة هكذا ابداً لكنها لم تستمع له وتابعت بأنفعال شديد وبكاء
" اجل انها ستقتلك ...وتقتلكم جميعاً ..(صاحت بأسى ثم خبى صوتها وبح وهي تقول ) لقد رأيتك تتعذب وتعاني لأيام وكدت ان تموت من اجل ماذا؟؟؟ امك تقول انه كان بسببي..فهل كان هذا بسببي حقاً (سألته بألم من بين دموعها المنهمرة) إذاً لماذا اغتصبوني ..لماذا ؟؟؟ "
عم الصمت والآسى على الجميع والتزموا الصمت بينما تابعت هي بوهن " انها معركة كريهة دائرة منذ زمن طويل قبل حضوري هنا..وانا لسوء حظي اتيت في المكان والزمان غير المناسبين لأبحث عن ابٍ ..(صرخت بحنق ) ابٍ غير عابئ ٍ بي...وانا اقول لكم الآن ان ظننتم ولو للحظة بأني السبب فيما يجري هنا..السبب في ما جرى لك انت ...فها انا ذا امامك (ومدت ذراعيها باستسلام وتابعت القول ) هيا خذوا بثأركم مني ...واشفوا غليلكم و ارووا عطشكم للدماء بشرب دمي.."
صمت الجميع ولم يتكلموا نظرت لهم بتحدٍ وغضب وتابعت "افعلوا اي شيء يريحكم لكن لا تتجاهلوني وتعتبروني غير موجودة..ثم بعد ذلك تلوموني..( كانت تقريبا تصرخ حين نطقت بكلماتها الاخيرة)
" ارجوك يا ابنتي أهدأي ..لا احد يحملك وزر ما حصل " صرح اليخاندرو باسى
" اه حقاً (ردت عليه بمرارة وسخرية).لا اظن ذلك ..انتم كلكم تحملوني وزر ما حصل ..انت وزوجتك وابناؤك..حتى انت غابرييل.."واشارت له باتهام وغضب..وتابعت
"كان الاسر والاغتصاب اهون من هذا..أهون من تجاهلك ونبذك لي...حقاً كان ما فعلوه بي اهون ...فهم على الاقل ..يخبرونك ماذا يريدون منك...اما انتم..فلا اعرف حتى ما يرضيكم.... كنت اظن ان عائلتي في امريكا غريبة الأطوار ههههه (ضحكت بهيستيرية وتابعت )لكنكم تفوقتم عليهم بجدارة فأنتم مجانين.. تريدون حكم بلادكم..لكن كيف ؟؟ولا احد فيكم يستمع للاخر..ولا احد فيكم يحترم الاخر...تتحاربون بينكم وتحكمون على بعضكم ,وكل واحدٍ منكم يريد فرض رأيه بالقوة ....لو استمع احدكم للاخر دون الحكم عليه ,فهمه وتقبله كما هو,واحترم اختلافه ... ربما سيأتي يوم تتحرر به الارجنتين..انتم لا تختلفون عن حكومتكم الحالية في شيء انتم استبداديون مثلهم تماماً ..."
كان كلامها كصب الماء البارد على رؤوسهم ,الجمهم ولم يستطع احدٌ ان ينفي اتهامها فهي كانت محقة في كل كلمة قالتها...
تمالكت لونا نفسها ونظرت لكارلوتا وقالت بأسف صادق " انا اشعر بحزنك سيدتي..وارجو المعذرة منك ,صدقيني انا اسفة على كل ما سببته لك من الم,فانا لم اقصد ,وسأريحك مني للأبد لأني سأغادر غداً..مهما حصل..."
تركتهم وسارت مبتعدة واليخاندرو ينادي عليها بقلق لكنها اكتفت برفع ذراعها بقلة اكتراث في اشارة وداع وصعدت للطباق العلوي... تركتهم بعد ان كان كلامها كصفعةٍ قوية جعلتهم يستفيقون ليدركوا مقدار التشتت والتبعثر الذي وصلوا اليه,بقي السكون يخيم عليهم لاكثر من ربع ساعة ولا يجد احدهم كلمة يقولها الى ان قطعت كارلوتا الصمت بقولها ..
" انها محقة..اجل انها محقة في كل كلمة قالتها...لقد قالت ما لم استطع قوله لكم منذ زمن..اتدرون ما يقتلني ؟!! تفرقكم ..اختلافكم..لان اصعب شيء ان ترى من تحب يكره بعضه بعضاً..دائموا الشجار والجدال ..لقد كرهت ذلك..اجل يا اليخاندرو (نظرت لزوجها وتابعت بصوت اضناه التعب والحزن) لقد كرهت ان تحتقر نسبي وأني من الغاوتشو ...كرهت اعتباري اقطاعية لاني املك الارض واحبها...لقد كرهت خلافك مع غابرييل.. وتمنيت لو تتفقا....وان لا اخسر احدكم..وانت يا غابرييل كم تمنيت يا ولدي ان تعود لنا ..ان تعيش بيننا ثانية وتكوّن اسرة كباقي البشر ,وانت يا خوسية كم تمنيت ان تصارحنا بمشاعرك ولا تظل منغلق عليها, تمنيت لو تصلح حالك مع زوجتك وتعودا كما كنتما...وانت يا دافيد تمنيت لو تشعر معنا وتحبنا كما نحن...لكن كل منكم يظن انه على حق والاخرون هم الخطأ...لونا معها حق في كل كلمة قالتها..كيف سندير بلادنا ونحن لا نستطيع ادارة منزلنا.." واخذت تبكي بصمت وهم لم يستطيعوا قول شيء
وعاد السكون يخيم عليهم ثانية ...ولم يقطعه سوى سماع وقع خطوات سريعة قادمة باتجاههم..وعندها دخل احد العاملين مسرعاً وهو يتصبب عرقا وقال بأضطراب وهو يلهث...
" سيدي ..انهم هنا.. عند بداية الطريق المؤدي للمزرعة..لقد شاهدوهم قادمين واخبروني ان ابلغك "
انتفض اليخاندرو بسرعة وقال" ..خوسية اذهب للبوابة وحاول المماطلة قدر ما تستطيع لأعطائنا بعض الوقت..."
"امرك ابي" رد خوسية بطاعة شديدة وغادر ,ثم التفت اليخاندرو لدافيد وتابع بسرعة "هيا اذهب وأعد الفرس لاخيك.."هز دافيد رأسه بطاعة وخرج
"اسرعي كارلوتا استدعي لونا..هيا ياغابرييل بسرعة "
" انتظر يا ابي ارجوك...(شحب وجهه جداً وتابع بخشية )علي احضار اوراقي..انها في الاعلى."
"اي اوراق؟؟ اارجو ان لا تكون كتابات وخطابات سياسية (وادرك من شكل غابرييل الشاحب ماهي فزمجر بسخط ) اللعنة هيا أذاً بسرعة قبل ان تورطنا .."
اسرعوا جميعهم نحو الطابق الثاني...كان غابرييل يقفز على عكازه قفزاً..خلف امه التي ذهبت تستدعي لونا واليخاندرو الذي سبقه لغرفته ليخفو اي اثرٍ يدل عليه .. نادى اليخاندرو على ادونيكا لتأتي لمساعدتهم .
كان غابرييل قد امضى معظم وقته بكتابة مسودة عن رسالة دكتوراه ينوي تقديمها يوماً ما بعد ان تتحسن الظروف السياسة في البلاد ,كانت المسودة تتحدث عن المسار التاريخي الذي سلكته الارجنتين خلال العقود الماضية والذي افضى للحال السيئة التي آلت بها الاوضاع هنا ..
بدأوا بلملمة اوراقه وكتبه وذهل اليخاندرو بعددها الكبير فصاح بحنق
"احمل معك ما تستطيع..وسنتلف الباقي ..هيا (ثم قال امراً لأحدى الخادمات احضري حقيبة ووضعي فيها كل شيء "ثم زمجر بسخط
"هل عليك ان تكتب كل ما تفكر به...ستورطنا يوماً ما"
شحب وجه غابرييل بشدة فهو وان لم يكن يهاب الموت او التعذيب في سبيل الحرية لكنه يخشى على اسرته واهله من ذلك..قام مع اليخاندرو والخادمة بحشو الكتب والاوراق التي كتبها في الحقيبة كيفما اتفق ,وماهي الا لحظات حتى لحقت بهم ادونيكا للغرفة و تولت جمع القصاصات الملقاة بأهمالٍ هنا وهناك من اجل اتلافها لاحقاً ,كانوا يعملون بسرعة كبيرة..وحين انتهوا اعطى اليخاندرو الحقيبة للخادمة وامرها بالقائها في الفرن لتحترق ...
"لا ابي..ارجوك " رجاه غابرييل بتوسل وهو يتشبث بأستماتة بالحقيبة التي تحوى تعب الايام الماضية وعصارة افكاره ..
زمجر اليخاندرو بسخط واعطاه الحقيبة وقال بعنف "خذها يا احمق " تمسك غابرييل بالحقيبة بلهفة وخطى خلف الخاندرو للخارج بينما بقيت ادونيكا والخادمة تنظفان الغرفة وتعدانها لتبدو وكأن لا احد استعملها..
كان امامهم وقتٌ قليل قبل ان تصل فرق التفتيش لبوابة المزرعة ,التقوا بكارلوتا عند الدرج وبدت شاحبة للغاية وقالت بذعر
"انها لا تجيب يا اليخاندرو...لقد قرعت الباب اكثر من مرة.. لكن دون جدوى ".
"ماذا؟؟ (صاح بقلق وخطى صوب الغرفة التي تحتلها لونا واخذ يقرع الباب بقوة ) لونا ..افتحي ارجوك.. هيا بسرعة الامر طارئ..." لكنه لم يسمع جواباً فعلق بحنق "...ماذا تفعل ؟."
خطى غابرييل صوب الباب واخذ يقرعه برعب " لونا هل انت بخير.؟اجيبيني ارجوك. .." خشي ان يكون قد اصابها مكروه بعد انفعالها الشديد
" لا وقت لدينا..ابتعد غابرييل "أمره اليخاندرو بحدة ثم دفع الباب بكتفه بقوة عدة مرات فكسره ودخلوا الغرفة واجلوا النظر حولهم بقلق فلم يجدوها..
" هناك صوت صادر من الحمام..(هتفت كارلوتا ثم تابعت بامر) توقفا سأرى بنفسي ".وتوجهت للحمام..
كانت لونا قد قررت ان تستحم لعل الحمام يريح جسدها من التوتر الذي اصابها بعد كل ما جرى على العشاء ,عبأت المغطس بالماء الساخن ونزلت به وارخت جسدها واغمضت عينيها بأستسلام فعادت صورة كل ما جرى معها تهجم عليها بشراسة ...ثم اخرجها من افكارها المضطربة صوت قرع شديدٍ على الباب .. وسمعت صوت كارلوتا تناديها بألحاح ان تفتح لها ...ترددت في الرد عليها ,فهي لم تكن تريد مواجهتها ثانية بعد ما حصل ..لم تعد تستطيع ان تواجه النبذ والاتهام في عيونهم...توقف القرع فاستكانت براحة وعادت تحاول الاسترخاء ..
ثم بعد دقائق سمعت صوت اليخاندرو وغابرييل وهم يقرعان الباب ويناديانها بلهفة ,فظنت للوهلة الاولى انهما جاءا ليحدثاها بشأن ما حصل ,ولم تكن تستطيع مواجهة احدٍ منهم بعد كل ما قالته...فلم تجب لكن حين سمعت ضرباً شديداً على الباب,وقفت مذعورة فقد ذكرها هذا الصوت بيوم اقتحام الخاطفين شقة غابريل وبينما كانت تلف نفسها بروب الحمام فاجأتها كارلوتا بالدخول عليها بدون استأذان فصرخت لونا فزعة وهي تسارع بستر نفسها ..."..ماذا تفعلين......’؟"
" هيا لاوقت لدينا..عليك الخروج...الآن "ودفعتها للخارج..لم تفهم لونا سبب تصرفها الغريب ورجحت بان السيدة انزعجت من كلامها وقررت طردها لكن هل ستطردها هكذا وهي بروب الحمام ...
"مهلاً لحظة ارجوك "هتفت لونا بذعر لكن كارلوتا لم تدع لها مجالاً وظلت تدفعها خارج الحمام بقوة ,تفاجأت لونا حين رأت غابرييل واليخاندرو في غرفتها ,لفت نفسها بقوة وصاحت بحدة " ماذا تفعلون..هنا؟؟؟"
" هيا لا وقت للشرح..."شدها غابرييل من يدها واندفع للخارج..
فصاحت به وهي تشد يدها من قبضته " توقف ..ماذا يحدث.؟!! "
" الجنود ,وافراد الفرقة السرية ..انهم هنا..هيا " اجابها باقتضاب
تجمدت لوهلةٍ وشحب لونها حين سمعت اسمهم ثم ما لبثت ان تمالكت نفسها وقالت بتحدٍ " لا ..لن اذهب لاي مكان..ليأتوا ويأخذوني فلم اعد ابالي.." وسحبت يدها منه بغضب ,وقفا ينظران لبعضهما بحدة
"لونا يكفي جنوناً " صاح بها بحنق
"لم اعد اكترث " ردت بفتور ,ولم يكد غابرييل يفتح فمه ليرد عليها حتى فوجأت لونا بذراعي اليخاندرو القوية تحملها كطفلة صغيرة وتنزل بها الدرج في ثواني ...وهو يقول لزوجته.."رتبي المكان واجعلي ادونيكا تبدو وكانها من كانت تستعمل الغرفة..هيا..فلا وقت لدينا "هزت كارلوتا رأسها بطاعةٍ دون كلام..اخذت لونا تحتج
"انزلني ...انزلني فوراً .." لكن لا احد اكترث لحتجاجاتها
ساروا حتى بلغوا الساحة الخلفية للمنزل حيث كان بانتظارهم دافيد وقد اسرج فرساً اسود...امتطاه غابرييل بمساعدة اخيه بينما قام اليخاندرو بوضع لونا امامه ,فامسكها غابرييل بإحكام وكأنه يدرك انها قد تتفلت منه بأي لحظة ,انحنى دافييد واخذ عكاز غابرييل ليخفيه في بيت احد العمال لكن قبل ذهابه ثبت الحقيبة بالسرج جيداً ,ثم هتف اليخاندرو آمراً وهو يعطي غابرييل مفتاحاً غريب الشكل " هيا بسرعة..اذهب للمغارة"
هز غابرييل رأسه مؤيداً ثم هتف بقوة " تمسكي لونا جيداً.." وقبل ان تنطق بكلمة اعتراض واحدة ,ضرب اليخاندرو مؤخرة الحصان بقوة فانطلق بسرعة كالسهم ,فتمسكت لونا بقميص غابرييل بشدة خشية السقوط
"انتبه غابرييل السياج "قالت مذعورة وهي ترى الحاجز الخشبي امامها لكن بدل ان يخفف غابرييل من سرعته اخذ يحفز الحصان ليسرع اكثر وبمهارة عالية قفز من فوق السياج , وخلال دقائق كان الفرس ينهب الارض في طريق ترابي محفوفٍ بالاشجار يتجه صعوداً نحو التلال المجاورة التي تشرف على المزارع والبساتين ..
لم تكن لونا تعرف ان غابرييل ماهرٌ بركوب الخيل هكذا ,وايقنت انها لا تعرف الكثير عنه ,لكن رغم هذا تشعر بأنها تعرفه جيداً وتحبه بجنون...رفعت عيناه نحوه واخذت تفترس بقسمات وجهه المتجهمة وشعره الذي يتطاير بفعل الهواء المندفع ...وكأنها تراه لأول مرة...وشعرت بشعور حنين عميق له فدفنت رأسها في صدره ,وتشبث به بقوة ...
وصلا لتلة عالية تشرف على المنزل من بعيد, فتوقف غابرييل لوهلة والقى نظرة على منزله ,فرأى سيارتا جيب عسكريتين تقتحمان الساحة..ويترجل منهما عدد من الافراد المدججين بالسلاح...
شهقت لونا برعب وهي تراقب المشهد معه " هل سيكون اهلك بخير...؟؟؟" سألت بقلق وهي ترى تجهم وجهه والخوف الباديٍ في عيونه فرد بقلقٍ .
" ارجو ذلك..(ثم تابع ) سيتدبر اليخاندرو الامر..انه ماهر..سيحميهم انا واثقٌ من ذلك..هيا بنا.." شد اللجام ليستأنف المسير ...
" غابرييل توقف..ارجوك...اما آن لهذا الأمر ان ينتهي....ان سلمتموني ..الآن فسـ.." همست بمرارة
فقاطعها بحدة " لا ...لن يحدث ...ان ما تفكرين فيه حماقة..؟ "
" حماقة؟!!(قالت بأسى ثم تابعت بمرارة والم) آه ...نسيت فأنا الحمقاء بنظركم.."
لم يعلق على كلامها السخيف في رأيه واكتفى بالنظر اليها بغموض ثم زجر الحصان واستأنف المسير الذي استغرق اكثر من نصف ساعة حتى وصلوا لمنطقة جبلية كثيفة الاشجار..اخذ الفرس يشق طريقه مشياً عبر الغابة المظلمة حتى وصلوا لممر يرتفع نحو منحدرٍ جبلي.. كان الطريق وعراً بشكل خطير فمن احد جانبية يمتد جرف سحيق لأسفل الجبل بينما الجانب الاخر عبارة عن مرتفع شاهق ,حين وصلوا لمنتصف الجبل تقريباً توقف غابرييل وترجل عن الفرس وربط لجامها في غصن شجرة قريبة ,ثم اقترب من واجهة المنحدر المغطاة بنباتات متسلقة غطته بالكامل ازاحها بيده فبان من خلفها باب خشبي ما كان ليُرى بسهولة بسبب كثرة النباتات,ادخل المفتاح الغريب الذي اعطاه له اليخاندرو بالقفل وفتح الباب الخشبي القديم وسط ذهول لونا واستغرابها من وجود بابٍ في وسط الجبل...عاد اليها ومد ذراعيه نحوها لينزلها لكنها ردت بتمردٍ فطري رغم صوتها المرتجف ..
"سأنزل لوحدي.."ثم عادت لتغير رأيها بعد ان نظرت لساقيها العريتين وتذكرت بأنها لا ترتدي سوى روب الحمام الذي بالكاد يسترها ,تشبثثت برداءها جيداً في حين عقد غابرييل حاجبيه بعبوسٍ من ردة فعلها الطفولية وقبل ان تقول شيء دنى منها واطر خصرها بكفيه وهمّ بحملها لكنها هتفت بخشية "احذر ان تؤذي نفسك "فقد خشيت عليه من حملها,ادرك خوفها عليه وسر به ,لكنه رغم هذا حملها وانزلها بثباتٍ رغم شعوره بالألم في ثناياً صدره وساقه مكان عظامه المكسورة ,لكنه تحامل على ألمه.
"أأنت بخير "همست بخشية حين رأت تقلص عضلات وجهه ,فهمس بخفوت
"اجل ..." نظر أليها بعمقٍ وهو يرى القلق والاهتمام في نظراتها ,واستبقاها بين ذراعيه للحظة يتلذذ بملمس جسدها الهش الطري بين يديه ويفترس ملامحها بشوق ويستمتع برائحتها الزكية ,دنت منه تلتمس دفأه فلاحظ ارتجافها فهمس بقلق
"انت ترتجفين بشدة " كان الجو بارداً جداً وهي قد خرجت من الحمام مبتلة بالكامل ومع مسيرها في الهواء البارد انخفضت درجة حرارة جسدها كثيراً فاخذت تنتفض بقوة وتهتز من البرد والاضطراب معاً..
"انا بخير" قالت بارتجافٍ وتشبثت برداء الحمام القطني..سارع غابرييل بخلع سترته والبسها اياها ثم عاد صوب المخبأ واشار لها بدخول..فوقفت في الخارج بتمرد ترفض اطاعته ,فصاح بغضب لتأخرها.."هيا لونا..بالله عليك..اهذا وقت العناد"
ردت بتحدٍ " لا اريد ..لقد اكتفيت من كل هذا حقاً..ولا اريد ان اهرب بعد الآن " قالت من بين اسنان مصطكة.. واستدارت مبتعدة..لكنه امسكها من ذراعها وأجبرها على الدخول ,وقد تعثرت خطواته بسبب ساقه لكنه تمكن من ادخالها ومن ثم اغلق الباب بقوة خلفهما ,بينما ظلت تحاول التفلت من قبضته وهي تصرخ محتجة فقال بحنق "هلا توقفت عن التصرف بصبيانية.."
" صبيانية !!! "صاحت بحنق وهي لا تزال تحاول ان تتفلت من قبضته التي احكمها عليها فصاحت الماً.."دعني..ايها الاحمق فانت تؤلمني.."
" اذاً توقفي عن هذا ,يا الهي حين تغضبين تصبحين..." ولم يكمل كلامه اللاذع لأنه سمع شهقاتها الباكية فأرخى قبضته وهمس بانفعال
" لونا اهدأي ارجوك..علينا ان نختبأ منهم..انت لا تريدينهم ان يقبضوا علينا ثانية..؟؟"
ردت بصوت مخنوق"طبعاً لا..لكني سأمت الهرب..سأمت كل هذا.."
زفر باسف دون ان يقول شيئاً بل تركها وابتعد عنها يتلمس طريقه بالظلام ليجد مصباحاً يعلم بوجوده فوق الطاولة عند زاوية معينة ,تحسس الطاولة فوجد قداحة فوقها حاول عددة مرات اشعالها وفي المحاولة الخامسة نجح وتمكن من اشعال مصباح الكاز , فأنار المكان الذي بدى للونا كغرفة صغيرة منحوتة بالجبل او انها كانت مغارةً صغيرةً حولت فيما بعد لغرفة..كان هناك كرسي مكسور لا يصلح للأستعمال بجانب الطاولة وفي الزاوية الاخرى يقبع سرير حديدي قديم ,بعد ان اضيئت الغرفة توجه غابرييل صوب السرير ورفع الغطاء القديم واخذ ينفضه بقوة خوفاً من وجود الحشرات ثم امرها قائلاً
" هيا بسرعة تعالي ونامي هنا ...ستموتين برداً ان بقيت مكانك.."
كانت فعلاً ترتجف بشدة وقد ازرقت شفتاها ,سارت بقدميها الحافيتين ببطئ حتى اقتربت من السرير البالي ونظرت نحوه بأسى فهو لم يكن بافضل حالاً من السرير الذي امضت عليه اياماً في معتقلها...
دمعت عيونها لأنها ادركت انها في معتقل اخر..بصمت صعدت الى السرير وكورت نفسها ,فسارع غابرييل بتغطيتها واحكم الغطاء عليها ,فدفنت رأسها بالفراش واخذت تبكي بشدة ...
" لونا تشجعي..سينتهي هذا قريباً..(اراد لمسها ,اراد احتضانها ليواسيها ويدفأها لكنه لم يفعل,لأنه لا يجب ان يفعل..فسحب يده مكرهاً وهمس لها مشجعاً )سينتهي الامر قريباً "
" اي امرٍ هذا الذي سينتهي ...ملاحقتهم لنا ..ام تجاهلك لي ...."
شعر غابرييل باستياءها الشديد..واقر لنفسه انها ربما تكون محقة بسخطها فهو تجاهلها كثيراً محاولاً ان يقنع نفسه انه يستطيع استأناف حياته من دونها ,لكنه فشل فشلاً مريعاً ..فهي لم تكن تغيب عن فكره ولو للحظة, ولم يفشل في ذلك فحسب بل تسبب باستياءها ايضاً...
زفر بتعب وفكر بصمت "لو تعلمين يا لونا بان احب شيء لي ان ابقيك معي..وان اضمك الآن لصدري ,لكني لا استطيع ..لا استطيع..يجب ان تنسيني..وتتركيني.." بتعبٍ استدار..وجلس بأنهاكٍ على الارض عند قاعدة السرير مرتكزاً بظهره عليه فالكرسي الوحيد في الغرفة مكسور...
تنهد بتعب وقال اخيراً " اسف على كل ما سببته لك من الم .."
فتحت عيناها وحدقت بظهره بصمت,كانت تعلم انه لم يكن السبب لكنها لعنت الظروف القاسية التي مرا بها...والتي تبقيه بعيداً عنها ...
********************************

نهاية الجزء الأول من الفصل العاشر

noor elhuda likes this.

ريبانزيل غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
قديم 26-06-18, 12:12 PM   #200

ريبانزيل

كاتبة بمنتدى قلوب أحلام وقصص وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية ريبانزيل

? العضوٌ??? » 353483
?  التسِجيلٌ » Sep 2015
? مشَارَ?اتْي » 5,383
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Jordan
?  نُقآطِيْ » ريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond reputeريبانزيل has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك aljazeera
?? ??? ~
I have hated the words and I have loved them and I hope I have made them right
افتراضي

الجزء الثاني من الفصل العاشر

لم تكن لونا قد نامت كما تخيل بل كانت لا تزال تحدق بجسده القريب منها كثيراً , كانت تتأمله بصمت وتفكر بكل ما جرى بينهما منذ ان رأته اول مرة في مكتبه ,تذكرت كيف كان تأثيره عليها منذ اول لحظةٍ رأته فيها ...ثم في المحاضرة...والشرفة الصغيرة في مطعم سماء الارجنتين ..والسوار الفضي وغصن الياسمين ورقصة التانجو التي علمها اياها....كم تمنت لو تعود لتلك اللحظات الجميلة ,تمنت لو ان الزمان توقف عندها لتعيشها للأبد.. وعادت تتفرسه بنظراتها الولهى وهي تشعر بشوق شديد له ,ودون ان تعي وجدت يدها تمتد لتلمس شعره الاسود الذي طال اكثر خلال هذه المدة .
شعر غابرييل بلمستها الناعمة..والتي كانت تحرقه بنار لذيذة اشتعلت بكل جسده ,حاول مقامة ذلك الشعور المثير المتأجج الذي ينتشر بجسدة لكنه لم يستطع ,فلم يكن منه سوى ان استدار نحوها وفي عينيه شوق كبير ,ما ان التقت عيناهما معاً في حميميةٍ صامتة حتى شعر بأن الحاجز الوهمي الذي ظنه سيحميه تلاشى تماماً حين اسرته بنظرتها الحزينة تلك..تخلى عن الدفتر والقلم الذين يحملهما وظن انه بأنشغاله بهما قد يحميانه من الغرق في لجة عيونها ...ومد يديه نحوها ليخط كلمات الحب على وجهها الناعم فيزيل عنها تلك النظرة الحزينة ويشبع يديه من ملمس بشرتها الرقيقة ..احاط وجهها بكفيه وسر حين رأى الدموية ترتد اليها ,فقد استعادت لون وجنتيها الاحمر وفمها تحول للون وردي مثير.
غطت يديه براحتيها واخذت تلمس بشوقٍ اصابعه التي كانت سلواها في الاسر..ثم قبلتها بحب.." لقد ..اشتقت لك.." همست بانفعال
"آه لونا" تنهد بشوق
"انا احبك" همست بحب وهي تغالب دموعها
"وانا احبك ايضاً ..احبك بجنون" زمجر بانفعال وشدها نحوه وقد انهارت اخر تحصيناته فاحتضنها بقوة وعندها اجهشت بالبكاء....فاعتصرها بقوة يريد وضعها في قلبه بين اضلاعه ان استطاع والاغلاق عليها ,لقد انتهى الامر..ما عاد يستطيع ان يبتعد عنها اكثر..لقد حطم بيده كل التحصينات الوهمية التي جاهد في بنائها حول قلبه ..تحطمت بسهولة بمجرد ان لمسها.. فكيف يستطيع ان يبعدها عنه بعد الان...؟!!
" لونيتا..انا احبك...جداً.." هتف بأنفعال فضحكت من بين دموعها وعادت تشد ذراعيها بقوة حوله وهي تفكر بغبطة " لقد قال احبك اخيراً...انه يحبني فعلاً...."
ولم يعد لديها شك حين اطبق شفتيه على شفتيها بقبلة محمومة ملأها بكل اشواقه وهيامه ولهفته وانفعاله...فسلمته نفسها وهي تطالبه بالمزيد...
في ركن قصي من دماغه المغيب بفعل النشوة والمشاعر الجياشة لمعت فكرة مخيفة حين تصورها بعد سنواتٍ من الآن تعيش منكسرة حزينة كأمه ,فعاد يجاهد نفسه ليبتعد عنها قبل ان ينجرف اكثر... فحاول ابعدها مكرها ًولكنه عجز عن ذلك فدفن وجهه في عنقها الطري يلثمه بشوقٍ رغم ان عقله يجاهد في استعادة السيطرة عليه ,واخذ يغالب نفسه التواقة للمزيد ,فأبعدها قليلاً ونظر لها وهو يلهث بشدة فرأى في عيونها شوقاً يوازي شوقه فاحتضن وجهها بين يديه ..وفي لحظة غلبت عليه اشواقه وتقهقرت رجاحة عقله ,قربها ثانية وقبلها بشغف وضاعا في عناقٍ محمومٍ عاصف كاد يحرقهما شوقاً ,كانت يداه تتلمسان عنقها وجسدها النحيل بارتجافٍ شديد فقد كان يطوق لها بشدة..لكن تلك الصورة المشوهة للبؤس والحزن الذي سيغلفها حين يربطها بمصيره عادت تقتله وتسد عليه الطريق نحو السعادة ,و تذكر ما حصل مع اليخاندرو قبل سنين وكيف لقرارٍ واحدٍ خاطئ ان يجر وراءه مئات المشاكل التي قد تدمر الكثير وتحطم الحب والأحلام ....وهو اقسم ان لا يعيد الكرة ثانية ,فابتعد عنها مكرهاً وهو ينهر نفسه بقسوة ويزمجر بألم
"لا ..لا... لونا لا استطيع .." سحب نفسه بعيداً عنها مكرهاً وهو يشتم بصوت عاليٍ ويلعن ضعفه ,فادرك انه لو استمر فلن يتوقف عند هذا الحد بل لن يتوقف ابداً وهذا خطأ ,لأنه يدرك بأنه سيدمر حبهما وسيوقعه بفخٍ مهلك سعى بجهدٍ للهروب منه ...
شعرت بخيبة امل لابتعاده عنها ..فهمست بحيرة "غابرييل!!"
فزمجر بصوتٍ اجش بالكاد تعرف اليه " لا يمكنني ..ان افعل هذا بك....." خطى مبتعداً لأقصى ركن في هذه الغرفة الصغيرة وهو يعتصر قبضتيه بشدة حتى لا تخونه يداه وتعود للمسها ثانية ,كان يتنفس بعمق كبير وقوة ليسطر على انفعاله ..
راقبت اضطرابه الشديد الذي انعكس على اهتزاز ظله المرتسم على الحائط كماردٍ عملاق بفعل الضوء المنعكس من مصباح الكاز
" غابرييل...!! ارجوك .." همست برجاء فاستدار نحوها ولم ينتظرها لتكمل بل سارع ينهرها ويقول بحدة..
" لا ..لونا لن افعل...انت اغلى علي من ان اقدم على ذلك ..وبهذا الشكل...ان كنت ستكونين لي يوماً فيجب ان تكوني زوجتي فقط.."
فهتفت فوراً وبسعادة " اذا فلنتزوج...انا ..احبك..واتمنى ان امضي عمري بجانبك" لم تكن فيما مضى من مناصري الزواج او تفكر حتى بأنها ستقدم عليه يوماً....لكن ان كان الزواج هو سبيلها للوصول لقلب من تحب فهي ترحب به بالتأكيد ولن تندم عليه ,فجرت بلهفةٍ صوب غابرييل لتحتضنه لكنه اوقفها بيده وصاح بألم " وهذا ما يخيفني.."
" يخيفك..ان تتزوجني..لماذا ؟" همست مذعورة
" لاني سأقيدك معي بقيدٍ لن تفلتي منه..وستكرهيني بسببه..."
امسكت بذراعه وهتفت بقوة " كيف تظن هذا ...انا لا يمكن ان اكرهك ابداً..فأنا احبك..حقاً..ومستعدة للعيش معك مهما كانت الظروف ,فقيودك تعني لي الحرية ..." تلمست وجهه بيديها بحنان وحب لعلها تهدء من روعه ولو قليلاً لكنه نظر لها بعيون تشع الماً وهمس بمرارة
" لونا ..انا ملاحق ولا اظن ان الامر سنيتهي قريباً..وقد لا ينتهي ابداً.."
" لا يهمني ..سأظل معك مهما حصل.."قالت بأصرار
" لا ..(صرخ بحدة )هل سترضين ان تصير لك عائلة مجنونة كعائلتي..." رد بمرارة
فردت بخجل " انا اسفة ..لم اقصد ان اهينكم..لكني...كنت.."
لم يدعها تكمل وقال بمرارة " اعرف ..كنت تعبرين عن استيائك..لكن كل ما قلتيه صحيح..هذا ما نحن عليه..لقد جعلتا اوضاع بلادنا المضطربة هكذا..مجانين..كلٌ منا يدور في رحى منفصلة عن الآخر ,فرقتنا المصالح والمعتقدات والأفكار ...بتنا مشتتين متفرقين ,وكأننا نعيش في بركة قطرانٍ ,اقل شعلة قد توقد فيها ناراً حارقةً لن تهدأ حتى تأتي على كل من فيها ...."
"انا اسفة حقاً ..(همست بخفوت ) لكن ارجوك لا تبعدني عنك ...انا احبك "
"وأنا ايضاً (اقر باستسلام فما عاد ينفعه ان ينكر, نظر نحوها بأسى ً ومرارة واكمل ) لكن لا استطيع ان ابقيك معي لأ استطيع أن اكرر الخطأ ثانية "
"اي خطئٍ هذا ؟؟؟" سألته بمرارة فأشاح بوجهه عنها دون ان يجرؤ على الأعتراف بما يؤرقه ...وبعد صمتٍ دام لثوانيٍ قال " ان بقيت معي فستكونين زوجتي لأني لن ارضى بغير هذا .....لكني اعرف يقيناً اني سأندم كل ما رأيت حزنك وخوفك..."
"لماذا تفترض هذا؟؟" سألته بحيرة
هتف بألم "لأني عشته ورأيته ...ولا أريد ان أكرره ثانيةً ...انا سأظل من أنا عليه ...و بوجود هؤلاء الطغاة في سدة الحكم فهذا يعني اني سأظل مطارداً طوال عمري...فهل هذا الأمر مناسب لانشاء عائلة....لا ..لذاعليك ان تبتعدي .. وتعودي لبلدك..(ثم تابع بمرارة وهو يغالب المه )وتنشئي اسرتك..هناك..أسرةً آمنةً سعيدة ...وسأكون سعيداً...من اجلك".أنزل ذراعيه عنها وابتعد ثانية صوب الزاوية الاخرى يجاهد نفسه بقسوة..
همست بحزن باكية " كيف تتصور اني قد افعل هذا,كيف تتصور ان اكون لغيرك...انا ..احبك انت..غابرييل ارجوك "
"لا لونا ..لا...لن اضحي بك..."قال باصرار
ردت بحنق باكية " لم تظن انك وحدك من يريد ان يضحي بنفسه من اجل وطنه..انا اريد ذلك ايضاً..اريد ان اغير الاوضاع واساهم في انقاذ الارجنتين..واريد ان افعل ذلك معك أنت ... وانا بقربك "دنت منه واسندت رأسها على ظهره تلتمس قربه لكنه لم يغير موقفه بل رد بجمود
" ليس لك مكانٌ هنا..لأنك لن تستطيعي فعل شيء ,نحن بالكاد نستطيع (زفر بتعب وصمت لوهلة ثم استدار نحوها ونظر لها برجاء وهمس ) ..لكن ان عدت لأمريكا ربما تتمكنين من خدمة وطنك بشكل افضل..."
" غابرييل..(عانقته بقوة ترفض ان تتخلى عنه كما يطلب منها ,فزحفت يداه لا ارادياً واحاطتها بشوق واحتضنها برقة قبل ان يسمعها تقول بأنفعال)..ارجوك ..لا تبعدني عنك.."
" ليتني استطيع..لكني ...(وهوت ذراعاه عنها ثانية وهتف بأسى ) لا استطيع.. لقد عزمت امري لونا..والدرب الذي سأسلكه سيكون شائكاً ولن اقبل ان تتمزقي فيه ... " تركها وخطى بتثاقل صوب السرير وجلس على الارض ودفن رأسه بين كفيه ليخفي امارات الضعف المرتسمة على وجهه..."ليتني استطيع ان ابقيك معي ...لكني لا استطيع .."
فكرت وهي تراقب انفعاله الواضح انه كما قال دافيد تماماً..يحبها ويريدها لكنه في نفس الوقت يتعذب من اجلها,فأدركت السبب في كل ما يفعله...انه يخشى عليها من ان تعاني ثانية لذا يريد ان يبعدها عنه ليحميها من خطر السير في طريقٍ شائكٍ قرر بثباتٍ وعزمٍ ان يسلكه وحيداً حتى تتحرر بلاده , ولم يعلم أنها مستعدةٌ لسير في هذا الطريق طالما كانت معه لأن بعدها عنه يعني الجحيم بذاته ,كيف تقنعه ببقاءها ,كيف تقنعه بأنها اصلب مما يظن ,تقدر على مواجهة كل الصعاب طالما هي معه...الم يجتازاً جحيم الاعتقال معاً ..إذاً سيجتازا كل الصعاب معاً ...
لكنها صمتت ولم تخبره بما تفكر به ,وبما نوت القيام به...فهي ستحارب من اجله..وستنجح , لطالما كانت تنجح في كل ما تسعى له...لن تضعف الآن او تستسلم ,لكنها لن تجادله اكثر فهي ترى مقدار تمزقه واضطرابه ,وتعرف عقم المحاولة الآن لذا صمتت وبدأت تنتهج استراتيجية مختلفة ..
تنفست بعمق ولملمت ردائها الذي انسدل مبرزاً كتفيها في تلك اللحظات المحمومة التي عاشتها معه قبل لحظات..واقرت انها رغم طوقها له وحبها الشديد -الذي تدرك تماماً انه يبادلها اياه- لكنها لن تدفعه لما يكره لذا استجمعت ارادتها وعزمها وخطت نحوه متجنبةً الاحتكاك به وجلست على حافة السرير ,وقالت بثبات وجمود بعد فترة من الصمت " رغبتك بأن تبتعد عني لا تعني ان تظل طوال الوقت جالساً على الارض باردة ,فهناك متسعٌ لكلينا ,ولا تخشى شيئاً فأنا لن افترسك.."علقت بتهكمٍ ادهشه كما حيره موقفها الفاتر الذي رضخ لارادته في النهاية والذي كان من المفترض ان يفرحه لكنه لم يفعل...
ازدرى ريقه وهو يرى نظراتها الباردة الخالية من اي عاطفة كاللتي كانت تشع فيهما قبل لحظات فقط..وعادت تحدثه بفتور دون ان تظهر اي انفعال "يمكنك الجلوس هنا..فأنا بكل الاحوال لن استطيع النوم..في هذا المكان الكئيب التعس"
"لونا.." همس بخفوت وألم لم يتصوره فبرودها قتله...لكن اليس هذا ما أراده..؟؟!!
دثرت نفسها بالغطاء بأحكام وازاحت جسدها لتلصق بالحائط مفسحةً له المجال فزفر ببؤس وانزعاج ورفع نفسه وجلس بقربها ,مقراً بأن هذا افضل بكثير فبرودة تصرفها ستعينه على تحمل هذه الليلة الطويلة اكثر من لو الهبته بعواطفها الجياشة , لكن على خلاف ما تصور فقد زاده الصمت الثقيل الذي ساد بينهما ارهاقاً واضطراباً فسعى للأنشغال عنها بمحاولة فاشلة في مراجعة بعض الاوراق التي معه ,لكنه ظل يقلبها بين يديه دون ان يركز على كلمة فيها متمنياً ان تنتهي هذه المحنة بسلام ليعود الى غرفته ويحبس نفسه فيها ثانية ,واكد لنفسه بأنه لن يخرج منها ً الا حين تغادر لونا فذلك اسلم له..ولها....
ارتسمت ابتسامة ماكرة على زاوية فمها لم ينتبه غابرييل لها ,مدركةً بأنها بصمتها وجمودها ازعجته اكثر من ثورتها وحبها.. لكنها لا تنوي الكتفاء بالصمت لأدارة معركتها الجديدة ,لذا قررت ان تبدأ بالحديث معه لكن يجب ان تختار ساحةً امنة ليشاركها الحديث دون ان يتراجع ,وما افضل شيءٍ يجيده غابرييل ..
"التعليم طبعاً .." فكرت بثقة ومكر..."لنرى كيف سأدفعه ليتكلم .." واسترعى انتباهها كتابٌ صغير بدى لها من بين اوراقه المحشوة بفوضىوية في حقيبته الجلدية فمدت يدها نحو الحقيبته واخرجت الكتاب منها والذي ظهرت عليه صورةٌ مظللة لرجل ما لم تدرك من هو ,رفعت الكتاب نحوها وهي تدرك انه يتابع كل حركةٍ تقوم بها دون ان يظهر ذلك.. سعت لقراءة الاسم المدون ( تشي جيفارا) ثم قالت مستفسرة وكأنها تخاطب نفسها ..."من هو..هذا؟"
ولم تدري انها قد اثارته بمجرد ان نطقت الاسم بهذه الطريقة الجاهلة البلهاء فنظر اليها وعلق بأتسهجان "حقا لا تدركين..من هو..؟؟؟"
هزت كتفيها بخفة وبرائة وهي تسعى لأخفاء فرحتها بظهور بوادر نجاحها في وقتٍ قصير وعلقت بخفوت "وهل هو شخصٌ علي ان اعرفه ؟ يبدو كمغن راب "
"مغني راب!!!(علق بأستهجان ثم ضحك بتهكم وقال ) لو سمعك جيفارا تصفينه هكذا لرضي بالطريقة التي مات بها قتلاً بالرصاص واعتبرها ارحم من وصفك "
رفعت حاجبيها بأستهجان وقالت "حقاً !! من يكون هذا الجيفارا ..."
فقال محاولاً تذكيرها " عند الحاجة نموت من اجل الثورة ولكن ...من الافضل ان نعيش من اجلها..اتذكرين ذلك.."
كانت قد سمعت هذه العبارة من قبل ,ربما هو اخبرها بها ,لا تذكر حقاً... لكن يكفيها انها بتساؤلاتها الحمقاء قد دفعته ليتكلم معها دون تحفظ ,لذا واظبت على سلوك هذا الطريق فقالت بقلة اكتراث
"لا ادري اظن اني سمعت هذه العبارة سابقاً " حفزه جهلها بلعب الدور الذي يجيده اكثر من اي شيءٍ في العالم ((المعلم )) لذا اخذ الكتاب من يدها وفتحه واراها العبارة ,امالت رأسها ونظرت للعبارة المكتوبة بالاسبانية وقد رسمت على محياها نظارت الجد حاولت قراءتها فبدت مضحكة وهي تتهجاها..فضحك رغماً عنه من طريقتها المثيرة للضحك,فرفعت حاجبها باستهجان فلجم ضحكته وتنحنح قليلاً قبل ان يقرأها بصوته القوي المؤثر ثم ترجمها للأنجليزية ,فأشارت له لعبارةٍ اخرى فقرأها لها وترجمها
" الطريق مظلم وحالك ..فاذا لم نحترق انت وانا فمن سينير الطريق؟؟"
زفر بألم وكأن هذه العبارة اثارت لديه مشاعر وذكرياتٍ مؤلمة وقد صدق حدسها حين اقر بعد وهلة " هذه العبارة كانت لتعجب ابي ...لكن ابي احترق ومات ولم ينر الطريق... " صمت لوهلة يستذكر اباه الحقيقي لكنها لا تريده ان يستكين ويصمت لذا حفزته قائلة ..
"اخبرني المزيد..ارجوك " نظرت له ببراءة فعاد يقرأ عبارات اخرى
" قد يكون من السهل نقل الانسان من وطنه ولكن من الصعب نقل وطنه منه..:"
نظر لها وابتسم وقال" هذه عبارتي المفضلة.."
"تلائمك تماماً .." اقرت بأعجاب
فتخلى عن حذره وتابع معلقاً وهو يبتسم " اسمعي هذه فهي تلائم اليخاندرو حقاً ( علمني وطني بأـن دماء الشهداء هي التي ترسم حدود الوطن) "
"اظن انها تناسبه فعلاً "قالت ضاحكة فشخصية الخاندرو ثائرة جداً...
وردد عبارة اخرى " يقولون لي اذا رأيت عبداً نائماً فلا توقظه لئلا يحلم بالحرية..واقول لهم اذا رأيت عبداً نائماً ايقظته وحدثته عن الحرية"
فهمست بحزن وخجل "مثلي انا...اليس كذلك ؟! فقد كنت غافلة عن كل ما يجري حولي ..(ونظرت له بعيونها الساحرة وهمست بامتنان صادق )لكنك ايقظتني من نومي لذا ارجوك حدثني عن الحرية أكثر فقد كنت وقبل وقتٍ قصير اظنها ان افعل ما يحلو لي وتبين اني مخطئة "
نظر لها بأمعانٍ و أعجاب شديد من صراحتها ثم قال بصدق "الحرية تبدأ حين يزول الجهل ..."
نكست رأسها بخجلٍ وقالت "وأنا اسيرة جهلي "
هتف برقة "لا ...لم تعودي كذلك ,لأنك قررتي ان تفهمي وتعرفي "
ابتسمت له بأمتنان ,كان يجيد حقاً مواساتها فسألته "ما هي الحرية ؟!! اعني الحرية الحقيقية ؟؟وليست تلك الحياة المستهترة الجاهلة التي كنت اعيشها واظنها حرية "
تنفس بعمقٍ قبل ان يقول " الحرية هي سماءٌ زرقاء رحبة ...تتسع للجميع وليست حكراً على احد,وليست امتيازاً يختص به أناسٌ دون الآخرين ,بل هي حقٌ للجميع ,لكن مع الأسف لطالما كانت سلعة يسعى الكثيرون لأحتكارها رغم انها بسهولةٍ يمكن ان تكون ملكاً لنا جميعاً وبالمجان...."
"لماذا؟؟؟ "سألته بحيرة
فرد باسف "من اجل السيطرة "
"السيطرة ؟!!" تسائلت بأستهجان
فهز رأسه وقال بثبات "السيطرة ...لضمان المصلحة ..."
كانت لا تفهم حقاً ما يقصد ورغبت بفهم المزيد لكن كان يجب ان تعرف اولاً من هو هذا الشخص الذي صورته على الكتاب فسألته "هل الحرية هي ما كان يسعى له هذا الشخص ما أسمه ؟؟! "سألت بشكٍ وهي تشير لصورته
فذكرها بعتب " تشي جيفارا.." فقد ارادها ان لا تنسى اسمه وبالفعل تذكرت لونا حين لقبه المحقق البغيض مرة اثناء تعذيبه "بـ تشي جيفارا" كما ان اليخاندرو ذكر اسمه ايضاً في معرض حديثه هذه الليلة , فسألته بفضول
"من هو.؟؟؟ وما علاقته بالحرية التي تتحدث عنها "
اجابها بفخر رجلٍ تشرب الفكر الاشتراكي منذ طفولته " انه قائد ثوري عظيم أرجنتيني المولد والمنشأ , بعد أن انهى دراسته للطب في الجامعة سافر إلى جميع أنحاء أمريكا اللاتينية مع صديقه على دراجة نارية ,وفي هذه الرحلة تحددت أحاسيسيه ونمت مشاعره بعد ان شعر بمقدار الظلم الواقع على دول أمريكا الجنوبية من الإمبرياليين ، و رغم انه كان ابن عائلة ميسورة الحال ويستطيع ان يستمتع بالحياة دون مشاكل لكنه لم يقدر على مشاهدة الفقر المستوطن هناك دون ان يفعل شيئاً ,لقد غيرت هذه الرحلة من تفكيره وصار ثائراً على الظلم والذي مثلته الامبريالية بالنسبة له , اراد القتال في سبيل الحرية فانضم لفيدل كاسترو في ثورتهم الكوبية ولعب دوراً محورياً في نجاحها وقضى على النظام الدكتاتوري هناك..برأي انه نسخة اليخاندرو الاصلية ، لقد كان قائداً عسكرياً محنكاً ، مما حوله لأيقونة و بطلاً قومياً ، وزادت شعبيته في نفوس الناس بالأخص الفقراء والمستضعفين حتى بعد مقتله ,لقد أصبح رمزاً وشارة عالمية للثورات والعدل "
"لكنك تقول انه ساعد فيدل كاسترو في ثورته وهذا الرجل عدوٌ لبلادي.." قالت باستهجان
"لمَ هو عدو لها ؟؟ألأنه يحمل فكراً مخالفاً لأمريكا..." سألها بهدوء محاولاً تحفيزها لتفكر فهزت كتفيها وقالت بصدق كعادتها
"لا ادري...كل ما اعرفه انه مجرم و عدو لنا...."
"في امريكا يوصف امثالهما بأنهما مجرمون وأرهابيون ...لكن في بلادهم يعدونهم ابطالاً "أقر ببساطة فنظرت له بحيرة وقالت "كيف هذا...؟؟ لا أفهم "
تنفس بعمقٍ وقال "قد نختلف بالأفكار والمعتقد ,قد نتشاجر وتتعارض مصالحنا ,فهل هذا مبررٌ لنتقاتل ,البعض يظن ذلك لأنهم يريدون السيطرة والتحكم..." رد عليها بكلمات مقتضبة افهمتها قصده ..ساد بيهما الصمت لدقيقة قبل ان يتابع بحزن "دائماً نهاية الصراعات مأساوية ,جيفارا تبنى فكراً اشتراكياً ثوري دموياً ظنه السبيل الوحيد لتحقيق حلمه ومساعدة المظلومين ,لأنه آمن بمقولة لا يفل الحديد إلا الحديد كما يؤمن اليخاندرو....وهذا ما أعتبره البعض تخريباً ومضراً بمصالحهم فلاحقوه وقتلوه ، لكن لا يزال الكثيريين يتذكرونه على أنه بطل ثوري سعى للحرية وحارب الاستعباد فصار رمزاً لكل ثوري ,لقد كان يلهم الكثيرين كأبي واليخاندرو وكانوا يربونا على حبه.. "
" هل اليخاندرو يكرهني لمجرد اني امريكية.." سالته لونا بوجل..
" لا اليخاندرو لا يكرهك انت شخصياً..على العكس..لكنه يكره الامبريالية التي تمثلها امريكا..."
"وانت..؟؟؟ "سألته بترقبٍ وخشية
نظر لها وقال بصدق.." انا ادرك ان امريكا تسعى لحماية مصالحها ...لكن هذا لا يعطيها الحق بفرض رؤيتها على الدول الاخرى والتدخل بشؤونها الداخلية ,برأيي علينا احترام بعضنا..وقبول الاخر تماماً كما قلت انتِ ....المشكلة ان الدول الكبرى كالولايات المتحدة و حتى الاتحاد السوفييتي يتعتبرون دول العالم الثالث ساحة خلفية لمعاركها من اجل فرض سيطرتهما على العالم ,كلما تبنت دولة ما فكر احدى هاتين الدولتين وضعت نفسها فوراً في خانة العداء للدولة الأخرى...استقطابٌ كريه زاد في حدة الصراع بين الدول الصغيرة .. انها الحرب الباردة كما يسمونها ..رغم سخونة الدماء التي تهرق فيها"
" وامريكا طرف فيها..!!!" سألت بعدم تصديق
" اجل..وطرف رئيسي..اسمعي انا اعلم انك لست تمثيلينها..وربما لم تكوني تعلمين بسياسة دولتك الخارجية لكنها بالفعل تسيء لنا بمساندتها لأنظمة حكمٍ متعسفة كالتي تحكمنا ...انا لا اقول هذا لتكرهيها ....لكن اظن ان الصواب ان نقف مع دولنا ان كانت على حق ..وان نمنعها من الظلم ان كانت على خطأ, اذكر مرةً اني قرأت عبارةً قالها مارك توين تقول
loyalty to the country always, loyalty to the government when it deserves it اي الولاء للوطن دائما ,والولاء للحكومة عندما تستحق ذلك ".
"انا لا اظن اني افهمك ...لطالما اخبرتني امي ان الوضع في امريكا افضل مما كان عليه في الأتحاد السوفيتي..." علقت بحيرة مستذكرة كلام امها عن الحياة القاسية التي عاشتها في طفولتها في ظل الحكم الشيوعي في روسيا...
"كل دولة تعتنق مذهباً وفكراً تظنه الاصح والافضل وتريد نشره لباقي العالم ...أو علي القول تريد فرضه على العالم بالأكراه... "
"وايهم افضل ؟؟" سألت بحيرة
"ولا واحد منهما ,بنظري كلاهما (امريكا والاتحاد السوفيتي )على نفس الدرجة من الأستبداد " قال بصدق
رفعت حاجبيها باستغراب وسألته بشك "لكن انت اشتراكي اليس كذلك ؟؟" كانت محتارةً بشأنه رغم انها ليست واثقةً حقاً من معنى اشتراكي لكنها كلمةٌ ارتبطت دوماً في فكرها بشيوعية السوفييت ,فضحك بخفةٍ وقال "انا انسان حر ...أؤمن ان كل انسانٍ من حقه ان يعتنق مذهبه لكن عليه ايضاً ان يحترم الآخر وأن خالفه ...ولدت لأمٍ كاثوليكية متدينة ولأبٍ شيوعي " ثم تابع الشرح.." فلم علي ان اتبعهم ,هل لأنهم اهلي...؟؟؟ لماذا نتلون بلون واحد ..لماذا يجب ان نكون ابيض او اسود ..لمَ لا نعيش بمزيجٍ من الالوان ,العالم خلق بالألوان لأن المزيج هو الافضل "
ردت بأعجابٍ لتعبيره "معك حق "ثم سألته بحيرة "لكن لا أفهم بعد لمَ تفعل الدول العظمى هذا.."
"المصالح يا لونا المصالح.." اقر بضيق
زفرت بقوة كانت تريد ان تخوض معه نقاشاً لتدفعه للكلام بلا تحفظ وقد نجحت لكنه بكلامه فتح لها باباً لم تستطع اغلاقه لأنها ببساطة تريد ان تفهم..نظرت أليه وسألته بارتباك "هل احتلال امريكا لفيتنام يقع ضمن ما يسمى الحرب الباردة "
"اجل..ومن الجيد انها انتهت لقد تسببت في موت الملايين ودمار شامل للبلاد ومن اجل ماذا ؟؟؟...بعض المصالح الضيقة التي تبين انها لم تغني أحداً سوى ثلةٍ من الوصوليين " اقر بضيق
اقرت بخجل "اتعرف لقد شاركت مرة في احدى المظاهرات المناهضة للحرب على فيتنام ,كنت في السابعة عشر يومها.( نكست رأسها خجلاً واقرت ) الحقيقة..لم اكن اعي حقيقة ما يجري هناك لكني شاركت فقط لأغيظ زوج امي و...اردت التقاط بعض الصور..(تابعت باسى )..انا جاهلة حقاً غابرييل ...كل ما شغلني ..هو الصور..لم افهم..شيئاً عما يجري ولم اكن اكترث ..كنت ...(صمتت لأن العبارات خنقتها ).
" لونا ..كثيرٌ من الناس مثلك..لا يدركون حقيقة ما يجري..او يتجنبوه...لأن الواقع مؤلم ...لكن يجب ان نعلم حقاً ما يدور حولنا ونفهمه..والاهم ان نقدر الاخرين ونحترمهم...لن تنتهي الحرب ونزاع السيطرة..سيظل دوماً موجوداً..دول تدعم..ودول تعارض ,دول تمد بالسلاح..ودول تحارب ,كلما انتهت جبهة فتحت اخرى ..."
" هذا مخيف.." ردت باستياء..ووجل..
"اجل..اعرف..." تنهد بأسف واخذ يحدق بدفتر ملاحظاته وزفر براحة وهو يفكر بأنه لو خلف دفتره وملاحظته تلك في المنزل ربما أُخِذ كل اهله الان واعتقلوا ,كان يرجو ان تنتهي حملة التفتيش على خير..
"غابرييل ..ماهذا؟؟"...كانت تنظر لدفتره..وترغب في التعلم والفهم اكثر..واكثر ما ترغب به ان تشاركه احلامه وافكاره
اجابها بشكلٍ حالم " انها ملاحظات ادونها لنشرها في اطروحتي ,(ثم اكمل بوجوم ) لقد صودرت مدوناتي السابقة بالتأكيد ,تذكرين كل الأوراق التي كانت مبعثرةً في غرفتي يوم اقتحم الخاطفون شقتي ,خشيت اني قد فقدتها للأبد ,ويصعب على الأنسان ان يستذكر كل ما كتبه ,لكن بعد هروبنا وفي فترة نقاهتي عادت الأفكار تغزو عقلي مجدداً فدونتها ...لربما يوماً ما اتمكن من تدوينها في كتابٍ ونشره ..."
"عن ماذا تتحدث؟؟.."سألته بفضول
" عن تاريخ بلادي...الارجنتين..؟" رد بفخر
"هل تخبرني عنها قليلاً..ارجوك اود ان افهم..اود حقاً ان اعرف المزيد...انا اخجل من نفسي الآن لكرهي للتعلم فيما مضى ..لكن اظن ان الاوان لم يفت ..اليس كذلك..؟؟" سألت بأمل
" لا لم يفت...:" رد برضىً ونظر في عينيها الرائعتين وتذكر ما شعر به اول مرة حين رأها,اقر لنفسه انه انجذب لجمالها منذ أن وقعت عيناه عليها ,لكن حين تعرف عليها عن كثب اسرته شخصيتها المميزة والمثيرة ,لقد جذبته جداً بل افقدته توازنه بعفويتها وصدقها وحتى بروحها المتمردة ...يدرك تماماً بأنها لا تملك ثقافة واسعة ,وغير ملمةٍ بكثيرٍ من الأمور ورغم هذا سحرته ,فكيف الحال بها لو صارت كما يرغب
"ستكون اروع من ان أفقدها "أقر بانفعال لكنه عاد وزجر نفسه التي عادت تمنيه بحبٍ مستحيل وتنفس بعمق حتى لا يدخل في متاهة جديدة وقرر التركيز على اجابتها فقال :"اترغبين حقاً في ان تعرفي تاريخ بلادي..؟"
" اجل فهي بلادي ايضاً...اليست بلاد ابي...اتدري انا لم افكر بالأمر سابقاً لكني متعددة الجنسيات.. (ضحكت بخفة وتابعت )امي روسية ابي ارجنتيني..وانا ولدت في امريكا..ً..انا مزيجٌ مربك ههههه"علقت بتهكم لكنه لم يؤيدها بذلك بل قال باعجاب
"هذه ميزة قد تثريك ..وتكسبك افضلية...ان استطعت ان تجمعي كل الاطراف..معاً..."رد بلطف
" اجل معك حق..والان هيا اخبرني ..عن الارجنتين ..اخبرني كل شيء.."علقت بحماسة
رد ضاحكاً " اه كل شيء لا اعتقد اني استطيع ذلك فالحديث لن ينتهي ..."
"ارجوك ...غابرييل ...اريد ان اعرف "علقت بدلال طفولي بريء لكن رغم هذا اثاره حد الجنون ,فقال بمداعبة "ألن تسأمي ..."
ردت بثقة "معك ...لن اسأم ابداً " عادت تثيره بأبسط كلماتها التي تحمل معانٍ عدة ...لكنه رفض ان يفشل في مهمته كمعلم والتزم بحيادته وقال بثباتٍ "الموضوع طويل وشائك ,لكن سأسعى لاختصاره ما استطعت فهل انت مستعدة "
"اجل مستعدة .." ردت بثقة
"حسناً اسمعي...من اين ابدأ "فكر لوهلةٍ يحاول استجماع افكاره فعلقت بثقة
" من البداية ..كيف نشأت الارجنتين..؟؟" سألت بفضول
" من البداية ...لن انتهي ابداً( قال ضاحكاً ثم اكمل بجد)..حسناً اسمعي سأحاول ان اصيغ الأمر كقصة"
عدلت من هيئتها ونبهت حواسها وانصتت بأهتمامٍ كطفلةٍ تنتظر بشوقٍ قصة جدتها ,لكن هذه القصة ليست مجرد روايةٍ خيالية بل هي حقيقة وواقع ,وليست جدتها من تقصها بل فارسٌ اسر قلبها واستملكه ...
قال بهدوء " حتى نفهم ما يجري في بلادي أعني في بلادنا علينا ان نعرف كيف انقسمنا على انفسنا هكذا..كيف صرنا مختلفين لهذه الدرجة...لذا سأبدأ من زمن الحملات الاسبانية التي غزت الامريكيتين ... قبل مئات السنيين حين جاء الغزاة الاسبان الاوائل لهذه الأرض,ولم يكن في ذهنهم سوى شيءٌ واحد ...ان يحملوا الذهب والفضة من بلادنا ويعودوا بها لأسبانيا ليملأوا خزائن ملوكهم الطغاه ,لم يكن الاستقرار والاقامة في هذه الارض واعمارها وارداً لديهم أبداً , كانوا جنوداً حاربوا على صهوة جيادهم ولم يفكروا كمزارعين يهتمون بحراثة الارض ,رغم ان ارضنا سخية معطاءة ...
استعمروا الأرض واستعبدوا سكانها وكادوا يفنونهم لكن رغم هذا لم يستطيعوا ...جذبتهم الأرض لحصنها وابقتهم فيها وأثرت عليهم أو الأصح ان اقول على جزءٍ منهم ....وحصل تناسل بين الاسبان الغزاة والسكان الاصليين برضاهم او بدونه ...وانتج امتزاجهم هجيناً يسمون (الغاوتشو) ,ففي زمن تكاثرت فيه القطعان حتى ملأت الأرض كان الغاوشو يمتطون صهوة الجياد و يعملون في صورة متقطعة لدى مربي الماشية الاغنياء من اصحاب المزارع الشاسعة, ثم تبدل الحال بهم وبعد ان كانوا احراراً يعشون على صهوة الجياد اجبرت الظروف العديد منهم ليستقروا وصاروا مزارعين كادحين ,وكثيرٌ منهم نجحوا وصاروا من ملاك الاراضي بعد ان كانوا مجرد عمالٍ فيها ,وامي تنحدر من سلالة هؤلاء الناس , وهم اشخاص شديدو البأس وشجعان ..لكنهم يعتزون بأرضهم كثيراً ويكرهون ان ينافسهم احد فيها ..
وفي عام 1879 شرّعت الارجنتين ابوابها امام موجة هجرة عارمة قلبت الاوضاع رأساً على عقب وادخلت البلد الى الحداثة من أوسع ابوابها , لكن المهاجرين القادمين كانوا في معظمهم مجرد فلاحين فقراء جاؤا ليبحثوا عن فرصة للحياة الكريمة,جاءوا من دولٍ كثيرة كايطاليا واسبانية وجنوب غرب فرنسا ,بالاضافة الى بعض يهود روسيا وبولونيا وقدم الينا السوريون واللبنانيون والكرواتيون , لقد تضاعف عدد السكان عشر مرات على الأقل وشكل هؤلاء المهاجرين غالبيةً كبيرة من السكان ,لكن الاندماج السريع المفترض لم يحصل, فكان من المستحيل الحصول على ملكيات "صغيرة" كون الاراضي الصالحة للزراعة جميعها باتت بين ايدي الاوليغارشية الريفية الكبرى. ولتحقيق الثراء عليك ان تكون ثريا! ..
وقد دفعت هذه الظاهرة بالمهاجرين الجدد الى استيطان المدن بعدما منعتهم من الارتباط بأرض لا يملكونها, فامتهنوا التجارة والوظائف العامة والمهن الحرة والحرف الصغيرة, وبعد وقتٍ قصير اصبح لهم ثقلهم بالمجتمع ,وارادوا ان يشاركوا بالحياة السياسية بعد ان صاروا يشكلون غالبية , فاتجهوا نحو الحزب الراديكالي الذي شعروا انه الوحيد الذي يمكن ان يمثلهم..وقد فاز مرشحهم بانتخابات 1916 وهكذا وصلت الطبقة الوسطى الجديدة الى السلطة وكانت النموذج الراديكالي المثالي للارجنتين المتعددة المشارب,لكن الصراع بدأ منذ ذلك الوقت ولم ينتهي حتى اللحظة .... "
"صراع ماذا؟؟؟ " سألت بفضول
فاجابها بثبات "صراع النفوذ والسيطرة والذي يتغذى بالخفاء على القيم الفكرية المتباينة والنزعات القومية واستبدادية الرأي واحقية الملك "
شعر انها لم تفهم كلامه فتجاوز التعليق على ذلك واكمل يقص عليها باقي القصة " وحدث ما اعتبره انه العصر الذهبي للبلاد ,إذ تحولت بيونس ايرس من قرية كبيرة الى عاصمة حديثة من الطراز الاوروبي, تنطلق من مركزها الحيوي افضل البضائع لتصدر لأوروبا , اللحوم والقمح والاصواف والجلود ,فقد كانت اوروبا يومها منهكةً وتعاني من اقتصادٍ شبه مدمر بعد خروجها من حرب العالمية الاولى,بينما كنا هنا في الأرجنتين نحتل رأس قائمة الدول الاميركية اللاتينية في الازدهار ونسبة التعليم.
وحين جاءت الازمة الاقتصادية العالمية القاتلة 1929 وأنتشر الكساد الكبير تأثرنا به كما العديد من دول العالم ,ولم تصمد الحركة الراديكالية التي مثلت الطبقة الوسطى وعندها استغل الجيش الامر وقاموا بانقلب عسكري ونصبوا في رأس الهرم السياسي سلسلة من الجنرالات القوميين لتعيش البلاد من يومها (عقداً دنيئاً ) من الزمن".
زفر غابرييل بقوةٍ وهو يستعرض الأحداث التي مرت على بلاده حتى قبل مولده ثم اكمل بنوعٍ من التهكم " ثم ظهر على مسرح الاحداث عقيد غامض معجبٌ بالنزعة الجرمانية، عاد من دورة تدريبية في كل من ايطاليا الموسولينية واسبانيا الفرنكوية، هو خوان دومنغو بيرون....ارجو ان تتذكري اسمه جيداً يا لونيتا فهذا الرجل سيغير موازين القوى ومجريات الآحداث في الأرجنتين ....ولأكون منصفاً علي ان اقول بأن بيرون كان لديه من النبوغ السياسي ما يكفي لكي يدرك ان من يسيطر على العمال يسيطر على الدولة,لذا خلق نوعاً من التوائم بين السلطة والطبقة العاملة وقد ساعدته الحرب العالمية الثانية لاعادة اطلاق الاقتصاد وازدهرت البلاد في عهده,فحاز على شعبية كبيرة لدى الطبقة العاملة وصار ينظر له كبطل ...لكن شعبيته المتنامية لدى الشعب اقلقت الجنرالات القوميون فاجبروه على الاستقالة..فحصلت في بيونس ايرس ظاهرة غير مسبوقة اذ غضب الشعب ونزلوا للشوارع مطالبين بعودة "الجنرال الطيب "
شخر غابرييل بتهكم وقال مؤكداً "هكذا كانوا يلقبونه الجنرال الطيب..."
شعرت لونا بتهكمه فسألته بفضول "أو ليس هو كذلك؟؟؟"
كتف غابرييل ذراعيه على صدره وأقر "انه شخصيةٌ معقدة تستوجب الدراسة بتمعن وللأنصاف يجب ان اقر بأنه بدأ مسيرته بشكلٍ مبهر مما دفع الشعب العاشق له لتحدي الجنرالات والمطالبة بعودته وهو ما عرف بيوم الصدور العارية ,اذا خلع معظم العاملين قمصانهم وأخذو يلوحون بها ....وهو يعتبر تاريخ تأسيس الحركة "البيرونية" التي تحولت بعد ذلك الى اوسع حركة جماهيرية في تاريخ الارجنتين، وهكذا عاد بيرون بفضل الشعب للحكم بعد فوزه بانتخبات 1951"
تكدرت ملامح غابرييل بشدة وهو يتابع بمرارة " لكنه عاد مع الأسف بنظرةٍ استبدادية حتى يضمن امساكه بزمام الأمور و لا يدع المجال لأحدٍ لأقصائه من جديد...وسعى في سبيل ذلك بالقيام بتطبيق سياسة تأميمات واسعة النطاق واقامة نظام شعبوي فريد،ظاهره مؤيدٌ ومفيد للشعب لكن نظامه مع الأسف كان يشبه الفاشية من حيث تقديس القائد عن طريق الدعاية المنتشرة في كل مكان, واستطاع بدهاءٍ منقطع النظير ان يكسب كلا الطرفين (العمال واصحاب العمل ),باختصار تمكن بيرون من جعل نفسه القائد العظيم والمحارب في سبيل الفقراء والعمال...ولكن بنفس الوقت (وحرك بيديه بأشارةٍ واضحة كمن يريد الأمساك بشيءٍ وتطويقه ) كان يطبق عليهم بيدين حديديتن ويقيدهم بسلطته المطلقة "
نظرت له لونا بحيرة وسألته "وهل هذا امر ٌسيء ؟؟؟ اعني اليس من المفترض بالقائد الجيد ان يحافظ على الشعب ؟؟؟" تسائلت بعفوية وبساطة لكن سؤالها لامس صلب الموضوع اذ زفر غابرييل بقوةٍ وقال بتأني " في الظاهر هذا ما بدى لهم انه يخدم مصالحهم .... لقد تمكن بيرون من جر الطبقة العاملة خلفه وعدد لا بأس به من شرائح البرجوازية الصناعية ,لكنه مع الأسف سار في نهج الأستبداد الذي سبقه فيه فرانكو في اسبانيا ,ان القائد المستبد يمنع اي شخصٍ غيره من التفكير او العمل ,يظن انه وحده من يملك الحق في الحكم وإبداء الرأي ...يستأثر بكل جوانب السلطة ... لقد منع حق الإضراب "باسم التقدم الاجتماعي" وحارب أي استقلال لمنظمات الطبقة العاملة ,وحارب اي فكرٍ يعارضه ويعارض نظامه الجديد ,بدأ يطارد معارضيه ,وقمع مئات الإضرابات ، وحُلت الفروع النقابية وتعرض النقابيون المستقلون للتعذيب والاغتيال ...و في تلك الأحداث الدموية قتل والد ادونيكا (زوجة اخي خوسيه ) لقد كانت ادونيكا يومها لا تزل جنيناً في بطن امها والتي عاشت اثناء حملها ظروفاً قاهرة ,فلجأت للأبي ...انا لا اقصد اليخاندرو بل ابي الحقيقي بيدرو... وقد كان زميل زوجها في العمل ,فأشفقت امي على المرأة المسكينة واستبقتها عندنا لتعتني بها لكنها كانت ضعيفة الجسد بعد كل ما تعرضت له من محن وماتت اثناء ولادتها لأدونيكا ..فأبت امي الا ان تحتضن الصغيرة وترعاها ,وهكذا صارت ادونيكا فرداً من اسرتنا..."
" يا الهي ..كم هذا محزن..ان تخسر ادونيكا عائلتها هكذا..." هتفت لونا بأسى
هز غابرييل رأسه بأسف وقال "لم تعرف ادونيكا ابويها يوماً ,فقد رباها ابي بيدرو وامي واعتنى بها اليخاندرو ايضاً بعد موت ابي حين صار زوج امي..... لم يكن ما حصل لأهل ادونكا استثناءً ,فقد امتلأت السجون في ذلك الزمان بالعمال المكفاحيين الذين وشى بهم الاتحاد العام للعمل , لقد نجح بيرون في الهيمنة على مفاصل الدولة وتصوير الامر كصراع قومي تخوضه الأرجنتين ضد ” الهيمنة ” الطفيلية المرتبطة بـ ” الامبريالية “
وحين استعادت اوروبا وضعها الطبيعي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية , اصطدمت الحركة البيرونية بالأزمة الاقتصادية لذا استغل الجنرالات القوميين الطامعين بالحكم الأمر ثانية واستطاعوا الأطاحة بحكم بيرون ففي سنة 1955 بموافقة الإمبريالية الأمريكية التي لم تكن راضية على حكمه لأنه ابدى تحرراً من سيطرتها بسياساته المستقلة ..
" امريكا مرة اخرى.؟؟!!." علقت لونا بخيبة امل حين عادت تسمع اسم بلادها التي تتباهى انها بلاد الحرية يزج به في خضم صراعاتٍ مريعة ,ادرك غابرييل ضيقها ففسر لها بلطف ..
" عزيزتي انها المصالح كما اخبرتك وهيمنة المال...انه يحرك العالم ,الهوس بالسيطرة..كان بيرون مثلهم مهوساً بفرض رؤيته ..كحالهم جميعاً يحملون شعار ((الغاية تبرر الوسيلة ))والذي امقته اشد المقت " زمجر بسخط ,وبعد صمتٍ لم يدم كثيراً اكمل قوله
"رغم انتهاء حكمه لكن البيرونية لم تختفي ,لقد حافظ البيرونيون علي أنفسهم منظمين في عدة روابط غير رسمية ,كانوا يحلمون بعهد بيرون الذهبي الجديد ,لقد نسوا او - الأصح ان اقول - تناسوا ما جرى من قمع في عهده لأنه وعلى فظاعة ما جرى في زمنه كان يبدو لهم كالجنة بالمقارنة للجحيم الذي تلا عهده ....و من هؤلاء الحالميين بانقاذ بيرون كان ابي بيدرو واليخاندرو " علق بتهكم
"كيف ...الم يكونوا غاضبين على بيرون كما قلت لي بسبب سياسته..؟؟!! "سألته بحيرة
فرد غابرييل بتهكمٍ مرير " هذا من سخرية الاقدار فبعد أن ناهضوا سياسة الاتحاد العام للعمل في زمن بيرون اصبحوا بعد ذلك من اشد المطالبين بعودته ...لقد ظنوا انه أن عاد سينقذهم من الظلم الذي شهدته البلاد بعد رحيله ,فقد تم ملاحقة واعتقال وتعذيب كل النشطاء السياسيين و مناصري الرئيس المعزول بيرون وفي تلك الأحداث اعتقل والدي وعذب في المعتقل حتى مات "
شهقت لونا بذعرٍ وهتفت بلوعة واسف " انا حقاً اسفة..لم اكن اعلم هذا.." وفهمت الآن موقف ام غابرييل فهي حزينة وبائسة وغاضبة لأنها فقدت زوجها بشكلٍ بشع وكادت تفقد ابنها ايضاً بنفس الطريقة المرعبة فأي امرأة قد تحتمل هذا ...كانت ترى مقدار تأثر غابرييل وهو يخبرها بما حصل لكنها لم تستطع ان تتمالك فضولها فسألته "..وبعدها تزوجت امك بالايخاندرو اليس كذلك...؟؟؟"
هز رأسه وقال مؤكداً " لقد تعرف ابي على اليخاندرو بعد ان اصيب في احدى التظاهرات ,وقد توثقت صلتهما معاً بعد ان تشاركا الاحلام والطموحات وصارا من اعز الأصدقاء ,رغم ان ابي كان مجرد عاملٍ ثوريٍ فقير واليخاندرو كان طبيباً ماهراً ينتمي للطبقة الوسطى لكن الثورة تجمعهم والاشتراكية توحدهم كما كانا يقولان لنا دوماً ,وبعد موت ابي .." (صمت غابرييل لوهلة وكأن ما سيقوله مؤلمٌ للغاية ,فبقيت لونا تنتظر بترقب حتى عاد للحديث اخيراً وبأسى ً شديد )
" لقد عشنا ظروفاً قاسية يصعب وصفها ,ترملت امي وفي عنقها اربعة اطفال :خوسيه وسيلفيا وادونيكا وأنا بينما كانت حاملاً في شهرها الأخير بأخي دافيد ولم تكن تستطيع اعالتنا ,خرج خوسيه للعمل في سنٍ مبكرة واضطر ان يتخلى عن دراسته ,رغبت ان اساعده لكنه ابى ان اتبع خطاه واتخلى عن دراستي (قالها بشيءٍ من التقدير والأعجاب لأخيه ...ثم اكمل بمرارة ) ,لكن ما يجنيه بالكاد كان يسد رمقنا ,عملت امي بحياكة الثياب وتنظيف البيوت لتوفر لنا لقمة العيش ,ومرةً عاد لها خوسيه مصاباً بعد ان اعتدى عليه بعض الفتيان الأشرار المتسكعين وجردوه من ماله وثيابه ,لم تعد امي تحتمل اكثر خاصةً مع اصابة دافيد بمرض الحصبة ,عندها تذكرت اليخاندرو صديق ابي وذهبت اليه تلتسم عونه ,(تلألأت عيون غابرييل بشدةٍ وهو يتحدث بكل اعجابٍ عن اليخاندرو ) لم يتوانى اليخاندرو لحظةً عن تقديم يد العون لها ,لكنه ادرك ان القليل من النقود لن يكفي لأخراجنا من بؤسنا ...كل ما ارادته امي ان يعالج دافيد ويؤمن لها عملاً لائقاً ,لكنه قدم لها عرضاً لم تستطع رفضه حين عرض عليها الزواج للعناية بنا ...."
تنفس غابرييل بقوةٍ وعاد ينظر للونا وهو يقول بكل تأثر "لقد انقذنا ...بكل ما في الكلمة من معنى ...لقد اعتنى بنا جميعاً وكان خير سندٍ و معين (بدى الفخر والأعجاب يشع من عينيه وهو يكمل ) ..نحن مدينون له بالكثير,لقد ظهر لنا في احلك ظروف حياتنا فأنارها , رغم ظهوره بمظهر الرجل القاسي الجاف الا انه في الحقيقة رجل طيب..وحنون..لقد عاملنا وعامل امي بإفضل مما فعل ابي (وتكدرت قسماته وهو يقر بأسى ) مع الأسف كان ابي صاحب طبع ٍحاد وصعب المراس ..وقد تحملته امي كثيراً لأنها امرأة وفية..لكن مع اليخاندرو كان والضع مختلفاً ,لقد اعاد خوسة ليكمل دراسته وتحمل نفقاتنا وربانا واهتم بنا ...اليخاندرو شخص رائع..ومتفهم ...انه خير ابٍ قد يحصل عليه احد "
ابتسمت لونا له بأعجابٍ بعد ان ادركت مقدار حبه له , لكنها لم تستطع منع سؤالها " انا لم اظن انك معجب به..اعني بالنظر لمناقشتكم وجدالكم.."
فأقر بصدق "نحن نختلف بكثير من الامور لا انكر هذا ...لكن هذا لا يعني اني اكره..بالعكس انا مدين له بحياتي (ثم اكمل بأمتنان ) اتعلمين..قبل نحو ست اعوام نشب حريق في منزلنا ..وقد قام اليخاندرو بأنقاذنا منه كان يدخل بين اللهب ويخرجنا واحداً تلو الاخر..لكن مع الاسف..لم تنجو شقيقتي سيلفيا يومها لقد اختنقت بالدخان وماتت ..وانا اصبت بحروقٍ في قدمي..وكشف عن ساقة فبدى اثر حرق قديم على ساقه..وكذلك حدث لاليخاندرو فقد احترق وجهه وجزء من صدره وعنقه..لقد ضحى بنفسه من اجلنا.."
فأقرت بأعجاب " انه شخص رائع حقاً لكني استغرب لماذا تختلف معه كثيراً .؟؟ "
"اظن انه يتوجب علي ان اكمل لك ما جرى بعد ذلك لتفهمي الامر ..كما اخبرتك فبعد كل القمع والقتل الذي قامت به الحكومة لم يستطيعوا ان يقتلوا الحركة البيرونية وينتزعوها من عقول الناس بل على العكس عززوها اكثر ,فظهر الجيل الجديد في قومية بيرون الذي نظر له كمنقذ "
" وهل كان اليخاندرو منهم ....؟؟"
" اجل..لقد ظهر ما عرف بشباب المونتونيروس..وقد انضم اليخاندرو لهم....بدأوا كمجموعة متعددة الانتمائات مسيحية وقومية واشتراكية يجمعهم هدفٌ واحد هو اطاحة النظام الدكتاتوري القائم , مع الوقت تجاوز الاشتراكيون الجميع وقادوا الحركة واعتنقوا فكرة الثورة المسلحة وانها الحل للتخلص من ظلم الحكومات الفاشية لقد رأوا في الثورة الكوبية وجيفارا كمثال يحتذى به,فقاموا بتكثيف الاضرابات واحتلال المصانع والاحتكاك بقوات الأمن, وشجعوا الانتفاضة العمالية ,لكنهم مع الأسف لجأوا لأسلوب القتل والاغتيالات ,وقد دخلوا جنباً الي جنب مع مليشيا الجيش الشعبي الثوري في حرب عصابات ضد الجيش الحكومي وهذا ما يعرف بالحرب القذرة..التي سفك فيها الأخ دم اخيه ... (قالها بمرارة ,ثم اكمل ) لقد عشنا حرباً لعينة وأردنا التخلص منها بأي ثمن وكان الحل يتمثل في استدعاء بيرون من جديد كمنقذ ,خاصةً بعد ان تمكن شباب مونتونيروس من السيطرة على السلطة سنة1973 وبالفعل فاز بيرون بالرئاسة من جديد موحياً للجميع أنه سيحمل افكارهما ويستعين بهم في الحكم ,وهنا اعني جناح اليمين المتمثلين بقادة إتحاد العمل وجناح اليسار الممثلين بشباب مونتونيروس )...لكن ليس هذا ما حصل بل على العكس تماماً حصلت خلافات عنيفة بين اليمين واليسار وبدل ان تحل عودة بيرون النزاع ,تسببت بأندلاع نزاع مسلح جديد ومريع عرف بمذبحة إيزيزا...وعلى اثرها اتخذ بيرون صف اليمين وقام بطرد ممثلين شباب المنتنيروس من (بلازا دي مايو) ومن الحزب، وهكذا أصبحوا مرة أخرى منظمة سرية ملاحقة وغير مرغوبٍ بها ... انحاز بيرون لليمين وقطع صلاته بالمونتوينيروس بعد ان حاربوا بشراسة لأعادته للحكم عله يساعدهم في تحقيق حلمها بـ "وطن اشتراكي" ...ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل استفحل وتفاقم بعد ان بدأت مرحلة الملاحقة والاغتيالات من جديد ، تم إضعاف المونتينيروس بقسوة، وهكذا افضت البيرونية الجديدة لبروز اسوء دكتاتوريه شهدتها بلادنا حتى اللحظة وبدأ عهد الظلم الذي نعيش فيه..."
زفر بقوةٍ ثم همس بخفوت "اعرف ان ما قلته قد يكون صعباً فهمه خاصة ان لم يكن لك علم بالسياسة ..لكن صدقيني انها لعبة المصالح القذرة والتي تلعب منذ زمن وستظل تلعب لوقت طويل ....وقد كنت ارجوا من خلال ما سأكتبه في كتابي هذا ان انبه الاجيال القادمة حتى لا تقع بالخطأ نفسه,يجب ان نتوحد لونا ...وان نفهم ان الأختلاف في الأراء لا يجب ان يؤدي لأنشقاقنا وقتلنا بعضنا البعض "
ادركت مقدار تأثره وانزعاجه وهو يتحدث عن هذه الاحداث الدامية , وتذكرت ان اليخاندرو اشار الى ان غابرييل شاركهم فسألته بخشية "وأين كنت غابرييل في كل هذه الفوضى ؟!!" حدق فيها ملياً قبل ان ينكس راسه ويقر بأسف...
"مع شباب المونتونيروس ...(ثم اكمل بضيق ) كنت شاباً يافعاً مندفعاً تلهبه الحماسة والفكر الثوري ...حملت السلاح وقاتلت بجانب اليخاندرو الذي كنت أراه مثلي الأعلى ...معتقداً اننا على الطريق الصحيح وأننا نقاتل في سبيل الحرية والحق ....لكن حين اردت احدى رصاصتي احد الجنود النظاميين الذي كان يشتبك معنا في احدى معارك الكر والفر الطويلة التي كانت تدور بيننا ....وتبين لي بعدها اني قتلت بيدي (ستيفان )احد زملائي في ايام الدراسة ,بل كان من اعز اصدقائي ...(تحشرج صوته واضطرب ودمعت عيناه تأثراً وهو يقول ) شعرت يومها بالتخبط فكيف يكون ما نقوم به صحيحاً وهو السبيل للحرية ... كيف لاختلاف افكارنا وتوجهاتنا ان يضعنا على طرفي نقيضٍ حتى يأتي يومٌ يحارب أحدنا الأخر فيقتل احدنا الآخر ...كيف بقتله اكون قد انجزت شيئاً لبلادي كيف؟!! (همس بمرارة ) ....كنت اعرفه ...كان شاباً صالحاً طموحاً مثلي واكثر ...قضينا ايام طفولتنا نلهو ونلعب معاً ...لم اتخيل يوماً ....ان يموت بسببي وعلى يدي......."شهق بلوعةٍ ومرارة وهو يجاهد دموعه ثم اكمل بصوتٍ متألم " ايقنت عندها اننا جميعاً نسير في طريقٍ خاطئ نحن وهم ,لسنا افضل من بعضنا البعض ,الكل يبرر القتل بأنه محق وبأنه يفعل ذلك للحفاظ على بلدنا....كيف يكون الحفاظ عليها بقتلنا بعضنا كيف " سالت دموعه انهاراً لشدة تأثره فتمزق قلب لونا وهي ترى مقدار لوعته ...دنت منه تريد ضمه لصدرها ومواساته لكنه انتفض قبل ان تصل اليه ومسح دموعه بكم قميصه وقال بانفعال" لا تشفقي علي لونا ...لا تفعلي...فأنا مذنبٌ مثلهم...لن ابريئ احداً من جرم ما حصل يومها ,كلنا اخطأنا ...كلنا عشنا جنون تلك الفترة والبعض مصرٌ على ان يظل فيه ...لكني عزمت على تصحيح مساري ,وعزفت عنهم وكفرت بأسلوبهم وقررت ان اسلك درباً آخر..."
لم تدري ما تقول ازاء كل هذا الألم المتدفق من عينيه ودون ان تعي رددت تساؤلاً جال في فكرها "كم كان عمرك يومها ؟؟؟"
تنهد بعمقٍ وسألها بمرارة "تقصدين حين قتلت استيفان ؟؟"
لم تجرؤ على تأكيد سؤالها لكنه تبرع بالأيضاح "واحدٌ وعشرون عاماً ....(زفر بقوةٍ وتابع القول ) انخرطت بالعمل السياسي بعد ان انهيت دراستي الثانوية مباشرة وزادت حماستي لشباب المونتنيروس ايام دراستي للطب ...لكني تركت الجامعة بعد عامين اثنين فقط وانخرطت في صفوف حركة شباب المونتينيروس لأني ظننت ان قتالي معهم أهم من اكمال دراستي ....لكني لم استمر طويلاً فمع نهاية عام 1970وبعد ان قتلت أستيفان انهرت وتركت كل شيءٍ وهربت لأنزوي في غرفتي ,كدت اجن وأنا اراقب ما يحصل من تداعيات وكيف يزداد انقسامنا يوماً بعد يوم ,اردت ان اغير كل ما يجري ...اردت ان اقول لهم يكفي فرقة يكفي قتلاً ...يكفي جنوناً ...لكن كنت وحيداً اصرخ بعلو صوتي دون ان اجد من يسمعني اقنعني اخي خوسيه للعودة لأكمال دراستي علها تنسيني فظائع ما يحصل من حولي ...لكني....(زفر بألم واقر بوهن ) لم استطع ان اكمل دراسة الطب لم استطع ان احقق حلم ابي بأن اصير طبيباً ...لم استطع ان اقف في المشرحة اراقب استاذي يشرح جثة احد الضحايا المجهولي الهوية التي يؤتى بها لكي نتعلم الطب عليها ....كنت ارى وجه أستيفان في وجه كل جثة ٍ تأتي ..." همس بألم
كانت تراقب لونا تقلص وجهه دلالة ما يشعر من ألم ,كم ارادت ان تخفف عنه ...ان تبعد الحزن عن قلبه لكن كيف وهي لا تجرؤ على الأقتراب منه حتى لا يعود لتقوقعه بعيداً عنها ...فآثرت ان تظل صامتة ...
بينما تمالك هو نفسه بشكلٍ مثيرٍ للأعجاب واكمل بخفوت" من وقتها كرهت منظر الجثث ,كرهت منظر الدماء ولم استطع ان احتمل فكرة ان اقف عاجزاً يوما عن مساعدة احدهم ...لم استطع رؤية كيف تغادر روح شخصٍ جسده بينما اقف عاجزاً عن انقاذه....لم استطع ..."همس بمرارة
"غابرييل!!" هتفت بتأثر ولمست ذراعه المتصلبة
فرد بأنفعال شديد "كرهت الموت ...كرهت القتل والدمار....اردت شيئاً يحي ...يحي القلوب والعقول...يحي الحب في نفوس الناس...يقضي على هذه الحرب المجنونة...فلم اجد سوى العلم...."
"ألهذا اخترت دراسة التاريخ بالذات..." سألته بفضول
اقر بصدق "في البداية لم ارد ان ادرس اي شيءٍ واردت ان اعود لقوقعتي ادفن نفسي فيها حتى اموت...لكن سؤالاً واحداً ظل يلح علي (لماذا حدث كل هذا؟؟؟لماذا؟؟؟) كنت مثلك لونا تائهاً جاهلاً ...لم افهم لمَ يحصل كل هذا!!...لم يجب ان نتحارب ونتقاتل ...لم اختلفنا وأين افترقنا؟!! ...بحثت وبحثت لوقتٍ طويل لأفهم ما حصل ووجدت اجاباتي في كتب التاريخ المرصوصة في مكتبتنا دون ان تجد من ينفض عنها الغبار فكيف بقراءتها ؟!! قرأت فيها عن الصراعات السابقة في سباق السيطرة والتنافس والطغيان , ,تتحدث عن ازدهار الحضارات وانهيارها , الأجابات كلها مدونةٌ فيها لكن لا احد فكر ان يستسقيها , يعتبرون قراءتها امراً مملاً ...فاردت ان اخبرهم بالقصة ان اضع اصبعي على الوجع بأن اسوق لهم امثلةً حدثت سابقاً فلما لا نتعلم منها لنتجنب ان نعيد الكرة ,لمَ نخطأ مراراً وتكراراً ونفعل نفس الخطأ ...لمَ علينا ان نتقاتل في سبيل شيءٍ يمكن ان يكون لنا جميعاً " نكس رأسه بانكسارٍ وهمس بخفوتٍ وخشية "لكني اخشى ان لا انجح " وشد على دفتر ملاحظاته وكأنه يخشى ان لا يتمكن من نشر اطروحته يوماً فوضعت يدها على ذراعه وهمست تؤازره "ستنجح غابرييل انا واثقةٌ من هذا "
ابتسم لها بخفوت وهمس بأمل "ارجو هذا لونا ..." ثم تابع باقرار " صحيح ان الاحداث التي رسمت ملامح مستقبلنا تعود جذورها لزمن لم نكن موجودين فيه..لكن اظن ان دورنا يكمن في تغير هذا الواقع المرير..انها حرب فرضت علينا وسنخوضها لكن بسلاح العلم وليس القتل ...وهذا كان خلافي الدائم مع اليخاندرو ولا زال ...فهو يؤمن بأن البندقية هي الحل ..لكن لا ...لقد كنت معه وحاربت بجانبه وجربنا ذلك ,ولم يفضي سوى للقتل والدمار..لكن..بأيدي جيل واعيٍ من الشباب.سننجح ...بالوعي والتعليم سننشئ جيلاً واعياً يدرك حقيقة ما يجري ويعمل على تغيره ..ليس بالعنف بال بالوعي (ثم علق بثقة )اتعلمين اظن ان تلك المظاهرات السلمية التي تقوم بها نساء ميدان مايو ستنجح في تحريك الامر اكثر مما قد نفعل جميعاً..وأكثر مما فعلت البندقية ...او تعلمين لماذا ...؟؟"
" لماذا؟!.."سألت بلهفة وفضول
" لأنهن لا يطالبن بمكاسب سياسية او مصالح دنيوي انانية.....فقط يردن معرفة ما حل بأبناءهن..ولذا اهملت الحكومة امرهنّ حتى الان..ولم تكترث بثلة العجائز كما يسموهنّ..وهؤلاء النسوة هن من سيهزمن الظلم والأستبداد ...انا مؤمن بذلك.. وكذلك كانت اليينا..لذا وثقت اسماء عدد من المختفين ,وارادت نشرها في الخارج لتلفت النظر لقضيتنا..(ثم اكمل بأسى ) لكنها مع الأسف اعتقلت ...ارادوا منعها من ذلك..ولكن الاوغاد لم يحصلوا على تلك الوثيقة او تعلمين لماذا؟؟" هتف بقوة فهزت رأسها بحيرة فاخرج من حقيبته ذات المغلف الذي رأته معه سابقاً قبل ان يعتقلا ...نفس المغلف الذي اعطاه للرجل الغريب في بيت خوانيتا أشارت للمغلف بيده وهمست بدهشة "هذه هي القائمة ...اليس كذلك؟؟؟"
فهز رأسه بثباتٍ واكد لها "اجل اعطتني اياها اليينا في صباح اليوم الذي اعتقلت فيه...كانت تشعر بأن هناك من يلاحقها وتخشى ان تعتقل ويضيع كل تعبها ...اعطتها لي وانا استطعت تهريبها مع ذاك الرجل قبل اعتقالنا وارسلتها لأليخاندروا والآن جاء دورك لونا ..."ومد لها بالمغلف وقال برجاء "اريدك ان تأخذيها ..وتنشريها في بلادك لتفضحي الجريمة النكراء التي تحصل هنا ..هذا دورك.. فهل ستقومين به ..!!"سألها بأمل
اربكها قوله واثقلتها المسؤولية التي حمّلها على عاتقها منذ الآن ..فتحت المغلف بيدٍ مرتجفة فطالعتها قائمةٌ بأسماء وصور عددٍ من الضحايا ,كانت صوراً لرجال ونساء و لفتيات وشباب , العديدون منهم بعمرها والبعض اصغر منها حتى ,لقد شعرت ان الصور تتكلم وتصرخ " حررينا ..انقذينا ...لا تدعي النسيان يطوينا "
كانت تدرك انه وبينما هما يتحدثان الآن فإن عدداً من اصحاب هذه الصور قد باتوا في عداد الأموات ,ومن لم يمت منهم يرزح في جحيم العذاب والمهانة,لذا فإن اي تأخير في نشر هذه الوثيقة سيزيد من معاناتهم لذا هزت رأسها ونظرت اليه بعزم .وقالت.."
"اجل سأفعل ,فهذا اقل ما يمكنني عمله..من اجل بلدي..."


تعريفات:
الأوليغاركية Oligarchy (أحيانا: الأوليغارشية) أو حكم الأقلية هي شكل من أشكال الحكم بحيث تكون السلطة السياسية محصورة بيد فئة صغيرة من المجتمع تتميز بالمال أو النسب أو السلطة العسكرية. الكلمة "أوليغاركية" مشتقة من الكلمة اليونانية: ὀλιγαρχία أوليغارخيا. وغالبا ما تكون الأنظمة و الدول الأوليغاركية مسيطر عليها من قبل عائلات نافذة معدودة تورث النفوذ و القوة من جيل لاخر.

نهاية الفصل العاشر

noor elhuda likes this.

ريبانزيل غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:59 PM



Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.